60
١ ) آﻧ ﱢ اﻟﻘ ﱠﺺ اﻟﻨ ﻼﻏ ﻲ ﺑ اﺳ ر د(

القرائن اللفظية في القرآن الكريم ( دراسة في بلاغة النص القرآني )

  • Upload
    cairo

  • View
    12

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

١

)دراسة في بالغة النص القرآني(

٢

٣

٤

نم زعتاء وشت نمم لكالم زعنتاء وشت نم لكي المتؤت لكالم كالم مقل الله تولج الليل في النهار )٢٦ ( قديرتشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء

نم قزرتو يالح نم تيالم رجختو تيالم نم يالح رجختل وي الليف ارهالن جولتو )٢٧ـ٢٦:سورة آل عمران ( )٢٧(تشاء بغير حساب

٥

ـ وذعره، ونغفتسينه، ون تعس هللا حنمده، ون دم احل نإ ـ باهللا مـن ش نا سرور أنفوسيئات أشهد أن ال إله نا، من يهده اهللا فال مضل له، ومن يضلل فال هادي له، أعمال

ات ، وخلقت ألجلـها ماوت ا األرض و الس امإال اهللا وحده ال شريك له ، كلمة ق أرسل اهللا تعاىل رسله ، وأنزل كتبه ، وشرع شرائعه ، وألجلها مجيع املخلوقات ، وا

نصبت املوازين ، ووضعت الدواوين ، وقام سوق اجلن ا انقسمت اخلليقة ة والنار ، و .إىل املؤمنني والكفار ، واألبرار والفجار

خملوقاته ، احلمد هللا الذي شهدت له بالربوبية مجيع وأقر ت له باإلهلية مجيـع مصنوعاته ، وشهدت بأنه اهللا الذي ال إله إال هو مبا أودعها من عجائـب صـنعته ،

ضى نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد وبدائع آياته ، وسبحان اهللا وحبمده ، عدد خلقه ، ور احلمد هللا الذي ال يبلغ مدحته القائلون ، وال حيصي نعمـاءه العـادن ، وال .كلماته

يؤد قي ح وال إله إال . تهدون ، الذي ال يدركه بعد اهلمم، وال يناله غوص الفطن ه ااهللا وحده ، ال شريك له يف إهليته ، كما ال شريك له يف ربوبيته ، وال شبيه له يف ذاته

.وال يف أفعاله وال يف صفاته

وأشهأند ل حممدا عبده ورسوله ، صى اهللا عليك يا سيدي يا رول اهللاس ،وبارك عليك وعلى آلك وصحأهل له يا حبيب اهللا، أشهد أنك بك وكل من أنت

عبده ونبيه ورسوله، وأشهد أنك أديت األمانة، وبلغت الرسالة، ونصحت األمة، .وكشفت الغمة، فجزاك اهللا عنا وعن اإلسالم واملسلمني خري اجلزاء

٦

ول اهللا تعايل يف كتابهقيالعزيز يالذ وه اتآي هنم ابتالك كليل عزأن هابشا تون مبعتغ فييز ي قلوبهمف ينا الذفأم اتابهشتم رأخاب وتالك أم نه اتكمحم

ال الله والراسخون في العلم يقولون منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إ .) }{آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إال أولوا األلباب

ص يف القرآن الكرمي ؛ النة انييوالب ةويغ اللبوان اجلعضبم بت هذه فصول احة ، ورمبا يبدو االهتمام بدراسة بعض املظاهر اللغوية غوي املعجز ذي البيان والفصالل

يف هذا العصر الذي نعيشه ، أي يف ظل مناخ اغريببالقرآن الكرمي يف هذه األحايني عاملي مادي استطاع أن يقهر ويقمع اجلوانب الروحية يف حياتنا ، بل وعمد إىل منع

عاجلة القرآن الكرمي بالفهم والتأويل حتت دعاوى العلمانية والتيارات أية حماولة ملوقمع والفلسفات اإلحلادية املعاصرة ، وكذلك معاجلة النصوص الدينية لكبار أئمتنا يف

تناول تراثنا وقد سعت املادية جاهدة يف إجهاض حركة ،تارخينا اإلسالمي الرشيق . لصاحل أغراض استعمارية خفيةالديين

ا الكتاب يقع يف ثالثة أبواب رئيسة ، يتناول األول منها ظاهرة القرائن وهذ اللفظية يف القرآن الكرمي ، وهي تتعلق بالنص القرآين بل تعد من أبرز خصائصه اللغوية واليت تعني على فهم وتفسري القرآن الكرمي ، وفيه نبحث عن تفرد الوظائف

، والقرائن لعربية ومتتعها باألصالة واملعاصرة اللغوية والشهود احلضاري أللفاظ اللغة االلفظية يف القرآن من حيث املفهوم واخلصائص واألنواع ،ودور السياق يف فهم النص القرآين ، وعرض أمثلة من أوجه اإلعجاز البياين والبالغي يف القرآن الكرمي مع

.حتليلها وتفسريها ة بعض موضوعات القرآن الكرمي بينما يتناول الباب الثاين من الكتاب دراس

، ونعين باملوضوعات بعض األلفاظ الواردة يف القرآن الكرمي واليت تتضمن أكثر من

٧

، والعدل ، واملناقشة واحلوار، معىن غري معناها األصلي مثل اإلحسان ، واألواب .واالبتالء واحلكمة منه ، وشهر رمضان وفضائله بعض القضايا اإلسالمية املعاصرة واليت بينما يقتصر الباب الثالث على عرض

تربز وسطية اإلسالم وصالحيته لكل زمان ومكان ، ومن هذه القضايا املبادئ وعرض موجز اإلنسانية يف اإلسالم ، ومكانة املرأة وصورا يف الدين اإلسالمي ،

على حملاوالت تشويه اإلسالم يف اإلعالم الغريب مع كيفية مواجهة هذه احلملة الشرسةفقه اخلطاب " باإلضافة إىل استكمال ما كنا قد بدأناه يف كتابنا اإلسالم واملسلمني،

ويتناول هذا الباب حول جتديد اخلطاب الديين ومعاجلة أوجه قصوره ، " الديين املعاصرأيضا شبكات التواصل االجتماعي وكيف حنصن أبناءنا من خطر النوافذ اإلليكترونية

.املفتوحة نسأل أن ينفع ذا الكتاب ، وأن يوفقنا اهللا ملا هو فيه خري لإلسالم واهللا

..واملسلمني ، واهللا من وراء القصد وهو يهدي السبيل

٨

ابتالك تسرھف

الموضوع الباب

٩ .القرائن اللفظیة في القرآن الكریم ولالباب األ ١٠ .اللغة بني اختالف املواضعة وتفرد الوظائف اللغوية الفصل األول ٢٤ .القرائن اللفظية الفصل الثاين

٤٨ .نظرات يف التعبري القرآين الفصل الثالث ٦٦ من موضوعات القرآن الكریم الباب الثاني ٦٧ معاني اإلحسان في القرآن الكريم الفصل األول ٧٦ األوابون في القرآن الكريم الفصل الثاين

٨٢ .احلوار واملناقشة يف القرآن الكرمي والسنة النبوية الفصل الثالث ٩٢ . يف اإلسالمالعدل الفصل الرابع

٩٩ .حكمة اهللا يف االبتالء الفصل اخلامس ١٠٧ فضائل شهر رمضان الفصل السابع .أنواع ودالالت .. الصرب الفصل الثامن ١١٣ واجتماعیة قضایا إسالمیة الباب الثالث ١١٤ يين املعاصراجلمود وأسبابه يف اخلطاب الد الفصل األول ١٢٣ .حمالت تشويه اإلسالم يف اإلعالم الغربي الفصل الثاين

١٢٩ املرأة يف اإلسالم الفصل الثالث ١٣٦ القيم اإلسالمية الفصل الرابع

١٤٠ .شبكات التواصل االجتماعي اخلامسالفصل ١٥٢ ةركائز ضة األمة اإلسالمي الفصل السادس .ضوابط االجتهاد الفقهي يف اإلسالم الفصل السابع

٩

ةیوغالل ظائفد الورف وتةعاضو المالفتین اخبة غـ الل .القرائن اللفظیةـ

.يآنعبیر القررات في التظـ ن

١٠

ت فذة، حععى ورضى، ووزا فعا وسغو، من باب د، أصلها لةركغة كاللوت ولغون، وهي الصالمها، وعوض عنها هاء التأنيث، وجتمع على لغى، ولغات،

والنطق واهلذيان، ) ما ال يعتد به(قط طأ والسئ واخلبالش) لوعالو(مطلقا، واللهج ة يف القرآن الكرمي، وإمنا ورد مكاا اللسان، بينما وردت غوالباطل، ومل ترد لفظة ل

فإن إجياد تعريف غة اصطالحاأما بالنسبة إىل مفهوم الل .غةيف غري معىن الل) اللغو(لفظة ديدة رون العغة والفالسفة القمالئم للغة أمر يف غاية من الصعوبة، وقد أمضى علماء الل

يف حماولة إجياد تمالئمعريف للم عريف ما هو يف حقيقة األمر إال نظرية صطلح، والت . مركزة، والنظرية ببساطة ما هي إال تعريف موسع

يوضح معناها، ويبني ةغويني بتقدمي تعريف للغاحملدثون من اللاء ومدوقد اهتم الق ة لدى احملدثني من عهرة واسي شنعريف الذي قال به ابن جود ا، وقد نال التصقاملابن جين غوي العامل الله، ويرى دصقه وبيان مرحش، واهتم الكثريون ببرغويني العالل

يف عريف دقيقوهذا الت". راضهموم عن أغأصوات يعرب ا كل ق "اللغة على أاجوهره مع عيف اللعرناصر تاحثني املعاصرين، فهو يؤكد على جانب الطبيعة غة عند الب

الصوتية للرموز اللغوية ، ويبني أيضا أن وظيفتها االجتماعيكار قل األفة هي التعبري ون .ةلغوييئة اليف إطار الب

وقد تعددت تعريفات اللغة بتعدد املذاهب واالجتاهات املختلفة اليت تنظر إىل اللغة سواء باعتبارها أداة يتبادل أفراد اتمع الواحد بواسطتها األفكار، واملعارف، أو

١١

باعتبارها وسيط يسهل عملية االتصال بني أفراد اتمع، ويف ضوء هذين االجتاهني استعمال " اللغة على أا Millerويرى ميللر . ت واختلفت فيما بينهاتعددت التعريفا

رموز صوتيويعرفها جون كارول "ة يعرب مبقتضاها عن الفكرة مقطعي ،John Carroll ا النبأكظام املتشفظية االتفاقية وتتابعات هذه األصوات اليت وات اللل من األص

اس، واليت ميكن أن التصال املتبادل بني مجاعة من النتستخدم أو ميكن أن تستخدم يف ابشكلتصف بينما يرى . ات يف البيئة اإلنسانية عام األشياء واألحداث والعملي

جمموعة من عالمات ذات داللة مجعية مشتركة ممكنة "اللغة بأا MORRIS موريس نسيب يف كل موقف تظهر ، وهي ذات ثبات "النطق بني أفراد اتمع املتكلم ا كافة

فيه، ويكون هلا نظام حمدد تتآلف مبوجبه حسب أصول معينة وذلك لتركيب عالمات .أكثر تعقيدا

ة الصوتي من العالماتنظام" غة بأا ة الل األمريكيعارفوتعرف دائرة املتبادل وسيلة تفاهم خاصة باإلنسان متكنه من " ، ويعرفها سابري بأا " االصطالحية

األفكار والعواطف والرغبات بواسطة رموز صوتية اصطالحية على وجه التغليب " وتعرف املوسوعة الفرنسية اللغة بأا ." ميم يصدرها أعضاء النطق إرادياوالتع

عالمات مركبة تولد يف الشعور إحساسات متباينة، إما مستثارة أو مباشرة، أو خممنة تستعمل رموزا صوتية مقطعية، " س موللر اللغة بأا ويعرف ماك". عن طريق االرتباط

.يعرب مبقتضاها عن الفكرعرف علماء النفس اللغة ، فرأوا أا جمموعة إشارات تصلح للتعبري عن و

حاالت الشعور ، أي عن حاالت اإلنسان الفكرية و العاطفية و اإلرادية ، أو أا رة أو فكرة ذهنية إىل أجزائها أو خصائصها الوسيلة اليت ميكن بواسطتها حتليل أية صو

، و اليت ا ميكن تركيب هذه الصورة مرة أخرى بأذهاننا و أذهان غرينا ، و ذلك . بتأليف كلمات و وضعها يف ترتيب خاص

١٢

و لعل . و هناك تعريفات عديدة أخرى ، تتفق حينا و ختتلف حينا آخر فمن تعريف . ناشئ عن منطلقات أصحاا الفكرية مصدر التباين يف هذه التعريفات

وصفي خارجي ، إىل تعريف نفسي داخلي ، إىل آخر ميثل نظرة فلسفية معينة لواقع وصفا و تقريرا –علما أن الناظر إىل واقع اللغة اإلنسانية .اإلنسان و وجوده و نشأته

خاص ا ، هلا دالالت و جيد أا أصوات و ألفاظ و تركيب منسقة يف نظام–مضامني معينة ، يعبر ا كل قوم عن حاجام اجلسدية و حاالم النفسية و نشاطام

. الفكرية والشك أنه يف ضوء املواضعات السابقة للغة أا جمموعة إشارات تصلح للتعبري عن حاالت الشعور املختلفة، أي عن حاالت اإلنسان الفكرية والعاطفية

اإلرادية،وهي الوسيلة اليت ميكن بواسطتها حتليل أية صورة أو فكرة ذهنية إىل وأجزائها أو خصائصه املميزة، واليت ميكن ا تركيب هذه الصورة مرة أخرى يف أذهاننا، وأذهان غرينا من أفراد اتمع الواحد، وذلك بوضعها يف ترتيب وتنظيم

.خاصن جمموع من املعرف اللغوية، مبا فيها املعاين كما أن اللغة قدرة ذهنية تتكون م

كما أا نظام من الرموز الصوتية . و املفردات واألصوات والقواعد اليت تنظمها مجيعايتألف من أصوات تنجم عن جهاز النطق البشري، وإنساين فهو نتاج للجهد اجلماعي

التوفيق بني وعندما حناول . البشري، ونظامي ألنه خيضع لقواعد تقرر تركيبهاملواضعات املختلفة للغة نستطيع أن خنرج مبجموعة من السمات اخلاصة اليت تصف

:اللغة وهي .غة هلا طبيعة منظمة وتوليديةـ الل١

.ـ اللغة جمموعة من الرموز العشوائية٢

١٣

٣ةـ هذه الرموز صوتية ولكنها قد تكون مرئي.

٤ـ الرتماعاصال بني اجلموز تستعمل لالت.

.ـ اللغة توجد يف جمتمع وثقافة٥

ـ األفراد يكتسبون اللغة بنفس الطريقة تقريبا، أي أن اللغة والتعليم اللغوي هلمـا ٦ .مجيعا صفات عامة متماثلة

.غة أداة للفكر، وتعبري عن العاطفةـ الل٧

.غة جزء من كيان اإلنسان الروحيـ الل٨

.لى غاية من التعقيدغة عملية فيزيائية اجتماعية عـ الل٩

غة ، يف حماولة ـ ولقد تناول علماء اللغة ، وعلماء النفس قضية اكتساب الل وقد اختلفت اآلراء بشأن تلك . كون جادة ـ لتفسري كيفية اكتساب الفرد للغةقد ت

مل تعد اهتمامات علم اللغة و. القضية أو الظاهرة، حبسب فلسفتهم وإطارهم املرجعيتصرة على اجلوانب النظرية والتحليلية يف دراسة اللغة فقط، بل أضيفت احلديث مق

دف إىل -غة التطبيقي خباصة بعد ظهور علم الل–هام جديدة إليها اهتمامات، وم االهتمام بدراسة عيوب النطق ومشكالت التخاطب : خدمة اتمع، ومن هذه املهام

هتمام بدراسة منو الطفل اللغوي، ومنها والكالم، وعالجها إن أمكن، ومنها أيضا االأيضا االهتمام بدراسة ظاهرة اكتساب اللغة، باإلضافة إىل دراسة مهارات االتصال

.معغة واتغوي، وغري ذلك من املوضوعات اليت هلا عالقة وثيقة باللالل

١٤

ويـون والبـاحثون دون غة بصفة عامة وظائف مهمة رصدها العلماء واللغ لل

التفرقة بني اللغة املكتوبة، أو املسوعة، أو املنطوقة، حيث إن هذه االعتبارات الثالثـة موال ريب يف أن وجود عدة . تؤدي وظيفة واحدة هي التفاهم بني أفراد اتمع الواحد

لغات وقت الترتيل بدا لنا فضل العربية، وشرفها على سـائر اللغـات، وتكـرمي اهللا )٢:يوسف(.قلونعم ت كلعا ل يبر ع ناآر ق أنزلناها إن باالختيار كلغة لكتابه األخري

.

وإذا كانت األدبيات اللغوية أسهبت يف احلديث عن أمهية ووظيفة اللغة وتعـدد مناحي استخداماا، فيمكن أن حندد أمهية ووظيفة اللغة يف مظهرين اثـنني؛ الفـردي

. الجتماعي،ولعل هذا التقسيم يتفق مع ما يسمى بالكفاءة اللغوية وا

فأما على املستوى الفردي ،فاللغة تسهم يف إخراج الفكرة من ذهن صـاحبها إىل فاإلنسان جتـول يف . عامل اإلدراك اخلارجي، فتترمجها إىل صورة بارزة ذات كيان ومعامل

امنة إىل أن يقدمها يف صـورة مكتوبـة، أو خاطره جمموعة من األفكار واملعاين تظل ك واللغة بذلك تعد . منطوقة، ويستطيع أن يصور وجيسد بذلك مشاعره واجتاهاته املختلفة

أداة للفكر ووسيلة للتعبري عما يدور يف خاطر اإلنسان من أفكار ، وما يف وجدانه مـن . مشاعر وأحاسيس

ويرى أصحاب الن ظرة الفالعادات، ويكتسب أن اللغة نظام الكتساب غة ة لل كري غوية تعترب مدخال عاما هن الل ات الذ الفرد من خالهلا اخلربة عن طريق التجربة ،وأن آلي

١٥

أن ) فنـدريس (ويرى . لفهم طبيعة عمل اآلليات األخرى كاإلدراك البصري واحلدث ادة وضـع العقـل يف اللغة يف بعض األحيان تستطيع أن تعدل من العقلية وتنظمها، فع

مكان بعينه دائما ميكن أن تؤدي إىل صورة خاصة يف التفكري، وأن يكون هلـا أثـر يف ويؤكد فندريس أن اللغة إذا كانت مرنة وخفيفة ومقتصرة على احلد . طرق االستدالل

األدىن من القواعد النحوية مسحت للفكرة بالظهور يف وضوح تام وأتاحت هلـا حريـة . احلركة

غة يف عالقتها بالفكر والتفكري ، حيث إن هنـاك عالقـة وطيـدة وتربز أمهية الل ومباشرة بني اللغة والفكر تتضح لنا ما أن نربط بني جتريدية الفكر وحقيقة أن اللغة نظام يعمل على مستوى املفاهيم واردات من مقوالت وعالقات ومسات، كمـا أن اللغـة

مثل الزمان واملكان ؛حيث إا تعرب عن املاضي واحلاضـر وسيلة إلدراك ظواهر ثنائية ويف إطار العالقة التبادلية بـني اللغـة . واملستقبل، والتوقف واالستئناف واالستمرار

والفكر تبدو العالقة التبادلية يف أوضح صورها، فكما يسمو الفكر بلغته، ميكن للغة أن ين أن اللغة كانـت أشـد األسـلحة تسمو بفكر صاحبها، ويشهد تاريخ الفكر اإلنسا

. األيديولوجية ضراوة،وهي الوسيلة واألداة القوية يف السيطرة على الفكر

وعن طريق اللغة يقوم اإلنسان بالعمليات التفكريية من تفسري وحتليـل وموازنـة وإدراك للعالقات، واستخراج للنتائج وجتريد وتعميم، مث يصب ناتج كل هذه العمليات

لذا أصبح من الواضح .ا متده اللغة بالرموز اليت حتدد له املعاين وحتمل له األفكار عندملنا بشكل مطرد أن احلديث عن التفكري مع جتاهل اللغة يفتقد كثريا إىل التوازن نظـرا

١٦

ألن األلفاظ ليست فقط ذات أمهية قصوى يف تعلم املفاهيم ولكنها أيضا الوسـط أو .ع أنواع التفكريالقناة املوصلة جلمي

أفضل حتليل مستنري للتفاعل بـني Vygotskyوقد قدم عامل النفس فيجوتسكي حيث يرى أن للغة وظيفتني م ، ١٩٦٢عام ) التفكري واللغة (اللغة والتفكري يف كتابه

هلما نفس املستوى من األمهية ،أوهلما االتصال اخلارجي، والثانية الـتحكم الـداخلي ولقد بسط العلماء العالقة بني اللغة والتفكري مثل سـابري و هكتـر . اره الداخلية بأفك

هامريل و باريل ماكالفن ، حيث إن املعاين غري حمددة وغري ثابتة ويف حالة تشكل دائما تكون مبهمة خمتلطة بغريها حىت إذا جاء اللفظ عمد إىل حتليل املعاين وتصنيفها، ومن مث

ونقرب هلذا مثال من اللغة العربية ، فاإلميان معىن كامن يف الـنفس . حتديدها وتثبيتها حنس به ونستشعره دون أن نقوى على حتديده، فإذا عربنا عنه باأللفاظ ميزنا اإلميان عن

.اإلسالم عن التقوى عن اإلحسان، وقلنا أن اإلميان ما اعتقده القلب وصدقته اجلوارح

اللغة هي املستودع التعليمـي للمعـارف واملعـايري أما على املستوى اجلمعي فإن " الثقافية والتاريخ االجتماعي املتوارث عن طريق العملية التعليمية ، وتعمـل اللغـة

واللغة ذا . كالغراء االجتماعي الذي يتم مبوجبه الشعور باملاضي واحلاضر واملستقبل وهي أكثر اللغـات اإلنـسانية املنظور االجتماعي يالشك أبرز مالمح ثقافتنا العربية،

ارتباطا باهلوية، وهي اللغة اليت مازالت سجال أمينـا حلـضارة أمتـها يف ازدهارهـا وانتكاسها، لذا فاللغة اجتماعيا سالح قوي يف مواجهة تفتيت التكتل اإلسالمي يف ظل

ع احلديث، وتزداد يوما بعد يوم مسامهة اللغة يف حتديد األداء الكلي للمجتم . العوملة

١٧

فهي تساعد يف تدعيم العالقات اليت تربط اتمع، وأهم العوامل الـيت حتـدد ثقلـه .االستراتيجي

وإذا نظرنا للغة باعتبار مهاراا األربع ، نرى الدور املهم هلا يف حياة اتمـع ، ماع أو حيث إا سالح الفرد يف مواجهة كثري من املواقف اليت تتطلب الكالم أو االست

القراءة أو الكتابة، وهذه املهارات أدوات مهمة يف إحداث عملية التفـاهم يف مجيـع نواحيها، والشك أن من أهم الوظائف االجتماعية للغة ما تربزه اخلطـب الـسياسية

.واملقاالت وأساليب الدعاية

بل هي واللغة ليست أداة صناعية خارجة عن عالقاا باتمع الذي تعيش فيه، صورة له، نابضة باحلياة، فإذا كان اتمع متخلفا ظهرت آثـار التخلـف يف لغتـه، متخلفة معه، وإذا كان جمتمعا راقيا بدا الرقي يف لغته، كـذلك فالـشعوب البدائيـة يتكلمون لغة مادية ال تعرف الفكر أو املعاين الكلية، أما الشعوب الراقية ذوات الثقافة

غاا مسات حياا العامة واخلاصة اليت تستطيع أن تعـرب يف صـور والفكر فتحمل ل متعددة ، وعبارات ال حتتاج إىل اإلشارات، واللغة العربية جتنح إىل العقليـة واخليـال

.والتعبري عن الشئ منظورا إليه من جهات متعددة

والقيم وحنفظ ومل تعد اللغة جمرد أداة اتصال نعرب بواسطتها عن املفاهيم واألفكار ا التراث الثقايف والعلمي فحسب، وإمنا أخذت تلعب دورا رئيسا يف عملية التنميـة الروحية واالجتماعية والعلمية والتكنولوجية، وأصبحت وسيلة أساسية لتوحيد األمة

.سياسيا ، ملا يف اللغة من قوة تتجاوز أمهيتها من التعبري إىل التغيري

١٨

تدل اللغة العربية على احلياة العقلية من ناحية إن لغـة كـل أمـة يف كـل عصرمظهر من مظاهر عقلها وتفكريها ، ومل ختلق اللغة دفعة واحـدة ، ومل يأخـذها اخللف من السلف الصاحل كاملة ، إمنا ختلق أو خيلق الناس يف أول أمرهم ألفاظا علـى

ا ظهرت أشياء جديدة خلقوا هلا ألفاظا جديدة ، وإذا اندثرت أشياء قدر حاجام ، فإذ وهذا ما أشار . قد تندثر ألفاظها معها ، وهكذا نرى اللغة يف حياة وموت مستمرين

مـن Arabia before Mohammed " العربية قبل حممد " يف كتابه " أولريي " إليه يضا تنمو وترقى تبعا لرقـي األمـة ، حيث إن االشتقاقات والتعبريات اللغوية فهي أ

وملا كان هذا أمكننا إذا أحضرنا معجم اللغة الذي تستعمله األمـة : " ويقول أولريي " . يف عصر من العصور أن نعرف األشياء املادية اليت كانت تعرفها واليت ال تعرفها

اال استعم" لفظ " ولقد درج النحاة واللغويون القدماء على استعمال كلمة " غري حمدد ، وهذا ما أشار إليه املفكر اللغوي الدكتور متام حسان ، حيث إن كلمة

العربية تشري تارة إىل الكلمة ، وتارة أخرى إىل الكالم ، رغم الفارق البين بني " لفظ كليهما يف اإلفراد والتركيب ، ولكن هذا يعكس ما للفظة العربية والواحدة على

وما يؤكد كالمنا هذا قول ابن .وتعابري طويلة بكلمة واحدة قصرية التعبري عن معانالكالم هو اللفظ املركب املفيد : " وقول اجلزويل " . كالمنا لفظ مفيد : " مالك

، إذا حنا كالمها باللفظ منحى التركيب يف مقابل ما شاع من جعل اللفظ " بالوضع لنا نقر بامتالك اللفظة الواحدة صورة وهذا جيع .مرادفا للكلمة على ألسنة الدارسني

١٩

ذهنية ثابتة نسبيا إذا عاجلناها من املنظور املعجمي ، وبصور ذهنية متعددة إذا خرجت .هذه اللفظة من ضيق املعىن املعجمي إىل آفاق أرحب وأوسع

وحينما نقترب لرصد املشهد احلضاري أللفاظ اللغة العربية نستبني أن هناك معانيها يف اإلسالم ، حيث كان املعىن هلا يف اجلاهلية عاما وخصص يف ألفاظا تغريت

اإلسالم ، مثل الصالة ، والزكاة ، واحلج ، والبيع ، واملزارعة ، بل إن اللفظ الواحد قد تغري مدلوله يف عقل السامع بانتقاله من طور البداوة إىل املشهد احلضاري ، مثل

لدى البدوي املقعد اخلشيب أو احلجري فقط لذلك لفظة الكرسي اليت كانت تعينالذي جيلس عليه املرء ، ولكن بعد نزول القرآن استطاعت اللغة العربية أن ختلق هلا مشهدا حضاريا ليعادل هذه املعجزة اللغوية السماوية ، فانتقل مدلول الكرسي من

. ملرتلة وهكذا معناه الضيق ليشري مرة إىل العرش ، ومرة إىل املنصب ، ومرة إىل اإن لفظ اجلاهلية اسم حدث يف : " واإلمام جالل الدين السيوطي يف كتابه املزهر يقول

" .اإلسالم للزمن الذي كان قبل البعثة ، واملنافق اسم إسالمي مل يعرف يف اجلاهلية

وأوضح علماء اللغة املتقدمون أن أهل التحقيق أشاروا إىل أن األلفاظ العربية معاين ، كون املعاين أصال لأللفاظ ، حيث إن املعاين منها ما يكون معىن واحدا تابعة لل

، مث توضع له ألفاظ كثرية تدل عليه وتشعر به ، ولو كانت املعاين تابعة لأللفاظ لكان ويؤكد قولنا هذا ما أشار . يلزم إذا كانت األلفاظ خمتلفة أن تكون املعاين خمتلفة أيضا

لعريب حيىي العلوي يف كتابه الطراز ، حيث يقول إن املعاين لو كانت تابعة إليه البالغي الأللفاظ للزم يف يف كل معىن أن يكون له لفظ يدل عليه ، فإن املعاين ال اية هلا ، واأللفاظ متناهية ، وما يكون بغري اية ال يكون تابعا ملا له اية ، ويقول البالغي حيىي

٢٠

وإمنا كانت األلفاظ متناهية ، ألا داخلة يف الوجود، وكل ما : " العلوي ما نصه دخله الوجود من املكونات فله اية الستحالة وجود ما الاية له ، وموضعه الكتب

" .العقلية

ومثة عوامل جعلت اللغة وألفاظها خترج من كوا جمرد وسيلة اتصال ووسيط اهد احلضارة اإلنسانية ، منها عوامل للتواصل اإلنساين إىل اعتبارها مشهد من مش

تطور الوظيفة اللغوية ، وتنوع اخلطاب اللغوي من خطاب ال خيرج عن املراسالت اإلخوانية أو الرمسية إىل خطاب إبداعي مثل الشعر والقصة والرواية ، وخطاب سياسي

لدال ، وعوامل وافدة مثل نظريات علوم اللغة اليت أطلقت على اللفظ اللغوي مفهوم ا .وعلى ما يتضمنه اللفظ من معىن ومضمون مفهوم املدلول

واللغة العربية اليت حنرص أن يلتزم ا متحدثو الضاد نطقا وكتابة بصورة وظيفية أو إبداعية ، هي لغة كتب هلا الشهود احلضاري منذ أن نزل القرآن الكرمي ا

وال ينكر جاحد أن القرآن . ينقطع ، فأعطى هلا حق احلياة ، ومنحها جتددا مستداما الالكرمي دستور املسلمني يف شىت بقاع األرض قد حقن اللفظة العربية بعقار منحه النشاط الزائد ، وخري دليل على نشاط املفردة العربية أن حركة التقدم العلمي املستمرة كل يوم قد صحبها جتديد البحث يف النشاط اللغوي ومن خالل تقعيد

.ت لغوية جديدة تناسب هذا التقدم العلمي مفردا

بل إن اللغة العربية ذاا أصبحت يف السنوات األخرية من إحدى وسائل الشحذ احلضاري ، عن طريق دور الترمجة اللغوية الصائبة لكل املؤلفات العلمية ،

٢١

وهذا ما أشرنا إليه وحنن نتحدث عن تغري وظيفة اللغة من كوا وسيلة اتصال ووسيط . تواصل إىل وسيلة ضرورية لتنمية الفكر البشري عن طريق الترمجة

والشك أن اللغة استطاعت أن تلعب دورا سياسيا بالغ اخلطورة واألمهية على السواء يف املشهد السياسي يف الدول اليت شهدت ربيع الثورات يف العام املاضي ،

يف تواصلهم االجتماعي اختفت فاللغة اإلشارية اليت كان الشباب يصر على إقحامها واندثرت بفعل التماس الثائرين للغة ومفرداا النشطة للتعبري عن مطالبهم ومطاحمهم ، وهذا ملمح آخر جديد على الشهود احلضاري املعاصر أللفاظ اللغة العربية اليت مل

. تكن غائبة عن احلراك السياسي

يعتها تتعرض حملاوالت تشويه العربية وبالغتها املميزة لطباللغةورغم أن مقصودة ومستمرة من قبل بعض األشخاص الذي يطلقون على أنفسهم لفظ مبدعني وكذلك بعض املنظمات األجنبية اليت تعمل جاهدة ليل ار على تقويض دعائم اللغة عن طريق املناداة بدعاوى مشبوهة لغويا مثل التخلي التدرجيي عن اخلاصية اإلعرابية

وعن طريق ميش دور القواعد العروضية اليت متثل طقس الشعر وشرائطه للغة ، الضابطة ، وأخريا ضرورة الدمج بني اللغة الفصيحة واللهجات العامية حتت ظن أن

.األخرية أقرب يف التواصل بني املتحدثني باللغة ذاا

هائلة وهذا لغط شديد وخطأ بين ، ألن األلفاظ العربية الفصيحة متتلك قدرةبفضل اللفظ القرآين على الثراء واالمتالء اللغوي مبعىن القدرة على التعبري التام عن مجيع املشاعر واملظان واحلقائق ، باإلضافة إىل متتع اللفظة العربية باحلضور عن طريق

٢٢

وتتميز اللغة العربية مبزية فريدة ال تشترك معها فيها لغات .تنوع املعىن ودقة التوصيف وهي مزية االنفراد اللغوي ، أي أن هناك كلمات تعد نشيطة أي قابليتها أخرى

لالشتقاق والنحت اللغوي من مفردة واحدة مع احلفاظ على قدر مقبول من التمايز ، ( علم : مثل مشتقات كلمة علم ، واليت ميكن اشتقاق وحنت عدة كلمات منها مثل

وعليم ، وعالم ) بفتح العني وتسكني العني( ومعلم ومعلم ) بكسر العني وتسكني الالموهذه الزوائد والسوابق واللواحق والدواخل اليت .، وإعالم ، وتعليم ، واستعالم

ألن هذه الزوائد ) أصغر وحدة لغوية ذات معىن (تضاف إىل الكلمة تعد مورفيمات .مورفيمات هلا معانيها وألا وحدات يكثر تواجدها يف كلمات اللغة

عملية النحت اللغوي تلك متنح اللفظ العريب القدرة على الشهود احلضاري و، والقدرة على التكيف املقبول واملناسب لكافة املتغريات املعاصرة ، والتعبري عن

مثة ظاهرة أخرى تتمتع ا األلفاظ العربية لتحقق الشهود . حاالت اجتماعية متباينة وار بني الكلمات ، وهو ما اتفق على تسميته بني احلضاري للغة ذاا ، وهي ظاهرة احل

املنظرين اللغويني بالسياق اللغوي ، حيث إن املفردة اللغوية ال تتمتع بنوع من التمايز املستقل أو االستعالء اللغوي عن بقية الكلمات الواردة بنص لغوي معني ، ومفاد هذا

عني ، وبتراص األلفاظ بصورة أن اللفظة الواحدة متثل الشكل الظاهري ارد لنص م .متناسبة ومترابطة حتت موضوع حمدد متنح للنص نفسه شكال باطنيا آخر بغري خلل

ملمح آخر يؤكد على الشهود احلضاري أللفاظ اللغة العربية ، وهو تقسيم الكلمات العربية إىل كلمات نشيطة ، وكلمات خاملة ، ويقصد بالكلمات النشيطة

تعلم ليستخدمها املرء يف كالمه وكتابته ، أما الكلمات اخلاملة تلك الكلمات اليت

٢٣

فيقصد ا تلك الكلمات اليت يتوقع من اإلنسان أن يفهمها إذا مسعها أو قرأها ، ولكن ورغم هذا التقسيم إال أنه ليس ثابتا ، . ال يتوقع منه أن يستخدمها إذا تكلم أو كتب

( متحركة ، فالكلمات اخلاملة يف نشاط لغوي فاحلدود بني هذين النوعني حدود مرنةمعني قد تكون نشطة يف خطاب لغوي آخر ، أي أن الكلمات ) خطاب لغوي

واأللفاظ العربية يف انتقال مستدام من دائرة اخلمول إىل دائرة النشاط ، ذلك ألن . لكل حقل وميدان لغوي من ميادين املعرفة مفرداته ومواضعاته اللغوية احملددة

****************************

٢٤

الفصل الثاني

يعراع القطف منان اإلعجاز عاإل: " بقوله جاز :إثبات العجز ، والعجيف ز عارف الت :للقاسم ورصعن ف عل الشئ ، وهو ضالقد وإذا ثرة ، دباإلعجاز ظهرت ت

وى عيف د) صلى اهللا عليه وسلم(يب النقدار صهظنا إ هازج باإلعرادموال.قدرة املعجزالرسالةبإظهار ع جربز العزته اخلعج عن معارضته يف مرآن الكرمي ، دة وهي القالجز األجيال بعدهم ، واملعجزةوعخار هي أمر للق عادةرونق مبالت حعن ي ساملد . ةمعارضال

ما هلا من أسلوب درك على الفورم ييك احلرك الذآلياتبتدبر تقرئسامل و من وحفظهااألخرى البيانية واللغوية صوصية عن األساليب فريد ونظام منحها خ

والقلوب هلا النفوس روعة تز الكرمي للقرآنوالدخيل واالختالف واللحن ،وهذا ليس بغريب على كتاب أنزله ، ختشع له القلوبعجيب وقع له ، وواأللباب

السموات واألرض ، ومما حيفظه القرآن الكرمي والتاريخ اإلسالمي لنا من أثر هذا رب الوقع هو ما استشعر به مشركو مكة وهم أهل البالغة والبيان واإلفصاح حينما

آيات القرآن الكرمي ، وحينئذ عرفوا عظمته وإعجازه اللغوي والبياين ، استمعوا إىل .لكن الكرب والغرور هو الذي منعهم من اإلميان به ومبا جاء فيه

٢٥

وقد استطاع الوليد بن املغرية يوم مساعه القرآن، أن يصف بدقة بالغة أثره يف ة، وإن أسفله ملغدق، وإن واهللا إن له حلالوة، وإن عليه لطالو: (النفوس، حيث قال

وكل منصف للحقيقة يقر أن األسلوب الذي جاء ).أعاله ملثمر، وما هو بكالم بشرعليه القرآن الكرمي، والنسق الذي صيغت عليه آياته، أمر يف غاية الروعة والبيان، وال

ويقول ،)٢٣:الزمر( أحسن احلديثعجب يف ذلك، فهو كالم رب العاملني، وهو وكما يذكر األستاذ سيد قطب .)٨٧:النساء( ومن أصدق من اهللا حديثا :تعاىل

أن القرآن الكرمي سحر العرب منذ " التصوير الفين يف القرآن الكرمي" يف كتابه اللحظة األوىل ، سواء من شرح اهللا صدره لإلسالم ، ومن جعل على بصره منهم

وقصة تويل الوليد بن املغرية ) رضي اله عنه ( غشاوة ، وقصة إميان عمر بن اخلطاب منوذجان من قصص كثرية متعددة لإلميان والتويل وكلتامها تكشفان عن هذا السحر

.القرآين الذي أخذ العرب منذ تلك اللحظة األوىل

رفة كمربرومن املتكلمني من أشار إىل الصرفة يف نظر لإلعجاز القرآين ، والصعن معارضة القرآم مع قدرم عليها، رف العرب هللا صأهل الكالم واملتكلمني هي أن ا العلوملب العربرفة أن اهللا سواملرتضي يرى الص. فكان هذا الصرف خرقا للعادة

: وقال القاضي أبو بكر الباقالين . اليت حيتاجون إليها يف املعارضة ليجيئوا مبثل القرآنعارضة ممكنة ، وإمنا منع منها الصرفة، مل ومما يبطل القول بالصرفة ، أنه لو كانت امل"

وإمنا يكون املنع معجزا ، فال يتضمن الكالم فضال على غريه يف يكن الكالم معجزا " . نفسه

قل لئن : والقول بالصرفة قول فاسد يرد عليه القرآن الكرمي يف قوله تعاىل مثل هذا القرآن ال يأتون بمثله ولو اجتمعت اإلنس والجن على أن يأتوا ب

٢٦

ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل )٨٨(كان بعضهم لبعض ظهريا . )٨٩ ـ ٨٨:سورة اإلسراء ( مثل فأبى أكثر الناس إال كفورا

العرب بالقرآن الكرمي ، وهم كانوا يف قمة ) وجل عز ( ولقد حتدى اهللا البالغة والفصاحة والبيان ، ورغم ذلك التفوق اللغوي نزل القرآن الكرمي يتحداهم فيما برعوا فيه فسجلوا عجزهم أمامه مما يدل على أن العجز بغريهم ألصق ، ولقد

يقولون تقوله بل ال أم :أن يأتوا مبثله ، يقول تعاىل ) عز وجل ( حتداهم اهللا ، )٣٤ـ٣٣:سورة الطور( فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقني)٣٣(يؤمنون

أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا : ويقول تعاىل د نم متطعتاس نمنيقادص مإن كنت الله ون) ١٣:هود . (

إىل أن أحد " يف نور القرآن الكرمي " ويشري الدكتور زين شحاتة يف كتابه سابق البنيان علي األركان ، غزير املعاين ، " أسباب إعجاز القرآن الكرمي هو نزوله

دخل شغاف القلب فيه بليغ النغم ، معجز النظم ، ، يأسر اللب ، ويسحر العقل ، وي " . حالوة وروعة ومهابة

واحلديث عن فضل القرآن الكرمي على لغة العرب ال حيتاج إىل دليل ، فقد علم وال يزال يعلم أهل األرض كافة أن اللغة العربية تبوأت مكانتها تلك بسبب كوا

ارت اللغة وعاء لكالم اهللا تعاىل ، وألجل ذلك قامت العلوم املختلفة خلدمتها مث ص، ولعل من أسباب هذا العربية لغة العلم واحلضارة ، جبانب كوا لغة العبادة والتعبد

. السحر البياين الذي متتعت به آيات القرآن الكرمي التناسق والتكامل يف اللفظ واملعىن

٢٧

ويف هذا الصدد يشري الدكتور السيد تقي الدين إىل أن القرآن الكرمي يقدم فنية أدبية وقد حدد لنا مثال أعلى يف احلياة والفن ، ورسم للفكر خريطة لوحات إلينا

وهذا ما أكده أيضا الدكتور حممد . تستمد خيوطها من تلك الينابيع واملناهل الفياضة .دراز من أن القرآن الكرمي كتاب أديب وعقيدي يف نفس الوقت ونفس الدرجة

يف ه اإلعجاز القرآين حيث إن ويشري الباحث السيد سبيط إىل وجه من وجو –القرآن نظاما حمكما شديد الصرامة ، منتشرا يف مجيع أجزائه ، حبيث ان اللفظ

والترتيب والتسلسل املعين لأللفاظ يف كل تركيب هو جزء من -مفردة كان أو حرفاع هذا النظام ، واخلطأ يف تصور شيء منه يف أي موضع يؤدي إىل اخلطأ يف تصور فرو

وخلص مصطفى صادق الرافعي إىل نتيجة السحر القرآين .كثرية متصلة بذلك املوضعوطرائق نظمه ، ، سلوبه أ وهنظمالبياين ومدى تأثريه يف الودان واأللباب من حيث

هو وجه ،و ووجوه تراكيبه ، ونسق حروفه يف كلماته يف مجله ، ونسق هذه اجلمل وف القرآن يف موضعه من اإلعجاز الذي ال واحلرف الواحد من حر.الكمال اللغوي

يغين عنه غريه يف متاسك الكلمة ، والكلمة يف موضعها من اإلعجاز يف متاسك اجلملة ، . واجلملة يف موضعها من اإلعجاز يف متاسك اآلية

مداته وغناته و وائتالف حركاته وسكناته ، هاتساقومن وجوه اإلجاز القرآين كن أن يصل إليها ال ميبصورة األفئدة واستهوى األمساع عى استر) ما(وهذا هو ...

كالسور املنيع االتساق الفريد فكان ذلك . سواء أكان شعرا أم نثراأي كالم آخر حلفظ القرآن الكرمي حبيث لو داخله شيء من كالم الناس العتل مذاقه ، واختل نظامه

ة املوسيقى يف حروفه وتآخيها يف من حيث قو؛فالقرآن الكرمي كله وحدة مترابطة . وكأن املعاين مؤامنة ... كلماته ، وتالقي الكلمات يف عباراته ونظمه احملكم يف رنينه

.لأللفاظ ، وكأن األلفاظ قطعت هلا وسويت حسبها

٢٨

متحدثا " يف ظالل القرآن" ويقول اإلمام الشهيد سيد قطب يف تفسريه البياين ن يف هذا القرآن سرا خاصا، إ: " عجاز اللغوي للقرآن بقوله عن بالغة وبيان وسر اإل

إنه . يشعر به كل من يواجه نصوصه ابتداء، قبل أن يبحث عن مواضع اإلعجاز فيهايشعر أن هنالك شيئا ما وراء املعاين اليت . يشعر بسلطان خاص يف عبارات هذا القرآن

ينسكب يف احلس مبجرد االستماع وأن هنالك عنصرا ما . يدركها العقل من التعبرييدركه بعض الناس واضحا، ويدركه بعض الناس غامضا، ولكنه على ، هلذا القرآن

أهو : ذا العنصر الذي ينسكب يف احلس، يصعب حتديد مصدره. كل حال موجودالعبارة ذاا ؟ أهو املعىن الكامن فيها ؟ أهو الصور والظالل اليت تشعها ؟ أهو اإليقاع

آين اخلاص املتميز من إيقاع سائر القول املصوغ من اللغة ؟ أهي هذه العناصر القر " . كلها جمتمعة ؟ أم إا هي وشيء آخر وراءها غري حمدود

ومن معجزات القرآن أنه خياطب العقل والقلب معا ، فتجد له وقعا على أيها الناس قد يا : كليهما ، وجعله اهللا شفاء للقلوب ورمحة ونور ، قال تعاىل

ننيمؤة للممحرى ودهور ودي الصا ففاء لمشو كمبن رظة معوكم ماءتج وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة : تبارك وتعاىل : ، وقال) ٥٧ :يونس (

، كما أن معظم القرآن )٨٢:سراءإلا( لظالمني إلا خساراللمؤمنني وال يزيد اإمنا خياطب العقل وحيثه على التفكر يف خلق اهللا كالسماوات واألرض وإمعان النظر يف

: الكون ويف األنفس واآلفاق وجعل ذلك وسيلة للوصول إىل اإلميان باهللا ، قال تعاىل لكوتي موا فنظري لمأن أوء وين شم الله لقا خمض واألرو اتاومالس

األعراف ( عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون :١٨٥( .

٢٩

وقد جعله اهللا تعاىل مصدرا لتثبيت النفس وعوا على الصرب ومصدر هداية : ، قال تعاىل ) صلى اهللا عليه وسلم(ما ثبت به اهللا تعاىل فؤاد النيب وتبشري للمؤمنني ك

ىرشبى ودهوا ونآم ينالذ تثبيل قبالح كبن رس مالقد وحر لهزقل ن نيملسلمل )كما جعله مصدر راحة وإطمئنان للمؤمن، قال تعاىل )١٠٢ :النحل، :ال القلوب نئطمت كر اللهأال بذ كر اللهم بذهقلوب نئطمتوا ونآم ينذ وكم أسعد هذا القرآن قلوبا مولعة ومشتاقة للرمحن ومتعطشة للقاءه ، ،)٢٨ :الرعد(

د فتجد كالمه تعاىل خري دواء وسكن يرتل بردا وسالما على القلب والروح فتسعالنفس بترتيله فما أعظمها نعمة هي نعمة القرآن ،وهذا إمنا يفهمه ويشعر به املؤمن

. كامل اإلميان الذي يتوق للقاء الرفيق األعلى

، وسيبقى هذا القرآن معجزا بلفظه ومعناه إىل أن يرث اهللا األرض ومن عليها من عند غير الله لوجـدوا فيـه أفال يتدبرون القرآن ولو كان :قال تعاىل

إن هؤالء املنافقني والذين ىف قلوم مرض قـد .)٨٢: سورة النساء ( اختالفا كثريا خيب اهللا سعيهم ، وكشف خباياهم ، ورأوا بأعينهم سوء عاقبة الكـافرين وحـسن

رآن وما اشتمل عليه مـن عاقبة املؤمنني ، فهال دفعهم ذلك إىل اإلميان وإىل تدبر الق تشهد بأنه من عند اهللا ، ولـو ،هدايات وإرشادات وأخبار صادقة ، وأحكام حكيمة

، وىف نظمـه ،كان هذا القرآن من عند غري اهللا أى من إنشاء البشر لوجدوا ىف أخباره فضال عن االختالف القليل ، ولكن القرآن ألنه كثريا وىف معانيه اختالفا ،وىف أسلوبه

ن عند اهللا وحده قد ترته عن كل ذلك وخال من كل اختالف سواء أكان كـثريا أم م .قليال

٣٠

تباين النظم ، وتناقض احلقائق ، وتعارض األخبـار هنا هو فاملراد باالختالف .وتضارب املعاىن ، وغري ذلك مما خال منه القرآن الكرمي ألنه يتناىف مع بالغته وصدقه

لوجدوا فيه اختالفا كـثريا : تعاىل قوله: ف وىف ذلك يقول صاحب الكشالكان الكثري منه خمتلفا متناقضا قد تفاوت نظمه وبالغته ومعانيه فكان بعضه بالغا : أى

يغيب قد وافق املخرب عنه متكن معارضته ، وبعضه إخبارا وبعضه قاصرا . حد اإلعجاز على معىن صحيح عند علمـاء عنه ، وبعضه داال خمالفا للمخرب عنه ، وبعضه إخبارا . على معىن فاسد غري ملتئم املعاىن ، وبعضه داال

فلما جتاوب كله بالغة معجزة فائقة لقوى البلغاء ، وتناصر معان ، وصدق أخبار دل على أنه ليس إال من عند قادر على ما مل يقدر عليه غريه ، عامل مبا ال يعلمه أحد سواه

.

الكرمية تدعو الناس ىف كل زمان ومكان إىل تدبر القرآن الكرمي وتأمل فاآليةأحكامه ، واالنقياد ملا اشتمل عليه من توجيهات وإرشادات وأوامر ونواه ، ليسعدوا

فالتناسق املطلق الشامل الكامل هو الظاهرة اليت ال خيطئها مـن . ىف دنياهم وآخرم مما ختتلف العقول واألجيـال يف إدراك ، وجماالا ومستوياا ،يتدبر هذا القرآن أبدا

- حبسب قدرته وثقافته وجتربته وتقواه -ولكن كل عقل وكل جيل جيد منها . مداها ومـن مث .يف حميط يتكيف مبدى القدرة والثقافة والتجربة والتقوى ، ما ميلك إدراكه

التدبر وفق منـهج عند -ومستطيع . خماطب ذه اآلية ، وكل جيل ، فإن كل أحد -أو ظاهرة التناسق ، ظاهرة عدم االختالف - أن يدرك من هذه الظاهرة -مستقيم

.ما يئه له قدرته وثقافته وجتربته وتقواه

٣١

ذات التأثري إعجاز القرآن الكرمي ظاهرة القرائن اللفظية ، وهي أبرز معامل من وهذا هو ،ي واليت تسبب صرف اللفظ عن معناه احلقيقياخلاص على الوضع اللغو

الشيء الذي حيصل يف االستعماالت اازية مبا للمجاز من مدلول عام يشمل وقبل اخلوض يف احلديث عن القرائن اللفظية يف القرآن .االستعارة والكناية وغريمها

ح القرينة وما الكرمي جيدر بنا أن نلقي نظرة سريعة بغري إخالل أو تفريط عن مصل .يرتبط ا من مواضعات ومصطلحات أخرى

ينة يف اللغة مأخوذة من املقارنة، وهي املصاحبة ، ويعرفها اللغوي ابن القريقال فالن قرين فالن ، أي مصاحب ، : " بأا " معجم مقاييس اللغة"فارس يف كتابه

ة على نفس اإلنسان القترانا به ، ويقال قرنت الشئ بالشئ وصلته به، وتطلق القرين " . على الزوجة ، فيقال فالنة قرينة فالن أي زوجتهكما تطلق

على أنه مل يتعرض لتعريف القرينة ) هـ١٤١٦(يؤكد الشيخ صاحل السدالن يف االصطالح الشرعي إال احملدثون ، ومل يعرفها الفقهاء القدامى ولكن استعملوها

ويرجع الشيخ السدالل السبب . القرائن والعالمات واألمارات : ادفة مثل بألفاظ متر . يف ذلك إىل ظهور معناها ووضوح داللتها على املراد ا

وممن تعرض ملواضعة القرينة من اجلهة الشرعية الشريف اجلرجاين يف كتابه رقاء فيعرفها أما مصطفى الز" . إا أمر يشري إىل املطلوب : " التعريفات فقال عنها

٣٢

كل أمارة ظاهرة تقارن شيئا خفيا وتدل عليه ، وهي مأخوذة من املقارنة مبعىن : " بأا األمارة اليت تدل : " أما الشيخ عبد العال عطوة فيعرفها بأا " . املوافقة واملصاحبة

وتنقسم القرينة " . على أمر خفي مصاحب هلا بواسطة نص أو عرف أو سنة أو غريهاشريعة اإلسالمية إىل ثالثة أقسام رئيسة وهذا ما أشار إليه الشيخ صاحل بن غامن اليف

: السدالل ، حيث حدد هذه األقسام فيما يلي

.القرينة باعتبارمصدرها ) أ( .القرينة باعتبار عالقتها مبدلوهلا ) ب( . تقسيمها باعتبار قوة داللتها ) ت(

لقرينة أا ما يستنبطه املشرع أو القاضي أما رجال القضاء والقانون فريون اوهذا ما قضت به حمكمة النقض املصرية يف . من أمر معلوم للداللة على أمر جمهول

تعريفها ملفهوم القرينة بأا استنباط أمر جمهول من واقعة ثابتة ، حبيث إذا كانت هذه . نباطالواقعة حمتملة وغري ثابتة بيقني ، فإا ال تصلح مصدرا لالست

البيان يف روائع القرآن " وقد أشار أستاذنا الدكتور متام حسان يف كتابه املاتع " إىل القرينة اللفظية بأا عنصر من عناصر الكالم يستدل به على الوظائف النحوية "

ويذكر أن مثل " . فيمكن االسترشاد ا أن نقول هذا اللفظ فاعل ، وذلك مفعول به وختتلف . إىل املكان الذي يقصده معامل الطريق اليت يهتدى ا املرء هذه القرائن كمثل

القرائن باختالف اللغات ، ومن القرائن اللفظية يف اللغة العربية قرينة البنية واإلعراب .والرتبة والتضام، والسياق والربط

٣٣

عىن آخر القرينة قرينة البنية هي داللة صورة الكلمة على املعىن النحوي ، مبهي الدليل ، أما البنية فهي كما يعرفها الدكتور متام حسان إطار ذهين جمرد للكلمة

.املفردة وليست الكلمة ذات املعىن املفرد

هي قرينة حنوية ووسيلة أسلوبية ، أي أا يف النحو قرينة على املعىن ويف . يب عبارة واستجالب معىن أديباألسلوب مؤشر أسلويب ووسيلة إبداع وتقل

:قرینة السیاق

السياق وأمهيته يف سالمة " يشري الدكتور أنس وكاك يف دراسته املعنونة بـ املتعلق والبعد وارى الذي يأيت الكالم منصبا : " إىل قرينة السياق بقوله "االستدالل

من حيث هو قرينة كربى والسياق .فيه، فسياق الكالم أسلوبه وجمراه الذي جيري فيهيعتمد على القرائن ) مقايل(سياق لغوي : أو جمموعة قرائن صغرى ينقسم قسمني

اللغوية اليت يتضمنها الدليل و يستدل ا على مدلوله من جهة اللفظ واملعىن لتحديد .املعىن اللغوي، أو ما يعرب عنه البعض باملعىن النحوي أو الوظيفي للجملة

يعتمد على سائر القرائن األخرى املرتبطة ) مقامي(وسياق غري لغوي بالـدليل واملدلول لتحديد مراد املتكلم حبسب مقتضى احلال،و هذا املعىن املقصود يف خطاب املتكلم هو ما يعرب عنه البعض باملعىن الوظيفي املراد من اخلطاب،ومقتضى

ظروف اليت حتيط احلال يشمل عناصر كثرية تتصل باملخاطب واملخاطب وسائر الباخلطاب، وهذا قدر زائد على جمرد فهم وضع اللفظ يف اللغة، أال ترى إىل اختالف

٣٤

الغاية اليت تساق من أجلها القصة يف القرآن، فتذكر بعض معانيها الوافية بالغرض يف .مقام، وتربز معان أخرى يف سائر املقامات حسب اختالف مقتضيات األحوال

اعتبار قرينة السياق يف حتديد املعىن املراد من ان على حسويؤكد الدكتور متام بقولهص، وبيان اعتماد هذه القرينة على خمتلف القرائن من داخل النص وخارجه، الن :وهكذا متتد قرينة السياق على مساحة واسعة من الركائز، تبدأ باللغة من حيث "

جمية، وتشمل الدالالت بأنواعها من مبانيها الصرفية وعالقاا النحوية ومفرداا املععرفية إىل عقلية إىل طبيعية، كما تشتمل على املقام مبا فيه من عناصر حسية ونفسية واجتماعية كالعادات والتقاليد ومأثورات التراث، وكذلك العناصر اجلغرافية

ا على والتارخيية، مما جيعل قرينة السياق كربى القرائن حبق؛ ألن الفرق بني االستداللاملعىن، وبني االستدالل بالقرائن اللفظية النحوية كالبنية واإلعراب والربط والرتبة

ص واالعتداد بروح النص، وقرينة ، هو فرق ما بني االعتداد حبرفية الن والتضامالسياق هي اليت حيكم بواسطتها على ما إذا كان املعىن املقصود هو األصلي أو اازي،

، وهي اليت تدل عند غياب ضي بأن يف الكالم كناية أو تورية أو جناساوهي اليت تق ." القرينة اللفظية على أن املقصود هذا املعىن دون ذاك؛ إذ يكون كالمها حمتمال

:ي فظ اللركتالمش

فظ الل: " يعرف ابن فارس املشترك اللفظي يف كتابه معجم مقاييس اللغة بأنه وظاهرة " . نيني خمتلفني فأكثر داللة على السواء عند أهل اللغةالواحد الدال على مع

.االشتراك اللفظي من بني أهم الظواهر اليت متتاز ا اللغة العربية

٣٥

غة القدماء يف هذه الظاهرة كما اختلفوا يف وجودها اللماءلوقد حبث ع،كما احتج عنهاوفوائدها وتفرقوا فريقني، فريق منكر وفريق قائل بالظاهرة مدافع

.ب معارضههحض مذه ودة مذهببغية إثبات صح كل منهما بعلل واستدالالت

فظي حيث ذكره يف ترك اللهو أول من أشار إىل املش) هـ١٨٠ت ( سيبويه ويعدأعلم أن من كالمهم اختالف اللفظني الختالف : " قائال يف كتابهيمات الكالمتقس

واتفاق ، املعنينيتالففظني واخفظني واملعىن واحد واتفاق الللاملعنيني واختالف الوجدت عليه من املوجدة ووجدت إذا أردت وجدان : اللفظني واملعىن خمتلف، قولك

. "وأشباه هذا كثري"الضالة

حلقيقتني املوضوعةفظةالل: "فظي أنهفريى املشترك اللاين وكأما اإلمام الش ، ما يدل على فخرج بالوضع. أكثر، وضعا أوال، من حيث مها كذلكخمتلفتني، أو

ازالشيء باحلقيقة، وعلى غريه با،فإنه يتناول املاهيات . ة، املتواطئ وخرج بقيد احليثي". املختلفة، لكن ال من حيث هي كذلك، بل من حيث إا مشتركة يف معىن واحد

اللفظ الواحد، الدال على معنيني خمتلفني، أو "بينما يذهب تاج الدين السبكي إىل أنه سواء كانت الداللتان مستفادتني من . أكثر، داللة على السواء، عند أهل تلك اللغة

الوضع األول، أو من كثرة االستعمال، أو كانت إحدامها مستفادة من الوضع األول، رى من كثرة ستفادة من الوضع، واألخأو كانت إحدامها م. أو من كثرة االستعمال

.االستعمال

ومن قولنا الواحد، احتراز عن األمساء املتباينة ة، واملترادفة، فإنه يتناول املاهيوقولنا عند أهل تلك اللغة إىل آخره، إشارة إىل .وهي معىن واحد، وإن اختلفت حماهلا

.أن املشترك، قد يكون بني حقيقتني لغويتني، أو عرفيتني، أو عرفية ولغوية

٣٦

:فراسةال

يعرريب ف ابن العراسا اء بكسر الفةالفبأهي التوسل من الوسم ـ مفعـ توهناك مثة فوارق بني القرينة . وهي العالمة اليت يستدل ا على مطلوب غريها

والفريسة وأضا نقاط اتفاق ، منها أن كال من القرينة والفراسة متفقتان يف أن كال مة ، ولكن القرينة عالمة ظاهرة حمسوسة ، أما الفراسة فإا تعتمد على منهما عال

والقرينة قابلة لإلثبات ، أما الفراسة . حجج وأمور غيبية خفية ال يدركها إال املتفرس .فال ميكن إثباا بطريق الشهادة

:قرینة السیاق

الساملناسبة أو عن علممبعزلرآن ال ميكن احلديث فيه الق يف جمال تفسريياق أعم؛ ألنه قد ينظر إليه نظرةناسبالت ، فيتجاوز املفسصلة ر النظر يف لحمة املقاطع املت

إىل ما هو أمشل من ذلك، وهو النظر يف سياق السورة كلها، وكيف انتظمت معاين رى داخل يأخذ بعضها حبجز بعض، وهو يف ذلك يوضح املناسبات اخلاصة بني آية وأخ

دون أن يطغى االهتمام بالسياق األعم على السياق : السورة موضع الدرس، أي .األخص

بل منهم من عين بدرس التنــاسب واملشاكلة يف القرآن كله كما فعـل :اإلمام أبو جعفر ابن الزبري شيخ أيب حيان، وبرهان الدين البقاعي يف كتاب مساه

تناسق الدرر يف تناسب : "، والسيوطي يف كتابه"نظم الدرر يف تناسب اآلي والسور"، وأبو "مفاتيح الغيب"وممن عين به من املفسرين اإلمام الفخر الرازي يف ."السور

.، وهو علم غزير جدا قلت عناية العلماء به"البحر احمليط"حيان يف

٣٧

من املعاصرين صاحب الظالل؛ فإنه نظر إىل السياقات –أيضا–وممن عين به عامة لكل سورة على حدة، وبني أن كل سورة سيقت خلدمة هدف معني، وأن مجيع ال

يف الظاهر شيء من عدم التناسب، فهي كلها - أحيانا–عناصر السورة وإن بدا بينها ": سراج املريدين"وقال القاضي أبو بكر ابن العريب يف .يف خدمة السياق العام للسورة

تكون كالكلمة الواحدة، متسقة املعاين، منتظمة ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حىت" عزـ املباين علم عظيم، مل يتعرض له إال عامل واحد عمل فيه سورة البقرة،مث فتح اهللا

لنا فيه، فلما مل جند له حملة،و رأينا اخللق بأوصاف البطالة،ختمنا عليه،و ـوجل . "جعلناه بيننا و بني اهللا،و رددنـاه إليه

:ع التناسبأنوا

وهذا النوع من التناسب ينقسم التناسب إىل عدة أنواع منها ؛ تناسب اجلزاءيكثر وقوعه يف اآليات اليت تضمنت اإلشارة إىل جزاء اهللا على األفعال السيئة؛

ومن أمثلة ذلك يف القرآن الكرمي مايلي من كاالستهزاء، واخلداع، واملكر، والنسيان، : اآليات الكرمية

وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم ) أ( الله يستهزئ )١٤(قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون

البقرة ( )١٥(بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون .)١٥ـ١٤:

المنافقني يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى إن ) ب(الصالة قاموا كسالى يراءون الناس وال يذكرون الله إال

) .١٤٢:النساء ( قليال

٣٨

. )٥٤:آل عمران ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) ت(

ومن أنواع التناسب تناسب اجلنس، وهو كثري يف ومن أنواع التناسب أيضا استعمال لفظني، جيمعهما أصل واحد يف اللغة، : القرآن الكرمي، واملراد من هذا النوع

وتناسب اجلنس، إما أن يكون ) .اجلناس(للداللة على معنيني، ويسمى عند البالغيني وإما أن يكون ، ا أن يكون تناسب اجلنس تناسبا بني فعلنيتناسبا بني اسم وفعل، وإم

: ومن أمثلة ذلك يف القرآن الكرمي اآليات الكرمية التالية . التناسب بني امسني

يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله ال يحب كل كفار ) أ( ) .٢٦٧: البقرة ( أثيم

ير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء وال تكسب كل قل أغ ) ب( كمجعرم كمبإلى ر ى ثمرأخ رة وزازرو زرال تا وهليفس إال عن

) .١٦٤: األنعام ( فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون

( اه ملكا لجعلناه رجال وللبسنا عليهم ما يلبسونولو جعلن ) ت( ) ٩:األنعام

والقناطري المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة ) ث( اللها وينالد اةيالح اعتم كذل ثرالحام وعاألنو نسح هدنع

) .١٤: آل عمران ( المآب

وهذا النوع من التناسب وأيضا من أنواع التناسب ما يسمى بالتناسب الصويت ؛ يكون بني كلمتني ال جيمعهما أصل لغوي واحد، وإمنا الذي جيمع بينهما جتانس

:الصوت، الذي حيسن يف أذن املستمع، من أمثلة هذا النوع قوله تعاىل

٣٩

قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول ) أ( هطرش كموهجلوا وفو ما كنتث ميحام ورالح جدسالم طرش كهجو

نم قالح هون أنلمعلي ابتوا الكأوت ينإن الذل وافبغ ا اللهمو همبر ) .١٤٤:البقرة ( عما يعملون

ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم ) ب(ذين يؤذون يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنني ورحمة للذين آمنوا منكم وال

يمأل ذابع مله ول اللهسر ) ٦١: التوبة. (

ذلكم بما كنتم تفرحون في األرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ) ت( ) ٧٥: غافر. (

حسبون أنهم يحسنون الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم ي ) ث( ) . ١٠٤: لكهف ا( صنعا

وآخر ما نورده يف هذا املقام من أنواع التناسب يف القرآن الكرمي ما عرف ن تكون هناك وحدة بني أجزاء الصورة البيانية، فال تتنافر بالتناسب البياين ؛ وهو أ

ومن أمثلة ذلك .ة اية االنسجامجزئياا، بل تكون متآلفة غاية االئتالف، ومنسجم :يف القرآن الكرمي

هو الذي جعل لكم األرض ذلوال فامشوا يف مناكبها وكلوا من ) أ( ) . ١٥: امللك ( رزقه وإليه النشور

أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ) ب()٧٠ (بات لوو نمو ضاألرو اتومالس تدلفس ماءهوأه قالح ع

٤٠

( )٧١(فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون ) . ٧١ـ٧٠: املؤمنون

ري ال تدركه األبصار وهو يدرك األبصار وهو اللطيف الخب ) ت()١٠٣ ( يمع نمو فسهنفل رصأب نفم كمبر نم رائصب اءكمج قد

يظفبح كمليا عا أنما وهلي١٠٤(فع( ) ١٠٤ـ١٠٣: األنعام . (

:أقسام السیاق اللفظي

اىل معانيه من النظم القرآين معجز ليس له نظري ، وكثريا ما ميكن الوصولىل السياق وما به من قرائن تدل على املعىن بدقة ، فيكون اإلستدالل إخالله ، فينظر

ويقسم السياق اللفظي على أساس قرب او بعدها فيه .ا على احلقائق يف التفسري وسياق لفظي منفصل ، وهو ) . البسيط(سياق لفظي متصل وهو : على قسمني

.)املركب(

) : البسیط(ل صتي المفظ اللیاقلس ا– أوال ـ

راد ا ، وي ، هي اليت تكون يف جمرى الكالم ونسقه ةياقي الس ةاللي الد رينةإن الق ما يصاح إ و ب النص من دالالتشارات عن معناه ، إذ إن هذه القرائن هـي كاشفة

وال سـيما إذا – أي نص –لنص ىل املعىن احلقيقي املراد ل إئيس للوصول السبيل الر كان هذا النص على مستوى عال من البالغة كنص القرآن الكرمي ، فيكون االحتكام

يات الكرميـة آلىل النص القرآين نفسه من خالل سياقه للكشف عن املعىن املراد يف ا إ املفـسرين فصارت هذه القرائن منار . كاإلجياز باحلذف ، والتقدمي والتأخري والتكرار

.ىل املراد وحجتهم يف خالفام، ومناظرام يف إثبات ما يعتقدون إللوصول

٤١

ـج ( على هذا النوع من القـرائن يف )رضي اهللا عنه (ه اإلمام علي وقد نبكتاب اهللا ، تبـصرون بـه ، : (( ، يف ضوء وصفه القرآن الكرمي ، إذ يقول )البالغة

، فهـو ) ، ويشهد بعضه على بعضوتنطقون به ، وتسمعون به ، وينطق بعضه ببعض إن : يتحدث عن تفسري القرآن بالقرآن ، يف ضوء قـول اهللا )رضي اهللا عنه (

هآنقرو هعما جنليع هآنقر بعفات اهأنفإذا قر هانيا بنليإن ع ثم )القيامة :

من املفسرين ، من القدماء واحملـدثني، وحيـصل اه كثري تبن وب، وهو أسل )١٩-١٧ ة للكشف بالل بالقرائن السياقي عن معىن لفظ مفرد أو مركـب ، أو املركب فظ املفرد

متقدم : قريب منه يف الكالم غري بعيد عنه ، وهو فيما تبين بعد البحث أنه ثالثة أنواع .، ومتأخر ، ومكتنف

د هذا األسعلويوب ينبع من داخلألنه القرآن ؛ليب تفسريا أفضل أس ص الـن اهللا، اهدا لكـالم إذا كان ش – تعاىل –املعجز الكرمي ال من خارجه ، إذ إن كالم اهللا

فهو خري ش اهدوالق .واهد ، ودونه كل الشرينة الداللية السة يف القياقيرمي هلا الكرآنفظة اليت تفسرها ، أو متأخرة عنها ، أو مكتنفة على اللمتقدمة : أو مواضع ثالثة رتب

ا ، ومجيعها من داخل النص القرآينهلا من جانبيها الس ابق هلا والالحق.

:مةقدت المةنریالق) أ (

٤٢

وهي القرينة اللفظية السياقية اليت تسبق ما تفسره وتدل عليه ، إذ تتقـدم يف ومن أمثلة هـذه القرينـة . كون قريبة منه ، وغري تالية له صورة من الصور ، بأن ت

السياقية ، ما ورد يف القرآن الكرمي يف قوله تعاىل ، يصف املشركني حني يـدعون إىل : املـدثر ( فرت من قسورة* كأنهم حمر مستنفرة : اإلميان ومساع القـرآن

ن حيث حاهلم يف اإلعراض عن مساع القـرآن بـاحلمر ، فشبه املشركون م )٥١-٥٠ .الوحشية املستنفرة، وهي اليت فرت خوفا وهلعا من شيء يطاردها

: فصلت ( ادفع بالتي هي أحسن :ومثال القرينة املتقدمة أيضا قوله تعاىل بالصرب عنـد نني أمر املؤم أن اهللا : ، فقد فسرت اآلية تفسريات عدة ، منها ) ٣٤

يف أن يـدفع إنه خطاب للنيب حممد : وقيل . الغضب واحللم والعفو عند اإلساءة فإذا دفع خصومه بلني ورفق ومـداراة .حبقه باطلهم وحبلمه جهلهم وبعفوه إساءم

ال : وقيل معناه . صار ، عدوه يف الدين كأنه وليه القريب يف دينه ومحيمه يف النسب وفسرت أيـضا ، احلسنة اليت هي اإلسالم ، وامللة السيئة اليت هي الكفر تستوي امللة . ادفع بالسالم على من أساء إليك:بأن شعارها

ثم بعثناهم لـنعلم أي : ومن القرائن السياقية املتقدمة أيضا ، قوله تعاىل ففي اآلية الكرمية وردت لفظـة . ) ١٢:الكهف ( الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا

البعث ولفظ . بور من يف الق اهللا ، كبعث اإلرسال: ، هو لغة ، والبعث ) البعث(إحياء املوتى : اختالف ما علق به ، ففي اآلية السابقة البعث يعين ختتلف داللته حبسب

. بعض أوليائه الذي خص به اهللا

٤٣

وم ، بالقرينة املتقدمة ، وهي قوله من الن باإليقاظ اآلية الكرمية وفسر البعث يف : ، أي )١١: الكهـف ( فضربنا على آذانهم في الكهف سنني عددا : تعاىل

أمنناهم سنني ذات عدد وسددنا آذام بالنوم الغالب على نفوذ األصوات إليها سنني ا ينتبه بسماع الصوت ودل سبحانه بذلك على أـم مل ميوتـوا كثرية ؛ ألن القائم إمن

وكانوا نياما يف أمن وراحة ، ومجام نفس ، وهذا من فصيح لغات القرآن اليت الميكن أن يترجم مبعىن يوافق اللفظ، فبذلك أثبتت القرينة املتقدمة كون البعث كان اإليقـاظ

: ا نياما ، قوله تعاىل يف موضـع آخـر من النوم ال اإلحياء ، والدليل على أم كانو قودر مهقاظا وأي مبهسحتو )ـم يف )١٨: الكهفأي تظنهم يقظني ، مـع أ ،

.واقع احلال نيام بقدرة اهللا

: القرینة السیاقیة المتأخرة ) ب(

اها ة اليت تأيت بعد اللفظة املبهمة ، مفسرة وموضحة هلا، فتحدد معن رينوهي الق وهناك كثري من القرائن املتأخرة يف التعبري القرآين ، منها ما ورد . يف السياق اللفظي

فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جـاءه : يف قوله تعاىل رينلكافل ثوىم منهي جف سألي )٣٢: الزمر (.

، يف قسم اهللا ) التني والزيتون (ن السياقية املتأخرة أيضا ، محل ومن القرائ ، على أمـا منابـت الـتني )١: التني( والتني والزيتون : ما يف قوله تعاىل

والزيتون ، وهي بالد الشام ، وليس الفاكهتني املعروفتني أقسم اهللا ما ملا فيهما مـن إن املراد بالتني ، اجلبل الذي عليه مدينـة : النافعة ، بل قيل الفوائد اجلمة واخلواص

ولعل اطالق اسم الفاكهتني على . دمشق ، وبالزيتون ، اجلبل الذي عليه بيت املقدس وهذا هـو الـرأي . اجلبلني لكوما مننبتيهما، ولكوما مبعثي جم غفري من األنبياء

وهـذا البلـد وطور سينني :عاىلالراجح ، بقرينة السياق بعدها ، يف قوله ت

٤٤

) طور سـينني (، ومها أيضا أماكن مهبط لألنبياء والرسل، و ) ٣-٢: التني (الأمني . ويسمى طور سيناء فيه موسى بن عمران أيضا جبل ، وهو الذي كلم اهللا

ر سـيناء تنبـت وشجرة تخرج من طو وقد ورد يف سياق آخر ذه الصيغة نيلآلكغ لبصن وهبالد )ـ . ) ٢٠: املؤمنون ، مكة املشرفة ، ) البلد األمني (واملراد ب

عليهمـا (إبراهيم وامساعيل : وهي مكان مقدس ، ومبعث األنبياء ومهبطهم من أمثال . ، وحممد) السالم

ة اليت اعتمدها املفسرون يف فبذلك تكون القرينة السياقية من احملاور األساسي الوصول إىل الداللة الصحيحة للنصوص القرآنية ، فضال عن معىن املفردة ، وقرينـة احلال ، والقرينة العقلية ، وتكون القرينة الفيصل فيه ، يف ترجيح داللة دون أخـرى

م من خالل النظر إىل القرائن اليت فيه ، سواء أكانت حميطة بالنص مكتنفـة إيـاه ، أ ولوال وجود القرائن الـسياقية مل نتوصـل إىل . كانت متقدمة عليه ، أو متأخرة عنه

.املقصود يف كثري من النصوص القرآنية

: نفة تك المةیاقی السنرائالق) ج (

اه ، بالنص من جانبيه ، مفسرة له وموضحة إي كون حميطة اليت ت نرائوهي الق : قوله تعاىل يف آية التطهري : ي كثرية يف القرآن الكرمي ، منها ومؤكدة ملعناه ، وه

: األحزاب( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهريا

٣٣ (.

علـي : وأهل بيتـه وهـم فقد نزلت هذه اآلية خاصة برسول اهللا حممد علـيهم ، ، عندما ألقى الـنيب حممـد )عليهم السالم ( واحلسني وفاطمة واحلسن واختلف املفسرون يف كون هذه اآلية نزلت ـم . هؤالء أهل بييت : الكساء ، وقال

٤٥

ـ ) أهل البيت ( أزواج النيب ، وحجتهم يف ذلك ) أهل البيت(اخلمسة فقط ، أم يقصد ب، فاآليـة بـذلك تكـون لنيب أن آية التطهري كان يكتنفها آيات نزلت يف نساء ا

: ألجلهن أيضا ، وهذا ما ذهب إليه عدد من املفسرين مثل البيـضاوي ، إذ يقـول االحتجاج بذلك على عصمتهم وكون امجاعهم حجة ضعيفة ألن التخـصيص ـم "

واحلديث يقتضي أم أهل البيـت ال أنـه لـيس . اليناسب ما قبل اآلية وما بعدها . "غريهم

) : المركبة( القرائن المنفصلة ـ ثانیا

وهي قرائن لفظية غري سياقية منفصلة عن النص بعيدة عنه ، متقدمة عليه أو متـأخرة عنه ، أو مكتنفة له من جانبيه ، إال أا يف غري جمرى الكالم ، بل هي يف كـثري مـن

الليا األحيان يف موضع آخر من النص الكرمي ، أو سورة أخرى ، لكنها مرتبطة به د.

وكان هذا اللون من القرائن معروفا ومتداوال يف بيـت الن بـوةـ والر سالة ، يب حممـد فـالن . وكانت هذه الطريقة هي املستأثرة لديهم يف تفسري القرآن ، وتأويله

أول من اختذ القرآن قرينة داللية للقرآن ، منها قوله حني فسر )صلى اهللا عليه وسلم ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إميانهم بظلم أولئك لهـم : ، يف قوله تعاىل ) لمالظ(

أن الظلـم هنـا فريق من الصحابة ، فظن ) ٨٢: نعامألا( الأمن وهم مهتدون فبين ؟ ،"وأينا مل يظلم نفسه: يا رسول اهللا : خبس احلق، وهضم حقوق الناس، فقالوا " أن الظلم هنا ليس الذي يذهبون إليه ، بـل هـو الـشرك ، ) صلى اهللا عليه وسلم (

إن الشرك لظلم عظيم : واحتج له بقوله تعاىل يف وصية لقمان البنه وهو يعظه

٤٦

فهـو أول مفـسر يف – وهو أبلغ وأقوى –القرآن بالقرآن ففسر . )١٣: لقمان( .رآن اإلسالم للقرآن بالق

وقد أطلق على هذا النوع من التفسري ، اسم تفسري القرآن بالقرآن ، وهـو أنه من أراد تفسري الكتاب العزيز طلبه أوال مـن : أحسن الطرق ، فقد ذكر العلماء

القرآن ؛ فما أمجل منه يف مكان فقد فسر يف موضع آخر ، وما اختصر يف مكان فقـد إن علينـا جمعـه :نة على ذلك قولـه تعـاىل بسط يف موضع آخر منه ، والقري

هآنقروهآنقر بعفات اهأنفإذا قرهانيا بنليإن ع ثم)١٩-١٧:القيامة( .

ومن القرائن املنفصلة يف القرآن الكرمي ، الواردة لتفسري قولـه تعـاىل ، يف وإذا ضربتم : حالة السفر أو اخلوف حديثه عن وجوب أو جواز قصر الصالة يف

كمـنفتأن ي مفتإن خ الةالص نوا مرقصأن ت احنج كمليع سض فليي الأرففكان التشريع ، )١٠١: النساء( الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا

فليس علـيكم : احلالة يف هذه االية وجوب التقصري يف السفر ، لقوله تعاىل هلذه احنج بقرينة قوله تعاىل يف الصفا واملروة : فـال رمتاع أو تيالب جح نفم

جـب ، فنلحظ أن الطواف مـا وا ) ١٥٨: البقرة( جناح عليه أن يطوف بهما هو امليل عن احلـق، فكانـت ) : اجلناح(مفروض ؛ ألن اهللا تعاىل ذكره يف كتابه ، و

.القرينة اللفظية املنفصلة متقدمة على اآلية املذكورة

٤٧

ال يحزنهم الفزع الـأكبر : ومن القرينة اللفظية املنفصلة ، قوله تعاىل ذا يكة هالئالم ملقاهتتون ودوعت مي كنتالذ كممو )فالفزع )١٠٣: األنبياء ،

: األكرب ، هو اخلوف األعظم ، وقد فسر على أربعة أقول

حني يذبح املوت على صورة : والثاين .إنه عذاب النار إذا طبقت على أهلها : األول .خلود وال موت ويا أهل النار . يا أهل اجلنة خلود وال موت : كبش أملح ، وينادي

وهو مروي عن ابن عبـاس ، أنـه : أما الرابع .حني يؤمر بالعبد إىل النار : والثالث ويـوم : النفخة األخرية ، واحتج لذلك بالقرينة املنفصلة املتأخرة ، يف قوله تعاىل

.)٨٧: نملال( ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض

*******************************

الفصل الثالث

٤٨

القرآني التعبیر في نظرات

أشرنا يف الفصل السابق إىل أن اللفظة الواحدة قد خترج عن داللتها املعجمية وللسياق احلرفية إىل دالالت ومعان أخرى حبسب ورودها داخل سياق لغوي متصل ،

إذ ال ميكن فهم أية كلمة . االلفاظ بداللتها اليت يقصدها املرسلأثره يف فهم بذلك ويف التعبري ، على حنو تام مبعزل عن الكلمات األخرى ذات الصلة ا اليت حتدد معناها

القرآين تفردت طائفة من األلفاظ بقرينة السياق بداللة خاصة ، جاوزت حدود معناها والقرآن الكرمي كنص لغوي معجز ، خاصةاملعجمي إىل معان جديدة ذات إحياءات

وفريد اتسم بالدالئل اللغوية الشاهدة على إعجازه ، فمثال نقرأ يف القرآن الكرمي قوله وإذ قالت المالئكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك :تعاىل

نيالماء العلى نسع )األوىل مبعىن اختارك ، ) اصطفاك (، فكلمة )٤٢ : مرانآل عوالثانية مبعىن فضلك ، وهذا النوع من التكرير للكلمات واألصوات يثري يف النفس

. إحساسا جبمال التعبري ، من خالل جتاوب األصوات وتناغم األصوات

اظ ومن أسباب مجال اجلناس يف التعبري القرآين ، تالؤم احلروف وتناسب األلف، فيحدث التجاوب املوسيقي الصادر من متاثل الكلمات متاثال كامال أو ناقصا ،

وأما تالؤم الكلمات واحلروف ففيه : " ويلخص الفريوز أبادي هذه الفائدة بقوله فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا: ، حنو قوله تعاىل " املقال، وكمال الكالممجال

. )٢٤: البقرة(

٤٩

ويف هذا الفصل نورد عددا من األمثلة بغري إخالل أو تفريط إن استطعنا ذلك اليت توضح وتشري إىل اختالف داللة اللفظ الواحد باختالف وروده وذكره يف سياق

.لغوي معني

: ـ البغتة والفجأة ١

: للغة من السياق القرآين إحياء خاصا ا ، فهي يف أصل ا لفظة البغتة اكتسبت مفاجأة الـشيء مـن حيـث ال : والبغت . أي فاجأه بغتة : مشتقة من باغته مباغتة

،فهما لدى غري املدقق يف املعىن اللغـوي ) املفاجأة(يف اللغة تعين ) البغتة(إذن .حيتسبعنـصرا ) البغتة( إذ احتملت ؛ أما يف االستعمال القرآين فهما متباينان . مبعىن واحد

إضافيا على الفجأة؛ ألن هذه اللفظة مل يستعملها السياق القرآين ائيا ، ولـو داللياتتبعنا سياق البغتة يف القرآن كله ، بورودها ثالث عشرة مرة ، لوجدنا فيها عنـصرا

) . التخويف بالعذاب(دالليا إضافيا ، وهو

ثالـث هلمـا ، واستقراء اآليات يؤدينا إىل أا ال تستعمل إال يف سـياقني ال الوعيد بوقوع عذاب يف الدنيا وشيك، كما : واآلخر. الوعيد بوقوع القيامة : أحدمها

يف قوله تعاىل يؤكد فيه وقوع العذاب على الكافرين ، مبوعد ثابت قادم هو يوم القيامة م العذاب ويستعجلونك بالعذاب ولوال أجل مسمى لجاءه : ، إذ قال تعاىل

، ويف قوله تعاىل يـبني فيهـا )٥٣: العنكبوت ( وليأتينهم بغتة وهم ال يشعرون

قد خسر الـذين : طريقة جميء العذاب للكافرين يوم القيامة ، حني يأيت مفاجئـا

٥٠

بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة .) ٣١: نعام ألا( فيها

وقد اكتسبت البغتة يف السياق القرآين إحياء خاصا ا ، هو العذاب ، فـضال ، وعند جميء الساعة والعذاب للكافرين ) الفجأة(عن املعىن اللغوي الذي حتمله وهو

وال . ميـان إل ملن مل يعد لتلك الساعة العدة ، من اهلداية وا دون توقع لوقته مع االيذاء .يعلم أحد مىت جميء هذه الساعة

) البغتة(وقد تنبه بعض احملدثني إىل أن السر يف استعمال السياق القرآين لفظة ، مع أن هلما املعىن اللغوي نفسه ، وهوأن يف البغتة عنصرا ) الفجأة( فقط دون لفظة

دنيويا ) التلبس بالعقاب(افيا غري موجود يف الفجأة ، بل هو زائد عليها، وهو دالليا إضحياء الكامل املعبر عن إلال متنح السياق ا ) الفجأة(كان أو آخرويا ؛ وبذلك فإن لفظة

؛ ألن الثانية اكتـسبت ) البغتة( احلدث القرآين بشكل دقيق وكامل كما متنحه لفظة إضافيا ، هو اإلشعار باألذى والعقوبةمن السياق القرآين معىن .

:رد ـ الق٢

من األلفاظ اليت تباينت داللتها أيضا يف القرآن الكرمي بـاختالف ورودهـا ومشتقات حروفها األصلية الثالثـة ) القدر ( داخل سياق النص القرآين املطهر لفظة

لكلمة القدر كما يف قوله تعاىل ، فغالبا ما جند معىن القضاء مرادفا مماثال ق د ر : وهي : الـوخ يني الذف ة اللهنس له الله ضا فريمج فرح نم بيلى النا كان عم

أي وكان أمره الذي يقدره ) ٣٨: األحزاب ( من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا

٥١

، . ال حميد عنه وال معدل ، فما شاء كان وما مل يـشأ مل يكـن كائنا ال حمالة وواقعا الواقعـة ( نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقني : وأيضا قوله تعاىل

.ساوى فيه بني أهل السماء وأهل األرض: أي صرفناه بينكم ، وقال الضحاك )٦٠:

يف القرآن الكرمي يف أكثر من موضع ، ) القدر(ولكن تعددت دالالت كلمة ال يقدرون ممـا : كما يف قوله تعاىل )التمكن(فمن تلك الدالالت ورودها مبعىن

يدعالل البالض وه كء ذليلى شوا عبكس )أي فلم يقدروا علـى )١٨:إبراهيم

حتى إذا أخـذت األرض : ، وقوله تعـاىل شئ من أعماهلم اليت كسبوا يف الدنيا زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا لـيال أو نهـارا

فجعلناها حصيدا كأن لم تغن باألمس كذلك نفصل اآليات لقوم يتفكرون وزينتها ، لزهرة احلياة ويف هذه اآلية الكرمية ضرب اهللا تبارك وتعاىل مثال )٢٤:يونس(

وسرعة انقضائها وزواهلا ، بالنبات الذي أخرجه اهللا من األرض مما يأكل الناس مـن ، ومعىن قادرون عليهـا زروع ومثار على اختالف أنواعها وأصنافها وما تأكل األنعام

ها فبينما هم كذلك إذا جاءا صاعقة أو ريح شديدة باردة أي على جذاذها وحصاد . أوراقها وأتلفت مثارها فأيبست

يف القرآن الكرمي ، مثل قوله تعاىل يف ) التدبري ( مبعىن ) القدر( وجاءت لفظة فلبثت سنني في أهل مدين ثم جئت على قدر يـا موسـى : سورة طـه

إنه لبث مقيما يف أهل مـدين ) : عليه السالم(يقول اهللا تعاىل خماطبا ملوسى )٤٠:طـه (فارا من فرعون ومأله يرعى على صهره حىت انتهت املدة وانقضى األجـل ،مث جـاء

٥٢

موافقا لقدر اهللا وإرادته من غري ميعاد ، واألمر كله هللا تبارك وتعاىل، وهو املسري عباده أي علـى ، ثم جئت على قدر يا موسى :ال تعاىل وخلقه فيما يشاء وهلذا ق

إنه : وقوله تعاىل .على قدر الرسالة والنبوة : موعد وهذا رأي جماهد ، وقال قتادة رقدو ١٨ (فكر ( رقد فل كيفقت)١٩( رقد فل كيقت ثم )ـ ١٨:املدثر أي ) ٢٠ـ

أي تروى مـاذا يقـول يف قدر صعودا لبعده عن اإلميان ألنه فكر، و إمنا أرهقناه .القرآن حني سئل عن القرآن ففكر ماذا خيتلق من املقال

وما قدروا : مثل قوله تعاىل مبعىن التوقري والتعظيم ) القدر ( وجاءت لفظة أي ومـا )٩١:األنعام(ه على بشر من شيء الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الل

نزلـت يف : عظموا اهللا حق تعظيمه إذ كذبوا رسله إليهم ، قال ابن عباس وجماهـد قريش ، واختاره ابن جرير ، وقيل نزلت يف طائفة من اليهود، وقيل يف فنحاص وهـو

ة واليهـود ال رجل منهم ، وقيل يف مالك بن الصيف ، واألول أصح ؛ ألن األية مكي كانوا ينكرون إرسال حممد ينكرون إنزال الكتب من السماء ، وقريش والعرب قاطبة

وما قدروا الله حـق : ، ومثل قوله تعاىل ألنه من البشر ) صلى اهللا عليه وسلم (ت بيمينه سبحانه قدره واألرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويا

). ٦٧:الزمر( وتعالى عما يشركون

الق(شتقات كلمة وأتت مر د ( يف القرآن الكرمي بدالالت فمنها مـا خمتلفة ، وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه : كقوله تعاىل ) التحديد(أشارت إىل معىن

٥٣

ي األرون فرلقاد اب بهلى ذها عإنض و )ويف هذه اآلية الكرمية ، )١٨:املؤمنونيذكر اهللا تعاىل نعمه على عبيده اليت ال تعد وال حتصى يف إنزاله القطر من السماء بقدر ، أي حبسب احلاجة ال كثريا فيفسد األرض والعمران ، وال قليال فال يكفي الـزروع

إليه من السقي والشرب واالنتفاع به ، حىت إن األراضـي ل بقدر احلاجة والثمار ، ب اليت حتتاج ماء كثريا لزرعها وال حتتمل دمنتها إنزال املطر عليها يسوق إليها املاء مـن

أرض مصر ، ويقال هلا األرض اجلرزيسوق اهللا إليها ماء النيل معه كما يف بالد أخرى ة يف زمان أمطارها ، فيأيت املاء حيمل طينا أمحر ، فيسقي طني أمحر جيترفه من بالد احلبش

يغلب علـيهم أرض مصر ، ويقر الطني على أرضهم ليزرعوا فيه ؛ ألن أرضهم سباخ .الرمال

والذي نزل من السماء مـاء بقـدر : وقوله تعاىل يف سورة الزخرف تا كذلية ملدب ا بهنرونفأنشجرخت ك) أي حبـسب الكفايـة .)١١:سورة الزخـرف

.لزروعكم ومثاركم، وشربكم ألنفسكم وألنعامكم

الله يبسط : مثل قوله تعاىل ) التضييق واالبتالء (وجاءت لفظة القدر مبعىن رقدياء وشي نمل قزالر) سـع يذكر اهللا تعاىل أنه هو الـذي يو ،) ٢٦:سورة الرعد

الرزق على من يشاء ويقتر على من يشاء ، ملا يف ذلك من احلكمة والعدل ، وفـرح .هؤالء الكفار مبا أوتوا من احلياة الدنيا استدراجا هلم وإمهاال

ويكأن الله يبسط الرزق لمن يـشاء مـن عبـاده : وقوله تعاىل رقديو) ليس املال دليال على رضا اهللا عن صاحبه ، فـإن اهللا أي )٨٢:سورة القصص

٥٤

يعطي ومينع ، ويضيق ويوسع ، وخيفض ويرفع ، وهذا كما يف احلديث املرفوع عن ابن إن اهللا قسم بينكم أخالقكم كما قسم أرزاقكم ، وإن اهللا يعطي املال مـن : " مسعود

: سورة القلـم تعاىل يف، وقوله "حيب ومن ال حيب ، وال يعطي اإلميان إال من حيب رينقاد درلى حا عوغدو) علـى : ، أي قوة وشدة ، وقال جماهد )٢٥:القلمسورة

. فيما يزعمون ويرومون أي عليها قادرين على غيظ ، و: جد ، وقال عكرمة

: ـ السغب والجوع٣

. لتعبري القـرآين ما يف ا إحياء خاص ب) اجلوع( و ) السغب ( الفظتجاءت اجلائع ، والسغب : والساغب . مشتق من سغب يسغب سغوبا ومسغبة : فالسغب لغة

.وهي مرادفـة للجـوع . وقد قيل هو يف العطش مع التعب . اجلوع من التعب : لفظتان ، أكسبهما التعبري القرآين ، إحياء خاصا ما، فضال عن ) اجلوع(و) السغب(و

فإذا ذكر اجلوع يف النص القرآين، فـال يكـون إال يف ) . املعجمي( األساس معنامها .موضع العقاب أو يف موضع الفقر املدقع ، والعجز الظاهر ، بقرينة السياق

يف التعبري القرآين مخس مرات ، كانـت يف ثالثـة ) اجلوع(وقد وردت لفظة ذه القرينة ، سـياق ابـتالء ، فيكون السياق ) اخلوف(مواضع منها مقترنة بلفظة

ولنبلونكم بشيء من : وامتحان ، أو عقوبة ألصحاب النار ، كما يف قوله تعاىل ابرينر الصشبو اترالثمفس والأنال ووالأم نقص منوع والجو فوالخ

يبتلي عباده أي خيتـربهم وميتحنـهم فتـارة أخربنا اهللا عز وجل أنه ، ) ١٥٥البقرة ( فأذاقهـا اهللا لبـاس :بالسراء وتارة بالضراء من خوف وجوع كما قال تعاىل

٥٥

، فقد ذكر اجلوع فإن اجلائع واخلائف كل منهما يظهر ذلك عليه اجلوع واخلوف يف موضعني منفردا، ولكن قرينة السياق كانت واضحة يف أنه عقاب وبالء ، وذلك يف

بأنه حمفوظ يف اجلنة من بالء اجلوع والعـري قوله تعاىل خياطب فيها نيب اهللا آدم . )١١٨: طـه ( إن لك ألا تجوع فيها وال تعرى :رضأل،وذلك قبل نزوله إىل ا

.فيكون عدم اجلوع فيها نعمة من نعم اهللا تعاىل عليه وعلى زوجه

، حنـو )) يف حالة القدرة والسالمة (( محة و فتذكر مع الر ) السغب(أما لفظة أو إطعام في يوم ذي : قوله تعاىل حيث املؤمنني على إطعام الناس يف يوم اجلـوع

ةبغسم) بقرينة السياق املتأخرة يف قوله تعاىل )١٤: البلد ، : ةبقريما ذا متي * أو ةبرتينا ذا مكسم )قد اكتـسبت ) اجلوع(فبذلك تكون لفظة ) .١٦-١٥: لبلد ا ،

، ) السغب( أما لفظة ،من التعبري القرآين هنا معىن العقوبة والبالء من السياق القرآين . فقد اكتسبت معىن الرمحة، والضعف

: ـ المطر والغیث ٤

القرآين أيضا ، عد لفظة املطر من األلفاظ اليت اكتسبت إحياء خاصا يف التعبري ت املاء املنسكب من السحاب ، أما يف التعبري القرآين ،فقد اكتـسبت : فاملطر لغة يعين

. لفظته إىل جانب معناها املعجمي معىن آخر، هو العقاب ، بقرينة الـسياق اللفظـي يف إال" : " البيان والتبني " يف كتابه فاملطر مل يرد يف التعبري القرآين كما يقول اجلاحظ

." موضع االنتقام ، والعامة واكثر اخلاصة ال يفصلون بني ذكر املطر وذكر الغيث

٥٦

من ألفاظ اخلري، وأن هناك ) املطر(صفهاين حني عد لفظ وقد وهم الراغب األ ،فقد ذكـر أن ) أمطر(صيغة مشتقة منها هي اليت وردت للتعبري عن العذاب ، وهي

، وإذا رجعنا إىل النص القرآين جنـده "يف العذاب ) رأمط( يقال يف اخلري ، و ": مطر يعبر ذه اللفظة عن الشر والعقاب ، بكل اشتقاقاا ، وبقرينة السياق، ومنـه قولـه

أي أنزل )١٧٣: الشعراء ( وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين : تعاىل .وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضودمجيعهم على أولئك العذاب الذي عم اهللا

واملطر يوحي بالتدفق القوي والغزارة ، أكثر من أية لفظة أخرى تعبـر عـن كمـا املطبق) الطاء(والذي ساعد على هذا االحياء ، صوت . نزول املاء من السماء

اب من ، الذي يصور نزول العذ " علم اللغة العام " أشار الدكتور كمال بشر يف كتابه فبذلك تكون هذه اللفظة قد ناسبت غـضب اهللا . السماء فنشعر بإطباقه عليهم

كالذي يف قوله . وشدة انتقامه برتول ذلك العقاب الشديد عليهم من حجارة وغريها وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة : تعاىل يتحدث عن قوم لوط

رمجالمني )يف النص القـرآين ) أمطرنا( و) مطر(فنلحظ أن لفظيت .)٨٤: عرافألا .قد دلتا معا على نزول العذاب الشديد ، ال نزول الغيث الذي هو نعمة ورمحة للعباد

ويشمل نزول املطر يف التعبري القرآين ، فضال عن املاء ، احلجارة ، حنو قولـه : هود( مطرنا عليها حجارة من سجيل منضود وأ : تعاىل ، يف إمطار احلجارة

حجارة كاملدر ، وهو : والسجيل يف اللغة . ، أي أنه مطر يوحي بالعقم واخلراب )٨٢

٥٧

هذا الـشيء مـسجل : ويقال. حجر وطني خمتلط ، ويفسر أنه فارسي معرب دخيل .للعامة ، أي مرسل من شاء أخذه أو أخذ منه

: يث فهو املاء النافع النازل من السماء ، املنبت للكأل ، حنو قوله تعاىل أما الغ يدمالح يلالو وهو هتمحر رشنيطوا وا قنم دعب نث ميل الغزني يالذ وهو ) رينـة ، وهذا يعين أنه املاء املثمر الذي حيمل اخلري معه، وذلـك بق ) ٢٨: الشورى

فرخاومـا ) الغني والثاء (والذي قوى هذا اإلحياء هو صوتا . السياق اللفظي املتأخر قد ناسبت نـزول ،" أصوات اللغة العربية " كما يذكر الدكتور بسام بركة يف كتابه

.املاء اخلفيف الذي أنعش ما نزل عليه، فأنبت به

: ـ الفتح ٥

لفظة الفتح ، من صا يف التعبري القرآين اكتسبت إحياء خا أيضا من األلفاظ اليت حومشتقاته ، فلقد اختلفت داللة الكلمة بـاختالف الـسياق ايل ) الفعل الثالثي فت

، والعطاء ، والنصر ، والقضاء، والضدالصدوردت فيه ، ودلت على عدة معاين منها . ، واحلكم

ا ذكروا بـه فتحنـا فلما نسوا م : فمن معىن الصد والضد قوله تعاىل ـمة فـإذا هتغب ماهذنوا أخا أوتوا بمى إذا فرحتء حيكل ش ابوأب همليع

، أي أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم ففتح اهللا )٤٤:األنعام ( مبلسون . تدراج منه تعاىل وإمالء هلم عليهم أبواب الرزق من كل ما خيتارون وهذا اس

٥٨

إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها ال تفتح لهـم : وقوله تعاىل ككذلو اطيالخ مي سل فمالج جلى يتة حنلون الجخدال ياء ومالس ابوأب

نيرمجزي المجن ) وقيل يف تفسري هذه اآلية الكرمية أن املـراد ال )٤٠:األعراف ، يرفع هلم منها عمل صاحل وال دعاء وقال ذا جماهد وسعيد بن جبري ، وقيل ال تفـتح

ويؤيده . ألرواحهم أبواب السماء ورى ذلك الضحاك عن ابن عباس وبه قال السدي يف جنـازة خرجنا مع رسول اهللا ": ما رواه اإلمام أمحد عن الرباء بن عازب قال

،وجلسنا حوله ، فانتهينا إىل القرب وملا يلحد ، فجلس رسول اهللا رجل من األنصار : " كأن على رؤسنا الطري ، ويف يده عود ينكت به يف األرض ، فرفع رأسـه فقـال

ن إذا كـان إن العبد املؤم: استعيذوا باهللا من عذاب القرب ـ مرتني أو ثالثا ـ مث قال يف انقطاع من الدنيا وإقبال إىل اآلخرة نزل إليه مالئكة من السماء بـيض الوجـوه ، كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان اجلنة ، وحنوط من حنوط اجلنة ، حـىت

أيتـها : جيلسوا منه مد البصر ، مث جيئ ملك املوت حىت جيلس عند رأسه ، فيقـول فتخرج تسيل كما يسيل : فرة من اهللا ورضوان ـ قال النفس املطمئنة اخرجي إىل مغ

القطر يف السقاء ، فيأخذها فإذا أخذها مل يدعوها يف يده طرفة عني حىت يأخـذوها ، فيجعلوها يف ذلك الكفن ، ويف ذلك احلنوط ، وخيرج منها كأطيب نفحـة مـسك

.وجدت على وجه األرض ، هذا خبالف العبد الكافر

: كما يف قوله تعاىل ) احلكم( أو )القضاء ( مبعىن ) الفتح(وجاءت لفظة نيحالفات ريخ تأنو قا بالحنمقو نيبا وننيب حا افتنبر ) أي )٨٩:األعـراف ،

احكم بيننا وبني قومنا وانصرنا عليهم وأنت يا اهللا خري احلاكمني فإنك العادل الذي ال

٥٩

فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومـن معـي مـن : وله تعاىل وق. جيور أبدا ننيمؤالم )١١٨:الشعراء (.

قالوا أتحدثونهم : مبعىن أعطى قوله تعاىل ) الفتح(ومن أمثلة ورود كلمة ر دنع به وكماجحيل كمليع الله حا فتلون بمقعأفال ت كمب ) أي )٧٦:البقرة ،

تقرون بأنه نيب وقد علمتم أنه قد أخذ له امليثاق عليكم باتباعه ، وهو خيربهم أنه النيب . الذي كنا ننتظر وجند يف كتابنا ، اجحدوه وال تقروا به

ل القرى ولو أن أه : وأيضا ما أفادت الكلمة معىن أعطى قول اهللا تعاىل كاترب همليا عنحض لفتاألراء ومالس نم كاترب همليا عنحا لفتقواتوا ونآم

األعـراف ( من السماء واألرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون

ان أهل القرى الذين أرسل فيهم الرسـل ، كقولـه ، وخيرب اهللا تعاىل عن قلة إمي ) ٩٦: آي آمنت قرية فلوال كانت قرية آمنت فنفعها إمياا إال قوم يونس : تعاىل

: بتمامها إال قوم يونس فإم آمنوا ، وذلك بعد ما عاينوا العذاب ، وقولـه تعـاىل ضاألراء ومالس نم كاترب همليا عنحلفت أي قطر السماء ونبات األرض.

فعسى الله : كما يف قوله تعاىل ) النصر ( مبعىن ) الفتح ( وجاءت لفظة نيمادن ي أنفسهموا فرا أسلى موا عبحصفي هدنع نر مأم ح أوبالفت يأتأن ي

إن : ين القضاء والفصل ، وقوله تعـاىل يع: ، يعين فتح مكة ، وقيل )٥٢:املائدة( لنو دعوا نودعإن تو لكم ريخ ووا فههنتإن تو حالفت اءكمج وا فقدحفتتست

٦٠

ننيمـؤالم عم أن اللهو تكثر لوئا ويش كمئتف نكمع نيغت ) ١٩:األنفـال( ، يقول اهللا للكفار إن تستفحوا أي تستنصروا وتستقضوا اهللا وتستحكموه أن يفـصل

ما سألتم؛ كما قال أبو جهل ، حني التقـى بينكم وبني أعدائكم املؤمنني فقد جاءكم فكان املستفتح ، وقـال اللهم اقطعنا للرحم وآتانا مبا ال نعرف فأحنه الغداة؛ : القوم

أخـذوا بأسـتار الكعبـة جوا من مكة إىل بـدر كان املشركون حني خر : السدي اللهم أعلى اجلندين وأكرم الفئتني وخري القبيلتني ، فقال تعاىل : فاستنصروا اهللا وقالوا

: حالفت اءكمج وا فقدحفتتسإن ت لقد نصرت ما قلتم وهو حممد : يقول .

:الھوى ـ ٦

أما يف التعـبري القـرآين فقـد وت ، واحلب، امل: ، لغة ) اهلوى( تعين لفظة ميـل ": كما عرفها الراغب يف املفردات اكتسبت هذه اللفظة داللة أخرى ، وهي

ويف اآلخـرة إىل …النفس إىل الشهوة ، ألنه يهوي بصاحبه يف الدنيا إىل كل داهيـة ملكرمـات ، ، أي اتباع ما ال حيمد من الرغبات ،وال حيسن فعله من ذوي ا "اهلاوية

وأما من خاف مقام ربه ونهى : أي الرغبات النفسية الضعيفة ، حنو قوله تعاىل . أي خاف القيام بني يدي اهللا عز وجل) .٤٠: النازعات (النفس عن الهوى

ففي اآلية الكرمية ورد الن الذي هـو اتبـاع ) اهلوى(ن هي ع ، هوات ، الـشفهو شيء مكروه ، غـري مرغـوب فيـه يف . ارم اليت تشتهيها النفس وواها حاملو

فإن الجنـة هـي المـأوى : االسالم ، بقرينة السياق املتأخر ، يف قوله تعاىل