14
٢٠١٥ ﺧﺮﻳﻒ- ﺻﻴﻒ،٣٢ - ٣١ اﻟﻌﺪدان/ إﺿـﺎﻓـﺎت٢٠٨ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻓﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻟﻌﻠﻢ ﺛﻢ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، اﻟﻌﺼﻮر ﻣﺪى ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻟﻔﻜﺮ ﺗـﺪاول وأدﺧﻠﺖ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﺑﺎﻟﻌﺪل اﻟﺸﻌﻮب ﺣﻠﻤﺖ ﺣﻴﺚ وأﻫﻤﻴﺘﻬﺎ،(اﻟﻤﺴﺎواة) ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، اﻟﻌﺼﻮر. واﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ واﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ وﻧﻈﻤﻬﺎ ﻓﻠﺴﻔﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺛﻢ اﻟﻄﻮﺑﺎوﻳﺔ، ورؤاﻫﺎ ﻣﺬاﻫﺒﻬﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﻌﻠﻢ وﻟﻜﻦ. اﻟﻨﺎس وﻋﻦ اﻟﻮاﻗﻊ، ﻋﻦْ ﺑﻌﻴﺪﻳ اﻟﻌﺪل زال وﻣﺎ اﻟﻤﺴﺎواة، زاﻟﺖ وﻣﺎ ﻫﻲ ﻓـﺎﻟـﻤـﺴـﺎواة ﻟـﻠـﻤـﺴـﺎواة، ﺻـﺎدق وﻣـﺆﺷـﺮ ﻟﻠﻌﺪل ﻣﻠﻤﻮس ﻣﻌﻨﻰ ﻋﻠﻰ أﻳـﺪﻳـﻨـﺎ وﺿـﻊ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ واﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، واﻟﻌﻤﻞ واﻻﺳـﺘـﻬـﻼك، اﻹﻧـﺘـﺎج،: ﺻﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺘﻤﻌﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻨﺎس اﻧـﺪﻣـﺎج وﻗﺪ. اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻫﺬه ﻋﻦ اﻹﻗﺼﺎء أو اﻟﺤﺮﻣﺎن أو اﻻﺳﺘﺒﻌﺎد ﻓﺘﻌﻨﻲ اﻟﻼﻣﺴﺎواة، أﻣﺎ. اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲً ﺳﺒﺒﺎّ ﻌﺪُ ﻷﻧﻬﺎ وذﻟـﻚ اﻻﺟﺘﻤﺎع، ﻋﻠﻤﺎء ﻣﻦ اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﺑـﺎل اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻻﺳﺘﺒﻌﺎد ﻗﻀﻴﺔ ﺷﻐﻠﺖ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﺎﻻﺳﺘﺒﻌﺎد ﻓﻴﻬﺎ، واﻻﻧﻘﺴﺎم اﻟﺘﻮﺗﺮ ﺑـﺆر وﻇﻬﻮر اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت، ﺗﻘﺴﻴﻢ ﻓﻲً ﻣﺒﺎﺷﺮا.(٢٠١٤ ﻋﻴﺎد،) اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻘﻮم اﻟﺘﻲ اﻻﻧﺪﻣﺎج ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﻊ ﺗﺎمّ ﺗﻀﺎد ﻓﻲ ﻳﻌﻤﻞ ﻳﻌﻨﻲ وﻫـﺬا اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ، ﻗﺎﻣﻮﺳﻨﺎ ﻋﻠﻰً ﺟﺪﻳﺪا ﻳﻜﻮن رﺑﻤﺎ ﻣﻔﻬﻮم، اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻻﺳﺘﺒﻌﺎد ﻧﻤﻠﻚ ﻟﻜﻨﻨﺎ ﺑﺎﻻﻫﺘﻤﺎم، ﺟﺪﻳﺮة ﻇﺎﻫﺮة ﺑﻜﻮﻧﻪ إﻟﻴﻪ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﻟﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺪراﺳﺎت ﻣﻴﺪان أن اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ آﺛﺎرﻫﺎ ﻣﺮاﻗﺒﺔ أو أﺑﻌﺎدﻫﺎ ودراﺳﺔ اﻟﻈﺎﻫﺮة ﻫﺬه ﻟﺘﺄﻃﻴﺮ ﻣﺤﺎوﻟﺔ أﻳﺔ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻫﺬه ﺣﺘﻰ ﻳﺒﺬل ﺣﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻴﺪان، ﻫﺬا ﻓﻲ ﺼﺔّ ﻣﺘﺨﺼ وﺣﺪة أﻳﺔً أﺻﻼ ﻧﻤﻠﻚ ﻷﻧﻨﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﺑﻨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟـﻤـﺴـﻮﺣـﺎت وإﺟـ ﺮاء ـﺺ،ّ اﻟـﻤـﺘـﺨـﺼ اﻟـﻤـﻴـﺪاﻧـﻲ اﻟـﺒـﺤـﺚ ﻓـﻲ واﺿـﺤـﺔً ﺟـﻬـﻮدا اﻟـﻐـﺮﺑـﻲ، اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺮﻏﻢ ﻋﻠﻰ آﺛـﺎرﻫـﺎ، ﺑﺘﺨﻔﻴﻒ اﻟﻜﻔﻴﻠﺔ اﻟﺒﺪاﺋﻞ ووﺿـﻊ وأﻧﻤﺎﻃﻬﺎ، اﻟﻈﺎﻫﺮة ﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟـﺪورﻳـﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ وﻣﺨﺎﻃﺮه اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻻﺳﺘﺒﻌﺎد(*) اﻟﺪﻳﺐ أﺣﻤﺪ ﻫﺪى. اﻟﺰﻗﺎزﻳﻖ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺰارﻋﺔ، ﻛﻠﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺮﻳﻔﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻋﻠﻢ س ﻣﺪر(**) ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻌﻠﻴﻢ ﻋﺒﺪ ﻣﺤﻤﻮد ﺳﻮﻫﺎج، ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻓﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻋﻠﻢ ﻓﻲ ﻣﺎﺟﺴﺘﻴﺮ ﺑﺎﺣﺚ. اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﻣﻘﻴﻢ[email protected]. : اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ اﻟﺒﺮﻳﺪ(*) [email protected]. : اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ اﻟﺒﺮﻳﺪ(**)

الاستبعاد الاجتماعي

Embed Size (px)

Citation preview

إضـافـات / العددان ٣١ - ٣٢، صيف - خريف ٢٠١٥ ٢٠٨

مقدمةتــداول الفكر اإلنساني على مدى العصور القديمة، ثم العلم اإلنساني واالجتماعي في العصور الحديثة، قيمة (المساواة) وأهميتها، حيث حلمت الشعوب بالعدل االجتماعي، وأدخلت ذلك في مذاهبها ورؤاها الطوباوية، ثم في فلسفاتها ونظمها الدينية واألخالقية والقانونية. وما زالت المساواة، وما زال العدل بعيدين عن الواقع، وعن الناس. ولكن العلم االجتماعي المعاصر وضــع أيــديــنــا على معنى ملموس للعدل ومــؤشــر صـــادق لــلــمــســاواة، فــالــمــســاواة هي انــدمــاج الناس في مجتمعهم على صعد: اإلنــتــاج، واالســتــهــالك، والعمل السياسي، والتفاعل االجتماعي. أما الالمساواة، فتعني االستبعاد أو الحرمان أو اإلقصاء عن هذه المشاركة. وقد شغلت قضية االستبعاد االجتماعي بــال الكثيرين من علماء االجتماع، وذلــك ألنها تعد سببا مباشرا في تقسيم المجتمعات، وظهور بــؤر التوتر واالنقسام فيها، فاالستبعاد االجتماعي

يعمل في تضاد تام مع عملية االندماج التي تقوم عليها المجتمعات (عياد، ٢٠١٤).

واالستبعاد االجتماعي مفهوم، ربما يكون جديدا على قاموسنا الثقافي، وهــذا ال يعني أن ميدان الدراسات االجتماعية لم يلتفت إليه بكونه ظاهرة جديرة باالهتمام، لكننا ال نملك حتى هذه الساعة أية محاولة لتأطير هذه الظاهرة ودراسة أبعادها أو مراقبة آثارها السلبية في بنية المجتمع، ألننا ال نملك أصال أية وحدة متخصصة في هذا الميدان، في حين يبذل ــــراء الــمــســوحــات المجتمع الــغــربــي، جـــهـــودا واضــحــة فــي الــبــحــث الــمــيــدانــي الــمــتــخــصــص، وإجـالــدوريــة لمستويات الظاهرة وأنماطها، ووضــع البدائل الكفيلة بتخفيف آثــارهــا، على الرغم

االستبعاد االجتماعي ومخاطره على المجتمع

هدى أحمد الديب(*)مدرس علم االجتماع الريفي في كلية الزارعة، جامعة الزقازيق.

محمود عبد العليم محمد(**)باحث ماجستير في علم االجتماع في جامعة سوهاج،مقيم في اإلمارات العربية المتحدة.

[email protected]. البريد اإللكتروني: (*)[email protected]. (**) البريد اإللكتروني:

٢٠٩ االستبعاد االجتماعي ومخاطره على المجتمع / هدى أحمد الديب ومحمود عبد العليم محمد

من سعة فرص االندماج المجتمعي، وتوفر العوامل المساعدة على إقامة العدالة االجتماعية، من خالل النظم واآلليات الديمقراطية المتبعة، ومنظومة الحقوق والواجبات التي تتكفلها سياقات المواطنة، ومنظومة حقوق اإلنسان التي تلتزم بها المجتمعات الغربية بصورة أوضح

وأكثر شفافية من مجتمعاتنا (شغيدل، ٢٠١٤).

أوال: االستبعاد االجتماعي:نشأة المصطلح وتطوره

(Social «في البداية، تجدر اإلشارة هنا إلى أنه قبل ظهور مصطلح «االستبعاد االجتماعي(Exclusion استخدمت مصطلحات أخــرى، فمثال هيمن مفهوم «العرق» أو «الطائفة» عند الــحــديــث عــن االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي لفترة طــويــلــة، حيث عــانــت المجتمعات البشرية العديد مــن التمايزات الطبقية والثقافية والجنسوية، فنشأت جــراء ذلــك العديد مــن المصطلحات والمفاهيم لتأطير بعض مظاهر التمايز، كمصطلحات: التمييز العنصري، والحقد الطبقي، والطبقات المسحوقة، ومساواة المرأة، ومفاهيم الجنوسة (الجندر)، وغير ذلــك، فالسود - على سبيل المثال - مبعدون عن عالم البيض، واألقليات الدينية والعرقية مبعدة عن األغلبية االجتماعية، والفقراء مطرودون من جنة األغنياء، وطبقات القاع مقصية ومهمشة عن عالم الرفاه األرستقراطي، والمرأة مغضوب عليها في المجتمعات الذكورية. وهكذا يتم تكريس الـــفـــوارق الطبقية والــعــزلــة فــي خــضــم تــآكــل الــطــبــقــات الــوســطــى الــتــي يمكن أن تــشــكــل عامل

تقريب بين طبقات المجتمع.

وعند محاولة رصد نشأة وتطور مصطلح االستبعاد االجتماعي، نجد أن هذا المصطلح استخدم ألول مــرة في عــام ١٩٧٤ في فرنسا، من قبل رينيه لينوار (René Lenoir)، وزيــرة الــخــارجــيــة للعمل االجــتــمــاعــي آنــــذاك، وكــانــت تستخدمه لــإلشــارة إلـــى األفــــراد الــذيــن يعانون مشكالت اجتماعية، وال يتلقون الحماية مــن قبل التأمين االجــتــمــاعــي، كــاألفــراد المعاقين جسديا، والمعاقين عقليا، وغير المنسجمين اجتماعيا، وقــد ترتب عليها، كما أشـــارت، بهذا المعنى، تقطيع العالقات بين الفرد والمجتمع. واعترفت لينوار، بضرورة تحسين ظروفهم االقتصادية، ألجــل تعزيز التماسك االجتماعي. وفــي السنوات التالية لطروحات لينوار، تم تطوير المفهوم، وتوسيع آفاقه، ليشمل جميع الناس المحرومين جزئيا أو كليا من المشاركة

.(Beall, 2002: 6) في مجتمعهم، وفي المجاالت المختلفة للحياة االجتماعية

وعند نهاية ثمانينيات القرن الماضي، اهتمت اللجنة األوروبــيــة ذات العالقة، باعتبار االستبعاد االجتماعي نتاجا مباشرا لمشكالت البطالة الــمــطــردة، وافتقاد العمال للمهارات الـــضـــروريـــة لــلــعــمــل. وفـــي أوائـــــل الــتــســعــيــنــيــات، اعــتــمــد مــصــطــلــح «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي» على مستوى االتحاد األوروبــي، وبحلول منتصف التسعينيات، كان استخدام مصطلح «االستبعاد االجتماعي» أكثر شيوعا وانتشارا بين السياسيين (Burchardt, [n. d.])، وداخل مناخ سياسي لــم يــكــن يــعــتــرف فــيــه هــــؤالء الــســيــاســيــون مــن حـــزب الــمــحــافــظــيــن بــوجــود الــفــقــر فــي المملكة

إضـافـات / العددان ٣١ - ٣٢، صيف - خريف ٢٠١٥ ٢١٠

المتحدة. وقد أدى تبني المصطلحات الخاصة بـ «االستبعاد االجتماعي» إلى إتاحة الفرصة للمناقشات الدائرة حول السياسة االجتماعية لتمتد على مستوى القارة األوروبــيــة من دون

اإلساءة إلى مشاعر أولئك السياسيين المحافظين.

وفــي الــواقــع، إن هــذا المصطلح الـــذي جــاء فــي معناه الجديد فــي أواخـــر العقد األخير من القرن العشرين، والذي برز أكثر عندما تولى حزب العمال الحكم في إنكلترا، وأحدث رئيس الحكومة البريطانية ما سماه آنــذاك «وحــدة االستبعاد االجتماعي» (SEU)، وتــم بعد ذلك إحصاء أربعة آالف حي سكني تعاني اإلقصاء واالستبعاد االجتماعي، وتعاني بشكل حاد البطالة والجريمة المتشابكة على نحو ميئوس منه، مع حالة متدنية في الصحة واإلسكان والتعليم، بل تحولت إلى أحياء محظور دخولها ومحظور مغادرتها على البعض اآلخر (هيلز،

لوغران وبياشو، ٢٠٠٧: ٢٩).

وقد بدت تحوالت أيديولوجيا المفهوم (االستبعاد) واضحة تماما في بريطانيا، بعد أن تم ربطه تقليديا بالفقر ضمن طروحات محافظة، فالتعريف البريطاني الحديث لـ «االستبعاد» يشير إلـــى أنـــه يعتبر الــفــرد مستبعدا اجــتــمــاعــيــا عــنــدمــا يــرغــب فــي الــمــشــاركــة فــي النشاطات المقبولة بــوجــه عـــام فــي المجتمع، ولــكــنــه ال يتمكن مــن الــمــشــاركــة. ويــتــضــح مــن خـــالل هــذا التعريف أنه جعل «االستبعاد» خارج اإلرادة الفردية، أو بمعنى آخر، استئصال اإلرادة الناتج من اصطدام المرء بواقع مغلق يقصيه عن حقه في المشاركة النسقية العادلة (الحوراني،

.(٢٠١٢: ٢٣٥

ومنذ أواخــر العقد األخير من القرن العشرين، تزايد االهتمام بالمفهوم، وأخــذ معاني متباينة، تجمع بين التباينات االجتماعية ألعــضــاء مجتمع معين، والــتــي تفرز صـــورا ونتائج لإلضرار ببعض األفراد والجماعات، والحرمان (Deprivation) من مهارات وفرص المشاركة االقــتــصــاديــة واالجــتــمــاعــيــة والــســيــاســيــة والــثــقــافــيــة. ورغــــم الــتــبــايــنــات الــنــســبــيــة بــيــن مــحــاوالت تحديد الــمــفــهــوم، إال أنــهــا تــكــاد تتفق على أن «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي» هــو حــالــة مــن فقدان ،«Disempowerment» الــقــدرة ومعظم مــقــومــات الــقــوة، وهــو مــا تــم التعبير عنه بمصطلحأو «Powerlessness»، كـــمـــا فــــي األدبـــــيـــــات الـــنـــقـــديـــة فــــي الـــعـــلـــوم االجـــتـــمـــاعـــيـــة - مـــدرســـة فرانكفورت - وبــهــذا فاالستبعاد هــو الــحــال التي تحول دون مشاركة الــفــرد أو الجماعة في الــنــشــاطــات االقــتــصــاديــة واالجــتــمــاعــيــة والــســيــاســيــة والــثــقــافــيــة فــي مجتمع مــا (عــبــد المعطي،

.(٢٠٠٩: ٢٠

ثانيا: االستبعاد االجتماعي:التأصيل النظري للمفهوم

يستخدم مصطلح «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي» بــاعــتــبــاره محصلة نــمــط اجــتــمــاعــي - سياسي سائد فــي المجتمع، تترابط وتتنوع فيه المالمح واألبــعــاد السياسية واالقتصادية والثقافية واالجتماعية، فتعمل على إقصاء وتهميش أفــراد وجماعات داخل المجتمع، طبقا العتبارات

٢١١ االستبعاد االجتماعي ومخاطره على المجتمع / هدى أحمد الديب ومحمود عبد العليم محمد

تــقــررهــا وتــفــعــلــهــا الــمــنــظــومــة، وتــعــيــد إنــتــاجــهــا بــصــور مختلفة. فــفــي نــطــاق الــحــيــاة االجتماعية واليومية لألفراد والجماعات، قد يحرم كثير من الجماعات من فرص الوصول والمشاركة فــي كثير مــن الــمــرافــق االجــتــمــاعــيــة (غـــدنـــز، ٢٠٠٥: ٣٩٤). فـــ «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي» يقصد بــه حــرمــان األفـــــراد مــن حــقــوق الــمــواطــنــة الــمــتــســاويــة عــلــى كــل الــمــســتــويــات: كــالــمــشــاركــة في اإلنتاج واالستهالك، والعمل السياسي، والمشاركة في الحكم واإلدارة والتفاعل االجتماعي (Mok and Lau, 2014).

ويعرف «االستبعاد االجتماعي» في أبسط صوره بأنه إبعاد لبعض فئات المجتمع، وعدم القدرة على المشاركة بفاعلية في الحياة االقتصادية واالجتماعية والسياسية. فـ «االستبعاد االجتماعي» هو عدم الحصول على الموارد، وانعدام القدرة على االستفادة منها، والحرمان (McDowell [et al.], من الحقوق والفرص التي تعزز الوصول إلى هذه الموارد واستخدامها([.n. d]. وترى صوفي بسيس (Sophie Bessis) أن مصطلح «االستبعاد االجتماعي» تعريفيا هو الحرمان من الموارد والحقوق، باإلضافة إلى أنه مجموعة العوامل التي تحول دون مشاركة الفرد والجماعة في األنشطة المجتمعية، وعــدم الــقــدرة على التفاعل واالنصهار في بوتقة المجتمع األوحــد الــذي يستوعب الكل بال استثناء. وعلى هــذا، فــإن «االستبعاد االجتماعي» هو الذي يفرق بين البشر ...، فكلنا ندور في حلقة «االستبعاد االجتماعي» المفرغة، ويبدو أن الفكاك من هــذه الحلقة هو أمــر شبه مستحيل على األقــل في زماننا هــذا. وتــرى بسيس أيــضــا أن «االستبعاد االجتماعي» ال يعني بــالــضــرورة نقص الــمــال، أي الفقر، رغــم أن المال والدخل هو عامل أساسي في تحديد نسبة االستبعاد وشكله، بل هو مجموعة من المشكالت

.(Bessis, 1995) والمعوقات التي تتراكم، والتي تفرز شخصا غير مندمج في مجتمعه

وقــد أشــار أنتوني غدنز إلــى أن أغلب الباحثين المحدثين الــيــوم يستخدمون مصطلح «اإلقصاء االجتماعي»، بدال من مفهوم «الطبقة المسحوقة». كما أشار إلى أن علماء االجتماع هــم أول مــن وضــعــوا معالم هــذا الــمــفــهــوم، غير أن السياسيين هــم الــذيــن يستخدمون هذا المصطلح أكثر من غيرهم في اآلونــة األخيرة لإلشارة إلى أحد المصادر األساسية لظاهرة الــالمــســاواة. ويــدل هــذا المفهوم على السبل التي تسد فيها المسالك أمــام أعــداد كبيرة من األفراد لالنخراط الكامل في الحياة االجتماعية الواسعة (غدنز، ٢٠٠٥: ٣٩٤). وذهب غدنز إلى أن هناك شكلين من أشكال «االستبعاد االجتماعي» في المجتمعات المعاصرة: الشكل األول هو االستبعاد الـــالإرادي ألولئك القابعين في الــقــاع، والمعزولين عن التيار الرئيسي لــلــفــرص الــتــي يتيحها الــمــجــتــمــع. أمـــا الشكل الــثــانــي، فــهــو االســتــبــعــاد اإلرادي، حــيــث تنسحب الجماعات الثرية من النظم العامة، وأحيانا من القسط األكبر من ممارسات الحياة اليومية، في ما يطلق عليه «ثورة جماعات الصفوة»، وتعيش هذه الجماعات داخل مجتمعات محاطة بــاألســوار بمعزل عن بقية أفــراد المجتمع، وتنسحب من نظم الصحة العامة والتعليم العام

والخدمات األخرى المتاحة في المجتمع الكبير (هيلز، لوغران وبياشو، ٢٠٠٧: ١٠).

ويــرى آخـــرون أن «االستبعاد االجتماعي» هــو عملية معقدة ومــتــعــددة األبــعــاد، حيث إنه ينطوي على النقص أو الــحــرمــان مــن الــمــوارد والــحــقــوق والــســلــع والــخــدمــات، وعـــدم الــقــدرة على المشاركة في العالقات واألنشطة العادية المتاحة لغالبية الناس في المجتمع، سواء في

إضـافـات / العددان ٣١ - ٣٢، صيف - خريف ٢٠١٥ ٢١٢

المجاالت االقتصادية واالجتماعية والثقافية أو السياسية، إذ إنه يؤثر في كل من نوعية حياة .(Lakshmanasamy, 2013: 23) األفراد، واإلنصاف والتماسك في المجتمع ككل

وقــد ذهــب مصطفى خلف عبد الــجــواد إلــى أن المقصود بـ «االستبعاد االجــتــمــاعــي» هو «عملية تحول دون المشاركة الكاملة لألفراد والجماعات في الحياة االجتماعية واالقتصادية والسياسية، كما تحول دون ممارسة حقوقهم». وبذلك ينطوي تعريف «االستبعاد االجتماعي» على ثالثة عناصر: األول أن «االستبعاد» يشير إلى األفراد والشرائح والجماعات. والثاني أنه يجسد الحرمان القائم في المجتمع. والثالث أنه يتأسس على العالقات االجتماعية الموجودة

(عبد الجواد، ٢٠٠٨: ٤٣).

بينما ينظر فيبر إلى «االستبعاد» بوصفه أحد أشكال االنغالق االجتماعي، فمن الطبيعي أن ينشأ ذلك االنغالق على خلفية عوامل ناتجة من استحواذ البعض على المكاسب والمغانم والمصالح التي تحتاج إلى نوع من الحماية والهيمنة، فـ «االستبعاد» هو محاولة البعض لتأمين مركز متميز على حساب جماعة أخرى بإخضاعها، ومن ثم إضعافها واختزال مصالحها، أو

مسخ هويتها إلى حد التنكيل والتشويه والقمع (هيلز، لوغران وبياشو، ٢٠٠٧: ٢٤).

ــــوردان (Jordan) االنـــتـــبـــاه إلــــى مـــا تـــقـــوم بـــه جــمــاعــة من ــ وفــــي االتــــجــــاه نــفــســه، يــلــفــت جـ«االستبعاد الفعال لجماعة أخــرى»، بينما يرى بريان بــاري أن االستبعاد االجتماعي ال يعدو أن يكون إعادة تسمية لما اعتاد الناس تسميته بـ «الفقر»، أما ما يسمى بالتعريف اإلجرائي لـ «االستبعاد االجتماعي»، فهو ينصب على فكرة المشاركة، إذ «يعد الفرد مستبعدا اجتماعيا إذا كان ال يشارك في األنشطة األساسية للمجتمع الذي يعيش فيه»، ونجد بأنه تعريف مبتسر وقاصر عن اإلحاطة بأشكال «االستبعاد» وأنماطه، فعدم المشاركة قد تكون خيارا إراديـــــا، فماذا عن االستبعاد القسري، وال سيما في المجتمعات ذات المنظومات االســتــبــداديــة؟، إذ تستفيد السلطة المهيمنة عادة من تشرذم المجتمع وانقسامه إلى جماعات متفرقة إلحكام الــســيــطــرة عــلــيــه، مــا يــدفــع جــمــاعــة الــســلــطــة إلـــى دعـــم إنــتــاج األنـــســـاق األيــديــولــوجــيــة الــمــكــرســة لمظاهر االستبعاد، وذلــك من خــالل ترسيخ فكرة مشروعية السلطة، وتبرير التسلط مقابل تهميش اآلخرين الموضوعيين في عزلة اجتماعية قسرية ال تتيح لهم المشاركة الفعلية في

الحياة العامة (شغيدل، ٢٠١٤).

ويرى روبن (Robin) أن «االستبعاد االجتماعي» هو اختصار لتسمية ما يمكن أن يحدث لألفراد أو المناطق التي تعاني مجموعة من المشكالت المرتبطة بأثر االستبعاد، كالبطالة، وضعف المهارات، والدخل المنخفض، والسكن الــرديء أو العشوائي، وسوء الحالة الصحية والبيئية، وارتفاع معدالت الجريمة، والتفكك األسري. كما ذهب روبن إلى أنه يوجد ما ال يقل عن ١٥ نوعا من اإلقصاء، ومن هذه األنواع: التهميش االجتماعي، والحرمان المادي، وقبول الــحــد األدنـــى مــن الــحــيــاة، واالســتــبــعــاد على أســـاس الــعــرق أو الــجــنــس، واالســتــبــعــاد مــن األســرة والمجتمع، واالستبعاد من دولــة الرفاهية، والفقر على المدى الطويل، واالستبعاد من تيار

.(Peace, 2001: 17) الحياة السياسية واالقتصادية، االستبعاد من سوق العمل

٢١٣ االستبعاد االجتماعي ومخاطره على المجتمع / هدى أحمد الديب ومحمود عبد العليم محمد

وقــد وصــف بــوركــهــارت (Burchardt)، «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي» بــأنــه عــدم الــمــشــاركــة في األنشطة االجتماعية األساسية، ويتضمن أربعة أبعاد، هي: عدم االستهالك (التمكن من شراء السلع، والــخــدمــات، وامــتــالك مسكن) وحــيــازة نظام توفير(امتالك مــدخــرات، ومخصصات المعاش …. إلخ)؛ وعدم المشاركة في األنشطة االقتصادية االجتماعية (إتاحة فرص العمل، ومستوى الدخل، والتعليم، والتدريب، والخدمات العامة ...)؛ وعدم المشاركة السياسية من خــالل المشاركة فــي عملية صنع الــقــرار على المستويين المحلي والــوطــنــي؛ وعــدم التفاعل االجتماعي - التكامل األسري، والحماية، والتضامن والتكامل على مستوى المجتمع المحلي،

.(Burchardt, Le Grand and Piachaud, 2002: 30-43) ثم الوطني

وقد أوضحت صوفي بسيس أن هناك ثالثة أبعاد لالستبعاد: أوال البعد االقتصادي، وهو ينتج مباشرة من الفقر، مثل االستبعاد عن العمل، والحرمان بالتالي من دخل منتظم. وثانيا البعد االجتماعي، ويتعلق بوضع الفرد في المجتمع، األمر الذي يؤدي إلى التمزق في النسيج االجتماعي والتضامن. وثالثا البعد السياسي، ويتعلق بوضع بعض الفئات من السكان، مثل النساء، والمجموعات العرقية والدينية - المحرومون من كل أو جزء من نظمها السياسية - واألقليات أو المهاجرين وحقوق اإلنسان. وتعتقد بسيس أن من أسباب االستبعاد االجتماعي في العصر الحديث تقديم تعليم رديء للغالبية العظمى من أفــراد المجتمع، وقصر التعليم الجيد على جماعة محددة في المجتمع (Bessis, 1995). وتتسم أسباب االستبعاد االجتماعي بأن لها أبعادا معقدة ومتعددة، األمر الذي يخلق العديد من المشكالت العميقة، والتي تكون ذات أثر طويل المدى في الفرد والمجتمع، وفي االقتصاد، وقد يمتد هذا التأثير من جيل

إلى جيل.

ــتـــحـــدد الـــســـمـــة األولـــــى بــشــكــل االتـــصـــال ولــــــ «االســـتـــبـــعـــاد االجـــتـــمـــاعـــي» ســـمـــات عــــديــــدة: تـ(Relationality)، ويشير إلى العالقات بين األفــراد والجماعات داخــل المجتمع، أو التباعد بــيــنــهــمــا، وكـــذلـــك الــمــشــاركــة الــمــجــتــمــعــيــة غــيــر الــمــتــكــافــئــة. وتــتــحــدد الــســمــة الثانية بــالــديــنــامــيــة (Dynamicity)، والتراكمية (Cumulativity)، حيث يتسم «االستبعاد االجتماعي» بالعمليات التراكمية والتطورية التي يتم فيها تشكيل الخبرات الحالية نتيجة الخبرات الماضية، والتي تؤثر بالتالي في الخبرات والــظــروف الحياتية المستقبلية. وتتحدد السمة الثالثة بالنسبية (Relativity)، حيث يقاس «االستبعاد االجتماعي» في ضــوء المعايير المجتمعية التي تميز مجتمعا من اآلخــر، ومن ثم فعند قياسه يختلف التقييم في الزمان، وكذلك المكان، أي أن الحكم ليس مطلقا. أمــا السمة الرابعة، فهي تعدد األبعاد (Multi-dimensionality)، حيث يتحدد «االستبعاد االجتماعي» بأبعاد عــديــدة، منها: االقــتــصــاديــة، واالجتماعية، والسياسية، ،(Agency) والثقافية، والجغرافية، وكذلك يتحدد بالمواطنة. والسمة الخامسة هي القوة فـ «االستبعاد االجتماعي» يعبر عن إرادة أصحاب القوة القادرين على السيطرة، وعلى اتخاذ

.(Scutella, Wilkins and Kostenko, 2009: 12) القرار وتنفيذه

ــبــــاط بــيــن الــتــرتــيــب الــطــبــقــي االقـــتـــصـــادي وظـــاهـــرة وعـــلـــى الـــرغـــم مـــن وجـــــود عـــالقـــة ارتــ«االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي»، فــإن الحقيقة أن «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي» ظــاهــرة تتعدى مــجــرد أن يكون الفرد فقيرا في المجتمع، حيث إن «االستبعاد االجتماعي» يتميز من الفقر بالمعنى

إضـافـات / العددان ٣١ - ٣٢، صيف - خريف ٢٠١٥ ٢١٤

الدقيق للكلمة، ألن االستبعاد يركز على منظومة واسعة من العوامل التي تمنع األفراد والفئات والجماعات من الفرص المتاحة ألغلبية السكان. فهو ال يعني بالضرورة نقص المال، رغم أن المال والدخل هما عامالن أساسيان في تحديد نسبة االستبعاد وشكله، كما يعدان نذيرا مــبــكــرا أو عــالمــة أســاســيــة أو مــكــونــا أســاســيــا لالستبعاد االجــتــمــاعــي. فاالستبعاد بشكل مــا هو أكثر من الفقر الذي يرتبط باإلخفاق االقتصادي وأزمات التنمية، كذلك يتجاوز المتغيرات االقـــتـــصـــاديـــة األخــــــرى، كــحــالــة الــعــمــل أو الـــوضـــع الــمــهــنــي، حــيــث يــمــثــل مــجــمــوعــة الــمــشــكــالت والمعوقات التي تتراكم، والتي تفرز شخصا غير مندمج في مجتمعه، وتتمثل بالحرمان من الحقوق التي تدخل في صلب التعاقد االجتماعي، وبالحرمان من حق المشاركة في اتخاذ القرار وصناعة المصير. فاالستبعاد ناتج من نواتج الحرمان المتعدد الذي يمنع األفــراد أو الجماعات من المشاركة الفعلية في مجاالت الحياة المختلفة في المجتمع الذي يعيشون فيه

(الميتمي، ٢٠١٣). (Social Inclusion) «كما يــعــد «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي» نقيضا لـــ «االنــدمــاج االجــتــمــاعــي(جلبي، ٢٠١٤: ٥)، ويعرف البنك الدولي «االنــدمــاج االجتماعي» بأنه عملية تحسين قــدرات الناس المحرومين، ومنحهم الفرصة للمشاركة في المجتمع (World Bank, 2013). هذا مع مالحظة أن تحقيق االندماج ال يتوقف على قدرة الفرد أو الجماعة على استيعاب متطلبات بقاء النظام االجتماعي وحسب، بل يتوقف أيضا على درجة االندماج التي يبديها المجتمع نفسه، على نحو يــدفــع الــفــرد إلــى االنــخــراط فيه والــمــشــاركــة، أو العكس صحيح. فــاالنــدمــاج من منظور االستبعاد، ويطلق عليه أويــن «دمــج المستبعدين»، يتضمن سلسلة من العمليات الــمــقــصــودة الــتــي تــقــوم بــهــا الــحــكــومــات والــمــؤســســات الــمــعــنــيــة، بــغــرض إعـــــادة دمــــج الــفــئــات المستبعدة في المجتمع، ســواء كــان سبب االستبعاد هو الفقر، أو ضيق مجال المشاركة، أو ســوء توزيع الــمــوارد، أو التمييز االجتماعي. ويتطلب تحقيق االنــدمــاج بهذا المعنى، تفكيك «الــقــواعــد الهيكلية لــالســتــبــعــاد»، ولــيــس مــجــرد تحسين بــعــض الــمــؤشــرات المتعلقة بالصحة،

وبمعدل االلتحاق بالمدارس، وبالتسجيل في قوائم الناخبين.

ويــتــداخــل مفهوم «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي» مــع «الــحــرمــان االجــتــمــاعــي»، الـــذي يشير إلى انخفاض مستوى التفاعل الثقافي الطبيعي بين الفرد وباقي المجتمع أو توقفه تماما. ويدخل هذا الحرمان االجتماعي في إطار شبكة كبيرة من العوامل المترابطة التي تسهم في وقوع «االستبعاد االجــتــمــاعــي». وتتضمن هــذه الــعــوامــل الــمــرض النفسي، والــفــقــر، والتعليم السيئ، والوضع االجتماعي واالقتصادي المنخفض. إذا، يبدو أن جــزءا من الغموض الــذي يكتنف تعريف الحرمان االجتماعي ينشأ عن التشابه الظاهري مع االستبعاد االجتماعي. وبالرغم مــن ذلــك يمكن ربــط الــحــرمــان االجتماعي باالستبعاد االجتماعي أو المشاركة فــي حدوثه، وذلك عندما يكون أحد األشخاص في مجتمع معين منبوذا من باقي أفراد المجتمع. ويحرم الشخص المستبعد من حق الوصول إلى الموارد التي تتيح له التفاعل الصحي واالجتماعي واالقتصادي والسياسي. وقد حــدد بيرسون خمسة عوامل أساسية تــؤدي إلى بدء االستبعاد ــــدم الــحــصــول عــلــى وظـــائـــف، ورفـــــض الـــدعـــم االجــتــمــاعــي أو االجـــتـــمـــاعـــي، وهـــــي: الــفــقــر، وعـ

٢١٥ االستبعاد االجتماعي ومخاطره على المجتمع / هدى أحمد الديب ومحمود عبد العليم محمد

شبكات األقـــران، واالستبعاد من الخدمات، والموقف السلبي من الــجــوار المحلي. ويرتبط أيضا بالرعاية المؤذية، وتأخر النمو، والمرض النفسي، واالنتحار الحقا(١).

ومن خالل ما سبق، يمكن القول إنه قد تعددت وتباينت التعريفات العلمية لـ «االستبعاد» كمفهوم، ولكن اتفقت مجمل التعريفات على أن االستبعاد يقصد بــه طــرد المواطن خــارج المنظومة االقتصادية واالجتماعية والسياسية، بشكل ال يعتبره أحد المكونات الرئيسية في البناء االجتماعي، سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا. فـ «االستبعاد» بكل صوره وأبعاده السياسية واالقتصادية واالجتماعية، ليس مجرد مشكلة تحتاج إلى هندسة اجتماعية للتعامل معها، إنما هو مشكلة هيكلية تقوم على االختالف في درجــات القوة، داخليا وخارجيا، ذلك ألن االستبعاد يعكس غياب مشاركة األفراد، وتوقف الدور الذي تقوم به الشبكات االجتماعية في الربط بين القوى المجتمعية من ناحية، وتبرز مصالح وأصوات القوى المجتمعية للدولة مــن ناحية أخـــرى. األمـــر الـــذي يــراكــم الــالمــســاواة االجــتــمــاعــيــة، ويــدفــع المجتمع إلــى العزلة

.(Komter, 1996: 299-316) والضعف

إذا ال يعني «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــى» بــالــضــرورة نقص الــمــال، أي الــفــقــر، رغــم أن المال والدخل هو عامل أساسي في تحدي نسبة االستبعاد وشكله، بل هو مجموعة من المشكالت والـــمـــعـــوقـــات الـــتـــي تـــتـــراكـــم، والـــتـــي تـــفـــرز شــخــصــا غــيــر مــنــدمــج فـــي مــجــتــمــعــه. فــــ «االســتــبــعــاد االجتماعي» ظــاهــرة متميزة مــن الفقر، ومميزة أيــضــا مــن عــدم الــمــســاواة االقتصادية، فهي ليست أمرا شخصيا، وال راجعا إلى تدني القدرات الفردية، بقدر ما تمثل حصاد ونتاج بنية اجتماعية معينة، ورؤي مــحــددة، ومــؤشــرا على أداء هــذه البنية لوظائفها. فهو [االستبعاد االجتماعي] يحول دون تمتع األفراد والجماعات بالمشاركة االقتصادية والسياسية والثقافية

.(Bessis, 1995) الكاملة

ثالثا: أسباب انتشار االستبعاد االجتماعيلــقــد جــعــل االخــتــالف فــي تــحــديــد مــفــهــوم مــوحــد لـــ «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي» رؤى العلماء والباحثين تتسع في تحديد األسباب الرئيسية المتصلة به والمؤدية إلــى حدوثه، فبرز، في هذا المجال، ثالث مدارس فكرية، وهذه المدارس الثالث في اهتمامها باألسباب الرئيسية ـــ «االســـتـــبـــعـــاد االجـــتـــمـــاعـــي»، بــاعــتــبــاره مــلــمــحــا أســـاســـيـــا فـــي الـــجـــدل الـــدائـــر حــــول «االســتــبــعــاد لـاالجتماعي»، تبحث عن إجابة عن السؤال القائل: من الذي يقوم باالستبعاد؟ فكانت إجابات

المدارس الثالث، بحسب منطلقاتها الفكرية المختلفة، كما يلي:

١ - تــضــع الــمــدرســة األولـــى ســـلـــوك األفـــــراد وقــيــمــهــم األخـــالقـــيـــة فـــي الـــمـــقـــام األول، حــيــث شـــددت هــذه الــمــدرســة عــلــى أهــمــيــة الــقــيــم األخــالقــيــة، وعــلــى الــتــفــســيــرات الــســلــوكــيــة،

<http://ar.wikipedia.org/wiki/%d8%ad%d ،(الموسوعة الحرة) (١) انظر: «حرمان اجتماعي،» ويكيبيديا8%b1%d9%85%d8%a7%d9%86_%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%a7%d8%b9%d9%8a>.

إضـافـات / العددان ٣١ - ٣٢، صيف - خريف ٢٠١٥ ٢١٦

تعتبرهم ألنها الــلــوم عليهم وألــقــت اجتماعيا، المستبعدين األفــراد على تحليلها وركــزت الــمــســؤولــيــن عــن وضــعــهــم هـــذا، بــل هــي تــؤكــد أنــهــم هــم الــذيــن وضــعــوا أنــفــســهــم فــي هــذا

الموضع.

٢ - تشدد المدرسة الثانية على أهمية دور المؤسسات والنظم، ابتداء من دولة الرعاية أو االشتراكية إلى الرأسمالية والعولمة. وهي ترى أن المؤسسة المدنية واالقتصادية تجعل من الفرص المتاحة أمام بعض األفراد والجماعات دون غيرهم، فيه نوع من تقييد الفرص أمام اآلخرين، األمر الذي يعطي االنطباع بانتفاء وجود فعل االستبعاد على جانبين: الجانب األول هــو حصيلة هــذا الــنــظــام أو المؤسسة، فهي فــي الــعــادة غير مــقــصــودة، أو على األقــل خارج نطاق سيطرة أي فرد أو منظمة؛ والجانب الثاني هو أنه ال يملك األفراد المستبعدون

اجتماعيا فرصة معالجة وضعهم.

٣ - تشدد المدرسة الثالثة على أهمية التميز ونقص الحقوق المنفذة فعال، كسبب رئيسي فــي عملية االستبعاد، وبتحليلها يكون المستبعدون اجتماعيا واقعين تحت رحمة األقــويــاء،

وبالتالي فهم يلقون بالمسؤولية على الصفوة بصورة كاملة.

وبعيدا عن الــمــدارس الفكرية وتحليالتها لألسباب التي ينجم عنها ظاهرة االستبعاد االجــتــمــاعــي، يمكن أن نــذكــر األســبــاب الــتــي يمكن أن تنتج منها هــذه الــظــاهــرة، وذلــك كما

يلي:

أ - األسباب السياسية: يــؤدي انفراد بعض األفــراد بسلطة القرار، وغياب التنظيم الذي يكفل لــألفــراد الــمــشــاركــة فــي تناولهم قضاياهم ومشكالتهم، إلــى إحــســاس األفــــراد بالضيق

الذي يظهر على هيئة توتر واستعداد كبير لالنفجار.

ب - األســبــاب االقتصادية: يعتبر الــعــامــل االقــتــصــادي أهــم الــعــوامــل الــتــي تـــؤدي إلــى بـــروز مــظــاهــر االســتــبــعــاد مــن عــمــق الــنــســق االجــتــمــاعــي، نــظــرا إلـــى مــا لــلــعــامــل االقــتــصــادي من دور في تحديد فعالية األفــراد في النظام االجتماعي، ومدى تحكمها في توسيع أو تضييق دوائــر النشاط لدى الفرد، فالثورة أهم محددات استبعاد الفرد أو اندماجه في

المجتمع.

ج - األسباب النوعية: يحدد جنس الفرد في المجتمع دوره ومكانته، وحتى منطلق الــتــربــيــة، فــالــثــقــافــة الــعــربــيــة تـــفـــرق بــيــن الـــذكـــور واإلنـــــاث فـــي إعــــدادهــــم ألدوار مــتــبــايــنــة يحددها النوع الــذي ينتمون إليه، وهــو ما جعل العديد من الحركات الداعية إلــى رفع القيود وأشكال التهميش واالستبعاد للمرأة، في أداء العديد من األدوار الجديدة، والتي تــكــون فـــي الـــعـــادة نــتــيــجــة لــلــتــغــيــرات االجــتــمــاعــيــة واالقــتــصــاديــة الــتــي تــعــرفــهــا الــمــجــتــمــعــات

العربية.

٢١٧ االستبعاد االجتماعي ومخاطره على المجتمع / هدى أحمد الديب ومحمود عبد العليم محمد

رابعا: مخاطر االستبعاد االجتماعيعلى النسق االجتماعي للمجتمع

إن تفشي ظــاهــرة «االستبعاد االجتماعي» بين أجـــزاء النسق فــي المجتمعات، لها تأثير واضح في التكامل بين أجزائه، وخاصة في الجانب الوظيفي، وقد يتجسد األثر البالغ لهذه الظاهرة من خالل قيمتي العدالة االجتماعية والتضامن اآللي بين أفراده، على اعتبار أنهما

أهم قيمتين يقوم عليهما التكامل الوظيفي ألجزاء البناء االجتماعي ألي مجتمع.

١ - مخاطر االستبعاد االجتماعي على قيم العدالة االجتماعيةتمثل «العدالة االجتماعية» كمفهوم، الحد األدنــى للعدالة، وهي نوع من تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع، كما أنها تتيح للفعل البشري الفردي المجال إلعطاء صفة مميزة لألفعال الشرعية، مــع التشديد فــي الــوقــت نفسه على وجــود مظاهر الحرمان فــي المجتمع، والــذي ينبغي أن يثير الطلب المشروع للحصول على المعونة أو اإلنصاف من الظلم والتعويض عنه. وقد اختلف العلماء حول دالالت الفرد المتكافئة، لذلك يمكن أن نقول إن هذا المفهوم ليس

دقيقا لسببين:

أ - السبب األول يتعلق بــاألمــور التي هــي مــن حــق األفـــراد أن يتميزوا بها (ومــن ثــم ما يترتب عليها من مكافآت مرتبطة بها) أو األمور التي يحملون المسؤولية عنها (وبالتالي ما

يترتب على ذلك من الخسائر والعقوبات المرتبطة بها).

ب - السبب الثاني: ما يتعلق باألمور التي تعد مسألة حظ سعيد أو حظ سيئ أو ما يسمى بـ «المواهب الطبيعية».

ويتعارض «االستبعاد االجتماعي» مع مبدأ العدالة االجتماعية أو الفرص المتكافئة بين األفراد على األقل في جانبين اثنين:

(أ) - الجانب األول: يؤدي «االستبعاد االجتماعي» إلى وجود فرص تعليمية ومهنية غير متكافئة.

(ب) - الجانب الثاني: يشكل «االستبعاد االجتماعي» في الواقع إنكارا للفرص المتكافئة فــي مــا يتصل بــاألمــور السياسية. فـــ «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي» بإمكانه أن يـــؤدي إلــى انتهاك ــا مــتــكــافــئــة. فــفــي بــعــض الــــظــــروف يمكن مــقــتــضــيــات الـــعـــدالـــة االجــتــمــاعــيــة، بــاعــتــبــارهــا فـــرصـ

لـ «االستبعاد االجتماعي» أن يشكل بصورة فعلية إنكارا للعدالة االجتماعية.

٢ - مخاطر االستبعاد على قيم التضامن االجتماعيتختلف العدالة االجتماعية والتضامن االجتماعي في عالقتهما بـ «االستبعاد االجتماعي»، ســـواء كـــان ذلـــك طــوعــا أو قــهــرا، فـــ «الــتــضــامــن االجــتــمــاعــي» كمصطلح مــن مصطلحات علم االجتماع يرد في سياق تفسير تماسك المجتمعات الصناعية الحديثة، فالتقسيم المعقد للعمل

إضـافـات / العددان ٣١ - ٣٢، صيف - خريف ٢٠١٥ ٢١٨

يترتب عليه بــالــضــرورة أن يكون كــل فــرد مــن أفـــراد المجتمع متخصصا فــي مجال محدود، وعــاجــزا عــن أن يوفر لنفسه مــا يحتاج إليه مــن دون الــتــعــاون والــتــبــادل مــع اآلخــريــن، لذلك فالمجتمع يتماسك ألن األفـــراد ال يملكون الــمــوارد واإلمكانات التي تمكنهم من االنسحاب

منه.

ويقصد بـ «التضامن االجتماعي» اإلحساس بمشاعر الرفقة واإللفة، وهو يمتد ليتجاوز األشــخــاص الذين يكون المرء على صلة شخصية بهم، وهــو في حــده األدنــى تقبل األغــراب كبشر لهم االحتياجات والحقوق نفسها. فالتضامن االجتماعي له أسبابه االجتماعية. والعزلة االجتماعية أو االستبعاد االجتماعي هو من العوامل المهمة في تقوية التضامن: االنخراط فــي الــمــؤســســات المشتركة ومعايشة الــخــبــرات، فحياة الــنــاس تــكــون أفــضــل حـــاال فــي مجتمع

يتشارك أعضاؤه في بعض جوانب تلك الحياة (غدنز، ٢٠٠٥: ٣٩٤).

إن جعل المجتمع يعيش تضامنا آليا يحتاج إلى أسس مادية للمشاركة في حياة المجتمع، فمرافق الخدمات العامة التي توفرها األنظمة األساسية (كالمدارس والخدمات الصحية... إلخ) تعد واحدة من أساليب تشكيل التضامن بين أفراد المجتمع، غير أنه من المالحظ أنها أصبحت في كثير من األحيان منتجة لالستبعاد االجتماعي لألفراد أكثر مما تقدمه لهم من تضامن، وذلك لمستوى جودة هذه الخدمات، وكيفية تقديم هذه الخدمات لألفراد. فكثرة انتشار ظــاهــرة «االستبعاد االجتماعي» داخــل المجتمع تقضي تدريجيا على التضامن بين

أفراده (سلطانية وابن تركي، ٢٠١٢: ٢٠).

٣ - االستبعاد االجتماعي وانتشار العنف في المجتمعيمثل العنف ممارسة سلبية تهدد استقرار البناء االجتماعي للمجتمع وعوامل استمراريته (Anti-state وتـــطـــوره اآلمـــــن. ويــعــتــبــر ظــهــور الــعــنــف ومــخــتــلــف الــجــمــاعــات الــرافــضــة لــلــدولــة(Movements، هو نتيجة حتمية لما يعرف بـ «االستبعاد االجتماعي». وبالتالي، فإن ظاهرة الــعــنــف هــي صــــورة مــن صـــور «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي»، الــــذي يــعــنــي االنــســحــاب مــن االلــتــزام بالقواعد والقوانين المنظمة للمجتمع، وعدم االلتزام بالتسلسل الهرمي لألوضاع االجتماعية، ولــلــســلــطــويــة الــمــســتــقــرة فـــي الــمــجــتــمــع، بــفــعــل ظــــروف قـــد تــكــون قـــاهـــرة، وال يــســتــطــيــع األفــــراد مواجهتها (Silver, 2006: 4411-4413). وهذا الوضع شهدته بعض دول أمريكا الالتينية، مثل

.(Zibechi, 2010: 65-90, and Dangl, 2010) بوليفيا، والباراغواي، واإلكوادور

واستنادا إلى هذا االتجاه، يعد الشخص مستبعدا اجتماعيا، عندما تتوافر فيه مجموعة من السمات، منها أن يكون مقيما في منطقة معينة من المجتمع، مثل المناطق العشوائية، وأال يستطيع المشاركة في األنشطة العادية في المجتمع كباقي المواطنين، بالرغم من أنه

.(Barry, 2002) قد تكون لديه الرغبة في المشاركة واالنخراط

وبناء على ذلــك، يمثل العنف ممارسة سلبية تهدد استقرار البناء االجتماعي للمجتمع، وعـــوامـــل اســتــمــراريــتــه، وتـــطـــوره اآلمــــن. وتــتــألــف جــمــاعــات الــعــنــف والــبــلــطــجــة، كــفــئــة مستبعدة

٢١٩ االستبعاد االجتماعي ومخاطره على المجتمع / هدى أحمد الديب ومحمود عبد العليم محمد

ــــراد الــذيــن ســقــطــوا مــن شــبــكــة الــرعــايــة االجــتــمــاعــيــة بــصــورة رســمــيــة، مثل اجــتــمــاعــيــا، مــن األفـالمجرمين، والمسجلين الخطرين، ومعتادي اإلجرام.

خاتمةــغــــالق ــــد أشــــكــــال االنــ ــهـــوم االســـتـــبـــعـــاد الـــــــذي عـــــــرف بـــوصـــفـــه أحــ ــفـ تـــقـــصـــى الـــبـــاحـــثـــان مـاالجتماعي، فاالنغالق بمنزلة المحاولة التي تقوم بها جماعة لتؤمن لنفسها مركزا متميزا عــلــى حــســاب جــمــاعــه أخـــرى مــن خــالل عملية إخــضــاعــهــا. كــمــا أن «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي» فــي أبسط صــوره هــو عــدم الحصول على الــمــوارد، وانــعــدام الــقــدرة على االســتــفــادة منها، والــحــرمــان مــن الــفــرص الــتــي تــعــزز الـــوصـــول إلـــى هـــذه الـــمـــوارد واســتــخــدامــهــا. كــمــا يشير مــفــهــوم «االســتــبــعــاد» إلـــى عـــدم الــتــمــكــن مـــن الــتــواصــل مـــع اآلخـــريـــن والــمــشــاركــة فـــي حــيــاة الــمــجــتــمــع، ويــشــكــل هـــذا االســتــبــعــاد حــرمــانــا ذا أهــمــيــة جــوهــريــة، لــمــا فــيــه مــن إفــقــار لــحــيــاة

الشخص.

وقــد تــوصــل الباحثان إلــى أن لـــ «االستبعاد االجتماعي» أبــعــادا عــديــدة، وأنــه مــوجــود في مختلف الــمــجــاالت واألشــكــال، فمثال هيمن مفهوم «الــعــرق» أو «الطائفة» عند الحديث عن «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي» لفترة طــويــلــة. ونــجــد مفهوم «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي»، ليس مفهوما ساكنا في الواقع، بل هو عملية أو عمليات التهميش والتمييز في الحياة اليومية والتفاعل، إذ أصبح مصطلح «اإلقصاء» جزءا من المفردات االجتماعية المهمة، ومن المفيد االعتراف بأن لدى فكرة ومفهوم «االستبعاد االجتماعي» اتصاالت مع مفاهيم راسخة في الكتابات عن

الفقر والحرمان.

ويــــرى الــبــاحــثــان أن هــنــاك بــعــض الـــمـــؤشـــرات الــتــي تـــدل عــلــى «االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي» مثل: الصعوبات المالية التي تواجه األســرة، والنقصان الشديد في االحتياجات األساسية لــإلنــســان، وظـــروف السكن غير المالئمة، وتــدنــي قــدرة الــفــرد على اإلدراك الــذاتــي لحالته الصحية، وعــدم الــرضــا عــن العمل أو النشاط األســاســي للفرد داخــل المجتمع، وقلة ونــدرة االتصاالت مع األقارب واألصدقاء. ومن الجدير باإلشارة أن «االستبعاد االجتماعي» يمكن أن ينشأ عن طرق متنوعة، لكن من المهم التعرف إلى براعة الفكرة وانتشارها، وضرورة توخي الحذر في عدم استخدام هذا المفهوم بشكل عشوائي لوصف كل شكل من أشكال

الحرمان.

ويؤكد الباحثان أن «االستبعاد االجتماعي» هو ظاهرة من الماضي والحاضر على حد سواء، وهو مؤثر في الماليين من األشخاص الذين يكافحون للبقاء على قيد الحياة، بسبب ظروفهم الصعبة، سواء في العيش أو العمل. وعلى مر التاريخ، تطورت األشكال التي يتخذها «االستبعاد االجتماعي»، ســواء بخصائصه أو المواقف المعتمدة تجاهه. ويبدو أن الجهات الفاعلة المعنية ال تــؤدي الــدور المطلوب منها، والــذي يعكس رغبتها في خفض «االستبعاد

االجتماعي» والقضاء عليه ■

إضـافـات / العددان ٣١ - ٣٢، صيف - خريف ٢٠١٥ ٢٢٠

المراجعجــلــبــي، عــلــي عــبــد الــــرازق (٢٠١٣). «االنـــدمـــاج االجــتــمــاعــي والــمــواطــنــة الــنــشــطــة: مــصــر بــعــد ثـــورة ٢٥ مت إلــى: المؤتمر السنوي الثاني للعلوم االجتماعية واإلنسانية، الذي يناير نموذجا.» ورقــة قد<http://www. ،أقامه المركز العربي لألبحاث ودراســـة السياسات، ٣٠ - ٣١ آذار/مـــارس ٢٠١٣dohainstitute.com/file/Get/408d0ac3-33e3-463c-b997-b380b8ab7915>.

الحوراني، محمد عبد الكريم (٢٠١٢). «االستبعاد والثورات الشعبية: محاولة للفهم في ضوء نموذج معدل لنظرية الحرمان النسبي.» المجلة األردنية للعلوم االجتماعية: السنة ٥، العدد ٢.

سلطانية، بلقاسم وأسماء بن تركي (٢٠١٢). «تشكل صور من االستبعاد االجتماعي: الفقر والبطالة في الجزائر.» مجلة العلوم اإلنسانية (جامعة محمد خيضر - بسكرة): العدد ٢٤، آذار/مارس.

شغيدل، كريم (٢٠١٤). «مفهوم االستبعاد االجتماعي وأثره في النسيج المجتمعي.» المنتدى العربي <http://socio.montadarabi.com/t3560- أيــلــول/ســبــتــمــبــر، ٢٥ واإلنــســانــيــة: االجــتــمــاعــيــة للعلوم topic>.

مت إلى: عبد الجواد، مصطفى خلف (٢٠٠٨). «التحضر واالستبعاد االجتماعي في مصر.» ورقة قدمؤتمر «التحدیث والتغییر في مجتمعاتنا: تقییم للتجاري واستكشاف اآلفاق»، الذي أقامه مركز الــدراســات المعرفية بجامعة عين شمس، قسم علم االجتماع، كلية اآلداب، بالقاهرة، في ٧ - ٨

نيسان/أبريل.عبد المعطي، عبد الباسط (٢٠٠٩). «الشباب العربي: األوضاع الحالية والتبعات االجتماعية.» ورقة مت إلى: اجتماع الخبراء حول تعزيز اإلنصاف االجتماعي وإدماج قضايا الشباب في عملية قد

التخطيط للتنمية، أبو ظبي، ٢٩ - ٣١ آذار/مارس ٢٠٠٩.عياد، هاني جرجس (٢٠١٤). «االستبعاد االجتماعي.» المنتدى العربي للعلوم االجتماعية واإلنسانية: <http://socio.montadarabi.com/t3560-topic>. ٢٠ أيلول/سبتمبر،

غــدنــز، أنــتــونــي (٢٠٠٥). علم االجتماع: مع مدخالت عربية. بمساعدة كــاريــن بــيــردســال؛ ترجمة وتقديم فايز الصياغ. بيروت: المنظمة العربية للترجمة. (علوم إنسانية واجتماعية)

الميتمي، محمد (٢٠١٣). «من سياسات التخفيف من الفقر والبطالة إلى سياسات مواجهة االستبعاد <http://www.althawranews.net/portal/news-42390.htm>. ،االجتماعي.» الثورة: ٢٠١٣/٤/٢٥

ــيـــد بــيــاشــو (٢٠٠٧). االســتــبــعــاد االجــتــمــاعــي: مــحــاولــة للفهم. هــيــلــز، جــــون، جــولــيــان لـــوغـــران ودافـترجمة وتــقــديــم محمد الــجــوهــري. الــكــويــت: المجلس الــوطــنــي للثقافة والــفــنــون واآلداب. (عالم

المعرفة؛ ٣٤٤)Barry, Brian (2002). «Social Exclusion, Social Isolation, and Income Distribution.» in: John

Hills, Julian Le Grand and David Piachaud, Understanding Social Exclusion. Oxford: Oxford University Press, <http://www.gs-drc.org/go/display&type=Docu ment&id=3395>.

Beall, Jo (2002). «Globalization and Social Exclusion in Cities: Framing the Debate with Lessons from Africa and Asia.» Environment and Urbanization: vol. 14, no. 1, April.

Bessis, Sophie (1995). «From Social Exclusion to Social Cohesion: Towards a Policy Agenda.» paper presented at: The Roskilde Symposium, University of Roskilde, Denmark, 2-4 March, <http://www.unesco.org/most/besseng.htm>.

Burchardt, Tania ([n. d.]). «Oxford Dictionary of Politics: Social Exclusion.» Answers, <http://www.answers.com/topic/social-exclusion#ixzz3bxwcbvq6>.

٢٢١ االستبعاد االجتماعي ومخاطره على المجتمع / هدى أحمد الديب ومحمود عبد العليم محمد

Burchardt, Tania, Julian Le Grand and David Piachaud (2002). «Degrees of Exclusion: Developing a Dynamic, Multidimensional Measure.» in: John Hills, Julian Le Grand and David Piachaud, Understanding Social Exclusion. Oxford: Oxford University Press, <http://www.gs-drc.org/go/display&type=Docu ment&id=3395>.

Dangl, Benjamin (2010). Dancing with Dynamite: Social Movement and States in Latin America. Oakland; Baltimore: AK Press.

Komter, Aafke Elisabeth (1996). «Reciprocity as a Principle of Exclusion: Gift Giving in the Netherlands.» Sociology: vol. 30, no. 2.

Lakshmanasamy, T. (2013). «How Deep is Caste Discrimination and Social Exclusion?: Methodologies for Measuring Economic Deprivation of Dalits.» Indian Journal of Dalit and Tribal Studies and Action: vol. 1, no. 3, June.

McDowell, Tiffany [et al.] ([n. d.]). «Social Exclusion.» Adler School of Professional Psychology, <http://www.adler.edu/page/institutes/instit ute-on-socialexclusion/about>.

Mok, Ka Ho and Maggie K. W. Lau (eds.) (2014). Managing Social Change and Social Policy in Greater China: Welfare Regimes in Transition. London: Routledge. (Routledge Research On Public and Social Policy in Asia)

Peace, Robin (2001). «Social Exclusion a Concept in Need of Definition?.» Social Policy Journal of New Zealand: 16/7/2001.

Scutella, Rosanna, Roger Wilkins and Weiping Kostenko (2009). Estimates of Poverty and Social Exclusion in Australia: A Multidimensional Approach. [Parkville, Vic.]: Melbourne Institute of Applied Economic and Social Research, University of Melbourne. (Melbourne Institute Working Paper; no. 26/09)

Silver, Hilary (2006). «Social Exclusion.» in: George Ritzer (ed.). Encyclopedia of Sociology. Oxford: Blackwell.

World Bank (2013). «Inclusion Matters: The Foundation for Shared Prosperity.» World Bank: 9 October, <http://www.worldbank.org/en/events/2013/09/23/inclus ion- matters-foundation-of-shared-prosperity>.

Zibechi, Paul (2010). Dispersing Power-Social Movements as Anti-state Forces. Oakland; Baltimore: AK Press.