78
ﺩﻭﺭﺍ ﻤﺭﻏﺭﻴﺕ اﻟـﻌﺎﺷــﻖ ﺘﺭﺠﻤﺔ: ﻋﻴﺘﺎﻨﻲ ﻤﺤﻤﺩ ﻟﻠﺭﻭﺍﻴﺔ ﺍﻷﺼﻠﻲ ﺍﻟﻐﻼﻑ

رواية العاشق ،لمارغريت دورا

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

مرغريت دورا

الـعاشــق محمد عيتاني: ترجمة

الغالف األصلي للرواية

Page 2: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

2

. في أحد األيام، وكنت قد أصبحت مسنة، في بهو مكان عام، تقدم رجل نحوي ويعرف الجميع أنك كنت . إنني أعرفك منذ زمن قديم : "وعرفني بنفسه وقال لي

. بة لي أجدك أكثر جماال اآلن جميلة حين كنت شابة، وقد جئت ألقول لك إنني بالنس مما حين كنت شابة، وكنت أقل حبا لوجهك كامرأة شابة مني اآلن للوجه الذي لك

".اآلن، والذي اجتاحه التلف

كثيرا ما أفكر في هذه الصورة التي ما زلت أراها اآلن وحدي والتي لم أتكلم من بين جميع الصور، وهي . إنها ما زالت هنا في نفس الصمت، المدهش . عنها أبدا

الصورة التي تروق لي، لذاتي، الصورة التي أتعرف إلى نفسي فيها، وأحس حيالها .باالنسحار والطرب

وفي الثامنة عشرة كان األوان قد فات . وبسرعة كبيرة في حياتي فات األوان . وبين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين اتجه وجهي في اتجاه غير متوقع . تماماويبدو . وال أعرف إذا كان الجميع هكذا، فإنني لم أسأل أبدا . الثامنة عشرة شخت في

لي أنهم حدثوني عن تلك الدفعة من الزمن التي تضربك أحيانا وأنت تجتاز السن . هذه الشيخوخة كانت مباغتة، قاسية . األكثر فتوة، واألجدر باالحتفاء، من الحياة

وتغير النسبة الموجودة بينها، وتجعل العينين رأيتها تسود قسماتي واحدة واحدة، . أوسع، والنظرة أكثر حزنا، والفم نهائيا أكثر، وتطبع على الجبين تكسرات عميقة

وبعكس أن أكون قد خفت من هذه الشيخوخة، فقد رأيت هذه تحدث في وجهي لم أكن كنت أعلم أيضا أنني . باالهتمام الذي كان يمكن أن أتخذه لمجرى قراءة مثال

. وتتخذ مجرى طبيعيا . مخطئة، وأن هذه الشيخوخة سوف تتباطأ في يوم من األيام إن األشخاص الذين عرفوني وأنا في السابعة عشرى لدى زيارتي لفرنسا قد تأثروا

وهذا الوجه، الجديد، قد . حين رأوني مجددا، بعد ذلك بعامين، وأنا في التاسعة عشرة لقد شاخ أيضا، بالتأكيد، ولكن نسبيا أقل مما كان ينبغي .لقد كان وجهي . احتفظت به

إنه لم ينهر هابطا . إن لي وجها ممزقا بغضون جافة وعميقة، ذا بشرة مكسورة . لهمثل بعض الوجوه ذوات القسمات الدقيقة، بل احتفظ بنفس الدوائر، لكن مادته قد

.إن لي وجها مدمرا. دمرت

Page 3: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

3

.ي الخامسة عشرة والنصف من عمريوألقل لكم أيضا إنني ف

.إنه عبور معدية على نهر الميكونغ

أنا في الخامسة عشرة . الصورة تستمر طوال عملية عبور النهر الكبير والنصف، وال توجد فصول في ذلك البلد، نحن في فصل وحيد، حار، رتيب، نحن

.في المنطقة الطويلة الحارة من األرض، ال ربيع، وال تجدد

أرقد وأنام هناك، في تلك . مدرسة داخلية تابعة للدولة، في سايغون أنا في إن . المدرسة الداخلية، لكنني أذهب إلى الدرس في الخارج، إلى المدرسة الفرنسية

بالنسبة لك، تلزمك الدراسة . والدتي، المدرسة، تريد التعليم الثانوي البنتها الصغيرة . في الرياضيات ) Agrégationأغريغاسيون (الثانوي ثم شهادة األستاذية . الثانوية

ولم أتصور . لقد سمعت دائما هذه الالزمة المكررة منذ سنواتي األولى في المدرسة أبدا أنني سأستطيع اإلفالت من شهادة األستاذية في الرياضيات، وكنت سعيدة بأن

. ومستقبلها لقد رأيت دائما أمي تصنع كل يوم مستقبل أوالدها . أقيم لها هذا األمل وفي أحد األيام، لم تعد تستطيع أن تصنع مشاريع عظيمة ألوالدها، وحينئذ صنعت أشياء أخرى، مستقبالت مربوطة كيفما اتفق، ولكن على هذا النحو، فهذه المستقبالت

وما زلت أذكر دروس . هي أيضا، كانت تقوم بوظيفتها، كانت تسد الزمن أمامها يجب . مدرسة العالمية، كل عام، على جميع المستويات لل. المحاسبة ألخي الصغير

كانت أمي تقول، كان ذلك يستغرق ثالثة أيام، وليس أبدا أربعة، . استدراك التقصير كان يلقي بالمدرسة العالمية جانبا، حين يتغير المركز، وتنتقل العائلة إلى . أبدا. أبدا

لقد صمدت والدتي عشر .وكان األمر يستعاد في المركز الجديد . مركز آخر . وأصبح أخي الصغير محاسبا صغيرا في سايغون . ولم يؤثر فيها أي شيء . سنوات

لم تكن موجودة في المستعمرة، فقد l'école Violetونظرا ألن مدرسة فيوليت وطوال عدة سنوات بقي في فرنسا . تسبب ذلك في رحيل شقيقي األكبر إلى فرنسا

ولم يكن يمكن أن تنخدع . لكنه لم يرتد هذه المدرسة . "فيوليت"الرتياد مدرسة . ولكن لم يكن لها الخيار، كان ينبغي فصل هذا الولد عن الولدين اآلخرين . والدتي

وفي غيابه اشترت الوالدة المنزل . وطوال عدة سنوات، لم يعد عضوا في العائلة

Page 4: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

4

لنا، نحن األوالد وإنها لمغامرة رهيبة، لكنها كانت بالنسبة . وقطعة األرض قربه .الذين بقوا، أقل رهبة مما كان سيكون وجود قاتل أوالد الليل، ليل الصياد

لكنني . كثيرا ما قيل لي إن ذلك كان من الشمس القوية جدا طوال الطفولة كلها . وقيل لي أيضا إن ذلك كان التفكير الذي يغمر البؤس به األوالد . لم أصدق ذلك

العجائز للجوع المستوطن، نعم، ولكن نحن، لم –األوالد . كذاولكن ال، ليس األمر ه نكن نعاني الجوع، لقد كنا أوالدا بيضا، كنا نحس بالخجل، وكنا نبيع أثاثنا، لكننا لم نكن نعاني الجوع، كان لدينا خادم، وكنا نأكل أحيانا، وهذا صحيح، مآكل رديئة،

ن هذه المآكل الرديئة كان يطهيها وتماسيح صغيرة، لك . طيورا من طويالت الساق . خادم ويقدمها، وأحيانا أيضا كنا نرفضها، وكنا نبيح ألنفسنا هذا الترف بأن ال نأكل

ال . ال، لقد حصل شيء ما حين بلغت الثامنة عشرة من العمر، جعل هذا الوجه هكذا لول وعند ح . كنت خائفة من نفسي، كنت خائفة من اهللا . بد أن هذا قد حدث ليال

كنت . لكنه لم يكن يتركني . النهار، كان خوفي أقل، وكان الموت يبدو أقل خطورة أريد أن أقتل أخي األكبر، كنت أريد أن أقتله، كنت أريد أن أتغلب عليه مرة، مرة

كان ذلك لكي أزيل من أمام أمي موضوع حبها، هذا االبن، . واحدة، وأن أراه يموت وبهذه الصورة السيئة جدا، وعلى األخص ألجل إنقاذ ومعاقبتها على حبه بهذه القوة،

أخي الصغير، كنت أؤمن بذلك أيضا، أخي الصغير، ولدي، ألنقذه من الحياة الحية لهذا األخ األكبر الموضوعة فوق حياة األخ األصغر ذاك، من هذا الحجاب األسود

ري، والذي كان على النهار، من هذا القانون الذي يمثله هو، ويمليه هو، كائن بش قانونا حيوانيا، والذي كان عند كل لحظة من كل يوم من حياة هذا األخ الصغير

.يشكل الخوف في هذه الحياة، خوفا أصاب قلبه مرة وأرداه ميتا

لقد كتبت كثيرا عن أفراد عائلتي هؤالء لكنني حين كنت أقوم بذلك كانوا ما قد كتبت حولهم، حول هذه األشياء دون و. يزالون أحياء يعيشون، األم واألخوان

.الوصول إليها

ال . ليس هناك أبدا مركز . هذا شيء ال وجود له . إن قصة حياتي ال وجود لها هناك أماكن واسعة جدا يخيل إلى المرء أنه كان فيها أحد ما، هذا . طريق، وال خط

Page 5: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

5

أن إن قصة قسم صغير من صباي سبق لي . ليس صحيحا، فلم يكن هنالك أحد كتبتها بصورة ما، أخيرا أقصد القول، بما يكفي لرؤية صباي، وأنا أتكلم عن هذا

وما أقوم به هنا هو مختلف، . الجزء من صباي بالضبط، عن عبوري النهر الكبير وهنا . عن الفترات التي أنيرت بالوضوح . قبال، تكلمت عن فترات واضحة . ومماثل

صبا ذاته، عن بعض التخبئات التي قمت بها حول أتكلم عن الفترات الخفية من هذا ال لقد بدأت في الكتابة في . بعض الوقائع، حول بعض المشاعر، حول بعض األحداث

. وكانت الكتابة ألجلهم ما زالت خلقية . وسط كان يدفعني بقوة كبيرة إلى الخفر : ا أعرف هذا وأحيان. والكتابة اآلن، يبدو أنها ليست أمرا جيدا في كثير من األحيان

إنه منذ اللحظة التي، مع خلط كل األشياء بعضها بالبعض اآلخر، يكون فيها ذهاب وإنه منذ اللحظة التي ال يكون فيها، مع . إلى الغرور وإلى الريح، فالكتابة ليست شيئا

خلط جميع األشياء في شيء واحد ال يمكن وصفه في جوهره، فالكتابة ليست سوى ولكن في أكثر األحيان ليس لي رأي، وأرى أن جميع الحقول .اإلعالن والدعاية

مفتوحة، وأنه لم تعد هناك جدران، وأن المكتوب ال يعرف أين يضع نفسه ليختبئ، وأن عدم لياقته األساسي لن يحترم بعد، ) بضم الياء وسكون القاف (وليكون، وليقرأ

.لكنني ال أعود أفكر في ذلك قبال

ا في مطلع شبابي في سن الثامنة عشرة، أو في الخامسة واآلن أرى أنني وأن عشرة، كان لي هذا الوجه المخدد، ذلك الوجه الذي التقطته إثر ذلك مع الكحول في

لقد قام الكحول بالوظيفة التي لم يقم بها اهللا، قام بوظيفة . العهد األوسط من حياتي . ول، وجاء الكحول ليؤكده إن وجه الكحول هذا جاءني قبل الكح . قتلي، قام بالقتل

كان في ذاتي مكان لهذا، وعرفت ذلك كاآلخرين، ولكن، وبصورة مثيرة للفضول، كان لي وأنا في . كما أنني كان في ذاتي موضع الرغبة . قبل أن يحين الموعد

هذا الوجه كان . الخامسة عشرة من العمر وجه المتعة، ولم أكن قد عرفت المتعة كل شيء بدأ . حتى أمي كانت تراه، وأخواي كانا يريانه .يرى بصورة بارزة جدا

على هذا النحو بالنسبة لي، بهذا الوجه الجذاب، المنهك، بهاتين العينين المحاطتين .بالسواد، سبقا للزمن وتعبيرا عنه

Page 6: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

6

حين أعود إلى . كان يوم عبور النهر الكبير . خمسة عشرة عاما ونصف وفي ذلك الصباح . حين أستقل شاحنة الركاب سايغون، أكون على سفر، ال سيما

كانت نهاية العطلة . ركبت الشاحنة ساديك حيث تدير والدتي مدرسة البنات المدرسية، لم أعد أدري أية عطلة، وكنت قد ذهبت ألقضيها في منزل والدتي

وفي ذلك اليوم كنت عائدة إلى سايغون، إلى المدرسة الداخلية، وكانت . الصغيروكالعادة . اب ألوالد األهالي المحليين قد انطلقت من ساحة سوق ساديك شاحنة الرك

رافقتني أمي وعهدت بي إلى السائق، وهي دائما تعهد بي إلى سائقي شاحنات الركاب من سايغون، اتقاء حالة حادث، أو حريق، أو اغتصاب، أو هجوم للقراصنة،

قربه في المقعد األمامي، في وكالعادة، أجلسني السائق. أم خلل مميت يصيب المعدية .الموضع المخصص للركاب البيض

كان . أثناء هذه الرحلة يبدو أن الصورة انفصلت، وأنها أزيلت من المجموعة يمكن أن توجد، كان يمكن أن تلتقط صورة فوتوغرافية، مثل غيرها، في مكان آخر،

مكن أن لكن هذا لم يحصل، فالشيء كان هزيال جدا ال ي . في ظروف أخرى من الذي كان يمكن أن يفكر في ذلك؟ لم يكن التقاطها إال لو أمكن التنبؤ . يستثيرها

والحال، ففي الوقت الذي . بأهمية هذا الحدث في حياتي، هذا العبور للنهر الكبير ولهذا فإن . اهللا وحده كان يعلم به . كان هذا العبور يحدث، كان يجهل حتى حدوثه

لقد ضرب . كن أن يكون األمر بخالف ذلك، ال وجود لها هذه الصورة، وما كان يم وهي مدينة . صفحا عنها، لقد نسيت، ولم يجر فصلها، وال انتزاعها من المجموعة

.بقيمتها إلى كونها لم تلتقط، قيمتها بأنها تمثل مطلقا، وأنها صاحبة نفسها بالذات

، بين فينهلونغ كان ذلك إذن أثناء عبور رافد لنهر الميكونغ، على المعدية سهل "وساديك، في السهل الكبير من الوحل واألرز في جنوبي الكوشنشين، وهو

".الطيور

نزلت من شاحنة الركاب، واقتربت من درابزين السفينة، ورحت أنظر إلى كانت أمي تقول لي أحيانا إنني، في حياتي كلها، لن أرى أبدا أنهارا . النهر الكبير

هار، بمثل كبرها واتساعها، وبمثل بدائيتها، الميكونغ وروافده بمثل جمال هذه األن

Page 7: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

7

وفي السهل الذي ال يحده النظر، تمضي . التي تمضي لتتالشى في قيعان المحيطات .هذه األنهار بسرعة، وتنسكب وكأن األرض تميل منحنية

كنت أنزل دائما من شاحنة الركاب حين نصل إلى المعدية، في الليل أيضا، وفي التيار الفظيع أنظر . ي أخاف، أخاف أن تنقطع الحبال، وأن نجر نحو البحر ألنن

إلى اللحظة األخيرة من حياتي، والتيار قوي جدا، وهو يمكن أن يجرف كل شيء هناك عاصفة تهب داخل مياه . معه، على حد سواء الحجارة، وكاتدرائية، ومدينة

.النهر، ريح تتخبط

وقبال، كان ثوبا . ير الطبيعي، وهو بال، شبه شفاف كنت ألبس ثوبا من الحر وهذا . ألمي، وفي أحد األيام لم تعد تلبسه ألنها كانت تجده فاتحا جدا، فأعطتنيإياه

الثوب هو بال كمين، وهو يكشف كثيرا عن الرقبة والكتفين، وهو من ذلك اللون إنه ثوب أتذكره جيدا . األسمر الداكن الذي يتخذه الحرير الطبيعي بعد استعماله

وقد وضعت حزاماجلديا حول خصري، ولعله حزام . وكنت أجد أنه يناسبني تماما ولست أتذكر الحذاء الذي كنت ألبسه في تلك األعوام، وأذكر فقط بعض . ألخويوأنا أتكلم عن . وفي أكثر األحيان كنت عارية القدمين، بخفين من الخام . الفساتين

وابتداء من ذلك الحين بكل تأكيد كنت دائما ألبس . ية سايغون الزمن الذي سبق كل . كنت في ذلك اليوم ألبس ذلك الزوج من األحذية العالية الكعبين، والمذهبة . حذاء

وكانت أمي قد اشترته لي من عملية . ولم أر حذاء آخر ألبسه في ذلك اليوم، فلبسته إنني أذهب . لى المدرسة الثانوية كنت ألبس ذلك الحذاء المذهب للذهاب إ . بيع تصفية

تلك كانت . إلى المدرسة بحذاء مسائي مزين برسوم صغيرة من الماس االصطناعي إنني ال أطيق نفسي إال بهذا الزوج من األحذية، واآلن أيضا أريد نفسي . إرادتي

كذلك، وهذان الكعبان العاليان هما أول ما لبسته في حياتي وهما جميالن، وقد كسفا ع األحذية التي سبقتهما، تلك التي كانت للركض واللعب، مسطحة، من القماش جمي

.األبيض

لم يكن الحذاء هو الذي يصنع ما في هيئة الصغيرة ذلك اليوم من شيء فريد، وما كان فريدا في ذلك اليوم، هو أن الصغيرة كانت تضع . لم يسمع بمثله مما قبل

Page 8: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

8

ة، قبعة من اللبد، مرنة، بلون خشب على رأسها قبعة رجل، ذات حواف مسطح .الورد، وذات شريط أسود عريض

.إن االلتباس الحاسم في الصورة، هو في هذه القبعة

. كيف وصلت هذه القبعة إلي، لقد نسيت، ولست أدري من الذي أعطاني إياها واليقين الوحيد، هو أنها . أعتقد أن والدتي هي التي اشترتها لي، وتلبية لطلبي

وكيف أشرح هذا المشترى؟ ما من امرأة، وما من . من عملية بيع تصفية اشتريتوال أية امرأة من أهل . فتاة تلبس قبعة لبدية لرجل في هذه المستعمرة في ذلك العهد

وهاكم ما حدث وهو أنني جربت هذه القبعة اللبدلية، مازحة، هكذا، ونظرت . البالد الرجل، النحافة الجاحدة، نحافة الشكل، تحت قبعة : إلى نفسي في مرآة البائع ورأيت

هذا النقص الطفولي، أصبحت شيئا آخر لقد كفت عن كونها معطى فجا، حتميا، . لقد أصبحت، بالعكس تماما، اختيارا مناقضا لهذا االختيار، اختيارا للروح . للطبيعة

رى نفسها، فجأة رأيت نفسي فتاة أخرى، كما ترى فتاة أخ . وفجأة، ها قد أريد ذلك في الخارج، موضوعة تحت تصرف الجميع، موضوعة تحت تصرف جميع

أخذت القبعة، وما . األنظار، موضوعة في حركة سير المدن والطرقات، والرغبة عدت أنفصل عنها، لدي هذه، هذه القبعة التي تجعلني بكاملي، هي وحدها، وما

ولكن بعد القبعة، . شابها لذلك وبالنسبة للحذاء، ال بد أن األمر كان م . عدت أتركها كان الحذاء مناقضا للقبعة، كما أن القبعة تناقض الجسم النحيل، إذن فكالهما مناسبان

ولم أكن أتركهما أيضا، كنت أذهب إلى كل مكان بذلك الحذاء، وبهذه . تماما لي .القبعة، في الخارج، في كل األوقات، في جميع المناسبات، أذهب عبر المدينة

إنه . لقد عثرت على صورة فوتوغرافية لوالدي وهو في العشرين من عمره إنه نحيل جدا، إلى حد يقال عنه . في كاليوفرونيا مع صديقتيه إيريكا وأليزابت لينارد

وقد وجدت له ابتسامة متغطرسة، وبعض الشيء بهيئة . إنه أوغاندي أبيض هو أيضا إنه . ه الصورة المنحرفة لمتشرد شاب وهو يريد أن يعطي لنفس . من يسخر من نفسه هذه . فقيرا، بوجه الفقير هذا، وهذه القيافة المنحلة لشاب نحيل . يروق لنفسه هكذا

.الصورة هي األقرب مكانا إلى الصورة التي لم تلتقط، لفتاة المعدية

Page 9: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

9

إن التي اشترت القبعة الوردية المسطحة الحوافي، وذات الشريط األسود إنني أتعرف إليها هنا، بصورة . لمرأة في صورة معينة هي أمي هذه ا .. العريض

إنها باحة منزل على جزيرة هانوي . أفضل مما هي على صور أحدث عهدا أنا في سن الرابعة، وأمي في وسط . نحن معا، هي ونحن، أوالدها . الصغيرة

ظر وكيف تنت . الصورة، وأتعرف جيدا كيف تقف بصورة سيئة، وكيف أنها ال تبتسم ومن قسماتها المتوترة وباضطراب مظهرها، . أن تنتهي عملية التقاط الصورة

ولكن من كيفية . وبفتور نظرتها، أعرف أن الطقس حار، وأنها منهكة، وأنها ضجرة لبسنا، نحن أوالدها، مثل بؤساء، أتعرف إلى حالة معينة كانت تسقط أمي فيها

الصورة، حيث نتعرف إلى اإلشارات أحيانا، والتي، في السن التي كانت لنا على المنذرة بها، هذه الكيفية التي كانت تسقط فيها فجأة، بحيث ال تعود تستطيع تحميمنا،

إن حبوط الهمة هذا دون العيش، كانت . وال كسوتنا، وأحيانا حتى ال تستطيع إطعامنا وقد أسعفني . أمي تجتازه كل يوم، وأحيانا كان يستمر، وأحيانا كان يختفي مع الليل

الحظ بأن كانت لي أم يائسة يأسا نقيا جدا بحيث إنه حتى سعادة الحياة، مهما كانت والذي سأظل أجهله دائما هو . شديدة، أحيانا، لم تكن تتوصل إلى إلهائها عنه تماما

وفي هذه . نوع الوقائع الملموسة التي كانت تجعلها تتركنا كل يوم على هذا النحو المنزل –بما هذه الحماقة التي ارتكبتها مؤخرا، هذا المنزل الذي اشترته المرة، ر

والذي لم تكن لنا به حاجة مطلقا، حين كان –الظاهر في الصورة الفوتوغرافية أو ربما . والدي مريضا جدا، على وشك الموت تماما، قبل بضعة أشهر من ذلك

وما . و به؟ التواريخ تتطابق عرفت أنها مريضة بدورها بالمرض الذي سيموت ه أجهله كما جهلته هي، هو طبيعة البداهات التي كانت تجتازها، والتي كانت تظهر

أهو موت والدي، هذا الموت الذي كان قد أصبح حاضرا، أو . حبوط الهمة هذا لديها موت النهار؟ أو التشكيك بهذا الزواج؟ بهذا الزواج؟ بهؤالء األوالد؟ أو التشكيك،

ثر عمومية، بكل هذا الملل؟األك

وفي . ال بد أن ذلك كان مباغتا فظا . هذا كنت متاكدة منه . كان ذلك كل يوم ثم كانت تتلو استحالة التقدم أيضا، أو . لحظة معينة من كل يوم كان هذا اليأس يظهر

Page 10: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

10

النوم، أو أحيانا ال شيء، أو أحيانا بالعكس، مشتريات المنازل، وعمليات االنتقال لى منازل جديدة، أو أحيانا أيضا هذا المزاج، فقط هذا المزاج، هذا اإلحساس إ

باإلرهاق، أو أحيانا ملكة، كل ما يطلب منها، وكل ما يقدم لها، هذا المنزل على البحيرة الصغيرة، بدون أي سبب، ووالدي المحتضر، فعال، أو هذه القبعة المسطحة

كثيرا، أو هذا الحذاء المذهب، أو ال شيء، أو الحوافي، ألن الصغيرة كانت تحبها .الرقاد، الموت

لم يسبق لي أبدا أن رأيت فيلما مع هؤالء الهنديات اللواتي يلبسن هذه القبعات في ذلك اليوم كانت لي . المسطحة الحافة نفسها، ولهن جدائل في مقدمة أجسامهن . ولكنها لم تكن هي نفسها جدائل أيضا، ولم أكن قد رفعتها كما كنت أفعل عادة،

كانت لدي جديلتان في مقدمة جسمي مثل نساء السينما هؤالء اللواتي لم أرهن، ومنذ أن كانت لدي القبعة، لكي أستطيع أن ألبسها، لم أعد . لكنهما كانتا ضفيرتي ولد

ومنذ بعض الحين أصبحت أشد شعري بقوة، وأسرحه إلى الوراء، . أرفع شعري وفي كل مساء أمشط شعري وأعيد . سطحا، وأن ال يراه الرائي وأريد أن يكون م

إن خصالت شعري ثقيلة مرنة، . جدل ضفائري قبل أن أنام، كما علمتني أمي وكثيرا ما يقال إن . معذبة، وهي كتلة نحاسية اللون، تصل حتى أسفل خصري

يع قد وهذا الشعر البد . شعري هو أجمل ما لدي، وأنا أفهم ذلك بأنني لست جميلة قصصته وأنا في سن الثالثة والعشرين في باريس، بعد خمس سنوات من تركي

الكل في حركة واحدة، ولكي ينعم الورشة، المس . فقص. قص: لقد قلت . والدتيوسئلت إذا كنت أريده وأنه . وسقط الشعر على األرض . المقص البارد بشرة الرقبة

يعد يقال إن لي شعرا جميال، أقصد وبعد ذلك، لم . قلت ال . يمكن تشكيل رزمة منه وبعد ذلك . أنه لم يعد يقال ذلك بالمقدار األول، كما كان يقال لي قبال، قبل أن أقطعه

.إن لها نظرة جميلة واالبتسامة أيضا ال بأس بها هي أيضا: كان يقال باألصح

. خمسة عشر عاما ونصف . على المعدية، انظروا إلي، ما زال شعري طويال إنني أستعمل مرهم توكالون وأحاول إخفاء بقع النمش التي في . وقد زينت وجهي

وفوق مرهم توكالون أضع بودرة بلون الجسم، ماركة . أعلى خدي، تحت العينين

Page 11: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

11

وهذه البودرة هي لوالدتي التي تضع منها للذهاب إلى سهرات اإلدارة . هوبيغانفاه، بلون أحمر غامق الرائج حينئذ، وفي ذلك اليوم كان لدي أيضا أحمر الش . العامة

ولست أدري كيف حصلت عليه، وربما هيلين الغونيل هي التي سرقته . بلون الكرز وليس لدي عطر، وعند والدتي، يوجد ماء الكولونيا، . من أمها لي، ما عدت أذكر

.وصابون بالموليف

سائق على المعدية، إلى جانب شاحنة الركاب، توجد سيارة كبيرة سوداء مع نعم، إنها السيارة الكبيرة الجنائزية التي وصفتها في . ببذلة رسمية من القطن األبيض

إن السيارة الالنسيا السوداء، للسفارة . بولليه –إنها السيارة موريس ليون . كتبي .الفرنسية في كالكوتا، لم تكن قد دخلت بعد في األدب

وجد ألواح زجاجية ذات بين السائقين وأصحاب السيارات، كانت ما تزال ت وكانت السيارة كبيرة . وكانت ال تزال هناك كراسي ذات مقاعد متحركة . مزالقات .مثل غرفة

إنه ليس . في السيارة الليموزين الكبيرة السوداء كان رجل أنيق جدا ينظر إلي ، التي يرتديها )1(إنه يرتدي مالبس أوروبية، ويلبس بذلة من التوسة الفاتحة . أبيضوكنت قد اعتدت على أن ينظر الرجال . إنه ينظر إلي . ل البنوك في سايغون رجاإنهم ينظرون إلى النساء البيض في المستعمرات، وإلى الفتيات الصغيرات . إلي

ومنذ ثالث سنوات كان الرجال البيض . البيضاء اللواتي في سن الثانية عشرة أيضا كانوا يطلبون إلي الذهاب ألتعصرن أيضا ينظرن إلي في الشوارع، وأصدقاء والدتي

.عندهم في الساعة التي يلعب فيها نساؤهم كرة المضرب في النادي الرياضي

يمكنني أن أخطئ، وأن أعتقد أنني حسناء مثل النساء الحسناوات، مثل النساء لكنني أعرف أن هذه ليست . المنظورات، ألن الرجال ينظرن إلي كثيرا في الحقيقة

إن ما أريد . ل هي شيء آخر مثال، نعم، شيء آخر، مثال مسألة روح مسألة جمال ب أن أظهر به، أظهر به، حسناء أيضا إذا أريد أن أكون حسناء، أو جميلة، جميلة مثال ألجل العائلة، ألجل العائلة ال أكثر، وكل ما يراد مني أستطيع أن ألكونه، وأعتقده،

).مالحظة من المترجم(حرير هندي خشن تنتجه دودة قز برية ": توسور" التوسة أو الــ(1)

Page 12: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

12

ن أعتقد ذلك، ويصبح ذلك صحيحا بالنسبة لمن وما أ . أعتقد أنني ساحرة فتانة أيضا وهكذا، وبكل . يراني والذي يرغب في أن أكون حسب ذوقه، أعرف ذلك أيضا

صدق وسالمة ضمير أستطيع أن أكون ساحرة فتانة، حتى ولو كنت مؤرقة بهاجس إنني أقول كلمة ساحرة كما . وألجل الموت، شريكة وحيدة لي، هي أمي . قتل أخي . حولي، حول األوالدكانت تقال

أنا أعرف أنه ليست المالبس هي التي . وأنا أعرف شيئا ما . لقد تنبهت فعال تجعل النساء جميالت إلى هذا الحد أو ذاك، وال المحسنات وال المراهم الثمينة، وال

ولست أدري . وأعرف أن المسألة هي في شيء آخر . ندرة الزينات وروعة الحلي إنني أنظر إلى النساء في . أنها ليست حيث تعتقده النساء وأعرف فقط . أين هي

وهناك نساء جميالت جدا، بيضاوات جدا، . شوارع سايغون، في مراكز الغابات إنهن ال يفعلن . هنا، على األخص في مراكز الغابات . وهن يعنين كثيرا بجمالهن

ت في إيطاليا، شيئا، إنهن يحتفظن بأنفسهن فقط، ألجل أوروبا، للعشاق، والعطال والعطالت الطويلة لمدة ستة شهور كل ثالثة أعوام حين يستطعن أخيرا أن يتحدثن عما يجري هنا، عن هذا الوجود الكولونيالي الخاص جدا، وعن خدمة هؤالء األشخاص، وهؤالء الخدم، هذه الخادمة الكاملة تماما، وعن النباتات، وحفالت

ء، الكبيرة بحيث يضيع فيها المرء، التي يسكنها الرقص، وعن هذه الدارات البيضا إنهن . ويرتدين المالبس ألجل ال شيء . إنهن ينتظرن . الموظفون في المراكز النائية

ينظرن إلى أنفسهن، وفي ظل هذه الفيلالت، ينظرن إلى أنفسهن ألجل فيما بعد، ساتين ال وسحين أنهن يعشن رواية، وقد أبحن يملكن حافظات ثياب طويلة مألى بف

. يدرين ماذا يفعلن بها، مجموعة مثل الزمن، المسلسل الطويل أليام االنتظار ينالهن . وبعضهن يصبن بالجنون وبعضهن تستبدل بهن خادمة شابة تلزم الصمت

ونسمع هذه الكلمة تصيبهن، والضجة التي تحدثها، صوت الصفعة التي . الهجر .والبعض يقتلن أنفسهن. تطلقها

.لي من النساء تجاه أنفسهن بفعل أنفسهن كان يبدو لي دائما كخطأإن هذا التخ

Page 13: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

13

لقد كانت الرغبة في تلك التي تستثيرها . لم تكن المسألة مسألة اجتذاب الرغبة لقد . لقد كانت فعال هناك منذ النظرة األولى أو أنها لم توجد أبدا . أو لم تكن موجودة

وهذا أيضا، . جنس أو أنها لم تكن أي شيء كانت تلك الرغبة الفهم الفوري لعالقة ال .عرفته قبل التجربة

متأخرة في . إن هيلين الغونيل هي وحدها التي كانت تفلت من قانون الخطأ .الطفولة

إن فساتيني هي نوع . ظللت زمنا طويال دون أن تكون لي فساتين خاصة بي ها نوعا من من األكياس، وهي مصنوعة من فساتين قديمة ألمي كانت هي نفس

إنها المربية التي لن تترك . باستثناء تلك التي طلبت أمي أن تصنعها لي دو. األكياسوالدتي أبدا حتى حين عدنا بعد ذلك إلى فرنسا، وحتى حين حاول أخي األكبر أن

في منزل الوظيفة في ساديك، وحتى حين لم تكن تتلقى – أي المربية دو –يغتصبها عند الراهبات، وهي تطرز، وتصنع ثنايا الفساتين، وتخيط باليد لقد ربيت دو . أجرها

ونظرا ألنها . كما لم يعد الناس يخيطون منذ قرون، بواسطة إبر دقيقة مثل الشعر كانت تصنع الثنايا للفساتين، فقد جعلتها أمي تخيط لي فساتين ذات ثنايا، وفساتين

ذات موضة قج فات أوانها، ذات دوائر وكجج، وكنت أرتديها مثل أكياس، وهي ودائما طفولية، وهناك سلسلتان من الثنايا على الجهة األمامية، وياقة مرتفعة، أو شرائح عرضية على التنورة، أو دوائر مطرزة بصورة مائلة إلعطاء مظهر

كنت ألبس هذه الفساتين كأكياس مع حزامات كانت تشوه شكلها، وحينئذ ". خياطة" . أبديةتصبح هذه الفساتين

الجسم ناعم رقيق، شبه ناحل، ونهدا ولد، وزينة . خمسة عشر عاما ونصف ثم هذه الهيئة التي يمكن أن تثير الضحك، ولكن ال . بالمرهم الوردي الفاتح وباألحمر

كل شيء هو هنا، ولم تلعب . وأرى جيدا أن كل شيء هو هنا . أحد يضحك منها . أريد أن أكتب . ء أصبح فعال في العيون اللعبة بعد، أرى ذلك في العيون، كل شي

ولم أتلق جوابا في . أن أكتب : ما أريده، هو هذا : وقد سبق أن قلت ذلك لوالدتي بعد شهادة : قالت بقسوة . كتابة ماذا؟ قلت كتبا، روايات : ثم سألت . المرة األولى

Page 14: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

14

–ها إن. األستاذية في الرياضيات سوف تكتبين إذا أردت، فلن يعود هذا من شأني : ضد، فليس هذا شيئا فاضال، وهو ليس عمال، إنه هزل، وقالت لي فيما بعد –أمي

.إنها فكرة ولد

الصغيرة ذات القبعة اللبدية هي في الضوء الغريني للنهر، وحيدة على جسر إن القبعة الرجالية تلون باللون الوردي كل . المعدية، مستندة بمرفقها إلى الدرابزين

وفي شمس النهر الضبابية، شمس الحرارة، امحت . اللون الوحيد إنه . المشهدالضفاف، ويبدو النهر أنه يلحق باألفق، النهر يسيل بصورة بكماء، وال يحدث أي

محرك المعدية، الصوت الوحيد في . وال ريح خارج الماء . صوت، ودمه في جسده حين وآخر، وبين . المشهد، صوت محرك قديم مخلع، ذي سواعد حديديدة غارقة

ثم نبحات الكالب، وهي تأتي من كل مكان، من . برزخات خفيفة، ضجات أصوات . الصغيرة تعرف المعدي منذ أن كانت طفلة . وراء الضباب، ومن جميع القرى

وهو يقول إنه يراها تمر ليال . ويبتسم لها المعدي ويسألها أخبارا عن السيدة المديرة الوالدة في صحة . را ما تذهب إلى منزل كامبوديا في كثير من األحيان، وإنها كثي

وهو مليء إلى ضفتيه، ومياهه . جيدة، تقول الصغيرة وحول المعدية، النهر الكبير لقد التقط النهر كل ما . السائرة تجتاز المياه الراكدة لحقول األرز، وهي ال تختلط

ء من أكواخ القش، إنه يحمل كل ما يجي . التقاه منذ تونليساب، الغابة الكامبودية والغابات، والحرائق المطفأة، وكذلك الطيور والكالب الميتة، والنمور، والجواميس

المائية )1(الغريقة، واألشخاص الغرقى، وأخيلة الظل، وجزر من الياقوتيات المتجمعة، وكل شيء يذهب نحو المحيط الهادي، وال شيء لديه وقت ليغرق، والكل

.للتيار الداخلي، وكل شيء يبقى معلقا على سطح قوة النهرتحمله العاصفة العميقة

قلت لها إن ما أريده قبل كل شيء آخر هو أن أكتب، وال شيء غير هذا، ال كانت تحس بالغيرة، ال جواب، نظرة وجيزة سرعان ما استدارت، وهزة . شيء

ات وتوجب انتظار بضع سنو . وكنت أول من ذهب . الكتفين الصغيرة، التي ال تنسى وبالنسبة لألبناء لم يكن هناك داع . أخرى لكي تفقدني، لكي تفقد هذه، هذه الطفلة

).مالحظة من المترجم(نبقيات جمع ياقوتية وهي زهرة جميلة من الز(1)

Page 15: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

15

لكن هذه، يوما، كانت األم تعرف ذلك، إنها أي الفتاة، سوف تذهي، وسوف . للخوفإن ابنتك، يا : قال مدير الثانوية لألم . األولى في اللغة الفرنسية . تتمكن من الخروج

لم تقل أمي شيئا، أي شيء، لم تكن مسرورة . غة الفرنسية سيدتي، هي األولى في الل وفي : ألنه ليس أوالدها الصبيان هم األوائل في اللغة الفرنسية، وأمي، جي، سألت

وسألت . ليس األمر بعد هكذا، ولكن هذا سيحدث فيما بعد : الرياضيات؟ وقيل لها .حين ستريد، يا سيدتي: سيحدث متى؟ وأجابوها: والدتي

وقيافتها المضحكة الهائلة بجواربها القطنية التي رتقتها دو، تحت أمي جي السماء االستوائية كانت ما تزال تعتقد أن عليها أن تلبس جوارب لكي تكون السيدة مديرة المدرسة، وفساتينها المثيرة للرثاء، المشوهة الشكل، التي رتقتها دو، إنها أي

لبيكاردية المأهولة ببنات العم، وهي والدتي، كانت آتية مباشرة من مزرعتها ا تستعمل كل شيء حتى النهاية، وتعتقد أن عليها أن تستحق، أنه يجب عليها أن تستحق أحذيتها، وأحذيتها أصبحت بال كعوب، وهي تمشي بصورة منحرفة، وهي

صينية، إنها تسبب خجلنا، )1(تحس بألم فظيع، وشعرها مشدود ومكبوس في كعيكة ـ إنها تسبب خجل ب"ي في الشارع أمام المدرسة الثانوية، حين تصل في سيارتها ال

، أمام المدرسة الثانوية، الجميع يأخذون في النظر إليها، وهي ال تالحظ أي "12ربما أنت : إنها تنظر إلي وتقول . شيء، أبدا، إنها تستحق الحبس والضرب، والقتل

تة، وليس أنه يجب التوصل إلى في الليل والنهار، الفكرة الثاب . سوف تتدبرين أمرك .شيء ما، بل إنه يجب الخروج مما نحن فيه

وحين تستعيد أمي أنفاسها، وتخرج من اليأس، تكتشف القبعة الرجالية والحذاء وتنظر إلي، فهذا يروق لها، . فأقول إن هذا ليس شيئا . وتسألني ما هذا . المذهبوهي ال تسأل ما إذا كانت هي التي . ال بأس بهذا، فهو يناسبك، وهذا تغيير . وتبتسم

وهي تعرف بأنها قادرة . اشترت هذه األشياء، فهي تعرف إنها هي التي قامت بذلك على ذلك، وأنها، في بعض المرات، هذه المرات التي قلتها، نستطيع أن نسحب ما

ليس هذا غالي الثمن : وأقول لها . نريد، وأنها ال تستطيع أن ترفض لنا أي طلب

).مالحظة من المترجم(جديلة شعر ملتفة في مؤخرة شعر المرأة : كعيكة(1)

Page 16: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

16

فأقول إنه كان في شارع كاتينا، في عملية بيع . وتسأل أين كان ذلك . ، فال تأسفي أبداوال بد أنها تجد أن هذه عالمة مشجعة هذا الخيال لدى . تصفية، وتنظر إلي بعطف

وهي ليست فقك قبلت هذه المسخرة، هذا . الصغيرة، تبتكر المالبس على هذا النحو ، والالبسة مالبس الحداد والحزن، مثل الشيء غير الالئق، هي المصنفة كأرملة

.راهبة تاركة للرهبانية، بل إن عدم اللياقة هذا يروق لها

إن الصلة مع البؤس هي هنا أيضا في القبعة الرجالية ذلك ألنه ينبغي أن يصل وحولها هي اصحاري، . المال إلى المنزل، بهذه الطريقة أم بتلك، ينبغي ذذلك

ف ال يفعلون شيئا، واألراضي المالحة أيضا، وسيظل األوالد هم الصحاري، وسو وتبقى هذه الصغيرة، التي تكبر، والتي ستعرف . لقد انتهى األمر تماما . المال مفقودا

ولهذا السبب، وهي ال تعرف، . هي، في أحد األيام كيف يؤتى بالمال إلى هذا المنزل وألجل هذا أيضا . لد عاهر تسمح األم البنتها الصغيرة بالخروج في هذا المظهر لو

تعرف الطفلة أن تتصرف، لكي تحول االنتباه الذي وجه إليها نحو تلك التي، من .كان هذا يعود األم إلى االبتسام. جهتها، تدفع إلى النقود

لقد : وستقول الطفلة . ولن تمنعها األم من القيام بذلك حين سوف تلتمس المال وستقول األم إن هذا جيد، وإن هذا هو . رنساطلبت منه خمسمئة قرش للعودة إلى ف

سيكون األمر على ما يرام مع خمسمئة : ما يلزم لالستقرار في باريس، وستقول وتعرف الطفلة أن ما تفعله، هي، هو ما كانت األم ستختار أن تفعله طفلتها، . قرش

الذي لو تجاسرت األم على االختيار، لو كانت لديها القوة لذلك، لو لم يكن األلم .تحدثه الفكرة ماثال هناك كل يوم، منهكا ومرهقا

في قصص كتبي المتعلقة بطفولتي، لست أعرف فجأة ماذا تجنبت قوله، وال ماذا قلت، وأعتقد أنني قلت الحب الذي كنا نوليه ألمنا ولكن لست أدري إن كنت قد

ذه القصة المشتركة قلت البغضاء التي نكنها لها أيضا، هذه البغضاء الفظيعة، في ه من الخراب والموت التي كانت قصة هذه العائلة في جميع األحوال، في حالة الحب كما في حالة البغضاء والتي ما زالت تقوت كل عقلي، والتي ما زلت ال أستطيع

وما . فهمها، والمختبئة في أعمق أعماق جسدي، عمياء مثل وليد في يومه األول

Page 17: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

17

أنا هناك أيضا، أمام . ت، هذا العمل البطيء لكل حياتي يحدث هنا هو بالضبط الصم إنني لم أكتب . كل هؤالء األوالد الممسوسين، على نفس المسافة من السر الغامض

أبدا، مع اعتقادي أنني أفعل ذلك، ولم أحب أبدا، معتقدة أنني أحب، ولم أفعل أبدا أي .شيء سوى االنتظار أمام الباب المقفل

معدية الميكونغ، في يوم السيارة الكبيرة الليموزين السوداء، لم حين أكون على وبين حين وآخر، كنا نجتاز أيضا . تكن أمي قد تركت بعد منزل السد وحديقته

الطريق، كما في السابق، ليال، نذهب أيضا ثالثتنا معا، نذهب لنقضي هناك بضعة ليس . سيام، ثم نعاود الذهاب ونظل هناك، على شرفة البيت الريفي، تجاه جبل . أيام

وأخي الصغير وأنا، نكون قربها على الشرفة تجاه . لديها ما تفعله هناك، لكنها تعود لقد أصبحنا كابارا جدا اآلن، ولم نعد نستحم في الترعة، ولم نعد نذهب لصيد . الغابة

لى قرى الفهد األسود في مستنقعات مصبات األنهار، ولم نعد نذهب إلى الغابة وال إ لم يعد هناك أوالد ال على الجواميس وال في . لقد كبر كل شيء حولنا . مزارع الفلفل لقد أصبنا بالغرابة نحن أيضا ونفس التمهل الذي أصاب أمي أصابنا . أماكن أخرى

لقد فقدنا . لقد تعلمنا ال شيء أن ننظر إلى الغابة أن ننتظر، وأن نبكي . نحن أيضا لى، والخدم يزرعون قطع األرض العليا، ويترك لهم األرز غير نهائيا األراضي السف

المقشور، ويظلون هناك بدون أجر، وهم يحبوننا كما لو أننا من أفراد عائالتهم، وكانوا يعملون كما لو أنهم يحسرون البيت الريفي، وهم يحرسونه فعال لم ينقص

.شيء من األواني المنزلية الفقيرة

. لكن قطع األثاث كانت منظفة . ه المطر يزول باستمرار وكان السقف الذي أتلف وكانت األبواب . وكان شكل البيت الريفي هناك نقيا مثل رسم، مرئيا من الطريق

وكانت تقفل في المساء دون الكالب . تفتح كل يوم لكي يمر الهواء ويجفف الخشب .الشاردة، ومهربي الجبل

ما سبق أن كتبتب، التقيت بالرجل وهكذا ترون أنني ليس في كانتين ريام، ك الغني صاحب السيارة الكبيرة السوداء، بل كان ذلك بعد التخلي عن المنزل، بعد

Page 18: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

18

عامين أو ثالثة أعوام، على المعدية، في هذا اليوم الذي أروي حديثه، في هذا .الضوء من الضباب والحرارة

د باعت بعد ذلك وق. بعد عام ونصف من هذا اللقاء عادت أمي إلى فرنسا معنا وقد جلست على الشرفة تجاه المغيب، . ثم ذهبت آلخر مرة إلى السد . كل أثاثها

ونظرنا مرة أخرى نحو سيام، مرة أخيرة، وليس بعد ذلك أبدا، حتى حين تركت أمي فرنسا من جديد، وحين غيرت أيضا رأيها وعادت مرة أخرى إلى الهند

م تذهب بعد ذلك أبدا إلى أمام هذا الجبل، أمام الصينية ألخذ تقاعدها في سايغون، ول .هذه السماء الصفراء والخضراء فوق هذه الغابة

لقد أنشأت . نعم، أقول، لقد أعادت أمي الكرة، في وقت متأخر من حياتها ، التي ستتيح لها أن تدفع قسما "المدرسة الفرنسية الجديدة "مدرسة للغة الفرنسية، هي

.إلنفاق على أخي األكبر طوال الزمن الذي عاشتهمن أقساط دراستي وا

لقد مات أخي الصغير في مدة ثالثة أيام من التهاب القصبات والرئة، ولم كان ذلك أثناء االحتالل الياباني، . في هذه الفترة تركت والدتي . يصمد قلبه لإلصابة

طفولتنا ولم أطرح عليها أبدا بعد ذلك أسئلة حول . انتهى كل شيء في ذلك اليوم وكذلك مات أخي األكبر في . لقد ماتت أمي بالنسبة لي بموت أخي الصغير . وحولهاوأنا ال . ولم يعودا يهمانني . وأنا لم أتغلب على الكره الذي أوحياه لي فجأة . نظري

وفي أحد األيام لم يعودوا . أعرف بعد كيف تمكنت أمي من دفع ديونها إلى الدائنين نهم جالسون في الصالون الصغير في ساديك، وهم يظلون إ. إنني أراهم . يأتون

وتسمع أمي وهي تشتمهم . جالسين هناك دون أن يتلفظوا بكلمة، شهورا، وسنوات وتبكي، إنها في غرفتها، وهي ال تريد أن تخرج، وتصرخ بأن تترك وشأنها، إنهم

د ماتوا اآلن، لق. ثم في أحد األيام لم يبق منهم أحد . صم، هادئون، باسمون، ويبقون وما . اآلن ما عدت أحبهم . وبالنسبة للذكريات أيضا، فات األوان . األم والشقيقان

ولم يعد في رأسي عبير بشرتها . لقد تركتهم . عدت أعرف إذا كنت قد أحببتهم يوما وما عدت أتذكر الصوت، باستثناء أحيانا صوت اللطف . وال في عيني لون عينيها

انتهى األمر، . ال الضحك، وال الصيحات . ك، ما عدت أسمع الضح. مع تعب المساء

Page 19: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

19

لذلك أكتب عنها اآلن بسهولة، وطويال، بامتداد، لقد أصبحت كتابة . وما عدت أذكر .جارية

، هذه المرة في كانون األول 1949 إلى 1932لقد بقيت في سايغون من بقيت هي لقد. ولم تعد تستطيع التحرك من أي مكان . مات أخي الصغير 1942

كان ابني في . ثم انتهى بها األمر أن عادت إلى فرنسا . هناك، قرب القبر، كما قالت وكان الوقت قد فات لكي نعود إلى . عامه الثاني حين تالقينا مجددا، أنا ووالدتي

لم يعد هناك أي شيء نستعيده، ما عدا الولد . منذ النظرة األولى فهمنا ذلك . بعضنالقد ذهبت لتعيش وتموت في مقاطعة . انتهى بالنسبة للباقي األكبر كان كل شيء

وكانت . وكانت تسكن مع دو . شير، في قصر لويس الرابع عشر المزيف -أي-لوراوكانت دو تترصد في الغرف المنحنية . ما تزال تخاف ليال، وقد اشترت بندقية

ها األكبر قرب وقد اشترت أمي أيضا منزال لولد . السقوف للطبقة األخيرة من القصر وذهب وقامر بالنقود في ناد . وكانت هناك غابات وقد قام بقطع الغايات . أمبواز

وهناك حيث تنحني الذكرى . وجرت خسارة الغابات في ليلة واحدة . للبكاراه بباريس دفعة واحدة، وحيث ربما يستدر أخي دموعي، فذلك بعد خسارة النقود ثمن هذه

عثر عليه راقدا في سيارته، في مونبرناس، أمام وما أعرفه هو أنه . الغاباتإن ما فعلته هي، من . وبعد ذلك، ال أعرف شيئا . الكوبول، وأنه يريد أن يموت

قصرها، ال يمكن تصوره، وهذا دائما ألجل الولد األكبر، الذي ال يعرف، من جهته، ت تفقيس وقد اشترت آال . الولد البالغ خمسين عاما، من العمر، أن يكسب المال

وأصبح لديها . كهربائية، ووضعتها في الصالون الكبير في الطبقة السفلى من القصر وقد أخطأت في . ستمئة صوص دفعة واحدة، أربعون مترا مربعا من الصيصان

وكانت مناقير . استعمال األشعة ما تحت الحمراء، ولم يتمكن أي صوص من التغذي ستطيع إقفالها، فماتت كلها جوعا، ولم تعد الستمئة صوص غير متطابقة، وهي ال ت

. أمي التجربة مجددا البتة وقد جئت إلى القصر أثناء تفقيس الصيصان، وكان العيد وإثر ذلك، كانت رائحة تعفن الصيصان وغذائها شديدة بحيث ما عدت أستطيع تناول

.الطعام في قصر والدتي دون أن أتقيأ

Page 20: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

20

ولدها في غرفتها الكبيرة في الطابق األول، لقد ماتت بين دو وذلك الذي تسميه الذي كانت تضع فيه الخرفان لتنام، وهي أربعة إلى ستة خرفان حول سريرها في

.فترات الجليد، أثناء عدة شتاءات، وهي األخيرة

هناك، في المنزل األخير، منزل اللوار، حين كانت قد انتهت من ذهابها وإيابها . ء هذه العائلة، هناك رأيت الجنون بوضوح ألول مرة بال انقطاع، في نهاية أشيا

. ورأيت أن دو وأخي قد عرفا دائما هذا الجنون . رأيت أن أمي مجنونة بوضوح إنني لم أكن أبدا قد رأيت أمي في حالة . وأنني أنا، ال، لم أكن قد رأيته بعد أبدا

مريضة بجنونها، وهي لم تكن . في الدم . منذ الوالدة . وكانت كذلك . كونها مجنونة . وال أحد سواهما كان يفهم ذلك . بين دو والولد األكبر . بل كانت تعيشه كما الصحة

لقد كان لها دائما أصدقاء كثيرون، وكانت تحتفظ بنفس األصدقاء خالل أعوام كثيرا ما يكونون فتيانا جدا، عند الواصلين . طويلة، وكانت تكون دائما أصدقاء جددا

األدغال، أو فيما بعد عند أناس ثوريين الذين كان بينهم متقاعدون من من مراكز وكانت تبقي األشخاص قربها، وذلك في كل سن، بسبب . المستعمرات الفرنسية

ذكائها، كما كانوا يقولون، الشديد جدا، وبسبب مرحها، وهذا المظهر الطبيعي لها، .الذي لم يكن يسبب التعب أبدا

لعله . صورة باحة منزل هانوي . التقط صورة اليأس لست أدري من الذي . وبعد بضعة شهور سوف يعاد إلى فرنسا لسبب صحي . والدي في مرة أخيرة

وقد مات بعد ذلك . وظل فيها بضعة أشابيع . بنه-وقبل، غير مركزه، وعين في بنوم وقد رفضت والدتي أن تتبعه إلى فرنسا، وبقيت حيث كانت، وتوقفت . بأقل من عام

في ذلك المسكن البديع المطل على نهر الميكونغ، في القصر . بنه-في بنوم . ناكهالقديم لملك كامبوديا، وسط هذه الروضة المخيفة، التي تمتد هكتارات كثيرة، حيث

وكنا ننام نحن األربعة في نفس . وفي الليل كانت تخيفنا . كانت أمي تحس بالخوف . وفي هذا المسكن علمت أمي بموت أبي . كانت تقول إنها تخاف من الليل . السرير

وقد علمت بذلك قبل وصول البرقية، منذ العشية، من عالمة هي وحدها رأتها وهي وحدها سمعتها، من ذلك الطائر الذي صرخ في إبان الليل، وقد جن جنونه، وضاع

Page 21: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

21

وهنا أيضا، بعد بضعة أيام من . في مكتب الواجهة الشمالية للقصر، مكب والدي زوجها، في إبان الليل أيضا، وجدت أمي نفسها في مواجهة صورة والدها، وقاة

كان موجودا قرب الطاولة، واقفا، في . وكان هناك . أضاءت النور . والدها هي وأنا أذكر صيحة شديدة، . وكان ينظر إليها . المثمن الزوايا . صالون القصر الكبير

يلبس، في بذلته ليوم األحد، الرمادية، وروت لنا القصة، ماذا كان . لقد أيقظتنا . نداءلقد ناديته كما حين : وقالت. وكيف كان يقف، ونظرته المسددة نحوها في خط مستقيم

لقد مات . إنني لم أخف وركضت هي نحو الصورة المتالشية : وقالت. كنت صغيرة ومن هنا وال شك اإلعجاب الذي كنا . االثنان في تواريخ وساعات الطيور، والصور

.س به إزاء معرفة والدتنا، في كل األشياء، بما في ذلك أشياء الموتنح

. ترجل الرجل األنيق من السيارة الكبيرة السوداء، وكان يدخن سيجارة إنكليزية وتقدم نحوها . وأخذ ينظر إلى الفتاة الصبية التي تعتمر قبعة رجل وتلبس حذاء مذهبا

بادئ ذي بدء . لم يبتسم بادئ ذي بدء وهو. كان ظاهرا أنه يحس بالخجل . على مهل كان هناك هذا الفرق في الجنس، إنه ليس . كانت يده ترتجف . فدم لها سيجارة

وقالت له إنها ال تدخن، . أبيض، وعليه أن يتغلب على هذا الفارق، لذلك كان يرتجب . حينئذ أصبح أقل خوفا . ولم تقل شيئا آخر، ولم تقل له دعني وشأني . كال، شكرا

ولكن من أين جئت أنت؟ قالت إنها ابنة . ولم تجب . حينئذ قال لها إنه يظن أنه يحلم وفكر ثم قال إنه سمع الحديث عن هذه السيدة، . معلمة في مدرسة البنات في ساديك

والدتها، وعن قلة حظها مع ذلك المنزل الذي اشترته في كامبوديا، هذا هو األمر .أليس كذلك؟ نعم، هذا هو األمر

في الصباح الباكر، . وكرر قوله أن من المدهش تماما رؤيتها على هذه المعدية فتاة صبية حسناء مثلها، أنت ال تدركين، هذا شيء غير منتظر إكالقا، قتاة صبية

.بيضاء في شاحنة ركاب محلية

... قال لها إن القبعة تناسبها تماما، بل إنها تناسبها بصورة جيدة جدا، وإنها قبعة رجل، ولماذا ال؟ إنها أي الفتاة جميلة جدا، وتستطيع أن تلبس أي ... مبتكرة .شيء

Page 22: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

22

قال إنه عائد من باريس حيث تلقى دراسته، وإنه . وسألته من هو . نظرت إليه يسكن ساديك أيضا، على النهر بالذات، في المنزل الكبير ذي المصاطب الكبيرة

قال إنه صيني، وإن أسرته . ته ما هو وسأل. ذات الدرابزين من السيراميك األزرق هل تريدين أن أعيدك إلى منزلك في . شوين-قدمت من الصين الشمالية، من فو

طلب إلى السائق أن يأخذ حوائج الفتاة الصبية من شاحنة . سايغون؟ وافقت هي .الركال وأن يضعها في السيارة السوداء

التي تملك جميع المباني إنه من هذه األقلية المالية الصينية المنشأ . صينيإنه ذلك الذي كان يعبر نهر الميكونغ في ذلك اليوم باتجاه . الشعبية في المستعمرة

.سايغون

ونشأ فجأة ضيق يكاد ال . وأقفل الباب مجددا . دخلت إلى السيارة السوداء وصمم خفيف أيضا، . ولكن يكاد ال يرى . يحس، تعب، ضوء على النهر يبهت

.ل مكانضباب، في ك

ومنذ اآلن . ولم أعد أبدا أقوم بالرحلة في شاحنة الركاب للناس المحليين وصاعدا، ستكون لدي سيارة ليموزسن سوداء كبيرة للذهاب إلى المدرسة والعودة

. ورحت اتناول طعام الغداء في أكثر األماكن أناقة في المدينة . إلى المدرسة الداخلية ا أفعله، ولكل ما أتركه، ولكل ما آخذه، الجيد مثل وسأظل دائما هناك آسف لكل م

السيئ، شاحن الركاب، وسائق الشاحنة الذي كنت أضحك معه، وماضغات التنبول المسنات في الساحات الخلفية، واألوالد على حامالت األمتعة، والعائلة في ساديك،

.وفظاعة العائلة في ساديك، وصمتها الرائع

كان يحس بالضجر في باريس، من الباريسيات كان يقول إنه . كان يتكلم ، يا للكوبول، "أوه الال "المعبودات، ومن حفالت القصف، وليالي المجون الصاخبة،

التي عاشها لمدة " الرائعة"والروتوند، أنا أفضل الروتوند، والعلب الليلية، وهذه الحياة روة، والتي كان كانتتصغي، منتبهة إلى معلومات كالمه المفضية إلى الث . عامين

كانت أمه قد ماتت، وكان . وتابع الرواسة . يمكن أن تقدم إشارة إلى مبالغ بالماليين لكنك تعرفين ماذا هو، إنه مسمر مع . وبقي له فقط الوالد مالك المال . ولدا وحيدا

Page 23: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

23

غليون األفيون تجاه النهر منذ عشر سنوات، وهو يدير ثروته من على سرير .ا تفهم ذلكوقالت إنه. الميدان

.إنه سيرفض زواج ابنه من العاهرة البيضاء الصغيرة من مركز ساديك

إن الصورة تبدأ قبل وقت طويل من مخاطبته الطفلة البيضاء قرب درابزين السفينة، في لحظة نزوله من السيارة الليموزين السوداء الكبيرة، حين بدأ يقترب

.كان خائفامنها، هي الفتاة، كانت تعرف ذلك، تعرف إنه

وبالتالي إن . منذ اللحظة األولى كانت تعرف شيئا كهذا، وهو أنه تحت رحمتها وهي تعرف . آخرين يمكن أن يكونوا هم أيضا تحت رحمتها إذا سنحت الفرصة

أيضا شيئا آخر، وهو أن الزمن قد وصل بال شك من اآلن فصاعدا إلى حيث لم تعد وأن األم ال ينبغي أن . المدينة بها إزاء ذاتها تستطيع أن تتالفى بعض الواجبات

منذ أن دخلت . تعرف شيئا من هذا، وال األشقاء، إنها تعرف هذا أيضا في هذا اليوم إلى السيارة السوداء، عرفت هذا، إنها أصبحت بعيدة عن هذه العائلة ألول مرة،

أن تؤخذ منهم، وأن . ومن اآلن فصاعدا ال ينبغي أن يعلموا ما سيحدث لها . ونهائيا. ال األم وال األشقاء . تحمل، وأن تجرح، وأن تخرب، لم يعد ينبغي أن يعرفوا ذلك

أصبح األمر يستدعي البكاء في السيارة الليموزين . سيكون هذا مصيرهم بعد اليوم .السوداء

سيكون اآلن على الطفلة أن تتصرف مع هذا الرجل، ذلك القد تقدم إليها، على .المعدية

وكان يأتي كل يوم . حدث ذلك سريعا جدا في ذلك اليوم، وهو يوم خميس ثم جاء يوما بعد ظهر الخميس إلى . ليصحبها من الكلية ليعيدها إلى المدرسة الداخلية

.واصطحبها في السيارة السوداء. المدرسة الداخلية

يغون، مقابل الجادات التي تصل المدينة الصينية بوسط سا . كان ذلك في شولين التي تشقها الحافالت الكهربائية . هذه الطرقات الكبرى على الطريقة األميركية

كان ذلك في وقت مبكر بعد . والعربات التي يجرها الرجال، وشاحنات الركاب .وكانت قد أفلتت من النزهة اإلجبارية لفتيات المدرسة الداخلية. الظهر

Page 24: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

24

ومفروش على عجلة، كما المكان عصري، . إنها مقصورة في جنوب المدينة كان االستديو . أنا لم أختر قطع األثاث : قال. يبدو، بقطع أثاث ذات أسلوب عصري

بال . كانت بال إحساس محدد جدا . معتما، وهي لم تطلب أن تفتح مغالق الشبابيك لقد . إنها تجهل ما األمر . بغضاء، وبال نفور أيضا، إذن فهذه وال شك هي الرغبة

إنها هنا حيث يجب أن . مجيء منذ أن طلب منها ذلك أمس مساء وافقت على ال وكان يبدو في الواقع أن هذا يجب . كانت تحس بخوف خفيف . تكون، انتقلت إلى هنا

. أن يطابق ليس فقط ما تنتظره، بل ما يجب أن يحدث بالضبط في حالتها هي ذاتها تي تغمر الغرفة، وهو، كان إنها منتبهة جدا لظاهر األشياء، للضوء، لضجة المدينة ال

. يرتجف، أخذ ينظر إليها بادئ ذي بدء وكأنه كان ينتظر أن تتكلم، لكنها لم تتكلم حينئذ لم يتحرك هو أيضا، ولم يقم بتعريتها، وقال إنه يحبها كمجنون، قال ذلك

لم تقل . كان يمكن أن تجيب بأنها ال تحبه . لم تجبه . ثم صمت . بصوت منخفض جدا فجأة عرفت، هنا، في اللحظة، عرفت أنه ال يعرفها، وأنه لن يعرفها أبدا، و. شيئا

والقيام بكثير من الدورات واللفات . وأنه ليست لديه الوسائل لمعرفة كل هذا الفساد وانطالقا . وهي تعرف . اللتقاطها، إنه لن يتمكن من ذلك أبدا وعليها هي أن تعرف

ها منذ أن رأته على المعدية، إنه يروق لها، كان يروق ل : من جهله هو، عرفت فجأة .واألمر لم يكن يتعلق إال بها وحدها

وحتى لو كنت تحبني أريد أن تفعل مثل عادتك . أفضل أن ال تحبني : قالت له وبدأ يتألم . أهذا ما تريدين؟ قالت أجل : نظر إليها نظرة مرتعب، وسأل . مع النساء

وقال لها إنه قد . د يكذب حول هذه النقط هنا، في الغرفة، ألول مرة، وهو لم يع ثم تركته . في البدء قالت إنها ال تعرف . وتركته يقول . عرف فعال أنها لن تحبه أبدا

.يقول

وقالت له إنها هي . قال إنه وحيد بصورة فظيعة مع هذا الحب الذي يكنه لها مكن أن تتبعي أيا لقد تبعتني إلى هنا كما كان ي : قال. ولم تقل مع ماذا . أيضا وحيدة

أجابت إنها ال تستطيع أن تعرف، وإنها لم يسبق لها أبدا أن تبعت أحدا إلى . كان

Page 25: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

25

وقال له إنها ال تريد أن يكلمها، وأن ما تريد هو أن يفعل كما يفعل عادة مع . غرفة .وتوسلت إليه بأن يفعل على هذا النحو. النساء اللواتي يصحبهن إلى عشه العزوبي

فستان، ورماه، وانتزع السلبي القطني األبيض وحملها عارية هكذا انتزع ال وهي، متهملة، . وحينئذ استدار من الجهة األخرى للسرير وأخذ يبكي . حتى السرير

. على مهل . كانت تفعل ذلك وعيناها مغمضتان . صبورة، قربته نحوها وبدأت تعريه قالت إنها . دعني. يتحركوطلبت إليه أن ال . كان يريد القيام بحركات لمساعدتها

وحين كانت تطلب منه كان ينقل . أخذت تعريه . وفعلت ذلك . تريد أن تفعل ذلك هي .جسمه في السرير، ولكن قليال، بخفة، وكأنما لكي ال يوقظها

الجسد نحيف، بال قوة، بال عضالت، يمكن . الجسد. البشرة ذات لطف فاخر ة، وهو أمرد بدون رجولة سوى رجولة القول إنه كان مريضا، وإنه في حالة نقاه

. لم تكن نظر إليه في الوجه . ضعيف جدا، ويعاني األلم – الرجل –القضيب، وهو كانت تلمس نعومة العضو، والبشرة، كانت تداعب . كانت تلمسه . لم تكن تنظر إليه

.كان يئن، يبكي، كان في حب فظيع. اللون الذهبي، الشيء المجهول الجديد

ثم تمت السيطرة على هذا األلم . في البدء كان األلم . وهو يبكي وقام بذلك .بدوره، وتغيرت هي، منتزعة على مهل، محمولة نحو المتعة معانقة لها

.البحر، بدون شكل، ببساطة ال يضاهى

.وقبال، على المعدية، قبل ساعتها، كانت الصورة قد شاركت في هذه اللحظة

وظهرت أخيرا . قة قد اجتازت الغرفة صورة المرأة ذات الجوارب المرتو إنهم لن يتخدثوا أبدا . أما البنت، فليس بعد . كان الولدان يعلمان ذلك فعال . كالطفلة

عن هذه المعرفة . عن األم معا، عن هذه المعرفة التي لديهم، والتي تفصلهم عنها .الحاسمة، األخيرة، معرفة طفولة األم

.األم ال تعرف المتعة

سألني إذا كنت قد تألمت، قلت ال، قال إنه سعيد . علم أن الدم يننزف لم أكن أ .لذلك

Page 26: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

26

وعاد بصورة غير محسوسة، . كنت أنظر إليه وهوي فعل . وغسلني. مسح الدم كنت أتساءل كيف كانت لي القوة للمضي ضد الحظر الذي . وعاد مشتهى من جديد

الذهاب ؟حتى نهاية كيف توصلت إلى . بهذا الهدوء، وهذا التصميم . وضعته أمي ".الفكرة

قلت إنه كان علي أن . سألني لماذا جئت . كان يقبل جسدي . كنا نتبادل النظر حدثته عن وجود . هذه أول مرة نتكلم فيها . أفعل ذلك، وإن ذلك كان مثل واجب

إنه يعرف هذا األخ . وإنه لم يعد لدينا أي شيء . وقلت له إنه ال مال لدينا . أخويفلت له إن هذا األخ يسرق والدتي ليذهب . تقى به في محششات المركز األكبر، لقد ال

ويحشش، وإنه يسرق الخدم، وإن أصحاب المحششات يأتون أحيانا لطلب النقود من . وقلت إن أمي سوف تموت، وإن هذا ال يمكن أن يتأخر . وحدثته عن السدود . أمي

. بما حدث لي اليوموإن موت والدي الوشيك جدا يجب أن يكون مرتبطا أيضا

.والحظت أنني أشتهيه

أشفق علي، قلت له أن ال، وإنني ال أستحق اإلشفاق، وأن ال أحد يسحق ذلك، قلت إنني أرغب فيه هكذا مع ماله، . لقد جئت ألن لدي ماال : قال لي . باستثناء أمي

عرفة وإنني حين رأيته كان في هذه السيارة، في هذا المال، وإنني ال أستطيع إذن م أريد أن آخذك، أن أذهب : قال. ماذا كان يمكن أن أفعل لو كان األمر بخالف ذلك

قال إنه بالتأكيد لم . قلت إنني ال أستطيع بعد ترك أمي دون أن أموت من األلم . معكوتمدد مجددا، . يحالفه الحظ معي، لكنه سيعطيني رغم ذلك نقودا، وعلي أن ال أقلق

.وصمتنا مجددا

ينة قوية جدا، وفي الذاكرة هي صوت فيلم مطلق عاليا جدا، يصم ضجة المد إنني أذكر جيدا، الغرفة معتمة، وقد انقطع الحديث، وهي محاطة بصخب . اآلذان

ولم يكن . مبحرة في المدينة، في مسار المدينة – الغرفة –المدينة المتواصل، إنها وعلى الستائر كانت ترى ظالل . للنوافذ زجاج، كانت لها ستائر ومغالق للشبابيك

. وهذه الجماعات هي دائما ضخمة . األشخاص الذين يمرون في شمس األرصفة إن فرقعات القباقيب الخشبية . والظالل هي محززة بانتظام بخطوط مغاليق الشبابيك

Page 27: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

27

واألصوات حادة ثاقبة، والصينية هي لغة يصاح بها صياحا كما . تقرع الرأس . الصحاري، إنها لغة غريبة إلى درجة ال تصدقأتصور دائما لغات

إنها نهاية النهار في الخارج، ونعرف ذلك من ضجة األصوات وضجة المرور هي مدينة لذة تكون في أوج . المتزايد أكثر فأكثر، والمختلط األصوات أكثر فأكثر

.نشاطها ليال والليل يبدأ اآلن مع مغيب الشمس

الق الشبابيك هذه ذات المنور، وبهذه الستارة السرير مفصول عن المدينة بمغ . وهم، يجهلون وجودنا . وما من مادة صلبة تفصلنا عن الناس اآلخرين . القطنية

ونحن، ندرك حسيا شيئا من وجودهم، وكامل أصواتهم، وحركاتهم، مثل صفارة .تطلق صوتا محطما حزينا، بدون صدى

ة فستق العبيد المحمص وأنواع الحساء روائح كراميلة تصل إلى الغرفة، ورائح الصينية، وروائح اللحوم المشوية، واألعشاب والياسمين، والغبار، والبخور ونار فحم الحطب، والنار تنقل هنا في سالل، وتباع في الطرقات، إن رائحة المدينة هي

.رائحة قرى األدغال، رائحة الغابة

وكان . رب كأسا من الويسكي وفجأة رأيته في مئزر أسود، كان جالسا، يش .يدخن

كنت قد أحسست إحساسا خفيفا فقط بالنعاس . قال لي إنني نمت، وإنه استحم .وأنار هو مصباحا على طاولة منخفضة. يراود أجفاني

إنه رجل له عاداته، أن أفكر فجأة فيه، ال بد وأنه يأتي كثيرا إلى هذه الغرفة، كثيرا، إنه رجل يحس بالخوف، وال بد إنه يمارس إنه رجل ال بد وأنه يمارس الحب

وقلت له إنني أحب فكرة أن تكون لديه نساء . الحب كثيرا لكي يكافح ضد الخوف . لقد فهم ما قلته له . رحنا نتبادل النظر . كثيرات، فكرة أن أكون ضائعة بين نسائه

.أصبحت نظرته سيئة فجأة، وزائفة، لقد سقط في براثن الشر والموت

جاء، تفوح منه رائحة السجائر . لت له أن يأتي، وإن عليه أن يأخذني مجددا قاإلنكليزية، الطيبة، والعطر الصمين، ورائحة العسل، ومع الوقت أصبح لجسده

. قلت له هذه الرغبة فيه . رائحة الحرير، القوي النكهة، ورائحة الذهب، إنه مشتهى

Page 28: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

28

رف فورا، منذ عبور النهر، أنني حدثني، قال لي إنه ع . قال لي أن أنتظر بعد سأكون هكذا بعد عشيقي األول، وأنني سأحب الحب، وقال إنه يعرف منذ اآلن أنني

وقال إنه من جهته . سأخونه وأيضا أنني سأخون جميع الرجال الذين سأكون معهم أصبح فظا، . وأنا سعيدة بكل ما يعلنه، وقد قلت له ذلك . كان أداة شقائه هو نفسه

أغمضت عيني . ره يائس، وانقض علي، وأكل نهدي الطفلين، وصرخ، وشتم وشعوإنه معتاد، هذا ما يفعله في الحياة، الحب، فقد : رحت أكفر . على اللذة القوية جدا

لقد أتيح لي حظ كبير، هذا واضح، وهذا . اليدان خبيرتان، رائعتان، كاملتان . هذامعرفة المضبوطة لما ينبغي فعله، ولما مثل مهنة يمارسها، ودون معرفة منه، لديه ال

ووصفني بالمومس، وبالمقرفة، وقال لي إنني حبه الوحيد، وإن هذا ما . ينبغي قوله يجب أن يقوله، وهذا ما يقال حين يترك القول يفعل، حين يترك الجسد يفعل، وحين

ايات يبحث المرء ويجد ويأخذ ما يريد، وهنا كل شيء جيد، وال توجد نفاية، النف .مغطاة، وكل شيء يمضي في التيار، في قوة الرغبة

ضجة المدينة قريبة جدا، على مقربة منا، بحيث نسمع احتكاكها على خشب أداعب جسده في هذه . ونسمع الناس كما لو أنهم يجتازون الغرفة . مغالق الشبابيك

.تعودالبحر، الجسامة التي تتجمع مجددا، وتبتعد، و. الضجة، في هذا العبور

فعل ذلك . وفعل ذلك . أن يفعل لي هذا . وطلبت إليه أن يفعل ذلك أيضا وأيضا .كان هذا حتى الموت منه. وكان هذا في الواقع حتى الموت. في عذوبة الدم

.وبصوت منخفض لقاء فمي، حدثني. أشعل سيجارة وأعطاني إياها

.وحدثته أنا أيضا بصوت منخفض

ك ألجله، بدال عنه، ألنه ال يعرف أنه يحمل في ألنه ال يعرف ألجله، قلت ذل .ذاته أناقة أساسية، قلت ذلك ألجله

قال لي إنني سأظل أذكر كل حياتي بعد الظهر هذا، حتى . إنه المساء جاء اآلن قال . وسألت إذا ما كنت سأتذكر المنزل . حين أكون قد نسيت حتى وجهه، واسمه

قال لي إن هذا، نعم، . إنه كسائر المنازل قلت. نظرت إليه . انظري إليه جيدا : لي .كما هي الحال دائما

Page 29: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

29

وما زلت أرى الجدران . ما زالت تعاودني رؤية الوجه، وأتذكر االسم المطروشة بالكلس األبيض، والستارة الخام المطلة على األتون، والباب اآلخر

ماتت من النباتات –المقنطر المؤدي إلى الغرفة األخرى، وإلى حديقة مكشوفة محاطة بدرابزين ازرق مثل الفيلال الكبيرة في ساديك، المدرجة –الحرارة

.بمصاطب، والمطلة على نهر الميكونغ

قلت إنني أفكر . سألني أن أقول له في أي شيء أفكر . إنه مكان شدة، غريق ورأيت أنه يبذل جهدا، ثم قال ذلك، قال . في أمي، وإنها ستقتلني إذا عرفت الحقيقة

قال إنه ما كان يستطيع أن يتحمل فكرة . هذا العار : إنه يفهم ماذا تعني أمي، قال أنا : قال. ونظر إلي بدوره، واعتذر باعتزاز . ذلك في حالة الزواج، نظرت إليه

وسألته إذا كان من المعتاد أن يكون العاشقان حزينين كما . وتبادلنا االبتسام . صيني. مارس الحب أثناء النهار، خالل تأوج درجة الحرارة قال إن ذلك ألننا ن . نحن اآلن

أن نحب أو أن ال نحب، األمر : وقال إن األمر يكون دائما فظيعا، بعد، وابتسم وقال قلت له إن هذا ليس . وقال إن هذا سيزول مع الليل، فور أن يحل الليل . دائما فظيع

لة حزن كنت أنتظرها فقط ألن ذلك كان أثناء النهار، وإنه مخطئ، وإنني في حا وإنني أرى هذا الحزن اليوم، مع اإلقرار . وإنني دائما حزينة . وهي ال تأتي إال مني

. أستطيع تقريبا أن أعطيه اسمي لشدة ما يشبهني . بأنه هو الذي كنت أحس به دائما واليوم أقول له إن هذا الحزن هو الهناء، بأنني سقطت أخيرا في مصيبة كانت أمي

إنني ال : وقلت له . بوقوعها دائما منذ أن أخذت أصرخ في صحراء حياتها تنذرني. أعرف جيدا ماذا كانت تعنيه والدتي، لكنني أعلم أن هذه الغرفة هي ما كنت أنتظره

وقلت له إن امي تصيح بما تعتقده مثل المرسلين . كنت أتكلم دون أن أنتظر جوابا ار أي شيء أبدا، ال من أي شخص كان، وال إنها تصيحألنه ال ينبغي انتظ . من اهللا

كان الرجل ينظر إلي وأنا أتكلم، وال يحول عينيه . من أية دولة، وال من أي إله كان عني، إنه ينظر إلى فمي حين أتكلم، أنا عارية، وهو يداعبني، وربما لم يكن يصغي،

ورويت له . يةقلت إنني ال أجعل من المصيبة التي أنا فيها مسألة شخص . لست أدري بصراحة كيف أن من الصعب جدا علينا أن نأكل ونكتسي، وباإلجمال أن نعيش،

Page 30: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

30

ماذا كنتم تفعلون؟ : قال. وكنت أجد أكثر فأكثر صعوبة في التكلم . بأجرة أمي فقط قلت له إننا أصبحنا في العراء، وإن البؤس قد هدم جدران العائلة وإننا كلنا قد وجدنا

وعلى هذا . فاسقين أصبحنا . ، يفعل كل منا ما كان يريد فعله أنفسنا خارج المنزل بقينا هكذا مسمرين، نئن . كان متمددا علي، وازداد غوصا أيضا . النحو أنا هنا معك

.كنا ما نزال نسمعه، ثم كفننا عن سماعه. في صخب الحياة الذي ما زال خارجيا

في األسرة، لم . زي وتواسي وكأنما هي تع . القبالت على الجسد تدفع إلى البكاء وفي ذلك اليوم في الغرفة فإن الدموع تواسي من الماضي ومن المستقبل . أكن أبكي

. وكذلك سيأتي يوم لن أعود أحب أمي . وقلت له إنني سأنفصل مرة عن أمي . أيضاقلت له إن شفاء أمي في . وضع رأسه عي وراح يبكي لرؤيتي أبكي . ورحت أبكي

وإن الحلم كان أمي، وليس أبدا أشجار عيد الميالد، دائما . الحلمطفولتي احتل مكان أمي فقط، سواء أكانت األم المسلوخة الجلد حية من البؤس، أم األم الشديدة االضطراب التي تتكلم في الصحراء، أو تلك التي تبحث عن الغذاء لنا، أو تلك التي

وبيه، كانت تتحدث عن تروي بال انتهاء ما حدث لها، هي ماري لوغران دو ر .براءتها، وعن توفيراتها، وعن أملها

عبر مغاليق النوافذ حل المساء، وازدادت الضجة، وأصبحت أكثر دويا .وأضيئت مصابيح الشوارع ذات اللمبات المحمرة. ووضوحا، وبهيمة أقل

ولبست مجددا القبعة الرجالية ذات الشريط األسود، . خرجنا من عش العزوبية أنت متعبة : ورأى ذلك، وقال . كنت قد هرمت، عرفت ذلك فجأة . ستان الحريري والف

).بفتح العين(

على الرصيف، االزدحام الشديد، وهو يمضي في جميع االتجاهات، وهو يشق لنفسه معابر للمرور، وهو أجرب، خطر المعاشرة، مثل الكالب المتشردة، وهو

ت أراه أيضا هو نفسه في صور أعمى كالمتسولين، إنه جمهور صيني، وما زل االزدهار اآلن، في كيفية سيرهم معا دون نفاد صبر أبدا، وأن يجد المرء نفسه في الزحمات كفرد وحيد، كأنما دون سعادة، ودون حزن، ودون فضول، والسير دون أن يتخذ هيئة المضي والتقدم، ودون نية في السير، ولكن فقط بنية الذهاب إلى هنا

Page 31: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

31

ن هناك، وحيدين وسط الجمهور، وليس أبدا وحيدين بأنفسهم، بل دائما بدال م .وحيدين وسط الجمهور الحاشد

ذهبنا إلى أحد تلك المطاعم الصينية ذات الطبقات، وهي تشغل مباني كاملة، وهي كبيرة مثل مخازن كبيرة، وهي أشبه بثكنات، وهي مفتوحة على المدينة

تية من هذه المباني ال يمكن تصورها في إن الضجة اال . بشرفات، وبمصاطب . أوروبا، إنها ضجة الطلبات التي يصرخ بها الخدم، ترددها المطابخ وتصرخ بها

وذهبنا . وعلى المصاطب توجد فرق موسيقية صينية . وال أحد يتكلم في هذه المطاعم لصراخ إلى الطبقة األكثر هدوءا، طبقة األوروبيين، والوجبات فيها هي ذاتها، لكن ا

.وهناك مراوح وستائر كثيفة ضد الضجة. أقل

قال إن الكالم عن . طلبت إليه أن يقول لي كيف اغتنى والده، وبأية طريقة المال يضجره، ولكن إذا كنت ألح على ذلك فسيقول لي ما يعرف عن ثروة والده، ه لقد بدأ كل شيء في شورين، مع المقاصير ألجل السكان المحليين، لقد بنى والد

إنه يملك عدة شوارع وهو يتكلم، أي أبوه، يتكلم الفرنسية . ثالثمئة مقصورة منها بنبرة باريسية مصطنعة، وهو يتحدث عنالنقود بالمباالة صادقة، كان لدى الوالد

وقد بيعت أيضا مزارع أرز، كما . مبان باعها لشراء أراض للبناء جنوبي شولين وقلت إنني رأيت شوارع . ة حول األوبئة وطرحت عليه أسئل . يعتقد، في ساديك

بكاملها من المقصورات محظورة بين ليلة وضحاها، وأبوابها ونوافذها مسمرة، وقال لي إنه توجد هنا أوبئة أقل، وإن عمليات إبادة الجرذان . بسبب وباء الطاعون

لي وفجأة صنع . لمكافحة األوبئة هي هنا أقل عددا بكثير منها في األدغال والغابات وقال إن كلفتها هي أقل ارتفاعا بكثير من كلفة المباني أو . رواية حول المقصورات

المساكن الخاصة، وهي تلبي بصورة أفضل بكثير حاجات األحياء الشعبية، من والسكان هنا، في المقصورات، يحبون تماما أن يكونوا معا، . المساكن المنفصلة

تون من الريف وزيحبون كثيرا أن يعيشوا وعلى األخص السكان الفقراء، وهم يأ وبالضبط أنهى والده بنتاء . وال ينبغي تدمير عادات الفقراء . خارجا، في الشارع

وهذا يجعل . مجموعة من المقصورات ذات غرف مسقوفة تطل على الشارع

Page 32: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

32

وهم . ويقضي الناس أوقاتهم في هذه الغرف الخارجية . الطرقات نيرة جدا وجذابة وقلت له إنني أنا أيضا أحب تماما أن أسكن غرفة . ها عند الحر الشديد ينامون في

خارجية، وإنني حين كنت طفلة كان هذا يبدو لي كمثل أعلى، أن أكون في الخارج كان ألما خفيفا يكاد ال يظهر، خفيفا جدا، إنه خفقان . وأحسست باأللم فجأة . ألنام

الحي والطازج الذي أحدثه لي، هو، ذلك الذي القلب الذي انتقل إلى هنا، إلى الجرح لم أعد أسمع ما كان يقول، ولم أعد . يحدثني، ذلك الذي حصل على متعة بعد الظهر

قلت له أن يتكلم أيضا، ففعل ذلك، وكنت أصغي . ورأى ذلك، فصمت . أصغيات، قال إنه يفكر كثيرا في باريس، إنه يجد أنني مختلفة كثيرا عن الباريسي . مجددا

وقال له إن مسألة المقصورات هذه ال ينبغي أن تكون مربحة . وأقل لطفا منهن بكثير .لم يجبني. جدا

وطوال زمن قصتنا، أثناء عام ونصف، كنا نتحادث بهذه الطريقة، ولن نتحدث ومنذ األيام األولى، كنا نعرف أن مستقبال مشرقا ال يمكن التفكير فيه، . أبدا عنا

تكلم أبدا عن المستقبل، وكنا ندلي بأقوال شبه صحفية، وبالمقابل، ذات وحينئذ لن ن .مضمون متماثل

قلت له إن إقامته في فرنسا كانت مشؤومة عليه، فوافق على ذلك، وقال إنه إنه يكبرني باثني عشر . اشترى كل شيء في فرنسا، نساءه، ومعارفه، وأفكاره

يتحدث، وكيف يخطئ، وكيف يحبني كنت أستمع إليه كيف . عاما، وهذا يخيفه .أيضا، في نوع من الحالة المسرحية المدبرة والمخلصة في آن

.قلت له إنني أريد تقديمه لعائلتي، فأراد التهرب، وضحكت أنا

واكشتفت أنه . إنه ال يستطيع التعبير عن مشاعره إال عبر التحريف الساخر . ي، ويصطحبني إلى مكان آخر ليست لديه القوة بأن يحبني ضد أبيه، وأن يأخذن

وكان كثيرا ما يبكي ألنه ال يجد القوة ليحبني في ما وراء الخوف، إن بطولته هي .أنا، وعبوديته هي مال أبيه

حين كنت أتحدث عن أخوي، كان يقع في هذا الخوف، ويصبح مثل شخص هو و. وهو يعتقد أن الجميع حولي ينتظر أن يطلب يدي للزواج . نزع عنه النقاب

Page 33: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

33

يعرف بأنه أصبح هالكا في نظر عائلتي، وأنه في نظرها ال يستطيع إال أن يزداد .هالكا أكثر وإهالكي أنا بالتالي

قال إنه ذهب الرتياد مدرسة تجارية في باريس، وقال الحقيقة أخيرا، إنه لم ، يحقق أي شيء، وإن والده قطع اإلمدادات عنه، وإنه أرسل إليه تذكرة العودة، وإنه

إنه لم ينه تلك . أي االبن، أجبر على مغادرة فرنسا، وهذه العودة، هي مأساته .وقال إنه يعتزم إنهاءها بدروس المراسلة. المدرسة التجارية

وحين كانت أمي . بدأت اللقاءات مع العائلة بالوجبات الكبيرة في شولين ى المطاعم الصينية وشقيقاي يأتون إلى سايغون، كنت أقول له إن عليه أن يدعوهم إل

.الكبرى التي ال يعرفونها، والتي لم يرتادوا أبدا

كان أخواي يلتهمان الطعام، . وكانت هذه األمسيات تجري كلها بنفس الطريقة لم يكن . كذلك حتى لم يكونا ينظران إليه مجرد نظرة . وال يوجهان إليه الحديث أبدا القيام بذلك فلو كانا يستطيعان القيام وهما لن يستطيعا . في استطاعتهما النظر إليه

بذلك، وأن يبذال الجهد لرؤيته، فسيكونان قادرين على تلقي الدراسة، والرضوخ أثناء هذه الوجبات كانت والدتي وحدها هي التي . للقواعد األولية للحياة في المجتمع

نت تقول تتكلم، كانت تتكلم، كلمات قليلة جدا، وفي اآلونة األولى على األخص، كا بعض العبارات عن األطباق التي كان الخدم يحضرونها، وعن ثمنها الباهظ جدا، ثم

أما هو، في المرتين األوليين، فقد قفز في الماء، وحاول التطرق إلى رواية . تصمت. كان ذلك وكأنه لم يتكلم، وكأن الحضور لم يسمعوا . مآثره في باريس ولكن عبثا

كانا يلتهمان . واستمر شقيقاي في التهام الطعام .وغرقت محاولته في الصمت .بشراهة كما لم يسبق لي أبدا أن رأيت شخصا يلتهم، في أي مكان

وكان الجميع . ويضعها في الصحن الصغير . كان يحصي النقود . كان يدفع وكانت أمي على . قرشا 77وفي المرة األولى، وأنا أتذكر ذلك، صف . ينظرون

لم يكونوا . ولم يثل أحد شكرا . ونهضنا للذهاب . حك شديد وشك االنطالق في ض يقولون أبدا شكرا على العشاء الجيد، وال مرحبا وال إلى اللقاء وال كيف حالك، لم

.أبدا. يكونوا يقولون أي شيء

Page 34: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

34

كان وكأنه غيرمرئي بالنسبة لهما، . لم يكن شقيقاي يوجهان إليه الكالم أبدا ذلك ألنه كان تحت قدمي، . اية لكي يرى ويسمع من قبلهما وكأنه لم يكن كثيفا كف

أنني ال أحبه، وأنني أعاشره ألجل النقود، وأنني ال يمكن ) بضم التاء (وألنه اعتبر أن أحبه، وأن هذا مستحيل، وأنه يمكن أن يتحمل كل شيء مني دون أن ينتهي أبدا

لزوم أخي األكبر هذا وكيفية . ذلك أنه صيني، وألنه ليس أبيض . من هذا الحب كنا نقتدي كلنا . الصمت وتجاهل وجوج عشيقي كانت نابعة من اقتناع يعتبر نموذجا

كان علي، . وأنا أيضا، أمامهم، لم أكن أكلمه . بمثال األخ األكبر تجاه هذا العشيق باستثناء، نعم، حين كنت أنقل إليه . بحضور عائلتي، أن ال أوجه الكالم إليه أبدا

مثال، بعد العشاء، حين كان شقيقاي يقوالن لي إنهما يريدان الذهاب إلى . منهمرسالة وأنا ليس علي، . بادئ ذي بدء، كان يفعل وكأنه لم يسمع . للشرب والرقص " الينبوع"

حسب منطق أخي األكبر، ليس علي أن أكرر ما قلته، أن أكرر طلبي، فلو فعلت هذا وبصوت منخفض، يريد . هي به األمر إلى إجابتي وينت. لكان ذلك تنازال لقبول شكواه

وهو يقول ذلك . أن يكون حميما، كان يقول إنه يود كثيرا أن كون وحيدا معي للحظة حينئذ، كان علي أن أتظاهر بعدم السماع، بمثابة خيانة إضافية، . لوضع حد للعذاب

حوه، إذ ليس وكأنه يريد بذلك أن يشكو الضربة، وأن يندد بتصرف شقيقي األكبر ن : علي أن أجيبه، أي الرجل الصيني، وهو كان يستمر أيضا، ويقول لي، ويتجاسر

كانت والدتنا بالفعل غارقة في النوم بعد . انظري إليها ) بفتح العين (والدتك متعبة وحينئذ سمعت صوت . ولم أزد في الجواب . الوجبات األسطورية لصينيي شولين

: وكانت أمي تقول عنه . قصيرة جدا، والذعة، ونهائية شقيقي األكبر، وقد قال عبارة وبعد أن قال أخي عبارته، كان . من بين الثالثة، هو الذي يتكلم بصورة أفضل

وكف . وتعرفت إلى خوف عشيقي، إنه خوف أخي الصغير : توقف كل شيء . ينتظر، وهي "الينبوع"وأمي أيضا ذهبت إلى ". الينبوع"األول عن المقاومة، وذهبنا إلى

".الينبوع"ستنام في

إنه ال يكف عن الوجود، لكنه . في حضور أخي األكبر، يكف عن كونه عشيقي ورغبتي تطيع أخي األكبر، وتنبذ . إنه يصبح مكانا محروقا . لم يعد شيئا بالنسبة لي

Page 35: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

35

إن . وفي كل مرة يكونان معا وأراهما، أعتقد أنني لم أعد أبدا أحتمل رؤيته . عشيقي ينتفي بالضبط في جسمه الضعيف، في هذا الضعف الذي يثير في المتعة، عشيقي

ويصبح الرجل الصيني أمام أخي فضيحة يستحيل االعتراف بها، وسبببا للخجل أستطيع . وأنا ال أستطيع النضال ضد هذه األوامر الصامتة من أخي . يجب إخفاؤه

عشيقي ال أستطيع شيئا وحين يتعلق األمر ب . ذلك حين يتعلق األمر بأخي الصغير والحديث عن ذلك، اآلن، يجعلني أستعيد رياء الوجه، والهيئة الالهية . ضد نفسي

لشخص يتطلع إلى مكان آخر، شخص لديه شيء آخر يفكر فيه لكنه مع ذلك، بشدقيه المشدودين قليال نراه محنقا ويتألم الضطراره أن يحتمل هذا األمر، هذه

يأكل بصورة جيدة، في مطعم غالي األسعار، مع أن هذا كان الدناءة، وذلك فقط لكي ويشكل . ينبغي أن يكون طبيعيا تماما، حول الذكرى يوجد الضياء الداكن لليل الصياد

.ذلك صوت إنذار حاد، صرخة طفل

. وطلب الجميع زجاجات مارتيل بيرييه . أيضا، لم يكلمه أحد " الينبوع"وفي وأعطيناهما أمي وأنا . را وطلبا زجاجة ثانية وشرب كل من أخوي زجاجته فو

ومع ذلك فإنهما لم يكلماه، بل إنهما انصرفا . وسرعان ما سكر أخواي . زجاجتيناوأنه ال . أخذ يشكو من أن المكان كئيب . إلى االحتجاج، واألخ الصغير على األخص

ومعه، .أشخاص قالئل في أيام األسبوع " الينبوع"ويوجد في . وجود فيه للساقيات ولم أكن أرقص أبدا مع . ومع عشيقي أيضا أرقص . أخي الصغير، رحت أرقص

كان يمنعني من ذلك دائما الخوف . أخي األكبر، ولم يسبق لي أن رقصت معه أبدا لمربك من خطر، الخوف من هذا الجاذب الشرير الذي يمارسه على الجميع، الخوف

.من تقارب جسدينا

.ة مدهشة، وعلى األخص الوجهونحن متشابهان إلى درج

ماذا فعلت لهم؟ وقلت له إنه ال : كلمني صيني شولين، وهو يكاد يبكي، قال .ينبغي أن يقلق، وإن األمر هو دائما هكاذ، وفيما بيننا أيضا في جميع ظروف الحياة

قلت له إن هذا العنق من . سوف أوضح له حين سنلتقي في عش العزوبية ا العنف البارد، المهين، يرافق كل ما يحدث لنا، وكل من جانب أخي األكبر، هذ

Page 36: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

36

إن حركته األولى هي أن يقتل، أن يحذف من الحياة، أن يتصرف . يجيء نحونا وإنه ال يتعرض . وقلت له أن ال يخاف . بالحياة، وأن يزدري، ويطرد، ويسبب األلم

جل أمامه ألن الشخص الوحيد الذي يخاف األخ األكبر، والذي يخ . ألي خطر، هو .بصورة مثيرة للفضول، هو أنا

. وما من شكر أبدا . ما من صباح الخير أبدا، وال مساء الخير، وال عام سعيد إنها عائلة من . كل شيء يظل صامتا، بعيدا . وال حاجة للكالم أبدا . ال كالم أبدا

ن وفي كل يوم نحاول أن نقتل أنفسنا، أ . حجر، متحجرة في كثافة دون أي منفذ كنا ننظر إلى بعضنا بعضا، . وليس فقط ال نتبادل الكالم، بل ال نتبادل النظر . نقتل

فالرؤية بعد النظر هي أن تقوم بحركة فضول نحو وإزاء، . ولكن ال نرى بعضنا إليه يساوي ) بضم الياء وفتح الظاء (وما من شخص ينظر . وهي تنازل وانحطاط

وأعتقد أنها هي التي . وكلمة التحادث ملغاة . لشرفالنظرة دائما سالبة ل . النظرة إليه إن كل جماعة، سواء أكانت عائلية أو . تقول هنا على النحو األفضل العار والكبرياء

. إننا في عار مبدئي معا ألن علينا أن نحيا الحياة . سواها، كانت بغيضة إلينا، ومهينة ثالثتنا أوالد هذه المرأة هنا نحن في أعمق أعماق قصتنا المشتركة، قصة أن نكون

نحن إلى جانب هذا المجتمع الذي قاد . الطيبة النية، أمنا، التي اغتالها المجتمع وبسبب ما صنع ألمي اللطيفة جدا والمحبوبة جدا والمألى بالثقة، . والدتي إلى اليأس

.نبغض الحياة، ونبغض أنفسنا

سها، وأنا أتكلم بصورة لم تكن أمي تتوقع ما أصبحنا عليه ابتداء من شهر يأ ولكن حتى ولو توقعت هي ذلك، فكيف كان . خاصة عن الغالمين، عن االبنين

يمكنها أن تصمت عن بيان ما أصبح قصتها هي بالذات؟ وأن تجعل وجهها أن تشتت . أن تهلك نفسها . ونظراتها وصوتها تكذب؟ وحبها؟ كان يمكنها أن تموت

صل الولد األكبر تماما عن الولدين األصغر وأن تف . الجماعة غير الصالحة للعيش . لقد كانت طائشة، وكانت غير منطقية، وغير مسؤولة . سنا، لكنها لم تفعل ذلك

بسبب هذا بالذات . لقد أحببناها ثالثتنا في ما وراء الحب . لقد عاشت . كانت كل هذا

Page 37: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

37

فنا إنها لم يكن باستطاعتها أن تصمت، وأن تتكلم، وأن تكذب، ورغم كل اختال .بعضنا عن البعض، نحن الثالثة، فقد أحببناها بنفس الصورة

ثم . وقد بدأ ونحن في سن العاشرة . واستمر ذلك سبع سنوات . كان ذلك طويال وثم في . ثم أربعة عشرة ثم خمسة عشرة . أصبحنا في الثانية عشرة، ثم الثالثة عشرة

.سن السادسة عشرة فالسابعة عشرة

لقد . ثم أخيرا تم التخلي عن األمل . العمر، سبع سنوات لقد استمر هذا كل هذا وفي ظل الشرفة . وجرى التخلي أيضا عن المحاوالت ضد المحيط . تم التخلي عنه

وأخيرا . كنا ننظر إلى جبل سيام، المعتم جدا في إبان الشمس الساطعة، وشبه األسود .أصبحت األم هادئة، ونحن أوالد بطوليون، يائسون

. في عهد االحتالل الياباني 1942األخ الصغير في كانون األول لقد مات وقد كتب . 1931وكنت قد غادرت سايغون بعد نيلي البكالوريا القسم الثاني في عام وكانت الرسالة . لي مرة واحدة خالل عشر سنوات، دون أن أعرف أبدا لماذا

د قال لي فيها إن وق. اصطالحية، معادا نسخها، وبدون أخطاء، ومنسوخة بعناية وقال لي أيضا إن لديه شقة، وسيارة، وذكر . حالتهم جيدة، وإن دراسته على ما يرام

وإنه على ما يرام، وإن كل شيء . وإنه عاد إلى ممارسة كرة المضرب . ماركتهاولم يتكلم عن الحرب وال عن . وإنه يقبلني كما يحبني، بقوة كبيرة . على ما يرام .شقيقنا األكبر

أقول . را ما أتحدث عن أخوي بمثابة مجموعة، كما كانت تفعل هي، أمنا كثيلقد كانت تتحدث دائما عن . أوالدي: أشقائي، وهي أيضا خارج العائلة كانت تقول

وبالنسبة للخارج، لم تكن تذكر تفاصيل، ولم تكن تقول . قوة أوالدها بصورة مهينة بل كانت تقول إنه قوي مثل أشقائها، إن الولد األكبر كان أقوى بكثير من الثاني،

ومثل . كانت فخورة بقوة أبنائها مثلما كانت فخورة بقوة أشقائها . مزارعي الشمال وعن عشيقي من شولين كانت تقول مثل قول األخ . ابنها األكبر تزردي الضعفاء

كانت كلمات تتصل بالجيف التي يعثر عليها في . األكبر، وال أكتب هذه الكلمات

Page 38: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

38

وبعد ذلك قلت بصورة . أشقائي، ألنني هكذا كنت أقول أنا نفسي : أقول. اريالصح .أخرى، حين كبر األخ الصغير وأصبح معذبا وشهيدا

وليس فقط لم يكن يحتفل بأي عيد في عائلتنا، ولم تكن هناك شجرة ميالد، وال أية ولكن ما من ميت أيضا، وال ضريح، وال . أي منديل مطرز، وال من زهرة، أبدا

وسيظل األخ األكبر قاتال، واألخ الصغير سيموت بسبب . هي، أمي، وحدها . ذكرىوحتى موتها حصل عليها األخ األكبر له . وأنا رحلت، وانتزعت نفسي . ذلك األخ

.وحده

في ذلك العهد، عن شولين، وعن الصورة، وعن العشيق، كان ألمي رجفة لكنني كنت أرى أنها تراقبني، . ينإنها ال تعرف شيئا عما حدث في شول . جنون

إنها تعرف ابنتها، هذه الطفلة، وإنه ليحوم حول هذه الطفلة، . وأنها تشك في شيء ما من بعض الحين، شيء من الغرابة، وتحفظ حديث العهد، كما يبدو، يلفت االنتباه، وكالمها أكثر بطئا من العادة، وهي، بعد كونها فضولية نحو كل شيء، ساهية

لة، وقد تغيرت نظرتها، وأصبحت متفرجة على أمها بالذات، على شقاء أمها، غافإن ابنتها معرضة . الرعب المفاجئ في حياة أمي . وكأنها تشهد حدوث هذا الشقاء

ألكبر خطر، وهو أن ال تتزوج أبدا بعد، وأن ال تجد استقرارا في المجتمع، وأن وفي نوبات كانت أمي تنقض . لةتكون عزالء تجاه هذا المجتمع، ضائعة، ومنعز

علي، وتحبسني في الغرفة، وتضربني بقبضة يدها، وتضفعني، وتجردني من ثيابي، وتقترب مني، وتشم جسدي، وثيابي الداخلية، وتقول إنها تجد رائحة عطر الرجل الصيني، وتمضي إلى أبعد من ذلك، وتنظر إذا كانت هناك لطخات مشبوهة على

رخ، حتى يصل صوتها إلى المدينة، أن ابنتها عاهرة، وأنها ثيابي الداخلية وتص ستلقي بها خارجا، وأنها تتمنى أن تراها منفزرة، ميتة، وأن أحدا ال يريدها بعد

وكانت أمي تبكي متسائلة . اليوم، وأنها فقدت شرفها، وأن الكلبة تساوي أكثر منها لمنزل لكي ال أسبب التعفن ماذا تستطيع أن تفعل مع هذا، إن لم يكن إخراجي من ا

.فيه

Page 39: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

39

األخ يجيب األم ويقول لها إنها على . ووراء جدران الغرفة المقفلة، كان األخ حق بضرب البنت، كان صوته خامدا حميما، مالطفا، وقال لها إنه يلزمهم معرفة الحقيقة، بأي ثمن كان، يلزمهم معرفتها لمنع هذه البنت من الضياع، وللحيلولة دون

وكان األخ الصغير يصيح باألم . كانت األم تضرب بكل قواها . بة األم باليأس إصابضم األلف (لقد ذهب إلى الحديثة، واختبأ، كان يخاف أن أقتل . بأن تتركها وشأنها

كان خوف . ، إنه خائف، كان دائما يخاف هذا المجهول، أخانا األكبر )وفتح التاء ي على مصيبة حياتها، وعلى ابنتها الملوثة وكانت تبك . أخي الصغير يهدئ والدتي

وحلفت بحياتي بأنه لم يحدث لي شيء، ال . كنت أكذب . وكنت أبكي معها . الشرفشيء حتى وال قبلة، كيف تريدين، قلت، مع صيني، كيف تريدين أن أفعل هذا مع صيني، قبيح جدا وهزيل جدا؟ كنت أعلم أن األخ األكبر ملتصق بالباب، وأنه

وهو يعرف ماذا تفعل أمي، إنه يعرف أن الصغيرة عارية، وأنها ضربت يصغي،. ، وكان يود أن يستمر هذا أيضا وأيضا حتى درجة الخطر)بضم الضاد وكير الراء (

.وأمي لم تكن تجهل قصد أخي األكبر، هذا القصد، القاتم، المرعب

وي دون سبب وبانتظام كانت تنشب معارك بين أخ . كنا ما نزال صغارا جدا اخرج من هنا، إنك : ظاهر، ما عدا السبب التقليدي لألخ األكبر، الذي يقول للصغير

وهما يتعاركان دون أي كالم، وكانت . وبعد قوله هذا يضرب على الفور . تضايقناتسمع فقط أنفاسهما، وأناتهما، وصوت الضربات البهيم، وكانت أمي، شأنها في

.بأوبرا من الصرخاتجميع الظروف، ترافق المشهد

إنهما موهوبان بنفس القدرة على الغضب، واالنطالق في حاالت الغضب هذه السوداء، القاتلة، التي لم تر أبدا إال عند األشقاء واألخوات واألمهات، وكان األخ األكبر يتألم لكونه ال يستطيع أن يفعل الشر بحرية، وأنه ال يتسلط بالشر، ليس فقط

واألخ األصغر كان يتألم ألنه يشهد عاجزا هذه . مكان خارجا هنا بل في كل .الفظاعة، وهذا االستعداد لدى شقيقه األكبر

وكانت األم : حين كانا يتقاتالن، كان هناك خوف متساو من موت هذا وذاك وإن الشيء . تقول إنهما تقاتال دائما، وإنهما لم يلعبا معا أبدا، ولم يتبادال الكالم البتة

Page 40: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

40

الوحيد المشترك بينهما هو، أمهما، وعلى األخص هذه األخت الصغيرة، وال شيء .آخر غير الدم

وكانت تدعوه . ولدي: أعتقد أن أمي كانت تقول فقط عن الولد األكبر وحده .الولدان األصغر سنا: وعن الولدين اآلخرين كانت تقول. أحيانا بهذه الصورة

الخارج، لقد تعلمنا بادئ ذي بدء أن نلزم عن هذا كله لم نكن نقول شيئا في . ثم حول باقي األشياء كلها أيضا . البؤس: الصمت حول الشيء الرئيسي في حياتنا

غير مالئمة، كانوا عشاقنا، ولقاءاتنا خارج " أنجياء"، وقد تبدو كلمة )1(إن األنجياء المراكز، في شوارع سايغون أوال، ثم في البواخر الكبيرة، والقطارات، ثم في كل

.مكان

إن أمي، وكان هذا يخطر لها فجأة، حوالي نهاية فترة بعد الظهر، على له إلى آخره، للتنظيف، كما األخص في الفصل الجاف، كانت تغسل المنزل، من أو

كان المنزل مبنيا على أرض مرتفعة تفصله عن . كانت تقول، وللتطهير، وللتطرية الحديقة، وعن العقارب، والنمال الحمراء، وعن فيضانات نهر الميكونغ، والفيضانات

وهذا االرتفاع للمنزل على األرض يتيح غسله . التي تتلو أعاصير الرياح الموسمية كان جميع الكراسي . كبيرة من الماء، وغمره بالمياه كله كما تغمر حديقة بدالء

موضوعة على الطاوالت، والمنزل كله يسيل ماء، وبيانو الصالون الصغير قوائمه . وكانت المياه تنزل عبر درجات المدخل، وتجتاح الباحة نحو المطابخ . في الماء

ا معا مع الخدم الصغار، وكنا نرش وكان الخدم الصغار اآلسيويون سعداء جدا، وكن وكان الجميع حفاة . بعضنا بعضا بالماء، ثم نصوبن األرض بصابون مرسيليا

والرائحة . وليس لدى األم ما توقه ضد أي شيء . تضحك األم . األقدام، واألم أيضا الزكية تفوح من المنزل كله، وكانت له الرائحة اللذيذة لألرض المبللة بعد العاصفة،

نها رائحة تجعل المرء مجنونا من الفرح ال سيما حين تختلط بالرائحة األخرى، إرائحة صابون مرسيليا، رائحة النقاء والشرف، رائحة البياضات، رائحة أمنا،

وتأتي عائالت الخدم، وزوار . وينزل الماء حتى الممرات . والطهارة الشاسعة ألمنا

).مالحظة من المترجم(جمع نجي وهو الشخص الذي تأتمنه على سرك : األنجياء(1)

Page 41: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

41

واألم سعيدة جدا بهذه الفوضى، . مجاورةالخدم أيضا، واألوالد البيض للمنازل ال واألم يمكن أن تكون سعيدة جدا أحيانا، لفترة تنسى فيها، وفترة غسيل المنزل يمكن

تمضي األم إلى الصالون، وتجلس إلى البيانو، وتعزف . أن تناسب سعادة األم . تغني إنها. األلحان الوحيدة التي تحفظها غيبا، والتي تعلمتها في دار المعلمين

ويعتقد الجميع، وهي . تنهض وترقص وهي تغني . وأحيانا تضحك، تلعب وتضحك أيضا، األم، أن المرء يمكن أن يكون سعيدا في هذا المنزل الذي تغير شكله والذي

.أصبح فجأة غديرا، حقال على ضفة نهر، مخاضة، وساحال

هما أول من إن الولدين األصغر سنا، البنت الصغيرة واألخ الصغير، أنهما يتوقفان عن الضحك فجأة ويذهبان إلى الحديقة، حيث كان يأتي . يتذكران .المساء

ما زلت أتذكر، في نفس اللحظة التي أكتب فيها، أن أخانا األكبر لم يكن في لقد كان عند الوصي علينا، وهو . فينهلونغ حين كنا نغسل المنزل بالمياه الغزيرة

.غارون-إي-لوتكاهن قرية، في مقاطعة

إنني أنسى . كان يحدث له أيضا أن يضحك أحيانا ولكن بمقدار ما كنا نضحك كل شيء، أنسى أن أقول هذا، أننا كنا ولدين ضاحكين، أخي الصغير وأنا، ضاحكين

.حتى قطع األنفاس، والحياة

إنني أرى الحب بنفس ألوان طفولتي، وأخلط زمن الحرب مع هيمنة أخي إنه القلب، كما : ذلك أيضا بال شك ألن أخي الصغير مات أثناء الحرب وكان. األكبر

األخ األكبر، أعتقد تماما أنني لم أره أبدا أثناء . سبق أن قلت، الذي استسلم، تخلى كنت أرى . وكنت قد أصبحت ال يهمني أن أعرف ما إذا كان حيا أم ميتا . الحرب

نفذ إلى كل مكان، وتسرق، وتسجن، الحرب كما كان هو، تنتشر في كل مكان، وت وتكون هنا في كل مكان، تختلط بكل شيء، وتتدخل، حاضرة في الجسد، وفي الفكر، في المدينة، في الرقاد، طوال الوقت، فريسة للشغف المسكر الحتالل األرض المعبودة لجسد الطفل، جسد الناس األقل قوة، والشعوب المهزومة، وذلك ألن الشر

.لى األبواب، لصق الجلدكان هناك، ع

Page 42: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

42

.نحن ال نستطيع أن نتوقف عن الحب. نحن عشيقان. عدنا إلى عش العزوبية

لم أكن أريد أن . أحيانا كنت ال أعود إلى المدرسة الداخلية، وكنت أرقد قربه أحيانا كنت أتخلف . أرقد بين ذراعيه، لكنني أنام في نفس الغرفة، وفي نفس السرير

كان يغسلني تحت الدوش، . ذهب لتناول الطعام في المدينة ليال وكنا ن . عن مدرستي يحممني، ويغمر جسمي بالماء، ويعبدني، يزينني ويلبسني ثيابي، ويعبدني، إنني

وأنا لم أكن . وهو يعيش في الرعب من أن ألتقي برجل آخر . المفضلة في حياته نني بيضاء بل ألنني فتية وكان يحس بخوف آخر أيضا، ال أل . أخاف شيئا مماثال أبدا

وطلب إلي أن . جدا، صغيرة السن بحيث يمكن أن يدخل السجن لو اكتشفت قصتنا أستمر في الكذب على أمي، وباألخص على أخي األكبر، وأن ال أقول أي شيء

قلت له إننا فقراء جدا بحيث ال . وكنت أضحك من خوفه . وواصلت الكذب . ألحدى، وإن جميع الدعاوى التي أقامتها قد خسرتها على كل تستطيع والدتي أن تقيم دعو

حال، تلك التي أقامتها ضد دائرة المساحة، وضد المديرين، وضد الحكام، وضد القانون، إنها ال تحسن إدارة الدعاوى، وأن تحتفظ بهدوئها، وأن تنظر، وتنظر

ى وهذه الدعو . أيضا، إنها ال تستطيع، بل هي تصرخ وتصيح، وتضيع فرصها .ستكون مماثلة، فال مجال ألن يخاف

كانت . كانت أميركية، وكانت، كما أذكر، من بوسطن . كلود كاربنتر -ماريكلود كاربنتر -كانت ماري . 1943. زرقاوين-عيناها صافيتين جدا، رماديتين

مع ابتسامة وجيزة . واألصح أنها كانت جميلة، كما أعتقد . كانت ذاوية بالكاد . شقراءمع صوت أتذكره فجأة، منخفض، ناشز . نت تقفل بسرعة، وتختفي كالبرق قليال، كا

. كانت في الخامسة واألربعين، أي أنها أصبحت مسنة . قليال في النبرات الحادة ـ كانت شقتها هي الطابق ". آلما"كانت تسكن في الشارع السادس عشر، قرب الهب لتناول العشاء عندها كنا نذ . األخير والواسع جدا في مبنى مطل على نهر السين

وكان يوصى على الوجبات عند أفضل أصحاب . والغداء في الصيف . في الشتاء -ولم تكن ماري . كانت الوجبات دائما الئقة، وتقريبا غير كافية . المطاعم في باريس

وكان هناك، أحيانا، شاعر من . كلود ترى إال في منزلها، وال مرة في الخارج

Page 43: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

43

ثيرا ما يكون هناك واحد أو اثنان أو ثالثة من المعنيين باألدب، وك. أنصار ماالرميه ولم أعرف أبدا أين كانت تجدهم، وال أين . كانوا يأتون أحيانا مرة ثم ال نعود نراهم

ولم أكن قد سمعت أبدا الحديث عن أي منهم . تعرفت عليهم، وال لماذا كانت تدعوهم كان . وكانت الوجبات تستمر وقتا قليال .وال قرأت وال سمعت الحديث عن مؤلفاتهم

. 1942يجري الحديث كثيرا عن الحرب، كانت ستالينغراد، وكانت نهاية عام كلود كاربنتر تصغي كثيرا، وتستعلم كثيرا، وتتكلم قليال، وكثيرا ما -وكانت ماري

لدى وسريعا جدا . كانت تبدي دهشتها من أن أحداثا كثيرة تفوتها، وكانت تضحك نهاية الوجبات كانت تعتذر من اضطرارها للمغادرة بهذه السرعة، لكنها مشغولة،

وحين كان الزوار بعدد كاف، كنا نبقى . ولم تكن تقول أبدا بماذا . كما كانت تقول وفي غيابها . ابقوا قدر ما تشاؤون: وكانت تقول لنا . هناك ساعة أو اثنتين بعد ذهابها

وأعتقد على كل حال أنه ما من أحد كان قادرا على ذلك . لم يكن أحد يتحدث عنها كنا نذهب، ونعود إلى المنزل ولدينا دائما ذلك الشعور بأننا . ألنه لم يكن أحد يعرفها

اجتزنا ما يشبه الكابوس األبيض، وأننا قضينا بضع ساعات عند أناس مجهولين، ننا عشنا فترة بدون أي بحضور مدعوين كانوا في نفس الحالة، ومجهولين أيضا، وأ

كان ذلك وكأننا اجتزنا حدودا ثالثة، وأننا قمنا . غد، بدون أي مبرر إنساني أو سواه برحلة في القطار، وأننا انتظرنا في قاعات انتظار األطباء، وفي فنادق، وفي

وفي الصيف، كنا نتناول طعام الغداء على شرفة كبيرة تشرف على نهر . مطاراتوكان هناك حوض . القهوة في الحديقة التي تشغل كل سطح المبنى السين، ونشرب

الجادات الخالية، والنهر، . كنا ننظر إلى باريس . ولم يكن أحد يستحم . سباحةكلود -ماري. المزهرة )1(في الشوارع الخالية، كانت أشجار الكتلبة . والشوارعتتضايق لذلك لكنني لم كنت أنظر إليها كثيرا، طوال الوقت تقريبا، كانت . كاربنتر

. كلود كاربنتر -كنت أنظر إليها لكي أجد من هي ماري . أستطع االمتناع عن ذلك ولماذا هي هنا وليس في مكان آخر، ولماذا كانت من ذلك المكان البعيد جدا، من بوسطن، ولماذا كانت غنية، ولماذا إلى هذا الحد ال نعرف شيئا عنها، وال أحد، أي

).جممالحظة من المتر(شجرة ذات أوراق كبيرة على شكل قلب أصلها من أميركا الشمالية : الكتلبة(1)

Page 44: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

44

ذه االستقباالت التي كأنها مفتعلة، لماذا، لماذا في عينيها، بعيدا جدا شيء، ولماذا ه ولماذا . كلود كاربنتر -في داخلهما، في داخل البصر، ذرة الموت هذه، لماذا؟ ماري

كان في جميع فساتينها شيء مشترك، شيء يفوت الناظر، كان يظهرها وكأنها ليست فساتين محايدة، ضيقة، زاهية . جسما آخر فساتينها تماما، وأنها كان يمكن أن تكسو .جدا، بيضاء مثل الصيف في قلب الشتاء

إن ذكرى الرجال ال تظهر أبدا في هذه اإلضاءة المتألقة التي . بيتي فرنانديز وما أن ألفظ اسمها حتى . أجنبية هي أيضا . بيتي فرنانديز . ترافق ذكرى النساء

، )ميوب(وارع باريس، إنها حسيرة البصرة أراها، ها هي، إنها تسير في أحد ش ترى قليال جدا، وتزوي ما بين عينيها لكي تتعرف إليك تماما، وهي تحييك بيد

مرحبا هل أنت على ما يرام؟ لقد ماتت منذ زمن طويل، ربما منذ ثالثين . رشيقةشيء ما زلت أذكر سحرها، وقد فات األوان كثيرا اآلن لكي أنساه، وما من . عاما

يمس اكتماله، ال الظروف، وال تقادم العهد، وال البرد، وال الجوع، وال الهزيمة ـ إن بيتي فرنانديز تعبر دائما الطريق من ". الجريمة"األلمانية، وال اإليضاح التام ل

. وهنا أيضا العينان صافيتان . فوق تاريخ كل هذه األشياء، مهما كانت فظيعة كسوة بالغبار القبعة الصيفية الواسعة السوداء في شمس والفستان الوردي قديم، وم

بيتي فرنانديز تحيلة، طويلة القامة، مرسومة بالحبر الصيني، إنها صورة . الشارعكان الناس يقفون وينظرون مفتونين إلى أناقة هذه األجنبية التي تمر دون . منقوشةثم يقولون . أين جاءت وهم ال يعرفون أبدا على الفور من . سيدة مسيطرة . أن ترى

إنها حسناء، حسناء . في أنفسهم إنها ال يمكن أن تأتي إال من مكان آخر، من هناك إنها تلبس األطمار األوروبية القديمة، بقيايا الديباج، وبقايا التايورات . لهذه المصادفة

ة من التي فات أوانها، وبقايا الستائر العتيقة، وقطع القماش البالية، والمزق القديم الخياطة الراقية، وتضع فراء الثعالب القديمة التي قرضها العث، وفراء القنادس العتيقة، إن جمالها هو هكذا، ممزق، هش، باك، جمال منفى، وال شيء يالئمها، وكل شيء كبير عليها، وهذا جميل، إنها تطفو، نحيلة جدا، وهي ال تمأل أي ثياب،

Page 45: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

45

إن كل شيء يمسها، . هكاذ، في الرأس وفي الجسد إنها مخلوقة . ومع ذلك فهذا جميل .سرعان ما يشارك في هذا الجمال، على الدوام

. وقد ذهبنا إليه في بعض األحيان ". يوم"كانت تستقبل، بيتي فرنانديز، كان لها وكان يعاني من شدة الكبرياء بصورة ظاهرة، . وكان هناك، مرة، دريو الروشيل

يتنازل، كان يتكلم بصوت مبطن، بلغة كأنما هي مترجمة، وكان يتكلم قليال لكي ال وربما كان هناك برازياك أيضا، لكنني ما عدت أذكر، وآسف لذلك . غير مرتاحة

كان هناك شعراء من مونبارناس، لكنني لم أعد . ولم يكن سارتر يحضر أبدا . كثيراجري الحديث في ولم يكن ي . لم يكن هناك ألمان . أعرف اسم أي منهم وال شيء بعد

وكان . كان رامون فرنانديز يتكلم عن بلزاك . كانت األحاديث في األدب . السياسةكان يتكلم بمعرفة منسية تماما تقريبا ال بد . يمكن أن نصغي إليه حتى آخر الليالي

كان يعطي القليل من المعلومات، . وأنه لم يبق منها شيء يمكن التحقق من صحته كان يتحدث عن بلزاك كما لو أنه يتحدث عن نفسه، . ي آراء واألصح أنه كان يعط

كان لدى رامون فرنانديز كياسة . وكأنه حاول مرة أن يكون هو أيضا هكذا، بلزاك رفيعة حتى في المعرفة، طريقة أساسية وشفافة في آن في استخدام المعرفة دون أن

ان عيدا دائما أن نلتقي به ك. كان شخصا صادقا ومخلصا . يبرز أبدا إلزامها، وثقلها في الشارع، في المقهى، كان سعيدا برؤيتك، وكان هذا صحيحا، كان يحييك في

مرحبا هل أنت بخير؟ وذلك على الطريقة اإلنكليزية دون فاصلة، . المتعة والسرور في ضحكة، وخالل فترة هذه الضحكة تصبح النكتة هي الحرب نفسها وكذلك كل ألم

. ، الجوع كما البرد، الشهادة كما العار )1( منها، المقاومة كما التعاون إلزامي نابع وهي، لم تكن تتكلم إال عن األشخاص، بيتي فرنانديز، األشخاص الذين كانت تراهم في الشارع أو الذين تعرفهم، وكيف كانت أحوالهم، وعن األشياء التي بقيت للبيع في

اإلضافية من الحليب والسمك، والحلول الواجهات، وعن عمليات توزيع المقادير المعوضة عن النواقص، والمهدئة للبرد، وللجوع الدائم، وكانت دائما تتطرق إلى التفاصيل العمليةى للحياة، وكانت موجودة دائما للصداقة اليقظة، مخلصة جدا

).مالحظة من المترجم( المقصود التعاون مع المحتلين األلمان لفرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية (1)

Page 46: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

46

ي وأنا، بعد عامين من الحرب عضو ف . ، آل فرنانديز "متعاونين"كانوا . وحنونة جدا إنه نفس الشيء، نفس . والتعادل هو مطلق، ونهائي . الحزب الشيوعي الفرنسي

الشفقة، نفس االستغاثة، نفس الدعوة إلى النجدة، ونفس بالهة الحكم، ولنقل نفس هي أيضا، . الوهم الباطل، الذي يكمن في اإليمان بالحل السياسي للمشكلة الشخصية

االحتالل األلماني الخالية، كانت تنظر إلى بيتي فرنانديز، كانت تنظر إلى شوارع باريس، وحدائق الطرق المألى بأشجار الكتلبة المزهرة، مثل هذه المرأة األخرى،

.وكان لديها هي أيضا أيام استقبال. كلود كاربنتر-ماري

وتوقف قبل . رافقها إلى المدرسة الداخلية في السيارة الليموزين الكبيرة السوداء ومنذ . ترجلت، وركضت، ولم تلتفت نحوه . كان الليل . لكي ال يراه أحد المدخل بقليل

أن اجتازت البوابة الكبيرة رأت أن باحة الملعب الكبيرة ما زالت مضاءة ومنذ أن خرجت من الرواق رأتها هي، التي كانت تنتظرها، وقد ألم بها القلق، مستقيمة، دون

ولم تقل لماذا، وهيلين . إنني لم أعد للنوم :أين كنت؟ فأجابت : سألتها. أية ابتسامة . وخلعت القبعة الوردية وحلت ضفائرها ألجل الليل . الغونيل لم تطلب منها ذلك

وقالت هيلين إنهم اتصلوا بالهاتف، . كذلك. كذلك لم تذهبي إلى المدرسة الثانوية فتيات كان ثمة . وعلى هذا النحو عرفت، وأن عليها أن تذهب إلى الناظرة العامة

وكانت مصابيح . وكن كلهن يرتدين المالبس البيضاء . كثيرات في عتمة الباحة كانت ثمة . وكانت بعض قاعات الدرس ما زالت مضاءة . كبيرة في األشجار

تلميذات ما زلن يعملن، وأخريات يبقين في الصفوف للدردشة أو للعب الورق، أو ارة تكون شديدة أثناء النهار، وتترك وال يوجد توقيت لنوم التلميذات، فالحر . للغناء

ونحن . يركضن في المساء كما يشأن، وكما تشاء الناظرات الصبايا . التلميذاتوهناك كثير من . الفتيات البيض الوحيدات في المدرسة الداخلية التابعة للدولة

الخالسيات، وأغلبهن قد تخلى عنهن األب، وهو جندي أو بحار أو موظف صغير وأغلبيتهن تأتي من دار المعونة . أو في البريد، أو في األشغال العامة في الجمرك

.وهناك بعض الملونات أيضا. العامة

Page 47: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

47

وما عتقده هيلين الغونيل هو أن الحكومة الفرنسية تربيهن لتجعل منهم ممرضات في المستشفيات أو ناظرات في المياتم، وفي مستشفيات الجذام،

لين الغونيل أنهن يرسلن أيضا إلى المحاجر الصحية وتعتقد هي . والمصحات العقلية هذا ما تعتقده هيلين الغونيل وهي تبكي ألنها ال . للمصابين بالكوليرا والطاعون

تريد أن تعمل في أي من هذه المراكز، وهي تتحدث دائما عن الفرار من المدرسة .الداخلية

سية هي أيضا، كانت تنظر ذهبت لمقابلة الناظرة المناوبة، إنها ارمأة شابة خال إنك لم تذهبي إلى المدرسة الثانوية ولم تنامي هنا : وقالت. إلينا كثيرا، هيلين وأنا

وقلت لها إنني لم أستطع أن أتصرف . هذه الليلة، ونحن مضطرون إلبالغ والدتك بشكل آخر لكنني ابتداء من هذا المساء، وما بعده، سأحاول العودة كل مساء للنوم

نظرت إلي الناظرة الشابة . مدرسة الداخلية، وإن األمر ال يستحق إبالغ والدتي في ال .وابتسمت

وجاءت لمقابلة مديرة المدرسة الداخلية . وأبلغت والدتي . وقد أعدت الكرة وطلبت منها أن تتركني حرة في المساء وأن ال تراقب مواقيت عودتي، وأن ال

: حد مع تلميذات المدرسة الداخلية، وقالت ترغمني أيضا بالذهاب في نزهة يوم األ هذه طفلة كانت دائما حرة، وبدون هذا سوف تفر، وأنا نفسي والدتها ال أستطيع أي

وقبلت المديرة . شيء ضد هذا، وإذا أردت االحتفاظ بها فعلي أن أترك لها حريتها ألنني بيضاء، وألنه ألجل سمعة المدرسة الداخلية، يجب أن تكون هناك بعض

وقالت والدتي أيضا إنني كنت أعمل جيدا . الفتيات البيض بين جمهور الخالسيات في المدرسة الثانوية وأنا على هذه الحال من الحرية، وإن ما حدث لها مع ولديها هو رهيب جدا، وخطير جدا، بحيث إن دراسة الصغيرة هي األمل الوحيد الباقي

.لها، أي ألمي

.المدرسة الداخلية مثل فندقوتركتني المديرة أسكن

وحينئذ لن توجه إلي . عما قريب سيكون لدي ماسة في إصبع الخطوبة وسيكون هناك شك في أنني مخطوبة، لكن الماسة ثمينة جدا، . الناظرات مالحظات

Page 48: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

48

ولن يشك أحد في أنها حقيقية، ولن يقول أحد شيئا بعد بسبب ثمن الماسة هذه التي .أعطيت للفتاة

كانت ممددة على مقعد وهي تبكي ألنها تعتقد . قرب هيلين الغونيل عدت إلى كنت منبهرةة بجمال جسم هيلين . بأنني سأترك المدرسة الداخلية، جلست على المقعد

جسمها هذا مهيب الجمال، حر تحت الفستان، في . الغونيل الممددة مقابل جسمي إنها عديمة . وأنا لم ألمسهما أبدا . والثديان هما كما لم أر مثلهما أبدا . متناول اليد

. الحياء، هيلين الغونيل، وهي ال تدرك ذلك، إنها تمشي عارية تماما في عنابر النوم إن أجمل جميع األشياء التي أعطاها اهللا هو جسد هيلين الغونيل هذا، الذي ال

ل شيئين يضاهى، هذا التوازن بين القوام وكيفية حمل الجسم للثديين، خارجا عنه، مث وال شيء عجيب وأكثر إثارة للدهشة من هذه االستدارة للنهدين . منفصلين

وحتى جسم الحمال الصيني ألخي . المحمولين، وهذا الخروج الممدود نحو األيدي وهي . إن ألجسام الرجال أشكاال شحيحة، محتجزة . الصغير يتالشى أمام هذا البهاء

ين الغونيل، التي من جهتها، ال تدوم أبدا، ال تتلف كذلك مثل تلف اشكال جسد هيل إنها قادمة من هضات . فهي تستمر صيفا واحدا، إذا أحسنا العد، وهذا كل شيء

وقد وصلت في . ووالدها هو موظف في دوائر البريد . داالت العالية، هيلين الغونيل هنا جون وتبقى . إنها خائفة، وهي تجلس قربك . إبان العام الدراسي منذ زمن قليل

وبشرتها وردية وبنية اللون، بشرة الجبل، . أن تقول شيئا، وفي أكثر األحيان تبكي والناس يتعرفون إلى هذه البشرة هنا حيث يتصف جميع األوالد بالشحوب المخضر

هيلين الغونيل ال تذهب إلى المدرسة . الناشئ عن فقر الدم، وعن الحرارة المحرقة وهي ال تتعلم، وال . تذهب إلى المدرسة، هيلين ل إنها ال تعرف أن . الثانويةوهي تداوم على الدروس األولية للمدرسة الداخلية لكن ذلك ال يفيد في . تستوعبوهي تبكي مقابل جسمي، وأنا أمسح على شعرها، وعلى يديها، وأقول لها . شيء

. يلين ل إنها ال تعرف أنها جميلة جدا، ه . إنني سأبقى معها في المدرسة الداخلية إن . وذووها ال يعرفون ماذا يفعلون بها، وهم يسعون لتزويجها بأسرع ما يمكن

بوسعها أن تجد جميع الخاطبين الذين تريدهم، هيلين الغونيل، لكنها ال تريدهم، هي

Page 49: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

49

. هيلين الغونيل . هي هيلين ل . ال تريد أن تتزوج، إنها تريد العودة إلى عند أمها وهيلين أجمل مني بكثير، أنا بقبعة المهرج، . تريده أمها وهي ستفعل في النهاية ما

والتي أنتعل حذاء مذهبا، إنها صالحة للزواج أكثر مني بكثير، هيلين الغونيل، فهي يمكن تزويجها، ووضعها في الحياة الزوجية، وإخافتها، وإيضاح ما يخيفها، وما ال

.تفهمه، وإصدار األمر إليها بأن تبقى هناك، وأن تنتظر

هي، مع ذلك في السابعة عشرة . هيلين الغونيل، هي، ال تعرف بعد ما أعرفه .واألمر كما لو كنت أحزره، أنها لن تعرف ما أعرفه. من العمر

إن جسد هيلين الغونيل ثقيل، وهو ما زال بريئا، ونعومة بشرتها هي بحيث حسيا، وهمية تشبه نعومة بعض الثمار، وهي، أي هيلين، على حافة أن ال تدرك

هيلين الغونيل تعطي الرغبة في قتلها، وهي تسبب . بعض الشيء، وهذا كثير هذه األشكال لزهرة الدقيق، هي . نهوض الحلم الرائع بان أقلتها بيدي أنا نفسي

تحملها دون أن تعرف أيا منها، وهي تظهر هذه األشياء لأليدي لكي تعجنها، وللفم ، ودون معرفة بها، ودون معرفة كذلك بقدرتها ليأكلها، دون االحتفاظ بها

كنت أتمنى أن آكل ثديي هيلين الغونيل، كما هو يأكل ثديي في غرفة . األسطوريةالمدينة الصينية حيث أذهب كل مساء ألتعمق في معرفة اهللا كما كنت أتمنى أن

.يفترسني هذان النهدان من زهرة الدقيق، اللذان هما نهداها

.لرغبة في هيلين الغونيلأنا منهكة من ا

.أنا منهكة من الرغبة

إلى هناك حيث أمنح نفسي، كل مساء، . أريد أن أصطحب معي هيلين الغونيل كنت أريد أن أعطي هيلين الغونيل . مغمضة العينين، المتعة التي تجعلني أصرخ

وذلك بحضوري، وأن تفعل . إلى هذا الرجل الذي يفعل هذا بي لكي يفعله بدوره بها وسيكون عبر جسد . هذا وفق رغبتي، وأن تهب نفسها هناك حيث أهب أنا نفسي

هيلين الغونيل، وبعبور جسدها ستصلني المتعة مع ذلك الرجل، وستكون حينئذ .المتعة النهائية

.وذلك بحيث أموت

Page 50: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

50

إنني أراها بصفتها من نفس لحم رجل شولين هذا، ولكن في حاضر مشع، ذاتها، في كل حركة، وكل دمعة، وفي كل عيب من شمسي، ريء، في تفتح مكرر ل هيلين الغونيل، هي امرأة رجل العذاب هذا الذي . عيوبها، وكل جهل من جهاالتها

يجعل لي المتعة مجردة جدا، وقاسية جدا، رجل شولين المغمور هذا، رجل الصين، .هيلين الغونيل هي من الصين

وحين ذهبت، حين . ل العذاب هذا ولم أنس رج . إنني لم أنس هيلين الغونيل لكن هذا اإلخالص الغريب . تركته، ظللت عامين دون أن أقترب من أي رجل آخر

.كان ينبغي أن يكون لي أنا ذاتي

وفي جفافها، . إنني ما زلت في العائلة، هنا أسكن باستثناء أي مكان آخر عمق يقيني وقسوتها الرهيبة، وفي أذاها أكون األعمق تأكدا من ذاتي، وفي أ

.األساسي، وهو أنني فيما بعد سوف أكتب

وذلك هو المكان الذي أمتلك فيه نفسي بعد ترك الحاضر، باستثناء أي مكان إن الساعات التي كنت أقضيها في عش العزوبية في شولين كانت تظهر هذا . آخر

إنه مكان يصعب التنفس فيه، إنه يالصق الموت، . المكان في ضوء ندي، جديد في الجانب اآلخر من النهر . وذلك هو مكان شولين. ن عنف، وألم، ويأس، وعار مكا

.بعد اجتياز النهر

وهي كانت أول . لم أعرف ماذا حدث لهيلين الغونيل، وما إذا كانت قد ماتت وأمها هي . لقد عادت إلى داالت . من غادر المدرسة الداخلية، قبل رحيلي إلى فرنسا

وأعتقد أنني أذكر أن ذلك كان لكي تزوجها، . إلى داالت التي طلبت إليها ان تعود وربما كنت مخطئة، ولعلي أخلط . )1(وأن عليها أن تلتقي بقادم جديد من الوطن األم

ما كنت أعتقد أنه يحدث لهيلين الغونيل مع هذا الرحيل اإللزامي الذي طلبته .والدتها

ق الخدم لكي يذهب إنه يسر : هكذا. وألقل لكم أيضا ماذا كان، وكيف كان . ويقامر. إنه يسرق . وهو يفتش في الخزائن . إنه يسرق والدتنا . ويدخن األفيون

).مالحظة من المترجم( المقصود فرنسا (1)

Page 51: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

51

وكان هذا . بفرنسا قبل أن يتوفى " أنتردومير"وكان أبي قد اشترى منزال في منطقة ولم يكن . وباعت أمي ذلك المنزل لدفع الديون . كان أخي األكبر يقامر . مالنا الوحيد كنت فتاة صغيرة حين حاول أن يبيعني لزبائن . م يكن أبدا ما هو كاف ذلك كافيا، ل

ومن أجله كانت أمي تريد أن تعيش أيضا، لكي يستمر في األكل، ". الكوبول"في والملكية التي اشترتها له قرب . ولكي ينام في الدفء، ولكي يسمع أيضا نداءه باسمه

. وأمي دفعت الفوائد . هن الملكية وفي ليلة ر . أمبواز، عشر سنوات من التوفيرات لقد سرق أمي . خالل ليلة واحدة . وكل ناتج قطع أشجار الغابة الذي ذكرته لكم

كان شخصا يفتش في الخزائن، وكان ذكيا حاذقا، يحسن البحث، . المحتضرةلقد سرق خواتم الزواج، هذه األشياء، . ويكشف أكداس الجوخ الجيدة، والمخابئ

. وأنا، كثيرا . وسرق دو، والخدم، وأخي الصغير . لحلي، واألغذية كثيرا منها، وا وحين ماتت، استحضر الكاتب العدل على . وكان يمكن أن يبيعها، هي، والدته

وقال الكاتب العدل . إنه يعرف كيف يستغل انفعال الموت . الفور، في انفعال الموت . كبر على حسابي إن الوصية غير صالحة، وإن والدتي فضلت كثيرا ولدها األ

فأكدت . ويجب وأنا بكامل معرفتي أن أقبلها أو أرفضها . والفرق هائل، ومضحك شقيقي، وعيناه منخفضتان، . لقد قبلتها ). بتشديد القاف وفتحها (ووقعت : أنني أقبلها

ولدى تحرير باريس، . كان مخلصا . في لحظة االنفعال لموت أمنا . كان يبكي . شكرا. ك بسبب أعمال تعاون في الجنوب، لم يعد يعرف إلى أين يذهب كان مالحقا بال ش ولعله كان قد . ولم أعرف أبدا حقيقة األمر، كان هاربا من خطر . فجاء إلى منزلي

كان لطيفا جدا، عطوفا مثله دائما بعد . سلم أشخاصا، يهودا، كل شيء ممكن وبقي عندي . دى أخي تأثره كان زوجي قد نفي، وأب . جرائمه، أو حين تلزمه خدماتك

. وقد بحث في أمتعتي . لقد نسيت، فإنني حين أخرج، ال أقفل أي شيء . ثالثة أيام وفتش . وفتش أخي األكبر وأخذ . وكنت أحتفظ لعودة زوجي ببطاقات السكر واألرز

لقد أخذ كل مدخراتي، خمسين ألف . ووجد. أيضا في خزانة صغيرة في غرفتي وحين رأيته فيما . وغادر الشقة مع المسروقات . الية واحدة ولم يترك ورقة م . فرنك

وبعد . بعد لم أكلمه عن ذلك، ولعلني سأثير خجله الشديد، وأنا ال أستطيع ذلك

Page 52: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

52

كانت عملية البيع . الوصية المزيفة، بيع قصر لويس الرابع عشر المزيف بلقمة خبز .مزيفة، مثل الوصية

له أصدقاء، ولم يكن له أصدقاء أبدا لم يكن . بعد وفاة والدتي أصبح وحيدا في مونبارناس، وأحيانا نساء لم يكن يشغلهن، في " يشغلهن"وكان لديه أحيانا نساء

كان يعيش في عزلة . البدء على األقل، وأحيانا رجال، لكن هؤالء كانوا يدفعون له كانت كان لصا صغيرا فقط، وقضاياه . وهذه العزلة ازدادت مع الشيخوخة . كبيرة. ومعنا فقد مملكته الحقيقية . لقد نشر الخوف حوله، وليس إلى أبعد من ذلك . هزيلة

إنه لم يكن غانغستر، أي شقيا أو عضو عصابة مهما، بل كان لصا عائليا، مفتشا في إن اللصوص الصغار . لم يكن يعرض نفسه للخطر . خزائن، وقاتال بال أسلحة

بعد وفاة . كان يخاف . ضامن، وبال عظمة، في الخوف يعيشون كما كان يعيش، بال ت ولم يكن يعرف سوى خدم المقاهي الذين . في مدينة تور . والدتي عاش حياة غريبة

السباق، والزبائن السكارى أللعاب البوكر في القاعات " تعليمات"كان يأخذ منهم فمه غاضبا الخلفية، وبدأ يشابههم، كان يشرب كثيرا، وأصبحت عيناه محتقنتين، و

وبعد تصفية المنزلين، لم يعد هناك أي شيء . وفي تور، لم يعد لديه أي شيء . مهدداوظل ينام طوال عام في . وطوال عام سكن في مستودع أثاث كانت أمه قد استأجرته

.ثم طرد من المستودع. وبقي هناك مدة عام. وكان يسمح له بالدخول. مقعد

وقد قامر واحدة فواحدة . تعادة منزله المرهون خالل عام ال بد أنه ظل يأمل اس على قطع أثاث والدتي في مستودع األثاث، وعلى التماثيل البوذية البرونزية، وقطع

وثم في أحد األيام لم يعد . النحاس ثم على األسرة، ثم على الخزائن وأغطية األسرة البذلة التي على لديه أي شيء، وهذا يمكن أن يحدث لهم، في أحد األيام كان لديه

وطوال عام لم . كان وحيدا . ظهره، وال شيء غيرها، ال غطاء سرير، وال ملعقة وحصل بعد ذلك على غرفة . وكتب إلى ابن عم له في باريس . يفتح له أحد بابه

وكان قد تجاوز الخمسين عاما من عمره حين حصل على . خادم في بلدة مالزرب شركة للتأمينات "ي حياته، إذ عين حاجبا في أول عمل له، وعلى أول أجر له، ف

Page 53: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

53

لقد ذهب إلى المستشفى، لكنه . واستمر ذلك، كما أعتقد، خمسة عشرة عاما ". البحرية .بل مات في غرفته. لم يمت فيه

ولم تتحدث أبدا عن . ولم تشك منه أبدا . إن أمي لم تتكلم أبدا عن هذا الولد كانت تبقيها . أمر هذه األمومة مثل مسألة جريمة كان. المفتش في الخزائن إلى أحد

ال بد أنها كانت تعتبرها غير قابلة للفهم، وال يمكن إيصالها إلى أي . طي الكتمان وكانت تقول عن . شخص ال يعرف ولدها كما كانت تعرفه هي، أمام اهللا وفقط أمامه

". فنا"وأكثرهم . الثةلو شاء لكان هو أذكى الث . ولدها تفاهات صغيرة، دائما هي ذاتها وهو الذي، في . وأيضا ذلك الذي كان األكثر حبا ألمه . وأكثرهم رهافة ودقة فهم

وما كنت أعلم، كانت تقول، إنه يمكن انتظار هذا . النهاية، فهمها على النحو األفضل .من صبي، مثل هذا الحدس، وهذا الحنان العميق جدا

يا له من : قال. األخ األصغر المتوفى وقد تالقينا مرة مجددا، وحدثني عن .فظاعة هذا الموت، إنه رهيب، يا ألخينا الصغير، صغيرنا بولو

كنا نتناول الطعام . إنها وجبة طعام في ساديك : وتبقى هذه الصورة لقرابتنا . كان في السابعة عشرة، في الثامنة عشرة من العمر . ثالثتنا على مائدة غرفة الطعام

ثم وضع . كان ينظر إلينا ونحن نأكل، إلى أخي الصغير وأنا . الم تكن أمي معن طويال جدا أخذ ينظر إليه ثم قال له . شوكته، ولم يعد ينظر إال إلى أخي الصغير

قال له إن عليه أن ينتبه، . كانت العبارة عن الطعام . فجأة، بكل هدوء، شيئا فظيعا . واستمر يأكل . ألخ الصغير بشيء لم يجب ا . وإنه ال ينبغي أن يأكل بهذا المقدار

ال . وذكره األخ األكبر بأن قطع اللحم الكبيرة هي له، وأن عليه ان ال ينسى هذا كم أود أن : قلت. ألن األمر هكاذ : ولماذا لك؟ قال : وسألت أنا . وإال، قال له مهددا

كان الكبير ينتظر أن يقول . واألخ الصغير كذلك . وما عدت أستطيع أن آكل . تموت المطبقتان جاهزتين – أي الكبير –األخ الصغير كلمة، كلمة واحدة، وكانت قبضتاه

وبين . وكان شاحبا جدا . ولم يقل األخ الصغير شيئا . على الطالوة لتحطيم وجه أخيه .رموشه بداية بكاء

Page 54: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

54

أعتقد في الربيع، في نيسان، . حين مات األخ األكبر كان يوم مغم، كئيب ال شيء، لم يقولوا شيئا آخر، لقد عثر عليه ميتا، على األرض، . اتصلوا بي هاتفيا

وأثناء حياته كان قد تم األمر، . كان الموت متقدما على نهاية قصته . في غرفته . وكان الوقت متأخرا جدا لكي يموت، كان األمر قد تم منذ موت األخ الصغير

.كل شيء قد فني: الكلمات الصغيرة

لم أعد أعلم في أي مكان، . معها – أي األخ األكبر – هذا لقد طلبت أن يدفن هما . إنهما االثنان معا في القبر . في أية مقبرة، وأعلم أن ذلك كان في منطقة اللوار

.والصورة ذات بهاء ال يطاق. وهذا شيء عادل. االثنان فقط

ه كان قصيرا جدا، وشب . كان شفق المغيب يهبط في نفس الميعاد طوال العام وفي فصل األمطار، طوال أسابيع، لم تكن ترى الشمس، بل كانت محجوبة . مباغت

في . وفي فصل الجفاف . في ضباب وحيد الشكل لم يكن يخترقه حتى ضوء القمر وحتى الليالي بال قمر . المقابل، كانت السماء تبدو عارية، مكشوفة في كليتها، ساطعة

تشابه، على األراضي والمياه وكانت الظالل ترتسم، بشكل م . كانت مضاءة .والطقرات والجدران

. كانت اإلضاءة الشمسية تبهت األلواهن، وتسحق . إنني سيئة التذكر لأليام كان األزرق أبعد من السماء، كان وراء جميع الكثافات، كان . الليالي، أتذكرها

قي الذي كانت السماء، بالنسبة لي، هي هذه الكمية من التألق الن . يغطي عمق العالم وأحيانا، كانت في . يجتاز األزرق، هذا االنصهار البارد في ما وراء كل لون ، ونذهب إلى الريف )1(فينهلونغ، حين تكون أمي حزينة، فتقوم بإسراج عربة تلبري

كان النور . لقد كان لي هذا الحظ، وهذه الليالي، وأمي . لمشاهدة ليل فصل الجفاف . الشفافية النقية، في أعمدة من الصمت والسكون يهبط من السماء في شالالت من

وكانت السماء هي هذا الخفقان . كان الهواء أزرق، وكان يمكن أخذه باليد، أزرق كان الليل ينير كل شيء، كل الريف على كل ضفة من ضفتي . المواصل لتألق النور

ن كان كل ليل خاصا، وكل ليل كان يمكن تسميته بزم . النهر حتء حدود البصر

).مالحظة من المترجم (Tilburyمركبة خفيفة ذات عجلتين باسم صانعها : تلبري(1)

Page 55: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

55

وكانت . كانت تنبح على السر . وكان صوت الليل هو صوت كالب القرى . مدته .تتجاوب من قرية إلى قرية حتى التالشي التام لمكان الليل وزمانه

. في مماشي الباحة كانت ظالل أشحار التفاح الكافوري بلون الحبر األسود حالة، مهيبا، وكان المنزل في نفس ال . والحديقة مجمدة بكاملها في سكون رخامي

وأخي الصغير الذي كان يسير قربي والذي ينظر اآلن بإلحاح نحو البوابة . جنائزيا .المفتوحة على الجادة المقفرة

في إحدى المرات لم يكن الرجل هناك أمام المدرسة الثانوية، كان السائق وحده إلى قال لي إن الوالد مريض، وإن السيد الشاب قد ذهب . في السيارة السوداء

وإنه هو، أي السائق، قد تلقى األمر بأن يبقى في سايغون لكي يأخذني إلى . ساديكوقد عاد السيد الشاب بعد بضعة . المدرسة الثانوية، ثم يعيدني إلى المدرسة الداخلية

ومجددا كان في مؤخرة السيارة السوداء، وقد حول وجهه لكي ال يرى . أيامقد تعانقنا، دون كلمة، تعانقنا، هنا، لقد نسينا، أمام و. األنظار، ودائما في الخوف

لقد تبدد آخر أمل . الوالد سوف يعيش أيضا . في القبلة كان يبكي . المدرسة، تعانقنا توسل إليه أن يدعه يحتفظ بي أيضا معه . لقد طلب ذلك من والده . للسيد الشاب

قد عاش هو نفسه مرة أن يفهمه، وإنه – أي الوالد –لصق جسده، وقال له إن عليه على األقل عشقا كهذا أثناء حياته الطويلة، وإن المستحيل أن يكون األمر بخالف ذلك، ورجاه بأن يتيح له أن يعيش بدوره، مرة، عشقا مماثال، هذا الجنون، هذا الحب المجنون للصغيرة البيضاء، وطلب إليه أن يترك له الوقت ليحبها أيضا قبل إرسالها

رنسا، وأن يتركها له أيضا، ربما عاما بعد، ألنه لم يكن ممكنا له أن يترك منذ إلى ف اآلن هذا الحب، فقد كان جديدا جدا، وما زال قويا جدا، ما زال قويا في عنفه الناشئ، وأنه فظيع جدا أيضا االنفصال عن جسدها، ال سيما، وهو يعرف ذلك جيدا،

.ن يتجدد أبداهو، الوالد، أن هذا الحب ل

.وكرر األب عليه قوله إنه يفضل أن يراه ميتا

اغتسلنا معا بماء الجرار الطجازج، وتعانقنا وتبادلنا القبالت، وبكينا، حتى قلت له أن ال . ثم قلت له . أشرفنا على الموت، ولكن هذه المرة، بمتعة ال عزاء فيها

Page 56: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

56

حل من كل مكان، وإنني ال يأسف على شيء، وذكرته بما سبق أن قاله، إنني سأر وقال إنه ال يبالي حتى بهذا من اآلن فصاعدا، وإن كل . أستطيع أن أقرر تصرفي

ولم . وإنني أرفض البقاء معه . حينئذ قلت له إنني من رأي والده . شيء قد تم تجاوزه .أعط أسبابا

ة وهي جاد . إنها إحدى جادات فينهلونغ الطويلة التي تنتهي على نهر الميكونغ كان يوجد عطل . في ذلك المساء، كما في كل مساء تقريبا . مقفرة دائما في المساء

فمنذ أن بلغت الجادة، وأقفلت البوابة ورائي، . لقد بدأ كل شيء بذلك . في الكهرباء رحت أركض . رحت أركض أنني أخاف الظالم . رحت أركض . حدث انقطاع النور

وفجأة . نني أسمع ركضا آخر خلفي وفجأة اعتقدت أ . بصورة أسرع أكثر فأكثر وأثناء ركضي استدرت . أصبحت متأكدة من أن ورائي يركض أحدهم في إثري

إنها امرأة طويلة جدا وهزيلة جدا، هزيلة مثل الموت، وكانت تضحك . ورأيتلقد عرفتها، إنها . كانت حافية القدمين، وتركض ورائي لإلمساك بي . وتركض

أنا أسمعها ألول مرة، إنها تتكلم في الليل، وفي . ينهلونغمجنونة المركز، مجنونة ف إنها تركض . النهار تنام، وفي كثير من األحيان في هذه الجادة، أمام الحديقة

كنت في الثامنة . وكان خوفي بحيث ال أستطيع االستغاثة . صارخة بلغة ال أعرفها د أنها وكنت أسمع ضحكها المزمجر وصيحات فرحها، ومن المؤك . من عمري وقليل أن أقول إن هذا الخوف . والذكرى هي ذكرى خوف مركزي . تتسلى بي

وما يمكن تقديمه، هو ذكرى هذا اليقين للكائن بأسره، وهو . يتجاوز فهمي، وقوتي أنه لو أن المرأة لمستني، ولو لمسة خفيفة، باليد، فسوف أنتقل بدوري إلى حالة أسوأ

وكنت قد وصلت إلى حديقة الجيران، . لجنونبكثير من حالة الموت، إلى حالة ا وبقيت عدة أيام بعد ذلك عاجزة . والمنزل، صعدت الدرجات وسقطت في المدخل

.تماما عن أن أروي ما حدث لي

في وقت متأخر من حياتي كنت ما زلت خائفة من أن أرى تفاقم حالة والدتي وأعتقد أن علي أن . ا مما سيوجب فصلها عن أوالده – لست أسمي بعد هذه الحالة –

Page 57: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

57

أعرف أنا عند حلول ذلك اليوم، وليس على أخوي، ألن أخوي لن يتمكنا من الحكم .على هذه الحالة

كان ذلك قبل بضعة شهور من انفصالنا النهائي، كان ذلك في سايغون، في وكانت . ساعة متأخرة من المساء، وكنا على الشرفة الكبيرة لمنزل شارع تيسار

لم أتعرف إليها جيدا، ثم، في نوع من االمحاء . ظرت أنا إلى أمي ن. معنا دو كان ثمة فجأة، هنا، . المباغت، والسقوط، وبصورة فجة لم أعد أتعرف عليها البتة

لكنها لم تكن . قربي شخص جالس في مكان أمي، إنه لم يكن أمي، كان له مظهرها ر نحو الروضة، نحو نقطة كانت هيئتها مخبولة بعض الشيء، وهي تنظ . أبدا أمي

كان . معينة من الروضة، وكانت تترصد كما يبدو حدثا وشيكا لم أكن أفهم منه شيئا كانت . فيها صبا قسمات، ونظرة، وسعادة كانت تكتبتها بسبب خفر ال بد أنها اعتادته

ولم يكن . ولم يكن يبدو على دو أنها الحظت أي شيء. وكانت دو إلى جانبها . جميلةعب قائما في ما أقوله عنها، عن قسماتها، وعن هيئتها السعيدة، وعن جمالها، بل الر

كان الرعب يأتي من أنها كانت جالسة في نفس المكان حيث كانت تجلس والدتي حين حصل اإلبدال، ومع أنني كنت أعرف أنه ال أحد كان في مكانها سواها، ولكن

وأنه لم . دالها بأية هوية أخرى قد اختفت بالضبط أن هذه الهوية التي ما كان يمكن إب لم يكن شيء يقترح نفسه لكي . تكن لدي أية وسيلة تبذل لكي تعود، وأنها بدأت تعود

. الوقت الكافي للصراخ . لقد أصبحت مجنونة في إبان العقل . يسكن الصورة صرخة ضعيفة، دعوة استغاثة لكي يتحطم هذا الجليد الذي كان يتجمد . وصرخت .واستدارت أمي. نظر بكاملهفيه الم

جميع متسوالت المدن، وحقول . لقد مألت المدينة كلها بمتسولة الجادة هذه األرز، ومتسوالت الدروب المحيطة بسيام، ومتسوالت ضفاف الميكونغ، وقد مألتها

لقد كانت تصل دائما إلى كالكوتا، . لقد جاءت من كل مكان . بها هي التي أخافتني وكانت تنام دائما في ظل أشجار التفاح الكافورية في ملعب .من حيثما جاءت

وكانت أمي دائما هناك قربها، تداوي لها قدمها المنخورة بالدود والمألى . المدرسة .بالذباب

Page 58: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

58

. إنها تحملها منذ ألفي كيلومتر . إلى جانبها كانت البنت الصغيرة صاحبة القصة كلهم موتى أو . ال ولد . يا، خذي، ال أوالد بعد إنها لم تعد تريدها أبدا، إنها تعطيها، ه

وهذه التي تنام تحت أشجار . ملقى بهم، وهذا يشكل جمعا كبيرا في نهاية الحياة وهي ستموت داخل . إنها هي التي ستعيش أطول زمن . التفاح الكافورية لم تمت بعد .وسيبكون عليها. المنزل، في فستان دانتيال

رز المحيطة بالدرب، وهي تصيح وتضحك بأعلى إنها على منحدر حقول األ إن لها ضحكة ذهبية، يمكن أن توقظ الموتى، وتوقظ كل من يسمع ضحكتها . صوتها

كانت تبقى أمام المنزل الريفي أياما وأياما، إنها تتذكر، إنهم يطعمون . من األوالد وفي أحد ثم في إحدى المرات، استيقظت الصباح الباكر وبدأت تسير، . المتسولين

األيام انطلقت، لست أدري لماذا، وانحرفت في سيرها نحو الجبل، واجتازت الغابة، ولفرط رؤيتها، ربما، . وسلكت الدروب التي تمر على طول قمم سلسلة جبال سيام

لرؤيتها سماء صفراء وخضراء في الجانب اآلخر من السهل، كانت تجتاز، وبدأت . ي تهبط بمشيتها الكبيرة الهزيلة منحدرات الغابة وه. تهبط نحو البحر، نحو النهاية

وليس هناك هواء . المناطق الساخنة جدا . إنها الغابات الوبائية . إنها تجتاز، تجتاز ثم . هناك ضجة البعوض الراكدة، واألطفال الموتى، والمطر كل يوم . البحر الصحي

وهي قائمة . أسود إنها ذات قاع . إنها أكبر دلتايات األرض . )1(ها هي الدلتايات لقد تركت الدروب، والغابات، وطرق الشاي، والشموس الحمراء، . حوالي شيتاغونغ

إنها تتخذ وجهة دوران العالم، وجهة الشرق، . وهي ترتاد أمامها فتحة الدلتايات إنها تصرخ، . وفي أحد األيام صارت في مواجهة البحر . البعيدة دائما، المحيطة وبسبب الضحك وجدت في شيتاغونغ شفينة شراعية . العجيبةوتضحك بقوقأة الطائر

تجتازه، ورضي الصيادون بأخذها معهم في السفينة، واجتازت برفقتهم خليج .البنغال

.وبدأوا، بدأوا إثر ذلك يشاهدونها قرب المجاري العامة في ضواحي كالكوتا

).مالحظة من المترجم( جمع دلتا (1)

Page 59: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

59

فس هذه ثم عثر عليها مجددا كانت وراء السفارة الفرنسية في ن . ثم فقدت .كانت تنام في روضة، شبعى من غذاء ال متناه. المدينة

مزاجها ضاحك . ثم في نهر الغانج عند بزوغ الصباح . كانت هناك أثناء الليل هنا كانت تأكل، وتنام، هنا الليل هادئ، كانت تظل . وال عادت ترحل . وساخر دائما

.هنا في روضة الدفلى

كنت في السابعة عشرة، إنه الحي .في أحد األيام جئت، ومررت من هناك اإلنكليزي، ورياض السفارات، إنها الرياح الموسمية، ومالعب التنس مقفرة وعلى

.طول نهر الغانج كان المصابون بالجذام يضحكون

وقمنا بزيارة المدينة . كان عطل قد طرأ على السفينة . كنا راسين في كالكوتا .اليورحلنا في مساء اليوم الت. لقضاء الوقت

وهذا . والمسألة تعرف بسرعة في مركز ساديك . خمسة عشر عاما ونصف األم ليس لديها أي إحساس بشيء، وال اإلحساس . اللباس وحده يفصح عن العار

ال تصدقوا، فإن هذه القبعة ليست بريئة، . الطفلة المسكينة . بكيف تربي بنتا صغيرة ما، إنه ليس بريئا، هذا يعني أنه وال أحمر الشفاه هذا، إن هذا كله يعني شيئا

الشقيقان، لصان، ويقال إنه صيني، ابن الملياردير، فيلال . الجتذاب األنظار، والمال وحتى هو، بدال من أن يتشرف، ال يريد . الميكونغ، ذات البالط القيشاني األزرق

.عائلة من اللصوص البيض. ذلك ألجل ابنه

وقد عين زوجها في . من سافانا خيت وكانت قادمة " السيدة"كانت تسمى المدير المساعد . بسبب هذا الشاب . وطوال عغام لم يرها أحد في فينهلونغ . فينهلونغ

ووصل . وحينئذ انتحر بطلقة مسدس . لم يعد يمكنها تبادل الحب . في سافانا خيت يوم رحيله من سافانا خيت نحو فينهلونغ، . النبأ إلى المركز الجديد في فينهلونغ

بسبب بناتها . في ساحة المركز الكبيرة، في غمرة الشمس . ورصاصة في قلبه .الصغيرات وزوجها المعين في فينهلونغ، قالت له إن األمر يجب أن يتوقف

في كل مساء كانت . كان ذلك يحدث في حي شولين السيئ السمعة، كل مساء وكانت أيضا . ذرهذه الفاسدة الصغيرة تذهب لكي يداعب جسدها صيني مليونير ق

Page 60: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

60

في المدرسة الثانوية حيث الفتيات الصغيرات البيض، الرياضيات الصغيرات البيض وفي أحد . اللواتي يتعلمن سباحة الكراول في حوض السباحة بالنادي الرياضي

.األيام، سيصدر إليهن أمر بعدم التحدث مع ابنة مدرسة ساديك

لم . مستندة إلى دعامة السقيفة أثناء الفرصة، كانت تنظر نحو الشارع وحيدة، واستمرت تأتي إلى المدرسة في سيارة صيني شولين . تقل شيئا عن ذلك لوالدتها

ولن . لن يكون هناك أي استثناء . كن ينظرن إليها وهي تذهب . الليموزين السوداء هذه العزلة سببت قيام الذكرى النقية لسيدة . توجه إليها أية تلميذة منهن الكالم

والطفلة كان . كانت قد بلغت، في ذلك الحين، الثالثة والثالثين من العمر . ونغفينهل .ثم اآلن ستة عشر عاما في حين كانت تتذكر. عمرها عشر سنوات حينئذ

السيدة على شرفة غرفتها، كانت تنظر إلى الشوارع على طول نهر الميكونغ، والغرفة هي في . صغيروأنا أراها لدى عودتي من صف التعليم الديني مع أخي ال

وسط قصر كبير ذي شرفات مغطاة، والقصر هو في وسط روضة من أشجار إن نفس الفارق يفصل السيدة والفتاة ذات القبعة المسطحة عن سائر . الدفلى والنخيل وكما أن كلتيهما تنظران إلى الشوارع الطويلة لألنهار، كذلك هما . أناس المركز

كلتاهما قضي . إن مصيبتهما بديهية . ، وحيدتان، ملكتان معزولتان كلتاهما . كائنتانعليهما بزوال الحظوة بفعل هذا الجسد الذي لهما، الذي يعانقه العشاق، وتقبله ثغورهم، وهما مسلمتان إلى عار المتعة حتى الموت، كما تقوالن، حتى هذا الموت

لمشارف على بهذا يتعلق األمر، بهذا المزاج ا . الغامض للعشاق الذين بال حب هذا يصدر عنهما، عن غرفتيهما، هذا الموت القوي جدا بحيث يعرف واقعه . الموت

في المدينة بأسرها، ومراكز الغابات، والقصبات، وحفالت االستقبال، وحفالت .الرقص البطيئة التي تقيمها اإلدارات العامة

عتقد أن األمر كانت السيدة قد استعادت حفالت االستقبال الرسمية هذه، وهي ت قد مضى، وأن الشاب من سافانا خيت قد دخل النسيان، استعادت السيدة إذن سهراتها التي كانت تحرص عليها لكي ترى الناس، بين حين وآخر، ولكي تخرج

Page 61: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

61

بين حين وآخر أيضا من العزلة المخيفة التي تعيشها مراكز الغابات، الضائعة في .، والحميات، والنسيانرحاب حقول األرز، والخوف، والجنون

في المساء، عند الخروج من المدرسة الثانوية، كانت نفس السيارة الليموزين السوداء، ونفس قبعة الوقاحة والطفولة، ونفس الحذاء المذهب، وهي، تمضي، تمضي لتكشف جسدها للملياردير الصيني، وسوف يحممها تحت الدوش، مطوال كما

تها بالماء الطازج بجرة كان يحتفظ بها لها، ثم سوف كانت تفعل كل مساء عند والد يحملها مبللة الجسد إلى السرير، وسيدير المهواة، وسيقبلها أكثر فأكثر في كل مكان وهي ستطلب أكثر فأكثر، وبعد ذلك ستعود إلى المدرسة الداخلية، ال يوجد أحد لكي

.يعاقبها، أو يضربها، أو يشوه وجهها، أو يهينها

كانت . الليل انتحر، في الساحة الكبرى للمركز، المتأللئة بالنور في نهاية ثم، مع مرور الوقت، سحقت الشمس . وقد أحاط بالجسم . ثم حل النهار . ترقصوعند الظهر، بعد . لكن الشرطة ستفعل ذلك . لم يجرؤ أحد على االقتراب . الشكل

.ية تماماوصول زوراق السفر، لن يعود هناك أي شيء، وستكون الساحة خال

ال بأس، هذا كله بال أهمية، هل : لقد قالت والدتي لمديرة المدرسة الداخلية رأيت؟ أرأيت هذه الفساتين الصغيرة البالية، وهذه القبعة الزرقاء، وهذا الحذاء المذهب، كيف تالئمها جيدا؟ الوالدة سكرى من الفرح حين تتكلم عن أوالدها، وحينئذ

لناظرات الصبايا للمدرسة الداخلية يصغين إلى الوالدة في إن ا . يكون سحرها أكبر الجميع، تقول الوالدة، يدورون حولها، جميع رجال المركز، سواء أكانوا . شغف

متزوجين أم ال، يدورون حولها، إنهم يريدون هذه الصغيرة، هذا الشيء غير المحدد كيف : وأنا أقول . الناسعديمة الشرف، يقول . جيدا بعد، انظروا، إنها ما زالت طفلة

تفعل البراءة لكي تفقد الشرف؟

إنها تتكلم عن الدعارة الفاضحة، وتضحك، وعن . وتتكلم الواغلدة، وتتكلم الفضيحة، وعن هذه المسخرة، عن هذه القبعة الشاذة، وعن هذه األناقة السامية لطفلة

في اجتياز النهر، وهي تضحك عن هذا الشيء الذي ال يمكن مقاومته هنا المستعمرات الفرنسية، أنا أقصد، قالت، هذه البشرة لفتاة بيضاء، هذه الطفلة

Page 62: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

62

الصغيرة التي كانت حتى ذلك الحين مختبئة في مراكز الغابات والتي تصل فجأة إلى ضوء النهار، وتعرض نفسها للشبهة في المدينة على مرأى ومسمع الجميع، مع كبار

وفي إصبعها ماسة مثل صاحبة بنك شابة، الرعاع الصيني أصحاب المليارات، .وتبكي

هذا يذكرني بخاتم سوليتير صغير : حين رأت الماسة قالت بصوت ضعيف Monsieur )1("أوبسكور"السيد : قلت. حصلت عليه من خطوبتي من زوجي األول

Obscur .مع ذلك كان هذا اسمه، وهذا صحيح: وقالت. وضحكوا.

ارتسمت على وجهها ابتسامة لطيفة جدا، نظرنا بعضنا إلى بعض مطوال ثم ساخرة قليال، مفعمة بمعرفة عميقة جدا ألوالدها ولما ينتظرهم فيما بعد بحيث كدت

.أحدثها عن شولين

لقد انتظرت طويال قبل أن تحدثني أيضا، ثم . لم أفعل ذلك أبدا . لكنني لم أفعل د انتهى؟ وأنك لن تستطيعي هل تعلمين أن األمر ق : فعلت ذلك، مع كثير من الحب

إنني أستطيع : أبدا أن تتزوجي هنا في المستعمرة؟ هززت كتفي، وضحكت، وقلت هنا كل : وقالت. ال. وأشارت والدتي بأن ال . أن أتزوج في كل مكان، حين أريد هل أنت : ونرت إلي وقالت أشياء ال تنسى . شيء يعرف، هنا لن تستطيعي ذلك

: وهنا قالت . أجل، هذه هي المسألة، إنني أروق لهم رغم ذلك :تروقين لهم؟ أجبت .إنك تروقين لهم أيضا بسبب ما أنت هي

هل فقط ألجل النقود تقابلينه؟ ترددت ثم قلت إن ذلك فقط من : وسألتني أيضا لم أكن أشبهك، لقد : وقالت. ونظرت إلي أيضا مطوال، ولم تكن تصدقني . أجل النقود

عانيته أنت في الدراسة، وأنا كنت جدية كثيرا، وكنت كذلك خالل عانيت أكثر مما .زمن طويل جدا، وإلى زمن متأخر جدا، وقد فقدت طعم لذتي

وكانت ترتاح على كرسي هزاز، قدماها على . كان ذلك يوم عطلة في ساديك كانت . كرسي، وكانت قد أقامت تيارا هوائيا بين بابي الصالون وغرفة المائدة

.وفجأة الحظت صغيرتها، وأحسست برغبة في التحدث إليها. سالمة، غير خبيثةم

(1) Obscur مالحظة من المترجم( غامض في اللغة الفرنسية.(

Page 63: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

63

لم نكن بعيدين عن النهاية، عن التخلي عن أراضي السد، وغير بعيدين عن .كنت أنظر إليها وهي تستسلم إلى النوم. الرحيل نحو فرنسا

كانت . غدا سنذهب إلى المصور : بين حين وآخر كانت أمي تصدر قرارا الصور، كنا . و من السعر لكنها كانت مع ذلك كانت تبذل نفقات صور العائلة تشك

ننظر إليها، لم نكن ننظر إلى أنفسنا، بل إلى الصور الفوتوغرافية، كل صورة على كنا نرى أعضاء . حدة، دون كلمة تعليق، لكننا كنا ننظر إليها، وننظر إلى أنفسنا

نرى أنفسنا مجددا حين كنا صغارا جدا . معينالعائلة اآلخرين واحدا فواحدا أو مجت لقد كبر االنفعال أيضا . على الصور القديمة وننظر إلى أنفسنا على الصور الحديثة

كانت . وبعد النظر إليها، كانت الصور ترتب مع قطع الثياب في الخزائن . بيننانا نكبر بصورة والدتي تدعو اللتقاط صور لنا لكي تتمكن من رؤيتنا، ورؤية ما إذا ك

كانت . كانت تنظر إلينا مطوال مثل نظر أمهات أخريات، إلى أوالد آخرين . طبيعية .ولم يكن يجيبها أحد. تقارن الصور فيما بينها، وتتحدث عن نمو كل ولد

وليست لدي صورة . لم تكن أمي تصور غير أوالدها، وال شيء آخر أبدا و للحديقة، أو للشوارع المستقيمة المحاطة لمدينة فينهلونغ وال أية صورة، للنهر، أ

وال أية صورة، للمنزل، أو لغرفنا . بأشجار النهر الهندي، والتي شقها الفتح الفرنسي المالجئ المطروشة بالكلس مع األسرة الكبيرة الحديدية السوداء والمذهبة، –

المضاءة مثل صفوف المدرسة بلمبات الشوارع المتوهجة وعاكسات النور من الصفيح األخضر، وال أية صورة، أية صورة لهذه األماكن الهائلة، المؤقتة دائما، التي هي في ما وراء كل بشاعة، والصالحة للفرار، والتي كانت والدتي تضعنا فيه، بانتظار أن نستقر حقا، كما كانت تقول، ولكن في فرنسا، في هذه المناطق التي

انت تقوم، وفقا لمزاجها، ولسنها، ولحزنها، ما تحدثت عنها طوال حياتها، والتي ك ـ وحين ستتوقف نهائيا، وتستقر في اللوار، ". اإلنتر دومير "و" بادي كاليه "بين ال

.وستكون هي قد نسيت. فستكونه غرفتها مماثلة تماما لغرفة ساديك، وهي نظيفة

ال لنا، نحن لم تكن تلتقط أبدا صورا لألماكن، وللمناظر الطبيعية، ال شيء إ إن بعض . أوالدها، وفي أكثر األحيان كانت تصفنا معا لكي تكلف الصورة ثمنا أقل

Page 64: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

64

صور الهواة التي التقطها لنا أصدقاء لوالدتي، كانت من قبل زمالء جدد وصلوا إلى المستعمرة، وكانوا يلتقطون صورا للمناظر الطبيعية االستوائية، أشجار جوز الهند

.نيين، لكي يرسلوها إلى عائالتهموالحمالين الصي

لم . وبصورة سرية كانت أمي تطلع عائلتها على صور أوالدها أثناء عطالتها أنا، أنا األصغر سنا، فقد . وشقيقاي لم يعرفاها أبدا . نكن نريد الذهاب إلى هذه العائلة لوكي ثم لم أعد أذهب إليها، ألن خاالتي، بسبب س . كانت تجرني إليها، بادئ ذي بدء

حينئذ لم يبق لدى والدتي سوى الصور . الفاضح، ما عدن يردن أن تقابلني بناتهن لتظهرها، فكانت تظهرها، بصورة منطقية، ومعقولة، وتطلع بنات عمها على

كان من واجبها أن تفعل ذلك، فكانت تفعله، وبنات عمها كن ما بقي من . أوالدهامن هذه . فهل يالحظ شيء ما . ائلةالعائلة، وحينئذ كانت تطلعهن على صور الع

المرأة عبر طريقة الكينونة هذه؟ عبر هذا االستعداد الذي لديها للذهاب إلى نهاية األشياء دون أن تتصور أبدا أنها يمكن أن تتخلى، وأن تترك هناك بنات العم،

دا في بسالة النوع هذه، العبثية، أجد أنا مجد . والجهد، وعمل السخرة؟ أنا أعتقد ذلك .السحر العميق

وحين أصبحت عجوزا، والشعر أبيض، ذهبت أيضا إلى المصور، ذهبت إليه وحدها، وتصورت في فستانها األحمر الغامق الجميل، وحليتيها، سلسلتها العقدية

كان السكان . وبروشها من الذهب واليشب، قطعة صغيرة من اليشب مطعمة بالذهب لمصور، مرة في العمر، حين كانوا يرون أن الموت المحليون هم أيضا يذهبون إلى ا

كانت الصورة، وكانت كلها ذات قطع واحد، وكانت مؤطرة في أطر جميلة . يقتربمذهبة ومعلقة قرب مصلى األسالف، كان جميع األشخاص الذين جرى تصويرهم،

.وقد رأيت كثيرا من صورهم، يقدمون نفس الصورة تقريبا، وكانت تشابههم مذهال وليس ذلك فقط ألن الشيخوخة تتشابه، بل ألن الصور كان يجري تنقيحها، دائما

كانت الوجوه تهيأ . بحيث إن خصوصيات الوجه، إذا ظل شيء منها، كانت تخفف هذا ما . بنفس الكيفية لكي تجابه األبدية، وكانت مضمغة، ومجددا شبابها بشكل واحد

كان عليه أن يكسو ذكرى مرورهم –كتمان هذا ال –هذا التشابه . كان يريده الناس

Page 65: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

65

وكلما كانوا أكثر . عبر العائلة، وأن يشهد، في وقت معا، بفرادة هذه وفعاليتها . تشابها، كان ينبغي أن يكون االنتماء إلى صفوف العائلة أكثر صراحة ووضوحا

ديلة وباإلضافة إلى ذلك، فقد كان لجميع الرجال نفس العمرة، ولجميع النساء نفس ج . الشعر الملتفة في مؤخرة الرأس، وللرجال والنساء نفس الثوب ذو الياقة المستقيمة . كانت لهم جميعا نفس الهيئة، التي ما زال يمكنني التعرف إليها بين جميع الهيئات

وهذه الهيئة التي كانت لوالدتي في الصورة بالفستان األحمر كانت هي هيئتهم، كانت حسب قول البعض، والمنزوية المتواضعة، حسب قول البعض هذه الهيئة النبيلة،

.اآلخرين

وهذا شيء متفق عليه أنه لن يحاول أي . إنهما لم يعودا للكالم عن ذلك أبدا وهو ال يكن . وأن الوالد لن تأخذه أية رحمة بولده . شيء لدى والده لكي يتزوجها

ذين يمسكون بتجارة ومن بين جميع المهاجرين الصينيين ال . رحمة ألي إنسان المركز بأيديهم، فإن مهاجر الشرفات الزرقاء هو األكثر فظاعة، واألكثر غنى، والذي تمتد ممتلكاته إلى أبعد مكان وراء ساديك، حتى شولين، العاصمة الصينية

إن رجل شولين يعرف أن قرار والده وقرار الولد هما شيء . للهند الصينية الفرنسية وبدرجة أقل بدأ يفهم أن الرحيل الذي سيفصله عنها هو . ة عنهما واحد، وأنه ال رجع

وأن هذه الفتاة ليست من النوع الالزم لتزويجه، وأنها ستفر من كل . فرصة قصتهما .زواج، وأنه سينبغي التخلي عنها، وإعادتها إلى البيض، إلى أشقائها

ي من كون هذا منذ أن أصبح مجنونا بهذا الجسد، لم تعد البنت الصغيرة تعان الجسد لها، من نحوله، وكذلك، في نفس الوقت، لم تعد والدتها تحس بالقلق لذلك كما كانت تقلق قبال، تماما كما لو ألنها اكتشفت هي أيضا أن هذا الجسد هو في النهاية

وهو، عشيق شولين، يعتقد أن نمو . محتمل ومعقول، ومقبول، مثل أي جسد آخر هو أيضا ولد وترعرع في هذه . عانى من الحرارة القوية جدا البيضاء الصغيرة قد

وهو يقول إن جميع هذه األعوام . وقد اكتشف أن لديه مع الفتاة هذه القرابة . الحرارةالتي قضتها هنا، في هذا المناخ الذي ال يطاق، قد جعلت منها، أي الفتاة، قد

ا دقة معاصمهن، وشعرهن أصبحت شابة من هذا البلد في الهند الصينية، وأن له

Page 66: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

66

الكثيف، التي أخذت عنهن كل قوته، وهو طويل كشعرهن، وعلى األخص هذه البشرة، بشرة الجسد كله هذه اآلتية من مياه المطر التي يحتفظ بها هنا الستحمام

ويقول إن نساء فرنسا، بالنسبة للنساء هنا، لديهن بشرة جسد . النساء، واألطفال ويقول أيضا إن غذاء المناطق االستوائية الفقير، المكون . ةقاسية جدا، وشبه خشن

وكذلك القطنيات والحرائر التي . من أسماك وفواكه، له بعض التأثير في هذه المسألة تصنع منها المالبس، هذه المالبس الواسعة دائما، تترك الجسم بعيدا عنها، حرا،

.وعاريا

إن المتعة . ء الصغيرة حتى الضياع إن عشيق قد اعتاد على المراهقة البيضا . وهو لم يعد يكلمها تقريبا . وحياته. التي يستمدها منها كل مساء قد مألت وقته

وربما هو يعتقد أنها لن تفهم منا سيقوله لها عنها، عن هذا الحب الذي لم يكن يعرفه الكالم وربما سوف يكتشف أنهما لم يتبادال . بعد، والذي ال يعرف أن يقول عنه شيئا

نعم، أنا أعتقد أنه لم . بعد أبدا، باستثناء حين يتبادالن النداء في صيحات الغرفة مساء .يكن يعلم، إنه يكتشف أنه لم يكن يعلم

إنه . إنه يتنفس وجهها . ينظر إليها أيضا وعيناه مغمضتان . إنه ينظر إليها إنه . اخن الصادر عنها يتنفس الطفلة، وعيناه مغمضتان يتنفس تنفسها، هذا الهواء الس

يتميز بوضوح أقل فأقل حدود هذا الجسد، هذا الجسد ليس كاألجساد األخرى إنه غير منته، في الغرفة ما زال يكبر، إنه ما زال بدون أشكال محددة، وفي كل لحظة هو آخذ في التكون، إنه ليس فقط حيثما يراه، بل هو في مكان آخر أيضا، إنه يمتد

نظر، نحو اللعب، نحو الموت، إنه مرن، إنه يذهب بكليته في المتعة إلى ما وراء ال .وكأنه كبير، في السن، إنه بدون خبث، وذو ذكاء مخيف

كنت أنظر إلى ما يفعله بي، وكيف يستعملني، ولم أكن قد فكرت أبدا في أن ذلك يمكن أن يحدث على هذا النحو، كان يمضي إلى ما وراء أملي، وطبقا لمصير

وقد بدأت . وقد أصبح شيئا آخر أيضا بالنسبة لي . وهكذا أصبحت ولده . يجسدأتعرف إلى اللطف الذي ال يمكن التعبير عنه، لطف بشرته وقضيبه، في ما وراء

إن شبح رجل آخر كان ينبغي أن يمر بالغرفة، شبح قاتل شاب، لكنني لم أكن . ذاته

Page 67: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

67

وشبح صياد شاب . م عيني أعرف ذلك بعد، لم يكن شيء من ذلك يظهر بعد أما أيضا، كان ينبغي أن يمر بالغرفة، ولكن بالنسبة لهذا الشبح، نعم، كنت أعرف ذلك، إذ كان حاضرا أحيانا في المتعة، وكنت أقول ذلك له، لعشيق شولين، كنت أحدثه عن جسده وعن جنسه أيضا، عن لطفه الذي ال يوصف، وعن شجاعته في الغابة،

كان كل شيء يالئم رغبته ويدعوه . ت المصبات والفهود السوداء وعلى األنهار ذا وأحيانا . مع ولده كان يمارس الحب كل مساء . إلى امتالكي، كنت قد أصبحت ولده

كان يصيبه الخوف، فجأة يحس بالقلق على صحته وكأنه يكتشف أنها قابلة للموت فجأة، وهو يصاب بالخوف وأنها رقيقة جدا، . وأن فكرة تجتازه بأنه يمكن أن يفقدها

ومن وجع الرأس هذا، الذي كثيرا ما كان يجعلها . أحيانا، بصورة مباغتة، فجة ومن هذا القرف . كالميتة، شاحبة، ساكنة بال حراك، وعصابة رطبة على العينين

الذي تحس به أحيانا من الحياة، حين يسيطر عليها، وتفكر في أمها، وأنها تصرخ لدى تفكيرها في أنها ال تستطيع تغيير األمور، وجعل األم سعيدة بغتة وتبكي غضبا

كان وجهه مقابل وجهها وهو يأخذ . قبل أن تموت، وقتل الذين سببوا هذا السوء .بكاءها، ويسحقه مقابل جسمه، مجنونا برغبة دموعها وبغضبها

إنه .كان سيمتلك ولده على نفس النحو . كان يمتلكها كما يمكن أن يمتلك ولده وهي، هي تواصل االستسالم . يلهو بجسد ولده، يقلبه، ويغطي وجهه وفمه وعينيه

ودفعة واحدة هي التي تتوسل إليه، . في االتجاه المضبوط الذي اتخذه حين بدأ يلهو ال تقول لماذا، وهو يصرخ بها أن تصمت، يصرخ بأنه لم يعد يريدها، وأنه لم يعد

دا متآخذان فيما بينهما، متحاجزان فيما بينهما في يريد أن يتمتع بها، وها هما مجد الرعب، وها هو هذا الرعب ينحل أيضا، ويستسلمان له أيضا، في الدموع واليأس،

.والسعادة

وفي السيارة السوداء التي كانت تعيدها إلى . كانا يلزمان الصمت طوال المساء ل لها إنه لشيء جيد أن وقا. المدرسة الداخلية، وضعت رأسها على كتفه، وعانقها

. وتأخذها، وتفصل بينهما، وصمتا أثناء المسار . السفينة ستأتي عما قريب من فرنسا

Page 68: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

68

كانت تغفو، . وأحيانا كان يطلب إلى السائق أن يمضي على طول النهر للقيام بجولة .منهكة، متكئة عليه، وكان يوقظها بقبالت

وكان يشعل دائما شيء من وهناك رائحة بخور، . النور أزرق في عنبر النوم الحرارة راكدة، والنوافذ كلها مفتوحة على مصاريعها، وال . البخور عند المغيب

خلعت حذائي لكي ال أحدث ضجة، لكنني كنت مطمئنة، . توجد نسمة هواء واحدة فأنا أعرف أن الناظرة لن تنهض، وأنه أصبح مقبوال اآلن أن أعود ليال في الساعة

هبت فورا لكي أنظر إلى مكان هيلين الغونيل، دائما بشيء من القلق، وذ. التي أشاء لكنها كانت في . ودائما أخاف من أن تكون قد فرت من المدرسة الداخلية أثناء النهار

ـ . المرقد نومة . وما زلت أتذكر نومة لها عنيدة، شبه عدائية . ل.إنها تنام جيدا، هولم يكن جسمها راقدا . برأسها، مرخيتين كانت ذراعاها العاريتان تحيطان . رفض

بصورة مالئمة مثل جسم سائر الفتيات، كانت ساقاها مطويتين، ولم يكن يرى، وقد وحزرت أنها ال بد انتظرتني ثم نامت على هذا النحو، في نفاد . انزلقت وسادتها

كثيرا كنت أتمنى . وال بد أنها بكت أيضا ثم سقطت في الهاوية . الصبر وفي الغضب إنني لم أعد أتحدث مع رجل شولين، وهو . إيقاظها وأن نتحدث معا بصوت منخفض

ـ إن لديها هذا االنتباه الذي ال . ل.لم يعد يتحدث معي، وكنت بحاجة لسماع أسئلة هولكن ليس من الممكن أن . يضاهى، انتباه األشخاص الذين ال يسمعون ما يقال

ـ . أوقظها على هذا النحو، في إبان الليل، فإنها ال تستطيع مرة .ل.فإذا ما أوقظت هإنها تنهض، وترغب في الخروج، وتفعل ذلك، وتهبط على . النوم بعد ذلك، مجددا

الساللم، وتذهب إلى األروقة، وإلى الباحات الكبيرة الخالية، إنها تركض، وتناديني ، يعرف أنها وهي سعيدة جدا، وال يمكن فعل شيء ضد هذا، وحين تحرم من النزهة

تحت الناموسية كانت الحرارة خانقة، . وترددت، ثم ال، لم أوقظها . هي التي تنتظرها لكنني أعرف أنني أحس . وحين تقفل الناموسية، يبدو أنه ال يمكن تحمل الحرارة

بتلك الحرارة الشديدة ألنني قادمة من الخارج، من ضفاف النهر حيث الطقس ندي إنني ال . ويمضي. معتادة، ال أتحرك، وأنتظر أن يمضي الحر إنني . دائما في الليل

إنني أفكر في . أغفو أبدا على النور بالرغم من حاالت التعب هذه الجديدة في حياتي

Page 69: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

69

، مع سائقه، وال بد أنهما "الينبوع"ال بد أنه في حانة ليلية في جهة . رجل شولين أو أنه قد عاد، . منفردني يشربان الخمرة في صمت، إنها كحول األرز حين يكونان

هذا المساء ما عدت أستطيع تحمل . ونام في ضوء الغرفة، دائما دون أن يكلم أحدا ويبدو أن . ل.هـوما عدت أستطيع أن أتحمل التفكير في . التفكير في رجل شولين

. ويبدو أنه ليس لدي شيء مماثل . حياتهما مفعمة، وأن هذا يأتيهما من خارج ذاتيهما . وأعتقد أن حياتي قد بدأت تظهر لي ". هذه لن ترضى أبدا عن شيء : " األم وقالت

. أعتقد أنني أصبحت أعرف أن أقول ذلك لنفسي، إن لدي رغبة غامضة في الموت أعتقد أن لدي رغبة غامضة في أن أكون . هذه الكلمة، أنا لم أعد أفصلها عن حياتي

ذ أن تركت الطفولة، وعائلة منفردة، كما أنني أالحظ أنني ما عدت منفردة من اللحظة، في الصحراء الكبرى تحت ... هذا ما أراه وراء . سوف أكتب كتبا . الصياد

.السمات التي يظهر لي فيها امتداد حياتي

وما إذا كان قد قبل فيها إن . ما عدت أعرف ماذا كانت كلمات برقية سايغون .استدعي إلى اهللا: أخي الصغير قد توفي أو أنه قيل

. األخ الصغير . ليست هي التي أمكنها أن ترسل البرقية : واخترقتني البداهة في البدء هذا غير مفهوم، ثم، فجأة، من كل مكان، من أعماق العالم، يصل . مات

األلم، لقد غطاني، وحملني، لم أعد أتعرف إلى شيء، ولم أعد موجودة باستثناء لم ألنني فقدت طفال قبل ذلك ببضعة األلم، الذي ما كنت أعرف أيها ألم، هل هو األ

واآلن أعتقد أن هذا ألم جديد، فولدي الذي . شهور وهو ألم يعود، أو أنه ألم جديد .ولم أرد أن أقتل نفسي كما كنت أريد حينئذ. مات عند والدته لم أعرفه أبدا

. إن الخطأ الذي ارتكب، خالل بضع ثوان، شمل الكون بأسره . لقد حدث خطأ لقد أخفي . كان أخي الصغير خالدا، وهو لم ير . ضيحة على قياس اهللا كانت الف

الخلود في جسم هذا األخ حين كان عائشا، ونحن لم نر أن في هذا الجسم قد سكن وهكذا كان يسير العالم اآلن، . وقد مات الخلود معه . كان جسم أخي قد مات . الخلود

وشمل الخطأ . لقد كان خطأ كلي . رةمحروما من هذا الجسم المزار، ومن هذه الزيا .الكون بأسره، الفضيحة

Page 70: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

70

إن . وبه. منذ ان مات، هو، األخ الصغير، كان ينبغي أن يموت كل شيء .الموت، المسلسل، كان ينطلق منه، الولد

إن الجسم الميت للولد، هو، لم يكن يحس بشيء من هذه األحداث التي كان هو أخي –سبعة وعشرين عاما من حياته، لم يكن إن الخلود الذي آواه خالل . سببها

. يعرف اسمه–الصغير

البسيطة . ومنذ أن وصلت إلى هذه المعرفة . لم يكن أحد يرى بوضوح سواي وقد . جدا، وهي أن جسم أخي الصغير كان جسمي أنا أيضا، كان علي أن أموت

.لقد ضمني أخي الصغير إليه، شدني إليه، ومت. مت

وإبالغهم بأن الخلود قابل للموت، وأنه . إلى هذه األشياء يجب تنبيه الناس وأن الخلود ال يظهر . وأن هذا قد حدث، وأن هذا يحدث أيضا . يمكن أن يموت

وأنه غير موجود في التفصيل ولكن فقد . بصفته هذه، أبدا، وأنه االزدواجية المطلقة رط أن يجهلوا قيامهم وأن أشخاصا معينين يمكن أن يبطنوا وجوده، بش . في المبدأ

كما أن أشخاصا معينين آخرين يمكن أن يتبنوا وجود الخلود عند أولئك . بذلكوأن الحياة هي خالدة أثناء . األشخاص، بنفس الشرط، وهو أن يجهلوا قدرته

وأن الخلود ليس مسألة زمن أكثر أو أقل، وليس . معيشتها، في حين ما تزال حية وأن من الخطأ أيضا القول إن . يء آخر يظل مجهوال مسألة خلود، بل هو مسألة ش

الخلود بال بداية وال نهاية مثل القول إنه يبدأ وينتهي مع حياة الروح بما أنه يشارك انظروا إلى رمال الصحاري الميتة، وجسم األطفال . في الروح وفي متابعة الرياح

.إن الخلود ال يمر من هنا، إنه يتوقف، ويدور: الميت

سبة لألخ الصغير تعلق األمر بخلود بدون نقص، بدون أسطورة، بدون بالنلم يكن لدى األخ الصغير ما يهتف به في . حادث، خلود نقي، ذو مدى واحد

كان بال . الصحراء، لم يكن لديه ما يقوله، في مكان آخر أو هنا بالذات، ال شيء كن يعرف الكالم، وال لم ي . تعليم، وهو لم يتوصل أبدا إلى أن يتعلم أي شيء كان أنه ال ) بضم الياء وفتح القاف (القراءة، وبالكاد كان يعرف الكتابة، وأحيانا كان يعتقد

.كان شخصا ال يفهم، وكان يحس بالخوف. يعرف حتى أن يتألم

Page 71: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

71

. هذا الحب غير المعقول الذي أكنه له يظل بالنسبة لي سرا ال يسبر غوره كنت . إلى هذه الدرجة بحيث أردت ان أموت لموته ولست أعرف لماذا كنت أحبه

كنت . منفصلة عنه منذ عشر سنوات حين حدث ذلك، وما كنت أفكر فيه إال نادرا لقد نسيت . أحبه، كما يبدو، إلى األبد، وال شيئا جديدا كان يمكن أن يحدث لهذا الحب

.الموت

األكبر، وعن شقائنا، وعن كنا نتكلم قليال معا، كنا نتكلم قليال جدا عن األخ كنا نتحدث باألصح عن الصيد، وعن القربينات، وعن . شقاء األم، وعن شقاء السهل

كان يغضب بسبب السيارة المحطمة، وكان يروي لي، . الميكانيك، والسيارات كنت أعرف جميع ماركات . ويصف لي السيارة الرديئة التي ستكون له فيما بعد

وكنا نتحدث أيضا، بالتأكيد، عن إمكان أن . ات السيارات بنادق الصيد وجميع مارك كان أكبر مني . تفترسنا النمور إذا لم ننتبه، أو أن نغرق إذا ظلننا نسبح في التيارات

.بعامين

كانت . هدأت الريح وانتشر تحت األشجار النور الخارق الذي يتلو المطر على الهواء البارد، وهي الطيور تصيح بكل قواها، إنها مجنونة، تشحذ مناقيرها

.تجعلها ترن بكل امتدادها بصورة تصم اآلذان تقريبا

– أي البواخر –كانت البواخر تصعد نهر سايغون، ومحركاتها متوقفة، تجرها سفن جر، حتى المنشآت المرفئية التي كانت موجودة في منعطف نهر الميكونغ، هذا

هذا الرافد من روافد . لمنعطفهذا ا . المنعطف الذي هو على ارتفاع سايغون وطوال ما . كانت مدة رسو البواخر ثمانية أيام . الميكونغ، يسمى النهر، نهر سايغون

كان يمكن الذهاب لتناول الغداء . تكون السفن في المرفأ، تكون فرنسا موجودة هناك في فرنسا والرقص فيها، وكان ذلك غاليا جدا بالنسبة لوالدتي، أضف إلى ذلك أن األمر بالنسبة لها لم يكن يستحق االهتمام، ولكن معه، عشيق شولي، كان يمكن

ولم يكن يذهب إلى هناك ألنه كان يخاف أن يرى مع البيضاء . الذهاب إلى هناك في ذلك العهد، ولم يكن . الصغيرة الفتية جدا، لم يكن يقول ذلك لكنها كانت تعرف

ذ خمسين عاما، لم يكن هناك سوى السفن ذلك منذ زمن بعيد جدا، على األكثر من

Page 72: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

72

كانت أقسام كبيرة من القارات ما تزال بدون . للذهاب إلى كل مكان في العالم وعلى مئات، على آالف الكيلومترات المربعة لم يكن . طرقات، وبدون سكك حديدية

المساجيري "كانت البواخر الجميلة لشركة . يوجد سوى دروب ما قبل التاريخ فرسان الخط البحري، البورتوس والدارتانيان واألراميس، هي التي كانت ،"مريتيم

.تصل الهند الصينية بفرنسا

وكانت بواخر الخطوط . هذه الرحلة كانت تستغرق أربعا وعشرين يوما البحرية قد أصبحت مدنا، ذات شوارع، وبارات، ومقاه، ومكتبات، وصالونات،

وكانت مجتمعات مصادفة . ، وحاالت موت وعشاق، وحفالت زفاف . وفيها لقاءات تنشأ، وكانت ملزمة، وكان هذا معلوما، ولم يكن ينسى، وعلى هذا األساس كانت

كانت هذه هي رحالت . تصبح صالحة للحياة، بل وأحيانا ال تنسى لفرط متعتها وبالنسبة لكثيرات منهن على األخص ولكن بالنسبة لبعض الرجال . النساء الوحيدة

وبالنسبة . أحيانا، ظلت الرحالت للذهاب إلى المستعمرة المغامرة الحقيقي للمشروع ".أفضل ما في حياتها"للوالدة كانت دائما، مع طفولتنا الصغيرة، ما كانت تسميه

كانت دائما تلك هي أولى . كانت دائما نفس عمليات الرحيل . عمليات الرحيل ن األرض قد حدث دائما في األلم وبنفس إن االنفصال ع . الرحالت على البحار

اليأس، لكن هذا لم يمنع الناس أبدا من الرحيل، اليهود ورجال الفكر والمسافرون األنقياء في الرحلة الوحيدة على البحر، وهذا لم يمنع كذلك أبدا النساء من تركهم

قط الرأس، يرحلون، هن اللواتي كن ال يرحلن أبدا، واللواتي كن يبقين ليحفظن مس طوال عصور جعلت السفن الرحالت أكثر . والجنس، واألمالك، وعلة كيان العودة

وكانت مدة السفر تغطي طول . بطئا، وأكثر مأساوية أيضا مما هي في أيامنا كان الناس قد اعتادوا على هذه السرعات البشرية البطيئة . المسافة بصورة طبيعية

لتأخرات، على هذه االنتظارات للريح، على على األرض وعلى البحر، على هذه ا إن البواخر التي . انفراجات الصحو، وحوادث غرق السفن، وعلى الشمس، والموت وكان ذلك أثناء . عرفتها البيضاء الصغيرة كانت بين آخر سفن البريد في العالم

Page 73: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

73

صباها في الواقع حين أقيمت خطوط الطيران األولى، والتي قدر لها أن تحرم .ية من الرحالت عبر البحارالبشر

وكان يفعل كالعادة، وطوال . كنا نذهب كل يوم إلى عش العزوبية في شولين كان . وقت معين كان يفعل كالعادة، وكان يحممني بماء الجرار ويحملني إلى السرير

وحين . يقترب مني، ويتمدد هو أيضا، لكنه أصبح بدون أية قوة، وبدون أية قدرة الرحيل، ولو كان بعد بعيدا، لم يعد يستطيع أن يفعل شيئا جرى تحديد تاريخ

لم يعد جسده يريد هذه التي سترحل، . حدث هذا بغتة، دون أن يدري . بجسديما عدت أستطيع امتالكك، كنت أعتقد أنني ما زلت أستطيع، : كان يقول . وتخون

ر لطيفة جدا، كانت لديه ابتسامة اعتذا . كان يقول إنه مات . لكنني ما عدت أستطيع كان . وكنت أسأله ما إذا كان قد أراد ذلك . وكان يقول إن ذلك ربما لن يعود أبدا

لقد بقي لطفه كامال . لست أدري، في هذه اللحظة ربما نعم : يضحك تقريبا، ويقول أحيانا كان . لم يكن يتحدث عن هذا األلم، ولم يقل عنه أبدا كلمة واحدة . في األلم

لكنه كان يلزم الصمت دائما حيال . كان يغمض عينيه ويصر بأسنانه وجهه يرتجف، كان يبدو وكأنه يحب هذا األلم، أنه . الصور التي كان يراها وراء عينيه المغمضتين

. يحبه كما أحبني، بقوة كبيرة، حتى الموت ربما، وأنه اآلن يفضل هذا األلم علي عرف أنني أرغب كثيرا في ذلك وإنه أحيانا كان يقول إنه يريد أن يداعبني ألنه ي

كان يفعل ذلك، وينظر إلي في الوقت نفسه، . يريد أن ينظر إلي عند حدوث المتعة لقد قررنا أن ال نتقابل بعد، لكن هذا لم يكن ممكنا، وما كان له . ويناديني مثل ولده

سيارته وفي كل مساء كنت اجده من جديد أمام المدرسة الثانوية في . أن يكون ممكنا .السوداء الكبيرة، الفتا رأسه من الخجل

حين اقتربت ساعة الرحيل، أطلقت الباخرة ثالث صفرات من صفاراتها، طويلة جدا، بقوة هائلة، وكانت هذه الصفرات تسمع في جميع أنحاء المدينة، وفي

وأخذت زوارق الجر تقترب حينئذ من . ناحية المرفأ كانت السماء تصبح سوداء وحين تم ذلك، أرخت زوارق الجر . خرة، ثم جرتها نحو المجرى الرئيسي للنهر البا

وحينئذ كانت السفينة تقول وداعا مرة أخرى، وتطلق . قلوسها وعادت نحو المرفأ

Page 74: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

74

من جديد جئيرها الفظيع والحزين بصورة غامضة جدا، والتي كانت تدفع الناس إلى ينفصلون بعضهم عن بعض، بل أيضا البكاء، ليس فقط المسافرين، والذين كانوا

الذين جاؤوا للتفرج أيضا، والذين كانوا هناك بدون سبب محدد، والذين لم يكن لديهم وكانت الباخرة، إثر ذلك، وببطء شديد، تشق طريقها في النهر، . من يفكرون به كان قد بقي ناس . ومطوال ظل يرى شكلها العالي يتقدم نحو البحر . بقواها الخاصة

كثيرون هناك ينظرون إليها، ويقومون بإشارات متباطئة أكثر فأكثر، محبطة أكثر . ثم، في النهاية، أخفت األرض بانحنائها شكل الباخرة . فأكثر، بأوشحتهم، ومناديلهم

.كانت ترى وهي تغرق ببطء. وفي الطقس الصافي

ول، هي أيضا بكت، حين أطلقت الباخرة وداعها األول، حين رفع جسر النز فعلت ذلك دون إظهار، . وحين بدأت زوارق الجر تجر الباخرة، وتبعدها عن البر

. دموعها، ألنه كان صينيا وألنه ما كان ينبغي أن يبكى على هذا النوع من العشاق دون أن تظهر لوالدتها وألخيها الصغير أنها متألمة، ودون أن تظهر أي شيء، كما

المساجيري " بعيدة قليال عن مرآب سيارات شركة كانت سيارته . كانت العادة بينهم كان هو، في الخلف، هذا الشكل . لقد تعرفت إليه بهذه العالئم . ، منعزلة "مريتيم

كانت تستند . المرئي بصعوبة، الذي لم يكن يقوم بأية حركة، بل كان مصعوقا م بأنه ينظر كانت تعل . بمرفقها إلى درابزين السفينة مثل المرة األولى على المعدية

وكانت تنظر إليه هي أيضا، لم تعد تراه لكنها كانت ما تزال تتطلع إلى شكل . إليها .وامحى المرفأ ثم األرض. ثم في النهاية لم تعد تراها. السيارة السوداء

كان بحر الصين، فالبحر األحمر، فالمحيط الهندي، فقناة السويس، في الصياح قضي، كنا نعرف ذلك لعدم وجود ارتجاجات، كنا نتقدم كنا نستيقظ فنجد أن األمر قد

كان هو األبعد، واألوسع، كان . ولكن قبل كل شيء كان ذلك المحيط . وسط الرمال يالمس القطب الجنوبي، ذلك المحيط كان األطول بين المحطات، بين سيالن

، ولطيفا في بعض األحيان كان هادئا جدا، وكان الطقس نقيا جدا أيضا . والصومالجدا، بحيث إن األمر كان يتعلق، لدى اجتيازه، برحلة أخرى، غير الرحلة عبر

Page 75: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

75

حينئذ كانت الباخرة كلها تنفتح، الصالونات، والممرات بين غرف السفينة، . البحر .كان الركاب يهربون من غرفهم المحرقة ويرقدون على الجير. والكوى

لمحيط، في ساعة متاخرة من الليل، أثناء إحدى الرحالت، وخالل اجتياز هذا ا إنها لم تعد تعرف جيدا ما إذا كان ذلك قد حدث أثناء تلك . كان شخص قد مات

كان هناك أشخاص يلعبون الورق في صالون . الرحلة أو أثناء رحلة أخرى الدرجات األولى، ومن بين هؤالء الالعبين كان شاب، وفي لحظة معينة، وضع هذا

أن يتلفظ بكلمة، وخرج من البار، واجتاز الجسر راكضا وألقى دون. الشاب أوراقه وريثما أوقفت الباخرة التي كانت منطلقة بأقصى سرعتها، ضاعت . بنفسه في البحر

.الجثة

كال، إنها لدى كتابة ذلك، ال ترى السفينة بل مكانا آخر، هو المكان الذي كانت . بن مدير ساديك كان ذلك هو ا . كان هو ساديك . سمعت فيه رواية القصة

إنها تتذكر، كان طويل القامة . تعرفه، كان هو أيضا في المدرسة الثانوية بسايغون ولم يعثروا . جدا، والوجه لطيف جدا، كان أسمر، يلبس نظارتين من العظم الرقيق

بقي العمر في الذاكرة، . على أي شيء في غرفته بالسفينة، وال على أية رسالة . وتابعت الباخرة سيرها عند الفجر . س العمر، سبعة عشر عاما مرعبا، هو نف

شروق الشمس، والبحر خالي، والقرار بالتخلي عن . كانأكثر األشياء رهبة هو هذا .االنفصال. األبحاث

وفي مرة أخرى، كان ذلك أيضا خالل نفس هذه الرحلة، أثناء عبور نفس هذا ي الصالون الكبير على جسر السفينة المحيط، وكان الليل أيضا قد بدأ، وحدث ف

الرئيسي انفجار ألحان فالس لشوبان كانت تعرفها بصورة سرية وحميمة ألنها حاولت أن تتعلمها طوال شهور، وهي تتوصل إلى عزفها بصورة صحيحة، أبدا،

تلك الليلة، . وهذا ما جعل أمها إثر ذلك تقبل بأن تترك هي، أي الفتاة، دروس البيانو هي الضائعة بين الليالي والليالي، متأكدة من ذلك، قد قضتها بالضبط على كانت،

هذه الباخرة وكانت هناك حين حدث هذا الشيء، هذا االنفجار لموسيقى شوبان تحت لم تكن هناك نسمة من الهواء، وانتشرت الموسيقى في كل . السماء المضادة بالتألقات

Page 76: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

76

لسماء ال يعرف بأي شيء تتصل، مثل أمر مكان في الباخرة السوداء مثل إيعاز من ا ونهضت الفتاة كأنما لتذهب بدورها لالنتحار، وإلقاء نفسها . من اهللا مضمونه مجهول

بدورها في البحر، وبعدئذ بكت ألنها فكرت في رجل شولين ذاك ولم تكن متأكدة ل، كضياع السماء في الرم . فجأة بأنها لم تحبه حبا لم تره ألنه ضاع في التاريخ

.وألنها تجده مجددا اآلن في لحظة الموسيقى الملقاة عبر البحر

.كما فيما بعد أبدية األخ الصغير عبر الموت

حولها كان الناس راقدين، تغطيهم الموسيقى لكنها ال توقظهم، كانوا مطمئنين كانت الفتاة تعتقد أنها قد رأت الليلة األكثر هدوءا التي حصلت في المحيط . هادئين

وهي تعتقد أنها أثناء تلك الليلة أيضا رأت أخاها الصغير يصل إلى الجسر . لهادياواختبأت . واستند بمرفقه إلى الدرابزين، وعانقته المرأة وتبادال القبالت . مع امرأة

وكانت هذه تالزم األخ الصغير . لقد عرفت المرأة . الفتاة لكي ترى بصورة أفضل وبدا أن الزوج لم يكن يالحظ . لكن زوجها كان ميتا . كانت امرأة متزوجة . باستمراروخالل األيام األخيرة من الرحلة كان األخ الصغير وهذه المرأة يبقيان . أي شيء

وخالل هذه األيام نفسها كان . طوال النهار في الغرفة، وال يخرجان إال في المساء حت األم نفورة، وقد أصب . األخ الصغير ينظر إلى أمه وشقيقته وكأنه ال يعرفهما

كانت سعيدة، كما تعتقد، وفي . أما هي، الصغيرة، فكانت تبكي . صامتة، وغيورة واعتقدت أنه سيتركهم، . الوقت نفسه كانت خائفة مما سيحدث فيما بعد لألخ الصغير

.وأنه سيرحل مع هذه المرأة، ولكن ال، فقد عاد إليهم حين وصلوا إلى فرنسا

هل نفذ العاشق . الوقت على رحيل الفتاة البيضاء إنها ال تعرف بعد كم مر من أمر والده، حين قام بهذا الزواج الذي أمره أبوه القيام به مع الفتاة التي كانت قد عينتها العائلتان منذ عشر سنوات، والمكسوة هي أيضا بالذهب، وبقطع الماس

ين، جاءت شو-كانت صينية هي أيضا منشؤها من الشمال، من مدين فو . واليشب .ترافقها العائلة

ال بد أنه ظل ظمنا طويال ال يستطيع معاشرتها، وال يتوصل إلعطائها وريثا ال بد أن ذكرى البيضاء الصغيرة ما زال هنا، راقدا، الجسد، هنا، عبر . للقروات

Page 77: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

77

وال بد أنها ظلت زمنا طويال سيدة رغبته، ومرجعه الشخصي لالنفعال، . السريرثم حل اليوم حيث . شاسع، وللعمل الجسدي الشهواني القاتم والرهيب وللحنان ال

أصبح ذلك ممكنا بالضبط حين أصبحت الرغبة في البيضاء شديدة وال تطاق إلى حد أنه كان يستطيع أن يجد صورتها كاملة مثل حمى كبيرة وقوية تخترق المرأة

د نفسه باألكذوبة، في داخل ال بد أنه استعا. األخرى برغبته فيها، هي الطفلة البيضاء هذه المرأة، باألكذوبة، استطاع أن يفعل ما كانت تنتظره منه العائالت، والسماء،

.وهو وريث االسم: واألسالف الشماليون

كانت لها خادمات مولودات . لعلها كانت تعرف بوجود الفتاة الصغيرة البيضاء وال بد . لها أن تجهل عذابها وما كان . في ساديك يعرفن القصى وال بد أنهن تكلمن

فهل رأت الزوجة الصينية . أنهما كانتا من نفس السن كلتاهما، في السادسة عشرة الشابة زوجها يبكي في تلك الليلة؟ وهل هي، لدى رؤيتها ذلك، قد عزته وهدأت من روعه؟ وهل أن فتاة صغيرة في السادسة عشرة، خطيبة صينية في الثالثينات كانت

ورة الئقة، أن تعزي هذا النوع من األلم الزاني الذي كان يحدث على تستطيع، بص حسابها؟ من يدري؟ لعلها مخطئة، وربما كانت قد بكت معه، دون كالم، طوال

.ثم بعد ذلك جاء الحب، بعد نوبات البكاء. الليل

.وهي، الفتاة الصغيرة البيضاء، لم تعرف أبدا أي شيء من هذه األحداث

الحرب، بعد عمليات الزواج، واألوالد، والطالق، والكتب، وبعد سنوات من هذا أنا، وقد عرفته منذ سمعت . واتصل بها هاتفيا . جاء مع زوجته إلى باريس

كان قد . هذه أنا، مرحبا : وقال هي . لقد أردت فقط أن أسمع صوتك : صوته، وقال ومع االرتجاف، . وأخذ صوته يرتجف فجأة . أصابه الخجل، وكان خائفا مثله قبال

كان يعرف أنها بدأت تكتب كتبا، وقد عرف ذلك . فجأة، عرفت مجددا لهجة الصين وتحدث أيضا عن األخ الصغير، . من الوالدة التي كان قد رآها مجددا في سايغون

قال لها إن . ثم قاله لها . ثم لم يعد يعرف ما يقول لها . وقال إنه حزين من أجلها بال، وإنه ما زال يحبها، وإنه لن يستطيع أبدا التوقف عن حبها، األمر هو كما كان ق

.وإنه سيحبها حتى الموت

Page 78: رواية العاشق ،لمارغريت دورا

78

باريس– شاتو – لو –نوفل

1984 أيار –شباط

- انتهى -