اش خـد زيـاد) اقَ ي السِ يانةِ خ وصُ صُ ن( اجه تعبم الصفي وقصة إنت الكر التربويالتطويلبحث و ان ل مركز القط ان سن القطسة عبد ا مؤس فلسطله رام ال2009

أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

Embed Size (px)

DESCRIPTION

أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

Citation preview

Page 1: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

اش زيـاد خـد

ياق( )نصوص يف خيانة الس

الكالم الصفي وقصة إنتاجه تعبريا

ان للبحث والتطوير التربوي مركز القطان مؤسسة عبد احملسن القطرام الله – فلسطني2009

Page 2: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

عنوان الكتاب: ياق خطائنا النضرة .. نصوص في خيانة الس أوقات جميلة أل

اش تأليف: زياد خدالة مراجعة لغوية: عبد الرحمن أبو شم

Book Title: Delightful Rushes of Zesty Blunders: The Duplicity of Context

Author: Ziad Khaddash

الناشر:ان مؤسسة عبد احملسن القط

ان للبحث والتطوير التربوي مركز القطرام الله – فلسطني

الطبعة األولى 2009

)972( 2 هاتف: 2963281 )972( 2 فاكس: 2963283

Publisher:A. M. Qattan Foundation

Qattan Center for Educational Research and Development

P. O. Box 2276Ramallah – PalestineFirst Edition - 2009

ISBN: 978-9950-313-31-6

Tel: +972 2 2963281Fax: +972 2 2963283

www.qattanfoundation.org

لوحة الغالف واللوحات الداخلية للفنان جاد سلمان-فلسطني.

Page 3: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

إهـداء

إلى هيفاء ...

بطلة قصتي .. وحياة قصتي.. وقصتي.

Page 4: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 5: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

قائمة احملتويات

إضاءات

مقدمةشغف مضاد، رغبة معاكسة ... وفعل طافح بالعافية ملعلم ال يشاء أن يكون معلما!

ابع ف الس تجربتي يف تدريس الكتابة اإلبداعية للص

طح حرب ضد اليباب، حرب ضد الس)إعدام اخليال في منهاج اللغة العربية(

جماليات التخريب وسحر الالمتحقق)تدريبات صفية على مارسة القفز من النوافذ وعناق احللم(

ائع جاوز يف البحث عن الكالم الض اعتناق عقيدة الت)جتربة في تدريس نص(

انظر عيون األستاذ ... ثمة ملعان مبلل. هل تراه؟

رتني حكاية معلم الفن اجملنون ذي العينني املشجوطالبه الذين اختفوا فجأة

ف حكاية أمين الطالب املذعور الذي ضبط يف الصس جسده يتحس

مس لتنهشه اعرتافات مدرس متدد على األرض واستسلم للش)أوقات جميلة ألخطائنا النضرة(

7

9

13

21

37

49

61

71

79

93

Page 6: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

طالبي االنتحاريون يحتلون املدرسة

غيمة حلوة تعض يدي

ث أشجارها كانت تحد

اغسليني بصوتك .. فالغبار يف بالدي كثري

كلمات عن فريوزياق( )في خيانة الس

هشة! ا نطارد الد هيــ

البحر واألطفال والكتابة

أجساد وحكايات

103

109

115

121

127

131

135

139

Page 7: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

7

إضــاءات

شيء، كل إنها مؤكدة، وقائع وليست متخيلة، قصصا ليست هذه نصوصي تخييل وواقع، أوهام ومتنيات، أحالم وشطح. إنها ببساطة حتليق )غير شرعي(

فوق جبل الثلج الراكد املسمى مدرسة.

املهنة، في تورطت مدرسا، أكون أن يوما أحلم لم أبدا، تربويا رجال لست أنا وما زلت بسبب انعدام اخليارات، وملا كان التدريس –برأيي- جرمية بحق أجسادنا عن للبحث اضطررت فقد وإمكاناته، فينا اإلنسان لروح واغتياال وقتال أوال، طرق التفافية لقتل القتل، وحشر اجلرمية في زواياها النتنة، وحفظ كرامة أجسادنا، هم تورطوا الذين تالميذي مع اجترحتها التي والشعاب، الدروب هذه فكانت بالوجود هنا مثلي متاما. نحن نحاول هنا إثبات حقنا في االستمتاع بكوننا بشرا.

املدارس في بالدنا أمكنة مثالية لنفي إنسانيتنا.

اضطررت إلى صياغة مشاركات طالبي في النقاش بطريقتي اللغوية اخلاصة، مع االحتفاظ الكامل مبعانيهم وأفكارهم وهواجسهم.

الشكر لطالبي الذي تعاونوا معي في كسر جمود املكان-املدرسة، وحتطيم عنجهيته البليدة.

الشكر لـ »القطان«؛ املؤسسة التي فهمتني وشجعتني.

Page 8: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 9: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

9

مقدمة

شغف مضاد، رغبة معاكسة ... وفعل طافح بالعافيةملعلم ال يشاء أن يكون معلما!

وسيم الكردي

اش حني يكتب بعضا من ال تذوي جذوة الشغف القصصي لدى القاص زياد خدأو املدرسة« »بالدة جترده فال »كمعلم«، موقعه من التدريس« »مهنة في جتاربه »بالؤها« أو »بالهتها« من جذوة القص هذه، فيستمر القص، ولكن ما يروى هنا هو قصص أخرى، من طراز آخر، يقف احلوار فيها، وكأنه سيد النص في حضور

الكلمات، وفي حضور أصحابها الغائبني؛ الطالب.

انعقادها، أزمان في املتناثرة التجارب هذه جتليات أعمق احلوار؛ نعم احلوار، املنتظمة في مكان انعقادها وسياقات إنتاجها. طلبته يتحررون من املألوف والعادي من التعبير، واملسكون بالنمطي من التعبير، يقفزون على أجنحة احلكي يحيكون مجازات واستعارات وصورا عبر نصوص لم يحيكوا من قبل ذلك ما يشبهها، ولم أو كالهما القاص أو املعلم يدفعهم مياثلها، ما املدرسية كتبهم يروا في نصوص ما في بل وحسب، اللغة حدود به تسمح ما أقصى في تقع ال مغامرة إلى معا ميكن جتاوزه من حدود اخليال عبر ذائقة تتجاوز ما أفسد منها في »حقل التعليم«، لتصل إلى ما فيها من يناعة وطزاجة في »مجال التعلم«. وعلى الرغم من أنه يعيد فإنه الرطبة، بذاكرته بعض االشتغال على نصوص تالمذته حني يدونها مستعينا يحاول أن يجد لنفسه عذرا حتت وطأة قيود البحث ومتطلبات النقل: »االضطرار إلى صياغة مشاركات طالبي في النقاش بطريقتي اللغوية اخلاصة، مع االحتفاظ الكامل مبعانيهم وأفكارهم وهواجسهم«. وهو جلوء اعتذاري ال ضرورة له حني متغير موقع في فيها الناص تضع قصصية بنية عبر متجليا التأملي البحث نرى غايات يخدم تأويل وفق سردها إعادة إمكانية له وتتيح العملي، مجاله داخل هذه اعتذاريته تأتي ورمبا إبداعي. كتابي وكفعل جسدية كتجربة النهائية النص من مالحظة كنت قد أشرت فيها إلى ذلك لزياد في أول مرة نشر فيها نصا من هذه النصوص في مجلة رؤى تربوية حني قلت له إن كالم طالبه يتغير عبر إعادة كتابته من قبله، وهذا التغيير قد يخدش املعنى أو يعكره أو ينأى به عن منبعه األصلي،

Page 10: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

10

ثانية، وفي ومع ذلك فهو يستعمل كالمهم كنص من ناحية، وكملهم من ناحية يغدو شهادة، وفي يغدو قصصا، وكي القول كي يشتغل على فهو االستعمالني ونسميه قليال، ولنتجرأ، ... وخارجه البحث داخل بحث فهو احلالتني كلتا »بحثا عبر القص«. إن النظر في هذه النصوص معا يدفعنا إلى أن نشفع له جترأه ن كما ال يؤمن النقل. ولعل املراد على »أمانة النقل« عبر »أمانة القص« الذي ال يؤمهنا من هذه النصوص هو الرسائل التي ستبثها التجارب املعبر عنها ملستقبل األيام، وليس املراد هو الصور التي ميكن أن تلتقطها الذاكرة ما أنتجته التجربة في ماضيها وحسب. إنها كتابة جديدة تأخذ ما قيل، وتبثه كما يراد للنص أن يكون، لذلك فهو »يخون السياق« كما يشتهي، وبهذه »اخليانة« فهو ال يعيد انتماء املعلم للسياق فحسب، بل انتماء السياق لإلنسان في املعلم. إنه ال يتلعثم حني يبوح بخياناته، القصصي نصه بالتخلي عن اتهامه اخلائف من اخلائف، إنها جرأة بها؛ يجأر أو وارتكابه فظاعة »البحث العلمي«، فإذ به يخون خيانتني؛ يتواطأ مع »القاص« فيما يقص لنا، ويتواطأ مع »املعلم« حني يحكي لنا عن عمله املهني الذي يكرهه، وإذ باخليانة »التربوية« تغدو فعال تعلميا من طراز رفيع ينبغي محاورته، فعال يتحقق يسيران »... آخر فبناء آخر نقض ثم فالبناء »النقض فيها يتضافر عملية ضمن معا، أحدهما مالزم لآلخر والزم له. إذن، فهو ال يجعل من »املدرسة« كما هو متواضع عليها في الذهن االجتماعي السائد مرجعيته، بل يفككها ويعيد مساءلتها حتجب ستارات مجرد »الرسولي« ودورها املدعاة، »طهارتها« بأن ويخبرها بل الببغاء كله، إفساد اخليال، وتكريس ال فعلها في تفعل التي الطاغية معاولها

رجع صداه وحسب.

بكراهيتها: وحتقنه عبورها، على مجبرا نفسه »املعلم« يجد التي التجربة هذه »فالتدريس جرمية بحق أجسادنا«، إنها »مهنته« التي يظن أنها »متتهنه«، ورمبا هي كذلك، إنه »ميتهنها« أيضا، فتبث فيه شغفا مضادا ملا ميكن أن نسميه »املدرسة«. إن »املدارس في بالدنا أمكنة مثالية لنفي إنسانيتنا«. إنه االمتهان بجذري الكلمة معا: )مهن ومهن(. ومن هنا يتجلى يقينه الوحيد، بأنه في املكان الذي ال ينبغي له أن يكون فيه، وتبدو املجازفة في قبوله في حدها األكثر غرابة، ضجيجه الهادئ ميعن في ارتكاب »التدريس« على الرغم من موقفه املعرفي من كل هذه املهنة التي يتخلق فيها »هاجس أن يكون التدريس جرمية بحق اجلسد، أن تكون املدرسة املكان املثالي به قوال، وهو في اآلن يقوم ملا ليس وفيا اإلنسانية«، ويبقى معلما؛ معلما لنفي نفسه، وفي ملا يقوم به فعال ... وليقل »الكاتب« عن »املعلم« ما يشاء، وليحشد أن ينبغي حني منها يتبرأ ال لكنه »اللعينة«، املهنة هذه على اللعنات من يشاء ما

Page 11: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

11

يكون »معلما«، ولكنه يختار في أحيان كثيرة التسرب ما اعتاد الناس فيما ينبغي أن يكون عليه املعلم ... يجتاز ذلك ويتجاوزه بكفاءة نادرة؛ بكفاءة »الكاتب« في بل التعليمية، التجربة داخل في مضفرين معا كليهما ويضع معا، و«املعلم« صميمها، وليقل: »لست تربويا، ولم أحلم بأن أكون مدرسا، تورطت في املهنة، أحدهما من يقتص ولنر كيف ليكن ذلك، اخليارات ...«، لغياب إليها جلأت

اآلخر في لعبة يتواطأ كالهما على اآلخر مبعرفته.

ستستغربون كم يحتفي مبا يقوم به مع التالميذ كما يحتفي بقصة جديدة له، يقيم الطازج، األولي ببراءة املشبعة احتفائيته تدوم ينتهي، ال كرنفاليا احتفاال لذلك وتستمر، وكأنها تفرط في بث براءتها على الرغم من مرروها على عوالم ال منتهية ما يفقدها هذه البراءة في شوارع رام الله األخاذة بالنشوة حني يذرعها بقدميه من في كمعلم يذرعها كما املعلم، ثوب في كقاص يذرعها أقصاها؛ إلى أقصاها ن نطفتها اآلن ستتراءى له حلظة ثوب القاص، وكما تتراءى له حلظة قصصية سيدو»مدرسية«، سيتعجل الغد كي ينثرها في صفه بني طالبه، فيتلقفونها لتغدو كتابة،

وتبدو الكتابة هنا نصا بنص.

محاطة عمقها، في بالشغف مليئة جتربة من شذرات يكتب الكتاب هذا في إنه الكراهية تكن لم ورمبا صرفة، كراهية ليس األمر لكن إنتاجها، سياق بكراهية وحدها دافعا وراء ما أجنز املعلم القاص أو القاص املعلم؛ إن زياد يتنصل من أن يكون “رجال تربويا”، إنه يقول ذلك ويفعله، وهو يدرك حجم املجزرة التي تقوم أشكال من شكل أي د جتس ال “املدرسة” وأنها تعنيه ملا إدراكه إن املدرسة. بها العافية، وأنها املكان الذي يزج فيه الصغار، وتبدأ املفرمة بفرم خياالتهم وأفكارهم ومنظم مرتب هو عما كثيرا ينزاح أن إلى به يدفع وتطلعاتهم... وهواجسهم ومدروس، ويحاول أن يجعل من احليز املدرسي املغلق فضاء دراسيا مفتوحا لطاقة التالميذ كي يرحلوا بعيدا في خياالتهم التي قليال ما تتيح لهم املدرسة هذا النوع

من الرحلة.

دفتيه من خبرة وجتريب؛ وكما بني احتوى ما بكل أيضا، الكتاب كرحلة ويبدو اخلبرة قصة، فالقصة خبرة، وفي احلالتني لدينا فعل في احلياة وفعل في روايتها، بني فيما املسافة تضيف يتضافران، الفعل- ورواية الرواية -فعل وكالهما افتراقهما، أو لعلها تذوب ... . فالقصة ليست إطارا فقط أو مترينا في الكتابة، إنها الفعل )الذي يصور( ما ال منلك، وهي ليست إطارا برانيا وحسب ... حتشر

Page 12: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

12

وكما الراوي يراها كما للتجربة( )ما رواية رواية، هي بل التعليمية األفعال فيه يرويها، تقول ما يرد فيها، ولكنها أيضا )وهذا األهم( تقول ما ال يرد فيها ... إنها ال تعني فقط )أن الضمني مسكوت عنه(، بل إن الضمني هو النص األصلي “تقول”، وتسلك الذي تقوله كل كلمات النص “الظاهر”، إنها تقول “أبعد” ما السياسي/اجلغرافي، النص ففي قوله؛ تنوي ما لتقول االلتفافية الطرق أحيانا فإن “الطرق االلتفافية” التي بحث عنها وطرقها ليقتل القتل كما يقول، تستدعي خنق مدننا وقرانا من قبل غاصبها، وتغدو الطرق االلتفافية شرايني حياة ملستوطناته من الرغم على آخر، مكان إلى تذهب هنا االستعارة فإن حالتنا، في أما ...أن هذه اإلحالة “تتجه بنا نحن الذين نعرف “الطرق االلتفافية”، إلى تلك الطرق اخلانقة “لنا” ... واملنفتحة “لهم”. تذهب االستعارة إلى جتاوز الطرق املعروفة أن وتعرف رؤيته، تعتد لم ما فترى تلتف أخرى طرق على واملعتادة واملطروقة هناك موجودات ما وراء العني، وتغدو العني مؤهلة ليس اللتقاط مكرر منسوخ،

بل التقاط فريد وبكر وخاص وشخصي.

أكاد أقول: شكرا، ملعلم لم ينتظر شكرا من أحد، ولم يشأ أن يكون معلما، ولم يرغب في أن يكون مدرسا، ومع ذلك فقد أعطى املهنة كما لم يعط كثيرون، إن املسألة رمبا لم تكن “حبا” أو “كراهية”، بل كانت كما ينبغي أن تكون، لشخص وجد نفسه في مكان مدرسي “طوعا أم إجبارا”، فما كان منه إال أن يعطي كل ما تذرع أن بإمكانك له: وسأقول ذلك. على شكرا له: سأقول ولذلك، لديه، مضفرا أقصاها إلى أقصاها من املدينة تذرع كما أقصاه إلى أقصاه من صفك بخيالني ال ينجو أحدهما من اآلخر، على األقل، إلى حني ... وحتى ذلك احلني وكما يبتغون، كما ونصوصهم بخياالتهم يحلقوا أن طالبك بإمكان فسيكون

ينبغي أن يكون.

Page 13: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

تجربتي يف تدريس الكتابة اإلبداعية ابع ف الس للص

Page 14: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 15: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

15

ابع ف الس تجربتي يف تدريس الكتابة اإلبداعية للص

الكتابة كبحث خلف السور

التعبير، ألدرسهم حياتي في مرة ألول السابع الصف طالب أمام وقفت عندما قلت العربية. اللغة السابع الصف في علمني الذي أستاذي قلدت أنني أذكر لهم متاما كما قال أستاذي: اكتبوا عن الفرق بني الشتاء والصيف. وال تصدروا يفكر يكن لم البعيد، إلى ذهنه في ويسرح بيننا ميشي األستاذ كان ضجيجا. اقتصادية مشاكل من يعاني كان الكتابة. لتدريسنا جديدة طريقة في بالتأكيد واجتماعية ونفسية، وكذلك كنت أنا. أمتشى عادة بني الطالب، أنظر إلى اجلبل املقابل للنافذة على يسار الطالب وأفكر: يا إلهي! متى ستنتهي هذه احلصة الطويلة اململة؟ متى سينتهي هذا اليوم الدراسي الطويل؟ فجأة، انقض صوت طالب على

السكون البليد للحصة:

- أستاذ، مكن سؤال؟- تفضل يا رام.

فصل يوجد ال ملاذا الصيف. الربيع، الشتاء، اخلريف، فصول، أربعة لدينا -خامس؟

األستاذ كان غيبوبته. من مريضا توقظ التي املفاجأة تلك بسؤاله، رام فاجأني القدمي الذي علمني يتهيأ إلجابة رام إجابة محبطة وقاسية، لو حدثت بالفعل كانت ستدمر أو تشل طاقة الكائن احلساس واملوشك على االمتداد والتعمق في األشياء.

انفتاح فضاء التساؤل! الصدمة!

فجأة، شعرت بصراع طاحن في داخلي؛ بني األستاذ املترهل القدمي احملبط وبني الكاتب احلساس املتفتح والرقيق املتعاطف مع الطفولة املعذبة، الذي يطمح دائما إلى تطوير قدراته التخيلية وتطهير ذهنه من رواسب التفكير السطحي والعشائري،

وذي البعد الواحد. الصراع ما بني أستاذين في شخصية واحدة.

جلست على الكرسي حائرا ومزقا. وجدت نفسي انهض، وسمعتني أقول: يا له من سؤال رائع يا رام! سؤال غريب ومثير للتفكير والتخيل. طلبت من الطالب أن

Page 16: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

16

يتركوا ما بأيديهم ويتوقفوا عن الكتابة. حتفز الطالب لهيأتي اجلديدة، وأطل من عيونهم فضول كبير ملعرفة سر احليوية املفاجئة ألستاذهم الذي عودهم على إصدار “كتابة السبورة كلمة بينهم والتأفف من ضجيجهم. كتبت على األوامر واملشي فسمعت إبداعية”، “كتابة هناك اليوم، بعد “تعبير” ال لهم: وقلت إبداعية”

العبارة تتردد همسا بينهم فيما هم يتبادلون النظر احلائر.

- ماذا تعني “كتابة إبداعية” يا أستاذ؟

- الكتابة اإلبداعية هي الكتابة التي تقع خلف السور.

- ما هو السور يا أستاذ؟

- السور هو احلاجز الذي يفصل املألوف عن الغرائبي، الواقعي عن اخليالي، أما ما قبل السور فهو الواقع مبوجوداته كافة: الشارع، البيت، املصنع، املستشفى ...

الخ. وخلف السور هو كل ما نخافه أو ال نعرفه أو نخجل منه، هو املجهول.

- إذن سنهرب من الواقع لنطير خلف السور يا أستاذ؟

لنواجهه، الواقع من نهرب نحن والسلبي، اإليجابي باملعنى هروب هو نعم -هو الواقع، من نهائيا هروبا ال فني، واقع إلى نحوله ثم ونختبره نستخدمه، يالحقنا كظلنا، لكننا نضحك عليه، نراوغه ونعيد خلقه من جديد ليصبح واقعا جديدا بشروط أخرى وقوانني مختلفة. لذلك، فالكتابة األدبية مزيج من البقاء

داخل السور وخارجه.

- هيا نهرب يا أستاذ! علمنا الهروب، علمنا الطيران!

- الكتابة خلف السور هي الكذب بعينه، نعم، ولكنه الكذب الضروري الصادق الذي يؤدي إلى اكتشاف قدراتنا وسبر طاقاتنا وإضاءة أبعاد جديدة من احلياة.

- أستاذ، رام سألك ملاذا ال يوجد فصل خامس، أنا أسألك أال يوجد وقت آخر بني الليل والنهار؟

Page 17: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

17

- نعم، توجد هناك مساحة صغيرة، عجيبة، كأنها السحر بني الظلمة والضوء، لون يشبه اللون هذا إن يقولون تقريبا. الرابعة عند فجرا تقع تشاهدها، ألم

الضوء في اجلنة.

- وملاذا ال توجد نهاية للعالم، نهاية أرضية؟ أتخيل أحيانا -يا أستاذ- أنني أسافر بعيدا بعيدا حتى آخر العالم، وهناك أقف على حافة الدنيا، أحب أن أعرف أو

أتخيل ماذا يوجد وراء العالم الذي نعيش فيه.

أن أولهما، لسببني. أكمل أن أستطع لم طالبي. أسئلة من ذهول أميا ذهلت احلصة انتهت، يا إلهي! انتهت احلصة بسرعة، ملاذا؟ وألن دهشتي شلتني، قلت

لهم سنكمل الحقا.

خرجت من الصف مبهورا وشاعرا بخجل شديد. وجثة بداخلي تتحلل وتتساقط إذنا الزمالء معي. طلبت إلى اخلارج. ضوء غريب غمرني، لم أسمع حديث وعن الضوضاء عن بعيد مقهى في جلست املدينة، إلى وخرجت مديري من الطالب أمام أمضيتها األوامر من سنوات ست نفسي، أجلد ورحت العالم أعبس في وجوههم وأقمع أسئلتهم وأسخر من جنونهم وأغضب من ضحكاتهم أفعل ال الطالب، بني املتواصل واملشي اجلفاف من سنوات ست وتعليقاتهم. شيئا سوى انتظار نهاية احلصة وانتظار نهاية العام، وانتظار نهاية العالم الذي فيه حقيقيا صرت اليوم صحوت، اليوم وكتب. ومديرون حتضير ودفاتر مدارس وثريا وانسجمت مع رؤياي للعالم واإلنسان. ما الذي صحاني؟ ألكوني كاتبا؟ أم لكوني إنسانا عنده ضمير؟ اليوم اكتشفت بفضل الطالب الرائعني أنه باإلمكان استغالل املدرسة املثقلة بالقيود والبالدة والروتني والعادي وحتويلها إلى واقع آخر،

متاما كما استغل أنا الواقع ألعيد خلقه وأحوله إلى عالم فني آخر.

في صباح اليوم التالي، عدت إلى املدرسة إنسانا آخر بالفعل، كانت هذه احلادثة الكاتب وانتصر داخلي القدمي األستاذ مات آخر، الجتاه حولني حقيقيا مفصال الذي يحلم بالطيران هناك خلف السور، واكتشاف الكنوز والتعمق في املجهول وغير املألوف، ومالمسة الغريب واختبار عالقات جديدة بني األشياء. استغربت من حالي كثيرا؛ ما دمت كاتبا أعيش أغلب وقتي خلف السور كتابة وحياة، فلماذا

لم أحاول تدريب طالبي على القفز معي والطيران؟

Page 18: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

18

هو أم البائس؟ االقتصادي وضعي أم اخلربة؟ نفسيتي هو ذلك في السبب هل اإلحباط العام للوطن ولإلنسانية؟ ال أدري؟ وال أريد أن أدري. املهم أنني حتولت على كتبت مختلفة، وروح جديدة بهيئة الطالب أمام وقفت آخر. إنسان إلى السبورة “كتابة إبداعية”. طلبت منهم أن يستعدوا للكذب -الكتابة، القفز خلف

السور.

سألتهم: هل لديكم تعريفات أخرى للكتابة اإلبداعية؟

نظروا في وجوه بعضهم البعض، وابتسموا، حاولوا أرجوكم.

قال خالد: قد تكون الضحك على الواقع.

قال باسم: قد تكون الهرب من الواقع.

قال حامد: قد تكون الطيران خلف األشياء املوجودة.

قال أسعد: قد تكون التحول إلى شيء آخر.

قال سليم: قد تكون اكتشاف اجلديد.

قال محمد: قد تكون اإلنسان اآلخر.

يشبه صوت إطالق في برغبة أحسست عال، بصوت هتفت رائع، .. رائع البكاء ... لم أفعل، متالكت نفسي الندم، يشبه اخلجل، يشبه االعتذار، يشبه

وجلست على الكرسي، أتنفس بسرعة.

نهضت بعد خمس دقائق عن الكرسي. لم يكن لدي رؤية معينة لتدريس الكتابة يكتم ثقيال شيئا به أشعر به. أؤمن ال حتضير، دفتر لدي يكن لم اإلبداعية. أنفاسي ويحدد إمكانياتي ويحد من طيراني، ويغلق أفقي، “ال أحب أن يحددني

أو يسورني أحد”. جاءت األشياء هكذا على عواهنها. رأيت نفسي أسألهم:

- أتعرفون كائنا اسمه البحر.

Page 19: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

19

- نعم، نعرفه، ونحبه، ونشتاق إليه، ونخافه.

- إذن اكتبوا عنه انطباعا سريعا من كلمة واحدة “دون أل التعريف، وذلك لعدم التحديد والقولبة ولتوسيع أفق الصفة إلى أبعد حد، لتصبح كلمة كونية”.

قال أمجد: البحر عمق.

قال أمين: البحر خوف.

قال سليم: البحر زرقة.

قال زياد: البحر ضياع.

قال راضي: البحر سفر.

قال عدنان: البحر موت.

قال رام: البحر ليل.

قال فراس: البحر شهيق.

قال مالك: البحر جنون.

سجلت كلمات الطالب على السبورة، رأيتني أطلب منهم أن يوظفوا كلماتهم في جمل مفيدة. كتبوا جمال جيدة:

- في البحر أضيع واختفي.- في البحر ليل عميق.

- في البحر زرقة خائنة.- البحر سفر طويل بال عودة.

كتبت اجلمل على السبورة، طلبت منهم تسجيلها في الدفاتر.

Page 20: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

20

طلبت منهم حتضير مخيالتهم والتعاون لكتابة نص مشترك عن البحر، كل طالب يكتب جملة، أنا أيضا سأكتب معهم.

كتبت أنا اجلملة األولى “أمشي وحدي على شاطئ البحر ليال، ال بشر حولي”. كتب الطالب أحمد اجلملة الثانية “كنت حزينا جدا وخائفا”. كتب الثالث “وكان البحر بجانبي شخصا غريبا مخيفا يتنفس بقوة”. وكتب الرابع فجأة “رأيت ضوءا

قويا يأتي من بعيد”.

كتب الرابع “رأيت نفسي اجته نحو الضوء”، كتب اخلامس “كان الضوء يتجه نحوي السابع التقدم”، على مصمم لكني جدا، خائفا “كنت السادس اآلخر”، هو الثامن “وقفت قبالة الضوء حائرا، إنه “الضوء كان خائفا أيضا هكذا أحسست”، ضوء غريب غير متشكل على أية هيئة، أنه ليس إنسانا وال حيوانا أنه ضوء فقط”. التاسع “أهو أنا، مددت يدي فاختفت في الضوء، حاولت أن أرجعها فلم تعد، العاشر “مددت رأسي، اختفى وذاب، أصبحت بال رأس”، أصبحت بال يد”. احلادي عشر “مددت قدمي اختفيا”، الثاني عشر “رميت كامل جسدي نحو الضوء

العجيب الساطع، فاختفيت عن نفسي ولم أعرف حتى اآلن أين أنا”.

كتابة منهم طلبت ثم دفاترهم، على املشترك النص كتابة الطالب من طلبت نصوصهم الشخصية بعيدا عن أجواء النص املشترك.

كنت السور، خلف معهم أقفز كنت نصي، معهم أكتب كنت يكتبون، شرعوا أعتذر منهم ومن الوطن ومن الكتابة ومن نفسي ... وكنت أعانق احلياة.

Page 21: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

21

طح حرب ضد اليباب، حرب ضد الس

Page 22: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 23: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

23

طح حرب ضد اليباب، حرب ضد الس

)إعدام اخليال في منهاج اللغة العربية(

أتذكر ذلك اليوم جيدا، كان صباحا كئيبا في طقسه وفي تفاصيله األخرى ابتداء من تكرارية األشياء واألصوات واحلركات في املدرسة: »صياح املدير، اجلنازات الصمت اجلرس، رنني الدرج، الطالب على املعلمني، شغب في وجوه املعلقة في يتباطأ الذي بالوقت مرورا الصفوف«، وبني الدرج على فجأة يسيطر الذي احلصة لعنة اسمها لصدها سبيل ال بلعنة انتهاء كابوس، أو مؤامرة كأنه الصف العام الدراسي اجلديد، جلست على الطاولة أمام اليوم األول في إنه السادسة. في العربية اللغة ستهم در فقد جيدا، أعرفهم طالب – الثامن الصف طالب ها عنها، والتعبير باألشياء اإلحساس في أخرى طرقا ستهم در السابع، الصف هم يجلسون أمامي اآلن بانتظار استكمال مشروع »الرؤية املجنونة للعالم«. نحن من نخبة وضعته جديد منهاج وهو الثامن؛ للصف العربية اللغة كتاب بانتظار

األكادمييني واملعلمني اختارتها وزارة التربية والتعليم.

اللغة كتاب السكرتير وزع كتبا، يحمالن طالبان يرافقه املدرسة سكرتير دخل العربية على الطالب وألقى أمامي بنسختني. حدثت جلبة في الصف، فقد ابتهج الطالب بكتابهم اجلديد الذي يؤكد نضوجهم ودخولهم بنجاح مرحلة أخرى من حت الكتاب بكسل، كان لدي يقني كامل بأن ال جديد هنا مراحل حياتهم. تصفوال تغيير. فالعقل الذي صاغ هذا املنهاج هو العقل نفسه الذي صاغ منهاج السابع والسادس، فليس من املعقول أن يتطور العقل فجأة ليصبح منهاجا مختلفا، يعتذر إنها أعزائي يا الكلمات: السابقة. على حواف شفتي وقفت هذه عن سطحيته الفكرة وتكلس األحاسيس وزيف يباس العام ضد حرب أخرى سنخوضها هذا الصورة وتسطح الوعي. لم أنطق هذه الكلمات همستها لنفسي، وأنا أنظر حزينا لطالب أبرياء جاهزين لتقبل أفكاري بحماس، لكنهم قد يتقبلون أفكارا أخرى من

مدرس آخر مؤمن باملنهاج ومطيع له.

بأية فكرة صادرة عن للتأثر فيها قلقة جدا ورخوة، مهيأون يعيشون مرحلة إنهم القرى في املنتشرين املعلمني يشبهه آالف عاديا جدا معلما أمامهم يقف شخص واملدن واملخيمات. شخص يلقي عليهم مبعلوماته طالبا منهم حفظها، شخص ال يجرؤ على اخلروج عن املنهاج قيد أمنلة، ليس خوفا من وصايا األسياد في املكاتب

Page 24: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

24

–املسطرة خارج هذا البوصلة وفقدان بالضياع منه إحساس بل الرطبة فحسب، املنهاج الذي يشكل له الطريق والدليل واإلدارة والسقف، وحتى الشرف الوطني، غرفة إلى حربي متأبطا انصرفت األولى، احلصة انتهت والديني. والعائلي، املعلمني، هناك كان الزمالء كسالى ومتشابهني متاما ومتأففني. كالعادة، انزويت التي سأخوضها ضد وحدي في أقصى الغرفة. ورحت أتصفح تفاصيل احلرب العقل املتكرر، العقل الراضي عن نفسه، العقل املطمئن والهادئ واملنتصر، العقل

الذي وصل إلى نهاية التفكير ونهاية األشياء، العقل الذي ال عقل بعده.

كانت أصوات املعلمني حولي تتعالى، وكنت أبذل جهدا خارقا ألنفيهم عن حيز أفكاري وهواجسي واحتراقاتي.

صياحهم أمام تهزم عنهم )املختارة( عزلتي كانت وأحيانا أجنح، كنت أحيانا العطلة املفتشني، وموعد الراتب وموعد مجيء ونقاشاتهم احملتدمة حول موعد

املقبلة.

وكنت أهرب إلى امللعب، أمشي هناك مستكمال جتميع خيوط خططي، ملواجهة وحش هائل األنياب، يتستر خلف أقنعة مخملية من احلب، واألخالق، والترابط األسري، والقيم الدينية، واملهارات اللغوية، واملعلومات التاريخية، والقصائد،

والقصص.

حربي. بأسرار أكاشفه حتى أو خططي في أناقشه تقريبا أحد حولي يكن لم بالعكس متاما، فالبيئة التي أعمل وسطها كانت دائما حتاول إحباطي وكسر شوكة

مشروعي التثويري –«التجريبي«. املعلمون في عالم وأنا في عالم آخر.

التوغل في زرقة األشياء

أنني والواقع مدرستي، مدير هو جنوني واستوعب رؤيتي فهم الذي الوحيد يجب أن أعترف أن وسط كل هذه الكآبات التي أعيشها في املدرسة بسبب طبيعة القوانني واألنظمة، وبسبب عماء وغباء الشروط والواجبات اجلامدة وغير القابلة مدير وجود بسبب املرة؛ هذه جزئيا لي يبتسم احلظ كان املناقشة، أو للتعديل مدرسة صغير في السن نسبيا )28 سنة( ليبرالي، يحترم الفكرة األخرى، يناقش صحيحا يعتقده ما طرح في جرأته ذلك من واألهم اخلالفية، املسائل في بأدب

Page 25: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

25

أمام املسؤولني الطحلبيني ذوي الطاعة العمياء للتقارير والكتب الرسمية واألوامر واألرقام والسجالت. واألهم من األهم هو امتالكه حلس فني رفيع مييز بني اجلميل

والقبيح في السلوك واحلياة.

صباح اليوم التالي، أقف أمام طالبي قائال لهم: ها هو عام آخر يأتي. سنستكمل مشروعنا يا أصدقائي. سنمد في طول أجنحتنا وسنتوغل أكثر في زرقة األشياء.

- هل أنتم مستعدون للطيران إلى أبعد ما فعلنا؟

- نعم، مستعدون. أجابوا بصوت واحد.

- حسنا، هذا كتاب الصف الثامن )رفعت الكتاب بيدي( منهاج جديد. وكلمة أنهم الكتاب( )مؤلفو يعتقدون أنهم يعني ما الرؤية، أو الطريق تعني منهاج

يعطوننا طريقا لنمشي عليها أو رؤية لنهتدي بها.

ال بأس! لندعهم هانئني في قاع يقينهم اليابس، ولنحترم وهمهم. ولكننا سنعتذر لهم في سرنا طبعا )ضحك الطالب يرتفع ويتخذ شكل نشوة(: نحن شاكرون لكم جدا إعطاءنا املعلومات القيمة حول قواعد اللغة العربية، وقواعد اإلمالء واخلط، لتوجيهاتكم بخصوص ننصاع لن ولكننا متاما. بها ملتزمون نحن مهارات هذه واململة اخلاوية التعبير مضامني وفي الدروس، مناقشة وآليات التفكير، طرق هنا الرتيبة. اخلارجية احلياة الداخلية لصالح للحياة واملعدمة للمخيلة، والقاتلة صراعنا معهم. هنا ساحة املواجهة. لن نقول لهم ذلك بصوت عال، سنهمس

ذلك همسا حتى ال يسمعوا. ها هاهاها.

أصدقائي األعزاء سأقرأ لكم اآلن مقدمة هذا املنهاج، وهي حتتوي على أهداف هذا الكتاب وعلى رؤيته أو خطابه العام.

واللغوي املعرفي منوه مراعاة من بد فال التعليمية، العملية محور الطالب 1 .واالجتماعي والنفسي.

اختيار املادة التعليمية والنصوص األدبية والشعرية والنثرية مت في إطار األبعاد 2 .احملافظة مع واإلنسانية، واإلسالمية والعربية والوطنية والوجدانية املعرفية

على خصوصية الواقع الفلسطيني.

Page 26: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

26

التاريخية للعصور املمثلة والنثرية األدبية-الشعرية الفنون في التنوع مراعاة 3 .الطالب بني للتواصل تعميما املعاصر، النص على التركيز مع املتعاقبة،

وحاضره.

وقد حرصنا في معاجلة كل نص على توافر العناصر التالية:

جو النص: نبذة عن سيرة الشاعر وإضاءة حول نصه. 1 .لغوية سياقات في الواحدة الكلمة داللة تعدد يتناول والداللة: املعجم 2 .

مختلفة.فهم على تساعد اإلجابة قريبة سهلة أسئلة على يقوم واالستيعاب: الفهم 3 .

النص.الصور وتوضيح النص بناء وتتناول التفكير تثير أسئلة على يقوم التحليل: 4 .

الفنية.التعبير مهارات تنمية في التدرج مراعاة على يقوم التلخيص: أو التعبير 5 .

بأنواعه، والترابط مع موضوعات الدرس.مت التي املشوقة اجلميلة النصوص من مجموعة يشمل : وأستمتع”. 6 “أقرأ

اختيارها من أجل املتعة والفائدة.

إن األسس العامة ملنهاج اللغة العربية الفلسطيني تستمد مبادئها من إرث املجتمع دولة إعالن وثيقة ومن والثقافية واالجتماعية الدينية وقيمه الفلسطيني العربي

فلسطني العام 1988.

إلى هنا ما ورد في مقدمة منهاج الثامن للغة العربية.

هي حروف: أربعة من مكونة صغيرة كلمة عن أصدقائي يا اآلن لكم سأحتدث إلى يرمز هنا اجلرس »وكأن احلصة( انتهاء معلنا اجلرس رن )هنا )خيال( كلمة

رفض هذه الكلمة ويعلن اخلطر منها«.

أفكر أن اآلن بإمكاني املدرسة. ملكتبة أمينا اختياري مت أنه بفرح يبلغني املدير بهدوء بعيدا عن عادية الزمالء. بإمكاني أن أكون وحدي في قاعة مليئة باملوسيقى الشاردة. والغزالن بالشجر ومليء طويل مجاور وجبل واللوحات والكتب سأعتبر اآلن أن احلظ ابتسم لي هذا العام مرتني: حني أرسل لي مديرا مختلفا يتفهم

Page 27: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

27

جنوني )وعصياني(، وحني أهداني قاعة واسعة أرسم فيها بهدوء خطوات املعارك أدير احلرب على خصمي في عقر داره وباستخدام أشيائه: وشكلها وحجمها.

كتب، وحاسوب، وقاعة، ومدفأة، وستائر، وسبورة، وطباشير، وكراسي.

جنود لكسر العتمة

حصة جديدة أمام طالب الصف الثامن أ. هؤالء هم لكسر العتمة وإضاءة الغرفة السحرية املراد إبقاؤها معتمة. غرفة معلقة بحزن وصمت في سقف روحنا. غرفة الكون ... غرفة مخذولة ومقصية، إضاءتها إنسان في هذا موجودة داخل كل خطرة جدا ومحرجة ألنها تكشف عوالم أخرى وهواجس مختلفة تتطلب جهودا هولة في كل شيء، ذهنية ونفسية خاصة ال تتوافر فينا بسهولة؛ ألننا تربينا على السواختيار والزواج والكتابة االجتماعية والعالقات والقراءة التفكير في السهولة املهنة، وحتى في العالقة مع الله واألصدقاء. دعونا نناقش بند )التحليل( الوارد في مقدمة املنهاج التي حتتوي )هذه املقدمة( على األهداف العامة للمنهاج. يقول النص وتوضيح بناء وتتناول التفكير تثير أسئلة »يقوم على التحليل: البند: هذا

الصورة الفنية فيه«.

غياب التحليل في التحليل

هيا بنا نرى تطبيق هذا البند على درس )احملبة بني الناس( ص 9. انظروا أسئلة هذا الدرس املفترض فيها أن تثير التفكير وتبعث على توضيح الصورة وبناء النص.

ماذا يقصد الكاتب باحملبة؟ 1 .للحب العقلي أنواع، أذكرها. 2 .

ملن وجبت محبة الله؟ 3 .هناك أمور إذا فعلها اإلنسان كان حريا بحب جليسه، أذكر أهمها. 4 .

بني كيف يحافظ الصديق على صديقه؟ 5 .

أين هي األسئلة التي تدفع إلى جو ذهني يثير التفكير، هل سؤال من نوع )أذكر وملن وبني( يثير تفكيري. وحتى لو اعتبرنا أن هذا النوع من األسئلة يثير التفكير، كيف ميكن أن يثار تفكير شخص ما ال ميتلك مخيلة، وإن امتلكها فهي كسيحة وعاجزة؟ فكلمة املخيلة أو اخليال لم ترد في مقدمة املنهاج أبدا، هذه الكلمة الضائعة واملغيبة

Page 28: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

28

يفترض فيها أن تشكل فضاء العملية التعليمية كلها. )سنتكلم الحقا عن مجزرة عبد )حكاية درس في واالستيعاب الفهم أسئلة انظروا الكلمة(. هذه غياب الله البري مع عبد الله البحري( لتتأكدوا بأنفسكم من عدم وجود فرق بني أسئلة التحليل وأسئلة الفهم واالستيعاب، علما بأن مقدمة الكتاب تدعي وجود فرق بني

منطي هذه األمثلة، سأختار ثالثة أمثلة للتمثيل.

كيف كانت معنويات الصياد؟ 1 .ما موقف امللك من اتهام البري بسرقة مجوهرات امللكة؟ 2 .

ما األسباب التي جعلت امللك يعني الصياد؟ 3 .

وما )أذكر( وبني موقف( )وما )كيف( وبني )بني( سؤال منط بني هنا الفرق ما األسباب؟

لنذهب إلى قصيدة )فتح طبريا(، انظروا أسئلة حتليلها:

تكلم الشاعر عن القدس وكأنها شخص ماثل أمامه، أي الصور توحي بذلك 1 .)دور الطالب هنا هو فقط العثور على الصورة(.

تتعدد األفكار في النص لكنها تبقى مترابطة في مضمون واحد، وهذا النص 2 .يعبر عن األفكار التالية:

•اإلشادة ببطولة صالح الدين. •متجيد فتح طبريا.

•سرور مدينة القدس )دور الطالب هنا كما ترون حتديد اجلملة الصحيحة(. أبني األبيات التي تعبر عن كل فكرة.

عن تعبر التي الصورة أوضح استسلمت. لكنها حصينة طبريا مدينة كانت 3 .هذه الفكرة. “دور الطالب هنا هو التوضيح”.

بساطة مع حتى لكن الفنية، بالصور جدا غنية طبريا” ليست “فتح قصيدة هذه شواطئ إلى تصل أن )التحليل( أسئلة تستطع لم وعاديتها صورها “ملاذا ال نطلب منهم أن يقارنوا أو يربطوا أو يتأملوا أو يفككوا أو الصور.

يعيدوا صياغة؟!”.

على سأمثل السواحري، خليل للقاص قصة وهي املساء”، “زائر أسئلة انظروا هذه األسئلة ببضع أسئلة فقط.

Page 29: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

29

ما موضوع القصة وما الذي ترمز إليه؟ 1 .تدور أحداث القصة في مواقع عدة، أبينها وأوضح صلتها بالكفاح الفلسطيني. 2 .

تكثر في القصة الصور الفنية، أشرح منها ما يأتي: 3 .

- مزقت جسد صالح زخة رصاص.- كأن صاعقة انقضت على ذاكرتي ومسحت منها كل األسماء.

- موجة من األرق تغزو مفاصلي وتسبح عبر أطرافي.

يقرأ طالب الصف الثامن هذه القصة القصيرة وهو ال يعر ف ما هي القصة القصيرة. غاب تعريف هذا اجلنس األدبي وتوضيحه وجذوره وطبيعته. )هذا تفسير التباس هذين بني الفرق يعرفون ال الكبار من كثيرون والرواية(. القصة بني التعريف

اجلنسني، فقد تعرضت أكثر من مرة لسؤال غريب: أما زلت تكتب روايات؟

هناك جدا. ضعيفة فيها التأويل مساحة جدا، عادية قصة املساء« »زائر قصة لكنها لطيفة، إنسانية دالالت هناك القصة، أحداث تعززها صحيح وطنية قيم من املخبوء عن والكشف االكتشاف شهية عنده تثير وال الطالب مخيلة تغني ال نصوص تقدمي بأهمية إميانهم غياب املنهاج: صائغي مشكلة هي هذه األمور. تتحمل تأويالت متعددة. فالذهن القائم على صياغة هذا املنهاج تربى على البعد الواحد للقصيدة، والرؤية الواحدة للقصة، وهو ينفر من تعدد الدالالت؛ ألنها تربكه وتشتت أفكاره التي اعتادت على االستقرار واألمان؛ أمان اإلجابة اجلاهزة

املسبقة، أمان الذهن املرتاح.

سأنتقل إلى مناقشة بند آخر من بنود املقدمة.

انظروا هذا البند: الطالب محور العملية التعليمية؛ فال بد من مراعاة منوه املعرفي واللغوي واالجتماعي والنفسي.

أنا ال أعرف )وأعود اآلن إلى الكلمة املقصية( كيف ميكن أن ينمو الطالب معرفيا على اآلن سأحيلكم مشلولة. مخيلة من يعاني وهو واجتماعيا ونفسيا ولغويا مهارة التعبير في املنهاج. انظروا عددا من املواضيع التي يقترحها الكتاب -عفوا

هو ال يقترحها هو يفرضها- على الطالب.

Page 30: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

30

أعبر شفويا عن فرحتي لتحرير وطني. 1 .أكتب فقرة حول بلدتي تكون اجلملة املفتاحية فيها واحدة ما يأتي: 2 .

•تشتهر بلدتي بكثرة املدارس.

•في بلدتي أماكن أثرية كثيرة. •يعتمد اقتصاد بلدتي على أشياء عدة.

أكتب فقرة تكون اجلملة املفتاحية فيها واحدة ما يأتي: 3 .•جاء إعالن قيام دولة فلسطني بعد نضاالت عديدة.

•حرية الرأي من األسس التي تقوم عليها دولة فلسطني. •حترص الدولة الفلسطينية على توافر العدالة واملساواة بني أفرادها.

أخاطب شفويا أخي العربي باألفكار األساسية الواردة في قصيدة )فلسطني( 4 .لعلي محمود طه.)ملاذا ال يخاطب نفسه، يحاورها، يكتشفها؟(.

أحتدث شفويا عن املهنة التي أحب أن أمارسها. 5 .أكتب فقرة تبدأ باجلملة التالية: تتسم شخصية روزاليا باحلنان والرحمة. 6 .

أخلص قصة )جزاء اإلحسان( مبا ال يزيد على عشرين سطرا. 7 .أكتب واحدة من األفكار التالية: 8 .

•املعاملة التي أحب أن يعاملني بها أفراد أسرتي. •املعاملة التي أحب أن يعاملني بها املهتمون بالتربية.

•احلرص على العالقة مع أبنائي.

أنا لغتي

البريئة، أجيالنا مستقبلنا على فرضها صائغو ذهن التي التعبير هذه هي مضامني كيف ميكن أن ينمو الطالب معرفيا ولغويا واجتماعيا ونفسيا بهذه املضامني اخلاوية في التوغل ومغامرة املجهول الكتشاف العداء من الفظيع القدر وبهذا اململة،

مضامني شخصية تعتمد على احللم والهواجس الفردية واقتحام األشياء؟ كيف؟

ما هو النمو اللغوي الذي سيحققه الطالب حني يلخص قصة »جزاء اإلحسان«، أو حني يتحدث شفويا عن املهنة التي يحبها؟ فهذه املضامني اليومية السطحية تستدعي لغة سطحية تقريرية وجافة )حتى لو كانت صحيحة املبنى(، هل هذا هو املطلوب: الكلمات واجلمل، مبنى وقواعد، وتنقيطا وخطا جميال وتسلسال ألفكار صحة اللغوي النمو فأين املطلوب، هو هذا كان إذا املطلوب؟ هو هذا هل منظمة؟ الذي سيتحقق من هذا املضمون؟ ثم ما هو النمو اللغوي؟ هل هو متاسك الفكرة

Page 31: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

31

وانتظامها مع سياق اجلمل األخرى، واستخدام كلمات جديدة وتوظيفها في جمل مفيدة؟

بها للثقة وتخريب للغة تدمير هذا مصيبة، فهذه اللغوي النمو هو هذا كان إذا هو نظري- اللغوي -حسب وجهة النمو الطالب. عند إن وجدت لها قتل أو إعادة صياغة اللغة بطريقة تفتح أمامها الطريق الكتشاف أبعاد أخرى للحياة، هو إعادة توظيف الكلمة في سياقات جديدة، هو تدريب لغتنا ومفرداتنا على املغامرة التي أكتب أو الصورة إذا كانت احلالة وخلق كلمات جديدة من كلمات قدمية، األشياء، أعماق سبر في اللغوية اجلرأة هو اللغوي النمو ذلك. تتطلب عنها وليس الهرب أمام اجلديد من الصور واملشاعر واحلاالت. النمو اللغوي يعني أن ال أكون عبدا للغة وقوانينها، بل عاشق لها وناقد ومعدل بحب ومودة وانتماء. د طالبنا على أن يصادقوا اللغة ... يعشقوها، ويكتشفوا معها وبها علينا أن نعووفيها األشياء. طالب الصف الثامن الذي يطلب منه أن يكتب عن )كثرة املدارس في منطقته( لن يجد سوى الكلمات اجلاهزة واملستقرة املصفوفة بأدب في قاموس

االستخدام اليومي.

أنعذرهم أم نلومهم؟

مرة أخرى أجد نفسي عاذرا للذهن الذي صاغ املنهاج، فهذا الذهن ال يعرف شيئا عن املغامرة في اللغة وتدريب اللسان على تذوق الناتئ واملنحني في اللغة. هم الدائرة اللغة، في تربوا في املدارس )وفي اجلامعات حتى( على العوم في سطح يتم فهناك دخولها، على يجرؤ أحد فال املعتمة اخللفية الدوائر أما منها، اآلمنة الوقوف وجها لوجه أمام احللم. واحللم خطير جدا، فهو ال يعترف بالسائد واملستقر

واملتفق عليه. هو خارج عن القانون. )أجمل لص خارج عن القانون(.

عقيمة تربية ضحايا فهم أعذرهم. سوف فبالتأكيد أعذرهم؟ أم ألومهم هل وأساليب بالية ورؤى قدمية، ولكن كيف ميكن أن نقنعهم أنهم ضحايا؟

كيف ميكن إنقاذهم من ذهنهم؟ وبالتالي إنقاذ ذهن أوالدنا، إنه ألمر فظيع أن يصيغ الضحايا ذهن ضحايا جدد، وهكذا تتوالى املأساة ضحايا يخلقون ضحايا.

قررت أن أبدأ بشن أول املعارك بالتعاون مع جنودي، قررت بالتعاون مع طالبي

Page 32: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

32

املعتمة داخلنا. قلت الغرفة انتقاداتي ومالحظاتي أن نشعل شموع الذين فهموا الشعوب إلى رسالة نوجه ولن منطقتنا، في املدارس كثرة عن نكتب لن لهم:

العربية؟ ولن نلخص قصة »جزاء اإلحسان«، ولن نكتب عن املهنة التي نحبها.

سنكتب عن حلم حلمناه ليلة أمس. عن اجلبل املجاور وهو ينحني على مدرستنا والشجاع. اجلبان والصديق الغادر النهر عن سنكتب يخنقنا، أو يعانقنا وكأنه سنكتب عن العالقة الغامضة بني الرياح واملطر، سنكتشف اللغة السرية للغيوم. صحافيا، حوارا معه وجنري القمر إلى سنطير بعيدة، غابة محاورة سنحاول سنحاول أن نعرف ملاذا اختفى سكان قرية ما فجأة، وسنقرأ يوميات بنت صغيرة اختفت دون سبب، سنكتشف سر الصداقة الغريبة بني املطر والشجر، وسر احلرب ملاذا سنعرف فكرة، نافذة ونفتح زهرة، رائحة سنرسم واملاء. النار بني الهائلة املدرسة عن سنبتعد بدفء. النار تزويد بتجربة وسنقوم الشمس، القمر سجن وساحتها ومقاعدها وعن بيوتنا وأهلنا ومدينتنا ووطننا، سنذهب إلى أماكن بعيدة. ال تقلقوا يا أهلنا ويا مدرسينا ويا شرطة مدينتنا، نحن لسنا تائهني، نحن نخلع فقط ذاكرتنا ملدة مؤقتة، ونطير مع الريح لنعرف أكثر عن وجوه أخرى للحياة. حاالت وأحاسيس وصور ومناطق غير مأهولة في أعماقنا. سنعود ال تقلقوا .. سنعود

.. سنعود.

في أعماق الغرفة السحرية

نحن داخل الغرفة، اآلن أغلقنا باب الصف باملفتاح، أشعلنا شمعة، أسدلنا ستائر قمصانهم، في األولني الزرين فككوا مقاعدهم، في جنودي استرخى النوافذ، وراحوا يحدقون في الشمعة، غابوا عن الوجود، وغبت أنا معهم. كنت قد قلت

لهم، الشمعة نص، لنحاول أن نقرأه.

نصف نائم أجاب بشار: الشمعة حزن.تنهار الشمعة أمام املطر إبراهيم: الشمعة انهيار:

تخاف الشمعة من الريح الشمعة خوف: فراس: تضحي بجسمها الشمعة تضحية: عمر:

متوت بهدوء دون مقاومة الشمعة موت: أحمد: خالصها في موتها الشمعة خالص: عمرو:

حريتها في موتها الشمعة حرية: براء:

Page 33: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

33

صمتها في انطفائها الشمعة صمت: محمد: متاهتها في لهبها الشمعة متاهة: رام:

قوتها في موتها الشمعة قوة: عبد الله: ابتسامتها في ضوئها الشمعة ابتسام: خالد:

من داللة أو الشمعة حاالت من حالة فيه نصف صغيرا مشهدا نكتب تعالوا داللتها!

اكتب أنا: امتطي لهب الشمعة وأسافر إلى الثلج.

يكتب رام: ارسم معاناتها في لوحة صغيرة فيحترق اإلطار.

يكتب محمد: الشمعة تنزف جماال حزينا.

يكتب وسام: الشمعة تخون لهبها وتنطفئ قبل أوانها.

يكتب فراس: تبتسم ومتوت وتترك وراءها جسما غريبا غير مرتب.

نتأفف نهبط على األرض، نصحو من حلمنا، إلهي! – يا الباب يطرق أحدهم بحثا عن )عصا( الصفوف إلى للمهزلة! معلم يرسل طالبا يا الباب، أفتح معا،

.. يضحك الطالب.

يقترح عمر: ال تفتح الباب ألي سبب حتى لو كان املدير. أوافقه وأقرر عدم فتح الباب أبدا.

يقول الشمعة يطفئ وقد أستاذ يا سيوقظنا الباب على الطرق مجرد ولكن -أحمد.

آخر مكان هناك أليس نذهب؟ أين وأصيح: أتوتر وجهي، على احليرة تبدو أو باب طرقات طيراننا يخدش ال أحد، فيه يزعجنا ال مكان للهدوء، للحلم، اخليال، ضد احللم، ضد مؤامرة هناك أن أحيانا أحس أتدرون جرافة. صوت يبتسم الطالب. نعاود احللم. نصف إغماضة وتشتعل الشمعة، عتمة خفيفة في

Page 34: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

34

الصف. نكتب أحالمنا وهواجسنا على السبورة.

يكتب جنودي نصوصهم على الدفاتر. أكتب أنا معهم نصي. نقرأ نصوصنا على بعضنا البعض.

السؤال صيغ ودعنا لقد لهم: أقول مالحظاتهم، يبدوا أن طالبي من أطلب التقليدية: )ملاذا وبني واذكر وعدد واشرح وعلل(.

ركب، فكك، صغ، حلل، اربط، قارن، جديدة: صيغا اآلن نستخدم دعونا ذهنيا إمتاعنا على قادرا حلما حلما، نصنع أن نستطيع الصيغ هذه من تأمل،

ومعرفيا.

رام يبدي مالحظاته على نص إبراهيم:

إبراهيم أنت تكرر كلمات كثيرة في نصوصك.

إبراهيم يبدي مالحظاته على نص رام:

رام أنت متفائل جدا في نصوصك.

أنا أبدي مالحظاتي على نص عمر:

عمر، يا صديقي أنت تكثر من األسئلة في نصك.

أندهش لنصوص طالبي. أرافقهم إلى املدير. يقرأون نصوصهم أمامه، املدير ما يدهشنا؟ الذي ما يعرفون وال اندهاشنا. من مستغربون واملعلمون يندهش الذي يستأهل هذه الدهشة السعيدة؟ إنهم يرثون لنا اهتمامنا وتوترنا. آخذ تلفون املدرسة الالسلكي إلى غرفة صف فارغ في االستراحة. أهاتف وسيم الكردي ومتوترون فرحون طالبي لوسيم. نصوصهم طالبي يقرأ والتربوي، الشاعر ورائعون. وسيم يقول لي الحقا: هل تعرف أثر هذه االتصاالت على الطالب؟ الصف، نطاق خارج لشخص يكتبه، ما يقرأ الطالب أعرف. نعم، أجيبه: مجهوال متلقيا يتخيل تفاعالته، آثار يسمع يراه، أن دون لغويا معه يتواصل

Page 35: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

35

بالنسبة إليه... .

وأعرف أيضا أن ملركز القطان للبحث والتطوير التربوي دورا كبيرا في إيقاظ املعلم اجلميل الذي كان غافيا داخلي.

في االستراحة: أغادر الطالب والضجيج واملعلمني وأدخل قاعة املكتبة املالصقة للجبل الذي ينحني على املدرسة كأنه يعانقها أو يخنقها. أتنفس بعمق.

أضع )سي دي( موسيقى الهنود احلمر في بيته في جهاز احلاسوب.

تشتعل القاعة أصواتا. رجال في غابة يصلون أو يبكون أو ينادون أو يضحكون أو يحتضرون أو يغضبون. صوت جماعي. ال أفهم من كالمه شيئا لكني أفهم كل شيء. كأنهم يغنون ملطر سوف يطرد غبار الطريق، أو كأنهم يقولون كونوا غابة ال شجرة. ال أدري إن كان أحدهم يطرق الباب أم ال. لم انتبه، ال أريد بجانبي الضخم. اجلبل هذا يعزفها التي الغريبة املوسيقى إلى إال أصغي أن افة في املكان، اختلطت علي األصوات – طرقات باب القاعة، مع ضجيج اجلرمع صوت هنود احلمر، مع صوت الغرفة املفتوحة داخلي، مع صوت الرصاص

في املدينة.

يريح. وبعضها يزعج بعضها أصوات. .. أصوات .. أصوات احلياة. إنها بعضها معك وبعضها ضدك. إنها احلياة. أرى نفسي أسير على جبل يقود إلى غابة، حتتي أصوات غاضبة، وفوقي مطر غزير، وحولي رياح هوجاء تدفعني نحو الهاوية، وبعيدا بعيدا أسمع صوت طالبي يضحكون ويغنون: كن غابة ال شجرة. كن حديقة ال زهرة. كن مدى ال جدارا. كن أفقا ال سياجا. ما زلت على اجلبل آه أهوي، أكاد والغاضبة. اخلشنة األصوات فوق للسقوط وآيال متوترا أسير، إني أهوي، آه .. آه ..، فجأة يرسم طالبي شمعة ضخمة بلهب واسع وهادئ، يحملني اللهب كصهوة حصان باجتاه الغابة باجتاه طالبي. هناك أراهم يتوغلون وداعا - املجهول مع )املواجهة هو أستاذ يا الرحلة عنوان املجهول- أعماق في

للمعلوم( أسير معهم. ال نعرف ما الذي ينتظرنا.

أليس هذا هو هدف احلياة: أن نكتشف ونغامر ونقتحم ونخرق الوصايا ونحرق الطرق القدمية التي ال تؤدي إال إلى العبودية واخلوف، أن نعرف أكثر، أن نبحث

Page 36: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

36

عن آفاق جديدة للعيش؟

املعروف طريق بكر، منشي عليه كأننا نهاية، ما زلنا نشق طريقنا غير للغابة ليس نعزفه أو نرقصه. إلى أين نذهب؟ يا له من سؤال رائع.

واجلواب األروع: هو إلى حيث ال ندري، إلى حيث ال نعرف، إلى املجهول، آه املجهول ... املجهول.

Page 37: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

37

خريب وسحر الالمتحقق جماليات الت

Page 38: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 39: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

39

خريب وسحر الالمتحقق جماليات الت

)تدريبات صفية على مارسة القفز من النوافذ وعناق احللم(

األطفال واملجانني واألموات هم وحدهم األحرار متاما. اندهش طالبي لكالمي هذا، وهمسوا: لقد جن أستاذنا. حصتنا هذا اليوم ستكون حصة جنون وحلم وتدمير للعرف التربوي، سنقفز من النافذة واحدا تلو اآلخر. سنختار أن نكون إما مجانني وإما أمواتا وإما أطفاال، دون أن نأخذ إذنا من أحد. أترون تلك البحيرة اليوم هذا تقاليد نخرب أن وجنرب حولها ق ونتحل إليها سنذهب هناك، القذرة الدراسي، وأن نستبدل هذه التقاليد بتقاليد غريبة، بحثا عن اإلنساني املشوه فينا،

عن طاقتنا على احلياة، عن حقنا في التجريب ومارسة األخطاء.

قال ماجد: سيغضب املدير ألننا لم نأخذ إذنه للخروج.

قال رام: ليغضب، نحن نريده أن يغضب. ألسنا نهدف إلى التخريب؟

قال فراس: لكن التخريب عمل غير جيد ألنه يؤدي إلى خراب املجتمع.

قال عمر: ال أتفق معك. هذا يعتمد على ما سنخربه.

قال ماهر: أنا سأخرج من بوابة املدرسة ألنني ال أستطيع القفز من النافذة بسبب ألم في كاحلي.

قال وسام: لتبق في الصف إذن. أنت ال تصلح للجنون.

قلت أنا: األلم ضروري الكتشاف هنائنا الداخلي، اقفز وتألم مرة أخرى، ألنك ستصل قبلنا إلشراقات اجلنون.

قال أنس: أستاذ أنت غريب جدا، كيف تنصح شخصا باأللم؟!

سمعت أحمد يهمس: بالفعل، أستاذنا مجنون.

Page 40: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

40

ال احلديث، في صوتك ترفع أن دائما وتعلم ميتا، أو طفال أكون قد أو قلت: تذكر الرأي، حرية من هنا هائلة مساحة هناك أحمد يا همسا، برأيك تهمس ذلك، ألسنا مخربني للوضع االجتماعي السائد، حيث ال يتمكن إنسان بالدنا من إبداء رأيه في وجه أبيه أو معلمه أو حاكمه أو شيخ اجلامع، لقد خربنا هذا التقليد

واستبدلناه بتقليد آخر: أن نتحرر من اخلوف ونقول ما نحسه متاما.

سلوك وهذا السيئ، حتطيم يعني إنه التخريب، معنى عرفت اآلن عمرو: قال رائع.

ضج الصف بشغب مفاجئ، اشتبك الطالب مع بعضهم البعض في نقاش عنيف، تخلله صياح واتهامات، طلبت منهم أن يصمتوا ويستمعوا إلي: تذكروا أن اجلنون والتخريب ال يعني الفوضى والصياح والتجريح! تذكروا أن التحرر من السجون إنساني وأخالقي التخريب اجلميل هو عمل فينا هو عمل منظم وواع، وأن التي يهدف إلى البحث عن النضير واملزدهر واألزرق فينا، ال .. ال فائدة أبدا في كالمنا

وإمياننا إذا لم نقرن هذا الكالم بسلوك.

لنبدأ اجلنون!

- ماذا اخترمت أن تكونوا؟

قال القليل منهم: مجانني.

قال الكثير منهم: أطفاال.

طالبان اثنان فقط اختارا أن يكونا ميتني.

الصف الثامن يقع في الطابق الثاني، والعلو ليس مرتفعا جدا. قلت لهم: اقفزوا بالتحرر من تعبر عن فرحه قافز يطلقها كل تلو اآلخر، مع صيحة ورائي واحدا الدنيا مالئني فقفزوا ورائي، فرح وحشية، أمامهم، مع صيحة قفزت اجلدران، واعتذروا برؤوسهم أطلوا الصف، في بقوا الطالب نصف من أكثر صياحا، قائلني: ال نستطيع أن منارس هذا اجلنون، سيغضب املدير منا، ونخاف من آالم

القفز، ثم أننا غير مقتنعني بالفكرة.

Page 41: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

41

قلت لهم: رائع أن تختاروا موقفا حتى لو كان معارضا لفكرتي، لكم احلرية في الرفض، مطلق احلرية لكم.

املدرسة، القريبة من القذرة البركة إلى الطالب اخلمسة عشر متجهني مشيت مع أطلت رؤوس املدرسني والطالب من الصفوف املختلفة، أطلت ساخرة وغاضبة

ومستغربة، سمعنا الفوضى تدب في أنحاء املدرسة، صاح الطالب: يا مجانني!

ابتسم مجانيني. قلت لهم: يا لها من تسمية رائعة، نحن بالفعل مجانني.تشجع أنت اجلنون، لهذا حدا نضع أن يجب يصيح: التاريخ مدرس سمعنا

الطالب على الفوضى والعبث.

في هذا مثل سلوكا أشهد لم مدارس، عشر في ست در الفيزياء: مدرس صاح حياتي، يجب أن يوجه لك إنذار فوري.

سمعنا املدير ينادي بصوت عال: ارجع يا أستاذ أرجوك، إلى أين أنت ذاهب مع الطالب، أنت لم تستشرني، أرجوك هناك ضيوف قادمون من وزارة التربية بعد نصف ساعة، ال تفضحني أرجوك، عد يا أستاذ، عودوا يا طالب، سأوجه لكم

إنذارات.

ضحكت مع الطالب بصوت عال.

قال رام: هذا ما ننتظره. صح أستاذ؟

أجبت: طبعا لو لم نر سخريتهم واستغرابهم وتهديداتهم ملا جنحت فكرتنا.

سأل أمين: وما هي فكرتنا يا أستاذ؟

الفكرة ستتوصلون إليها بأنفسكم، فقط وافقوا على التجربة.

قالوا بصوت واحد وعال: نحن موافقون.

الطعام وبقايا واألكياس باألوراق مليئة قذرة بركة كانت البركة، حول حتلقنا

Page 42: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

42

تطل زالت ما الساخرة الرؤوس غزير، ملطر مهيأة الدنيا كانت ميتة، وحيوانات علينا، التهديدات نسمعها بوضوح، وصياح الطالب الساخر داخل الصفوف ميأل

الدنيا.

جاء املدير، توسل إلي أن أعود، فهناك ضيوف، بإمكاني أن أفعل ذالك الحقا إن أردت، قلت له:

عد إلى مكتبك أرجوك ال حترجني أنا، نحن نتعلم اآلن، أنا لم أفعل شيئا سيئا أو مخالفا ملصالح الطالب، فقط هي جتربة.

املدير شعره التجربة. معط إذني. قلت: هذا من شروط تأخذ لم قال: لكنك غاضبا وشتم جتاربي وصاح: قلت لك هناك ضيوف قادمون، لن يستوعبوا طريقة خروجك إلى هنا بالقفز مع الطالب من النافذة، ولن يفهموا وجود طالب حتت

املطر مع مدرسهم أرجوك عـد!

ال تتعب نفسك يا مديري، افعل ما تراه مناسبا، قم بصالحياتك، أعطني إنذارا ولن متس بسوء من قبل مفتشيك.

انصرف املدير غاضبا ومتوعدا، وحائرا وانصرفنا نحن إلى تخريبنا.

فحص وفي أنفسنا اكتشاف في رغبتنا تشاطرنا السماء وكأن للطالب: قلت األشياء.

قال عالء: املطر ضروري لزيادة اجلنون.

قال راضي: الرياح جدا مطلوبة للتحدي.

قلت: لنبدأ.

قال سمير: أستاذ أنا خائف من املدير، فهو صديق والدي أخشي أن يعاقبني.

عاد سمير إلى الصف وراح يشارك في السخرية منا مع جوقة الساخرين.

Page 43: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

43

والرياح يتساقط املطر بدأ البركة. حول ومعلما طالبا عشر األربعة نحن حتلقنا متشككة أمامنا من متر االحتاللية العسكرية والدوريات بوجوهنا، تعصف

وخائفة.

بدأت احلديث:ال شك أن احلياة ورطة، نحن متورطون فيها بوجودنا ألن احلرية هي نقيض احلياة، احلرية احلقيقية توجد فقط في امليت وفي املجنون والطفل. نحن لسنا ميتني ولسنا أطفاال وال مجانني، حتى لو زعمنا ذلك، فنحن نكذب، لهذا نحن متورطون. إن املدرسة متثل رمزا واضحا من رموز هذا التورط في شكل مصغر وصادق جدا ... وأذهانا حواسا نتحرك نحن املدرسة في وقيودها، وشروطها احلياة عن معلمني وطالبا، بأمر شيء جهنمي ومروع اسمه اجلرس، هذا اجلرس هو معادل موضوعي عادل ومنطقي ووفي للحياة، احلياة جرس ضخم معلق في أعناقنا. إذا أحببنا أن نضحك بصوت عال مثال في قاعة كبيرة يتم فيها تأبني زعيم أمة سابق، عن فنمتنع كبير، بعقاب ويهددنا توبيخنا معلنا وينهرنا فظيعة دقة اجلرس يدق

الضحك صاغرين.

قال عبد الله: ولكن الضحك حرام في مناسبة كهذه.

قلت: أرأيت يا عبد الله اجلرس دق عندك اآلن، كما سيدق عندي وعند أي بشر نحن أخالقيته، عدم أو املوضوع أخالقية نناقش ال نحن احلياة، إنها آخرين،

نناقش داللته الوجودية واإلنسانية، نحن نصف عن بعد وبشكل حيادي جدا.

سأل رشيد: وما احلل يا أستاذ هل منوت؟ أم جنن؟ أم نصبح أطفاال؟

- املوت مرفوض ألننا نحب احلياة، نحب ورطتنا، أرأيتم شخصا يحب أمله، إنه اإلنسان.

قال زيد: إذن، سنختار اجلنون أو الطفولة.

- هيا اختاروا! قلت لهم.

معظمهم اختار الطفولة وقليل منهم اختار اجلنون.

Page 44: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

44

- أنا اخترت الطفولة، قلت لهم.

طلبت منهم أن يفتحوا عيونهم ويرفعوا نظراتهم إلى األعلى، ضامني حبات املطر إلى حدقاتهم، ويحلموا مبدرسة جديدة مفترضة.

مدرسة مستحيلة وبعيدة عن الواقع البشري، مارسوا احللم الغريب والالمتحقق، فهنا السعادة، أن نحلم مبا ال يأتي أبدا، هنا اجلمال: أن منشي باجتاه احللم الصعب، إلى نظراتهم الطالب رفع واملسكينة، الهشة ساللتنا من ومتحدرين متعبني

األعلى... اغتسلت عيونهم باملطر.

قال هيثم: أريد مدرسة مصنوعة من شجر، ال أريد جدران وأسقفا، أريد أن أتلقى دروسي وبجانبي ثمار التوت.

زيت والطباشير زوارق، فيها املقاعد البحر، في مدرسة أريد جمعة: قال السمك.

قال خالد: ال أريد بنايات، بإمكاننا أن ندرس حتت الشجر أو فوق اجلبال.

قال أسعد: ال نريد سبورات، نريد أن نكتب على اجلدران.

قال عوني: املدرسة التي أحلم بها أريدها بعيدة عن املدينة، وتؤدي إليها شوارع خاصة بنا، ال سيارات نرى، وال مارة.

أو أجلس على أمد رجلي براحتي، فيها التي أجلس املدرسة قال رمزي: أحب األرض مثال.

كبيرة وحواسيب للرياضة واسعة وقاعات مسابح فيها مدرسة أريد هادي: قال بحجم املدينة، حتى ندخل في احلاسوب ونتحول إلى أرقام أو صفحات.

قال سالم: أريد مدرسة ال أجراس فيها أبدا.

قال صالح: أريد مدرسة ال مدير فيها وال نائب مدير، فقط معلمون.

Page 45: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

45

سألت الطالب: ألم تشعروا مبتعة في احللم املستحيل.

أجابوا: نعم .. نعم .. نعم.

كونها لفقدت األحالم هذه حتققت لو تتحقق، ال بأشياء نحلم أن رائع هو كم أن نتمنى مال، واقعا ألصبحت اخلاصة، وغرائبيتها جمالها لفقدت أحالما، نغيره، لواقع آخر، هنا السعادة: في الطريق إلى احللم: نحن محرومون من احللم

املستحيل، ألننا نريد أن نغير واقعنا نحو األفضل وال نعرف لذة احللم نفسها.

احللم على نتدرب أن اقترح واملتواصلة، املتحققة األحالم لعبة من للتخلص الصعب، ليس بحثا عن واقع جديد، بل بحث عن لذة احللم نفسها، عن دهشة التحسر واأللم والتأمل في ورطتنا وسجوننا ومحدوديتنا الذهنية، هذا ال يعني أني أطلب منكم أن ال حتلموا أحالما تتحقق لتغيروا واقعكم، أبدا أنا مع تغيير الواقع

دائما، ولكن هذا موضوع آخر.

قال رام: سأحلم أن أصبح إلها.

ضحك الطالب.

قال رشيد: سأحلم أن يصبح لي ست عيون وأربع عشرة أذنا حتى اسمع موسيقي احلوت األزرق.

قلت أنا: سأحلم أن أطير فوق العالم واسمع ثرثرة الفراش.

قال خالد: سأحلم أن أصبح الهواء ألجتسس على اليهود.

من تقطر وهي النشوة راقبت معهم، وحلمت خرافية، أحالما طالبي حلم رموشهم مع حبات املطر، كنا خمسة عشر كائنا بشريا نحاول أن نلتف على ورطتنا

الوجودية وعلى أجراسنا، )خربنا( التقليد اليومي، دون أن نؤذي أحدا.

هل رأيتم كم هو رائع أن نخرج عن السائد واليومي، وأن نتعرض للتهديد؛ تهديد الذين ال يشبهوننا، تهديد الذين لم يصل ذهنهم ملستوى ذهننا، أن تشعر بالتميز

Page 46: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

46

عن غيرك فهذا انتصار كبير ولذة عميقة.

قال رشيد: نحن خربنا اخلراب إذن.

قال رام: نحن متميزون ومرتفعون عن األرض، نحن نبني بطريقتنا وهم يهدمون ويعتقدون أنهم يبنون.

قال سالم: سمير تخاذل وهرب.

مرتبكون وهناك وصامدون، متخاذلون هناك احلياة؛ هي وهكذا أنا: قلت ومؤمنون، وتذكروا أن اجلميل غريب دائما.

نحن غرباء بالنسبة إليهم ألننا جميلون، رقص الطالب فرحا.

نحن جميلون، نحن جميلون.

- ماذا تعلمنا من هذه التجربة؟ سألت الطالب ونحن عائدون إلى سجوننا:

قال عبد الله: أنا ال أدري، ولكني أدري أني استمتعت.

قال خالد: خربنا اخلراب، نحن، إذن، مناضلون ومنتمون.

قال رام: تدربنا على احللم املستحيل.

قال سليم: عرفنا كم نحن متميزون.

قال زيد: غامرنا ولم نخف من التهديدات.

قال عمر: عرفنا قيمة ومتعة أن ال نستمع إال ألنفسنا.

قال رشيد: قاومنا اخلوف من اجلرس.

Page 47: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

47

قال أمين: قمنا مبا نحن مقتنعون به على الرغم من التهديد والوعيد.

سألت طالبي: وما داللة البركة القذرة؟ ألم تتساءلوا عنها وعن رمزيتها؟

قال رام: هي القبح والظالم واخلوف ونحن حولها لنتحداها.

قال عبد الله: هي الغموض املثير.

قال خالد: هي الضحية التي تشبهنا.

قال راضي: هي نحن، ونحن نحاول أن نصفي أنفسنا من القاذورات.

صحت بصوت عال: كم أنتم رائعون ... نعم ... نعم. كلكم صح، ال أحد مخطئ أبدا، تعالوا أحضنكم.

عدنا إلى الصف- السجن، كان صفير الطالب يتعالى سخرية منا، وكان املعلمون ومعرفة نور موكب نحن وكنا بإنذاراته، ينتظرنا واملدير وحيرة، بحنق يرمقوننا

يشق طريقه وسط ظلمة مثيرة للشفقة.

Page 48: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 49: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

49

جاوز يف البحث اعتناق عقيدة التائع عن الكالم الض

Page 50: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 51: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

51

ائع جاوز يف البحث عن الكالم الض اعتناق عقيدة الت

)جتربة في تدريس نص(

قلت لطالبي: تهيأوا لساعة من اإلجهاد الذهني اللذيذ، ساعة من االحتماالت، بقوة الطالب )صفق اآلن الصف هذا سنغادر والتفسيرات، واالقتحامات، وساد ضجيج خفيف(، هذه املساحة املنقبضة التي ال تساعدنا أبدا على مد سيقان مخيالتنا وأذرع جنوننا نحو القصي والالمحدود والغريب، سنجلس في احلديقة هناك حيث تنمو األزهار بهدوء دون أن يعترضها أحد هناك في احلديقة، سنبدع ونكتشف كما تكتشف األزهار ذاتها وروعتها ورائحتها، هناك نستطيع أن جنلس نفكك نحن بينما نتحسسه ... عليه جنلس ... نتشممه ... التراب على مبتعة هائلة ظل صورة معلقة، أو نبدد ضباب عبارة عالقة، أو ننطح عتمة كلمة

حرون.

في احلديقة يحثنا منظر األزهار على اإلميان برائحة الكلمات، نعم يا أصدقائي، هناك رائحة خاصة للكلمات، تلك الرائحة التي تدوخنا وتسكرنا، وتأخذ بأيدينا سنجلس احلديقة في األشياء. أبدية في سراحنا ونطلق ونذوب ونطير لنرقص تريحنا، ال رقابة على اجللسات، ال رقابة على شيء، هناك رقابة التي بالطريقة للمرور، مترهلة بفكرة نسمح لن وضيقه، وجموده التفكير جفاف على فقط هي طريقنا هي كلماتنا، هي بها واحمللوم واملغمورة والبعيدة الساخنة الكلمات قاموسنا، هذه الساعة ستكون ساعة اقتحام هائلة لكهوف الصور وتفجير ألنفاق

املعاني وآبارها.

عدد طالبي عشرة، فقد اخترتهم بناء على حبهم لألدب ورغبتهم في أن يصبحوا كتابا وشعراء.

سيسألني يزن: هي حرب إذن يا أستاذ؟

بطريقة سنطيح للكلمة، والدقيق العنيف باملعنى حرب هي نعم. سأجيب، املفاهيم قالع على سنغير املكررة، املعاني حصون سننسف القدمية، التفكير والقابلة املفتوحة واملعاني املفاهيم من وقالعا وحصونا خنادق وسنبني النهائية،

للتجدد والعاشقة للنور واحلياة.

Page 52: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

52

سيسألني أمير: هل سيكون هناك أسرى يا أستاذ؟

سأضحك أنا والطالب بصوت عال، سيطل املدير مستغربا ومتهيئا االعتراض أو مساءلة.

قلت: ال أسرى في حربنا ضد املوت والبالدة والظالم. نحن أمراء النور ومكتشفو اجلمال لصالح احلرب هذه نكسب أن نريد الظالل، وأصدقاء اجلديدة األبعاد

واحلب، لصالح هذه احلديقة املفتوحة واحلرة والنظيفة.

بعضهم جلس على راحة جسده، يجلس حسب اآلن. كل احلديقة في طالبي متكئني وقفوا آخرون القصير، الورد ظالل تفيأ منهم قسم متكئا، األرض عليها مطبوع أوراق بيدي السور حافة على أنا جلست السور، على بأجسامهم الطالب. على األوراق أوزع أقل«. »ورد درويش محمود قصيدة من سطور

الطالب ينظرون باهتمام، أراقب البهجة القلقة في وجوههم.

أصوات من حولكم يدور ما تنسوا أن حاولوا انتباهكم، أعيروني لهم: أقول سيارات وطالب وباعة خضار متجولني ومدرسني يصرخون ويهددون.

للكبير واجلميل محمود درويش، سنحاول أمامنا بضعة سطور شعرية أصدقائي العام في اكتسبناها التي واألدوات باخلبرة مزودين الفني، اإلنسان هذا نلج أن املاضي، خبرة الرؤية املجنونة احلرة، خبرة حتسس العالم بأصابع من حلم، خبرة استخدام في رغباتنا أمام احلواجز حتطيم خبرة وهم، من بأقدام احلدود اختراق

طاقاتنا على بناء عالم جديد على أنقاض القدمي اليابس.

طالبي يقرأون بصمت سطور املقطوعة، ال شيء يتحرك فيهم سوى أذهانهم.

أرفعوا رؤوسكم واسمعوني، قلت لهم.

بدأت أقرأ بصوت متلون منخفض عال تبعا ملنخفضات املعاني ومرتفعاتها.

ورد أقل»أريد مزيدا من العمر كي نلتقي ومزيدا من االغتراب

Page 53: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

53

ولو كان قلبا خفيفا ألطلقت قلبي على كل نخلةأريد مزيدا من القلب كي أستطيع الوصول إلى ساق نخلة

ولو كان عمري معي النتظرتك خلف زجاج الغيابأريد مزيدا من األغنيات ألحمل مليون باب وباب

وأنصبها خيمة في مهب البالد وأسكن جملةأريد مزيدا من السيدات ألعرف آخر قبلة

وأول موت جميل على خنجر من نبيذ السحابأريد مزيدا من العمر كي يعرف القلب أهله

وكي أستطيع الرجوع إلى ... ساعة من تراب«.

أنهيت القراءة، رفعت رأسي، ألرى تأثير إلقائي الشعري على الطالب، بعضهم ما لي يقولوا أن منهم طلبت يتنهد، كان البعض ابتسموا، آخرون حائرا، كان

وصلهم من معان وأفكار وأحاسيس.

قال رام: محمود يطلب عمرا إضافيا ليعيش أكثر، يبدو أن في انتظاره أشياء كثيرة ليحققها والعمر قصير.

قال براء: الزمن قصير والشاعر يخافه.

قال أحمد: الشاعر يحب احلياة لكن احلياة ال تكترث له.

قال أمير: الشاعر يعرف أن الزمن لن يستجيب له، فهو يستجدي أياما جديدة حلياة أخرى، الشاعر يبدو مسكينا لكنه جميل.

قال سامر: الشاعر يريد أن يسكن جملة، هذا تعبير عن رغبته في اخللود والبقاء عبر األدب.

قال محمد: فلسطني غير موجودة هنا، اإلنسان هو املوجود، ملاذا هرب محمود فلسطني خارج القصيدة.

تعني أغنية أن كل يبدو باألبواب، األغنيات فقط عن عالقة أتساءل قال خالد: بابا، وكل باب يؤدي أو يسلم ألغنية.

Page 54: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

54

قال يزن: محمود يريد نساء كثيرات، ملاذا؟

قال ؟؟؟؟: ملاذا يريد محمود مزيدا من االغتراب؟ أحب أن أفكر، ملاذا؟ فاإلنسان يبحث دائما عن االنسجام مع محيطه ال االغتراب.

زيتونة؟ وليس نخلة ملاذا نخلة، إلى ساق بالوصول يحلم الشاعر معتصم: قال فالزيتون الزيتون، يتحدث عن أنه ال والدليل فلسطني، يتحدث عن محمود ال

رمز معروف من رموز بالدنا.

قلت أنا: انطباعي األول يا أصدقائي عن القصيدة أن محمود يحب احلياة جدا، تأملوا يا أصحابي، الفراغ املفاجئ في السطر األخير: وكي أستطيع الرجوع إلى

... ساعة من تراب.

أنا أرى أن جوهر املقطوعة الشعرية ولغزها وداللتها موجودة هنا، في هذا الفراغ املساحة تعبئة هذه الساعة أن نحاول اليوم في هذه نعبئه. مهمتنا ينتظر أن الذي بكلمة واحدة، محمود ترك هذه املساحة لنا، لنستخدم مخيالتنا، الروعة ستكون ستكون إجاباتكم كل خاطئة، إجابات هناك تكون لن تفسيراتنا، جتاور في واجلملة، والقلب، والنخلة، الزمن، بني: تربطوا أن منكم أريد صحيحة،

واخليمة، والتراب، واألبواب، والغياب.

السطر في الفارغة، املساحة نعبئ أن أعتقد، ما على ميكننا، الكلمات هذه من األخير.

عتمة إلضاءة أخرى، كلمات نضيف أن اقترح أنا أستاذي قائال: أمير اعترض مساحة الفراغ، الكلمة هي: االغتراب.

أثنيت على إضافة أمير للكلمة، طلبت من طالبي التصفيق له، قبل أن أطلب منهم أن يبدأوا في التفكير، بالكلمة الضائعة.

وعالقته الشعر أسرار طبيعة عن لكم وقلته سبق مبا فقط سأذكركم لهم: قلت بالواقع، وعن حق الشاعر في االنزياح بعيدا عن احلياة، وموجوداتها بهدف القبض على سر احلياة وجوهرها، وعن حقه في الهذيان والتوغل في احللم واألسطورة.

Page 55: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

55

الشاعر إنسان مختلف متاما، يرى األشياء، ويحس بها بطريقة مختلفة. الشاعر كائن حساس جدا، يرى ما ال نرى، أسلوبه في التعبير عن شعوره، يختلف عن وكلماته اللغوية، تركيباته من نتأفف أن علينا لذلك العاديني، الناس أسلوب دالالت وصوره. معانيه تفكيك في جدا صبورين نكون أن علينا الغريبة، الشاعر عبارة عن حصان حرون ومجنون، ال يستطيع ترويضها إال اخلبير والصبور خطيرة منطقة األزرق، اللهب أوار اللهب، أوار إلى للوصول العاشق واحملب وبعيدة، مثل قمة )إيفرست(. املتسلقون اخلطرون والصبورون هم وحدهم الذين يستأهلون الوصول للقمة – اللهب، تأملوا السطور جيدا، اربطوا بني الكلمات، فككوا الصور، وحللوا األفكار، اقلبوا أرض الكلمات رأسا على عقب، انبشوا الشاعر نفسه، دائما العبارة، واغطسوا في فضائها، جتاوزوا معاني التراب حتت اعتنقوا عقيدة التجاوز، اخلقوا معانيكم أنتم، اكتبوا نصوصا شفاهية، منطلقني من نص درويش اجلميل، هذه هي إحدى مهمات األدب، حتويل القارئ إلى مؤلف، دفعه إلى اجلنون، الكتشاف ذاته، ومعرفة أعماقه جيدا، تعرفوا إلى أرواحكم، من خالل هذا النص الالهب، سافروا إلى القمم، قمم أنفسكم املضببة، واهبطوا

إلى قيعانكم املغبشة والراكدة.

وتوتر، بعمق وصمت يقرأ احلديقة وهو في بعضهم بعمق، مشى تنفس طالبي البعض انزوى في طرف احلديقة حتت ظل السور، آخرون متددوا، مستلقني على

ظهورهم، رافعني األوراق، وذائبني في سطورها.

لم تعد هناك أصوات معادية، سبق وأن دربت طالبي على نفي اخلارج، والتركيز األروقة، وهدير الصفوف زعيق مات، املدير اختفت، املدرسة الداخل، على

انطفأ.

سألت طالبي: أين نحن اآلن؟

أجابوا: نحن فينا.

إليها، اللجوء التي سبق وعلمتهم بيني وبيني، ابتسمت، وكررت اجلملة همسا حني تداهمنا سيول الواقع الثقيل.

اختفى طالبي، واختفيت أنا أيضا، كل غطس في ذاته، في كنوزه، حقيقته.

Page 56: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

56

بعد نصف ساعة عدنا إلى األرض، هبط طالبي أمامي بأقدامهم املتعبة.

كانوا يبتسمون.

قال يزن: الكلمة هي موت.

قال أشرف: إله.

قال محمد: زيتونة.

قال خالد: ساعة.

قال رام: بريق.

قال سالم: غياب.

قال أحمد: وردة.

قال محمود: جحيم.

قال فراس: صمت.

قال راضي: رعب.

قلت أنا: أرض.

قلت لهم: بعد ثوان سأختفي من أمامكم، ستخطفني جنيات الوادي، أريد من أيضا حول منه سؤاال ويتلقى يختاره، سؤاال، يسأل صديقا أن منكم واحد كل

دالالت هذه القصيدة وكلماتها وعباراتها وأجوائها.

رأيت في وجوههم الدهشة املثيرة، وخرجت من احلديقة، ووقفت في امللعب.

Page 57: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

57

سمعت أحمد يسأل راضي: هل هناك موت جميل وآخر غير جميل؟

سأل رام فراس: كيف يكون السحاب نبيذا؟

سأل سالم محمود: ما داللة الباب في القصيدة؟

نفسه الوقت وفي والسيدات القبالت عن محمود يتحدث أشرف: خالد سأل يتحدث عن اخليمة والرجوع، ما داللة هذا املزج بني الوطني والعاطفي؟

تعالوا فيهم: صحت وقلبي، جسدي من يتطاير والفرح قفزا، احلديقة دخلت اجلنيات هذه سمعت أن بعد سراحي الوادي جنيات أطلقت فقد أضمكم، فوقهم: دمعي بعض تساقط ضممتهم، وأسئلتكم، وحواركم، ضحكاتكم،

فقال أحمد: إنه نبيذ السحاب يأتي عبر عيونك يا أستاذ.

ضحكت وضحكوا.

قلت لهم: اكتبوا اآلن جمال قصيرة، تعليقا أو إضافة لقصيدة درويش.

قال أشرف: يا زمن، أيها القاتل: أعطني فرح أن أبقى ألساعد أبي في احلفل فهو عجوز.

قال سامر: أريد مزيدا من الوقت ألحارب أعداء وطني.

قال سالم: أريد وقتا إضافيا يا الهي ألحب وطني أكثر.

اخلارج في فالدنيا أخرج، أن أريد ال عبارة، بطن في اآلن أنا أقيم خالد: قال برد.

قال رام: أغرقني يا نبيذ السحاب البني، أريد أن أغيب عن الوعي.

قال محمود: غنيت فجأة، فانفتحت أبواب العالم أمامي.

Page 58: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

58

قال أمين: ال نخيل هنا، بل زيتون ونخيل روحي هرمت وأنا حزين.

قال فراس: أحب أن اغترب أكثر ألرى وطني أفضل وأحبه.

قلت أنا: يا هدير العمر توقف، أريد أن أقبل حبيبتي بطريقة جديدة.

ضحك الطالب هنا، برز اخلجل السعيد على أعينهم.

أثنيت على إبداعات أصدقائي، صفقت لهم بحرارة، وطلبت منهم أن يستعدوا لقراءتها بصوت عال.

قرأوها، أو غنوها، أو رسموها، صححت أخطاءهم القرائية، واإللقائية.

من جمال ويبدعوا شقيقه، باعتباره باملكان الزمان يستبدلوا أن منهم طلبت مخيالتهم.

قال سالم: أريد مزيدا من األمكنة، فقد سرق اليهود أرضي.

قال أحمد: أريد مزيدا من األمكنة، ألسافر أكثر.

قال أشرف: أريد مزيدا من األمكنة، ألرى أصدقائي البعيدين.

قال خالد: أريد مزيدا من األمكنة، ألموت في أكثر من مكان.

قال محمد: أريد مزيدا من األمكنة، ألكون في كل مكان حيا.

قال رام: أريد مزيدا من األمكنة، ألهرب من االحتالل.

طلبت منهم البحث عن الكلمات التي تشكل دالالت وطنية ألي شعب مضطهد أو غير مضطهد في العالم.

قال سامر: خيمة.

Page 59: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

59

قال أحمد: رجوع.

قال أشرف: االغتراب.

قال رام: أهله.

قال خالد: موت جميل.

قال راضي: البالد.

قال خالد: موت.

قلت لهم: أعيروني سمعكم مرة أخرى، قرأت القصيدة بصوت عال.

الذهنية أصبحت أفضل اآلن، كانوا يتمايلون كأني أغني الحظت أن استجابتهم أو أرقص.

قلت لهم: الحظوا املشترك فيما يريد درويش: أغنيات، قلب، عمر، سيدات.

سألتهم: ما املشترك هنا؟

أجابوا بصوت واحد: احلياة، احلياة، احلياة.

سأل أمين: ما رمز النخلة في القصيدة؟

قلت لهم: فكروا!

أجاب رام: النخلة رمز للعلو والرشاقة والزمن اخلالد.

أجاب أحمد: النخلة هي رمز للصعود واالمتداد والقوة.

قال خالد: النخلة رمز لنساء غير موجودات.

Page 60: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

60

قال راضي: النخلة هي الكون أو الوطن.

طلبت منهم أن يكتبوا في البيت نصا، مستخدمني فيه كلمات نص درويش، بعيدا نبيذ، تراب، السيدات، البالد، الغياب، عن دالالت نص درويش، وفضائه:

انتظرتك، ساق، باب، أهل، موت، قبلة.

الصف، إلى احلديقة، عدنا نهاية احلصة، خرجنا من معلنا فجأة، رن اجلرس، أم الدرج صعودهم أثناء اجلملة هذه يرددون طالبي حقا سمعت هل أدري وال أني توهمتها: نريد مزيدا من الوقت واألمكنة واألغنيات والسيدات، كي نستطيع

الرجوع إلى ساعة من لهب لذيذ.

Page 61: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

61

انظر عيون األستاذ... ثمة ملعان مبلل. هل تراه؟

Page 62: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 63: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

63

انظر عيون األستاذ ... ثمة ملعان مبلل. هل تراه؟

بينما الشتاء في اخلارج يزدهر على حواف شبابيك الصف. قلت لطالب الصف الثامن: أنا ضجر هذا اليوم، هيا نرتكب خروجا عن العادي واليومي. ونتوه في دروب معرفة جديدة. ابتهج الطالب. قفز أحمد من مقعده باجتاه النوافذ، أسدل

الستائر وعاد إلى املعقد وهو يكاد يطير طاقة.

تائر؟ سألته. - أحمد، ملاذا أسدلت الس

- ألن الشتاء هو الصوت، ألم تدرسنا وتدربنا على اإلصغاء إلى األصوات. ألم مع هي ملكة احلواس ... تقل لنا أن حاسة الس

- البارحة ليال أصغيت )تابع أحمد( إلى صوت املطر وهو يصفع األرض والبيوت، الطريق أخاديد في وصمت بهدوء ميشي وهو املاء صوت إلى أكثر وأصغيت وددت الصوت، هو فعال الشتاء أن حينها شعرت نومي. غرفة خلف الوعر حلظتها لو أخبئ الشتاء حتت حلافي، أتسامر معه وأحدثه ويحدثني عن الصيف

الذي يتربص به، واخلريف الذي انتحر والربيع الذي سافر جبنا أو مكرا.

- رائع ما قلته يا أحمد، أجمل ما فيه توحدك مع الطبيعة وانسجامك مع أصواتها. الناس تنسى أن الطبيعة تتحرك وتتنفس وتراقبنا بحزن وحيرة.

سأل محمود: ما هي املعرفة اجلديدة التي تقترح التيه في دروبها يا أستاذ؟

- لدي يا أصدقائي موضوع يؤرقني منذ مدة طويلة، هذا املوضوع نتج عن ذكريات في احلزينة الذكريات هذه والنهار، الليل في تهاجمني التي واجلامعة املدرسة سنني كذلك تشمل بل طالب، أو كتلميذ حياتي سنني على تقتصر ال أغلبها

حياتي كمعلم جديد في مدارس عديدة.

رفع أمير يده مستأذنا باحلديث:

- هل سنبحر في هذه املعرفة اجلديدة هنا بني املقاعد اجلديدة، هنا بني املقاعد اخلشبية

Page 64: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

64

اجلامدة والسبورة اخلرساء واجلدران الصماء. هيا نخرج إلى مكان آخر يا أستاذ يتالءم مع اإلبحار بعيدا والتيه واخلروج على القوانني العمياء؟

- جميل هذا االقتراح يا أمير، فاألمكنة مهمة جدا، فحني تكون األفكار مجنونة حتتاج إلى مكان مجنون يحتوي على طاقة كبيرة، على اقتراح اخليارات وتفتيح الذهن، وتفجير احلدود. وحدها األفكار العادية السطحية ما حتتاج إلى أمكنة خلف يلهث والعمق دوما، السطح عن يبحث فالسطح وسطحية. فقيرة

العمق.

لكن املشكلة يا أمير أن الشتاء في اخلارج يضيق علينا اخليارات. فمن غير املعقول أن نتوه في معرفتنا اجلديدة حتت وابل املطر والريح.

قال خالد: أنت تقول من غير املعقول؟ ال أصدق إنك أنت يا أستاذي الذي علمتنا حتويل الالمعقول إلى معقول تتحدث اآلن عن استحالة شيء على الذهن اإلنساني

والروح اإلنسانية.

اقتراحاتكم. قال أحمد: - إذن دعونا نخترع في الصف عاملا جديدا، أعطوني نقوم بقصقصة ورق الدفاتر ونصنع منها ورودا وسناسل وحدائق.

قال رمزي: نرسم على السبورة غابة فيها أسود وفيلة ومنور وغزالن.

قال حذيفة: نقوم بابتكار شجرة وصخور وطرق وعرة من أغلفة الكتب املهترئة.

قلت لهم: رائع جدا يا أصدقائي أن تكون لديكم القدرة الذهنية على تغيير العالم، استبداله والعبث اجلميل بأشيائه وحتويل مصيره، نعم أنه الذهن البشري )املهمل( الذي يستطيع حتريك اجلمادات بطاقته الكامنة التي هي بحاجة إلى استدراج ولغة

خاصة للقبض عليها وإطالقها.

املقاعد من الصف، بتغيير معالم الصف، أخرجوا الطالب بحماس شديد شرع بدأوا يقصقصون األوراق ويشكلونها على شكل أزهار وسناسل وصخور وأشجار ومنور وأسود و... و... و... الخ. أما على السبورة، فقد ألصقت غابة كبيرة الكثيفة أصوات طيور وحيوانات كاسرة. وهكذا لم يعد تطل من بني أشجارها

Page 65: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

65

واقتراحاتهم وأفكارهم وأذهانهم أياديهم الطالب فيه أعمل فقد صفا، الصف املستيقظ البشري الذهن هو هكذا لنفسي: أهمس وأنا أراقبهم كنت العنيدة، الذهن. إرادة هذا أمام الذي يعرف عمقه وتأثيره وقوته. ال شيء يقف الرشيق يتمتع ذهن الدائم، التغيير في والرغبات البديلة والطرق باخليارات مليء ذهن بكبرياء عظيم، ورفض دائم للتدجني وتلقي األوامر. ذهن يعمل وحده، مبرمج

على اقتحام الطرق املقفلة وحتدي السدود وهز القناعات.

قال فؤاد: هيا يا أستاذ، نحن مستعدون متاما للتيه.

قال حسن: ما هو املوضوع الذي يؤرقك منذ فترة؟ وما هي الذكريات يا أستاذ التي هيجت هذا املوضوع فيك؟

- قبل ليال عدة يا أصدقاء، شاهدت فيلما أجنبيا على إحدى القنوات الفضائية، إلى سكنتني الطفلية املرأة هذه مالمح جدا، فاتنة امرأة ظهرت الفيلم هذا في حد األرق. وال أعرف ملاذا أحسست حينها أني أعرف هذه املالمح وهي ليست وذاكرتي أعماقي في املالمح هذه معرفة من اقتربت كلما وكنت عني، غريبة تهت من جديد، وتداخلت مالمح أخرى مع بعضها. فأشعر بحسرة لذيذة، في أنه سيجده يعرف جيدا، لكنه منذ زمن يبحث عن شخص حسرة شخص آخر املطاف. وفي ذات ليلة طويلة، وأنا منكب بكل كياني على سطور رواية، هجمت علي املالمح من جديد. وعندها أغمضت عيني وتركت الكتاب يسقط من بني يدي وغرقت في عتمة هائلة، ورويدا رويدا توضحت املالمح وتكشفت في وصديقتي زميلتي )هدى( وجه إنه وأتذكره، جيدا أعرفه وجه صورة عن أو يعرف معنى كلمة شر أبيض جدا، ال الرابع، وجه واسع، مستدير ف الصأذى، أو عنف، منذ الصف األول وأنا أجلس بجانب هدى، كنا نتقاسم أرغفة على ومواظبة دراستها، في جدا متفوقة وكانت احللوى، وقطع الساندويتش القبيح خطي من الصف وتلميذات تالميذ سخر وحني املدرسية، واجباتها وهتفوا في وجهي ونحن نازلون على درج املدرسة: خرابيش الدجاج، خرابيش فلزموا املديرة. بإبالغ وهددتهم وجوههم، في هدى صرخت الدجاج. وانتقلت أخرى. مدرسة إلى انتقلت الرابع، الصف بعد وتفرقوا. الصمت أنا إلى مدرسة إناث وذهبت هدى إلى مدرسة أخرى، ذهبت هي إلى مدرسة ذكور. لم أعد أرى هدى، صار يجلس بجانبي في الصف اخلامس تلميذ اسمه وصالح، هدى شفتيه: على خفيفة وابتسامة وسألني أمين وقف هنا صالح،

Page 66: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

66

عاملان مختلفان. صحيح أستاذ؟

أنهما ال يستطيعان بالتأكيد مختلفان، ولكن مهال، هما أيضا متكامالن مبعنى -أن )مختلفان( كلمة من يفهم ال أن أرجو البعض. بعضهما عن االستغناء

أحدهما أقل قيمة من اآلخر.

- أكمل يا أستاذ أكمل. قال حسن.

- وهكذا اختفت )هدى( من حياتي. كنت أحس اجتاهها بشعور مريح جدا. لم أحزن كثيرا حينها، لكني شعرت بفراغ ما يتكون شيئا فشيئا في أعماقي، وكبر معي هذا الفراغ، حتى حتول إلى حزن خفي وصامت، وغصة هادئة تتحرك ببطء

في دمي. ومضت بي السنون جترفني بأحداثها وخارطاتها وتقلباتها.

لم أجلس أثناءها بجانب بنت في مدرسة، كان هناك أشرف وهادي وخالد وعدنان، لم أنس هدى أبدا – ظلت حتى فترة بعيدة تتربع بخيالء وهدوء في داخلي، وشيئا فشيئا غامت صورتها واندثرت. ولم أعد أذكر مالمحها، وإن كنت أتذكر أسمها براءتها بكامل داخلي هدى استيقظت األجنبية، املمثلة شاهدت وحني أحيانا. وصفاء نظرتها، وطيبة قلبها. ومنذ ذلك الوقت وأنا أبحث بيني وبني نفسي في سؤال مهم جدا: إلى أي مدى أثر غياب هدى كزميلة صف على طاقتي وروحي؟ أريد منكم اآلن يا أصدقائي أن تعينوني بإحساساتكم واقتراحاتكم وآرائكم على فهم هذا املوضوع ومحاولة الوصول إلى إجابة تريح أذهاننا، على الرغم من أنني متأكد أننا سنظل نسأل ونسال، ونتوهم أننا وصلنا إلى إجابات، إنني أعرف متاما ا اإلجابات فهي ال تريحنا وال ترغب فينا، كما أننا أننا أحفاد للسؤال وأحباؤه، أمال نحبها وال نرغب فيها. أريد منكم يا أحبائي أن تدركوا أمرا مهما، وهو أنكم بحكم أنكم لم تعيشوا واقع االختالط وإحساس عدم االختالط، لذلك، أرجو منكم أن تتأنوا في اإلفصاح عن مشاعركم اجتاه غياب اجلنس اآلخر عن صفوفكم، إنساني طبيعي، وهذا فأنتم قد تصدرون في مواقفكم عن حنني عاطفي وعطش هو االختالط في رغبتكم وراء الدافع يكون أن أريد ال لكن وعادي. مشروع فقط االندفاع العاطفي وتلبية ألشواق جسدية أو عاطفية، فقط أريدكم أن تتعمقوا قلوبكم على فقط ليس الواقع االختالط غياب ضرر وتقيسوا املسألة فهم في ومشاعركم، ولكن على طاقتكم على احلياة، وعلى روحك املعنوية وإحساسك بنفسك وعالقتك مع العالم. أريدكم أن جتيبوا عن هذا السؤال بكلمة صغيرة دون

Page 67: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

67

أل التعريف: السؤال هو: ماذا تعني لك زميلة املعقد الدراسي. وهو املعنى الذي ال ينطبق على الزميل.

قال هاشم: راحة.

قال سمير: سفر.

قال رامي: ارتفاع.

قال علي: صمت.

قال كامل: مكتبة.

قال زكي: هياج.

قال صابر: حديقة.

قال هيثم: حلم.

قال هادي: صعود.

قال رائد: حركة.

قال سليم: نار.

قال عبد الرحمن: ذكاء.

قال سمير: مطر.

قال أمجد: تعطل.

قال فادي: ثرثرة.

Page 68: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

68

قال مسعود: حرام.

قال خليل: بئر.

سجلت كلمات أصدقائي على السبورة. طلبت منهم تأمل كلماتهم واإلسهاب في شرحها وتفكيكها.

قال هاشم: ارتاح حني جتلس بجانبي بنت، وال أعرف ملاذا؟

قال سمير: أسافر إلى النجوم وتنبت في عيني أجنحة وأطير.

قال رامي: أحس بارتفاع في نظري لألشياء.

قال علي: أصمت أكثر بجانب بنت، بجانب شاب أثرثر.

قال كامل: أحس أني أجتول بني رفوف مكتبة.

قال ربحي: أحس هياج أمواج في قلبي.

قال صابر: كأني أقطف وردة زنبق من حديقة.

قال هيثم: كأني أحلم.

قال هادي: كأني أصعد جبال وألهث وال أصل.

قال رائد: األشياء تتحرك، الستائر تغني.

قال سليم: نار تأكل عيني.

قال سمير: أحس أني ذكي.

قال أمجد: أحس أنها ستمطر بعد قليل.

Page 69: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

69

قال فادي: أحس برغبة في الثرثرة.

قال مسعود: أحس أنني أرتكب حراما وأخاف.

قال خليل: أحس أني أغوص في بئر ال قاع فيها.

- وماذا كنت حتس أنت يا أستاذ؟ سؤال مفيد.

- كنت أحس أنني إنسان جميل جدا، رغبتي في الدراسة تزداد وحتصيلي يتحسن، وأحيانا والكالم، الرقص في أرغب كبيرة، احلياة على طاقتي أن أحس كنت الصمت املمتع، كنت أحس أني طائر يستطيع الطيران في أي فضاء يريده، وأنني محمي وال خطر يستطيع الوصول إلي. كنت أحس أن طعم املعلم واحلياة واملواد

والعام مختلف.

- وماذا كانت حتس هي يا أستاذ؟ سأل خليل.

- ال أعرف، لكني أعتقد أنها لو سئلت اآلن ألجابت اإلجابات نفسها.

- أين هدى اآلن يا أستاذ؟ سأل شادي.

تكون قد أعرف لو أود حقا أعرف، ليتني شادي، صديقي يا أعرف ليتني -موجودة في أي مكان- بجوار املدرسة أو خارج البالد. لكن هذا موضوع غير أني جتاوزت الرغم من مهم إطالقا. هدى فراغ ما زال يعيش داخلي- وعلى وزميالت وحبيبات، صديقات ... كثيرات نساء حياتي وعبرت األربعني الفراغ ما زال موجودا. وهو لن يبتسمون(، إال أن هذا وقريبات. )الطالب يزول أبدا، إن األمر يشبه أن تفصل قوة شريرة عينك اليسرى عن وجهك بعد بعني العيش من طويلة سنني وبعد سليمتني، بعينني والدتك من قصيرة فترة واحدة، تعاد لك العني املفقودة. إنك لن تنسى سنني العمر النصفي تلك املؤملة احملفورة في فضاء ذاكرتك. ستبقى تعاني من دوار العتمة اخلفيفة، حتى ولو

دلقت عليك كل أنوار العالم.

اسمع يزدهر، زال ما والشتاء املكان يفترس قلق صمت ثمة ساكتون، الطالب

Page 70: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

70

همسات هنا وهناك، وال أدري إن كان ما سمعته من أحمد لزميله هو بالضبط ما قاله أم أنني توهمت هذه الكلمات:

انظر عيون األستاذ، ثمة ملعان مبلل فيها. هل تراه؟

Page 71: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

71

حكاية معلم الفن اجملنون رتني ذي العينني املشج

وطالبه الذين اختفوا فجأة

Page 72: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 73: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

73

حكاية معلم الفن اجملنون رتني ذي العينني املشج

وطالبه الذين اختفوا فجأة

الشرطة

معلم مع كامل صف طالب »أن يصيح: متوتر صوت اندفع املركز، هاتف رن الفن في مدرسة ما في املدينة قد اختفوا«. لم نفهم في البداية ماذا عنى الصوت وطالب املنذهل املدير استجوبنا املدرسة، إلى ذهبنا الطالب، باختفاء املتوتر الصفوف األخرى اخلائفني، الكل أجمع على أنهم شاهدوا املعلم »غريب األطوار الثامن ذا القميص املشجر والشعر الشجري والعينني املشجرتني« وطالب الصف »ج« يدخلون الصف بداية احلصة الثانية، وأنهم لم يشاهدوا الباب يفتح أبدا، ولم يخرج أي طالب إلى املرحاض أو إلحضار غرض، مثل طباشير أو أوراق ...

الخ، كما يحدث عادة.

منذ املدرسة في تعني منذ ومربيه الصف هذا ملعلم يرحت لم إنه لنا: قال املدير عامني، فهو ال يتكلم مع املدرسني، يعتكف معظم استراحاته في املكتبة، يغلق الباب على نفسه، وأنه تسمع في املكتبة أصوات موسيقى غريبة يتخللها أصوات هذا طالب بني العالقة يصلون، أو يرقصون أو يبكون وبشر وحيوانات طيور الصف املختفي وبني هذا املعلم ذي القميص املشجر والعينني املشجرتني والشعر األولى احلصة منذ املدرسة، إلى املعلم هذا جاء منذ غريبة، كانت الشجري، على ميشون الصمت، إلى أميل صاروا مفاجئ، تغير الطالب أصاب تقريبا، لطيران يستعدون وكأنهم منها، واخلروج املدرسة إلى الدخول أثناء األرض قادم بعد قليل، ينظرون كثيرا إلى السماء، لم يعودوا يلعبون ويركضون خلف دائري بسقف جدا قدمي بيت داخل ميضونه االستراحة وقت البعض، بعضهم وأرضية مبعثرة وجدران سميكة وفوضوية. وهو قبر أو مسكن لولي مات قبل خمسمائة سنة كما يروي سكان املنطقة اسمه )سيدي جنم(. مفتاح بيت »سيدي الفن. الغريب. بحكم كونه معلم جنم« موجود فقط بحوزة معلم هذا الصف إفادة آذن املدرسة قالت إنه سمع طالبني من هذا الصف يهمسان لبعضهما البعض

بهذه اجلمل:

Page 74: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

74

األول للثاني: أنا اخترت أن أكون طائرا متوحشا.

الثاني لألول: أنا اخترت أن أكون حصانا بريا ال يفعل شيئا سوى الركض، وال يصلح ظهره لركوب أحد سوى الريح.

األول للثاني: اخفض صوتك، فلو عرف الناس مبا ننوي فعله ألخفقت خططنا وبقينا بشرا عاديني نساق كالشياه في محفل الطاعة األبدية.

سوى شيئا يفعل ال بريا حصانا تكون أن يعني ماذا تدري هل لألول: الثاني سأتذوق أنني يعني ذلك الريح؟ سوى أحد لركوب يصلح ال وظهره الركض، طعم بدائية الريح، وهي تذوب في منخري، وأنني سوف اختلط في الريح لدرجة

أنني سأعجز عن معرفة نفسي: هل أنا حصان أم ريح؟

امتحان فاستعدوا ... وإال. املعلم غدا لنا أني لن أخاف حني يقول ذلك يعني وفق شعري أقص حني لي املدرسة مدير لتهديدات أرضخ لن أني يعني ذلك رغبتي، وحني أحضر بلباس اختاره أنا ال قوانني املدرسة، وحني أحتج على ضرب

معلم الرياضيات لزميل لي، ألنه يبتسم باستمرار في احلصة.

األول للثاني: يا الهي! ماذا فعل بنا هذا املعلم املجنون؟

وهل تعرف ماذا يعني أن تصبح طائرا متوحشا ... يعني أنني لن أقف في الطابور الصباحي مستمعا للنشيد الوطني الذي مللته ومتثائبا مع مئات املتثائبني من زمالئي، وخاضعا ألوامر االنحناء واالرتفاع ... يعني أنني سأمتلك نظرة أخرى لألشياء

غير نظرة النملة الضيقة.

الثاني لألول: يا إلهي! ماذا فعل بنا هذا املدرس املجنون؟

إفادة معلم الرياضة

بينما كنت في امللعب أعلم طالب اخلامس«ب« فن االنحناء أمام احلواجز، مر بي طالب الصف املختفي صامتني ومعلمهم الغريب، واندسوا كلهم في عتمة »سيدي

جنم«، أغلقوا الباب خلفهم بإحكام، وساد صمت غير مفهوم.

Page 75: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

75

أفاد الطالب أمين في الصف اخلامس »ب«: أقسم أني رأيت ما يشبه طرف أجنحة فضية المعة منغرسة بخاصرة أحد الطالب.

شرفتي خالل من عيني بأم شاهدت املدرسة: جارة أحمد« »أم احلاجة إفادة غريبة أشكاال بأيديهم يرسمون وهم الصف طالب املختفي الصف على املطلة في الهواء، معلمهم ذي العينني املشجرتني والقميص املشجر والشعر املشجر كان يرسم هو اآلخر، عيناه بدتا جاحظتان، انفعاالت مخيفة تسيل في وجهه، فجأة أمام التي رسموها، ويختفون من الرسومات يلبسون أو رأيتهم وكأنهم يعانقون

ناظري، اعتقدت في البداية أني أتخيل أشياء غريبة بفعل عيني الكليلتني.

احملققون حائرون

جمع رئيس قسم التحقيقات، في مركز شرطة املدينة إفادات املدير والطالب واآلذن ومدرس الرياضة واحلاجة أم أحمد، واملعلمني، وضعها أمام طاقم احملققني، ساد الرئيس بحرج املكتب إحساس بعجز كبير عن كشف سر االختفاء، ووقع فضاء كبير أمام أسئلة الصحافيني الذين تدفقوا على املركز، زاد من إرباك املوقف وفوضاه الباكية ومطالبتهم املركز، بوابات على العنيف وجتمعهم الطلبة أهالي صراخ

واملهددة بكشف سر اختفاء أبنائهم.

االحتالل ينفي اعتقال الطالب

نفى مصدر مسؤول في قوات االحتالل اإلسرائيلي، مسؤوليته عن اعتقال طالب في يبلغ لم أنه املصدر وأفاد الله، رام مدينة في مدرسة في »ج« الثامن الصف

املنطقة عن حوادث تبرر احتجاز طالب مدرسة.

خبر االختفاء في صحيفة محلية

صف مدرسي كامل اختفي مع معلم الفن، في إحدى مدارس رام الله، مصادر في الشرطة أفادت أن ظروف االختفاء غامضة جدا. مصدر مسؤول في وزارة التربية والتعليم قال إنه ليس هناك دليل على جرمية جنائية أو سياسية، وأن التحقيقات ما

زالت مستمرة.

Page 76: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

76

تقرير مفتش الفن عن مدرس الفن املختفي

مريبة، الرسم تعليم في طريقته وفوضوي، طويل فشعره شكله، يعجبني لم فهو ال يؤمن باأللوان، خامته األساسية الهواء، وفرشاته يده وذهنه، املدرس لم ينبس بكلمة، أصابع يده وإمياءات عينيه هي طريقته في التعليم، أوصي باالنتباه له

ومتابعة سلوكه، فقد يكون خطيرا جدا على أذهان الطالب.

تقرير مدير املدرسة عن مدرس الفن

ال أعرف بالضبط ما طبيعة هذا املعلم، أحيانا أحس أنه بسيط جدا، وأحيانا أخاف إلغاء اقترح علي باملعلمني وال يصافحهم. يختلط فهو ال أفكاره وسلوكه، من النشيد الوطني، ألن استمرار سماعه يسبب للطالب امللل واإلحباط والالمعنى، اقترح استبداله بأغان لفيروز، مثال أو عبد الوهاب، ضحكت عليه في سري ...

إنه مجنون حقا.

ذوقه حسب الطالب يختارها مبالبس واستبداله الرسمي الزي إلغاء اقترح ومرة وتفكيره وأحالمه، أوصي بإرسال جلنة لفحص ذهن هذا املعلم، فقد يكون خطيرا

على األجيال.

بوح ليلي حزين ألم طالب مفقود

في اآلونة األخيرة، كان يكثر النظر إلى النجوم، طاقته اجلسدية مؤخرا ضعفت، في نفسه يحشر كان خطير، بشكل تصاعدت، الداخلية، الذهنية طاقته بينما ما يرسم الفراغ، أشكاال غريبة، مرة بيده في يرسم الباب أراه من ثقب غرفته، يشبه احلصان، وأخرى شمسا، وثالثة بيوتا عالية تشبه اجلبال وجزرا نائية وعصافير لي يقول كان اجلذوع. ضخم غريبا، وشجرا واأللوان، األشكال مختلفة الهواء تقوده إلى شعور متع جدا، باستمرار أن حرية يده وهو يرسم أو حتفر في وأن االستمرار في الرسم مع التركيز ونفي الوجود املرئي، يؤدي حتما إلى جتسد الشكل املرسوم ووجوده احلقيقي. وقال لي مرة أن معلم الفن ذا العينني املشجرتني قال له: إنه بينما كان يرسم حصانا في الفراغ الليلي فوق تلة من تالل أريحا العالية بني فجأة حصان صهل وساكتا، نائما العالم فيه كان الذي الوقت في اجلرداء،

يديه، فركبه ومضى عائدا إلى رام الله القريبة.

Page 77: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

77

ماذا قالت روح سيدي جنم؟

كانوا يأتون لي خفافا، ثملني بالصمت، معلمهم كائن مجنون يتعاطى التحريض لهم يقول فهو واحلياة، واحلب للتعلم سبيال األشياء في والذوبان التحول على بانشغاالتهم غافلون الناس الكون، هذا سر التحوالت احللم: يشبه بصوت العادية عما يحيط بهم من صخور وشجر ومطر وغيوم، فلو حدقنا في ساق ضخم لشجرة، لسمعنا أصوات تنفس، أو بكاء، أو نداء، أو صالة، أو رقص، ... مشكلة الناس في عاملنا هذا، أنهم ال يعرفون معنى كلمة حتديق، فلو ذاقوا طعمها لتغيرت حياتهم، الكتشفوا كم هم واسعون وجميلون وأقوياء، التحديق يعطيك فرصة استرجاع معنى قواك غير املرئية، التحديق ينقي الهواء الذي تتنفسه، ويصور

لك الشجرة أما لك، والغيمة جدة أو جارة.

الطالب -والكالم ما زال لسيدي جنم- كانوا ينفذون أقوال معلمهم بفرح هادئ، كنت أراهم يحدقون في جدراني املشققة القاسية، أو عشبة خضراء تطل بإصرار دون محدقني ميضونها كاملة احلصة كانت الصلب، الدائري سقفي شقوق من أي حركة، أصوات الطالب في اخلارج )في ملعب املدرسة( لم تكن تشكل لهم إزعاجا، فقد دربهم هذا املعلم ذو العينني املشجرتني على قتال اخلارج، أو جتميده، ز، أحببت هذا املعلم، سحرني هؤالء الطالب، أو اعتقاله في قبضة انفصالهم املركفألول مرة يزورني أشخاص مختلفون، يحترمون هيبة فضائي، يعرفون قيمتي، ينتزعون أحشائي، في يعبثون ومزعجني سطحيني على اعتدت لقد وتاريخي، أرضي، حجارة يسرقون الغبية بأرجلهم جدراني يكشطون بفظاظة، عشبي

يشتمون تاريخ سقفي بقفزاتهم البهلوانية.

رسائل املختفني القصيرة

الطلبة اختفاء في احملققني أن صحافي مؤمتر في املدينة شرطة مركز أفاد وأخيرا وذلك في الغامض قد عثروا على قصاصات رسائل قصيرة لطالب الثامن “ج”، مرسومة أشكال على الكلمات بجانب عثر كما جنم”، “سيدي جدران شقوق

لألشياء واألدوات التي اختفوا من خاللها.

املعلم: لست مختفيا أنا بينكم أال ترونني؟

Page 78: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

78

أتعلم املاء من أبدا. يابستكم إلى أعود لن قريب، بحر في سمكة أنا أحمد: االتساع.

التحرش فن أتعلم الريح من صهيلي! تلطم وهي الريح أجمل ما الله راضي: بأوصالي الضائعة.

صالح: يا بلهاء! أتلتهمون ثمري وتدعون اختفائي؟! أتعلم اآلن من الثمر كيف أستل من موتي حياتي.

خليل: صحيح أن موتي قريب، لكني احتفظ بسر اللهب وعذوبة الزهرة، أتعلم من الفراشات التسامح ونبل املغادرة.

واألطفال والطيور والبط الصخور صديق فأنا موجي! إلى تعالوا شاكر: والقوارب، أتعلم من البحر التاريخ احلقيقي لألشياء.

محمد: أنا ملجأ الرسل، وأنتم ملجأ الضجر والفراغ، أتعلم من الكهوف كيف أخبئ الهاربني من الطغاة.

متعة البياض من أتعلم جائع، فحم وأنتم زرقاء، روحي أبيض، حلمي يسار: الفراغ حني يرفض بيع نفسه.

مالك: أنا الفكرة وأنتم التردد، أتعلم من الذهن الربط بني سقوط ملكة وبني عجز مليكها اجلنسي.

أسامة: خطوتي واسعة يا عبيد اجلغرافيا، أتعلم من الطيران طاقة التمدد، وعمق النظر.

األبدية من أتعلم الزمن، أنا األبدية، أنا أتنفس مستقبل وبال ماض بال هاشم: متدد الطاقة.

يوسف: غيمة أنا معلقة فوق رقابكم، أراقب صحراءكم وأبتسم، أتعلم من الغيوم الكبرياء.

Page 79: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

79

حكاية أمين الطالب املذعور س جسده ف يتحس الذي ضبط يف الص

Page 80: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 81: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

81

حكاية أمين الطالب املذعور س جسده ف يتحس الذي ضبط يف الص

اخلبر انتشر في املدرسة بسرعة عجيبة: أمين الطالب في الصف الثامن ضبط في الصف يتحسس املنطقة السفلية من جسده. حسب الشهود من التالميذ قيل إن العرق كان يسيل من وجهه، وأن جسمه كان ينتفض. أمين طالب متوسط الذكاء م فيها منذ ثالث سنوات، عقاب أمين في الصف في مدرستي اإلعدادية التي أعلمن أمين جر )الكريهة( الواقعة ضبط الذي املعلم وهستيريا، جدا صارما كان احملترم الطالب »هذا ساخر: بصوت للمدير قائال املدرسة إدارة نحو عنقه الطالب باجتاه ومشى عيناه، جحظت املدير جسده«. مع السفالة ميارس كان تصادف الذين املعلمون عينيه، الدموع على حواف تقف الذي وقف مذعورا وجودهم في غرفة املدير وقفوا جميعهم وراحوا يسخرون ضاحكني من أمين: »املنطقة السفلية؟ يا حقير، يا سافل، يا منحط، يا مجرم«. أحدهم صفع أمين على وجهه وهو يصيح: ملاذا فعلت ذلك أيها الشيطان؟ أمين كان يبكي، معلمو سيشنق وكأنه بدا أن إلى أمين حول جتمعوا حصصهم، من خرجوا الصفوف اليدان يرتعش، كله اجلسم بالدموع، مليئتان حمراوان العينان قليل، بعد – عاطلتان حتى عن مسح الدموع أو اتقاء الصفعات، بدتا وكأنهما مشلولتان املدير جر أمين من شعره، باجتاه غرفة جانبية للتحقيق معه، لم يعرف أحد من املعلمني نتيجة االستجواب إال في نهاية احلصة السادسة، حني عرفنا جميعا أن أمين اعترف بإسهاب أنه لم يستطع أن ينسى املشهد اإلباحي الذي شاهده صباح هذا اليوم املبكر جدا، حيث تسلل إلى غرفة التلفاز، واستخدم رقما سريا لفتح احملطة الفضائية اإلباحية، هذا الرقم كان أمين قد سمع أباه يسر به لصديق له على

الهاتف اخلليوي.

أمين قال في اعترافاته أن أباه لم يكتشف بعد أنه كشف الرقم السري للمحطة، وهو يتوسل إلى املدير واملعلمني أن ال يخبروا أباه باملوضوع، فأبوه متدين جدا وصارم،

وقد يذبحه بالسكني.

بطريقة ما، وصل اخلبر لألب املتدين جدا، شهادات الطالب الذين يسكنون بجوار بيت أمين قالت أن أمين حشر في غرفة على السطح تستخدم لتربية الدجاج، محروما من الذهاب إلى املدرسة طبعا، الطعام يلقى له كأنه دجاجة من الدجاجات من فوق

Page 82: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

82

السياج الذي يشكل بابا للغرفة، وأن صرخات قوية كانت تسمع من الغرفة ليال، الغرفة حامال في يده عصا املتدين جدا يخرج غاضبا من بعد ذلك كان والد أمين

طويلة.

مستنفرة ومالمح شاردة، بنظرات هزيال، املدرسة إلى أمين عاد كامل شهر بعد هاج فقد أمين، مالمح توقعته ما متاما وحدث الطالب، من متوقعة لسخريات أثناء دخوله يضع يده في الطالب وماجوا ملجرد رؤيتهم أمين املسكني، كان أمين الشيطان”، أيها جيبك من يدك “أخرج احة: الس في عنه مر معلم فنهره جيبه، يا الشيكل عن أبحث “كنت ميت: بصوت يقول وهو بسرعة أمين فأخرجها

أستاذ... والله كنت أبحث عن الشيكل”.

لم ينس طالب مدرستي الستمائة مع معلميها العشرين حكاية أمين الذي ضبط وهو يتحسس جسده، حتى بعد مضي أشهر على وقوعها، حتول أمين إلى شخص آخر، يتلعثم في كالمه، وهبط مستوى حتصيله انطوائي، مرعوب، مشوش، حزين،

هبوطا مريعا.

أربيه عن الذي الصف وهو “ج” الثامن الصف أبحث مع طالب وأنا يوم ذات املدهش نحو والشرود واحللم والكتابة التأمل في لنستخدمها جديدة مواضيع واملربك وغير الواضح واملثير لطاقاتنا وحواسنا وأرواحنا، خطرت في بالي حكاية والغريب واحملير امللتبس عن اآلن تبحثون ألستم للطالب: قلت املذعور، أمين السلوك املفهوم في التناقض غير من األفكار واحلكايات والوقائع واملشاعر وعن اإلنساني؟ أجاب الطالب: بلى. قلت: إذن هيا نناقش حكاية أمين املذعور الذي ضبط يتحسس جسده في الصف، بعض الطالب انفجر بالضحك، بعضهم هزوا حتمسا مصراعيها على عيونهم فتحوا اآلخر، البعض وتعاطفا، حزنا رؤوسهم

للفكرة وتفاعال مع وقعها وفضاءاتها احملتملة.

قال سمير: هيا نصوت على الفكرة: من يؤيد مناقشة الفكرة عليه رفع يده، رفع عشرون طالبا تقريبا أيديهم. من خمسة وثالثني طالبا هم مجموع طالب الثامن قلت للطالب الذين لم يتحمسوا للفكرة: بإمكانكم الذهاب إلى املكتبة، “ج”. خرج الطالب اخلمسة عشر إلى املكتبة، وبقي في الصف العشرون املتحمسون، واكتشفت أن الطالب اخلارجني هم أنفسهم الذين ضحكوا ساخرين حني اقترحت

نقاش فكرة حكاية أمين املذكور.

Page 83: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

83

عشرون طالبا متحمسا للتحليق في سماء حكاية جديدة وأنا، جالسون في الصف الثامن “ج”. صامتون ال نعرف من أين نبدأ.

قال جهاد: معلمنا العزيز إن نقاش حكاية مثل هذه يحتاج إلى مكان مختلف نكون فيه، مكان يشبه مالمح احلكاية الغريبة والطريفة واحملزنة واخلطيرة.

قال عادل: أنا أقترح أن نذهب إلى قمة اجلبل، هناك حتت شجر التني. أشار عادل إلى اجلبل القريب.

قال خالد: اقتراحي أن نهبط إلى الوادي هناك حتت شجرة الزيتون. وأشار خالد نحو الوادي القريب.

قلت أنا: ملاذا الوادي وملاذا اجلبل؟

وبعيدة، عالية فهي احلكاية، أو الفكرة مثل متاما وبعيد عال اجلبل عادل: قال فال البعيدة. أعماقنا من تأتي حني األفكار يعترض شيء ال القمة في وهناك بيوت، وال سيارات، وال مدارس، وال مناهج. كل شيء هناك غض وعفوي

ومتسامح وحر.

قال خالد: اقترحت الوادي؛ ألن الهبوط في املكان يوازي الهبوط في التفكير نحو األعمق، والبعد واحلقيقي والشجاع من الهواجس الكامنة داخلنا تنتظر استفزازنا

لها.

بالفكرة وعالقتها لألمكنة تفسيركما هو رائع االختالف، هذا رائع قلت: واإلحساس.

“من يصوت على الوادي، ومن يصوت على اجلبل؟”. قلت لهم. خمسة صوتوا على الوادي وخمسة عشر طالبا صوتوا على اجلبل. قلت لهم: استعدوا للجبل. بدأ الطالب بتجهيز احلقائب استعدادا للصعود. قال عدنان ستكون هناك معركة

صغيرة يا أستاذ أمامنا وهي موافقة املدير.

أن يخاف باخلذالن واحلزن، عليه املدير بسرعة ألحسست لو وافق قال حسان:

Page 84: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

84

ويرتبك ويستفسر عن سبب الصعود ومدته حتى أشعر بالبطولة والنصر والقوة.

قال كامل: ماذا لو رفض املدير يا أستاذ؟

واالرتباك واخلوف الرفض غير مدارسنا في للمديرين مهمة هناك وهل قلت: التوقع وغير مشمولة في دفتر حسابات أفكار حديثة وغير منطية وبعيدة عن أمام

املديرين.

قال سعيد: سنقفز عن السور كما فعلنا في السابق، أليس كذلك يا أستاذ؟

استطال وإذا سنقفز، رفض وإذا املدير. نقنع أن طاقاتنا بكل سنحاول قلت: السور سوف نطير.

صرخ الطالب بصوت جماعي وعال: نعم .. نعم لنقفز، سوف نقفز، ما أروع القفز عن السور. سنطير، هيا نطير .. نطير .. نطير.

ف معا بهدوء، وقف املدير أمامنا، غير مصدق حلكاية الصعود إلى خرجنا من الصاجلبل.

- وماذا ستفعلون هناك يا أستاذ زياد؟ ماذا يختلف الصف عن اجلبل، ثم إن اجلبل اآلن مليء باألفاعي، أنا أخاف بصراحة على حياة طالب مدرستي.

معلمني شكل على واملدرسة الصف في موجودة األفاعي همسا: شريف قال عابسني، ومناهج وغبار ورطوبة وروتني وجرس أيضا وبرابيج.

سأل املدير شريف مستهجنا همسه: ماذا قلت يا ولد؟

قال شريف: كنت أقول يا مديري العزيز أن األفاعي ميكن أن تزحف إلينا في الصف عبر اجلبل أيضا. فاخلطر هو هو؛ سواء صعدنا أم لم نصعد.

لم يوافق املدير على رحلة اجلبل، رفض بشدة معلال ذلك مدعيا طبعا بأن وفدا من الوزارة في طريقه إلينا.

Page 85: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

85

همس جمال في أذني: هيا نقفز يا أستاذ، الوقت يداهمنا، واألفكار املجنونة تقف على بوابة الرأس مدلية برأسها.

مقفلة، والبوابة جدا، عال فالسياج زمالئي، يا جدا صعب القفز عامر: قال واملفتاح مع املدير.

فليذهب كل طالب قلت للطالب: إذن هيا نستخدم الطريقة األخيرة “الطيران”، مهددا املدير بهم حلق املكتبة، إلى الطالب أسرع أجنحته. ويخرج املكتبة إلى ومتوعدا، كان يصيح بي: أنا أحملك املسؤولية كاملة أستاذ زياد، فهذا آخر إنذار معك. سيكون مصيرك الفصل من املدرسة، وعدم قبولك في أي مدرسة أخرى. ق الطالب سياج املدرسة العالي، وطاروا بأجنحتهم التي صنعها كل منهم من تسلخامات عديدة من البالستيك، والورق، والنحاس، والقماش، وورق الشجر، وكنت في السابق قد طلبت من طالبي جتهيز أجنحة من مواد يختارونها هم حتسبا واجلدران. املسدودة واألبواب بالسياج محاصرين فيها أنفسنا جند قد ملواقف طرت مع طالبي نحو اجلبل القريب. كان املشهد رائعا، حفرنا في أجسادنا جملة رائعة بشكل عفوي دون أن نخطط لكتابتها وهي: “في األعالي متر األفكار بحرية”

محروسة بالهواء النقي، الصمت املهيب والطيور الصديقة.

النوافذ، من رؤوسهم يخرجون احملبوسة الصفوف في واملعلمون الطالب كان عند يقف وهو املدير رأينا الغريب. املنظر هذا من متفاجئني لنا يلوحون وهم املجاورة البيوت موجودا. يكن لم ورأسه جدا، صغيرا جسمه كان البوابة.

للمدرسة صعقت من واحد وعشرين جسدا بشريا يطير فوقها باجتاه اجلبل.

نصف بعد هناك وعلق الشجرة، على هبط الطالب بعض اجلبل، على هبطنا ساعة كنا جميعا متحررين من األجنحة وجالسني فيما يشبه دائرة حتت شجرة تني

ضخمة.

تكن على لم أنك ويعتقدون أستاذ، يا عاتبون عليك الطالب بعض هيثم: قال مستوى ما نسمعه منك من نظريات وأفكار.

أنني تعرفون فأنتم صدر. رحابة بكل عتابكم إلى لالستماع مستعد أنا قلت: أدربكم دائما على قول ما يعتمل في نفوسكم بحرية.

Page 86: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

86

قال رام: ملاذا كنت محايدا ومتفرجا في حكاية أمين املذعور يا أستاذ وأنت تعرف أن املسكني لم يرتكب جرمية هو مجرد خطأ صغير كما قلت أنت لنا، لكنك لم تترجم رأيك إلى كفاح أو صراع أو معركة كما تفعل مع املدير أحيانا ومع أنظمة املدرسة؟

قلت: معكم حق يا أصدقائي، أحس أني لم أكن شجاعا في هذا املوضوع، وقد عن لذلك. الواعية وغير الواعية األسباب أحلل أن نفسي وبني بيني حاولت حساسية املوضوع وارتباطه باألهالي وقيمهم املقدسة ونظراتهم اجلامدة كل ذلك قد ل حركتي اجتاه املواجهة، قد يكون هناك سبب آخر هو أنني منذ حدثت يكون عطالذهول عن نفسي، مع املوضوع وأناقش وأحلل أفكر وأنا احملزنة الواقعة هذه واالستغراب من ردود فعل املدير واملعلمني ومعظم الطالب على هذه احلادثة قد

أخر اتخاذ موقف يتناسب مع ما أحمله من رؤى حداثية وإنسانية انقالبية.

قال محمد: هل انتهت مرحلة الذهول والنقاش مع نفسك يا أستاذ.

قلت: نعم ... نعم، يجب أن نتحرك جميعا مبوقف جماعي مع املعلمني املتفهمني والرافضني لعقاب أمين، كذلك من طالب املدرسة الذين تقاطعوا مع أمين.

قال هاني: هل سنناقش اآلن كيفية اتخاذ موقف من اإلدارة؟

ودالالتها، وماهيتها، نفسها احلكاية سنناقش اآلن ال، ... ال سعيد: قال وجذورها، وامتدادها، وردود األفعال عليها. املوقف سنناقشه الحقا.

فلسفية ناحية من احلكاية سنناقش اآلن حق، على هاني نعم، .. نعم قلت: وإنسانية، وسأبدأ بسؤال أطرحه عليكم يا أصدقائي، وأرجو اإلجابة عنه بكلمة يحبون فهم الطالب، عيون من تشع البهجة “رأيت التعريف أل دون صغيرة

اإلجابات املختصرة بكلمات دون أل التعريف”.

السؤال هو ما هو اجلسد؟

قال هاني: إطار.

قال سعيد: ورطة.

Page 87: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

87

قال رام: سر.

قال هاشم: متعة.

قال محمد: جمال.

قال خالد: خوف.

قال عادل: خيانة.

قال حسان: عذاب.

قال سمير: سؤال.

قال عدنان: موت.

قلت: ذكاء، الطالب العشرة اآلخرون طلبوا املشاركة في فعالية أخرى غير هذه فوافقت.

في الكلمات يضعوا أن الطالب من طلبت ورقة، على اإلجابات سمير سجل جمل مفيدة، بحيث تتوضح معانيهم:

قال هاني: اجلسد إطار للمعاني واألحالم واألفكار.

قال سعيد: اجلسد ورطة جميلة تأخذنا إلى أخطاء مشروعة.

قال رام: اجلسد سر جميل أجمل ما فيه غموضه.

قال هاشم: اجلسد متعة تعطينا التواصل مع العالم.

قال محمد: اجلسد جمال دائم ويعطينا راحة البصر.

Page 88: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

88

قال خالد: اجلسد خوف الطبيعة من ذاتها املتوحشة.

قال عادل: اجلسد خيانة الطبيعة لنفسها.

قال حسان: اجلسد عذاب مستمر لكنه محتمل وأحيانا متع.

قال سمير: اجلسد سؤال كبير لم يجب عليه أحد بعد.

قال عدنان: اجلسد موت دائم لكن حياة كبيرة موجودة فيه.

قلت أنا: اجلسد ذكاء الطبيعة حني يستبد الغباء بالعقل.

أن تعتقد رائعة هذه اإلجابات، قلت ألصدقائي وسأسأل اآلن سؤاال آخر: هل هل بالعقاب؟ رأيك وما الصف؟ في جسده حتسس حني تصرفه في أخطأ أمين

توافق عليه؟ وملاذا؟

قال مأمون: أمين أخطأ خطأ كبيرا لكن العقاب كان مبالغا فيه.

قال عبد احلليم: أمين أخطأ خطأ صغيرا وكان العقاب غير مبرر.

قال سالم: خطأ أمين أن حتسس جسده في الصف كان بإمكانه أن يفعل ذلك في البيت.

قال شريف: حتسس اجلسد ليس جرمية حتى لو حدث في الصف، أنا أرى بعض املعلمني يهرشون منطقتهم السفلية وعقاب أمين كان جرمية كاملة.

قال خلدون: أمين حتسس جسده حتت ضغط معني، واألهل يتحملون هذا اخلطأ، كان يجب أن يحافظوا على الرقم السري للمحطة اإلباحية.

قال عز الدين: عقاب أمين كان مبررا، فقد ارتكب خطأ كبيرا جدا لم يفعله أحد من قبل أبدا. لكني أؤيد نسيان املوضوع، واالعتناء بنفسية أمين املدمرة.

Page 89: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

89

قال وائل: حتسس اجلسد بحد ذاته شيء لذيذ، لكن التوقيت واملكان كانا املشكلة ذاتها.

قال عبد الرحمن: أنا متعاطف جدا مع أمين، لقد مررت بالتجربة نفسها في حفلة عرس أخي، فقد شعرت باإلثارة فجأة حني رأيت بنتا تنحني وينزلق نصف نهدها براحة وشعرت جسدي أحتسس نفسي رأيت إرادي ال وبشكل جسمها، خارج

كبيرة حينها. “الطالب يضحكون بصوت عال”.

ليس ذاته بحد اجلسد حتسس كاملة، املسؤولية يتحملون األهل أن رأيي قلت: جرمية، لقد حتسس أمين جسده راغبا في معرفة هذا اجلسد واكتشافه وهذا طبيعي جدا، الضغط الشهوي على أمين كان كبيرا، لذا فهو معذور، وميكن تبرير فعلته، في هي األساس في املشكلة ذلك. فعل ملا اإلباحية احملطة أمين يشاهد لم ولو

احملطة اإلباحية ومشاهدتها، املخطئ األول هو األب.

قال رام: هل حدث وأن حتسست جسدك وأنت صغير يا أستاذ زياد؟

كان السؤال مفاجئا “الطالب ينظرون بوجوه بعضهم البعض مبتسمني ومنتظرين اإلجابة بتلهف”.

نعم، فعلت ذلك وأفعله اآلن، متاما كما تفعل كل الكائنات البشرية وغير البشرية. حتسس اجلسد ليست جرمية في األصل. إنها فعل إنساني حميم وبريء. الفرنسيون يسمونه: “احلب مع الذات”، لكن منظومة القيم والرؤى القدمية اجلديدة وضعت املعايير من حديدي بسياج سيجته أنها لدرجة واملقدس احملرم بوتقة في اجلسد واألفكار. ملاذا ال يتشوش العالم احليواني ويضطرب ويهتز حني تتحسس حمامة أو كلب أو بقرة أو عصفورة جسدها، إننا نشاهد حيوانات كثيرة تتحسس جسدها حلسا، أو تقبيال، أو عضا، وذلك مطاردة للمتعة والكتشاف قدرتها على إعطاء نشاهد مشاهد حتسس نغضب وال نضطرب حني نحن وال نستاء ملاذا ال اللذة.

احليوانات ألجسامها؟

- أرجو أن أسمع بعض اإلجابات منكم، قلت لطالبي.

قال سعيد: ألن ال قيم وال معايير في حياة احليوان وعامله.

Page 90: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

90

نظريات من نابع هذا وخوفهم أجسادهم، من يخافون البشر ألن عدنان: قال حترمي هم واضعوها.

ومتعة، بحرية أجسادنا لنتحسس النظريات؟ البشر يضع ملاذا إذن سالم: قال التحسس يحرمون وغريبون، جدا أغبياء البشر أنفسنا، مع منسجمني ونكون

ويتحسسون أجسادهم. إنهم يناقضون أنفسهم. إنهم كذابون.

بال معايير، بال قيم، بال حيوانات نكون أن تريدنا سالم يا أنت إذن رام: قال أخالق.

قلت: أنا اتفق مع رام: نحن بشر وعاملنا محكوم مبنظومة قوانني عامة، علينا أن ال نتجاوزها ألن جتاوزها يعني وصولنا إلى مستوى احليوانية الهمجية.

هذا احترامها. يجب قوانني عن تتحدث أسمعك مرة ألول أستاذ خالد: قال غريب.

قلت: أنا أحتدث عن القوانني العامة التي تشكل حاجزا وفاصال بيننا وبني احليوان، الغبي والسيطرة وتعتيم عوالم أجسادهم البشر للتحكم التي وضعها القوانني أما

وتسخيفها، فأرفضها.

ملتبسا املوضوع يبدو أستاذ؟ يا النقطة هذه لنا توضح أن ميكن هل هاشم: قال وشائكا.

قلت: أقصد أنني أرفض مثال أن ينظر للجسد اإلنساني تلك النظرة املقدسة التي تعطيه طابعا خرافيا مخيفا وبعيدا غير قابل للمس أو التفكير أو التعبير عن شهواته، أشرت كما حيوانات إلى نتحول ال حتى معينة أسس وفق ذلك يتم أن بشرط

سابقا.

قال خالد: أستاذ أنا غير مرتاح حلديثك عن األسس والقوانني أشعرك أنك تخوننا وتخذلنا.

قلت: يا أصدقائي احلياة الوحيدة التي بال أسس وبال قوانني حياة احليوانات، هل

Page 91: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

91

تقبلون أن تصبحوا حيوانات؟

قال عدنان: لكننا أصال حيوانات يا أستاذ.

قلت أنا: نحن بالفعل من أصول حيوانية، لكننا نظمنا حياتنا وأعدنا صياغتها ورتبنا عقلنا بحيث نرتقي عن أصلنا، ونستمتع باملعرفة واإلدراك والوعي والنظام.

قال هاشم: النظام؟ أنت تتحدث عن النظام يا أستاذ؟

ألست عدو األنظمة؟ ألم تعلمنا ذلك؟

قلت: هذه نقطة يجب توضيحها. حني أقول إني ضد القوانني واألنظمة والعادات هل يعطيني هذا الكالم أو اإلدعاء احلق في خلع مالبسي كاملة والسير في رام الله دونها؟ هل يعطيني هذا احلق رفض القوانني واألنظمة أن أخرج إلى املدينة ليال، وأن أطلق العيارات النارية على الشرفات وعجالت السيارات املتوقفة، مستمتعا

بثقبها، مبررا ذلك باحلرية التي أنادي بها والقوانني التي أرفضها؟

قال سعيد: اعتقد أننا خرجنا عن موضوع أمين.

احلكاية جذور عن سنتحدث إننا نقل ألم املوضوع، صلب في نحن رام: قال وامتداداتها.

- لنعد إلى حكاية أمين - قلت- ولنحدد أين املجرم وأين الضحية.

قال هاشم: املجرم هو األب وأمين هو الضحية.

قال سعيد: الضحية هو األب وأمين أيضا.

قال رام: املجرم هو املجتمع واألب وأمين ضحايا.

قال عدنان: أجسادنا هي املجرمة وأرواحنا ضحايا.

Page 92: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

92

قال خالد: كلنا مجرمون وضحايا في آن.

قال سالم: بصراحة ال أعرف أين حدود الضحية، وأين حدود املجرم.

أنا ال أعرف في احلقيقة ففي داخل كل مجرم ضحية، وداخل كل ضحية قلت: مجرم، املوضوع مشوش.

وطالب أهالي جميعا، نحن هم والضحايا املدير هو املجرم احلليم: عبد قال ومعلمني »ضحك الطالب«.

قال عز الدين: املجرمة هي احلياة، احلياة نفسها غريبة، تفرز الضحايا واملجرمني، والعشب، النار واألرنب، األسد الكبير، والسمك الصغير السمك تخلق كما

السيف والزهرة.

قلت: لقد قاربت الشمس على املغيب. أهالينا يبحثون اآلن عنا، هيا نستعد للعود يا أصدقائي!

لبس الطالب أجنحتهم، لبست أنا جناحي املصنوعني من القماش، طرنا عائدين كانت املدرسة خاوية، ال جرس، ال ضجيج ال مديرين، ال معلمني. مررنا فوق املدينة، رأينا الناس وهم يشيرون إلينا مستغربني أو خائفني، أو فضوليني. سمعت رام يهمس لصديقه عدنان: ليتنا نبقى طائرين في السماء، هنا بإمكاننا أن نتحسس أجسادنا بحرية. هنا ال بيوت دجاج نحشر فيها، ال مدير يفصلنا وآباء قساة، ال سرية، ألرقام حاجة ال هنا مرعوبني، متوترين حانقني علينا يهجمون معلمني

ومحطات مغلقة، كل شيء مفتوح هنا، مفتوح بقوة وذكاء وتسامح الطبيعة.

Page 93: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

93

اعرتافات مدرس متدد على األرض مس لتنهشه واستسلم للش

Page 94: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 95: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

95

اعرتافات مدرس متدد على األرض مس لتنهشه واستسلم للش

)أوقات جميلة ألخطائنا النضرة(

إنه يوم مشمس من أريد أن أعتذر مني ومنكم، قلت لطالبي واقفا ثم جلست، يوم بداخلك، عما اإلفصاح في خرساء برغبة تشعر يجعلك الذي النوع ذلك ... يبتسمون للحب، للرقص، للتمطي، ثيابنا، عن الكسل لنفض للصراخ يوم مغر لالعترافات .. لالنكشاف على بعضنا البعض، لتأمل الطيات الداخلية لقمصاننا ومعاطفنا، بعد كل عاصفة ثلجية، ثمة شمس تأتي لتقول لنا: هيا تعروا على واالنكماش الكنكنة، من حترروا السميكة، واجلوارب القفازات واخلعوا

الذات، مددوا أذهانكم وابسطوا أرواحكم، إنه وقت للفضفضة:

- ماذا فعلت يا أستاذ؟ هل أسأت إلى زياد أم إلينا؟- أسأت لزياد وذهنه وقلبه، أسأت لروح قصصي، وجوهر عاملي الفني، أسأت

لكم ألني خنتكم واجنرفت مع ما يناقض ما أقوله لكم، أجبتهم.- ماذا فعلت؟ خبرنا، أنت تشوقنا للجواب.

من واستللتها ابتكرتها سرية حصة في طالبي مع موعد على أكون أسبوع كل برنامج الدروس، أطلقت عليها مبساعدة طالبي اسم )حصة االعترافات(، شيء ديدانه لتسيل الرأس صنبور وفتح الذهني والتمدد اجلسماني االسترخاء يشبه وتنفجر دمامله الداخلية ويهرب قيحه. ثمة ديدان في الرأس تتغذى على تبجحنا وغطرستنا وغبائنا وانغالقنا على ما ربينا عليه، االعترافات هواء نظيف يهز الركود

ويخلخل الرتابة.

أرجوك! قل لنا ما الذي فعلته حتى تعتذر لنا ولزياد؟

سأقول لكم: سأفصح، سأدلق خيبتي أمامكم، كما علمتكم أن تفعلوا.

أتذكرون يوم قلت لكم: إن دلق اخليبات العكرة على األرض يحولها داخلنا إلى نبيذ صاف ولذيذ.

Page 96: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

96

كنت أمشي في الشارع، معي صديقي “م”، واملشي في الشارع عادتي اليومية التي ال هدف من ورائها سوى البحث عني واستنفار حواسي واختبار أبعادي وحتسس نبض روحي احلقيقي. غالبا ما أرى زياد احلقيقي أثناء املشي، حتت خطواتي أمتدد، أمامي تنزاح الستائر عن مشاعري. فجأة رأيت رجال خمسينيا يركب دراجة في الشارع، ويضع على رأسه خوذة وخلفه كان يركب ابنه الصغير، كان املنظر غريبا بالنسبة لي، فالرجل فلسطيني يحمل على وجهه مالمح أجنبية، استفزني املشهد، ال أعرف ملاذا، شعرت بالضيق وال أعرف ملاذا. كان الناس املتشابهون جدا ميشون املالمح البعض! بعضهم يشبهون إلهي كم يا السيارات. يركبون أو الشارع في نفسها، الثياب نفسها، حركة األجسام نفسها، الرائحة نفسها، وكنت أنا أشبههم عنا مختلفا كان فقد الغريب الرجل ذلك أما كذلك، “م” صديقي وكان جدا، جميعا؛ في هيئته العامة وابتسامته الدائمة. استغرب صديقي “م” الصيحة املكبوتة التي صدرت عن جسدي وعيني، ولم أعرف أال الحقا ما هي تلك الصرخة، وما إنني نظرت املقهى بالنسبة لي. قال لي صديقي عندما جلسنا في املرعبة داللتها للرجل باشمئزاز غير مبرر، وإنني بدوت وكأنني أتعرض للدغة نحلة، أصابتني دهشة مؤملة كثيرة، بدأت حبال األسئلة حتيط بعنقي، وتتحول إلى أفاع. ملاذا تأملت حني رأيت الرجل الغريب املنظر؟ الرجل لم يؤذني، كان يركب الدراجة وخلفه

ابنه، لم يشتمني، لم يعرقل خطواتي، لم يرني أصال.

- قد يكون نظر إليك نظرة عدم اهتمام أو استهتار يا أستاذ، قال جعفر.

- قد ذكرتك مالمحه بشخص ال حتبه يا أستاذ، قال مجد.

- قد يكون شخصا تعرفه وقد أساء إليك في أيام قدمية، قال وليد.

- ال .. ال أبدا، ليس صحيحا ما قلتموه، لكني عرفت السبب الحقا، “استنفرت على ربيت ألنني كبيران”، وتشوق حتفز وجوههم على وبان الطالب مالمح ألنني عني، املختلفني كره على دربت ألنني التشابه، لفكرة األعمى االنتماء أنتم، كما التنوع، ألنني ضعيف كما التغيير واحتمال دجنت على اخلوف من كلنا، نرتعب من فكرة أن يزاحم وقتنا آخرون قادمون من فكرة أخرى، أو أرض جديدة، أو لون آخر. بسبب ذلك، كرهت الرجل الذي ال أعرف حتى اسمه، يشبهونني، ال ألنهم اآلخرين أرفض أن مقزز، شعور هذا وجوده، رفضت تعترف أدعها أحللها، أشرحها، نفسي، انتقد ألني اآلن جدا براحة أحس

Page 97: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

97

وتندم، حتى ال تعيد اخلطأ مرة أخرى.

سأدعكم اآلن تتذكرون متى آخر مرة تورطتم في خطأ رفض اآلخرين ألنهم فقط ال يشبهونكم:

أحمد: ابن جيراننا سمير، ربى شعر رأسه حتى أصبح يشبه شعر بنت، فلحقته في الشارع وسخرت منه، وصرخت عليه: شعر بنات، شعر بنات، فعلت ذلك ألن

شعره فقط ال يشبه شعري.

أمين: سخرت من ابن خالي القادم من الناصرة ألنه طويل جدا، وطوله ال يتناسب مع عمره، سخرت منه ألن طوله ال يشبه طولي.

صبي، وأنا بنت ألنها واحدة، غرفة في معي عمي بنت وجود رفضت معاذ: رفضت وجودها ألنها تختلف عني.

ضرار: شعرت في الصيف املاضي بقلق وضيق لوجود أجانب على شاطئ البحر امليت، ألنهم ال يشبهوننا، يتحدثون لغة أخرى، ويضحكون بطريقة تختلف عن يحتلون اليهود جدا، ألنهم أكره أنا البياض، أن جلدهم شديد كما ضحكاتنا، بالدنا ويقتلون أطفالنا، لكني حني رأيت يهودا يقطفون معنا الزيتون، ويحموننا

من املستوطنني اليهود أيضا استغربت، وشعرت بارتباك وبعدم فهم لألشياء.

طارق: لهجة ابن جيراننا تختلف عن لهجتي، فهو من قرية وأنا من قرية أخرى، أشعر بعدم ارتياح له وهو يتحدث، أفضل لهجة أهل قريتي، واآلن أشعر بخجل

من ذلك.

شكرت طالبي على صراحتهم، قلت لهم: املشكلة ليست في اخلطأ، فاألخطاء مطلوبة، وهي نضرة وشرعية، وتقودنا إلى احلقائق دائما، املشكلة -بل الكارثة-

هي في اعتقادنا أننا لم نخطئ.

وهل هناك يا أستاذ أشخاص يحبون اآلخرين ويحترمونهم وال يقعون في أخطاء الرفض واإلقصاء؟ هل هناك شخص كامل في هذا الشعور؟

Page 98: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

98

طبعا ال، أبدا، كلنا معرضون لهذا الشعور، ألننا -كما قلت لكم- تربينا على قيم وعادات ترفض الغريب، ومتجد احمللي والوطني متجيدا عنصريا.

وهل هذا معناه يا أستاذ أن ال نرفض االحتالل ألنه غريب ومختلف؟ هل يجب أن نحترمه وال نرفضه؟ سأل مجيد.

ال ... ال، إياكم أن تخلطوا بني املوضوعني، هذا موضوع مختلف، االحتالل شيء آخر يا أصدقائي، االحتالل فعل همجي وعنصري ومؤذ. قلت لكم سابقا إنه إذا كان املختلف عنا مؤذيا وضارا للحياة، فعلينا أن نرفضه، فحريته تنتهي إذا كانت تعني ضررا للحياة والبشر، ما دام املختلف عني طيبا وإنسانا ومساملا وغير مؤذ فال مشكلة في جتاوره معي. إذن، ال مشكلة بيننا وبني املختلف اإلنساني غير املؤذي. قد يؤذيني شبيهي، أيضا، وهنا أرى أنني يجب أن أرفضه وأقصيه، ففعل

الرفض عند اإليذاء مطلوب وضروري.

يعني لو آذاك الرجل الغريب راكب الدراجة كنت رفضته وكرهته صح أستاذ؟

طبعا صح، أرفضه ليس ألنه غريب، بل ألنه آذاني وأضر مبصاحلي كإنسان.

انظروا إلى هذين الصندوقني، كان هناك صندوقان خشبيان، ملوءان بالتراب، في أحدهما زرعت ست وردات من شقائق النعمان، واآلخر زرعت فيه أنواع مختلفة قرنفل، الغزال، قرن جوري، احلمام، جدل نرجس، ياسمني، الورود؛ من

فل.

طلبت منهم أن يتأملوا الصندوقني، ويحكوا لي عما يفضلونه جماليا.

تأمل الطالب الصندوقني وكتبوا لي انطباعاتهم عنهما:

بالتنوع إحساسا منحني ألنه املتعددة، الورود صندوق أحب مصعب: واالختالف.

أمين: أحببت التنوع في الورد ألنه أعطاني شعورا بالتنقل، وبالتالي عدم امللل.

Page 99: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

99

جميل: أحببت وردة شقائق النعمان، حتى ولو كانت مكررة، ألنها تذكرني بالدم الفلسطيني واحلزن الفلسطيني.

سفيان: أحببت صندوق الورد املتنوع، ألنه يشبه احلياة فهي متنوعة.

لديها زهرة كل متنوعة؛ حكايات تعطيني ألنها املتنوعة الزهرات أحببت نادر: حكاية.

وماذا عنك يا أستاذ؟ أيهما تفضل؟ وملاذا؟ سأل نعيم.

سأقول لكم انطباعي: أنا أؤمن دائما أن االختالف هو سمة احلياة وقانونها ولغزها الظاملة حجبت عنا طبيعتنا، وحرفت مسارها باجتاه مرضي ومتعتها، لكن تربيتنا هو حب التشابه، ورفض اآلخر، وكره التنوع، والغريب أننا نعرف أن احلياة لم تكن لتكون لوال وجود حواء وآدم، تخيلوا لو هبط آدم وحده، هل كان سيكون هناك أرض وحياة. إن أساس احلياة ومبتدأها وصرختها األولى هو االختالف،

فلنختلف عن بعضنا البعض، ونحب اختالفنا، ألنه احلياة نفسها.

أم الفرنسي تفضل من إليك بالنسبة أستاذ؟ يا الوطني إحساسنا عن وماذا -الفلسطيني؟

إلى أنتمي أيضا وإنسان وتاريخيا، وطنيا فلسطني إلى أنتمي فلسطيني، أنا -فلسطينيتي بني تناقض هناك وليس العالم، وأحب فلسطني أحب اإلنسانية، واللغة، واجلغرافيا والتاريخ األرض الفلسطيني مع يجمعني أبدا، وإنسانيتي ويجمعني مع الفرنسي أو اإليطالي أو البرتغالي كوننا ننتمي إلى كوكب األرض، ال إذن والتطور، واحلب والسالم بالرخاء نفسها األحالم نحمل بشرا وكوننا

تناقض هنا.

- وماذا عن الدين يا أستاذ، أنت مسلم والفرنسي كافر؟

- الفرنسي أوال ليس بكافر، من الذي قرر أنه كافر؟ له دينه ولي ديني، أحترم دينه ويحترم ديني، ثم إن األديان جوهرها واحد: احلب والسالم.

Page 100: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

100

- شكرا لكم، أريد منكم اآلن أن تذكروا لي مشاهد أو حاالت أو مواقف من احلياة املدرسية، تشعر فيها ومعها بامللل والفراغ والضيق ألنها غير متنوعة ومكررة:

عدنان: أكره النشيد الوطني يا أستاذ، إنه مل ومكرر وال أشعر معه بانفعال أبدا.

خالد: أكره حصص الرياضيات، ال تنوع فيها أبدا، أرقام ... أرقام.

راضي: أكره الزي املوحد، أشعر به ثقيال ومعتما.

أو وردا يحملوا لو أحب كم املدرسني، أيادي في “البربيش” أكره عمر: مشاعل.

فادي: أكره طريقة املدرسني في التدريس، إنها واحدة وملة وغير متنوعة.

تتنوع جلساتنا أن وترتيبها، كم أحب املقاعد الصف وشكل أكره شكل نضال: وجنلس كل مرة بطريقة مختلفة.

- تفكيركم يعجبني -قلت لهم- أريد منكم غدا أن تقترحوا طرقا غريبة وصاعقة تكترثوا وال التغيير خامات معكم حتضروا أن أريدكم الصف. منط لتغيير

الستياءات املدرسني واملدير واستغراباتهم القادمة.

في الصباح، عند احلصة األولى، فوجئ مدرس اجلغرافيا بشجرتي سرو مزروعتني في أرض الصف، في تربة بالطتني مت خلعهما من األرض، خرج املدرس مرغيا طالب أحضر الثاني، اليوم في طويال. الطالب ضحك املدير، حضر مزبدا، العصافير، القفص وأطلق سراح الرياضيات، فتح قفص عصافير، وأثناء حصة

هجمت اإلدارة وحققت في هذه املفاجأة، كالعادة لم يعترف أحد.

- العصافير دخلت وخرجت وحدها يا مدير، قال أحد الطالب.

في الصباح الثالث فوجئ مدرس اإلجنليزي، بترتيب آخر للمقاعد، احتج وهدد مبعاقبة الفاعلني.

Page 101: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

101

- ملاذا يا أستاذ؟ دعنا منارس التغيير لقد مللنا من الشكل القدمي لترتيب املقاعد.

قال عهده. إلى السابق النظام وأعيدوا اهدأوا القدمي، النمط على متعود أنا -مدرس اإلجنليزي.

أمام ذهول قهوة عاملفرق” “في املدرسة فيروز تصدح في الرابع: كانت الصباح الطالب الراقص وتصفيقهم احلار، وجوههم كانت تضج باحليوية وعيونهم متتلئ

باحلياة.

قبل وروحه الطالب جسد في والطاقة احليوية نبعث أن املطلوب؟ هذا أليس -الدخول إلى عالم التلقني القاتل؟ قلت للمدير.

- وماذا عن التربية، أنا أعمل وفق شروطهم، وال يهمني من أفضل ومن أنسب، أجابني املدير.

مبلولة، صخرة مباشرة، اللوح حتت تتربع كبيرة صخرة كانت اخلامس الصباح مخلوعة من األرض للتو.

صعق مدرس العربي وصاح إلهي! صخرة في صف؟!

قال طالب لصديقه: أول مرة بشوف أستاذ العربي مصعوق ومندهش، أول مرة بشوف وجهه زاخر بالقلق ومضاء باألسئلة والبحث.

Page 102: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 103: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

103

بي االنتحاريون يحتلون املدرسة طال

Page 104: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 105: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

105

بي االنتحاريون يحتلون املدرسة طال

كان األمر مفاجئا بالنسبة لي، إذ لم أكن أتوقع أن تسبب تربيتي اخلاصة واملختلفة ألذهان طالبي إلى اجنرافات متهورة وغريبة كهذه. لم أكن أشعر برضا تام، في الوقت نفسه لم أكن أشعر برفض تام أيضا. كنت محتارا وأتخبط في تلك املنطقة الواقعة بني الرغبة واخلوف، كنت أدرب طالبي على رفض اخلضوع للقوانني التي تكسر الروح وتشل الطاقة الداخلية، لم أكن متأكدا أن اقتراحهم املجنون اجلديد الذي وضعوه أمامي هذا الصباح يصب في اجتاه رفض اخلضوع أم ال؟ إذ ماذا يعني احتالل املدرسة من قبل الطالب واعتقال املدرسني واملدير واآلذن وعمال الكافتيريا األنظمة ومحاربة الطالب طاقة مصلحة في اجلنون هذا يصب هل غرفهم؟ في التعليمية التي تقهر األحاسيس؟ طلبت من أحمد وصهيب وخالد ومحمود وأمير أفكر في املكتبة يتركوني وحدي في أن األدباء لنادي اإلدارية الهيئة وهم أعضاء اقتراحهم. تأملت اخلطة املكتوبة التي كتبها الطالب جيدا، رحت أناقش املسألة بشكل موضوعي محايد، فوجدت أنها متهورة، وقد تؤذي طاقة الطالب بدال من اخلاصة برؤيتي و)حياديتي( )موضوعيتي( استبدلت ما سرعان لكني تنميتها. واملبادرة التخطيط الطالب تعلم وطريفة، رائعة خطة أنها فوجدت لألشياء، بعد وحلظة تنفيذها. قبل الوصايا ومناقشة واملريضة، املتعفنة األوامر ورفض حلظة، أقنعت نفسي أن املوضوعية واحليادية اللتني حتججت بهما لرفض اخلطة ما هما إال قناع خلوفي من فقدان وظيفتي التي اعتاش منها، فأنا في النهاية موظف- عبد، أنفذ ما أتلقاه من وصايا وكتب وتقارير ومناهج، وإذا أردت أن أرفض كوني واملتعة والفاعلية والتأثير العمل عن عاطال الشارع في أكون أن معناه فهذا ذلك

أيضا.

وفجأة! سمعت داخلي صوتا آخر، عنيفا وغاضبا، يتهمني باجلنب وعدم االنسجام ومر مفاصلي، في غريب ذعر فدب والصوتية، املجانية، والثرثرة الذات، مع أمامي شريط احلوارات التي أجراها معي صحافيون حول عالقة نصوصي القصصية بحياتي الشخصية، كنت أجيبهم بلذة: أنا نصوصي، ونصوصي أنا، تذكرت ما كنت أقول لطالبي حول ضرورة أن يكون اإلنسان منسجما مع نفسه، ال أن يقول عكس ما يفعل، رأيت نفسي أنهض، أزيح الستائر عن شبابيك املكتبة، فتشتعل أبلغتهم املجانني. طالبي ناديت الدافئة، الشتائية الشمس بنور املكتبة أشياء يبتسم نفسه الله أن فشعرت عانقوني الطالب، ابتسم وبحماسي. موافقتي

Page 106: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

106

ظرف في كلها املدرسة احتالل هو املطلوب كان اخلطة. في باشرنا ويعانقني، نصف ساعة. كان هناك اجتماع في غرفة املعلمني يضم املدير والسكرتير ونائب املدير واآلذن والفرصة كانت سانحة إلغالق الغرفة، عند الساعة العاشرة والثلث الستمائة، على يزيد املدرسة طالب عدد كان االستراحة، إلى الطالب خرج املشاركون في االنقالب هم عشرة فقط، مت إغالق الغرفة باملفتاح، تقدم أحمد من

ميكروفون املدرسة، راح يتلو على الطالب بيان االنقالب:

أيها األعزاء، يا زمالئي، نعلن أمامكم سيطرتنا التامة على مرافق املدرسة، سندير املدرسة هذا اليوم كما نشتهي، املعلمون واملدير ونائبه واآلذن والسكرتير معتقلون

باحترام شديد في غرفة املعلمني.

كان املدير يصيح ويهدد، واملعلمون ذهلوا من سلوك كهذا، لزموا الصمت، بعضهم كان يضحك، قطع الطالب االنتحاريون )قادة االنقالب( هاتف املدرسة.

- بإمكانك يا أستاذ زياد أن تفعل ما تشاء، أن تراقب ما نفعل أو أن جتلس في غرفة اإلدارة أو أن تغادر املدرسة قال لي خالد أحد االنقالبيني.

قلت له: إنني سأراقب ما يحدث ولن أتدخل أبدا.

والنائب للمدير واملعلمني والسكرتير الباب موجهة دس صهيب رسالة من حتت لكننا باحلقوق، املطالبة في األسلوب هذا عن نعتذر “نحن ملخصها واآلذن. مضطرون إلى ذلك بحكم استهتار اإلدارة بنا وتعاملها معنا وكأننا أطفال سذج، رد فقط، ليوم واحد يستمر سوى لن الذي اجلنون تتحملوا هذا أن أرجو لذلك

املدير على الرسالة بالصباح مهددا ومتوعدا بعقوبات شديدة.

جلست أنا في غرفة اإلدارة أراقب ما يفعل االنتحاريون الرائعون الذين هم نتاج األشياء االنقالب على اجلميل وحس املغامرة داء في زرع اخلطير معهم أسلوبي التي فقدت ضياءها وفائدتها وشرعيتها ومستقبلها. طلب أحمد من الطالب جمع )برابيج( املعلمني التي يضربون بها الطالب، جمع الطالب األربعة عشر البرابيج، الرئيسي. النيران في رواق املدرسة كومها أحمد بعضها فوق بعض، أشعل فيها بأعلى وصاحوا الطالب رقص ابتهاجا. النار حول نرقص هيا محمود: صاح أيها األذى. أصابتني قشعريرة العنف إلى اجلحيم، أيها أصواتهم إلى اجلحيم:

Page 107: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

107

لذيذة، وتذكرت العرائض التي تقدم بها الطالب لإلدارة مطالبني فيها بإلغاء عقوبة اخلمسة الطالب ركض أحمد، صاح التالية، اخلطوة إلى )بالبربيج(. الضرب وهناك الطالب، من الفارغة الصفوف باجتاه مختلفة( صفوف من )وهم عشر سمعت أصوات حتطيم، ركضت باجتاه الصوت فإذا باالنتحاريني يفصلون بفأس

املقعد الذي يجلس عليه طالبان إلى مقعدين متجاورين.

نطبق نحن أستاذ؟ يا وفردانيتنا بجسديتنا االحتفاء تعلمنا ألم رمزي. لي قال تعاليمك.

صاح أمجد: ال تلفظ كلمة تعاليم، التعاليم وصايا وحكم وقوانني، ونحن نرفض كل ذلك، أنا أفضل كلمة اقتراحاتك بدل تعاليمك.

- نعم .. نعم، كم أنا فخور بكم أيها االنقالبيون الرائعون! قلت لهم.

قال مفيد: إنه وقت رمي الطباشير هيا، تبعه الطالب، جمعوا الطباشير في سلة كبيرة وألقوا بها من النافذة وهم يصيحون مبتهجني، الطباشير تسبب لنا التشويش الذهني واألذى الصحي أليس كذلك يا أستاذ؟ نعم .. نعم، وقد أبلغت اإلدارة

مرارا استبدالها بأقالم “فلوماستر” ولكن بال جدوى.

هذا سنناقش وقال: سمير وقف الصفوف، من صفا الطالب دخل ذلك بعد اليوم قصيدة محمود درويش امللحمية )اجلدارية( وأجمل ما في هذه القصيدة هو أنها غير مقررة في املنهاج بعد نصف ساعة من النقاش بني طالبي الرائعني )وهم الثامن( في وأكبرهم اخلامس الصف في أصغرهم مختلفة صفوف من باملناسبة الغفاري، أحد أبي ذر الطالب محاضرة قصيرة عن حياة أن يعطي باسل طلب لديه ما للفقراء والبسطاء، وهكذا أعطى كل طالب املنحازين الصحابة اجلليلني من خبرات ومعلومات أعد لها جيدا في األيام السابقة في الرياضيات، والعلوم، واللغة اإلجنليزية .. الخ. خرج الطالب من الصف هادئني، توجه أحمد نحو املدير كشالل، هرب املعلمني وصياح الباب، تدفق سباب فتح املعلمني، غرفة بينما الصفوف إلى الطالب دخل املدرسة، أبواب فتحت املكتبة، إلى الطالب باب أغلقنا هناك النظير. منقطعة وسعادة خفيف بهدوء املكتبة إلى أنا مشيت الطالب بفصل قرارا املدير سلمني أن بعد التالية اخلطوة نناقش رحنا املكتبة،

وإنذارا أخيرا لي.

Page 108: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

108

كنا محاطني بالكتب، جلسنا على األرض على شكل دائرة، الستائر كانت مزاحة، النوافذ مفتوحة الشمس جتلس معنا، وفراشات مختلفة األشكال واأللوان تقتحم

املكتبة، تزقزق فوقنا، تطلق أصواتا تشبه الغناء، أو الصالة، وهل من فرق؟

Page 109: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

109

غيمة حلوة تعض يدي

Page 110: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 111: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

111

غيمة حلوة تعض يدي

طالبي أحد أمام جمدت تبنيها. أن من بدال عقولنا تخرب أنت زياد: أستاذ أستاذ: الدراسي. العام آخر في اجلملة، بهذه يلسعني وهو التاسع في الصف أنت تشبه شخصا يتلذذ في تعذيب الناس، أنت تسيل املاء أمام رجل محبوس لم يشرب املاء منذ أيام كثيرة، ملاذا تفعل ذلك؟ لم ال تتركنا عميانا ومظلمني بدال من أن تصدمنا وتخرب أذهاننا وتشيع اإلرباك في مخيالتنا؟ هذا ما قاله لي أخي الذي علمته أنت في العام املاضي، هو اآلن يعاني من أزمة العودة إلى الطريقة املعتادة في اإلحساس باألشياء، أنت ظالم يا أستاذ ظالم، وأهلي مستاؤون منك، وأبي لبيت كيف أدري ال الله! سامحك الوزارة، إلى ضدك شكوى تقدمي في يفكر طلبك وأطللت من الشباك مرة ومددت يدي إلى الغيمة حتى تعضها عضة خفيفة وأشفى من احلزن كيف؟؟ نحن ال ندري أين اخللل؟ هل هو فيك؟ أم في املعلمني اآلخرين؟ بصراحة لم نعد نعرف ... أنت تدعي أنك حداثي ومجدد، لكن ملاذا أكون حديثا في نصوصي أن احلداثة احلداثة؟ هل فيك؟ وما هي اخللل يكون ال املدارس األخرى؟ ماذا يعني أن نختلف ملاذا ال نكون مثل وقدميا في سلوكي؟، عنهم؟ أنت علمتنا أن ثمن االختالف مؤلم وصعب وخطير، ال تزعل منا أستاذنا، تعتبرها أنت املاضي والذي هو اآلن في مدرسة أخرى العام الذي علمته الصف الشجر ميكن زرعه في أن يعني ماذا نتائج حداثتك وجنونك، تقليدية يعاني من الضباب، وأن القمر يتسلل إلى فراشنا ويبكي على وسائدنا، وأن الورد هو شوك

نادم أو متزوج حديثا، وأن العقارب أصلها فراشات مرتدة وخائنة أو مسحورة؟

صعقتني كلمات يزن، قلت له متلعثما: لن أجيبك اآلن، سأذهب اآلن إلى البيت، سأفكر فيما قلته .. ما قلته مهم جدا ومثير للنقاش.

النافذة املفتوحة بانتظار غيمة ثقيلة الفم تعض وجهي ألتخلص من شعوري أمام باالختناق، هكذا علمت طالبي أن يفعلوا وهي طريقة اليابانيني القدامى في طرد العام الذي علمته بناء على استياء أخيه زيد يزن قاله فيما أفكر كثيرا لم األسى، أمام االنحناء ورفض وتفكيكها، طياتها وتأمل األشياء تقليب جماليات املاضي الصامت والعميق واملخبوء من إلى برهافة املخادعة، واإلصغاء الظواهر سطوح مفردات العالم. منذ اللحظة األولى فهمت أن هناك بالفعل أزمة، والغريب أني لم أفكر فيما قاله يزن من قبل، كنت أعتقد أن مجرد زرع بذرة اجلنون في أذهانهم

Page 112: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

112

نقي... صحي، دميقراطي، حواري حداثي جو في ينمون يجعلهم بأن كفيل والطفولي التلقائي تذوقهم يعطل ما كل طريقهم في يجرفون سوف وأنهم والغرائبي للحياة. لم أفكر في عنف ورخاوة وبالدة ما ينتظرهم في الصف العاشر التي املتربة الصخرة أن في أفكر لم إليها، سينتقلون التي األخرى املدرسة في حملتها قبل أسبوعني تقريبا مبساعدة خمسة طالب ضخام اجلثث من اجلبل املجاور ووضعناها على طاولة الصف وزيناها بالشموع، خلفية أو مقدمة لدرس الكتابة، ستشكل ذكرى حزينة محبطة للطالب حني يستمر مشهد الصف بتكراريته القاتلة وأشيائه الثابتة كما هو طوال عام كامل قادم، لم أفكر في أن األساتذة اآلخرين في املدرسة األخرى سوف يتهمونني باخلرف والهرم واالدعاء، حني يسألهم طالبي ملاذا ال نقرأ سأم الريح الليلي اخلريفي اخلفيف ونتحسس قفا املدينة صباحا، ونحاكم أكاذيب الصيف، ونلبس وجوه الشجر واملوت والبرد، ونرسم لون اخلطيئة، كما

كنا نفعل في املدرسة السابقة؟

ومشاعرهم طالبي لروح شققته الذي الغريب الطريق أن اآلن أعترف سوف كان محاولة شخصية مني، كي أهرب من الوحش الذي يسكن املدرسة دون أن يغادرها حلظة واحدة، هو التكرار، هو إبحار جماعي إذن لهروب كبير من طوفان التكرار والثبات الذي ال يتوقف عن الفيضان هناك في البنايات املسورة بإحكام، أبي هي فيها تعلم التي املدرسة نفسها، تشبه الدراسة أعوام يتغير، كل ال شيء الذين املعلمون طالبي. فيها يتعلم ذاتها التي هي أنا، فيها تعلمت التي نفسها كانوا زمالء ألبي هم أنفسهم زمالئي اآلن. أنا رفضت أن أكون منهم، لذلك أنا في نظرهم غير طبيعي، مريب ومخيف، األسوار نفسها العالية والكاحلة التي حتيط القدمية، كل شيء هنا الطباشير تدويرها من غبار يعاد نفسها الطباشير بامللعب، األقالم، الغرف، الكتب، املقاعد، الدفاتر، السبورات، املنهاج، تدويره: يتم فضاءات النصوص والدروس املقررة في املنهاج هي هي حتى لو اختلفت أسماء مؤلفي املنهاج، حيث ال أسئلة وال نبش وتقليب ومساءلة لتربة النصوص وأوجهها اخلفية، وال حتريض على حوار أو اقتحام ملناطق جديدة في التفكير والشعور، أو استفزاز جلدل. ما زال الطالب في بالدنا ميزقون دفاترهم وكتبهم ابتهاجا بنهاية العام. أنا مزقتها وأساتذتي مزقوها قبلي، وطالبي ميزقونها اآلن، وطالب طالبي سيمزقونها الحقا. اإلذعان والثبات واخلوف، هذه هي عناوين احلياة املدرسية في

بالدنا. كيف ال أهرب إلى احللم ألحافظ على صحة عقلي؟ كيف؟

الطعم بني الصدام عن ستنتج كبيرة أزمة بوجود متاما لك أعترف يزن: حبيبي

Page 113: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

113

الذي اجلديد القدمي احلامض، الطعم وبني عليه دربتكم الذي لألشياء السدميي أنت والسدمي. احلموضة بني صراع هناك سيكون منه، أن أخلصكم حاولت تعتقد أن احلموضة ستنتصر بحكم طول فترة الدراسة القادمة في مدارس تقليدية هل لك؟ أعتذر هل معا، عشناها التي احللمية احلياة فترة قصر وبحكم جدا، ألنني أعتذر، لن صديقي الصغير، يا ال .. ال التفكير؟ عن عجزي لك أبدي ببساطة ال أستطيع أن أستسلم للوحش، ليس ذنبي أن عاملنا قاس جدا ومراوغ وال يكترث بأحاسيس اآلخرين النيرة والصادقة. إن القدر وضعني أمامكم، ال بديل لي عنكم، ال أخفي استمتاعي معكم في كل حصص محاصرة بقطع الروث التي تتساقط علينا من فتحات السقف وتتسرب من النوافذ ومن حتت الباب، وال أخفي في الوقت ذاته تعبي، نعم أنا تعب جدا جدا من هذه املهنة التي خفضت من مستوى يتوقف عن تعبت من ردعه، هو ال لكني أني هزمت الوحش، ذكائي، صحيح

مهاجمتي والتربص بي.

اطمئن صديقي الصغير، فالروح السدميية املبدعة إن دخلت كيانا أو حواس إنسان فصعب أن تتركه، لن يهزموك، وسوف حتلم بضوء الصخرة الغريبة في الصف كل يوم، أما الشموع فسوف تبدد لك رائحة الصفوف اخلانقة وتهديك أجمل الروائح

وأصفاها.

متل ولن الندي، لعضها يدك لتتعرض يزن يا نافذتك تدق ستظل احللوة الغيوم الفراشات .. املؤكدة وحقيقتها األولى صورتها في مالحقتك من العقارب بأنه شوك بعيد، مذكرا إياك إليك من يومئ الورد وهو يتركك املسحورة. ولن

نادم... لن يهزموك يا صديقي الصغير لن يهزموك!

Page 114: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 115: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

115

ث أشجارها كانت تحد

Page 116: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 117: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

117

ث أشجارها كانت تحد

أثمة عالقة بني املرأة والشجرة؟ طلبت من تالميذي مرة أن يرسموا امرأة، فرسم أحدهم شجرة، آخرون رسموا ضبابا وبحرا وساحال ومطرا وبابا، لم تهزني في تالميذي من طلبت ملاذا حينها في أعرف لم لكني – الشجرة سوى رسوماتهم صورة في أنا غرقت بينما قصيرة، نصوص أو جمل إلى رسوماتهم يحولوا أن الشجرة بحثا عن امرأتي فيها، أو بحثا عني وعن أشياء مبعثرة أحسها وال أستطيع

أن أحددها أو أقبض على أجزائها.

سالم: هي كائن مثل الضباب غريب ينقشع بسرعة ولكنه يجدد غموضه بسرعة أيضا.

وقد ينجون وقد الرجال فيها يغرق قد وواسعة، عميقة هي البحر مثل حسام: يبقون معلقني ما بني النجاة والغرق.

أمين: مخلوق يشبه السواحل، ترتاح فيه السفن أو تستعد لسفر بعيد.

عادل: إنسان يشبه الباب حني نفتحه قد نرى اجلنة أو النار، وقد نرى أبوبا أخرى، فتمشي حياتنا في فتح األبواب والبحث خلفها.

أحمد: كم تشبه الشجرة هذه املرأة وال أعرف ملاذا وكيف؟

إلى الطالب الدراسي، ذهب العام انتهى الدراسي، اليوم انتهى انتهت احلصة، عطلة األذهان، سكنت السبورة، هدأت مقاعد الصفوف، ذهبت أنا إلى متزقاتي

واضطرابات قراراتي: هل سأعود إلى مهنة التعليم العام القادم؟

نسيت الشجرة. – املرأة بصورة املسكونة الرتابة دنيا إلى أعود نفسي وجدت متاعب املهنة من سياط اجلرس إلى ألم تكرار األيام الدراسية، كان أحمد يهاتفني طوال أيام العطلة، يسألني سؤاال واحدا: هل فككت لغز العالقة يا أستاذ؟ يطول صمتي على الهاتف، فيغلق أحمد السماعة كأنه يعتذر عن إرباكي. على جدران جذوعها على بالغ، بتأن مرسومة شجرات بأربع فوجئت العالي املدرسة سور

Page 118: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

118

وجوه أربع نساء، في الصف كان أحمد يبتسم بهدوء وهو يقول لي: “أحببت أن أشرك طالب املدرسة الستمائة في البحث عن لغز العالقة”.

حوله كثير شجر آن، في وقريب املدينة عن بعيد متهالك، وهو القدمي البيت وكالب، يا إلهي ماذا تفعل الكالب حول هذا البيت؟ تسكنه امرأة عجوز مجنونة. الضوء ال يعرف هذا البيت. النوافذ مغلقة دائما وبإصرار. املرأة العجوز التي ال يعرف اسمها وحكاياتها أحد، ال تخرج من البيت إال بعد منتصف الليل، تطلق هي وتطلق هدوئها من تخرج الكالب أشجارها. وحتدث الغامضة الصيحات األخرى نباحها املتواصل. تصحو احلارة، تتأفف النساء، يغضب الرجال، يخاف واملرأة املعتم القدمي البيت من االقتراب بعد على يجرؤ لم أحدا لكن األطفال،

املجنونة والكالب.

- ما عالقة هذه القصة مبوضوع املرأة – الشجرة يا أستاذ؟

- ماذا تقول املرأة العجوز املجنونة للشجر؟

- هل هو مفتاح لغزنا، لو أننا سمعنا بوضوح الكلمات، القتربنا من احلل. لكن أحدا ال يستطيع أن يقترب ليسمع الكلمات الهامسة، فدائما الطريق إلى اللغز

محفوفة باخلطر.

- هل أنت متأكد أن هناك شجرا كثيرا حول البيت القدمي يا أستاذ؟ سألني طالب مبتسم دربته على فن الربط بني األشياء وتبديل املواقع.

- هل أنت متأكد أن هناك امرأة مجنونة وكالبا وبيتا قدميا يا أستاذ؟ سألني طالب هذا في ومؤكدا نهائيا شيء ال ألن احلكايا، كل في التشكيك فن علمته آخر

العالم.

طلب الطالب عنوان بيت املرأة العجوز. قلت لهم حني تعرفون تفاصيل الكالم اخلافت ما بني الشجر واملرأة ستعرفون فورا عنوان البيت.

قال ليث: ما دام بعض الطالب وأنا منهم يعتقد أنك ابتكرت حكاية البيت والكالب والشجر والعجوز، فلنقم أيضا بابتكار كالم املرأة للشجر وكالم الشجر للمرأة.

Page 119: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

119

وافقت على االقتراح دون أن أؤكد أو أنفي حقيقة االبتكار أو حقيقة احلكايا.

بالبرد واخلوف، أشعر يا شجراتي، أشعر إليكن للشجر: ضموني املرأة سعيد: باملوت يقترب. الشجرات تتحرك وتغطي جسد املرأة البارد.

العالية، الشجرة جذع في ألصقتها املتجعدة، يدها العجوز املرأة مدت حسن: حتولت اليد إلى غصن جديد. همست الشجرة: يا إلهي ما أجمل أن تعود غصوني

إلي بعد فقدان سنوات طويلة!

وصلب، كبير جذع إلى فورا حتول األرض، على خدها املرأة وضعت علي: امتدت جنو اجلذع غصون كثيرة كانت مقصوفة من شجر ميت كثير، أضيفت شجرة

جديدة إلى عشرات الشجر حول البيت القدمي.

فتحي: قالت شجرة صغيرة للمرأة العجوز: ملاذا أنت بعيدة عني يا أمي؟ اقتربي ألعيد لك شبابك وأعيدي لي توازني وروعتي.

أجابت املرأة: كم أود ذلك يا ابنتي لكن الكالب تتربص بي.

جذعها على وضعت عالية، شجرة من املجنونة العجوز املرأة اقتربت سهيل: بنطاال أزرق. حتول اجلذع إلى خصر امرأة، وضعت املرأة العجوز على الغصون

قميصا أسود فتحولت األغصان إلى يدي امرأة ونهديها.

هاشم: لم يكن ثمة شجرة وال كالب، وال بيت قدمي، كان محض حلم، صحوت بعده خائفا، وبحثت عن أمي وأنا ارجتف.

خلدون: هدمت جرافات البلدية البيت القدمي واقتلعت الشجر، هربت الكالب. زالوا يسمعون ما اجليران كبير، لكن إلى سوبرماركت املكان املرأة، حتول ماتت

صياح املرأة ونباح الكالب.

- هل عرفتهم اآلن سر املرأة “الشجرة “ يا أصدقائي؟ سألت طالبي.

أجاب الطالب بصوت واحد: لم نعرف شيئا بعد يا أستاذ. انتهت احلصة، انتهى

Page 120: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

120

اليوم الدراسي، انتهى العام الدراسي. تركت مهنة التعليم، مرت سنوات طويلة، البيت والشجرة واملرأة العجوز والكالب، ولم أعد أذكر إن كانت نسيت حكاية من ابتكارات ذهني لتدريب الطالب على تعلم التخييل والكتابة، أم كانت حكاية حقيقة، استخدمتها ألغراض تعليمية وتربوية. أنا اآلن رجل مجنون بال عمل، النساء شجر، الشجر نساء وأن ببساطة أعتقد أن الناس عني، ألنني هكذا يقول أتعرض دائما لضرب الناس وتعنيفهم حني يرونني أملس عني امرأة معتقدا أنها ثمرة

خوخ ناضجة للقطف. يا إلهي! أنا مجنون فعال.

Page 121: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

121

اغسليني بصوتك .. فالغبار يف بالدي كثري

Page 122: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 123: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

123

اغسليني بصوتك .. فالغبار يف بالدي كثري

ال أدري كيف خطرت لي هذه الفكرة، أنا أيضا فوجئت بها تتلبسني، لكنها جاءت ضمن سياق رؤية جديدة بدأت أتعامل وفقها مع أذهان طالبي. رؤية خارجة عن القانون وعن السائد واملكرس. رؤية مجنونة تعيد صياغة العالم على ضوء شروط جديدة، شروط قوامها اجلمال والتنوع واحلب والرشاقة الذهنية والنضارة الروحية

والنفسية.

ذم أو مدح كلمة أستاذي من سمعت أنني أتذكر ال املدرسية، حياتي طيلة للموسيقى، وكأن هذا العالم األثيري الشفاف اإلنساني الذي يسمونه )املوسيقى( ال يستحق التفاتة صغيرة أو تأمال بسيطا. كانت حصص الفن متر في جدول أيام شجرة، شيء. أي نرسم أن املدرس منا يطلب وملة، وطويلة فارغة األسبوع عربة، جبال، مطر، أي شيء .. أي شيء. وحني نرسم الـ “أي شيء”، ال يتكرم علينا املدرس حتى بنظرة، فيخرج مسرعا حني يرن اجلرس، ونقوم نحن بتمزيق

رسوماتنا وإلقائها في سلة القمامة.

في املدارس، هنا في بالدنا القاسية التي نحبها، ال يحبون املوسيقى، هل يخافونها املوسيقى إذن. إلينا أعماقهم؟! هي سفيرتنا إلى أن يشعروا تأخذهم دون ألنها هي املوسيقى ونعومته، ملمسة حريرية من الرغم على ومتعب جدا محير عالم الصعب الصيد هي األعمى، والتشرد البهيج الضياع هي والالزمان، الالمكان على جيدا يحرصون املدارس في العادي. الوقت وأدغال الروح براري في للوصايا العمياء الطاعة على قائمة جدا راسخة أسس وفق الطالب ذهن ترتيب حترمي وعلى لألشياء، اجلزئية النظرة ضرورة وعلى البالية، االجتماعية والقيم اخلوض والتفكير في األحالم التي حلموها ليلة أمس، األحالم والتشتت والشعر املوسيقى هي الطالب، واملوسيقى والهذيان، مفاهيم محرمة وخطيرة على ذهن أخطر هذه املفاهيم ألنها تدرب الذهن على القفز عن أسواره املرسومة له، وحترض املشاعر من واحملظور واملخبوء واحملير والعميق بالنضير االحتفاظ على الذاكرة واألشياء، واملشاهد، املوسيقى تطرد الرضا عن النفس والقناعة الزائفة، ومطلوب من الذهن أن يكون راضيا عن قدراته قانعا بحدوده، املوسيقى ضد احلدود، ألنها تلغي العداء بني الشعوب باملوسيقى، تذوب الفوارق بني األبيض واألسود، بني واإلنسان. بني الله والغربي، الشرقي بني واألنثى، الذكر بني والفقير، الغني

Page 124: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

124

عواصف الداخلية سمائنا في ونزرع بيننا، األحقاد جحافل نشتت باملوسيقى اإلنسان تقرب اإلجابات. حتب ال السؤال، على حترض املوسيقى األسئلة. من حواسه وطبيعته وبهاء أعماقه األصلية، ومطلوب من الطالب عندنا من قبل صائغي وجداننا وساجني الغابة فينا وقامعي البراءة والعفوية أن يحاربوا حواسهم، الباب مفتوحا الرذيلة، وتترك ويفقدوا ذاكرة أعماقهم، ألن احلواس حتض على على مصراعيه أمام “الفساد واالنحطاط”. هم ال يدرون -أولئك الذين يخططون ينمو وال يتطور بال البشري ال الذهن ذهن طالبنا ويصيغون وجدان أجيالنا- أن تعلمت الحقا املعرفة، إلى للوصول وأنفذها الطرق أهم هي احلواس حواس، هذه املفاهيم. تدريب على مصافحة النجوم عبر صوت فيروز، اقتربت جدا جدا من املطلق .. األبدية، على أجنحة صوت فيروز، وهي حتملني إلى الالزمان، والالشعوب، والالدول، والالقيود، والالحدود، والالفوضى، والالمسافات.

فيروز هي التي علمتني كيف أثق بإنسانيتي واكتشف بكارة أشيائي وحواسي وأمترد الالأسوار هي فيروز. حني كنت أسمع صوتها الالتوقف، على احلدود، سيدة أشعر كنت لها( شريطا الصف السابع في بنت )أهدتني العاشر الصف في وأنا بهوية أشعر )كعربي وكفلسطيني وكطالب وكالجئ وكذكر( كنت بزوال هويتي واحدة )اإلنسانية( هويتي هي: بشريتي بال تعريفات قومية أو ذكورية أو أكادميية.

أذكر أن الدنيا كانت متطر بشدة، الشوارع خالية من الناس والعربات قليلة ومسرعة، وأنا وحدي عند النافذة أتكئ على الزجاج املبلول، وفيروز خلفي وأمامي وفوقي تغني )رجعت الشتوية( كأنها )فيروز( كانت تغسلني من غبار الواجبات املدرسية

الثقيلة، كأنها كانت تخلق عندي سعادة غريبة غامضة )سعادة أني إنسان(.

اإلنسان احملب واملسالم واملكتشف واملندهش. إنسان ال يخوض حربا ضد أحد، ال يؤذي عصفورا بل يبتسم ويطير، ويحب. أول دهشات حياتي ما زلت أذكرها ذهنا أهدتني األغنية بهذه فيروز الشتوية(، )رجعت فيروز أغنية سمعت حني

جديدا هو ذهن اجلبل العالي، ذهن النسر املتجول، ذهن األفق املتطاول.

اآلن، وأنا أعمل مدرسا في إحدى املدارس احلكومية، أشعر أني أحمل مسؤولية أن أربي طالبي على مصادقة النسور، والتحرش باجلبال، واللعب مع األفق، اآلن وأنا أمتهن مهنة التدريس وبدال من التباكي على فساد نظامنا التعليمي والتربوي، وبدال من التذمر الالمجدي من بالدة املنهاج وغبائه، أجد نفسي متمردا على كل

Page 125: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

125

شيء: على املنهاج، على املفتش، على املدير، على نظام اجللسات في الصفوف، وحتى على لون الستارة في الصف، وعلى اللوحات املعلقة على جدران الصفوف، املدرسة، وارتفاع أسوارها املدرسة، وعلى ضيق ساحة آذن وعلى قسوة مالمح وعلى املرحاض، رخام لون وعلى املدرسة، طباشير هشاشة وعلى فيه، املبالغ الرنني املتعجرف للجرس، وعلى حمل املدرسني للعصا، وعلى جتهم مالمح املدير العمياء الطالب طاعة وعلى املدرسة، صفوف عن األنثى غياب وعلى دائما،

لوصايا املدرسني.

أن طالبي من طلبت مجنونة، فكرة برأسي عصفت دائما أنا كما وهكذا فجأة وأشعلت بإحكام أغلقت القاعة هناك قاعة املكتبة، إلى أخذتهم بي، يلحقوا فهم الكلمات ومحاولة اإلصغاء فقط اإلصغاء، منهم طلبت فيروز، صوت ومصاحبة اللحن. رأيت التذمر في وجوههم في البداية. رأيت االستغراب من

فيروز هذه، لتمضي حصة كاملة نسمعها صامتني؟

طالبي لم يتعودوا على الصمت، الصمت هو عدو الطالب، وعدو كل من يعيش في هذا الوطن القاتل والقتيل. لم يتعودوا اإلصغاء، اإلصغاء في بالدنا هو امللل هو السطح، هو الفراغ، هو الالشيء. قلت لهم: اإلصغاء أيضا موهبة، الثرثرة على تعرفوا اإلصغاء، على تعرفوا وخراب، دمار هو الكثير والكالم الفارغة له انتبهوا الطالب ومتلملوا، قلت لهم: هناك صوت للصمت، تذمر الصمت، وادرسوه تأملوه، الصمت ليس الفراغ، كما هو ظاهر، الصمت لغة أخرى ال يتقنها سوى من يريد حلياته أن تتطور وتتعمق، ملن يريد أن يعرف أكثر، الصمت صديق

الفراشة والقصيدة والنهر واحللم والظالل والله واحلقيقة والطفولة والبراءة.

شيئا فشيئا أقنعت طالبي جزئيا بالتدريب على اإلصغاء والصمت.

اشتعلت القاعة أغاني لفيروز، قلت لهم: فكروا في “شادي” الصبي الذي مات، عيشوا موته، عيشوا حزن فيروز، غنوا حنينها، والبسوا ذاكرتها، راحوا يرسمون

مشاهد أخرى حلكاية شادي:

شادي كان صبيا خجوال ورقيقا وكانت فيروز حتبه.

شادي لم ميت بل اختفى، سيظهر ذات مساء وستغني فيروز أغنية عودته.

Page 126: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

126

شادي كبر وسافر إلى البرازيل وهناك حتول إلى قاطع طرق وفيروز ال تعرف.

يكتبوا أن طالبي من طلبت وأبهى اللحظات، أجمل فيروز مع عشنا وهكذا انطباعاتهم فكانت هذه الكلمات:

حنجرة ومن ودافئ. حزين قلب من يخرج جبل صوت عمر: بالل الطالب رائعة.

الطالب رام زاهر: أسبح وأطفو على بحر جائع، بحر يريد أن يأكل أغنية فيروز، فيروز نهر يسحبني إلى الغابة، يقتل الظالم ويحطم املوت.

الطالب محمد ناصر: أشعر أن قلبي ميتلئ باألشياء املجنونة.

الطالب عمر وماجد: أغنياتها جتردني من همومي.

الطالب عمر جناتي: تشع نورا واختفي بها مع النسيم.

تقتحمني بالنغمات أشعر بصوتها، تغتسل بروحي أشعر قطيط: براء الطالب وتعريني، أشعر بطفولتي، أشعر بضوابط عقلي تطير، أشعر باهتزاز مشاعري.

الطالب حجازي فؤاد: صوت جميل جدا ينطلق من مشاعر محرومة ونبيلة ومن خوف قدمي.

ذهب الطالب إلى صفهم، بقيت وحدي في قاعة املكتبة، وحدي مع فيروز. فجأة رأيت فيروز تتسلل من صوتها، متسك بيدي وتهمس: هل أنت جاهز للطيران؟!

أنا أنا جاهز. نشرت فيروز أجنحتها: ال أدري أين سمعتني أجيب همسا: نعم الساعة، هنا ال املكان بال مواصفات، غامض وسائل، ال أدري كم هي اآلن؟! موت. ال أمراض، ال شيخوخة، ال نهار، ال ليل، ال مساء ال صبح ال زمن، الفضيلة والرذيلة”. “معيار يتعامل معها وفق كينونة بال قيود، أحاسيس حرة ال إذ ال فضيلة وال رذيلة هنا، هنا خير دائم ونور مقيم. هنا في هذا املكان يعيش الله

واألنبياء والقديسون، تعيش احلقيقة، يعيش احلب والسالم.

Page 127: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

127

كلمات عن فريوز

Page 128: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 129: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

129

كلمات عن فريوز

ياق( )في خيانة الس

أمتلك مزاجا إني ال قائال لهم: التاسع أمام طالبي في الصف النص ألقيت هذا للتدريس هذا اليوم، دعونا نتواطأ مع جمالنا الداخلي )ونخون( سياقنا املدرسي املجرم، نحتفل على طريقتنا بعيد ميالد مجرتنا املشعة فيروز، ونهرب إلى حيث أمامكم وأدلق روحي صنبور سأفتح املخنوقة، العارمة وذاتيتنا وشطحنا هذياننا قصتي مع فيروز. تفاوتت ردود أفعال طالبي، منهم من كان يسمعني مبتسما، منهم من كان يخربش على دفتره، منهم من كان ينظر إلى اجلبل ضجرا، ومنهم من

كان نائما، إنها احلياة .. إنها احلياة.

نسمح أن ميكن كيف السبعني؟ العمر من بلغت فيروز أن نصدق أن ميكن كيف فكهلة فشابة طفلة كانت مثلنا زمنية، عادية امرأة هي فيروز أن يزعم بأن ألحد الذي يرى في فيروز بها هذا الشخص يتمتع وأخيرا صارت عجوزا؟ أي صفاقة ما رآه ابن خلدون في الدول؟ ما الذي ميكن أن يقال في فيروز؟ ما الذي ميكن أن يقال في الله أو املاء أو الشمس أو املطر أو الطفولة أو املوسيقى أو احلب أو محمود

درويش؟

ال، نحن ال نستطيع أن نعرف احلب أو الشعر، أنا ال أعرف ملاذا تعجبني هذه البنت وال تعجبني تلك، وصديقي صالح يستغرب كيف أني أذوب وأتهاوى أمام ابتسامة

امرأة ما هو يراها عادية جدا.

أنا نفسي ال أفهم هذا االنخطاف ال أستطيع أن اقنع صديقي بإحساسي ألنني الذي يحصل لي. الشعر أيضا ال نستطيع أن نعرفه، إنه يجبرنا على االندهاش نعرف أن نستطيع ال نحن أيضا ملاذا. نعرف ال لكننا النشوة، أو والرقص فيروز، هي مثل احلب والشعر ال توضع في قوالب وال متسك في حدود، وال يحاط بطاقتها، نحن هنا رهائن أحاسيس فحسب، أسرى غموض، أحيانا، الالمعرف ألن وفهمها، الظواهر هذه حتديد عن العجز هذا نستعذب نحن وحتى الالمسمى أقرب لإلثارة الذهنية وللجمال واللذة. وأجمل وأنبل أنواع العماء هو هذا الذي يزودك باملتعة وأنت ال تراه متاما مثل احلب مع ذكرى معتقة أفراد ثمة القلب، بيت أو البيت، قلب في عطرها سكن امرأة ال وغامقة،

Page 130: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

130

عابرون للزمن والتاريخ واألمكنة يتحولون فجأة إلى ظواهر مثل ظاهرة شروق الغامض األطفال حب أو اخلريف، بعد الشتاء مجيء أو وغروبها، الشمس

للمفاتيح.

أنقذتني فيروز من موت اخترته بنفسي! هل كنت أحلم ذلك أم هي حقيقة؟ أهو اآلن، حتى أدر لم بالصدفة؟ تغني فيروز وكانت أنفذني؟ الذي املطعم نادل الصورة ضبابية تشبه نصا هممت بكتابته وزهقت منه أو يئست منه ومزقته في شتاء ما. نخر روحي خواء مدمر، فركضت نحو جبل قرنطل في أريحا اخلالدة، وقفت خلف السور، رفعت قدمي اليمنى مستعدا للسقوط اجلميل، فجأة سمعت صوت فيروز يقف معي مستعدا هو اآلخر للقفز؛ “أنا اللي بسموني امللكة، بالغار متوج زمني، ملكتي ما فيها بكي، وجبيني وال مرة حني”. جتمدت قدمي على السور، لم أستطع التحرك، وكأن يدا عمالقة متسك بجسمي كله، شعرت بشخص يقف فيروز ال السيدة؟ فيه هذه تعيش تترك زمنا يقول: كيف يده، وكأنه خلفي، ميد تعيش في املوت، هي ابنة احلياة، تعال إلى احلياة! تعال إلى فيروز! سقطت قدمي ورنني وكلماتها بصوتها فيروز متشي بجانبي املطعم باجتاه مشيت السور، عن يديها، مشيت باجتاه حياتي وواصلت سنيني، من منا ال يعتقد أو لم يعتقد أن فيروز صديقته الشخصية، وإنها تغني له وحده؟ من منا لم يشعر أن فيروز تغني حنينه إلى

حبيبته املفقودة؟ وفرحه وذهوله حلبيبته الراسخة في حياته؟

صوت فجاء خراب، أبواب على تقف كانت األرض هذه على حب عالقة كم فيروز وأصلحها وأعاد لها نسغها؟ كم عالقة حب لم يكن مقدرا لها أن ال تصير مشاعر وسقاية كيمياء من حتتاجه ما ومينحها فيروز صوت يأت لم لو حتدث أو الناس يحبون صوت فيروز، هذا الصوت ال يغني للمثقفني فقط، ودوافع؟ كل إنه يغني لكل األعمار والفئات متاما كشعر محمود درويش، شعر محمود يخطف قلوب املثقفني والناس العاديني وعقولهم، لذالك جند في أمسياته الطالب والطبيب وربة البيت والكوافيرة والعامل والتاجر واملثقف، وهكذا هو صوت فيروز، نعثر تشابها أرى ملاذا والقصور، واحملالت، البيوت، وفي األجرة، سيارة في عليه وترابطا غريبا بني شعر محمود وصوت فيروز؟ أألنهما أهم من ميكن أن نباهي به األمم في هذا الزمن العربي املختل عقليا؟ ما الذي ميكن أن نقوله ملستشرق حاقد حني يتهمنا بالضحالة احلضارية اآلن؟ هل هناك غير فيروز ومحمود درويش نهرع إليهما صائحني: هنا حضارتنا، هنا روعتنا، هنا جمالنا. فاذهب إلى خيبتك أيها

املستشرق.

Page 131: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

131

هشة! ا نطارد الد هيــ

Page 132: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 133: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

133

هشة! ا نطارد الد هيــ

أيها القارئ/ة العزيز/ة، ولى زمن كسلك، وذهب زمن تفاصيلي اجلاهزة ونهاياتي النهائية، وحضوري املستبد. أعتذر؛ ألنني سوف أتعبك قليال، عليك أن تنهي تختار/ي أن عليك أمامك، خيار ال ذلك، إلى مضطر أنت اآلن، به سأبدأ ما مشهدك األخير، مبا يتناسب مع همومك وهواجسك وثقافتك وروحك ورغباتك ومرجعياتك، بصراحة تعبت من هيمنتي ومركزيتي وإطالقية مخيلتي، فضال عن أنه لم يعد لدي وقت؛ فاملشاغل كثيرة، واملزاج، غالبا، ما يكون متعكرا، سنكتب معا هذا النص القصير جدا، سأترك لك/ي الـمشهد األخير، )إذا كان هناك مشهد أخير؛ فحسب »بارت« الذي أعلن ميالد القارئ وموت الـمؤلف، فإنه ال نهايات يا فمرحبا حياتك، بنصف وأحتفي موتي، نصف هنا سأعلن أبدا(، السرد في

شريكي في صناعة األلم وصياغة الدهشة، وترتيل املنفى ... .

سعلة أب غائب

أنا البنت صغيرة جدا وضريرة، تهم بدخول مدرستها، بطيئة، مبتسمة. أمشي باجتاه مدرستي، وحني حاذيتها صدرت عني سعلة سريعة وعنيفة، سمعتها تقول بصوت صغير: »ياه، كم تشبه هذه السعلة سعلة املرحوم أبي، أرجوك، اسعل مرة أخرى يا عمو«. ابتسمت، حاولت أن أعيدها، لكنني لم أجنح؛ فالسعال ليس فعال إراديا كما نعرف، افتعلت سعلة سريعة، لكنها رفضتها قائلة: »ال ال ال، مش هاي يا عمو، بدي زي األولى، أرجوك زي األولى«. مشت باجتاهي وهي تنظر

إلي محاولة توقع اجتاه وجهي. اعتذرت منها بارتباك، ومشيت.

لست ألنني وأحتسر؛ أتذكرها مكان أي في حقيقي لسعال تهيأت كلما صرت أمامها ... في صباح آخر، رأيتها تخطو باجتاه بوابة مدرستها ببطء جريح وناعم ومليء بالنداءات ميسك بيد ابتسامة، ابتسامة غريبة، فحواها اعتذارات للشارع؛ ألنها مشت عليه، وللـمارة؛ ألنها شوشت طريقهم، ولسائقي السيارات؛ ألنها أبطأت حركتهم، وللهواء؛ ألنها قضمت منه جرعتني أو ثالثا، وللوجود؛ ألنها شقت فيه حيزا ألنفاسها وحضورها اجلسدي. بحثت عن سعلة داخل حنجرتي،

لـم أجد، شعرت بحزن شديد... .

مدرستها، باجتاه بسرعة فركضت شديد، سعال نوبة الصف في داهمتني مرة وهناك ... .

Page 134: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 135: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

135

البحر واألطفال والكتابة

Page 136: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 137: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

137

البحر واألطفال والكتابة

منذ ست سنوات لم أزر بحر بالدي، أنا الكائن املائي القادم من برج السرطان، مبللة وأمواج، وقوارب عتيقة، وتنهدات املصنوع من رمل وعواصف وصخور أشباح بحارة ميتني، أعيش في رام الله، منذ ستة آالف سنة، أنتظر غرقا غامضا وجميال، يحييني وفق صياغة أخرى، في بحر قريب، بحر يعرفني وأعرفه يريدني بحر إلى ليال تسللت البارحة ضوئية، سنة عشرين سوي عني يبعد ال وأريده، أضخم من رويدا .. رويدا أقترب نفسي رأيت أصابعي أطراف على بالدي، وأعنف موجاته، أستدرجها إلى قلبي اليابس العطش، فتهرع إليه بجنون لتطفئ جفافه وتنقذ رمقه األخير، وهناك أغلق عليها جدران روحي وأهرب بها إلى رام برفق ومحبة، ثم أطلق سراحها بإحكام، نوافذ وأبواب غرفتي باب أغلق الله، أشرع في تربيتها وترويضها كغزالة البر املذهولة، وفي صباح اليوم التالي أعلن في

الصحف خبر اصطياد وطني.

وفجأة! وبينما أنا غاط في نوم أبله، أشعر ببلل في جسمي، فأصحو فزعا ومشوشا، فإذا باملوجة الضخمة والعنيفة تزحف على وجهي غاضبة ومستاءة، تلطم صدري،

تتجاوز جسدي متسلقة النوافذ ودافعة الباب أمامها. متجهة صوب حيفا.

في احللم األول اصطدت موجة، وفي احللم الثاني هربتها إلى بيتها، »ليش اعملت هيك يا أبو الذوذ؟« هكذا سألتني نانسي ابنة جاري األمورة الصغيرة ذات األربع

سنني.

التي تكاد تطيح بعقلي، من فرط اللذيذة اللثغة نانسي تلثع بحرف السني، وهي عذوبتها، لم أستطع أن أجيبها إجابة عاقلة مقنعة، اكتفيت بقولي: إنه مجرد حلم يا صغيرتي، فأسمعها تهمس ألمها: »عمو ذوذو بحكيلي قصص كذابة«. وفي أروي لغياب معلمها، إشغال الرابع حتديدا، مطبقا حصة الصف مدرستي، في

للتالميذ املندهشني الصامتني حكايتي مع األفعى واألسد في الغابة.

فأقول لهم، في نهاية حكاية خرافية: وهكذا يا أحبائي الصغار أقنعت األفعى بأن ترقص معي فرقصنا وصرنا أصحابا.

Page 138: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

138

األستاذ كزاب، بضحك تلميذين: هذا بني األخير املقعد في آخر فأسمع همسا علينا، كيف برقص مع احلية، مهي مكن توكله.

فاهمس أنا اآلخر بيني وبيني: آه يا أصحابي اللذيذين، ومن قال إن األدب والفن ليسا وهما وكذبا. ولكنه الوهم اجلميل والرائع الضروري واملفيد، الوهم الذي ينقذ البشرية من السقوط السريع املدوي في حفرة احلقيقة، األدب والفن ال مينعان ويعمقانه، ويفلسفانه، والعطور، باأللوان ويزينانه يبطئانه، لكنهما السقوط

بحيث تتكشف من خالله أبعاد أخرى للعالم، ومكنات جديدة للوجود.

- نانسي ناسي البارحة حلمت.

- كمان كذبة يا أبو الذوذ؟ يا الله! بكفي تكزب!

Page 139: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

139

أجساد وحكايات

Page 140: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة
Page 141: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

141

أجساد وحكايات

احلكاية حياة

عطية تلميذ في الصف اخلامس، متفوق في دراسته، دمه خفيف، يحب الرقص جدا، يسحبني من يدي ويقول لي همسا بعيدا عن زمالئه: “أستاز اليوم راح أرقص رقصة اخلوف من الليل”. في قاعة مكتبة املدرسة أجلس في حلقة دائرية مع ثالثني املوسيقى تشتعل تلميذا من أعضاء )نادي أصدقاء اجلسد(. عطية يرقص اآلن، منخفضة ومرتفعة غاضبة وخائفة وفرحة وغامضة وساحرة وحرة، بال تخطيط بال منهاج بال تنظير، بال حدود يتحرك جسد عطية أمامنا، عيناه وقدماه وذراعاه حتكي وتروي قصة اخلوف من الليل، الطالب هادئون، يتأملون رقص عطية، ليكتشفوا رقصته، عطية ينهي رقصة. كل بعد منهم أطلب كما اخلوف، حلكاية مداخل وأسجل أستمع رقصته، تأويل في الطالب يبدأ له، ونصفق املوسيقى تسكت وهي النعمان شقائق زهور واآلخر احلني بني النافذة من أراقب بينما تأمالتهم، تروي قصة القصة املتجددة، قصة اجلسد الهش املمتع، أو وهي تعيد اكتشاف فنائها الرائع في مهب صيف سيطيح بها بعد أشهر قليلة، أترون تلك الزهور الراقصة يا أصدقائي؟ إنها أجسادكم، حني تفرح بالوجود، ترقص إحساسها وتغني نبضها، بينما هي تعرف أن ثمة فصال قادما ستختفي فيه، لكنها تدرك، أيضا، أنها ستعود سيرويها التي اجلديدة، واحلكايات باحلياة، ومضرجة وندية نضرة ما، ربيع في “أستاز، تبقى. حكاياتنا لكن تذهب أجسادنا والشجر، والبشر واجلبل احلجر أنا راح أرقص هال رقصة البحر املالح. وأنا بعده أستاز راح أرقص رقصة الطريق الصحراوي”، وهكذا تباعا يرقص أصدقائي الصغار حكاياتهم، وأنا ال أتوقف عن النظر إلى الزهور، مدركا أن الزهور نفسها تنظر إلينا وتقول لبتالتها - صغارها: إن األجساد التي ترقص اآلن في مكتبة هذا البشري، ستموت يوما ما لكنها ستترك

خلفها قصصا كما نحن يا صغاري.

هشاشة تنظر إلى هشاشة. حكايات تتأمل حكايات. الشجرة أختنا، ونحن أشقاء الصخور، كل شيء في الوجود موجود في كل شيء، تذكروا أصدقائي ال شيء الزهور دمنا، في جوف احلجر مفصوال عن شيء، في داخلنا زهور وفي داخل وانهار صخور من مكونا األطراف، مترامي ضخما واحدا جسدا كنا رائحتنا، والله وبحار، وشجر وطيور وحشرات وغيوم وفصول ومعادن وجبال وزهور

Page 142: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

142

موزع فينا جميعا، ونحن منثورون فيه، حدث االنفصال، لسبب ما، ولكن كل احلكايات، ووحدة األصل وحدة على شاسعة كعالمة داخله، بالله احتفظ منا من التالميذ اقترب االنفصال؟ رقصة نرقص ال ملاذا التالميذ: صوت تعالى هنا رقصا، ببطء انفصلوا واحدا، جسدا وكأنهم فيه بدوا بشكل البعض بعضهم

أياديهم وأطرافهم، تتحرك باجتاهات متباعدة.

الزهور تترك خلفنا حكاياتنا/ حكاياتها ومنضي سعداء إلى نهايتنا، ما هي لذة احلياة أنني إال انتبهت فجأة يرن، أثرا على شكل حكاية؟ سمعت اجلرس تترك لـم إن وحدي في املكتبة، كنت أحتدث مع نفسي إذن. هل التالميذ قناعي واستعارتي البرية األرض زهرات باجتاه كسولة نظرة النافذة خالل من ألقيت ومجازي؟ القريبة، كانت ثمة شياه تقضم الزهرات بتلذذ أعمى، ابتسمت، ياه البتالت اآلن البشر، حلمها ليمضغ ساعة نصف بعد ستذبح الشاه الشاة، جوف في مضوغة

البشري الذي سيمضغها سيموت بعد ستة أيام، دود األرض سيمضغ حلمه.

ألم أقل لكم أننا كل شيء يا أصدقائي؟ وأن كل شيء نحن؟ نحن الشياه واألرض والدود والزهر ونحن البشر و... متضغ حكايات .. حكايات .. حكايات.

حنني وجبل

على جبل عال جدا وجدنا أنفسنا قريبني جدا من الغيوم، ست مدرسني وسبعون طالبا متفوقا من مدرستنا، كان من املقرر أن تكون الرحلة إلى أريحا لكن السائق املقدسي بحافلته التي حتمل لوحة صفراء صرخ في وجوهنا محبة: سآخذكم إلى البحر إلى عني جدي، فتجمد الدم في عروقي ذهوال من الفكرة، هل يتجمد الدم في العروق ذهوال؟ نعم، فأن أزور عني جدي التي حتتفظ لي في أغصان أشجارها وسعف نخيلها، وبوصها بأكثر من شهقة أو رقصة أو عتاب أو غضب أو فرح أو صدمة ألكثر من امرأة، فهذا أمر مذهل، وال أعرف كيف سأتصرف جتاهه، هل أحزن أم أفرح أم أحزن وأفرح معا؟ هل أخاف؟ هل أبكي؟ “أستاز، اطلع هناك في إشي أزرق اكبير واسع، قطع تلميذ يجلس بجانبي حبل أفكاري بصرخته التي هزت فضائي، نظرت حيث يشير فإذا بالوحش احلبيب يجلس بحنكته الوجودية الزرقاء كعادته صابرا وملوحا بحب لكل ناظر. أستاز، نفسي أملس البحر، عمري ما ملسته في حياتي، أستاز، إنت بتعرف تسبح؟ أنا بخاف. أستاز، يال ننزل على البحر إحنا وين رايحني؟ أستاز، البحر شكله ما بخلص يا الله ما أطوله. أستاز

Page 143: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة

143

سيدي حكالي إنه كان زمان يسبح في بحر يافا، وستي كانت اتخاف واضلها قاعدة على الشط، وين يافا أستاز؟ يال انروح عليها، كانوا يصرخون حولي بينما كنت أنا أتذكر، فقط أتذكر. قبل النزول للبحر، اقترح أحد املعلمني أن نصعد إلى جبل قريب يدعى محمية عني جدي، صعدنا مشيا، سمعت أصواتا هامسة: أستاز، إحنا جايني منشي؟! يا الله، نفسي أملس البحر خلينا انروح نلمسه، ساعات من الصعود وتشكيك خائفة نظرات عنهم منر أو عنا ميرون اليهود املدارس طالب املتقطع، ومخيالت مزروعة بالقنابل واملوت، قلت لنفسي: كان ميكن أن تكون الرحالت نواصل يوم. كل تشرق الشمس أن يعترفون فقط أنهم لو وبينهم بيننا مشتركة اخلفيفني، التالميذ خلف الهثني القدمية أجسادنا جنر املدرسني ونحن الصعود وأخيرا نصل إلى قمة اجلبل بعد أن سبقنا التالميذ ركضا إلى هناك، غير مدركني عال جبل مصيدة في وقعنا أننا متأخرين أدركنا وفجأة مفاجآت، من ينتظرنا ما بال إمكانية للعودة منه إلى البحر، إال عبر طريق الصعود نفسها، وطريق الصعود مخيفة، فقد تنزلق أجساد التالميذ واملدرسني وتهوي إلى قاع الوادي، جلسنا على التالميذ فكانوا أما املدير مرتعبا الغريبة حتلق خلفنا، كان الواسعة والطيور القمة بعد يقرروا ولم أنفاسهم، بالتقاط كانوا مشغولني املدرسون فرحني، يضحكون

الهلع أو الذهول.

أستاز، يال نرقص رقصة اخلوف من اجلبل، نهر املدير الطالب املجنون،: إحنا في نادي في ألصدقائي أشرت واملدرسني املدير ذهول وأمام إيش، في وأنت ايش هاتفي من املوسيقى أشعلت عشرين، عددهم كان لالستعداد، اجلسد أصدقاء البحر، إلى الوادي، إلى وحنيننا خوفنا نرقص جانبا، ورحنا انتحينا اخلليوي البيوت، املدير ضحك، الطالب اآلخرون كانوا يصفقون، املدرسون كانوا إلى

محتارين. أستاز، يال ننزل على البحر، نفسي أملسه يال مشان الله!

Page 144: أوقات جميلة لأخطائنا النضرة