فكرة الموت في الشعر العربي *كفايت اهلل مهداين

احلمد هلل الذي يرث األرض ومن عليها، وهو خري الوارثني، الذي كتب على عباده املوت، ﴿ت بارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق : واستأثر بالبقاء، يقول تعاىل

لوكم أيكم أحسن عمال وهو العزيز الغفور﴾الموت و وأصلي وأسلم على خري ( )احلياة ليب :خلقه وشفيع أمته حممد بن عبد اهلل عليه أفضل الصالة وأزكى التسليم وبعد

ا فاملوت ظاهرة إنسانية وجدت مع احلياة نفسها، ولكن املوقف منه يتخذ أشكاال شىت تبعبيئية ونفسية ولعل استئثار الشعراء جلهم يوصف هذه الظاهرة إمنا كان : لعوامل عديدة

يتضمن إدراكا باطنا هلذه اخلامتة اليت تالحقهم، فراحوا يعرضون هلا يف إبداعاهتم كغريهم من أصحاب الفنون، وأصبح التفكر باملوت مسة من مسات الرومانسية العربية اليت اهتمت عند

.رها بالنزعة الذاتية احلزينة فاستمر هذا االجتاه قويا متدفقا ظهو امليم والواو والتاء أصل صحيح يدل على ذهاب القوة من الشيء، منه املوت خالف : املوت لغة

من أكل من هذه "احلياة وإمنا قلنا أصله ذهاب القوة، ملا روي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم : واملوتان( ")بيثة شيئا فال ي قرب نا يف المسجد فاذا كنتم ال بد لكليها فأميتوها طبخاالشجرة اخل

أما ما جاء يف لسان العرب ف( ".)األرض مل تي بعد بزرع وال إصالح، وكذلك املواتضم املوت مات ميوت املوت خلق من خلق اهلل تعاىل غريه املوت واملوتان ضد احلياة واملوات بال"

من دون ذكر امسه تعريفا موسعا يف منتصف املادة، : مث ينقل عن الراغب األصبهاين( ".)موتاواملوت يقع على أنواع حبسب أنواع احلياة فمنها ما هو بازاء القوة النامية املوجودة يف : "يقول

ومنها زوال القوة ( )ا وكذلك خرجون﴾﴿وييي األرض ب عد موهت : احليوان والنبات كقوله تعاىلومنها زوال القوة ( )﴿قالت يا ليتن مت ق بل هذا وكنت نسيا منسيا﴾: احلسية كقوله تعاىل

ناه﴾: العاقلة وهي اجلهالة كقوله تعاىل نك ﴿إ : ومنها كقوله تعاىل( )﴿أو من كان ميتا فأحي ي

ديثة، اسال لباد، باكستانجلامعة الوطنية للغات احل األستاذ املساعد بقسم اللغة العربية ولداهبا *

فكرة املوت يف الشعر العريب

033

﴿ويأتيه الموت : ومنها احلزن واخلوف املكدر للحياة ومنها كقوله تعاىل( )ال تسمع الموتى﴾﴿الله ي ت وف األنفس حني موهتا : ومنها املنا كقوله تعاىل( )من كل مكان وما هو بيت﴾

املنا املوت اخلفيف واملوت النو الثقيل وقد يستعار : وقد قيل( )امها﴾واليت مل متت يف من املوت لألحوال الشاقة كالفقر والذل والسؤال واهلر واملعصية وغري ذلك منه احلديث أول من مات إبليس ألنه أول من عصى ويف حديث موسى على نبينا وعليه الصالة والسال قيل له إن

فسأل ربه فقال له أما تعلم أن من أفقرته فقد أمته؟ وقول عمر رضي اهلل هامان قد مات فلقيه ( ".)عنه يف احلديث اللنب ال ميوت أراد أن الصيب إذا رضع امرأة ميتة حر عليه من ولدها

مرادفات الموتيقال للموت منية . تعددت أمساء املوت يف كتب اللغة ومعظم هذه األمساء من ألفاظ املؤنث

وسا ، ومنه قول الرسول ( بكسر احلاء)وحا ( يم وكسر النون وتشديد الياء املفتوحةبفتح امل)حينما قال اليهودي للرسول عليه ( أي املوت)صلى اهلل عليه وسلم لليهود، عليكم السا

( .)الصلوة والسال السا عليكون شاعر ن ت ربص به ريب ﴿أ ي قول : ومنه قوله تعاىل( وضم النون خمففة( بفتح امليم)ومنون ألهنا ( بفتح الشني)وشعوب ( بفتح امليم مع القصر)ويقال للموت أيضا مىن ( )المنون﴾

فيقال نزل بفالن احلني أي املوت ( بفتح احلاء وسكون الياء)وحني . تشعب اخلالئق أي تفرقها، وأ (لعني مع شني معجمة ساكنة بينهمابفتح القاف وا( ) )واهلالك، ومنها أيضا أ قشعم

واملوت واملنية، ومن ألفاظ املوت كما ورد يف كتاب األلفاظ ( .)، وأ الدهيم( )اللهيمويقال يف الكنايات عن ذكر املوت، ال قاه . الردى، واهلالك، والثكل والوفاة، واخلبال"الكتابية،

إىل دار كرامته، وعوجل إىل رحة ربه، واختار له اهلل ما اختار ووفاه حامه، واستأثر اهلل به، ونقله ألصفيائه من جواره، ومنه أجن يف حفرته، وأقضى إىل ربه وأجنه ضريه، وصار إىل عمله، وما

( ".)كدح لنفسه

: العدد (ء١٠٢۵ ديسمرب- يوليو) ۹:اجمللد اال سالمات هج

033

:فكرة الموت في الشعر العربي ل املوت بالعامل نتيجة لقد كان االعتقاد السائد لدى البدائي أن اإلنسان ولد خالدا وإمنا ح

خطأ ارتكبه الرسول الذي يمل هدية االنعتاق من املوت، ويتدرج الوقت ومن خالل املالحظة ، أدرك اإلنسان حتمية املوت يف تلك املرحلة ( )والتجربة، وبعجز ظاهر عن كشف األسباب

با إىل جنب مع أن الوعي باملوت ميضي جن" اليت انتقل فيها من بدائيته وكما يشري الندسربج ، فكان هذا الشرط أول ( )"االجتاه اإلنساين حنو الفردية، ومع قيا الكيانات الفردية املتميزة

بقدر ما ينبغي : " شروط حتمية املوت، أما الشرط اآلخر، فهو نشأة التفكري املنطقي يقول شلرا أيضا ضربا من اليقني علينا أن نعزو لكل حياة شكال من أشكال الوعي ينبغي علينا أن نعزو هل

لذلك فعندما أدرك اإلنسان يف مرحلة فجر التاريخ حتمية املوت، ( )"احلدسي باملوت أجهد نفسه يف البحث عن اخللود حيث نظرته الواقعية متتزج باألسطورة واخليال، فقد سعى

.( )جلجامش بعد موت صديقه أنكيدو هائما على وجهه يف الرباري خله وصديقه من أجل أنكيدو،

بكى جلجامش بكاء مرا، وها على وجهه يف الصحارى (يناجي نفسه وصار )

إذا ما مت أفال يكون مصريي مثل أنكيدو ؟ لقد حل احلزن واألسى بروحي

خفت من املوت وهاأنا أهيم يف الرباريل الواعي فاملوت على الرغم من كونه ظاهرة متكررة معتادة، إذ أنه من البديهيات لدى العق

والتفكري املنطقي إىل أنه اللغز األكثر حرية، إذ تزداد مأساته عمقا، كلما شارف اإلنسان على ، ويضطر جلجامش للبحث عن سر اخللود ويسري مسريا طويال وحني ( )أبواب شيخوخته

ان أدرك جلجامش ما كان يطمح إليه، انتابه السرور الغامر ، ولكنه يف طريق عودته فقد ما ك .( ):معه، فعاد إنسانا حمكوما عليه باملوت

إىل أين تسعى ياجلجامش

فكرة املوت يف الشعر العريب

033

إن احلياة اليت تبغي لن جتد حينما خلقت اآلهلة العظا البشر

قدرت املوت على البشرية واستأثرت هي باحلياة

من اكتشاف حتمية املوت فانه يؤدي إىل صدمة عميقة، وأن اإلنسان مل يتقبل " فعلى الرغم مقاومة مشهد انفصاله عن األرض وكل هبائها أو الفقدان احلتمي ألحبائه فان هناك عزاء دون

، وهذا ما متثل عند املصريني القدماء بصورة خاصة فقد ( )" متثل يف االميان بالبعث واخللود " با " يؤمنون بأن لكل شخص روحا غري مرئية تأخذ شكل طائر برأس إنسان وتسمى" كانوا تكونا الفرد، وكالمها يوجد يف الوالدة، وتكتمل الشخصية بعنصر " خت " مع " الباء " وكانت

وهو البديل، وهو يف نظر املصريني يأيت إىل الوجود يف اللحظة اليت يولد فيها " كا " ثالث هو ال ماء ال تفىن يف الس" كا " اخلاصة به فيما بعد احلياة، وال " كا"والفرد يذهب إىل ال . اإلنسان

" وهي ترس امليت وتميه فيما ما بعد احلياة فحني ميوت املرء ويرقد جسده يف القرب وتذهب ال يف العامل " كا"وال " با"ولكي يافظ على هذه الصلة بني ال " كا"اىل العامل االخر وترتبط بال " با

جاء التحنيط بغية الكائن وراء القرب، كان يصر على االحتفاظ باجلسد دون أن يبلى، ومن هنا .( ).. " اإلبقاء على كمال اجلسد بعد انفصال الروح

الروح واجلسد، فاما الروح فتنحدر : أما البابليون فكانوا يرون أن الكائن احلي ينقسم قسمني مهاعقيدة " إذ أن ( )إىل عامل املوتى، لتبقى إىل حيث األبد، فهم ال قيامة وال رجعة عندهم

ا ما تبتهج له نفس البابلي إذ أن دينه دينا أرضيا عمليا فاذا صلى مل يكن اخللود مل يكن فيه . ( )"يطلب يف صالته ثوابا يف اجلنة بل كان يطلب متسعا يف األرض

لقد كان اإلنسان البدائي ال ينفك يرى يف أن قوى الطبيعة وراء كل ما يتعرض له من خري أو نظرة إىل املوت أكثر واقعية، ومثل املوت القلق شر، وبتدرج الوقت وبتقلباته أصبحت ال

الوجودي األكرب عند اجلاهلي، إذ ظل يرهق فكره ووجدانه، إذ مل يكن يف تصوره أن وراء األحداث والظاهرات قوى عاقلة تدير الكون وتنظم أمره، وتوجهه وجه ذات غاية، الفتقارهم

ملوت عندهم سوف يدركهم كما أدرك ، فكان أن ا( )إىل معتقد دين يفسر مغاليق الوجود

: العدد (ء١٠٢۵ ديسمرب- يوليو) ۹:اجمللد اال سالمات هج

030

يقول جذل ين امشط خماطبا صاحبته بانه صائر إىل الردى كما صار إليه . الغابرين .( ):سابقوه

أأما إن الدهر أهلك صرفه ارما وعادا واحتط دودا واخرج من مساكنها ايادا ومسا فأدرك اسعد اخلريات قد مجع العتادا

حله فساداواحتطه والدهر يعقب بعد صا

وقد خللت نظرة اجلاهليني تلك حملات من معتقدات دينية، ففيها توزع لذلك اخلليط من األميان باهلل املتأيت عن احلنيفية، واليهودية اليت انتشرت يف احلجاز مث النصرانية اليت انتشرت بالتبشري بني

( ).اهايل العراق والشا وشرق اجلزيرة . ( ):ة مبنية على أساس دين تلك اليت ترى املوت رؤي

وكل امرئ يوما سيعلم سفيه إذا كشف عند اإلله احملاصل وأمس كأحال النيا نعيمهم

زايل وأي نعيم خلته ال ي

. ( ):ويرى عمرو بن كلثو حتمية املوت رأي سابقيه حنو قوله وإناسوف تدركنا املنايا مقدرة لنا ومقدرينا

يس الذي خاض غمار اللذان قبل أن يفتك به املوت، بعد ما ذهب مطالبا بثأر وهذا امرؤ الق

فاملوت الذي أطاح بأهله، وهم على حني غفلة منه، متكالبني على . أبيه، يرى ما رله سابقوهمتع احلياة، ال مهرب منه إال إليه، لذلك نراه ينزع يف قولته تلك منزعا فيه من املوعظة ما جعله

( ):يف حياته الالهية يعيد النظر

فكرة املوت يف الشعر العريب

033

أرانا موضعني ألمر غيب عصافري، وذبان، ودود وكل مكار االخالق صارت إىل عرق الثرى وشجت عروقي ونفسي سوف يسلبها وجرمي ابعد احلارث امللك أبن عمرو أرجي من صروف الدهر لينا

وأعلم أنن عما قريب

ونسحر بالطعا وبالشراب وأجرأ من جملمة الذئ اب

ليه مهي وبه اكتس ايبأ أوهذا املوت يسلبن شبايب فيلحقن وشيكا بالت راب ويعد اخلري حجر ذي القباب ومل تغفل عن الصم اهلضاب

سأنشب يف شبا طفر وت ابويرى عدي ين زيد العبادي أن احلياة ليلة إىل الفناء، وأن على اإلنسان أن ال يأمن الدهر، بعد

( ): ة الدهر أن أدرك عجزه أما صول قد أرانا وأهلنا حبفري فأمنا وغرنا ذاك حىت إن للدهر صولة فاحذرهنا قد ينا الفىت صحيحا فريدى امنا الدهر لني ونطوح

حنسب الدهر والسنني والشهورا راعنا الدهر قد أتانا مغريا ال تبينت قد أمنت الدهورا وقد بات لمنا مسرورا يرتك العظم واهيا مكسورا

حىت إذا امتد الزمان وجاء عصر اإلسال ، أحمت رسو تلك النظرة، وأصبحت احلياة الدنيا هي احلياة الصغرى، إذ تتلوها احلياة األبدية، إذ قد عزز القرلن الكرمي جذور تلك النظرة اليت انتقلت

" دية والنصرانية إليهم من الديانات اليت كانت موجودة يف اجلزيرة وما جياورها، واملتمثلة باليهو على الرغم من هواجس املوت اليت كانت تشغل تفكريهم وتقلقهم وتؤرقهم أال أن نظرهتم إىل املوت اختلفت متاما عن نظرة أسالفهم، إذ اصبح لكل من احلياة واملوت غاية يف وجودهم، إذ

، على أن املوت ( )" هم على دراية بأن احلياة فانية وأن املوت لت، وما ذاك أال لغاية وتدبري ( ):يقول أبو العتاهية . ال خيلد أحدا، فالين أن يدرك الرسل واألنبياء

وال صغريا، وال شيخا، وال أحدا املوت ال والدا يبقي، وال ولدا،

: العدد (ء١٠٢۵ ديسمرب- يوليو) ۹:اجمللد اال سالمات هج

033

كان النيب فلم خيلد ألمته للموت فينا سها غري خمطئة

لو خلد اهلل حيا قبله خل دا ته غ دامن فاته اليو سهم مل يف

. لقد رأى أبو العتاهية أن املوت غالب يف كل األحوال، لذلك طغى على شعره، اجتاه زهدي

يع الدواء، فالكل هم فرائس فال الطيب، وال املداوي وال الذي يب. فال سبيل لدفع املوت .( ):للموت

إن الطبيب بطبه ودوائه ماللطبيب ميوت بالداء ال ذي

والذيذهب املداوي، واملداوى،

ال يستطيع دفاع مكروه أت ى قدكان يربئ جرحه فيما مضى

ومن اشرتى جلب الدواء وباعه،

( ):أما بشار فريى رأي أيب العتاهية إذ يقول وال يدفع املوت األطباء بالرقى

وسيان حنس يتقى وسعود

فهذا ديك اجلن فاذا كان ال بد من املوت، فما على املرء أال أن يأخذ متعته من احلياة،

احلمصي، يتزود من متع الدنيا، ألنه أدرك أن الدهر يسرع بالفىت، فما كان عليه إال أن يلهو غري ( ): منتظر ما سيأيت به الغد

متتع من الدنيا فانك فان وال تنظرن اليو هلوا إىل غد فاين رأيت الدهر يسرع بالفىت فأما الذي ميضي فأحال نائم

ي احلوادث عان وأنك يف أيد ومن لغد من حادث بأم ان وينقله حالني خيتلفان وأما الذي يبقى له فأماين

وميضي الزمن ولغز احلياة واملوت ما زال يلح على الفكر البشري، وأصبح التأمل الفلسفي القائم

العباسي ختلط عل النظرة املتأملة وطول الفكرة، هو طريق النفاذ من تلك احملنة، وبامتداد العصراملفاهيم الدينية بالفلسفية، وأصبحت النظرة إىل املوت جتري ضمن جمريات عدة سامهت يف

فكرة املوت يف الشعر العريب

033

وتنزلق النظرة من احلتمية . خلقها ظروف ألفت املزاوجة بني النظرة الشعرية وبني النظرة العقلية .املبنية على أساس دين إىل التشكك املبن على أساس من النظرة الفلسفية

هذا أبو الطيب املتنيب الذي كثريا ما تأمل يف شؤون احلياة واملوت، بصورة تقو أكثر ما تقو ف، أقر هو األخر باملوت ورأى فيه ما رله ( )على هدي الفطرة ال االنسياق خلف األوها

سابقوه، وبا أنه من األمور اليت اتفق اخللق عليها، لكن االختالف كان على أشده، حني تفكر . ( ): لناس فيها

خالف الناس حىت ال اتفاق هلم فقيل خلص نفس املرء ساملة ومن تفكر يف الدنيا ومهجته

أال على شجب واخللف يف الشجب وقيل تشرك جسم املرء يف العطب أقامه الفكر بني العجز والتع ب

للخوف، ألن إن نظرة أيب الطيب تقتضي الشجاعة، وتؤمن بالقوة، إذ ليس هناك من معىن

املوت هو النهاية احلتمية، وما دا املوت شيئا ال بد منه، فحري باإلنسان أن ميوت شجاعا، ( ): كون اخللود يقتضي التضحية احلقيقية غري أن الفىت يالقي املنايا ولو أن احلياة تبقى حل ي وإذ مل يكن من املوت بد

كاحلات وال يالقي اهلوان ا لعددنا اضلنا الشجعان ا فمن العجز أن تكون جبانا

أما ابو العالء الذي أنفق نصف قرن من حياته، متفكرا يف املوت، فقد وجد أن احلياة هي

يتحسر لكونه إنسانا يعيش " السجن الكبري واملوت هو احملرر الذي يطهر النفس، إن ابا العالء غري وليست احلياة إال موتا ، فهو ميت قبل أن يسيحني موته الذي يتقطر إليه نقطة نقطة

الثوب الذي يلبسه اإلنسان هو الكفن، واملنزل قربه، وعيشه موته، واملوت بعثه، وهو : يسعىا أسود، وهي سائرة سريا ، فاذا بأيا الدهر املتعاقبة تأكل الناس، وكأهن( )"حياته األصلية

.( ): حثيثا متر بنا الساعات وهي أسود ما وتأكلنا أيامنا فكأن

: العدد (ء١٠٢۵ ديسمرب- يوليو) ۹:اجمللد اال سالمات هج

033

بنا األيا وهي حثيثةتسري

وحنن قيا فوقها وقع ود

فما من وسيلة تقق لإلنسان ما يتوق إليه من اخللود، فاذا باإلنسان ال ميلك أما حريته تلك لعلمه أهنا تأتيه باليقني من شيء، وإذا بأيب العالء يستخرب جهينة عن مصري من ماتوا،

( ).:ولكن يقينا من جهينة عنهمطلبت

ومل خربين ياجهني سوى ظن وعلى هذا النحو يتوىل زمن أيب العالء، ليأيت زمن أخر يكون فيه النظر إىل املوت رؤية ال تستمد أبعادها من نفس احلياة اليت يعيشها الشعراء، إذ تتحرك أخيلة الشعراء ضمن أطر احتازها

الدين احللي يرى املوت بعين غريه ويرى أن املنايا املاضي، وأفكار تعيد نفسها، فهذا صفي .( ): مدركة الفىت، وأن طلب املزيد من احلياة، كطلب املاء من السراب

لدوا للموت وابنو للخراب فمرجع كل حي للمناي ا ومن يغرت يف الدنيا بعي ش

فما فوق الرتاب إىل الت راب وغاية كل ملك للذهاب

لسرابفقد طلب الشراب من ا

فهذا الضرب من الرؤية القائم على األميان احلتمي باملوت، وأن كل ابن أنثى صائر إليه، ال فرق األزمنة " بني سوقي وملك، ظل قائما يف تلك الفرتة اليت أطلق عليها الدكتور جالل اخلياط

" منه الشعراء ، حىت أننا جند أن أفكار األقدمني ومعانيهم هي الزاد الذي يتزود ( )" الضائعة ويغرق الشعر يف الصيغ البالغية تعويضا عن األفكار الضائعة واألخيلة املريضة، والزمنية

.( )" …اخلائبة،املوت ال يأيت الناس غيلة وال يأخذهم على حني غرة، بل هو يسوق إليهم كل يو نذيرا " ف

إىل الرتاب قريبا منا أو بعيدا، يذكرهم به وواعظا يؤكد جميئه، ففي اجلنائز اليت تمل كل يو صغريا و كبريا، يطويه عنا املوت مرغمني ال منلك أن نرد عنه شيئا، لشاهد ال يكذب على أن

.( )" املوت لت ال حمالة على كل أحد

فكرة املوت يف الشعر العريب

033

ويدرك العامل تطور مادي هائل، تضطرب األفكار على حدوده، وتتولد لدى الشاعر هواجس د رؤية معينة، إذ أن الغد الذي سيأيت، يمل يف طياته كل جديد فالعامل كثرية، ويار يف تدي

أصبح متجددا، وال يلبث املألوف فيه أن يتغري فكان الشاعر الذي ترسخت يف نفسه تلك الرؤية املبنية على أساس عقائدي أن يرى أن صورة املوت باقية كما هي، إذ يدرك الكبري

:من التأمل يف احلياة واملوت، وحن إىل شبابه وترقب املوت والصغري، فهذا اجلوهري قد أكثر كنا نقول إذا ما فاتنا سحر البد من مطلع للشمس يفرحنا واليو نرقب يف اسحارنا أجال

ال بد من سحر ثان يواتي نا ومن اصيل على مهل يينا تقو من بعده عجلى نواعينا

. ( ): ويقول يف قصيدة أخرى

تحايل باخللود وملهمفبم ال من منكم رغم احلياة وعبئها ذئب ترصدين وفوق نيوبه

حلفرية ومفكر لرتاب مل يتسب للموت ألف حساب د أخويت وأقاريب وصحايب

لقد أدرك املوت احملبني وطواهم يف حفر صارت إليها لجاهلم، فال أسف على ما جنت األيادي

باخلوف من املوت، يتأىن ملوت فاألزمة قائمة وال سبيل وال على ما مضى من الزمان، وال .لدفعها

ومتر رحلة احلياة ويغدو التفكر باملوت يأخذ حيزا أكرب ذي قبل حيث االكتشافات املذهلة، واخرتاع القنبلة الذرية وما شاب العامل من ظلم وفساد، مما خلق أجواء مشحونة إذا مل نقل

تتضاعف "الرومانسية هذا االجتاه، وأخذت تلك النغمة احلزينة باملوت فبالتفكر فيه، فاحتضنتوترتد طوال مرحلة تطور العامل الرأمسايل، وذالك نتيجة الغربة املتزايدة اليت يشعر هبا اإلنسان يف احلياة، وما صحب هذا الشعور من شوق متصل للعودة إىل الدفء واألمان إىل حالة تشبه يف

، فهي تنظر إىل املوت كما لو كان هو ]…[شوق إىل راحة املوتاخليال رحم األ ، وكذلك ، لذلك كان سعي اجليل األول من الرومانسني، "الوحدة املرجوة أو هو الكلية الشاملة

: العدد (ء١٠٢۵ ديسمرب- يوليو) ۹:اجمللد اال سالمات هج

033

فالشاعر عبد الرحن شكري الذي يرى أن املوت هو االنتصار الذي جينب اإلنسان بعد كد .( )طويل يف احلياة

ال يلذ املوت أال متعب رقدة يا طيبها من رقدة

سهر العيش ويف املوت رقد بعد أن عاىن وأبلى وسه د

تأثرا بالشعراء الرومانتيكني الذين احبوا املوت وتاملوه، وطربوا " لذلك نراه يتوق إىل املوت،

. ( )، ويرى أن أمنه ال يكون أال يف موته ( )" ملشاهدة القبور صنوه وما املوت اال األمن واخللد

خليق بنا أن نغبط امليت حال ه

أال أن فقدان احلياة حبور فان حياة العاملني غرور

وتراوده الشكوك يف حياة ما بعد املوت، وكأنه يؤمن بالعدمية، لذلك يبدو موقفه من املوت فيه

.( )ما فيه من احلرية غدا يستندل املوت منا ومنكم فنصبح موتى ال حنس افتقادكم

لى قربي وقربك بعدناويسعى ع ومتضي الليايل والشهور وتنقضي كأن الفىت مل يي يوما حلاج ة

وكل نفيس يف املمات يهون وأي دفني يستبيه دفي ن من الناس خب ماكر وخؤون قرون على أعقاهبا وق رون إذا ما دهته بالعفاء من ون

وشعر " ين يطربون ملشاهدة القبور ويبدو أن عبد الرحن شكري كان شأنه شأن الرومانسيني الذ

القبور والليل تقليد سرى على مجيع أوربا من األدب اإلجنليزي منذ منتصف القرن الثامن عشر وذلك أن القرب وما حواه " مدرسة القبور " حىت أوائل القرن التاسع عشر وكان اإلجنليز شعراء

إلجنليز فالسفة وشعراء، وكانوا من األهل واألحباب كان موضوعا حمببا جلماعة من قسس اينظمون خواطرهم أما تلك القبور ليال فكان الليل موحيا هلم خبواطر تدور حول املوت واخللود،

فكرة املوت يف الشعر العريب

033

يف لياليه وخواطره يف احلياة Youngوكان الرائد يف هذا الباب الشاعر والفيلسوف اإلجنليزي . ( )" واملوت واخللود

وت، إذ كانت جتربته معه فاته املتحشرجة وهو ينازع املوأرسل ابو القاسم الشايب هتا .( ):عميقة

كي فيها جترب املوت هب ا جف سحر احلياة يا قليب البا . ( )" : النيب اجملهول " وترى نازك أن موقف ايب القاسم الشايب يف قصيدة

مث، تت الصنوبر الناظر احللو، وتظل الطيور تلغو على قب ري

ي حوال يوتظل الفصول متش

خط السيول حفرة رمس ي ويشدو النسيم فوقي هبم س كما كن يف غضارة أم س

الذي ميكن أن (John Keats)يعيد إىل الذاكرة موقف الشاعر اإلجنليزي جون كتيس ))"

الشعر واجملد واجلمال أشياء : " نسميه شاعر املوت املفتون األكرب، فهو يقول يف إحدى قصائدهإذ يصف أبو ( )((…"املوت مكافأة احلياة الكربى . ولكن املوت اعمق. حقا عميقة

.القاسم الشايب املوت باحلياة دون أن يصرح بذلك علنا أما املهجريون، فاهنم يرون أن املوت هو احملطة األخرية اليت يلقي عندها اإلنسان أثقاله ليسرتيح

( ):ياة ميكن أن جيدها اإلنسان يف قربهبعد عناء احلياة، ويرى ميخائيل نعيمة، أن احل وعندما املوت يدن و اغمض جفونك تبصر

واللحد يغفر ف اه يف اللحد مهد احلياة

:( )ويقول جربان خليل جربان

واملوت يف األرض البن األرض خامته فاملوت كالبحر، من خفت عناصره

ولألثريي فهو البدء والظفر نحدرجيتازه وأخو األثقال ي

: العدد (ء١٠٢۵ ديسمرب- يوليو) ۹:اجمللد اال سالمات هج

033

فهو يرى أن مثت موتني، أحدمها يؤدي باإلنسان إىل العد واالحنالل، وأخر يفضي به إىل .الظفر حبياة أخرى

فريى أن احلياة اليت أتت به، وستنتهي به إىل حيث ال يعلم، " طالمسه " أما إيليا أبو ماضي يف . "لست أدري " جعلت من موقفه إزاء كل شيء متشككا، لذلك فهو ال يتواىن أن يقول

جئت ال أعلم من أين ولكن أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت وسأبقى سائرا إن شئت هذا أ أبيت كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي ؟

لست أدري

امشو هال

. – /سورة امللك، رقم اآليات ( )، مؤسسة الرسالة :الناشر، أبو عبد اهلل أحد بن حممد بن حنبل : املؤلف، مسند اإلما أحد بن حنبل ( )

. / ، -ه األوىل، : الطبعةإتاد الكتاب العرب، الطبعة األوىل، : عبد السال هارون، الناشر: مقاييس اللغة البن فارس، تقيق ( )

. / ، –ه ت، الطبعة األوىل، لسان العرب، حممد بن مكر بن منظور األفريقي املصر، ، طبعة دار صادر بريو ( )

. – / مادة موت . /سورة الرو ، رقم اآلية ( ) . /سورة مرمي، رقم اآلية ( ) . /سورة األنعا ، رقم اآلية ( ) . /سورة النمل، رقم اآلية ( )

فكرة املوت يف الشعر العريب

033

. /سورة إبراهيم، رقم اآلية ( ) . /سورة الزمر، رقم اآلية ( ) . . ، مادة موت / العرب، لسان ( )ه، رقم حممد زهري بن ناصر، دار طوق النجاة، الطبعة األوىل : صحيح البخاري، تقيق ( )

. احلديث . /سورة الطور، رقم اآلية ( ) .، مادة قشعم / لسان العرب ( ) . ، مادة هلم / لسان العرب ( )املستقصى يف أمثال العرب أليب القاسم حممود بن عمر الزخمشري، (. طرقته أ الدهيم: )املثليقال يف ( )

. / ، طبعة دار الكتب العلمية بريوت، الطبعة الثالثة كتاب األلفاظ الكتابية لعبد الرحن بن عيسى اهلمداين، ضبط وتصحيح األب لويس شيخو، طبع ( )

. ، ص اليسوعيني بريوت بطبعة اآلباء كامل يوسف حسني، مطبعة الرسالة، الكويت، : املوت يف الفكر الغريب، جاك شورون، ترمجة ( )

: . . :رجع نفس امل ( )

. : رجع نفس امل ( )

. : ، قافة واألعال ، بغداد ، طثطه باقر، وزارة ال: ملحمة جلجامش، ترمجة ( )

. :رجع نفس امل ( )

. – : رجع نفس امل ( )

. ريب، جاك شورون، غاملوت يف الفكر ال ( )

مصر والشرق األدىن القدمي، د جنيب ميخائيل إبراهيم، مؤسسة املطبوعات احلديثة، مصر، ط، ( ) : / - .

. / : ، ر ، بغداد ، طالقدمية ، طه باق تمقدمة يف تاريخ احلضارا ( )

: ، حممد بدران، جلنة التأليف والرتمجة والنشر، القاهرة، ط: قصة احلضارة، ول ديورانت، ترمجة ( ) . ص ج

: العدد (ء١٠٢۵ ديسمرب- يوليو) ۹:اجمللد اال سالمات هج

030

اإلنسان والزمان يف الشعر اجلاهلي، د حسن عبد اجلليل يوسف، مكتبة النهضة املصرية، القاهرة، ( ) : .

، عبد العزيز امليمن، دار املعارف، مصر، ط: ، تقيق(حبيب بن اوس الطائي) ، أبو متا الوحشيات ( ) : .

اإلنسان والزمان يف الشعر اجلاهلي،د حسن عبد اجلليل يوسف، مكتبة النهضة املصرية، القاهرة، ( ) : .

. : ، بن ربيعة، تقيق، د احسان عباس ، الكويت ، ط ديوان لبيد ( )

ط عبد السال هارون، دار املعارف، القاهرة،: ح املعلقات السبع الطوال اجلاهليات، تقيقشر ( ) : .

بو الفضل إبراهيم ، دار أحممد : صمعي واملفضل وغريمها، تقيقديوان امرىء القيس، رواية األ ( ) . : املعارف، القاهرة، ط

. : عبد اجلبار املعيبد، بغداد، ط : زيد العبادي، تقيقديوان عدي بن ( )

، كلية صكبانطروحة دكتوراه، غن أ،( - ) الزمان واملكان يف شعر العصر العباسي األول ( ) . : الرتبية، ابن رشد، جامعة بغداد،

. : امعة دمشق، ط د شكري فيصل، مطبعة ج: خباره، تقيقأأشعاره و : بو العتاهيةأ ( )

. : رجع نفس امل ( )

: حممد الطاهر بن عاشور، جلنة التأليف والرتمجة والنشر، القاهرة،ط : ديوان بشار بن برد، شرح ( ) .

د أحد مطلوب وعبد اهلل اجلبوري، دار الثقافة ، : ديوان ديك اجلن احلمصي، حققه وأعد تكملته ( ) . - : لبنان، ط

. : ، فن املتنيب بعد ألف عا ، إبراهيم العريض، بريوت ، ط ( )

. / : ي، مطبعة حممد مصطفى، مصر، ط قديوان املتنيب، شرحه عبد الرحن الربقو ( )

: عبود احد اخلزرجي ، منشورات املكتبة العاملية ، بغداد ، ط : فهرسه وشرحه : ديوان املتنيب ( ) .

. : ، ، دار العودة ، بريوت ، ط(أدونيس ) مقدمة للشعر العريب، علي أحد سعيد ( )

. / : اللزوميات، أبو العالء املعري، مطبعة دار صادر، بريوت،ط ( )

فكرة املوت يف الشعر العريب

033

والنشر، مصطفى السقا وعبد الرحيم حممود، وغريهم، الدار القومية للطباعة : شروح سقط الزند، تقيق ( ) . / : القاهرة، ط

. : ديوان صفي الدين احللي، دار صادر، بريوت، ط ( )

. : الشعر والزمن، جالل اخلياط، دار احلرية للطباعة، بغداد ، ط ( )

. رجع نفس امل ( )

، دار الرشيد للنشر، الشعر الصويف حىت أفول مدرسة بغداد وظهور الغزايل، عدنان حسني العوادي ( ) . : بغداد، ط

. / : ، ديوان اجلواهري ، بغداد ، ط ( )

. / : رجع نفس امل ( )

ط متوز ، املوصل، أسعد حليم ، منشورات مكتبة : االشرتاكية والفن، أرنست فيشر، ترمجة ( ) : .

، د يسري سالمة، مؤسسة الثقافة اجلامعية، اإلسكندرية، العقاد –املازين –شكري: مجاعة الديوان ( ) . : ط، د

. : رجع نفس امل ( )

. : رجع نفس امل ( )

. : رجع نفس امل ( )

. : الرومانتيكية، حممد غنمي هالل، بريوت، ط ( )

. : ، الفجالة ، طديوان شعر أيب القاسم الشايب، دار مصر للطباعة، . أغاين احلياة ( )

. : رجعنفس امل ( )

. ، ، قضايا الشعر املعاصر، نازك املالئكة، منشورات مكتبة النهضة، بغداد ، ط ( )

. : ، الشعر العريب يف املهجر، حممد عبد الغن حسن، مؤسسة اخلاجني، القاهرة، ط ( )

. : رجعنفس امل ( )

. - : ط ة القلمية، نادرة سعيد سراج ، القاهرة ،شعراء الرابط ( )

٭٭٭٭٭٭٭٭٭