وء والظـل ـالضي الشعر والتصويربني فن

- ٢ -

تصميم الغالف خالد يزبـك

- ٣ -

الـى عدنان الكيـرل

الضوء والظل ي الشعر والتصويربني فن

منشورات اهليئة العامة السورية للكتاب م٢٠١١ دمشق –وزارة الثقافة

- ٤ -

: دمشق-.رىل عدنان كيال / ني فين الشعر والتصوير الضوء والظل ب . سم٢٤ ص؛ ٣٨٤ -.م ٢٠١١اهليئة العامة السورية للكتاب،

)٢دراسات أدبية؛ ( ك ي ا ض٨١١,٠٠٩ -٢ ك ي ا ض ٧٠١ -١ السلسلة-٥ الكيال -٤ العنوان-٣

- ٥ -

باعثا على التساؤل، فما الذي يجمع بين ربما بدا هذا العنوان غريباالشعر والتصوير؟ وما الذي يجمع بين كل من عنصري الضوء والظل وفني الشعر والتصوير على حدة؟ وهل ثمة عالقة بين الفنين؟ وإن وجدت العالقة بينهما، فما طبيعتها؟ هل هي عالقة تقارب أم اختالف؟ وهل ثمة عالقة بين

دت، فهل هي عالقة تناقض أم انسجام وتكامل؟ الضوء والظل؟ وإن وجتقوم فكرة البحث على جالء العالقة بين فنين هما الشعر والتصوير من خالل بعد جمالي واحد هو التناوب بين الضوء والظل في التشكيل الفني

. والتعبير اإلنسانيفإذا كان فن الشعر يعتمد ظاهرا على الصورة، وهو األمر الذي يقربه

ن فن التصوير، فمن المفترض أن قيام الصورة ذاتها على تناوب الضوء م .والظل فيها هو الذي يجعل من فن الشعر صورة لغوية لفن التصوير

يتمثل أولهما في إمكانية : ومن هنا انطلقت فرضية البحث من مبدئين في كل من فني الشعر االضوء والظل أو توازيهما أو تشابههمتعادل عنصري

صوير، والثاني في مدى امتالكهما القدرة على خلق التقارب بين هذين والتالفنين، إذ كانت مسألة العالقة بين الفنون وما زالت محورا بحثيا كبيرا في

. الدراسات الجمالية والنقدية الغربية والعربيةلذا خصص المدخل، لوضع هذه المسألة في بعدها التاريخي، وامتدادها،

وانزياحاتها، وتياراتها وبيان جوانبها الفلسفية والجمالية والنقدية، وتفرعاتها،وتأثيراتها في اإلبداع والنقد الحديثين، إذ تجلت عالقة التقارب بين الشعر

- ٦ -

على المستوى " شعر الصورة" والتصوير في بعض أنواع الشعر، المسمى والتي "الشعرية"ااإلبداعي، كما تجلت في األبحاث النقدية التي جعلت لها عنوان

. تحتضن في مفاهيمها كل أنواع الفنون األدبية أو التشكيليةولقد حاول مدخل البحث استعراض أدوات البحث، من خالل االستعانة ببعض أدوات المنهج السيميولوجي الذي يركز على النص، من خالل تحليله

ن المستويات للعالقة بين المرسل، والرسالة، والمرسل إليه ومن خالل بيااإلفهامية، : المتعددة للنص، ومن خالل ما تتضمنه الرسالة من تعدد في وظائفها

.)١(وغيرها ..واإلخبارية، والمعرفية، والعاطفية واالنفعالية، والجمالية، والمرجعية انطلقت من إمكانية تعادل ثنائية الضوء ولما كانت فرضية البحث،

، في كل من فني الشعر والتصوير، فقد كان ال أو تشابههـا أو توازيهاوالظلالنحت، : بد من دراسة، العناصر التشكيلية األساسية لكل من الفنون الثالثة

والتصوير، والشعر، آخذين باالعتبار أوجه التشابه أو التوازي دون إهمال من فن إلى ) المصطلحات( أوجه االختالف، المتمثلة في اختالف التسميات

عن اختالف أدوات الفنان، ومواده األولية، وأسلوبه في التعامل آخر، فضالتحليل نماذج من تلك الفنون في الفصلين األول والثاني معها، ولذا تناولنا

ففي المرحلة األولى، ونحن نتابع األعمال محاولين إجراء مقاربات فيما بينها،نية المقاربة بين هذه الفنية، منحوتة، ولوحة، وقصيدة، كان لدينا الحدس بإمكا

العناصر في المجاالت الفنية المختلفة، أما في المرحلة الثانية، فقد عمدنا إلى مقاربتها، بكثير من الشك والحذر والتحليل، فوجدنا أن المقاربة ممكنة فعال

ة ي الكتلوأن معالجة الضوء والظل، ال يمكن أن تتم دون البناء على مفهوم، لما لهذه المفاهيم من أثر في تمثيل لحركة والسكونوالفراغ، ومفهومي ا

.العمل الفني، وتنظيمه، وتكوينه

.د: ، ترجمة" السيميولوجيا"جيرو، بيير، علم اإلشارةللتفصيل في الوظائف انظر، )١(للدراسات والترجمة والنشر، مازن الوعر، دار طالس . منذر عياشي، قدم له د

٤٢ ص– ٣٠، ص١٩٩٢

- ٧ -

ولما كانت هذه المفاهيم، في عالقة أكبر وأوضح في فن النحت، وذلك ألحجامه الواقعية وفضائه الحقيقي وحسيته المادية، فقد جعلناه مدخال إلى فن

به من جهة، ولتوضيح تجريدية فن التصوير، اإليهامي في طبيعته، لمقارنته .الشعر مقارنة بالفنين السابقين من جهة أخرى

ومن هنا خصص الفصل األول لدراسة الضوء والظل في الكتلة المساحي في فن التصوير، زوالفراغ في فن النحت، يقابلهما الشكل والحي

والصوت والصمت في فن الشعر الشفاهي، والكلمة والفراغ الطباعي في ومن ثم، وبناء على النتائج الناجمة من دراسة الكتلة والفراغ . يلشعر الكتابا

هما وعناصرهما التشكيلية كاللون وطبيعته، والخط توتجليا في الفنون الثالثة،ليدرس الضوء والظل في مفهومي الحركة وأنواعه، جاء الفصل الثانيالسكون في العمل والفراغ في خلق الحركة أوةوالسكون، وليوضح أثر الكتل

. الفني، وليبرز أسباب وجودهما في األعمال النحتية والتصويرية والشعريةأما الفصل الثالث فقد ناقش، مستويات التعبير في العمل الفني انطالقا

النحتية، التصويرية، (فالتعمق في األعمال الفنية . من مفهومي الضوء والظلالنحت، ( شف ثالثة مستويات في التشكيلكنماذج متنوعة، جعلنا نكت) الشعرية

والضوء الضوء والظل، والضوء والعتمة المضاءة، بدءا من) التصويرالغموض، /الوضوح: والعتمة، وبدت لنا هذه الثنائيات التشكيلية موازية لثنائية

والجلي والخفي في الشعر، والتي يمكن، من خاللها، مالحظة ثالثة مستويات المستوى األول هو المستوى الالشعوري الذي يختفي وراء : تعبيرية موازية

أقنعـة أو حجب من الصور والتبادالت المتعاكسة، ويقابله مستوى الضوء . والظل في التشكيل

والمستوى الثاني هو المستوى الفكري الذي يحاكي بواطن األفكار مثلما أما المستوى الثالث . يالحظ ظواهر األشياء، وتقابله العتمة المضاءة تشكيليا

المستوى الحسي، الذي يتجلى في األلفاظ الحسية الواضحة، والصور فهو

- ٨ -

الوصفية المباشرة التي تقرب الشعر من النحت والتصوير في وضوحها، . ويقابله في التشكيل مستوى الضوء والعتمة

أما الفصل الرابع، فقد جمع بعض النماذج الفنية المنجزة في الشعر والتصوير، والتي تعد محاولة إلثبات فرضية البحث، والسعي إلى والنحت

، من خالل حوارها بلغة الضوء والظلتحقيق التقارب بين الفنون الثالثةوبناء على ذلك قمنا باالستقصاء والبحث في الشعر الكتابي ومدى تأثر

فضال ومحاولة محاكاتها،) التصويرية والنحتية(الشعراء في األعمال الفنية . عن أثر الشعر في المصورين وانعكاسه على أعمالهم الفنية

بعنوان البحث وتفسر سبب اختيار ولنا أن نشير إلى فكرة مهمة تتعلق .فن التصوير بدال من فن الرسم، وتوضح أوجه االختالف بينهما

بمعنى أن الرسام .. التشكيل بطريقة خطيةأوالرسم هو التعبير ف افن، التصويرأما . وعالقاتها لتحديد األشكال المرسومةيستخدم الخطوط

رسمفالفرق بين الرسم والتصوير أن ال. فهو التعبير بخامة اللونا،تشكيلي، أما األساسي دون دمجه مع غيره من األلوانيعتمد على الخط واللون الواحد

لوين يركز على تو ويقوم بدمج األلوان، فيعتمد على أكثر من لونتصويرال .ةح في أرجاء اللو والظالل األضواء وتوزيعالمساحات

فإذا ، هو الخطوط األولية للفكرة التي تدور في مخيلة الفنان إذنالرسم . تصويراغدا الرسم المدمجة الفراغات والمساحات باأللوانامتألت

المخصصة ) اللوحات والمنحوتات(وقد آثرنا أن ندعو النماذج الفنية في المتن والحواشي، وضمها الملحق " منحوتة"أو" لوحة"تطبيقية بـللدراسة ال

أما األعمال التي أردنا التمثيل بها . "نماذج التطبيق" تحت عنوان) ١(رقم تحت ) ٢(وضمها الملحق رقم " المثال"فحسب فقد دعونا كال منها بـ

".نماذج التمثيل"عنوان

- ٩ -

املدخـل

:إشكالية البحث

قة بين الفنون أذهان الباحثين والفالسفة والفنانين، شغلت قضية العالوأحاطت بدراساتهم لها مشكالت جمة، سواء في نطاق تاريخ نظريات الفنون، ذلك التاريخ الطويل الذي يبدأ مع فلسفة اإلغريق، أو في مجال المعارف اإلنسانية وألوان الثقافات المتباينة وضروب العلم الحديثة المتداخلة التي

تناول العالقة بين الفنون من أكثر من جانب، وتبحث في مختلف صورها تومظاهرها، مما أدى إلى تعداد آراء الباحثين وتنوع الدراسات وتشابك

فذهب بعضهم إلى المناداة بتقارب الفنون وأخوتها، وذهب . وجهات النظرآخرون إلى ضرورة الفصل بينها، الختالفها، وتفرد كل منها بأدواته

.فضال عن طبيعته الزمانية أو المكانية. عناصره المكونة وموضوعاتهو

فما هي آراء الفالسفة والنقاد في العالقات بين الفنون؟ وكيف عالج النقد .)١(الغربي والعربي هذه النظرية؟

قمنا باستعراض تاريخي ألهم اآلراء والنظريات في العالقات بين الفنون عموما، )١(والشعر والتصوير والنحت خصوصا، على اعتبار أنها الفنون المعنية في هذه

.الدراسة

- ١٠ -

:العالقات بين الفنون في النقد الغربي

قة الغامضة لعل أقدم نص نعرفه في تاريخ النقد الغربي عن هذه العال" )١(بين الشعر والفنون التشكيلية هي العبارة المنسوبة إلى سيمونيدس الكيوسي

، التي يقول فيها إن الشعر تصوير ناطق، والتصوير .)م. ق٤٦٨ - ٥٥٦( فقد أثارت هذه العبارة اهتمام الفالسفة اإلغريق، وربما )٢("شعر صامت

من بعده أرسطو، إذ خرج أسهمت في ظهور نظرية المحاكاة عند أفالطون وأفالطون بنظريته في المثل موضحا لها بصورة الكهف في جمهوريته، بحيث

.غدت خير تعبير عن نظرية المحاكاةأن ما ندركه من األشياء يشبه ما يدركه أناس ينظرون " يرى أفالطون

إلى ظالل نار على جدران كهف، وقد أداروا ظهورهم إلى فتحته التي تتأجج النار، فهؤالء إنما يدركون الظالل المرتسمة على جدران الكهف أمامها

فيخالونها حقيقية، فإذا ما تجردوا من قيود الظاهر وغادروا كهفهم أبصروا حقائق األشياء في النور بعيدا عن الظالل، فكأن عالم المثل هو الماهية

ة لها بمثابة الحقيقية المجردة التي تسبق الوجود، وما الوجود إال محاكاة حسي . )٣("الظالل من النار

ومن هنا كانت العالقة بين الفن والعالم، لدى أفالطون، متمثلة في وإذا الحظنا أن العالم الحسي ذاته هو " محاكاة الفنان ظاهر العالم الحسي،

، )٤("محاكاة لعالم المثل، أدركنا مدى الهوة التي تفصل بين الفكر والفن عنده

.من جزيرة كيوس في بالد اليونان )١( المجلس الوطني - ١١٩غفار، قصيدة وصورة، سلسلة عالم المعرفة عبد ال. مكاوي، د) ٢(

م ١٩٨٧ تشرين الثاني - هـ ١٤٠٨ ربيع األول – الكويت-للثقافة والفنون واآلداب .١٣ / ١٢ ص –

– الطبعة األولى –عصام، نظرية المحاكاة، دار القلم العربي بحلب. قصبجي، د )٣( .٤ ص– ١٩٨٠

.٤المرجع نفسه، ص ) ٤(

- ١١ -

شير إلى فكرة مهمة، بعيدا عن المحاكاة الحسية لظاهر بيد أن أفالطون ياألشياء في الوجود، هي أولوية هذه األفكار في مخيلة الفنان، إذ تكمن فيها

المتخيلة، وهو حين يشرع في إنجاز عمله الفني، ) الذهنية(صوره العقلية يغدو محاكيا صور العالم الحسي الواقعي من خالل صوره الذهنية، فيدمج

.لواقع بالخيال، وهذه غاية الفنانامرآة " وربما يفسر هذا سبب نبذ أفالطون الفنان الذي يحاكي عبر

تعكس ظاهر العالم الحسي بعيدا عن العالم العقلي، ففي مقدور أي إنسان أن .. يلهو بمرآة ما فيرى الشمس، واألرض، والكواكب، والناس وقد تجلت فيها،

رة أفالطون إلى الفن؛ فالمرآة أداة تعكس نظ"المرآة"وربما تلخص كلمةمظاهر األشياء المحسوسة بعيدا عن اإلبداع، وأين الفن مثال في صورة كرسي تجلت في مرآة؟ أليس صانع الكرسي أولى باإلبداع من مصور راح يلهو بمرآة ويرى فيها صورة المحسوسات؟ وهل تكون لوحة المصور أو

، ولهذا السبب فضل )١("، شيئا أكثر من مرآةقصيدة الشاعر، وكالهما محاك .أفالطون الصانع على الفنان

يلوح أن أفالطون كان يرى في الفن المحاكي للمحسوسات لعبا، وربما ، وحيث )٢("بالد اإلغريق، حيث سيادة العين"لم تأت نظريته من العدم ففي

، )٣("ريق بينهماالثقافة المشمسة العاشقة للحياة والرؤية إلى حد عدم التفارتبطت الحقيقة، في الفن، بالمعرفة وبمحاكاة الواقع ونقله نقال أمينا، فانعدمت فسحات الظالل المتمثلة في إضفاء الصور المثالية الذهنية الخاصة بالفنان على الفن، ولعل أفالطون، من خالل نظريته في المثل وصلتها بالمحاكاة، رد

.٦المرجع نفسه ، ص )١( المغرب – أفريقيا الشرق –فريد الزاهي : دوبري، ريجيس، حياة الصورة وموتها، تر )٢(

.١٤١ ص – ٢٠٠٢ – .١٧ ص –حياة الصورة وموتها )٣(

- ١٢ -

ته الحسية، التي غدا حضورها طاغيا على فني على أسلوب الفن في حرفيالنحت والتصوير أكثر من فن الشعر الذي هاجمه أفالطون وحمل عليه،

مقته البالغ للمحسوسات وتجريده لها من كل عنصر ذهني، مع "وربما كان )١("افتراضه أن الفن محاكاة لهذه المحسوسات، هو السبب الرئيس لهذه الحملة

حمل " عن إدراكه أثر الكلمة في اليونانيين، وإذا الحظنا إنهعلى الشعر، فضالعلى الشعر ذي الطابع الحسي الظاهري، الزاخر بالصور، المتعدد

، أدركنا أن حملته تنطوي في حقيقتها على تمجيد خفي للشعر )٢("األلوانالروحي الذي يعلو على الظواهر وينشد الحقيقة دون أن يقتصر على محاكاة

، وتظهر المقارنة بين الشعر )٣("ئية بعيدة عن روح اإلبداعمظاهر جزوالتصوير عند أفالطون حين يرى أن الخطأ األكبر للشاعر هو

صفات اآللهة واألبطال تمثيال مشوها، فهو كالمصور الذي ال يشبه ..تمثيل" وهكذا طالب أفالطون بالحقيقة وباالبتعاد عن )٤("رسمه ما صوره من األشياء

المحاكاة، فضال عن ضرورة ارتباط الفن باألخالق والسيما فن ياس فالحوالشعر لما يحمله من تأثير بالغ في النفوس، ولقدرته على نقل العادات واألعراف، وأسلوبه في تشخيص اآللهة، وتقريبها من الذهن، ضمن صور

فهل تتطلب الحاجة الماسة ".مرئية تجسدت أيضا في فني النحت والتصويرللتشخيص الخوف اإلنساني؟ هذا الخوف الذي هو أم اإلنسانية ومحاسنها

، وهل يفسر خـوف اإلغـريقي )٥("المتمثلة في الحاجة إلى العلم والمعرفةالالمرئي الذي كان مجاال للخارق، تصالحه معه بجعله مرئيا والتفاوض "مـن

.٩نظرية المحاكاة، ص )١(م، ١٩٦٧ – القاهرة –فؤاد، دراسة لجمهورية أفالطون، دار الكتاب العربي. زكريا، د )٢(

.١٥٧ص .٨نظرية المحاكاة، ص )٣(

.٩المرجع نفسه، ص )٤( .٢٩حياة الصورة وموتها، ص )٥(

- ١٣ -

رئي نظرية ، وهل فسر هذا الخوف من الالم)١("معه وتمثيله وتشخيصه؟ –أفالطون في المثل، في عالم الماوراء، وفي رفضه المحسوسات؟ وجعله

ممجدا الالمرئي ألنه أصل المرئي، ودفعه إلى عشق -في الوقت نفسه .المعرفة والحث على الحقيقة، في نزعة صوفية تأملية نجم عنها جدل كثير

هر الطبيعة المحاكاة عند أفالطون تصوير حسي لظا"إن: ولوصفوة الق "المعنى" وال يحاكي"الشيء"الذي يحاكي) المصور(على نحو يشبه فيه الرسام

، ومن )٢("، فيتأخر بذلك عن الصانع الذي يحاكي مثال عقليا إلهيا ثابتا"المثل"أوثم فإن الشاعر والمصور سيان في محاكاة الشيء، وإن نبذهما أفالطون من

ا من خالل محاكاتهما الصور الحسية، مغفال جمهوريته، غير أنه قارب بينهماختالف األدوات في فني الشعر والتصوير، هذا االختالف الذي تنبه له أرسطو في مفهومه للمحاكاة، فاختلف مفهوم العالقة بين الفنون لديه، وإذا كان أفالطون قد لمح إلى تقارب الفنون في محاكاتها لجوهر الطبيعة والمعنى، فإن

جوهر الفن محاكاة الطبيعة، وإنما " صرح بتلك العالقة حين رأى أن أرسطو .)٣("تختلف الفنون في وسيلة المحاكاة

ولم يقرن أرسطو نظرية المحاكاة بنظرية المثل، فالفن عنده محاكاة والشاعر إنما يحاكي الطبيعة "للطبيعة ولكن الطبيعة ليست محاكاة لعالم عقلي،

متكامل منظم، وهو ليس حامل مرآة ينظر إلى بعد أن يفهمها على نحو مظاهر األشياء فيها، وإنما هو إنسان يروم محاكاة جوهر الطبيعة الكامن في

عمل الشاعر ليس رواية " إذ يرى أن)٤("األشياء بما يفضي إلى فهمه وصقلـهما وقع، بل ما يجوز وقوعه وما هو ممكن على مقتضى الرجحان أو

٢٤المرجع نفسه، ص )١( ١٢نظرية المحاكاة ص )٢( ١٤المرجع نفسه، ص )٣( ١٣المرجع نفسه، ص )٤(

- ١٤ -

لنا في قوله عن عمل الشاعر، لمسنا رؤية تميط لثام وإذا تأم.)١("الضرورةالظواهر عن روح الطبيعة وجوهر األشياء، لتستلهم منها صورة مثالية

، "أفالطون"للطبيعة ذاتها، ويبدو أن أرسطو لم يكن يزدري المحسوسات، شأن وإنما جعلها وسيلة لمحاكـاة الجوهر، فالمحاكاة لديه ال تسعى إلى مطابقة

مطابقة تامة، وإنما إلى إضفاء القليل من التغيير والتبديل عليه، ويأتي األصلالتغيير من اختالف األدوات بين فن وآخر، ومن ثم تشترك الفنون في

فالشعر، والرسم، والموسيقا، " ،)الوسائل(المحاكاة وتختلف في األدوات ي األشياء، والرقص، فنون تحاكي األفعال والمشاعر اإلنسانية أكثر مما تحاك

وربما غدا واضحا أن الفارق الجوهري ")٢("وإنما تختلف في وسائلها وطرائقهابين أفالطون وأرسطو يتجلى في الفعل الذي جعله أرسطو جوهر المحاكاة

.)٣("فارتقى بها من مرتبة التقليد األصم للطبيعة إلى مرتبة اإلبداع الحيفحين ذهب أفالطون "قص،قارن أرسطو بين الشعر وبين الموسيقا والر

إلى أن الشاعر كالمصور في مالحظته مظاهر األشياء، ذهب أرسطو، إلى أنه كالموسيقار في مالحظة معاني النفوس، وكالراقص في مالحظة األفعال، وهما ال يصوران وإنما يعبران، وذلك ما يقرب الشعر من عالم النفس وينأى

ر المالحم وشعر التراجيديا، وكذلك فشع":، يقول أرسطو)٤("به عن عالم الحسالكوميديا والشعر الدثورامبي، وأكثر ما يكون من الصفر في الناي واللعب بالقيثار، كل تلك، بوجه عام، أنواع من المحاكاة، ويفترق بعضها عن بعض

إما باختالف ما يحاكى به، أو باختالف ما يحاكى أو : على ثالثة أنحاءمن أنهم ليحاكون األشياء واثقون فكما أن الناس.باختالف طريقة المحاكاة

الدكتور شكري عياد مع دراسة لتأثيره في البالغة : كتاب أرسطو في الشعر، تر )١( .٦٤ ص –م ١٩٦٧ القاهرة –ر الكتاب العربي العربية، دا

.١٤نظرية المحاكاة، ص )٢(

.١٩المرجع نفسه، ص ) ٣( .١٥المرجع نفسه، ص )٤(

- ١٥ -

ويمثلونها بحسب مالهم من الصناعة أو العادة بألوان وأشكال، ومنهم من يفعل ذلك بوساطة الصوت، فكذلك األمر في الفنون التي ذكرناها، فجميعها تحدث المحاكاة بالوزن والقول واإليقاع، إما بواحد منها على االنفراد أو بها

، فغدا فن التصوير "للفن"، ويبدو أن أرسطو استخدم كلمة الصناعة)١("عةمجتملديه صناعة باأللوان واألشكال، وفن الموسيقا صناعة بالصوت، أما فن

ويشير . الشعر فأفضى إلى االشتراك مع الموسيقا في الوزن والقول واإليقاع، وما )داةاأل(ما يحاكى به : أرسطو في قوله إلى اختالف الفنون من خالل

بيد أنها، على الرغم من ). األسلوب(، وطريقة المحاكاة )الموضوع(يحاكى اختالفها ومحاكاتها األفعال واألشياء، تحاكي جوهر الطبيعة بعد فهمها وتعيد

.خلقها من جديد هكذا أسس الفالسفة اإلغريق نظرية العالقات بين الفنون عموما،

أعطى أرسطو بعدا فكريا للعالقة بين وربما . والشعر والتصوير خصوصاالفنون على خير وجه، إال أنه حصر الخالف في األداة دون أن يوضح أثر األداة في تغير الموضوع نفسـه، فضال عن عدم تمييزه بين دور الواسطة

المختلف عن دور األداة، ولم يتناول في نظريته ) العناصر المكونة للفن( العناصر المكونة لكل فن على حدة كاللون في أهميتها، فالوسائط هي

أما األدوات . التصوير، ومادة الكتلة في النحت، والكلمة المنظومة في الشعرفهي الوسائل الفيزيكية كإزميل النحات وريشة المصور، وألفاظ الشاعر قبل

والتي ال تدخل في صلب العمل النهائي وينتهي دورها حين يتم إنجاز "نظمها،ل والوصول إلى الغاية، أما الواسطة فهي جزء منه تنتقل معه، تظل العم

مندمجة فيه، قابعة في باطنه، ويستمر عملها بعد االنتهاء من إنجاز العمل، .)٢("ويتجاوز تأثيرها الفنان إلى المتلقي

.٢٨كتاب أرسطو في الشعر، ص )١(

–نعيم حسن، الشعر بين الفنون الجميلة، وزارة الثقافة دار الكتاب العربي . اليافي، د )٢( .انظر الحاشية / ٦٩ ص –م ١٩٦٨ – ١٩٢ العدد –المكتبة الثقافية

- ١٦ -

هل تعني وحدة الغرض وتغير األداة والواسطة في : والسؤال اآلنر عن الغرض؟ أو أن تغير األداة والواسطة هو العمل الفني، استواء التعبي

تغير التعبير أيضا ولو كانت الفكرة المتخيلة واحدة في األساس؟ مهما يكن أن الجواب عن هذا السؤال هو الذي حرك النقد الغربي طوال عصور : فالحق

بين منتصر لهذا الفن أو ذاك، وبين مقارب لهذا الفن مع ذاك، دون االنتباه .حدة الغرض أو االهتمام بأسلوب التعبير الخاص بالفنان أو وسائط فنهإلى و

وإذا نظرنا في النقد الغربي في العصور التالية للعصر اإلغريقي، قد أعاد إحياء مقولة .) م. ق٨ - ٦٥(وجدنا أن الشاعر الروماني هوراس

:سيمونيدس في التقارب بين الشعر والتصوير حين قال في جملته الشهيرةرددها كل لسان في النصف " والتي)١() ut Picture Poesiaتصوير الشعر(

أثرت في نظريات الشعر والفن عبر "، و)٢("الثاني من القرن السابع عشرالعصور، وهدت العديد من الشعراء والفنانين التشكيليين على دروب اإللهام

.)٣("رومسالكه الغامضة، وحفزتهم على مواصلة نشاطهم اإلبداعي المثملعب قول هوراس نفسه دورا بارزا وكبيرا في تقوية العالقة بين "

الشعر والتصوير، ال بل إنه لعب دورا مزدوجا بين الفنين من ناحية التأثر والتأثير، فالشعر كانت له سطوة على التصوير والتصوير كان له تأثير بارز

أرسطو وبداية الفترة ومنذ . )٤("وفعال في الشعر فصار يحكمه بمصطلحاته من موازنة )٥("درايدن"الكالسيكية حتى أواخر القرن السابع عشر وما قدمه

- لويس عوض، الهيئة المصرية للتأليف والنشر. د: هوراس، فن الشعر، ترجمة )١(

.٥٧ ص-١٩٧٠ -٢القاهرة، ط .١٢الشعر بين الفنون الجميلة، ص )٢( . ١٤قصيدة وصورة، ص )٣( .١٢الشعر بين الفنون الجميلة، ص )٤(

ت بين الفنون في فترة العصور الوسطى، ألننا سنتناول لم نتوقف عند دراسة العالقا )٥(التصوير األيقوني فيها في الفصل األول من البحث، فضال عن أن موضوعات

انصبت في تلك الفترة،على قصص الكتاب المقدس، وتحكمت بها التصوير كافة،نظر للتفصيل في العالقات بين الفنون في العصور الوسطى ا. (سطوة الكنيسة آنذاك

– ١ ط– منشورات جامعة حلب –) المدخل إلى اآلداب األوربية(فؤاد . المرعي، د–المرعي . في حديث د(١١٠ إلى ص -٩٠ من ص – ١٩٧٨-١٩٧٧السنة الدراسية

يشبهه بالمهندس المعماري والرسام الذي يرسم " الكوميديا اإللهية"عن دانتي مؤلف .) بالضوء والظل ليخلق األبعاد في لوحته

- ١٧ -

، نجد أن جميع أوجه المقارنة بين الشعر )١٦٩٥(بين الشعر والتصوير عام :والتصوير كانت تتم في محورين

تقابل التصميم في - المسرحي منه بالذات - الحبكة في الشعر -١"ا كنا نفهم اآلن من التصميم اندماج القصد بالبناء أو طريقة وإذ. التصوير

.اإلنشاء فإن هذا المصطلح لم يكن يعني أيامها سوى المعنى الثاني

األشكال البيانية في الشعر أو ما ندعوها بالصور الفنية تقابل - ٢بد لنا أن نذكر شيئا عن األلوان والظالل واألضواء في التصوير، وهنا ال

فاأللوان كانت عناصر شكلية، فال هي .. كل من الصور واأللوان يومئذطبيعةعناصر مكونة للوحة وال هي من صميم بناء العمل، وال هي ثالثا عناصر تنتسب إلى المضمون بل كانت تعد عناصر مضافة أو زائدة على اللوحة

لمقاطع الجميلة تستخدم حلية وزينة، أما األشكال البيانية والتعبيرات الجاهزة وافكانت جميعها عناصر تستخدم للتلوين في العمل، فهي لذلك أصباغ ليست هي األخرى من صميم العمل وإنما هي عناصر زائدة عليه تستعمل للحلية

.والزركشة والتزيينبلغت هذه المقارنات والمقابالت ذروتها في الثلث الثاني من القرن

الفرنسية إحياء معادلة هوراس القديمة، الثامن عشر حين حاولت األكاديميةوالقول بأن الشـعر والتصوير لهما وظائف واحدة ويسلكان في التأثير نفس

العبارة نفسها قد أثرت كذلك في "، بيد أن هذه)١(" سبيل الصورة- السبيل االتجاه المضاد الذي ينكر أصحابـه تراسل الفنون وتجاوبها ويرفض مبدأ

، ويمثل هذا )٢("وباء علم الجمال الحديث"ا حاسما وكأنهالمقارنة بينها رفض) ١٧٨١ - ١٧٢٩ ("Gotthold Ephraim Lessingنغ يسيم لفراإلد هوغوت" االتجاه

، ويعد، في جملة ١٧٦٦ التي صدرت عام "Laokoon الووكون" في مقالته

١٤ – ١٣الشعر بين الفنون الجميلة ص )١( ١٤قصيدة وصورة، ص )٢(

٢ م -الضوء والظل

- ١٨ -

أبرز اآلراء العامة التي بثها في كتاباته عن الفن والنقد المسرحيين، أول منمشكلة العالقات بين الفنون إلى حيز الدراسات، معلنا عدوان بعضها على بعض، وثائرا على تقاربها، ومناديا باستقاللها، وبأن لكل منها شخصيته

، إذ نظر )١("الخاصة به وكيانه المحدد وخصائصه التي يتصف بها دون سواه ان على الترتيب،إلى الشعر والتصوير من حيث عالقتهما بالزمان والمك

ورأى أن الشعر إنما يحاكي موضوعات تتصف بصبغة الفعل اإلنساني، "والفعل تعاقب، والتعاقب حركة، والحركة زمان، فالشعر فن زماني، أما

فهو يحاكي موضوعات تتألف من أجزاء، أي موضوعات ) التصوير(الرسم ال في موضوعات لها حجوم وأجسام ترى بالعين وال تسمع باألذن كما هو الح

الشعر، والجسم يحتل فراغا في الطبيعة، والفراغ ثبات، والثبات مكان، فالتصوير فن مكاني، ونستطيع أن نتخذ هاتين المقولتين فنضم تحتهما جميع

فنونا مكانية وفنونا زمانية، األولى : أنواع الفنون ونقسمها هذه القسمة الثنائية بصرية متآنية، والثانية هي الشعر والموسيقا هي الفنون التشكيلية، وهي فنون

سينغ أن ينتهي إليه هو أن لكل ن سمعيان متعاقبان، والذي يريد لوهما فنافـن من التصوير ومن الشعر موضوعه وأداته وطريقته الخاصة به، وإذا أراد أن يقـدم موضوع اآلخر فإنه يستطيع فقط عن طريق المعالجة الفنية أو

اط أو لحظتها، فالفنان الشاعر في محاولته رسم الموضوع زاوية االلتقالخارجي بالكلمة أي تقديم المكان عن طريق الزمان، والفنان الرسام

في محاولته تقديم الفعل اإلنساني باللون أو الخط أي تقديم الزمان ) المصور(اللحظة " بواسطة المكان، إنما يختاران الزاوية التي يلتقط بها كل منهما

التي تلقي بالضوء على المراحل السابقة للفعل وتشير إلى المراحل " الموحية .)٢("الثانية المستقبلة له في الحالة

١٥الشعر بين الفنون الجميلة، ص )١( ١٩ – ١٨الشعر بين الفنون الجميلة، ص )٢(

- ١٩ -

في "الووكون"وسنلتقط اللحظة الموحية في تحليلنا لتمثال الراهب هذا التمثال الذي طبق عليه لسينغ مقابالته بين ،الفصل الثاني من البحث .ا لمقالتهالفنون وجعل اسمه عنوان

رأى في الفنون جميعا ضروبا من المحاكاة، وإن "والحق أن ليسينغ قدارتد بداللة الكلمة إلى الفهم األرسطي المثالي لها، وما ال ريب فيه أنه تأثر كثيرا بهذا الفيلسوف وبغيره من الباحثين السابقين الذين عرضوا لنظرية

دموها، فحديثه عن أوجه اللقاء العالقات وأفاد من جملة الدراسات التي قيمكن أن نجد أصوله بسهوله في ) التصوير( واالختالف بين الشعر والرسم

األسس األرسطية القديمة ذاتها من أن الفنين يختلفان في موضوع المحاكاة وأداتها وطريقتها، ومن أن جميع عناصر الشعر من عواطف ومواقف

، في حين ترد عناصر الرسم وشخصيات وغيرها يمكن ردها إلى الحبكةمن ضوء وظل ولون إلى التصميم، أما الذين تأثـر بهم غير ) التصوير(

المصور ) ١٥١٩ – ١٤٥٢ ()١("أرسطو فكثير نذكر منهم ليوناردو دافنشي، )٢()نظرية التصوير(الذي أفرد دراسة مستقلة عن فن التصوير في كتابه

للتصوير وظيفة ":النحت، يقولفذهب إلى المقارنة بين التصوير والشعر وتفوق الشعر في قيمتها، كما أن قدر الحقيقة التي يقدم بها أشكال أعمال الطبيعة يفوق ما في الشعر، وأعمال الطبيعة أجل من الكلمات، فالكلمات من أعمال اإلنسان، والمقارنة التي يمكن عقدها بين أعمال اإلنسان وأعمال

وبناء عليه، فإن محاكاة . رنة بين اإلنسان واهللالطبيعة، هي من قبيل المقا

سينغ أيضا بالفونتين وآبيه دوبو وللتفصيل انظر تأثر ل (١٦ – ١٥المرجع نفسه، ص )١( )١٦الشعر بين الفنون الجميلة ص

مجموعة من مخطوطات دافنشي، كتبها على مدار ما ) نظرية التصوير( كتاب يضم )٢(، طبعت ألول مرة في ١٥١٩ وعام – ١٤٧٠يقرب خمسين عاما أي بين عام

، وقد ١٩١٦منتصف القرن السادس عشر، ثم خرجت النسخة الفرنسية إلى النور عام ).١٧انظر نظرية التصوير، ص ( فقرة من مخطوطات دافنشي ٣٧٥ضمت

- ٢٠ -

أشياء الطبيعة، وهي التضاهي الحقيقي، والمماثلة الجادة، أجل وأعلى قيمة ويرى دافنشي أن . )١("بالفعل من محاكاة كلمات البشر وأعمالهم بالكلمات

التصوير يعتمد على حاسة البصر في إدراكه، وهي أسمى من حاسة السمع ليس هناك ما "سلها الشعر من أجل تحقيق عملية اإلدراك، ومن ثمالتي يتو

يمكن أن يتعامل مع الظواهر بهذه البراعة واالقتدار اللتين تفردت بهما العين، فهي تستقبل أجناس المرئيات وتعطيها إلى منطقة االنطباع، لكي تنتقل بعد

ها وإدراكها، أما وهناك يتم الحكم علي) اإلدراك الذهني(ذلك إلى الحس العالم في حالة الشعر، فإن األمر يختلف، ألن الشعر يوجد داخل عقل الشاعر أو فلنقل، داخل خياله، الذي يحاول أن يجسد ما يجسده المصور نفسه ويريد أن يتساوى بهذا الخيال مع المصور وهو ما يجانب الحقيقة ألنه يتخلف في ذلك

ت الشعرية ال تمر عبر العين وإنما فالتصورا ..عن المصور بمسافات كبيرةوما أوسع ) عين مغلقة لم يقتحمها ضوء المرئيات(تولد في عين مظلمة

المسافة بين أن نتخيل الضوء بهذه العين المظلمة وبين أن نراه بالفعل خارج ، ثم يأتي بمثل عن معركة دموية طاحنة، ليوضح الفرق بين )٢("الظلمات

ها وأسلوب تجسيدها، فيرى أن المصور يتفوق المصور والشاعر في محاكاتالوصف الطويل الشاق الذي يفرض عليه "على الشاعر، ألن الشاعر يلجأ إلى

من حيث طبيعة فنه الزمانية إذ تتعاقب الصور فيه، بينما المصور قادر على إظهار صورة المعركة في تفصيالت أحداثها وأشكال شخصياتها دفعة واحدة

، على الرغم من طبيعته المكانية وتوزع أشكاله )٣("الحركةضمن عمل مليء ب .في سطح ذي بعدين

– ١٩٥ األلف كتاب الثاني –عادل السيوي : دافنشي، ليوناردو، نظرية التصوير، تر )١( .٥١ ص – ١٩٩٥ –الهيئة المصرية العامة للكتاب

. ٥٣ – ٥٢المرجع نفسه، ص )٢()٣( Lessing – LAOCOON -presentation par J. Bialostocka-Miroirs de Lart –

Hermann – paris- 1964- p: 16-17

- ٢١ -

ومن الجدير بالذكر هنا أن دافنشي كان أول من خصص دراسة عن عنصري الضوء والظل في حديثه عن قواعد المنظور، وفي إنشائه المقارنة

قة التي نفس العال"بين الشعر والتصوير، من مثل قوله عن العالقة بينهما إنها، فيقرن الشعر بالظل )١("تربط بين الظل والجسم المظلل، وبين التخييل والتأثر

ألسلوبه في التخييل، والتصوير بالجسم المظلل لقدرته على خلق التأثيرات في على الرغم من -نفس المتلقي، ويشير إلى تكامل العالقة بين الفنين

المظلل الذي تنجم ظالله من كتكامل العالقة بين الظل والجسم-اختالفهما .خالل الضوء الساقط عليه، وهذا ما سنفصل فيه الحقا

وإذا كانت نظرية المحاكاة وما تفرع عنها هي المبدأ الشائع في تفسير العالقات بين الفنون في الفترة الكالسيكية الممتدة من أرسطو وقبله أفالطون

وما انبثق "نظرية التعبير" حتى منتصف القرن السادس عشر تقريبا، فإنمنها، والتي برزت إلى الوجود مع العصر الجديد تستطيع أن تفسر لنا وتوضح العالقات خالل الفترة الرومانسية، ولئن كانت جملة األسس التي قامت عليها نظرية العالقات القديمة بين الفنون قد خدمت كلها فن التصوير

جملة األسس التي قامت عليها هذه ودعمته وجعلته يطغى على غيره، فإن النظرية خالل الفترة الرومانسية قد خدمت أو أريد لها أن تخدم فنا آخر على النقيض من فن التصوير هو فن الموسيقا، فهو أكثر الفنون غنائية، وهو أكثرها تعبيرا وتأثيرا وتلقائية، وهو أكثرها بعد هذا كله وبسببه إيحاء

.)٢("وخياال وقيمتها في كتابات النقاد منذ منتصف القرن "اإليحاء" كلمةبرزت

سينغ عام ل"الووكون" فلم تمض سنوات على ظهور" الثامن عشر تقريبا،

.٤٦نظرية التصوير، ص )١( . ٢٨ – ٢٧الشعر بين الفنون الجميلة، ص )٢(

- ٢٢ -

قصور طريقته في ) ١٨٠٤ - ١٧٤٤ ()١("Herder""ردره" حتى أوضح١٧٦٦النظر إلى دور الكلمات في الشعر، تلك الطريقة التي رأت في الشاعر فنانا

أن "هيردر"سل بالكلمة ذات الداللة المفردة المباشرة، ولقد كانت وجهة نظريتوجوهر الشعر يكمن في تلك القوة السحرية التي تعمل في روع المتلقي من

التي تعمل على تشكيلها ) الخيال(خالل العالقات وفي تلك الملكة الخالقة ) العمل في نفوسناأثر(وتطويرها وأشار إلى أن ليسينغ لم يعط هذه الناحية

أي اهتمام، صحيح أنه أشار إلى القيمة الزمانية الموجودة في الفن المكاني والعكس وربطهما بالمتلقي، إال أن هذه اإلشارة لم تكن أساسا لدراسته، وظل يرى في الشعر عمال ال ينشأ إال من خالل سلسلة األحداث المتعاقبة، أما

التي يشكلها المتلقي أو ما نسميه اآلن فإنه جعل من العالقات "هيردر"باإليحاءات أساسا لمذهبه، وفي الحق أنه لم يكن أساسا له وحده فقد كان

كان اإليحاء أساس : أساسا للفترة كلها، ولفنها، وللرومانسيين ومن تالهمعندما تحدث عن عظمة الشاعر وكيف أنها ) ١٨٧٤ - ١٧١٣ ("ديدرو"حديث

التوجه بالعمل إلى بصيرة المتلقي وخياله وليس إلى تكمن في القدرة على في هذه الفترة، في انتصاره لإليحاء "ديدرو"، ولم يتفرد)٢("عينه أو إلى أذنه

ونظريته في التعبير، هذه النظرية التي نجمت عن تربع الموسيقا على عرش ت وغيره، وإنما كثرت تصنيفات الباحثين للعالقا"شوبنهاور"السيادة في سلم

فيلسوف وناقد ألماني، ) ١٨٠٣ – ١٧٤٤ ( Herder، Johann Gottfried vonردر ه) ١( في ألمانية Königsberg ينتمي إلى المدرسة الرومانسية األلمانية، درس في جامعة

أثرت أعماله النقدية في األدب األلماني . على يد الفيلسوف عمانوئيل كانطوتتلمذ ، إذ نادى بضرورة تحرير األدب األلماني من التأثيرات ١٧٦٦الحديث منذ عام

، انتقل هيردر إلى االهتمام بالفن ونظرياته وأساليبه وأفرد ١٧٧٣وفي عام . الخارجية Microsoft ® Encarta ® Reference Library 2005. Cانظر. دراسات خاصة به

1993-2004 Microsoft Corporation. All rights reserved. ٢٩ ص ،الشعر بين الفنون الجميلة) 2(

- ٢٣ -

بين الفنون وامتازت بميلها نحو الموسيقا، فأضفت على العالقات صبغة ثالثية من حيث اقتران الموسيقا بالشعر والتصوير تارة، وبالنحت والعمارة وغيرها

"هيردر"تارة أخرى، ونذكر من تلك التصنيفات، على سبيل المثال، تصنيف) تصوير، عمارة(ين إلى فنون تتوجه إلى الع" المنطلق من معيار الحواس

). نحت(وفنون تتوجه إلى اللمس ) موسيقى، شعر(وفنون تتوجه إلى األذن حسب أنماط التعبير أو التوصيل ) ١٨٠٣ - ١٧٤٤ ("كانط"وكذلك تصنيف

، أما الموسيقا فقد )نحت، عمارة، تصوير(والشكل ) الشعر(إلى فنون الكالم إلحساس أو فن اإلحساس أفرد لها وحدها مقاما ودعاها بفن التالعب با

. )١("الجميلوإذا أردنا إجمال نقاط التشابه واالختالف في العالقات بين الفنون، في

:الفترة الرومانسية، المنتصرة إلى فن الموسيقا، وجدنا أنها تتمثل فيما يليالمادة اللفظية في الشعر، تقابل : في الصيغة الفنية وفي الشكل-١"

).السلم(والموضوع أو القصة يقابل اللحن، والبحر يقابل التوافق في الموسيقا )٣()Händel(دل ن وه)٢()Bach( في األعمال الكورالية عند باخ - ٢

.ترتفع األصوات عند ذكر التالل وتنخفض عند ذكر األودية

.)٣٤ – ٣٣ولالطالع على التصنيفات انظر ص (٣٣ نفسه، ص السابق المرجع)١(ازف فهو موسيقي ألماني وع) ١٧٥٠ – ١٦٨٥ (Bach، Johann Sebastianباخ ) ٢(

على آلة األرغن، ينتمي إلى مدرسة الباروك، ويعد من أهم وأعظم عباقرة الموسيقا .)Encartaانظر موسوعة .(الغربية

موسيقي ألماني، يعد من أهم ) ١٧٩٥- ١٦٨٥ (Handel، George Fridericاندل ه) ٣(، صنف هاندل )١٧٥٠ – ١٦٠٠حوالي (األساتذة الموسيقيين في فترة الباروك

من أعظم الموسيقيين في بدايات القرن الثامن عشر، لما عاصره األلماني باخومقدماه من أعمال موسيقية مهمة في تاريخ الباروك، إذ أنتج باخ أعماال تخدم الطائفة

المسرحية في الكنيسة، أما أعمال هاندل فانصبت في األوبرا) البروتستانتية(اللوثرية .والموسيقا الدينية

- ٢٤ -

تعبر الموسيقا عن طبقات من العواطف : من ناحية التعبير- ٣ب، ومحاكاة العواطف هنا وصفها واالنفعاالت مثل الفرح والحزن والح

بيد أن الصيحة . )١("بالموسيقا، ومتعة هذا الفن هي متعة العواطف نفسها عادت إلى الحياة، بعد فترة سيادة "الشعر تصوير"القديمة، صيحة هوراس

سعوا وراء اإليحاء عن أية طريق، وكانوا دائبي " فالرومانسيون. الموسيقابفنهم أعلى منزلة، ويتضح ذلك في البحث عن المصادر التي تبلغ

وفي كلتيهما يمكننا أن نعقد عددا من .. الرومانسيتين الفرنسية واإلنجليزيةالمقارنات بين الشعراء والرسامين المصورين، فنالحظ استعمالهم للون والضوء

ويمكن أحيانا أن تكون المقارنة مغرية ألن بعض الشعراء كانوا .والشكل والخط - ١٧١٢ ()Rausseau) و وكذلك العكس، ونذكر منهم روسصورينرسامين م

، والمارتين )١٨٤٨ - ١٧٦٨ ()Chatubrian(وشاتوبريان ) ١٧٧٨)Lamartine( )١٨٦٩-١٧٩٠ (ووردزورث Wordsworth)( )١٧٧٠ -

وإذا ألقينا نظرة سريعة على المقارنات بين الفترتين . )٢("وغيرهم).. ١٨٥٠االتجاه األول كان يقرب الشعر من " : وجدنا اتجاهينالكالسيكية والرومانسية،

التصوير، واالتجاه الثاني كان يميل به نحو الموسيقا، وقد تأرجح الموقف طيلة الفترتين بينهما، لذلك فإن ظهور أية حركة أو انتفاضة بعد الرومانسية سيجنح حتما إلى هذا الجانب أو ذاك، أي إما أن يربط الشعر بالموسيقا أو

يربطه بالتصوير، وهذا ما كان فعال في حركتين قصيرتي األجل، إحداهما . تفرعت عن الرومانسية، وإن خالفتها، واألخرى كانت رد فعل كامل لها

األولى هي الحركة الرمزية في فرنسا التي غالت في االتكاء على العنصر الموسيقي، والثانية هي حركة الشعراء الصغالت في ريين االنجليز التيو

.)٣("االتكاء على العنصر التصويري

.٣٨شعر بين الفنون الجميلة، ص ال )١( .٣٩، ص المرجع السابق )٢(نشأت الحركة الرمزية في فرنسا في الثلث (٤٠الشعر بين الفنون الجميلة، ص )٣(

أما مدرسة الشعراء ) ١٨٦٧ – ١٨٢١(األخير من القرن التاسع عشر ومثلها بودلير ائية والرومانسية، وألحت فثارت في وجه التجريد والتلقImagismالصوريين االنجليز

على التجسيد والتخصيص في العمل الشعري ورأت أنه يجب أن يقوم على االنفعال .)" Hume هيوم"البصري الذي نادى به

- ٢٥ -

وإذا تساءلنا عن الموقف الحالي من نظرية العالقات بين الفنون، أمكننا عن المادة المشتركة بين الفنون، قدمها" أوالهما: أن نلخصه في دراستين

، إذ قام"Art as Experienceالفن خبرة " في كتابه(*)"J. Dewey" "جون ديوي"إليقاع وأسسه في فن العمارة، والتماثل ومظاهره في فن الموسيقا، بتتبع ا"

اإليقاع والتماثل أحدهما عن اآلخر : وانتهى إلى أن فصل هذين العنصرينوتقسيم الفنون إلى زمانية ومكانية هما شيء أكثر من مجرد مهارة وضعت

را في غير موضعها، والبد لكل من العنصرين الزماني والمكاني من أن يسي "سوريو" فقام بها" أما الدراسة الثانية. )١("ى جنب في جميع الفنونإلجنبا

"Sauriau"العالقات بين " في مقالته عن الزمن في الفنون التشكيلية، وكتابه الذي يمكن أن نتخذه مثاال على الموقف الحالي لنظرية العالقات، "الفنون

ام للتعارض التو الرفض ه"سوريو" ولعل أحد االكتشافات الكبرى في نظام في كتابه ومقالته "سوريو" وأظهر.)٢("القديم بين الفن التشكيلي والفن اإليقاعي

زمان جوهري تماما كالفنون "عن الزمن كيفية انطواء الفنون التشكيلية علىالتي تقوم على الزمن، في حين تنطوي الفنون اإليقاعية بدورها على

والتي تجعلها تتقـارب في )٤(ة الدائرة للفنون، وقدم صورة العجل)٣("مكان، فيمكن للخط في فن )العناصر المكونة للفنون(دورانها من خالل الوسـائط

٦٣الشعر بين الفنون الجميلة، ص )١( ٧٠ ص -٦٤المرجع نفسه، ص )٢( ٧٠المرجع نفسه، ص )٣(

أو ) ٧٢الشعر بين الفنون الجميلة ص (ون، انظرللتفصيل في نظرية العجلة الدائرة للفن )٤(: بدر الدين القاسم الرفاعي، مراجعة: ، اليتيان سوريو، ترجمة"تقابل الفنون" كتاب

دمشق – منشورات وزارة الثقافة -) ٢٠( عالمية ة دراسات نقدي–عيسى عصفور ٢٨٧ ص – ١٩٩٣ –

نادى بالفلسفة فيلسوف أميركي ) ١٩٥٢-١٨٥٩(Dewey، John جون ديوي ) *( ).النفعية( البرجماتية

- ٢٦ -

التصوير أن يشبه اللحن في فن الموسيقا، كما يمكن أن يستعير كل فن خصائص واسطة الفن اآلخر ومصطلحاته، كاإليقاع في العمارة، والخطوط

ة في اآلرابسك وخطوط اللحن في القطع الموسيقية أو المتوازية والمتعرج .العكس

وهكذا نرى أن الموقف الحالي لنظرية العالقات بين الفنون، يملك إذا أردنا أن نجمل هذا الموقف في عدة "العديد من الخصائص التي تميزه، و

كلمات قلنا إنه موقف ال يرى في الفنون فئات منفصلة أو مجموعات متباينة، ا يرى فيها طيفا من األلوان المتداخلة التي تتدرج وتتماسك، أو عجلة وإنم

متحركة حركة دينامية حية وهي تتفاعل تفاعل االنفعاالت البشرية الحية ، وأن لكل فن عالما متكامال تتشابك فيه )١("ولكنها ال تستحيل إلى واحد منها

ي كالعمل الفني الذي عوامل الزمان والمكان والتآني والتعاقب، وأن المتلقيتلقاه في التعقيد المتمثل في تشابك حواسه وعوامله النفسية وتجاربه الذاتية

.والجمالية الخاصةهكذا عالج النقد الغربي، في فتراته الكالسيكية والرومانسية والحالية،

نظرية العالقات بين الفنون، فهل تناول النقد العربي هذه النظرية؟

:فنون في النقد العربيالعالقات بين اليمكننا إيجاد المقارنات بين الشعر والتصوير عند بعض الفالسفة والنقاد العرب المسلمين، الذين تأثروا بمفهوم أرسطو للمحاكاة، بعد اطالعهم على

الفارابي وابن سينا، ومن النقاد : ترجمة كتابه في الشعر، ونذكر من الفالسفة . القاهر الجرجاني وحازم القرطاجنيالجاحظ وقدامة بن جعفر وعبد

يرى الفارابي أن المحاكاة قد تكون بفعل كما في النحت، وقد تكون "بقول كما في الشعر، ويغفل أنها قد تكون بلحن كما في الموسيقا، أو بحركة

.٧٤الشعر بين الفنون الجميلة، ص )١(

- ٢٧ -

وأغلب الظن أن الفارابي يرجع إلى مفهوم أفالطون في أن ... في الرقص يصور النحات ظاهر اإلنسان، فلم يلحظ الشعر يصور ظاهر الشيء مثلما

- كما فعل أرسطو -الفارابي قط أن الشعر يمكن أن يقرن أيضا بالموسيقا ، بيد أنها تحاكي المشاعر النفسية التي ال تخضع )١("والموسيقا محاكاة أيضا

وهذا ما أغفله الفارابي "لقيود الحس، وال تتخذ من العالم الحسي أنموذجا لها،أن بين أهل ":كد الطابع العيني التصويري للشعر بمقارنته بالتصوير فقالحين أ

هذه الصناعة، وبين أهل صناعة التزويق مناسبة، كأنهما مختلفان في مادة أن بين : الصناعة، ومتفقان في صورتها، وفي أفعالها، وأغراضها، أو نقول

ه الصناعة الفاعلين، والصورتين، والغرضين، تشابها، ذلك أن موضع هذاألقاويل، وموضع تلك الصناعة األصباغ، وأن بين كليهما فرقا، إال أن فعليهما جميعا التشبيه، وغرضيهما إيقاع المحاكيات في أوهام الناس

، ويبدو أن الفارابي في قوله هذا يخلط بين المحاكاة والتشبيه، )٢(""وحواسهم .لشعر في صوره التخييليةوبين األوهام والخياالت البشرية التي يثيرها ا

أما ابن سينا فال يختلف عن الفارابي في خضوعه للعرف النقدي األرسطي الذي قرن الشعر بالتصوير، فيصرح بأن الشاعر يجب أن ينشد

إن الشاعر يجري مجرى ":الحقيقة كما ينشدها المصور حين يصور فرسااكي الشيء الواحد المصور، فكل واحد منهما محاك، والمصور ينبغي أن يح

إما بأمور موجودة في الحقيقة، وإما بأمور يظن أنها ستوجد : بأحد أمور ثالثةوالشاعر يغلط من وجهين، فتارة بالذات والحقيقة إذا حاكى بما ليس .. وتظهر

له وجود وال بإمكانه، وتارة بالعرض إذا كان الذي يحاكي به موجودا لكنه قد ر إذا صور فرسا فجعل الرجلين، وحقهما أن حرف عن هيئة وجوده، كالمصو

المحاكاة " ويبدو من قول ابن سينا أن)٣("يكونا مؤخرين، إما يمينين أو مقدمين

.٢٤نظرية المحاكاة ص )١(

.٢٤ ص ،المرجع نفسه) ٢( . ٤١المرجع نفسه، ص )٣(

- ٢٨ -

لديه ليست شيئا غير تصوير الظاهر كما هو دون تحريف بغية خلق االنفعال في نفس المتلقي، على نحو ما تخلقه صورة الحيوان الطبيعي من انفعال

أن هذا األمر ينطبق على محاكاة ما هو كائن فحسب، وال ينطبق فطري، بيد على محاكاة ما ينبغي أن يكون على النحو الذي نبه عليه أرسطو حين أكد أن الشاعر إذا أخطأ فصور المستحيل فإن ما يسوغ خطأه قصده إلى بلوغ الغاية

نحو في تصويره، وإذا صور المستحيل فإنه يصور ما يتصور الناس علىليحتج في ترجيحه صياغة "ومن ثـم يأتي الجاحـظ. )١("القصص األسطوري

إن الشعر صياغة، وضرب من النسيج، وجنس من ":الشعر على معانيه بقوله، ويفيد من الفكرة نفسها قدامة بن جعفر في حديثه عن التزام )٢("التصوير

ر أو بصدق الشاعر بالصدق، فيرى أن الشعر ال يقاس بما فيه من نبل الفكألن الشعر ..مضمونه، بل بما يحتويه من صنعة ألنه إنما يحكم عليه بصورته

شأنه شأن الصياغة والتصوير والنقش، ويأتي عبد القاهر الجرجاني فيفيد خير حين يقرر أن سبيل ) النظم(إفادة في ربط الشعر بالفنون في نظريته عن الصياغة متوحدة مع المعنى المعنى سبيل مايقع فيه التصوير والصياغة وأن

.)٣("فالشعر نظير الصياغة والتحبير وكل ما يقصد به التصوير".. ويؤكد حازم القرطاجني ضرورة محاكاة الشيء بترتيب أجزائه، إذ تكون محاكاته في الشعر كمحاكاته في التصوير والنحت، ويقول مقارنا الشعر

ال تاليا للعنق، وكذلك سائر ال يوضع النحر في صور الحيوان إ" :بالتصويراألعضاء، فالنفس تنكر لذلك المحاكاة القولية، إذا لم يوال بين أجزاء الصور،

، )٤("على مثل ما وقع فيها كما تذكر المحاكاة المصنوعة باليد إذا كانت كذلك

.٤١ نظرية المحاكاة، ص)١(عبد السالم هارون، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، : الجاحظ، الحيوان، تحقيق )٢(

.١٣٢ -١٣١، ص٣م، جـ٢٠٠٢ . ٢٣ – ٢٢الشعر بين الفنون الجميلة، ص )٣(القرطاجني، أبو الحسن حازم، منهاج البلغاء وسراج األدباء، تحقيق محمد الحبيب بن )٤(

.١٠٤، ص ١٩٦٦الخوجة،دار الكتب الشرقية، تونس،

- ٢٩ -

وحين يقارن الشعر بالنحت يتحدث عن طرق وقوع التخييل في النفس صور في الذهن شيء من طريق الفكر وخطرات تإما أن تكون بأن ي":فيقول

البال، أو بأن تشاهد شيئا فتذكر به شيئا، أو بأن يحاكي لها الشيء بتصوير نحتي أو خطي أو ما يجري مجرى ذلك أو يحاكي لها صوته أو فعله أو هيأته

.)١("بما يشبه ذلك من صوت أو فعل أو هيأةكرة العالقة بين الشعر وبين ويتضح من خالل المقارنات السابقة أن ف

التصوير والنحت كانت فكرة أثيرة لدى الفالسفة والنقاد العرب، وأن موقفهم من العالقات بين الفنون لم يختلف كثيرا عن الموقف الكالسيكي عموما، وعن

وجود كثرة هائلة من المصطلحات المشتقة "الموقف األرسطي خصوصا، ولعلالهيئات والصور التي مألت كتب النقد العربي من األلبسة واألشكال و

توضح العالقة بين فني )٢("كالزركشة والتسهيم والتذييل والترفيل وغيرها .الشعر والتصوير آنذاك

لو أردنا أن نجمل المواقف من العالقات بين الفنون خالل : واآلن :فالفترات السابقة في النقدين الغربي والعربي، وجدنا أنها ثالثة مواق

الموقف الكالسيكي الناجم عن المفهوم األرسطي لنظرية المحاكاة، يضاف إليه الموقف العربي المتأثر بالترجمة األرسطية، والموقف الرومانسي

الرمزية الفرنسية والصورية اإلنجليزية، : وما تفرع عنه من مدرستين والموقف الحالي الذي أعاد صيحة هوراس، بيد أنه أضفى عليها ضروب

المعارف الجديدة، حين أفاد من التقنيات العلمية في دراسة العالقات بين .)٣(الفنون

.٩٠ -٨٩المصدر نفسه، ص )١( .٢٥الشعر بين الفنون الجميلة، ص )٢(

دراسة العالقات من خالل علم وظائف األعضاء (انظر الشعر بين الفنون الجميلة )٣( .٥٤ص ) واألعصاب والمخ

- ٣٠ -

وتخبرنا المواقف السابقة من خالل آراء نقادها وفنانيها وفالسفتها، أن ثمة تقاربا بين الفنون، وأن فن الشعر يحمل في ثناياه قيمتين هما القيمة

وإذا . عان منه وال تفرضان عليهالتصويرية والقيمة الموسيقية اللتان تنب - حسب تاريخ نظرية العالقات –ارتضينا تقارب الفنون وأخوتها وأنها

عجلة دينامية دائرة أو غرفات بيت اليحجب بعضها عن بعض الجدران "تمثل، فإننا ال نريد أن نذهب ١"وال األسوار وإنما تتكشف بالنوافذ وتتالقى باألبواب

شوائية االنفعالية على العالقة بين الفنون عموما، وبين إلى إطالق األحكام العالشعر والتصوير والنحت خصوصا، وهي الفنون التي تهمنا هنا، وإنما نرغب

أوالهما أن كل فن : من خالل هذه الدراسة االرتكاز على فكرتين أساسيتيناته وأدو) الوسائط(من هذه الفنون الثالثة له بناؤه الخاص وعناصره المكونة

وتطوره الخاص، وهذا يعني أال نجعله يطغى بقوانينه ومصطلحاته على اآلخر، فالعالقة ليست تأثيرات تبدأ في فن ما ثم ينتقل تأثيرها إلى فن آخر،

–والفكرة الثانية . وإنما هي عالقات تقوم على الجدل والتأثيرات المتبادلةللفن الواحد، ) مكونةالعناصر ال( تنطلق من الواسطة أو-وهي أساس البحث

وما لها من أهمية وقوة وفاعلية، ومن تكيف تساير به شتى األغراض، وهذه تتضمن ناحيتين أوالهما سلبية وهي قيام تمايز بين األعمال "الفكرة وحدها

الفنية، وثانيهما إيجابية وهي قيام تفاعل بينهما، والناحية األولى تستلزم أن الخبرة شيئا متمايزا عما تفعله واسطة الفن تفعل واسطة الفن الواحد في

اآلخر، والناحية الثانية تذكرنا بأن الحدود الصحيحة لفاعلية أية واسطة ال .)٢("يمكن أن تحدد بمقتضى أية قاعدة صارمة

كل فنان يشعر وهو يعمل في نطاق فنه أن "نعيم اليافي أن. ويرى دفة عن مشكالت صناعة صناعته الخاصة ومشكالت هذه الصناعة جد مختل

.٩١المرجع نفسه، ص )١( ٩٣ - ٩٢الشعر بين الفنون الجميلة، ص )٢(

- ٣١ -

صاحبه في الفن اآلخر، وحين يبدأ هذا الفنان في إنتاج فنه فإن أفكاره وعواطفه وأحاسيسه تكون قد انتظمت واتسقت على نحو معين إلبداع عمل

- حين يبدأ عمله -معين بواسطة معينة، وبكلمة أخرى إن ذهن الفنان يتخذ وسل بها، فإذا كان شاعرا تصور وضعا خاصا تبعا لطبيعة الواسطة التي يت

.. قصيدته بالكلمة وإذا كان موسيقيا فبالنغمة وإذا كان رساما فباللون وهكذاوكل واسطة من هذه الوسائط ليست مجرد أداة فنية يتغلب عليها حين يتوسل بها ليحاكي أو يعبر أو يخلق ولكنها عامل كونته التقاليد سلفا، وله من القوة ما

أن يتحكم بصورة فعالة في أشياء كثيرة، ويتدخل بالتشكيل والتعديل يمكنه مناليافي حاجة كل فن . ، ويؤكد د)١("في معالجة الفنان الفرد ألحاسيسه ومشاعره

. منهج دراسي تحليلي جديد يعرف بوعي أين يبدأ الفن الواحد وأين ينتهي"إلى والعطاء والقيم وما مدى عالقته بالفن الذي يجاوره، وما هي صورة األخذ

.)٢("المتبادلة بينهماواسطة من ) الضوء والظل(وقد اخترنا في دراستنا هذه، عنصري

الوسائط، لمحاولة فهم التقارب بين الفنون، مع مراعاة بقية الوسائط من مادة الكتلة واللون والخط في النحت، والكلمات واألصوات في الشعر، واأللوان

.ويروالخطوط وغيرها في التصوإذا كان البد من التسليم بتقارب الفنون أو بكونها تعبيرا عن صلة اإلنسان بالوجود تختلف أدواته أو وسائطه فحسب، فالبد من التسليم أيضا بأن تعاقب الضوء والظل في كل فن على حدة هو الذي يضمن سمو هذا التعبير

ترجح بين ضوء أو ضعفه، فالفن كالوجود ألنه صورة من صوره، والوجود يالفجر وظالل المغيب، أو بين ضوء اليقين وظالل الحيرة، والفن انعكاس لهذا الوجود في مرآته التي البد أن يتراءى فيها الضوء محاطا بالظالل، ويمكن

.٩٣المرجع نفسه، ص )١( .٩٢المرجع نفسه، ص )٢(

- ٣٢ -

القول إن تعاقب الضوء والظل هو الذي يوحد بين الفنون، ففي الشعر ال ر، وفي التصوير البد من مناص من وضوح الفكرة وظالل اإليحاء بالصو

وضوح الرؤية وظالل الرؤى، وفي الموسيقا تمتزج األضواء بالظالل لخلو .الموسيقا من عنصر الصورة واعتمادها على التأثير في النفس

ومن الواضح أن الضوء والظل في معادلة الفنون ليسا ضدين أو ي التعبير بنسب نقيضين ، وإنما هما متكامالن متوحدان في الداللة متآخيان ف

تتفاوت بتفاوت سمو التعبير أو قوة المعبر، ورب لمسة من لمسات الظل تغني لوحة رائعة من لوحات التصوير، أو حزمة من الضوء تغني قصيدة غمرتها الظالل، وربما كان الضوء والظل متعادلين في إبراز كنه الشعور في لوحة

ني يعتمد على تقدير المبدع النسبة ما أو قصيدة ما، وهذا يؤكد أن اإلبداع الفالمتوازنة بين الضوء والظل في كل عمل إبداعي على حدة، وأن الدراسة

.النقدية للتقارب بين الفنون تقوم على تقدير هذه النسب أيضا

على أن الكالم على تناوب الضوء والظل في العمل الفني وأثره في ة هذا التناوب، وطبيعته، وصلته المبدع والمتلقي البد أن يرجع بنا إلى نشأ

بالفكر اإلنساني الذي انعكس على تطور فنونه على مر العصور، وهذا ما :سنشير إليه بإيجاز

اقترن الضوء منذ فجر الخليقة بكل ما هو حق وخير وجمال، واقترنت ولم يكن ثمة شيء يعدل الضوء خطرا في . العتمة بكل ما هو عدم وشر وقبح

األول التي شغلت باألفالك المضيئة في محيط السماء الالنهائي عيون اإلنسان .مثلما شغلت بالنار المتوهجة حتى حارت بينهما

وبين الضوء والعتمة كان الظل يخفف من سطوة الضوء ووهجه ويبدد شيئا من حقيقته ويجلو كثيرا من جماله، ثم صار الضوء مجازا يرجع إلى

جع إلى البصر وكثر المجاز المتعلق بالضوء البصيرة بعد أن كان حقيقة تر

- ٣٣ -

ومن ثم بالظل والعتمة كثرة مفرطة في الفكر اإلنساني وكل ما ينطوي فيه من لغة ومعتقدات وعقائد آمن بها واعتنقها على مر العصور، تحدثت عنها

ففي اللغة كان . األساطير والفنون واللغات وحتى الكتب الدينية والسماويةلمشرق والوجه المشرق، تقابلها ظلمات الجهل وقتامة النفس هنالك الخلق ا

وسوداوية الفكر، ثم بدأت التموجات والتدرجات بين نسب الضوء والعتمة متمثلة في الظل، تحدد جمال الشيء عندما يكون مشرقا أو مظلما مخيفا أو موشى بالظالل غامضا، إذ صار هنالك وجود محفوف بالظالل وقمر مغطى

.حاب، ولم يعد جمال القمر مقترنا بالسماء الصافية فحسببالسوجه حقيقي مادي، ووجه رمزي مجازي، فإذا : ثمة وجهان للضوء

، ويسقط على )١("الضوء هو الشكل النهائي للمادة، ينتقل بسرعة محدودة"كاناألجسام، فيكشف عنها ويشكل ظاللها المحسوسة في وجهه المادي الفيزيائي،

وعندما ندخل إليه، . أول هيئة من العالم الالشكلي"هه الرمزي يعدفإنه في وجكل شكل ندخل إلى طريق يبدو أنه يؤدي إلى ما وراء الضوء، إلى ما وراء

، أي إلى الظل الذي يشي بالماوراء، ما )٢("هوموما وراء كل إحساس وكل مفينما بوراء الوضوح وما وراء الصورة، فالضوء يحكي وضوح المعنى،

). معنى المعنى(يوحي الظل بالمغزى وإذا مررنا مرورا سريعا بمعاني الضوء والظل والعتمة عند بعض

يشكل رمز "الحضارات، وجدنا أن الضوء في الحضارة العربية اإلسالمية" مشكاة األنوار" ، وقد عنيت)٤("اهللا نور السماوات واألرض ")٣("األلوهية

تأمل في هذا الضوء اإللهي الجوهري، يقول للغزالي، في قسمها األول، بال

)١( Jean Chevalier –Alain Gheerbrant (Dictionnaire des Symboles)- BOUQUINS Robert Laffont – Jupiter . 1982 – page: 584

.٥٨٥المرجع نفسه، ص ) ٢( .٥٨٨المرجع نفسه، ص )٣( . ٣٥ اآلية – سورة النور –القرآن الكريم )٤(

٣ م -الضوء والظل

- ٣٤ -

إن اهللا هو النور الوحيد الذي تنحدر منه األنوار كافة، في شكل " :الغزاليمشابه النتشار الضوء الفيزيائي في الكون، ويمكن تمثيله بضوء القمر الذي يأتي من الشمس ويدخل من نافذة إلى حجرة فينعكس في مرآة معلقة على

)١("لى الجدار المقابل الذي يعكسه هو أيضا نحو األرضالجدار، تعكسه إ بالضوء عن كل - في كتابها المقدس-وكذلك األمر في المسيحية التي عبرت

، وعبرت )٢("كالمك سراج لخطواتي، ونور يارب لطريقي"ماهو إلهي وخيريكشف عن األعماق ظالمها، "بالظلمة عن كل ما هو شر، وبالظل عن الموت

وتحدث القديسون عن نظرية الضوء )٣("ظالل الموت إلى النورويخرج نظرية "الرمزي وعالقته بالضوء الفيزيائي، فذهب القديس يوحنا إلى أن

الضوء الفيزيائي تطابق الرمزية، وأن الضوء األصلي يتطابق مع الفعل، مما ويدرك كل . يعبر بشكل ما عن إشعاع الشمس الروحاني الذي يعد قلب العالم

إنسان يأتي إلى العالم هذا اإلشعاع، لينضم إلى رمزية ضوء المعرفة المدركة وهذه المعرفة .. دون انكسار، أي دون وسيط، فيدرك بالحدس المباشر

المباشرة هي ضوء الشمس الذي يتعارض مع ضوء القمر الذي حين ينكسر، الروح ، وتجدر اإلشارة إلى أن )٤("يصور المعرفة المكتسبة أو العقالنية

تجسد في صورة الحمامة " القدس، الذي نزل على العذراء مريم يوم البشارة، . أي عن الخصب والحمل بالسيد المسيح)٥("تعبيرا عن الضوء

وقبل األديان السماوية حملت الحضارات القديمة، من خالل معتقداتها الضوء ففي الصين، غدت ثنائية".الدينية، معاني عديدة للضوء والظل والعتمة

، إذ يحمل الين شيئا من اليانغ )الين واليانغ(والعتمة ثنائية شاملة معبرة عن

)١( Dictionnaire des Symboles، page: 588. . ١٠٥ اآلية -١١٩ المزمور –المزامير – القديم العهد–الكتاب المقدس )٢( .٢٢اآلية – ١٢ اإلصحاح – أيوب –الكتاب المقدس )٣()٤( Dictionnaire des Symboles- p:586 . .٥٨٧ المرجع نفسه، ص )٥(

- ٣٥ -

ية، فتمثل التعارض بين الضوء والعتمة في شتدرأما في الز. والعكس بالعكسوفي الغرب بين المالئكة . إله العتمة) أهريمان(إله الضوء و) امزدارهوأ(

وفي الصين بين السلطات األرضية والشياطين، وفي الهند بين ديغا وأسورا، ويجد البوذيون في الضوء قوة مخصبة قادرة على الخلق . والسلطات السماوية

- والوالدة، أما التاويون فيرون الخلود مدركا كالجسم المضيء، يقول تشوانغ . حتى الوحدة) الضوء والعتمة(اتبعني إلى ما وراء المبدئين : تسو

.)١(س عن خالص اإلنسانوعبر المصريون بضوء الشموتعد العتمة نقيض الضوء، ويأتي الظل ليستقر في الوسط بين الضوء

األشياء الزائلة " ويمثل صورة"والعتمة، فيشي بوجودهما ويخفف من سطوتهمالذا كان اإلغريق يحتفلون بأمواتهم ساعة الهاجرة، وهي ". والخيالية والمتغيرة

وتذكر التقاليد القديمة أن الرجل الذي يبيع . الساعة التي يختفي الظل فيهاروحه للشيطان يفقد ظله، وهذا يدل على أنه فقد وجوده الروحاني ولم يبق

بمثابة ظل - في نظر المؤمن-ويعد كل شكل من أشكال الواقع . ملك نفسهاهللا أو النور األسود أو الظهيرة المعتمة، فاإلنسان ظل ملقى من نور علوي،

التي تذكرنا بنظرية )٢(" البشرية ليست إال ظل الصفة اإللهيةاأليقونة"و .أفالطون في المثل

هكذا تناولت األديان السماوية والمعتقدات القديمة عناصر الضوء والظل والعتمة، فانعكست على فكر شعوبها وغدت أنماطا أولية تناقلتها األمم

لفني خصوصا، وظهرت عبر العصور، فتجلت في نتاجها اإلنساني عموما، وا في النفس اإلنسانية التي )٣(رموزا وصورا موحية، أشارت إلى اآللية النفسية

. ٥٨٦-٥٨٥ المرجع نفسه، ص )١()٢ ( Dictionnair des Symboles p: 701 . نفسية للضوء والظل والعتمة في الفصل الثالث من البحث، في سنفصل في اآللية ال )٣(

. فقرة المستوى الالشعوري من خالل المنهجين الفرويدي واليونغي

- ٣٦ -

تحولت، من خالل تناوب النسب بين عناصرها، إلى آلية تشكيلية انعكست . على األعمال الفنية وحكت تقلبات نفس الفنان

والظل؟واآلن ما المراد بالضوء والظل في هذا البحث؟ ولماذا الضوء رأينا أن الضوء والظل واسطة من الوسائط المكونة للفنون، ورأينا الفرق بين الواسطة التي قد تقارب بين الفنون، وبين األدوات التي تجعلها

والمراد بالضوء والظل في هذه الدراسة محاولة إبراز دورهما في . متباينةلمعتمد في معطياته عملية التقارب بين الفنون من خالل األسلوب التجريبي ا

وقبل الوقوف عند األسباب التي . على أدوات المنهجين السيميولوجي والنفسيدفعتنا النتقاء هذه الواسطة دون غيرها، وجدنا ضرورة إيضاح معاني الضوء

في الفكر اوالظل في المعاجم اللغوية باختصار، كما سبق وأوضحنا معانيهمللغوية من دالالت وإيحاءات تفيد في معرفة اإلنساني، وذلك لما تحمله الكلمة ا

.صفات الضوء والظل، وتؤكد استمرارية هذه الصفات في الفنونالضياء، : الضوء والضوء، بالضم، معروف"تخبرنا المعاجم اللغوية أن

.)١("وجمعه أضواء وهو الضواء والضياء، وفعله ضوأ . )٢("اجليت عنه: ضوأت عن حقيقة الحال"" حوبعضهم يجعل الظل الفيء؛ قال )الشمس(أما الظل فنقيض الض ،

كل موضع تكون فيه الشمس فتزول عنه فهو ظل وفيء، وجمع الظل : رؤيةوالظل في الحقيقة إنما هو ضوء شعاع الشمس دون ")٣("أظالل وظالل وظلول

جنحه، : وظل الليل" )٤("لالشعاع، فإذا لم يكن ضوء فهو ظلمة وليس بظ

،ص ١٩٩٢ – ٢ ط- بيروت – دار صادر -) مادة ضوأ(لسان العرب، ابن منظور، )١(١١٢ .

. ٣٨٠ ص – ١٩٩٢- ١ ط- بيروت –دار صادر – أساس البالغة –الزمخشري )٢(

.٤١٥ ص -) مادة ظلل (– لسان العرب )٣( .٤١٦ المصدر نفسه، ص )٤(

- ٣٧ -

هو الليل نفسه، ويزعم المنجمون أن الليل ظل وإنما اسود جدا ألنه ظل : وقيلوظل " .)١("كرة األرض، وبقدر ما زاد بدنها في العظم ازداد سواد ظلها

لسفينة ومن فيها، أمواجه ألنها ترفع فتظل ا: وظالل البحر" ،)٢("كنه: الشيء .)٣("الدنو، يقال أظلك فالن أي ألقى عليك ظله من قربه: واإلظالل

المعاجم اللغوية غنية بمعاني الضوء والظل، وقد اختيرت منها المعاني السابقة المناسبة لفكرة البحث، فالضوء في المعاجم هو الكشف والوضوح، أما

ليس نقيض الضوء وإنما يولد منه الظل فهو الحجب وراحة الفيء، وهوضوء شعاع الشمس دون الشعاع، فإذا لم يكن ضوء فهو (ويخبر عنه ويكمله

هو كنه الشيء ل، وإذا كان الضوء يكشف عن الشيء، فالظ)ظلمة وليس بظل .، ويشي الظل باالقتراب والدنو)جوهره(

نية ينقل الضوء والظل صفاتهما ومعانيهما السابقة إلى األعمال الف الضوء تويدخالن في تفصيالتها كافة، ومن هنا كان ال بد من عرض تعريفا

والظل الفنية، كما عرفها الفنان ليوناردو دافنشي الذي يعد من أهم المنظرين بوصفه خفوتا " يعرف دافنشي الظل.لقواعد الضوء والظل وعالقتهما بالمنظور

الساقط على سطح جسم في إضاءة األجسام، أي انخفاضا في سطوع الضوءويحدد ، )٤("ما، ويوجد الظل عند نهاية منطقة الضوء، وينتهي بالظلمة الكاملة

هناك فرق بين الظل والظلمة، فالظل "دافنشي الفرق بين الظل والظلمة فيقول ويرى أن الظل )٥("انخفاض في الضوء، بينما الظلمة هي غياب الضوء كليا

ما جسماني بينما الثاني روحاني ونقصد أوله "ينشأ من شيئين مختلفين

.٤١٦ نفسه، ص السابقالمصدر )١(

.٤١٧المصدر نفسه، ص )٢(

.٤١٧المصدر نفسه، ص )٣(

. ٣١٥ نظرية التصوير، ص )٤(

. ٣١٥ المرجع نفسه، ص )٥(

- ٣٨ -

بالجسماني الجسم المعتم، أما العامل الروحاني فهو الضوء، ولهذا يشترك كل أما الضوء فطبيعته هي طبيعة النور، " )١("من الضوء والجسم في خلق الظل

والظل يخفي بينما الضوء يكشف، وكالهما مالزم لآلخر إذ يتجاوران على ق الظل الضوء في قوته، ألنه قادر، كما تخبرنا ويفو. أسطح األجسام

التجربة، على حجب األجسام كليا عن الضوء، بينما ال يستطيع الضوء محو والظلمة هي أول منشأ للظل، وأول .. الظالل كافة من األجسام المعتمة

درجاته، بينما يشكل الضوء آخر حد له، ومن هنا يتعين على المصور جعل وقتامة قرب مواقع تكونه، وأن يجعله يقل تدريجيا حتى الظل أكثر سوادا

وينتهي . )٢("يتحول في النهاية إلى ضوء، أي إلى أن يصبح بال حدود مدركةإنشاء األضواء والظلمات وخلطهما معا "دافنشي إلى تعريف فن التصوير بأنه

.)٣("باأللوان على تباينها سواء كانت بسيطة أو مركبةه المراد من الضوء والظل في هذا البحث الذي يوضح ما سبق كل

سيفصل في ثنايا فصوله القادمة صفات الضوء والظل ودورهما في فنون النحت والتصوير والشعر، وأهميتهما في تشكيل الوسائط األخرى، فضال عن

.دورهما في خلق التقارب بين الفنون السابقة :لظل فهيأما عن األسباب التي دفعتنا الختيار الضوء وا

. ظهرا مع الوجود واستمرا باستمراره وتجليا في شتى مظاهره- ١فهما، فضال عن إضفائهما الناحية . يعدان واسطة مهمة في الفنون- ٢

.الجمالية عليها، دفعا بها إلى منظومة التقارب محاولة إثبات وحدة الفنون في الغاية وتقاربها في الوسائط، على - ٣

.في األدواتالرغم من اختالفها

. ٣١٥المرجع نفسه، ص )١(

. ٣١٦المرجع نفسه، ص ) ٢( .٢٥٩ المرجع نفسه، ص )٣٥(

- ٣٩ -

قراءة فن الشعر قراءة جديدة، تجعل المرء يصور من القصيدة - ٤ .لوحة، ويتابع تجليات الضوء والظل فيها

المبدع ( دراسة الصلة بين فني الشعر والتصوير، تدفع إلى نظرية - ٥التي تعد من النظريات األساسية في دراسة األعمال ) المتلقي- الرسالة -

.الفنية

العالقة بين الضوء والظل طبيعة العالقة الدياليكتيكية بين تلخص - ٦ .مفردات الفن ومن قبله الوجود

ضرورة البحث في هذا المجال، إذ كثرت الدراسات عن تقارب - ٧الفنون، وتعمقت في دراسة وسائطها من لون وخط وإيقاع ومفردات لغوية

موسيقا والشعر، واللغة وصيغ داللية، فانفرد اللون في التصوير واإليقاع في الفي الشعر، ولم تتناول الدراسات واسطة الضوء والظل تشكيليا في الشعر على سبيل المثال، وإن أشارت إلى أهميتها في التصوير والنحت، وداللتها

وأغفلت صفاتها المتشعبة بين أغلب العناصر . اللغوية والبالغية في الشعرت والتصوير خصوصا، فضال عن إغفالها المكونة للفنون عموما، وفنون النح

. فكرة إمكانية تقارب الفنون من خالل الضوء والظل

- ٤٠ -

:منهج البحث

بأدوات المنهجين السيميولوجي والنفسي، - كما ذكرنا -استعان البحث انطالقا من أن العمل الفني يقوم على مجموعة عالمات تنتظم في سياق

فس الفنان، وتوزعت أدوات المنهجين في فصول يفضي إلى الكشف عن نالبحث، فتفردت أدوات المنهج السيميولوجي في تحليل األعمال الفنية في الفصلين األول والثاني وساعدت في دراسة آلية الضوء والظل التشكيلية،

نظريا ) الفرويدي واليونغي(بينما تناولت الدراسة أدوات المنهج النفسي فصل الثالث واستمرت في تحليل النماذج الفنية المنجزة في وتطبيقيا في ال

الفصل الرابع، وفي الوقت نفسه، لم تستغن الدراسة عن اآللية التشكيلية .للضوء والظل وغيرهما، في الفصلين الثالث والرابع

- ٤١ -

الضوء والظل الكتلة والفراغ

. مفهوم الكتلة والسياق- .وم الفراغ مفه- : الكتلة والفراغ فن النحت-

".حنت مصري""ميسرينيوس وملكته" حتليل منحوتة- coysevox" فينوس" ومنحوتة" الووكون" حتليل منحوتة- : الشكل واحليز املساحي فن التصوير- "سيزان" للمصور" طبيعة صامتة وتفاحات" حتليل لوحة-

: اجلاهلي الصوت والصمت الشعر الشفاهي- . حتليل مقطع من معلقة امرئ القيس- : الكلمة والفراغ الشعر الكتابي-

.للشاعر سعدي يوسف) أغنية الصرار( حتليل قصيدة - . اخلالصة-

- ٤٢ -

- ٤٣ -

الضوء والظل الكتلة والفراغ

ا أو حيزا؟ة؟ وهل يمكن عد الصمت فراغوت كتل عد الصهل يمكن

ودات تتجمع في أحياز وتتآلف في سياق لتشكل منذ فجر الخليقة والموجوتتعدد . حالة ما، أو قد تتناظر وتتناقض لتشكل سياقا مختلفا وحالة مختلفة

السياقات بتعدد الكتل واألحياز وتنوعها لتأخذ أشكاال تشف عن طبيعتها، فإن أخذت الكتل شكل الجماعات اإلنسانية كان سياقها حضاريا، وإن كانت أسئلة

حث عن أجوبة جاء سياقها فلسفيا، أما إذا انسابت كلمات تنظم في جمل فإن تبوال يكفي اختالف الكتل وتغيرها في األنواع واألحجام . السياق يغدو شعريا

لتحديد السياق، إذ البد من استدعاء القطب الثاني لهذه الثنائية، وهو الفراغ، . لسـياق النهائي الدال على المغزىلخلـق معادلـة بينهمـا ولكي يتشـكل ا

يضعنا أمام إشكالية مهمة قد ) الكتلة والفراغ(لـذا فإن البحـث في ثنائية تأتي اإلجابة عنها في البدء من العالقة الحتمية بين مفهوم الكتلة ومفهوم الفراغ قبل دراسة كل منهما على حدة مع مراعاة اختالف تجلياتهما في فنون

يمثالن هيكل ) مورفولوجيين( والشعر كعنصرين تشكيليين النحت والتصويرالعمل الفني وينظمانه، مما يثير التساؤل عن دور الضوء والظل في إبرازهما، وأثر عالقة النسبة بينهما في عالقة النسبة بين الكتلة والفراغ لخلق

.معادلة قد تنحت أو ترسم القصيدة بتناوب الكتل في فراغاتها

:ق والسيامفهوم الكتلةالكتلة شيء مادي محسوس يأخذ حيزا في الفراغ، وتظهر قيمتها من

وفي الفن تعد الكتلة عنصرا . االرتباط مع غيرها من الكتل ضمن نسق محدد

- ٤٤ -

كيليا متاحا أمام الفنان يستخدمه في عمله الفني ويتحكم به لقدرته على تش عن تنوعها فإن النوع هي فضالفغاية الكتلة هي الشكل، و. التشكل والتغير

كال الكتلة باختالف الفنون، ويكون وتختلف أش. دةذ أشكاال عديالواحد يأخاالختالف في العرض وليس في الجوهر، فإذا عددنا العرض صورة والجوهر

اللفظ صورة في اللغة، والحجر صورة في النحت، والصبغ " هيولى، فسيكوني الموسيقا، والنقش صـورة في الزخرفة، صورة في الرسم، والنغم صورة ف

والحرف صورة في الخط، فإذا سلمنا بأن ثمة معنى واحدا يراد جالؤه، أفيكون اللفظ في ذلك كالنغم؟ أو يكون الصبغ كالحجر؟ أو يكون النقش

بلى، ألن : ف المعنى؟ والجوابكالحرف؟ أفما يقتضي اختالف الصورة اختالع بين الفنون، فهو ل هذا المعنى الواحد يجم، ولع)١("ورة هي المعنىالصلذلك تشترك الفنون، مع اختالف ى للوجود؛ ى األول والهيولى األولالمعن

كال أشومهما تعددت . ورها وأدواتها ووسائلها، في غاية الوصول إليهصوالمثال في ذلك في " الكتلة أو صورها فإنها تصب كلها في معنى واحد

صورة في الثوب، والثوب هيولى له، والثوب صورة ات أن القميص وسالمحسفي الغزل، والغزل هيولى له، والغزل صـورة في القطن، والقطن هيولى له،

ورة في األركان والنبات هيولى له، والنبات صات،ورة في النبوالقطن صم هيولى لها، والجسم ان صورة في الجسم، والجسه، واألركوهي هيولى ل

وعلى هذا المثال يعد حال .... ر هيولى لهر، والجوهجوهورة في الصها الصورة عند الهيولى وحال الهيولى عند الصورة إلى أن تنتهي األشياء كل

يط ال تركيب جوهر بس" وهي)٢("ى التي هي صورة الوجودإلى الهيولى األولال أي صورة .. ن على الترتيبا ولكل للصور كلهه من الوجوه، قابفيه بوج

عصام، موسيقا الزخرفة، مجلة بحوث جامعة حلب، سلسلة اآلداب . قصبجي، د) ١( .١٨-١٧، ص١٩٩٥ -والعلوم اإلنسانية، العدد التاسع والعشرون

.٨-٧ بيروت، ص– دار صادر - المجلد الثاني–إخوان الصفا ) ٢(

- ٤٥ -

، لذا كان البد من نسق أو سياق )١("ت، تأخرت أو تقدمت، بل األول فاألولانك .ه الكتل لتنتج المعنى وتحقق الهدفظم فيتنت

ة أو بدلت مكانها أو شكلت صورة جديدة لها اختلف وإذا تغيرت الكتلت الفنون، حتى أن التبدل الحاصل في انتظام وتغير المعنى وتنوع،السياقفي الفراغ يؤدي إلى معنى جديد في نفس اللوحة أو المنحوتة أو الكتل

تقراء يميولوجيا وتبرز أهميتها في اس وهنا يأتي دور أدوات الس،القصيدةالعمل الفني، فالكتلة في صورها ليست إال عالمات، والعالمات تعد المبدأ

ة بشقيها الدال مفهوم العالم"تند إليه السيميولوجيا إذ تقوم علىذي تساألساسي الوالمدلول، وبعالقتها بالمرجع، وقد عدت العالمة، مهما كانت طبيعتها، الوحدة األولية في تركيب المعنى، والسيما حين يتم النظر إليها في ديناميكيتها

ة الواحدة داال يقدم مل العالم وتح)٢("ات األخرىها وعالقتها بالعالموتحولره داال جديدا في صورة جديـدة تفضي إلى مدلول مدلوال معينا قد يغدو بدو

جديد بحسب المرجعية لدى المتلقي والفنان على حد سواء، أما إذا انتظمت داللية فإنها ستفضي إلى معنى جديد أو مدلول ) سياقات(اق ات في أنسالعالم

جديد يختلف عنه إذا بدلت العالمات مواقعها حتى لو كانت مفردات أو ألوانا اق الداللية التي تكمن وراء تشكل في األنس" فالمعنى يكمن.. و حجارةأ

دخلنا إلى الغرفة يختلف : فقولنا مثال. )٣("الصورة وأخذها هذا المنحى بعينهل في في التغيير الحاصإلى الغرفة دخلنا، ويكمن وجه االختالف : عن قولنا

ن في الهدف لكنهما انتظام الكلمات في الفراغ الذي أدى إلى معنيين مشتركي) العالمات(مختلفان في التعبير واإلحساس، وهذا شأن الكتل وصورها

.٨المصدر نفسه، ص) ١(

في لوحة موت ساردانابال ألوجين دوالكروا، الحياة حنان، قراءة . قصاب حسن، د) ٢( - آب- تموز-٧٠ العدد - دمشق–مجلة فصلية تصدرها وزارة الثقافة التشكيلية،

.١٠-٩ ص٢٠٠٤أيلول، .١٠المرجع نفسه، ص) ٣(

- ٤٦ -

فإذا تغيرت أو بدلت بغيرها أو بدلت . المنتظمة في الفراغ في الفنون كلهاومن ) النسق(دة لها فسيختلف السياق ت صورا جديمكانها في الفراغ أو شكل

، بدل )١("شرفتان راح ينأى عنهما القمر" :وهكذا فإن قول الشاعر. ثم المعنىن األحمر نافذتان راح ينأى عنهما البدر مثال يعادل وضع المصور اللو: قوله

.تخدامه البرتقاليلقرص الشمس بدال من اساية والعناصر التشكيلية ولو اختلفت في في الغومن هنا تشترك الفنون

يين إلى الفصل بينها من الصور واألنواع، أو عمد بعض الفالسفة والجمالكال كتلها تنوع الفنون من تنوع أدواتها وأش ويأتي .خالل تصنيفات عديدة

وأساليب فنانيها، فكتل النحات حجارة ورخام وغرانيت وخشب ومعادن يشكلها بإزميله وأصابعه في فراغ حقيقي ال محدود، وكتل المصور أشكال

د ال يتجاوز إطار اللوحة حيث تشكلها خطوط وألوان يوزعها في فراغ محدو .يأخذ كل شكل حيزا مساحيا في اللوحة

أما كتل الشاعر فتختلف بين صوت وكلمة حسب اختالف الشعر بين صور وخصائص تميزها - في الفنون السابقة -ولكل كتلة . شفاهي وكتابي

كعنصر تشكيلي تتجلى قيمته الجمالية في كشفه عن مضمونه، عندما يشف : ولنتساءل. ات، ويعذب الصوت ويعبرجر، ويرتجف الخط، وتهمس الكلمالح

هل يمكن أن يظهر الشيء إن كان متخفيا في الظالم؟ إنه بحاجة إلى الضوء مناسبا ظهر وتألق وكلما ها بدا ضوؤله إلى الوجود الذي كلمليكشف عنه وينق

ياء أو ألشطوع الضوء معيار جمال اإذ ليس س. ان قويا احترق وانعدمكبد من الظالل لتمنحها االعتدال وتبرز جمالها، وال كال، فالالصور واألش

على الرغم من وجودها في السياق وحفاظها على - يمكن اإلحساس بالكتلة إال بالضوء والظل، إذ يسقط الضوء على الكتلة فتنجم -مكانها في الفراغ

، ١٩٧١ بيروت، - دار العودة- قصيدة أنشودة المطر- ديوان بدر شاكر السياب) ١( .٤٧٤ص

- ٤٧ -

فتحقق الكتلة غايتها عنها الظالل لتحكي الضوء، تحكي قوته أو ضعفه،. وتتموج بين ضوء وظل لتبقى متصلة مع غيرها من الكتل بخيوط الظل

تنتج بدورها ظالال تنتهي عند . فظالل كتلة ما تنتهي عند حواف أخرىوهكذا تغمر الظالل المسافات الفراغية بين الكتل فتمنحها .. حواف غيرها

وكلما بدت . ويجعله كتلة واحدةرابطا جماليا، يربط بين أجزاء العمل الفني الظالل معتدلة غير متكاثفة بحيث ال تطغى ظالل كتلة على أخرى، تناسبت الكتل في الفراغ محققة التوازن بينها وبينه، فالضوء في فن النحت حقيقي يأتي من مصدر خارجي ومن ثم تصبح الظالل الناجمة عن الكتلة حقيقية

العملية معقدة أكثر ألن المصور يواجه عملية محسوسة، أما في فن التصوير فخلق الضوء والظل في لوحته باإليهام ويقف أمام مشكالت جمة، فعن طريق الضوء والظل يقرب األشكال من أحجامها األصلية في الواقع وينشئ البعد الثالث ويحاول نقل منظر طبيعي بأضوائه وظالله إلى عالمه المحدود

للحظة التي يرصد فيها المصور الضوء في المنظر وتلعب ا). اللوحة(الطبيعي دورا مهما في عملية التصوير، فضوء السحر يختلف عن ضوء الظهيرة والغروب، وكذلك الظالل حيث تبدو أحيانا متكاثفة وأحيانا أخرى

وفضال عن ذلك ). الغروب- الفجر (متالشـية متغيرة األلوان بين زمنين المصور الخاصة، والناجمة عن ظالله الداخلية / الفنان كله تظهر رؤية

تخدام لوبا خاصا في اسوبؤرته الضوئية، فتميزه من اآلخرين وتمنحه أس .األبيض واألسود لتشكيل الضوء والظل

بالعتمة المضاءة فأبرزت قدرته على )١(وحات رامبرانتوقد صبغت لظل القاتم إلى حد العتمة، فجاء تشكيل األضداد والجمع بين الضوء الساطع وال

لوب أبي تمام في الجمع بين األضداد بانسجام هادئ فبين أسلوبه مقاربا ألس :اب قولهالل متشابكة انسضوء وعتمة وظ

وب المصور رامبرانت وأسلوب أبي تمام في التعامل مع العتمة سنفصل في أسل) ١( .المضاءة، في الفصل الثالث من هذا البحث

- ٤٨ -

ار والظلماء عاكفةـضوء من الن )١(حبوظلمة من دخان في ضحى ش

شكال وكأن أبا تمام هنا يرسم لوحة خراب عمورية بالضوء والظل م . من تكاملهما التباين الحاد الذي يصور الهزيمة

على ويقترب الضوء والظل في فن التصوير من التجريد والرمزيةوان محسوسة، بينما يصبحان رمزيين في أقصى الرغم من تحولهما إلى أل

صور الرمزية في فن الشعر، ألنهما غير مدركين بحاسة البصر، وال يمكن في النحت والتصوير، وقد تسمع األذن إيقاعهما عن طريق للعين رؤيتهما كما

الحدس، وتتابع تقلباتهما من مفردة إلى أخرى، ومن بيت إلى آخر، ومن عور في صور عدة، فكيف يتابعهما عور والالش إنهما الش،صوت إلى صمت

تحدثنا يدة؟ هذا ما سالمتلقي إذ يشعر بتموج الظالل ودفء الضوء في القص .لفصل القادمةعنه صفحات ا

ير إلى ميزة مهمة في الكتلة، وهي ارتباطها بغيرها من بقي أن نشوالظاهرة أحيانا ) فن الشعر(الكتل في السياق بخيوط الظل الخفية حينا

حتى تبدو كأنها كتلة واحدة، وهذا االرتباط يبدو مبهما في ) التصوير والنحت(رى منحوتات متجاورة بعضها جانب فن النحت، ال لتفرد الكتلة، ولكن ألننا ن

: بعض في الفراغ لتحكي عن موضوع ما، لكنها ترتبط بكتل من مواد مختلفةمن النباتات الحدائقية، أو الكتل المعمارية المحيطة، باستثناء النحت الناتئ ألنه

عر يشبه التصوير، بينما يبدو جليا االرتباط بين الكتل في فني التصوير والشعدد المفردات واألصوات في فن كال في فن التصوير وتقاربها، وتشلتنوع األ

عف بتفاوت نسب ل في هذه الفنون بين قوة وضعر، ويتفاوت ارتباط الكتالش

ديوان أبي تمام، بشرح الخطيب التبريزي، تحقيق محمد عبده عزام، المجلد األول، ) ١( .٥٩دار المعارف بمصر، ص

- ٤٩ -

في تكوين ) الشـاعر / النحات / المصور(الضوء والظل التي يبرزها الفنان . )١(العمل الفني وفي أسلوب التعامل مع الفراغ

:مفهوم الفراغغل اإلنسان بالفراغ منذ بدايات الحياة اإلنسانية، فهو عندما رسم ش

ونقش ورقص ونحت ونظم كان يثبت قوته، ويحاول االنزياح عن كونه ذاتا فردية وحيدة، ليؤنسن مجاال حيويا له يكتسبه من الفراغ، كان يذهب بعيدا

اسما ليسيطر على كل غامض ومخيف، ويضع له رمزا ليأسره ويطلق عليهومن هنا فإن رسومه على حيطان الكهوف تاريخ يحكي انتصاراته . ليمتلكهإنه الوجود والعدم في آن معا، . رار المجهول أو الفراغة أمام كثرة أسالناقص

يتدفق من المطلق جاعال المرء كتلة تسبح في أعماقه لتغرق في عدمية .الوصول

رة تضع ميسمها في نتاجه وتبقى العالقة بين اإلنسان والفراغ مستمسيما الفنية على مر العصور، وتكسبه روحا رمزيا يرافق جميع أعماله وال

.منهاال يكتفي أن " يتطلب مفهوم الفراغ في الفن؛ البدء من الفنان الذيو

يرجوها ويتطلبها، إلى كلية ) كلية(يكون فردا منعزال يطمح في الخروج إلى حدودها حائال دونها، ويسـعى إلى عالم أكثر وضوحا حياة تقف فرديته بكل

وعدال، إلى عالم يكون له معنى، ويثور على فكرة فنائه داخل وجوده المحدود وضمن الحدود العابرة والعارضة لشخصيته الخاصة، وهو يريد أن يتوجه

يء خارج عنه، وهو مع ذلك، إلى ش"األنا" إلى شيء ما أكثر من مجرد

تها وعالقتها بالعالمات ولذلك كانت السميولوجيا تقوم على تقصي داللة العالمة بذا) ١(األخرى، وفي كل عالقة ترتسم العالمة على محور التتالي، فتتغير الداللة وتتشكل

.شبكة المعنى٤ م -الضوء والظل

- ٥٠ -

يء ما ال نهائي يرغب فيه ليتحرر من منظومة إلى ش)١("نسبة إليهجوهري بال .العالم المحيط به حتى يبلغ أبعد األبراج السماوية محاوال مالمسة الفراغ

كال أو نظاما اني يملك شنتاج إنس" ويتم ذلك عن طريق الفن الذي هو بالتحكم الحاذق انية، وإن العمل الفني يتأثرنا، ويقوم بإيصال التجربة اإلنسمعي

في المواد المستخدمة في بنائه من أجل إبراز األفكار الشكلية والمعبرة التي فإن كل ما ينتجه الفنان هو حصيلة )٢("يود الفنان أن يوصلها إلى اآلخرين

ومن ثم . تجاربه الذاتية العائدة إلى تكوينه والمنبثقة من مفاهيمه عن الوجودولما كان . ن فنان إلى آخر، ومن فن إلى آخريختلف مفهوم الفراغ عندئذ م

ارة ال نفس الحضحال نفس الفنان كح" تفاهيم الفنان وكانالفراغ مفهوما من م لذا سيعبر الفنان عن )٣(" فهي شيء ما تام وكامل"soul" ونعني بالنفس هنا

مفهومه للفراغ عن طريق الفن، وكل فن يتعامل مع فراغه تعامال مختلفا عن من الفنون، وذلك الختالف الكتلة واألدوات المساعدة في تصميم العمل غيره

بد من التمييز بين الفراغ الرمزي الالنهائي الذي الفني وإخراجه، وهنا التسعى إليه النفس اإلنسانية، والفراغ الجمالي الفني الذي هو صورة الفراغ

.ل الفنونويبقى عنصرا جماليا مشتركا بين ك. الرمزي في الفنأما الفراغ الرمزي فهو المطلق والوصول إليه حالة مستحيلة، يسـعى

- في لغة الفن -الفنان إلى تعويضها من خالل الفراغ الجمالي الذي يسمى وقد نلمسه في ) في التصوير(بالعمق الذي يظهره اإليحاء بالبعد الثالث

ميشال سليمان، دار الحقيقة، بيروت، الطبعة . د: فيشر، إرنست، ضرورة الفن، ترجمة) ١( .٩، ص١٩٦٥-الفرنسية

فخري : ، ترجمة"لفن والتجربة الجماليةمدخل إلى تذوق ا: حوار الرؤية"نوبلر، ناثان) ٢(، ١جبرا إبراهيم جبرا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط: خليل، مراجعة

.٣٨، ص١٩٩٢

أحمد الشيباني، منشورات دار : اشبنغلر، أسوالد، تدهور الحضارة الغربية، ترجمة) ٣( .٢٠٩ت، ص.، د١مكتبة الحياة، بيروت، ج

- ٥١ -

طحي فراغ السوهو ال يعني ال. الفضاءويسمى، في فن النحت،) الشعر(فحسب، وإنما يعني العمق الذي يدفع ) سطح اللوحة أو الصفحة البيضاء(

بالنظر إلى خلفية العمل الفني، تمسحه الرؤيا الضبابية والغموض، فهو بؤرة لذلك يستحق النظر إليه في . عمل الفنان وهواجسه، وكالمه الذي لم يقله بعد

قيل وظهر واضحا للعيان، في ة التي ال يأبه المتلقي فيها إال بمااللحظوقد تجلت مفاهيم الحضارات اإلنسانية في فنونها، فمن . المستويات األولى

النحت إلى التصوير، ومن الزخرفة إلى الشعر، كلها فنون ترجمت مفهوم في المرحلة المبكرة هي األم لكل ما " اإلنسان للفراغ، حتى العمارة التي كانت

وتجسد بأبنيتها رؤى )١("رر اختيارهم وتقرر روحهميتبعها من فنون، فهي تقإن جميع األبنية الكالسيكية تبدأ من الخارج، بينما أن جميع األبنية " .حضارتها

، إذ )٢(الغربية تبدأ من الداخل، كما وأن األبنية العربية تبدأ أيضا من الداخلتوق إلى أسلوب، أن هناك نفسا واحدة، وواحدة فقط هي النفس الفاوستية التي ت

وتجعل من . وهي التي تخترق الجدران لتغوص في الكون الالمحدود للفراغداخل البناء وخارجه صورتين تكمل الواحدة منهما األخرى، صورتين تعبران

، لقد غاصت الحضارة العربية في النفـس )٣("عن نفس الشعور الواحد بالعالموعند إلقاء نظرة . يتجه إلى الداخل عمقا - في فنونها -فغدا الفراغ الجمالي

والمنمنمات اإلسالمية وكيف زج الفنانون " على الفنون العربية كالزخرفةبحشود هائلة من المفردات في اللوحة، نرى كل هذه المفاهيم التي يسميها بعض النقاد الغربيين الخوف من الفراغ، وهي مختلفة عن مفهوم الفراغ أو

.٤٠٤، ص ١،جتدهور الحضارة الغربية) ١(ولكنها تختلف عن األبنية الغربية، ألن رمز الحضارة العربية أو المجوسية كما يسميها ) ٢(

٤٠٤ ص- ١ ج-انظر تدهور الحضارة الغربية / " المغارة" أو" الكهف"اشبنغلر هيلذا فإن هذه الجملة المتعلقة باألبنية العربية ال عالقة لها بالنفس / ٣٢٣وص

.الفاوستية .٤٠٤ -٤٠٣، ص١ تدهور الحضارة الغربية، ج)٣(

- ٥٢ -

في اللوحات الصينية، أو في لوحات الحبر الصيني مفهوم الفضاء الموجود وعلى ورق الرز، وهي من العناصر البصرية البسيطة من الفراغ الطبيعي

وبالتالي نشعر بقدر ما كان عند المسلمين من رغبة في تعبئة كل . الهائلأنحاء اللوحة بعناصر جمالية بقدر ما كان الصينيون يرغبون في التأكيد على

،ن اإلنساني في فراغ الطبيعة أو في فضاء الطبيعة الهائل الالنهائيضآلة الكائبينما يحاول األوروبيون أن يحسبوا، من خالل السيطرة الرياضية، مفاهيم

ابات الفراغ وبالتالي كانت حس. ر خاصةالفراغ ابتداء من القرن السادس عشلى الفراغ فالحضارة الغربية هربت إ)١("والكتلة حاضرة في كل أعمالهم

السطحي محاولة خلق توازن بينه وبين الجمالي أي حاولت تجاوزه إلى ترعت نظريات الفراغ الجمالي، وتأثرت بالعلم والحسابات الرياضية فاخ

الث، واهتمت بالكتلة في المستويين األول والثاني، بينما المنظور، والبعد الث الذي يغـدو )٢(لثالث تالشت عندها تدريجيا في العمق الذي يمثل البعد ا

محاولة لملء الفراغ، ونقله من الواقع إلى اللوحة وإعطاء الكتلة حجما يناسب ات اعد للمصور في ترتيب أولويوشكلها في الطبيعة، وهو عنصر مسحجمها

، إذ )رسم الوجه اإلنساني(ة وخصوصا في فن البورتريه شخوصه في اللوحفي المستوى األول، ويوزع ) ضوع اللوحةمو(يؤكد على الشخصية األساسية

.كال أخرى ما تبقى من أش- حسب األهمية -في المستوى الثاني فالثالث وقد أثر فن النحت في إيجاد البعد الثالث في فن التصوير، فرغبة المصور في إضفاء الشكل الثالثي األبعاد للكتل في لوحته دفعته إلى تشكيل

أهمية النسبة بين الضوء والظل في خلق العمق وهنا تتجلى . البعد الثالث

انظر موقع االنترنت . رأي الفنان يوسف عبد لكي في العالقة بين الكتلة والفراغ) ١(www. JEHAT. com ،لقاء مع الفنان يوسف عبد لكي في أول معرض باريسي له ،

.حاوره شاكر نوري في باريس. يات الصور في فن التصوير الكالسيكيوهذا مايفسر سيطرة المناظر الطبيعية في خلف) ٢(

.منذ القرن الخامس عشر

- ٥٣ -

وتشكيل الكتلة والفراغ، فهي إذ تتناوب بين االعتدال أو الزيادة والنقصان بد أوال من وإليضاح هذه النسبة ال. فإنها تؤثر في النسبة بين الكتلة والفراغ

دراستها في كل فن على حدة؛ فهي تختلف من فن النحت إلى فني التصوير شعر، فقد يتبادر إلى الذهن أن الضوء يقابل الفراغ والكتلة تقابل الظل وال

باعتبار أن الظل ناتج عن الضوء ومكمل له مثلما أن الكتلة ال تحضر إال إن آلية الضوء والظل تقوم بتركيب المعادلة بين الكتلة والفراغ، . بالفراغ

يهما، وذلك من وتبرز وظيفة الضوء والظل في إضفاء القيمة الجمالية علفإن غلب الضوء . خالل تأثير نسـبة الضوء والظل في معادلة الكتلة والفراغ

على الظل انتصرت الكتلة على الفراغ وكان لها حضور مادي أكثر منه روحانيا، وإن غلب الظل على الضوء تنحت الكتلة وحضر الفراغ الذي قد

لظل انخفاض في الضوء، ا" إلى ظلمة قاتمة ألن-تدت الظالل إن اش-يتحول وإن وجد التوازن بين الضوء والظل ،)١("بينما الظلمة هي غياب الضوء كليا

وهذا ما يندر حدوثه في ،تحققت المعادلة بين الكتلة والفراغ وتعادل الطرفانأن )٢()المعماري اإليطالي من القرن الخامس عشر) (إلبرتي( وقد رأى .الفن

العمل الفني، ومن دونه ال يحقق الفن غايته، إذ التوازن ضروري بين عناصر قة معا في أي موضوع، الجمال هو االنسجام الحاصل بين األجزاء المنس"إن

بة وعالقة من الدقة بحيث ال مجال هناك إلضافة شيء آخر أو تغييره، أو بنس أن) ناثان نوبلر( ورأى آخـرون ومنهم )٣("وءاهم إال إذا أردنا به سإزالته، الل

أن ينتج عمال جميال بالتحكم في العالقات بين جزئيات " الفنان يسعى إلىالعمل في أثناء عملية الخلق، ومع هذا، فإن خلق الجمال، بمفهومه الشائع، ليس هو االعتبار الوحيد في ذهن الفنان، فهو قد يربط مفردات عمله بعضها

.٣١٥ص : نظرية التصوير) ١(

.ليون باتيستا إلبرتي) ٢(

.٤٢حوار الرؤية، ص) ٣(

- ٥٤ -

ف عليه، قد يكون صورة ببعض لينتج، أحيانا، شيئا جميال بالمعنى المتعارأكثر تعبيرا من تلك التي أوجدت سابقا، وقد يكون تجميعا ألشكال وألوان في

فإذا كان الفراغ هو عالم الفنان الالمحدود فإن الكتلة . )١("توليف غير مألوفالموجودة في الفراغ هي عالمه المحدود وإمكانياته المتاحة للوصول إلى

ل اقط عليها ظالا الفراغ إال صفحة بيضاء تتس، فمالفراغ والتعبير عنهكال في اللوحة وظالل الكلمات في القصيدة المنحوتة في الواقع وظالل األش

. وظالل األصوات في لحظات الصمتإذن، فإن جمالية الكتلة والفراغ في الفن سواء أكان نحتا أم تصويرا أم

ظل التي تخلق سياقا يدل نى على إدراك النسبة بين الضوء والا تبشعرا إنمعلى مغزى العمل، فالكتل تتوزع في الفراغ، وتنتظم في السياق، وتأخذ

فال يمكن للقصيدة أن تنتظم إال بانتقاء - كما أسلفنا- صورها بترتيب دقيقفإن بدل الشاعر كلمة بأخرى . الكلمات وترتيبها في سياق لتشف عن المعنى

وكذلك المصور إذا ما اهتم باللون على تغيرت الداللة واختلف المعنى،عن معناها حساب الخطوط أو األشكال تحدثت لوحته عن معنى جديد يختلف

صور في التقلب بين ضوء وتستمر أطياف ال. ودمرسومة باألبيض واألسعره بمتعة جمالية، وربما ال ى للمتلقي أن يرى الجمال، وقد تشنوظل، ليتس

.يرى إال لغزا يقلقه

.٤٣المرجع نفسه، ص) ١(

- ٥٥ -

الكتلة والفراغ فن النحت

تنظيم منسق للكتل الموجودة في " و)١("النحت شكل فني ذو أبعاد ثالثة"

فضاء حقيقي، والعناصر التشكيلية في النحت هي الشكل، والفضاء، والخط، ام، يحاول أن ينظم هذه العناصر في تكوين لمادة، والنسيج، والنحات كالرسوا

ياء الموجودة في الطبيعة، إذ أن يقلد بدقة أشكال األشتطاعته، وباس)٢("موحدأو قد يخرج عن . عى عن طريق المحاكاة إلى إيجاد ما يشبه األصليس

المألوف ويحاكي فكرة مجردة حين يقرر أن تكون العالقات الجمالية محور كال والفضاءات لمثـاله بطريقة من ضرورة ترتيب األش"فيتحرر آنئذ"عمله

، والتي تعد )٣("كال والفضاءات الكائنة في الموجودات الطبيعيةتمثل األشن األصل، وال يكاد يخلو نتاج فني لحضارة ما من فن النحت الذي خة عنس

يعد من أصعب الفنون الجميلة ممارسة، وتكمن صعوبته في التعامل مع الكتلة صلصال رع بعمله على كتلة من الهو حين يشف. التي هي أساس عمل النحات

إنما يبدأ عملية قد تؤدي في النهاية إلى إنتاج أثر فني، "أو الرخام أو الجصكال وبعدا؛ قد تضاف إليها قطع أو دة تعالج، سحبا ودفعا، لتأخذ شفالمادة الجام

قد تنتزع منها قطع، وتلعب اليدان واألصابع وأدوات النحات دورها في عملية ، ومن تلك الكتلة المبهمة )٤("كله النهائيدا من شصنع حتى يقترب العمل رويال

٧٨حوار الرؤية، ص ) ١( .١٧١المرجع نفسه، ص ) ٢( .٨٤المرجع نفسه، ص) ٣( ٧٧المرجع نفسه، ص) ٤(

- ٥٦ -

تتطور القطعة المنحوتة، وتتحول الالشكلية إلى صور وأشـكال تتناغم تقعراتها وتحدباتها وتتداخل في الفراغ لتخلق العمل الفني، فتنقلب العشـوائية

.إلى مغزى ويتحول الحجر األصم إلى موسيقا

نجاز القطعة المنحوتة ألن النحات يعجن ولمادة الكتلة دور في عملية إفكرته بالمادة، وهو حين يستعمل الحجر أو الشمع أو البرونز يتصور في

كالها تطيع تصميم أشوبانتقائه مادة الكتلة يس. ذهنه الشـكل النهائي للتمثالومعالجة سطوحها، فهناك أنواع من المواد تتطلب بعض الخطوات التمهيدية

"أما الخشب فيتيح للنحات. تشكيلها كالنحاس أو أية مادة صلدةمن النحات قبللذا . )١("أن يعمل مباشرة إلكمال القطعة دون أن تسبق ذلك خطوات تمهيدية

تؤخذ بعين االعتبار نوعية المادة وقوتها ومرونتها وخصائص سطحها أثناء فهناك . هاألنها تقدم حركة أسهل لتموجات الضوء ولتجليات الظل في. اختيارها

مواد قابلة للصقل حتى تمسي سطوحها كالمرآة تعكس الضوء بتوهج ولمعان، وهناك مواد قابلة للحفر فتظلل حوافها وتقعراتها معطية عمقا وحيوية للتمثال

كيليا يكسب عية المادة يظهر اللون عنصرا تشوفضال عن نو). المنحوتة(وقد تكون المادة ملونة في . النهائيالمنحوتة جانبا جماليا مكمال لشكلها

ين المنحوتات وقد يقوم بتلو. األصل، فال يضطر النحات إلضفاء اللون عليهاعمق المناطق المظللة وتزيد من "وهنا تحسن األلوان من. بالقابلة للون كالخش

وينم اختيار المادة على فكر النحات . )٢("بريق المقاطع التي تتعرض للضوءبالد المرئي والنوراني، "يانا روح حضارته، ففي بالد اإلغريقوتعكس أح

، وحيث كانت الثقافة مشمسة عاشقة للحياة )٣("حيث يمكن تأمل اإللهيوالرؤية، استخدم النحاتون مادة الرخام في منحوتاتهم ألنها تعطي درجة من

.٩١ -٩٠، صحوار الرؤية) ١(

٩١المرجع نفسه، ) ٢(

.١٤١حياة الصورة وموتها، ص) ٣(

- ٥٧ -

يس لها ل"فاألجسام الشفافة هي التي" ر من غيرهامتعلقة بالضوء أكثالشفافية النور ذاتي وال لون طبيعي، ولكن إذا قابلها جسم نير سرى نوره في جميع

والضوء إذا سرى في األجسام الشفافة حمل معه ألوان "،)١("أجزائها مرة واحدةى ال يختلط بعضها األجسام وأوصافها حمال روحانيا، وحفظها بهيئتها، حت

ام الشفافة لذلك ات األجس، ويحمل الرخام بعض صف)٢("د هيئتهاببعض، فيفسمح للضوء باالنعكاس فيبدو مضيئا براقا، مما يساعد على إبراز دقة يسد عليها النحات اإلغريقي في محاكاته تلك التي أك،تفصيالت في التمثالال

احات لتراها عين الناظر ضعها في السلألصل، فهو عندما نحت تماثيله و .ء الشمسوتكون على صلة بالضوء الطبيعي، ضو

وحين يزيد عشق حضارة ما للغيبيات فإنها تعبر عن معتقداتها في فنونها، وفي فن النحت المصري ظهرت معتقدات الفراعنة في منحوتاتهم، ووصلت إلى اختيارهم مادة الكتلة، فإيمانهم بالبعث والعودة إلى الحياة بعد

عروف عن هذه الموت جعلهم يختارون مادة الغرانيت في منحوتاتهم، والمالمادة أنها تمتاز بحبيبات حمراء تغلب على ألوانها وذراتها متجانسة فيزيائيا

تبدو قوية صلدة . وغير متجانسة ضوئيا، أي ال تعكس الضوء وال تشف عنهتميل إلى القتامة، لونها األحمر يبعث األمل في الحياة الخالدة والعودة من

.وضعوها في المعابد لترتاح في الظلفالفراعنة نحتوا تماثيلهم و. جديدوثمة عنصر أساسي آخر في النحت هو الخط ألنه يساعد على تشكيل

فإن .. يكون للشكل حافة حادة" الكتلة ويبرز جمالية الضوء والظل فيها فحيث. )٣("سطحه السفلي يقع في الظل بينما السطح المستوي العلوي يعكس الضوء

ية الخط في النحت متجلية في الخطوط وفي وسع المرء أن يالحظ جمال

.٤٣ص/ ٢/رسائل إخوان الصفا ) ١(

.٤٠٩المصدر نفسه، ص) ٢( ٩٢حوار الرؤية، ص) ٣(

- ٥٨ -

د المرأة، والخطوط الحادة في حافات سيف يحمله المنحنية في تكورات جس . مقاتل

يمكن التحكم به ليصبح "وقد يكون نسيج المادة المستعملة مهما ألنهوالحصول على نوعية النسيج يعود إلى . )١("جزءا حيويا من التصميم النهائي

.ت على المادة نفسـها بصقلها أو تلميعهااستعمال األدواوإذن فإن المادة والشكل والخط والنسـيج مفردات تشـكل لغة الكتلة التي اليمكن فهمها إال بالفضاء الذي يقترن النحت بوجوده وهو فراغ حقيقي

مفهوم الفراغ الرمزي وصورته عند النحات، - بأسلوب معاملته -يعكس وتتبين جماليتها، وضمن صلتها به تتناوب معه بنسب ومن خالله تبرز الكتلة

إن الشكل والفضاء " ،)فضاءاتها(متفاوتة يتحدد شـكلها وترتسـم فراغاتها عنصر "، والفراغ في النحت)٢("هما أكثر العناصر التشكيلية أهمية في النحت

دم حيزا يق، )٣("من الصعب توضيحه إال في حالة وجود شيء ذي أبعاد ثالثةإلى الكتلة ويتمثل في المسافات التي تفصل بين األشكال معبرا عن اإلحساس بالعالقة المكانية القائمة بينها، وال يتولد هذا اإلحساس إال بظالل الكتل الكائنة

ا ازداد تنويع وكلم. ة وأخرى الفراغضح المناطق المظللة، بين كتلبينها، إذ تو . تعقيداكال ازداد تكوين النحتاألش

يعمل النحات في أبعاد ثالثة وضمن فراغ حقيقي ال محدود ال يسعى ومن تناوب طرفي . إلى التخلص منه وإنما إلى تشكيل معادلة بينه وبين الكتلة

في النحت، المعادلة وتفاوت النسب بين الكتلة والفراغ تظهر ثالثة اتجاهاتوة فيغلب الجمود على م الكتلة الفراغ وتحضر بقفي االتجاه األول ترس

المنحوتة، ويمثل هذا االتجاه النحت المصري، وفي الثاني يحاول النحات

.٨٨ نفسه، صبق الساالمرجع) ١(

.٨٨المرجع نفسه، ص) ٢( .٨٧حوار الرؤية، ص) ٣(

- ٥٩ -

د هذا االتجاه النحت اإلغريقي، أما في التوازن بين الكتلة والفراغ ويجسإيجاد ومن . االتجاه الثالث فيرسم الفراغ الكتلة فتنساب لتغلب الحركة على المنحوتة

- ١٩٠١) ((Giacomettiالنحات الحديث جياكوميتي أهم ممثلي هذا االتجاه وبقي أن نذكر نوعا مميزا من أنواع النحت ويسمى بالنحت . )١ ()١٩٦٦وهو إذ يقوم على تشكيالت األضواء والظالل فألنه يشبه فن ) الريليف(الناتئ

التصوير في تجسيد الشخوص في سطح مستو يشبه سطح اللوحة، ويعتمد لف جود في الجهة الشمالية من معبد دل الريليف المواإليهام أيضا، مث

)Delphes (م والذي يمثل .ق٥٢٥)٢ (يصارعان العمالقة) أرتميس(و) أبولو(. وثمة عامل أساسي يدخل في أنواع النحت السابقة وهو السياق؛ فيندر وجوده في النحت المصري، ويمكن وجوده في النحت اإلغريقي، ويلزم

فعندما تغلب . ويتأثر بالنسبة بين الكتلة والفراغ. اتئوجوده في النحت النخرى تنتظم إلى جانبها لتشـكل الكتلة وتحضر بقوة ال تحتاج إلى كتل أ

تصال بغيرها من ياق، أما إذا غلب الفراغ وتنحت الكتلة فستحتاج عندئذ لالالسكال شففي النحت الناتئ تتعدد األ. ياق وتوضح المعنى المرادالكتل لتحقق الس

لتعامل معها اكيلية جديدة أمام النحات ربما ال يضطر إلى وتبرز عناصر تشبيه اليب التشفي أس" حيث يبدو موازيا للتصوير،في االتجاهين اآلخرين

كال ويطوعها ، ويلجأ النحات فيه إلى إيحاءات الظل، ويتحكم باألش)٣("والتنظيم إذ يقوم مبدأ النحت الناتئ على ،لوب يمكنها من خلق العمقلتستقبل الضوء بأس

خلق أشكال ذات أبعاد ثالثة تقوم من أو تقع في سطح مستو "مبدأ اإليهام في

ألبرتو جاكوميتي فنان سويسري معاصر ال يخضع (، ١٧٠نفسه، صالسابق المرجع ) ١(ألي نمط أسلوبي فرضته جماعة ما أو حضارة متسلطة، طور صورة الشكل اإلنساني

).١(لمثال رقم انظر ا) / الرمزية بما يرضي حاجاته التعبيرية والجمالية

.)٤(،)٣(،)٢(انظر األمثلة، رقم ) ٢(

.١٩٨حوار الرؤية ص) ٣(

- ٦٠ -

ويفرض موضوع المنحوتة على النحات األسلوب والتكوين، . )١(" بعدينذيفقد يتفرد عمله بكتلة وحيدة تنطلق نحو الفراغ فيصب عليها كل اهتمامه، وقد

توازيها أو تقل أو تزيد شأنا عنها لتحكي حادثة ما أو ترتبط بكتل أخرى .ترصد شعورا إنسانيا في لحظة ألم أو فرح أو لقاء

افات الفراغ؛ فيقوم الظل بتوضيح المسوتؤثر آلية الضوء والظل فيالفراغية بين الكتل، ويضفي الحركة واإلحساس بالعمق على العمل النحتي،

كشف عن خصائصها، ويدفعها إلنتاج الظل الذي ويسقط الضوء على الكتلة فيفتتقلب جمالية المنحوتة بين سطوع . يتساقط بدوره على الفراغ المحيط

. وخفوت في الضوء، وبين تكاثف وتالش في الظاللبد من اإلشارة إلى صعوبة التعامل مع الضوء في فن النحت وال

أنجز نحتا بارزا أو غائرا أو يواجه النحات في عمله عدوا رئيسيا سواء "إذفإذا زاد مقدار الضوء المنعكس .. كامل االستدارة، وهذا العدو هو الضوء،

على المنحوتة من أسفل فستظهر بروزات مبالغ فيها ويتضح ذلك بشكل خاص في النحت البارز، حيث يؤثر اتجاه الضوء وشدته تأثيرا كبيرا على

وبة في التعرف إلى العمل وبناء حكم العمل وقد يؤدي ذلك إلى خلق صعولكل اتجاه من االتجاهات الثالثة السابقة . )٢("عليه، وتتضارب حوله اآلراء

أسـلوب خاص في إبراز الضوء والظل، ولعل أول ما يدهش الناظر إلى غ الذي ال األهرامات المصرية عظمة الكتلة وضخامتها إلى حد انعدام الفرا

. الفاصلة بين األهرامات الثالثة، التي يصل بينها الظلافة يظهر إال في المسوكأن دور الفراغ هنا ثانوي وجد لتوضيح أحجام الكتل الثالث وإبراز التباين

ويتقلب الفراغ بين الوجود والعدم ويختلف اإلحساس بالعالقات الفراغية . بينهاجموعة من حين يشاهد المرء هذه الم".بين الكتل باختالف زاوية النظر إليها

.١٩٨ نفسه، ص السابقالمرجع) ١( .٨٣نظرية التصوير، ص) ٢(

- ٦١ -

مة من الجانب فباستطاعته اإلحساس بالعالقة الفضائية القائمة كال المجساألشافة قريبة ليها من مس أما إذا نظر إ)١("بينها والناجمة عن ارتفاعاتها المتباينة

ويصبح للهرم الواحد . فينعدم إحساسه بالفراغ لسيطرة الكتلة على ناظريهوقد تكمن هنا رؤية جمالية جديدة وجود يختلف عن وجوده ضمن مجموعة،

.لهذا العمل الذي أضحى لغزا محيرا على مر العصورياق في النحت المصري في أعمال نحتية مختلفة عن يظهر الس

قوة الكتلة وارتباطها الواضح مع - في الوقت نفسه -األهرامات، فيؤكد المتميز للكتلة يعود غيرها ارتباطا يبدوان فيه كتلة واحدة، ولعل هذا الحضور

إلى الشعور المتفرد لدى اإلنسان المصري؛ فالفرعون هو صورة اإلله على األرض، وهو الموضوع المسـيطر على فن النحت المصري، وإن وجد في سـياق فسـتكون الكتل المنتظمة معه موازية له أو أصغر حجما بحيث

.تظهر مكانته السـامية

".نحت مصري" "ملكتهميسيرنيوس و" تحليل منحوتةا إلى والتي يرجع تاريخه" (وس وملكتـهالملك ميسيرني" تؤكد منحوتة

صين واقفين بشموخ، خ الفكرة السابقة، إذ تمثل ش)٢ (.)م. ق٢٥٢٥حوالي مان بالجمود، الملك ينتصب واقفا ويداه على الجانبين وكفاه مغلقتان، أما يتس

حيطة بخصره بينما تغفو يدها نى المالملكة فتقف إلى جانبه تضمه بيدها اليمرى على ذراعه اليسرى وكأنهما كتلة واحدة نحتها النحات ليصنع منها اليس

باستثناء الفجوات الصغيرة بين - تمثالين، والفراغات معدومة بين الجسدين وتبدو الملكة محتضنة زوجها، وعادة يعطي االحتضان -الرأسين واألرجل

نينة، غير أن هذا الشعور ينعدم بين الزوجين، إذ تبدو شعورا بالدفء والطمأ

.٨٧حوار الرؤية، ص) ١(

.)١(انظر المنحوتة رقم ) ٢(

- ٦٢ -

جسديا الملكة وكأنها تنفذ تقليدا من تقاليد البالط، فيظهر التمثاالن ملتصقينيا وشعوريا، وهنا البد من اإلشـارة إلى أن تراص الكتل ال ومنفصلين نفس

راصة في يعني توحدها، فتالشي الفراغ ال يثبت وحدة الكتل التي تبدو مت . الشكل ومنفصلة في الروح والمضمون

- في كال الوجهين - دين؛ فالعينانود الجمود تفصيالت الجسيسجامدتان تحدقان إلى األمام نحو الغامض البعيد المنتظر، والشـفتان مطبقتان

الرجل اليسرى تتقدم بخطوة أمام الرجل اليمنى عند . تفتقدان إلى االبتسامةكأنها تبدأ السير في درب االنتقال إلى مكان آخر، وجسد الملك والملكة، و

الرجل ينبض قوة وتبرز المعالم الرجولية في الكتفين والعضالت، أما جسد المرأة فتمسحه المعالم األنثوية بهدوء يتجلى في تكور الثديين فحسب، إذ تنعدم

فين االلتواءات والخطوط المنحنية فتغلب الخطوط المتوازية راسمة الكتواألرداف لتجعل الجسـد األنثوي مفتقدا للحركة االنسيابية التي تبرز بوضوح في أغلب المنحوتات اإلغريقية التي تقدس الجسد وتظهر أدق

ن الكف، إذ ينحت جسد المرأة تفصيالته، حتى في الخطوط والتجاعيد في باط .لة تماثل تكوراته في األصة بخطوط منحنية وملتوياإلغريقي

الغرب اإلغريق هم الذين ابتكروا المعرفة وكذلك البسمة في"فـوتغلب القتامة على . )١(")سمة وزوجاتهم ال أرداف لهنفالفراعنة لم يعرفوا الب(

ويتوزع الضوء في الحافات الحادة ) الملك ميسيرنيوس وملكته(منحوتة لسفلي المتمثلة في غطاء رأس الملك ويديه وقدميه وردائه الذي يغمر الجزء ا

عبد اهللا السيد أن تماثيل ماري في . يرى النحات د(، ١٣٥حياة الصورة وموتها، ص) ١(أسبق من اإلغريق في التعبير باالبتسامة عن الرضى ) م. ق١٥٠٠(رية سو

وذلك ناتج عن االهتمام بالعضلة الضاحكة، بعكس التماثيل . واالطمئنان الداخليالسيد . من مقابلة شخصية مع د/ م . ق١٠٠٠ – ١٤٠٠اآلرامية، في مملكة جوزانا

. ٢٤/١١/٢٠٠٥في كلية الفنون الجميلة، يوم الخميس الموافق

- ٦٣ -

من جسده، ويتكاثف ويسطع قليال في تكورات جسد الملكة، فيسقط على أجزائه ليعكس ظالال عميقة تبرز التكور، وتجعل المناطق المظللة في أسفله

.أكثر عمقا وتقعرا والمناطق المسطحة في أعاله أكثر تحدبا وسطوعانوثة وتقترب تضج األ) المضيئة والمظللة(ومن التباين بين المنطقتين

ويبدو اتجاه الضوء الساقط على التمثالين آتيا من أعلى الزاوية . من األصلسقط الضوء على كتلة النحت، "اليسرى مما أدى إلى توضيح معالمهما، فإذا

وتشتد الظالل على الجسدين ) ١("من أسفل، فستبدو المنحوتة غريبة شائهةما، بينما تتجمد الكتلة وتميل إلى وتتالشى في المسافات الفراغية الصغيرة بينه

في الفترة التي نحت فيها )٢("السكون لتوافق طبيعة المجتمع السكونيةالتمثاالن؛ حتى إن فكرة الحياة الخالدة بعد الموت التي كانت تؤلف عنصرا مهما في الديانة المصرية برز تأثيرها في المنحوتة متمثال في العينين

المتقدمة خطوة - في كال التمثالين -ود، والقدم اليسرى الناظرتين إلى الخلائد عن عبثية الحياة الواقعية، وانتظار الخلود ف الجمود السوقد يش. إلى األمام

في الحياة الثانية، ويتأكد في استناد ظهر المنحوتة إلى الحائط، وكأن النحات . رنا إلى الحياة الفانيةإن الحياة الخالدة أمامنا، فدعونا ندير ظهو: أراد القول

يراد دائما للتمثال المصري أن يرى من األمام، وهو تضريس سطح " لقد كانظر الدوران ويخالف المنحوتة اإلغريقية التي يستطيع النا)٣("مستو متباين

كال فنيا يبدأ بكثير طور اإلغريق ش" وقد. ة االتجاهاتحولها ورؤيتها من كافري السكونية، ولكنه خالل خمسة قرون، تطور إلى مات النحت المصمن س

" أبولو" ولنا أن نشير إلى تمثال. )٤("فن يهتم بالحركة والتعبير عن العاطفة

.٩٢نظرية التصوير، ص) ١(

.٢٠٧حوار الرؤية ص) ٢( .٤٠٥، ص١تدهور الحضارة الغربية، جـ) ٣(

.٢٠٧حوار الرؤية، ص) ٤(

- ٦٤ -

والذي يبدو مطابقا للمنحوتة ) م. ق٦٠٠الذي يرجع إلى حوالي (اإلغريقي .)١(السابقة في أغلب أجزائها

لنحت المصري امتاز النحت اإلغريقي باهتمامه بنواح أهملها ا خصوصا في تشكيله للجسد البشري، فحتى يومنا هذا ما يزال موضوع

تمرا مس)٢("الجسد البشري العاري بوصفه أنبل وأعرق موضوع لفن النحت" التمثال هذا، فن الجسد - فن " يتناوله النحاتون ويتحدثون عنـه، غير أن

لمتماثلة، ع جوانبه االعاري الواقف طليقا على موطئ قدميه والمدرك من جمييكي، والكالسيكي وحده، وذلك ألن تلك الحضارة قد وجد في الفن الكالس

كانت هي وحدها التي رفضت رفضا باتا جازما أن تتخطى حدود الحس إلى .)٣("الفراغ

والحضارة اإلغريقية الكالسيكية لم تهرب من الفراغ وإنما حاولت والفراغ في فن النحت اإلغريقي حوار حواره فنجحت، إن الحوار بين الكتلة

ويتمثل هذا الحوار في منحوتة. اهوع مزايعميق، تكثر مفرداته وتتن فهما منحوتتان )٤(Coysevoxو ڤ لـ كواز"فينوس" ومنحوتة" الووكون"

.ة كلهاات والقضايا الجماليتجمعان المتناقض

).٥(انظر المثال رقم ) ١( .٤٠٥، ص ١تدهور الحضارة الغربية،ج) ٢(

. ٤٠٥تدهور الحضارة الغربية، ص ) ٣( وقد قام بنحت معظم التماثيل ١٧٢٠ وتوفي سنة١٦٤٠ عام Coysevox وڤ كوازولد) ٤(

في ٤١٦ ص-١انظر تدهور الحضارة الغربية ج(والزخارف الموجودة في فرساي ).الحاشية

- ٦٥ -

Coysevox" فينوس" ومنحوتة" الووكون" تحليل منحوتةالتي أنجزت في « )١()الووكون(تطاعة الناظر إلى منحوتة لعل باس

ويشعر باأللم يقطر من أن يسمع حشرجة الووكون،»القرن األول قبل الميالدده الذي يبدو أكثر التواء من أجساد الثعابين المنقضة عليه وعلى وجهه وجس

: يةوتغمر الحركة الكتل النحتية، ويتحدث السياق عن ثالث كتل أساس. ولديهويبدأ الرسم التفصيلي . في الوسط، وولداه على جانبيه) الووكون(األب

يلوي القسم العلوي من الجذع " الذي) الووكون(للمنحوتة بالشكل الوسطي بعيدا عن اتجاه الساقين، الرأس منحن إلى الخلف في محاولة لإليحاء

ستوى األرض، ، المقصودة والمؤكدة في طريقة لمس القدمين لم)٢("بالحركةبسطحية وجمود، بل انحنيا عند أطراف األصابع كأنهما قد " وقدماه لم توضعا

جمدتا في حركتهما، وعضالت القامة برزت كأنها تعاني من تجربة فالعظام تموج والدماء تغلي في الجسد المتألم، ووجه الووكون ،)٣("عاطفية

ة، من األلم إلى يلخص آالم البشرية جمعاء حين ينزل عليها غضب اآللهان طالبتين ماء تتضرععيناه تنظران إلى الس. الرجاء، ومن الندم إلى الدهشة

الرحمة للخالص من الهالك الوشيك، يشوبهما حزن عميق واستسالم لمشيئة وتجهد يده اليسرى بإبعاد الثعبان . شفتاه ترتجفان فيموت الكالم بينهما. القدر

.ع إلى أعلى لتنضم إلى حكاية األلمالمنقض عليه، أما اليمنى فترتفعن مضمونها الصاخب بالحزن ) الووكون(وقد شفت الكتلة التي أبرزت

واأللم، واستطاعت أن تنسجم مع الكتل المتبقية برابط تمثله الثعابين التي

الووكون كاهن طروادي شك في الحصان الخشبي ونبه قومه، فأرسلت اإللهة أثينا )١(المنحوتة انظر ./ بثعابين هائلة من البحر، انقضت على الكاهن وولديه ومزقتهم إربا

: وهي نسخة رومانية عن األصل اإلغريقي قام بها ثالثة نحاتين هم). (٢(رقم . )يساندر، أتينادور، بوليدورغأ

.٢٠٨حوار الرؤية، ص) ٢( .٢٠٨المرجع نفسه، ص) ٣(

٥ م -الضوء والظل

- ٦٦ -

وبدت الثعابين . ضمت شخوص المنحوتة وصهرتها في وعاء الموت المنتظر وحيدا أخرج رأسه منقضا على خاصرة الووكون مخفية رؤوسها إال ثعبانا

ليجعله صاحب األلم األول وليصرخ صرخة صادقة قوية قوة الفجر األول في . إلى ولديه- عن طريق الثعابين -الوجود، ومن ثم يقوم بنقل عذاباته ار الووكون عبثا التخلص من الموت بإبعاد يحاول االبن األول على يس

دمه، لكن الثعبان يجره إلى أبيه، وهو يشكل بابتعاده مسافة ذيل الثعبان عن قافة الفاصلة بين الووكون وابنه مقارنة بالمس-ه ه وبين أبي بين-فراغية كبيرة

وإذا عددنا المنحوتة كتال مترابطة فإن مركز ثقلها ومحورها سيكون . الثاني الكتل المنظومة يقتضي وضعولعل تحقيق التوازن في هذه). الووكون(

ويبدو أن الثقل يزداد في الجانب األيمن فثمة . اوية األحجام على الجانبينالمتس - كأن اآللهة جالسة تراقب-ما يجذب الووكون وابنه الثاني نحو اليمين

. بينما يخف الثقل في الجانب األيسر عن االبن األول الذي يحاول الفرار ثقل وزنا قريبة من المحوروحتى يتحقق التوازن يجب أن تكون الكتلة األ

وهذا ما فعله النحات ليخلق . والكتلة األخف وزنا بعيدة عنه) مركز الثقل(وهو عند . لمنحوتةإيقاعات بصرية تجعل العين مرتاحة في لحظة النظر إلى ا

طي لم يهمل بقية الكتل، لذا حمل االبن الثاني الثعبان تركيزه على الشكل الوسفقيد حركته، إذ ضمت يده اليسرى الثعبان فبدا متمسكا به ووضعه على كتفيه

. بدال من التخلص منه، واقترب اقترابا شديدا من المركز إلى حد االلتصاق بهفتقلص الفراغ بين الكتلتين، وازداد بين الووكون وابنه األول الذي بدا حمله

به جالس ون شويظهر الووك. سبب قلة التفافات الثعبان على جسدهخفيفا بعلى درج حجري يجاوره ابنه الثاني الذي يوشك على السقوط لوال ) متكئا(

.التقاط الثعبان له وضمه إلى أبيه تشكيلية جديدة تضفي مسحة اوية تظهر كتلةفي هذه الملحمة المأس

دل على ثة والمنساب بين الثالمقدسة على المجموعة، وتتمثل في الوشاح المنس

- ٦٧ -

في تموجاته العفوية وانثناءاته التي أصر النحات على د على حدةكل جس .د العاري يغفل عن االهتمام بتفصيالت الجسوهو مع كل ذلك لم. إظهارها

من أعلى ) ثالفي لحظة التقاط الصورة الفوتوغرافية للتم(ويأتي الضوء ه على ابنه الملتصق به لعاري ليعكسد الووكون االزاوية اليمنى ويستقبله جس

لبعيد، إذ تبدو ظالل ي عند االبن الى أجزاء المنحوتة ويبدأ بالتالش يتناثر عثم في تلك -وكأن المصور الضوئي ومثله النحات . اثفة عندهالمعركة متك

فال قيمة لما " ب موضوع العملدا إلى اختيار اتجاه الضوء ليناس عم-اللحظة لنفس الضوء الذي أنتج اقط عليه مطابقاات إذا لم يكن الضوء السأنتجه النح

ويأتي الضوء من الزاوية التي ينجذب نحوها الووكون . )١("خالله العمل الفنيوالضوء في فن النحت حقيقي تهبه الطبيعة للنحات، لكنه في هذه . وابنه

ل من خال–المنحوتة، على الرغم من واقعيته في رصد األلم، غدا رمزيا أضاء الشخصيات فبدأ من ، اآللهةكن يتحدث عن مس- الصورة الضوئية

.ثم انتقل إلى ابنه الثاني فاألول كل حسب أهميته للموضوع) الووكون(ال المنحوتة، فأعطت تموجات للوشاح، وانغمست كرسمت ظالل الكتل أش

ألجساد تكافأت مع الضوء في إبراز أجزاء ا. ت عند حوافهفي ثناياه، وتالشتدت في ألجزاء المسطحة وسادت عليه واش اطوع علىالعارية، فسمحت له بالس

يمات فع عظام الصدر إلى البروز في تقسالتموجات المقعرة فإذا بها خطوط تدولم تكتف بتشكيل الجسد وإنما انتقلت إلى . إلى حد المطابقةتقترب من األصل

م الروح، فتخبطت في وجه الووكون وتقلبت بين العينين والشفتين مضفية رسعذاب واأللم عليهما، سامحة للضوء بمنح العينين اللهيب، لهيب الجمرة ألوان ال

.في لحظة إطالق نظرته األخيرة) الووكون(قبيل االنطفاء، إنه أما الثعابين فبدت سالسل ضوئية مرسلة من اآللهة، جسدها المسطح

به تموجات مضيئة بدت الطريق للضوء فانعكس عليه وأكسحالمنساب أفس

.٨٣نظرية التصوير، ص) ١(

- ٦٨ -

. رية وازدادت إضاءة في تقييدها لهااكن مالمستها لألجساد البشواضحة في أمومالت إلى الظل عند مرورها بالوشاح، وفي النهاية استكانت تحت الظل

.فل المنحوتةأسلم هة وتستستصرخ اآللمن الضوء والظل ترانيم األلم، تسوانبعثت

كاء، فبين وجع وب. للقدر، تموج وتضطرب في إيقاع صاخب وتضج بالحركة. انيةكانت تقلبات النفس اإلنس.. وعقابوندم وألم، وقوة وضعف، وتمرد

تخبر الناظر إليها بأن المرء ليس إال ورقة خريف ) الووكون(منحوتة .تتالعب بها يد األقدار

ذا العمل يختلف عنده مفهوم من المؤكد أن النحات الذي صنع ه"ولفنان الذي كان يعمل قبله بخمسة م الذي يعيش فيه عن مفهوم ااإلنسان والعال

. وغيره"أبولو" والذي أنجز تماثيله على نمط)١("قرونرحية، لكن قد في مأساة مس"الووكون"طورةلقد كتب سوفوكليس أس"

هذه خالية تماما من أي رحية سوفوكليس ن باستطاعتنا أن نتأكد من أن مسيكوه تجسيد العذاب اإلنساني تطاع النحات بإزميله ومطرقت فهل اس)٢("يعذاب نفس

!أكثر من الشاعر بكلماته؟هوة والجمال تماثل منحوتة حوتة أخرى نظمت بأدوات الحب والشثمة من

د، وفي شفافية الكتلة وقوة الفراغ، وهي في حوار النفس مع الجس) الووكون(لفاتيكان، التي نحتها عن النموذج األصلي في ا)٣(وڤ كوازللنحات" فينوس"منحوتة

اح جلس القرفصاء، ويلف أجزاء منه وشد أنثوي يلمنحوتة ليست مجرد جساوإنما هي امرأة كل ما فيها ينبض بالحياة بكل تناقضاتها، هي الهادئة . حجري

.٢٠٨حوار الرؤية ص) ١( .٢٥٣، ص١تدهور الحضارة الغربية، جـ) ٢(

وضعية أمامية ووضعية (فينوس في ثالث وضعيات ). ٥) (٤) (٣(حوتات انظر المن) ٣( )جانبية ووضعية خلفية

- ٦٩ -

المتوحشة، والمشتهاة المقدسة، وهي امرأة لها عالقة بالتقمص، تتقمص كل نساء الغموض إلى اته، يدفعه العالم وتقدم للناظر إليها حرية االختيار فتتكشف رغب

ب رغبته، يرى اء من جسدها أو يعري األخرى، حسو أجزاالندفاع نحوها، فيكسها الجميل على أهبة وتبدو له أنثى مستيقظة من نعاسفيها الطهر والمجون معا

قط ثوبها الحجري أرضا وتصبح نثوي األخير، في لحظة ما قد تسالتبرعم األوفينوس ليست قضية كتلة وفراغ . تمتنع لتبقى إلهةامرأة، وفي لحظة أخرى قد

ف عن أنوثتها في أدق تفصيالت ب، إنها قضية ضوء وظل، ضوء يشفحسم ارتفاعاته وانخفاضاته بخطوط منحنية، جسدها العاري، يصقل تكوراته ويرس

لجمال تاركة للضوء وال تأتي الظالل إال لتمنحها السكينة وتجعلها إلهة الحب وااحها وشعرها لتصبح حقيقية عن الرغبة، تشتد الظالل عند وشفوالكشالشهوة

تلة المضيئة تلتف وتتداخل عند وشاحها ورمزية في آن معا، حقيقية ناتجة عن الكومة بالظالل ينوس ممسكة بيدها اليمنى خصالت شعرها المرسعرها؛ فتبدو فوش

اعدها فاؤه، وتس وبيدها اليسرى طرف الوشاح لتستر به ما يجب إخالمتموجة هذا اإلخفاء، فترسم ثنايا ية في أخرى فيظالل القاتمة في أماكن والمتالشال

اح الحجري وتجعله يلتف بانثناءات حقيقية، وهي تذكرنا في هذه اللحظة الوشالتخفي والحجب، بمتجردة النابغة الذبياني، وتكمن الظالل الرمزية في نصف

.)١( ليحجب الرؤية اح فيزداد قتامةتخفي ما تحت الوش لكن هنا في هذا "فينوس"موضوعها)٢(ثمة منحوتات عديدة لنحاتين كثر

، وعناصره التشكيلية المستخدمة، Coysevox وڤ كوز يبرز أسلوب"التمثال"

وقد عبرت الروائية أحالم مستغانمي خير تعبير عن فينوس في روايتها عابر سرير ) ١(لكن وحدها فينوس تعطيك اإلحساس أن الجمال كما الحب والبهجة، ":حين قالت

قد تكون عند قدميك، إن توقفت عن الركض قليال، كانزالق ثوبها الحجري، أشياء انظر مستغانمي، أحالم،عابر سرير، منشورات أحالم مستغانمي، ". (وتأملت الحياة

).١٠٠ ص م، ٢٠٠٣ لبنان، الطبعة الثانية، بيروت، )٦(كمنحوتة فينوس لميلو، انظر المثال رقم ) ٢(

- ٧٠ -

الفراغ، كلها إلىفقد تجاوزت الكتلة ش. قه للجمالاسه الرفيع وعشوإحس . فافاوعكس المرمر الضوء فأضفى عليها بريقا ش

أ فراغ على الكتلة وتحوله إلى ريشة ترسم العمل الفني، ينشة الومن غلبالذي ال يمكن إدراكه إال بمقارنته مع فن التصوير، ألنه ) الريليف(النحت الناتئ

غير أن الفرق بينهما يكمن في الضوء والظل؛ ،فن يجمع النحت والتصويرظل في اللوحة بينما يعمد ء والكيالت الضومصور يرسم بالخطوط واأللوان تشفال

على عمله )١("لطة بالظالل واألضواء المس"مالرس" إلى– في الريليف - اتالنح .)٢("ياء المرئيةمثلما تساعد كافة األش"اعده الطبيعة في إنجازهالفني الذي تس

الشكل والحيز المساحي في فن التصويروالفراغ في فن النحت وعند االنتقال إلى فن التصوير نجد أن الكتلة

يقابلها الشكل والحيز المساحي في فن التصوير، وإن كان المفهوم مشتركا بينهما؛ إذ يفرض فن التصوير تنوعا في األشكال يضاهي تنوع الكتل في فن النحت، فإذا كانت أدوات النحات اإلزميل والمطرقة، ومادته كتلة محسوسة

هبه الطبيعة الضوء المناسب لتشكيل عمله صلدة يتحكم فيها بمهارة يديه، إذ تالفني، فإن المصور يقف أمام قطعة قماش حامال بإحدى يديه ملونة وباألخرى ريشة محاوال إسقاط عالمه المتخيل الالمحدود على مساحة فراغية محدودة، وال مالذ له سوى الخطوط واأللوان واألشكال يجسدها لتأتي مماثلة للصورة

يلة في ذهنه، والمستمدة من عالمه المتخيل، والتي قد تطابق األصل المتخ . أخرىيحكي عنها ضوء أو لون أحيانا. أو تكون فكرة مجردة ،أحيانا

لكل "وقد تبدو نظرية أفالطون في المثل محاولة للتفسير والتقييم، إذ أنيبدو من جاء ذلك الشيء على غراره، وإن الشيء المعين شيء في الدنيا مثاال

.١٩٩حوار الرؤية، ص) ١( .٨٣نظرية التصوير، ص) ٢(

- ٧١ -

الكمال أو يبعد عنه بمقدار ما بينه وبين مثاله من شبه، وإن مجموعة المثل قائمة في النفس اإلنسانية منذ انطبعت عليها أيام كانت النفس اإلنسانية تحيا في عالم

قد يفسر أفالطون هنا تعدد أشكال .)١("المثل قبل أن تتصل بجسدها وتمتزج به تختار الروح جسدها تختار الكتلة شكلها، وتتنوع الكتلة ووحدة مثلها، فمثلما

األشكال عند المصور لتوافق صورة مثاله، وبقدر ما ترهف لديه المحاكاة يغدو ية األصل أو مبتعدة قادرا على التعبير واإلبداع، فإن شاء جاءت صوره محاك

هو ظل الشكل الحقيقي في عالم المثل، - في المحاكاة -ده واألصل عن. عنهوبناء عليه تغدو الشجرة المرسومة في لوحته ظل الظل إن قام بنقلها عن شجرة

-كمثال عقلي - ماثلة أمامه في الطبيعة أو مشابهة لها كامنة في ذهنه متشكلةمن مجموعة أشجار رآها في حياته الدنيوية الطبيعية، إذ يصادف الموجودات

ارتسمت صورتها ذه الجزئيات،وكلما صادفته جزئية من ه" بأشكالها وتفصيالتهاوهكذا )٢("في ذهنه مماثلة النطباعها الحسي الذي وقع على الحاسة المدركة له

حتى يرسم الصورة المثلى لها فإن لم تطابق صورتها في الواقع وأتت ناقصة في جانب من جوانبها، فإنه يكملها في خياله حتى يصل إلى صورة معينة قد توافق

يسجل مظاهر عالمه ومفرداته التي تحمل له معاني كالطفل،" فالفنان. األصلمعينة، ومن ثم يضع العناصر المدركة المتفردة معا لتؤلف تمثيال كامال لتجربة

ويحاكيها في لوحته، أو قد يبتعد عن المحاكاة التمثيلية ويجرد صوره فيقوم )٣("مايالت األوراق واألغصان برسم بقعة خضراء امتدت منها بقعة بنية،غير آبه بتفص

ال يمكن القول إن - في هذه الحال - المكونة للشجرة، والموحية بوجودها، وهناتلك البقع اللونية ليست شجرة، ألن المصور قد حاكى لكن محاكاته جاءت لرؤية

: محمد مصطفى بدوي، مراجعة وتصدير. د: سانتيانا، جورج، اإلحساس بالجمال، تر) ١(. من مقدمة د( بال تاريخ، - القاهرة– زكي نجيب محمود، مكتبة األنجلو المصرية. د

٢٢ص) زكي نجيب محمود

.٢٢اإلحساس بالجمال، ص ) ٢( ٦٥حوار الرؤية، ص ) ٣(

- ٧٢ -

إنه يرى الشجرة في هذه الصورة ويرغب في التعبير . عقلية مجردة في ذهنهوان، فهل يمكن للمتلقي إدراكها في لوحته؟ قد يحدث عن وجودها عن طريق األل

األولى إذا جاءت صورتها في اللوحة مطابقة : اإلدراك في إحدى الحالتينلصورتها في ذهن المتلقي، وال يمكن لهذه المطابقة أن تتم إال باشتراك كل منهما

فاهيم في الرؤيا الناجمة عن تماثل البيئة والثقافات والتكوين االجتماعي والم وهذا يندر حدوثه لحتمية ظهور فروقات بينهما، أما الحالة الثانية -اإلنسانية

وهنا يظهر دور التنويع في . فتأتي من وضع بقعة اللون في سياق يكشف ماهيتهافن التصوير في األشكال والخطوط واأللوان التي تعد عالمات لها دالالت تختلف

سمت إن ر) البقعة - الشجرة(ألن . ةاللوح توزعها ومواضعها في فراغ باختالفإلى جانب بقعة أخرى زرقاء مائلة إلى االخضرار موحية بالبحيرة، وامتأل الفراغ خلفها باللون األزرق الموحي بالسماء ومن ثم أخذ اللون حيزا مساحيا في

ة اللوحة عندئذ سيتحدث السياق عن منظر طبيعي تعبر عنه األلوان ويكون للشجرضمن مفرداتهحضور مهم .

لعل للمادة المستخدمة في رسم األشكال أثرا في فن التصوير يفوق أثر ومادة الكتلة في فن النحت، فالنحات يختار المادة حسب موضوعه ويظهر أثرها

أما . في أسلوب تشكيلها ومدى مالءمتها النعكاس الضوء وتشكل الظاللومن ثم ...) الخط النسيج اللوني، ن ونوعيته،اللو( المصور فتتعدد لديه المواد

في فراغ تشكيل األشكال من خالل تلك المواد وتوزيعها تتعدد أساليبه في أثناء - الشكل(اللوحة، وهذا قد يفسر تعدد مدارس فن التصوير إذ تلعب معادلة

دورا من أدوار التعدد، فيسمى أسلوب المصور في التعامل مع ) الحيز المساحياده وعناصره التشكيلية بالتكوين الذي يميز مدرسة من أخرى، وقد يلجأ مو

لوحته المصور إلى جمع عدة تكوينات بأخذها من عدة مدارس وتطبيقها في )١()موت ساردانابال(كما فعل دوالكروا في تنوعات التكوين في لوحته

قياسها ١٨٢٧ موجودة في متحف اللوفر صالون اللوحة-) ٧(انظر المثال رقم ) ١(٤٩٥ / ٣٩٥.

- ٧٣ -

تمي زمنيا إن دوالكروا الذي ين. لكل إمكانيات الحركة والخطوط" واستثمارهكان يرفض . رنسا والعالمإلى المدرسة الرومانسية ويعد من أهم ممثليها في ف

أو أية مدرسة فنية شأنه شأن الرومانسيين وهذا )١(" بأي تيار جماليأن يربطما سنراه مفصال في دراسة التكوين في الحركة والسكون والوقوف عند لوحة

.من لوحات دوالكروا ة الضوء والظل في كل ن اإلشارة إلى اختالف أثر معادلمومع ذلك البد

مدرسة أو أسلوب أو اتجاه، فمن خاللهما يتميز التكوين واللون واإليقاع ألن ودرجات لونية وتتالعب بجميع ) Tones( "تونات" تقلبات الضوء والظل تنسابة فإن جاءت أشكال اللوحة شخوصا بشرية موجود العناصر التشكيلية األخرى،

في مكان ما، وموزعة في فراغ اللوحة الجمالي توزعا يراعي نسب المنظور ألشكال ثانوية ) البعد الثالث(لتأخذ المستويين األول والثاني وتترك العمق

، وفي هذا النوع من فن ةتكملها وتتحدث عنها من بعيد، كانت اللوحة كالسيكي يشبه إيقاع الموسيقا العسكرية، التصوير يندفع اإليقاع منتظما مرتبا في نغماته

ممتزجة وإن أصبحت األشكال ألوانا وبقعا متناثرة هنا وهناك، متالشية الحدود،الصدق في التعبير مع الموضوعات التي تتفاعل مع الهواء "بصريا، مظهرة

ا أو تناقضها، كنا أمام لوحة من خالل تكامل األلوان أو تجاوره )٢("والشمسوبدت إذا تحولت األشكال إلى رموز وانتظمت في أحياز،أما. انطباعية

وأشكال معدومة الجاذبية متالشية الروابط كأنها أشكال تسبح في السماء،تلتصق باألرض وفراغ يطغى ويتحكم ليشكل أحجاما حقيقية في أشكالها ورمزية بعيدة عن الواقع في سياقها، حين تصبح أشالء بال هوية وأعضاء بدنية

البحث عن الظواهر غير " اثرة بال وحدة نفسية جامعة همها الوحيد يكمن فيمتن

١٩قراءة في لوحة موت ساردانابال ألوجين دوالكروا، ص ) ١(بهنسي، عفيف، اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة، وزارة الثقافة واإلرشاد القومي، ) ٢(

١٧ ص –) ١(السلسلة الفنية

- ٧٤ -

وحين ال يتسع السياق وال اللوحة لرغبات المصور في )١("الشعورية للنفسالتعبير عن عوالمه وهواجسه الالشعورية حينها سيدرك الناظر، إلى كل ما

رية بانسجام حينا سبق، أنه يقف أمام لوحة سريالية تتسارع إحساساتها البص من خالل )٢("منطق العبث" وبتناقض وانزياح عن المألوف أحيانا أخرى لتلخص

اعتبروا " - تأثرا بفرويد- فالسرياليون.)٣("غموض الخيال وسحر الحلم البعيد" ).٤("أنفسهم آالت مسجلة لصوت الالشعور

ويحللها وقد يدخل المصور بمنطق التحليل إلى لوحته فيجزئ األشياء، وفق األشكال الهندسية ويكشف مفاصلها، ويعرض كل وجوهها دفعة واحدة،

برؤية كلية تتجاوز نقطة النظر الواحدة، فينعكس كل ذلك على اللوحة أشكاال هندسية متراكبة، حينئذ سنكون أمام المدرسة التكعيبية بكل ما تحمله من

ات نظر مضاعفة وتعامل تناقضات منتظمة وتعقيدات وتحوالت شكلية ووجهأهمل التكعيبيون اللون والصيغ " إذ. هندسي مع مساحات فراغية تفتقد للعفوية

.)٥("الجمالية واهتموا فقط بالبناء الهندسيتعد العناصر التشكيلية في فن التصوير مفردات يستخدمها المصور في

د، وتوزيع بناء عمله الفني وفي خلقه األشكال، وفي تحكمه بالفراغ المحدو بين اللون والخط - في حالة ما - تلك األشكال في أحياز اللوحة، وقد يجمع

وفي حالة أخرى قد يخلق انسجاما بين العناصر نفسها في لينتج صورة ما،فكل عنصر يحمل معاني تشكيلية . أسلوب مختلف فينتج صورة مختلفة

لتكوين؛ فحين وتعبيرية وجمالية، يهدف المصور إلى إبرازه عن طريق ا

.٩٣ ص- اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة) ١( .٩٣المرجع نفسه، ص) ٢( .٩٣المرجع نفسه، ص ) ٣( .٩٣المرجع نفسه، ص) ٤(

.٥٦المرجع نفسه، ص) ٥(

- ٧٥ -

يرسم المصور ويلون ويمزج الخطوط ويقرن األشكال بغيرها، فإنه يسعى إلى الوحدة من خالل التنويع في الفراغ، والوحدة هي الكتلة الضمنية الواحدة

يقرأ المتلقي مفرداتها في زاوية ما، أو في لون ما، أو قد تكون النهائية لعمله،ظالل أشكالها، والحق أن هذه الوحدة في في بؤرة الضوء في اللوحة أو في

تنويع العناصر تميز فن التصوير من غيره من الفنون، وتضفي التعدد على تشترك جميعها في - على الرغم من التعدد - أنواعه ومدارسه، غير أنها

وعن طريق هذين العنصرين فضال عن اللون ) المساحي الشكل والحيز(ا الضوء والظل فيعدان أهم تلك العناصر في والخط ينجز المصور عمله، أم

إنشاء البعد الثالث الذي يلجأ إليه المصور ليقدم لنفسه وللناظر شكال ذا أبعاد ثالثة على سطح ذي بعدين محاوال إرضاء عينه في الوصول إلى العمق،

وخلق عالم وسيط بين الواقع والحلم، فهو ال يكتفي بما يقدمه على سطح من وإنما يتوق إلى إثارة أسئلة لدى المتلقي، ال يجد أجوبتها إن لم يذهب بعدين

، وعمق اللوحة ليس إال عمق نفس المصور وخفاياه بنظره بعيدا وعميقاالمتجلية في خلفيات الصور التي طبعت فن التصوير في كل حضارة ومدرسة

المصري فنية بطابع ميزها من غيرها، فالفنان اإلغريقي اختلف عن الفناناختار الفن "في تعامله مع الفراغ في كل من فني النحت والتصوير؛ فقد

المصري أن يعرض الحوادث التي تعاصر الواحدة منها األخرى منضدا إياها ، أما صفا فوق صف، ويستأصل الفن المصري البعد الثالث من طلعة الصورة

عات كل واحدة منها فكان ينظم األشخاص والمجمو)اإلغريقي(الفن األبولوني وكان تنظيمه هذا تنظيما يتعدى اجتناب عالقات الفراغ بمعزل عن األخرى،

فليست هناك من مؤخرة للصورة تربط بين. والزمان في عرض السطحألن مثل هذه المؤخرة ستكون بمثابة تحد للمبدأ القائل بأن المشاهد اإلفرادية،

وهذا مفهوم متوقع من . )١("ود للفراغاألشياء هي وحدها الواقعية وبأنه ال وج

.٤٣٦، ص١تدهور الحضارة الغربية، جـ) ١(

- ٧٦ -

مفاهيم اإلغريق المتمثلة بالمشخص والواقعي والملموس، فعدم اعترافهم بالفراغ ال يعني انعدامه في فنونهم، لكنهم في فن النحت حاولوا خلق حالة

وفي فن التصوير عزل المصور تجليات الكتل . توازن بين الكتلة والفراغ .الة انفصالوأشكالها فجاءت في ح

أما المصور المصري فقد نضد األشكال في صفوف كي يؤكد الفوارق بينها، تلك التي سيطرت على المجتمع المصري وتجلت في الطبقية والفوارق االجتماعية؛ فالنحات المصري نحت الفرعون متصدرا الصف األول والمستوى

تلة حضورها الطاغي األول في شكل أكبر حجما من بقية األشكال، إذ كان للكوإلدراك مفهوم الفراغ في . في فني النحت والتصوير كل حسب وسائله

حضارة ما، ما علينا إال النظر في لوحاتها التصويرية، ألن تعامل الفنان مع .للفراغتوزيع األشكال في الحيز المساحي يكشف عن المفهوم الخاص

ل النحت فيها المكان التي كان يحت" مثال وفي الفترة–ففي فلورنسا الرئيسي بين الفنون، كانت العناصر السائدة في الصورة تتمثل في األجسام

أما مؤخرات الصورة فلم تكن تمتلك أية المتوازنة والمجموعات المنظمة،قيمة جوهرية، إذ كانت وظيفتها محصورة في ملء ما بين وراء الحاضر

وقد خضع فعال التصوير هنا المعتمد على ذاته لألشخاص في صدر الصورة،أو ) البورتريه( وسيطرة الشخوص المصورة كفن )١("لفترة لسيطرة التشكيل

فصب المصور اهتمامه على موضوع اللوحة . فن التصوير الكالسيكي عمومالوحة ( أو مجموعة أشخاص )موناليزا(الذي قد يكون رجال ما أو امرأة

فيات الصور مناظر طبيعية أو نافذة وبدت خل). العشاء السري لدافنشيمفتوحة على الطبيعة وكثرت تلك الخلفيات في لوحات القديسين، وقد يعود

تلك ذلك إلى أثر التعاليم الكنسية وسيطرتها في القرون الوسطى على الفن،التي كانت حتى "فخلفية الصورة السيطرة المستمرة حتى القرن السادس عشر،

.٤٢٥، ص١تدهور الحضارة الغربية، جـ) ١(

- ٧٧ -

. فائضة عن الحاجة بوصفها فراغادورة بحذر وتعذاك القرن توضع في الص) السادس عشر(أخذت تكتسب في ذلك القرن . وتكاد توارى عن البصر تقريبا

) كفن كنائسي( )٢(وبدأت التحرر من سيطرة األيقونة. )١("أهمية أشد وزناامتازت لوحاته بخلفيات مذهبة أضفت بريقا جليال على موضوع األيقونة الذي

مز إلى القداسة، ملغية البعد الثالث أي الفراغ، لذلك بدت األشكال فيها يرفال ضرورة للعمق وال أهمية لوجود ) طول، عرض(مسطحة ذات بعدين

عناصر تربط بينها عالقات تتوزع في خلفية األيقونة وتشغل عين الناظر عن . صورة مريم العذراء أو السيد المسيح أوكليهما معا

لعين في الحركة وخلق الترابط بين العناصر المرئية الماثلة فثمة رغبة لفإذا كانت العين لسبب من األسباب قد " أمامها، وإن بدت منفصلة ومتعددة

تعودت االتجاه إلى نقطة بالذات مثل فتحة الباب، أو النافذة، أو مثل المذبح، حيث ولما كان الموضوع غير منسق ب أو العرش، أو المسرح، أو المدفأة،

تتوازن توترات العين، ويكون ثقل العين في النقطة التي يتحتم التركيز عليها، فحينئذ يحدث تشتيت وإرهاق نتيجة لميل العين إلى النظر في اتجاه مختلف

.)٣("عن االتجاه الذي يلزم لها النظر فيهوعلة ذلك أنها ستتجه بالضرورة في نظرها إلى خلفية األيقونة، فتفاجأ

في اللون وانعدام األشكال والخطوط، فتعود من جديد إلى شكل بالوحدةاللوحات الكالسيكية حيث المنظر الطبيعي وكذلك األمر في. القديس المصور

الذي قد ال يرهق العين إال بنظرة سريعة حتى تعود إلى التفصيالت واألشكال .الموزعة في المستوى األول والثاني

إلى استنباط المعنى من األشياء التي تفصح عين اإلنسان عن حاجته مرادفة للحاجة إلى اإلثارة واالنخراط، فاإلنسان، في "فالحاجة إلى الفهم يراها،

.٤٢٨المرجع نفسه، ص) ١( ).٨(انظر المثال رقم ) ٢( .١١٥اإلحساس بالجمال، ص ) ٣(

- ٧٨ -

، )١("سعيه، يتوق إلى التحدي، إنه بحاجة إلى مشكالت يحلها، وإلى جبال يعبرهاوهذه الحاجة يدركها المصور فيحاول تقديم عمل منظم في أشكاله بعيدا عن

حساس بالرتابة والملل، فيأخذ المتلقي إلى العمق، إلى خلفية اللوحة ليصنع له اإلجباال يعبرها، ويضعه أمام رموز وإشارات يرغب في تفسيرها، لذا كان الفراغ

.الجمالي المحدود متحدثا عن إحساس المرء أيضا في لحظات تقلب نفسه مسألة تحريم ودون الدخول في(وفي الحضارة العربية اإلسالمية

وجد النحت في قصر الحير الذي يعود إلى زمن الخليفة الوليد بن ) الصورأي بداية القرن الثامن، كما وجد التصوير الجداري في هذا عبد الملك،

إلى جانب الشبكات الزخرفية، ، وفي قصور أخرى كقصر عمرة،)٢(القصرنالحظ، أن ثمة انعطافا ، ولكننا )٣("أجمل من غادة حسناء" "كانط" التي جعلها

. كبيرا في القرون الالحقة، إذ ظهرت فنون الكتاب ومنها فن المنمنماتفالمخطوطات العربية تمثل األشخاص في وضع أفقي، جاعلة الفراغ بين

الكسندر (ولكنها تجمع األشخاص حسب الباحث األشكال مساحة سطحية،مخطوطات اإليرانية، فتعمد أما ال. )٤(وفق تكوين سطحي لولبي) بابادووبولو

مطهرة من الحجم والظل، " إلى رسم األشخاص في أجواء طبيعية، فتظهرالذي ميزه عالم " مثل منظور عين الطائر"متوحدة الوجود" بحيث تبدو العين

. أي أنها منظورة من عين من السماء)٥("البصريات ابن الهيثم

.١٠٠ر الرؤية، ص حوا) ١( ) ١١) (١٠) (٩(انظر األمثلة ) ٢( دار اليقظة - سامي الدروبي: غويو، جان ماري، مسائل فلسفة الفن المعاصرة، تر )٣(

.٣٥ ص -١٩٦٥، دمشق، ٢العربية، ط)٤( Papadopoulo. A.: L’islam et L’art musulman- Mazenod- Paris- 1976 p:96-100 الحياة التشكيلية، " الخصائص الجمالية للمنمنمات اإلسالمية"مقالةأسعد، . عرابي، د) ٥(

أيلول – آب –، تموز ٧٠ دمشق، العدد –مجلة فصلية تصدرها وزارة الثقافة .٦٠، ص ٢٠٠٤

- ٧٩ -

ه المفاهيم، ولكن من وتتقارب لوحات التصوير الشعبي العربي مع هذفي تعاملها مع األشكال واأللوان واألحجام )١(خالل صور عفوية طفولية

ووضوحها، وعفويتها، في عرض الموضوعات التي جاءت بعيدة عن التقنيات المعروفة في فن المنمنمات اإلسالمية، وقد تميز فنان التصوير

اغ وهي انعدام البعد الشعبي بخاصية تشكيلية مهمة تعبر عن مفهومه للفر في لوحاته، لما يضفيه هذا البعد من أحجام - حسب المفهوم الغربي-الثالث

على األشكال يقربها من أصلها في الواقع، ويشخصها بمساعدة الضوء والظل؛ ومن هنا لم تظهر تشكيالت الضوء وانعدمت ظالل األشكال في

لوان لتأثيرها الذاتي في فسيطرت األلوان والخطوط، واعتمدت األ اللوحة،أن أكرم قانصو،. ويرى د. عن القاتم والمضاء والتعبير التقريب والتبعيد،

الفنان العربي الشعبي أهمل تصوير األشياء وابتعد عنها في تصويره الفنان إلى ملء مساحات الفراغ وإن هذا االبتعاد عن التفاصيل دفع"لألشكال

: قط والنجوم، وهو أسلوب له سببانفي لوحاته بالزخارف والخطوط والن. )٢("األول حب الفنان للزخرفة والتنسيق، والثاني كراهيته المطلقة للفراغ

كراهيته الفراغ ليست حالة خاصة بالرسام الشعبي بل إنها أسلوب عرفه " وإنفي الزخرف ) تكرار ال نهائي(الفنان المسلم من قبل، عندما لجأ إلى

ذا الرأي مناقضا لفكرة تشبع المسلم بالروحانيات قد يكون ه. )٣("العربيوسعيه إلى المطلق، فالمزخرف اإلسالمي مأل الفراغ ليس كرها به، وإنما لكراهيته المادة فجردها إلى موسيقا الشكل، إلى الزخرفة التي كانت نوعا من

الزخرفة مظهر من مظاهر الحضارة "فـ. التأمل ووسيلة للتدرج في الفراغ

، مثال عن التصوير الشعبي ومثال عن المنمنمات اإلسالمية)١٣) (١٢(انظر المثالين رقم ) ١(، )٢٠٣(العربي الشعبي، سلسلة عالم المعرفة، العدد أكرم، التصوير . قانصو، د) ٢(

.١٤٠ ص-١٩٩٥ .١٤٠المرجع نفسه، ص) ٣(

- ٨٠ -

ربية اإلسالمية يفصح عن تناغمها ونزوعها إلى المطلق عبر موسيقا الع .)١("رضغاألشكال واأللوان التي تؤكد وحدة الجوهر وتعدد ال

وصور الفنان الصيني ضآلة الكائن اإلنساني في الفراغ معبرا عن . ولجأ إلى أسلوب واضح في التعبير عن أفكاره). اهللا - الطبيعة(ضآلته أمام

نان العربي المسلم فقد جرد تجريدا حير الدارسين، فكثرت اآلراء حول أما الفمفهوم الفراغ في الفن اإلسالمي، وتناقضت بين ميل إلى الفراغ أو ضده، أو

وقد بدأت المنمنمات صورا إيضاحية لمضمون . أو عشق له بين خوف منهفاء مرافقة مثلت أفكارها باأللوان لكنها تطورت في بالطات الخل المخطوطة،

تطور الفنون، وجاءت المنمنمات تعبيرا عن مفهوم األفكار العربية اإلسالمية والعقائد، فحددت المسلمات الجمالية اإلسالمية، وأثبتت تقارب الفنون

تصويرها للحكايا واألمثال، فإذا هي فن تصويري يتحدث عن فن أدبي يعكس بسالمي ويتكلم على العادات والطقوس الواقع االجتماعي والسياسي والثقافي اإل

وهكذا، فعندما يقف المرء أمام منمنة إسالمية تضوع في . وأنماط السلوك .الشرقيذاكرته حكايا ألف ليلة وليلة بعبقها

وواضح أن ما يميز المنمنمات عن فن التصوير الشعبي أسلوبها الذي لذلك وحتى إيقاعاته، ينم على دراية بفن التصوير، بألوانه وخطوطه وأشكاله

ال يمكن عد فن المنمنمات فنا فطريا قائما على الرؤية الطفولية البسيطة وإنما . هي ألوان فلسفة الفكر اإلسالمي

وإذن، فتمثيل البعد الثالث هو الذي يشف عن مفهوم الفنان للفراغ،ربه وكلما ازداد اهتمامه بإظهار تفصيالته أكد عشقه للمادة والمشخص، وه

. وهذا ما فعله الفنان الغربي في تعامله مع الفراغ من الالنهائي والغامض،لكنه في الوقت نفسه، مال إلى الطبيعة غالبا في تمثيله للبعد الثالث، وال ريب

.٢٦ موسيقا الزخرفة، ص)١(

- ٨١ -

أن هذا يدل على احتفاظ اإلنسان، مهما كانت معتقداته، ببعض بذور . ط الذي ينتمي إليهالروحانيات على الرغم من طغيان المادة على النم

كيف : ويخلق مفهوم البعد الثالث سؤاال ملحا البد من اإلجابة عنه وهو يعمد المصور عن طريق الضوء والظل إلى اإليهام في إنشاء البعد الثالث؟

هام باأللوان واألضواء يفن التصوير يتحدث عن اإل"يرى أفالطون أنأما دافنشي فيؤكد في نظريته في . )١("فينتج عن هذا أوهام تؤثر في النفس

التصوير هو إنشاء األضواء والظلمات وخلطها معا باأللوان على "التصوير أنوهذان الرأيان يؤكدان أهمية الضوء )٢("تباينها سواء أكانت بسيطة أم مركبة

ومن خالل تفاوت النسب والظل في فن التصوير، وفي إنشاء البعد الثالث فيه،من خالل األبعاد ) في النحت(يقترب الشكل من الكتلة ،بين الضوء والظل

الثالثة، فيغدو مماثال لألصل في الواقع أو مخالفا له، تبعا للضوء الساقط ومدى سعة الحيز الذي عليه، وتشكيالت ظالله، وتناثرها في فراغ اللوحة،

ويواجه المصور مسألة تشكيل الضوء ورسم الظالل ليقدم. تأخذه أو ضيقه تلك الصور في إيقاع ينساب في نفس المتلقي لحظة النظر إلى اللوحة،

ال يتوقف عند تشخيص األعضاء واألجزاء التي تتكون منها لوحته،"فالمصوراألولى هي بل يتجاوز ذلك ليحل قضيتين أساسيتين من القضايا الطبيعية،

هي ث والدراسة،والثانية ومازالت مجاال عظيما للبح قضية المنظور بقسميه، إن المصور يخلق باإليهام،)٣("المضيء والمظلم الفاتح والقاتم، قضية الضوء،

البعد الثالث ويدفع الناظر عن طريق تشكيل الضوء وألوانه وتجليات ظالله،يتعامل في عمله مع عشرة "ويرى دافنشي أن المصورإلى الغوص في العمق؛

، ١عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، جـ. بدوي، د) ١( .١٨٨، ص ١٩٨٤، ١ط

٢٥٩نظرية التصوير، ص ) ٢( ٨٣نظرية التصوير، ص ) ٣(

٦ م -الضوء والظل

- ٨٢ -

واللون، والجسم، والشكل، والمكان، الضوء، والظل،: مستويات مختلفة وهي .)١("واالقتراب، واالبتعاد، والحركة والسكون

وما يهمنا في هذا الفصل ستة مستويات وهي اللون بما يقدمه من والشكل بما يحتويه من خطوط منحنية إيحاءات االقتراب واالبتعاد،

ما بقية أ ومستقيمة، والضوء والظل بما يقدمانه من تكامل في فن التصوير،المستويات فسنحاول من خاللها خلق المقاربة بين الفنون الثالثة في فصل

.الحركة والسكونوقبل دراسة أثر الضوء والظل في المستويات الستة السابقة، ال بد من

القادمة من الطبيعة أو من أي هل تلعب اإلضاءة الخارجية: عرض السؤالة اللوحة؟ وقبل اإلجابة، علينا أن مصدر اصطناعي، دورا في إبراز جمالي

نوضح الفرق بين الضوء الجمالي التشكيلي الذي يرسمه المصور في اللوحة، والضوء الحقيقي الخارجي الساقط عليها والذي يكشف عن تفصيالتها في أثناء العرض؛ فللضوء الخارجي أثر مهم في إبراز جمالية اللوحة أو في

أبيض وطوعه، فإذا كان لونه أصفر أمن خالل لونه ودرجة س طمسها،اختلفت اللوحة في وضوح تفصيالتها وألوانها، وإذا كان ساطعا أو خافتا أو

لذلك . معتدال فإنه يعطي اللوحة حضورا مختلفا في كل درجة من درجاتهكما كان البد للمصور من مراعاة اإلضاءة الخارجية في أثناء عرض لوحته،

لوحة جيدة تعلمنا في المقام األول أن " ي أثناء تنفيذها، ألنمراعيا للضوء فننسى الكالم؛ لتعلمنا من جديد فن النظر وتعلمنا كيف نرجع في أنفسنا صدى

تلك التي ال ، )٢("القوة الصامتة لما بعد البحر، واللعبة المتغيرة لألشعة البراقة أن يشعر بدفئها إال وال يمكن للقلب يمكن للعين أن تبصرها إال بضوء حقيقي،

. بانبعاث الضوء التشكيلي الداخلي وظالله من ثنايا اللوحة

.٨١ المرجع نفسه، ص)١( .٣٩حياة الصورة وموتها، ص ) ٢(

- ٨٣ -

فإن وإذا كان الضوء مهما في إبراز جمالية الكتلة في فن النحت،أهميته تزداد شأنا في تحديد أشكال الكتلة وتوزيعها في الحيز المساحي في

يخلق حاالت اس،اللوحة؛ فالضوء من خالل تجلياته في االتجاه واالنعكوينبع اتجاه الضوء من رؤية . وجودية للشكل تتغير عن طريق تغير الظالل

المصور موضوعه، فإذا كانت رؤيته واقعية فإنها تعكس مشهدا ماثال أمامه في حالة انطباعية ال تكاد تخلو من مراعاتها األصل، لذلك يراعي المصور

ومن ثم اتجاه ) أو من الخلف ،من اليمين أو من اليسار(اتجاه الضوء، فإذا أتى الضوء )حسب الموقع الذي اتخذه لنفسه أثناء رصد المشهد( .الظالل

من اليمين واصطدم بالشكل المور، فسوف ينعكس مرتدا ليشكل ظالال تتجه صوإذا جاء الضوء من الخلف كانت الظالل من األمام، . وبالعكس نحو اليسار،

- ا على الشكل، فسوف تتقلص ظالله وتميل إلى االنعدام أما إذا سقط عمودي ).طيات وشاح، انحناءات ثوب(باستثناء الظالل المتشكلة في تفصيالته

محاوال ويستمر المصور في مراعاة اتجاه الضوء وانعكاسه واتجاه ظله على - حتى إذا صور مشهدا من مخيلته فإنه .تحقيق نسبة جمالية بينهما

يلجأ إلى المراعاة السابقة في االتجاه والنسبة، ليقترب قدر اإلمكان -األغلب .من األصل الحقيقي

ويعد الظل نتيجة حتمية النعكاس الضوء، وتتجلى مهمته األساسية لدى أو إقامة ) امتالك الفراغ(الشعورية والالشعورية إلى " المصور في إرضاء حاجته

الفنان الذي يهتم بالضوء والظل والمساحة وفي الطرف اآلخر نجد .عالقة معهبغرض إعطاء شكل لألشياء الحسية، وإنارتها لتأمين االرتباط اإليجابي بين

فإنه ،)١("األشياء والفراغ من أجل إضفاء شيء من المادية الحقيقية على الصورةيرغب في الوصول إلى العمق ومن ثم فإن توزع األشكال في اللوحة التصويرية

منير األصبحي، منشورات وزارة . د: كوليير، غراهام، الفن والشعور اإلبداعي، تر) ١( ١٩١ ص -١٩٨٣ -الثقافة واإلرشاد القومي، دمشق

- ٨٤ -

ذها حيزا منها، يزيح شيئا من فراغها، لكنه يبقى في إطار المبهم؛ لذلك جاء وأخ. ويعطياها أبعادا ثالثة الضوء والظل لكي يضفيا على األحجام مسحة واقعية،

ويخلق الظل إحساسا لدى المتلقي بالمسافة بين األشكال وإدراكا للزمان متطابقا خالقا ظالال متدرجة األلوان حتى يوحي فيكفي أن يضرب المصور ريشته . معها

.بالعمق والزمان ويولد االنفعال الجمالي لدى المتلقيأو مصدر أو مصباح، شمس،(وقد ينبثق الضوء من منبع معين

وقد يكون ناجما عن في اللوحة، فيتجلى في االتجاه واالنعكاس،) مجهولن رموز لوحته، أو هاجس المصور، وعن اختالف أهوائه، فيتجلى في رمز م

في بقعة لونية معينة أو في ظل معين، فيعطي إحساسا للناظر بانبثاق كل مفردات اللوحة من تلك البقعة أو ذلك الرمز المحوري الذي يختل اإليقاع

. باختفائه وتكثر األسئلةوفي غياب الضوء يغيب الشكل في العتمة، وتتعدد خفاياه وتغدو ظالله

.وهكذا فإن قليال من الضوء كفيل بإحياء اللوحة. لبعد الثالثظالما، ويتالشى اتبرز مهمة الضوء حين يشرع المصور في رسم األشكال وتلوينها،

تتقدم األلوان التي "األساسية في تشكيل األلوان، وتأثيرها في عين المتلقي، إذمة إلى نحو العين بينما ترتد األلوان القات تحتوي على كمية كبيرة من الضوء،

فاللون يكتسب ذاتيته من الموجات الضوئية التي تتفاوت بين القوة . )١("الخلففيتسم بعضها بالحرارة . والضعف، لتجعل األلوان متقلبة بين السطوع والهدوء

كاللون (وبعضها اآلخر بالبرودة ) كاللون األحمر ومشتقاته، واللون األصفر( األصفر به إلى األمام، في اتجاه ويدفع سطوع اللون...). األزرق ومشتقاته

بعيد عن العمق، إلى الخارج، ويبهر عين الناظر فيضطر إلى االبتعاد قليال عن أما األزرق، في انتشاره الهادئ، فيريح العين ويجر . اللوحة ليدرك تشكيالته

.الناظر إلى الداخل، ليغوص في أعماق اللوحة وكأنه شخص من شخوصها

١٦٩نظرية التصوير، ص ) ١(

- ٨٥ -

فهو تجمع مة أهمية بالغة للون في فن التصوير،إن ث: وصفوة القولضوئي فيزيائي يشكل أضواء وظالال جمالية تشف عن إيقاع النفس وتكشف

.خفاياها مساعد في - من حيث هو عنصر تشكيلي - لكل لون وجود وداللةو

وسيلة لتنمية كل "اكتمال الشكل في فن التصوير ذي البعدين، إذ يصبح اللونرى؛ فالشكل ذو البعدين ال يمكن أن يوجد بغير اللون؛ وحتى العناصر األخ

إنما يعتمد على التضاد بين األبيض الشكل األسود على خلفية بيضاء،فال شكل يمكن خلقه دون أن يتسم بلون ما، وال شكل . واألسود في وجوده

لذا يقوم المصور بدمج ، )١("يمكن رؤيته إال إذا كان موجودا على لون ما ومن اندماج لونين يخرج لون ثالث إلى - بانسجام أو بتناقض –وان األل

الوجود؛ فمن اندماج األبيض واألسود يخرج الرمادي، ومن اندماج األحمر واألصفر ينتج البرتقالي ومن تعدد األلوان واندماجها تتشكل اللوحة، وكأنها

قواعد وكما أن للجملة . قصيدة شعرية مؤلفة من مفردات وعالمات ومعانكذلك تتألف اللوحة من أشكال موزعة ترتبط برابطة، يتغير المعنى بتغيرها،

في الفراغ تربط األلوان بينها، ويتغير المعنى بتغير ضربة الفرشاة على اللوحة ويعد االندماج من أهم تجليات اللون ألنه البداية، بداية تناول المصور

ة واحدة على الفراغ المحدود الذي للريشة ومزجه لأللوان، قبل أن يضع نقطحرية ملء هذا الفضاء أو تركه خاليا، وإن "وللمصور. يبني عليه عمله الفني

وإن له الحرية أن . له الحرية أن يغير من أحجام أشكاله والمساحات بينها .)٢("يغير من هيئتها وألوانها

نده إلى ويعبر المصور عن حالة ما عن طريق األلوان، فقد تتحول علقد حاولت من خالل اللونين " :انفعال يصهره أو يمزقه أو يجعله منسجما

٩٣حوار الرؤية، ص ) ١( ٩٣المرجع نفسه، ص ) ٢(

- ٨٦ -

هذا ما قاله فان ، )١("األحمر واألخضر التعبير عن األلم اإلنساني المخيففاللون األحمر عنده وسيلة للتعبير عن األلم رغم صخبه وفيضانه غوخ،

ري أن يعبر اللون الساطع بالحياة، ومن الجدير بالذكر هنا أنه من غير الضروعن حالة مضيئة إيجابية، فقد يمثل حالة حزن )كاللون األصفر(المضيء

.)٢( عند بعض المصورين، كالهولندي فان غوخ- رغم ابتهاجه-وكآبة ويلعب أسلوب المصور، في انتقاء األلوان ودمجها واستخدامها في

ألن . أو انسجام أو تناغمدورا مهما في تجلياتها في تناقض تشكيل عمله،التناقض بين األلوان قد يفضي بها إلى االلتحام حتى لكأنها لون واحد، أو كتلة

وفي فن التصوير، يغدو التناقض بين األلوان نغما مستقال، وغالبا ما . واحدةيصبح التناقض تناغما في فن التصوير؛ فيميز األشكال والمساحات الفراغية

ولنتخيل اللون األحمر متمثال في شكل من أشكال اللوحة . على حد سواءفكم سيبدو األخضر واضحا، وقابعا في حيز على خلفية خضراء تمأل الفراغ،

الرسام - موسوعة الفنون التشكيلية: عالم الرسامين اتب، مدبك، ج،قبيعة، أحمد ر) ١( - لبنان- سالسل سوفنير - دار الراتب الجامعية- الهولندي فينست فان غوغ

.٣٩ ص-١٩٩٦، بدأ ١٨٩٠ يوليو ٢٩ وتوفي في ١٨٤٣ مارس ٣٠فان غوخ مصور هولندي ولد في ) ٢(

الدين المتزمتين الذين أرادوه مبشرا متقعرا حياته واعظا دينيا، فلم ينجح بنظر رجالالنبيا يعيش آالم الناس، ترك الوعظ والدين ومضى كي يخدم اإلنسانية عن طريق التصوير، داهمه صرع نفسي نتيجة حساسية إنسانية مرهفة تمتع بها، دفعه إلى قطع

يعد ). ١٨٩٠(أذنه، دخل مشفى األمراض العصبية وانتحر بعد خروجه منها بعام فان غوخ أول من حطم البناء الشكلي ممهدا بذلك للتعبيرية، ألقى جانبا كل ما له عالقة باألسلوب األكاديمي واألسلوب االختراعي، وأضحى اللون والخط لديه الوسائل التعبيرية إلبراز شخصية ما، نلمح في فنه عناصر أخالقية، تأثر بدوالكروا

ن التاسع عشر، أذاب كل ما أخذه منهم في بوتقة نفسه وباالنطباعيين في أواخر القرهات الفنون التشكيلية انظر اتجا( .التي عاشت لكي تعبر عن البؤس اإلنساني

) ٨٢/٨٣ ص المعاصرة،

- ٨٧ -

والشكل األحمر قويا حاضرا في إدراك المتلقي، كإدراكه اللون األبيض . الساطع المنبعث من بؤرة مضيئة في خلفية سوداء قاتمة

عند المصور فنجده مبتعدا عن لقاء المتناقضات،وقد تنسجم األلوانألن التناغم يقبل التناقض ويختلف االنسجام عن التناغم في قضية التناقض،

وقد ينشأ من عدة متناقضات متجسدة في األلوان واألنغام، بل حتى في النفوس وال نستطيع الجزم بأن االنسجام البشرية، أما االنسجام فإنه يرفض التناقض،

. لكنه يختلف عنه بكونه متآلفا في جميع عناصره عكس التناقض،ويعد أمرا بالغ يظهر االنسجام في لوحات ذوي النفوس الحساسة،

أن االنسجام عالمة تميز صاحبه وترافقه : األهمية وذلك ألسباب عدة أهمهاته فإن كان منسجما مع ذا. في أغلب أعماله وتبدو واضحة عند المصور نفسه

سكب انسجامه على أعماله الفنية، من خالل التناسب بين األشكال وتوزعها .في فراغ اللوحة وما تضفيه األلوان عليها من ترابط موسيقي

وغالبا ما يختفي االنسجام عند السرياليين، بسبب طبيعتهم المألى . عبالتناقضات والتخبطات التي تدفعهم إلى التمرد والسعي إلى ما وراء الواق

فنلمح في موضوعاتهم كل أشكال التناقض، وفي طريقة معالجتهم فكرة رفض فلهم الحرية في دمج األلوان المتناقضة دون منطق، وفي جمع الرموز . الواقع

المتنافرة دون قيد؛ بل قل في تناغم مفارقات الوجود التي تزداد قوة وجماال .التضادبازدياد غموضها، والتي تفضي إلى الوحدة من خالل

ويسعى المصور بواسطة فنه إلى إيجاد حالة توازن بين عالمه المتخيل تختلف أساليب التعبير عن حالة التوازن تلك باختالف أهواء ووعالمه الواقعي،

عن طريق المصورين ومفاهيمهم فقد يلجأ بعضهم إلى الجمع بين النقيضينوعند القول إن التقابل هو . عالقة بين شيئين متطرفين"التقابل الذي يعرف بأنه

يقوم االفتراض أن هناك صلة بين األجزاء المتضادة، فاألسود واألبيض عالقة، والفارغ مرتبطان أحدهما باآلخر كما هي الحال في األخضر واألحمر،

- ٨٨ -

وفي كل حالة فإن تقديم نصف واحد من القطبين . والمملوء، واألعلى واألسفللذا يستدعي الضوء تقديم الظل الذي .)١("ه اآلخرالمتنافرين يستدعي تقديم نصف

ويستدعي الفراغ تقديم الكتلة لتتبين مساحاته يمثل العتمة في أخف درجاتها،ويستدعي الخط المستقيم وجود الخط المنحني كي يكتمل الشكل، بضيقها وسعتها،

. الرؤية، فكل نصف يستدعي اآلخر حتى يتحقق التوازنحوترتاح العين، وتتوضولقد رأينا كيف ساعد الخط في تجسيد الكتلة في فن النحت، وأبرز

. ومن ثم أظهر دور الضوء والظل في المنحوتة جوانبها المسطحة والمقعرة،وفي فن التصوير تظهر أهمية الخط من حيث هو عنصر تشكيلي في تكوين

ما فالخط، مثل الشكل هو نتاج عالمة وضعتها آلة "اللوحة، وفي رسم أشكالهاعلى سطح الصورة المستوي، وقد نقول إن الخط في الواقع شكل يبدو طويال

وتتجلى أهمية الخط في خصائصه التعبيرية، فلوال ،)٢("بالقياس إلى عرضهالتعبير الذي يضفيه الخط على الشكل لما تولد اإلحساس لدى المتلقي تجاه

ين وتتبعها أشكال اللوحة، وينتقل هذا اإلحساس عن طريق إدراك العوكلما كانت العين مرتاحة ومقتصدة في القوة التي تبذلها إلتمام للخطوط،

عملية اإلدراك كان الخط أجمل وأكثر تعبيرا، فالعين تستقبل ذبذبات بصرية شكل غريب في تحليله، ذلك ألنه "تنتج عن الخطوط، فالخط المستقيم مثال هو فنحن إما نثنيه وإما نتركه جانبا، ليس بالشكل الذي يسهل على العين إدراكه،

ما لم يمر بمركز الرؤية؛ ومن الواضح أنه مماس للنقط التي لها عالقات والعالمات المحلية للنقاط أو توتراتها في هذا . مماثلة لعالقته بهذا المركز

المماس تختلف بحيث أنه مما يتعب العين أن تتابعه طوال الوقت، ومن ثم ولذلك فللخط المستقيم الطويل طابع جاف . ي يولده مصطنعاكان التأثير الذ

جامد، وقد تجنبه اإلغريق لبراعتهم فأدخلوا المنحنيات في أعمدتهم وفي

.١٠٥حوار الرؤية، ص ) ١( .٩٤المرجع نفسه، ص) ٢(

- ٨٩ -

لما تتمتع به الخطوط المنحنية من انسياب ورشاقة، فتأتي ،)١("أروقتهم المعمدةنهاية له فالخط المنحني يتألف من عدد ال" الحركة المنحنية في أرشق الحركات

من الخطوط قد اتصل بعضها ببعض دون ما قطع، فهو يمثل الحركة التي ال من القوة .. ألن في سهولة تحريك العين جماال فنيا"و. )٢("تنفق إال قليال جدا

وهذا هو السبب في إيثارنا الخطوط المنحنية على الخطوط المنكسرة التي ى الخطوط المنكسرة تصبح ألن في حالة النظر إل، )٣("تصعب متابعتها

تأثيرا متجزئا "توترات الخط المتغيرة من لحظة إلى أخرى مولدة في العينمتقطعا حيث تنتهي الحركات المترابطة ثم تبدأ من جديد وتنتهي وتبدأ ثانية

تولد الخطوط الحركة في اللوحة أو المنحوتة، فتنساب مع الخطوط ، )٤("وهكذا .جما، أو منكسرا مع المنكسرة، أو رتيبا مع المستقيمةالمنحنية إيقاعا منس

ولعل تشكيل الخط في فن التصوير أسهل من تشكيله في فن النحت، فالخط ينزلق بانزالق الريشة على صفحة اللوحة ومن رشاقة حركتها وسهولة استخدامها تولد الخطوط المنحنية، أما النحات فيحاول تحديد الخطوط بوساطة

ديه معتمدا على حاستي اللمس والبصر، ليخلق خطوطا منحنية في أصابع يويؤثر وجود الخط المنحني في أشكال اللوحة والمنحوتة على . جسد التمثال

فها هنا حركات متثنية متموجة خفيفة، فال " حد سواء، فيهبها حركات رشيقةفا وال زوايا، وال عنف وخليق بهذه الحركات أن تثير فينا عط مفاجأة،

أثارت التواءات جسد الووكون وهو يصرخ ما ك،)٥("كالعطف الذي تدل عليه .من األلم عطف كل عين بصيرة نظرت إليه

١١٤اإلحساس بالجمال، ص ) ١( . ٥٤مسائل فلسفة الفن المعاصرة، ص) ٢(

٣٦مرجع نفسه، ص ال) ٣( ١١٤اإلحساس بالجمال، ص ) ٤(

٦١مسائل فلسفة الفن المعاصرة، ص ) ٥(

- ٩٠ -

في ) الشكل والحيز المساحي(في فن النحت و) الكتلة والفراغ(تشترك فن التصوير في عناصر أساسية في تشكيل تكوينهما، فاللون والخط عنصران

ألشكال وتلوينها، وكذلك الضوء والظل فهما عنصران ال بد منهما في رسم اوتوضيح حجم الكتلة أساسيان في إبراز البعد الثالث في فن التصوير،

فينجم ) الشكل( في فن النحت، إذ يسقط الضوء على الكتلة اوتقعراتها وتحدباته أحجاما مختلفة تتوزع في - في فن التصوير -عنها ظالل تظللها وتكسبها

األول فالثاني فالثالث من الحجم األكبر حتى األصغر، فيكون دور المستوىالضوء وتابعه الظل دورا تقنيا متعلقا بقواعد المنظور، ويبرز الدور التعبيري

. لهما متجسدا في أسلوب الفنان، وتقلبات نسب الضوء والظل في نفسهقوي من حيث هو حضور ) الشكل والحيز المساحي(ولنضرب مثاال على

.)١ ()طبيعة صامتة وتفاحات( في لوحته )∗(لكتلة الشكل عند الفنان سيزان

:"سيزان"للمصور" طبيعة صامتة وتفاحات"تحليل لوحةتتحدث اللوحة، بلغة الصمت، عن أشكال متعددة تتوزع في فراغها آخذة أحيازا عديدة، لتترك لأللوان جزءا صغيرا من فراغ اللوحة، واألشكال

ارة مزركشة تتخذ حيزا لنفسها يعادل ربع مساحة اللوحة، وتبدو ست: هيمنسدلة من األعلى لتمر بالطاولة فتندمج مع غطائها، وعلى الطاولة بضع تفاحات موزعة عشوائيا، وأخرى منتظمة في صحن، وغطاء متموج أبيض اللون، يبدو مائال إلى اللون األزرق في طرفه األيمن، يكشف أجزاء من

. ولة، ويخفي أجزاءها األخرىالطا

تأثر باالنطباعية، وتجاوزها فنان فرنسي،) ١٩٠٦ – ١٨٣٩ (Cezanneبول سيزان )∗(متعمقا في أسرارها مستفيدا من امتالء اللون إلعطاء األشياء قيمتها التشكيلية، كان

انظر اتجاهات الفنون التشكيلية . ( والتكعيبية والتجريديةالممهد األول للوحشية .) ٢٧المعاصرة، ص

.)٦(انظر اللوحة رقم ) ١(

- ٩١ -

جه ألوان ومن بين هذا الركام، ينطلق إبريق مزهر أبيض اللون تموالبرتقالي، ومشتقات البني، وبقع سوداء متناثرة هنا وهناك، وكأس خمر

.مختفية بين ظالل الستارة

وتأخذ الطاولة، وعناصرها الطبيعية الموزعة فوقها، حيزا يعادل نصف تقريبا، لتترك قرابة الربع لحيز مساحي تتصارع فيه األلوان مساحة اللوحة

. القاتمة، فمن تدرجات األسود إلى تدرجات البني المندمج باألصفر الهادئوواضح أن أشكال اللوحة عند سيزان طاغية في حضورها مقارنة

، وهذا ما يتبين في أعماله كلها، والسيما رسمه )الحيز المساحي(بالفراغ إذ يستحوذ الشخص المصور على أجزاء اللوحة كلها، فيبدو ،)١ ()رتريهالبو(

.وكأنه سيخرج منهاويعد فن الطبيعة الصامتة، نوعا من أنواع التصوير، ويتحدث في أغلبه عن أشياء جامدة تشي بالصمت، والموت الناتج عن انعدام الحركة الملموسة

عية واألشجار واألنهار والوديان في عناصر الطبيعة الناطقة، كالزهور الطبيالمصورة في منظر طبيعي، وقد سميت تلك األشياء الجامدة بالطبيعة الصامتة، ألنها من عناصرها الملتقية معها في األلوان وفي صفة األنسنة التي يحاول الفنان إسقاطها على الجمادات من خالل األلوان واألضواء ليبث فيها

.اعره اإلنسانيةالحياة ويعكس عليها مشويغلب الخط المنحني على أشكال الكتل؛ فيرسمها تفاحات، وتموجات

. غطاء، وطيات ستارة، وانحناءات في جسد كأس عطشى إلى قليل من الخمرانسيابية تريح عين الناظر إليها، وتسمح فيضفي على األشكال السابقة حركة

لتسرب إلى األماكن المقعرة للضوء بالتشكل في األماكن المسطحة، وللظالل بانة من الخطوط المتعرجة المتفوقة على المنحنية في إبراز تجليات المكو

الظالل، وهكذا يتنحى الخط المستقيم، على الرغم من وجوده، أمام غلبة

).١٤(انظر المثال رقم ) ١(

- ٩٢ -

فيرسم حافات الطاولة ليضفي عليها جمودا، قد تقلل شدته، الخطوط المنحنية، .رجة وأشكال التفاحات الكرويةخطوط الغطاء المنحنية والمتع

وتأتي األلوان لتجعل من الصمت موسيقا، فتغطي أرجاء اللوحة كلها، وتؤكد حضور أشكالها، ومن خالل ذاتية اللون وقدرته على امتصاص الضوء وتجميعه، تقترب األشكال وتبتعد في مستويات اللوحة؛ فترجع الستارة إلى

ها كاألزرق، والشاحبة كالبني الفاتح، وتقترب الوراء لغلبة األلوان الباردة عليالتفاحات إلى األمام لذاتية البرتقالي المائل إلى الصفرة وسطوعه، فتبرز

ولوال وجود الغطاء، في المستوى األول من اللوحة، البتعد، بسبب . واضحةوعلى الرغم ). الداخل(لونيه األبيض واألزرق الموحيين بالعمق، إلى الوراء

أما اإلبريق، الذي يأخذ حيزا في . الغطاء، نجده هادئا ومريحا للعينمن تقدملتجعله في حالة يمين اللوحة، فتتكامل ألوانه مع موقعه في المستوى الثاني

فيتكافأ اللون األبيض المزهر بألوان زاهية مع الخط المنحني لجسد اعتدال، الء، ويخفف من فراغ ما يأخذ مكان الوسط بين الفراغ واالمتياإلبريق، ك

إذ لم يتبق من فراغها إال مساحة صغيرة آثر سيزان مألها . خلفهةاللوحباأللوان القاتمة المشتقة من ألوان األشكال في اللوحة، فاستعار تدرجات البني الغامق من الستارة والطاولة، وتدرجات البني المائل إلى البرتقالي من ألوان

.ن الظالل المتناثرة على الستارة والغطاء والصحنالتفاحات، واألسود من ألوا نولم يكتف سيزان بتكرار األلوان في الفراغ فحسب، وإنما كرر اللو

الواحد في عدة أشكال، فكرر البرتقالي في زخرفة اإلبريق والتفاحات، وكرر األصفر في تدرجاته من الغامق إلى الفاتح في التفاحات، وفي الجزء السفلي

فانتهى بذلك إلى خلق انسجام لوني دمج . الطاولة ومن الستارةاأليسر من . أشكال اللوحة كلها في كتلة متناغمة

وتتجلى الظالل في األماكن المرسومة بالخطوط المتعرجة والمنحنية على حد سواء، فمن تموجات الستارة والغطاء، إلى ظالل الصحن واإلبريق

- ٩٣ -

ويشمل الضوء الغطاء واإلبريق والتفاحات، . ح الطاولةالمتكاثفة على سطويتغلغل في أجزاء من الستارة مولدا الظالل في طياتها، فقد جاء الضوء

.حضورهاليكشف عن ألوان األشكال السابقة ويؤكد

تعد هذه اللوحة مثاال واضحا عن الشكل والحيز المساحي في فن لى فراغاتها، وقد استطاع سيزان تمثيل وتبين غلبة أشكال الكتل عالتصوير،

عن طريق اللون فيقوم بتعديل "بناء صورته ذلك، إذ عرف عنه اجتهاده فيلقد تحدثت هذه اللوحة عن ، )١("شدات اللون ودرجاته معبرا عن الكتلة والحجم

.)٢("مادية سيزان ومفهومه الجدلي للطبيعة"حضور الكتلة وعن

فنجد أكثره عند السرياليين في مثل الكتل، أما غلبة الفراغ على أشكال للفنان اإلسباني سلفادور دالي، وربما يعود ذلك إلى ) ٣()جزيرة األموات(لوحة

شعورهم الدائم بالعبثية، وتعمقهم في خفايا النفس اإلنسانية وأسرار الالشعور، ولعل العناصر . وتأثرهم بنظريات علم النفس ومنها نظرية فرويد في األحالم

السابقة المكونة ألشكال اللوحة من خط ولون وضوء وظل، هي قضايا جمالية وتقنية مشتركة بين فني النحت والتصوير، إذ تقوم بإظهار الناحيتين التشكيلية

لذلك تجعل الروابط بينهما متينة وإن اختلفا في بعض . والتعبيرية في كليهما: ولنتساءل اآلن- أسلفنا بداية كما-النقاط العائدة إلى أسلوب الفنان وأدواته

أين تلك العناصر في فن الشعر؟ وإن وجدت فيه، فهل تقربه من فني النحت والتصوير؟ وما دور الضوء والظل في كل ذلك؟

٣٢اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة، ص ) ١(الشريف، طارق، بول سيزان، منشورات وزارة الثقافة واإلرشاد القومي، دمشق، ) ٢(

.٩٢، ص١٩٧٥ )١٥( انظر المثال رقم )٣(

- ٩٤ -

:الصوت والصمت في الشعر الشفاهيوالتر (اهتمام الباحثين الغربيين أمثال ) الشفاهية والكتابية(أثارت مسألة

اللذين ) ألبرت لورد ..وتلميذه) ١٩٣٥ -١٩٠٢(ويلمان باري (وقبله ) أونج. وغيرهم كثيرون)١("الرسمية األولى" في صورتها" صاغا النظرية الشفاهية

ولسنا بصدد استقصاء آراء الباحثين في هذه المسألة لكن ما يهمنا هو الشعر عربية تعد فالثقافة ال"، العربي الشفاهي والكتابي ودراسته من الناحية الفنية

لذلك . )٢("ثقافة شفاهية األصل متحولة إلى الكتابية منذ مطلع اإلسالم إلى اآلنسنعالج الصوت والصمت في الشعر الجاهلي وفي نماذج من قصائده، وكذلك

تشكيال على ) الشعر الحر(الكلمة والفراغ في بنية القصيدة التقليدية والحديثة لجاهلي لدراسة الصوت والصمت ألنه شعر صفحة بيضاء، وقد اختير الشعر ا

شفاهي في األصل، فلم ال نحاول سماع الشاعر في كالمه واإلحساس بصمته؟ كتلة ذات أبعاد كما في فني ) المنطوق(الصوت في الشعر الشفاهي

النحت والتصوير، بيد أن عملية التلقي لصور هذه الكتلة تختلف في فن الشعر عتمد على حاسة السمع بينما يعتمد النحت ومثله عن الفنين السابقين، إذ ت

التصوير على البصر، وتتطلب عملية إدراك صور الكتل في الشعر الشفاهي، ل الصور المتخيلة التي أراد يتشكلفضال عن حاسة السمع، البصيرة والمخيلة

فصورة الصوت تكمن في اللفظ، وبتعدد األلفاظ . الشاعر إيصالها إلى المتلقيصيدة تتعدد الصور الجمالية، ولنا أن نشير إلى أن زمن إدراك الصور في الق

الشعرية طويل قياسا إلى زمن إدراك اللوحة التصويرية أو المنحوتة، بسبب ففي الشعر نحس بوجود . التداخل بين العملية الذهنية والعملية الحسية في التلقي صورها، وذلك ألن الكتلة الكتلة عن طريق اإليحاء الذي تقدمه لنا األلفاظ في

محمد . د: حسن البنا عز الدين، مراجعة. د: ج، الشفاهية والكتابية،تر. أونج، والتر) ١( . ١٥ ص-١٩٩٤ شباط - الكويت-)١٨٢(عصفور، سلسلة عالم المعرفة

.١١ ص –المرجع نفسه ) ٢(

- ٩٥ -

في الشعر الشفاهي غير ظاهرة، وهنا يأتي دور الصمت بكونه وعاء يحتوي كما يحتوي الفراغ ظالل الكتلة النحتية ويحتوي الحيز ) الكتلة(ظالل الصوت

. المساحي في اللوحة ظالل أشكالها فيكسبها بعدا ثالثا عميقا نستطيع قراءته إال بالصمت ثمة إذن بعد ثالث في الشعر الشفاهي ال

وبمتابعة الظالل المترامية فيه، وحينما ينتقي الشاعر ألفاظه، يكون في دائرة الضوء، فيسقط الضوء عليها لتنجم عنها صور موحية مظللة، وهنا نلمس

صورا تأتي مطابقة لأللفاظ قريبة من الوضوح : نوعين من الصور الشعريةلظل، كالصور في قصيدة الوصف، وصورا يطغى عليها الضوء وينحسر ا

غامضة مظللة تحكي المعنى والمغزى في آن معا، فهي تضمر وراءها . صورا جديدة بمعان جديدة، حيث رغبات الشاعر وهواجسه والشعوره

الظل قد تكون نقشا في / والصورة )١("فالصورة هي الخيال والظل"في ماء، أو تعبيرا في صوت، أو معنى في حجر، أوشكال في مرآة، أو خياال

كلمة، فهي صورة الوجود تتراءى بين الوجود والعدم في صيرورة أبدية استوى طرفاها، أما معنى المعنى فيكمن في تكاثف الظالل المتشكلة من ظل

ومن هنا يرى . الظل، أي صورة الصورة، إنه انتصار للوجود على العدمو أعمق داللة من النطق المجرد، ألنه يتلقى نطق مصور ه" دوبري أنه ثمة

، بينما تختلط األمور وتتخبط الظالل )٢("بالحدس ويشمل التعبير والداللةوتختلف نقاط الضوء في النطق المجرد، فمن خالله يمكن للمرء أن يتلقى أكثر من داللة في العقل غير أن كثرة الدالالت واختالفها يقودان إلى اللبس

وهذا الرأي ال يعني بالضرورة . يضيع جزء من حرارة التلقيوالتعقيد، فتفضيل التصوير على الشعر أو الصورة الشعرية الواضحة على الغامضة، وإنما يدافع عن الصورة سواء أكانت في لوحة تصويرية أم في قصيدة أم في

.١٧حياة الصورة وموتها، ص) ١( .١٧المرجع نفسه ص) ٢(

- ٩٦ -

منحوتة، وبناء على ذلك يمكننا قراءة الشعرية في لوحة تصويرية وتصوير مستوحاة من قصيدة، ومع تقلب الصور الشعرية تتقلب اللوحات لوحة

التصويرية بين الوضوح والغموض والتعقيد والبساطة، ومع ذلك تكمن قيمة الصورة ال فيما تقوله فحسب وإنما فيما ال تقوله، في النغم المتدفق منها وفي

التي ، )ظالل الصمت(ألن الداللة الصامتة . كونها لحنا أكثر منها صورة . تتحدث عنها الصور، هي داللة الموسيقا تنساب وتؤثر

ومن هنا، من بين الصوت والصمت، والضوء والظل، والوضوح والغموض، والدالالت الصامتة والمتكلمة، من الفرق بين أثر الكلمة وأثر الصوت في طبيعة اإلدراك، ظهرت قصائد كثيرة ال يمكن قراءتها إال مكتوبة

ية اإلدراك، كبعض أبيات أبي تمام وأحمد شوقي وأدونيس، للوصول إلى عملوفي المقابل، ثمة قصائد لشعراء آخرين كالبحتري تتدفق صورها وهي مسموعة في ذهن المتلقي بانسيابية أجمل من تدفقها وهي مقروءة، وذلك ألن الشعر الذي

يتيحه يعتمد على الفكر يحتاج إلى زمن ليستوعبه المتلقي، وهو الزمن الذي ومثلما . الصمت في الشعر الشفاهي ويتيحه الفراغ في الشعر الكتابي المقروء

تتنوع أشكال الكتلة في فن التصوير كذلك تتنوع األصوات بألفاظها في فن الشعر، ولسنا بصدد دراسة لغوية لسانية لأللفاظ وطرق نطقها ومقاطعها

لية في توزع األصوات في الصوتية، فما يهمنا هنا هو الناحية الفنية التشكيالقصيدة وأماكن الصمت فيها، فضال عن العناصر والصور التي تجعلها مقاربة لفني التصوير والنحت ومدى اختالف عملية اإلدراك بين القصيدة المسموعة

.والمكتوبة لدى المتلقي. بل قد تفوقهما- كالتصوير والنحت–وتتعدد موضوعات الشعر

ه موضوع ما تخرج صوره متحدثة عن عنصر من فالشاعر حين يثيرمثال ويمثل ذلك في ) كالطلل(عناصره فيقف عنده مطوال يحاوره ويعبر عنه

أبيات عديدة، ويختار ألفاظه بما يناسب الموضوع أو أحد عناصره، فيخيل إلينا مثال حين يتحدث امرؤ القيس عن الطلل أن األصوات تخرج منه متذبذبة

- ٩٧ -

ة، مرتجفة ارتجاف الصوت أثناء البكاء، ألوانها رمادية وخطوطها غير ثابتمنحنية، بينما يأتي صوت لبيد هادئا وقورا اليخلو من الحسرة والحزن من غير ارتجاف أو اضطراب، فهو في حديثه عن الطلل يرسم بالظل فيشبه

. )١("قدم األيام ببقاء الكتاب في الحجر"آثارن أدوات المصور والنحات في تشكيل العمل وتختلف أدوات الشاعر ع

الفني، فيستخدم الشاعر، بواسطة نظم الكلمات في أبيات، الوزن والقافية واإليقاع ليشكل القصيدة ويشترك مع المصور والنحات في تشكيل الصور وتلوينها، وإسقاط الضوء وتدرج الظالل في عمله الفني، غير أن صور

ور المصور والنحات ألنها تستخدم اللغة التي تعد الشاعر أكثر تجريدا من ص . مجردة أكثر من الحجر والصبغ

تحليل مقطع من معلقة امرئ القيس

في فن الشعر الشفاهي، اخترنا - صوتا وصمتا–لدراسة الكتلة والفراغ لنرى كيف تتوزع األصوات، وأين الوقوف عند مقطع من معلقة امرئ القيس

. لصمت، ومتى تعكس ظاللها عليه صورا جماليةتتوقف ليبدأ اقفا نبك من ذكرى حبيب ومنـزل

)٢(بسقط اللوى بين الدخول فحومـل

فتوضح فالمقراة لم يعف رسـمها

نسجتها من جنـوب وشـمأل لما يبدأ امرؤ القيس من الصمت، فقبل البكاء والوقوف ثمة لحظات صمت

هيأته للوقوف والبكاء، وعندما دخل إلى عالم الصوت، دخله باكيا، ويبدو التالزم واضحا بين الوقوف والبكاء، بين الفعل والالفعل، فالبيت األول تشكله

أصوات متراصة مرتبة، تميل إلى الخفة في الحروف واإليقاع لتصبح في . الشطر الثاني أقرب إلى الثقل والجزالة

٩١ م، ص ١٩٦٣ - هـ١٣٨٢ – بيروت -علقات السبع، دار صادرالزوزني، شرح الم) ١( ٨ - ٧ معلقة امرئ القيس، ص-المصدر نفسه ) ٢(

٧ م -الضوء والظل

- ٩٨ -

ينطوي على ) نبكي( من الفعل – كتابيا - الحرف الذي حذف ) قفا نبك(داللة ما، إذ خفف من وزن الكلمة فجاءت منسابة مرتجفة رقيقة كالبكاء، أما

ما صوتان يميالن إلى الخفة على الرغم من القوة في حرف الفعالن نفساهما فهصورة : بيد أن ارتباط أحدهما باآلخر ينتج عنه والدة صورتين). القاف(

والبكاء هنا ليس على الطلل فحسب، وإنما على . الوقوف، وصورة البكاء... ذكرى الحبيب، المنزل(الذكريات التي يثيرها الطلل في نفس امرئ القيس

، فيبكي الخيال الذي استرعاه، أو يبكي الماضي، ليصور لوحة ) الخوالياأليامتشكيلية، فيبدأ من الظل ليرسم العمق قبل المستويين األول والثاني، ومن ثم

الوقوف، (ترسم ريشته أول نقطة في اللوحة، كتلة صوتية ذات بعدين واضحين وتطغى . ليها بعدا ثالثامظللة بواسطة صور تتتابع في ذهنه فتضفي ع) البكاء

الظالل على ألوان البعد الثالث، ألوان الماضي الرمادية المائلة للقتامة، ونرى امرأ القيس يرسم بتلك األلوان بقايا طلل احتضنته يد الفناء، وكما يستوقف البعد الثالث الناظر إليه ليبحث عن أجوبة، كذلك يستوقف الطلل امرأ القيس والمتلقي

سواء، لينظرا إلى ألوانه الرمادية الحزينة فتستفيض نفساهما بالحزن على حدوالبكاء، وال يلبث امرؤ القيس أن ينتقل إلى اإلضاءة خوفا من االستغراق في الماضي والظالل، فيسقط الضوء في دقة ال متناهية وكأنه يتقيد بقواعد

الترتيب محددا مواقعها المنظور، على ترتيب الكتل الصوتية، فيعددها ويعطفها بحتى يجد نفسه راجعة )... فتوضح فالمقراة(، )سقط اللوى بين الدخول فحومل(

لقد عاد إليه، لكنه هنا، عاد معلال ومفسرا عدم امحاء آثاره في . إلى الطللبالتراب، ) شمأل أو الجنوب(إذا غطته إحدى الريحين : موضع المقراة فيقول

أال يشبه هذا التناوب بين الحجب والكشف، . عنهكشفت األخرى التراب ن الوقوف والبكاء والضوء والظل؟ المالزمة بي

ترى بعر األرآم فـي عرصـاتها ــل ــب فلف ح ــه ــا كأن )١(وقيعانه

٨شرح المعلقات السبع، معلقة امرئ القيس، ص ) ١(

- ٩٩ -

البيت صورة مظللة، أجمل صوتين فيه هما كلمتا يعكس هذا ولنا أن نذكر هنا . إذ تبدوان منسجمتين في سياق إيقاعي) عرصاتها، قيعانها(

داخل أنماط حافزة "أنه من سمات الشفاهية أن يقوم المتحدث بعملية التفكيرفي كلمات متجانسة الحروف األولى أو " تصاغ هذه األنماط،)١("للتذكر

فهل لدى امرئ القيس رغبة في التذكر، من خالل العودة إلى ،)٢("مسجوعةذكريات الماضي ممثال تلك الذكريات حتى في انتقاء كلماته والتلذذ بسماع

أصواتها المسجوعة حينا والمتجانسة أحيانا؟

يدة إن امرأ القيس يضيف إلى البعد الثالث في لوحته بيتا جديدا فيه ظالل جد .تتساقط على ساحات المنازل، ظالل ذات ألوان سوداء قاتمة كألوان حبات الفلفل

أما األرآم، الظباء البيضاء الخالصة البياض، فيختارها بألوانها لقد رحلت . المتناقضة مع الحبات السوداء يتحدث عنها وال يضعها في اللوحة

دل الظالل على ضوئها تاركة بقايا منها تدل على وجودها في الماضي، كما تالساطع الالمرئي الذي ال يظهره دائما المصور واضحا للعيان في اللوحة،

في لوإنما يكتفي بتشكيل ظالل دالة على وجوده وهكذا فامرؤ القيس ما يزاحالة الكالم تتداعى عنده الصور واحدة تلو األخرى، صورة تذكره بصورة

.راقأخرى وهكذا حتى يصل إلى يوم الفكأني غداة البـين يـوم تحملـوا

)٣(لدى سمرات الحي ناقف حنظل

صحبي علـي مطـيهم وقوفا بها

يقولون ال تهلك أسى وتجمـل في البيت األول تظهر ذات الشاعر للمرة األولى، في صورة جديدة ال

الشاعر تظهر يوم الرحيل، ) أنا(، )أني غداة البينك(تقل شأنا عن سابقتها، ) كأني(تمثلت أناه في ياء المتكلم في الكتلة الصوتية . رحيل األحبة وفراقهم

٩٤الشفاهية والكتابية، ص ) ١(

٩٤المرجع نفسه، ص ) ٢( ٩-٨شرح المعلقات السبع، معلقة امرئ القيس، ص ) ٣(

- ١٠٠ -

ظهرت أول مرة ظهورا جديدا، لكنه في الوقت نفسه، حائر معذب ال يخلو من الدموع، وكأن الدمع ظل الشاعر المرافق له، كظل اإلنسان ال يرغب في

تعاد عنه، وهو يشير إلى الدموع مجددا حين يشبه نفسه بناقف الحنظل االبوثمة امرأة . الذي يقف حائرا عند سمرات الحي وتنهمر دموعه جراء النقف

في هذا البيت لم يذكر اسمها، اكتفى باإلشارة إليها في حالة الفراق والرحيل د دل عليها الطلل ، إنه يتحدث عن المرأة من حيث هي أنثى، وق)يوم تحملوا(

سابقا، فليس الطلل إال أنثى في الشعور الجاهلي يذكره بامرأته الراحلة، ).قفا نبك(فيبكي، وتعود به دموع الحنظل إلى مهطـيلـي مبي عحوقوفا بها ص

)١(ولون ال تهلك أسـى وتجمـل يق

اء، إلى العزاء الذي يقدمه األصحاب طالبين منه يعود إلى الوقوف والبك وهنا في هذه اللحظة، يدخل امرؤ القيس إلى عالم الصمت وكأنه رجع . الصبر

إلى الوقوف ليصمت، ونحن ال نعرف الوقت المستغرق في الصمت أقصير هو .أم طويل؟ لكننا نعرف فقط أنه صامت اآلن ألن الوقوف هو السكون والصمت

بقا بالصمت ثم انهالت على ذاكرته الصور الباكية التي جاءت وهكذا بدأ سابأصوات مرتجفة أوقفها صوت خارجي غريب عن صوته، صوت أصحابه يتكلمون معه، فإذا بصحوة مفاجأة تنتاب امرأ القيس في هذه اللحظة لتوقظه من

وتتطلب تلك الصحوة لحظات من الصمت، ليفكر بما . حلم حزين مليء بالدموع وبما حلم، وليفسر بكاءه، وعلى هذا الصمت تساقطت صوره السابقة ظالال قال

مترامية األطراف، صمت حين خرج منه امرؤ القيس قال أروع بيت في هذا المقطع، بيت امتزجت فيه الظالل واألضواء، ظالل الوهم والذكريات والدموع

:نطق، اندمجت بأضواء العقل والم)الطلل(النابعة من الظل األول ــة ــرة مهراق بــفائي ع وإن ش

)٢(فهل عند رسم دارس من معول

.٩، ص المصدر نفسه) ١(

.٩شرح المعلقات السبع، معلقة امرئ القيس، ص ) ٢(

- ١٠١ -

العاطفة (يمثل هذا البيت حالة امتزاج األضداد في تناغم المتناه، ، امرؤ القيس ال يبكي بكاء عاديا هنا، وإنما تنهمر )المرض والشفاء(، )والعقل

لكنه يفاجئنا بصوت العقل المضيء يخرج دموعه بغزارة وتتوهج عاطفته،، هل ينفع البكاء )فهل عند رسم دارس من معول: (من زخم العواطف فيقول

إنه يجد خالصه وشفاءه في . على طلل فان ال يعول عليه، وال رجاء منه فالبكاء عند امرئ القيس هو .يعد، في الوقت نفسه، سبب حزنهالبكاء الذي واألمر أعماقه، فهو ال يعرف لماذا يبكي،ء، أسبابه دفينة في الداء والدوا

أيبكي من رحيل المرأة أم من . الوحيد الذي يدركه تماما هو استجابته للبكاءموقفه منها؟ ومن هذا البيت تنطلق المفردات األنثوية في األبيات الالحقة فنراه

طغى عليها المبالغة يعدد أسماء النساء ومواقفهن تجاهه، ضمن حكايا غريبة تفي الفحولة والتباهي بإقبال النساء عليه، ومن ثم فقد نظم امرؤ القيس أكثر من نصف المعلقة في المرأة على نحو مباشر، ونصفها اآلخر على نحو غير مباشر، فهل كانت هي المشكلة األساسية في نفسه؟ هل هي الطلل؟ هل هي

وء في نفسه ومنها تستفيض األشعة البكاء أم هي سببه؟ هل تمثل بؤرة الضمتساقطة هنا وهناك مشكلة ظالل اللوحة؟ هل المرأة كالطلل تظهر في البعد

.)١(الثالث أم هي البعد الثالث في كل تفصيالته؟نالحظ مما سبق أن الصوت والصمت في الشعر الجاهلي الشفاهي

مساحي في فن يعادالن الكتلة والفراغ في فن النحت، والشكل والحيز الالتصوير من خالل ما يرسمانه من أضواء وظالل في صور شعرية تعتمد

.على الحدس الذي يعد ظال بذاته - كما أسلفنا- قراءتهاوقد حاولنا في هذه الفقرة عرض عنصري الصوت والصمت من العناصر التشكيلية المكونة للقصيدة عمال فنيا كما كونت الكتلة والفراغ

الصوت (اكتفينا بدراسة مقطع واحد من المعلقة، مثاال ونموذجا، إليضاح مفهوم ) ١(ويمكن العودة إلى عدة مقاطع من معلقة ) الجاهلي(في الشعر الشفاهي ) والصمت

.الصمتامرئ القيس وغيرها من المعلقات الجاهلية لنتلمس الصوت و

- ١٠٢ -

وتة وكونت األشكال ضمن توزعها في الفراغ المساحي اللوحة، وقبل المنح إن صح –دراسة عنصري الكتلة والفراغ مجسدين في الكلمة والفراغ الطباعي

في الشعر الكتابي الذي يرسم شكل القصيدة، علينا أن نوضح عملية -التعبير حاسة إدراك الصوت واإلحساس بالصمت، فقد رأينا أن الصوت يعتمد على

السمع بينما تعتمد الكتلة بأشكالها في فني النحت والتصوير على حاسة البصر، كما رأينا أن الصمت يحتاج إلى إحساس رفيع وبصيرة نافذة إلدراكه، ومثلما تميز العين الخطوط واأللوان وتتجاوب معها أو تبتعد عنها في اللوحة، كذلك

ت التي هي في ذاتها غير شائقة، أن تميز بسهولة بين األصوا" تستطيع األذنإن لم تكن تحدث الضيق في النفس، وبين النغمات التي لها جاذبية ال يغفل عنها

فمثلما ميزت العين بين األلوان الحارة والباردة وبين الخطوط )١("اإلنسانالمنحنية والمستقيمة، تستطيع األذن أن تميز بين األصوات الباكية الموحية

. ما أوحى الخط المنحني، واألصوات الغاضبة المتكسرة وغيرهاباالستسالم ك

وتتنوع األصوات لتضفي اإلحساس بالحركة على القصيدة، كما أضفى فال شك أن " تنوع األشكال والخطوط واأللوان اإلحساس بالحركة على اللوحة

عالم الصوت له القدرة على التنوع الالمتناهي، ولو كانت حاسة السمع لدينا هفة حقا ألدركنا أن عالم السمع له أيضا القدرة على االمتداد الالمتناهي، مر

وله بالقوة من . وهو ال يقل عن عالم المادة في إثارة اهتمامنا وإيقاظ انفعاالتنا )٢("المعنى ماال يقل عن عالم المادة، إال أنه بالفعل أقل ثباتا وأصعب استخداما

ما يكون في طريقه إلى انعدام الوجود، فهو ذلك أن الصوت ال يوجد إال عند"ببساطة، ليس قابال للعطب فحسب، وإنما هو سريع الزوال سرعة جوهرية،

فإنه في الوقت " غيداء" فعندما ألفظ كلمة. ويتم اإلحساس به بهذه الصفة عينها قد اختفى، وال بد له أن "غي" ، يكون المقطع"داء" الذي أصل فيه إلى المقطع

٩٥اإلحساس بالجمال، ص ) ١( .٩٥اإلحساس بالجمال، ص ) ٢(

- ١٠٣ -

إذا أوقفت حركة ... فليس ثمة طريقة إليقاف الصوت أو تثبيته. ييختفوهنا تكمن العالقة بين . )١("الصوت فلن يكون لدي شيء سوى الصمت فحسب

الصوت والصمت في والدة جديدة من الموت، إذ يولد الصمت حامال في لقي ثناياه صورا جمالية يرغب المبدع في قولها لكنه يكتفي بالصمت تاركا المت

في فسحة اإلبداع، ليجعل منه مبدعا جديدا يقوم بقراءة العمل الفني ضمن أسلوبه الخاص، فتأتي الصورة متقلبة بين الوجود والعدم، وقديما، منذ أيام

كان الخزفيون األثينيون يمثلون لوالدة الصورة أحيانا بمحارب " اإلغريق،هكذا ... أحسن ميتةمصغر يخرج من قبر محارب هلك في المعركة ومات

ومن )٢("تؤكد الصورة انتصار الحياة، بيد أنه انتصار منتزع من الموت .الصمت والسكون

فهل يقابل الصمت الفراغ في الصفحة البيضاء متجليا في السطور الفارغة أو في عالمات الترقيم؟ وهل يمكن تثبيت الصوت في الكلمة؟ ماذا

دة؟ وهل جاءت تلك األدوات مساعدة قدمت الكتابة للشعراء من أدوات جدي لتثبيت كل ما أرادوا قوله في صفحة بيضاء؟

:الكلمة والفراغ في الشعر الكتابيبإزاحة الكلمات من عالم الصوت وبإحالتها بشكل قاطع "أفسحت الكتابة

المجال للشعراء كي يعبروا عن هواجسهم ورغباتهم )٣("على سطح مرئيوبة في فراغ مرئي، ومن الجدير بالذكر أن الداخلية عن طريق كلمات مكت

للكلمة استمراريتها رغم سكونها الشكلي وثباتها ضمن الحروف، وقد رأينا سابقا أن الصوت زائل ال محالة بينما تبقى الكلمة في حقل الحروف ويمكن

:تقطيعها إلى قطع صغيرة، بل يمكن كتابتها من األمام ونطقها من الخلف ف"

.٩٠الشفاهية والكتابية، ص ) ١(

.١٨حياة الصورة وموتها، ص ) ٢( .٢٣٧الشفاهية والكتابية، ص ) ٣(

- ١٠٤ -

، لذا فمهما مر عليها الزمان تبقى )١("دهش" يمكن أن تنطق" د- ـ ه-ش "محفوظة في صفحات الكتاب، وفي المقابل، ال يمكن قراءة الكلمة إال بتحويلها إلى صوت جهوري أو ضمني، لذا كان ال بد للشاعر من أن يعي هذه العالقة

تها بين الكلمة والصوت لينتقي الكلمة المناسبة في إيقاع حروفها ومناسبللموضوع ووقعها على سمع المتلقي، ومن هنا كان الشعر الوصفي والغزلي مناسبا للتعبير الشفاهي الممثل في األصوات، بينما كان الشعر الفكري

إلى قراءة عميقة لكلماته وتوزعها – كما أسلفنا –والفلسفي يفتقر في إدراكه .في السياق اللغوي واإليقاعي وحتى النفسي

إن الكلمة المكتوبة كتلة رسمتها الحروف، لها أبعادها :وقد يقالوظاللها المعنوية والنفسية ودالالتها المتغيرة بتغير حروفها، أو تغير موضعها

عن أثر أنواع الخطوط في ل، وقد يتبادر إلى الذهن سؤا)الجملة(في الكالم وير؟ الكتابي، مثلما أثرت في أشكال الكتل في النحت والتصركلمات الشع

رأينا أن الخط عنصر بنيوي مهم في فني النحت والتصوير، لكونه عنصرا أساسيا في التشكيل يقوم بتحديد الشكل وكثافة المساحة، واإليقاع

أما في الشعر الكتابي فال تؤثر أنواع الخطوط العربية في مضمونه . والتكويناس بإيقاعها وأصواتها أو وإن كانت تقدم بنى شكلية مختلفة للقصيدة دون المس

كلماتها وما تحمله من دالالت، بينما يؤثر التباين في أنواع الخطوط في تكوين لكن يبدو لزاما أن نشير إلى أن البنية الشكلية . المنحوتة واللوحة وإيقاعهما

المضافة إلى الشعر الكتابي تعطي إحساسا بصريا ومتعة أخرى ناتجة عما وهو من فنون الكتاب بوجه mise en pageباللغة الفرنسية يسمى اإلخراج، أو

تظهر مشابهة لألشياء ألننا نفكر فيها من " الكلمات" الكتابة تجعل"وأن. عام )٢("حيث هي عالمات مرئية تشير إلى كلمات يقرأها من يفهم تلك العالمات

.١٧٦المرجع نفسه، ص ) ١( .٦٠ -٥٩الشفاهية والكتابية، ص) ٢(

- ١٠٥ -

من جانب فني تشكيلي الولعل قراءتنا الكلمة على أنها كتلة ودراستها ألنه يشكل مستوى أوليا للمعنى " الوقوف عند معناها المعجمي دائمايتطلب منا

.)١("في إطار كلية الشكل الشعري التي تمنحها مستويات أعمق من المعنىيولد توزع الكلمات في الفراغ شكل القصيدة وبنيتها وتكوينها، مثلما تولد

لة في معادلتها مع الفراغ بنية أشكال الكتل تكوين اللوحة في فن التصوير، والكت :أن) البعد الجمالي(المنحوتة ونوعها، ومثلما يرى هربرت ماركوز في كتابه

الشكل الجمالي ال يناقض المضمون ولو جدليا، ففي العمل الفني يغدو الشكل "هكذا نستطيع تفسير شكل القصيدة التقليدية . )٢("مضمونا والعكس بالعكس

يدة الحديثة الحر، عند قراءة مضمون كل نوع على حدة، الصارم أو شكل القصوكنا قد الحظنا سابقا تعدد المدارس الفنية في فن التصوير وذلك الختالف األساليب بين المصورين، ورأينا أن أسلوب المصور في التعامل مع البعد الثالث وتوزيع األشكال وأخذها حيزا في الفراغ، يعكس مفاهيم حضارته

ره، أما اآلن، فسنقف عند أثر توزيع الكلمات في الفراغ ضمن القصيدة، وأفكاوالتي تعد انعكاسا للنمط السائد في كل عصر، وأهميتها في إيضاح البعد

ماهية الشعر أو حقيقته تنبثق من تقنياته التي تؤلف شكله "الثالث، ذلك أنهما شكال الجمالي، فيشكالن معا وحدة مطلقة وال ينفصالن باعتبار

فالشكل والمضمون ثنائية تنتهي إلى الوحدة، وإن كانت القصيدة ، )٣("ومضموناالجاهلية، في بنيتها قد أثرت في قصائد العصور الالحقة، فمنذ العصر

تحليلية في حركية الوعي الشعري دراسة : هالل، فلسفة الشعر الجاهلي. الجهاد، د) ١( ١٠، ص ٢٠٠١، ١العربي، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، ط

٢ ط- بيروت– جورج طرابيشي، دار الطليعة: البعد الجمالي، تر ماركوز، هربرت،) ٢( .٥٥، ص١٩٨٢

يكون المرء فنانا متى أحس بما : ويقول ماركوز" /٥٠فلسفة الشعر الجاهلي ص ) ٣(، انظر البعد الجمالي "الشيء ذاته"لالفنانون الشكل وكأنه المضمون، كأنه هويدعوه ا

).٥٥ص

- ١٠٦ -

اإلسالمي مرورا باألموي والعباسي والقصيدة ذات شكل صارم ولم تستطع ان لرغد العيش والرفاهية التغير أو التنفس حتى العصر األندلسي وربما ك

.والطبيعة الخالبة، أثر في تحرر القصيدة األندلسية من الشكل التقليدي: وتشترك الكلمة مع الصوت في كونها كتلة، لكنهما يختلفان في ناحيتين

تتمثل األولى في الفراغ، فعندما كان الصوت كتلة كان الصمت فراغا وسكونا الفراغ هنا هو المقابل "ارت الكتلة كلمة فإنفيه كالم لم يقل بعد، وحين ص

والناحية . بيد أنه فراغ محسوس يتعمد الشاعر رسمه بالكلمات،)١("للصمتالثانية تكمن في أبعاد الكلمة من حيث هي كتلة، فقد رأينا أن الصوت صورة

– فضال عن تلك الصور–مظللة خفية تشكل القصيدة، أما أبعاد الكلمة فهي وهو نوع جديد من الشعر ساد ) دبالشعر المجس( مولدة ما يسمى ترسم أشكاال

في الغرب، يعنى برسم مضمون القصيدة، ومن أشهر شعرائه الشاعر الذي رسم بالكلمات حبات مطر متساقطة )٢()Apollinaire(الفرنسي أبولينير

أدخن ( وفي قصيدة (Il pleut) ) إنها تمطر(من السماء في قصيدة عنوانها وقد ظهرت مالمح بسيطة لهذا النوع من )Je fume en pensant) (وأفكر

الشعر في الشعر العربي الحديث بدأت مع قصيدة التفعيلة، ونلمح بعض للشاعر بدر شاكر السياب، فهو ) أنشودة المطر(تجلياته أو مالمحه في قصيدة

: حين دون كلمات المطر رسمها متساقطة عموديا كحبات المطر )٣(..ن أقواس السحاب تشرب الغيومكأ

..رـرة فقطرة تذوب في المطـوقط رومـال في عرائش الكـوكركر األطف

٢٣٣الشفاهية والكتابية، ص ) ١( عام "أدخن وأفكر"، وقصيدة ١٩١٤عام " إنها تمطر"، نشرت قصيدة )١٦(انظر المثال رقم ) ٢(

)www.google.com / APOLLINAIREانظر الموقع (، manuscriptدار النشر – ١٩١٥ .٤٧٥ ديوان السياب، ص )٣(

- ١٠٧ -

ودغدغت صمت العصافير على الشجر رـأنشودة المط رـمط رـمط ر ـمط

ولعل تحرر الشعر الحديث من صرامة شكل القصيدة التقليدية لم يدفع ء في الغرب، فعلى الرغم من ثورة به إلى الشعر المجسد كما تناوله الشعرا

الشاعر سعدي يوسف على الشكل ورسمه بالكلمات قصائد ذات بنى هرمية أو متموجة، لم يصل إلى التجسيد والتصوير كما فعل أبولينير حين رسم غيمة أو

.مطرا، أوحين جسد غليونه بالكلماتيدة ولما كان البحث مقتصرا على الشعر العربي سنتوقف عند قص

للشاعر سعدي يوسف نموذجا نرى فيه كيف وزع الكلمات في الفراغ، وكيف عبر عن هذا الفراغ، وهل جاء تشكيله له مناسبا لتعبيره؟ فهل أراد إخبارنا بأمر ما حين ترك مساحات فراغية تتجاوز السطرين واضعا النقاط فيها بدال

؟من الكلمات؟ أم أنه كان صامتا صمت امرئ القيس :لسعدي يوسف" أغنية الصرار" تحليل قصيدة

أسئلة كثيرة تتولد في ذهن المتلقي عند قراءته لسعدي يوسف، قد التي )١() أغنية الصرار(نستطيع اإلجابة عنها إذا توقفنا عند تحليل قصيدته

:يقول فيهااآلن ا أكتبعم ،ما ساءلت نفسي اآلنرب...

لماذا أكتب اآلن؟

دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، الطبعة - "حفيد امرئ القيس"يوسف، سعدي، قصائد) ١( .١١٩ -١١٨، ص٢٠٠٦األولى،

- ١٠٨ -

اآلن؟وفي أي مكان أكتب ........ ........

........

نصف القرن من ألعابك تعبكألم ي: الصخرة والنبع

إلخ؟...األلوان والغيم...وهذي اللغة

إنك ال تبدو دؤوبا مثل نجار وال منتبه الملمس كالخزاف؛

أنت الغافل الناحلوالتأتاء.... والدنيا؟ما شأنك

دع العالم يمضي مثل ما علمنا العالم أن يمضي، فما لله، لله

...وما قد كان للقيصر، للقيصر قم، فاذهب إلى مقهى على الشاطئ

بنبيذ الشمس إذ تغرب موانع والمرأة إذ تلعب

.......والسنجاب.................. ..................

- ١٠٩ -

.................. !كم ساءلت نفسي

:نصف قرن، وأنا أسأل نفسي لم ال تخذلني أغنية الصرار، كي أغفو قليال؟

أسئلة كثيرة يعرضها الشاعر على نفسه في بداية القصيدة، تنصب كلها في السؤال عن فعل الكتابة، عميكتب؟ وفي أي مكان يكتب؟ يكتب؟ ولم

، فهل يحاول أن يخبرنا أنه اآلن يمر بعاصفة )اآلن(من ويحدد في أسئلته الزالتقلبات؟ تبدو الكلمات في المقطع األول كتال خفيفة مكررة في توزيع مختلف النسب في الفراغ، كما تتكرر السنابل في حقل صيفي، بيد أن كل واحدة تتفرد

في ثالث مرات ) أكتب(لقد كرر الشاعر فعل . في جماليتها عن األخرىالمقطع، لكنه في كل مرة أضفى عليه لونا جديدا وظالال مختلفة، مثلما يضفي

المصور في استخدامه تدرجات اللوناألحمر على الشمس معاني مختلفة، فيختلط األمر أحيانا في تحديد

في *)كلود مونيه(زمنها أهو غروب أم شروق، مثلما فعل الفنان الفرنسي .)١ ()انطباع(لوحته

من خالل –أما عند سعدي يوسف، فيختلف األمر قليال، ألن الشعر يقدم رؤية أقرب إلى الوضوح من فن التصوير –كلماته المنتظمة في السياق

عم (، )أكتب(فاختالف أسماء االستفهام أدى إلى اختالف غاية الفعل . بألوانه، ففي كل )تب؟في أي مكان أك(وعن ) لماذا أكتب(كتلتان مختلفتان عن ) أكتب

نفسها لكن في ارتباط جديد مع كلمات جديدة مختلفة ) أكتب(سياق وضعت كلمة

من كبار فناني المناظر الطبيعية في القرن ) ١٩٢٦ – ١٨٤٠ ( Monetكلود مونيه ")*( أو غروب " انطباع" نسبة إلى لوحتهالتي سميت" التاسع عشر، ومن زعماء االنطباعية

)٢٤انظر اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة، ص "(الشمس ) ١٧(انظر المثال رقم ) ١(

- ١١٠ -

عن سياقها اآلخر، فأدت إلى معنى جديد وظالل وصور جديدة، تماما مثلما وردة جورية في شعر غجرية سمراء ثم - على سبيل المثال–يرسم المصور

.لها مضرجة بدماء الشهداءأو يشك )١(يعود ليرسمها في السماء الزرقاءإن الوردة شكل لكتلة في لوحة، وعالمة لها دال ومدلول، متغيران بتغير موضعها، أو تغير أشكال الكتل المحيطة بها، ومن اختالف المدلوالت يختلف المعنى، وهذا ما قام به سعدي يوسف عندما انتقى موضع الفعل

. في السياق) أكتب( الكتلة الرابطة بين جميع الكتل في المقطع فهو) اآلن(أما الظرف

كان الزمن "األول، وكأنه الظل الذي يربط الكتل ليجعلها كتلة واحدة، وقديما، أما عند سعدي يوسف )٢("يقاس حتى عصر بركليس بامتداد الظل وتقلصه

وقراءة المقطع األول توحي بالظالل الحائرة ). اآلن(فيتحدد الوقت بظل والشاعر يدفع المتلقي إلى . كأن الضوء خفي لم يظهر بعدالمتسائلة، و

الفضول من خالل طرح األسئلة، إذ يوزع الكلمات في تشكيل جمالي مستعينا بعالمات الترقيم التي هي أدوات تخلق اإلحساس بالزمان وتحول السمعي

إلى كتابي، فشكل الكتابة يوحي للمتلقي بالصمت أو بالتلكؤ أو ) الشفاهي(لسرعة، ويرسم اإليقاع النفسي للشاعر، وتكرار النقاط عند الشاعر يدل على با

االنفتاح على الفراغ، وإشارات االستفهام تؤكد التساؤل، أما الفاصلة فتوحي بمزيد من الكلمات القادمة وأن الجملة لم تنته بعد، والنقطة على السطر مكان

.ونهاية وصمتم بما يناسب الشكل وقد وظف سعدي يوسف عالمات الترقي

عم أكتب (والمضمون، جاعال الشكل يوافق المضمون، فهو عندما يسأل يضع نقاطا متكررة غير آبه بإشارة االستفهام، على الرغم من ..) اآلن

.)١٨(انظر لوحة الفنان سلفادور دالي، المثال رقم ) ١( .٥٨،ص١تدهور الحضارة الغربية، ج) ٢(

- ١١١ -

الصيغة االستفهامية لجملته، فهو يعرض سؤاال ويجيب عنه في الوقت نفسه، ات االستفهام بعد السؤال ليضع بعدها النقاط، ووضعه إشار) عم(واختياره

، يدل على سؤال شامل يحتمل أجوبة )في أي مكان(بلماذا، والسؤال ب عديدة، فالشاعر في النهاية صاحب رؤية نافذة وأحاسيس مرهفة تجعله يتناول أي موضوع يؤثر فيه، وال يمكنه تقييد شعره في موضوع أو اثنين، وكأن

قي معا، فهو عندما يضع النقاط الشاعر يعرض سؤاله على نفسه وعلى المتل) اآلن(يفسح المجال أمام المتلقي للبحث عن األجوبة، وتحديده الزمن بقوله

داخلي (؟ هل ثمة مؤثر )اآلن(يوسع دائرة التقلبات والحيرة، فماذا يوجد لديه يدفعه إلى الرغبة في الكتابة؟ مؤثر يثير هواجسه دفعه واحدة، ) أو خارجي

د كل تلك التساؤالت في لجة الصمت والفراغ معبرا عنهما في فإذا به يدخل بعرسمه نقاطا متكررة تأخذ مساحة ثالثة سطور فارغة من الكلمات، فهل يؤكد الصمت والفراغ؟ أو يرسم أفقا في لوحته، ليضفي اإلحساس بالمستقبل الغامض الذي يتطلب الصمت أكثر من الكالم، ويمثل المدى البعيد الكامن في البعد الثالث في اللوحات التصويرية، إنه في دخوله الفراغ يدخل في حالة التأمل، ويسكب الظالل المتولدة من كل التساؤالت السابقة في هذا الفراغ، مشكال البعد الثالث من غير تحديد معالمه الواضحة من صور أو أشكال،

مي الظالل في فيكتفي بالتقسيم، ويقسم اللوحة إلى ثالثة مستويات، فيرالمستوى الثالث لتغدو أجوبة تائهة ألسئلة متشعبة، وهو في رسمه الفراغ

األول يناسبنا متلقين والثاني يناسبه مبدعا، فتكمن في : يضعنا أمام خياريناألول توقعاتنا وأجوبتنا عن أسئلته أو محاولة اإلجابة عنها، وفي الثاني يوحي

أسئلة غير مكتوبة غافية في ذهنه أشار إليها بتقلبات عديدة تخصه، فقد تكونمن خالل الدخول المفاجئ في الفراغ، إنه صامت في هذه اللحظة وقد يكون مستغرقا في ذكرياته أو باحثا عن أجوبة أو راغبا في إعادة التفكير في أعماله

احتماالت كثيرة وإيحاءات تنبعث من الفراغ قد يوضحها،. ومواقفه في الحياةبعد خروجه من حالة الصمت وبعد انتهاء حدود الفراغ، انتقاله إلى سؤال

- ١١٢ -

جديد مختلف عن بقية األسئلة، يعرضه على نفسه محاورا ومعاتبا ناهرا لها، ألم (فصمته الطويل أدى به إلى لوم نفسه وكأن أسئلته لم تجد أجوبتها بعد،

عالم المستوى الثالث، ، بدأت تتوضح اآلن م)يتعبك نصف القرن من ألعابك؟من هذا السؤال، بدأت بالتشكل لكنها ما تزال مبهمة قليال، إن ذلك الضوء الخفي يتسلل رويدا ليكشف الغموض، وسعدي اآلن يعدد ألعابه مثله كطفل متقلب المزاج، يرغب في كل مرة في لعبة، عند الشاعر قد تكون اللعبة

يؤكد العدد ) الخ(الخ؟ فهو بكتابته .. ، أو غيماصخرة أو نبعا، أو لغة أو ألواناالالنهائي أللعابه، ومن كل تلك الكلمات تتجمع مفردات الطبيعة في قسوتها

.ونعومتها، فتتالقى األضداد في تناغمهذا الكائن ذي األلف لوين "فمن قوة الصخرة ورقة النبع، ومن الغيم

، تولد األلوان في مخيلة )١("بالهالذي يمأل السماء بصحائفه ونساالته ومزقه وج . الشاعر، وتخرج لغته من بين كل تلك المفردات

لماذا الغيم؟ لماذا : أهي لغته الشعرية أم لغته في الحياة؟ والسؤال اآلنانتقاه الشاعر من بين كل مفردات الطبيعة؟ يعد الغيم عنصرا جماليا أثار

المصور في لوحاته في البعد اهتمام الفنانين مصورين وشعراء، إذ شكلهالثالث، وال تكاد تخلو لوحة تصويرية تعتمد خلفياتها المنظر الطبيعي، من

في لوحات – كما يرى اشبنغلر – )٢("المعنى الرمزي ذاته" الغيوم، فهل للغيم قد يكون عنصرا جماليا مشتركا في لوحات المصورين على مر المصورين؟

لكنه مختلف في أسلوب تشكيله، ويعد مكمال لمفهوم المصور للبعد )3(العصور

٤٣٠، ص ١تدهور الحضارة الغربية، جـ) ١(

٤٣٠ المرجع نفسه، ص) ٢(ويعد مرحلة وسيطة . في اللوحات الصينية يمأل الغيم الفراغ بين الجبل وبين السماء) ٣(

: انظر.بين المرئي والالمرئي، وبين الكتلة والفراغ،وبين الين واليانغ1991. - Francois Cheng ، Vide et Plein، seuil.، Paris

- ١١٣ -

يذكره سعدي يوسف مرفقا - في هذه القصيدة -الثالث والفراغ، وهنا .باأللوان، فقد يكون في تقلباته وتلونه مناسبا النفعاالت الشاعر

بدأت إذن معالم البعد الثالث في التشكل، صخرة ونبع وغيم وكأنها ة في لوحة تصويرية قادمة من القرون الوسطى، والضوء ما يزال في خلفي

طريقه إلى القصيدة ال يلبث أن يتجلى ويشع عند انتقال الشاعر إلى تعداد ما ينقصه بلغة المنطق، مستخدما تشبيهات عديدة، فهو حين يلوم نفسه، وكأنها

:شخص يجلس أمامه، لما ينقصها من صفات يقول با مثل نجارإنك ال تبدو دؤو

وال منتبه الملمس كالخزاف؛ أنت الغافل

الناحلوالتأتاء...

يفتقد العمل الدؤوب والملمس الحساس، وكأنه يشكو من عاهة في الحواس، إنه غافل عما يدور حوله في الحياة، يعيش عالمه الخاص في الوهم

، تأتاء في كالمه أو متردد والخيال، يبدو ناحال من شدة العزلة حتى التصوففي قراراته ومواقفه كما أوحت النقاط المتكررة بالتأتأة في عدة دالالت، أيمتلك صوتا ال يناسب أسماع غيره؟ أم لغة خاصة يخشى استخدامها كي ال

تخذله في التعبير؟يرسم سعدي يوسف الكتلة مستخدما الفراغ فيطغى على حضورها، إذ

ضمن خط منحن رقيق تنساب ) التأتاء(و) الناحل(و) غافلال(تتدرج كلمات ).ما شأنك والدنيا؟(واحدة تلو األخرى، حتى يوقفها سؤال صارم جديد

سؤال مضيء ساطع أيقظه من استغراقه في تعداد سيئاته، جاء ليبدد في عرضه -ظالله ويكشف عن حقائق منطقية تغلب عليها لغة العقل، إنه

٨ م -الضوء والظل

- ١١٤ -

يدخل إلى عالم الضوء، محاوال االستفاقة من - ى نفسه هذا السؤال علدع : (أوهامه، ما شأنك والدنيا؟ لماذا ترغب في تغييرها كما تشاء؟ يتابع قائال

، استسلم للقدر أنت عاجز أمام )العالم يمضي مثل ما علمنا العالم أن يمضي أم أنك سطوة الوجود وحركته، ألم تتعلم بعد؟ أال تعرف كيف يبدو عالمنا؟

كأولئك المرائين الذين سألوا المسيح عن جواز إعطاء الجزية لقيصر، فطلب . قالوا له لقيصر. لمن هذه الصورة والكتابة: فقال لهم" منهم دينارا فقدموه

، ويبدو أن الشاعر قد اقتبس )١(".فقال لهم أعطوا ما لقيصر لقيصر وما هللا هللاشير إلى حكايتها التي تؤكد ضرورة الفصل هذه اآلية من الكتاب المقدس لي

بين األمور الدنيوية واألمور الدينية، وبين العقل والمنطق والعاطفة واإليمان، بين عوالمه الخاصة وواقعه المعيش، لقد لجأ إلى هذه اآلية الشهيرة التي باتت

فهو في هذا ..)فما هللا، هللا ما قد كان للقيصر، للقيصر: (مثال مأثورا، لكنه قال، وربما كان هذا، يدل على ارتباط )قيصر(سابقة كلمة ) اهللا(القول يكتب كلمة

أحالمه وعوالمه بالمطلق، ورغبته الداخلية في الميل نحو الروحانيات والمثاليات، وابتعاده عن العالم الواقعي واألمور الدنيوية المتنوعة المتمثلة في

) القيصر(هو إذ يضع نقاطا متكررة بعد كلمة رمزا يتحدث عنها، و) القيصر(فإنه يشير إلى تنوع الماديات وسيطرتها على اإلنسان، سعدي يوسف يشعل شمعة جديدة في هذه المقولة، ويشكل ضوءا فاصال بين النقيضين، ليلقي ظالال فكرية فلسفية تنم على ثقافته وأبعاده الفكرية من جهة، وعلى إيمانه

فهو إن لم يفصل . خلق التوازن في الحياة عموما وفي الفن خصوصابأهميةولكي يتخلص من كل . بين األمور فسوف يبقى غافال تأتاء غير متزن

الهواجس المسيطرة عليه اآلن، ومن ثورة الغضب واللوم على نفسه، عليه أن . احينهض متجها إلى مقهى على الشاطئ، أن يتحرك ويغير مكانه فربما يرت

: ويتابع آمرا نفسه) قم، فاذهب إلى مقهى على الشاطئ(

– ٢٠صحاح الثاني والعشرون، آية اإل–الكتاب المقدس، العهد الجديد، إنجيل متى) ١( ت .، دار الكتاب المقدس في الشرق األوسط، بيروت، د٢١

- ١١٥ -

بنبيذ الشمس إذ تغرب موانع والمرأة إذ تلعب

........والسنجاب.................. .................. ..................

يهرب من الضوء إلى الظل، إلى صور رائعة الجمال ويتأمل في لصخرة والنبع والغيم إلى نبيذ الشمس المعتق القاني، فمن ا. مفردات الوجود

وحركة المرأة الرشيقة وهي تلعب على الشاطئ، والسنجاب، يبدأ بالظل ليعود إليه، وكأن الفترة الضوئية التي مر بها سابقا لم تشبع رغباته، فهو ال يرغب

بعيد، في االستيقاظ من عالمه الصاخب الممتلئ بالجمال، إنه متطرف إلى حد مع وعيه بضرورة االعتدال والفصل، يعشق مراقبة غروب الشمس، فألوانها كألوان النبيذ المعتق، ومن ثم، فإن أثرها في نفسه كأثر النبيذ، يملؤه لذة ونشوة، فيخلق صلة بينها وبين المرأة، ويؤكد ذلك في رسمه صورة المرأة

الرشيقة، ويكتفي، غير آبه وهي تلعب، يتأملها من بعيد في حركاتها األنثويةبتفصيالت شكلها أو أنوثتها أو أية صفة أخرى قد تخلق اللذة لدى الرجل، إن وصف المرأة عنده يختلف عن وصف امرئ القيس لها، فهي موجودة عند

ومما يلفت النظر انتقاله من المرأة إلى .الشاعرين، لكنه وجود مختلف بالتأكيدما؟ وهل ثمة سناجب تلهو على شاطئ البحر؟ السنجاب، فهل من رابط بينه

فهل غادرت الغابات وأشجار الصنوبر لتأخذ الشاطئ مقاما لها؟ أو إن لعب المرأة ذكره بلعب السنجاب، قفزاتها على الشاطئ بين األمواج ولدت صورة السنجاب في قفزاته على األشجار ولعبه بالثمار، ولعل ما يؤكد غموض الربط

، )السنجاب( للسنجاب وضعه النقاط المتكررة بعد كلمة وغرابة ذكره

- ١١٦ -

وتوزيعها في ثالثة سطور أخرى فارغة من الكلمات، لينهي بعد ذلك الفراغ قبل عرضه األسئلة وبعدها –، ويترك !)كم ساءلت نفسي(عند جملة تعجبية

متعمدا، مساحات فراغية، فالفراغ المتمثل في النقاط المتكررة قد رسم –ين في القصيدة، بعد المقطع األول المليء باألسئلة، وقبل المقطع األخير مرت

الذي يبدأ بسؤال تعجبي ويشكل في المقاطع المتوسطة بينهما صور الجمال والتأمل، وكأن عناصر الطبيعة وصورها هي منبع األسئلة لديه، لقد سأل

: ويقولوأجاب، وما يزال يسأل نفسه، خمسون عاما مضت وهو يسأل نفسهثمة مؤثر خارجي يبعث فيه ). لم ال تخذلني أغنية الصرار، كي أغفو قليال؟(

التوتر ويوقظه، يثير كل دوافعه الداخلية، فيقع في لجة األسئلة والحيرة ولوم النفس، إنه صوت حشرة الصرار، يشبهه بأغنية أبدية ال تنتهي، منذ نصف

دها، أو طريقة إيقافها، حتى يغفو قليال، قرن حتى اآلن يسمعها وال يتعلم اعتيافالغفوة لديه صحوة ومالذ يخلصه من عالمه الصاخب، لكن هيهات أن يعرف

. النوم طريقا إلى أجفانه، فأغنية الصرار تمنعه وال تخذله يوما، إنها مستمرةفالصرار يسهر الليل ويبدأ الغناء منذ غروب الشمس، وال يتوقف حتى

، فيبث اليقظة والتوتر في )١("حمل جهاز تصويت يصدر صريرا حاداي".الفجر . نفس سامعه

أيكون صوت الصرار مصدر إيقاظ عند الشاعر؟ وهل ثمة صوت داخلي يعمل على ارتجافه وتوتره ويبعد عنه النوم؟ صوت استمر معه نصف

دفعه إلى قرن، قد يكون أنين نفسه، أو بؤرة الضوء الملتهبة داخله، هي التي تظالال ناجمة عن أشعتها ) كل ما قاله(التفكير في كل ما مضى، فيغدو

تشير إليها مفردات ورموز أقرب . المتساقطة على مفردات وجوده وشعره

ندوة النوري، وزارة التربية في :أبو حرب، محمد خير، المعجم المدرسي، تدقيق) ١( .٥٩١ ص) صرر( م، مادة ١٩٨٥/ هـ ١٤٠٦- ١ ط–الجمهورية العربية السورية

- ١١٧ -

إلى األسلوب السريالي في جمعه ألشكال غير مترابطة ترابطا منطقيا، غير ب مثال يربطهما رابط أن سياقها قد يفضي إلى معنى وداللة، فالمرأة والسنجا

أو الرشاقة، أو أي شيء آخر يتركه الشاعر عائدا إلى ) اللعب(خفي قد يكون .تخمينات المتلقي

نستطيع اآلن أن نرى اللوحة بوضوح، ونلمس عناصرها المتجمعة في غالبيتها ضمن المستوى الثالث، وإن كانت المرأة تمثل البعد الثالث عند امرئ

هي المستوى الثالث، تنصب – في هذه القصيدة –شاعر القيس، فإن ذات الفيه وتنبثق منه، في الوقت نفسه، ظالله الروحية يمثلها في ظالل جمالية

وتتناثر في المستويين األول والثاني . صورا وأخيلة تمتطي صهوات الكلماتصور الخزاف والنجار ينتقل بينهما شخص ناحل، يطوف كالخيال بين

األول والثاني، أما الصرار فيأخذ موقعا له على ورقة خضراء في المستويين بعنصر ثانوي من عناصر – في الوهلة األولى –المستوى األول، فيوحي

الطبيعة فالشاعر يبدأ من الخلف، يأخذنا إلى المستوى الثالث العميق، ثم ينقلنا د فنربطه مع أشكال إلى الثاني فاألول، لنفاجأ بوجود الصرار وأهميته، ونعو

.الكتل المتبقيةتتزاحم الصور والظالل في القصيدة، على الرغم من انفتاح فراغاتها، وتبعثر كلماتها دون قيد أو تراص، فتبدو لوحة مضيئة للناظر إليها في مستوييها األول والثاني، وكثيفة الظالل في المستوى الثالث، وتبدو كلمات

اء هادئة منسابة، تكثر فراغاتها وإضاءتها، لكن متناثرة على الصفحة البيضالرؤية ستختلف كليا بعد قراءتها القترابها من الظل في تقلباتها، تاركة الضوء

.يشع في نقاط مبعثرة هنا وهناك

- ١١٨ -

وهكذا قدمت الكتابة أدوات جديدة للشاعر، ساعدته في حالتي الكالم ون فيها الفراغ قوة دافعة تصبح يك"والصمت، فإذا به يرسم أشكاال بالكلمات

.)١("مجاال ألنفاس الحياة، وبذلك توحي بما ال يمكن أن يقالوبانتهاء تحليل هذه القصيدة نكون قد انتهينا من دراسة تشكيالت الكتلة

. والفراغ في فنون النحت والتصوير والشعر في نوعيه الشفاهي والكتابي

فراغ في الفنون، الختالف ونالحظ من كل ما سبق اختالف تمثيل الأدواتها وموادها، فالفراغ حقيقي في فن النحت، وإيهامي في فن التصوير، وحدسي في فن الشعر الشفاهي وملموس في الشعر الكتابي، بيد أنه ضروري

كما أن الضوء والظل مرتبطان ارتباطا . لحضور الكتلة واإلحساس بها ال تتم - في حالتها الطبيعية –إلنسانية أساسيا بالكتلة والفراغ، ألن الرؤية ا

، وعتبة )االنبهار(عتبة الضوء : إال بالضوء، وبمساحة محصورة بين عتبتين، فضال عن أهمية تناوب النسب بين الضوء والظل، الذي )اإلعتام(العتمة

واختلف إدراكه . أدى إلى كشف تجليات الكتلة والفراغ في الفنون الثالثةلفن بين إدراك حسي وإدراك ذهني، ومن الجدير بالمالحظة باختالف طبيعة امرتبطة بشروط حضارية أي أنها على عالقة ) الكتلة والفراغ(أيضا أن ثنائية

بالرمز األولي لكل حضارة، وبالنمط السائد في كل مجتمع، وهذا ما يجعل .الفراغ متنوعا في صوره وضروريا لتشكيل الكتل

الكتلة من خالل كشفه لتفصيالتها من طبيعة وتكمن أهمية الضوء في المادة واللون واألماكن المسطحة أو المقعرة التي تنفرد بها الظالل، أما طبيعة المادة فيكشف الضوء عن شفافيتها أو صالدتها، وعن خشونتها ونعومتها، بل أن درجة الضوء واتجاهه تقود في بعض األحيان إلى المبالغة في إيضاح

الجمالية في الفنون التشكيلية، دار الفكر العربي، محسن محمد، القيم . عطية، د) ١( ٤٢، ص ١،٢٠٠٠ط

- ١١٩ -

والخطوط الغائرة أو النافرة، وفي ) الناتئة(ماكن المقعرة والمحدبة وتكبير األالوقت نفسه قد تقوم الظالل في إخفاء تلك التفصيالت في حال انعدمت

وعندما ننقل ثنائية الكتلة والفراغ إلى فن الشعر، نجد الصوت . اإلضاءةا والصمت في الشعر الشفاهي، على اعتبار أن الصوت كتلة والصمت فراغ

يستقبل الظالل الناجمة عن الصور الشعرية، مما يؤدي إلى وجود بعد ثالث في الشعر، يمكننا قراءة صوره الشعرية الغامضة المظللة وعالقتها الجدلية مع

أما في الشعر الكتابي فيتحول الصوت إلى كلمة مكتوبة . الصور المضيئة .، بالزمن والصمتوالصمت إلى فراغ طباعي يشي، من خالل عالمات الترقيم

قد نكون حاولنا مالمسة التقارب بين الفنون من خالل دراسة الكتلة والفراغ، وبقي لدينا اآلن، حتى نقترب أكثر، أن ننتقل إلى مفهوم جديد متمثل في الحركة والسكون اللذين يعدان مفهومين مهمين في الوعي اإلنساني، قبل

.إتمام دور الكتلة والفراغكونهما عنصرين جماليين مساعدين في

* * *

- ١٢٠ -

- ١٢١ -

الضوء والظل احلركة والسكون

. مفهوم احلركة والسكون- : احلركة والسكون فن النحت- "نسخة رومانية عن األصل اإلغريقي""الووكون" حتليل منحوتة- : احلركة والسكون فن التصوير-مثاال عن احلركة " على حصانه هامجه األسدعربي" حتليل لوحة-

".١٩رومانسي من القرن "للمصور أوجني دوالكروامثاال عن السكون للمصور ليوناردو " املوناليزا" حتليل لوحة-

).عصر النهضة(دافنشي إيطايل : احلركة والسكون فن الشعر- بن لبيد، طرفة: عند الشعراء اجلاهليني) الطلل( حتليل مقطع -

.العبد، عنرتة بن شداد .للشاعر الياس أبو شبكة) أفاعي الفردوس( حتليل مقاطع من قصائد - اخلالصة-

- ١٢٢ -

- ١٢٣ -

:)١(مفهوم الحركة والسكون

تستغرقان كل وجود، ليس بوصفهما ظاهرتين، " الحركة والسكون مقولتان حيث أن ، ثم تموضعا في العالم، من)فكرة(بل ماهيتين له، تنعكسان في الوعي

تنعكسان صورة تحكي مفهوم )٢("الوجود اإلنساني وجود واع وفاعل في العالممن ) الكتلة والفراغ(الفنان، وتعبران عن وعيه تجاه الوجود، كما عبرت ثنائية .خالل تشكيل البعد الثالث عن مفاهيمه وروح حضارته سابقا

يسجل في "ا إلى أنوالفنان شاعرا كان أو مصورا أو نحاتا يسعى دوم، ولما كان الوجود متحركا في كل )٣("خاطره كل اهتزازات الحياة من حوله

ال وجود لشيء ال يتحرك، كما ال توجد حركة دون "عناصره وظواهره، وأن، فإن الفنان سينفعل في هذا الوجود حركة وسكونا، )٤("شيء على اإلطالق

كل شيء ينساب وال "أن: فسيجيبوإذا سألنا هيراقليطس عن رأيه في الحركة - فأين السكون . )٥("شيء يسكن، كل شيء يتغير وال شيء يدوم على الثبات

في الوجود، ومن بعده الفن واإلنسان؟ إنه فكرة ووعي ينتميان إلى - إذنلذا تتغير نسبة السكون إلى الحركة، . اإلنسان بكونه عنصرا فعاال في الوجود

ففي المجتمعات األولى البدائية، مال اإلنسان إلى حالة . بتغير الوعي وتطوره

) فلسفة الشعر الجاهلي(اقتبسنا فكرتي الوعي الحركي والوعي السكوني من كتاب ) ١( .للدكتور هالل الجهاد

.٩فلسفة الشعر الجاهلي، ص) ٢( - ١ ط- القاهرة-الديدي، عبد الفتاح، الخيال الحركي في األدب النقدي، دار المعرفة) ٣(

.٧ ص-١٩٦٥ .١٨فلسفة الشعر الجاهلي، ص) ٤( .٢٤المرجع نفسه، ص) ٥(

- ١٢٤ -

السكون في وعيه تجاه مظاهر الطبيعة الهائجة من حوله في حركة مضطربة دائمة أفضت به إلى الخوف والرعب فاتخذ موقفا سلبيا تجاه كل شيء

ولما كانت الحركة تحمل تهديدا مستمرا بفوضويتها المقلقة، فقد ولدت "يتحركوأوصله ذلك إلى ... وعيه دالالت مأساوية مثل المعاناة واأللم والموتفي

البحث عن بديل لها، تختفي فيه كل هذه الدالالت فاتجه إلى ما قبل الحركة وهنا نستنتج حقيقة جوهرية هي أن السكون لم .. وما بعدها، أي السكون

.)١("يوجد، وال يوجد، إال في اإلنسان فكرةالقة جدلية بين الحركة والسكون تشبه العالقة بين ومن هنا تكونت ع

الضوء والظل، فهي عالقة تكاملية، ال يتم فيها وجود أحد الطرفين إال بوجود اآلخر، لذا باتت الحركة فكرة مختلفة عن فكرة السكون، ألنها فكرة مستمدة

ول من العالم الواقعي بينما غدا السكون عالما مثاليا، وجد فيه اإلنسان األوحتى اليوم، يسعى الفرد منا إلى حالة سكونية هربا . مالذه وسكب فيه تأمالته

.من هيجان العالم الواقعي من حوله، ورغبة في الهدوء والصمتوالفنان إذ يمر بلحظات حركية، تموج أفكاره فيها وتضطرب، يصل

و منحوتة إلى لحظة اإلبداع والوالدة، فتنبثق من اضطراباته الحركية لوحة أأو قصيدة، يشكلها في حالة سكون وصمت متأمال ما صنعت يداه وما جادت

وما . وبقدر ما تغلب عنده الحركية على السكونية، تشف عنها أعماله. به رؤاه. الحركية إال الوعي الحركي لديه، وكذلك السكونية الممثلة لوعيه السكوني

فالوعي اإلنساني "كذات ووعي،وهما إذ تنعكسان في أعماله تعدان صورة له اليقظ لم يعد مجرد توتر بين الجسد والبيئة، بل إنما هو اليوم الحياة في عالم ضوء مستقل قائم بذاته، فالجسد يتحرك داخل الفراغ المنظور، وخبرة العمق هي اندفاع خارجي جبار في البعد القابل للنظر من مركز الضوء، وهذا

، إنها ذات )٢(" هي مفهوم ضوء"أنا" إن. "أنا" ندعوهاالمركز هو النقطة التي

٢٠فلسفة الشعر الجاهلي، ص ) ١(

٧٣٩، ص ١تدهور الحضارة الغربية، ج) ٢(

- ١٢٥ -

وحيث تنتهي حدود عالم "الفنان ومنها تنطلق وتتحرك مفاهيمه عن العالم، وتوجد الظالل الغامضة تلفها السكينة ويسودها )١("الضوء، يوجد الماوراء

والفنان إنسان . ، في موطن اآللهة أو المجهول)الماوراء(الصمت، إنها في أو الفراغ أو بمعنى آخر ) المطلق(عى قدما في الوصول إلى ذلك الماوراء يس

فنراه يتثنى بين الكتلة والفراغ ليعبر عن الفراغ مستخدما الكتلة . السكونوسيلة للتعبير، ونجده يتحرك ليصل إلى السكون ساكبا في ثناياه صوره

فتتجلى . ي عمله الفني أو ظاهرة فةالمعبرة عن الحركة، التي قد تكون باطنوربما تكون الحركة . كتال في أشكال مصورة وملونة، وكلمات في قصائد

أول شيء ظهر كان ضوء كالم اهللا، أنتج "بداية ضوء، والسكون بداية ظل، ف .)٢("الفعل الذي أنتج الحركة

وقد تتجلى غاية الحركة في ازدياد الضوء مثلما تتمثل غاية المعرفة في وهذا أمر ال يمكن تحقيقه إال بوجود السكون، فالبد من التناوب . نفسامتالك ال

بينهما، فقد تأتيك الحركة من حيث تتوقع السكون ويأتيك السكون من حيث تتوقع .ليست إال آالف الحركات يلفها سكون خاشعوكس ڤ كوزاوفينوس. الحركة

ل يظهره األو: وتتمثل الحركة في فني النحت والتصوير، في جانبينفي توزيع الكتل في الفراغ، وفي انتقاء ) المصور/ النحات (أسلوب الفنان

الخطوط واأللوان، فضال عن خلقه هاجس القلق في نفس المتلقي من خالل تحريكه جسم المنحوتة أو الشكل في اللوحة بما يناسب عناصر الحدث أو

الثاني فيبرز في أما الجانب . الحكاية إن وجدت في موضوع العمل الفنيالتكوين الذي يعد قادرا على التعبير عن كنه الموضوع ومزاجية الفنان، من

. خالل اللون والخط والكتلة والشكل، فيقدم شكال جماليا وحركيا للعمل الفنيوال يبدو تمثيل الحركة في الشعر أمرا يسيرا، إذ يلعب الوعي اإلنساني،

را كبيرا في انعكاس الحركة والسكون في الناجم عن مفاهيم عصره، دو

.٧٣٩المرجع نفسه، ص) ١()٢ (Dictionnair des symbols، P. 584.

- ١٢٦ -

القصيدة على حد سواء، يكمله شكل القصيدة المتمثل في بنيتها أو تكوينها، وهنا قد يتطابق الشكل مع المضمون مثلما تطابقا في الكتلة والفراغ، وقد يتعارضان،

لب فقد يتلقى القارئ شكل القصيدة الصارم سكونا، وعند الغوص في معانيها ينق .تلقيه لها إلى حركة، فتكون حركة باطنة ناجمة عن سكون ظاهر

– كعنصرين تشكيليين جماليين –واآلن فلنقف عند الحركة والسكون في الفنون الثالثة، ومن يدري فقد يبث العمل الفني في نفوسنا اإلحساس بالحركة رغم سكونه، وربما ال يحرك فينا ساكنا على الرغم من صخب

. انه وحركات خطوطهألو

:الحركة والسكون في فن النحتحركة خارجية وحركة داخلية، : تقسم الحركة في فن النحت إلى قسمين

. وتنجم الحركة الخارجية عن وضعية التمثال، كوضعية المشي أو الجلوسوتولد الحركة الداخلية من تشكيالت الضوء الساقط على التمثال، وتقلبات ظالله

ولكي نبرز الحركة في نوعيها، آثرنا العودة إلى . ي ثنايا الجسدالمتداخلة ف، لتوفر العناصر الحركية فيها، ولالستفادة من نتائج الكتلة )١()الووكون(منحوتة

ولبيان دور الضوء والظل في . والفراغ كعنصرين مكملين للحركة والسكون . لكتلة في الفراغآلية الحركة الداخلية، مثلما كان لهما دور مهم في تشكيل ا

"نسخة رومانية عن األصل اإلغريقي" "الووكون" تحليل منحوتةترسم الخطوط المنحنية أشكال المنحوتة، فتضفي عليها حركة انسيابية

التي سبق أن تحدثنا -تعود إلى العالقة بين الخط المنحني وعين المشاهد ن هذا أن منحوتة وهنا تكمن أول نقطة في تشكيل الحركة، واألهم م–عنها

تتضمن السرد الحكائي مثل يمكن تطبيق دراسة الحركة والسكون على عدة منحوتات ) ١(، تمثل اإلله بروميثيوس مغلوال والنسر )١٩(، انظر المثال رقم "منحوتة بروميثيوس

.ينهش كبده

- ١٢٧ -

نفسها تحكي أحداثا ملحمية تتجاوز التعبير الشكلي عن حدث ) الووكون(األسطورة إلى تلخيص االنفعاالت اإلنسانية التي تتعدى بدورها حدود المكان

مهما -) الووكون(والزمان، لتعبر عن األلم اإلنساني، فبإمكان الناظر إلى لتواءات الجسد، دون أن يعرف أن ينفعل ويتحرك مع ا-كانت جنسيته

أحداث الملحمة، ولعله ال يبحث عن التفسيرات، أو عن أسباب عذاب الشخصيات الثالث في المنحوتة، أو ال يتساءل عن سبب وجود األفاعي

. ولماذا تلتهم األجسادقد تسقط األسئلة وتؤجل التفسيرات أمام إبداع النحات الذي حول حجارة

األلم البشري، فهو في خلقه هاجس القلق في نفس المتلقي، المرمر إلى موسيقاأين الحركة؟ والمنحوتة في األصل : وقد يسأل سائل. قد بث الشعور في الحركة

إن : أشكال مرمرية ساكنة ال يمكنها أن تتحرك أو تنتقل كاألشخاص؟ فنجيب والحركة تعد مصبا لجميع منابع الحركة، الحركة الخارجية) الووكون(منحوتة

.الداخلية، فضال عن وجود هاجس القلق وعناصر السرد الملحمي فيها "سنغل"وتتمثل الحركة الخارجية في وضعية الشخصيات، وبما يسميه

يلوي القسم العلوي من الجذع ويحني رأسه إلى : ، الووكون)١ ()اللحظة الموحية(ناء أطراف أصابعه، إضافة إلى بروز عظام صدره وانح. الخلف موحيا بالحركة

وكأنهما جمدتا في حركتهما، يده اليسرى تحاول دفع الثعبان وإبعاده، أما اليمنى .فترتفع إلى السماء في حركة توحي بالترجي وطلب الرحمة من اآللهة

الموجود على يساره يبدو في حالة حركة تدفع به إلى : االبن األول .إبعاد ذيل الثعبان عن قدمهوتتمثل حركته في . الهرب والتخلص من الموت

يلتوي إلى الخلف في حركة توحي بشدة األلم، وكأنه : االبن الثاني .سيسقط في وادي الموت عما قريب

تحدثنا عن اللحظة الموحية في مدخل البحث، وهي اللحظة التي تقع في مرحلة الوسط ) ١( .وتشي بما قبلها من أحداث ماضية وتمهد لما بعدها من أحداث مستقبلية

- ١٢٨ -

خطوط منحنية خالصة، تبدو ملتوية في حركة انسيابية رشيقة، : الثعابينناهيك عن التفاف الوشاح بين األجساد الثالثة في حركة توحي بسقوطه في

.ظةأي لحلقد رصد النحات الزمان فالتقطه في كينونة المكان في لحظة سبقتها

وقد يبدو التمثال . لحظات وحركات، وسوف تليها لحظات وحركات أخرىجامدا فيزيائيا بينما تجري في عروقه صيرورة واستمرارية تجسدها حالة

.القلق المتولدة عند المتلقي

رحية، قد يبدأ بتوقع األحداث فمثله كمثل مشاهد منفعل بأحداث مسفربما يحالفه النجاح وربما يخفق، وتسلك توقعاته اتجاها . القادمة والنهايات

حركيا أو سكونيا نابعا من قراءته لألحداث المرتبطة بمرجعية وعيه الذي قد يكون بدوره حركيا أوسكونيا، ومن غير الضروري أن تأتي قراءته مطابقة

فغاية الفنان إثارة االنفعال الجمالي في المتلقي وإيصال تجرتبه لمقصد الفنان، .الجمالية من خالل العمل الفني

، يحقق النحات غايته في إثارة االنفعال، وال )١ ()الووكون(وفي منحوتة إن . يكتفي بذلك فإنه يقوم ببث اإلحساس بالزمان من خالل تجسيد اللحظة

أما النحات فقد اختار المرحلة . ونهايةلها بداية ووسط ) الووكون(حكاية . الوسط أي اللحظة التي تدور فيها أحداث الموت والعقاب ولم تنته بعد

فالثعابين المنقضة على أجساد الشخصيات الثالث، ما تزال تنقض عليهم ولم والووكون ما يزال يقاوم األلم ويتضرع لآللهة ولم يسقط . تنته مهمتها بعد

ه األول ما يزال يحاول الهرب وال نعرف إن استطاع أو لم ابن. صريعا بعد .يستطع الهرب، إن حكم عليه بالموت أو بالنجاة

قراءة في لوحة موت سارادانابال ألوجين (حنان قصاب حسن . انظر مقالة د) ١(فقد استعنا بتحليلها وبدراسة محاور الزمن فيها، وأسقطناها على الووكون ) دوالكروا

.كدراسة سيميولوجية

- ١٢٩ -

ويبدو االبن الثاني في حالة حصار من قبل الثعابين، ويظهر أشد التصاقا بأبيه، يميل جسده إلى الخلف لكنه ال يزال في حالة األلم والرجوع

.إلى الوراء ولم يسقط بعد حركيتها ويسمح "يعطي المنحوتة)١("هذا الخيار ألفعال في لحظة ممارستها" إن

فقبل هذا )٢(".لنا أن نرى تراتب العالمات في تتالي السرد، أي قبل، وأثناء، وبعدالمشهد، الذي تمثله المنحوتة، كان الووكون جالسا مع ولديه في سكون، يشعر

صان الخشبي برمحه، من عدم خلوه، مما باالعتزاز والفخر وقد تأكد، بعدما قرع الحوفجأة، انشقت . يريب، فنصح أهل طروادة بعدم إدخال الحصان الخشبي إلى المدينة

ترسل ثعابينها إلى الووكون وولديه عقابا لهم على هذه ) أثينا(السماء، وإذا باإللهة ثة ولم يبق سوى لحظة واحدة كي يسيطر الموت على الشخصيات الثال. النصيحة

ية من األلم، والتي يصل أنينها إلى السماء، وما هي إال لحظة حتى يخرالمتلو، وما )بما يحويه جسده من حركة التواء نحو األمام(الووكون صريعا على وجهه

. هي إال لحظة حتى يسقط ابنه الثاني معه، وتنسل الثعابين عائدة بعد انتهاء مهمتهاليأس على ابنه األول فيحار بين الهرب والبقاء، وما هي إال لحظة حتى يستولي ا

.وهنا يسقط الوشاح ليلف األجساد الهالكة مضفيا القدسية على لحظة الموت

وأما بعد، فلن يكون هناك سوى الصمت والموت والسكون المطبق، .تخترقه ضحكات اآللهة تعبيرا عن انتصار إرادتها على إرادة البشر

ركة، رغم سكونها الظاهر، فما هي إال تصوير تضج هذه المنحوتة بالحلآلني والزائل وللحظة المترجحة بين الموت والحياة، كل شيء يدور في تلك

وتبدو ساكنة وخارجة عن ،)٣(اللحظة، اآللهة وحدها غير مصورة أشكالها .حدود الزمن

١٨قراءة في لوحة موت ساردا نابال ألوجين دوالكروا، ص ) ١( .١٨المرجع نفسه، ص) ٢(

، والحظ تجسد )٢٠(لغريكو، المثال رقم إللفنان " الوكوون"للوحة التصويريةانظر ا) ٣( .اآللهة في اللوحة

٩ م -الضوء والظل

- ١٣٠ -

هاجس القلق، فهي - في هذه المنحوتة -لقد ولدت الحركة الخارجية تضاف . حركة دالة على حالة مشي أو ركض، وإنما هي حركة األلمليست

إليها عناصر الحدث في الملحمة التي تتحول إلى تراجيديا في إثارتها اإلشفاق اإلشفاق على البطل مما قد عاناه وما يعانيه، ":والخوف في نفس المتلقي

يكون إشفاقا من فإنما " أما اإلشفاق. )١("والخوف عليه مما ينتظر له أن يعانيهالمتفرج على البطل، وأما الخوف فيكون خوفا من المتفرج على نفسه خشية أن يصيبه مثل ما أصاب البطل، أو قل إن الخوف الذي يحسه الرائي هو

تتضمن " - عند أرسطو - فالتراجيديا ،)٢("خوف من المجهول بصفة عامة، وهذا ما نلمسه )٣("الرحمة والخوف لتحدث تطهيرا لمثل هذه االنفعاالت

واضحا عند الووكون الذي ال يفتأ يطلب الرحمة من اآللهة، ويتملكه الخوف .الشديد من الموت، ومن ثم ال تلبث تلك المشاعر أن تنتقل إلى المشاهد

ولكي تكتمل منابع الحركة في المنحوتة، البد لنا من دراسة الحركة فقد رأينا . في تفصيالت األشكالالداخلية الناجمة عن تشكيالت الضوء والظل

في فصل الكتلة والفراغ منشأ الضوء الساقط على صورة المنحوتة وتجليات الظالل فيها، وبدا لنا الضوء قادما من أعلى الزاوية اليمنى، يستقبله جسد الووكون العاري، فيعكسه على جسد ابنه الثاني، ثم يتناثر في أجزاء المنحوتة

إن الضوء : فتتكاثف الظالل هناك، وقلنا. ند قدمي االبن األولليبدأ بالتالشي عبداية الحركة، ويأتي هنا من االتجاه الذي ينظر إليه الووكون أي من اآللهة

وينعكس . محركة ألحداث الملحمة- من خالل سكونها الظاهري -التي تبدو الشخصيات الضوء منسابا في األماكن المسطحة الظاهرة في أجزاء من أجساد

ويتقطع في األماكن المقعرة وفي األماكن الخشنة . فيؤكد حركتها. الثالث

)ط(عياد، ص . كتاب الشعر ألرسطو، انظر مقدمة د) ١( )ط(المرجع نفسه، ص ) ٢(

.٤٨المرجع نفسه، ص ) ٣(

- ١٣١ -

التفافات خصالت شعر الووكون، تحت اإلبطين في كل جسد على حدة، وفي ( ).الفجوات الفاصلة بين قدمي االبن الثاني، وفي ثنايا الوشاح وتموجاته

ها الظالل فتجعلها لذا تبدو الحركة متقطعة في تلك األماكن، وتغلب عليالثعابين، (ويتركز الضوء في العناصر المتحركة ساكنة تميل إلى الجمود،

). األجسادونستنتج من آلية الضوء والظل في تشكيل الحركة الداخلية أن القوة

تتجسد في حالة الفعل الحركي الظاهر فترسل . المحركة الباطنة هي اآللهةشكل رد فعل حركي يمثل القوة السلبية المتجسدة الثعابين، لتستقبلها األجساد فيت

.في الووكون وولديهإلى الفنون المكانية، فإنها ) الووكون(وعلى الرغم من انتماء منحوتة

تحدثت عن الزمان والحركة في كل أشكالها، فهل تكون هذه المنحوتة متفردة ائما في فن النحت في حركيتها لألسباب التي ذكرناها سابقا ؟ أو أننا سنجد د

حالة خاصة، ) الووكون(حركة على الرغم من سكونيته؟ قد تكون منحوتة لكنها تعد انعكاسا للوعي الحركي لدى صانعها، مع العلم، بأنها نسخة رومانية

وهذا يؤكد شمولية االنفعال اإلنساني الذي يرفض . عن األصل اإلغريقيو إلى فن معين، ويؤكد أثر اإلغريق في االنتماء إلى جماعة إنسانية معينة، أ

الرومان الذين جاؤوا بعدهم، في الحركة الممثلة في حب المعرفة والتأثر .بالمالحم البطولية

ومما يؤكد أثر الوعي في الحركة والسكون في فن النحت، منحوتة التي سبق أن توقفنا عندها، ورأينا ) م. ق٢٥٢٥) (الملك مسيرنيوس وملكته(

افق طبيعة المجتمع السكوني آنذاك، ومن ثم يكون الوعي السكوني لدى أنها توالنحات، الذي يعد عنصرا فعاال من عناصر المجتمع، منعكسا في هذه المنحوتة وغيرها، فيدفع بها إلى حضور الكتلة الطاغي، وإلى الجمود

.والسكون حتى االنعدام

- ١٣٢ -

وير؟ وما العناصر أين الحركة والسكون في فن التص: والسؤال اآلنالمساعدة في تشكيلهما؟ وكيف تتآلف تلك العناصر لتحدد منابع السكون

ومواطن الحركة؟ وهل ثمة دور للضوء والظل في إبرازهما؟

الحركة والسكون في فن التصوير فن ذو بعدين، تتوزع فيه أشكال الكتل في – كما رأينا – فن التصوير

شكل حيزا منه، وعن طريق الضوء والظل فراغ اللوحة المحدود ليأخذ كلتقترب األشكال من حجمها الواقعي فتتوزع ظاللها من خالل اإليهام بالبعد الثالث منتجة العمق، ومن ثم، يفتقر الشكل في اللوحة إلى صفة القدرة على الدوران من حوله، تلك التي يتمتع بها الشكل النحتي غالبا، ومن هنا ترتبط

ن الكتلة والفراغ بالعالقة بين الحركة والسكون في فن التصوير، لذا العالقة بيتتمثل في الحركة في : كانت منابع الحركة فيه متجلية في ناحيتين، األولى

اللوحة نفسها وتنتجها العناصر التشكيلية التي كونت الكتلة وهي الخط واللون النابعة من أسلوب فتتوضح من حركة األشكال : أما الثانية. والضوء والظل

الجلوس، السير، (توزيع األشكال في الفراغ ومن وضعية الشكل نفسه على عنصري الضوء – اعتمادا أساسيا –ويعتمد نوعا الحركة ..). الرقص

والظل، لما يحمالنه من حركة داخلية تتأثر بتظليل الشكل وإضاءته عن ء، واألماكن المقعرة في مثلما تأثرت األماكن المسطحة بالضو. طريق اإليهام

. في فن النحت– مع كونهما حقيقيين –الظل وللتفصيل في مواطن الحركة والسكون في فن التصوير، البد من تناول

تتحدث إحداهما عن الحركة واألخرى – نموذجا ومثاال –لوحتين تصويريتين اصرها عن السكون، والقيام بتحليلهما تحليال يكشف عن منابع الحركة وعن

.المكونة، ويستقرئ مواطن السكون ومكوناتهولتوضيح مواطن السكون ومنابع الحركة في فن التصوير، آثرنا الوقوف

مختلفين، وسنتناول اللوحتين مثاال على الناحية ) مصورين(عند مثالين لفنانين

- ١٣٣ -

الفنية التشكيلية، لدراسة النقاط األساسية في تشكل الحركة والسكون، لوحة ولوحة تتحدث عن ) Delacroix أوجين دوالكروا(ن الحركة للفنان حدث عتت

، وقبل تحليل اللوحتين، البد من توضيح دور )ليوناردو دافنشي(السكون للفنان نة للحركة والسكون، والمقارنة بينهما في حالتي العناصر التشكيلية المكو

التكوين، فضال عن وتتألف تلك العناصر من الخط واللون و. الحركة والسكون .أسلوب الفنان في توزيع األشكال في الفراغ

وقد مر بنا سابقا تأثير الخط في أشكاله المنحنية والمستقيمة والمنكسرة في إدراك العين، وكيف يدفعها ذلك إلى االرتياح أثناء النظر، أو الرتابة،

ه بالحركة والتعب، وانطالقا من أثر الخط في إدراك العين، تولد عالقت تسير في – في أثناء متابعتها له–فالخط المنحني يجعل العين . والسكون

حركة انسيابية، لذلك يستغرق وقتا أطول إلدراكه، وهو بطيء ومريح في آن أما الخط المستقيم فيمتاز بالمباشرة والوضوح، لذا يعطي سرعة للحركة . معا

. غرق في حالة الخط المنحنيويستغرق وقتا أقصر إلدراكه من الوقت المستومن هنا كان كل من الخط المنحني والمستقيم مولدا للحركة، بيد أنها حركة مختلفة، فحركة الخط المستقيم ال تلبث أن تنتهي بسرعة، بينما توحي حركة الخط المنحني باالستمرار في الزمن الذي يدفع المتلقي إلى إكماله في ذهنه

حركة ) الووكون(الخط، مثلما أكمل الناظر إلى حتى بعد انتهاء حدود .الووكون المنحنية قبيل السقوط، واستطاع توقع النهاية

بد من اإلشارة إلى نوعين آخرين من الخطوط، يكثر استخدامهما والفي فن التصوير، وهما الخط المتعرج وهو خط منحن ضاقت مسافات

ونجده في طيات القماش، أو في انحناءاته، وقلت حركته مقارنة بالمنحني، تجاعيد الشعر، أو في بعض أجزاء الجسد األنثوي، فهو خط أنثوي يتصف بالطالوة، لذلك يكثر المصورون من استخدامه في رسم النساء العاريات، بينما يتكون الخط المنكسر من مجموعة خطوط مستقيمة لها وقفاتها في نقاط

- ١٣٤ -

لى األشكال المرسومة به، وعلى الرغم تشكل زوايا حادة، فتضفي السكون عمن اختالف حركة العين في متابعة انكساراته، فإنه يعد ساكنا مقارنة بالخطين

.المنحني والمتعرج، ومتعبا للعين الناظرة إليهأما في العالقة بين الحركة واللون، فثمة صفتان ناجمتان عن األلوان

القتراب، فذاتية األلوان وقوتها، ومولدتان للحركة هما صفتا االبتعاد واوقد وصفنا سابقا . تكسبها تلك الصفتين ودرجة سطوع الضوء فيها أو خفوته،

إيحاء اللون األصفر، وقدرته على التقدم في اللوحة لشدة سطوعه، فهو يكتسب صفة االقتراب، بينما يقود األزرق، الموحي بالعمق، الناظر إلى

اللوحة، ومن هنا كانت الحركة الناجمة عن األصفر الداخل، فيبتعد داخال إلىفاألزرق . في ضوئه الساطع مختلفة عن حركة األزرق في ضوئه الخافت

يميل إلى السكون والعمق واألصفر إلى الصخب والحركة، أما اللون األحمر فيأخذ موقع الوسط بين االبتعاد واالقتراب، فال يغوص إلى الداخل وال ينطلق

لعل هذا يفسر لجوء المدرسة التجريدية إلى ذاتية األلوان في التعبير و. خارجافان ( كثرة استعمال - في الوقت نفسه–ويؤكد . واإليحاء باالبتعاد واالقتراب

للون األصفر في لوحاته، فهو إذ يعبر عن الحركة الباطنية الصاخبة ) غوخ .في نفسه، فعن طريق األصفر وغيره من األلوان الحارة

يعد التكوين من األساليب المساعدة في تشكيل الحركة، ويمتاز بأنه غير ظاهر للعيان كاللون والشكل والخط أو الضوء والظل، وإنما تتوزع

ويختلف التكوين باختالف المدارس . في الفراغ– عن طريقه –األشكال مة، على األشكال الهندسية المنتظ– غالبا –ويعتمد . وأساليب الفنانين

.كالتكوين الهرمي في الفن الكالسيكيوقد تتداخل األشكال الهرمية بعضها مع بعض في تكوينات أخرى، في

– بل المتفرد بانفتاحه –ولكن الشكل الهندسي المنتظم المفتوح اللوحة نفسها لقدرته على توزيع األشكال، وقيادة Asperal) االسبرال(هو الشكل اللولبي

- ١٣٥ -

المساحي للوحة، ويعد العنصر الحركي األساسي في الحركة في الحيز المنمنمات السريانية، "التصوير السرياني والتصوير اإلسالمي، إذ ظهر في

على ) الحلزون(، ويضفي االسبرال )١("واستمر في المنمنمات اإلسالميةبينما . اللوحة حركة انسيابية واضحة، فيريح العين في متابعتها أشكال اللوحة

وعلى الرغم من –لتكوين الهرمي األشكال في اللوحة إلى حالة السكون يدفع ا فإن أغلب اللوحات –وجود شيء من الحركة العائدة إلى وضعية الشكل

.المكونة هرميا تميل إلى السكون

بد من اإلشارة إلى ما يسمى وقبل االنتهاء من دور التكوين، التربط أجزاء اللوحة سواء عن طريق حركة ديناميكية "الذي يعد" باألرابسك"

وهو بمعناه الخارجي خط متحرك ال نهائي . الخط أو اللون أو درجة اإلضاءةمزخرف، وهو في معناه العميق رابط البد منه في اللوحة في الفن التشكيلي عند كل االتجاهات التشكيلية التي تؤمن بترابط الطبيعة عن طريق عناصر

، وهو عبارة عن اجتماع )٢("ح الشرقية والعربيةتشكيلية مستمدة من الروتكوينين حلزونيين في وضع تناظري، وقد استخدمته المدرسة الرومانسية في

للفنان ) طبيعة صامتة وتفاحات(أعمالها التصويرية، وإذا عدنا إلى لوحة وجدنا أنه استخدم تكوين )٣("لجأ إلى نفس األسلوب الرومانتيكي" سيزان الذي

ك في رسمه لتلك اللوحة، وسيتبين لنا نظام الحركة الذي أوضحه األرابس ، وقد وضعنا سيزان أمام)٤("ليشعرنا باستمرار الطبيعة ودياليكتيكيتها" سيزان

التشكيلية، مجلة عبد اهللا، اقتراح رؤية لتاريخ الصورة في بالد الشام، الحياة . السيد، د) ١(، )٧٠(، العدد ٢٠٠٤ أيلول، - آب - فصلية تصدرها وزارة الثقافة، دمشق، تموز

.٣٤ص

٩٣بول سيزان، ص ) ٢( ٩٢بول سيزان، ص ) ٣(

.٩٢المرجع نفسه، ص) ٤(

- ١٣٦ -

حركة مستمرة من تفاحة ألخرى، وحين تبتعد التفاحات بعضها عن بعض، "ركة نرى القماش الموضوع تحت التفاحات يكمل الحركة بتجعده، وتستمر الح

في بعضها بخط واضح، لكن الكأس مستقر تماما، راسخ الوجود كاإلناء واإلبريق وكل ذلك يوحي بوجود ثابت عميق، والتفاحات الصلبة كروية توحي بأنها مستقرة على الطاولة رغم أنه قد أمال الطاولة إلى األمام كي نرى

وثبات األشياء والعالقة بين حركة الخط. ما عليها وفق فهمه لمهمة المنظورهي التي تعطينا اإلحساس بدياليكتيكية الطبيعة وحركتها الجدلية بين ما هو

، وهكذا تتمثل الحركة ويتكون السكون في اللوحة من )١("متحرك وما هو ثابت . خالل التكوين حلزونيا كان أو هرميا، أو يجسده األرابسك الشرقي

نات في اللوحة، ففضال وقد تنجم عن آلية الضوء والظل حركات وسكعما يكشفه الضوء عن الحركة في الشكل، وما تخفيه الظالل لتدفع باألشكال

يقود إلى الحركة، وتساعده الظالل في –فإن الضوء . نحو الراحة والسكون. إظهارها أو إخفائها، لكونها تؤكد وجود الضوء وتدخل معه في عالقة جدلية

بقة في تشكيل الحركة والسكون، سنعود وحتى تتوضح أدوار العناصر السامثاال ) أوجين دوالكروا(إلى المثالين اللذين تحدثنا عنهما سابقا، لوحة الفنان

وقد اختير دوالكروا . مثاال على السكون) دافنشي(على الحركة، ولوحة الفنان النتمائه إلى المدرسة الرومانسية وانفتاحه على التيارات الجمالية كافة، مما

يساعد في استقراء تكوينات مختلفة في أغلب لوحاته، إضافة إلى تميزه في واخترنا ليوناردو دافنشي . استخدام األلوان والخطوط وتشكيل الضوء والظل

.النتمائه إلى المدرسة الكالسيكية واهتمامه بقواعد المنظور

٩٢المرجع نفسه، ص ) ٤(

- ١٣٧ -

)١()عربي على حصان هاجمه األسد( * تحليل لوحة دوالكروا Arabe à cheval attaqué par un lion.:

تبدو أشكال اللوحة موزعة في تكوين حلزوني جمعها في كتلة واحدة، فثمة حالة اندماج بين شخوصها حتى االنصهار وتتألف . لتوافق مناسبة اللوحة

فارس عربي يمتطي صهوة حصانه، يهاجمه أسد يبدو منقضا : أشكالها منمخالبه في جسده، ويشهر الفارس سيفه مدافعا على الحصان، ليغرز أنيابه و

.موجها إياه نحو رأس األسد في محاولة لقتله :تكمن منابع الحركة في النقاط التالية

: حركة األشكال-١

يبدو محركا :الفارستنبع الحركة من وضعية كل شكل في اللوحة، ألسد، ويحمل في رأسه ويديه وجذعه ورجليه، فيميل برأسه إلى األمام باتجاه ا

يده اليمنى سيفه الموجه نحو خصمه، بينما تقبض يده اليسرى على السرج تمنعها رجله اليسرى في . محاولة خلق التوازن والحؤول دون السقوط

.ارتفاعها إلى األعلى وإيحائها بالالتوازن يميل بجسده نحو الوراء في حركة دفاعية محاوال االبتعاد :الحصانفي حركة ) على كتف الفارس(يرمي رأسه نحو الخلف ) سداأل(عن خصمه

انسيابية استسالمية تشي باقتراب الموت وشدة األلم، متضرعا طالبا الخالص مع ذراعي –أما حافراه األماميتان فترتفعان إلى األعلى لتشكال . من منقذه

، )١٨٦٣ – ١٧٩٨(Delacroix، (Ferdinand Victor) Eugène أوجين دوالكروا )*(نسي، من زعماء الرومانسية في القرن التاسع عشر، كان له أثر كبير في مصور فر

© .Microsoft ® Encarta ® Reference Library 2005انظر موسوعة . (االنطباعيين

1993-2004 Microsoft Corporation. All rights reserved( ).٧(انظر اللوحة رقم ) ١(

- ١٣٨ -

وتحقيق ) هجوم األسد( حالة عناق مميت، محاوال مقاومة الفعل -األسد ينمان على - في وضعيتهما المزعزعة - الثبات، غير أن حافريه الخلفيتين

.االنهيار الوشيكالفارس ( يمثل القوة الدافعة المحركة لألحداث ولحركة الشخوص :األسد

فهو بانقضاضه على الحصان يدفعه وفارسه إلى الحركات الدفاعية ) الحصان/ ، وتظهر قوته المحركة في سيطرته )رد الفعل/ الفعل (السابقة لتتولد ثنائية

على الموقف، إذ يغرز أنيابه في صدر الحصان، ومخالب يده اليمنى في وهو . حافره، أما مخالب يده اليسرى فتوشك على التقاط طرف عباءة الفارس

.ومتوازنا في وضعيته. ثابتا على األرض– في كل تلك الحركات –يبدو حركات متعاقبة – عن الوضعية الناجمة–تحكي حركة األشكال

موحية بالزمن، وهذا ما عرف به دوالكروا في أعماله المتميزة بالسرد الحكائي، فهو إذ يمثل الشكل في حركة الجسد، يترك فسحة للمتلقي ليكمل

اللحظة الموحية – في هذه اللوحة –وتتجسد . الحركة ويتوقع لحظات السكون، أو ذروة الحدث، فقبلها كان الفارس على التي جعلها ليسينغ مرحلة الوسط

حصانه، يسير مطمئنا إلى وجهته، وكان األسد يتجول باحثا عن فريسته متربصا لإليقاع بها، وفجأة يتم اللقاء، فينقض األسد على الحصان لتحدث

. اللحظة الحافلة، وقد تليها أحداث أخرى قد تنبئ عنها حركات األشكال اآلنحظة حتى يطعن الفارس األسد بسيفه، ليترك الحصان ويسقط فما هي إال ل

قتيال، وال يلبث الحصان أن يتهاوى من األلم ليوقع الفارس عن ظهره، وما قوة هي إال لحظات حتى ينتهي الصراع المتجسد في قوتين متعاكستين، ال

حصان، متمثلة في ال) الالفعل( متمثلة في األسد، والقوة السلبية )فعل(اإليجابية وتتمثل في الفارس، فيغدو ) رد الفعل(لتدخل قوة إيجابية أخرى تجسد

الحصان حياديا ما عليه إال انتظار النهاية، لتدور الحركة وتصل إلى ذروتها .بين الفارس واألسد

- ١٣٩ -

تأتي الظالل واإلضاءات الخفيفة لتؤكد الحركة، إذ تغلب القتامة على اللوحة وتتشعب فيها الظالل لتتكاثف على األسد وتدخله في إلى حد الغموض والتشويش،

رؤية األسد أو تحديد – في اللحظة األولى –العتمة، فال يمكن للناظر إلى اللوحة .معالمه، ولوال حركة الحصان والفارس لما أمكنه التأكد من وجوده

يظهر السكون في األماكن المظلمة من جسد األسد، بينما تشف نقاط عة على مخالبه وفمه وأقدامه عن وجوده وعن حركته المتمثلة الضوء الموز

في األجزاء السابقة والممثلة لفعل االنقضاض ليشتد الضوء على وجه الحصان ورقبته وصدره، ويتدرج في سطوعه على حوافره األمامية والخلفية، فيؤكد حركة الحصان، ثم يعود ليبرز واضحا على عمامة الفارس، ومقبض

الجزء العلوي من ذراعه فيؤكد حركته أيضا، ويوضح العمامة سيفه، و، وهذا ما أراد دوالكروا إيضاحه عندما بدأ عنوان )١(المخبرة عن كونه عربيا

على حصانه، ولم يقل فارس على حصانه، وكأنه سعى ) عربي(لوحته بكلمة عن صفات الشرق، وتدرج في تعدادها – من خالل الضوء –إلى الكشف

من خالل التدرج في الضوء والظل الخفيف، ) ، شجاعة، مواجهة الخصمقوة( ).السيف، حركة يد الفارس ورأسه(وإسقاطهما على

: حركة اللوحة-٢

تبرز حركة اللوحة في التكوين والخطوط واأللوان، فقد لجأ دوالكروا الحيز(في توزيع أشكال اللوحة في الفراغ ) االسبرال(إلى التكوين الحلزوني

، فجاءت متحركة ضمن هذا التكوين الذي يبدأ من عين الحصان )المساحيإلى طرف العباءة لينزل إلى قبضة السيف ثم السيف ثم رأس األسد وبعده

اسبراال (ركبة الحصان حتى يكمل طريقه إلى رجل الحصان، ليرسم ، يعتمد دوالكروا على)االسبرالي(، وإلى جانب التكوين الحلزوني )مفتوحا

)الجزائر/ المغرب (استقر دوالكروا في شمال أفريقيا ) ١(

- ١٤٠ -

، حتى في اإلضاءة التي اتخذت هذا )١(الشكل المحوري في توزيعه األشكالالمحور، وتقاطع معها محور آخر، مما شكل بؤرة مركزية تجسد فيها كل

.الصراع ودرامية الحدثترسم الخطوط المنحنية أشكال اللوحة فتضفي عليها الحركة، أما

تسيطر ثالثة ألوان على وعلى صعيد األلوان، . الخطوط المستقيمة فتنعدماألبيض، واألحمر واألسود مع تدرجات البني الخفيفة في جسد األسد، : اللوحة

مع كل ما تحمله هذه األلوان من دالالت، فعباءة الفارس الحمراء ولجام . الفرس األحمر، كناية عن الدم والموت المنتظر، واألحمر من األلوان الحارة

س، فيلونهما اللون األبيض الموحي بالبراءة أما جسد الحصان وعمامة الفاروالنقاء، أما األسود فهو ظالم وخوف، والبني الخفيف ليس إال لونا دخيال على

ومن . األلوان المسيطرة يجسد حالة صاحبه الذي يبدو مقحما نفسه في الموقف عدم وجود قطرة دم واحدة، فهل يدل – في دوامة الموت المنتظر –المالحظ

ر العباءة واللجام على أن الصراع لم ينته، وأن هناك دما سيراق، ليس إال أحم دم الحصان والفارس؟

المتمثل في صدر ) بؤرة اللوحة، والضوء(لعل التناقض بين األبيض الحصان والعمامة، وتدرجات األسود في ظالل اللوحة، يبرزان بوضوح في

تقطه العين مباشرة، مع العلم بأن صدر الحصان ويجعالنه مقتربا إلى األمام، لتلأقدامه البيضاء أقرب إلى عين الناظر لوجودها في المستوى األول، أما األحمر

فيأخذ موقع الوسط، على الرغم من وجوده في المستوى – في اعتداله –الثالث، يساعده التوازن بين الضوء والظل على االعتدال والحركة، لتظهر

.تموجة، تؤكد حركة الخط المنحني في لجام الفرسعباءة الفارس في حركة متقوم مراحل التحليل في هذه اللوحة على بنية الحكاية الناجمة عن الحدث،

إال أن الخطوط واأللوان واللمسات "وهذا ما ال يتحقق في لوحة طبيعة صامتة،

).٨(انظر تشريح اللوحة رقم ) ١(

- ١٤١ -

)١("والتكوين كافية بذاتها لتشكل نظما داللية ألنها مفردات خاصة بلغة محددةوبالتالي فإن استقراءها بذاتها في دالالتها الواضحة يساعد "وهي لغة التصوير،

وهذا . على بناء المعنى، حتى ولو كانت اللوحة بعيدة عن أية محاكاة تصويريةما يسمح بتطبيق التحليل السيميولوجي على لوحات ال تقوم على المحاكاة

هذه اإلشكالية في كتابه Signac ، وقد المس الرسام الفرنسي سينياك)٢("األيقونيةحيث يوضح انطالقا من ) من أوجين دوال كروا وحتى االنطباعية الحديثة(

ال يبدأ لوحته قبل أن "نصائح دوال كروا نفسه أن المصور في االنطباعية الحديثةفهو يستثمر ما رسخته فيه التقاليد المتعددة . يثبت الترتيب الذي ستكون عليه

بمعنى آخر . م ليعطي لتكوينه االنسجام الذي يتوافق مع مفهومه هووتعاليم العلأنه يالئم الخطوط بتوجهاتها وزواياها، واإلضاءة بمساحاتها المعتمة والمضيئة على اللوحة، وهكذا فإن الطابع المسيطر على الخطوط سيكون أفقيا، لإليحاء

حزن، مع كل الخطوط بالهدوء، وصاعدا لإليحاء بالفرح، وهابطا لإليحاء بالوبعد ذلك . الوسيطة القادرة على تجسيد المشاعر كافة بتنوعاتها الالمتناهية

تتضافر لعبة تعدد األلوان بكل ما فيها من تعبيرية وغنى مع لعبة الخطوط هذه، فمع الخطوط الصاعدة تتالءم األلوان الحارة واأللوان الفاتحة، ومع الخطوط

أما التوازن المثالي بين األلوان الحارة والباردة . غامقةالهابطة تسيطر األلوان الوعندما . وبين األلوان الشاحبة والكثيفة، فإنه عنصر يدعم هدوء الخطوط األفقية

يخضع الرسام األلوان والخطوط لالنفعال الذي أحس به والذي يريد ترجمته في .)٣("يتحول إلى مبدع.. اللوحة فإنه يتحول إلى شاعر

شارة إلى مالحظة مهمة تتعلق بدوالكروا، وبمعالجته اللوحة وتجدر اإلعلى الفن الغربي طابع الفن "أن دوالكروا قد أدخل: بنظرة استشراقية مفادها

.١٩قراءة في لوحة موت سارادنابال ألوجين دوالكروا، ص ) ١( ١٩قراءة في لوحة موت سارادنابال ألوجين دوالكروا، ص ) ٢(

١٩المرجع نفسه، ص ) ٣(

- ١٤٢ -

، فالشرق في هذه اللوحة، وهو )١("الشرقي الذي استقاه من المغرب العربي .شرق الفروسية والشجاعة، شرق بينته الحكايا الشعبية

كل الحكايا، أال تذكرنا الصلة بين الفارس والحصان، وبعيدا عن المتمثلة في تضرع الحصان ولجوئه إلى الفارس إلنقاذه، بقول عنترة بن شداد

: عن حصانه )٢(الم مكلميـو علم الكـان لـولك لو كان يدري ما المحاورة اشتكى

لدراسة ) الموناليزا) (دافنشي(آثرنا قبل الوقوف عند لوحة المصور فإذا كانت الحركة في . السكون، استكمال أنواع فن التصوير المهتمة بالحركة

التصوير قد تجلت في المدرسة الرومانسية، فإنها أصبحت عنصرا رئيسيا في .(Cinétisme) وفي االتجاه الحركي (Futurisme)المدرسة المستقبلية

والحركة والحياة، )٣(" التقنيالسرعة والعمل"تمثل مبدأ المدرسة المستقبلية فينبذ المستقبليون جميع أساليب الماضي بما فيها األسلوب التكعيبي الحتوائه "لذلك

الصيغة السكونية، وفي المقابل استند رسمهم ونحتهم على أساسين حركيين، حركة ولهذا كان الفنان المستقبلي يسعى . األجسام في الفضاء، وحركة الروح في الجسد

ولقد .. المشاهد إلى أعماق اللوحة، لكي يعطيه المعنى الفيزيائي للحركيةإلدخال عبر الفنان المستقبلي عن الحقيقية المتغيرة بتجزيء األشكال إلى ماليين النقاط

، ليخلق الحركة والزمن ويوحي بالمستقبل، وهذا ما يفسر )٤("والخطوط واأللواني جمعت كل منابع الحركة، فمن حركة انعدام السكون في اللوحات المستقبلية الت

اللوحة الناجمة عن الخط واللون والضوء والظل، إلى حركة األشكال في الفراغ والناجمة عن الوضعيات، ولم تكتف المستقبلية بتحريك األشكال ) الحيز المساحي(

.١١اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة، ص ) ١( .٢٥٦ ص –علقة عنترة م–شرح المعلقات السبع ) ٢(

.٦٩اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة، ص ) ٣( .٧٠المرجع نفسه، ص ) ٤(

- ١٤٣ -

فإذا كانت . وإنما رسمت الجسم في حركاته المتعاقبة– في اللحظة الحافلة–لشكل في حالة السير مثال، عبرت عنها المستقبلية من خالل تكرار حركة وضعية ا

الرجل في حاالت متعددة موحية بالخطوات وبالتقدم في السير، وإن قامت بتصوير الوجه اإلنساني شملته في لحظات حاالته الشعورية كافة، فأوحت بالزمن من خالل

مسه واضحا في لوحة تغيير معالم الوجه بين لحظة وأخرى، وهذا ما نل، إذ صور بوتشيوني )١٩١٠( )١()Mourning/ الحداد ()Boccioni( )*(بوتشيوني

عجوزا حزينة، فكرر رسم وجهها ثالث مرات، وفي كل مرة كان وجهها يزداد تعبيرا عن شدة األلم والحزن، وكأن بوتشيوني أراد خلق الزمن واالستمرارية،

يحدث للعجوز بعد حين، ولم يتوقف عند وجهها، فجسد المستقبل وأخبر عما سوإنما أبرز حركات رأسها من الخلف في ثالث صور مختلفة، ونوع حركات يديها

.في أماكن متفرقة من اللوحةتقترب طريقة عرض الحاالت الشعورية للشخصية في اللوحة المستقبلية

. الشعورمن العرض السينمائي وتشترك معه في تتابع األحداث وصيرورة لجأ المستقبليون إلى طريقة اصطناع التركيب البصري الذي اكتشفوه، " حيث

والذي يرتكز في حد ذاته على ظواهر الرؤية المستخلصة من جهاز التصوير ، وإذا ابتعدت موضوعاتهم عن التشخيص فإن لمسة الفرشاة في)٢("والسينما

في )٣("سينماسكوبيخطوط القوة ومساحات شدة اللون، تخلق االنطباع ال" .)٤ ()١٩٠٩ ()Street Lamp() مصباح الشارع(، Ballaكلوحة الفنان . لوحاتهم

مصور إيطالي، تعلم أصول التنقيطية ) ١٩١٦ – ١٨٨٢ (Boccioni امبرتو بوتشيوني )*(، ثم أضحى ١٩٠٩في بداية مسيرته الفنية، وقع على بيان المستقبلية، الذي نشر عام

انظر اتجاهات .(لهذه الحركة، وقدطبق ذلك في أعماله إلى أبعد حدالمفكر النظري ) ٧٢الفنون التشكيلية المعاصرة، ص

)٢٢) (٢١(انظر المثالين رقم ) ١( ٧٠اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة، ص ) ٢( ٧٠المرجع نفسه، ص ) ٣( )٢٣(انظر المثال رقم ) ٤(

- ١٤٤ -

دون التوقف عند –لقد اكتفينا بذكر مثالين عن اللوحات المستقبلية لتوضيح أهمية الحركة من حيث هي عنصر تشكيلي متفرد في – تحليلهما

وليستفيد من العلم . تقنيا مستقالالمدرسة المستقبلية، تطور أكثر ليأخذ شكال المتمثل في النحت )Cinétisme(والتقنيات الحديثة، فيولد الفن الحركي

حيوية اإليقاعات واأللوان في فضاء اللوحة التصويرية، "والتصوير، من خاللأو من خالل إضفاء التحريك اآللي الكهربائي أو الكهرومغناطيسي في األعمال

وم الفن الحركي على مبدأ عدم االبتعاد عن الواقع،وإنما تغييره ويق) ١("النحتيةاستثمر الشكل واللون والفراغ ليرمز إلى الديناميكية "بما يناسب التقدم العلمي،لذا

١٩٠٩وقد ظهر أول إعالن له في إيطاليا عام . الشاملة والحركية المتواصلةاروا على التقاليد من خالل المستقبلية، إذ عارض أصحابه فكرة الثبات فث

وقاموا بسلسلة من الدراسات التحليلية المتعلقة األكاديمية التي قيدت الفنون،ومع باألشكال المتحركة من خالل وضعها في منظومة الصورة المتزامنة،

المعتمدة على اإلشعاعات البصرية، ،)Rayonnism( والدة المدرسة الشعاعيةوان وغدا الفضاء التصويري تشكيال هندسيا تحرر مفهوم الحركة من تداخل األل

لإليقاعات الملونة، ووصل الفن الحركي إلى ذروته مع ظهور النظريات البنائية)Constructivisme(والتفوقية )Superematisme ( الروسية التي برز من فنانيها

مرحلته النهائية، مرحلة الذي ذهب بالتصوير الزيتي إلى)*()مالفيتش(المصور .عالم األشكال التي ال تهتم إال بالتعبير والكشف عن ذاتها

)١ (Anne Tronche – Herve Gloaguen-"L'art actuel en France" – BALLAND –PARIS – 1973 – P: 44 / 45

–مصور روسي، ولد في كييف ) ١٩٣٥ – ١٨٧٨ ( Malvichكازيمير مالفيتش )*( والوحشية وأصبح زعيم التكعيبيين ةروسيا، تأثر في بداية حياته الفنية باالنطباعي

و، أوجد حال لمشكلة في موسك١٩١٥،أعلن البناء التفوقي عام ١٩١٢الروس عام مربع أسود مثال فوق خلفية دائرية : الشكل والفراغ منطلقا من مبادئ هندسية سهلة

بيضاء ومثلث وصليب، وبراعة تركيب هذه العناصر الهندسية البسيطة هي التي ) ٦٣انظر اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة، ص .(تعطي التعبير المقصود

- ١٤٥ -

وتميز الفن الحركي بإدخاله المواد الحديدية والزجاج والفوالذ وخيوط النايلون وشفرات المعدن إلى لوحاته ومنحوتاته، ليخلق التوازن بين التقدم

لمهني من العلمي والفن من جهة، وليبدأ بتشكيل معالم الفنان المهندس والفنان افي هذا النوع من الفن غدا النحات مهندسا للرؤية، والمصور . جهة أخرى

.)١("مخبريا) الرومانسية، المستقبلية، والفن الحركي(جعلت المدارس الفنية السابقة

الحركة عنصرا تشكيليا أساسيا يمثل الزمن، إذ بدأ االهتمام به في الرومانسية مستقبلية وبؤرتها حتى استقل عنصرا فعاال في الفن الحركي وأصبح مبدأ ال

)Cinétisme( . الفن بديل ".ولم يستقل السكون في مدرسة خاصة به، كما فعلت الحركة

والحياة تجدد وحركة واستمرارية، وإن غلب السكون على الحركة . )٢("للحياةالحياة الساكنة لطبيعة ). أيقونة، تصوير كالسيكي(في بدايات فن التصوير

الواقعة تحت سيطرة التقاليد الكنسية واالجتماعية آنذاك، وبدأ السكون .بالتالشي تدريجيا في المدارس الفنية من االنطباعية حتى الفن الحركي

انعكاسا للوعي اإلنساني وعالقته بالوجود، – كما رأينا –ويعد السكون حمس للحياة والعمل التقني، فالفنان كما عكست المستقبلية الوعي الحركي المت

ومما ال شك فيه أن . )٣("كان يرتعد أمام التأمل، والحلم، والسكون"المستقبليالحركة توازي التحرر والنزوع نحو التغيير، بينما يوازي السكون التقاليد الجامدة، والقواعد الصارمة، وهذا ما يفسر انعكاسه في لوحات التصوير

.يد بقواعد المنظورالكالسيكي، المتق

)١ ( L'art actuel en Franc،p: 44-45 / انظر المثال رقم)٢٤ (. .٧ضرورة الفن، ص ) ٢( .٦٩ اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة، ص )٣(

١٠ م–الضوء والظل

- ١٤٦ -

مثاال عن السكون للمصور ليوناردو دافنشي" الموناليزا" تحليل لوحةليوناردو دافنشي (للفنان ) ١()الموناليزا(ال يرجع السبب في اختيار لوحة

Leonardo da Vinci()*() إلى شهرتها وكثرة الدراسات التي ) ١٥١٩ - ١٤٥٢ أهمها المنهج - معتمدة على مناهج متعددةتناولتها وأفاضت في تحليل ابتسامتها،

فحسب، وإنما ألنها لوحة تنتمي إلى الفن الكالسيكي، وتعد أشهر لوحة -النفسي، فضال عن أن صاحبها كان من مؤسسي قواعد المنظور في فن )بورتريه(

التصوير، إذ أفرد مؤلفا كامال يتحدث عن مجمل أرائه ونظرياته عن المنظور وأهم من كل تلك األسباب، سبب . تصوير وعالقته بالضوء والظلفي فن ال

تعكس الوعي السكوني العقلي الصارم للخط السائد آنذاك، ) الموناليزا(يوضح أن .)٢("الفن عمل عقلي":كما أكده دافنشي نفسه في قوله

يتحدث كل ما في اللوحة عن السكون، ويعد نقيضا لمنابع الحركة التي إن لوحة ما جعلتها تضج وتصخب في تفصيالتها، وتتوزع مواطن وجدت في

جهة السكون في التكوين الهرمي من جهة، وفي األشكال الموزعة في الفراغ من اللوحة بخطوط مستقيمة، فيبدأ من رأس )٣(أخرى، ويرسم التكوين الهرمي

ه اليمين واحد باتجا. الموناليزا مشكال رأس الهرم، لينطلق منه خطان مستقيمانوالثاني باتجاه اليسار، لينتهيا عند القاعدة في أسفل اللوحة، فيدخل شكل الموناليزا

. باريس–، متحف اللوفر )٩(انظر اللوحة رقم ) ١( في فلورنسا، ظهر اسمه ألول مرة في سجل "فنشي"دافنشي مصور إيطالي من (*)

قدم أول لوحة مؤكدة له وهي ١٤٧٣في عام ، و١٤٧٢المصورين في فلورنسا عام التي تؤكد تعلقه بقواعد المنظور وبأداء المنظر الطبيعي في " عذراء الصخور"لوحة

وهي صورة ١٥٠٢عام " الجوكوندا"خلفية اللوحة، بدأ برسم لوحة الموناليزا أو الذي تزوجها) ١٥٢٨ - ١٤٦٠(شخصية للزوجة الثالثة للسيد فرنشسكو دل جوكوندو

) ٣٣ص/ ٢٢ص/ ٢١انظر نظرية التصوير، ص ( .١٤٩٥عام ١٧اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة ، ص ) ٢( .، الحظ التكوين الهرمي فيها)١٠(انظر تشريح لوحة الموناليزا رقم ) ٣(

- ١٤٧ -

ويغدو التكوين الهرمي تشكيال للسكون بما يضفيه من جمود . كامال ضمن الهرماألسلوب الكالسيكي المعهود بتكويناته الهرمية " على اللوحة، ويعبر عن

إلى قسمين متساويين بخط محوري يبدأ من رأس ، وإذا قسمنا الهرم)١("الساكنةالهرم وينتهي عند القاعدة، وجدنا أن الموناليزا تنقسم بدورها إلى قسمين متناظرين لتبدو مالمحها، في القسم األيمن متناظرة مع مالمحها في القسم األيسر، فيظهر

أنه تناظر تغلب بيد . واضحا في اللوحة مضفيا عليها السكون) السيمترية(التناظر فيه الجهة اليسرى من شكل الموناليزا على الجهة اليمنى، فضال عن انحدار خط األفق من اليمين نحو اليسار، فما هدف دافنشي من هذه التشكيالت، وهو الذي عرف بدقته والتزامه بقواعد المنظور؟ ثمة ظالل فكرية كامنة وراء هذه الصور

شيفرة (في روايته ) دان براون(وائي الشهير الحسية، يلقي عليها الضوء الرأن الخلفية المرسومة وراء وجه " :، فيكشف عنها ويفسرها حين يرى)دافنشي

الموناليزا غير مستوية، إذ رسم دافنشي خط األفق من جهة اليسار أخفض بشكل في الواقع إن هذه خدعة . كبير من اليمين، ولم يفعل دافنشي ذلك في معظم األحيان

طة قام بها دافنشي عندما رسم الريف من جهة اليسار بشكل أخفض جعل بسيالموناليزا تبدو أكبر بكثير من جهة اليسار عما هي في جهة اليمين، وهي تلميح

جهتين، ىفعلى مر العصور حددت مفاهيم الذكر واألنث. خفي قام به دافنشين شديد اإلعجاب بالمبادئ فاليسار هو األنثى واليمين هو الذكر،وبما أن دافنشي كا .)٢("األنثوية، لذا جعل موناليزا تبدو أعظم من الجانب األيسر

وجدنا أنها تتحدث عن العنصر ) الموناليزا(وإذا انتقلنا إلى وضعية شكل والجلوس عادة يتصف )وضعية الجلوس(ألنها تمثل الثاني المشكل للسكون،

في جلوس الموناليزا الساكن، تنعدم بالسكون ويميل إلى ندرة الحركة، وهنا

.٩١بول سيزان، ص ) ١( - بيروتسمة محمد عبد ربه،الدار العربية للعلوم،: براون، دان، شيفرة دافنشي، تر) ٢(

. ١٣٦ – ١٣٥ م، ص ٢٠٠٤/ هـ١٤٢٥ –لبنان، الطبعة األولى

- ١٤٨ -

بحيث توحي . الحركة ويطغى السكون ليصل إلى يديها المتعانقتين في صمتللناظر إليها بأنها جالسة منذ األزل وستبقى، رافضة أن تبث إليه هاجس القلق،

. أكثر من سنة أمام ليوناردو في بداية رسمها– في الواقع –فقد جلست أن أغلب أشكال اللوحة مرسومة بالخط وقد يعترض معترض ب

المنحني، وهو كفيل بإضفاء الحركة على اللوحة، وهذا صحيح، إذ يغلب الخط المنحني على أشكال اللوحة لتنعدم الخطوط المستقيمة، لكن فضال عن ميزة الخط المنحني في توليد الحركة التي تبدو بطيئة قليال حين تتابعها العين،

شابكة موزعة في أرجاء اللوحة، لتخفي الخطوط المنحنية جاءت الظالل متوتدفعها نحو السكون، تساعدها األلوان القاتمة التي لم تترك للضوء إال الوجه وجزءا من الرقبة والصدر واليدين، وبعض المساحات الضيقة المرسومة

حيث –وفي المستوى الثالث . بخطوط متعرجة مضيئة في رداء الموناليزا تتالعب األضواء في السماء واألنهار، لكنها أضواء شاحبة، –يعة جالسة الطب

. تغلب عليها األلوان القاتمة والظالل لتضيع أغلب تفصيالت المنظر الطبيعيال يفلح لمعان الماء الفضي وال "إذ نلمح ظال راسخا داكنا قابعا على الخلفية، و

الفجر المتوهج من بعيد في نصاعة الجبين الوضاء والصدر المرمري وأنوار .)١("زحزحة هذا الظل الجاثم ومعه األفول والنضوج والحكمة المترفعة

، فمن غلبة الظل )الموناليزا(تكاثفت األسباب المولدة للسكون في لوحة ) كوجه الموناليزا(على الضوء، وخفوت الضوء حتى في األماكن المضيئة

تدرجات األسود (ن اللوحة القاتمة الذي يبدو مشوبا بالظالل، إلى ألواكلها رمت بالموناليزا في لجة . ، فضال عن التكوين الهرمي)واألخضر القاتم

السكون التي ال يناقضها إال الحركة الباطنية الجياشة المتخبطة في االبتسامة محاولة اإلفالت من اللون والظل والمكان الذي " المرسومة على الشفتين،

.)٢(" أكثر من خمسة قرون لترقص وتهتز وتتحرك في الزمانقيدت فيه منذ

.٢٧قصيدة وصورة ص ) ١( .٢٧المرجع نفسه، ص ) ٢(

- ١٤٩ -

يمثل كل ما سبق منابع الحركة ومواطن السكون في فني النحت والتصوير، كعنصرين تشكيليين ومفهومين عكسا الوعي اإلنساني حركيا كان أو سكونيا، من خالل تجسيدهما مبادئ المدارس الفنية، ولقد حاول المصورون

والزمان في الفنون المكانية، كالنحت والتصوير، فكيف إذا ما كان خلق الحركةفهل ثمة حاالت سكونية فيه إذا كانت . الفن زمانيا في طبيعته، مفعما بالحركة

.الحركة معيار الزمن؟ هذا ما يجعلنا ننتقل إلى فن الشعرأين الحركة والسكون في فن الشعر؟ وهل هما انعكاس للوعي الحركي

وعي السكوني عند الشاعر؟ وهل ينعكسان على النمط الشعري السائد في أو ال عصر ما؟

:الحركة والسكون في فن الشعر حيث تروي القصيدة أحداثا لها – في طبيعته –فن الشعر فن زماني

وتعد . بداية ونهاية، وإن تعددت أغراضه من وصف أو غزل أو مديح أو هجاءي فن الشعر محاولة إلبراز عنصرين من عناصره دراسة الحركة والسكون ف

وقد يختلف فن الشعر عن . التشكيلية التي تناظره مع فني النحت والتصويرالتصوير والنحت في منابع الحركة وأسباب السكون، لطبيعته الزمانية، ولما سبق استعراضه في النحت والتصوير، باعتبارهما فنيين مكانيين ولو ظاهرا،

وقبل الوقوف على الحركة والسكون في . أسباب سنجدها الحقاوغيرها منالشعر، البد من التأكيد على فكرة التقائهما فيه، وإمكانية إدراكهما في القصيدة

وقد تبدو . وإن اختلفت النسبة بينهما، وغلبت إحداهما على األخرى. الواحدة :اب التاليةدراسة الحركة والسكون في القصيدة العربية صعبة، لألسب

فن الشعر فن زماني وهو أكثر تجريدا من النحت والتصوير، وقد يبتعد - ١عن التجسيم بالكتلة واللون الملموسين في النحت والتصوير، وإن تناول صورا حسية في بعض قصائد الوصف، إال أنها تبقى متخيلة ال تتجاوز

.اإلدراك الذهني عند المتلقي

- ١٥٠ -

السكون في التصوير والنحت تنطلق من إذا كانت معايير الحركة و - ٢والحركة ) وضعية الشكل(فضاء مكاني متمثلة في الحركة الخارجية

، إضافة إلى حركة توزيع األشكال في )آلية الضوء والظل(الداخلية الفراغ وتأثيرات الخط واللون والتكوين، وهي حركات تزامنية، فإن

ر أسبابها وعناصرها، معايير الحركة والسكون في الشعر تتشعب وتكثلتعاقب صيرورة الشعر وتفوقه على النحت والتصوير في جمعه بين اللغة والفكر من جهة، ولتعدد مفردات لغته وتنوعها مقارنة بمفردات

.النحت والتصوير من جهة أخرى

تتعدد التكوينات في النحت والتصوير مقارنة بالبنى الشكلية في القصيدة - ٣لعب البنية الشكلية دورا في إبراز الحركة والسكون العربية، لذا قد ت

.مثلما لعب التكوين دورا فيهما

) الجاهلية(يفوق عدد موضوعات الشعر وأغراضه في القصيدة التقليدية -٤الواحدة موضوعات التصوير والنحت في العمل الفني الواحد فمن الطبيعي

مشاعر وتقلبات أن نلمس في القصيدة الواحدة تعدد األغراض وتنوع البينما يبقى . النفس اإلنسانية، يعبر عنها الشاعر ويوزعها في أبيات قصيدته .المصور ومثله النحات مقيدين في إطار اللوحة وحجم المنحوتة

يؤدي اختالف تجليات الكتلة والفراغ في الفنون الثالثة بالضرورة إلى -٥مواد المنجزة للعمل اختالف تشكيالت الحركة والسكون، الختالف طبيعة ال

الفني، على الرغم من اشتراكهما في تلك العناصر، فالصوت والصمت في الشعر الشفاهي، والكلمة والفراغ الطباعي في الشعر الكتابي، تنجم عنهما

.تشكيالت حركية وسكونية مختلفة عن تلك التي في التصوير والنحت

ان الوعي الحركي يعكس– عنصران تشكيليان فنيان –الحركة والسكون - ٦والوعي السكوني عند المصور والنحات، ويشفان عن المدرسة الفنية والنمط المتبع، بيد أنهما في فن الشعر يخبران عن الوعي، حركيا كان

- ١٥١ -

أو سكونيا في رموز متعددة، ألن الشعر أكثر مرونة من النحت ه المختلفة والتصوير في تقبل الوعيين الحركي والسكوني، لطبيعة مواد

.عن مواد التصوير والنحت

وبناء على األسباب السابقة تتلخص منابع الحركة ومواطن السكون في :القصيدة العربية في المحاور التالية

.البنية الشكلية للقصيدة العربية، وإيقاعها - ١نظام القصيدة التقليدية، وأسلوب الشاعر في التعبير عن كل موضوع - ٢

.من موضوعاته

، التي ) حديثة–جاهلية (الرموز الحركية والسكونية في القصيدة العربية - ٣ .تعكس الوعيين الحركي والسكوني عند الشاعر

.تعاقب المفردات واألفكار واألخيلة في فن الشعر - ٤

) الجاهلي(هالل الجهاد أن دراسة الشعر في شكله الشعري . يرى دلتشكيلية أوال، وفاعليتها في تحديد ماهية عناصره ا"دراسة تطبيقية، تتطلب

باعتبار أن الوعي هو البنية ... تكوينه بوصفه تجسيدا للوعي الشعري ثانيا، كما دلت )١("العميقة التي تدل عليها العناصر التشكيلية ضمن إطار الشكل

العناصر التشكيلية في التصوير والنحت على ماهية الفنين وعكست الوعي وقبل التعمق في العناصر التشكيلية الشعرية . الفنانالفني عند / اإلنساني

جهاد . األول أن رأي د: بد من توضيح أمرين المولدة للحركة والسكون، اليمكن تطبيقه على الشكل الشعري للقصيدة العربية قديمة وحديثة، ألن العناصر التشكيلية مرآة تعكس الوعي الشعري في أية قصيدة، وتعد أدوات

مام الشاعر للتعبير عن رؤاه وتجاربه، ومهما تطور الوعي الشعري متاحة أواختلفت القراءات للواقع، تبقى العناصر التشكيلية في الشعر مرنة ومتقلبة

.١٢٧فلسفة الشعر الجاهلي، ص ) ١(

- ١٥٢ -

أما األمر الثاني فيتطلب منا اإلشارة إلى تعدد الدراسات في بناء . وفق تطوره .)١(االقصيدة العربية ومنها دراسة د يوسف حسين بكار وغيره

وليس من هم البحث استعراض تلك الدراسات المتنوعة في بناء القصيدة، التي تشير إلى أهمية البنية الشكلية، ودور العناصر التشكيلية في هذه البنية، إذ إنها مشتركة بين القصائد العربية التقليدية، بل في القصيدة

ية المتطورة والمتمثلة على الرغم من اختالف البنية الشكل–الحديثة أيضا غير أنه البد من اإلشارة إلى أنه على الرغم من تقيد الشعراء الجاهليين . فيها

كل قصيدة تكاد تتميز ببناء خاص بها، " فإن. بالشكل الصارم للقصيدة الجاهليةويعود هذا إلى تفرد الشاعر برؤيته ،)٢("إنها وجود فني مستقل أو قائم بذاته

للموضوع من جهة، وإلى دور العناصر التشكيلية المتاحة وطريقة معالجته في "الصوت والصمت"أمام الشاعر وحريته في استخدامها، كالكتلة والفراغ

في الشعر الكتابي، وتجسيدها للفكر واللغة "الكلمة والفراغ"الشعر الشفاهي، و واإليقاع والعاطفة والخيال والصور، لتشف عن الحركة والسكون من خالل

الشكل والمضمون على حد سواء، ومن جهة أخرى، وانطالقا من مفهوم يمكن عد الشعر الشفاهي زمانيا، فثمة ). الكلمة والفراغ(و) الصوت والصمت(

صيرورة تشف عن الزمان، حتى في لحظات صمت الشاعر، في حين أن ، وإن تعاقبت فيه األفكار)مكاني/ زماني (الشعر الكتابي شعر زمكاني

.واألخيلة والصور، فإنه يبقى محصورا ضمن حيز الصفحةتقابل البنية الشكلية للقصيدة التقليدية، التكوين في فن التصوير، وتماثل

التكوين الهرمي، بينما تماثل البنية الشكلية في القصيدة - في صفة التناظر -د بالقواعد، في صفة الحركة وعدم التقي) األسبرال(الحديثة التكوين الحلزوني

كمال أبو ديب في كتابه . ، ودراسة د)دينامية النص(محمد مفتاح في كتابه . كدراسة د) ١( ).في البنية اإليقاعية للشعرالعربي(

.١٢٨فلسفة الشعر الجاهلي، ص ) ٢(

- ١٥٣ -

ينقسم إلى قسمين متناظرين لتتوزع األشكال، - كما رأينا -والتكوين الهرمي وكذلك األمر في . من خالله، في الفراغ ضمن تناظر يدفعها إلى السكون

البنية الشكلية للقصيدة التقليدية، فبناء القصيدة من خالل األبيات المتراصفة، ل شطر خطا مستقيما ال مرئيا، يفصل حيث ينقسم البيت إلى شطرين، يرسم ك

فيقسم بدوره القصيدة إلى قسمين، ترتصف فيهما األبيات ضمن . بينهما فراغمداميك لتوحي ببناء يماثل العمارة التقليدية في الحضارة العربية اإلسالمية،

.من حيث تماسك بنيانها، ومن حيث صفة التناظر، )السيمترية(ضفي عليها التناظر إن التشكيل نفسه للقصيدة التقليدية ي

فيدفعها إلى السكون وقد استمر التناظر في البنية الشكلية للقصيدة العربية حتى بدأ الخروج عليه مع مجيء الشعر المملوكي الذي اهتم بالتشكيل إلى حدإفراغ العمل من مضمونه، معتمدا على الزخرفة واألشكال الهندسية في رسم

مع المحافظة على -راكات البصرية في عين القارئ، القصائد وبث اإلد مما أدى إلى تشكيالت حركية واضحة مضافة إلى البنية –الوزن والقافية

الشكلية في القصيدة المملوكية، ومن أنواع شعر التالعب اللفظي الشكلي في نوع من النظم يجعل في تفرعه " نذكر نوع التشجير، وهو)١(الشعر المملوكي،

أمثال الشجرة، وسمي مشجرا الشتجار بعض كلماته ببعض، أي تداخلها، على وذلك أن ينظم البيت الذي . وكل ما تداخل بعض أجزائه في بعض فقد تشاجر

هو جذع القصيدة ثم يفرع على كل كلمة منه تتمة له من نفس القافية التي نظم رة، وإنما بها، وهكذا من جهة اليمنى واليسرى، حتى يخرج منه مثل الشج

يشترط فيه أن تكون القطع المكملة كلها من بحر البيت الذي هو جذع .)٢("القصيدة، وأن تكون القوافي على روي قافيته أيضا

–) مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني(للتوسع في األنواع يمكن العودة إلى كتاب ) ١( م١٩٧٢/ هـ ١٣٩٢، بيروت، القاهرة ٢للدكتور بكري شيخ أمين، دار الشروق، ط

ولى، الرافعي، مصطفى صادق، تاريخ آداب العرب، المطبعة التجارية، الطبعة األ) ٢( ) )٢٥(انظر المثال رقم . ( ٣/٤٤٤. م١٩٤٠/ هـ ١٣٥٩القاهرة

- ١٥٤ -

لقد بدأ تحطيم المقاييس والقواعد شكال ووزنا وقافية، في القصيدة الحديثة، ومنذ ظهور شعر التفعيلة، على وجه الخصوص، إذ أخذ الشاعر في

، وسعدي )أنشودة المطر(لرسم بالكلمات، مثلما فعل السياب في قصيدته اوهو ما سنراه عند دراسة . يوسف في كل قصائده التي توقفنا عند نموذج منها

. الحركة والسكون في القصيدة الحديثةولدت آلية الضوء والظل الحركة الداخلية في المنحوتة، والحركة

في القصيدة العربية؟ ) باطنية(مة حركة داخلية الباطنية في اللوحة، فهل ثوهل للضوء والظل دور في إنشائها؟ إذا كانت آلية الضوء والظل في فني النحت والتصوير تحكي أسلوب الفنان وتعكس إيقاعه الداخلي، فإن اإليقاع في القصيدة يشي بالحركة والسكون، وهنا البد من التمييز بين اإليقاع الخارجي

جم عن البحر والوزن والقافية، واإليقاع الداخلي الذي يعكس ظالل الشاعر الناعناصره الكامنة في البنية "الباطنية الالشعورية وإضاءاته الشعورية، نجده في

اللحنية العامة، التي نجدها في حاالت الجملة الصوتية والجملة الفراغية أو شكال، يشكل إيقاعا ذا خطوات وتوارد هذه الجمل المختلفة األ. الجملة الممتدة

ويتضمن عمق كل من الجمل الصوتية إيقاعا ذا خطوات صغيرة، . كبيرةوهي نغمات متراصة بعضها إلى بعض فتعطي بطريقة تحولها وتواردها

وتشبه في طريقة انتظامها في البيت، انتظام الكتل . )١("الشكل للجملة الموسيقيةشكال ليأخذ كل شكل حيزا مساحيا له في في الفراغ في النحت، وانتظام األ

فراغ اللوحة، لكنها تختلف عنها في السياق، فالسياق هنا شعري، كتله كلمات بما هي جزئيات من بنية "وأصوات ترتصف بنى صوتية وصرفية وتركيبية

ضمن عالقات تنظيمية محددة تخلق ما يسمى )٢("كلية هي الشكل الشعري

، ١كة المطبوعات للتوزيع والنشر، طرمكداشي، غازي، وحدة الفنون اإلسالمية، ش) ١( .٢٣٤ ص – ١٩٩٥بيروت،

.١٣١فلسفة الشعر الجاهلي، ص ) ٢(

- ١٥٥ -

اإليقاع الداخلي الذي هو انعكاس وعي الشاعر بالعالم من بالبنية اإليقاعية، أو بما هي وعي –الذي يمثل اللغة (من المعجم اللغوي " حوله من خالل اختياره

ينظمها في سياقات محددة ويقيم بينها ) إشارات( مفردات) في حالة السكون–م إدراكا عالقات تنظيمية، مستغال إبداعية اللغة وتحوليتها، ليسبغ على العال

، وهذا ما يفسر اشتراك بعض القصائد بالبحور )١("جديدا، هو إدراكه بالذات الذي قد –والقوافي، واختالفها باإليقاع الداخلي الذي يشي بوعي الشاعر

مما يجعله . تجاه ذاته وتجاه العالم من حوله–يكون بدوره حركيا أوسكونيا استنادا إلى لغوية – اإليقاع الداخلي ومن هنا يمكن عد. متميزا في أسلوبه

شكال من أشكال الحركة أو السكون، لذلك البد من –الشعر وأدوات الشاعر إن : التمييز والفصل بينه وبين اإليقاع الخارجي، حتى إننا نستطيع القول

يعكس تجليات – في عالقة تراكيبه اللغوية والصرفية –اإليقاع الداخلي / الصفحة ( أثرهما في انتظام الكتل الشعرية في الفراغ الضوء والظل في

وأن الوزن والعروض إيقاع خارجي، ومن اإليقاعين تنشأ العالقة ) الصمت .بين الحركة والسكون

وهنا البد من اإلشارة إلى أن اإليقاع الخارجي قد يكون ستارا ل لعواصف وتخبطات ظالل متمثلة في اإليقاع الداخلي فيوحي، من خال

بحره، ووزنه، وبناه العروضية، بالحركة، بينما يبطن في أعماقه إيقاعا داخليا ساكنا، والعكس صحيح،

وبناء عليه ربما كان النظر في العروض والبحور الشعرية، انطالقا من فكرتي الحركة والسكون، محفوفا بالمخاطر، ألن الصامت العربي ليس صامتا

ا قصيرا، ومع ذلك فالغالب على الشعر العربي فحسب، وإنما يتضمن صائت .القديم هو الحركات، وهي دوما أكثر من السكنات

.ولنتوقف عند بعض األمثلة من بحور متفرقة لتأكيد هذه الفكرة

.١٣١المرجع نفسه، ص ) ١(

- ١٥٦ -

البحر البسيط: مثالالسيف أصدق أنباء مـن الكتـب

)١(في حده الحد بين الجد واللعـب

فعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن فعلن مستفعلن مستفعلن

/ο/ο//ο/// ο/ ο/ο//ο/// ο /ο/ο/ / ο/ ο //ο/ ο/ο //ο/ / / ο ) ساكنات٩ متحركا و١٤) ( ساكنات٨ متحركا و١٤ (

:البحر الكامل وهو أوفر حركةولقد شفى نفسي وأبـرأ سـقمها

)٢(قيل الفوارس ويك عنتر أقـدم

متفاعلن متفاعلن متفاعلن اعلن متفاعلن متفاعلنمتف ///o/ /o/ //o/ /o /// o / / o ///o / / o /// o / / o /// o/ / o

) ساكنات٧ متحركا و١٤( ) ساكنات٧ متحركا و١٤ ( ):حمار الشعراء(وأقل األبحر حركة وهو أضعفها شعرية الرجز

أنيسفي بلدة ليس بها مستفعلن مستعلن فعولن

/o/o//o/ o/ //o// o /o ) ساكنات٧ متحركا و١١(

إال اليعافير وإال العيس مستفعلن مستعلن مستفعل

/o/ o/ /o/ o///o/ o/o/o ) ساكنات٨ متحركا و١١ (

.٥٧ديوان أبي تمام، ص) ١( .١٥٢ات السبع، معلقة عنترة، صشرح المعلق) ٢(

- ١٥٧ -

استخدم الشعراء في الجاهلية، البحور السابقة وغيرها، في نظم قصائدهم، شاعر شفهي، دفعته الشفاهية إلى استقاء صيغ – ذكرنا كما–والشاعر الجاهلي

لكن . وتراكيب كامنة في مخزون جماعي اعتمد عليه أغلب الشعراء الشفهيين يظهر في لحظة اإللقاء، وهذا يعني أن عليه أن "الشفهي"إبداع الشاعر الجاهلي

ال ينوع في التراكيب والصيغ بسرعة كبيرة، لكي يحتفظ باهتمام مستمعيه، وهويستطيع إنشاء األشعار الصحيحة الوزن والمعنى عن طريق التنويع في التراكيب والصيغ من دون العودة عمليا إلى الذاكرة، إال إذا كان يتقن أساليب فنية معينة يربط بواسطتها بسرعة خاطفة بين صيغ تقليدية معروفة من أجل إنشاء أشعاره،

الوحدة األساسية فيها "الكلمة"ستوإن الشاعر الشفوي يبدع بلغة خاصة لي، وقد اتفق الشعراء الجاهليون في الصيغ العروضية، وقد يتبادر )١("الصيغة"بل

من خالل –إلى الذهن أن هذا االتفاق في الصيغ دفع بالشعر الجاهلي نحو الثبات إال أن . التقيد بالقواعد والرصيد والمخزون الجماعي الذي يجمد اإلبداع والحركة

هو مهارته في التعامل مع مجموعات الصيغ التي " يميز شاعرا من غيرهماوبذا تصبح المهارة في تركيب الصيغ .. يصنعها الرصيد الشفوي التقليدي،

الوسيلة األساسية التي يستخدمها الشاعر الجاهلي إلبراز فرديته وفردية اللحظة ي التعامل مع الصيغ ، ولعل قدرة الشاعر ومهارته ف)٢(".التي يصورها في شعره

هي انعكاس ألسلوبه ولوعيه تجاه الوجود، وتظهر تلك القدرة في تعامله مع القواعد المفروضة عليه، كنظام القصيدة وعمود الشعر، وتشف عن الحركة والسكون كمفهومين يعكسان الوعي الحركي أو السكوني من خالل الموضوعات

وهذا يدفعنا إلى دراسة نظام . ير عنهاوأسلوب التعب. المفروضة في نظام القصيدةالقصيدة وأثره في الحركة والسكون في ذات الشاعر ووعيه وفي القصيدة نفسها

هل يؤثر نظام القصيدة في : عمال فنيا مستقال، والوقوف أمام إشكالية مفادها

فؤاد، الوعي الجمالي عند العرب قبل اإلسالم، دار األبجدية للنشر، . المرعي، د) ١( .٢٦، ص ١، ط١٩٨٩دمشق،

٢٧المرجع نفسه، ص ) ٢(

- ١٥٨ -

حركية ذات الشاعر أو سكونه؟ وإذا ما أثر سلبا أو إيجابا كيف سيتميز الشاعر من غيره، وهو أمام نظام مفروض ومتبع لدى جميع الشعراء؟

سيجيبنا عن السؤالين السابقين رأيان البد من العودة إليهما، ألن األول ينبغي أن "عصام قصبجي أنه. يرى د. يعرض المشكلة والثاني يفترض الحل

كان عند المرزوقي وإن"عمود الشعر" عند ابن قتيبة، و"نظام القصيدة"نميز بينكالهما في النهاية يمثل نموذجا يجب أن يحتذى، فلعل نظام القصيدة يتعلق بالشكل، بينما يتعلق عمود الشعر بالمضمون، إذ يوضح األول كيف ينتقل الشاعر من الطلل، إلى الغزل، إلى المديح، ويوضح اآلخر كيف يعبر الشاعر

ه وكأن النقاد يحاولون عن معانيه، من خالل قواعد اللفظ، والوصف، والتشبيبذلك رسم الشكل النهائي لفن الشعر على نحو يحبط قوى الخيال، ويجعلها أسيرة األعراف النقدية الصارمة، وإال فكيف يتصور أن يوضع للشعر نظام معين يبدأ فيه الشاعر ببكاء الديار، ثم بكاء األحبة، لينتقل بعد ذلك إلى الشكوى،

نظام القصيدة يحبط قوى الخيال، ويدفع بالشاعر والقصيدة ، فالتقيد ب)١("فالمديح؟نحو السكون والثبات، ألن الخيال حركي متفاوت بين مبدع وآخر، ال يمكن ضبطه أو حبسه ضمن قواعد صارمة، دون أن يفضي ذلك إلى موت اإلبداع، ولكن الشعر الجاهلي شعر إبداعي، فكيف استطاع الشاعر أن يبدع وهو مقيد

ظام؟ ومن أين تأتي الحركة في القصيدة، والنظام يدفعها إلى السكون؟ يجيب بالنيبدي مرونة كبيرة "فؤاد المرعي حين يرى أن الشعر الجاهلي. عن السؤال د

في توزع أجزاء القصيدة، هي المرونة التي تنبع من طبيعة اإلبداع الشفوي كون حرا في وظروفه، فالشاعر، إذ يستخدم مخزون الموضوعات الثابت، ي

، ويؤكد )٢(" أو تبديل مكانه أو إلغائهتغيير أي موضوع أو تطويله أو تقصيره

عصام، أصول النقد العربي القديم، مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، . قصبجي، د) ١( ٢١٧ / ٢١٦م، ص ١٩٩١/ هـ١٤١١منشورات جامعة حلب،

٢٩الوعي الجمالي عند العرب قبل اإلسالم، ص ) ٢(

- ١٥٩ -

كيفية إبداع القصيدة "أن قارئ الشعر الجاهلي يستطيع أن يتصور بوضوحالجاهلية، ألن ذلك يساعد في فهم وسائل الشاعر القديم للتميز عن غيره، وفي

ث استخدام األغراض والبنى اكتشاف تميز كل قصيدة على حدة من حي، ولعل مرونة الشاعر في توزيع أجزاء القصيدة، وسعة خياله التي )١("الشعرية

استطاعت التحرر منها في اللجوء إلى وسائل - مهما حاصرتها القواعد -متميزة، خلقت حركات وسكنات باتت معيارا من معايير تقييم الوعي الحركي

تالي تميزه في األسلوب، وإن اشترك في معالجة والسكوني عند شاعر ما، وبال .الموضوع مع غيره

ولمحاولة فهم تميز الشاعر واختالفه في األسلوب، مما يضفي نوعا من الحركة على القصائد التقليدية، سنقف عند موضوع من موضوعات نظام

هالل . على حد تعبير د–القصيدة الذي يعد فاتحة القصيدة الجاهلية، وبؤرتها التي تشكل األبيات –هذه البؤرة "، إذ يرى أن)الطلل( المتمثلة في –الجهاد

هي المحرك األساس لوجود القصيدة، انبثاقا ونموا على –األولى من القصيدة وتتضمن هذه البؤرة ذلك التوتر الحاد الذي يميز المركب . صعيد التشكيل

ويوجدهما معا، ) الوجود–دم الع(الجدلي الجامع بين النقيضين المتحركين من حيث كونه متضمنا للتوتر الحركي ) الطلل(، و...فيعطي كل منهما فاعليته

الحاد بما أنه مكان وزمان، مكان يحتوي على الزمن ) المكاني/ الزماني (، لذا فإن دراسته عند ثالثة شعراء، )٢("مكثفا، وزمان متمثل في تثبيتات مكانية

من -نة بينهم، ومن ثم قراءة الوعي الحركي أو السكوني ستفضي إلى المقار . عند كل منهم–خالل الطلل

.٢٦المرجع نفسه، ص ) ١( .١٣٩فلسفة الشعر الجاهلي، ص ) ٢(

- ١٦٠ -

لبيد، طرفة بن العبد، : عند الشعراء الجاهليين) الطلل(تحليل مقطع .عنترة ابن شداد

آثرنا اختيار النماذج الشعرية من معلقة طرفة بن العبد، ولبيد، ة خاصة به، وعبر عن وعيه تجاه معالج) الطلل(وعنترة، إذ عالج كل منهم

فالطلل بؤرة . الوجود وتجاه ذاته من حيث هي عنصر فعال في هذا الوجودوعلى هذا "جامعة لوجودين، وجود الطلل نفسه، ووجود الذات الشعرية

األساس يبدأ تشكل القصيدة حركيا ألن الطابع الجدلي للبؤرة األساسية فيها وتعد العالقة )١("رة الطلل وبؤرة الذات الشعريةيعني تضمنها لبؤرتين هما، بؤ

بين الطلل والشاعر عالقة جدلية تكاملية، ألن وجود الطلل يستلزم وجود . الشاعر، كما استلزم الضوء وجود الظل، ورافق الحركة قليل من السكون

الطلل مكان وثبات وسكون، يحتوي ضمنيا على الزمان والحركة اللذين يقوم بإبرازهما عندما يتذكر ويبكي األيام الخوالي، أيام كان الطلل منازل الشاعر

حتى جاء يوم الرحيل . عامرة تضج فيها الحركة والحياة، ويسكنها األحبةإنها حركة الرحيل التي . فغدت الديار أطالال، وآلت الحركة سكونا وفناء

ن هنا ستتبين لنا وم). حركة الحياة(خلفت وراءها سكونا يشي بحركة ماضية حركية وعي الشاعر أو سكونه من خالل تعامله مع الطلل الساكن، فإما أن يزيده سكونا، رغم إثارة المشاعر وهيجان الذاكرة، وإما أن يبث فيه الحركة والحياة من جديد انعكاسا لذاتيته ووعيه الحركيين، لنرى ما قاله الشعراء

:الثالثة السابقون عن الطلل :رفة بن العبدقال ط

ــد ــة ثهم ــالل ببرق ــة أط لخول

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليـد وقوفا بها صحبي علـي مطـيهم )(

يقولون ال تهلـك أسـى وتجلـد

.١٣٩المرجع نفسه، ص) ١( .٤٥شرح المعلقات السبع، معلقة طرفة بن العبد، ص) ٢(

- ١٦١ -

: أما لبيد فيقولعفــت الــديار محلهــا فمقامهــا

)١(بمنى تأبـد غولهـا فرجامهـا

فمدافع الريـان عـري رسـمها

ا ضمن الـوحي سـالمها خلقا كم :ويسأل عنترة نفسه

هل غادر الـشعراء مـن متـردم

)٢(أم هل عرفت الدار بعـد تـوهم

يـا دار عبلــة بــالجواء تكلمــي

وعمي صباحا دار عبلة واسـلمي على األطالل، – على عادة الشعراء الجاهليين –وقف طرفة بن العبد

بدأ قصيدته بجملة . ووعيه تجاه الوجودلكنه وقوف قصير، ينبئ عن مصيره، خالية من الفعل، تشي بالصمت والسكون، )لخولة أطالل ببرقة ثهمد(اسمية

لكن لماذا الوشم؟ لماذا ربط صورة األطالل بالوشم؟ إذا عدنا إلى المعنى الوشم والوسم واالسم ألفاظ قريبة جدا النقالب السين "اللغوي للوشم رأينا أن

وعلى هذا فنحن ال نستبعد . و بالعكس، ثم النقالب الواو إلى ألفإلى شين أفالوشم كان ... أن يكون الوشم، أصال، أسبق من الوسم لكونه احتفاال مقدسا

عملية سحرية هدفها إعطاء اسم للشخص الموشوم أي إدخاله إلى القبيلة بعد الدم أبرز الطقوس وإذا تذكرنا أن الوشم عملية يسيل فيها الدم، وأن .. احتفال

التي ترتبط باآللهة، فإننا نستطيع الزعم بأن هدف ذلك الوشم كان ربط الشخص بالقبيلة وشعائرها ومقدساتها عن طريق تقديم شيء من دمه إلى

وإذا عرفنا أن ). باقي الوشم(، أما الوشم عند طرفة فزائل ال محالة، )٣("اآللهةحو الضياع، لما لقيه من ظلم، وأن طرفة نفسه قد انسلخ عن قبيلته واتجه ن

هذا الظلم قد دفعه لالستمتاع بملذات الحياة واإلسراف فيها والتمرد على كل

٩١شرح المعلقات السبع، معلقة لبيد بن ربيعة، ص) ١( .١٣٧نفسه، معلقة عنترة بن شداد، صالمصدر ) ٢( دار –" أنماطها السلوكية واألسطورية"علي، التحليل النفسي للذات العربية. زيعور، د) ٣(

١٦٩ ص ١٩٧٨ ٢، ط١٩٧٧ – ١ ط– بيروت - الطليعة

١١ م–الضوء والظل

- ١٦٢ -

، فقد )باقي الوشم(وجدنا تفسيرا الستخدامه تعبير . ما له صلة بجدية الحياةعبر عن رفضه الثبات والمقدسات والتقاليد القبلية، وعشقه الحركة والتنقل

ال يزول ويبقى مدى الحياة، -غرزا باإلبر - مع العلم أن الوشم . والتغييرورؤية طرفة للوشم في صورة الزوال تضعنا أمام . فإن طرفة يراه زائال

جعله زائال، وهو - رغم ثباته - األول أن الوشم الذي يتحدث عنه : احتمالينتخلص من ذلك وزواله رغبة دفينة في ال. الوشم باإلبر ويرتبط باأللم والدم

األلم، إضافة إلى التمرد على كل ما يحيط به، واالحتمال الثاني يقودنا إلى الظن بأن الوشم هو وشم بالحناء، وهذا نوع قابل للزوال تستخدمه النساء

فهل تراءت في ذهنه صورة خولة ووشمها على ظاهر الكف الذي بدأ . كثيرا بين ذكره خولة والطلل وباقي بالزوال وبالرحيل والفراق؟ هل ثمة رابط

الوشم؟ هل هذا سبب بكائه، أم أنه لم يبك، واكتفى باستعارة بيت امرئ القيس، إذ البد من إظهار البكاء في القصيدة ولو كان مصطنعا؟ في كال االحتمالين ثمة حالة زوال، زوال الحب أو زوال صالت القربى والتماسك مع

).النهاية الوشيكة لطرفة(ياة برمتها المتحدثة عن القبيلة، بل زوال أسباب الحفحركية طرفة المتزايدة أوصلته إلى سكون مفاجئ، وتظهر حركيته في

:البيتين التاليينــدوة ــة غ ــدوج المالكي ــأن ح ك

خاليا سفين بالنواصـف مـن دد

عدولية أو من سفين ابـن يـامن

)١(يجور بها المالح طورا ويهتدي

كخيال ) كأن(ألول ما يزال ضمن الجمل االسمية ويستخدم في البيت ا وظل وسكون، فهي تشبيه شيء بشيء، حتى ينتقل إلى البيت الثاني، ويلخص في الشطر الثاني وعيه تجاه الوجود، وعيا حركيا ال يعرف حدا يقف عنده، إنه يطلق

السبيل وتارة فصورة البحار الذي يهتدي تارة إلى. العنان لغرائزه واندفاعاتهيعدل عنه، صورة حركية اهتزازية توحي بالالتوازن والضياع، تتتالى بعدها

٤٦-٤٥شرح المعلقات السبع، معلقة طرفة بن العبد، ص ) ١(

- ١٦٣ -

قسم (، )يشق حباب الماء(الصور الدالة على الحركة والمتمثلة في الجمل الفعلية ، لعل سكون الطلل ولد رد فعل حركيا في نفس طرفة، فأثار )الترب المفايل

فهل كانت تلك الصور . وتشابيه تحكي عنهاحركته الداخلية لتتجلى صوراانعكاسا لثورة نفسه وشغفه بامتصاص رحيق الحياة، وحدسه بزوالها السريع؟

إلى رغبته في السكون والرحيل، وسأمه من ) باقي الوشم(وهل أشار بتعبيره الحياة الصاخبة بالحركة؟ لقد عكست معالجة طرفة لموضوع الطلل سعة خياله

التعامل مع نظام القصيدة وبينت العالقة بين الحركة والسكون، من وقدرته على خالل صوره وألفاظه، إذ غلبت الحركة عنده على السكون، وتحدثت عن وعيه

عند لبيد وعنترة وعيهما وطبيعتهما ) الطلل(فهل ستعكس معالجة . المبكر للوجود اإلنسانية كما فعلت عند طرفة؟

لي يعكس طبيعته، فإيقاع لبيد هادئ سكين، إذا كان لكل شاعر إيقاع داخ :وقور كشخصيته

عفــت الــديار محلهــا فمقامهــا

ــا ــا فرجامه ــد غوله ــى تأب بمنوليس بالحياة، ) الموت(اإليقاع هادئ تتحدث عنه الهاء، يبدأ بالعفاء

ة والديار يربط لبيد بالفاء بين أمرين فيحدد المواقع تحديدا دقيقا، الديار الغولي .الرجامية، فلم تفرق يد الموت بين منزل وآخر

فمدافع الريـان عـري رسـمها

خلقا كما ضمن الـوحي سـالمها كباقي الحروف على الحجارة، هي األطالل، لم تمح وإن عرتها السيول،

شبهها بشيء قدسي يشف عن الثبات ومن ثم عن السكون، وليس كتشبيه طرفة و الزوال فهو يقاوم حركة الحياة بإضفاء السكون عليها، أما حيث الحركة نح

طرفة فنراه منساقا مع الحركة المتزايدة يبالغ في كل شيء سعيا نحو السكون، ولبيد، في حكمته، تشبع من كل أسباب الحياة في حركتها وسكونها، فهو في

فصل بين السلم يلهو ويجور وفي الحرب رجل شجاع شديد البأس، قادر على ال :عاش لبيد طويال إلى حد الترنم بالزمن. األمور وخلق التوازن

- ١٦٤ -

ادمن تجـرم بعـد عهـد أنيـسه

)١(حجج خلون حاللهـا وحرامهـا

يترنم مستقصيا ومفصال في تعداد الشهور، يرى السكون في الطلل، ى الطلل، محاوال إعادة الحياة إل. يرى الفناء والموت، لكنه يرفض تلك الرؤية

وكأن الذكريات هيجت لديه الرغبة في العودة إلى الماضي، إلى الحياة وتكمن . والحركة، والسيما أنه اآلن شيخ هادئ سئم اليوم كل أسباب الحياة

:محاولته في إعادة الحياة إلى الطلل في قولهرزقت مرابيع النجـوم وصـابها

ودق الرواعد جودهـا فرهامهـا

– في تدقيق عصابي –وع المطر الخفيف والثقيل فهو يفصل في ن . ويريد إعادة الحياة إلى الطلل الموحش، وأول وسيلة يلجأ إليها هي المطر

وتحلو له هذه الوسيلة، فيفصل في األبيات الالحقة في أنواع المطر في وكأنه ) الحركة الصاخبة(الصباح والمساء والعشاء والرعد، ويلح على الرعد

بؤرة الضوء في نفسه، عن حركة باطنية يلفها سكون ووقار، إنه يكشف عنمن خالل الرعد والمطر أعاد الحياة المتفجرة إلى الطلل، ومثلها في نمو

ليغدو الطلل مفعما بأسباب الحياة، والمطر، . النبات وتوالد الظباء والنعامهد الحياة لم يعد الطلل موحشا وإنما صار م. والعشب، والظباء، والنعام

يجب أن يقاوم المرء أسباب الموت، وال : الجميلة، الحديثة الوالدة، كأنه يقول . يقنط أمامه

ويتابع في البيتين التاليين الصراع بين . وهنا ينساب إيقاع هادئ ساكن :الحياة والموت، أو بين الحركة والسكون

وجال السيول عن الطلـول كأنهـا

ــا )٢(زبــر تجــد متونهــا أقالمه

أو رجع واشمة أسـف نؤورهـا

كففا تعـرض فـوقهن وشـامها

.٩٢شرح المعلقات السبع، معلقة لبيد، ص) ١( .٩٤المصدر نفسه، ص) ٢(

- ١٦٥ -

لينتصر ألسباب الحياة أكثر من أسباب الموت، فالحجارة التي نقشت عليها الكتابة، كأنها كتب أعيدت كتابتها من جديد، أو وشم أعيد رسمه من

لة من جديد، وهكذا نظم لبيد نصف المعلقة تقريبا في الطلل، فلم يكن في عجويبدو مستمتعا في . أمره، كمثل طرفة الذي أنهى الطلل في خمسة أبيات

دوامة الصراع بين الحياة والموت، وبين الحركة والسكون، بين شخصيته الوقورة ذات الوعي السكوني، وشخصيته المتصابية المتشوقة للشباب

طق على والحركة، فينتقل إلى السؤال الحاسم ليغلب الوقار والعقل والمن : الالشعور، فيقول وكيـف سـؤالنا . فوقفت أسألها

)١(صما خوالد ما يبين كالمهـا

ووجد نفسه تسأل الحجارة، والحجارة صماء ساكنة ال غلب لغة العقل، .فهو يتأمل تأمال ساكنا ولكنه تأمل مفعم بالحياة. تعرف لغة الكالم

لوعي السكوني، فجاءت أبياته خلق لبيد التوازن بين الوعي الحركي وافي ألفاظها وصورها أداة للتعبير عن ذلك التوازن، وأكد ذلك في بيته األخير من مقطع الطلل، حين عاد إلى العقل، ومن الجدير بالذكر أن لبيدا، على الرغم من كونه عاشقا، يذكر المحبوبة في طلله، فهو يغفل اسمها حتى البيت

:قة، ويجعله مقترنا بالفراق وتقطع أسباب الوصالالسادس عشر في المعل بل ما تذكر من نوار وقد نـأت

)٢(وتقطعت أسبابها ورمامهـا

بؤرة الضوء في القصيدة ومنبع حركتها، لقد ابتعد عن تسرع ) نوار( وكذلك عن عشق ) في البيت األول من معلقته(طرفة بذكر اسم خولة مع الطلل

) في البيت الثاني من معلقته. (التحية على منزل عبلةعنترة الذي جعله يلقي وقاره يدفعه إلى التأني والسكون، . فعشق لبيد هادئ كشخصيته، متزن

ويتلذذ بذكرياته ومشاعره التي تسير في خط بياني . ويخشى االعتراف السريع

.٩٤شرح المعلقات السبع، معلقة لبيد، ص) ١( .٩٧المصدر نفسه، ص) ٢(

- ١٦٦ -

فهو إذ يبدأ بالسكون فإنه يتسارع في صور حركية متناغمة مع . تصاعدييعود إلى الضوء هاربا . لالشعورية، ليعود إلى السكون والعقلاضطراباته ا

فالظالل . من ظالل األمس التي حاول إضاءتها في إعادة إحياء الطللالمتشابكة بين األبيات والمتساقطة صورا حركية تعود لتنحسر أمام سطوع

ويبدو عنترة، من . الضوء، ولتخبر عن حركة داخلية مقنعة بسكون ظاهر. تقاليد مجتمعه، وتقاليد الشعر. يت في المعلقة، واعيا للتقاليد المفروضةأول ب

وهو . فيسأل مستنكرا عن الشعراء الذين لم يتركوا شيئا إال صاغوا فيه الشعر يعيه وعيا حركيا ناجما عن تمرده على - نظاما - ملزم بالوقوف على الطلل

:عبوديته وخروجه عن العادة راء مـن متـردم هل غادر الشع

أم هل عرفت الدار بعـد تـوهم

يا دار عبلـة بـالجواء تكلمـي

وعمي صباحا دار عبلة واسلمي ، ؟هل عرفت دار عبلة: ثمة شك وتوهم عند عنترة، فهو يسأل نفسه

إلى ظالل . وثمة انتقال غريب من الحركة الكامنة في السؤال االستنكاري سكون كي تصبح حقيقة ضوء، وال تلبث، لقد الوهم المحتاجة إلى لحظات

تأكد عنترة من الطلل، إنه دار عبلة لكن يد الفناء أخفت معالمه فأوقعت بعنترة وهو هنا يشبه لبيدا في محاولة إعادة الحياة إلى الطلل، لكنه . في دوامة الشك

تحية يختلف عنه في الوسيلة، إذ يطالب الطلل بالكالم، ويدعو له بالسالم ملقياهو اآلن في حالة رفض الشعوري، يرفض نبذ المجتمع له، . الصباح عليه

لذلك يسكب . ويرفض جفاء عبلة وتقطع وصالها مثلما يستنكر فعل الشعراءيرغب في الحياة بل في المستحيل من هذه الحياة، . رغباته الدفينة في الطلل

.كاستحالة كالم الحجر، واستحالة وصال عبلةعي حركي تجاه الوجود، وتجاه العادات والتقاليد، فهو وعنترة ذو و

يعي تماما أن كل ما حوله ساكن إلى حد السلبية، متمثل في سلبية أبيه وعبلة ولعل ما يجعل عنترة حركيا، يتجسد في كونه عبدا رفضه كل . وحق قبيلته

- ١٦٧ -

فحفزه هذا إلى المعالي واألمجاد يطلبها عن طريق الفروسية(أقربائه فالعبودية قد فجرت فيه كل الحركة إذ بحث عن كل جديد، بحث ،)والسيف

عن الحرية وأراد االنعتاق من كل ما حوله حيث تمثلت رغبته في االنعتاق لقد أراد االنعتاق منه ومن النظام . منذ البداية في رفضه الوقوف على الطلل

ن محاولة الصارم للشعر، فهو يعيش صراعا بين الحركة والسكون، بيتعويضه النقص، المتمثل في عبوديته ولونه األسود، من خالل البحث عن

ويتجسد الصراع في األبيات لتعبر عنه رموز حركية . التميز بل والمبالغة فيهوسكونية تتكاثف أحيانا في البيت نفسه، فإذا عددنا الناقة رمزا حركيا لحركتها

:لى األطاللالدائبة، فإننا نجد عنترة يوقفها ع فوقفـت فيهـا نـاقتي وكأنهـا

)١(فدن ألقضي حاجة المتلـوم

ربما جزعه من فراق عبلة جعله يقف بناقته ليسترد ذكرياته، ويبكي في . أال يذكرنا وقوفه هنا بوقوف امرئ القيس المستلزم للبكاء. أيام الوصال

كرر عند عنترة، سكون الوقوف وحركة البكاء، إنه صراع الذات اإلنسانية يتفثمة ما يجعله يقف ساكنا، لديه رغبة ال متناهية في تجميد صيرورة الزمن

هل يدعو الطلل في جالله . وحبسها في إطار المكان المتمثل في الطللللوقوف، أيستدعي وقفة الساكن الخاشع أمام المقدس أتكمن قدسيته في مكانته

.بة ومرتعا للجمالالمرموقة حيث كان في يوم ما موطنا لألحويشير عنترة إلى بعد المسافة بينه وبين عبلة من خالل عده للمواضع

الحزن والصمان (فإلى الجواء رحلت قبيلتها، وهو ما يزال مع أهله في ويبدو متلذذا بعد المواضع، عدا عصابيا سكونيا، يظهر في مواضع ) والمتثلم

ه هدوءا ويجعله في سكونية غريبة، فهل يمنح العد لصاحب. مختلفة من معلقتهيلجأ إليه هربا من صخب الحركة الكامنة في دواخله، والمتمثلة في ذكريات أثارها الطلل الذي ال يلبث أن يلقي التحية عليه لكنها تحية يرافقها الرثاء،

.١٣٧شرح المعلقات السبع، معلقة عنترة، ص )١(

- ١٦٨ -

) أم الهيثم(، حال آل إليها بعد )أقوى وأفقر(يرثي حال الطلل في فقره وفنائه يخفي شيئا ما، - من خالل العد والتأكيد - وعنترة . بعد رحيل عبلة عنهأي

فهل يخفي الحركة بوسائل السكون؟ إذ يعود إلى سؤال نفسه عن استحالة زيارة عبلة ألن أهلها في العنيزتين وأهله بالغيلم، فيذكر مواضع جديدة،

.وكأننا أمام خارطة جغرافية لجزيرة العرب إلى تذكر الرحيل، وإن كان الطلل سكونيا وحركيا يدفع الطلل عنترة

في آن معا فإن الرحيل حالة حركة مؤكدة، يرفض الشعراء اللحاق بها، فأغلبهم يتحدثون عن رحيل األحبة دون اللحاق بهم بل نجدهم يعددون

ويكتفون . الصعوبات الجمة التي تمنعهم من اللحاق باألحبة واللقاء بهمفهل تطغى المازوشية على شعراء الجاهلية . ن مشاهدينبالوقوف ساكني

وعند عنترة خوف وجزع وإنذار سابق ! لتدفعهم إلى التلذذ باأللم دون عالجه؟لرحيل عبلة يمثله استفاف اإلبل حب الخمخم وسط الديار، كناية عن انقضاء

.مدة االنتجاع واقتراب الرحيل ما راعنـي إال حمولـة أهلهـا

)١( تسف حب الخمخـم وسط الديار

فيها اثنتان وأربعـون حلوبـة

سودا كخافية الغـراب األسـحم ذروة العد المبالغ فيه، فما يهمنا إن كانت - في هذا البيت -تكمن

هل وقف ساكنا كل ! اثنتين وأربعين ناقة أو خمسين، هل عدها عنترة فعال؟ واألكثر غرابة من ذلك أنه يتذكر هذه الفترة الزمنية ليعد النوق قبل الرحيل؟

إنه في حالة . الرقم ويؤكد على لون النوق، اللون األسود وهو لون عنترةجزع واضحة، تماثل حالته النفسية، حالة االضطراب والحركة الداخلية، يلفها

وكما ذكرنا يلجأ إلى العد كوسيلة حسية . بسكون عصابي متمثل في عد النوق . وتجعله ينسى عذاباته، إنها رمز الرحيلتبعده عن األلم

.١٣٩شرح المعلقات السبع، معلقة عنترة، ص )١(

- ١٦٩ -

يمتلك عنترة هاجسا ال يفارقه ويتمثل في عبوديته ولونه األسود، يسكبه على لون النوق ويؤكد عليه في ذكره لخافية الغراب األسود، على الرغم من

لكنها عند . أن النوق السوداء هي من أنفس أنواع اإلبل وأعزها عند العربعبوديته المولدة لغضبه المستديم ولحركته الباطنية فربما بدأ عنترة رمز ل

بعدها ليخفف وطأة الهم، ولتهدأ روحه المشتتة بين حركة متفجرة وسكون .يخلقه مجبرا ليستمر في الحياة

يمثل كل ما سبق أسلوب الشعراء في التعامل مع أحد موضوعات نظام سكب عليه الشاعر ذاته الحركية أو القصيدة المتمثل في الطلل لكونه ساكنا ي

ونستطيع قراءة الحركة والسكون في كل . السكونية، حسب وعيه لوجودهإلى تفصيالت ) حصان/ ناقة (موضوعات النظام، من رحيل ووصف للراحلة

أخرى تعود إلى الشاعر نفسه كالسيل عند امرئ القيس، والخمر عند عمرو . ء المعلقات، من الوقوف على الطللبن كلثوم الذي استثنى نفسه بين شعرا

:فبدأ بالخمر وفورانهاــبحينا نك فاصحــص ــي ب بأال ه

)١(وال تبقــي خمــور األنــدرينا

وإذا سألنا عن السبب سنجد مبررا لعمرو بن كلثوم يعود إلى حادثة قتله ) ٢(" كلثومعلى أثر محاولة أم الملك أن تستخدم ليلى أم عمر بن"لعمرو بن هند

فغضب الشاعر ودفعه غضبه إلى حركة صاخبة هائجة يمثلها في . في خدمتهاإن ثورة . فوران الخمر، إذ يطلب كل خمر األندرين ويتلذذ في وصفها

جعلته مستعجال قويا غير آبه بأي نظام . الغضب المتمثلة في فوران الخمرها تذهبه عن وعيه، شعري أو اجتماعي لذلك نجده يطلب الخمر، فالخمر وحد

وحدها الخمر تخرجه من الحركة إلى . وتماثل وعيه تجاه قتله عمرو بن هندأما امرؤ القيس فال يشفي غليله إال سيل حركي . السكون لتنسيه ما مضى

.هائج يقتلع كل ما يصادفه، يلبي رغباته الالشعورية في عجزه عن االنتقام

.١١٨شرح المعلقات السبع، معلقة عمرو بن كلثوم، ص ) ١( .١١٧المصدر نفسه، ص ) ٢(

- ١٧٠ -

القيس نتيجة حتمية لكل لقد جاءت قوة السيل في حركته عند امرئ فحتى - باستثناء الطلل في وقوفه الساكن عليه -رموزه الحركية في المعلقة

حصانه كان يكر ويفر ويقبل ويدبر معا، كل تلك األفعال الحركية المبالغ في .حركتها جسدت صفات الحصان في رشاقته وقوته

ها متمثلة في وإذا عدنا إلى حركة طرفة اآليلة إلى سكون مطبق سنجدرمز حركي واضح، في الناقة التي وصفها في سبعة وثالثين بيتا من معلقته

أما النابغة، فتدفعه الحركة إلى سؤال الطلل، الساكن الصامت . مترنما بصفاتهاعن األحبة، وهو يعي تماما استحالة الجواب يقف طويال في سكون ليسأل

الرموز الحركية في معلقته لتظهر في وليسكب الحياة والحركة عليه، وتتناثرمقاطع متعددة كمقطع العراك بين الثور الوحشي والكالب ومقطع وصف الفرات باضطراب أمواجه في مدح النعمان، أما الرموز الساكنة فتتجلى في أبيات الحكمة والنصح، وخاصة في حديثه عن فتاة الحي وعدها للحمامات،

.حكمهاطالبا من النعمان أن يحكم احكم كحكم فتاة الحي، إذ نظرت

)١(إلى حمام شراع وارد الثمـد

أال ليتما هذا الحمام لنـا ": قالت

إلى حمامتنـا، ونـصفه، فقـد :فحسبوه، فألفوه كمـا حـسبت

تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد

فكملت مائـة فيهـا حمامتهـا

وأسرعت حسبة في ذلك العـدد به يروي أحجية يتلذذ في تفصيالتها، إنه يشير إلى ضرورة كأنا

السكون والتروي في اتخاذ القرارات والحكم، فهو حين مضى إلى النعمان كانت حركته عجيبة وخوفه متزايدا، حاول إخفاءه بسكون الطلل، لكنه ظهر الشعوريا في وصف الفرات، تلك هي تشكيالت الحركة والسكون عند

جاءت . جاهليين السابقين، في نظام القصيدة وفي أغراضهم الخاصةالشعراء ال

زني، القاضي اإلمام أبو عبد اهللا الحسين بن أحمد بن الحسين، شرح المعلقات الزو) ١( ٣٠٠ -٢٩٩السبع، قدم له عمرو أبو النصر، معلقة النابغة الذبياني، ص

- ١٧١ -

متمثلة . عاكسة لوعيهم الحركي والسكوني تجاه ذاتهم أوال وتجاه الوجود ثانيا .في صور ورموز تشي بالحركية والسكونية في نفوسهم

بقي أن نشير إلى أن االنتقال من غرض إلى آخر ومن موضوع إلى . دة يضفي الحركة عليها، وأن ما يتميز به الشعر عموماآخر في نظام القصي

من تعاقب األفكار والصور واألخيلة عند الشاعر في أبياته، يدفع بالقصيدة إلى صيرورة حركية تجعل الشعر فنا زمانيا يميل إلى الحركة أكثر من ميله

.إلى السكونديثة، نموذجا وقد يتبادر إلى الذهن تساؤل عن سبب اختيار القصيدة الح

يقابل القصيدة الجاهلية، في دراسة الحركة والسكون، فضال عن تجاوز كالشعر . الفترات الزمنية التي مر بها الشعر من الجاهلية إلى العصر الحديث

إن معيار الحركة والسكون : فنجيب- على سبيل المثال -العباسي واألموي في البنية الشكلية واإليقاع، في القصيدة يتمثل - كعنصريين تشكيليين -

ومعيارهما كمفهومين يشيان بالوعي اإلنساني حركيا كان أم سكونيا يتجسد في أسلوب الشاعر وتفرده في التعامل مع نظام القصيدة الجاهلية أو أسلوبه في التعامل مع موضوعه من خالل التراكيب واأللفاظ وطريقة سرد الصور

أن قلنا إن الشاعر الجاهلي كان يبدع أشعاره "بقوقد س. واألخيلة واألفكاربواسطة وسائل فنية تستند إلى الصيغ أكثر من استنادها إلى الكلمات، وأن الصيغ التي كان الشعراء الجاهليون يستخدمونها تنتمي إلى مخزون تقليدي

ومن هنا .)١("جماعي وتدخل في منظومات نموذجية كبيرة في شعرهم جميعا) الوعي الجمالي عند العرب قبل اإلسالم(اد المرعي في كتابه فؤ. يؤكد د

اكتشاف هذه الحقيقة يفسر تماما سبب انعدام التمايز في األسلوب الفني بين "أنالشعراء الجاهليين الذي يقابله تفرد في األسلوب في العصر العباسي عند

ا من ناحية ، هذ)٢("شعراء كالمتنبي أو أبي نواس أو أبي تمام أو البحتري

.٣٠الوعي الجمالي عند العرب قبل اإلسالم، ص ) ١( .٣٠المرجع نفسه، ص) ٢(

- ١٧٢ -

التعامل مع الصيغ والتراكيب، مع المحافظة على البنية الشكلية للقصيدة ومن هنا كانت القصيدة الحديثة نموذجا يصلح لدراسة الحركة . التقليدية

والسكون، لتحررها من النظام الشكلي الصارم من جهة وتفرد كل شاعر في لعباسية في األفكار وأسلوب أسلوبه من جهة أخرى، وإن تفرد شعراء الفترة ا

.صياغتها فهذا ما سنتوقف عنده في فصل المستوياتلقد هدمت القصيدة الحديثة الشكل، باستثناء بعض الشعراء المحدثين الذين حافظوا على النظام التقليدي للقصيدة كالشاعر عمر أبو ريشة والياس

اهلية قد فرضت وإذا كانت القصيدة الج. أبو شبكة واألخطل الصغير وغيرهموحدة النظام والعمود على الشعراء الجاهليين، فإننا حتى اليوم ال نجد قاعدة للشعر الحديث، إذ إن رغبة الشعراء المحدثين في محاولة التفلت من الشعر

وإذا كانت وحدة النظام . الجاهلي دفعت بهم إلى التخلص من وحدة نظامهمرء، ومن ثم أمام الشاعر في نظم وضوحا وضوءا يمهد الطريق أمام ال

فإنها في الشعر الحديث، حيث انعدام النظام الموحد والمفروض على . الشعرالشعراء، غلبت مساحة الظل على مساحة الضوء، بينما أعطت الثوابت والقيود ضوءا أكثر للشعر الجاهلي رغم انطوائه في الظل الناجم عن

.لشعراءالتموجات الحركية والسكونية لدى اوإذا كان المضيء هو وحدة النظام، والظل هو الشاعر في الشعر الجاهلي، فربما يكون العكس صحيحا في الشعر الحديث إذ تظهر ذاتية الشاعر بوضوح أكثر، فتغدو ضوءا منبثقا من ظالل ضبابية النظام وغموضه

.في الشكل والمضمون على حد سواءحركة والسكون في القصيدة الحديثة متمثال في ومن هنا كان معيار ال

جانبين، يتجسد الجانب األول في البنية التشكيلية، إذ تحرر بعض شعراء العصر الحديث من النظام الموحد في القصيدة الجاهلية، وتوسلوا أدوات الكتابية لتشكيل الكلمات في الفراغ، ولخلق إدراكات بصرية تضفي الحركة

.كلية في القصيدة وتجعلها تقابل التكوين الحلزوني في اللوحةعلى البنية الش

- ١٧٣ -

أما الذين حافظوا على وحدة النظام في القصيدة الحديثة فمالوا بها إلى الموحية " السيمترية"السكون، لما تضفيه بنيتها الشكلية من صفة التناظر

في ذاتية ويتمثل الجانب الثاني. بالسكون، والقابلة للتكوين الهرمي في اللوحةالشاعر، إذ تغدو ذاتيته ظال يتخبط في ثنايا القصيدة، فإن تحرر من وحدة النظام، جاءت البنية التشكيلية في حركيتها مناسبة لظالل ذاتية، وإن حافظ عليه في أبيات متراصفة، انسابت ظالله من ثناياها لتشي بالحركة الباطنية في

عر بالكلمات تموجات حركية في نفسه، والعكس صحيح، فربما يشكل الشاالبنية الشكلية، بيد أن المعاني القابعة خلفها تحكي سكونه، أو يلتزم وحدة

.النظام وسكون الذات معاالتشكيالت البصرية الناجمة عن ) الكتلة والفراغ(ورأينا في فصل

توزيع الكلمات في فراغ الصفحة، في شعر سعدي يوسف والسياب، فهل ثمة في –سم بالكلمات مضفيا الحركة البصرية على قصيدته، وسقط شاعر ر

في لجة وعيه السكوني؟ –الوقت نفسه

:للشاعر الياس أبو شبكة) أفاعي الفردوس(تحليل مقاطع من قصائد يمثل الشاعر الياس أبو شبكة نموذجا عن الحركة الباطنية المنسابة من

متابعة حركته، الناجمة عن وعيه أبيات متراصفة موحدة في نظامها، ولأفاعي (اإلنساني تجاه الوجود، آثرنا الوقوف عند أبيات متفرقة من ديوانه

:، لدراسة الحركة والسكون في شعره)الفردوس : )١ ()في هيكل الشهوات(يقول

فـي عينيـك يلتهـب مالي أرى القلـب لنار، يـا أخـت الـشقا، سـبب؟ أليس ل

١٩٦٢ – الطبعة الثالثة –حضارة دار ال– ديوان أفاعي الفردوس ،أبو شبكة، الياس) ١( ٤٩ ص–

- ١٧٤ -

بعـض القلـوب ثمـار مـا يـزال بهــا الجنــان، ولكــن بعــضها حطــب عرف

أثمة صدق يضاهي صدق العيون حين تحكي؟ فكيف لو تطايرت منها حرائق القلب؟ إن النار في حركتها المتزايدة تشي بحركة باطنية هائجة

فما سببها؟ أتكون شهوات . مشتعلة من حطب، ال من ثمر غصن رطيبالمرأة الحمراء المتقدة في روحها؟ إن كانت هي السبب، فإن الشاعر يخشاها، فيحاول تثبيتها بالطيف، كيال يعترف بوجودها، وكي يبقى في ظالل الشك

:والحيرة )١(أخاف في الليل من طيف يـسيل علـى

ــرب ــم يغت ــا ث ــك حين ــات عيني موج تغزلــهطيـف مـن الــشهوة الحمـراء خمــر الليــالي وفــي أعماقــه العطــب صراع الشاعر مع المرأة صراع ينبثق من بين الشك واليقين، بين

الشهوة والعفة، والطمأنينة واالغتراب، من بين الحركة في فوران خمرها صراع يمزقه بين ظالل وجهها الشاحب الذي . والسكون في عطبه وفنائه

ألحمر الناري الذي يحكي تخبط اللذائذ يوحي بسكون العفة، وبين ضوئه ا :والشهوة

)٢(ووجهك الـشاحب الجـذاب ترهبنـي ألوانــه يتـــشهى فوقهــا اللهـــب ــد ــي جه ــل ف ــصبين اللي ــت تغت مازل ــب ــك التع ــي أجفان ــد ف ــى تجم حت

.٥٠المصدر نفسه، ص) ١( .٥٠ديوان أفاعي الفردوس، ص) ٢(

- ١٧٥ -

نلمح في البيتين صورة شعرية، لو قدر ألبي شبكة تصويرها بالريشة، ا وضوئها وظاللها، ولضجت فيها الحركة لبدت تعبيرية أو رمزية في ألوانه

ويلفها الغموض في جاذبيته، فمن . في تكوين حلزوني يشي بدوامة الصراعبين جاذبية الشحوب وجاذبية غموض الظالل، انبثقت رهبة الشاعر، فهي ظالل، تتسلل منها ألوان مضيئة ملتهبة، تحكي تقلبات نفس المرأة وضياعها

وهو يشعر بحركة مضطربة في نفسها، . ه اآلنبين ما تتمنى، وما هي عليتدفع بها إلى اغتصاب الليل سهرا وملذات، حتى تصل في أقصى تخبطها إلى

.أقصى السكون بل إلى الجمود الذي سكن أجفانها المتعبة) اغتصاب الليل في جهد(وهنا نالحظ التضاد بين أقصى الحركة

إن أبا شبكة يرى ظالل ، حتى )تجمد في أجفانك التعب(وأقصى السكون :عينيها القاتمة انعكاسا لحركتها الباطنية

)١(وما السواد الذي فـي محجريـك بـدا

ــا ــصب إال بقاي ــشاء تغت ــن األح ! مإن المتأمل في األبيات السابقة، يأخذه الظن بعيدا في موقف أبي شبكة

عطشة إلى الحركة الهائجة من المرأة، إذ مثلها شهوانية تدفعها رغباتها المتالمسيطرة على سكينة نفسها، بيد أن أبا شبكة يفاجئ المتأمل في تلك الصور

:الحركية المجسدة مجون النساء، ليقول عن المرأة )٢(إن كنت في سكرة أو كنت فـي دعـر

ــر واألدب ــر الطه ــك م ــر طيف ومه الذي يشي يراها حتى في خياله، رمزا لألدب والطهر، ليؤكد تناقض

بحركة جياشة في نفسه يعكسها عليها، فما حديثه عنها في تلك الصور إال

.٥٠المصدر نفسه، ص) ١( .٥٢ديوان أفاعي الفردوس، ص) ٢(

- ١٧٦ -

حديثه عن رغباته تجاهها وعن ظالله الذاتية المتمثلة في صراعه والتي يعبر :فيقول) شهوة الموت(عنها في قصيدة أخرى عنوانها

) ١(صرت أمقت الصفاءدر صرت أعشق الك

غير مشهد الدماء ال أحب في الصور

تفيض الصورة بالحركة، إذ يعشق الشاعر حركة الماء الكدر ويمقت صفاءه وسكونه، يتلذذ بمشهد الدماء في الصور، أال تشي الدماء بالغليان

كي فعال حركيا سابقا وجودها؟ أغلب الظن أن أبا شبكة يعي غضبه وتح :الداخلي، لذا وصف نفسه بأنه

)٢(ناقم على السماء !والبشر

أال نشعر بتقطع أنفاسه في األبيات السابقة؟ أنفاسه التي تحكي غضبا ال أشعلت يأتي من العدم، بيد أنه يتمنى الخروج منه على يد المرأة، تلك التي

النيران وأطفأتها، التي ألهبت نيران قلبه بنيران لذاتها في القصيدة السابقة، تغدو، في هذه القصيدة، حورية سماوية تنقذ األرواح، وتلك المرأة التي أشبعها

:الشاعر لوما النغماسها في الملذات، بدا اآلن مطالبا بها )٣(جملـــي لـــي الجـــسد

ــق ــي الرحيـ ــكبي لـ واسـ ال تفكــــــري بغــــــد

.٧٥، ص )شهوة الموت(المصدر نفسه، قصيدة ) ١(

.٧٦المصدر نفسه،، ص) ٢( .٧٧ -٧٦ديوان أفاعي الفردوس، ص ) ٣(

- ١٧٧ -

ــق ــي وال نفيــ ــد يجــ قــ مـــــا لنـــــا ولألبـــــدــ ــره عميــــ قإن ســــ

ــت يــــدا بيــــد فلنمــــق ــب البريــــ ولنغيــــ بــــين شــــهوة الجــــسدـــق !والــرحيـــــــــ

من رحيق جسدها، يغدو جسده جميال، حول حركته الهائجة إلى حركة يق والبريق، وجمع بين اللحظة الراهنة التي لطيفة ينبعث من ثناياها الرح

يرغب الغوص بها إلى أقصاها، وبين األبد ذي السر العميق، بين الموت وبريق الخلود، بين شهوة الجسد في ضوئها وظالل الرحيق المتقلبة في

.إيحاءاتهاهكذا عبر الياس أبو شبكة عن الحركة والسكون في أبيات تحكي

ية الساكنة من خالل تناظرها وتوازيها، وتشي ألفاظها وحدتها بنيتها الشكلكلها، هذا " أفاعي الفردوس"ومعانيها بحركة مضطربة نلمسها في قصائد

غاص فيه أبو شبكة إلى الطبقات الغريزية المظلمة وعاد منها "الديوان الذييعرف أبو شبكة حدا لحركة فكره ومشاعره وشعره ، ال)١("بغضب مقدسليس للفكر حد وال تخوم، فكيف نضع للحياة " :وهو القائل. ءعلى حد سوا

حدا، وهي هدف الفكر؟ كيف نحدد هذه القوة المتحولة في الالنهاية، هذه القوة وإذا كان الطلل . قوة دفعت به إلى الوعي الحركي تجاه وجوده،)٢("المجهولة

الغالف الخارجي (أنطوان قازان ألفاعي الفردوس في : ، من تقديمالمصدر نفسه) ١( ).للكتاب

.١٠ألبي شبكة في مقدمة الديوان، ص" في حديث الشعر"المصدر نفسه،) ٢(

١٢ م–الضوء والظل

- ١٧٨ -

إثارته هو البؤرة الجامعة للوعي السكوني في فنائه وللوعي الحركي فيالذكريات والمشاعر، فإن نفس الشاعر هنا تحكي وعيه الحركي في موقفه تجاه مفردات الوجود، بيد أنه وعي ناجم عن إيمانه بسكون العدم والعبثية التي

:طالما حلم بهاــدنيا ــت ب ــدد –حلم ــا ال تب )١( ليتهــد ــي غ ــان ل ــي وال ك ــذ أحالم !لذائ

أن المضيء، هو النظام الموحد، والظل هو ذاتية الشاعر ذكرنا سابقا التي تغدو بدورها ضوءا منبثقا من ضبابية النظام وغموضه، أما ذاتية أبي شبكة فغدت ظالال حركية تشي بوعيه الحركي وتنساب من ضوء النظام

.الموحد في قصائدهساني، وهكذا نالحظ أن الحركة والسكون ماهيتان تعكسان الوعي اإلن

أما . وتتمثالن في العمل الفني، فتعبران عن مفهوم الفنان وتجربته الذاتيةالعالقة بينهما، فهي عالقة جدلية، يتطلب أحد طرفيها وجود اآلخر ويستدعيه، ويتماثل طرفا ثنائية الحركة والسكون مع الضوء والظل، من حيث يمكن عد

.الحركة بداية ضوء، والسكون بداية ظلفي الفنون التشكيلية، تقتنص في لحظة " اللحظة الموحية" انتوإذا ك

تشير إلى بداية ونهاية، فإن الضوء هو الذي يقودنا إلى الحركة في تلك اللحظة، وحين ينحسر، تدخل األشكال والتفصيالت في عتمة الظالل، فتفضي

: بينوتعود غلبة الحركة أو السكون، في العمل الفني، إلى سب. بها إلى السكونيتمثل األول في وعي الفنان الحركي أو السكوني المنبثق من تكوين نفسه ورؤاه وتجاربه الخاصة، أما الثاني فيرجع إلى التقاليد الفنية السائدة في

.حضارته وعصره

.٣٧، ص)القاذورة(ديوان أفاعي الفردوس، قصيدة ) ١(

- ١٧٩ -

ولعل إحدى النتائج المهمة التي قادنا إليها تحليل النماذج الفنية تخبرنا على الرغم من كونها فنونا مكانية، ) والنحتيةالتصويرية (أن الفنون التشكيلية

الينعدم العنصر الزماني فيها، ومن ثم يتجلى في الحركة، وأن فن الشعر، على الرغم من طبيعته الزمانية الينعدم السكون فيه، ومن ثم يقترب من الفنون المكانية في طبيعتها الجامدة، حتى أن الشعر الكتابي، الذي ميزناه عن

لشفاهي، يعد فنا زمكانيا، فلئن تعاقبت فيه الصور واألحداث واألخيلة، الشعر ا .يبقى محصورا في إطار الصفحة المكانية

ولما كنا ميزنا بين نوعين من الحركة في التصوير والنحت، الحركة الخارجية، والحركة الداخلية فقد أفضى بنا هذا التمييز إلى مالحظة آلية عمل

الحركة الداخلية وعندما نقلنا هذا التمييز إلى فن الشعر، بدا الضوء والظل في لنا مماثال لإليقاع الخارجي المتمثل في البحور الشعرية والعروض والقافية، واإليقاع الداخلي متمثال في البنى الصوتية والصرفية والتركيبية، مما أدى بنا

م ضوءا، ألنه واضح إلى مسألة وحدة نظام القصيدة الجاهلية، فعددنا النظاومباشر ونهائي، والحظنا تمثل الظالل في انتقال الشاعر بين صوره وأفكاره، فضال عن أسلوبه في نظم القصيدة واختياره التراكيب والصيغ من رصيد

. اللغة الجماعيوإذا كانت وحدة النظام هي الضوء وذاتية الشاعر هي الظل في الشعر

ديثة، بدلت المواقع، فصارت ذاتية الشاعر مقتربة الجاهلي، فإن القصيدة الحمن الضوء في تحديدها معيار القصيدة ومضمونها، في حين أن ضبابية النظام وغموضه الشكلي ولدا الظالل المتقلبة، مما دفع الشعر الكتابي إلى استخدام أدوات الكتابية والطباعة، لخلق إحساسات بصرية، تضفي الحركة على البنية

شكلية في القصيدة الحديثة، وتجعلها تتقابل مع التكوينات الحرة في اللوحة ال .التصويرية الحديثة

- ١٨٠ -

هل : لمسنا إذن اآللية التشكيلية للضوء والظل في الفنون السابقة، واآلنثمة آلية نفسية للضوء والظل؟ وإن وجدت كيف تعمل في نفس الفنان ومن ثم

.صفحات الفصل القادمفي عمله الفني؟ األجوبة كامنة في

- ١٨١ -

الضوء والظل مستويات التعبري

املستوى الالشعوري- لسلفادور دايل " النمور" لوحة/ معلقة لبيد" مقطع الناقة" املستوى الفكري-

/ للمعري"ضجعة املوت رقدة" أبيات ألبي متام، وقصيدة لرامربانت "حارس الليل" لوحة

املستوى احلسي- /أبيات من معلقة امرئ القيس، قصيدة املتجردة للنابغة الذبياني

" أفروديت السورية" منحوتة للشاعر نزار قباني/ قصائد متوحشة/من " اختاري" حتليل قصيدة

اخلالصة-

- ١٨٢ -

- ١٨٣ -

الضوء والظل مستويات التعبري

أفضت بنا دراسة األعمال الفنية النحتية والتصويرية، إلى اكتشاف ثالثة مستويات في تشكيالت الضوء والظل، بدءا من الضوء والعتمة، والعتمة

وانطالقا من فرضية البحث األساسية المتمثلة في . المضاءة، والضوء والظلوالعالقة الجدلية بينهما، وإمكانية تفاوت نسبهما، بدت ) الضوء والظل(ثنائية

في الشعر، ) الوضوح والغموض(لنا تشكيالت الضوء والظل موازية لثنائية المستوى الالشعوري في الشعر يقابله : المتوزعة بدورها في ثالثة مستويات

مستوى الضوء والظل في التشكيل، والمستوى الفكري يقابله مستوى العتمة .اءة، والمستوى الحسي يقابله مستوى الضوء والعتمةالمض

استعارت دراسة المستويات أدواتها من أدوات المنهج النفسي لمعرفة آلية الضوء والظل في النفس اإلنسانية وأثرها ) الفرويدي واليونغي(

، وكيفية انعكاسها على العمل الفني معنى ومضمونا، )١(في الفكر اإلنسانيثرت تشكيليا في النحت والتصوير والشعر وعكست روح مثلما سبق أن أ

- وقبل التعريف بالمستويات- وانطالقا من المحاكاة. العصر ومدارسه الفنيةآثرنا توضيح الفرق بين محاكاة األشياء ومحاكاة األفكار، إذ البد من دقة التمييز بين األشياء واألفكار في مجال الفن عموما والشعر خصوصا

صوير الظاهر للشيء كان يفضي غالبا إلى الوقوع في العجز الفني، ألنه فالت"إما أن يضطر الشاعر إلى الوقوع في قيد اللعب باأللفاظ إذا كان المعنى مطروقا، وإما أن يضطره إلى إعادة صياغة المعنى مع تغيير طفيف، على

.قمنا بتوضيح معاني الضوء والظل والعتمة في مدخل البحث) ١(

- ١٨٤ -

ن بمعنى جديد نحو يعرضه لالتهام بالسبق أو السرقة، أما إذا جرؤ على اإلتيافي وصف األشياء فكان يتهم غالبا بالخروج على العرف الفني، وواضح أن

وإذا كان .)١("مرد هذا كله هو جعل الشعر تصويرا حسيا لظاهر األشياءاألفكار تحتاج إلى "الشعر تصويرا لألفكار أيضا، ال لألشياء فحسب، وذلك ألن

ا بالحياة، واألشياء ال تحتاج أن تجلى على األذهان في مظهر حسي يغمرهإلى ذلك المظهر، ألنها هي ذاتها محسوسة، مما يجعل تصويرها الحسي تكرارا ممال، أو تسجيال سطحيا، بل لعل الشاعر يحتاج في تصوير األشياء إلى ضرب من الغموض يخفي وضوحها ليوشيها بشيء من الفتنة التي تعتري

غامض، أي أنه إذا كانت الفكرة تحتاج إلى الذهن في محاولته كشف الخفي الإيضاحها في صورة محسوسة، فإن الشيء يحتاج إلى إغماضه في صورة

ومن هنا كان المستوى الحسي محاكيا األشياء الظاهرة المحسوسة،. )٢("ذهنيةالواضحة وضوح الضوء، مضفيا عليها ظالل الغموض أحيانا من خالل

وكان المستوى الفكري . ة بانفعاالت نفسيةتجسيدها في صور ذهنية موشامحاكيا األفكار التي تتالعب فيها ظالل الغموض، ألنها تتحول من حسية األشياء إلى تجريدية األفكار الذهنية، وإن جاءت مجسدة ضمن صور

وقد تشتد ظالل الغموض في . تشخيصية محسوسة لتقريبها من ذهن المتلقيقاتمة تضيء، في لحظة إدراكها، ثنايا الفكر محاكاة األفكار لتغدو عتمة

بومضات تأملية التكاد تخلو من حكمة أو فلسفة عبر عنها الفنان شاعرا كان وإذ تصبح الصور رموزا مختفية وراء أقنعة وحجب، وتشير إلى . أو مصورا

ضوء ساطع في ظاهره، يستخدم األلفاظ والتراكيب قناديل تشف عن أشعته، حينئذ يخلق المستوى . ظالال متناوبة بين الشدة والتالشيويخفي وراءه

يحاكي أشياء حسية . الالشعوري فيأتي محاكيا األشياء واألفكار على حد سواء

.٢٣٤ة، صنظرية المحاكا) ١(

.٢٣٤نظرية المحاكاة، ص) ٢(

- ١٨٥ -

تخفي في ثناياها أفكارا ورؤى وتقلبات، ويحاكي أفكارا وعواطف وانفعاالت .لواقعنفسية، قد يظهرها في أقصى حاالت الحسية ضمن صور مستمدة من ا

بقي أن نشير إلى أن الفصل مخصص لدراسة مستويات الضوء والظل ) تصويرية وشعرية(في مستويات التعبير، من خالل الوقوف عند نماذج فنية

منتقاة في تقاربها من خالل األسلوب وطريقة معالجة الموضوع، ومختلفة فيما . بينها في المكان والزمان والثقافة

اسة مستويات الضوء والظل في هذه النماذج، وقد يغلب الظن بأن درتنصب على الداللة اللغوية للمفردات، وإن أمكن تناولها في أبيات متفرقة رموزا استعان بها الشعراء لصياغة صورهم الشعرية، بيد أن هدف الدراسة يذهب إلى أبعد من ذلك، مثلما ذهب إلى تشكيالت الضوء والظل في الكتلة

إذ إن الضوء والظل . والسكون وأثرها في الفنون الثالثةوالفراغ والحركةوالعتمة رموز وإيحاءات ذات معنى، تدرك بالحدس والعقل في المستويات الثالثة، ومن خالل تفاوت النسب بين الضوء والظل، وتقلبات الضوء بين السطوع والخفوت، ومثله الظل بين التالشي والقتامة إلى حد العتمة، يغلب

.لمستويات على اآلخر في العمل الفني الواحدأحد ا

- ١٨٦ -

املستوى الالشعوري

لعل الفن في أشكاله كلها تعبير عن النفس اإلنسانية في دقائقها ودوافعها

صاحبه أو عن " الشعور"وانفعاالتها، وقد يفصح في كثير من األحيان عنتزنات شعوره الباطن، فتصدر عنه بين الحين واآلخر فلتات تنسب إلى مخ

الالشعور، وتتسرب إلى عمله الفني الذي يحدثنا في كل مفرداته البصرية واللغوية عن مكنونات نفس صاحبه في شعورها والشعورها، في ضوئها

.وظاللها بل حتى في قتامة عتمتهاوتكثر تجليات الالشعور وتتنوع وجوهه في النفس، لتأخذ صورا

والظل واألنيما واألنيموس عند يونغ؛ عديدة، نذكر منها األحالم عند فرويد،فاألحالم مرآة حياتنا الداخلية، وعلى الرغم من اختالف اآلراء حول طبيعتها، فإنها تتفق جميعها على أنها ذات معنى وذات مغزى، وأنها تحقيق لألمنيات

يمثل ) الشعور(ولما كان الوعي . الالمعقولة المكبوتة في حياتنا الواعية، فإن )األنا(ي في وجودنا المتصل بالواقع الخارجي وتمثله نشاطنا الذهن

يمثل وجودنا الذاتي المستقل المتحرر من قيود العالم ) الالشعور(الالوعي الخارجي وواجباته، ومن ثم يكون الحلم تعبيرا عن الوجود الذاتي الحقيقي قبل

غالبا إال عن قشرة أن يخضع لتحوير الواقع الخارجي الذي ال يفصح ومن هنا، يمكننا إنشاء مقاربة بين عمل الشعور والالشعور في . الشعور

النفس اإلنسانية وتجسده في األحالم، وبين اآللية التشكيلية للضوء والظل فإذا عددنا العالم الخارجي مصدرا ضوئيا، فإن . المتجسدة في العمل الفني

وبقدر سطوع ضوئها وخفوته تشي بمدى الواعية تستمد ضوءها منه، ) األنا(

- ١٨٧ -

ضوءها ) األنا(تأثرنا بكل ما يبثه العالم الخارجي في نفوسنا، ومن ثم تسقط المستمد من العالم الخارجي ليغدو أشعة متجهة نحو عقلنا الباطن الذي يستقبلها بدوره ويعكسها ظالال الشعورية جامحة يستحيل حبسها في إطار

اول الخروج منه فتتحول إلى فلتات حلمية أو فنية تحتاج العقل الباطن، لذا تح أن يماثل العمل - من خالل هذه المقاربة - لذا يمكن للحلم . إلى فك رموزها

.الفني، ومن ثم يعد كل منهما بابا واسعا للولوج إلى عالم الالشعوروقد عرض فرويد لما ينشأ في الذهن من مماثلة بين صورة الحلم وفن

فإذا . يجرنا إليها تألف الحلم من الصور المرئية"ر ورأى أنها مماثلةالتصوينظرنا إلى الحلم نظرتنا إلى لوحة مصورة وجدنا شيئا المعقوال، ال يحمل أقل معنى، وإنما الواجب أن ننظر إلى رسوم الحلم نظرتنا إلى تلك الرسوم التي

، وبمعنى آخر يجب )١("ايتألف منها اللغز المصور والتي يتعين علينا حلهنقرأ هذه الرسوم بحسب داللتها المصورة، وإنما حسب عالقتها "أال

، ومن ثم تصبح لغة األحالم لغة رمزية، يتحدث كل رمز فيها عن )٢("الرمزية في عناصره التشكيلية - ولما كان الفن غنيا . رغبة مكبوتة وأمنية المعقولة

ما في فني النحت والتصوير، فضال بالرموز والصور البصرية ك-ومفرداته عن تزاحم الرموز والصور الذهنية كما في فن الشعر، فإن كل رمز فني ينمعلى ظالل الشعورية مقنعة بأقنعة الصور الناجمة عن لقاء الرموز، التي قد

بيد أنها لغة . تكون مضيئة واضحة في ألوانها وألفاظها وأشكالها المحسوسة . وراءها ظالال تحتاج الوصول إلى إدراك معناهارمزية غامضة تخفي

مصطفى : مصطفى صفوان، مراجعة: فرويد، سيجموند، تفسير األحالم، ترجمة) ١( – لبنان –زيور، إشراف المركز العربي لألبحاث النفسية والتحليلية، دار الفارابي

.٢٤ ص – ٢٠٠٣- ١ط

ماثلة يشير إلى لوحات لعل فرويد في إنشائه هذه الم. (٣١٥انظر تفسير األحالم، ص) ٢( ).التصوير الرمزي والسريالي أو اللغات المصورة كاللغة الهيروغليفية

- ١٨٨ -

الرأي الفرويدي القائل إن الحلم، في "ويخالف كارل غوستاف يونغأن الحلم تمثيل ذاتي، وعفوي لحالة "ويؤكد. ماهيته، ليس سوى تحقيق رغبة

، بيد أنه يتفق مع فرويد في وظيفة األحالم المتمثلة في )١("الالشعور الراهنةوظيفة التعويض التي تنزع "ات، ويضيف إليها وظيفة جديدة، وهيإنجاز الرغب

من وجهة النظر - إلى تحرير الحياة النفسية من قسر التكرار، فيكون للحلم، )٢("، ألن بعض الصور التي تظهر فيه لها قوة الرمز"شعرية" قيمة- هذه

ويؤكد ضرورة تحديد سياق الرسالة الحلمية في شبكة العالقات الشعورية لذلك لدى الحلم، حول هذه الحياة، مايقوله لنا، "الناجمة عن الحياة المعيشة،

إذن، يسعى الحلم إلى تعويض مالم . )٣("وهذه العالقة هي التي يعوضها الحلميستطع المرء تحقيقه في حياته الواعية، فيصبح الحلم مالذا يهرب إليه الحالم،

التي أخفق في تحقيقها في الواقع، فيفرغ فيه انفعاالته ويحقق المطالب الصعبةتعري ما كان محجوبا في هذه الحياة، وتجعل الحالم يعيش انفعاالت "فاألحالم

أخرى، وتنظر إلى حياة اليقظة وتقيمها على نحو يختلف عما يفعله التفكير .)٤("الشعوري

لغة الالشعور - من وجهة النظر الفرويدية واليونغية-وتعد األحالم داتها وأشكالها ورموزها، ومن هنا كان البد من الوقوف عند بعض في مفر

الرموز الحلمية في العمل الفني الذي يماثل الحلم في قدرته على التعبير عن الرغبات والرؤى وكشفه المستوى الالشعوري عند الفنان، فضال عن اشتراكه

رموز والعمل الفني في الصور المرئية البصرية والذهنية المتمثلة في .متنوعة

: األساسيات في النظرية والممارسة، ترجمة: هومبيرت، إيلي، كارل غوستاف يونغ) ١( .٤٠ ص-١٩٩١وجيه أسعد، منشورات وزارة الثقافة، دمشق،

.٤٠المرجع نفسه، ص) ٢(

.٥٠المرجع نفسه، ص) ٣( .٥٠كارل غوستاف يونغ، ص) ٤(

- ١٨٩ -

) ونموذج تصويري-نموذج شعري(وقبل الوقوف عند نموذجين فنيين في ) األنا(الستقراء رموز الالشعور في عتمته أو ظالله الغامضة، والشعور

رموزه الحسية وصوره المضيئة، وجدنا ضرورة توضيح بعض المفاهيم يما واألنيموس اليونغية المتعلقة بوجوه الالشعور، كالالشعور الجمعي واألن

والظل، التي تعد ظالال نفسية، بالغة األهمية، لدى الفنان ومقنعة برموز عديدة .في عمله الفني

الالشعور الشخصي والالشعور : يقسم يونغ الالشعور إلى قسمين يشتمل على مضامين" الجمعي ويميز بينهما، فيرى أن الالشعور الشخصي

و أدنى من مستوى الوعي تنشأ في حياة منسية، مكبوتة، مدركة، على نح" من غير اعتبار الحقبة - الفرد، وأن الالوعي الجمعي يتألف من مضامين

هي مستودع أو مخزن ردود - التاريخية أو الفئة االجتماعية أو االثنيةاألفعال النموذجية للبشرية انطالقا من األزمنة البدائية وبلوغا إلى األوضاع

أو العالمية، كالخوف، واإلحساس بالخطر، والصراع ضد البشرية الشاملةالسلطة العليا، والعالقات بين الجنسين، وبين األبناء وآبائهم، والكراهية

، وأن )١("والحب، والوالدة والموت، وهيمنة المبدأ المضيء، أو المظلم يسعى إلى التجلي من خالل - في نوعيه الشخصي والجمعي -الالشعور

ورموز، يدعوها يونغ بوجوه اآلخر أي وجوه الفرد المتعددة صور وأنماط" الجانب اآلخر"الظل الذي يرمز إلى: ونذكر منها أوال. الكامنة في نفسه

الذي يشكل الجانب الالمرئي، الالمنفصل عن المجموع " شقيقنا المظلم"إلى ويعد الظل صورة نمطية بدئية ما تزال تحقق ظهورها عند. الكلي لنفسنا

الشعوب البدائية في نطاق واسع للتشخيصات، إنه جزء من الفرد، قسم ، "على نحو ظل" منفصل من كيانه الذي يبقى، على الرغم من ذلك، متصال به

- ندرة اليازجي، األهالي للطباعة والنشر: جاكوبي، يوالند،علم النفس اليونغي، تر) ١( .٢١ ص- ١٩٩٣ -١ط

- ١٩٠ -

نذيرا "وعلى هذا األساس تعد المشية على الظالل، في نظر اإلنسان البدائي،. )١("قوس السحريةبحيث أن الضرر الناتج اليصلح إال بسلسلة من الط" سيئا

لدى الشعوب أهمية بالغة في التأثير في –ومن هنا كان لمعاني الظل .)٢(معتقداتهم، مثلما كان لمعاني الضوء والعتمة األهمية ذاتها عندهم

وهذا يعني، أن الصفات والمزايا . يتوازن تطور الظل مع تطور األنا"و تكبح، ومن ثم تلعب دورا التي ال تحتاجها األنا أو ال تستمد منها تستبعد أ

ضئيال، أو ال تلعب دورا في الحياة الواعية للفرد، وعلى هذا األساس، ال يمتلك الطفل ظال حقيقيا، لكن ظله يصبح أكثر وضوحا كلما ازداد استقرارا

ولما كنا، ونحن نمخر عباب بحر حياتنا، نضطر على نحو دائم . واتسع نطاقهومع . فإن الظل اليرتفع أبدا إلى الوعي. و أخرىإلى كبح أو كبت صفة أ

ذلك، يجب أن نجعل سماته البارزة واعية ومتالزمة مع األنا التي تزداد قوة ، أي، يجب أن )٣("ونشاطا، وتشعر على نحو ثابت بأنها ثابتة في طبيعتنا

، فإذا ازداد توهج )الالشعور(والظل ) األنا(نحاول خلق التوازن بين الضوء انعدم وارتد منعكسا إلى عقلنا الباطن ليتوارى في خفاياه، ) الضوء(نا األ

فيؤدي إلى تشكل األمراض النفسية العصابية التي اليمكن عالجها إال بالعودة إلى المراحل األولى من حياة اإلنسان للتعامل مع صفات الظل، ورفع هذه

.الصفات إلى الوعيرمزي أو في شكل ملموس ويحتمل أن يتجلى الظل في شكل داخلي

واقعي، مأخوذ من العالم الخارجي، وفي الحالة األولى، قد يتجسد في مادة الالوعي في صورة أو صيغة حلم تشخص واحدة أو أكثر من صفات الحالم

.١٧٠ -١٥٤علم النفس اليونغي، ص) ١(مررنا بمعاني المبدأ المضيء والمبدأ المظلم، ومعاني الظل في الحضارات واألديان ) ٢(

.في مدخل البحث .١٥٥علم النفس اليونغي، ص ) ٣(

- ١٩١ -

وفي الحالة الثانية، نسقط واحدة أو أكثر من سمات الوعينا الكامنة . النفسيةويميز يونغ بين صيغتين . لهذا الدورعلى شخص ما في وسطنا يكون مناسبا

مختلفتين من أشكال الظل، على الرغم من استخدامه المصطلح نفسه الذي يتضمن في ذاته " الظل الشخصي" للصيغتين، فالصيغة األولى هي شكل

السمات النفسية للفرد التي لم يعشها منذ بداية حياته، أو عاشها على نحو وتنتمي هذه الصيغة إلى رتبة " ل الجمعيالظ" والصيغة الثانية هي. نادر

الصور أو األشكال األخرى لالوعي الجمعي، والحق أن شكلي أو صيغتي الظل تعمالن بفاعلية في النفس اإلنسانية، وتجلي الظل في صيغة طبيعية شخصية أو جمعية أمر يعتمد على ما إذا كان الظل ينتمي إلى نطاق األنا

وهكذا، يحتمل أن يظهر . إلى الالوعي الجمعيوالالوعي الشخصي أو ينتمي لنا على نحو صورة أو رمز مأخوذ من نطاق وعينا، أختنا الكبرى أو أخينا األكبر، أو على هيئة أفضل صديق لنا، أو على هيئة ذلك الشخص الذي يمثل

، وعندها، تنشأ المضامين المسقطة من الالوعي الجمعي، ويحتمل أن ..نقيضنا شكل أسطوري، وبناء على ذلك، قد يظهر لنا أيضا أخا توأما أو يظهر لنا في

، مثل فرجيل في الكوميديا اإللهية، )*(صديقا حميما، أو شخصا في لوحة فنيةالظل "، وهكذا يعد)١(الذي يرافق دانتي إلى الجحيم آخذا دور الصديق الوفي

كر أمثلة أخرى، كجلجامش موضوعا نمطيا بدئيا شهيرا، ويمكننا أن نذ" واألنا .)٢(.."وإنكيدو، وقابيل وهابيل

كل واحد منا يحمل ظال، وكلما قل تجسيده في حياة الفرد " :يقول يونغالواعية، كثر سواده وكثافته، فإذا كانت الميول المكبوتة، وكما أدعوها الظل، شريرة على نحو واضح، انعدمت المشكلة من أي نوع كانت، لكن الظل هو،

وقد يظهر لنا أيضا كأخ توأم أو صديق حمـيم، أو "وردت الجملة في النص األصلي (*) ".كشخص في لوحة فنية

).٢٦(انظر المثال رقم ) ١( . ١٥٧-١٥٦علم النفس اليونغي، ص ) ٢(

- ١٩٢ -

وليس الظل .. إلى حد ما، أدنى مرتبة، بدائي وغير متكيف، يعوزه التناسبسيئا على نحو كلي، فهو يحتوي في ذاته صفات صبيانية أو بدائية، يحيي

، ويرى يونغ أن تحدي الظل أو )١("ويزخرف الوجود اإلنساني بطريقة ما من الشجاعة ما مقاومته أمر عديم الرحمة، ويؤكد أنه لو صادف إنسانا يمتلك

. يعرف كيف يتعامل مع ظله الخاص، لعلم أنه قام بما هو حقيقي للعالم"يجعلهولقد نجح في أن يتحمل، على األقل، جزءا صغيرا جدا من معضالت عصرنا

.)٢("االجتماعية الضخمة التي لم تجد حالوحين يعرف المرء ظله فإنه سيقف أمام مواجهة أخرى مع وجه من

التي يدعوها يونغ باألنيما عند الرجل " الصورة الروحية"لالشعور، معوجوه اإننا بمعرفة الظل فقط إنما نصل إلى األنيما، ":يقول. واألنيموس عند المرأة

هذا، ألن كل رجل، كما يقول مثل "،)٣("واألمر نفسه ينطبق على األنيموسل امرأة في ، ومن ثم تمتلك ك)٤("ألماني، يمتلك في داخله حواءه الخاصة

.داخلها آدمها الخاصونحن "ثمة شكالن للصورة الروحية، شكل داخلي وشكل خارجي،

نصادف الشكل الداخلي لألنيموس أو لألنيما في أحالمنا، وتخيالتنا، ورؤانا، وإننا نتعامل مع الشكل الخارجي عندما نسقط جزءا من نفسنا الالواعية أو

في التحقق من أن هذا الشخص كلها على شخص ما في وسطنا، ونخفق ، تماما مثل )٥("اآلخر الذي يجابهنا هو، بطريقة ما، ذاتنا الداخلية الخاصة

.الظل الذي قد يكون في داخلنا أو في شخص ما في محيطنا

.١٦٩-١٥٨المرجع نفسه، ص) ١(

.١٧٠علم النفس اليونغي، ص) ٢( .٩٠يونغ صكارل غوستاف ) ٣(

.١٧٠علم النفس اليونغي ص) ٤( .١٧١المرجع نفسه، ص) ٥(

- ١٩٣ -

الدوافع األنثوية، "وإذا استحوذت األنيما على الرجل، هيمنت عليه عليها األنيموس، فهي المتشبثة أما المرأة التي يستحوذ. واالنفعاالت المقاومة

برأيها، العنيدة، المولعة بالجدل، المرأة العالمة بكل شيء، التي تقاوم بأسلوب شكل عذراء، أو "، وتتخذ األنيما)١("ذكري وليس على نحو فطري أو غريزي

صبية حلوة، أو إلهة، أو ساحرة، أو مالك، أو شيطان، أو امرأة مستعطية، أو تكون شخصيات األنيما .. وعلى سبيل المثال.. خلص،عاهرة، أو صديق مهيلين طروادة في األسطورة الهوميرية، وبياتريس في : النموذجية في األدب

وتستطيع األنيموس أيضا أن . الكوميديا اإللهية، ودولسيتا في دون كيشوتفقد تكون أشخاص األنيموس النموذجية . تتخذ تنوعا من األشكال

ى مستوى أدنى وأكثر بدائية تكون أشخاص األنيموس ، وعل..ديونيسيوسويحتمل أن تتخذ األنيموس واألنيما رمزها . نجما سينمائيا أو مالكما بارعا

من الحيوانات وحتى من خالل األشياء ذات الصفة المذكرة على نحو خاص وقد . قد تتخذ األنيما شكل بقرة، قطة، ماعز، نعجة، كهف إلخ.. أو المؤنثة

: وإذا تساءلنا. )٢("إلخ.. ر األنيموس في صورة نسر وثور، رمح، برجيظهولماذا نعجز، في كثير من ) األنيما واألنيموس(مامنشأ الصورة الروحية

هي األم التي تحمل أوال على " :األحيان، عن مواجهتها في أنفسنا؟ يجيبنا يونغمن قبل نساء وفيما بعد، تحمل هذه الصورة . نحو دائم الصورة الروحية

ويعد االنفصال عن ". إيجابي أو سلبي" تستحث أو تثير مشاعر الرجل باتجاهوإذا ... األم إحدى أهم وأدق المسائل في تطوير الشخصية، والسيما للذكر

كانت الصورة الروحية، وهي العنصر الجنسي المقابل في نفسنا، قد غرقت ما جدا ومفجعا في معظمه في بعمق في الالوعي، ولعبت، بالتالي، دورا حاس

اإلنسان، فإن اللوم يقع على عاتق حضارتنا أو ثقافتنا الموجهة على نحو

.١٧١المرجع نفسه، ص) ١(

.١٧٢علم النفس اليونغي، ص) ٢(

١٣ م–الضوء والظل

- ١٩٤ -

فضيلة، - قدر اإلمكان- الرجل يعتبر كبت سماته األنثوية " أبوي، هذا، ألنأمرا غير الئق " االسترجال" وكذلك كانت المرأة، حتى وقت قريب، تعتبر

ة من وجهها األمومي إلى وجهها األبوي قد أثر في لعل تحول الحضار. )١("بهابيد . أسلوب التعامل مع األنيما واألنيموس عند الرجل والمرأة على حد سواء

أنه لم ينف أصل الوجود األمومي، ومن ثم دور األم في الحياة النفسية لكل تمثل الالشعور بصفتها الموجود " يونغ- على حد تعبير-فرد منا، فاألم

وهذا ال يعني أن الالشعور أم أو على صورة األم، ولكن بوسع كل " ولاألفرد أن يجد االتصال مجددا بالالشعور إذا استجاب إلى دعوة األم في

.، وإذا أيقظ الطفل النائم في أعماقه وجعله ينطلق نحو األم)٢("نفسه: در إلى أذهاننا واآلن، وبناء على المفاهيم النفسية السابقة، ثمة أسئلة قد تتبا

ماهو ظلنا؟ وأية شخصية يتقمص في داخلنا؟ وهل ثمة شخص نعرفه يمثل الظل في تعبير -الخاص بنا؟ ومن نحن إلى ما كان ممكنا أن نكون؟ وإذا كان صحيحا

ظل سيدة متحفظة وخجول يمكن أن يكون راقصة فالمنكو، وأن " أن-يونغ، فهل نستطيع االقتراب من ظل )٣("هناشخصية قوية يمكن أن يكون ظلها طفال وا

؟)األنيما أو األنيموس(فنان ما؟ ومن ثم من صورته الروحية يتمثل الظل في الفنان ويعد موضوعا كامال للفن، ألنه رمز من رموزه،

فعاليته المبدعة واختيار موضوعاته يدنو على نحو كبير من أعماق "والفنان في، بدوره، الوعي جمهوره، األمر الذي يعد الحد الوعيه، وفي إبداعاته، يحرك

المقتدرة األقصى لفعاليته، وتشرف صور الالوعي فيه ورموزه وتحمل رسالتها .)٤("نشوتهم أو بهجتهم"لآلخرين من الناس، علما أنهم ال يعرفون مصدر

.١٧٣المرجع نفسه، ص) ١( .٨٤-٨٣كارل غوستاف يونغ، ص) ٢(

. ٧٧كارل غوستاف يونغ، ص) ٣( .١٥٥-١٥٤علم النفس اليونغي، ص) ٤(

- ١٩٥ -

ينقل العمل الفني المستوى الالشعوري لدى الفنان، ويشترك مع الحلم ية المتضمنة صورا ورموزا متنوعة، يحكي كل رمز فيها أحد في لغته الرمز

لدى ) العمل الفني(وجوه الالشعور، ويحكي جميع رموزها لغة الحلم فتكشف عن ضوء أناه في صورها الواضحة التي تخفي وراءها . الحالم/الفنان

ويمكننا قراءة هذه األنا وتلك الظالل في فني الشعر . ظالال نفسية متنوعةونموذج ) جاهلي(تصوير من خالل نموذجين، نموذج شعري شفاهي وال

.تصويري سريالي، إذ إن السريالية جسدت أحالم مبدعيهايمثل مقطع الناقة في معلقة لبيد النموذج الشعري، وتحكي لوحة النمور للفنان اإلسباني سلفادور دالي النموذج التصويري، وقد اخترنا هذين

ي الرموز الحيوانية ذات الدالالت المتنوعة، فضال النموذجين الشتراكهما ففهل يحكي النموذجان حلمين عاشهما كل . عن وجود المرأة في كال النموذجين

من لبيد ودالي في لحظات استغراق في الظالل وانفصال عن الواقع؟ وهل قاما بتجسيدهما واعيين في أثناء العودة إلى الواقع؟

:مقطع الناقة في معلقة لبيد انعكاس شخصية لبيد - في مقطع الطلل في معلقة لبيد-الحظنا

الهادئة الساكنة على أبيات الطلل، وكيف أفلتت منه حركته الباطنة الجياشة المتشوقة إلى أيام الشباب، فحركت السيول واألمطار أبيات المقطع وأخصبت

الحب الطلل الفاني، ولمسنا انتصار ضوء العقل ولغة المنطق على ظالل والشوق في نفس لبيد، حين ختم مقطع الطلل بسؤال استنكاري عن استحالة

صما خوالد ما يبين : (كالم الطلل، وميله إلى السكون الذي عبر عنه في قوله. ؛ إذ وقف معتصما بالصمت والسكون متأمال رحيل الظعائن)كالمها

ذي ال ينقطع في وللظعائن مغزى عظيم في الجاهلية، فهي الرحيل األبدي الويخبر مشهد الظعائن عن القافلة التي تحمل النساء نحو . الصحراء المجهولة

المجهول، وال تكاد تخلو قافلة من ظعينة امرأة أحبها شاعر ما، فغدت ظالال

- ١٩٦ -

) أنثى(حركية كامنة وراء كل بيت وكل مقطع من قصيدته، فالطلل امرأة رحيلها فيدل على وقوف الشاعر والظعائن تحكي وجود المرأة، أما نكران

)١(السلبي وينم على وعيه السكوني تجاه الفراق، إذ يندر أن نجد شاعرا جاهليافحديث الشعراء عن الناقة تعبير عن وعيهم الحركي الباطني . لحق بالظعائن

تجاه الواقع، ومبالغتهم في وصف سرعتها ورشاقتها وقوتها إشارة إلى ة على اللحاق بمن يحبون، بيد أنهم يفضلون االمتناع امتالكهم أداة قادر

) اللحاق باألحبة(وبين الرغبة بالفعل . والترفع ردا على هجر األحبة لهميجد الشاعر الجاهلي نفسه مقيدة في سكون يشف عن ) البقاء(وعدم تحقيقه

اإلحباط واإلخفاق في تحقيق رغبات مكبوتة وأمنيات المعقولة تجاه حبيبته،فيقوم بنقلها من عدم التحقق في الواقع إلى محاولة التحقيق في الحلم، لتنساب

يرسمها وينحتها ويعيد تكوينها كيفما . في قصيدته صورا ورموزا متنوعة .يشاء

ما رغبة لبيد؟ ما أمنيته الالمعقولة؟ وما منشؤها؟ : ولنتساءل اآلن صور ورموز في- من خالل مقطع الناقة–وكيف سعى إلى تعويضها

حلمية؟ وهل شفت هذه الصور وتلك الرموز عن ظالل الشعوره؟وهي سر المعلقة ) نوار( اسم حبيبته - بعد ستة عشر بيتا-يذكر لبيد

:فيقول بل ما تذكر من نوار وقد نـأت

)٢(وتقطعت أسـبابها ورمامهـا

لظعائن، أي بعد وعيه ذكر لبيد نوار بعد انتهائه من مقطع رحيل ا لفراقها وانقطاع الصلة بها، فلم تكن األطالل إال مقدمة حزينة ساكنة ظليلة

: عن لحاقه بالظعائن وهو عبيد بن األبرص فقالثمة شاعر جاهلي واحد عبر ) ١( فألحـقنا بالقـوم كل دفقـة مصدرة بالرحل وجناء شمالل

.١٤٧ص) فلسفة الشعر الجاهلي( وللتفصيل أكثر انظر .٩٧شرح المعلقات السبع، معلقة لبيد، ص) ٢(

- ١٩٧ -

استتر لبيد وراءها، محاوال إخفاء شوقه وانفعاالت نفسه الجياشة، على الرغم من بعض الفلتات الحركية المتمثلة في األمطار والسيول الدالة على تلك

لمعروف برصانته وهدوئه استطاع أن يجاهد ويغامر االنفعاالت، إال أن لبيدا اويستبدل المكان بالعاطفة، فيأخذنا، دون أن نعرف سر نوار، إلى أمكنة يعددها

:ويكررها ضمن ثنائيات تعدادا عصابيا مريـة حلــت بفيـد وجــاورت

)١(أهل الحجاز فأين منك مرامها

أو بمحجـر بمشارق الجبلـين

ــا ــردة فرخامه ــضمنتها ف فتابتعدت نوار عنه وصار مرامها بعيدا، فانتقل إلى المكان وحدد

كيف يعرف لبيد مكانها وهو لم يلحق بها؟ أغلب الظن : موضعه، والسؤال هناعقل إذ يجعل ال،)٢("اليعرف حدودا في هذا العالم"أن لبيدا يتخيل هنا، والخيال

فيحاول االدعاء .. يؤمن أن من الضروري وجود شيء آخر هناك" اإلبداعيمثلما يدعي لبيد أنه يعرف مكان نوار ويعرف جيرانها، ويؤكد . )٣("أنه هناك

بعدها ورحيلها واستحالة لقائها، فهل يخفي لبيد وراء ستار -في الوقت نفسه–ما يجعله يعدد أسماء خياله الالمتناهي مايضطرب في أعماقه إزاء نوار؟ و

األماكن لينسينا ذكرها؟ ما نعرفه أن ثمة أمرا مابين لبيد ونوار، بيد أنه لم يصرح به، فكبرياؤه يمنعه من الخضوع واالعتراف، وإن كان كل ماوصفه من أطالل وارتحال، وكل أسماء األمكنة التي عددها يشف عن محاولة هربه

عي وعيا كامال بأنها هجرته وقطعت وهو ي. من ذكر نوار والحديث عنهاالوصال معه، أما هي فال تعرف أنه قادر على قطع الوصال مثلها تماما،

:وأنها إذا ابتعدت فإنه يمتنع مصرحا

.٩٧،معلقة لبيد، صشرح المعلقات السبع) ١(حنا عبود، منشورات وزارة الثقافة، دمشق : فراي، نورثروب، الخيال األدبي، تر) ٢(

.١٨، ص١٩٩٥ .١٨المرجع نفسه، ص) ٣(

- ١٩٨ -

ـلهصو ضرتع نلبانة م فاقطع

)١(ولشر واصل خلـة صـرامها

صزيل وجامل بالجالم باحوهمر

باق إذا ظلعـت وزاغ قوامهـا وما امتناعه إال ضوء خارجي يجاهر به ويسلطه على كل مفردات

القصيدة، ضوء يشي بظالل كامنة وراءه نابعة من أعماق لبيد ومتكاثفة :أحالما ورغبات، وهو قادر على القطيعة بركوب ناقة أعيتها األسفار

كنــر ــفار ت ــيح أس ــةبطل قيب

منها فأحنق صـلبها وسـنامها وإذا تغالى لحمهـا وتحـسرت

وتقطعت بعـد الكـالل خـدامها

فلها هباب فـي الزمـام كأنهـا

)٢(صهباء خف مع الجنوب جهامها

تخدمها في يمتلك لبيد الناقة السريعة التي تلحقه بنوار، بيد أنه يس االبتعاد والقطيعة والهرب، أال تشي هذه الفكرة بظالل الشعورية حركية باطنة في أعماقه؟ أيمكن عد الناقة نقطة انعطاف أو تحول من الواقع إلى الحلم؟ فقبلها، انهالت التداعيات، التي استلزم أحدها حضور اآلخر، على ذهنه

استلزم الطلل رحيل الظعائن ؛ إذ- إن صح التعبير -صورا شعرية ضوئية واستلزم الرحيل ذكر نوار التي كانت ظال أفلت منه في بارقة ضوئية، فاستدركه مستعينا بتعداد األماكن ومستغرقا فيها، ليستفيق على صوت القطيعة مع نوار، ويتذكر ألمه ويجاهد في مكابدته مدعيا القوة التي يتمثلها في الناقة،

األلم إليه، يهرب من نكران الهجر وتقطع أسباب الوصال فإذا به يهرب من ليؤكدها في صورتين من أجمل صور المعلقة، صورتين أدخلتا لبيدا إلى عالم

، )البقرة الوحشية وولدها(وصورة ) األتان والعير(األحالم، وهما صورة إنهما حلمان عاشهما لبيد وعبر عنهما في رموز حيوانية، فما داللة هذه

موز؟ وهل ستفضي إلى وجوه الالشعور عند لبيد؟الر

.٩٨شرح المعلقات السبع،معلقة لبيد، ص) ١( .٩٩شرح المعلقات السبع، معلقة لبيد، ص) ٢(

- ١٩٩ -

):صورة األتان والعير(حلم لبيد األول

عندما يستحوذ على المرء هيجان، حالة انفعالية، فكرة مرهقة، قسر، "أو كف، فإنه يترك الحالة االنفعالية تتجلى في البكاء، والصراخ، والغناء، أو

وبين العقلنة والتنفيس أو االنتقال ..يطلق الدافع بمقدار ماتسمح الظروف بذلكإلى الفعل، ثمة إمكان ألن تقاد الحالة االنفعالية إلى أن تتشخص، وهذا يعني

ولكن . التجسيد في الصورة، بالكتابة، وربما بالرسم، بالرقص، بصنع النماذجوعندئذ يحدث أن يتسع .. على نحو في وسع األنا أن تستجيب له بصفتها فردا

وإذ يصبح العامل الالشعوري منظرا طبيعيا، حيوانا أو صوتا، . دومالمشهد وي .)١("فإنه يستجيب ويعبر عن ذاته ويتعدل، ويقرر الفرد ويسأل ويجيب

هل جسد لبيد، في مقطع الناقة المشبهة بصورتي األتان والبقرة إلى الوحشية، حالته االنفعالية؟ وإن فعل، فهل تحول العامل الالشعوري لديه

رمز حيواني؟ وهل استجاب وعبر وسأل وأجاب؟ :يتابع لبيد وصف الناقة فيقول ـهالح قـبقت ألحسلمع وأو م

)٢(طرد الفحول وضربها وكدامها

جحـساإلكـام م بدعلو بها حي

قد رابـه عـصيانها ووحامهـا اربة مع صاحبها، فهل يحتاج إلى يشبه سرعة الناقة بسرعة األتان اله

مقطع كامل مؤلف من عشرة أبيات ليقول إن ناقته سريعة؟ وما وجه الشبه بين سرعة األتان الحامل وسرعة الناقة؟ أيعقل أن تكون السرعة وحدها سبب التشبيه؟ أنحتاج إلى هذه القصة الكاملة التي يرويها لبيد؟ أم نحن أمام حلم

ورا تبدو أشبه بالحلم في ابتعادها عن الواقع ليهرب كامل؟ أم أنه استعار صمن ألمه الواعي؟ أو ربما أخذته غفوة وهو يجاهد نفسه ويكابد األلم، فراح

.٤٧كارل غوستاف يونغ، ص) ١( .١٠٠ - ٩٩بع،معلقة لبيد، ص شرح المعلقات الس) ٢(

- ٢٠٠ -

إذ راح . يرى في حلمه قصة األتان التي حملت من فحل شديد الغيرة عليها يلزمها بالهرب معه من الذين ينافسونه عليها، وهم قطيع الفحول الذين أشبعوه

طردا وضربا وعضا صراعا عليها، بيد أن األتان ترفض الهرب معه، فيشك :في أمر عصيانها ويلزمها بالعزلة معه خوفا عليها من المتربصين بها

بأحزة الثلبـوت يربـأ فوقهـا

)١(قفر المراقب خوفها آرامهـا

حتى إذا سـلخا جمـادى سـتة

طال صـيامه وصـيامها جزآ ف رجعا بأمرهمـا إلـى ذي مـرة

حصد ونجح صـريمة إبرامهـا

ويمكثان في العزلة والصيام ستة أشهر متواصلة، ممتنعين عن ورود الماء ويبدوان متماسكين ومستجمعين قوتهما، إذ إنهما اليحصالن على

ويبقيان على هذه الحال حتى مجيء الصيف مرامهما إال بإحكام العزم والقوة، :الحار، فإذا بهما يحتاجان إلى ورود الماء

ورمى دوابرها السفا وتهيجـت

)٢(ريح المصايف سومها وسهامها

ظاللـه طيـرـبطا يعا سفتناز

كدخان مشعلة يـشب ضـرامها لثت بنابـت عـرفج مشمولة غ

كدخان نـار سـاطع أسـنامها

حرارة الصيف دفعت بهما إلى العدو نحو الماء عدوا سريعا جعل الغبار يتطاير تحت قوائمهما ويتكاثف كدخان نار أوقدت من الحطب اليابس والرطب وعانقتها ريح الشمال، فازدادت توهجا واشتعاال وتكاثف دخانها إلى

األتان أمامه ) الفحل(وحين وصال إلى نبع الماء، قدم العير . حد القتامةوإذا بهما ينهالن من . لتشرب قبله، خوفا من جبنها وتأخرها إن تركها خلفه

:مياه النبع المظللة بضروب النبت والقصب المتناوب بين الوقوف واالنحناء

١٠١ - ١٠٠المصدر نفسه، ص) ١(

١٠٢ – ١٠١شرح المعلقات السبع،معلقة لبيد، ص ) ٢(

- ٢٠١ -

فمضى وقدمها وكانـت عـادة

)١(ا هي عـردت إقـدامها منه إذ

فتوسطا عرض السري وصدعا

ــا ــاورا قالمه ــسجورة متج م محفوفة وسط اليـراع يظلهـا

منه مـصرع غابـة وقيامهـا

األتان (ينتهي لبيد عند هذا البيت من الصورة الحلمية األولى، صورة ) أنثى(ذكر، واألتان ) الفحل(العير : نتأمل في رموز هذه الصورةول). والفحل

وقد حملت منه، فحقق ذروة الوصال، وما يقلقه كثرة المنافسين والتفافهم حولها، وما عاناه في غيرته من الضرب والطرد والعض، وهو في حالة خوف ووحشة، فعلى الرغم من خضوعها له، تبدو مترددة في الهرب معه،

منه فيشك فيها ويلزمها بالعيش ستة أشهر في عزلة موحشة، ويفرض نافرة عليها وعلى نفسه الصيام، ويمتنع عن لمسها على الرغم من وجودها معه، وحين ينتهي من الصيام يرد الماء معها، بيد أنه يخشى االبتعاد عنها لحظة

ضرة أمام خوفا من عادتها في الهرب، فيدفعها قبله إلى نبع الماء لتبقى حا .ناظريه

حتى صورة العذاب المتمثلة في - صورة الحلم واضحة في رموزها وقد ابتعد لبيد عن الناقة واستغرق في حلم األتان -الضرب والعض

ناقتي سريعة، فهل كان محتاجا إلى كل تلك : وصاحبها، وكل ذلك ليقوليقها في في هذه الصورة حاول تحقيق رغبة عجز عن تحق- التفصيالت؟ لبيد

الواقع، فاألتان الحامل هي نوار في تأبيها وهربها معه، وغيرته عليها ورغبته لتبتعد عن - في وضع يشبه االغتصاب- في امتالكها تمثلت في إكراهه لها

قطيع الفحول، وشكه المتواصل فيها يشف عن إحساسه الدفين برفضها له ستئثار بها، كما يدل الصيام وميلها إلى غيره، والعزلة تدل على التفرد واال

على مقاومته شهواته تجاهها، ومن ثم فالوصول إلى عين الماء والشرب منه ، داللة على تحقيق رغبة )النباتات(دون االرتواء الكامل لوجود الموانع

.١٠٣ - ١٠٢المصدر نفسه، ص) ١(

- ٢٠٢ -

والالفت . ناقصة، فلم تكتمل أمنيته ولم يشبع حاجاته أو يرو عطشه تجاه نوارتناوبة بين الوقوف واالنحناء، وكأنها صورة تتناوب للنظر صورة النباتات الم

فيها نسب الضوء والظل، بيد أنه ظل كثيف يمنع المرء من االقتراب إلى يطير (مرتين في المقطع، ) الظل(، ولعل استخدام لبيد لكلمة )الغاية(الماء ، يشي بإحساسه بوجود الظل وكثافته في الدخان وفي )اليراع يظلها(، )ظالله

.بات المحيط بالماء على حد سواءالنوإذن، فحب لبيد لنوار حب من طرف واحد طغت عليه ظالل الخيبة

وعاشه في حلم طويل قرر الخروج منه إلى الواقع، حين جعل العير . والشكواألتان يخرجان من العزلة بعد جوع وعطش يشيان بجوعه وعطشه إلى

رة العدو السريع تجاه نبع الماء، الوصال، وأكد محاولة الخروج في رسم صوفثمة حركة هائجة وضجيج يرافق العودة، والنار التي أفاض في وصف دخانها المتكاثف وألسنتها المشتعلة، هي نار مشتعلة في أعماقه أما الدخان فهو

في حالة -ظالل الشعوره المتكاثفة حتى العتمة، ويظهر لبيد متلذذا . وصف عذابات المعركة بينه وبين الفحول في وصف النار وفي-مازوشية

الحمل (فكأن عجزه عن الوصال الحقيقي دفعه إلى الوصال المجازي .وهو وصال ناقص لم يشف له غليال) المزعوم، ونصف االرتواء عند النبع

- هل انتهت غفوته بانتهاء الحلم؟ هل عاد إلى الواقع: والسؤال اآلنهت قصة األتان لتبدأ قصة جديدة تصبغها المأساة بالعودة إلى الماء؟ ال، فقد انت

بألوان الظل الكئيب، ومن المؤكد أنه ال يرغب في المضي في وصف سرعة ناقته، وإنما تكمن رغبته في المضي مع نوار، بيد أنه يستسلم للحلم ثانية دون

:مقاومة فيقولــسبوعة ة مــشي حو أم ــك أفتل

)١(صوار قوامها خذلت وهادية ال

ـرمي فلم ت الفريرعيض خنساء

عرض الشقائق طوفها وبغامها

١٠٣شرح المعلقات السبع، معلقة لبيد، ص ) ١(

- ٢٠٣ -

ومن قصة لبيد مع نوار، ومن بين البحث والضياع، ومن بين ظالل الحيرة وضوء اليقين، تنبثق صورة البقرة الوحشية التي خذلت قطيعها ألن

فإذا بها تطوف األرض صائحة . رسته الوحوشضاع، وافت) ولدها(فريرها في صوت حزين، منادية ولدها المعفر بأديم األرض بعد أن التهمته الذئاب

:وتقاسمت أشالءه هــلو ــازع ش ــد تن ــر قه لمعف

)١(غبس كواسب ال يمن طعامها

ويؤكد أن يشير لبيد في هذا البيت إلى كثرة الصراعات في هذه الحياة، الغلبة لألقوى، فالظبي األبيض البريء الجميل قد عفر بالتراب وقطع جسده، ثمة صراع بين لونين، اللون األبيض واللون الرمادي، بين ضوء الظبي

بيد أن االنتصار يكون حليف . األبيض وظل التراب والوحوش الرمادينتصر الموت، الظل، وتنتهي المعركة بانحسار الضوء وموت الظبي، وهكذا ي

: وتنتهز الذئاب غفلة البقرة فتفترس ولدها صادفن منهـا غـرة فأصـبنها

)٢(إن المنايا ال تطيش سـهامها

باتت وأسبل واكف مـن ديمـة

يروي الخمائل دائما تـسجامها في سادية -لذذ بدأ لبيد اآلن رحلة العذاب مع البقرة الوحشية، وراح يت

: بعذابها، فأنزل المطر في ليل بحثها عن فريرها- مفرطة اترتـوتنهـا ملـو طريقـة معي

)٣(في ليلة كفر النجوم غمامهـا

يتساقط المطر حبة حبة، في حركة متواترة، ليغطي خط ظهرها من ا بالسحب فغطت وهي في ليلة ظلماء، امتألت سماؤه. العنق إلى الذنب

نجومها، يرسم لبيد لوحة كئيبة موحشة ويمثل فيها حاالت العذاب والموت

١٠٤المصدر نفسه، ص) ١(

١٠٤المصدر نفسه، ص) ٢( ١٠٥المصدر نفسه، ص ) ٣٤(

- ٢٠٤ -

أال يكفيه شعور البقرة بالذنب تجاه ولدها وقلقها عليه؟ حتى يرسم . البطيءقطرات المطر متساقطة على ظهرها، فيرمي بها إلى الضيق والتوتر

تجد البقرة نفسها في ليل والجزع؟ على الرغم من تقلب حاالتها االنفعاليةموحش ضبابي يشكله لبيد رافضا رسم نجمة مضيئة في سمائه تبث الطمأنينة في نفسها، فيدفعها الخوف إلى االختباء في جوف شجرة واالستعانة بأغصانها لرد قسوة البرد والمطر، وكي تكتمل رحلة االنتقام، يجعل لبيد

:مهتزة غير ثابتةجوف الشجرة متقلصا والكثبان الرملية تجتاف أصـال قالـصا متنبـذا

)١(بعجوب أنقاء يميـل هيامهـا

وتضيء في وجه الظالم منيـرة

كجمانة البحري سـل نظامهـا ومن المثير لالنتباه، أن لبيدا، وهو مستغرق في االنتقام من البقرة، يجد

حيل مقاومته، فيشبه بياض لونها في عتمة الليل المطير باللؤلؤة فيها جماال تستالبحرية، ويشبه حركتها غير المتوازنة، وهي تدور وتعدو، بحركة اللؤلؤة التي سل نظامها، فهل بدأ األمل يتغلغل إلى نفس لبيد بعد أن وصل إلى ذروة

ة والقلق؟ الوحشة والكراهية واالنتقام؟ هل سمح للضوء بتخفيف ظالل الحيرإذ شكله في بياض البقرة المضيئة في عتمة الليل؟ أو كانت هذه صورة ومضة ضوئية مثلما كانت نوار قبلها ومضة ظلية جسدها دون وعي، إذ

:ذكره جمال البقرة بجمال نوار؟ فيستدرك ليعود إلى االنتقام حتى إذا انحسر الظالم وأسفرت

ن الثرت تزل عها بكرالم٢(ى أز(

علهت تردد في نهـاء صـعائد

ــا ــامال أيامه ــا ك ــبعا تؤام س خرجت البقرة من مأواها، بعد أن انكشف ظالمها وانجلى، فزلت

قوائمها عن التراب الندي، وواصلت رحلة البحث عن ولدها فاستغرقت سبعة :أيام بلياليها وهي مترددة حائرة تعبة

.١٠٥علقات السبع، معلقة لبيد، ص شرح الم) ١( .١٠٦المصدر نفسه، ص ) ٢(

- ٢٠٥ -

ذا يئست وأسحق حـالق حتى إ

)١(لم يبله إرضـاعها وفطامهـا

وقد غالبها اليأس فجف ضرعها من اللبن، والرضاعة رمز الخصب :والحياة فإذا انقطعت كان ذلك دليال على الموت المتمثل في فقدان ولدها

فتوجست رز األنـيس فراعهـا

)٢(س سقامها عن ظهر غيب واألني أنـه سبين تحجت كال الفرفغد

مولى المخافة خلفهـا وأمامهـا

وبينما كان يزداد شعورها بالخوف والوحشة تفاجأ بسماع صوت ال ترى صاحبه، فتخشى أن يصطادها صاحب الصوت، فإذا بها خائفة متوجسة

: تعذيبها فيقولال تعرف شيئا عن مصيرها، وإذا بلبيد يتابع حتى إذا يئس الرماة وأرسـلوا

)٣(غضفا دواجن قافال أعصامها

فلحقن واعتكرت لهـا مدريـة

ــا ــدها وتمامه ة حريهمــس كال لـم تـذد قنـت إنأيو نهلتذود

أن قد أحم من الحتوف حمامهـا

صدت منها كساب فـضرجت فتق

بدم وغودر في المكر سـخامها يتبين أن الصوت صادر من رماة يئسوا من سهامهم الطائشة، فأرسلوا

كالبهم الفتراسها، بيد أنها قاومت الكالب وطعنتها بقرنها دفاعا عن نفسها، م، وتركتهما ولم تكتف بالطعن والطرد، وإنما قتلت اثنين منه. وطردتها

وتنتهي المعركة بين البقرة والكالب بانتصار البقرة . مضرجين بالدماءوتنتهي القصة باستيقاظ لبيد من . وعودتها إلى الحياة بعد رحلة ألم طويلة

:حلمه وعودته إلى ناقته التي يقضي حاجته في حر الهواجر متنقال بها فبتلك إذ رقص اللوامع بالضحى

اجها وراب إكامة السديأر ٤(تاب(

١٠٦شرح المعلقات السبع،معلقة لبيد، ص ) ١( ١٠٦المصدر نفسه، ص ) ٢( ١٠٧المصدر نفسه، ص )٣( ١٠٨ المصدر نفسه، ص )٤(

- ٢٠٦ -

أقضي اللبانـة ال أفـرط ريبـة

ــا ــة لوامه بحاج ــوم أو أن يليقضي لبيد حوائجه مستعينا بركوب هذه الناقة، بيد أنه ال يفرط في

طلب بغيته، كيال يلومه الالئمون،فهو متوازن، يعود دوما إلى ضوء العقل ولو له في ظالل الحيرة والضياع، وفي مقطع الناقة جاء البيت األخير طال تأم

إذ عاد إلى الناقة . مضيئا منطقيا، مثلما كان البيت األخير في مقطع الطلل :وربطها بنوار التي بدأ منها وانتهى عندها

أولم تكن تـدري نـوار بـأنني

)١(وصال عقد حبائـل جـذامها

اية الحلم ونهايته، حلم رسمته الصور الرمزية المعبرة عن نوار بد مأساة لبيد، فبين ضعفه وقوته، وبين ساديته ومازوشيته، واستسالمه لعذابات الحب وانقياده لظالل الالشعور المتحدثة عن رغباته الدفينة، بين كل تلك

على التزاحمات الرمزية واألضداد المتالعبة، ينتفض لبيد وكأن الضوء يسقطويعود إلى كبريائه مؤكدا أنه يصل من يستحق الوصال، . عينيه ليوقظه

.ويقطع من يستحق القطيعة . رموز حلم لبيد- بناء على المفاهيم النفسية -واآلن، لنتأمل

: تحليل رموز الحلم بنوار وينتهي عندها، فهي منشأ الحلم وغايته - كما رأينا -يبدأ الحلم

قة فهي اليد التي تأخذنا إلى عالم األحالم، إذ تعد رمزا حركيا أما النا. ومنتهاه .يقودنا في صحراء نفس لبيد

مشهد األتان والعير، ومشهد البقرة الوحشية : يقسم الحلم إلى مشهدينأجاء هذا التزاوج من .وفريرها، وثمة تزاوج بين رمزين في كل مشهد

بيد؟ أغلب الظن أن التزاوج بين الفراغ؟ أم كان رمزا يشي برغبة دفينة لدى لرموز الحلم يشي برغبة لبيد في مالزمة نوار وفي االرتباط بها، وانعكست

.١٠٩ شرح المعلقات السبع،معلقة لبيد، ص )١(

- ٢٠٧ -

، وارتباط األم )ارتباط األتان بالعير(تلك الرغبة في صورة ارتباط الزوجين لقد اختار صورتي الزوجة واألم ). ارتباط البقرة الوحشية بفريرها(بابنها

لى تأثر لبيد ومشاعره العارمة تجاه نوار، فأثرها لنوار على نحو يدل عنوار البداية : واضح في انتقائه الرموز وخلق التزاوج بينها، وكأنه يقول

كاألم التي تعد أول صورة أنثوية يراها الطفل، وأول رائحة يشمها، . والنهايةوفي . بحيث تؤثر في انتقاء الرجل زوجه إذ يرى فيها شيئا من مالمح األم

بد من ذكره ديثنا عن األم يحضرنا رأي يونغ في صورة األم، إذ الحهذه الصورة لألم التي كان ":لتوضيح صورة نوار وأثرها في لبيد، يقول يونغ

الناس قد أنشدوا لها ومجدوها في جميع األزمنة وجميع اللغات، وهذا الحب عال واألكثر األمومي هو الذي يشكل جزءا من الذكريات األكثر إثارة لالنف

مقاومة للنسيان خالل سن الرشد، والذي يعني الجذر السري لكل صيرورة، واألم، المعروفة معرفة . واألساس األولي لكل بداية وكل نهاية.. ولكل تحول،

صميمية والغريبة كالطبيعة، والحنون حنانا كله حب، والقاسية كالقدر، أبدا، أم اآلالم والباب القاتم والموزعة الشهوانية وغير السؤوم من الحياة

وسري" أنا" الصامت الذي ينغلق على الموت، هي حب أمومي، إنها تجربتيفهل تمثل تجربة لبيد وسره وأصل كل تقلبات شخصيته؟ هل وجد في . )١("أنا"

نوار صفات األم التي ذكرها يونغ؟ي ف–ربما وجد لبيد في نوار القسوة فعكسها على األتان، ووجد فيها

حب الحياة والحنان فعكسهما على البقرة الوحشية، أما الباب -الوقت نفسهالقاتم الصامت المنغلق على الموت والفائض باأللم، فقد وجده لبيد في نفسه وفي صورته الروحية، في أنيماه المنبثقة من األم، وفي ظله المؤدي إلى

معرفة ظله أفضت إن. األنيما، المتمثل في طفل واهن ضائع يبحث عن أمه، وقد ذكرنا )األتان، والبقرة(إلى أنيماه التي واجهها فرمز إليها برمزين أنثيين

.٨٢- ٨١كارل غوستاف يونغ، ص) ١(

- ٢٠٨ -

سابقا أن الرجل الذي تطغى عليه األنيما يمتاز بغلبة الدوافع األنثوية وبتقلب المزاج، وهذا ما يبدو واضحا في شخصية لبيد المقنعة بقناع األنا الضوئية

ة المتزنة التي يظهر أثرها في أبياته المتحدثة عن القوة ذات الشخصية القويالزائفة والسيطرة وغلبة ضوء العقل والمنطق، ففي مقطع الطلل ظهرت في

: قوله فوقفت أسألها، وكيـف سـؤالنا

صما خوالد مـا يبـين كالمهـا

:وفي حديثه عن نوار بلغة الواقع تـدري نـو تكن لمبـأنني أو ار

وصال عقـد حبائـل جـذامها

بيد أنها قوة زائفة يتقنع بها ليخفي ظالل الشعوره، فيقع في صراع بينها وبين الظالل، بين أناه وظله الواهن، فيعكسه على صراع العير مع قطيع الفحول، ويبالغ فيه حتى الضرب والعض والطرد مستعينا بصور يتقطر

لينتقل إلى صراع البقرة مع الكالب وينتهي بانتصارها . مفرداتهاالعذاب من .ليشي باألمل في عودة نوار

ومما يؤكد قوته الزائفة وانعدام ثقته بنفسه، تعبيره عن شكه المتواصل في نفسه وفي نوار، إذ يمثله في صورة شك العير في األتان، شكه في حملها

تالكها واالستئثار بها، ووضعها في وشكه في حبها فضال عن رغبته في امعزلة، وفرض الصيام عليها وعلى نفسه ليقاوم رغبته الجامحة تجاهها،

.معتمدا على قوته الزائفة ليمتنع عن لمسهاوقد أثار موضوع الرغبة الجنسية المكبوتة عالم النفس فرويد فتحدث

كيف ينعكس فيه عنه وسماه باللبيدو، وتحدث عن أثر اللبيدو في عمل الحلم ويرمز عمل الحلم عادة بالحيوانات الوحشية إلى " :رموزا حيوانية وحشية فقال

االنفعاالت االندفاعية التي يخشاها الحالم من نفسه أو من غيره على السواء، وهكذا يستطيع أن يرمز بهذه الحيوانات إلى األشخاص الذين تغلب عليهم هذه

- ٢٠٩ -

إن الحيوانات الوحشية تستخدم في تصوير : ولاالنفعاالت، وفي مقدورنا أن نق واللبيدو رغبة جنسية ،)١("واللبيدو قوة يفزع منها األنا ويغالبها بالكبت. اللبيدو

منشأ االنفعاالت االندفاعية التي يخشاها -يكبتها لبيد، وهي، في الوقت نفسهلمه، ويخاف التصريح بها علنا، ومن ثم يمثلها في الحيوانات الوحشية في ح

التي تتوافق مع أنيماه الممثلة للجانب الجنسي عنده، وهي البقرة الوحشية التي يعاقب نفسه، من خالل معاقبتها، لعدم قدرته على السيطرة على رغباته

واألتان التي تنفر منه فيكرهها على االنفراد بها ستة أشهر، يعاني .الجنسية .خاللها من القلق والتوتر

جاه نوار هي نوار نفسها المولدة للرغبة واأللم، وقد تكون رغبته تفينتقم منها ألنها ضيعته مثلما ضيعت البقرة فريرها، وكأنه يحذرها، فإن هي تركته وابتعدت عنه أفضت به إلى الموت المحتم مثلما انتهى مصير الفرير

إذ تتمثل في هذه الصورة لحظة المواجهة بين أناه وظله المتمثل في . بالموت .لطفل الواهن الملتصق بأمه الذي ال يقوى على فراقهاا

دمج لبيد انفعاالته مثلما يدمج المصور ألوانه، وسكبها على لوحة حلمه الحلم األول : راسما مقطع الناقة ومحاوال خلق توازن بين حلمين متعادلين

، يتحدث عنه وعن رغباته المكبوتة وأمنياته الالمعقولة وإخفاقه في تحقيقهابينما يحكي الحلم الثاني نوار المتألمة الضائعة جراء هجرها له، فمثل الحلم

وكان هو العير، ومثل الثاني في صورة ) األتان والعير(األول في صورة البقرة الوحشية وابنها وكان هو الفرير، ونوار هي البقرة الوحشية المنتصرة

م انتصار ظالل الشعور لبيد أهو األمل الذي أعادها؟ أ. العائدة إلى الحياةالمتمثلة في انتصار األنيما والليبدو، انتصار األم واألنثى والخصب والرغبة؟

.٤٣٨حالم، ص تفسير األ) ١(١٤ م–الضوء والظل

- ٢١٠ -

هل شعر لبيد بالنصر حين تلذذ بآالم البقرة؟ هل أخذ ثأره منها؟ فأخبرها أنه قادر على تعذيبها وإحيائها، وعلى تدميرها وإعادة تكوينها، وأنها ليست أكثر

هل قام بإنشاء التوازن بين طرفي المعادلة؟ بين الضوء . يديهمن لعبة بينوالظل، وبين األنا والالشعور، من خالل إنشاء حلمين، ورمزين حيوانيين، وصراعين في كل حلم، واقتراب موت وانتصار حياة، فضال عن تشكيالت األبيض واألسود المتمثلة في بياض البقرة وسواد الليل، وتشكيالت الضوء

وأخيرا في . لظل الفنيين المتمثلين في بياض الظبي وظالل التراب والكالبواتعبيره عن الكيل بالمثل حين صرح لنوار بأنه يصل من يستحق الوصال

.ويقطع من يستحق القطعأكد لبيد قدرته على خلق التوازن والتناظر في معلقته، إذ لمسنا محاولته

تحقيق التوازن بين وعيه الحركي في فصل الحركة والسكون المتمثلة في ووعيه السكوني، وهنا نلمسه في رسمه حلما ذا صورتين، واستغراقه في ظالل الحلم،واستفاقته المفاجئة على ضوء الواقع، فلبيد، يصور سرياليا في اعتماده على الرموز، وكالسيكيا في لجوئه إلى التكوين الهرمي لخلق

ليوزع خالله ) االسبرال(له التكوين الحلزوني التناظر، ورومانسيا في إدخاحركة األحداث، وليضمه إلى التكوين الهرمي، فضال عن ألوانه الكئيبة المعبرة عن األلم اإلنساني، وتشكيالت الضوء والظل في صراعهما، ومحاولة خلق التوازن بينهما؛ بيد أن لوحته تميل إلى السريالية في تجسيدها الحلم

ا الحيوانية التي تجاوزت لبيدا منتقلة إلى لوحة سريالية للفنان وتعدد رموزه .)١ ()النمور(وعنوانها ). سلفادور دالي(االسباني

)١١(انظر اللوحة رقم ) ١(

- ٢١١ -

":النمور" ولوحة(*)"دالي" المصور السريالي، وعرف )تفسير األحالم(عرف عن السرياليين تأثرهم بفرويد وكتابه

توجهه نحو "بر عنها من خاللعن دالي شدة تأثره باألفكار الفرويدية؛ إذ ع .)١("فن التصوير الميتافيزيقي"الفن الالواعي، فبدأ ينشط فيما أسماه

امتاز دالي بانزياحه عن المألوف في كل أشكاله، وبرغباته الجامحة النموذج الممتاز للولد "وعشقه لمخالفة النظام؛ إذ يصف نفسه في طفولته ب

كنت أحتفظ في ذاكرتي ": ويقول)٢("قلياالمتأخر ع) المنحرف المتعدد األشكال(بكل الذكريات المثيرة للجنة الطفولية التي نعمت بها، لذلك كنت أتمسك بقوة

وكنت . وأنانية مطلقة بكل ما أريد أن أعمله، وبكل ما يجلب إلى قلبي المتعة .)٣("أثور بدرجات خطيرة عند أقل استفزاز

، فتمسك بها )إلوار(فرنسي زوجة صديقه الشاعر ال) غاال(أراد دالي مستخدما كل الوسائل إلغوائها حتى ظفر بها واختطفها من زوجها، وقام

).لوحة النمور(بتخليدها في مذكراته ولوحاته، مثلما فعل في

:موضوع اللوحةيتمثل موضوع اللوحة في غاال العارية، والنمور الوحشية التي تحاول

خوف - في الوهلة األولى-للوحة عرانا وإذا نظرنا إلى ا. االنقضاض عليها

، مصور إسباني، اهتم في بداية مسيرته الفنية )١٩٨٦ – ١٩٠٤ (Daliسلفادور دالي (*)بالمستقبلية، زار إيطاليا وتأثر بلوحات رفائيل تأثرا قويا، لعب دورا خطيرا في حياة

صور . والخيال على الواقع وهي إسقاط الحلم" البارانويا النقدية"السريالية، إذ أوجددالي العالم الغيبي بقوة مدهشة و بطريقة عميقة نفاذة، ثم انتقل في موضوعاته إلى

.)١٠٠ – ٩٩انظر اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة، ص .(النواحي الدينية .٧ ص– Dali سلفادور دالي -عالم الرسامين العالميين ) ١( .٩-٨المرجع نفسه، ص) ٢( .٩مرجع نفسه، صال) ٣(

- ٢١٢ -

إذ تبدو النمور هائجة متوحشة، تبرز أنيابها ومخالبها في جوع وشبق . ونفوريدفعانها إلى االنقضاض على جسد غاال المستلقية على صخرة عند شاطئ البحر في هدوء وسكينة واستسالم للحدث، ونجدها ناظرة إلى السماء، معانقة

.وغير آبهة للهجوم القادم نحوها. ضوء الشمس بجسدها

يولد الهجوم من قلب رمانة متفجرة، تخرج منها سمكة متوحشة لها عينان دمويتان، ومن فم السمكة يخرج النمر األول ومن فمه يخرج الثاني

.متجها نحو غاال، وينبثق من فمه سالح موجه نحو نحرها

:يو التالتتوزع األشكال في مستويات اللوحة الثالثة على النح

غاال مستلقية على صخرة، على جانبها رمانة : في المستوى األولفقدت الجاذبية إذ تأخذ حيزا لها بين األرض والفضاء، وفوقها تطير نحلة

.صفراء ذهبية متعطشة لرحيقها

تكمن بؤرة التوحش والقوة الفاعلة الهجومية، : في المستوى الثانيانة والسالح، ينضم إليها جرف صخري فتتمثل في النمرين والسمكة والرم

.متشقق تندفع منه نباتات خضراء صغيرة واهنة

نلمح مفاجأة اللوحة متمثلة في فيل أسطوري ذي : في المستوى الثالثقوائم طويلة هشة تبدو على وشك االنكسار، ويبدو حامال على ظهره مسلة

.لى رقعتهاومن خلفه تتراءى سماء زرقاء مشوبة بغيوم متفرقة ع. ضخمةما الذي يرغب دالي في قوله من خالل دمجه الرموز المتناقضة في لوحة واحدة؟ أكان يرسم واعيا أم كان يحلم؟ وإن كان واعيا فهل رسم حلما

راوده من قبل كعادته في رسم أحالمه؟ وإن كان حلما فما تفسيره؟

ق كي ندرك الحلم، يجب أن نقرأ رموزه متفرقة ومجتمعة في سيا .اللوحة، لذلك سنقف عند معاني الرموز الحلمية، ونتناول كل رمز على حدة

- ٢١٣ -

:الحلم/ رموز اللوحة

السمكة مخلوق : ثمة دالالت كثيرة لرمز السمكة نذكر منها: )١(السمكةترتبط السمكة . وذلك لعدم تمييز رأسه من جسده) غير طاهر(غير نقي

ة، وترمز إلى الحياة والخصوبة ألنها بالوالدة وتعد أداة لإلنقاذ وكشف الحقيق .تستطيع التكاثر دائما بوضع عدد كبير من البيوض

رمزا إلى الحكمة والخصوبة والقداسة، - لدى األوربيين-وتعد السمكة . ألنها تختبئ في أعماق المحيطات، ومن ثم تستقطب كل القوة المقدسة إليها

.فكل شيء عميق له قدسيةمزا ذكوريا، إذ كان يرمز إلى إله الحب، في الديانات وتعد السمكة ر

والسمكة في علم النفس . السورية القديمة وفي السنسكريتية، برمز السمكة للعالم الداخلي المظلم الذي يتم التواصل مع اإلله أو مع - من خالله-رمز

الشيطان، هو عالم الالشعور في ضوئه وعتمته، والسمكة كائن مبهم صامت .محير ومختبئ في العمق، بيد أنه يضيء ويلمع تحت الماء

:)٢(النمور

يرتبط النمر بفكرة التوحش والقوة، ويلتهم القدرات الشريرة، ويرمز .إلى الرجل المؤقت

التي ال )٣(تجسد طبيعة النمر المخادعة مجموعة االندفاعات الغريزيةسان ألنه ال يستطيع يمكن الخالص منها، والتي تشكل خطرا محدقا باإلن

)١(Dictionnaire des Symboles ، ٧٧٣ ص. . ٩٤٩المرجع نفسه، ص ) ٢(االندفاعات الغريزية تكلم عليها فرويد وذكرناها في تحليل حلم لبيد، إذ ربطها بعمل ) ٣(

.الحلم والحيوانات المتوحشة

- ٢١٤ -

التحكم بها، ويعد كبتها في الالوعي خطرا كبيرا يجعلها مسيطرة على .اإلنسان

ويمثل النمر ظلمة الالوعي الذي تجتاحه الرغبات البدائية التي يصعب .والنمر عكس الزواحف في إعطائه الصورة العليا عن الوعي. التحكم بها

الذي يأخذ أشكاال لها صفات - غ رمز األنيموس عند يون: )١(السالح . كما ذكرنا سابقا- مذكرة

.الخصب والشهوة الجنسية في تفجرها وغليان حباتها الدموية: الرمانة ).اللذة(صانعة العسل : النحلة

ترمز المسلة المصرية إلى أشعة : )٢(الفيل األسطوري حامل المسلة إلى حامل -والتيبتفي حضارة الهند – )٣(الشمس والحكمة ويرمز الفيل

العالم، فالكون يستند إليه، وتعد أقدامه األربعة الحاملة جسمه المستدير، مماثلة .لألعمدة األربعة التي تحمل األرض

:تحليل رموز اللوحةإذا أخذنا من . تجتمع رموز اللوحة لتشكل رسالة، أراد دالي إيصالها

ا عرفنا أنها تمثل وإذ. صفات السمكة، الحياة والقداسة والحب والدنسالالشعور، وأنها منبثقة من رمانة متفجرة بالرغبات الجنسية ومن فم السمكة يخرج نمران يرمزان إلى التوحش والقوة والقدرة على التهام القدرات الشريرة، فضال عن رمزهما إلى فكرة الرجل المؤقت في حياة المرأة، وأنهما

لظلمة الالوعي بل الصورة العليا لها، ومن االندفاعات الغريزية للبيدو الممثلة إذا جمعنا كل تلك . فم أحدهما ينبثق السالح رمز األنيموس لدى المرأة

.١٧٢علم النفس اليونغي، ص) ١( .٢٠٥ قصيدة وصورة، ص )٢()٣( Dictionnaire des Symboles، ٣٩٧ص.

- ٢١٥ -

المعاني اتضحت لدينا لغة الحلم المتحدثة عن قصة دالي مع غاال وموقفه تملكا لها واستئثارا بها، وربما ولد ) إلوار(تجاهها، فهو الذي اختطفها من

وجها وقبولها الزواج بدالي خوفا الشعوريا لديه من تركها له، هجر غاال لزيخشى دالي فكرة كونه رجال مؤقتا في . وهجره في يوم ما واللحاق بغيرهيجدها شريرة فيسلط عليها النمر الملتهم . حياة غاال مثلما كان إلوار من قبله

زية متوحشة بيد أن رغباته الجنسية تجاهها صاخبة غري. للقدرات الشريرةتوحش النمور، والنمران حيوانان متوحشان يرمزان إلى الليبدو واألنيموس

وتأتي السمكة لتكمل . عند المرأة وظلمة الالوعي وعوالم الالشعور القاتمةدورهما، فالسمكة غير طاهرة، وهي تشكل مع النمور والسالح موقف دالي

ة صراع بين نظرة الحب أيشك دالي في طهر غاال؟ أم هو في حال. من غاال والقداسة والنظرة المادية الجنسية الغريزية تجاه غاال؟

يؤكد دالي معرفته بغاال وتعمقه في شخصيتها الناجم عن ارتباطه الشديد بها، في تأكيده حضور األنيموس وهو الجانب الجنسي لدى المرأة،

.ويمثله في السالح والنمرين كصورتين حيوانيتين لألنيموسل استطاع دالي مواجهة أنيموس غاال متجاهال أنيماه؟ وهل يمكن عد فه

غاال ظله وأنيماه على حد سواء؟إنها تمثل الجانب األنثوي لديه، فغاال حواء دالي الخاصة، يصب فيها نهر جنونه وعواطفه المتقدة، وتصويرها في حالة من الالمباالة يؤكد استسالمها

ثم يأتي الفيل حامل الوجود ليلخص مبدأ العبثية لدى . سيةلدوافعه وانفعاالته النف. دالي، إذ تشي قوائمه الهشة باقتراب النهاية وعبثية التعلق بكل مفردات الوجود

.ويحكي سير الفيل على الماء التقلب والالثبات في صيرورة الوجود كاإلباحة -في كل لوحاته - امتاز دالي بخلق االرتباط بين النقيضين

لقداسة، والحياء واالستباحة، والعهر والطهر، ويكمن هذا التناقض في وا. النفوس العبقرية، وعند دالي تغدو أقصى حاالت الشهوة تعبيرا عن الحياء

- ٢١٦ -

وتبدو رموزها منسجمة تحمل . وفي هذه اللوحة تلعب المتناقضات في ثناياهاال، فهل تلذذ رسالة تحكي رغبة دفينة عاشها دالي حلما، وحققها تجاه غا

بصنع العذاب الوشيك المحيق بغاال مثلما تلذذ لبيد بعذابات نوار المتمثلة في عذابات البقرة؟ هل يرمز انعدام الجاذبية في اللوحة إلى انعدام الثقة لدى دالي التي وجدناها عند لبيد من قبله؟ فكل أشكال اللوحة تسبح في الفضاء وتدل

قة في الهواء، على الرغم من وضعية جسدها على فقدان التوازن، غاال معلالموحية باالستقرار، والرمانة تبدو مترنحة، حتى الفيل يقف على الماء

والنمران والسمكة والرمانة المتفجرة أشكال تنبثق من . وجسده في الفضاء .السماء

ثمة صفات مشتركة بين دالي ولبيد، تتمثل في التشتت والحيرة والخوف جرها، فضال عن الصفات النفسية والرغبات الجنسية المكبوتة، من المرأة وه

والسادية، وحب االنتقام وحتى األمل الذي رسمه دالي نباتا يشق الصخور مندفعا نحو الحياة، وعبر عنه لبيد من خالل صورتي المطر وانتصار البقرة

لم لبيد لقد رسمت كل تلك الصفات واألمنيات ح. الوحشية وعودتها إلى الحياةالحيوانات الوحشية، والمرأة، : ولوحة دالي، وجمعت بينهما رموز مشتركة

.وعالقة الرجل بالمرأة والرغبة في امتالكهاإذا قمنا بإنشاء مقارنة بين مقطع الناقة عند لبيد ولوحة دالي من خالل توزع الرموز ضمن المستويات الثالثة، على افتراض أن حلم لبيد لوحة،

:اليوجدنا الت لوحة دالي مقطع الناقة/ لوحة لبيد )العبثية(الناقة : المستوى األول األمل- الحيوانات: المستوى الثاني )المرأة(نوار : المستوى الثالث

)المرأة(غاال : المستوى األولالحيوانات : المستوى الثاني

األمل- المتوحشة )العبثية(الفيل : المستوى الثالث

- ٢١٧ -

المستوى الثاني، ولم تختلفا في المستوى األول اشتركت اللوحتان فيفالمرأة . والثالث، وإنما الذي اختلف هو توزيع العناصر في المستويين

موجودة عند الرجلين، وهي بؤرة اللوحتين، تمثلت عند دالي في غاال التي ضبابية - في الوقت نفسه- أخذت حيزا لها في المستوى األول، وبدت

في لوحة –بينما لم يذكر لبيد . م من حضورها القويالمالمح على الرغ نوار إال في بيتين متباعدين، إال أنها بدت ظالال شملت المعلقة من -الناقة

. بدايتها إلى نهايتهاوربما يشترك الفيل مع الناقة في التعبير عن النظرة العبثية تجاه

لفيل في حمله الوجود، في جميع حاالته ومفرداته؛ فالناقة في سرعتها واالوجود، لم يقدرا على تغيير قصة العاشقين المنتهية بالخوف والعبثية تجاه

.استمرارية الحب والبقاءإننا نقف أمام قصيدة الصورة، قصيدة لبيد في صورها : وصفوة القول

الذهنية المتقاربة مع لوحة دالي في صورها البصرية، وعلى الرغم من الفنيين، فثمة خيط خفي يقرب إحداهما من اختالف األدوات في العملين

األخرى ويتمثل في التعبير عن المعاناة التي جمعت دالي ولبيدا فاشتركا في األلم والحلم، ورسما ضوء األنا تمردا وقوة زائفة، وظالل الالشعور ألما

.ورغبات دفينة وهكذا نرى آلية عمل الضوء والظل في النفس اإلنسانية، وكيفية

عهما نسبيا من خالل حلمي لبيد ودالي، إذ يبدأ لبيد باألطالل ظالال تحاكي توزضوء الماضي في إشراقه وأيامه البهيجة، وتحجب رغباته الدفينة وألمه

ثم ينتقل إلى رحيل الظعائن، فتبدو ضوءا متحركا غائصا في ظالل . العميقن خالل كونها نقطة ومن ثم يقف عند الناقة التي تقودنا م. صحراء المجهول

أما نوار التي ال نعرفها، فتظهر ومضات . مضيئة إلى ظالل الحلم ورموزه في - ضوئية في بيتين متفرقين لتبث النور وتكشف عن ظالل نفس لبيد وهي

- ٢١٨ -

ظالل تربط أبيات المعلقة من البيت األول حتى األخير، وتكمن -الوقت نفسه .وراء كل صورة وكل رمز فيها

نلمح في حلمه ورموزه البصرية تنوعا في نسبة الضوء أما دالي، فوالظل الموزعة في أرجاء اللوحة، والعاكسة تقلبات نفسه في ظالل الشعورها

.وضوء شعورهايبدأ بغاال المضيئة الشاحبة صورة والضبابية المظللة معنى ومغزى،

لون ومن ثم ينتقل إلى النمرين والسمكة والرمانة، فيشكل صورا ملونة ويباألحمر المشتعل الرمانة، وباألصفر المشرق النمور وبالبني الداكن خطوط

وتحاكي ) كاألحمر والبرتقالي(أما السمكة فتميل إلى األلوان النارية . أجسادها ظالال الشعورية قاتمة، أما - بعيدا عن صورها البصرية- الرموز الوحشية

ناقة الطريق إلى ظالل لبيد، الفيل فيضيء وضوح العبثية، مثلما أضاءت الوينتهي دالي بالجرف الصخري المتقلب بين الضوء والظل، بين ضوء الحياة

.المنبثق نباتات نضرة، وظالل الموت المتشققة الفانية

- ٢١٩ -

املستوى الفكري

حين يستغرق الفنان في تأمالته وينفعل بكل مفردات الحياة، يتفرد في - من خالل عمله الفني- الرؤية، فيغدو رؤيته وفي أسلوب تعبيره عن هذه

محاكيا الباطن، ومالحظا الظاهر، ويحاكي ما يمكن أن يكون في الخيال مثلما يحاكي ما هو كائن في الواقع، فيميل إلى ظالل األفكار في تقلباتها وهيجانها،

.مثلما يسمح للضوء بالكشف عن ماهية األشياء في دقته ووضوحهة عمل الضوء والظل في الكتل، وجدنا أن الظل ينشأ وإذا عدنا إلى آلي

نتيجة لقاء الضوء مع الكتلة، ومن تنوع الكتل في هذا الوجود ومن تنوع فتكمن قيمة الضوء في إضاءتها والكشف . سياقاتها، تتعدد ظاللها وتتشعب

عنها وتوضيحها، وتكمن قيمة الظل في اإلخبار عن وجود الضوء وعمله في د، فضال عن تأكيده قيمة الكتلة المضاءة نفسها وإثبات مفردات الوجو

.فالظل هو الوجود الثاني للموجود، يشي بمعالمه ويحكي صفاته. حضورهاوعندما يلتقط الفنان الضوء الساقط على الكتل المتنوعة المحيطة به، يتلقى ظاللها المرتدة إلى نفسه، ويعيد تشكيلها من جديد، وقد يزيد تشعبها

تها من خالل إبعاد الضوء عنها لتغدو عتمة قاتمة، أو يسمح للضوء وكثافبتخفيف قتامتها وإحالتها ظالال خفيفة متالشية، وقد يرغب في خلق التوازن بين الضوء والظل ليدخل في لعبة األضداد وتبادل األدوار بينها، فيرسم بالضوء والظل تشكيالت غامضة في مضمونها وواضحة في مفرداتها

ظاهرة، ويسعى إلى إثارة مخيلة المتلقي من خالل إدخاله في تلك اللعبة، الواستسالمه لهيجان الظالل المتدافعة، فيحاول متابعتها وهي ترسم أشكاال متحولة ومتغيرة في مخيلته، يتأمل ويستغرق في تشكيالتها حتى يصل إلى

.إدراك مبتغاه في لحظة من لحظات الضوء

- ٢٢٠ -

األسئلة الكامنة في ذهن اإلنسان والباحثة عن والحق أن العديد من أجوبة تشف عن فلسفته أو مبدئه في الوجود، هي ظالل طائشة تتهادى في

. الذهن لتصل إلى ضوء يجلو ظالل الوهم والغموض، ويتمثل في األجوبةوحين تنتقل األسئلة إلى ذهن الفنان شاعرا كان أو مصورا، ال تبقى في إطار

باألجوبة، وإنما تسعى إلى التعبير عن صاحبها من خالل ذهنه وال تكتفيأعماله الفنية، فتنزاح عن ظالل السؤال وضوء الجواب لتغدو ظالال أكثر تعقيدا وضوءا أكثر سطوعا، ألنها تنتقل إلى المتلقي فتتزاوج مع ظالل فكره وإضاءات نفسه، وبقدر ما تثير الغموض لديه وتشغل ذهنه يحقق الفنان

إلى إتقان لعبة الضوء والظل في ) الشاعر والمصور(ويصل الفنان . ايتهغتدرجات النسب بينهما، من خالل قراءته الخاصة لما يحيط به وأسلوب محاكاته لألمور، وإذا مررنا مرورا سريعا ببعض الفنانين الذين

شاعر وحاكوا بواطن األفكار والم،)١("الغموض والدقة والفلسفة في الفن"أدخلواواالنفعاالت، فبدوا منصهرين فيها ومتميزين بحساسية وجودية عالية، يستوقفنا، من الشعراء أبو تمام والمعري، ومن المصورين رامبرانت في التقائهم في أسلوب مشترك في التعبير من خالل تشكيالت وإيحاءات الضوء

. والظل والعتمة

:تحليل أبيات متنوعة ألبي تمام في شعره بواطن األمور، وخرج على كل مألوف، )٢(محاكى أبو تما

فذهبت طائفة إلى "فحير النقاد في دراسته وتعددت آراؤهم في تفسير أسلوبه،إنكاره تبعا إلنكارها ما خالف عمود الشعر المألوف، وذهبت أخرى إلى قبوله

.٢٣٢نظرية المحاكاة، ص) ١(مايهم البحث استعراض أسلوب أبي تمام في تصوير األفكار واألشياء بالضوء والظل ) ٢(

نظرية (عصام قصبجي في كتابه . من خالل أبيات متفرقة، مستعينين بدراسة د ).المحاكاة

- ٢٢١ -

لما فيه من روح جديد، ولم تحاول كل منهما أن تكشف طبيعة هذا االتجاه ديد وخصائصه، على نحو ما حاول ذلك نفر من النقاد في العصر الج

.)١("الحديثوإذا عدنا إلى التمييز بين محاكاة األشياء ومحاكاة األفكار في الفن،

ماالذي حاكاه أبو تمام؟ أكان يعمد إلى ظاهر األشياء فيصوره على : تساءلناه بالصنعة نحو ما كان يصوره غيره من شعراء الجاهلية غير أنه يوشي

البديعية؟ أم كان يعمد إلى األفكار فيصورها تصويرا فنيا حيا وإن توسل المفردات الحسية إلظهارها؟

يبدو أن أبا تمام، بما عرف عنه من ذكاء فذ، لم يكن يرضى بأن يكون "شعره صورة مألوفة من صور الفن، ومن ثم فقد أراد أن يجعله وسيلة

قف من أفكار دقيقة، وهو بذلك يرضي فنه عندما لتصوير ما يخالج عقله المثيجعله مظهرا لعقله، ويرضي طموحه عندما يطور الشعر من تناوله القريب

فكان إذا أراد تصوير فكرة أورد لها نظيرا .. لألشياء إلى تناوله البعيد لألفكارحسيا يجعلها واضحة في الذهن، وإذا أراد تصوير شيء وضعه ضمن هالة

وض تتطلب من الذهن لطفا معينا إلدراكها، إنه مثال إذا أراد تصوير من الغمإن نورها يبدد : صفة البياض في المرأة الحسناء لم يقل كما يقول غيره عادة

إن نورها يظلم الضياء، وال شك أن الذهن يذهب بعيدا : الظالم، وإنما قال :تماموهو يحاول معرفة كنه هذا النور المظلم وتلك غاية أبي

بيضاء تسري في الظالم فيكتـسي

في الضياء فيظلم ٢("نورا وتسرب(

نلمح في هذا البيت لوحة مرسومة باألبيض المضاء واألسود المعتم، يرسم األسود العتمة فيأتي ضوء جمال الفتاة ليخفف من قتامة العتمة، ويغدو

آراء كل ٢٣٢لنقاد الحديثين، انظر صللتفصيل في آراء ا/ ٢٣١نظرية المحاكاة، ص) ١( .شكري عياد. عمر فروخ، د. شوقي ضيف، د. طه حسين، د. من د

.٢٣٥ - ٢٣٤: نظرية المحاكاة) ٢(

- ٢٢٢ -

وحين يشرق تظلم أنوار ضوءا خياليا في قوته ال يماثله ضوء في الوجود الوجود كافة، ثمة ظالل واهية يلونها الرمادي، تتجلى في حواف ظليلة فاصلة بين قتامة األسود ونصاعة األبيض، نلمحها متمثلة في لحظة سريان الضوء في العتمة، المرافق لسريان الفتاة في الظالم، إنها اللحظة الفاصلة بين مجيء

مة المحتاجة إلى ضوء يؤكد وجود ظاللها الضوء المبدد للعتمة، والعتالمتكاثفة، ومن التضاد والتباين بين الضوء والعتمة، وبين األبيض واألسود، تغدو اللوحة معتمة مضيئة في آن معا، لتحكي العتمة المضاءة، وكأن األضداد

لعبة األضداد هي لعبة أبي . يتولد بعضها من بعض، ثم ترجع إلى تيار الحياةي شعره، فإذا كان الموضوع واضحا أمامه أراد إغماضه، فأضفى عليه تمام ف

ظالال فلسفية، وإذا كان غامضا فلسفيا، كشف عنه بإسقاط ضوء الصور .المرئية والمفردات الحسية الواضحة

يشكل أبو تمام أبياته بريشة الضوء والظل، ويزيد ضرباتها أحيانا في وال يكتفي برسم صوره بمفردات النور منطقة الظل فيحيله عتمة قاتمة،

والظالم مثلما فعل في البيت نفسه، وإنما يتجاوزها إلى اإليحاء بالمعنى، فيبث إيحاءات تشبه إيحاءات الضوء والظل في تكاملها، والضوء والعتمة في

:كقوله يتغزل. تناقضها، وتعمل عملها في المخيلةــه ــسن وجنتـ ــظ حـ أالحـ

ـ )١(افتجرحنـــي وأجرحهــ

إذا كان العرف قد ألف أن تجرح الوجنة الجميلة قلب من ينظر إليها، " فإنه لم يألف أن يجرح لحظ الناظر أيضا هذا الوجنة، وإن الخيال ليحار في

أهو تعبير عن شدة وجد الناظر أم رقة وجنة المنظور؟ أم : ماهية هذا الجرح التي تجرح، ثم تغدو عن حياء لحظ الناظر ووجنة المنظور؟ أم عن الحمرة

، أليس )٢("هي أيضا جريحة، فتزداد حمرتها بما يوحيه الجرح من لون الدم؟

.٢٨٦ديوان أبي تمام، المجلد الرابع، ص) ١( .٢٣٨نظرية المحاكاة، ص) ٢(

- ٢٢٣ -

يمكن القول إن أبا تمام في هذا البيت قصد إلى إغماض حقيقة جرح الوجنة بواسطة اللحظ، مستعينا بظالل الغموض إلخفاء ضوء الحقيقة المتمثلة في مفردات

ثالث مفردات اجتمعت في سياق أفضى ) الجرحالوجنة، اللحظ،(حسية واضحة والحق أن أبا تمام قد أتقن تصوير أفكاره باللون . إلى حيرة وتساؤالت عديدة

والضوء والظل إيحاء . )١("اللون نفسه عنده فكرا"األبيض واللون األسود، فغدا .وتشكيال ينم على عمقه وغوصه في بواطن األمور متجاوزا ظواهرها

قلنا إلى تصويره األشياء الظاهرة في الطبيعة ومحاكاتها، وإذا انتاستوقفتنا أبيات مصورة باإليحاءات، على قطعة من النفس ومن الخيال الحي،

:يقول واصفا الربيع ررمرقت حواشي الدهر فهي تم

رليه يتكـسى في حا الثر٢(وغد(

نزلت مقدمة المـصيف حميـدة

الـشتاء جديـدة ال تكفـر دوي لوال الذي غرس الشتاء بكفـه

شائما ال تثمـرالقى المصيف ه

مطر يذوب الصحو منه وبعـده

مطـرارة يمن الغض كادي حوص اء غيـث ظـاهرغيثان فـاألنو

رضمغيث م حووالص هجهو لك

صور حركية بهيجة تروع الخيال وتشي بنضارة الربيع، وكأن النفس تتقلب مع تموجات الربيع الحية وتبتعد عن السكون، وكأنها ترنو إلى حواشي الدهر، لتغفو على يد أبي تمام المستغرق في آيات الطبيعة، بيد أنه سرعان ما

نشأت من كآبة الشتاء، فيالحظ أن بهجة الربيع إنما"يعود إلى لعبة األضدادوجفاف الصيف، ثم يتوقف قليال عند الشتاء الذي طالما ألف أمطاره

وكأن ،)٣("فمن العسير أن تدرك العين مطر الصحو، وصحو المطر.. وثلوجه،

.٢٤٢المرجع نفسه، ص) ١( ١٩٢ - ١٩١ديوان أبي تمام، المجلد الثاني، ص) ٢( .٢٦٢نظرية المحاكاة ص) ٣(

- ٢٢٤ -

الشيء ينطوي على نقيضه دائما، انطواء المطر على الصحو، أو الصحو ة على الضوء، وانطواء على المطر، وانطواء الضوء على العتمة والعتم

. جرح الوجنة على ألمها، وألمها على قدرتها على الجرحيشي وعي أبي تمام لتناقضات الوجود بإبصاره بواطن األمور ال ظواهرها فحسب، وكلما ازداد إدراكه حقيقة بواطنها، ازداد إعجابه بجمالها،

في الغيث كما هو قرين المعرفة، فالعين مثال تدرك الجمال "فكأن الجمال لديهظاهر، ولكن الشعور يتجاوز هذا الظاهر إلى الباطن فيبصر الصحو كامنا فيه باعتبار أنه سيؤول إليه، مثلما يبصر الغيث مضمرا في الصحو، وذلك كله

، وإذا كانت )١("ضمن هالة من الغموض يصعب معها تحليل كنه هذا الشعورغدت مذهبا في شعر أبي تمام، لعبة األضداد في توالد بعضها من بعض قد

عبر عنه تعبيرا تصويريا، فهو هنا في هذه القصيدة يعبر تعبيرا موسيقيا، فظاهر أن منظر الصحو بعد المطر يوحي إلى النفس حقا بأنه مشتمل على "

وكثيرا ما يختلط المطر بالصحو أمام العين ... مطر مضمر لقرب عهده به، فيوحي بالحيرة المنبثقة من حيرة األرض بين )٢("في دورة الطبيعة الغامضة

بظالل ماطرة . المطر والصحو، أال تشي هذه الصورة، في حيرتها وغموضهامندمجة بصحو مشرق؟ ألم يصور أبو تمام أبياته بالضوء والظل دون االستعانة بمفرداتهما؟ ولكنه توسل إيحاءاتهما فشكل صورا تصف مفردات

ا، وتخبرنا بعد تأمل في ظاللها عن صور كامنة وراءها الطبيعة في ظاهرهتحكي الوالدة من الموت، وبهجة الربيع القادمة من كآبة الشتاء، والصحو المنبثق من المطر انبثاق الضوء من العتمة، تغلفه ظالل متنحية تربط الضوء بالعتمة بل باألضداد كافة، وترمي بها إلى الوحدة، وتضفي عليها غموضا

الذي يشبه تنفس الفجر، " الغموض الفني" إنه" ات ميسما في شعر أبي تمام،ب وكل ما يعتمد عليه أبو تمام من ألوان يلتف في ثياب من رباألفكار والصو

.٢٦٣المرجع نفسه، ص) ١( .٢٦٣المرجع نفسه، ص ) ٢(

- ٢٢٥ -

هذا الغموض، بل في ألوان قاتمة من هذه الظالل التي ال تحجب النور، ولكن .)١("ترسله بقدر، فيضفي على كل ما يمسه حسنا وجماال

للمعري" ضجعة الموت رقدة" تحليل قصيدةربما تميل القصيدة إلى الضوء أو العتمة، وتغلب أحدهما على اآلخر،

إذ ال . دون أن تنفي وجود الظالل المخففة من وهج الضوء ومن وحشة العتمة، على الرغم من سيطرة الضوء على مفرداتها )٢(تكاد تخلو قصيدة من الظل

وثمة قصيدة تختصر . ظالل واشتدادها إلى حد العتمةومعانيها أو تكاثف العوالم الظالم في أبيات لتحكي نفس صاحبها الذي لم يكتف الظالم بالتسرب إلى ضوء عينيه وإنما تجاوزهما إلى روحه وفكره، إنه المعري في قصيدته

نموذجا عن العتمة في رموزها المتعددة في التشاؤم ) ضجعة الموت رقدة(البكاء والنواح، وفي تغليب العتمة على الضوء إلى حد انعدامه، وفي والحزن و

هفوات ظل حاول الهرب إلى الضوء فأحاله المعري عتمة قاتمة، عتمة من خبر .الحياة في جانبيها المضيء والمظلم، فاختار المظلم وتوحد به حتى اعتاده صورا تحدثنا عتمة المعري عن حكمته التي تضيء لسامعها أو قارئها

جديدة تنم على ظالل فلسفية فكرية استقاها المعري من خبرته ورؤيته في الحياة، لتغدو عصارة فكر سكبه المعري في أبياته، وتستغرق وقتا إلدراكها

:عند كل امرئ لم تتسن له محاكاة عتمة الوجود، يقول ير مجد في ملتي واعتقـادي غ

)٣(نـوح بــاك وال تـرنم شــاد

ـ ـوشبيه صوت النعـي إذ قي

س بصوت البشير في كل نـاد

شوقي، الفن ومذاهبه في الشعر العربي، الطبعة الرابعة، دار المعارف، . ضيف، د)١( .٢٣٩، ص١٩٦٠القاهرة،

.مثلما ال تكاد تخلو لوحة أو منحوتة من حضور الظل) ٢(وقف على طبعه المعلم شاكر شقير اللبناني، المكتبة المعري، أبو العالء، سقط الزند، ) ٣(

.٦٧، ص)ضجعة الموت رقدة(قصيدة . ١٨٨٤ - المطبعة األدبية بيروت-الوطنية١٥ م-الضوء والظل

- ٢٢٦ -

منطلقا من عقيدته في ) نوح باك، ترنم شاد(يبدأ المعري بلعبة األضداد الوجود،فهو يرى الوجود أضدادا يتولد بعضها من بعض، فتأتي رؤيته مشابهة

كل أضداد الوجود سواء لرؤية أبي تمام، بيد أنها تخالفها في عبثيتها، وفي أن وال رجاء منها، فالنوح والترنم، وصوت النعي وصوت البشير مفردات متحدثة عن الحزن واأللم والبشرى، بيد أنها تشي بالعبثية، فهل يترنم المعري في ذكر حاالت النفس اإلنسانية في تقلباتها الالنهائية والعبثية في آن معا؟ هل

وأساليب التعبير عنها؟ هل يلعن الظالم تحببا به يسخر من المشاعر اإلنسانيةواستغراقا فيه، فيعكسه على الوجود، بدال من إشعال شمعة تدخل الضوء إلى

روحه؟رمز الضوء (يرفض المعري الرموز الضوئية، حتى الحمامة

جعلها باكية نائحة تلبس ظالل الحزن على الرغم من ترنمها )١()والخصباءها بدموعها، ورجع بها إلى فجر الوجود ليعيد مزج الضوء بالغناء، مزج غن

:بالعتمة التي لوال انفصالها عن الضوء لما تمت الخليقةـ غأبكت تلكـم الحمامـة أم نـ

)٢(مياد؟ت على فرع غصنها ال ـ

، تذكر اسمه )الهديل(منذ الطوفان والحمامة ما تزال تبحث عن ابنها نا جريحا، هكذا تكلمت األسطورة، وهكذا أحس بها فيخرج صوتها حزي

المعري متحدثا عن صوت الحمام الذي يبث الحيرة في نفس سامعه، أهو صوت غناء أم صوت بكاء؟ أم هي حساسية وجودية مفرطة امتاز بها المعري فأرسلها إلى لجة الظالم؟ وهل يعقل انتقاله المفاجئ من الحديث عن

عن القبور وسؤاله عن قبور األجداد في األزمنة الغابرة، الحمام إلى الحديث سؤاال ينم على استغراقه وتأمله في فلسفة الحياة والموت، فلعله يشعر أنه مولود منذ األزل وحامل هموم البشرية جمعاء، فهل يستعير ظله من صفات

. تحدث مدخل البحث عن رمز الحمامة في الفكر اإلنساني)١( .٦٧سقط الزند، ص) ٢(

- ٢٢٧ -

ا يسأل األولياء والقديسين في إحساسهم الرفيع بمن حولهم؟ ربما، فحتى أجدادن :عن قبورهم

ـ حذي قبورنا تمأل الرـصاح ه

)١(ب فأين القبور من عهد عاد ـ

ـ ! خفف الوطء ـما أظن أديم ال

ــساد ــن هــذه األج أرض إال مـ ـوقبيح بنـا وإن قـدم العه

ـ د هـوان اآلبـاء واألجــداد ـ

د في أشخاص حقيقيين إذا كان لكل إنسان ظل يمثل الشعوره ويتجس يراهم في الواقع، أو في شخصيات وهمية يخلقها في عقله الباطن، فإن ظل

يناديه المعري هنا ينفصل عنه ويخرج من عقله الباطن، ليتجسد في شخص ما نحن، يحتاج المعري إلى مخاطبة شخص ما ليبث فيه ، قد يكون هو أو)صاح(

مضيئا في تفكيره ومظلما في خواطره وفلسفته وحزنه، ويبدو ظل المعريمشاعره، وهاهو ذا يحذره من مشيته على األرض التي ليست إال أجساد األجداد

:آلت ترابا، ويطالبه بإظهار بعض االحترام فقدم العهد ال يعطيه حق إهانتهم سر إن اسطعت في الهواء رويدا

)٢(ال اختياال على رفـات العبـاد

حيل، بالسير على الهواء، ثمة سخرية باطنة من غرور يطالبه بالمست اإلنسان ورفض غير مباشر الختياله، وإشارة ضمنية إلى أهمية التواضع، تكمل ما سبقها من إشارات إلى العبثية، فالتواضع مهم بيد أنه غير موجود، ولو وجد لسار اإلنسان على الهواء احتراما ألجساد األقدمين وإيمانا بحتمية

.الموت والنهاية الوشيكة المشتركة بين البشرال يرضى المعري بالوقوف عند األضداد فحسب، وإنما يضحك كالقبر

:من تزاحمها، يضحك ضحكا عبثيا ينم على ألم دفين رب لحد قد صار لحـدا مـرارا

)٣(ضاحك من تـزاحم األضـداد

.٦٧المصدر نفسه، ص) ١( .٦٧ سقط الزند، ص)٢( .٦٧صنفسه، السابق المصدر )٣(

- ٢٢٨ -

قبورا مرارا، كذلك يدفن ومثلما يدفن الموتى في القبور التي صارت :المعري ألمه في قلبه الذي اعتاد األلم حتى أحاله ضحكا

ــين ــا دف ــى بقاي ــين عل ودف

)١(في طويل األزمـان واآلبـاد

من تراكم اآلالم إلى تراكم األموات وتزاحم األضداد، ثمة عتمة كعتمة ثم يعكسها على القبر، يجمعها المعري من كل قبور الكون ويسكبها في نفسه،

.نفس صاحبه ونفوسنا على حد سواءوال يكاد المعري يستغرق في العتمة، حتى يظهر رمز ضوئي جديد

يفلت منه، فال يلبث أن يعي وجوده فإذا به يدمجه بالعتمة مثلما ) الفرقدين(دمج الحمامة من قبله، ويضفي عليه القدرة على اإلحساس والمؤانسة، فهو ال

وء من غناء الحمامة ومؤانسة الفرقدين، بيد أنه يفضل صبغ يرفض خير الض :لوحته بالسواد وتغليبه على البياض

)٢(من قبيل وآنـسا مـن بـالد فاسأل الفرقدين عمن أحسا

كــم أقامــا علــى زوال نهــار

ــواد ــي س ــدلج ف ــارا لم وأنإال النور ال يكونوهو يؤكد سوداوية اللوحة، فالنهار ضوء لكنه زائل، و

في السواد، وكأنه ال يدرك جمالية الشيء إال بإيجاد ضده، لينشئ التضاد والتباين من ويخلص إلى نتيجة ناجمة. مؤكدا حضورهما) الضدين(بين اللونين

اندماجه في كل عناصر الحياة، في تقلباتها وتناقضاتها المضيئة والمظلمة :فيقول

ـ كلها الحيـاة فمـا أع ـتعب

)٣(جب إال من راغب في ازدياد ـ

.٦٧ المصدر نفسه، ص )١( .٦٧سقط الزند، ص) ٢( .٦٧ نفسه، ص السابقالمصدر) ٣(

- ٢٢٩ -

وهي نتيجة وصل إليها المعري فقالها بيتا شعريا غدا مثال وحكمة يتداولها كل خبير بأسباب الحياة، ليحاول إقناع نفسه وخلق األعذار لها إن هو

ومن الالفت للنظر هنا في هذا البيت، أن من . أخفق في صراعه مع الحياة أكثر الناس استغراقا في تفصيالت الحياة في أفراحها يؤمن به يكون

وأتراحها، ويكون قد دخل إلى ضوئها وسار في طريقه حتى وصل إلى ، وصل إلى الظل الذي كلما )١("ماوراء كل إحساس وكل مفهوم"ماورائه إلى

ولعل . أوغل فيه مبتعدا عن الضوء، ضاع في العتمة، دون أمل في الخالصى تلك اللحظة المعتمة، إذ نشأت عتمته من ظالل فكره المعري وصل إل

.ورؤاه الخاصة التي اشتدت حتى آلت ظالماوإذا توقفنا عند ضوء العقل الواضح في محاكمته األمور وقراءته الوجود وتساؤالته المظللة وأجوبته المضيئة، وجدنا المعري يستعين به

، فمن عتمة البصر إلى محاوال الوصول إلى ماورائه، فيغوص في الظالم :عتمة الروح والقلب والوجدان

إن حزنا في ساعة الموت أضعا

)٢(ف سرور في ساعة المـيالد

لنتأمل في حكمة هذا البيت، أال يتحدث عن حقيقة ال نعيها وعيا كامال في تفصيالت حياتنا؟ فلماذا الحزن على مفارقة حياة لم تهبنا سوى التعب

ولم الفرح والسرور لحظة الوالدة والمجيء إلى هذه الحياة؟ ولماذا واأللم؟ يبتسم الجسد لحظة فراق الروح؟ ولماذا يبكي الوليد ساعة الوالدة؟

ـ ضجعة الموت رقدة يستريح ال

)٣(ـجسم فيها والعيش مثل السهاد

ى أنحزن على موتانا بينما يرتاحون لحظة الموت، ونفرح بالقادمين إل الحياة ومنغصاتها، على الرغم من بكائهم لحظة الوالدة؟

)١(page: 584 ،Dictionnaire des Symboles .٦٨ ص، سقط الزند)٢( .٦٧المصدر نفسه، ص) ٣(

- ٢٣٠ -

إنمـا ينقلــون مـن دار أعمــا

)١(ل إلى دار شـقوة أو رشـاد

وعلى الرغم من انتقال األرواح إلى دار اآلخرة حيث الرشاد أو الشقاء وهنا يحضرنا قول السيد المسيح حين رد ! كل حسب أعماله في الحياة، نبكيهم

اتبعني اآلن، ودع " : موقف تلميذه الذي أراد الذهاب لدفن أبيه فقال لهعلى، مشيرا إلى عدم إيمانهم باآلخرة، ألنهم لو كانوا )٢("!الموتى يدفنون موتاهم

مؤمنين لما حزنوا على موتاهم، فحزنهم يدل على إنكارهم، وهم أموات على . نفوسهمالرغم من تنفسهم، أموات في روحهم وفي موت األمل في

يعود المعري إلى الحمام، فلماذا الحمام؟ أتمثل الحمامة،في فقدانها هديلها، ضياع المعري؟ أيكون هو الحمامة أم هو الهديل الضائع؟ أكان يرى في العودة إلى نفسه عودة االبن الضال؟ أم كان حواره مع صاحبه يجسد

وغادرت في الفلك؟ ؟ أم عتاب الهديل أمه التي تركته)ظله(حواره مع هديله هل ترمز الحمامة إلى أنيما المعري النائحة المتشائمة؟ ويرمز الهديل إلى ظله الضائع الذي يرغب في مواجهته فيحاول تشخيصه في صاحبه؟ أغلب الظن أن الحمام يمثل نقاط الضوء في الشعور المعري، فمهما اشتدت عتمة

ا بين حين وآخر، بيد أنها روحه البد من ومضات ضوء خافتة تنير ثناياهومضات حزينة نائحة مطهرة آلالمه، وكأنه يروي الكوميديا اإللهية بأسلوبه الخاص، يجد بنات الهديل مصدر العزاء لحظة الموت، وهن اللواتي يحسن

:حفظ الوداد، فيطلب منهن مساعدته على البكاء أبنات الهـديل أسـعدن أو عـد

ــزاء باإل ــل الع ــعادن قلي )٣(س

ــ! إيــه ــأنتن ال ـهللا دركــن ف

لواتي تحـسن حفـظ الـوداد ـ

.٦٨ المصدر نفسه، ص)١( .٢٢الكتاب المقدس، العهد الجديد، إنجيل متى، اإلصحاح الثامن عشر، اآلية ) ٢( .٦٨ ص، سقط الزند)٣(

- ٢٣١ -

ـ ـما نسيتن هالكا في األوان ال

خال أودى من قبل هلك إيـاد ـ ـ ـبيد أني الأرتـضي مـا فعلت

ن وأطـواقكن فـي األجيـاد ـ

غ كل ما في يترنم بالنواح الهادئ المشابه لظالل أحزانه التي تصب الوجود بحزن فلسفي ناجم عن معرفة ودراية، بيد أنه حزن ظليل نابع من ومضة ضوء، فال يكفي اندفاع المعري نحو التشاؤم والعتمة التي بات وجودها حتميا لديه، وإنما يطالب الحمامات باستعارة اللون األسود من الدجى،

وينسجم مع عتمة روحه وفكره من لون الحداد كي يتناسب مع الحزن والنواح وشعره على حد سواء، ويجعل ريشته مخضبة بالسواد ملطخة أية بقعة ضوء

.شاحبة غير قادرة حتى على إضاءة نفسهايتابع المعري قصيدة العتمة في قتامة الظالل وانحسارات الضوء ضمن

سود أربعة وستين بيتا، يترنم من خاللها بأحزانه ويصور لوحة يجتاحها األفي كل تفصيالتها، فال نلمح فيها ألوانا أخرى، باستثناء اللون األبيض الذي

.يصارع من أجل البقاءلوحة رسمت بألوان زيتية، لتخبر الناظر ) ضجعة الموت رقدة(قصيدة

إليها بأن صاحبها انتهى اآلن من رسمها ومهما مرت عليها األيام ما تزال وأن بإمكان الناظر إليها . ضربة فرشاة واحدةألوانها رطبة قابلة للتغيير من

أن يلتقط الفرشاة ويزيد األسود قتامة أو ينقذ ما تبقى من األبيض، يعيد تلوينه ويزيد سطوعه حسب إيمانه وحسب رؤيته الجانب المظلم أو المضيء من

فالمعري جعل األسود متغلغال في ثناياها حتى وصل به إلى المستوى . الحياةومن . ، فبدا جارفا معه نقاطا بيضاء تشي بحمائم تطير في األفق البعيدالثالث

قاتمة ةحلقة العتمة والموت، تنبعث أصوات نواح وبكاء وتتراءى قبور رماديمتناثرة هنا وهناك، وتعم الفوضى أرجاء اللوحة، فاألرض في غليان، وظالل

.الموت متكاثفة تنذر بالنهاية

- ٢٣٢ -

العتمة المضاءة في أماكن متفرقة حسيا، والمضيئة هذا هو المعري مصور لقد تجاوز مستويات التعبير والتشكيل، فغدت قصيدته . في نفس كل قارئ ألبياته

في انحسار ضوئها وقتامة ظاللها المتحولة إلى عتمة ضوءا، غير أنه ضوء .كاشف عن النفس اإلنسانية في خفاياها المعتمة والمضيئة على حد سواء

قدر ألبي تمام أو للمعري أن يصبحا مصورين، لصورا غالبا بأسلوب ولو ، إذ يستطيع الناظر إلى لوحات رامبرانت )١٦٦٩-١٦٠٦(المصور رامبرانت

التباين والتضاد بين الضوء والظالل القاتمة - من الوهلة األولى-أن يرى مس، غريب ففي قلب الظلمة الحالكة ينبجس ضياء حار كأنه أشعة الش".المعتمة

الذي أعطى لرامبرانت clair-obscurكأنه شعلة وسط القتام، إنه التضاد النوراني . من المصورين في عصره)١("ميزة لم يسبقه إليها أحد

لمسنا أسلوب التضاد بين الضوء والظالل القاتمة العميقة في شعر أبي ، من خالل تمام والمعري، وهنا سنحاول إنشاء مقارنة بين أسلوب الشاعرين

.)٢()حارس الليل( من خالل لوحته (*)أبياتهما السابقة، وأسلوب رامبرانت

المجلس األعلى لرعاية الفنون واآلداب والعلوم االجتماعية، بهنسي،عفيف، رامبرانت،) ١( .٢٠-١٩ص

فنان هولندي، ينتمي ) ١٦٦٩-١٦٠٦ (Rembrandt Harmenszoon van Rijnرامبرانت (*)إلى مدرسة الباروك، ويصنف من أعظم المصورين في تاريخ الفن الغربي، امتاز بتعمقه بالطبيعة اإلنسانية وقام بتجسيدها باالعتماد على تقنيات اإلضاءة، أثرت أعماله

وربما لم يأت فنان بعده يوازيه في أسلوب توزيع . في معاصريه، فقلدوا أسلوبه Microsoft ® Encartaانظر ./ الضوء والظل في اللوحة والتعامل مع الصبغ الكثيف

® Reference Library 2005. © 1993-2004 Microsoft Corporation. All rights

reserved) موسوعةEncarta.(

في Rijksmuseum مترا، محفوظة في متحف ٤×٥مساحتها ) ١٢(انظر اللوحة رقم ) ٢( ).١٦)(١٥)(١٤)(١٣( واللوحات .أمستردام

- ٢٣٣ -

: لرامبرانت"حارس الليل"لوحة، سيد )فرانز بانينغ كوك(نفذ رامبرانت اللوحة بناء على طلب الكابتن "

ه ومكانته، وقد بقي بورميرالند، وهو من شخصيات أمستردام البارزين بثروتموضوع هذه اللوحة مجهوال إلى أن عثر بين مخلفات الكابتن كوك، على

أمير بورميرالند الشاب يأمر "لوحة مماثلة تماما كتب عليها العبارة التالية .)١("المالزم فاليردينفن أن يسير جيشه

صورة األمير بمالبسه السوداء ووجهه النير، وإلى " تتضمن اللوحة، وتتوزع أشكال اللوحة )٢("به المالزم وخلفهما عناصر من فرقة عسكريةجان

:ضمن مستوياتها على النحو اآلتييرتدي األمير بزة سوداء ذات قبة . األمير والمالزم: في المستوى األول

بيضاء مزركشة ويضع وشاحا أحمر اللون على كتفه، ويعتمر قبعة سوداء قفا بجانبه، يرتدي األبيض ويحمل سيفا بيده، أما المالزم فيبدو وا. على رأسه

.يأخذ كل من األمير والمالزم موقعا وسطا في المستوى األول من اللوحةنلمح رجال يرتدي بزة حمراء ويمسك بندقية : وفي المستوى الثاني

طويلة يحاول حشوها بالرصاص ويأخذ حيزا له في يسار اللوحة، يناظره في .المستوى الثاني، طبال يقرع على الطبلالجانب األيمن من

رجال محتشدون ينتظرون أمرا ما، ونلمح تناظرا : في المستوى الثالثجديدا بين يمين اللوحة ويسارها في المستوى الثالث، بين رجلين متهامسين في يسارها، وآخرين يتجاذبان حديثا خاصا في يمينها، جميع الرجال

بعات السوداء ويرتدون األسود، ماخال رجلين المحتشدين يعتمرون القعسكريين يعتمران خوذة عسكرية، وثمة عصي طويلة وبنادق وفوضى تسبق

. دخول المعركة

٢٠ رامبرانت، ص) ١( .٢٠المرجع نفسه، ص) ٢(

- ٢٣٤ -

ومن بين المستويات الثالثة في اللوحة تنبثق فتاة مضيئة كالشمس في قوة نورها وحرارتها تبث الدفء في أرجاء اللوحة، شقراء ترتدي ثوبا نفيسا

ا باللؤلؤ والذهب، يضيء أذنها قرط لؤلؤي ويزين رأسها وشاح مطرز مرصعمعلقة )١(ومن الالفت لالنتباه وجود دجاجة ميتة . بخيوط القصب الذهبية

.بشريط ذهبي على خصر الفتاةحين نتأمل موقع الفتاة نصنفها في المستوى الثاني، أو في الحد الفاصل

جودها النوراني الغريب يجعلها خارجة بين المستوى الثاني والثالث بيد أن وووجودها نفسه بين مجموعة . عن المستويات خروج الضوء من قلب العتمة

من هي؟ وما سبب وجودها في كامل أناقتها : رجال عسكريين يجعلنا نتساءلفي هذا المكان؟ نحار من غرابة الموقف، بيد أن شكلها في تفصيالته يذكر

، التي )ساسكيا(شاهد لوحاته، بشكل زوجه كل من قرأ حياة رامبرانت وقصيرة القامة، قصيرة العنق ذات سمنة خفيفة، لها شعر أشقر، وأنف "كانت

مستدير ووجه قليل االنتفاخ، وعينان خاليتان من أي تعبير، وما نراه في صورها من حلي وجواهر كان فعال هو األقل مما كان يستجيب به رامبرانت

وإذا تأملنا في صورة الفتاة وجدنا أن صفاتها تطابق ،)٢("ةإلى طلباتها الملحاحزوج رامبرانت في مالمح وجهها وثيابها وجواهرها ولونها األشقر وقصر قامتها وعنقها وحتى امتالء جسدها، هي ليست فتاة صغيرة وإنما صبية

وربما وضع . قصيرة وما يدلنا على صباها ارتداؤها مالبس تالئم النساء صورة زوجه في اللوحة لقصد رمزي مثلما فعل دالي مع زوجه رامبرانت

حسب التقاليد –في االحتفالية المسارية، و يقود الديك تلعب الدجاجة دورا قياديا )١( أرواح الموتى في العالم اآلخر، ويفتح العيون على النور الجديد الذي –الهيلينية

رمز (٥٨- ٥٧ ص Dictionnaire des Symbolesانظر .يعادل الوالدة الجديدة .)رمز الديك (٨٥والمرجع نفسه ص) الدجاجة

.١٧ رامبرانت، ص)٢(

- ٢٣٥ -

، فالمصورون يختارون أشخاصا يقحمونهم في لوحاتهم لخلق الغرابة )١(غاال وعنصر اإلثارة، فضال عن تحويلهم أولئك األشخاص إلى رموز تحكي أشياء

. دفينة في أعماقهمما أراده سنحاول االقتراب م- في تحليلنا هذه اللوحة -ونحن

أمرا ) حارس الليل(ال تمثل لوحة . رامبرانت حين صور صبية شبيهة بزوجهعسكريا ورجاال مسلحين فحسب، وإنما تبرز قدرة رامبرانت العبقرية على تصوير الروح اإلنسانية الكامنة وراء الوجوه، إذ عرف بقدرته على

وفضال عن تجسيد . ة به في الوجوه المحيط)٢("االنفعال الداخلي والمعنى"إبرازاللحظة االنفعالية في الوجه اإلنساني، تأتي األهمية التشكيلية للوحة رامبرانت في خلقه التضاد بين الضوء والعتمة أو الظالل القاتمة وتجسيده العتمة

.المضاءة التي باتت ميسما في لوحاته كافةلعتمة المضاءة، وللتفصيل في الوجوه اإلنسانية وانفعاالتها وفي تشكيل ا

آثرنا اإلشارة إلى التقنيات العالية المستخدمة في تصوير اللوحة والتي وظفها المالزم، الرجل ذو الرداء (رامبرانت في إبراز ثالث شخصيات أساسية

، وهذه الشخصيات نفسها اهتم رامبرانت برصد )األحمر، الفتاة النورانيةضيفا إليها وجه األمير الذي اهتم انفعاالتها النفسية ومثلها في وجوهها، م

.بانفعاله وأهمل تفصيالت شكله ولباسهيبدو في كامل أناقته وكأنه مدعو إلى مأدبة في قصر من : المالزم - ١

ومن المثير لالنتباه اهتمام رامبرانت . قصور النبالء، ال إلى معركةمطرزة فثمة وصف دقيق للحواف ال"بتفصيالت زي المالزم اهتماما مفرطا،

، نفذها رامبرانت )كساء من الجلد يغطي الساق(بالذهب واللؤلؤ وللطماق مستخدما اللون األصفر المذهب لتطريز الحلقات الصغيرة المحيطة بالرداء،

.)٢٧(، انظر المثال رقم )العذراء( رسم دالي غاال بدل العذراء في لوحة )١( .١٠رامبرانت، ص) ٢(

- ٢٣٦ -

واللون البني لتأكيد خطوطها الدقيقة في مناطق الظالل، ثم أضفى عليها ،)١(" األبيض الزيتيلمسات األصفر المذهب وبضع ضربات متناثرة من اللون

فضال عن زخارف السيف وزركشات الخيوط البيضاء والزرقاء في أسفل بدا رامبرانت في تصويره زي المالزم مطرزا أكثر من كونه مصورا، . الغمد

وبإنشاء مقارنة بسيطة بين زي المالزم وزي األمير، نجد أن رامبرانت عني ير إذ اكتفى بإلباسه األسود مع عناية فائقة بزي المالزم، وأهمل زي األم أبدى اهتماما - في الوقت نفسه –وشاح أحمر وقبة بيضاء مزركشة، بيد أنه

بالغا بتفصيالت وجه األمير ورصد حالته االنفعالية مقارنة بوجه المالزم الذي .بدا هادئا مصغيا غير مبال

إلنشاء "يبدو ارتداؤه األحمر ضروريا: الرجل ذو الرداء األحمر - ٢التناقض الكبير مع صورة الفتاة، إذ تبدو صورة الرجل أقل عناية في التفصيالت مقارنة مع صورة الفتاة، استخدم رامبرانت اللون البني من خالل ضربات ريشته على زي الرجل ليبرز األحمر مضيئا والبني مظلال، فخلق

أظهره في ضربات من خالل اللون األحمر الشفاف والبني الداكن التباين والريشة الواضحة في األماكن الحمراء المشرقة واألماكن البنية الداكنة، فأبرز

، بينما نلمح العتمة القاتمة تلون الجزء )٢("طيات الثوب وأضفى الضوء عليهاالسفلي من جسد الرجل لتبدأ من ساقيه وتنتهي بأقدامه وتشي بإهمال

ورة الفتاة، واهتمامه بالجزء القريب رامبرانت تفصيالت الرجل البعيدة عن صمنها إلنشاء التضاد، أما وجه الرجل فيوحي بالجدية واالهتمام بالحدث، إذ يبدو منهمكا في متابعة يده وهي تحشو البندقية، أما عيناه فال تخلوان من

.القلق

(1) MORRAL- ANDREW، The History and Techniques of The Great Masters- RAMBRANDT- Tiquer Books- international- London- 1989- page: 36.

(2) The History and Techniques of The Great Masters، REMBRANDT، p: 34

- ٢٣٧ -

سر اللوحة، وبؤرة ضوئها، تقترب في دقة : الفتاة النورانية - ٣وقد حاول . زي المالزم، في الزخارف والتالعب باأللوانتفصيالت ثوبها من

الدافع الرمزي الغريب للدجاجة الميتة المعلقة بخصر الفتاة "رامبرانت إبرازمن خالل استخدام األلوان المشرقة المشكلة تناقضا قويا مع تدرجات األلوان

قية الرجل ذي القاتمة في الصور المحيطة بالفتاة، والسيما القسم السفلي من بندثمة إشراق في ثوب الفتاة وريش الدجاجة أنجزه رامبرانت . الرداء األحمر

باستخدامه اللون األصفر المذهب، بينما رسم التطريز الفني في قبة الثوب من خالل التنوع في ضربات الفرشاة القوية، ومن الخطوط الدقيقة على حاشية

قليل من الصبغ األبيض الكثيف القبة تبرز إشعاعات خفيفة للون األزرق و، من خالل أسلوبه التقني العالي في التعامل مع األلوان )١("لتزيد الشكل إشراقا

وفي لحظة التأمل في وجه الفتاة . المشرقة والداكنة لخلق العتمة المضاءةنلمس تعبيرات متناقضة، فثمة ترقب في العينين وإشراق في الوجه فضال عن

رسومة على الشفتين، تسرح عيناها في األفق البعيد لتتوجه ابتسامة خفيفة م نحو األمير فتحكي قلق االنتظار، هل تنتظر األمر منه - في الوقت نفسه -

كبقية الرجال؟ أم تترقب الحدث متوقعة النهاية؟ أترمز إلى إلهة من آلهة سبب ؟ النعرف معرفة يقينية "أنيماهم"الحرب أو النصر؟ أم إلى ظل الرجال و

وجود الفتاة في اللوحة، ربما هي المرأة شكال في ذاتها ومعنى في جميع فثمة ترابط قوي بينها وبين األمير تشي به انفعاالت نفسه المشابهة . الرجال

النفعاالتها، وجه األمير يوحي بالدهشة واالستغراب المشوبين بالقلق والترقب، راب من أمر ما يخص أهو قلق إزاء الحدث المنتظر؟ أم دهشة واستغ

المالزم؟ إذ تبرز حركة يد األمير،الممتدة إلى األمام، دعوته المالزم إلى البدء في الحركة تجاه الحدث وتؤكد رغبته في خوضه، بيد أنها رغبة قلقة مترقبة

.في آن معا

.٣٥ المرجع نفسه، ص )١(

- ٢٣٨ -

: قسم رامبرانت تشكيالت الضوء والعتمة والظالل في لوحته قسمينويتمثل في . األولى، التناقض بين الضوء والعتمةقسم شامل يبرز من اللحظة

إضاءة الفتاة والمالزم ووجه األمير، وتوهج األحمر في رداء الرجل فضال أما القسم الثاني من التشكيل . عن لمسات الضوء الخافت في وجوه الرجال

. فنجده في كل شخصية من الشخصيات األربعساقط على أشكالها مولدا ينبع الضوء من بؤرة في يسار اللوحة فيت

ظالال متجهة نحو اليمين، وعلى سبيل المثال، نالحظ ظل يد األمير مرسوما بينما نجد الضوء ساقطا على . بدقة على رداء المالزم ومؤكدا إضاءة الرداء

وجه األمير من الجهة اليسرى مبرزا تعبيرات عينيه، ليبدأ بالتالشي تدريجيا اليمنى من وجهه تاركا وراءه الظالل، ومن خالل حتى يختفي في الجهة

.التضاد بين الضوء والظل القائم تنبثق عينا األمير لتبرز انفعاالتهوتستمر تشكيالت الضوء والظل في تقلبات نسبتها لتحقق غاية

.رامبرانت في إبراز االنفعاالت الداخلية وفي خلق العتمة المضاءةناسبة لرامبرانت إلبراز ولوعه فرصة م) حارس الليل(تعد لوحة

الظل والنور، يخلق في اللوحة جو الصباح المبكر، إذ "باألضداد من خالل، فهي )١("يبتدئ النور بالسقوط على الفتاة فتعكس على من حولها نور النهار

النور بذاته في إشراقه وتوضيحه مفردات اللوحة شكال ومضمونا إنسانيا على ا هذه الفتاة النورانية في انبثاقها من قلب الظالم ببيت أبي حد سواء، أال تذكرن

، وأال يحضرنا صراع ..)بيضاء تسري في الظالم فيكتسي نورا: (تمام نفسهالمعري المتمثل في تناقضات الوجود وتزاحم األضداد والعتمة القاتمة، حين

.ننظر إلى المستوى الثالث في اللوحة وما يتضمنه من تزاحم وعتمةنسيج وحده، وعبقرية خارقة "رف رامبرانت بتعدد ميزاته الفنية فهوع

قادرة على الخلق، عميقة في استجالء القيم اإلنسانية في الوجوه، لقد تفوق في

.٢١رامبرانت، ص) ١(

- ٢٣٩ -

ذلك بعد أن ملك ناصية الظل والنور وانطلق يلعب بالضوء على هواه، يح أو ضاربا عرض الحائط، جميع القواعد األكاديمية، فلم يحفل بالتشر

بل آثر االنزياح عن النمط المألوف محاكيا بواطن ،)١("المنظور أو النسب .األمور،غير آبه بالقواعد والتقاليد المفروضة على فن التصوير آنذاك

لعل أسلوب اللعب باألضداد، بالضوء والعتمة أو بالظالل القاتمة ن مفردات تشكيليا ضمن مفردات بصرية في لوحة رامبرانت، وإيحائيا ضمفالغموض . لغوية في شعر أبي تمام، أفضى بهما إلى الغرابة وصعوبة الفهم

الفني في لعبة الضوء والظل لدى أبي تمام التي يغلب عليها اإليحاء أكثر من خالية من مصادر الضوء "الحسية، صورها رامبرانت فجاءت جميع لوحاته

إن لوحاته نفسها . رهاالمرئية، األبواب والنوافذ والمصابيح والشموع وغيمصدر للضوء، وعلى إيقاع هذا الضوء، الذي يبدو وكأنه نابع من اللوحة ذاتها، تنبض الحياة فيها، حياة الصراع األبدي بين النور والظالم، بين الخير

، بين متناقضات الوجود كافة التي تحدث )٢("والشر، بين األفراح واألتراحمستغرقا في عتمة الليل القاتم، حارسا له، وكأنه عنها المعري في أبياته، فبدا

.في لوحة رامبرانت) حارس الليل(

.٣٧ ص،رامبرانت) ١(، )التعبير باأللوان(من كتاب العربي ) رامبرانت يلقي بقفاز التحدي( حمادي، هاشم )٢(

. ١٥٩ ص – ٢٠٠٠ – ١الكتاب التاسع والثالثون، مجلة العربي، ط

- ٢٤٠ -

املستوى احلسي

بواطن األمور فجسد فكره -في المستوى الفكري - حاكى الفنان

وفلسفته في عمله الفني، واستعان بالصور الحسية لتوضيح األفكار الغامضة، فيف حدة الضوء في األشياء الحسية وبالصور الموشاة بظالل الغموض لتخ

.الظاهرةوحين يميل الفنان إلى تشخيص األفكار وإظهار األشياء على حد سواء،

.ويحاكيها صورا ومفردات حسية واضحة، فإنه يقترب من المستوى الحسيلمسنا معالم المستوى الحسي في فن النحت الذي يعد أكثر الفنون

وسة ذات أبعاد، فضال عن أدواته التي تجنح حسية، إذ يتعامل مع كتلة محسغالبا إلى نحت الجسد اإلنساني في تفصيالته الدقيقة، وإن غدت بعض المنحوتات أقرب إلى التجريد والغموض منها إلى الحسية، لما أضفاه النحات من ظالل نفسه وفكره عليها، حين حاكى المشاعر واألفكار الذهنية وجسدها

وأجساد بشرية مطابقة ألحجامها الواقعية، مثلما طابقت )١(في أجسام ملموسةكل من منحوتة الووكون ومنحوتة فينوس مقاييس الجسد اإلنساني، بيد أنها تجاوزت الحسية والمباشرة إلى المشاعر واألفكار ومن ثم تجاوزت فينوس

.)٢٨( المثال رقم)/ القد المضطجع(انظر منحوتة هنري مور ) ١(نحات إنكليزي، مارس النحت مقتربا ) ١٩٥٠ -١٨٩٨ (Henry Mooreوهنري مور

التعبيري الرمزي، يغلب على أعماله همن التجريدية المحضة، وبقي مرتبطا باالتجاانظر اتجاهات .(ي التجريدية الهادئ المريح للنفس والعين، ويعد من موحدعاالنطبا

) ١٣٦الفنون التشكيلية المعاصرة، ص

- ٢٤١ -

جسد المرأة إلى الجمال القدسي الخالد، وتجاوز الووكون جسد الرجل إلى . لم الدفيناأل

والحظنا تأثر فن التصوير في مراحله الكالسيكية األولى بفن النحت من جانبه الحسي الواقعي الملتزم بقواعد المنظور، ومحاولة تقريب األشكال من أحجامها الواقعية، وإضفاء البعد الثالث على األشكال في اللوحة من خالل

.اإليهام بالضوء والظلأين تكمن الحسية في فن الشعر مقارنة مع فني : واآلن إذا تساءلنا

النحت والتصوير في محاكاتهما األشياء الظاهرة الملموسة؟ وجدنا أنها تكمن في قصائد الوصف عموما، وفي قصيدة وصف الجسد اإلنساني خصوصا بيد أن فن الشعر يساعد على اإليحاء أكثر من فني النحت والتصوير تبعا لطبيعة

وية وقدرة الشاعر على التحكم بها، فاأللفاظ نفسها تحمل ظالال أدواته اللغمتنوعة يفتقر إليها فنا النحت والتصوير، إذ يضطر المصور إلى تشكيل الظالل في لوحته مستعينا باأللوان، ويخضع النحات إلى الضوء الحقيقي

.المتحكم بظالل المنحوتة) الفيزيائي(حت ينطلق من الجسد اإلنساني في دقة وإذا كان معيار الحسية في الن

محاكاته، وإذا كان معيارها في التصوير هو تشخيص األشكال وتقريبها من أحجامها في الواقع، فإن الشعر العربي، شفاهيا كان أو كتابيا، يطالعنا بأمثلة متنوعة عن شعراء حاكوا جسد المرأة متغزلين به وواصفين له وصفا دقيقا

ظالل مشاعرهم المرتبطة بقوة الضوء وخفوته، - الوقت نفسه في- وناشرين وبحالة الشاعر لحظة لقائه الجسد، ومن أولئك الشعراء يستوقفنا شاعران

أما امرؤ . جمعتهما المصادفة مع المرأة، هما امرؤ القيس والنابغة الذبيانينظر القيس فيدخل الهودج معها ويتفرد بها، بينما يختصر النابغة تاريخ ال

لحظة تصادف عيناه المتجردة، ولنر كيف نظر الرجالن إلى جسد المرأة، وإلى أي حد اقتربا من المستوى الحسي في وضوح ضوئه، أو ابتعدا عنه

.غائصين في ظالل النفس لحظة لقاء الجسد١٦ م-الضوء والظل

- ٢٤٢ -

:تحليل أبيات من معلقة امرئ القيس

:يجد امرؤ القيس نفسه مع المرأة في الهودج، فيطلب وتستجيب هصرت بفودي رأسها فتمايلـت

)١(علي هضيم الكشح ريا المخلخل

وفي لحظة االستجابة، يالمس جسدا يدفعه إلى الوصف الدقيق :لتفصيالته وكأنه ينحته بإزميل اللغة مهفهفة بيضاء غيـر مفاضـة

)٢(ترائبها مصقولة كالـسجنجل

بكر المقاناة البيـاض بـصفرة ك

غذاها نمير الماء غير المحلـل تصد وتبدي عن أسيل وتتقـي

بناظرة من وحش وجرة مطفـل

وجيد كجيد الرئم ليس بفـاحش

ــل ــصته، وال بمعط ــي ن إذا ه دوأس تنالم زينع يفرفـاحم و

)٣(أثيث كقنو النخلـة المتعثكـل

غدائره مستشزرات إلـى العـال

تضل العقاص في مثنى ومرسل وكشح لطيف كالجديل مخـصر

وساق كأنبوب الـسقي المـذلل

صورته، إذ إذا استثنينا البيت السادس من المقطع، لتداخل الظالل في رسم امرؤ القيس بالظالل خصالت شعر عشيقته، في غيابها وحضورها وفي انثناءاتها وتجاعيدها واسترسالها، فبدت ظالال متقلبة تبدي قليال من الضوء

من خالل ألفاظها - وتخفي كثيرا منه، نجد أن األبيات األخرى تشي ة البطن، فهذه المرأة ضامر. بضوء حسي ساطع في وضوحه-وصورها

لطيفة الخصر، صدرها براق اللون متأللئ الصفاء كتأللؤ المرآة، لونها أبيض تشوبه صفرة كلون بيضة النعام أو لون الدرة الصدفية الكامنة في قعر البحر،

.٢٠ معلقة امرئ القيس، ص-شرح المعلقات السبع) ١( .٢٢-٢١- ٢٠ المصدر نفسه، ص)٢( . ٢٣-٢٢ معلقة امرئ القيس، ص -شرح المعلقات السبع) ٣(

- ٢٤٣ -

أما لمعان جسدها . أو كلون الرخام في نقائه. الممتنعة عن أيدي الغواصينه المرأة تظهر خدا أسيال في بريقه هذ. وانصقاله فمرمر في بريقه وشفافيته

وامتداده، وتنظر إلى الشاعر بعين بقرة وحشية ناظرة إلى أطفالها، وتبدي عن عنق كعنق الظبي وشعر طويل أسود مرسل له ذؤابات كعناقيد النخيل في

.تجعدها، فضال عن امتيازها بكشح ضامر وساق صقيل صافي اللونة الجماعي أدوات لغوية تنم على اختار امرؤ القيس من رصيد اللغ

حسيته المضيئة في وضوحها، فنحت بالكلمات تمثاال، إذا تخيله المرء صورا مرسومة، تنهال عليه صور لوحات المدرسة الكالسيكية الممثلة ألجساد النساء

،أو تحضر في ذهنه منحوتة رومانية )١(العاريات كلوحة ليدا اإلغريقيةقيل وخصرها الضامر وشعرها المرسل وصدرها لفينوس، في جسدها الص

.المتأللئ وساقها الصقيلة، ولونها األبيض المصفر الناجم عن لون الرخامتشي األلفاظ، في قوتها وجزالتها، بكتل رخامية، فحين نلفظ كلمة

فالسين والجيم في وقعهما . نشعر بطرقات اإلزميل على الحجر) السجنجل(الكلمة نفسها يقتربان من تكرار طرقات اإلزميل على السمع وتكرارهما في

، في هدوء الهاء وسكون الفاء )مهفهفة(أما كلمة . على الكتلة لحظة تشكيلهاوتكرارهما في الكلمة، فتوحي بتالعب أصابع النحات على جسد الكتلة في هدوء ونعومة وإدراك يحكي تحول الكتلة الصماء إلى جسد أنثوي قابع بين

حين رسم -وقد استعار امرؤ القيس. عليه التروي والسكينةيديه، يفرض من الظبي عنقه، ومن البقرة الوحشية نظرتها، ومن النخلة -جسد المرأة

ساقها وعناقيدها، ومن المرآة نعومتها وتأللؤها، ومن بيضة النعام أو الدرة حيطة الصدفية لونها، وكلها استعارات حسية تعكس مفردات البيئة الطبيعية الم

وصف ظواهر كثيرة من الحياة، شهدها الشاعر والمستمعون إليه، "به، وتضم

كسوڤوازحوتة فينوس كلدافنشي، وانظرمن" البجعةليدا و" ، يمثل)٢٩(ر المثال رقم انظ)١(Coysevoxالتي سبق وتوقفنا عندها .

- ٢٤٤ -

إذ من غير المعقول أن يشبه الشاعر محبوبته بصور ال يفهمها وال يعرفها ، أو ربما غدت تلك الصور مثال الجمال ومعياره )١("المستمعون إلى شعره

مرأة الشرقية عامة، عندهم، فاتفقوا على مقاييسه التي تحكي مقاييس جمال الفإذا تأملنا الصور الكالسيكية الممثلة ألجساد النساء العاريات، أو المنحوتات اإلغريقية والرومانية المجسدة لهن، الحظنا التقارب بين تلك الصور وبين المرأة الموصوفة في أبيات امرئ القيس، ومهما كانت األسباب، فقد حاكى

ة دقيقة تنم على دقة المالحظة وغلبة الضوء، الشاعر الجسد اإلنساني محاكا –وإن ظهرت بعض الظالل لتوشي بعض الصور، ولتحكي، في الوقت نفسه

ظالال نفسية تخبطت في أعماقه لحظة لقائه الجسد، فنظرة البقرة الوحشية إلى أوالدها تحكي حنان األمومة والعاطفة التي يتمناها امرؤ القيس حتى في

وهنا، تحضرنا أبيات من معلقته، رسم صورها بريشة . جسديةمغامراته الالمتفجع مستخدما ألوان العشق العذري، إذ حاكى الروح وتغنى بعذابات

:النفس أفاطم مهال بعـض هـذا التـدلل

)٢(وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

ــاتلي ــك ق حب ــي أن ــرك من أغ

ي القلـب يفعـل وأنك مهما تأمر وما ذرفـت عينـاك إال لتـضربي

بسهميك في أعشار قلـب مقتـل

. أتختص الظالل برسم صور الحب، لما تحمله من تقلبات واضطرابات ويتفرد الضوء برغبات الجسد لما يكشفه من صور حسية؟ أم أن ظالل نفس

ى في أكثر الصور حسية؟ نلمح بيتا في امرئ القيس غدت فلتات الشعورية حتمقطع وصف جسد المرأة، يؤكد ظالل الشاعر الغافية في عيني البقرة

:الوحشية، حين يقول واصفا جمال روحها وجسدها معا

.٧٥الوعي الجمالي عند العرب قبل اإلسالم ص) ١( .١٦- ١٥شرح المعلقات السبع، معلقة امرئ القيس، ص) ٢(

- ٢٤٥ -

تضيء الظالم بالعـشاء كأنهـا

)١(منارة ممسى راهـب متبتـل

جازي، فهل استطاع الشاعر االنتقال من الضوء الحسي إلى الضوء الم من خالل تشبيهه المرأة بالضوء المبدد للظالم كضوء منارة الراهب الذي يبدد ظالم الليل ويشي باألمان؟ أم أنه ما يزال يالحق الظل في روحها التي فاض

بنورها الجسد؟أغلب الظن أن امرأ القيس يميل إلى حسية األشياء وضوء الوضوح

متقلبة، فمغامراته مع المرأة وقوته وكأنه يتوسل به أقنعة تخفي ظالل نفسه الوغروره وإقبال النساء عليه، حجب يحاول من خاللها إخفاء ظله الذي يبدو لنا طفال ضائعا واهنا يحتاج إلى الرضاعة والحنان ويفلت من أناه الضوئية بصور متفرقة تحكي أمنياته واحتياجاته إلى الحب، وما حديثه مع حبيبته

وما . د منه على روحه المعذب والظامئ إلى قدسية الحبإال تأكي) أفاطم(تشبيهه نظرة المرأة المستجيبة لرغباته بنظرة األم ألبنائها إال توق منه إلى

.نظرة حنان ينقصه فيبحث عنه بين صراعات اللذة وشبق الجسد

" أفروديت السورية" ومنحوتة/ قصيدة المتجردة للنابغة الذبيانية المرء في الكشف عن الخفي، رغبة مشروعة، وسعيه في إن رغب

الوصول إليها يحكي رغباته التي إن أخفقت في التحقق على أكمل وجه، .دخلت خياله أو حلمه ليعوض ما ينقصه

والنابغة الذبياني رجل خبر الحياة في كل أسبابها، وتنقل بين قصور بها فإذا بروحه ينصقل، وإذا المناذرة والغساسنة فدخل الحضارة من أوسع أبوا

.بظالله تصادف فسحات واسعة في نفسه، فتنساب منهاكان النابغة كبيرا عند النعمان، خاصا به، وكان من ندمائه وأهل أنسه؛ "

، فأثارت حركة )٢("فرأى زوجته المتجردة، وقد سقط نصيفها، فاستترت بيدها

.٢٤ ص، شرح المعلقات السبع، معلقة امرئ القيس)١(بة األهلية، مطبعة المكت- ديوان النابغة، شرح األستاذ الشيخ عبد الرحمن سالم)٢(

.٣٤م، ص ١٩٢٩ -هـ١٣٤٧ بيروت -المصباح

- ٢٤٦ -

بين حسية الضوء اليد عاصفة روحه، فإذا به يصفها في صور متناوبة :وغموض الظالل، فيقول

نظرت بمقلـة شـادن متربـب

أحوى، أحـم المقلتـين مقلـد والنظم في سلك يـزين نحرهـا

)١(ذهب توقد، كالشهاب الموقـد

صفراء كالسيراء، أكمل خلقهـا

)٢(كالغصن، في غلوائه، المتأود

لطيـف طيـه والبطن ذو عكن،

ــد بثــدي مقع ــهتنفج واإلتــب محطوطة المتنين، غير مفاضة،

ريا الروادف، بـضة المتجـرد

قامت تراءى بين سـجفي كلـة

كالشمس يوم طلوعها باألسـعد ــها ــدفية غواصـ أو درة صـ

بهج، متى يرها يهـل ويـسجد

مرفوعـة أو دمية من مرمـر،

بنيت بـآجر، تـشاد، وقرمـد ،إسقاطه سقط النصيف، ولم ترد

فتناولتــه، واتقتنــا باليــد

بنانـه ب رخـص، كـأنبمخض

)٣(عنم، يكاد من اللطافـة يعقـد بعيني ظبية فاتنة - لحظة لقائها به -نظرت المتجردة إلى النابغة

ب وبدت مقلدة بالجواهر المنظومة في رقبتها والمتوقدة تضج بالقوة والشباكشهب النار، هذه المرأة لونها مائل للصفرة، وجمالها كامل، تميل بثوبها الحريري كالغصن اللين في ارتفاعه وانثنائه، وفي جسدها المتثني تغرق عينا

نهد في النابغة، فيبدأ بالبطن المتموج في ثنياته وطياته اللطيفة، ومن ثم الغروره وتمرده الذي يجعل الثوب مرتفعا الرتفاعه،فهي تمتلك جسدا مصقوال أملس في متنيه ال وجود للترهالت فيه، بيد أنه ممتلئ يضج بالحياة والخصب، وحين تطل تشبه الشمس في نورها المشرق القوي المنساب من

.٣٥ ديوان النابغة، ص)١( .٣٦ المصدر نفسه، ص)٢( .٣٧ المصدر نفسه، ص)٣(

- ٢٤٧ -

رة الصدفية أو تشبه الد. هي لحظة سعد وراء الحجب في لحظة غير متوقعة،النادرة التي يراها الغواص الباحث عنها زمنا، فيهلل ويسجد فرحا بلقائها، أو تشبه الدمية المرمرية المنحوتة التي رفعت باآلجر والقرميد لتطل على الناظر

إن هذه المرأة في كل صفاتها التقت بالنابغة في لحظة . إليها في جمالها األخاذومن الجدير بالذكر هنا أن النصيف، . قط نصيفهاسعد، ففوجئت بوجوده وس

في المعاجم اللغوية، يعني الخمار أي غطاء الرأس، بيد أن المقدمات، التي بدأها النابغة في وصف المتجردة، تشي بوشاح الجسد ال بغطاء الرأس، وما

إلى جواهرها المرتصفة على - من الوهلة األولى- يؤكد هذا انجذابهفهل سقط النصيف قبل وصف . هدها وبطنها وأردافهاصدرها، ووصفه ن

الجسد أم بعده؟ تخبرنا األبيات أنه سقط بعد رؤيتها وبعد وصف جسدها سقط النصيف، - في اللحظة الموحية –وما بين قبل وبعد . الملتف بالوشاح

فارتبكت وخافت فهي لم تشأ إسقاطه، لذا أسرعت بالتقاطه بيدها في حركة أين الضوء والظل : من رؤية النابغة لخفاياها، والسؤال اآلنرشيقة احتراسا

في الصور السابقة؟ وأين الحسية فيها؟تميل الصور واأللفاظ إلى الحسية في نحت جسد المتجردة في تفصيالته وتتوزع ضمن البيت الثالث والرابع والخامس، وفي البيت الثامن يؤكد النابغة

ة بالمنحوتة، فيستعير ألفاظه من المواد حسية الضوء حين يشبه المتجردالصلدة كاآلجر والقرميد والمرمر الذي يعد مادة النحت في أغلب

.)١(المنحوتاتوعلى مستوى األلفاظ تظهر الحسية في اختيار النابغة ألفاظا جزلة

فالقاف في وقعها على السمع تشي بالقوة ) مقلد، توقد، الموقد، مقعد، اتقتنا() بضة، طية-بطن(د الحسي، وكذلك الضاد والطاء في كلمات مثل والتوق

.يشيان بالجزالة والقوة

.كثر استخدام المرمر في المنحوتات الرومانية) ١(

- ٢٤٨ -

نظرت، (وتأتي األفعال لتضفي على الصور ضوءا حركيا محسوسا تنسكب ظالل نفس النابغة في أبيات تتناوب فيها ). …يزين، توقد، تنفجه، يعقد

ءا ينبثق من ظلمات نسب الضوء والظل، فإذا كانت الدرة الصدفية ضووإذا . المحيطات، فسجود الغواص، لحظة لقائه بها، ظل يحكي مشاعره

استعار النابغة ضوء الشمس ليقول إن المرأة باهرة في جمالها، فهو ضوء أما إذا كانت تنظر إليه بضوء عينيها . يشرق فجأة من بين الحجب المظللة

ل األسود، وتتالعب في عينيها المتقدتين، فنظرتها نظرة ظبية خالط لونها الظظالل الحب والحنان، أما توقد جواهرها النارية المضيئة، فيخفف، حدة

.ضوئها، نحرها في لونه األصفر الباهت مقارنا بلون الذهب المشتعلوتنساب الظالل على مستوى األلفاظ لتالمس بعض المفردات مثل

تجردة بعد سقوط نصيفها وبعد وإذا تابعنا وصف النابغة للم..). أحوى، متأود(رؤية أصابعها، وجدناه يتيح فسحة واسعة لظالل روحه وروحها على حد

:فال نعلم إذا كانت هي المحتاجة أم هو المحتاج إلى حاجة دفينة. سواء نظرت إليك بحاجة لم تقـضها،

)١(نظر السقيم إلى وجوه العـود

ة حاجة كحاجة المريض صورة ممتلئة بظالل روحية عميقة، أثم للشفاء؟ أم ثمة عذاب يشبه عذابه حين يرى وجوه األصحاء حوله؟ هكذا

. نظرت المتجردة موحية بتلك الحاجةثم يصل النابغة إلى بيت يرسمه بالتضاد بين األبيض واألسود، بين

:الضوء والظل القاتم، فيصف شفتيها تجلو بقـادمتي حمامـة أيكـة

)٢( باألثمـد بردا أسـف لثاتـه

.٤٠ديوان النابغة، ص) ١( .٣٧المصدر نفسه، ص) ٢(

- ٢٤٩ -

، فمنهم من قال إن قادمتي )١(اختلف المفسرون في تفسير هذا البيتالحمامة هما إصبعا المتجردة في اللطافة والطول، ومنهم من رأى أنها تستخدم قادمتي الحمامة لتصقل أسنانها بالمسواك، فتكشف عن أسنان بيضاء مضيئة

ومهما كان التفسير، فما يهمنا في ولثة غامقة ذر الكحل عليها لشدة سوادها، هذا البيت لعبة الضوء والظل في رسم صورة تتقلب بين ضوء بياض األسنان

.وظالل الشفة واللثةحين نتأمل الصور السابقة نالحظ تقاربها مع صور وصف المرأة في

تكاد تكون تكرارا للظواهر " فؤاد المرعي أنها. ويرى د. مقطع امرئ القيسأولهما أن هذه : وفي ذلك تأكيد ألمرين. ها في المثال األولالتي وجدنا

الظواهر موجودة في الحياة نفسها، وإن اإلقرار بجمالها إقرار جماعي شامل يعبر عن الذوق الجمالي للمجتمع الجاهلي، وثانيهما أن الشعر الجاهلي شعر

ب شفوي يعتمد فيه الشاعر على مخزون تقليدي جماعي من الصيغ والتراكي وهذا أمر سبق أن أشرنا إليه ويؤكد أن الظواهر ،)٢("في بناء أشعاره

ألنها "لصور امرئ القيس وليست تكرارا لها" تكاد تكون تكرارا"الموصوفة، ويبدأ بإنشاء مقارنة )٣("متميزة بالفعل من الظواهر التي أوردها امرؤ القيس

ئ القيس ومقطع بين الظواهر الموصوفة في كال المثالين، في مقطع امرالنابغة، يقارن بين وصفهما المرأة، في نظرة العين، وفي الضوء، والكف، ثم

الفارق النفسي بين اللحظتين اللتين يصفهما " يشير إلى نقطة مهمة هي

أخذ بهما السواك بقادمتي حمامة في اللطافة يرى أبو بكر أنه شبه اإلصبعين اللتين ت) ١(والطول، أما القتيبي واألصمعي وأبو عمرو فيرون أنها إذا ابتسمت كشفت عن ثغر

انظر ديوان ./ كأنه برد أسف لثاته باإلثمد بشفتين كأنهما في لونهما قادمتا حمامةة للكتاب النابغة الذبياني، حققه وقدم له المحامي فوزي عطوي، الشركة اللبناني

.١٤٧م، ص ١٩٦٩ لبنان،–للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت .٧٦الوعي الجمالي عند العرب قبل اإلسالم ص) ٢( .٧٦ الوعي الجمالي عند العرب قبل اإلسالم، ص)٣(

- ٢٥٠ -

الفارق بين عاشق يتأمل حبيبته وهي مائلة عليه، مستجيبة له، ". الشاعران .)١("ر امرأة جميلةوبين شاعر يخطف بصره، وبمحض المصادفة، منظ

يتحكم الفارق النفسي بظالل النفس عند كل من امرئ القيس والنابغة، فيرى امرؤ القيس الحنان في عيني المرأة، بينما يرى النابغة قوة الشباب

الهادئ المنعش المنبعث من منارة الراهب "فيهما، ويرى امرؤ القيس الضوءنتشله من الضياع، أما النور الذي المتبتل يوحي للتائه في الظالم باألمن وي

إنه نور . يصفه النابغة فنور الشمس الطالعة من وراء الحجب على غير توقعباهر ولكنه متميز عن نور الشمس التي تطلع في كل يوم ألن إشراقه حدث

والنابغة ال يرى كف المرأة كما رأى امرؤ القيس كف " ،)٢("في لحظة سعديد حبيبته تتحرك آمرة، ناهية، فيصف بنانها بأنه فامرؤ القيس يرى . محبوبته

أما النابغة، فال يرى غير كف . رخص، لين، ناعم، غير غليظ وال كزالمتجردة المندفعة التقائه بحركة خاطفة، يكتشف من خاللها لينها ويجتذب انتباهه لون الخضاب على األصابع فيصفها بأنها عنم يكاد من اللطافة

االختالف في الصور على الرغم من اشتراكها في وصف إن هذا. )٣("يعقدجيد الموصوف يمليه الفارق النفسي الذي البد من حضوره ولو مالت القصيدة إلى الحسية في ألفاظها وصورها، فظالل نفس امرئ القيس مختلفة عن ظالل النابغة، ومن الالفت لالنتباه أن امرأ القيس في رسمه صورتي النظرة وضوء

رة، يبدو أقرب بظله إلى الهدوء والسكينة، على عكس شخصيته المناالصارخة المغامرة؛ بيد أن النابغة في وصفه النظرة والضوء المتمثل في إطاللتها وجواهرها، يقترب من صخب الشباب وتوقده على الرغم من مكانته

فما سبب التناقض بين الظاهر . السامية التي تشي بشخصية هادئة رصينة

.٧٧ المرجع نفسه، ص)١( .٧٧المرجع نفسه، ص) ٢( .٧٨المرجع نفسه، ص) ٣(

- ٢٥١ -

طن عند الشاعرين؟ إنه ظلهما الذي يحكي رغائبهما الدفينتين ويسعى إلى والبا تحقيقها، فينكشف فلتات ظلية متوزعة في أبيات متفرقة تشي بها صور

.توسلت الحسية أحيانا إليضاحهاونالحظ أمرا آخر، في لحظات تأمل صور النابغة في وصف

لمرأة من تفصيالت المتجردة، وهو اقتراب أبياته في تفصيالت جسد امنحوتات فينوس عموما، في إخفائها نصفها السفلي بوشاح حريري، ومن

في حركة – التي مررنا بها سابقا -خصوصا ) كسوڤازكو(منحوتة فينوس يدها لحظة التقاط الوشاح قبل سقوطه خوفا من كشف مايجب إخفاؤه، فضال

صور األبيات من المنحوتة، قلنا تقترب. عن تشكيل أصابعها الطويلة الناعمةأقام إقامة "األول أن النابغة: ولم نقل تطابقها في التفصيالت، وذلك لسببين

، وربما يكون قد رأى، في قصورهم، تماثيل )١("طويلة في الحيرة ولدى الغساسنةفانطبعت صور . رومانية والسيما في قصور الغساسنة المتأثرين بالرومان

د أن الفترة التي عاش فيها النابغة تتراوح بين عامي التماثيل في مخيلته، بيم وهي فترة السلطة الكنسية عند الرومان التي حرمت العري في ٦٠٤ -٥٥٠

.أجساد التماثيل، فغدت أغلب المنحوتات الرومانية آنذاك مغطاة باألثوابأما السبب الثاني فيرجع إلى أسلوب النابغة نفسه في تصوير جسد

ل رؤيته تمثال جسد أنثوي قفزت إلى أبياته لحظة رؤية المتجردة، فلعالمتجردة، وجعلته يربط بين الصورتين، فذهب بخياله بعيدا ليصف المتجردة وكأنها تمثال، والدليل على ذلك أن النابغة حاكى المتجردة ووصف أجزاء جسدها بالترتيب، وكأنه يصف تمثاال من أعاله إلى أسفله، متقيدا بالقاعدة

الشيء يجب أن يحاكى بحسب ترتيب أجزائه، فتكون محاكاته " القائلة إنبالقول كمحاكاته بالرسم من حيث ترتيب أجزائه على ماهي عليه في

.٢٧٣المعارف بمصر، الطابعة السابعة، صالعصر الجاهلي، دار شوقي،. ضيف، د) ١(

- ٢٥٢ -

ألن المحاكاة بالمسموعات تجري من السمع مجرى المحاكاة ..")١("الطبيعةح بالمتلونات من البصر، وقد اعتادت النفوس أن تصور لها تماثيل األشبا

، وهذا ما فعله النابغة حين صور تمثاال في ذهنه ودمجه )٢("المحسوسةبصورة المتجردة وقام بمحاكاته فبدأ بالعينين القابعتين في الرأس، وانتقل إلى

األبيات من األول إلى (الرقبة فالصدر فالنهدين فالبطن فاألرداف بالترتيب ن الجسد، وكأن شيئا ما ، وتوقف فجأة عند بداية الجزء السفلي م)الخامس

أوقفه، فانتقل إلى االستغراق في جمال المتجردة المتمثل في الجزء العلوي من ، وبينما هو مستغرق في وصفها )األبيات السادس والسابع والثامن(جسدها

بالدرة والدمية والشمس، يسقط النصيف فجأة فينتبه إلى مايخفيه بلمح البصر، ذي أوقفه سابقا عند األرداف، يفاجأ النابغة وفي لحظة سقوط النصيف ال

بحركة يدها الدفاعية، فيحاول الهرب، من رهبة الموقف، إلى أصابعها وربما تحكي األبيات األخيرة من القصيدة اللقاء الجسدي . ونظرتها وشفتيها

بين النابغة والمتجردة، وال نعرف إن كان النابغة قد نظمها أو نسبت إليه من ل اليشكري، بيد أننا نستطيع القول إن النابغة بعد رؤيته كل تلك قبل المنخ

المفاتن بات متمنيا في أعماقه حدوث اللقاء الجسدي فإذا كانت األبيات من نظمه فهي حلم عاشه يشي برغبته تجاهها، وإن كانت من نظم المنخل

اث، فهي وليدة صور وصفها النابغة وسمعها المنخل فأكمل األحد)٣(اليشكري . مؤكدا سقوط نصيفها السفلي

.٢١٤نظرية المحاكاة، ص) ١(يرى حازم " :، وكما أسلفنا في المدخل١٠٤منهاج البلغاء وسراج األدباء، ص ) ٢(

إما أن تكون بأن يتصور في الذهن شيء " القرطاجني أن طرق وقوع التخييل بالنفسبأن يحاكى فتذكر به شيئا، أومن طريق الفكر و خطرات البال، أو بأن تشاهد شيئا

أوخطي أو ما يجرى مجرى ذلك، أو يحاكى لها ⇐ ⇐لها الشيء بتصوير نحتي .٩٠-٨٩ص ." / صوته أو فعله أو هيأته بما يشبه ذلك من صوت أو فعل أو هيأة

. المنخل اليشكري عاش في قصور المناذرة كالنابغة وشاهد تماثيلهم)٣(

- ٢٥٣ -

واآلن، هل يكون من الجرأة أن نفترض أن النابغة في كثرة تنقالته والعراق ومعاينته معالم الحضارة، قد رأى تمثال فينوس ةوسفره بين سوري

.السورية؟ ) أفروديت( ثمة تمثال يرجع إلى القرن األول قبل الميالد ويمثل اإللهة أفروديت

تستند في وقفتها " )١ ((STATUE D’APHRODITEA LA TORTUE)السوريةالمتمايلة على ساقها اليمنى، فيظهر جزء من وركها األيمن بوضوح، أما ساقها اليسرى فتبدو منثنية بخفة وليونة، على قدمها المستندة بدورها على

ترتدي وشاحا رقيقا يلف الجزء السفلي من جسدها فيكشف عن . )٢("السلحفاةيرتفع ليكشف عن ركبتها اليسرى، ويلتف "ها وخصرها وبطنها، ثمورك

لتتجمع طياته تحت نهديها، فيبدو في حركته كاشفا عن تفصيالت جسدها ليشكل في ثنياته عقدة تحت الذراع اليسرى "، ويعود الوشاح)٣("بوضوح

وينسدل حتى يصل إلى أعلى الفخذ األيمن، فيغطي الساق بانثناءات طويلة .)٤("واضحة

جميع منحوتات أفروديت تظهرها عارية في الجزء العلوي من جسدها، كاشفة عن نهديها، أما هذه المنحوتة فتخفي النهدين بوشاح رقيق يشف عن ارتفاعهما وشكلهما الكروي، وتساعد طياته على إبراز معالمهما بوضوح

ي من أما النصيف الذي يغطي الجزء السفل. لتضفي اإلثارة على المنحوتةالجسد، فيوشك على السقوط، ولوال عبث األيام بذراعي أفروديت ويديها، لبدت ممسكة به مانعة سقوطه، إذ بدأ يكشف في حركته عما يخفيه النصيف،

. سم، موجودة في متحف اللوفر في باريس٦٥، طولها )١٧( انظر المنحوتة رقم )١()٢ (Syria memoire et civilisation- flaqmmarion- Paris- 1993- p322. )٣( Syria memoire et civilisation- flaqmmarion- Paris- 1993- p322 .٣٢٢ المرجع نفسه، ص)٤(

- ٢٥٤ -

ومن الجدير بالمالحظة هنا اشتراك هذا التمثال مع تمثال فينوس الرومانية، .)١("رمزا لأللوهية"في السلحفاة والسلحفاة تعد

ما الصفات المشتركة بين تمثال أفروديت والمتجردة؟ : ؤال اآلنوالسيتمثل اشتراكهما في صفات الجسد األنثوي وأجزائه، الجسد المصقول ذي

، والبطن المتموج في طياته اللطيفة، والنهد في )لون المرمر(اللون األصفر بالغصن ارتفاعه الذي جعل الحرير يرتفع، فضال عن الوقفة المتمايلة الموحية

كل ذلك يخلق تقاربا بين تمثال . المتأود، وبانبثاق الشمس من الحجب .أفروديت اإللهة والمتجردة

إن النابغة رأى المتجردة فانفعل بجمال جسدها : وصفوة القولووصفها، فهل ساعدته صورة أفروديت في رسم صورة المتجردة؟ أم أنها

لبيئة الجاهلية؟المقاييس الجمالية والظواهر المشتركة في اربما استخدم النابغة مقاييس جمال المرأة المشتركة عند الجاهليين، مثلما استخدمها قبله امرؤ القيس، بيد أننا نستطيع االفتراض أن النابغة رأى

: جسدا أنثويا منحوتا، قد يكون جسد أفروديت أو غيرها، فأشار إليه في قوله أو دمية من مرمـر، مرفوعـة

ـد بوقرم ،تـشاد ،رنيت بـآج

كل ما يمكن أن يراه المرء "وفي أثناء لقائه السريع بالمتجردة اختصر ، فتمنى إيقاف الزمن، وتحويل الجسد إلى )٢("في نظرة واحدة إلى جسد المرأة

وفي هذه اللحظة، غدا مصورا ضوئيا يرى اللحظة . حجر ليهبه الخلوديدها، أونحاتا أثاره جسد أنثوي فانفعل به وأعاد المنسابة أمامه فيحاول تجم

.)٣(تشكيله من المرمر

٣٢٢المرجع نفسه، ص ) ١( . ٧٧رب قبل اإلسالم صالوعي الجمالي عند الع )٢( باالنتهاء من وصف الجسد األنثوي عند النابغة وامرئ القيس، نكون قد انتهينا من )٣(

.عن الشعر الشفاهي الجاهلي وبدأنا نماذج الشعر الكتابي، حسب خطة البحث نموذجين

- ٢٥٥ -

ولم يتفرد النابغة في انشغاله بالمرأة ومحاكاته لها جسدا ونفسا في شعره، فالمرأة شغلت الرجل منذ فجر الخليقة، وغدا وجودها مرتبطا بوجوده

وقد . ويكملهضمن عالقة جدلية تكاملية، يستلزم أحد طرفيها وجود اآلخررأينا أهمية صورة المرأة عند اإلنسان من الجانب النفسي، فهي األم التي تنبثق منها كل تجليات الذات اإلنسانية، فتنعكس على عالقة الرجل بأناه وظله وتؤثر في اختياره صورة امرأته التي تتجاوز صفة الحبيبة أو العشيقة أو

لعاكسة دوافعه األنثوية ورغباته الزوجة إلى أبعد من ذلك، إلى أنيماه اوعند الفنان، تكاد المرأة تشغل أغلب موضوعاته، فقلما نجد لوحة أو . الجنسية

منحوتة أو قصيدة تخلو من وجود المرأة جسدا ورمزا وإيحاء لتتقلب محاكاتها بين التصريح الحسي والتلميح الغامض، أو تبتعد أبعد من ذلك لتغدو إشارات

.موقف الفنان تجاههارمزية تحكي وثمة شاعر كادت المرأة تحتل دفاتر أشعاره، في تفصيالت كيانها الجسدي والنفسي حتى وصل بها إلى نفسه، فباتت عندها وجها من وجوه

إنه الشاعر نزار قباني الذي آثرنا الوقوف . الالشعور، وال نبالغ إن قلنا أهمهاعرية والتصويرية والنحتية المنجزة عنده، قبل الولوج إلى النماذج الفنية الش

األول أن ثمة قصيدة لنزار : والموثقة والتي يحاكي بعضها بعضا، لسببينحاكاها مصور بأدواته الخاصة في لوحة، فصنفت ضمن النماذج المنجزة

أننا مادمنا في إطار المستوى : والثاني. والمقاربة بين الشعر والتصويرة عمل الضوء والظل في نفس نزار وإلى أي الحسي، فال بد من توضيح آلي

.حد اقترب من ضوء الحسية أو ابتعد عنه إلى ظالل الالشعور

- ٢٥٦ -

للشاعر نزار قباني"اختاري" حتليل قصيدة

يرفض نزار الحدود، كما يرفض أن يصنف في مدرسة أو مستوى، فوية، بطفولة، وع)١("نقرأ القصيدة كما ننظر إلى القمر"وهو الذي يطالبنا أن

يخبرنا أن القمر في هذه الليلة ليس كالقمر في ليلة البارحة، وحين . واستغراق .)٢(ننظر إليه، يسكن زوربا في عيوننا

ويتحدث نزار عن القمر ليفسر الفرق بين الحدس والعقل أثناء قراءة هذا الينبوع المفضض الذي يذر على الكون جدائل ":األشياء أوقبولها فيقول

إنك تفتح قلبك له، . يحدث لك ولي ولكل إنسان حالة حبيبة مالئمة.. الياسمينأكثر من ) الجميل(وتغمس أهدابك في سائله الزئبقي دون أن تعرف عن هذا

ولو اتفق أن أوضح لك فلكي سر القمر، وأجواءه، وجباله الجرداء، . أنه قمرته، وقممه المرعبة، وأدار لك الحديث عن معادنه، ودرجة حرارته ورطوب

.)٣(.."إذن ألشفقت على قلبك، وأسدلت ستارتكوهو الذي يخرج الشعر من المدرسة األخالقية كيال يختنق بأبخرة

، ألنه إذا )الشعر الجيد(للنابغة عن حديقة ) المتجردة(المعابد، أويبعد قصيدة اتبع القواعد األخالقية وجب عليه لعن النابغة، وعده ضاال ال يستحق أن تقرأ

.)٤(ته وأشعارهسير

ثة الطبعة الثال– بيروت – منشورات نزار قباني – لديوان طفولة نهد رمن مقدمة نزا )١( ١٢، ص ١٩٨٩والعشرون

و "زوربا"زوربا شخصية ابتدعها الروائي نيكوس كازانتزاكس في روايته الشهيرة ) ٢(تمثل هذه الشخصية اإلقبال على الحياة بزخمها الكلي دون تردد أو تأمل، بحيث يغدو

. الفعل بديال عن الفكر . ١١ مقدمة طفولة نهد، ص)٣( . ٢٣المصدر نفسه، ص) ٤(

- ٢٥٧ -

مثله يشترك معه في اإلنسانية، وتوجد ) إنسان(يعترف بأنه يكتب ألي بين خاليا عقله، خلية تهتز للعاطفة الصافية، وللواحات المزروعة وراء مدى

أريد أن يكون الفن ملكا لكل الناس كالهواء، وكالماء، وكغناء " :الظن، يقول). الفاضلة (لتكون جانب مدينة الفارابي) ةبالمدينة الشاعر( ويحلم ،)١("العصافير

وفي سبيل هذه الفلسفة يكتب كي يرد قلبه إلى طفولته، ويتخير ألفاظا مبسطة، مهموسة الرنين، ومن أوزان الشعر ألطفها على اآلذان، يلخص نزار غايته

إذا أحس القارئ بأن قلبي صار مكان قلبه، وانتفض ":من كتابة الشعر فيقول هو، وأنه يعرفني قبل أن يعرفني، وأنني صرت فما له وحنجرة، بين أضلعه

فلقد أدركت غايتي، وحققت حلمي األبيض، وهو أن أجعل الشعر يقوم في كل .)٢(.."منزل إلى جانب الخبز والماء

إذا أردنا تصنيف نزار وشعره ضمن المستويات : وهنا يستوقفنا سؤالة سنقف عند إحدى قصائده لدراسة الثالثة ففي أي مستوى يصنف؟ ولإلجاب

تشكيالت الضوء والظل والعتمة فيها، ولنتبين أسلوب نزار في محاكاته .األشياء واألفكار على حد سواء، ومدى وضوحه أو غموضه في معالجتها

:يقول لها )٣(فاختاري.. إني خيرتك

..مابين الموت على صدري أو فوق دفاتر أشعاري

بأ.. اختاري الحبو الالح..

.٢٤ المصدر نفسه، ص )١( . ٢٦ مقدمة طفولة نهد، ص)٢(" من مجموعة" اختاري" قباني، نزار، األعمال الشعرية الكاملة، المجلد األول، قصيدة)٣(

، ١٩٨٣، منشورات نزار قباني، بيروت، الطبعة الثانية عشرة، أيلول "قصائد متوحشة . ٦٤٥ص

١٧ م-الضوء والظل

- ٢٥٨ -

..فجبن أن ال تختاري ال توجد منطقة وسطى

…مابين الجنة والنارخيرت المرأة هنا فحارت، ومن ظالل حيرتها ينبثق ضوء نزار في

علنا " إنني أرفض أنصاف الحلول":وضوحه ورفضه ألنصاف الحلول، ألم يقلي اعتدالها وتوسطها إنه هنا يرفض الظالل ف. )١()هاملت شاعرا(في قصيدته

إما على صدره حيث - بعتمة الموت -لقد خيرها . بين الضوء والعتمةالضوء والدفء والحب، أو فوق دفاتر أشعاره حيث التقلبات والجنون

خيرها بين الحب أو الالحب، وبمعنى آخر، بين الضوء والالضوء . والالثباتالكره وهو : ا، هو لم يقلالذي قد يكون عتمة او ظالال متدرجة في قتامته

الالحب، فأتى بتعبير يشي بالحيرة، ولو وجد الالحب : نقيض الحب، وإنما قالبين المحبين كان أكثر صعوبة من الكره، ألن الكره انفعال وشعور وقوة

فهل يشير . فاعلة، كما الحب، بينما الالحب هو الالفعل والسكون والموتعدم الذي سيحيق بها إذا تركته واختارت إلى ال- من خالل نرجسيته -نزار

.الفراق؟ ويؤكد حين يتهمها بالجبن إذا هي رفضت االختيار، ليجعلها تختارفيؤكد ... »مابين الجنة والنار«ثم يعود إلى إنكار أحد النقيضين

إصراره على الوضوح في صور انفعالية تحكي صراعا حادا بين ضوء :لعاطفة التي التعرف حداالمنطق واتخاذ القرار، وظالل ا ارمي أوراقك كاملة

وسأرضى عن أي قرار ..قولي

"، قصيدة"قصائد متوحشة" ن مجموعة األعمال الشعرية الكاملة، المجلد األول، م)١( .٦٧٧، ص"هاملت شاعرا

- ٢٥٩ -

..انفعلي ..انفجري

ال تقفي مثل المسمار ...ال يمكن أن أبقى أبدا ...كالقشة تحت األمطار

حين ترمي أوراقها كاملة، تكون في لحظة كشف، فتسقط الضوء على إلى الجنون فيعكسه عليها ويشخصه في كل ماتخفيه، ويدفع غموضها نزارا

تصرفاتها وفي الكالم، واالنفعال بل االنفجار، فسكونها يفقده أعصابه ولذلك بيد أنه اليمكث طويال في دائرة . يشبهها بالمسمار الحديدي في بروده وثباته

كالقشة -اليمكن أن أبقى أبدا(الضوء، ليبدأ بإظهار ضعفه وحيرته ويعترف ).رتحت األمطا

في هذه -تفلت منه ظالل نفسه لتخبرنا عن الشعوره فيغدو أسلوبه . محاكيا األشياء الملموسة ليتوسل بها التعبير عن الضعف اإلنساني-الجملة

أهناك ضعف يشبه ضعف القشة، إن نسمة خفيفة قد تطيح بها، فكيف بسيل اء كل مافي من األمطار الهائجة، أمطار الحيرة والقلق اإلنساني، القلق إز

الوجود، إزاء المجهول المنتظر، وإزاء شيء ما خفي يشعرنا دوما بالضعف ترهقنا، تخيفنا، . وبأننا قشة تحت األمطار، أو ريشة تتالعب بها يد األقدار

:تبث فينا الشعور بأن الدرب طويلة وأن النهاية غامضة ومجهولة وخائفة.. مرهقة أنت مشواري.. وطويل جدا

يستمر نزار في التعبير عن الظالل، راميا نفسه في بحرها، وكأنه :يحدث ذاته الحبيبته

غوصي في البحر، أو ابتعدي

- ٢٦٠ -

البحر من غير دوار ..الحب مواجهة كبرى

...إبحار ضد التيارصلب ..وعذاب ..ودموع

..ورحيل بين األقماراالبتعاد عن الحلول الوسطى، يعود إلى الحوار، فيطالبها باالختيار وب

تحكي . ، غوصي أو ابتعدي)أكون أو الأكون(فيلجأ إلى أسلوب هاملت ظالل االضطراب، لكنها في معناها -في هذا المقطع–الصورة الشعرية

تبحث عن الضوء، في تحديده األشياء، ووضوحه ودقته، فالغوص في البحر تعاد يعني الشاطئ واألمان هو غوص في ظالل الحب والمجهول الخفي، واالب

ووضوح الرؤية، إال أنه يرغب رغبة الشعورية في دفعها إلى الغوص على الرغم من تحذيره من دوار البحر وأمواجه فاإلبحار والغوص يحتاجان إلى الشجاعة وحب المغامرة واالنزياح عن كل مألوف، يحتاجان إلى التمرد

أللوان العذاب، وهنا ) مواجهة كبرى (إنهما كالحب تماما. والوقوف ضد التياريبدو نزار متلذذا بتعداد ألوان العذاب، فمن الصلب وهو من أقسى أشكاله إلى الدموع والحزن والرحيل والضياع، بيد أنه عذاب جميل، ينقل صاحبه بين

يرسمه . األقمار، هو الحب في حلوه ومره، في آالمه اللذيذة، وأحزانه العذبةالظل، فيختار األقمار للضوء الحميمي الهادئ، والظالل للبحر نزار بالضوء و

.واضطراب أمواجهيمكن إلنسان، رفض السكينة وأنصاف الحلول في حياته، أن يبقى ال

في تشكيالت الضوء والظل طويال، اليمكن لنزار الثائر النرجسي المتلذذ في في -قت نفسهفي الو– والمتلذذ -في مازوشية غريبة من نوعها -عذاباته

عذابات اآلخر بسادية واضحة، أن يقبل االعتدال، فالتطرف واالنزياح يسريان في نفسه ويحددان معالم شخصيته، يصحو من استغراقه في البحار واألقمار،

:ليعود إلى نزقه وتمرده

- ٢٦١ -

يا امرأة.. يقتلني جبنك تتسلى من خلف ستاربفي ح إني ال أؤمن

الثوارال يحمل نزق ال يكسر كل األسوار

ال يضرب مثل اإلعصار ..لو حبك يبلعني.. آه

مثل اإلعصار.. يقلعنيأيعقل االنتقال من القمر إلى القتل؟ أهكذا يرفض األقنعة والحجب

ويتهمها بالجبن ألنها واقفة خلف ستار؟ ماماهية هذا الستار؟ ) خلف ستار( أهو ستار الهدوء الذي يخفي العاصفة أم ستار وماذا يخفي؟ لم يحدد نزار،

الوهم الذي يخفي الحقيقة؟ أهو ستار األنثى ذاتها الذي يشف عن كل شيء إال عن حقيقتها؟ أغلب الظن أن نزارا نفسه اليعرف، إال أنه ستار فحسب، أما الذي يخفيه وراءه فال يعرفه، ولو عرفه لما ثار جنونه معبرا عن إيمانه في

عاصف نزق كاإلعصار يجتاح كل مايصادفه، لو عرف واستطاع حب الوصول إلى ضوء الحقيقة، لما تأوه متمنيا أن يبتلعه حبها ويقتلعه، فهو لم يكتف بكونه قشة تحت األمطار، بل آثر العنف واإلبادة والفناء، أيطلب الحب

.الميت؟ أم يتمنى الموت في لحظة حب صادقةظله في هذه القصيدة، ووصل من خالله أواجه نزار : ولنتساءل

؟ أعرف أن ظله طفل مشاغب صبياني، يرسم ويخربش )المرأة" (أنيماه"إلى :شعوره، فتحدث عن أفعاله حين قال في موضع آخر على جدار ال

- ٢٦٢ -

ك تلميذ شيطانب١(ح( ريتسلى بالقلم األحم

يرسم أسماكا من ذهب رونساء من قصب السك

مرسطاحونا، وحصانا.. ي خترتبسا يوطاو ميرس..

عارية.. وامرأة يرسم ..من المرمر.. ولها ثديان

ويخربش فوق جدار الشمسوال يرتاح ..رجوال يض..

وإنما جعله رداء . ربما لم يخاطب حبها، في األبيات السابقة، فحسبمحتاج إلى وجود المرأة في حياته، يحتاج إلى يغطي ظله، ذلك الطفل ال

باالبتعاد حينا، ) اختاري(االلتصاق بها، على الرغم من مطالبتها في قصيدة واالعتراف بسيطرته عليها أحيانا كثيرة حين يكون تحت سيطرة أناه الضوئية

كالنرجسية : يعكس ظل نزار، في األبيات السابقة، بعض صفاته. الواعية، والرغبات )يخربش فوق جدار الشمس(، والتعالي )طاووسا يتبختر(والغرور

نساء من قصب (الممتزجة بحالوة اللذة ) أسماكا من ذهب(تجاه المرأة ).السكر

، بقناع الوضوح، فيستعين بالمفردات )اختاري(يتقنع نزار، في قصيدته دة في وتكاد تغلب الحسية على القصي. الحسية ليخفي وراءها ظالل الشعوره

خيرتك، جبن، انفجري، (ألفاظها وصورها، فعلى مستوى األلفاظ يختار نزار

، "قصائد متوحشة" األعمال الشعرية الكاملة، المجلد األول، من مجموعة) ١( .٦٨٣، ص"باألحمر فقط"قصيدة

- ٢٦٣ -

ألفاظا جزلة، فحروف ) مسمار، قشة، صلب، نزق، ثوار، أسوار، إعصار .الخاء والجيم والقاف تشي، في قوتها، بالحسية والمباشرة

أما التشابيه كاإلعصار والثوار والمسمار، فتحكي نفسها في ابتعادها لطافة الظالل وتكثر األفعال في القصيدة لتضفي عليها ضوءا حركيا عن

خيرتك، تقتلعني، يبلعني، يقلعني، انفجري، انفعلي، (محسوسا في هيجانه ).يضرب

تتخبط الظالل في صراع مع الضوء ينتهي بانتصارها على الرغم من زار كل مفردات الضوء الموحية بحضوره الطاغي على الظل، ولعل حديث ن

مع المرأة، هو حديثه مع نفسه، حين يلومها ويؤنبها في صراعها وفي تطرفها، وما تأكيده العصابي على الوضوح واتخاذ القرار إال اعتراف

كما . ولو كانت حبيبته موجودة وحائرة وجبانة. الشعوري بضياعه وحيرتهوء الساطع يقول فمن الذي دفعها إلى التعلق بكل أشكال الظل؟ أال يدفعنا الض

المحرق إلى الهرب منه طالبين راحة الظل؟إن نزار قباني يميل إلى المستوى الحسي في تعبيراته : صفوة القول

وألفاظه، وإلى المستوى الالشعوري في معانيه وصوره، فال تكاد تخلو قصيدة لنزار من روائح الريحان والياسمين والقهوة، ومن شبق الجسد وثورة

نبالغ إن قلنا إنه من بعد امرئ القيس والنابغة، لم يأت شاعر الغرائز، وقد اليتناول تفصيالت جسد المرأة، ليس وصفا له فحسب، وإنما انفعاال به وتدميرا له مع إعادة خلقه وتكوينه، مثلما فعل نزار، فهو لم يكتف بنحت النهد من

وإنما تسرب . المرمر أو رسم الشعر الغجري األسود، وتشكيل الوجه والعينين، وتحدث بلسانها معبرا عن )١ ()مثلما قطرة الندى تتسرب(إلى جسد األنثى

صار (انفعاالتها وانفعاالته بها، وحتى عن إحساسها حين تبلغ وتصبح أنثى

أين "، قصيدة" قصائد متوحشة"األعمال الشعرية الكاملة، المجلد األول، من مجموعة) ١( .٦٩٥ص" أذهب

- ٢٦٤ -

، لقد تجاوز المستوى الثالث، فال إطار لوحة يحبسه )١ ()عمري خمس عشرةنه يسعى إلى نحت قبيلة من النساء وال كتلة حجرية تكفيه لنحت جسد أنثوي، إ

.في جسد امرأة واحدة، في جسد المستحيلهكذا عبر نزار عن المرأة وعن عالقته بها، فهل يستطيع المصور تصويرها باللون والضوء والظل، مثلما صورها نزار بالكلمات؟ وهل يقدر على تجسيد عالقة الرجل بها من خالل قراءته قصائد نزار؟ وإن قرأها، فكيف يصور انفعاله بها؟ أيصف أم يستوحي ويعبر بأسلوبه الخاص؟ هذا ما

.سيتضح في الفصل القادمهكذا تناوبت المستويات في األعمال الفنية، وغلب أحدها على اآلخر عند الفنان، فمال إلى الحسية لغلبة الضوء، وإلى الفكر والتأمل لغلبة العتمة

. عور من خالل الرموز أو الصور المظللةالمضاءة، وإلى تجسيد وجوه الالش) قصيدة أو منحوتة أو لوحة( أهمية العمل الفني - في هذا الفصل–وتبين لنا

في سبر غور النفس اإلنسانية وكشف دوافعها وهواجسها ورؤاها، وأهمية الضوء والظل، من خالل تفاوت النسب بينهما، في الجمع بين أساليب

الخليقة يشتركون في أنماط أولية تدخل في فالبشر منذ فجر. الفنانينلتظهر في أعمالهم كافة، . الشعورهم الجمعي، فيتناقلونها عبر العصور

عناصره (ويعد الفن في أدواته ووسائطه . وتحكي تجاربهم ورغباتهم، عمال يشف عن اشتراك الفنانين في موضوعاتهم، فهل شاهد لبيد )التشكيلية

ا فكرة الرموز الحيوانية؟ أو هل تعرف كل من أبي تمام لوحة دالي ليأخذ منهوالمعري برامبرانت وأسلوبه في العتمة المضاءة؟ ثمة ما جمعهم، إنه أسلوب التعبير عن النفس والموضوع المحاكى، وهنا جاءت آلية عمل الضوء والظل

ما يجول في النفس اإلنسانية لتخلق رابطا خفيا بينهم، ولتدفعهم إلى التعبير ع .في أذهانهم

. ٣٩٢، ص" حبيبتي"، من مجموعة"لوليتا" نفسه، قصيدةبقالساالمصدر) ١(

- ٢٦٥ -

فالتعبير إنساني، قبل أن يكون فنيا، واإلنسان يختزن في الشعوره الجمعي كل تجارب البشرية األولى وأحالمها وأهوائها ورغباتها وغرائزها، بحيث تبقى قابعة في األعماق تلتمس الفرصة للظهور كلما وجدت ظرفا

رفة أن ينطوي على البدائية األولى مناسبا، ومن ثم يمكن إلنسان الحضارة المتالتي تظهر أحيانا ظهورا مفاجئا مناقضا لكل ما حوله، كظهور الضوء الساطع من بين الظالل، وأحيانا أخرى ظهورا مناسبا ومتسقا مع الحضارة،

.كانسياب الظالل واتساقها مع الضوءقدان في أعماق إن البدائي والطفل أمر واحد في عالم الفن، ألنهما را

الفنان، وملهمان لتجربته وأحاسيسه منذ فجر الوجود وحتى عصره الحالي وربما كان الخوف من الكهف عند اإلنسان البدائي هو الظل القاتم في . األخير

لوحات الفنانين وأحزان الشعراء، أو ربما كانت طمأنينة البدائي النابعة من " رامبرانت" وضوء" مونيه" سضوء النار ووهج الكواكب هي إشراقة شم

.الدافئ

- ٢٦٦ -

- ٢٦٧ -

الضوء والظل حوار الفنون

حوار الفنون-١ . أمناط الشعر التصويري-٢ . شروط الدراسة التحليلية للنماذج املختارة من حوار الفنون-٣ . النماذج املختارة-٤ . احلوار بني التصوير والشعر-١

) ر وضاح السيد وقصيدة لنزار قبانيلوحة للمصو( . احلوار بني الشعر والنحت-٢

).قصيدة عمر أبو ريشة، متاثيل معبد كاجوراو اهلند ( . والتصوير م احلوار بني الشعر والرس-٣

لوحات رباعيات /رباعيات اخليام ترمجة وديع البستاني .اخليام للمصور بيكارلوحات املصور الفارسي / ة الفارسية رباعيات اخليام باللغ

.حجت ا شكيب . اخلالصة-

- ٢٦٨ -

- ٢٦٩ -

الضوء والظل حوار الفنون

أسئلة كثيرة تتبادر إلى أذهاننا حين نقف أمام لوحة تصويرية أو منحوتة وننفعل بها، وربما نتمنى امتالك لسان شاعر لنستطيع التعبير عما

شاعر أمام هذه اللوحة أو أمام هذه هل وقف : رأت عيوننا ولعلنا نتساءلالمنحوتة، فحاورها قصيدة شعرية، وهل يقرأ المصورون والنحاتون الشعر، ويعبرون عن تأثرهم به من خالل أعمالهم؟ قد نمضي وال نعرف الجواب،

أن الحوار بين الفن التشكيلي والفن الشعري : وإن حاولنا البحث عنه تبين لنا الفنون، وإن كنا نالحظ اليوم علو صوته، واشتداد نبرته، حوار قديم في تاريخ

وتاريخ األدب الغربي مليء بالقرائن التي تؤكد هذا الحوار، . وامتداد مساحتهاألعمال التشكيلية قد حركت الوجدان الشعري، فحاول أن يخلدها، أو "فكم من

ردنا اإلصغاء ، حتى إننا إذا أ)١("يعبر عن انطباعه عنها في صيغ لغوية فنيةحين يصف درع آخيل، خيل إلينا أنه يصف درعا حقيقيا، " هوميروس"إلى

.)٢("على الرغم من زعم الروايات أنه كان أعمىولعل غزارة الشعر األوروبي بالموضوعات المحاكية لألعمال التشكيلية

مع قديمها وحديثها، تفسر لنا اهتمام النقد الغربي بهذا الحوار، مقارنة الدراسات النقدية العربية التي تحمل في جعبتها العديد من القصائد العربية المحاكية لألعمال التشكيلية العربية والغربية، فضال عن القصائد التي تحمل

. وإن كان د. معالم الشعر التصويري في صورها وألوانها وحركتها وسكونها

.٦قصيدة وصورة، ص) ١( - ١٩٨٤ -٧٧الشعر اإلغريقي، سلسلة عالم المعرفة الكويتية رقم : أحمد. مان، دتع) ٢(

.١٥٧ص

- ٢٧٠ -

التصويري، في كثير من عبدالغفار المكاوي قد صنف أنماط الشعر العربيالحذر، ضمن مايسمى قصيدة الصورة، ووصل إلى ثالثة أنماط صنفها وفق

:يلي ما

النمط األول يضم قصائد من الشعر العربي القديم، توضح آراء النقاد - ١والفالسفة العرب في مسألة العالقة بين فني الشعر والتصوير، وتقترن

ذا النمط أبو نواس في قصيدته بتصوير أو عمل فني محدد، ويمثل هالسينية التي يصف فيها كأسا ذهبية حافلة بتصاوير فارسية، والبحتري في رائعته التي يصف فيها إيوان كسرى، والمتنبي في قصيدته التي قالها في مدح سيف الدولة أثناء مقامه في أنطاكية، والتي يصف فيها خيمة أو

وصور أنواع مختلفة من مظلة نقشت عليها صورة ملك الروم،النماذج الفنية السابقة تقربنا "المكاوي أن. ويرى د. )١("الحيوانات الوحشية

من قصيدة الصورة دون أن تفي بمقوماتها، أو تتيح المقارنة الجمالية بين .)٢("النص اللغوي واألصل الفني الذي أتت عليه يد الفناء

عربي الحديث، ويتفرع بدوره إلى النمط الثاني ويضم قصائد من الشعر ال- ٢نوع يحتوي قصائد حاولت أن تشكل : ثالثة أنواع من الشعر التصويري

ويمثل هذا النوع "نفسها على غرار الصورة دون التقيد بصورة محددة،" تقرير تشكيلي عن الليلة الماضية"الشاعر صالح عبدالصبور في قصيدته

توحي عمال فنيا محددا، وإنما ، إذ يصف وال يس"شجي الليل"من ديوانهيشكل بكلماته وإيقاعاته وبنية عباراته صورة مؤلفة من ثالثة مقاطع، يقدم أولها عناصر الصورة من اللون والحركة، وإطار االكتئاب المحيط

ثالثة "بها، وينضم إلى هذا النمط الشاعر عبدالوهاب البياتي في قصيدته

المكاوي القصائد السابقة في تلك . يعرض د٣٩ -٣٥انظر قصيدة وصورة من ص) ١( .الصفحات

.٤٠المرجع نفسه، ص) ٢(

- ٢٧١ -

، فينظر بعين الرسام ويصور "لى الطينالكتابة ع"من ديوانه" رسوم مائيةبريشته ولكنه ال يقدم تقريرا تشكيليا، وال يعنى بالجانب الشكلي على

.)١("اإلطالقاستكشاف األلوان والخطوط واإليقاعات في عالم "أما النوع الثاني فيعتمد

فنان دون التقيد بصورة محددة، ويمثل هذا النوع الشاعر أحمد عبدالمعطي ، التي تتألف من قصيدتين متصلتين "آيات من سورة اللون"في قصيدتهحجازي

، وكتب الثانية سنة "سيف وانلي" للرسام١٩٧٤كتب الشاعر أوالهما سنة للفنان عدلي رزق اهللا، وعاش من خالل القصيدتين في عوالم ١٩٧٧

التصوير، في ألوانه حين تعانق إيقاعاته، وتستسلم لرؤى المصور وأحالمه، بر عن افتقار الشاعر اللون الذي يتنفس بالحياة والحرية ويتفجر ثورة وع

:منتظرة حاكاها في أبيات تحمل إيقاعات قرآنية قل هو اللون"

في البدء كان .)٢(" وسوف يكون غدا

من " إلى بابلو بيكاسو"ويأتي الشاعر عبد الوهاب البياتي مع قصيدتههذا النوع من قصيدة الصورة، ومثله لينضم إلى " النار والكلمات"ديوانه

من " المرور في شوارع سلفادور دالي الخلفية"الشاعر حميد سعيد في قصيدته ".األغاني الغجرية"ديوانه

أما النوع الثالث فهو الذي يستلهم لوحة دون التقيد بعناصرها أو موضوعها األصلي ويمثل هذا النوع الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في

، "كائنات في مملكة الليل" من ديوانه" جيرنيكا أو الساعة الخامسة" قصيدتهالتي كتبت " تحت جدارية فائق حسن" والشاعر سعدي يوسف في قصيدته

.٤٧ -٤٦ نفسه، ص السابقالمرجع) ١( .٥١المرجع نفسه، ص ) ٢(

- ٢٧٢ -

تحت رسم جداري لفنان عراقي، وكأنما هي نقش أو تعليق شعري، وال نستطيع أن نجزم بشيء عن مدى ارتباطها بموضوع اللوحة وتفصيالت

للونية والشكلية واإليقاعية، ذلك أن الشاعر، لم ينشر صورة اللوحة تكويناتها ا . )١("مع القصيدة

عبد الغفار . هذه هي أنماط الشعر العربي التصويري مثلما صنفها د، فاكتفى باستعراضها دون عرض "قصيدة وصورة"المكاوي، في مقدمة كتابه

بل . صفا وانفعاال وتعبيرااألعمال التشكيلية التي تأثر بها الشعراء فحاكوها وآثرعرض األعمال التشكيلية الغربية مقترنة بقصائدها المتأثرة بها والمحاكية لها، والمترجمة إلى اللغة العربية، مع وعيه خطر الترجمة التي تبعد النص األصلي في أدواته ومعانيه عن النص المترجم، ومن ثم تنشئ جسرا واهنا

المكاوي قد قدم سجال . شكيلي المحاكى، وبذلك يكون دبينه وبين العمل الت .ضخما يشي بأهمية الحوار بين الفنون

ونحن في هذا الفصل نعي أهمية هذا الحوار، لذا سنحاول إكمال ما بدأه المكاوي في البحث واالستقصاء عن األعمال الشعرية العربية المحاكية . د

األعمال التصويرية المحاكية للشعر لألعمال التصويرية والنحتية، فضال عن العربي ومحاولة البحث عن أنماط جديدة لقصيدة الصورة، انطالقا من مادة البحث وفرضيته األساسية المتمثلة في آلية عمل الضوء والظل النفسية

. والتشكيلية على حد سواء - مثله مثل الشعر األوروبي–فالشعر العربي غزير بهذه الموضوعات

ما يحتاج إلى إلقاء قليل من الضوء على ظالله المترامية وقبل الوقوف عند وإنالنماذج الفنية المختارة، على سبيل المثال ال الحصر، البد من توضيح الشروط التي دفعتنا إلى انتقاء هذه النماذج ودراستها التحليلية، وتتمثل شروط

:الدراسة فيما يلي

.٥٤- ٥٣قصيدة وصورة، ص ) ١(

- ٢٧٣ -

أي إن النماذج المنتقاة هي نتاج القرن الحداثة بمعناها التاريخي - ١ .العشرين

.القصائد المختارة كتابية وهذا ال ينفي إمكانية إلقائها: الكتابية- ٢فثمة إرادة واعية لدى الفنان في ممارسة العملية اإلبداعية : القصدية- ٣

.في أحد الفنين، انطالقا من الفن اآلخرن الفنون، فثمة أعمال تشكيلية انطلقت تنوع اتجاه العالقة أو الحوار بي- ٤

.من الشعر، وقصائد شعرية انطلقت من األعمال التشكيلية

وتتمثل الشروط السابقة في ثالثة حوارات فنية، حوار بين لوحة وأبيات شعرية لنزار قباني، وحوار بين ) وضاح السيد(تصويرية للمصور

د كاجوراو في الهند، ومنحوتات معب) عمر أبو ريشة(قصيدة شعرية للشاعر أما الحوار األخير فيدور بين لوحات تصويرية للمصور حسين البيكار تقترب من الرسم أكثر من التصوير وتحاكي رباعيات الخيام المترجمة إلى العربية على يد األديب وديع البستاني، ويضاف إليها لوحة تصويرية فارسية تحاكي

. التصوير وتبتعد عن الرسمالموضوع نفسه، بيد أنها تصنف في فن

: الحوار بين الشعر والتصوير- ١خربشات " وأبيات من قصيدتي)١(للمصور وضاح السيد" قصائد" لوحة

. للشاعر نزار قباني"حبوب منومة"و" طفولية

–م، تخرج من كلية الفنون الجميلة ١٩٦٩ –وضاح السيد، فنان سوري من مواليد دمشق )١(معارض وأوفد إلى الواليات المتحدة / ١٠/، أقام ١٩٩٠عام " التصوير"اختصاص

أخذنا هذه اللوحة من . م١٩٩٦فنانين التشكيليين السوريين الشباب عام األمريكية ممثال لللوحة من / ٢٢/ م الذي أقيم في صالة دمشق للفنون، وضم ١٩٩٨معرضه الخامس سنة

نزار قباني، محمد : تستلهم كل لوحة قصيدة من قصائد الشعراء التالية أسماؤهم. مادة اللباد جبوري، محمد عضيمة، ممدوح البياتي، أسعدالماغوط، سعدي يوسف، عبد الوهاب

. عدوان، فايز خضور، أنسي الحاج، أدونيس وآخرون١٨ م-الضوء والظل

- ٢٧٤ -

رأينا في الفصل الثالث وفي فقرة المستوى الحسي، كيف عبر نزار عن ل يستطيع المصور تصويرها باللون المرأة وعن عالقته بها، وتساءلنا ه

والضوء والظل، مثلما صورها نزار بالكلمات؟ وهل يقدر على تجسيد عالقة الرجل بها من خالل قراءته قصائد نزار الذي أفصح مرة عن تقمصه روح المصور والمعماري والموسيقار، وعن تعامله مع القصيدة كلوحة أو عمارة

ط واألشكال، وصارت الحروف عندي تأخذ ركبني هاجس الخطو" :حين قالأشكاال مختلفة، فهي مرة خطوط مستقيمة، ومرة خطوط متكسرة، ومرة خطوط منحنية، وللمرة األولى صرت أفكر هندسيا، وصارت القصيدة عندي

.)١("، وذلك بعد مرحلة كانت حروف األبجدية تمتد أمامي كاألوتار..عمارة عن الشعر؟فكيف عبر المصور في لوحته

للمصور وضاح السيد الذي قرأ شعر ) ٢("قصائد" حين ننظر إلى لوحة نجد ، صورها باأللوان ليخلق صورة القصيدة،نزار واصطفى مختارات منه

لوحة تحكي في بساطة ألوانها وخطوطها، جسدي رجل وامرأة، في حالة ضال عن عناق بارد تشي به الذراعان المتوازيان دون التفاف أو التصاق، ف

.الوجهين المتقابلين دون تبادل القبلينفصل الجسدان في جزئهما العلوي، ويبقى االنفصال بينهما حتى الجزء السفلي، إذ نلمح التصاقا مفاجئا يبدأ من الخصرين وينتهي عند األقدام المختفية في ظالل األلوان المتكاثفة، يرسم الجسدان، من خالل وضعية

جذع شجرة، ومن خالل االنفصال العلوي شكل أغصانها، االلتصاق السفلي في -فيوحي شكلهما بوجود شجرة أوراقها متناثرة محيطة بهما ومشكلة

هالة ضوئية متفاوتة بين شفافية األلوان المضيئة وقتامة -الوقت نفسه

الطبعة - دمشق-العزيز، الشعر بين الرؤيا والتشكيل، دار طالس عبد. المقالح، د)١( .١٩٨٥ -الثانية

)١٨( انظر اللوحة رقم )٢(

- ٢٧٥ -

يحكي وجه المرأة تعبيرات الحياء والضعف والشعور . الخطوط الداكنةا رأسها المائل نحو األسفل، وعينها الناعسة، وشفتاها باالنقياد، ويشي به

المتعطشتان لقبلة والممتنعتان عن طلبها حياء وخفرا، وتشي تعبيرات وجهها ومعالمه بانفعاالتها وشعورها تجاه الرجل، فهي اآلن تنتظر قراره في البدء

هه بالفعل، ويحكي نهدها في حلمته المتوردة النارية رغبتها العارمة تجاأما الرجل، في مالمح وجهه القاسية الموحية . المختفية وراء قناع السكون

ويبدو جسده متصلبا . بالتسلط والتعالي، فينظر إلى المرأة بعين باردة المباليةوهو يقف كالمسمار . في وقفته ومفتقرا إلى مرونة جسد المرأة المنحنية تجاهه

.دون انفعال الجسدين، ويرسم األزرق البارد يلون األبيض المائل للصفرة

فيغدو فاصال بينهما في لحظة االلتصاق، بينما يرسم األسود . خطوطهماالوجهين في تفصيالتهما، ويأخذ البني الغامق الموشى باألحمر، حيزا له في خلفية اللوحة حيث يقبع الوجهان، ويختفي لحظة اللقاء وااللتصاق الجسدي،

اللون األزرق واألبيض، وعلى الرغم من كون لتغلب األلوان الباردة ك .األصفر لونا حارا، فإنه يبدو باهتا بين األوراق المتناثرة

تزخرف اللوحة، في حوافها، تشكيالت األحمر واألخضر لترسم مثلثات صغيرة توحي باألسالك الشائكة، فتحبس الجسدين في إطار حتمية العالقة

.بينهماان عن الحسية والدقة في تصوير أشكال يبتعد المصور قدر اإلمك

اللوحة، ليلجأ إلى التعبير باأللوان والخطوط المنحنية، في لمسات طفولية، تتوزع الظالل البنية في خلفية . ترمز وتعبر، وتبتعد عن التشخيص الدقيق

الجزء العلوي من اللوحة، وتأخذ حيزا لها بين الوجهين وتنعكس عليهما وء الخافت باالنسياب بين أجزائهما، تبدأ قوة الضوء سامحة لقليل من الض

باالزدياد تدريجيا من الذراعين ثم تصل إلى ذروتها في الجسدين حيث

- ٢٧٦ -

االلتصاق المغمور بالضوء، أراد وضاح التعبير باللون والضوء والظل عما قاله نزار، فهل نجح؟

ه وضاح في لإلجابة عن هذا السؤال، ال بد أن نقرأ ما قاله نزار وحاكا :لوحته، قال نزار

)١ (إنني أقدر في بساطة ..أن أرسم النساء في كراستي

بهيئة األشجار هالذي أختار وأجعل النهد

..طيارة من ورقأو زهرة من نار...

..المنتصرة المستأسدة" األنا"هذه هي ..المهزومة المنكسرة" األنا"وهذه هي

)٢(، والمقاعد، والظالمأنا أحدق في الستائر

وأعيش أسوأ حاالت انفصامي ألقي على نهديك نظرة سائح

من غير اهتمام.. وأمر باألشياء ماذا جرى ألصابعي؟

وأنا الذي حركت باللمسات عاطفة الرخام

"، من مجموعة"خربشات طفولية "قباني، نزار، األعمال الشعرية الكاملة، قصيدة) ١(، المجلد الثاني، منشورات نزار قباني، بيروت، الطبعة "أشعار خارجة على القانون

٣١ص .١٩٨٦السادسة، نيسان،

، " أشعار خارجة على القانون"المجلد الثاني، من مجموعة األعمال الشعرية الكاملة،) ٢( ١١٣، ص "حبوب منومة"قصيدة

- ٢٧٧ -

ماذا جرى لزوابعي؟ ..وأنا الذي في ذات يوم

كنت سلطانا على عرش الغرام، نالحظ )اختاري(اء مقارنة بين هذه األبيات والقصيدة السابقة عند إنش

تراخي نزار هنا وقوته الزائفة هناك، ومن بين هنا وهناك، تنبثق أقنعة نزار فال تكاد تخلو هذه . الضوئية التي تشف عن ظالل منكسرة مهزومة ضائعة

ى ظالل خلقت األبيات من معالم الحسية في األلفاظ والتشابيه، بيد أنها تميل إلفضوء . التوازن مع الضوء وتمايلت إلظهاره في كل مقطع من مقاطعها

نزار، في المقطع األول، واضح متمثل في أناه الواعية، ومنعكس على محاكاته ظواهر األشياء الملموسة، ضوء ال يلبث أن يعترف بقوته الظاهرة

النهد طيارة من في كل مغامراته النسائية، فيرسمهن على هيئة أشجار ويجعلورق أو زهرة من نار، وفجأة، ينتقل إلى االعتراف بالضعف واالنكسار المتمثلين في أناه المكسورة المهزومة، فهو اآلن وحيد، يعيش أسوأ حاالت االنفصام، يسلي وحدته من خالل التحديق في األشياء ليعود إلى الحسية، ويجد

القاتمة المظلمة، فيهرب منها نفسه مستغرقة في الظالم، في ظالل نفسه بالعودة إلى الماضي، إلى أمجاده الغابرة، ليدخل دائرة الضوء من جديد، فهو الذي اعتاد التعالي على المرأة، ملقيا على نهديها نظرة عابر، مارا بأشيائها

ما الذي : أما اآلن، فيغدو مواجها ظله الواهن، ويتساءل مستنكرا. دون اهتمامابعه المحركة عاطفة الرخام؟ وما الذي جرى لزوابعه المقتلعة جرى ألص

جذور النساء؟ أين أضواء مجده القديم الذي توجه سلطانا على عرش الغرام؟وجاء وضاح ليصور حاالت التعالي واالنفصام، وتقلبات نفس نزار،

فما الذي فعله؟ موحيا رسم المرأة والرجل على هيئة شجرة، وجعل أوراقها متناثرة،

. بعريها، فغدا الرجل متقاسما الشجرة مع المرأة في لحظة كشف وعري

- ٢٧٨ -

أيعترف وضاح بالعالقة التكاملية بين الرجل والمرأة التي التصل إلى ذروتها إال بالجسد؟ أم أنه فهم نزارا وأدرك أهمية المرأة في شعره وحياته على حد

نه التصاق جسدي تنقصه سواء؟ أدرك رغبة نزار في االلتصاق بها، إال أالعواطف، ألم يعترف نزار بعاطفة الرخام وقدرته الخارقة على تحريكها؟ وهو لم يقل عاطفة الحب وإنما قال عاطفة الرخام أيعترف نزار إذن بسطوة الجسد على الروح وبتحكم الغرائز؟ وهل فهم وضاح كل تلك الصور

ليعي ضرورة تجسيد المرأة ) دنه(و) نساء(والتقلبات؟ أم اكتفى بقراءة كلمتي في اللوحة؟ وإذا الحظنا نهد المرأة في لوحته، وجدنا اشتعال الحلمة النارية

أما الرجل، في تعاليه وتصلبه، فبدا مجسدا . التي وصفها نزار بزهرة من ناراألنا المستأسدة المنتصرة، ولكن أين األنا المهزومة المنكسرة في اللوحة؟

على المرأة ومثلها في تعبيرات الضعف واالنكسار ربما عكسها وضاحوالشعور باالنقياد في وجهها المتألم المنتظر، وفي تصوير جسدها المائل تجاه

فهل استطاع وضاح الوصول إلى ظل نزار وأنيماه المتمثلة في . الرجلالمرأة؟ أم أنه لم يقدر على تجسيد األنا المنتصرة والمهزومة مرتين بسبب

التصويرية وطبيعة فنه المكانية؟ أغلب الظن أنه اكتفى بتصوير األنا أدواتهالمنتصرة التي اعتاد قارئ نزار مواجهتها في قصائده، فجسدها من خالل تصلب جسد الرجل ونظرة عينيه الالمبالية، وجاءت المرأة في لوحته، لتحكي

اللوحة، ومن الالفت للنظر تصوير األصابع في . قوة الرجل وسطوته عليهافأصابع الرجل مختفية وال وجود للمساتها على جسد المرأة، فالوجود وحده

فثمة ما يوحي باألصابع وال يجسدها بدقة، إال أنه . منصب على العناق البارديوحي بأصابع المرأة، أين أصابع الرجل وأين زوابعه ولمساته؟ اختفت بزوال

رخامي ينتظر تحريك عاطفته قوة تأثيره في النساء، فالجسد األنثوي ال .الرخامية، ينتظر اللمس بأصابع رجولية وهمية ال وجود لها

أما حالة االنفصام التي أقر بها نزار، فنجدها مصورة في انفصال هل نجح : الجسدين في الجزء العلوي منهما، واآلن لنجب عن سؤالنا السابق

- ٢٧٩ -

ور أقصى ما يمكن وضاح؟ نعم نجح قياسا على أدواته التصويرية، إذ صفغدا قارئا تصويريا يعبر باللون . تصويره مستوحيا حالة نزار، ومنفعال بهالكن، هل تجرد وضاح عن نفسه . والضوء والظل عن رؤيته الخاصة بنزار

وتقمص نزارا؟ أم أنه سكب روحه ورؤاه في اللوحة؟اإليحاء ينتمي وضاح إلى المدرسة التعبيرية القائمة على التعبير و

باللون، واليمكن لمصور قرر انتقاء نزار وانتقاء هذه األبيات، دون سواها، فأثر . أن يغدو مصورا فوتوغرافيا يحاكي األصل دون إضفاء التغيير عليه

األبيات السابقة في وضاح دفعه إلى جمعها في قصيدة واحدة، وتصويرها نية، فسكب ظالل نفسه وإعادة تشكيلها بأسلوبه الخاص وأدوات مدرسته الف

على الشعر ودمجها بظالل نزار ثم جسدها في اللوحة، مؤكدا وحدة الموضوع بين القصيدة واللوحة، المتمثل في عالقة الرجل بالمرأة، إذ ربما اقتربت عالقته بالمرأة من عالقة نزار بها، غير أنه اختلف عنه في تشكيل

ينما يتفرد الظل بالحقيقة، وهذا الضوء والظل، فالضوء عنده يكشف الزيف، بما أراد نزار قوله بين السطور، وصوره وضاح فأسقط الضوء على اللقاء

. الجسدي الحسي، وأطلق الظالل في ثنايا النفس الممزقة بين الرغبة واالمتناعفإذا كان الظل عند نزار فلتات الشعورية، والضوء أنا واعية، فإن الضوء

. حقيقية واعيةوالظل عند وضاح تشكيالتمحاكاة لمحاكاة أو ظال لظل، في ابتعادها عن منشأ ) قصائد(وتعد لوحة

األبيات، إذ حاكى نزار موضوعه في قصيدتين مختلفتين، وجاء وضاح لينتقي األبيات المالئمة منهما، ويحاكيها في لوحة، بيد أنها محاكاة ظاهرية ألن

ريشة مصور انفعل بها، وعلى الرغم الباطن يخبرنا بإعادة خلقها وتكوينها بمن تجسيده بعض الصور الشعرية، ونقلها إلى اللوحة صورا بصرية موحية

، وتجسيده الفكرة الذهنية )كالحلمة النارية، والشجرة بأوراقها المتناثرة(، استطاع وضاح )االنفصال بين الجسدين(في صورة حسية ) االنفصام(

- ٢٨٠ -

ا مستوحيا متأثرا وراجعا بعالقة الرجل بالمرأة التعبير واإليحاء بأسلوبه، فغد .إلى فجر الخليقة، إلى عالقة آدم بحواء

وخالصة القول إن دراسة أبيات نزار، وتأمل لوحة وضاح، أدت إلى :نتائج تمثل الفرق بينهما وتتلخص في النقاط التالية

تختلف األبيات عن اللوحة في األدوات، وتشترك معها في الموضوع- ١المحاكى، فأدوات الشعر أدوات لغوية تحمل في طياتها ظالال إيحائية تقدم للشاعر القدرة على التحكم والمرونة في التعبير، بينما أدوات التصوير وتقنياته وعناصره التشكيلية، تبقى محصورة في إطار اللوحة المكاني، ومهما أبدع المصور في ترويضها للتعبير عن أفكاره، تبقى

.قرة إلى دينامية اللغة وإيحاءاتهامفت تقترب القصيدة الحديثة الكتابية في تحررها من وحدة النظام في - ٢

القصيدة الجاهلية، من المدرسة التعبيرية التصويرية في تحررها من ) قصائد(قواعد المنظور ومحاكاة األصل محاكاة دقيقة، فلو تأملنا لوحة

، مما يفسح المجال أمام المصور الحظنا انعدام البعد الثالث فيها .والشاعر للتعبير عن الموضوع واالنفعال به

يضفي التعاقب الزمني، في الشعر، على القصيدة حركية ومرونة تسمح - ٣بتشكيل آالف الصور للموضوع الواحد، بينما يفرض التصوير، في طبيعته المكانية، على المصور تشكيل صورة واحدة للموضوع الواحد،

، )١("يحاكي موضوعات لها حجوم وأجسام ترى بالعين"تصويرفالوالشعر يحاكي موضوعات تسمع باألذن وتقرأ بالعين وتسمح للخيال باالنطالق، وهذا ما لمسناه في لوحة وضاح الذي صور النهد والحلمة النارية تصويرا حسيا، وبدا مكتفيا باللون األحمر ليشير إلى اشتعال

عن تصوير النهد كطيارة من ورق في صورة تكاد الحلمة، وعاجزا

.١٧لفنون الجميلة صالشعر بين ا) ١(

- ٢٨١ -

تكون عذرية القترابها من الحلم، وكأن النهد يتالشى بين يدي نزار ليحلق في السماء لحظة نشوة لم يستطع وضاح التقاطها وتجميدها في لوحته، وإن فعل لخرج عن موضوع الجسد وبدا شكل الطيارة الورقية

، بيد أن وضاح استطاع من خالل )١(في جسد المرأة غريبا ومستهجناألوانه، محاكاة برودة القصيدة وعبر عن نزار وحديثه عن قصة هدوئه وعواصفه وتبدد زوابعه، فالنهد الذي كان ينفجر كزهرة من نار، صار محط نظرة عابرة فحسب، واألصابع التي فجرت الرخام، لم تعد تقدر

.على تفجير الجسد اإلنسانييات الشعرية مع اللوحة في تزاحم المفردات اللغوية تشترك األب- ٤

واللونية، وتقابل الكلمة اللون في اإليحاء والداللة والتأثير في النفس، ومثلما تحمل الكلمة في طياتها إيحاء، يحمل اللون الواحد دالالت عدة، بيد أن اللون يحتاج إلى غيره من األلوان مثلما تحتاج الكلمة إلى غيرها

لكلمات ليتوضح المعنى ويتحدد السياق، وعلى سبيل المثال، إذا من اتحمل في ) أحدق(مع اللون األزرق، نجد أن كلمة ) أحدق(قابلنا كلمة

بماذا يحدق؟ : طياتها معان متعددة، وتولد تساؤالت عدة، كسؤالنايتحدد ..) أحدق بالستائر والمقاعد(وعندما تجتمع مع غيرها في جملة

ح، وكذلك اللون األزرق يحمل معاني البرودة والنقاء المعنى ويتضوحتى القداسة، وحين تتداخل معه ضربات األصفر واألبيض، يتحدد

.معنى البرودة ويتضح ويشي باإليحاء

وهكذا حاكى التصوير الشعر من خالل لوحة القصيدة السابقة، فاتفق حة في موضوع ولئن اتفقت القصيدة مع اللو. معه في نقاط واختلف في أخرى

الرجل والمرأة والعالقة بينهما، فألن الموضوع نفسه شغل اإلنسان على مر

ربما تستطيع المدرسة السريالية تصوير النهد كطيارة ورقية في جسد امرأة، ) ١( .العتمادها الرموز واحترافها الغرابة

- ٢٨٢ -

العصور، وعبر عنه في فنونه وأساطيره وقصصه الشعبية، فال تكاد تخلو قصيدة أو أسطورة أو لوحة أو منحوتة من قصة هنا وعبرة هناك تحكي

.الصلة بين الرجل والمرأة في جميع أحوالهاا هنا ظاهرة غريبة حولت تلك العالقة إلى شعائر دينية ظهرت وتستوقفن

جلية عبر أجساد كثير من الرجال والنساء، فغدت الخصوصية إباحية، شعائرغريبة جمدتها يد النحات ووهبتها . واألجساد قرابين، والجنس عبادة

خلودا قابعا في مكان واحد يضم مئات التماثيل التي تعبر تعبيرا واضحا ، لتصنع معبد )١("األهواء الجنسية، الطبيعية، والشاذة، والخيالية"نع

، )٣("في تساميه وتدنيه": الذي يحاكي اإلنسان في كل تقلبات نفسه)٢(كاجوراوولتكشف للناظر إليها خفايا نفسه من خالل موقفه تجاه أفعالها، إذ يتقلب بين

.القبول والرفض، أو القبول المقنع بالرفض

:ار بين الشعر والنحت الحو- ٢

وقف شاعرنا عمر أبو ريشة أمام معبد كاجوراو متأمال تماثيله، في دهشة استفزت خياله وحركت قريحته الشعرية، فحاكاه في قصيدة مطولة، تناول من خاللها بعضا من تماثيله، فما الذي فعله؟ في البداية، وقف على

:المعبد وقفة جاهلي على األطالل، فقالــن م ــان ــب األم ــا وه منكم

ــان ــت أم الزم ــه، أن )٤ (!ألخي

شقيت على أعتابـك الغـارات

ــوان ــرت هـــ وانتحـــ

معبد "، قصيدة١٩٩٨ديوان عمر أبو ريشة، المجلد األول، دار العودة، بيروت، ) ١( .١٠١ص" كاجوراو

.معبد كاجوراو في الهند) ٢( .١٠٣ -١٠٢عمر أبو ريشة، ديوان ) ٣( .١٠٢ -١٠١ديوان عمر أبو ريشة، ص) ٤(

- ٢٨٣ -

ــا ــت أمالكهـــ وتمزقـــ

ــولجان ــضت ص ــا وف !تاجــذا ــوق ه ــت وحــدك، ف وبقي

ــصخر وقفــة عنفــوان !ال

ثمة اعتراف من أبي ريشة بعظمة المعبد وبإبداع صانعه الذي خلد في حجارة، فرفعها فوق صراعات األزمنة، ونشر الجمال في األفعال

الوجود، فحرك خيال الناظر إليه، ليغدو مندمجا بالتماثيل، محاورا لها، ، تفور في صمتها لتحكي آالف )مشرقة البيان(مستنطقا حجارتها، فإذا بها

:المشاعر المتقلبة بين الرغبة والحياءــا ــ ي ــونـهيك ــر الفت ال نث

ــ ــان ورن ــدنيا افتت )١ (!ح ال

ــاك ــى لق ــال إل ــب الخي وث

ــان ــه العيــ !ورد وثبتــ ــصماء ــارك ال ــت أحج وتكلم

مـــــشرقة البيـــــان

ــدمى ــا الـ ــت منهـ وتلفتـ

ــران ــراق واقتـ ــين افتـ بـــاة ــار عــن الحي ــضت الوق ن

ــان ــه مك ــتقر ل ــا اس !فم

ل اقتران الدمى تنقلب رغبة الشاعر بين الفعل والالفعل من خال وافتراقها، بيد أنه يرى الفعل المجاهر به خروجا على التقليد المألوف وخروجا على الوقار في الحياة، فيبدأ بخلق المسوغات لنفسه، لكي يستمر في

:النظر واالستغراق في الدمى الرخامية ويتابع أفعالها الجنسيةــي ــأمالن.. عينـ ــا تتـ مـ

ــوان ــا تجلــ )٢(وأي دنيــ

مـــسح الـــذهول عليكمـــا

ــوالن ــا تتحـ ــده، فمـ يـ ــام ــة ذل الرخـ ــم دميـ كـ

ــان ــها وه ــى انتفاض )٣(عل

ــرأبت ــأعطى، واش ــت ف طلب

فـــانحنى وقـــست فـــالن!

.١٠٣- ١٠٢المصدر نفسه، ص ) ١( .١٠٣المصدر نفسه، ص) ٢( .١٠٤ديوان عمر أبو ريشة، ص) ٣(

- ٢٨٤ -

وتكـــاد تنقـــل ظلهـــا

وتـــسير مطلقـــة العنـــان هل تحرك اللذة الحجر؟ وهل تتفوق أفعال التماثيل على رخامها،

وينحني ويلين؟ أم أنها نفس الشاعر في افتتانها واهتياجها فتجعله يعطي حركت الرخام؟ اليمكن إنكار جرأة النحات ودقة عمله في عرض تفصيالت

وإلى الحلم في صدق انفعاالتها، وهذا ما . تبدو أقرب إلى الواقع في حقيقتهايا دفع الشاعر إلى الوقوف عليها، يحاورها ويستنطقها، ويصفها وصفا انفعال

.ويسكب شيئا من روحه عليها :بدأ بالعالقة الطبيعية بين الرجل والمرأة المتمثلة في هذين التمثالين

ــبوة ــضوا صـ ــذان نـ هـ

ــان ــة، يتعانقــ )١(مجنونــ

وعلى ارتخاء الـساعد الريـان

ــصلت ــق خــ انــتخفــــتح ــفة تف ــى ش ــفة عل ش

ــان ــف بـ ــا وتلـ برعمـ

ــت ــا تثنـ وإلـــى جوارهمـ

ــر ــروتانسـ ــل سـ وة، بـــل ــصرا فأجف ــه خ ــت ب غاب

واســــتدار الناهـــــدان

رجل يعانق امرأة، من خلفها غفلة، فتلف إحدى : لنتأمل التمثالين ذراعيه خصرها وتالمس أصابع يده األخرى نهدها، تبدو المرأة مستسلمة غارقة بين يديه، ترفع ذراعها اليسرى لتلف رأسه بها، وتميل برأسها إلى

اء، فتلتقي شفتاها بشفتيه في قبلة انفجرت لها ينابيع الجسد لذة، بيد أنها الورويأتي أبو ريشة ليراها . لذة تذوب المرأة فيها، ليتأود جسدها ويستدير نهداها

لذة مجنونة، أدخلت العاشقين في الهذيان، وأوصلتهما من خالل القبلة إلى يرتخي وتخفق عليه خصلتا نشوة الجسد دون لقاء حقيقي، فإذا بساعد المرأة

اكتفينا باختيار بعض المقاطع من القصيدة التي / ١٠٥- ١٠٤المصدر نفسه، ص ) ١( تمثاله، وذلك لعدم توفر صور تناسب في وصفها التماثيل ومقارنة كل مقطع مع

.)١٩(المعبد كاملة، انظر المنحوتة رقم

- ٢٨٥ -

. شعرها، وإذا بالشفتين تفتحان براعم الجسد وتحوالنه إلى قضيب بان متأودوتغيب المرأة بين أحضان رجلها، ويضيع خصرها بين يديه ويستدير نهداها، ومن الالفت لالنتباه أن الشاعر في غمرة إحساسه بالقبلة انتقل إلى تمثالين

، وكأن )١(موصوف، فوصفهما بالسروة أو السروتينآخرين مجاورين لتمثاله الالمشهد راعه فخاف الضعف أمامه، لذا حاول الهرب منه بإبعاد عينيه عنه

. إلى غيره، بيد أنه بعد الهرب رجع إلى خصر المرأة ونهديها- للحظات قليلة واقفا ليتمتع بقرابين الجسد، فهو )٢("شيفا" ومن تزاحم األجساد، ينتصب

:ذي تعبده النساء والرجال أجسادا وأفعاالاإلله الــيفا" وأكـــف ــتتان" شـ سـ

ــدان ــيها الل ــى حواش )٣(عل

ــران ــوز .. حي ــن أي الكن م

ــان ــات الجمـ ــم حبـ !!يلـ وتلــوح إحـــداهن ذاهلـــة

ــان ــة الجنـــ مروعـــ

ــروى ــا ال ــت وأخطأه ظمئ

ــان ــا أهـ ــأن زهوتهـ فكـــديها ــعرت بنه ــا ش وكأنه

دانأرادا يـــــــــــشر

ــا ــى طوقيهمـ ــا علـ فلهـ

ــان ال ــان كفــ تتزحزحــحين ننظر إلى تماثيل هذا المشهد، نرى شيفا يقف في الوسط وعلى

يمينه امرأة وعلى يساره أخرى، ويبدو مستندا بيده اليسرى على صولجانه، مائال بجسده تجاه المرأة الواقفة على يمينه، أما هي فتميل بنهديها تجاه جسده

البة اللذة، تحكي شفتاها عطش القبلة اإللهية، وتتأمل عيناها الذابلتان اإللهي طأما المرأة . وجه اإلله الحيران من وفرة الكنوز الجسدية المتفجرة أمامه

في جانبه األيسر، فتبدو خارج الحدث، ألنها فقدت اهتمام " شيفا" المجاورة

.الصورة مقتطعة، بيد أن التمثالين موجودان قياسا بغيرهما، من تزاحم التماثيل) ١(

. إله هندي) شيفا) (٢( .)٢٠(انظر المنحوتة رقم . ١٠٦ديوان عمر أبو ريشة، ص) ٣(

- ٢٨٦ -

ا، وشيفا يعلم اإلله، وغدت، في الوقت نفسه، منجذبة نحوه في كل كيانهبوجودها وبوجود مئات الحسناوات غيرها، بيد أنه حيران لكثرتهن، ولشدة حيرته يرى أبو ريشة ستة أكف له، فإما أنه يقصد برقم ستة شكله المشابه

، أو أن أبا ريشة دمج صورة شيفا في هذا المشهد (6)حركة التفاف الذراع و، إذ يبدو شيفا في ذلك بصورة أخرى له في موضع آخر غير معبد كاجورا

الموضع بستة أذرع على يمينه وستة أخرى على يساره، يرقص رقصة وألنه إله يحق له قطف حبات الجسد المتفجرة واللذات المتنوعة من . )١(اإلله

حسناوات الهند، ويحتاج للقطاف إلى آالف األذرع، وربما استعار أبوريشة صورة شعرية، بتمثاله هنا، في–حركة أذرعه من تمثاله هناك ودمجها

ليحكي قدرته اإللهية على فعل مايشاء، غير أنه اليفعل، وإنما يلتزم الصمت والالمباالة، فثمة فرق بين تحقيق الرغبة وبين إشعالها في جسد امرأة دون

وهذا مافعله شيفا حين استخدم سحره اإللهي إلثارة المرأة، فغدت . تحقيق لهاأهان أنوثتها فإذا بنهديها يشردان من لهيب الرغبة ظمأى أخطأها الروى، و

يعي أبو . في الجسد، وإذا بها تحاول إيقافهما متوسلة يدها الملتصقة بهمالذا . ريشة ألوهية شيفا، ويعي أن األفعال الجنسية شعائر دينية هدفها عبادته

جعله خارج الفعل الجنسي، ليسمو على البشر متأمال شعائرهم وقرابينهم لمقدمة إليه، وليترك المرأة محترقة في لهيب رغباتها، حتى تتطهر وتقدم ا

.قربانها بأسلوبها الخاصأما إبداع النحات في تكوير نهديها، فنجده يحرق أنفاس أبي ريشة، فإذا

لتستوقفه يدها الملتصقة بنهدها وتعيده إلى . به يشرد بخياله وبنهديها معايلمح بين الرجال مجموعة كهان تفرض عليهم المشهد، ثم ينتقل إلى غيره، ف

مرتبتهم الكهنوتية التمنع والعفة، بيد أن أحدهم انجرف مع سيول اللذة :المتدفقة، لينسى بخوره وكؤوسه ويستسلم لإلغراء

في caverne، تمثل رقصة شيفا في معبد )ريليف (، نحت ناتئ)٣٠(انظر المثال رقم ) ٤( . الهند

- ٢٨٧ -

عــضو ــان تـ ــدي كهـ ونـ

)١(فــي مجــامره الــدخان

ــه ــنوجه وكؤوســ وصــ

ــان ــر القي ــا زم ــت به طاف يرقـــصن فـــي إغـــرائهن

وكـــل قـــد، أفعـــوان

وأمـــــامهن بقيـــــة

ــان ــسر الره ــاهن خ ــن ك م ــلع ــشت أض ــم، خ ــو ه ل

)٢(منــه وصــكت ركبتــان

ــاده ــت وراء وســ ركعــ

إحــدى صــباياه الحــسان ــسرين ــل ن ــت فانه وتجمع

وأورق أقحــــــــــوان

فشفاه مـا اهتـصرت أناملـه

ــسان ــصر اللـ ــا اعتـ ومـتفجرة أنوثة وترقص في إغراء أمام أعين الكهان، تتلوى األجساد الم

، فإن أحدهم خسر افهل يقدرون على المقاومة؟ وإن كان بعضهم قدر عليهالرهان وخلع اللباس الكهنوتي لينساق وراء الجسد الذي خلخل أضالعه وصك ركبتيه، فإذا به مشلول الحركة، وإذ بالدواء يحضر بين يديه عبر

دها عليه، فتطلق أزهار النسرين واألقحوان، تطلق صبية حسناء تميل بجس .نهديها وخصرها، ضاربة عرض الحائط بكل المراتب الدينية

رجال يبدو كاهنا الختالف معالم وجهه )٣(تحكي الصورة في تماثيلهاولباسه عن بقية الرجال، له لحية وقلنسوة كهنوتية ووضعية جلوس تشي

ناء تميل بنهديها تجاه جسده وتضع ساقها بجلوس بوذا في تعبده، تجاوره حساليمنى على ساقه اليسرى، وتبدو طالبة القبلة من شفتيه القتراب وجهها من وجهه، أما هو فيلف ذراعه اليسرى حول ظهرها، ويحضن بأصابع يده اليسرى نهدها، ويبدو مستمتعا ومعافى من الشلل الذي كان قد حل بجسده قبل

.١٠٩ديوان عمر أبو ريشة، ص ) ١(

.١١٠المصدر نفسه، ص) ٢( ).٢١(انظر المنحوتة رقم ) ٣(

- ٢٨٨ -

نت داء في بعدها عنه، فغدت دواء في قربها والتصاقها حضور المرأة التي كا .بجسده

وتنبثق راقصة، من خضم الشعائر وهيجان األجساد، ليلمحها أبو ريشة وهي تكمل الحفل الديني من خالل رقصتها، متوسلة جسدها المتأود في اتزان

:وفي حركات يلين الرخام لها وهنــاك راقــصة تناهــت

ــزان ــا اتـ ــي تأودهـ )١(فـ

ــت وقفــت علــى ســاق، فكان

ــان ــدلت ثمـ ــا اعتـ !مثلمـ خلخـــال كاحلهـــا، وتـــاج

جبينهــــا، متقاربـــــان

وعلـــى تالقـــي حالبيهـــا

!عاصـــب مـــن أرجـــوان تمتلك هذه الراقصة جسدا مرنا يجعلها تتحكم به في سهولة ويسر، فإذا

واقفة على وقفت على ساق واحدة، ومالت باألخرى إلى األعلى، وبدت كأنها في تالقي خطيه، فأحد خطيه يمثل ) ٨(الساقين، وكأنها ترسم رقم ثمانية

ساقها المنفردة، والثاني يمثل ساقها المنثنية، وتتمتع هذه الساق برشاقة تجعلها تالمس بقدمها جبينها، وتجمع الخلخال بالتاج، وعلى الرغم من إخفاء حركة

خيل ألبي ريشة عاصب من أرجوان الساق لمنطقة تالقي الحالبين، إال أنه وجدنا وصفا دقيقا لحركة ،وإذا تأملنا صورة الراقصة. يغطي تلك المنطقة

جسدها وساقيها وخلخال قدمها وتاج جبينها، في األبيات السابقة، وال نجد وصفا لنهديها أو لحركة يدها الممسكة بقدمها اليسرى، لتميل بساقها نحو

هرها المتدحرجة على النهدين، وربما انبهر أبو ريشة األعلى، فضال عن جواوبينما هو . بحركة الساق وتأود الجسد في مرونته، فتناسى بقية التفصيالت

يجول بعينيه في أنحاء المعبد، يحاور األجساد واألفعال، إذا به يلتقي بفتاة لم تالمس جسدها أنامل الرجال، لتبدو في أقصى - على حد تعبيره-خدر

:الت العفة مقارنة بغيرها من نساء المعبدحا

) ٢٢(انظر المنحوتة رقم ./ ١١٤الديوان ص) ١(

- ٢٨٩ -

ــس ــم تالم ــدر ل ــاة خ وفت

ــدان ــا يـ ــد مئزرهـ )١(عقـ

وقفــت وجفناهــا بأذيــال

الـــــشموس معلقـــــان ــت ــد–قالـ ــال الوعـ وقـ

ــالم ــا آن األوان: لألحـ !مـ

تبدو الفتاة، في صورة تمثالها، مختلفة عن غيرها من النساء، تختلف علقتين بالشمس في أفق السماء، وفي تفردها في نفسها في نظرة عينيها الم

وعلى الرغم من اقتراب جسدها في شكله من أجساد النساء . دون شريكاألخريات، فإنه يبدو هادئا، التغلي في مسامه نيران الرغبة، وال تفجره

ولذلك ظن أبو ريشة أنها في حالة انتظار لرجل ما، تحلم . لمسات الرجل .باللقاء معه

هكذا تعرف أبو ريشة إلى تماثيل المعبد، وأحس بها، وانفعل في طريقة تعبيرها عن الفعل الجريء، وال ندري إن كان عبر عنها، في أبياته السابقة، أم عن أمنيات نفسه ورغباتها، فنحن نعلم أنه وقف مطوال عند كل مشهد وكل

األرواح، وعلى الرغم تمثال، وأسقط قناعه وبدا مستغرقا في لقاء األجساد ومن استمتاعه بما رأى نجده يستنكر ويعيد القناع إلى وجهه، فيعود إلى الواقع

:بعد انتهاء الحلمــاجراو ــة ! ك ــن حرم ــل م ه

)٢ (!لك عنـد رائيهـا، تـصان

ــؤادك ــى ف ــر أدم ــم زائ ك

ومـــا أبـــان مـــا أســـر ــاهرت ــى وتظ ــى الرض أخف

ــان ــاه اللت ــسخط، عين ..بال

يــــان وتــــنهالن تتحر

!وتحلمــــان. وتــــسكران ــاة ــة الحيـ ــت أقنعـ مزقـ

ــان ــن ده ــا م ــا عليه وم

ــا ــي عريهـ ــا فـ وجلوتهـ

١(فترفعــت بعــد امتهــان(

).٢٣(انظر المنحوتة رقم ./ ١١٥ -١١٤ديوان عمر أبو ريشة، ص) ١( .١١٦ -١١٥ المصدر نفسھ، ص) ٢(

١٩ م-الضوء والظل

- ٢٩٠ -

ضم المعبد حكاية اإلنسان مع اإلله الذي خلق في اإلنسان الطبيعة ليطلق الجسدية مثلما خلق الروح، فتوسل اإلنسان جسده في طبيعته وغرائزه،

هل عرف أبو ريشة أن ما رآه يمثل الشعائر : والسؤال. الروح في عبادتهالدينية؟ وهل غفر للنحات جرأته فيما نحت؟ أم راعه المشهد العام لما بدا أنه

وفي الوقت نفسه، لم . فاضح فتناسى الهدف منه؟ أغلب الظن أنه عرف وغفرالمعبد عن صونه حرمة يجرؤ على التصريح بإعجابه وقبوله لما رأى، فسأل

ناظره، سأله عن ألمه الناجم عن انفصام النفس اإلنسانية، شعر بأمنيته في لقاء ناظر واحد، يحمل من الصدق ما يدفعه إلى التعبير عن إعجابه مجاهرة وعلنا، أخبره أن األقنعة البد منها لتخفي العيون السكرى الحالمة الراضية

الصدق يكمن فيه وحده ألنه مزق أقنعة الحياة، وأن . ولتظهر السخط والنكران .فانبثقت منها أجساد عارية ترفعت في عبادتها فوق اإلثم واالمتهان

يعيش الشاعر، كأي ناظر عابر، لحظات الصدق والتمني في حضرة المعبد، وحين يغادره يغادر الصدق إلى أقنعة نفسه وظاللها، ويعترف بذلك

:قائال لــيكـاجراو، عفــوك، لـيس

)٢ (!مني على حلمـي ائتمـان

أولــى فــأولى أن تمــوت

ــان ــف الجفـ ــه خلـ طيوفـــب ــن أجيـ ــسألن فلـ ال تـ

)٣ (!وظن بي مـا أنـت ظـان

أنا مثل غيـري ال يـرى لـي

ــان ــجني كي ــوى س ــن ك م -أنـــا مطمـــئن بالقنـــاع

ورافـــــل بالطيلـــــسان

ــراق ــد .. أزف الف ــن تم فل

ــ ــك راحتـ !انإلـــى رتاجـ

.١١٦ديوان عمر أبو ريشة، ص ) ١( .١١٦المصدر نفسه، ص) ٢( .١١٧المصدر نفسه، ص) ٣(

- ٢٩١ -

بدأ أبو ريشة بمواجهة ظله القادم إليه من شرق اآلثام والمعاصي، وشرق الشهوات والجواري، فدخل معه في صراع بين الرغبة في الفعل واالمتناع عنه أو بين التصريح به وإخفائه، دفعه ظله إلى الحلم ليحقق

ليه التمنع رغباته، بيد أنه عاد إلى الواقع من خالل أناه الواعية التي فرضت عوالرفض، فاعترف بضعفه أمام الحلم، لذلك رغب في قتل أطيافه خلف األجفان حتى ال يفلت منه ويصبح إثما، ورفض اإلجابة عن سؤال المعبد ولو ظن به الظنون، ألنه، كغيره من رجال الشرق، محبوس في سجن كيانه الذي

لذا يرضى بقناعه . هلشدة ظالله القاتمة، ال يمكن أن يتسرب الضوء في ثناياويفخر به معترفا بإخفائه الحقيقة وتزييفها، مثلما يخفي ويزيف رغبته في

يواجه عجزه اإلنساني بالفعل والتصريح . مالمسة أجساد المعبد قبل الرحيل بالحياة واإلحساس، فهذه التماثيل الرخامية - في الوقت نفسه-به، وهو يفيض

في التعبير عما تريد في حرية آلت حرمانا تفوقت عليه في إحساسها وجرأتها : ناجم عن العجز والحرمان- في رأيه- عنده فالجبن لـــوال العجـــز.. كـــاجراو

)١(!والحرمان ما كـان الجبـان

حين نقرأ مقاطع القصيدة ونتأمل تماثيل المعبد، تجول تساؤالت عديدة التماثيل من في خاطرنا، ذكرنا منها سؤالنا حول معرفة أبي ريشة هدف

أفعالها، واطالعه على أسرار الحضارة الهندية وشعائرها الدينية، وقلنا إنه ويحضرنا هنا . ربما عرف ولم يستطع تبرير تلك األفعال تحت شعار الدين

يرى . رأي اشبنغلر في نظريته الحضارية، فلعله يفسر لنا موقف أبي ريشةلى في مظاهرها الدينية، أن لكل حضارة طابعها الخاص الذي يتج"اشبنغلر

والعلمية، والفنية التي ال يمكن فهم أحدها بمعزل عن اآلخر، وأن لكل حضارة ما هو خاص بها وما هو غريب عنها، ولذا يستحيل على من ينتمي إلى حضارة ما أن يفهم حضارة أخرى فهما صادقا، دقيقا شامال لما تنطوي عليه

.١١٧ديوان عمر أبو ريشة، ص) ١(

- ٢٩٢ -

أن يكون هذا الفهم ناقصا كاذبا، أو محرفا من عناصر غريبة، فإذا حاول فإماومن هنا كان من الصعب على إنسان . )١("خاضعا لطابع حضارته الخاص

ينتمي إلى الحضارة العربية أن يفهم الحضارة الهندية على نحو حقيقي صادق، وهذا ما كان عليه أبو ريشة الذي حاول فهم المظاهر الدينية والفنية

، غير أنه فهمها فهما ناقصا محرفا بسبب خضوعه إلى للحضارة الهنديةحضارته الخاصة، وأكد، من خالل أبياته، اطالعه على الحضارة الهندية

.واعترافه بمبادئه وتقاليده وإيمانه بهاحاكى أبو ريشة المعبد بما يناسبه، على الرغم من وصفه التماثيل

ن أن يكون قد نقص في المعبد وصفا دقيقا، فتقلب في محاكاته بين ما يمكوأوحى به، فأكمله الشاعر في خياله، وبين ما فاض به المعبد من جرأة

.عجزت مدارك الشاعر عن استيعابها، فاكتفى بإنكارها واالبتعاد عنهاوتشي بعض المقاطع في القصيدة بمعرفة الشاعر باألساطير الهندية

إذ ال يمكن أن يكون وصفه وببعض شخصياتها المتمثلة في تماثيل المعبد،أنها فتاة من "لفتاة الخدر بالعفة قد جاء محض الصدفة، ألن األسطورة تخبرنا

وهن فتيات السماء اللواتي لم تخلق أجسادهن اآللهة ) Apsarasاألبساراس(فتيات ، إنهن فتيات النور في وضوح )٢("وإنما تسربن من أحالمها ورقصن على أنفاسها

.ل في غموض التفرد والوحدة بين زحمة تزاوج األجسادالعفة وفتيات الظويشي وصف أبي ريشة للكاهن باطالعه على قصته، ويؤكدها في موضع آخر من قصيدته، حين يروي قصة كاهنين تناحرا على فتاة حسناء ونسيا في حبها، تعبد شيفا، فحل عليهما عقابه المتمثل في تحويلهما إلى

:مسخين

.١٤-١٢ص/ ١انظر تدهور الحضارة الغربية، ج) ١()٢( Jacques- Gendron، POESIE DE LA PIERR INDIENN، Nouméa -printed in

France-1977-p:39

- ٢٩٣ -

ــل اجت ــقية قيـ ــاوشـ باهـ

ــان ــطفاها كاهنــ )١(واصــ

ــا ــا فتباريـــ فتنتهمـــ

ــاحران ــا يتنـ ــي حبهـ فـــوى ــا هـ ــيا فيهـ وتناسـ

ــيفا" ــدان " شـ ــا يتعبـ فمـ

ــي ــسخان ف ــا م ــإذا هم ف

ــدان ــدار مقيـ ــدر الجـ صـإن معرفة أبي ريشة بمظاهر الحضارة الهندية، لم تدفع به إلى قبولها

ومن الجدير . وغرائزه البدائيةأواالندماج بها، وإن ناسب مارآه شيئا من نفسه بالمالحظة أن أبا ريشة في وصفه الدقيق للتماثيل، لم يقترب من وصف وجوهها، فربما انجذابه للجسد دفعه إلى تناسي الوجه وتعبيراته، وبمعنى

انجذابه إلى جرأة الضوء جعله يهرب من ظالل التعبير في الوجه، : آخرلمعلقتين بأذيال الشمس، انجذابه للفعل ويؤكد حديثه، عن عيني فتاة الخدر ا

الجسدي الذي افتقدته فتاة الخدر فبدت شاذة عن المجموعة ومثيرة لالنتباه في تفردها ووقفتها المالئكية، لذا رأى الشاعر عينيها والمس روحها، غير أنه أقنع نفسه بعفتها المؤقتة، فال بد من مجيء يوم تذهب فيه تلك العفة، وتنضم

إذ أوحى سياق األحداث ألبي ريشة بهذه . ة إلى المجموعة وإلى أفعالهاالفتاالفكرة، وسواء أعرف أم لم يعرف أنها من فتيات األبساراس، فإنه رفض االعتراف بعفتها األزلية وحولها إلى عفة لحظية، منساقا إلى ضوء األحداث

.الماثلة أمامه رافضا ظاللهاثيل المعبد في قصيدته محاكاة وصفية أم هل حاكى أبو ريشة تما: واآلن

استيحائية أم االثنتين معا؟ وإلى أي مدى كان حسيا في محاكاته لها وراسما بالضوء أبياته؟ أوبالظل رغباته وأمنياته؟ وأين تمثل الضوء والظل في

.التماثيلإذا أنشأنا مقارنة بين مقاطع القصيدة المحاكية لبعض التماثيل لمتابعة

- في صورها الفوتوغرافية - ضوء والظل فيها، وجدنا أن أغلب التماثيل ال

.١١٣ -١١٢ديوان عمر أبو ريشة، ص ) ١(

- ٢٩٤ -

تكور (عكست الضوء على أماكن أجسادها المسطحة والمكورة والنافرة ، وسمحت للظالل بالتسلل إلى مغابن أجسادها )النهدين، الخصر، الساقين

الفسحات بين األصابع وبين النهدين، وفي المساحات الناجمة عن انثناء(، فضال عن ظالل الوجوه المترامية في خطوط العينين )الساق والذراع

والشفتين، أما في القصيدة، فيكشف الضوء ظالل الشاعر المترامية في األبيات، ويبرز في المقاطع الوصفية الدقيقة، كمقطع وصف الراقصة ووصف

، فاستعانة الشاعر بشكل الرقمين ستة وثمانية تشي بدقته )شيفا(أكف شفة ":ووضوحه في الوصف، فضال عن وصفه القبلة وصفا دقيقا في قوله

، ونالحظ غلبة ضوء الحسية في مقاطع وصف األجساد وأفعالها، "على شفةبيد أنه ضوء مغمور بالظالل، يتناوب معها في ضوء وضوح الفعل، وظالل

ناجمة على الرغم من حسيته ال-فال يكاد يخلو مقطع في هذه القصيدة. نكرانه من ظالل أبي ريشة الناجمة عن رغباته –عن محاكاته حسية التماثيل

العارمة، غير أنها ظالل لطيفة تشي برومانسية العربي وتعبر عنها صورة خلق أبو ريشة، في . الرخام الذي نحتت منه التماثيل فذاب من حرارة جسدها

المادة وظالل هذه الصورة، توازنا بين الضوء والظل، بين حسية الجسد والرغبة، فابتعد عن الحسية، على الرغم من مناسبتها للنحت في ألفاظه

.وتشبيهاته التي سكب عليها ظالل روحه الضوء -في طبيعتها–ولنتأمل هذا البيت المؤلف من األفعال التي تبث

الحركي للصورة، بيد أنها تناوبت بين الضوء والظل لتناسب الجسد والروح :لفظا ومعنى

ــرأبت ــأعطى، واش ــت ف طلب

ــالن ــست ف ــانحنى وق )١(! فأما . فإذا كان الطلب ضوءا في وضوحه، فإن العطاء ظل في كثرته

ضوء التماثيل المشرئبة، فانحناء ظل في الرخام، وضوء قسوتها لطافة ظل .في ليونته

.١٠٤ديوان عمر أبو ريشة، ص) ١(

- ٢٩٥ -

هكذا عبر أبو ريشة عن موقفه من الفعل الجسدي، وحاكى المعبد وصفا حينا واستيحاء منه أحيانا لما راعه من مشاهد بدت فاضحة، فإذا به يصوغ له

معبدا آخر في مخيلته، معبدا يناسب روح حضارته العربية في حيائها وتحفظها، وإن كان الحياء ظل الشهوة، أو كان العربي يخلط بين الجنس فعال

ترف بجماله دون كشف محرما أو فعال فنيا، فينفر منه الرتباطه باإلثم ويعوأبو ريشة بدا متراوحا بين التلميح والتصريح، فلمح إلى إعجابه . وإظهار له

بالفعل ورفض إظهاره، وهذا ما يفسر غلبة الظالل على صوره وألفاظه محاوال من خاللها تلطيف الحسية الواضحة في التماثيل، إذ أن طبيعة الفعل

، ألن الضوء ينافي جماليته ويحرق الجنسي تفرض ظالال قاتمة إلخفائهخصوصيته، ولعل وعي النحات عبادته وممارسته الشعائر الدينية نحتا تصريحيا، يفسر غلبة الضوء على الظل في التماثيل، وربما عدم فهم الشاعر

.تلك الشعائر ورفضه تمثيلها، يفسر غلبة الظالل على الضوء في األبيات

:ين القصيدة والتماثيل في النقاط التاليةوفي النهاية نالحظ الفرق ب

اختلفت القصيدة عن التماثيل في الموضوع وطريقة محاكاته، إذ حاكى - ١ .النحات تعبدا، وحاكى الشاعر دهشة ورهبة من الموقف

تجريدية الشعر المتمثلة في القصيدة وحسية النحت المتمثلة في التماثيل، - ٢شة بإسقاط ظالل الشعوره على إذ سمح إيحاء اللغة ألبي ري

الموضوع، فأضاف ماينقصه وأكمل ما أوحى به بما يناسب روح أما النحات فأذاب كتلته الرخامية عبادة وتقربا من . حضارته وانتماءه

اإلله وكأنها تعرف غاية تشكيلها، على الرغم من أنها حجارة صماء، تفردها في فكرة وال نبالغ إذا قلنا إن تميز المنحوتات جاء من

وغلب على . الموضوع وتجسيد العالقة بين األجساد والتصريح بها .تميز النحات في أدواته وأسلوبه في تشكيلها

- ٢٩٦ -

اختالف أدوات الشعر عن أدوات النحت أدى إلى اختالف المحاكاة في - ٣ .كال العملين

مجت عبر النحت عن روح حضارته ألنه حاكى اإلله وعبادته، بينما د- ٤القصيدة الحضارة العربية بالحضارة الهندية، فأبرزت الفروق بين الحضارتين، واالتفاق بين حضارات البشرية جمعاء المتمثل في تقديس العالقة بين الرجل والمرأة من جهة، والرغبات الجسدية الناجمة عن

.الطبيعة اإلنسانية من جهة أخرى

)باعيات الخيام ولوحات بيكارر( والتصويرمالحوار بين الشعر والرس - ٣تخبرنا النماذج الفنية السابقة، عن أسلوب الفنان في محاكاة العمل الفني الماثل أمامه، إذ حاكى الشاعر أبو ريشة منحوتات كاجوراو فوصفها

. واستوحى منها،وحاكى المصور وضاح قصيدة نزار، فانفعل بها وعبر عنها .)١(ية إيضاحه؟فهل ثمة فنان حاكى عمال فنيا بغ

قبل الوقوف عند الرباعيات واللوحات، البد من توضيح فكرة مهمة قد تتبادر إلى ) ١(األذهان ومفادها أن البحث مخصص لدراسة الشعر العربي، أما هذه الفقرة فتتناول

بيد أن رباعيات الخيام المدروسة في هذه الفقرة مترجمة .ا فارسيا، وهذا صحيحشاعرإلى اللغة العربية شعرا، ترجمها األديب وديع البستاني، وحاكى المصور حسين بيكار ترجمة البستاني فصاغها صياغة تشكيلية حرفية، وبدا محاكيا األفكار الناجمة عن

ي بدوره ترجمها عن اإلنكليزية نقال عن الشاعر أسلوب البستاني في الترجمة الذ مع قصائد نقلت على "، ومن هنا تجدر اإلشارة إلى صعوبة الدراسة)فيتزجيرالد(

جسر الترجمة الواهن، من لغة إلى لغة أخرى مختلفة عنها في نظامها الصوتي ت والنحوي والتركيبي والداللي، والواقع أن كلمات الشعر، بل أحرف هذه الكلما

بترتيب سياقها في القصيدة وبجرسها ورنينها الخاص، هي مفتاح الباب الضيق الذي ، ولم يبالغ القاضي الجرجاني عندما وصف كالم الشاعر ..ننفذ منه إلى عالم الشعر

وهذا ما فعله بيكار "* أصوات محلها من األسماع محل النواظر من األبصار"بأنهفي كلماتها ومعانيها، فجاءت أدواته محاكية عندما حاكى أصوات ترجمة البستاني

ألدوات لغة البستاني، وإن اقترب من روح الحضارة الفارسية في تشكيله األلبسة وعناصر الطبيعة في اللوحات، وأغلب الظن أنه إذا صور رباعيات الخيام ترجمة

.النجفي أو أحمد رامي لشكل لوحات مختلفة عن لوحات ترجمة البستاني

- ٢٩٧ -

المتمثلة في )٢("عمر الخيام" رائعة)١("حسين البيكار"حين قرأ الفنانرباعياته المترجمة المحققة من قبل األديب وديع البستاني، صورها لوحات صغيرة في كتاب الرباعيات، تعيد الناظر إليها إلى عبق الشرق المتمثل في

ية المميزة بأشكال شخصياتها حكايا ألف ليلة وليلة في منمنماتها الفارسولنتأمل اآلن الرباعيات واللوحات . ولباسها، وبألوانها ولمساتها البسيطة

:لنرى ما فعله المصور، من خالل عرض كل رباعية ولوحتها بالترتيب )٢ ( لوحة رباعية النعيم-١ )٣( رباعية النعيم - ١

باستثناء لوحة الغالف –ر بيكار خمس لوحات داخلية للرباعيات في كتاب البستاني صو وفي هذه الدراسة أرفقنا الرباعية بلوحتها مباشرة تسهيال للمقارنة بينهما، كما ميزنا –

كل رباعية عن األخرى برقم شبيه برقم اللوحة، ووضعنا اللوحات في حجمها . ةالطبيعي في قسم اللوحات المصور

٢٣انظر قصيدة وصورة، ص (*) ، له ٢٠٠٢ وتوفي عام – ١٩١٣ حسين أمين بيكار فنان عربي مصري، ولد عام )١(

راجع موقع / أعمال عديدة نذكر منها شخصية السندباد البحري " مقالة- مجلة التشكيلي،فهرس ورقة من حياة فنان– www.altshkelly.com:االنترنت

.عصمت داوستاشي: ، بقلم"بيكار الذي علم أجياال وتوفي بها ١٠٥٠- ١٠٢٥ عمر الخيام شاعر فارسي ولد في نيسابور ما بين عامي)٢(

، ونشرت للمرة الثالثة ١٩١٢، ترجم األديب وديع البستاني رباعياته عام ١١٢٣عام عن دار المعارف بمصر، وأسندت مهمة رسم الغالف واللوحات الداخلية ١٩٦٩عام

.ين أمين بيكار الذي وقع باسمه على كل لوحة في الكتابإلى الفنان حس الترجمة " مقالة– مجلة التشكيلي، فهرس ورقة من حياة فنان –راجع موقع االنترنت نفسه

فتحي : ، بقلم"التشكيلية لرباعيات الخيام كما صاغتها ريشة الفنان حسين بيكار .العريبي

- الرباعية التاسعة-دار المعارف بمصرالبستاني، وديع، رباعيات عمر الخيام، ) ١( .٤٩ص

)٢٤(انظر اللوحة رقم / ٤٤، ص )النعيم(المرجع نفسه، لوحة ) ٢(

- ٢٩٨ -

ومقامي غـصن ظليـل بقفـر؛ ورغيفان مع زجاجـة خمـر،

ديوان شعر، كل زادي؛ واألهل،

وحبيب، يهواه قلبـي المعنـى،

ــى؛ ــذيبني، يتغن ي ،ــشجي ب

هكذا، أسـكن القفـار نعيمـا، ــا ابخر ورــص ــذه الق وأرى ه

إذ ال يطيب له المقام إال في ظل : تحكي الرباعية أمنيات الشاعراألشجار، ترافقه زجاجة خمر ورغيف خبز، ويرى الزاد واألهل في ديوان شعر، وحبيب يغني له الشجون، فيذيبه بصوته الشجي، فإذا توفرت له

.األسباب السابقة، غدت، في نظره، القفار نعيما والقصور خرابارقية، يتكئ على وسادة كبيرة، أما اللوحة فتظهر رجال مرتديا ثيابا ش

تجالسه فتاة . ويتفيأ بظالل األشجار، ويقرأ ديوان الشعر، ويحتسي الخمر. خبزحسناء تعزف العود وتغني، وترافقه زجاجة خمر وحبات فاكهة ورغيف

ويبدو مستغرقا في قراءة الشعر، ومستمتعا بالغناء الشجي والخمر المعتقة، تحيط .زيده نشوة، وتضفي لمسات حركية على اللوحةبه مفردات الطبيعة فت

اللون البرتقالي واللون الرمادي المخضر : تلون اللوحة أربعة ألوان المائل إلى الصفرة، يتفرد البرتقالي الحار بمفردات )*(واألسود واألبيض

يلون األبيض المشوب بالصفرة لوحات الرباعيات كلها، فيضفي عليها الحزن (*) . والشحوب، وهو لون ورق الصفحات التي طبعت عليها الرباعيات واللوحات

- ٢٩٩ -

الطبيعة ورداء الشاعر والفتاة، فضال عن الفاكهة، ويتسلل بين ضربات أما األسود فيلون الديوان ولحية الشاعر وشعره . لخمراألسود في زجاجة ا

وخفه، وجزءا من رداء الفتاة، ويتوزع بقعا مظللة في أغصان الشجر، ويكون بنطاله، ظله، (الرمادي المشوب بالخضرة الظالل الغارقة فيما يخص الشاعر

فتضفي. فيشف عن ظالله النفسية لتتناثر في جذوع األشجار) بساطه ومتكاه .على اللوحة غموضا، وتخلق التوازن مع الضوء البرتقالي الحار

)٢( لوحة بالتراب قلوب- ٢ )١( بالتراب قلوب-٢

يتمتع الشاعر بحساسية عالية تجاه مفردات الوجود كلها يدفعه إحساسه إلى الشعور بأجساد الموتى تحت التراب فيرى النبات منبثقا من قلوب

. ٦٠، ص )٢٠(، الرباعية مخيارباعيات عمر ال) ١(

. )٢٥(انظر اللوحة رقم / ٦٠المرجع نفسه، ص / لوحة بالتراب قلوب) ٢(

،بيـبـا ذا الحار، يهاألز ثغورو من ثغـور ألالؤهـا محجـوب؛ لك قلب؛ وفـي األديـم قلـوب؛

نبـات؛ خفف الوطء فوق هـذا ال

وارحم النجم؛ من صدور البنات،

نجم النبت؛ طاب نوم العـذارى؛ ــا ــن أهاب ــه به ــق من ال مفي

- ٣٠٠ -

هر من صدورهم، فيطالبنا بالرفق والسير بهدوء، حتى النسحق األموات، والزوهذا ما تحدثنا به اللوحة، إذ تقسم . نباتا يشي بقلوب العذارى الغافيات

قسم علوي تتناثر فوقه األزهار واألعشاب، ويطؤه الشاعر : األرض قسمينبهدوء، وقسم سفلي يشف عن عذارء غافية غفوة الموت، تنبثق من صدرها

أما العذراء فتغفو ار متأودة تميل برأسها في رقة تحكي منشأها األنثوي،أزهفي حفرة سوداء، مكفنة بوشاح رمادي يشوبه األخضر الباهت، ويتناثر شعرها ليغدو جذورا لنبات لم يستيقظ بعد، ويبدو الشاعر واقفا على األرض

هه حزنا في قسمها العلوي، يحمل بيده اليسرى ديوان الشعر، ويحكي وجأقرب إلى التصوف، فيغدو منحنيا أمام سطوة الوجود، تلفه الحيرة التي تشي بها حركة يده اليمنى، وتتأمل عيناه النبات لتتجاوزه إلى العذراء التي يراها

تلون اللوحة ألوان كئيبة تتمثل . بضوء بصيرته ويشعر بها بإحساسه الرفيعيلون . ضال عن اللون األسودفي الرمادي المشوب باألخضر الباهت، ف

الرمادي الطبيعة فيضفي عليها الحزن فكأنها تشعر بحزن الشاعر، فحتى القمر الذي يبث ضوءه الخافت، تخفيه السحب المترامية، فيغدو كئيبا متخفيا

أما األخضر الباهت فيشترك مع الرمادي في صبغ . وراء ستار الغموضلنبات، ويتفرد األسود في قتامته بالحفرة رداء الشاعر وكفن الفتاة وأزهار ا

السوداء ليحكي عدميتها وببعض الحشائش القريبة من قدمي العذراء، فضال فيضفي عليه حزنا . عن كتاب الشاعر وشعره ولحيته وجزءا من بنطاله وخفه

.عميقا شامال

- ٣٠١ -

)٢()فبقايا األسال( لوحة -٣ )١()بقايا األسالف( رباعية الخزاف - ٣

ينتقل الشاعر من اإلحساس بأجساد الموتى تحت التراب، إلى اإلحساس بها بعد أن غدت بقاياها طينة في يد الخزاف، ليصنع منها األواني الخزفية، لذا يطلب الشاعر من الخزاف الرفق بهذه الطينة التي كانت، في يوم ما،

جسده سيغدو طينة بعد جسدا ينبض بالحياة، ويحذره بأنه زائل المحال وأن أما اللوحة، فتصور خزافا، تدور بين يديه الطينة في آلة الخزف، ويبدو . موته

مستمتعا في عمله، يحكي وجهه استغرابا ودهشة من كالم الشاعر الذي يقف .أمامه عابسا متجهما في وجهه وواعظا في حركة يده

فية، وفي خلفية جانبها تفيض اللوحة، في أغلب أرجائها، باألواني الخزاأليسر، نلمح فرنا يلونه األسود، فيحكي حرقة الموت واأللم، وتنضم إليه في اللون األسود، لحية الخزاف ولحية الشاعر وثيابه وشعره وخفه، ويعود

انظر اللوحة رقم) ٢ / (٧٢تقابلها اللوحة، ص) ٣٢(الرباعية رباعيات عمر الخيام،) ١()٢٦(.

أيهذا الخزاف، قد فقت حـذقا؛ ولقد فزت في الصناعة سـبقا؛ لك صيت يذيع غربـا وشـرقا؛

لكن ارفق؛ فسوف تطلب رفقا؛ من حريف، تزول أنت، ويبقى؛

ا أنـت منـها األسالف مقايفب ــا األلباب ــر يحــا ي ــانع م ص

- ٣٠٢ -

البرتقالي إلى هذه اللوحة، فيضفي عليها حركية الفعل المتمثل في فعل واإلحساس بأجساد الموتى والكالم على الخزاف، وفعل الشاعر في التأثير

ويلون الرمادي، في كآبته، بعض . الرفق ببقاياهم، ألنهم أسالفنا الغابرون .األواني الخزفية ليحكي حزنها، وليؤكد شعورها

)٢()اهللا أكبر( لوحة -٤ )١()اهللا أكبر( رباعية -٤

الدنان سرا، ففي مناجاته يناجي الشاعر اهللا في صالته ويبتهل إليه بين

وابتهاله بين الدنان، بر يفوق صالة الناس في قلوبهم، ونشوة تنبع من خمرة السكر والصالة، ويبدو الشاعر،في اللوحة، راكعا على سجادة صالة مزخرفة بإتقان، يخلع خفه األسود ويرمي به جانبا، ويحكي وجهه البؤس والحيرة على

صاحبه، تشي حركة يديه بالمناجاة واالبتهال إلى الخالق الرغم من ابتهال

. ١٠٩ ص–) ٦٧( الرباعية -رباعيات الخيام) ١( )٢٧(انظر اللوحة رقم / ١١٢ ص–) براهللا أك(لوحة ) ٢(

،ثرالكـو ـدعفلي ،ا شـاءوكم لي شرابا، أو السعير، فأصهر؛ ــر؛ اهللا أكب ،ــو إال ه ــه ال إل

غير أني أرى المناجـاة سـرا،

نيتهالي، با؛ وابـرالـدنان، أب

مـن صــالة يتلونهــا بقلــوب ــاال تهاب ــد ــصلي، وال تري ال ت

- ٣٠٣ -

تعالى، ومن بين مفردات الصالة والخشوع، تنبثق دنان الخمر لتغمر اللوحة نشوة تكفي قبيلة من الرجال، في كثرة خمرتها، وتنبعث النشوة من أشكال اللوحة، من صالة الشاعر وابتهاله، ومن دنان الخمر، وترافقها عناقيد العنب

.المتدلية من أغصان تزخرف اللوحة في أعالها، فيتفيأ الشاعر بظلهاالرمادي المشوب باألخضر الباهت، واألسود : تلون اللوحة ثالثة ألوان

بنطال الشاعر ولحيته وشعره - كاللوحات السابقة- يلون األسود. واألبيضوخفه، وبعض أوراق الشجرة، وظالل الشاعر والدنان، ويزخرف الرمادي المشوب باألخضر سجادة الصالة ورداء الشاعر وجزءا من خفه وبعض

.الدنان، ليصبغ الرمادي خلفية اللوحة ويضفي عليها هدوء الصالة

٢) الوصية( لوحة -٥ ١)الوصية( رباعية -٥

١٢٢، ص )٨٠(رباعيات عمر الخيام، الرباعية ) ١( ١٢١، ص )الوصية( لوحة )٢(

- وطال عمـر النـديم -يا نديمي بعد موتي، سقيا لعهـدي القـديم، بـدموع العــذراء، بنـت الكــروم

وبكأس السالف، قف فوق قبـري واسكب الخمر فوق عشبي وزهري

الكـأس، قطـرا؛ د ة، منعمة، دعم

وارحم الحي، كان كونـا، وحـاال

- ٣٠٤ -

يخاطب الشاعر، في هذه الرباعية، نديمه في شرب الخمر ويتمنى له يطلب منه، إن كان يحفظ الود القديم، أن يجمع الخمر من طول البقاء، و

عناقيد عذراء لم تمسها يد البشر، ويعصرها دموعا في كأس السالف، ثم يسكبها قطرة قطرة فوق قبره وعشبه وزهره، ودمعة تنساب حزنا على رجل

.كان له كيان وروح في حياتهحزنا وتحمل بيدها وفي اللوحة يأتي نديمه فإذا بحسناء ترتدي األسود

اليسرى كأسا سوداء تنساب منها قطرات الخمر دموعا قاتمة لتسقي عشب القبر، وتحمل بيدها اليمنى زجاجة الخمر، لتشي بكثرة الخمر وكثرة السكب على القبر والعشب واألزهار، ونلمح قبر الشاعر في يمين اللوحة بلونه

تزرع مفردات الطبيعة الرمادي واألبيض الموحيين بالحزن والصفاء،يعود . واللوحة أزهارا وأوراقا وعناقيد عنب متدلية من أعلى اللوحة

بعد غيابه في اللوحتين السابقتين، ليبث الحياة في أعشاب القبر -البرتقاليوأغصانه الملتفة وأزهاره المتفتحة، وفي حرارة عناقيد العنب المتناثرة،

ة، وثياب حداد المرأة النديمة، فضال عن ويترك لألسود قطرات الحزن الخمريبعض البقع المتناثرة بين أوراق الشجر الحزين، ويتفرد الرمادي بأحجار القبر ليحكي الحزن والكآبة أما الشاعر، فيختفي في هذه اللوحة، فال وجود لشخصيته المتميزة بشعره الطويل األسود ولحيته الكثيفة ولباسه الشرقي

.ترك وراءه قبرا ووصية يشيان بموته ورحيله األبدياختفى لي. المميزهكذا جادت الرباعيات وحاكتها اللوحات، فهل نجحت ريشة بيكار في محاكاة أدوات البستاني، وكيف حاكاها؟ وهل اكتفى بمحاكاة الترجمة أم غاص

في روح الخيام؟تكمن اإلجابة عن هذه األسئلة في إنشاء مقارنة بين الرباعيات

حات، لمعرفة أسلوب محاكاة المصور، وإذا قمنا بمقارنة بسيطة نتناول واللوفيها اللون في اللوحة، تقابله الكلمة في الرباعية، والضوء والظل عنصرين

:تشكيلين في اللوحة تقابلهما المستويات في الرباعية وجدنا

- ٣٠٥ -

اشتركت الرباعيات مع اللوحات في بساطة مفرداتها اللغوية - ١ إذ توسل البستاني أدواته اللغوية ليصنع صورا شعرية بسيطة في واللونية،

ألفاظها وتراكيبها، فحاكاه بيكار بالمثل مستعينا بألوان بسيطة متفردة، وخطوط منحنية منسابة، فغدا مبتعدا عن الزخم اللوني وتدرجاته الناجمة عن

.دمج األلوان المتعددةرارته مقابال الرباعيات التي جاء اللون البرتقالي في حسية ضوئه وح

تكثر فيها األفعال الحركية والطبيعة الفرحة الصاخبة، كرباعية النعيم المتحدثة التي تشي ) بقايا األسالف(عن أمنيات الشاعر ورغباته، ورباعية الخزاف

بالحركة المتمثلة في عمل الخزاف، فضال عن إيحاء البرتقالي بالحياة بعد تشي -على الرغم من مفرداتها الحزينة - التي ) الوصية(الموت في رباعية

.بإيمان الشاعر بالبعث وعشقه لذة الحياة بعد الموت

فال تكاد تخلو لوحة من . غلبت عناصر الطبيعة على اللوحات- ٢األشجار واألزهار وعناقيد العنب، بيد أن ثمة رباعيات ابتعدت عن مفردات

.عية الخزاف ولوحتها على حد سواءوربا) اهللا أكبر(الطبيعة كرباعية وتشف عناصر الطبيعة في اللوحات عن رغبة بيكار في بث الحياة، فضال عن اقترابه من الفن الفارسي الذي غدت الطبيعة في لوحاته ميسما

.يميزها من غيرها إذا كان الضوء يشي بالحسية، وكان الظل يحكي تقلبات الفكر - ٣

ات، فإن تشكيل الضوء والظل في اللوحات يغدو والالشعور، في الرباعيمنسجما مع مستويات المعنى والتعبير في الرباعيات، إذ نالحظ تنحي الضوء،

، )اهللا أكبر(ورباعية ) بالتراب قلوب(المتمثل في اللون البرتقالي، من رباعية لتظلل األلوان الرمادية حزن القلوب، ولتمسح الصالة بالخشوع والصمت

) النعيم(بينما يحضر الضوء البرتقالي ليتوازن مع الظالل في . سالمقدليحرك الطين ) الخزاف(ليبعث فيها الحياة، وفي ) الوصية(وليوحي بها، وفي

٢٠ م–الضوء والظل

- ٣٠٦ -

أما األلفاظ فتبدو واضحة تميل إلى حسية األشياء في . ويشي ببقايا األسالف..) الصناعةالكأس، الخمر، الدنان، الخزاف، رغيفان، زجاجة، (الرباعيات

..) مفيق، أهابا، أصهر، السعير، قبري، القفار، القصور(وتميل إلى الجزالة ، )المناجاة، اهللا، محجوب، ظليل(باستثناء بعضها الذي يشي بلطافة الظالل

بالتراب قلوب؛ (التي تتحول إلى ظالل غامضة تلف المعاني في رباعيتي ده وإيمانه، على الرغم من ؛ فتخفي وراءها روح الخيام ومعتق)واهللا أكبر

:اختفائها وراء المفردات الحسية، في مثل قوله للخزاف ارفق، فـسوف تطلـب رفقـا

من حريف، تزول أنت، ويبقـى

اسكب الخمر فوق عشبي وزهري: وقوله في الوصية ):اهللا أكبر(وقوله في

غير أني أرى المناجـاة سـرا

وابتهــالي بــين الــدنان أبــرا . صاحبها من خالل حكم متناثرة وراء مفرداتهالتحكي عمق

تفرغ "وتجدر اإلشارة إلى أن بيكار حين أسندت إليه مهمة رسم اللوحاتتماما من كافة التزاماته الفنية وشرع يبحث في الدراسات التي تناولت

، وهذا يفسر لمساته الخيامية على اللوحات والمتمثلة في )١("عمر الخيام"الشاعروجه الشاعر من كآبة وتجهم واستمتاع وحيرة، وفي األلوان الرمادية تعبيرات

في كآبتها والبرتقالي في حرارته، ويفسر أيضا اللمسات الفارسية المتمثلة في .األزياء والطبيعة

وعلى الرغم من ذلك كله، حاكى بيكار الرباعيات محاكاة دقيقة، فأعاد ته إيضاحية ألسلوب البستاني صياغتها صورا بصرية ملونة، وجاءت محاكا

في ترجمة الرباعيات، وغدت اللوحات وسائل إيضاحية أكثر منها إبداعية،

الترجمة التشكيلية لرباعيات الخيام كما صاغتها ريشة الفنان حسين "العربي، فتحي،) ١( من موقع االنترنت - فهرس ورقة من حياة فنان- مجلة التشكيلي-"بيكار

www.altshkeely.com.

- ٣٠٧ -

لتكرار ماقاله البستاني ونقله حرفيا إلى اللوحة مع إضفاء لمسات خفيفة تشي بأسلوبه التصويري فاقتربت لوحاته من تلك التي تقبع في قصص األطفال

.ا يحرك الخيال ويساعده على فهم المغزىالمصورة وتمنحها بعدا بصري

:الخيام بين ترجمة البستاني وتشكيل بيكاررباعيات الخيام تصور الخيام للمطالع رجال " أن)١()فيتز جيرالد(يرى

مستهترا بالشراب، ماجنا شهوانيا، فانيا في حب ذاته وشهواته، زائغا عن هدفه األسمى في الحياة اجتالب السرور التقاليد، متمردا على األخالق، جاعال

واالنغماس في الملذات، فهو لم يكن مثل سائر الفالسفة والحكماء ممن جاهدوا في نشر الفضائل وعملوا لتثبيت دعائم األخالق الرفيعة وقدموا عصارة أدمغتهم ونتائج قرائحهم فداء وقربانا لإلنسانية المفعمة باألتراح المألى من

افلة بالجور والظلم والبؤس، وآراؤه في الحياة غير مستندة إلى األوجاع الحأسس الخير وال ذات فائدة للناس وأن أفكاره الفلسفية مبتناة على السلب ال اإليجاب، وهدم النظام االجتماعي، وما هو إال شاعر وليس بالفيلسوف المغرم

.)٢("بالفضيلةلعل الخيام بالغ في هل حدثتنا الرباعيات عن شيء من تلك الصفات؟

وسيلة إلى "عشق الخمر، بيد أنه لم يعشقها لذة وسكرا فحسب، وإنما وجد فيها، )٣("النجاة من آالم الحياة، مثلما رأى المعري في المنية الوسيلة إلى ذلك

، ١٨٥٩شاعر إنكليزي، استوحى من الخيام روحه ونظم رباعياته ألول مرة عام ) ١(، وجاءت ترجمته إلى االنكليزية بعيدة عن األصل، ١٨٦٩وطبعت للمرة الثانية عام

ولكن عليها مسحة من شاعرية الخيام، ونقلها البستاني إلى العربية من اإلنكليزية .)راجع الرباعيات، ترجمة البستاني.(فأبعدها عن األصل أكثر

- ١٩٦١ - الطبعة الثالثة- بغداد-الصراف، أحمد حامد، عمر الخيام، مطبعة المعارف) ٢( .١٠٢ص

.١٦١المرجع نفسه، ص) ٣(

- ٣٠٨ -

فالخيام أوصى بسكبها على قبره بعد موته، أيشعر الميت باللذة أو باللهو والعبث في القبر؟

، وبالغ )١("دواء كما يتخذ المريض الدواء لمرضه"ام الخمرةاتخذ الخياهللا (في التغزل بها ووصفها، فدمجها بالصالة واإليمان مثلما فعل في رباعية

ظن جماعة من الباحثين أن السالفة التي يتغنى بها الخيام في "، حتى)أكبروهي ) السكر المقدس(أو ) خمرة الحقيقة(أي ) سالفة الحب(رباعيته هي

، الخيام لم يتغزل ..الخمرة الخيالية التي ينشدها شعراء الصوفية في قصائدهم، فالخمرة لدى )٢("بخمرة وهمية وإنما تغزل بالمشعشعة الحمراء بنت الكروم

الخياميين رمز إلى الكآبة والهرب من الحياة، إذ شربوا الخمرة وبالغوا في الوجود في لحظة سكر شربها، بغية الوصول إلى ماوراءها وما وراء

وانفصال عن الواقع، بيد أنهم أدركوا اللذة وشبعوا منها دون معرفة ماوراءها، وهم على عكس الديونيسيوسيين الذين غدت الخمرة لديهم رمزا

.إلى اللذة والغريزة البدائيةلم يكن الخيام شاعرا مستهترا بالخمر وال ماجنا شهوانيا ماديا كما "، وإنما كان حكيما متفردا له عقيدة خاصة تعبر عن ) جيرالدفيتز(ادعى

بقايا (و) بالتراب قلوب( وتشي رباعيتا .)٣("مزاجه ومذهبه ورأيه الفلسفي، إذ عرفت )٤()مصير الجسم بعد الموت(أو الخزاف، بعقيدته في ) األسالف

ائال تكريم الجسد موصيا الخزاف بالرفق عند جبله الطين، ق"عنه مبالغته في، وكذلك حين أوصى في المشي )٥("إنها أجسام بشرية يجب أن تعامل بالحسنى

.باتئاد على األرض رفقا بالعذارى المتواريات في أديمها

.١٦١ نفسه، ص السابقالمرجع) ١( .١٦٢المرجع نفسه، ص) ٢( .١٠٤المرجع نفسه، ص) ٣( .،١٦٥عمر الخيام، ص) ٤( .١٢٥ص) تكريم الجسم بعد الموت(ه، راجع المرجع نفس) ٥(

- ٣٠٩ -

أفضى بالخيام، شربه الخمر وتأمله في مفردات الوجود وأسئلته عن شائما لم يكن مت"مصير اإلنسان، إلى ميله نحو االعتقاد بفلسفة التشاؤم، فالخيام

. ماقتا للحياة، ألنه متع نفسه بالملذات ولم يقصر في اقتناص ساعات السرور التشاؤمية، )١("بيد أن شكوكه ويأسه وآالمه دفعته إلى األخذ بالفلسفة السلبية، )اللون األسود(إذ نلمس حيرته وميله إلى العدم في رباعياته ولوحاتها في

وما تمنى العدم والفناء إال ألنه كان تمنى العدم وآثره على الوجود، "فقدفهو الذي خاطب اإلله . ويحاول الهرب منهما إلى الخمرة والتشاؤم)٢("يخافهما

سكبت . ياإلهي حطمت إبريق مدامي، وأوصدت باب األنس في وجهي" :قائال، وهو )٣("على األرض خمرتي الوردية ترابا بفمي، هل أنت سكران ياربي

أنا أشرب الخمر، ": حين توسل الخمر قائال)٤( بالجبريةالذي أوحى بإيمانهويشربها كل من هو أهل لها مثلي، فإن شربي لها ليس مستبعدا في نظر العقل، ألن اهللا كان يعلم منذ األزل بأني سأشربها، فأنا إن لم أشربها فعلمه

لى، ، وثمة رباعيات للخيام تدل على إيمانه العميق باهللا تعا)٥("يكون جهال :يخاطبه من خاللها خطابا روحيا متصوفا يقول

تخفي عن الناس سـنا طلعتـك

)٦(وكل مافي الكون من صـنعتك

.١٣٣ -١٣٢المرجع نفسه، ص) ١( .١٣١المرجع نفسه، ص) ٢() ٤٨( وفي رباعياته، ترجمة البستاني انظر الرباعية -٢٣٢المرجع نفسه، ص) ٣(

.٩٠ص الفعل والقدرة على الفعل عن العبد، ويثبتون القدر، ي أتباعهافرقة ينف: الجبرية) ٤(

اهللا تعالى يخلق الفعل ويخلق في اإلنسان مقدرة متعلقة بذلك الفعل، وال ويقولون بأن .١٧٥ للتفصيل راجع المرجع نفسه -تأثير لتلك المقدرة في الفعل

ترجمة ./ ١٠٨ص) سكير) (٦٦( المعنى ذاته في الرباعية -١١٩المرجع نفسه ص) ٥( .البستاني

سية الشاعر أحمد رامي، مكتبة الخانجي رباعيات الخيام، ترجمها نظما عن اللغة الفار) ٦( ١٠٤ص . ١٩٥٣، ٥ ط - القاهرة –ومكتبة المثنى ببغداد

- ٣١٠ -

ــذي ــت ال ــاله وأن ــت مج فأن

ترى بديع الـصنع فـي آيتـك عالم األسرار علـم اليقـين يا

كاشف الضر عن البائـسين يا

يا قابـل األعـذار فئنـا إلـى

ــائب ــل توبــة الت ينظلــك فاقبيستحق الخيام دراسات مطولة ومتفردة، ونحن هنا حاولنا استقصاء

بعض صفاته من خالل سطور رباعياته وألوان لوحاتها، في عدمية األسود وتشاؤمه، وكآبة الرمادي، واتقاد البرتقالي لذة تحكي روح صاحبه، فضال عن

التي تضافرت مع تعبيرات الوجه المتقلبة بين التأمل والتجهم والحزن والحيرة لتحكي شاعرا فيلسوفا ) بالتراب قلوب(، )اهللا أكبر(، )الوصية(رباعياته في

تجاوز الشعر والتصوير، ليدخل في الوجدان العربي لحنا موسيقيا تترنم به .كل شفة عربية

هكذا عبر بيكار، بالخطوط واأللوان البسيطة، عن رباعيات الخيام، اقترب من اإليضاح، وحاول إبراز معالم الحضارة فحاكى أدوات البستاني، و

لو وجد : وهنا يحضرنا سؤال مهم. الفارسية، على الرغم من عدم انتمائه إليهامصور فارسي قرأ رباعيات الخيام في لغتها الفارسية ورغب في محاكاتها،

فكيف ستغدو محاكاته إيضاحية أم استيحائية أم وصفية؟

:الفارسي حجت اهللا شكيبرباعيات الخيام والمصور

رباعيات الخيام باللغة الفارسية، " حجت اهللا شكيب"قرأ المصور الفارسي، تشف عن روح الحضارة )١(فقام بتصويرها في لوحات ماثلة في كتاب الخيام

تلك المعالم التي أشار إليها بيكار . الفارسية وتبرز معالم فن التصوير الفارسي .عة وهيئات األشخاصومثلها في مفردات الطبي

الطبعة ،"هنر سراي كويا" في طهران، منشورات دار) عمر حكم الخيام(طبع كتاب ) ١( .٢٠٠٥الثالثة

- ٣١١ -

الفرنسية : رباعياته المترجمة بأربع لغات) عمر الخيام(يضم كتاب البستاني : واإلنكليزية واأللمانية والعربية التي بدورها ترجمها أربعة أدباء

ويعد الكتاب بالغ األهمية الحتوائه على ثالثة . والنجفي ورامي والسباعيللمصور ) لوحات الرباعيات(صوير ، وفن الت)الرباعيات(فن الشعر : فنون

، "يونس خانلر زادة"شكيب، وفن الخط الذي كتب الرباعيات، وخطه الخطاطومن هنا آثرنا اختيار لوحتين، تضم إحداهما رباعية مكتوبة بالخط الفارسي،

. فضال عن لوحة مصورة، أما الثانية فهي لوحة مصورة ال تضم أية رباعية : اب، قمنا باختيار اللوحتين لألسباب التاليةوفضال عن أهمية الكت

محاولة اكتشاف نمط جديد للمحاكاة بين فن التصوير وفن الشعر - ١ .المنبثقين من حضارة واحدة

إبراز أثر الحضارة في فنانيها، وتوضيح الفرق بين محاكاة العمل في - ٢ . لغته األصلية ولغته المترجمة

وير، من خالل رسم بيكار، وتصوير إبراز الفرق بين الرسم والتص- ٣ .شكيب

إذا تأملنا في لوحة الرباعية، وجدنا لوحتين متقابلتين، تشتركان في خلفية توحي بأنها جدار تشققت قشرته الكلسية فشف عن صور خفية في داخله، وتمثل الصور ثالثة وجوه لحسناوات، وال ندري إن كانت وجوه ثالث

ثالثة وجوه لحسناء واحدة في مراحل مختلفة من فتيات من أعمار مختلفة، أم تتوزع الوجوه في اللوحة كأن أحدها ينبثق من اآلخر في انسجام . عمرها

يضفي إيقاعا بصريا تتكسر نغماته مع تكسر القشرة، وتنساب عند تفصيالت الوجوه، ليكشف عنها ضوء متفاوت في درجاته، يضيء العنق والخد، ويأخذ

ق البعيد، فتأتي الظالل لتبرز جماليته حين تتكاثف لونا أسود العيون إلى األفيلون الحاجب وخصالت الشعر، ويتغلغل في ثنايا تكسرات القشرة فيضفي عليها إيحاء بالعمق، وليترك األلوان البيضاء تبرز أماكنها المسطحة نحو

- ٣١٢ -

ء الخارج، ومن بين األضواء والظالل في تدرجاتها وإيقاعاتها، يشكل الضوقرطا لؤلؤيا براقا، يزين أذن الحسناء فينسجم بريقه مع لون بشرتها البيضاء

وحتى يكتمل إيقاع األلوان، ينضم العود إلى الوجوه، . المشوبة بالصفرةفتلتقطه أنامل مخضبة، فإذا به يرسم سيمفونية المرأة بنغمات الجمال

ح المنعكس معالم والموسيقا، ومن التأمل في العينين، والصفاء في الرو :مالئكية تحكي الرباعية كلماتها

أرى كل خـالن الوفـا تفرقـوا

)١(فبين صريع للـروى وقتيـل

شربنا شرابا واحدا غير أنهـم

به ثملـوا مـن قبلنـا بقليـل ثملت العيون ترقبا لخليل غاب وابتعد، وتجمدت نغمات عود مات

أزهار اللوتس في أعلى الكتابة فأعادت األنامل األمل إليه، وتناثرت. صبرهوأسفلها، لتوشي األزرق المائي فتغدو وكأنها حبات لؤلؤ غاف على وجه

وأضاء األبيض الترابي خلفية الكتابة وشكلت الظالل حروفها، . الماءواندمجت القصيدة باأللوان، فغدت لونا وظال، ينتظر اجتياح البني المائل إلى

ينساب من أعلى اللوحة وكأنه في حالة ذوبان، االحمرار في حرارته، وهو أما األزرق في برودته، فيتساقط كحبات المطر، ليخلق االعتدال مع حرارة

.البنيلونت األلوان المائية اللوحة، فأضفت عليها اإلحساس بالحركة واالنسجام، وجاءت الحركة من سيالن البني وانهمار األزرق وتناوب الضوء

القشرة المكسرة، وتشكل االنسجام من تكرار األلوان، والظل في تدرجاتكتكرار اللون البني المشوب بالحمرة في العود وفي البقعة الكامنة في أعلى الكتابة، وتدرج البني في ألوان ترابية متناوبة بين القوة والخفوت، ليشكل

كمل ومن ثم يأتي األزرق لي. الوجوه ويتناثر بينها، من خالل ضربات الريشة

، ص ٢٠٠٥، الطبعة الثالثة ، طهران"هنر سراي كويا"عمر حكم الخيام، منشورات دار) ١( ).٣٠( )٢٩(انظر اللوحتين / .٩١

- ٣١٣ -

حالة االنسجام، فيربط بين زهرة اللوتس والمرأة من خالل ضربات زرقاء خفيفة متوزعة في أسفل الوجوه الحسان، وينبثق األخضر من يمين اللوحة،

.لتتابعه عيون الحسناء، وكأنها تنظر من خالله إلى األمل على الرغم من وضوح مفرداتها فتحكي -تميل اللوحة إلى الرمزية

ماأراده المصور حين ربط األزرق بين اللوتس وجمال المرأة وقرطها األلوان اللؤلؤي، فاللوتس زهرة جميلة ضعيفة في آن معا، تتفتح لتذهب إلى الذبول، فهل تشبه المرأة؟ وهل تمثل الوجوه مراحل عمرها من تفتح الشباب إلى

فيا مقارنة أفوله؟ وإذا الحظنا الوجه الثالث في أعلى اللوحة الذي يبدو متخبالوجهين اآلخرين، وجدنا انحسار الضوء وغلبة الظالل عليه، وكأنه يغرق

أما الوجهان اآلخران فيبدوان مغمورين ببريق . في ألوانها محاوال االختباءفهل يخبرنا المصور أننا ظالل عابرة ورسوم قابعة في . الشباب وتوهجه

لترابية المشكلة للقشرة المتشققة جدار مآلها إلى الزوال؟ وهل جاءت األلوان ا لمسة تؤكد نظرته إلى الفناء؟

وإذا انتقلنا إلى اللوحة الثانية الخالية من الكتابة، لمسنا اشتراكها مع اللوحة السابقة في األلوان الترابية وتكسرات الخلفية الموحية بالجدار، وتألق

وردة الجورية التي المرأة وجمالها فضال عن الموسيقا وأدواتها، وعبير ال .انتقلت من لطافة اللوتس األبيض، إلى صخب األحمر الجوري

تمثل اللوحة ثالثة أشخاص، رجال يعزف على العود، وصبيا ينقر على الدف، وامرأة حيرى منتظرة، تسند رأسها على يدها اليسرى وتمسك بأناملها

ومثل . سكينة المرأةاليمنى وردة جورية اليلبث أن يستسلم صخبها ليتأثر باللوحة السابقة تنبثق الصور من خلفية متكسرة تشي بالقدم والفناء، وتضفي عليها الصور المألى بالحيوية في ألوانها وأشكالها الحياة لتتناوب اللوحة بين الفناء والوجود، بين صخب األحمر قوته وبين هدوء األزرق وانحساره

، يغلب البني المشوب بالحمرة على أرجاء مقارنة بوجوده في اللوحة السابقة

- ٣١٤ -

اللوحة فيظلل ثوب الفتاة، وواجهة العود، ويتغلغل في ثنايا الدف ويرسم لحية العازف على العود، وجزءا من عمامة الصبي، ويتناوب مع األسود واألبيض ليبرز تشققات الخلفية، وظاللها وأضواءها، فيلون األسود ظالل شعر الفتاة

ينحسر أمام ضوء وجهها المشوب بالصفرة، ويستقر على تفاحة وحاجبيها وليبرز نضارتها، ويتجاوزها إلى وشاح يلفها، تشكله ظالل الطيات المختفية،

بينما يلون األبيض عمامة عازف العود وأجزاء . وضوء الزخارف البارزةا وكم. والجزء العلوي من رداء الفتاة ليؤول رماديا عند أكمامه. من لباسه

ذكرنا ينحسر األزرق في هذه اللوحة ويكتفي بتلوين أماكن متفرقة فيها، فيلون السماء المتأللئة في أعلى اللوحة والمطلة عليها إطاللة البدر من بين الغيوم،

. ثم يوشي العود بالزخارف النباتية، ويلتف حزاما على خصر الصبيوهناك، في الجدار واألزهار ويتالشى رويدا رويدا ليغدو بقعا متناثرة هنا

الذابلة بجانب عازف العود، ومن ثم تنتهي حدوده عند عين الفتاة ليؤول لطخة زرقاء خفيفة تضفي إشراقا على وجهها، وتبرز قتامة شعرها، كأنها زهرة آثرت قتامة األسود موطنا لها، أما األحمر الصاخب فيلون الوردة ورداء

عمامة عازف العود، ويضفي على وجه الفتاة الصبي، والعصا المنبثقة من وفي الجهة المقابلة، ومن بين صراع األلوان . حمرة الخجل واإلشراق معا

الترابية وتموجاتها المائية، تنبثق آنية خمر فقدت كأسها ومن ثم شاربها ونلمح على واجهتها زخرفة دقيقة لظبي أبيض توحي حركة أقدامه . وخليلها

ويظهر اللون األخضر ليفاجئ اللوحة كسابقتها، ويلون . سيربالتمايل في الالحياة المنبثقة نباتا من صخرة تطل من نافذة السماء ويخفف حدة البني في

.لوحة زجاجة الخمرمن خالل اللوحتين " حجت اهللا شكيب" واآلن كيف حاكى المصور

ما الفرق السابقتين الرباعيات؟ وهل أثرت الحضارة الفارسية في أسلوبه؟ وبينه وبين بيكار في قراءة روح الخيام من خالل اللوحات؟ وما دور الضوء

والظل في أسلوب المحاكاة؟

- ٣١٥ -

روح الخيام وروح الحضارة الفارسية، فاعتمد " حجت اهللا شكيب"حاكىعلى ثنائية الكشف والحجب من خالل الضوء والظل، حجب بالقشرة

من داخلها، مال إلى الرمزية في المتكسرة، وكشف عن الصور فجعلها تنبثق التعبير عن روح الخيام، عبر عن عشق الخيام اللذات المتمثلة في جمال المرأة والخمر والموسيقى، وفي الوقت نفسه، فهم ميوله إلى الفلسفة التشاؤمية وإيمانه بالقدر فأبرز تلك النظرة من خالل حتمية فناء اللوتس وذبول جمال

.لخلفية الجدارية اآليلة للزوالالمرأة، وتشقق اجسد شخصية الخيام في تقلباتها وحيرتها واشتعالها من خالل األلوان المائية المتقلبة الموحية باالستمرار والحركة، والتي تبث الشعور بالحيرة من خالل تدرجاتها المتعددة وعمقها السحيق، ولم يكتف بالتعبير عن روح الخيام،

ه بالحضارة الفارسية وأسلوب فن التصوير الفارسي الذي وإنما تأثر أسلوب :تمثلت صفاته فيما يلي

عدم تجسيد البعد الثالث، على الرغم من استخدام الضوء والظل في - ١إبراز المناطق المقعرة والمسطحة في األشكال، واختفاء الخلفية المعبرة

رسم ستارة األفق والسماء، إذ أصبح يرمز إليها في بعض األحيان ب"عن .)١("أو نافذة

).الزهور، السماء، المياه( تجسيد مفردات الطبيعة - ٢، فإذا تأملنا في )٢("تجسيد بعض مفردات الطبيعة على هيئة الحيوانات" - ٣

الصخرة المطلة من النافذة في اللوحة الثانية، وجدنا شكال يوحي برأس فارسي تجسيدهحيوان غير واضح المعالم، إذ عرف عن فن التصوير ال

.)٣("الصخور بشكل اسفنجي وتشكيل بعضها على هيئة الحيوانات"

. الفن الفارسي- صفحة فنونArabic.sakhr. comانظر موقع االنترنت ) ١( .نفسهالموقع ) ٢( .الموقع نفسه) ٣(

- ٣١٦ -

انتماء المصور إلى المدرسة التصويرية الصفوية، ويوضح هذا أسلوبه - ٤غطاء الرأس المكون من عمامة مرتفعة باستدارة يبرز من "في رسم

، )١("أعالها عصا صغيرة حمراء تمثل شعار األسرة الصفوية وأتباعهم .وهذا مانجده في عمامة عازف العود

اهتمام المصور برسم الزخارف الدقيقة التي تزين العود والثياب - ٥وتعد هذه الدقة في تشكيل الزخارف ميزة من مزايا الفن . والوشاح .الفارسي

انسجام بين نسب األشكال اآلدمية واألشكال " حرص المصور على خلق- ٦ .)٢("األخرى المحيطة بها

.)٣("البراقة والساطعة التي توحي بالحيوية"ستعمال األلوان المائية ا- ٧نالحظ مما سبق اختالف أسلوب محاكاة المصور شكيب عن أسلوب بيكار، فمال بيكار إلى المحاكاة اإليضاحية وإلى الرسم مقارنة بتصوير شكيب، بينما استخدم بيكار األشكال البسيطة المرسومة بالخطوط، واأللوان

متفردة دون مزج أو اندماج، بينما غاص شكيب في صراع األلوان الواندماجها العميق، وعني بتجسيد األشكال والعناصر الطبيعية عناية فائقة أهملها بيكار، فحين رسم بيكار القمر رسمه دائرة في السماء وحين ظلله بالغيوم رسمها خطوطا متعرجة، أما شكيب فأبرز ثنيات وريقات الوردة

زخرفها باألشكال الحيوانية في دقة . لجورية باهتمام، وحتى زجاجة الخمراالمتناهية وهذا مايؤكد أثر الترجمة في إبعاد النص عن األصل، فمثلما حاكى البستاني شعر الخيام من خالل الترجمة االنكليزية، حاكى بيكار لوحاته من

روح الخيام، وإذا في-كما ذكرنا-خالل أدوات البستاني، وإن حاول الغوص

. الفن الفارسي- صفحة فنونArabic.sakhr. com انظر موقع االنترنت )١( . الفن الفارسي– الموقع نفسه، صفحة فنون )٢( . الفن الفارسي–فحة فنون الموقع نفسه، ص)٣(

- ٣١٧ -

كان لم يصل إلى عمق شكيب، فألنه ال ينتمي إلى الحضارة الفارسية ومن ثم .ال يستطيع أن يفهم روحها

تحاورت فنون النحت والتصوير والشعر بأدوات متعددة فأثمرت، إلى انفعالي ) أبو ريشة وكاجوراو(وتعددت أساليبها، فمن أسلوب وصفي

أما األسلوب الفارسي ). بيكار(م إيضاحي ، ث)وضاح ونزار(واستيحائي المتمثل في محاكاة شكيب لرباعيات الخيام فيمكننا أن نقول عنه إنه أسلوب حضارة متكاملة، غير قابلة لالنفصال، مثلها مثل سيمفونية تشكل نغماتها

.إيقاعا متكامال، تغدو نغماته فنونا منسجمة تحكي روح حضارتها أو عصرهاا أن نعزو حوار الفنون في تقاربها إلى واسطة الضوء واآلن يمكنن

والظل التي البد من وجودها في كل فن لغة مثمرة في الحوار، فحين يكشف الضوء عن العمل التصويري، يمثله صورا بصرية منتقلة إلى مخيلة الشاعر الذي يغدو متلقيا حين يشاهد العمل ومبدعا حين يحاكيه صورا شعرية، أما

ن يقرأ المصور القصيدة فإنه يتجاوز أدواتها اللغوية إلى صورها الشعرية حيالمظللة التي تغدو بدورها تصويرية يضفي عليها ظالل نفسه ويصوغها

.بأدواته، فتبتعد عن المطابقة لتقترب من التعبير واإليحاءإن األدوات تفرق بين الفنون والواسطة تجمع، فلوال : وخالصة القول

والظل لما كان الكشف والحجب في التصوير، والنحت يقابله الوضوح الضوء ولما كان العمق الناجم عن البعد الثالث في التصوير . والغموض في الشعر

.الذي يغدو ظالال شعرية تتجاوز البعد الثالث إلى أعماق النفس السحيقةإن العمل الفني ":فهل صدق الشاعر األمريكي عزرا باوند حين قال

مثمر حقا هو ذلك الذي يحتاج تفسيره إلى مائة عمل من جنس أدبي آخر، الوالعمل الذي يضم مجموعة مختارة من الصور والرسوم هو نواة مائة

؟)١("قصيدة

.٧قصيدة وصورة، ص ) ١(

- ٣١٨ -

- ٣١٩ -

خامتة ونتيجة

قام البحث على فكرة التقارب بين الفنون من حيث تعبيرها عن غاية

الغاية الواحدة فهي التعبير اإلنساني واحدة مع اختالف األدوات والوسائط، أما عما ينتاب اإلنسان من أحاسيس أو يراوده من أخيلة أو يشغله من أفكار إزاء هذا الكون الغامض، وكأنه يحاول أن يجيب بالفن عما تجيب عنه الفلسفة

.بالفكرولما كانت األدوات تؤدي ال محالة إلى اختالف الفنون، على الرغم من

، كان البد من البحث في األدوات فضال عن الوسائط التي لعبت وحدة الغايةدورا مزدوجا في تعدد الفنون من ناحية وتقاربها من ناحية أخرى، وإذا كانت األدوات هي التي تؤدي إلى االختالف، فإن الوسائط هي التي تؤدي إلى

األصباغ ومن المسلم به أن األدوات هي األلفاظ في فن الشعر، و. التقاربفي ) قبل تشكيلها باإلزميل والمطرقة(في فن التصوير، والكتلة ) قبل مزجها(

أما الوسائط فهي أسلوب . فن النحت، والحركات قبل تنسيقها في فن الرقصاستخدام هذه األدوات في التعبير عن مظهر معين، وهذا االستخدام يقتضي

.ما في الفنونالضوء والظل والتناوب بينهما، والكشف عن تجلياتهوقد تبين لنا أن الضوء والظل يمثالن جزءا من جوهر اإلبداع في العمل الفني، ألنهما يمثالن في األصل تقلبات النفس اإلنسانية في إدراكها

. للوجود بوضوح أوغموض أو بمزيج منهما ينعكس في معادلة الضوء والظلمما يضفي االنسجام أو وإمكانية توازنها أوتغليب أحد طرفيها على اآلخر،

.التناقض بين وسائط الفن الواحد، أوبين فن وآخر

- ٣٢٠ -

وقد رأينا كيف ناسبت اآللية التشكيلية للضوء والظل تجليات الكتلة والفراغ في فنون النحت والتصوير والشعر، وكيف تمثل االختالف في

من جهة، وفي تجليات الكتلة والفراغ بما يناسب ) المصطلحات(التسميات .اختالف طبيعة كل فن وأدواته، من جهة أخرى

ففي النحت، كشف الضوء عن الكتل المادية المحسوسة ذات األبعاد الثالثة، فوضح أماكنها المسطحة، بينما غابت الظالل في أماكنها المقعرة وفجواتها، في طريقة تجريبية واقعية، لجأت إلى قوانين الطبيعة وضوئها

.الفيزيائي الحقيقيقتراب التصوير من ال التصوير، كانت نسبة الضوء والظل معياراوفي

النحت في مطابقة أشكاله ألحجامها في الواقع، أو االبتعاد عنه نحو تجريدية الشعر، حين ظهر التصوير االنطباعي الذي آلت أضواؤه وظالله ألوانا،

لنفس في والتصوير الرمزي والسريالي الذي تجاوز القواعد إلى التعبير عن ا .صور حلمية مألى بالظالل

وبقدر تقيد المصور بقواعد المنظور ومحاولة خلق البعد الثالث عن طريق اإليهام بالضوء والظل، يقترب عمله من عمل النحات في تعامله مع

وبقدر ابتعاد المصور عن االهتمام بتفصيالت . الكتلة في الفراغ الحقيقيالظل إلى ألوان مندمجة في انسجام موسيقي، الشكل، وتحويل الضوء ومثله

.يقترب التصوير من تجريد الشعر في إيحائه وتعبيرهوقد لمسنا صعوبة دراسة الضوء والظل في الصوت والصمت في الشعر الشفاهي، بكونهما من تجليات الكتلة والفراغ، بينما سهلت المهمة في

فراغا تشكيليا، إلمكانية ) فحةفراغ الص(دراسة الكلمة كتلة والفراغ الطباعي قراءة الشعر قراءة بصرية تدخل فيها حاسة البصر إلى جانب حاسة السمع، فيغدو توزيع الكلمات في فراغ الصفحة، تعاونه عالمات الترقيم، مشابها لتوزيع األشكال في فراغ اللوحة، ومختلفا عنها في قدرة الكلمة بذاتها، على

- ٣٢١ -

أما الشكل فمهما . ما تحمله من ظالل في طبيعتهابث الصور الموحية، لتعددت ظالله ليقترب من الواقع، يبقى واضحا في معناه الذي تؤكده األشكال

.األخرى المحيطة بهوالحظنا دور الضوء والظل في الشعر الشفاهي المسموع، فعلى الرغم

ماعي، فإن من تعامل الشاعر مع الضوء في انتقائه األلفاظ من رصيد اللغة الجألفاظه نفسها تشكل صورا مظللة تلقي ظاللها في مساحات الصمت لديه، ورأينا غلبة الضوء في اقتراب اللفظ من المعنى في وضوحه، وغلبة الظالل في االبتعاد عن المعنى المباشر واالقتراب من المغزى الذي تشي به تعددية الصور الشعرية،

ل المترامية، ولتمنح وقتا زمنيا أطول فتزداد مساحات الصمت لتغطي الظال .يساعد المتلقي في عملية إدراكها عن طريق الحدس الذي يعد ظال بذاته

أما في الكلمة والفراغ الطباعي، فوجدنا ما قدمته الكتابية من أدوات تساعد الشاعر على تجسيد انفعاالته، فهو حين يرغب بالصمت، ال يكتب

مات الترقيم أو يترك مساحات فارغة في الصفحة الكلمات وإنما يضع عاللتشي بالسكون والصمت، وتستقبل ظالل الصور الشعرية الكامنة وراء الكلمات، فضال عن قدرة الفراغ على منح المتلقي لحظات من الزمن فيحاول االنفعال بمعاني الصور ومن ثم إدراكها، بينما تغدو الظالل سكونا والضوء

ل عناصر الحركة والسكون في فنون النحت والتصوير حركة في تشكيمن ألوان ) الوسائط(فيتآلف الضوء ومثله الظل مع بقية العناصر . والشعر

فضال عن تأكيد الضوء لعناصر السرد الحكائي وإبرازه . وخطوط وتكويناتاألحداث تساعده الظالل في حجب األفعال واألشكال التي يرغب الفنان في

ومن ثم لمسنا آلية عمل الضوء الظل في نفس الفنان . ض عليهاإضفاء الغموالفنان، وكثافة ظالل ال ) أنا(من خالل تقلب النسبة بينهما، فمن وضوح ضوء

شعوره وتعددها يخرج المستوى الالشعوري، متوسال األقنعة والرموز والصور المظللة التي قد تختفي بدورها وراء ألفاظ حسية وصور وصفية

.، تقارب بين أساليب الفنانين في معالجة الموضوع والتعبير عنهواضحة٢١ م–الضوء والظل

- ٣٢٢ -

وخلصنا إلى أنه حيث تكاثفت الظالل الفكرية عند الفنان غدت عتمة موشاة بومضات تأملية ومن ثم شكلت العتمة المضاءة أسلوبا مشتركا بين

د أما حين تفر. الشاعر والمصور في التعبير عن الفكر والنفس اإلنسانيةالضوء في وضوحه وحسيته وغمر األلفاظ والصور في وصف الجسد اإلنساني نحتا وتصويرا وشعرا، فقد دفع الفنان إلى الميل نحو المستوى الحسي، وحسر الظالل التي حاولت التجلي في صور متفرقة قليلة كشفت

اللغوية والتصويرية، فحكت ال شعور صاحبها وهفوات الصور عنها بعض وحين تداخلت فنون النحت والتصوير والشعر، واستخدمت لغة الضوء . نفسه

والظل لغة حوار بينها، فتمثلت في نماذج فنية منجزة، حاكى من خاللها الشعر النحت، والتصوير الشعر في أساليب مختلفة، نجم اختالفها عن اختالف

عن أدوات فنونها واختالف المكان والزمان والثقافة بين فنانيها، فضال .اختالف نسب الضوء والظل فيها

فحين حاكى أبو ريشة تماثيل كاجوراو، مال إلى الظل في صفاته المتحولة المقنعة والمتقلبة بين روحي الحضارة العربية والهندية، وبين رهبة

فضال عن ظالل اإليحاء الكامنة في طبيعة اللغة . الشاعر، وتعبد النحاتضوء على المنحوتات لطبيعتها الحسية، وجرأة عمل بينما غلب ال. الشعرية

. نحاتها الناجمة عن وضوح المناسبة في ذهنه، إذ كان واعيا لطقوس ديانتهأما أبو ريشة فمال إلى وصف ما شاهده، ودمج في صوره الوصفية انفعاالته

.وروح حضارته

أما المصور وضاح السيد، فحاول خلق االنسجام بين لوحته وقصيدة زار التي قرأها وقرأ نزار من خاللها، فإذا به يعادل بين الضوء والظل ن

- ٣٢٣ -

التشكيليين والنفسيين على حد سواء من خالل تقسيم اللوحة إلى أجزاء، وتوزيع الضوء والظل فيها بما يناسب الضوء والظل في مقاطع القصيدة، فإذا

.بوضاح يستوحي أفكار نزار ويعبر عنها بالضوء والظل واللون

ويقترب بيكار في لوحاته من األسلوب اإليضاحي، على الرغم من وصفات عصره التي انعكست على أشكال هاستيحائه روح الخيام وفكر

اللوحة، وغلبت الظالل على اللوحات مقارنة بضوء الرباعيات التي عربها البستاني، فهو في نقله الرباعيات من اإلنكليزية، ابتعد عن ظالل الخيام

أما ظالل اللوحات . ت ترجمته ضوئية في وضوحها وحرفية لغتهاوجاءالقابعة خلف تعبيرات الوجوه واأللوان، فقد نبعت من قراءة المصور أفكار الخيام، إذ راح يوضح، متوسال الضوء، تعريب البستاني في بساطة األشكال،

ه ويميل إلى الغموض الخيامي من خالل تجسيد ظالل التعبيرات في الوجو، فحاكى روح "حجت اهللا شكيب" أما المصور.ومفردات الطبيعة واأللوان

حضارته الفارسية، مثلما حاكاها الخيام، فعبر عنها خير تعبير من خالل الضوء والظل وتجلياتهما في الكشف والحجب ومن خالل األلوان المائية في

الفن الفارسي بثها اإلحساس باالستمرارية والحركة، فضال عن إبرازه صفات .المالئم لروح الحضارة الفارسية

هل ثمة تقارب بين الفنون؟ وإن وجد، فهل ساعدت : والسؤال اآلن في إنشاء التقارب؟) الضوء والظل(واسطة

سواء اقتربت الفنون بعضها من بعض، أم اختلفت في الطبيعة عر من واألدوات، أم وضعت في سلم تعلو درجاته أم تهبط، وسواء اقترب الش

التصوير أم من النحت أو غيرهما أم ابتعد فإن ذلك كله رهن غاية الفن في

- ٣٢٤ -

التعبير عن اإلنسان وعالقته بالوجود، وإن النظر في العالقات بين الفنون يرتبط بروح العصر السائدة، ولكن تبقى وراء وحدة الفنون أو اختالفها،

اصة وروحها الخاص، وفوق العصر وروحه، الواسطة التي تملك طبيعتها الخلما تحمله من قوة وفاعلية ) الضوء والظل(وتتحكم بالفنون والسيما واسطة

في توزعها في شتى الفنون، وفي أسلوب ربطها ضمن سلسلة تتناوب حلقاتها بين ضوء وظل، ترجع بالفن إلى فجر الخليقة في ضوء يومه األول وظالل

)1(.يومه األخير

في البدء خلق اهللا السموات واألرض، إذ كانت األرض مشوشة ومقفرة وتكتنف " ألنه)١(". ليكن نور: "الظلمة وجه المياه، وإذ كان روح اهللا يرفرف على سطح المياه، أمر اهللا

وسمى اهللا النور . نه وبين الظالمفكان نور، ورأى اهللا النور فاستحسنه وفصل بي ."وهكذا جاء مساء أعقبه صباح، فكان اليوم األول. نهارا، أما الظالم فسماه ليال

.) ٥-١ اآلية – سفر التكوين – العهد القديم –الكتاب المقدس (

- ٣٢٥ -

)١( رقم امللحق

اللوحات واملنحوتات

- ٣٢٦ -

- ٣٢٧ -

coysovex وكس ڤزا للنحات كو–" فينوس "(3)المنحوتة رقم

"وضعية أمامية. " روما–متحف الفاتيكات

coysovexوكس ڤزا للنحات كو–" فينوس "(4)المنحوتة رقم

"وضعية خلفية. " روما–متحف الفاتيكات

- ٣٢٨ -

coysovex وكس ڤ للنحات كوزا–" ينوسف "- (5)المنحوتة رقم

"وضعية جانبية. " روما–متحف الفاتيكات

- ٣٢٩ -

- ٣٣٠ -

- ٣٣١ -

- ٣٣٢ -

- ٣٣٣ -

- ٣٣٤ -

- ٣٣٥ -

- ٣٣٦ -

- ٣٣٧ -

- ٣٣٨ -

- ٣٣٩ -

- ٣٤٠ -

- ٣٤١ -

)٢(امللحق رقم

اللوحات واملنحوتات التمثيلية

- ٣٤٢ -

- ٣٤٣ -

- ٣٤٤ -

- ٣٤٥ -

- ٣٤٦ -

- ٣٤٧ -

- ٣٤٨ -

- ٣٤٩ -

- ٣٥٠ -

- ٣٥١ -

- ٣٥٢ -

- ٣٥٣ -

- ٣٥٤ -

- ٣٥٥ -

- ٣٥٦ -

- ٣٥٧ -

فهرس املدارس الفنية

فرنسي/ انكليزي عربي

L'orientalisme / Orientalism االستشراقية

L' Impressionnisme/ Impressionism االنطباعية

L'académisme / Academism األكاديمية

Le baroque / Baroque الباروك

Le primitivisme/ Primitivism البدائية

Le constructivisme/ Constructivism البنائية

L'art Abstrait/ Abstract art )الفن التجريدي(التجريدية

Le pessimisme / Pessimism التشاؤمية

L'expressionnisme Expressionism التعبيرية

Le suprématisme/ Superematism التفوقية

Le cubisme / Cubism التكعيبية

Le pointillisme/ Pointillism التنقيطية

Le cinétisme / kinetic art )الفن الحركي( الحركية

Le symbolisme / Symbolism الرمزية

- ٣٥٨ -

Le romantisme/ Romantism الرومانسية

Le surréalisme / Surrealism السريالية

Le rayonnisme / Rayonnism الشعاعية

Le formalisme / Formalism الشكلية

L'anarchisme / Anarchism الفوضوية

Le classicisme / Classicism الكالسيكية

Le futurisme / Futurism المستقبلية

L'existentialisme/ Existentialism الوجودية

Le fauvisme / Fauvism الوحشية

- ٣٥٩ -

)١(رس املصطلحاتفه

فرنسي/ زي إنكلي عربي

Création / Creation الخلق -اإلبداع

Entendement / Understanding اإلدراك

Style / Style األسلوب

Sensation / Sensation اإلحساس Projection / Projection اإلسقاط

Original / Original األصلية

Gouache / Earth-color يةألوان تراب Aquarelle / Water-color ألوان مائية

Émotion / Emotion االنفعال

Harmonie / Harmony االنسجام

Vibration / Vibration االهتزاز

Primitif / Primary البدائي

) ربيع/ الكامل الكبير، فرنسي(استعنا لتوثيق المصطلحات والمدارس الفنية، بقاموس ) ١(اتجاهات الفنون (وبكتاب . ١٩٩٦للدكتور يوسف محمد رضا، مكتبة لبنان، لبنان

التجريب ديمقراطية (عبد اهللا السيد . لعفيف بهنسي، وبمقالة د) التشكيلية المعاصرة - العدد الثاني–) ١٧( المجلد – مجلة جامعة دمشق للعلوم الهندسية –) التشكيل /).٢/انظر الملحق رقم . (٢٠٠١

- ٣٦٠ -

Distance / Distance البعد

Troisième dimension البعد الثالثThird dimension

Structure / Structure البناء

Méditation / Meditation التأمل

Influence / Influence التأثير

Immiscibilité / Interference التداخل

Analytique / Analytic التحليلية

Monotonie / Monotony الرتابة

Décoration / Decoration التزيين

Engagement / Commitment االلتزام

Représentation/ Representation التمثيل/ التشخيص

Plastique / Plastic التشكيلي

Pictorial / Pictural تصويري/ التصوير Illustration / Illustration التصوير اإليضاحي

La figuration onirique التصوير الحلمي

Peinture / Painting التصوير الزيتي

Photographie / Photography الضوئيالتصوير

Contraste / Contrast التضاد

Symétrie / Symmetry التناظر

Equilibre / Equilibrium التوازن

Essence / Essence )الكنه(الجوهر

Intuition/ Intuition الحدس Mouvement / Movement الحركة

- ٣٦١ -

Rêverie / Reverie حلم اليقظة

Espace / Space الحيز

Vitalité / Vitality الحيوية

Calligraphie / Calligraphy الخط الفني

Fond / Background الخلفية

Imagination / Imagination الخيال

Beauté / Beauty الجمال

Teint / Dye درجة اللون

Subjectif / Subjective الذاتي

Dessin / Design الرسم بلون واحد

Schéma / Diagram الرسم المبسط

Arabesque / Arabesque الزخرفة العربية

Statique / Static السكون

Statiquement / Statically توازني/ سكوني

Conscience / Consciousness الشعور

Forme / Form الشكل

Silence / Silence الصمت

Voix / Voice الصوت

Image / Image الصورة

Portrait / Portrait الصورة الشخصية

Lumière / light الضوء

Caractére / Character الطابع

/ Nature-morte الطبيعة الصامتة

- ٣٦٢ -

Ombre / Shade الظل

Absurde / Absurd العبث

Névrose / Neurosis العصاب

Nihiliste / Nihility العدم

Scientifique / Scientific العلمي

Anatomie / Anatomy علم التشريح

Architecture / Architecture العمارة

Elément / Element عنصر

Instinctif / instinctive غريزي

Vide / Empty الفراغ

Pensée / Pansy الفكري

Art / Art الفن

Artiste / Artiste الفنان

Angoisse / Anguish القلق

Valeur / Value القيمة

Masse / Mass الكتلة

Intensité / Intensity الكثافة

Déformer / Informal الالشكلية

Inconscience / Unconsciousness الالشعور

Couleur / Color اللون

Tableau / Picture اللوحة

Matière / Material المادة

Abstrait / Abstract المجرد

- ٣٦٣ -

Surface / Surface المساحة

Concret / Concrete المشخص

Conception / Conception المفهوم

Paysage / Landscape المنظر الطبيعي

Perspective / Perspective )العمق(المنظور

Sculpture / Sculpture التمثال/ المنحوتة

Miniatures / Miniatures المنمنمات

Objet / Object الموضوع

Objectif / Objective موضوعيال

Sculpture / Sculpture النحت

Relief / Relief النحت الناتئ

Modélage / Model النسخ عن تمثال

Extase / Ecstasy النشوة

Modèle / Model النموذج

Géométrique/ Geometric الهندسي Figure / Figure الهيئة

- ٣٦٤ -

- ٣٦٥ -

املصادر واملراجع

.ن الكريمالقرآ - ١ .ت. بيروت، د- دار الكتاب المقدس في الشرق األوسط-الكتاب المقدس - ٢

:المصادر والمراجع العربية بيروت، - دار صادر- المجلد الثاني- رسائل إخوان الصفاإخوان الصفا، - ١

.ت.د : بهنسي، عفيف - ٢

، وزارة الثقافة واإلرشاد اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة .ت.، د)١( السلسلة الفنية -القومي

، المجلس األعلى لرعاية الفنون واآلداب والعلوم رامبرانت .االجتماعية

الهيئة - الجزء الثالث- عبد السالم هارون: ، تحقيقالحيوانالجاحظ، - ٣ .٢٠٠٢ - القاهرة-العامة لقصور الثقافة

حركية الوعي دراسة تحليلية في " :فلسفة الشعر الجاهليالجهاد، هالل، - ٤، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، الطبعة األولى، "الشعري العربي

٢٠٠١. ، من التعبير باأللوان، "رامبرانت يلقي بقفاز التحدي" حمادي، هاشم، - ٥

- الكتاب التاسع والثالثون- سليمان العسكري. د: كتاب العربي، تقديم .م٢٠٠٠ - ١ط

- ٣٦٦ -

-، دار المعرفة األدب النقديالخيال الحركي في الديدي، عبدالفتاح، - ٦ .١٩٦٥ - الطبعة األولى-القاهرة

المطبعة - ، الجزء الثالثتاريخ آداب العربالرافعي، مصطفى صادق، - ٧ .م١٩٤٠/ ه١٣٥٩ - القاهرة- الطبعة األولى-التجارية

الزوزني، أبو عبد اهللا الحسين بن أحمد بن الحسين - ٨ . م١٩٦٣ -ـ ه١٣٨٢ت، ،، دار صادر، بيرو شرح المعلقات السبع

.من التراث العربي، قدم له عمرو أبو نصرشرح المعلقات السبع، -، دار الكتاب العربيدراسة لجمهورية أفالطونفؤاد، . زكريا، د - ٩

.١٩٦٧ -القاهرةأنماطها السلوكية "التحليل النفسي للذات العربيةعلي، . زيعور، د -١٠

.١٩٧٨ -طبعة الثانية ال- بيروت- دار الطليعة- "واألسطورية، منشورات وزارة الثقافة واإلرشاد بول سيزانالشريف، طارق، -١١

.١٩٧٥القومي، دمشق، ، دار مطالعات في الشعر المملوكي والعثمانيبكري، . شيخ أمين، د -١٢

م١٩٧٢/ـ ه١٣٩٥الشروق، الطبعة الثانية، بيروت، القاهرة - ٣ ط- بغداد-، مطبعة المعارفعمر الخيامالصراف، أحمد حامد، -١٣

١٩٦١. ، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد الشعر اإلغريقي: أحمد. عثمان، د -١٤

)١٩٨٤) ٧٧. :شوقي. ضيف، د -١٥

،الطبعة الرابعة، دار المعارف، الفن ومذاهبه في الشعر العربي ١٩٦٠القاهرة،

.ت. الطبعة السابعة، د-، دار المعارف بمصر العصر الجاهلي، دار الفكر القيم الجمالية في الفنون التشكيليةمحسن محمد،. ، دعطية -١٦

.٢٠٠٠ - العربي، الطبعة األولى

- ٣٦٧ -

: ، تحقيقمنهاج البلغاء وسراج األدباءالقرطاجني، أبو الحسن حازم، -١٧ .١٩٦٦ - محمد الحبيب بن الخوجة، دار الكتب الشرقية، تونس

المعرفة، ، سلسلة عالمالتصوير العربي الشعبيأكرم، . قانصو، د -١٨ .١٩٩٥، )٢٠٣(الكويت، العدد

:عصام. قصبجي، د -١٩ - حلب- دار القلم العربي-نظرية المحاكاة في النقد العربي القديم

.١٩٨٠ -الطبعة األولى، مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، أصول النقد العربي القديم

.ت.م، د١٩٩١/ـه١٤١١منشورات جامعة حلب، :فؤاد. المرعي، د -٢٠

، دار األبجدية للنشر، دمشق، الوعي الجمالي عند العرب قبل اإلسالم .١٩٨٩الطبعة األولى،

- الطبعة األولى-، منشورات جامعة حلبالمدخل إلى اآلداب األوربية .١٩٧٨ - ١٩٧٧السنة الدراسية

–بيروت ، منشورات أحالم مستغانميعابر سرير، مستغانمي، أحالم، -٢١ .٢٠٠٣ان، الطبعة الثانية، لبن

- دار طالس- الشعر بين الرؤيا والتشكيلعبدالعزيز، . المقالح، د -٢٢ .١٩٨٥ - الطبعة الثانية-دمشق

المجلس - ،سلسلة عالم المعرفةقصيدة وصورةعبدالغفار، . المكاوي، د -٢٣ - ـه١٤٠٨ - )١١٩( العدد - الكويت-الوطني للثقافة والفنون واآلداب

.م١٩٨٧ شركة المطبوعات للتوزيع - وحدة الفنون اإلسالمية، مكداشي، غازي -٢٤

.١٩٩٥ بيروت، الطبعة األولى، -والنشر دار - ، وزارة الثقافةالشعر بين الفنون الجميلةنعيم حسن، . اليافي، د -٢٥

.م١٩٦٨ - ١٩٢ العدد - جامعة حرة- المكتبة الثقافية-الكتاب العربي

- ٣٦٨ -

:المراجع المعربة

-شكري عياد، دار الكتاب العربي. د: ، ترجمةفي الشعر أرسطو، - ١ .١٩٦٧ -القاهرة

أحمد الشيباني، الجزء : ، ترجمةتدهور الحضارة الغربية اشبنغلر، اسوالد، - ٢ .ت.د. بيروت. األول، منشورات دار مكتبة الحياة

حسن البنا عز الدين، . د: ، ترجمةالشفاهية والكتابية، .ج. أونج، والتر-٣ العدد - الكويت- سلسلة عالم المعرفة. فورمحمد عص. د: مراجعة

)١٩٩٤ -)١٨٢. سمة محمد عبد ربه،الدار العربية :، ترشيفرة دافنشي براون، دان، - ٤

م ٢٠٠٤/ ه١٤٢٥ – لبنان، الطبعة األولى -للعلوم، بيروتندرة اليازجي، األهالي : ، ترجمةعلم النفس اليونغي جاكوبي، يوالند، -٥

م ١٩٩٣ - الطبعة األولى- دمشق-للطباعة والنشر. د:منذر عياشي، تقديم.د:، ترجمة"السيميولوجيا"علم اإلشارة جيرو، بيير، - ٦

م١٩٩٢-مازن الوعر، دار طالس للدراسات والنشر األلف كتاب - عادل السيوي: ، ترجمةنظرية التصوير دافنشي، ليوناردو، - ٧

.١٩٩٥ - الهيئة المصرية العامة للكتاب-)١٩٥(الثاني إفريقيا -فريد الزاهي: ، ترجمةحياة الصورة وموتها دوبري، ريجيس، - ٨

.٢٠٠٢ - المغرب-الشرقمحمد مصطفى بدوي، . د: ، ترجمةاإلحساس بالجمال سانتيانا، جورج، - ٩

-زنجي نجيب محمود، مكتبة األنجلو المصرية. د: مراجعة وتصدير .ت.د. القاهرة

بدر الدين القاسم الرفاعي، : جمة، ترتقابل الفنونان، سوريو، إتي-١٠ دراسات - دمشق- منشورات وزارة الثقافة- عيسى عصفور: مراجعة

.١٩٩٣ -)٢٠(نقدية عالمية

- ٣٦٩ -

سامي : ، ترجمةمسائل فلسفة الفن المعاصرة غويو، جان ماري، -١١ .١٩٦٥ - الطبعة الثانية- دمشق- دار اليقظة العربية-الدروبي

حنا عبود، منشورات وزارة : ، ترجمةدبيالخيال األ فراي، نورثروب، -١٢ .١٩٩٥ - دمشق- الثقافة

: مصطفى صفوان، مراجعة: ، ترجمةتفسير األحالم فرويد، سيجموند، -١٣ دار -مصطفى زيور، إشراف المركز العربي لألبحاث النفسية والتحليلية

.٢٠٠٣ - الطبعة األولى- لبنان- بيروت-الفارابيميشال سليمان، دار الحقيقية، . د: ، ترجمةنضرورة الف فيشر، إرنست، -١٤

.١٩٦٥ - الطبعة الفرنسية-بيروتمني األصبحي، . د: الفن والشعور اإلبداعي، ترجمة. كوليير، غراهام-١٥

.١٩٨٣ -منشورات وزارة الثقافة واإلرشاد القومي، دمشقجورج طرابيشي، دار : ، ترجمةالبعد الجمالي ماركوز، هربرت، -١٦

.١٩٨٢ - الطبعة الثانية- بيروت -الطليعة، "مدخل إلى تذوق الفن والتجربة الجمالية":حوار الرؤية نوبلر، ناثان، -١٧

المؤسسة العربية - جبرا ابراهيم جبرا: مراجعة- فخري خليل: ترجمة .١٩٩٢ - الطبعة األولى-للدراسات والنشر

تأليف الهيئة المصرية لل-لويس عوض. د: ، ترجمةفن الشعر هوراس، -١٨ .١٩٧٠ الطبعة الثانية - القاهرة-والنشر

األساسيات في النظرية ":كارل غوستاف يونغ هومبيرت، إيلي، -١٩ - دمشق-وجيه أسعد، منشورات وزارة الثقافة: ، ترجمة"والممارسة

.١٩٩١ - )٣٢(الدراسات النفسية

- ٣٧٠ -

:الدواوين الشعريةلتبريزي، تحقيق محمد ، بشرح الخطيب ا/مجلدات ٨/الديوان أبو تمام، - ١

.ت. د-عبده عزام، دار المعارف بمصر .١٩٩٨ - بيروت- دار العودة- ، المجلد األولالديوان أبو ريشة، عمر، - ٢ - الطبعة الثالثة- دار الحضارة-أفاعي الفردوس أبو شبكة، الياس، - ٣

١٩٦٢. : الخيام، عمر- ٤

- دار المعارف بمصر-وديع البستاني: ، تعريبرباعيات الخيام . م١٩٥٣ -)١(في ظالل الوحي

-أحمد رامي: ، ترجمها نظما عن اللغة الفارسية رباعيات الخيام - الطبعة الخامسة- القاهرة-مكتبة الخانجي ومكتبة المثنى ببغداد

.م١٩٥٣ : الذبياني، النابغة- ٥

- سالم،المكتبة األهلية، شرح األستاذ الشيخ عبد الرحمنالديوان . م١٩٢٩/ ه١٣٤٧-بيروت

حققه وقدم له المحامي فوزي عطوي، الشركة اللبنانية ، الديوان م١٩٦٩ لبنان،–للكتاب للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت

.م١٩٧١ - بيروت- دار العودة-الديوان السياب، بدر شاكر، - ٦ : قباني، نزار- ٧، المجلد األول،منشورات نزار قباني، بيروت، املةاألعمال الشعرية الك

.م١٩٨٣الطبعة الثانية عشرة، أيلول ، المجلد الثاني، منشورات نزار قباني، بيروت، األعمال الشعرية الكاملة

.م١٩٨٦الطبعة السادسة، نيسان،

- ٣٧١ -

لبنان، الطبعة الثالثة - بيروت-، منشورات نزار قبانيطفولة نهد . م١٩٨٩ نيسان -والعشرون

، وقف على طبعه المعلم شاكر ديوان سقط الزند المعري، أبو العالء، - ٨ . م١٨٨٤ - بيروت- المطبعة األدبية-شقير اللبناني

-، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق امرئ القيس يوسف، سعدي،حفيد- ٩ . م٢٠٠٦الطبعة األولى،

: المعاجم

.١٩٩٢ - الطبعة الثانية- بيروت-ادر، دار صلسان العرب ابن منظور، - ١ - الطبعة األولى- بيروت- دار صادر- ،أساس البالغة الزمخشري، - ٢

١٩٩٢. ندوة النوري، وزارة :، تدقيقالمعجم المدرسي أبو حرب، محمد خير، - ٣

م١٩٨٥ / ـ ه١٤٠٦- ١ ط–التربية في الجمهورية العربية السورية عربي،مكتبة / ، فرنسيمل الكبيرقاموس الكايوسف محمد، . رضا، د-٤

.١٩٩٦لبنان، لبنان،

:الموسوعات، المؤسسة العربية للدراسات موسوعة الفلسفةعبدالرحمن، . بدوي، د- ١

.١٩٨٤ -والنشر، الجزء األول، الطبعة األولى موسوعة الفنون التشكيلية: عالم الرسامينج،. قتيبة، أحمد راتب، مدبك- ٢

.١٩٩٦ - لبنان- سالسل سوفينير- دار الراتب الجامعية– ".سلفادور دالي"، الفنان"كلود مونيه:، الفنان"فنسنت فان غوغ" الفنان

- ٣٧٢ -

:الدوريات :عبد اهللا. السيد، د- ١

مجلة - ،الحياة التشكيليةاقتراح رؤية لتاريخ الصورة في بالد الشام - آب- تموز-)٧٠( العدد - دمشق-فصلية تصدرها وزارة الثقافة

.٢٠٠٤ -أيلول، مجلة جامعة دمشق للعلوم الهندسية، التجريب ديمقراطية التشكيل

.٢٠٠١ -، العدد الثاني)١٧( المجلدقراءة في لوحة موت ساردانابال ألوجين حنان، . قصاب حسن، د- ٢

- دمشق- مجلة فصلية تصدرها وزارة الثقافة-، الحياة التشكيليةدوالكروا .٢٠٠٤ - أيلول- آب- تموز-)٧٠(العدد

، مجلة بحوث جامعة حلب، سلسلة موسيقا الزخرفةعصام، . قصبجي، د- ٣ .١٩٩٥ -العدد التاسع والعشرون. اآلداب والعلوم اإلنسانية

، مجلة الحياة الخصائص الجمالية للمنمنمات اإلسالميةأسعد، . عرابي، د- ٤ -)٧٠( العدد -دمشق -التشكيلية، مجلة فصلية تصدرها وزارة الثقافة

.٢٠٠٤ - أيلول- آب- تموز :المراجع األجنبية

1- Anne Tronche- Herve Gloaguen، L’art actuel en France BALLAND- Balland Paris- 1973.

2- Francois Cheng، Vide et Plein، Seuil. Paris، 1991. 3- Jean Chevalier –Alain Gheerbrant،Dictionnaire des Symboles،

Bouquins- Robert Laffont- Jupiter- pour Le editionrevue et corrigee- 1982.

4- Jacques- Gendron –POESIE DE LA PIERR INDIENN-Nouméa -

printed in France-1977

- ٣٧٣ -

5-Syria memoire et civilisation - Flaqmmarion- Taris،1993 6- Lessing، Laocoon، presenhtation par J. Bialostocka- Miroirs De lart

- Hermnn – paris - 1964 7- Morral- Andrew،The History and Techniques of The great

masters- Rembrandt- Tiquer Books- international London- 1989. 8- Papadopoulo. A.: L’islam et L’art musulman- Mazenod- Paris-

1976.

:المراجع اإليرانية .م٢٠٠٥، هنر سراي كويا، طهران، الطبعة الثالثة،عمر حكم الخيام -

:والبرامج االلكترونية مواقع االنترنت

- Microsoft ® Encarta ® Reference Library 2005. © 1993-

2004 Microsoft Corporation. All rights reserved

www. altshkeely.com- JEHAT.com www -

Arabic.sakhr. com - www. google.com -

- ٣٧٤ -

- ٣٧٥ -

فهرس اللوحات واملنحوتات

"١"اللوحات والمنحوتات في الملحق :ملكته منالملك مسيرونيوس و"، منحوتة)١(المنحوتة رقم -١، "مدخل إلى تذوق الفن والتجربـة الجماليـة ":حوار الرؤية نوبلر، ناثان،

المؤسـسة العربيـة -جبرا ابراهيم جبرا : مراجعة -فخري خليل : ترجمة .١٩٩٢ - الطبعة األولى-للدراسات والنشر

ألجيـساندر وتينـادور "الووكـون وولـداه "، منحوتة )٢( المنحوتة رقم -٢ :ع االنترنتوبوليدور من موق

www.google.com ، لناثان نوبلرحوار الرؤية أو كتاب . :و من موقع االنترنتازيف، لكو"فينوس"، لوحات)٥(،)٤(،)٣( اللوحات -٣

www.google.com : لسيزان من كتاب"طبيعة صامتة وتفاحات"، لوحة)٦( اللوحة رقم -٤

Cezanne، Les dernieres annees(1895-1906)- Grand palais

20 avril – 23 juillet 1978، Editions de la Reunion des muees

nationaux،paris،1978

ألوجـين "عربي على حصانه هاجمه األسـد "، لوحة )٧( اللوحة رقم -٥ :دوالكروا من كتاب

Yvonne Deslanders، DELACROIX، Hachette، 1963

- ٣٧٦ -

-الحيـاة التـشكيلية : من مجلة لدافنشي"الموناليزا"، لوحة)٩( اللوحة رقم-٦ - آب - تموز -)٧٠( العدد - دمشق -مجلة فصلية تصدرها وزارة الثقافة

.٢٠٠٤ -أيلول :لسلفادور دالي من كتاب" النمور"، لوحة)١١( اللوحة رقم -٧

Robert Descharnes ، SALVADOR DALI ، Taschen ،Koln ، Lisboa، London، New York ،Osaka ،Paris ، 1993

لرامبرانـت، " حارس الليل "، لوحة )١٦(،)١٥(،)١٤(،)١٣(،)١٢( اللوحات -٨ :واللوحات المقتطعة منها، من كتاب

Morral- Andrew،The History and Techniques of The great masters – Rembrandt - Tiquer Books- international London- 1989.

من كتاب"لسوريةأفروديت ا"، منحوتة)١٧( المنحوتة رقم - ٩

Syria Memoire etCivilisation - Flaqmmarion- Paris،1993 : لوضاح السيد،عن طريق"قصائد"، لوحة)١٨( اللوحة رقم -١٠

. الفنان وضاح السيد في دمشق، منحوتات معبـد كـاجوراو، )٢٣(،)٢٢(،)٢١(،)٢٠(،)١٩( المنحوتات -١١

:من كتابJacques- Gendron –POESIE DE LA PIERR INDIENN-Nouméa -

printed in France-1977 ، لوحات رباعيات الخيـام مـن )٢٨(،)٢٧(،)٢٦(،)٢٥(،)٢٤( اللوحات -١٢

:كتاب

فـي - دار المعارف بمـصر -وديع البستاني : ، تعريب رباعيات الخيام . م١٩٥٣ -)١(ظالل الوحي

- ٣٧٧ -

:، للفنان حجت اهللا شكيب، من كتاب)٣٠(،)٢٩( اللوحتان -١٣ .م٢٠٠٥ ، هنر سراي كويا، طهران، الطبعة الثالثة،حكم الخيامعمر

"٢"اللوحات والمنحوتات التمثيلية في الملحق

:من كتاب" الرجل الماشي"، منحوتة)١( المثال رقم -١، "مدخل إلى تذوق الفن والتجربـة الجماليـة ":حوار الرؤية نوبلر، ناثان،

المؤسـسة العربيـة -راجبرا ابراهيم جب : مراجعة -فخري خليل : ترجمة .١٩٩٢ - الطبعة األولى-للدراسات والنشر

نحت نـاتئ، " / أبولو وأرتميس يصارعان العمالقة "،)٤(،)٣(،)٢( األمثلة -٢ : من كتاب

Pierre Devambez, Robert Descharnes SCULPTURES GRECQUES، World Rights Reserved ، By Editions sun- Parise- France 1960

.حوار الرؤية، لناثان نوبلر: ، من كتاب"أبولو"، منحوتة)٥( المثال رقم -٣ :لميلو من موسوعة" فينوس"، لوحة)٦( المثال رقم -٤

Microsoft ® Encarta ® Reference Library 2005. © 1993- - 2004 Microsoft Corporation. All rights reserved

:ألوجين دوالكروا، من مجلة" موت ساردانابال"، لوحة)٧( المثال رقم -٥ العـدد - دمـشق - مجلة فصلية تصدرها وزارة الثقافة -الحياة التشكيلية

.٢٠٠٤ - أيلول- آب- تموز-)٧٠( : من كتاب"الراعي الصالح"، أيقونة)٨( المثال رقم -٦

بيروت -شورات المطبعة الكاثوليكية من يسوع المسيح باإلنجيل واأليقونة، .١٩٦٨ بيروت، -ودار النهار /

، صور فوتوغرافية لواجهة المتحف الوطني فـي )١١(،)١٠(،)٩( األمثلة -٧ .دمشق تمثل بناء قصر الحير في عهد الوليد بن عبد الملك

- ٣٧٨ -

حوار في " ومنمنمة "عنترة أبو الفوارس وعبلة "، لوحة )١٣(،)١٢( المثاالن -٨ : من كتاب"القرية

، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، التصوير العربي الشعبي أكرم، . قانصو، د .١٩٩٥، )٢٠٣(العدد

:لسيزان من كتاب" رجل جالس"، بورتريه)١٤( المثال رقم -٩Cézanne، Les dernières années (1895-1906)- Grand palais

20 avril – 23 juillet 1978، Editions de la Réunion des muées

nationaux،paris،1978

الـوردة " ، ولوحـة "جزيرة األمـوات " ، لوحة )٢٧(،)١٨(،)١٥( األمثلة -١٠ : للفنان سلفادور دالي من كتاب"غاال/ العذراء"ولوحة" الجورية

Robert Descharnes،SALVADOR DALI، Taschen،Koln، Lisboa، London، New York،Osaka،Paris، 1993

، القصيدة المصورة للشاعر أبولينير من موقع )١٦(مثال رقم ال-١١ www. google.com / APOLLINAIRE: االنترنت

:لكلود مونيه من" انطباع" ، لوحة)١٧( المثال رقم -١٢موسـوعة الفنـون : عـالم الرسـامين ج،. قتيبة، أحمد راتب، مدبك

./ ١٩٩٦ - لبنـان - سالسل سـوفينير - الراتب الجامعية دار – التشكيلية /الفنان كلود مونيه

" بروميثيوس مغلوال والنـسر يـنهش كبـده "، منحوتة )١٤( المثال رقم -١٣ : لنيقوال سباستيان آدم، من كتاب

، دار المعـارف، اإلغريق بين األسـطورة واإلبـداع ثروت، . عكاشة، د ١٩٧٨القاهرة،

: من موقع االنترنت"الووكون وولداه"، لوحة)٢٠( المثال رقم -١٤www. google.com / Laokoon

- ٣٧٩ -

: لجياكومو باال، من كتاب"الكلب بالسلسلة"لوحة) ٢١( المثال رقم -١٥ .، لناثان نوبلرحوار الرؤية

لوحـة ) ٢٣( والمثال رقـم لبوتشيوني، "الحداد" لوحة) ٢٢( المثال رقم -١٦ : لباال، من كتاب"مصباح الشارع"

Caroline Tisdall، Angelo Bozzolla، FUTURISM،Thames and

Hudson، London،1993 النحـت "ب" لوحة الفن الحركي، والمنحوتة "أ"ة، اللوح )٢٤( المثال رقم -١٧

: الحركي، من موقع االنترنتwww. google.com / cinétisme

:من كتاب" شعر التشجير" ،)٢٥( المثال رقم -١٨

المطبعـة -، الجزء الثالـث تاريخ آداب العربالرافعي، مصطفى صادق، .م١٩٤٠/ ه١٣٥٩ - القاهرة- الطبعة األولى-التجارية

ألوجـين "فرجيل يرافق دانتي إلـى الجحـيم " ، لوحة )٢٦( المثال رقم -١٩ :دوالكروا، من كتاب

Yvonne Deslanders، DELACROIX، Hachette، 1963

: لهنري مور، من كتاب"القد المضطجع" ، منحوتة)٢٨( المثال رقم -٢٠ .لناثان نوبلرحوار الرؤية،

: لدافنشي، من كتاب"ليدا وطائر البجع"، لوحة)٢٩( المثال رقم -٢١ ثروت عكاشة . ، د اإلغريق بين األسطورة واإلبداع

: ، من كتابنحت ناتئ / "رقصة شيفا" ،)٣٠( المثال رقم -٢٢ Jacques- Gendron –POESIE DE LA PIERR INDIENN-Nouméa -

printed in France-1977.

- ٣٨٠ -

الفهرس الصفحة

٥ ..................................................................................المقدمة ٩ ................................................................المدخل

٩ .........................................................إشكالية البحث ١٠ ...................................العالقات بين الفنون في النقد الغربي ٢٦ ...................................العالقات بين الفنون في النقد العربي

٤٠ ...........................................................منهج البحث ولالفصل األ

الضوء والظل في الكتلة والفراغ ٤٣ ......................................الضوء والظل في الكتلة والفراغ

٤٩ ..........................................................مفهوم الفراغ ٥٥ ...........................................الكتلة والفراغ في فن النحت

٦١ ..................." نحت مصري"" ميسيرنيوس وملكته"تحليل منحوتة ٦٥ ............. Coysevox" فينوس"ومنحوتة " الووكون"تحليل منحوتة

٧٠ ...............................الشكل والحيز المساحي في فن التصوير ٩٠ .................."سيزان"للمصور" طبيعة صامتة وتفاحات"تحليل لوحة

٩٤ ..................................الصوت والصمت في الشعر الشفاهي ٩٧ ....................................تحليل مقطع من معلقة امرئ القيس

١٠٣ .......................................الكلمة والفراغ في الشعر الكتابي ١٠٧ ...........................لسعدي يوسف" أغنية الصرار"تحليل قصيدة

- ٣٨١ -

الصفحة

الفصل الثاني الضوء والظل في الحركة والسكون

١٢٣ ................................................وم الحركة والسكونمفه ١٢٦ ........................................الحركة والسكون في فن النحت

١٢٦ ......."نسخة رومانية عن األصل اإلغريقي"" الووكون"تحليل منحوتة ١٣٢ ......................................الحركة والسكون في فن التصوير

١٣٧ ..............)عربي على حصان هاجمه األسد(تحليل لوحة دوالكروا ١٤٦ ...اردو دافنشيمثاال عن السكون للمصور ليون" الموناليزا"تحليل لوحة

١٤٩ ........................................الحركة والسكون في فن الشعر لبيد، طرفة بن العبد، : عند الشعراء الجاهليين) الطلل(تحليل مقطع ١٦٠ ............................................عنترة ابن شداد

١٧٣ ....للشاعر إلياس أبو شبكة) أفاعي الفردوس(تحليل مقاطع من قصائد الفصل الثالث

الضوء والظل في مستويات التعبير ١٨٣ ....................................وء والظل في مستويات التعبيرالض

١٨٦ ...................................................المستوى الالشعوري ١٩٥ ............................................في معلقة لبيد" مقطع الناقة"

٢١٩ ...................................................... المستوى الفكري ٢٢٠ ................ للمعري"ضجعة الموت رقدة"أبيات ألبي تمام، وقصيدة

٢٣٣ ......................................... لرامبرانت"حارس الليل" لوحة ٢٤٠ .......................................................المستوى الحسي

٢٤٢ .........يات من معلقة امرئ القيس، قصيدة المتجردة للنابغة الذبيانيأب

- ٣٨٢ -

الصفحة

٢٤٥ ............................................"أفروديت السورية" منحوتة ٢٥٦ .............................للشاعر نزار قباني" اختاري"تحليل قصيدة

٢٦٣ ..............................................................الخالصة الفصل الرابع

الضوء والظل في حوار الفنون ٢٦٩ ........................................الضوء والظل في حوار الفنون

٢٧٣ ..................................التصوير الحوار بين الشعر و-١ ٢٨٢ .................................... الحوار بين الشعر والنحت-٢ والتصويرم الحوار بين الشعر والرس-٣

٢٩٦ ..............................)رباعيات الخيام ولوحات بيكار( ٣٠٧ ..............................الخيام بين ترجمة البستاني وتشكيل بيكار

٣١٠ ...................رباعيات الخيام والمصور الفارسي حجت اهللا شكيب ٣١٧ ..............................................................الخالصة

٣١٩ ..........................................................خاتمة ونتيجة ٣٢٥ .......................................................)١ (الملحق رقم ٣٤١ .......................................................)٢(الملحق رقم

٣٥٧ .................................................فهرس المدارس الفنية ٣٥٩ ...................................................فهرس المصطلحات ٣٦٥ ....................................................المصادر والمراجع

٣٧٥ ...........................................فهرس اللوحات والمنحوتات

- ٣٨٣ -

م٢٠١١/ الطبعة األوىل نسخة١٠٠٠عدد الطبع