2011، يناير 62-34، صثانيخامس عشر، العدد المجلة جامعة األقصى (سلسلة العلوم اإلنسانية) المجلد الISSN 2070 - 3147

بناء السرد القصصي في سورة يوسف ** كمال أحمد غنيم د.

الملخصيتناول البحث قصة يوسف القرآنية، التي تختلف عن القصص الفنية، فالقصـة الفنيـة

تعتمد على الخيال أو المزج بين الحقيقة والخيال، والقصة القرآنية تسـتمد مادتهـا مـن الواقـع

والحقائق التاريخية.

ن شخصية يوسف المفردة وشخصية إخوته الجماعية همـا الشخصـيتان وبين البحث أ

الرئيستان. وجاءت معظم شخصيات قصة يوسف متطورة. واعتمدت على البعد المادي في رسم

الشخصية، حيث كانت صفة جمال يوسف عليه السالم محركا فاعال في دفع أحداث القصة نحـو

يعة العالقة بين يوسف عليه السالم وإخوته من أبيه، التأزم، باإلضافة إلى البعد االجتماعي في طب

كما برز البعد النفسي بشكل قوي في رسم شخصية إخوة يوسف، فالحسد والغيـرة همـا الـدافع

الرئيس لتفجير أحداث القصة.

واعتمدت أحداث القصة على بداية درامية متأججة، تقحم المتلقي مباشرة فـي الحـدث

والبعيد. واعتمدت على انتقاء األحداث، وتقسيطها. وبدأ الصراع في الدال على المستقبل القريب

قصة يوسف من اللحظة األولى، واستمر الصراع الخارجي وتداعياته بين يوسف وإخوتـه مـن

أبيه، حتى اللحظات األخيرة، وكان المتلقي يعرف ما مكنه اهللا ليوسف، لكن إخوته ال يعلمون.

حوار على السرد، وامتلكت تكثيف القصـة القصـيرة، ودقـة وتميزت لغة قصة يوسف بغلبة ال

السيرة، وسردية الرواية، وحوارية المسرح، ودرامية السينما بكل ما فيها من سالسة االنتقال من

موقف إلى آخر ومن مشهد إلى غيره. ABSTRACT

Building Story Narration in "Sorat Yosuf" The research handles the story of Yosuf from the Holy Qur'an,

which differs from the artistic stories, the artistic story depends on fiction or mixing fiction with reality and the story in the Holy Qur'an is based on historical events.

The unique character of Yosuf and the character of whole his brothers were the two main characters. Most of the characters in the story were developed. It depended on the physical side in developing the

فلسطين. – غزة –سالميةالجامعة اإل -اآلدابكلية –قسم اللغة العربية *

2011يناير ،، العدد الثانيالخامس عشر، مجلة جامعة األقصى، المجلد كمال أحمد غنيمد.

35

character, where the beauty of Yosuf, peace be upon him, was an effective factor in complicating the events of the story, this is in addition to the social factor in the nature of the relation with yosuf and his brothers, from his father. The psychological factor also appeared strongly in drawing the character of Yosuf. Envy and jealousy were the main factor for exploding the events of the story.

The events of the story depended on an effective inflamed initial study, attracts the reader directly in the event which shows the near as well as the far future. It also depended on choosing the events and showing it gradually. Struggle started in the story of Yosuf from the first moment, and the external study and its results between Yosuf and his brothers from his father continued to the end. The receiver realized what was Yosuf awarded, but his brothers didn't.

Dialogue dominated the language of the story of Yosuf rather than narration. It owned highlighting the short story, the accuracy of biography, the narration of the novel, the dialogue of the theatre and the drama of the cinema with all what they contain from the simplicity shifting from one situation to another and from one scene to the other. يتناول البحث بناء السرد القصصي في سورة يوسف من خالل التحليل الجمالي الذي يعتمد على

حث المنهج استقراء النص أكثر من االعتماد على اإلشارات المرجعية لقراءات سابقة. واعتمد الب

البنائي، مما يشكل إضافة للدراسات السابقة التي درست سورة يوسف دراسة موضوعية أو

أسلوبية أو سيميائية أو البنية الفنية أو تناولت الحوار وحسب. وقد اتجه البحث إلى توظيف

مصطلح الجمال بدال من الفن حرصا على تنزيه النص القرآني من توظيف مصطلحات تقترن

د البشري، فالفن جهد جمالي بشري، أما الجمال فهو مصطلح أكثر عمومية ألن الجمال ال بالجه

يرتبط بالجهد البشري وحسب.

، )39، 1981صص األنبياء(الصابوني، وسورة يوسف إحدى السور المكية التي تناولت ق

رتيب نزول "نزلت بعد سورة هود، وقبل سورة الحجر، وهي السورة الثالثة والخمسون في ت

) 101-4). واحتوت السورة في اآليات(198: 1976السور على قول الجمهور"( ابن عاشور،

على السرد القصصي المتكامل لحكاية النبي يوسف عليه السالم، بما في ذلك مقدمة القصة

ونهايتها. لكن السورة امتلكت مقدمة سورة ونهاية سورة أقرب إلى التعليق على القصة بتمهيد

- 4( تمة. ويدور هذا البحث حول بناء السرد القصصي لحكاية يوسف عليه السالم في اآلياتوخا

بناء السرد القصصي ...

36

)، ذلك أن آيات القصص القرآني بمجمله إنما تأتي متضمنة بين اآليات األخر.101

وتعد شخصية يوسف عليه السالم الشخصية المركزية في القصة، ومن الواضح أنـه شخصـية

هكسوس ال الفراعنة، ذلك أن لقب فرعون ظهر في القرآن، بينما ظهر تاريخية جاءت في عهد ال

لقب الملك في قصة يوسف(بلقاسم، بنية الخطاب السردي في سورة يوسف). الزمان:

سارت القصة في سورة يوسف وفق نظام ترتيب تتابعي في الغالب؛ لكنها اعتمدت ترتيب الزمن

قصة ببروز االستباق على غير المألوف في القصة على تقانتي االستباق واالسترجاع. وتميزت ال

الفنية، حيث ظهر االستباق الداخلي تحديدا في عشرين موضعا، في حين ظهر االسـترجاع فـي

تـدرج مسـار الحبكـة خمسة عشر موضعا. وذلك يختلف عن نتائج دراسات سابقة أشارت إلى

إلى بلوغه أشده حتى رجولته -معليه السال -السردية من حيث الترتيب الزمني من طفولة يوسف

بنيـة تدرجا زمنيا طبيعيا، ال تسبق مرحلة متأخرة منه مرحلة متقدمة في الترتيب الزمني(بلقاسم،

).الخطاب السردي في سورة يوسف

)، وقد تسللت الرؤيا إلى االستباق الـداخلي أربـع 1وتعددت أنماط االستباق في القصة(

االستباق القائم على التخطيط المسـبق، واالسـتباق الـوهمي، مرات، وبرز من أنماط االستباق:

واالستباق الداخلي لتعزيز استباقات سابقة، واالستباق الداخلي القـائم علـى التهديـد والوعيـد،

واستباق الوصية وااللتزام بها، واستباقات نبوية أساسها الوحي والعلم اليقيني الصادق.

الحذف والتلخـيص والقليـل مـن تقانـة وغلب على قصة يوسف في ديمومة الزمن

)، في حين غابت تقانة الوقفة. وبدأت القصة بموقف درامي انفعالي من وسـط المـتن 2المشهد(

تباق ينقسم لنوعين: االستباق الخارجي المتمثل في استشرافات مستقبلية خارج الحد الزمني للمحكـي األول، واالسـتباق االس) 1(

بوطيـب؛ . (انظر: الداخلي الذي يقع داخل المدى الزمني المرسوم للمحكي األول دون تجاوزه، وهو أكثر استعماال من الخارجي

، عدد، القاهرة؛ الهيئة المصرية العامة للكتـاب، صـيف 12سردي، مجلة فصول، المجلد عبد العالي، إشكالية الزمن في النص ال

1993 ،129-143.(

الديمومة تقوم على تراوح سرعة النص الروائـي و جينيت تصنيفا ثالثيا للزمن: الترتيب، والديمومة، والتواتر.جيرار وضع ) 2(

وهنـاك بيرا من الصفحات، وبين عدة أيام قد تذكر في بضعة أسـطر، من مقطع آلخر بين لحظات قد يغطي استعراضها عددا ك

والحذف أقصى سرعة يركبها السرد، ويتمثل في .أربع حاالت أساسية إليقاع السرد، هي: الحذف، والمشهد، والوقفة، والخالصة

تتمثل الخالصة في تلخيص حـوادث و .القفز عن لحظات حكائية بأكملها دون اإلشارة إليها، كأنها ليست جزءا من المتن الحكائي

زمن ما نقرؤه يسـاوي زمـن مـا ني أنعيوالمشهد .عدة أيام، أو عدة شهور، أو سنوات، في مقاطع معدودة، أو صفحات قليلة

في الواقع: (غنيم؛ زمن ما يحدث أكبر منزمن ما نقرؤه في الرواية ني أنعوتأما الوقفة فهي تناقض الحذف، .يحدث في الرواية

).140، 2010مال أحمد، األدب العربي المعاصر، غزة، أكاديمية اإلبداع، ك

2011يناير ،، العدد الثانيالخامس عشر، مجلة جامعة األقصى، المجلد كمال أحمد غنيمد.

37

الحكائي، حيث حذف سنوات الطفولة السابقة من عمر يوسف بكل ما فيها مـن مشـاعر غيـرة

وساعات. اإلخوة، ثم توالى الحذف بعد ذلك بشكل متفاوت بين سنوات وشهور وأيام

ويتضح من وجود الحذف في (ديمومة الزمن) أنه تميز بـالقفزات الواسـعة بمقيـاس

% من أحداث القصة، أما القفزات الزمنية القصيرة المتواترة والمتقاربـة 56السنوات على مدار

بمقياس الشهور واأليام فقد شهدها القسم األخير من القصة، وذلك له داللته مضمونيا على طـول

ات المعاناة، التي قضاها يوسف قياسا إلى فترات االبتالء التي عاشها إخوة يوسف.فتر

وكانت سرعة الديمومة من حيث التلخيص حاضرة بقوة في هذا السرد القصصي، خصوصـا إذا

تعلق األمر بالسرد ال بالحوار. وكان حضور تقانة المشهد بارزا، وتمثـل ذلـك فـي المشـهد

الطابع الدرامي، حيث يتسارع اإليقاع وصوال إلى تلك المشاهد، التي تحضر الحواري، الذي يتخذ

بين يدي المتلقي بشكل انتقائي مذهل، تجعل القصة متكاملة على الرغم من وتيرة الحذف العاليـة

والتلخيص المتتابع. في حين غابت تقانة الوقفة، إال إذا كان التعليق على القصة في نهاية السورة

الوقفة الدرامية السردية. بديال عن

ووظفت القصة تقانة التواتر، فجاءت تقانة تكرار "األحداث التي حـدثت عـدة مـرات

وذكرت مرة واحدة" في موضع واحد. أما تقانة تكرار "األحداث التي حدثت مرة وذكـرت عـدة

حدثت أكثـر مرات" فقد جاءت في أربعة مواضع. وقد وظفت القصة تقانة تكرار "األحداث التي

من مرة" بذكرها أكثر من مرة أيضا.

المكان:وتعاملت قصة يوسف مع المكان بانتقاء جمالي، أفاد أحداث القصة وتخيل مجرياتهـا،

حيث منح األحداث اإلطار المكاني المطلوب، فأحداث القصة األولى جرت فـي الباديـة حيـث

ة فقد جرى في المدينة.الصعوبة وشظف العيش، أما الجزء الثاني من أحداث القص

وجاءت معالم المكان في المدينة تباعا، ضمن سياق السرد، أو مفردات الحـوار، حيـث رأينـا

األبواب المتعددة للمدينة، ووجدنا األبواب المتعددة في القصور، وبدأت تظهر مفـردات العـيش

اللين والناعم والمستوى المدني، الذي تنتمي إليه شخصيات القصة.

الحياة المدنية من خالل القوافل التجارية التي تتجه إلى مصر، ووجود النقـود وظهرت

ضمن النظام المالي واالقتصادي المتعامل به حينذاك، واستخدام الموازين والمعايير. وباإلضـافة

بناء السرد القصصي ...

38

إلى وجود نظام المحاسبة والعقاب، فقد ظهر السجن بشكل واضح في حالة الساقي والخباز وسيدنا

السالم، وقد ظهر نظام العقاب باإلعدام صلبا في تلك الفترة سواء على لسان يوسف يوسف عليه

في تعبير الرؤيا أم على صعيد الواقع.

وظهرت مالمح البيئة الزراعية التي ينتمي اقتصاد مصر إليهـا فـي تلـك المرحلـة،

االقتصـاد التـي وظهرت مفردات تلك البيئة الزراعية في رؤيا الملك، باإلضافة إلى آليات إدارة

ظهرت في حديث يوسف، وما رأيناه من كيفية إدارة األزمات وآليات الحفاظ على مدخرات األمة

ومقدراتها، وطرق تقسيم المؤونة بشكل عملي عادل.

ويالحظ المتلقي أن المكان قد ظهر وفق ما استلزمته أحداث القصة، دون ذكر التفاصيل

الحدث، وتطور الصراع، وسيرورة الشخصيات، فما كـان التي قد ال تكون لها أهمية في خدمة

لنا أن نعرف طبيعة الحياتين البدوية والمدنية، وال مفرداتهما الموظفة، وال طبيعة النظم المتبعـة

فيهما لوال أن حبكة القصة استلزمت تلك المفردات لتتفاعل معها األحداث بشكل جمـالي، يمـنح

ت الموجودة في األمكنة، ودور بعضـها الـرئيس فـي وصـف المتلقي إحساسا بطبيعة المتغيرا

).3األحداث والشخصيات، وانسجم ذلك مع البنية الجمالية في القصتين القرآنية والفنية(

الشخوص:يخدم الحدث وتطوره، ويحافظ على الشخصياتوتميزت قصة يوسف بحضور عدد من

يلها، وإذا كان عدد شخصـيات القصـة تماسك الحكاية في ذهن المتلقي وقدرته على متابعة تفاص

شخصية؛ فقد كان عدد الشخصيات الرئيسة منها اثنتين، هما شخصية يوسف التـي 18يصل إلى

آية، فـي حـين شـكلت 98% من األحداث التي تم استعراضها في 100كان حضورها بنسبة

).4%( 58.16الشخصية الجماعية (إخوة يوسف) حضورا بنسبة

)؛ فـإن 26، 1978الرئيسة تعد األكثر حضورا فـي القصـة(القط، وبما أن الشخصية

يوسف وإخوته يشكلون جماليا الشخصيتين الرئيستين، في حين شكل حضور شخصـية يعقـوب

%، ثم تتالت نسب 18.36%، وامرأة العزيز 23.47%، وأخوه بنيامين 35.71عليه السالم نسبة

ها في الشكل التالي:حضور الشخصيات الثانوية األخرى. ويمكن رؤيت

) أعد الباحث دراسة سابقة عن الزمان والمكان في سورة يوسف، ستنشر في: (القـاهرة، جماعـة دار العلـوم، صـحيفة دار 3(

العلوم).

آية، وقد كان حضور يوسف في 98 يوسف ) تم احتساب النسبة بناء على حضور الشخصية في آيات القصة، وعدد آيات قصة4(

.آية منها 57آية منها، وحضور إخوة يوسف في 98

2011يناير ،، العدد الثانيالخامس عشر، مجلة جامعة األقصى، المجلد كمال أحمد غنيمد.

39

0

20

40

60

80

100

120

سف يو

ف سة يووبأخو

يعق

سف و يوأخ

زيز ة العمرأا

ملك ال

اقي الس

سف و يواعدزيز مس

الع

ة ينالمد

من سوة ن

اهد الش

ف سة يوذئبوالد

لمأل الا

يارة رية الس

عير القال

ير شالب

شكل يوضح نسب حضور الشخصيات في آيات قصة يوسف عله السالم

ويمكن استنتاج الكثير من األمور من خالل ذلك الشـكل، أهمهـا الحضـور األكبـر

للشخصيات المفردة، وعدم غياب الشخصيات الجماعية، سواء في الرئيسة أو الثانويـة، فـإخوة

عدد أفرادها عشرة أشخاص، وقد جاءت جماعيتهم من خـالل يوسف يشكلون شخصية جماعية

علـى سـبيل -توافقهم على الكثير من القضايا والسلوكيات والمواقف، حتى أصبح تبادل الرأي

ما بين القتل والطرح في األرض أو اإللقاء في غيابة الجب؛ أصبح أشبه بحديث الـنفس -المثال

الجميع، ويسيرون جميعا في دعمـه، وتسـويقه علـى للنفس، خصوصا أن القرار األخير يتبناه

والدهم. ولعل اإلحصاء هنا يغير قناعات بعض الدراسات السابقة التي اعتبرت شخصـية إخـوة

بنية هـ)، وأنها قامت بوظيفة ثانوية(بلقاسم، 1428يوسف الجماعية شخصية ثانوية نامية(المري،

).الخطاب السردي في سورة يوسف

شخصيات (يعقوب عليه السالم، وأخو يوسف مـن أمـه، وامـرأة ويمكن مالحظة أن

العزيز) على أهمية حضورها، ودورها الفاعل في القصة، وبـروز تطـور الحـدث وتصـاعد

الصراع عليها بشكل كبير؛ إال أن حضورها في مسرح األحداث قياسا إلى الشخصيات الرئيسـة

بشكل أدق، حيث يشكل حضور يعقوب عليـه يعد ثانويا، فحضورها يشكل مدخال لتحديد دورها

بناء السرد القصصي ...

40

). مما يعنـي أن 5%(18.36%، وامرأة العزيز 23.47%، وأخو يوسف من أمه 35.71السالم

هذه الشخصيات من حيث التقسيم الجمالي تعد شخصيات ثانوية ذات دور واسع، في حين يشـكل

ر الصراع الحقيقـي حضور يوسف وإخوته الحضور األكبر مما يدلل على أن الطرفين هما محو

في القصة، وأن دور امرأة العزيز على سبيل المثال كان دورا تكميليا، يسهم فـي إبـراز حجـم

الضرر الواقع على يوسف، بسبب الجرم الذي ارتكبه إخوته.

وحتى ال يذهب الظن بعيدا فإن الشخصيات الثانوية األخرى ذات الحضور األقل مثـل:

يوسف، والعزيز) ال تعني ثانويتهم إمكان استغناء القصة عنهم، حيث (الملك، والساقي، ومساعدي

ال يمكن تخيل مجريات األحداث وتطورها دون وجود تلك الشخصـيات، لكـن تحديـد طرفـي

الصراع الرئيسين يسهم في بلورة الفكرة الرئيسة والمنحنى الجمالي الذي تتجه إليه بنية القصـة،

ة القرآنية مع القصة الفنية في قلة عدد الشخصيات، مما يعني كما يكشف ذلك التحديد توافق القص

تماسك األحداث وعدم تشتيت ذهن المتلقي.

ولعل تخيل منحنى حضور تلك الشخصيات الرئيسية والثانوية وتفاوت نسب حضـورها

بين الكثرة والتوسط والقلة والندرة؛ يمنح فهمنا للقصة وتذوقنا لجمالها منطقية أكبـر، ألن ذلـك

توافق مع تفاوت أدوار الشخصيات على أرض الواقع فعال، ويتوافق مع مفهوم االنتقاء الجمالي، ي

القائم على اختيار ما يلزم فعال، وعزل ما يلزم .

وقد اتجهت قصة يوسف إلى التعامل مع أسماء شخصياتها بطريقة االنتقـاء الجمـالي

صية سوى الشخصية الرئيسة األولـى نفسها، فالوصف هو المقدم على االسم، ولم تذكر اسم شخ

لقد كان في يوسف وإخوته ) عليه السالم، ونسبت إليه الشخصية الثانية "أخوة يوسف": "يوسف(

" أو قال قآئل مـنهم )، وإذا تحدث أحد أخوته منحه وصفا عاما مثل: "7يوسف:( "آيات للسائلين

"مهارةال)، وسار األمر كذلك مع (10،80يوسف:( "قال كبيرالذين التقطوا يوسف من البئـر، سي (

). ويلمس المتلقي األمر ذاته في 19يوسف:( )واردهموميز صاحب الدور األهم فيهم بوصف: (

) والرجل الذي حسـم التي هو في بيتها) وامرأة العزيز (الذي اشتراه من مصروصف العزيز (

)، ونسوة كبراء المدينة شاهد من أهلهالفصل بين صدق يوسف وادعاء امرأة العزيز (األمر في ا

) ولم يدرك المتلقي طبيعة عملهما إال من فتيانوالمسجونين الساقي والخباز ( )،نسوة في المدينة(

)، وكذلك الساقي عند قيامـه بـدور المأل) وال حاشيته (الملكخالل رؤياهما، ولم يتم تحديد اسم (

.آية 18آية، وامرأة العزيز في 23آية، وأخو يوسف في 35بلغ عدد حضور شخصية يعقوب في (5)

2011يناير ،، العدد الثانيالخامس عشر، مجلة جامعة األقصى، المجلد كمال أحمد غنيمد.

41

في الرجوع إلى يوسف من أجل تفسير الرؤيا مما ترتب عليه انتقال يوسف من القـاع إلـى مهم

)، ويمكن مالحظة ذلك مع مساعدي يوسـف الرسول)، أو (الذي نجا منهما وادكر بعد أمةالقمة (

)، مع احتمالية أن يكون الرسول هو السـاقي، 6)(البشير)، وناقل بشراه بالفرج إلى أبيه (فتيانه(

ير هو كبير إخوته أو أحدهم.والبش

والوصف هنا قد يغني بشكل كبير عن االسم، ألن الوصف يلتقط دالالت أكثر عمقا من

) يسهم في إبراز المفارقة أكثر تجاه إخوة يوسفاالسم المجرد، فالتركيز على اإلخوة في وصف (

لحق، وطلبهم المغفرة، ما فعلوه بأخيهم، كما أنه يحافظ على الوصف األكثر مالئمة لعودتهم إلى ا

وإحساسهم برضا اهللا عن أخيهم يوسف المظلوم على أيديهم أكثر منهم، ومن ثم ال تنتهي القصـة

إال وإخوة يوسف يحملون االسم ذاته، بما يوحى به من حميمية وعالقة إنسانية جميلـة، كمـا أن

، وخصوصـا مـع الدور الجماعي الذي قاموا به، جعل ذكرهم مجتمعين في وصف واحد مقنعا

).7إبراز درجات اختالف بينهم أداها (القائل) و(الكبير) في المواقف الالزمة(

) داال على طبيعة العالقة بيوسـف، ومـن الذي اشتراه من مصـر وصف العزيز(وجاء

الواضح أنها عالقة تعدت ذلك إلى المحبة واستقراء مستقبل الغالم، ولعل ما جاء بعد ذلك علـى

ى أبعاد ذلك الشراء النفسية واالجتماعية، فالرجل وزوجه محرومان على ما يبدو لسانه قد دل عل

من اإلنجاب، والغالم الوسيم يمثل حلما مفقودا لهما معا، ومن هنا أشـار إلـى إحسـان مثـواه،

) ففيه إشارة واضحة إلى عدم التي هو في بيتهاوإمكانية اتخاذه ولدا. أما وصف امرأة العزيز (

لمرأة لمشاعر زوجها، وهي المحرومة من اإلنجاب مثله، فهي بذلك الوصف مجرد امـرأة تمثل ا

غريبة عن الفتى، ال مشاعر أمومة تربطها به كما تخيل العزيز، على الرغم من سنوات انقضت

وهو في بيتها، تربيه كما تربي األمهات أبناءهن، كما أن الوصف أمعن في تبكيت امرأة العزيز،

ل ملحوظ فدائية يوسف، وبطولته الحقة في القدرة على ضبط الـنفس تجـاه أشـكال وأبرز بشك

اإلغواء الممكنة، التي قصدت إليها المرأة، فإمكانية الفتنة واردة دون تصرفات مقصودة، كيـف

والمرأة تعتريها الرغبة العارمة في المراودة، التي وصلت إلى حدتها الفجة في تغليق األبواب في

صارخة على استعصام يوسف وصبره. ردة فعل

96، 62، 50، 45، 43، 36، 30، 26، 23، 21) سورة يوسف: 6(

80" آية قال كبيرهم، وقوله: "10" آية قال قآئل منهم يوسف:" ) إشارة إلى قوله تعالى في سورة7(

بناء السرد القصصي ...

42

ويمكن إدراك دالالت األوصاف األخرى في السياق ذاته، فالكالم الذي قيل عن امـرأة

) داال على تردد نسوة في المدينةالعزيز قد قيل سواء قالته فالنة أو غيرها، ولذلك جاء وصف (

ى مساعدي الملك والوزراء، حيث اإلشاعة بكثرة في المجتمع. كما جاء تعبير (الفتوة) داال هنا عل

لقب به الساقي والخباز، ولقب به مساعدو يوسف، ومن الواضح أن عمل صاحبي السجن هنا أو

هناك هو عمل مدني أكثر منه عمل عسكري، وجاء الوصف بذلك دقيقا، وداال على حيوية أولئك

سليط الضوء على حدث هـام، المساعدين، وقد جاء وصف النجاة واالدكار بعد أمة ليسهم في ت

يشكل انتقاال نوعيا على صعيد تطور األحداث، ومحوره تذكر ذلك الرجل صاحب سجنه القـديم

يوسف، وقد أفاد ذلك الوصف بكلمات محدودة إلى سنوات عذاب كثيرة، مكثها يوسف بقـدر اهللا،

حيث منح المتلقي بعد أن نسي الساقي ذكره، كما أضاء ذلك الوصف سبب تذكر الساقي ليوسف،

داللة أكيدة على صدق تفسير يوسف لرؤيا صاحبي السجن قبل سنوات، مما يعنـي أن الوصـف

جاء مشحونا بمعان عدة، ولم يأت هكذا مجرد وصف لرجل مجهول االسم. ويمكن مالحظـة

) الذي نقل رسالة الملك إلى يوسف في سجنه برغبة الملك في حضوره أوالالرسولداللة االسم (

وفي استخالصه لنفسه ثانيا لنرى التطور الحاصل على رؤية الملك لهذا الرجل السجين، ويمكـن

)، لكـن 45يوسـف: "(أنا أنبئكم بتأويله فأرسـلون الربط بين الساقي والرسول ألن الساقي قال:"

يوسف، والتحول الحاصـل التعبير عنه بالرسول أو رسول الملك له داللة فعلية على إكبار الملك ل

) بذلك االسم، دون التحديد إن كان البشيرفي عالقته به. ويمكن كذلك مالحظة الدقة في وصف (

من مساعدي يوسف أم أنه من إخوته، حيث ركز الوصف على الدور الدرامي الحاصل، والتحول

الذي يقدم في نهاية سعيدة.

األسماء في قصة يوسف على مبدأ االنتقـاء وبكل األحوال تؤكد آليات الوصف وإطالق

الجمالي، الذي يركز على أبعاد ذات قيمة عليا، مستنتجة مـن ذلـك الوصـف، الـذي يـرتبط

باألشخاص، وطبيعة تطور األحداث، ومتغيرات الصراع في القصة، مما يعكس انسجاما جماليـا

حة بين جنباتها. واضحا بين عناصر بناء السرد القصصي، والوحدة العضوية الواض

ويالحظ المتلقي أن معظم شخصيات قصة يوسف متطورة، وأن تطورها يسـير نحـو

األفضل، ويتجه نحو نهاية أجمل، ويمكن مالحظة ذلك على صعيد الشخصيات الفاضلة والكاملة،

الحظ أنه قال كل الشخصيات، ي)، و124: 1989حيث تتطور تلك الشخصيات نحو األكمل(نوفل،

إن بعض الشخصيات ظلت ثابتة من النمط المسطح وفق سيرورة األحداث، وبعضها لم والحقيقة

2011يناير ،، العدد الثانيالخامس عشر، مجلة جامعة األقصى، المجلد كمال أحمد غنيمد.

43

. ويمكن مالحظة ذلك التطور نحو األفضل في شخصية يوسـف يتبين حاله مثل السيارة وواردهم

ارجع )، ثم لما ذكره بعد سنين قال له:"42يوسف:"(اذكرني عند ربكعليه السالم الذي قال للساقي:"

ظهـور )، حيث يرفض الخروج من السجن بعد كل تلك السنوات، إال بعـد 50يوسف:"(إلى ربك

براءته ومعرفة أسباب دخوله ظلما إلى السجن، وقد كان ذلك التطور فـي رغبـة يوسـف فـي

الخروج من السجن عامال دراميا هاما في إعجاب الملك بموقفه، بعد إعجابه بقدراته على تفسـير

وطريقته في وضع الحلول لمشاكل االقتصاد القادمة، مما هيأه الستخالصه لنفسه، وأسهم الرؤيا،

ذلك في انتقاله من السجن والمعاناة إلى سدة الحكم والوزارة، في عمل مهيب، فيه إنقاذ للناس من

مصاب جلل، يمتد على مدار سنوات سبع.

القصة، وهـو مجـرد ويمكن مالحظة التطور الحاصل على شخصية يوسف من بداية

غالم مبشر باالجتباء وتأويل األحاديث والتميز على إخوته، ويقبع في غيابة جب، ويباع بـدراهم

معدودة، انتقاال إلى بداية مرحلة الشباب، التي تعلم فيها الكثير من المعارف الدنيوية بعد نضـجه

مأنه، ووجوده في قصر العزيـز على يد والده، وبرعاية اهللا الذي أوحي له في غيابة الجب بما ط

الذي أسهم في معرفته لجوانب الحكم المختلفة، وتنمية قدراته كونه ولي عهد لعزيز يفكـر فـي

استخالصه ولدا له، ثم جاءت مرحلة فتنة اإلغواء وفتنة السجن طويل المدى، التي شـكلت فيـه

لمختلفة ، من عليـة القـوم إلـى المجتبى المدرب على ألوان المعاناة، الخبير في فئات المجتمع ا

أدناهم، من شرفائهم إلى مجرميهم، وكل ذلك قد أهله بالفعل لدور عظيم في إنقاذ مصر والشـام

من السنوات العجاف.

ويمكن مالحظة التطور الحاصل على إخوة يوسف، الذين بدأوا الحكاية بجرم فضائحي

بعد تفكيرهم بالقتل الفوري، واألعجب كبير، حيث يقوم عشرة رجال بإلقاء طفل صغير في الجب

أن ذلك هو أخوهم، وأن دافعهم للجريمة مجرد أوهام حول حب األب لطفله األصـغر، مـع أن

السمة اإلنسانية الفطرية تستدعي عاطفة األبوة واألمومة تجاه األضعف من األبناء إن كان ذلـك

هم، وتحرك ضمائرهم، جعلهم الضعف مرضا أو سفرا أو صغرا، لكن موقف والدهم، ونفوره من

يتوقفون عن إكمال الجريمة، حيث كان من المكن أن يفعلوا مع أخي يوسف ما فعلوه معه، لكنهم

بدأوا يتحولون نحو الخيرية، وبدأت مواقفهم تتسم بالندم على ما فات، خصوصا عنـدما عـاتبهم

على استرداد أخيهم مـن أخوهم األكبر على التفريط بيوسف من قبل، إضافة إلى حرصهم الشديد

بناء السرد القصصي ...

44

العزيز، ولو كانوا كما هم، لكانت تلك القضية فرصتهم السانحة للتخلص من أخي يوسف، الـذي

إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانـا لفـي نعتوه مع أخيهم بقولهم: "

، ولعل اهتمام يوسف بأخذ أخيه، وتدبير اهللا له ذلك بحكمة بالغة، إنما كان )8يوسف:"(ضالل مبين

الستكشاف خبايا نفوسهم، واختبار حالهم، وهل ما زالوا على غوايتهم القديمة، لكنه أدرك بالدليل

القاطع ذلك التطور النفسي الذي وصلوا إليه، وإن ظلوا يحملون أثارة من غيرة الماضي عنـدما

".ن يسرقإقالوا: "

ويمكن مالحظة التطور الذي أصاب شخصية العزيز والنسوة من المدينة، فبعد المراودة

والدفع بالمظلوم إلى السجن، وبعد مراودة جماعية؛ يصل الحال إلى االعتراف الجماعي ببـراءة

يوسف، واعتراف امرأة العزيز المشحون بالخير والندم واإلصرار على التوبة واالستغفار، ولعل

ذلك يفسر أثر يوسف النبي عليهن، ليس باستعصامه وحسب، وإنما بما ذكرهم به سابقا، لكـنهن

نسينه في سورة الرغبة، وعنفوان الشهوة، وسطوة الحكم، والقدرة على البطش.

أما الشخصيات األخرى فقد اتسمت بالثبات، مثل شخصية يعقوب عليه السـالم، الـذي

لحزن الشديد عليه من البداية، واستمرار ذلك الحزن، وتزايده بفقد الولد تميز باللهفة على ولده، وا

اآلخر. ويمكن القول ذاته على صعيد أخي يوسف الذي لم تتضح مالمحه النفسية مـن البدايـة،

حيث كان محور حسد إخوته مع يوسف، المقرب من والده وأخيه، وظل كذلك، وأسهم وجوده في

فاعال فيها بشكل مباشر، وإنما كان التفعيل ليوسف وأبيه، حيث فقد تفعيل األحداث، وإن لم يكن

والده بصره، وحرص يوسف على أخذه خوفا عليه، وامتحانا إلخوته.

ويمكن اعتبار الشخصيات الباقية شخصيات ثابتة، دخلت في إطار القصة وخرجت منها

مثل الملـك والسـاقي والخبـاز كما هي دون تغيرات جذرية في نفسيتها أو مواقفها وسلوكياتها،

ومساعدي يوسف والشاهد ووالدة يوسف والمأل و السيارة وواردهم، والقرية التي كـانوا فيهـا،

والعير التي جاءوا معها، والبشير.

وقد اهتمت قصة يوسف هنا باستعراض الشخصيات وفق طابع درامي جمـالي، يقـوم

ت أنه ال يوجد شر خالص وال خير كامل، فـإخوة على الرؤية المتوازنة للنفس البشرية، حيث بين

مبرراتهـا -وفق مفهوم الصـراع الـدرامي -يوسف يمثلون شخصية جماعية رئيسة، امتلكت

الجمالية للقيام بالدور الفضائحي في التخلص من األخ، حيث سكنت في قلوبهم مبررات ذلك وهي

حق هابيل، ولعـل جمـال يوسـف الغيرة والحسد، وتلك المبررات هي ذاتها مبررات قابيل في

2011يناير ،، العدد الثانيالخامس عشر، مجلة جامعة األقصى، المجلد كمال أحمد غنيمد.

45

األخاذ، وميل األب إليه بسبب صغره، وكونه من أم أخرى، ثم رؤياه التي يحتمل أن تكـون قـد

تسللت إليهم...، لعل كل ذلك كان دافعا قويا باتجاه ترجمة تلك المشاعر إلى سلوك عدواني، مـع

إلى االبن األصغر حتى يكبـر، أن تمييز األب قد يكون مبررا، كما ذكرنا سابقا؛ بالميل الفطري

والمريض حتى يشفى، والمسافر حتى يعود. وإن كان بعض الدارسين يرى أن جـواب يعقـوب

عليه السالم ألبنائه لما طلبوا أخذ يوسف معهم يرتع ويلعب معمق للحسد: "إذ تضمن سبب الحسد

).8وهو حب يعقوب له وخوفه عليه"(

امرأة العزيز في سلوكها المشين تجاه ربيبهـا، وترك القرآن للمتلقي أن يتخيل مبررات

فجمال يوسف عليه السالم منقطع النظير، أكد عليه، باإلضافة إلى التبرير الدرامي اآلخر، الـذي

ظهر من خالل امتحانها غير المألوف لنسوة كبراء المدينة، اللواتي قطعن أيديهن، فـي سـلوك

حاش يوسف عليه السالم، وفي قول يعبر عن ذلك بقوة: "يستنتج منه المتلقي مدى االنبهار بجمال

)، والتبرير الدرامي هنا ليس تبريرا للجرم، 31يوسف:"(لله ما هـذا بشرا إن هـذا إال ملك كريم

إنما تفسيرا لدوافعه، حيث تقوم الحياة وفق المفهوم القرآني على االختبـار واالبـتالء، ويمكـن

تاج الدفع باتجاه التعالي على الشهوات، وعدم االنجرار ألهواء النفس، مـن خـالل مقارنـة استن

موقف هؤالء النسوة بموقف يوسف عليه السالم، الذي أقبلت عليه الدنيا بما ال يحلم به أصـحاب

النفوس المريضة، حيث تعرض عليه سيدات المجتمع الراقي بكل ما يمتلكنه من جمال ورفاهيـة

اه، وتتعالى نفسه الشريفة عليه، على الرغم من امتالكه ما يمتلكه الناس من خـوف علـى ما يأب

)، وفـي ذلـك 33يوسف: "(وإال تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهليناالفتتان: "

ابت لمبررات االنحراف شرف يستحق التكريم، وموقف متسام يبرز مدى هبوط النفوس التي استج

عن الفطرة، واالتجاه إلى خيانة المبادئ والقيم.

وقد منحت قصة يوسف المتلقي فرصة الستنتاج مبررات سلوك العزيز البـارد تجـاه

الصارخة، التي أكدها الدليل القاطع، المستنتج من شاهد من أهلها، عنـدما قـرر أن خيانة زوجه

على براءته أو إدانته، فكانت حالة القميص الممـزق مـن حالة تمزيق قميص يوسف فيها الدليل

يوسـف الخلف دالة على براءته، وإدانة امرأة العزيز، لكن موقف الزوج العزيز ظل مستغربا: "

)، واألغرب من ذلـك 29يوسف:..."(أعرض عن هـذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين

187) نوفل، يوسف، 8(

بناء السرد القصصي ...

46

م يكن مشاركته في سجن يوسف إلى حين! وقد مهد القرآن لذلك باإلشارة إلـى عـدم سكوته إن ل

)، مما قد يبرر ضـعفه 21يوسف:"(عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداقدرته وزوجه على اإلنجاب: "

صة تجاه موقف زوجه، كما أن رغبته القديمة في اعتبار يوسف ولدا، قد تكون سببا في تركه الفر

) قد يعطي إلى حينالعتدال حال زوجه، وعودتها إلى رشدها، حتى التعبير عن السجن في قوله (

انطباعا بأن ذلك حل مؤقت، ال يعرف أحد لماذا طال، هل كان بسبب غياب العزيز أو موته، ألن

ذكره لم يعد موجودا، حتى عند استفسار الملك من النساء عن يوسف.

درامية، تعطي المتلقي تصورا عن كيفية تصوير الشخصيات، لكن كل ذلك يعد مبررات

وبنائها بشكل منطقي، بعيدا عن الرغبة في تصنيف الناس إلى فئات مصـمتة، إمـا سـوداء أو

بيضاء، ولعل التحوالت الدرامية الحاصلة في مواقف الشخصيات تبين أبعاد تلك الرؤية، حيـث

كما يعود إخوة يوسف إلى الصواب، فال يبادرون إلـى تعود النساء وامرأة العزيز إلى رشدهن،

اإلضرار بأخيهم الثاني؛ بل يحرصون على استنقاذه، ويطلبون المغفرة مـن والـدهم، ويتقبلـون

).100يوسف:"(وخروا له سجدامكانة يوسف الجديدة: "

وقد اختارت قصة يوسف من أبعاد رسم الشخصيات ما يلزم، سواء من حيـث البعـد

المادي أو االجتماعي أو النفسي، واللزوم هنا هو لزوم درامي في متطلبات تطور الحدث وسلوك

الشخصيات، وتصاعد الصراع. وقد كان للبعد المادي في رسم الشخصيات الحضور األكبر، من

ذلك وصف يوسف عليه السالم في مراحل عمره المختلفة التي انتقل بها من حدث إلى آخر، من

)، ثم وصف بلوغه 19يوسف:"(هـذا غـالم ز عمره الصغير في لحظة إلقائه في الجب: "ذلك إبرا

)، وفي ذلك ما فيه من إلقاء الضوء على طبيعـة الحـدث، 22يوسف:"(ولما بلغ أشدهالشباب: "

ـ ا فتصويره طفال يوحي ببشاعة الجرم تجاهه، وتصويره شابا يمهد الفتتان امرأة العزيز بـه، مم

يفجر صراعا ناشبا له ما بعده. ومن ذلك البعد المادي المتمثل في جمال يوسف الذي لمسـناه

قالـت ، وقلن حاش لله ما هـذا بشرا إن هـذا إال ملـك كـريم في تعبير نسوة كبراء المدينة: "

يهي فتنني لمالذ كما أمكن رؤيته في حال النسوة تجاه مراودتـه عـن )، 32-31يوسف:"(فذلكن

، 33يوسـف: "(ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسـه "، و"وإال تصرف عني كيدهن...نفسه: "

)، كما يمكن رؤيته من خالل تتابع األحداث في حب والده، وغيرة إخوته، وإعجاب صـاحبيه 51

ؤونة استعدادا للسنوات العجاف.في السجن به ، ونجاحه في إقناع الناس بتخزين القمح والم

2011يناير ،، العدد الثانيالخامس عشر، مجلة جامعة األقصى، المجلد كمال أحمد غنيمد.

47

وقد رسمت قصة يوسف البعد المادي لشخصية يعقوب، خصوصا بعد مرور السـنوات

تاهللا تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من "، "إن له أبا شيخا كبيراعلى فقد يوسف: "

ث ورد الوصفان في اإلشفاق عليه من كوارث الزمان، وقد عبـر )، حي85-78يوسف:"(الهالكين

وابيضـت عينـاه مـن الحـزن فهـو فقده للبصر عن مدى ألمه بشـكل مـادي محسـوس: "

)، حيث أسهم ذلك الوصف في إبراز ذلك األلم وتداعياته. وقد يستغرب المتلقي 84يوسف:"(كظيم

ين الذي يمتلكه يعقوب تجاه ما سيحدث ليوسف من اجتباء، لكـن ذلك الحزن على الرغم من اليق

اليقين شيء، ومعاناة األمر وصوال إلى ذلك االجتباء، وما سيتلوه من التقاء؛ شيء آخر، فليعقوب

مبررات حزن فطرية كثيرة، منها لوعة األب على طفله، الذي يواجه المتاعب، حتى لـو كانـت

البعيد، كما أنه حزن ليقينه بما سولت به نفوس أبنائه تجاه أخـيهم، النهاية السعيدة تلوح في األفق

فالحدث مريع وفظيع، كما أن انفعاالت األنبياء تثبت بشريتهم.

وقد أشارت قصة يوسف إلى مالمح إخوة يوسف المادية، ومستواهم العمري قياسا إلـى

هم، ألن الطفل قـد تتغيـر أخيهم يوسف، مما جعل معرفة يوسف لهم أكيدة في حين لم يعرفوه

مالمحه كثيرا، لكن مالمح الشاب الكبير تكون قد استقرت، وأصبحت أكثر وضوحا، مما يعني أن

وجاء إخوة يوسف فـدخلوا إخوة يوسف كانوا كبارا نسبيا، ويمكن استنتاج ذلك من قوله تعالى: "

). 58يوسف:"(عليه فعرفهم وهم له منكرون

وقد ظهر البعد االجتماعي في رسم سورة يوسف عليه السالم من خالل إبـراز أبعـاد

وجـاء بكـم البيئتين البدوية والمدنية في تكون شخصيته، حيث أشار إلى البداوة في قوله تعالى: "

يزا لمصر بعد )، باإلضافة إلى بيئة المدينة في بيت العزيز، وفي بيته عز100يوسف:"(من البدو

ذلك، باإلضافة إلى معايشة بيئة السجن بكل ما فيها، وقد كان يوسف صاحب رسـالة فـي تلـك

المجتمعات كلها، باإلضافة إلى أنها منحت يوسف بعدا تكامليا في معالجة أزمة البالد االقتصادية،

وشكلت فيه التفاعل اإليجابي مع كافة فئات المجتمع القريبة والبعيدة.

برز البعد االجتماعي في طبيعة العالقة بين يوسف عليه السالم وإخوته مـن أبيـه وقد

)، وقد كان ذلك البعد ذا أهمية كبيـرة فـي 59يوسف:"(بأخ لكم من أبيكموأخيه من أبيه وأمه: "

التفسير الدرامي ألبعاد الصراع الحاصل، وتفاعل أحداث القصة. وقد ظهر البعد االجتماعي فـي

شخصية امرأة العزيز في طبيعة عالقتها بيوسف، وطبيعة وضعها كونها سيدة مجتمع أولى فـي

بناء السرد القصصي ...

48

)، إبرازا لكونه 23يوسف:"(التي هو في بيتهاطبقة علية القوم، حيث وصفها القرآن بقوله تعالى: "

ذكر سابقا لـه ربيبها أو ابنها بالتبني، كما اقترح زوجها عندما جاء بيوسف إلى بيته، وذلك كما

أثره في إبراز المفارقة بين وضعها االجتماعي المتوقع، ووضعها األخالقي السلوكي الكائن.

وقد ظهرت مالمح البعد النفسي في رسم شخصيات قصة يوسف بما يتناسب أيضا مـع

ضرورة ذلك البعد في تطور األحداث، ومنه الوصف الذي قالته امرأة العزيز عن يوسـف فـي

)، وذلك بعد نفسي وأخالقي هـام، لعـب دورا 32يوسف:"(فاستعصمراودة الصعبة: "لحظات الم

بارزا في تفاعل أحداث القصة، ووصول يوسف إلى السجن تمهيدا لخروجه عزيزا على مصـر،

فلو لم يدخل السجن لما قابل الساقي والخباز، ولو لم يقابل الساقي ويرى صدق تفسيره للرؤيا لما

كان عزيز مصر مسئوال عن خزائن األرض فيما بعد. قابل الملك وال

كما برز البعد النفسي بشكل قوي في رسم شخصية إخوة يوسف، فالحسد والغيرة همـا

الدافع الرئيس لتفجير أحداث القصة وتطوراتها، على مدار سنوات العمر، التي تحكيها القصـة،

التماسك العصبي النابع من مجافـاة وقد ظهر ذلك البعد في كالمهم وفي سلوكهم، حيث برز ذلك

)، كما برز بعد االحتيال والدهاء في معالجـة 14يوسف:"(ونحن عصبةاآلخر القريب في قولهم: "

"، ...قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبـل "، "قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلونالمواقف: "

)، مستخدمين القسم ذاتـه، والمقارنـة مـع 61،77،91:يوسف"(قالوا تالله لقد آثرك الله علينا"

اآلخر، تلك المقارنة التي أضرت بهم منذ البداية.

وقد برز بعد اإليمان الصادق واالتكال على اهللا وتنزيه النفس عن القـدرة علـى صـد

من صفات المتقين، وقد جعلت استغاثة يوسف عليه السالم بعـض األذى دون رعاية اهللا، وذلك

المتلقين يجتهدون في القول بأن العصمة قد منعت يوسف، نعم هي العصمة وال عاصم ألحـد إال

اهللا، لكن اإلنسان الممتحن ال بد أن يكون له دور في الصبر واالستعصام باهللا والمبادرة بـاللجوء

ا فزع منه عليه السالم والتجاء إلى ألطاف اهللا تعالى، جريا على سنن إليه، قال أبو السعود: "وهذ

األنبياء والصالحين في قصر لنيل الخيرات والنجاة عن الشرور على جناب اهللا تعـالى، وسـلب

القوة والقدرة عن أنفسهم مبالغة في استدعاء لطفه في صرف كيدهن بإظهار أنـه ال طاقـة لـه

أبو السعود إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن أدركني وإال هلكت"( بالمدافعة، كقول المستغيث:

).274، 2الكريم، ج

2011يناير ،، العدد الثانيالخامس عشر، مجلة جامعة األقصى، المجلد كمال أحمد غنيمد.

49

وظهرت في ثنايا قصة يوسف شخصيات غائبة، لعبت دورا هاما في تفجير األحـداث،

من ذلك شخصية الشيطان، الذي لم يظهر بشكل مباشر، ولكنه كان حاضرا في تحريك النفـوس

ضح ذلك من بداية القصة في تحذير يعقوب ليوسف عليهما السالم من حكايـة وإثارة الحسد، وات

قال يا بني ال تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيـدا رؤيته إلخوته فينزغ الشيطان بينهم: "

يوسف عليه السالم في نهاية القصـة، ). وقد أكد ذلك 5يوسف:"(إن الشيطان لإلنسان عدو مبين

من بعد أن نزغ الشيطان بينـي وبـين مما يبرز بشكل جلي صدوره ووالده عن مشكاة واحدة: "

). 100يوسف:"(إخوتي

وقد حدث ما توقعه يعقوب، وما استنتجه في النهاية يوسف عليهما السالم، حيث تحركت

س إخوة يوسف بالغيرة والحسد، ودفع بينهم الشيطان إلى نهاية المطاف بارتكـاب فضـيحة نفو

أخالقية، أصبحت درسا للبشر جميعا.

ومن الشخصيات الغائبة عن أحداث القصة، والحاضرة بقيمهـا وتاريخهـا شخصـيتا

ي حلقة من حلقات تلـك العائلـة إبراهيم وإسحق عليها السالم، وكأن قصة يوسف عليه السالم ه

ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كمـا أتمهـآ علـى أبويـك مـن قبـل إبـراهيم الكريمة: "

)، كما أن القيم والمبادئ التي يحملها األنبياء هي التي نلمس دورها فاعال في 6 يوسف:"(وإسحق

وأحداثها. وقد أدرك يوسف عليه السالم الدرس جيدا، خصوصا بعـد االجتبـاء، مجريات القصة

حيث ظلت تلك الشخصيات حاضرة في ذهنه، وفي تفاصيل دعوته للناس، واتضح ذلك في قولـه

ـ لصاحبي السجن، وهو يدعوهم إلى اهللا: " ان واتبعت ملة آبآئـي إبراهيم وإسحق ويعقوب ما ك

). 38يوسف:"(...لنا أن نشرك بالله من شيء

وقد لعبت بعض الشخصيات الخيالية الغائبة دورها في دفع عجلة األحداث نحو غايتها،

سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سـنبالت من ذلك شخصيات رؤيا الملك الوهمية: "

)، وقد تكرر حضورها مرتين، وهي شخصـيات(حلمية) ال 43،46يوسف:"(خر يابساتخضر وأ

تنتمي للواقع المعيش، وال ألحداث القصة المتفاعلة مباشرة؛ لكنها شخصيات رمزية دالة على ما

حدث بالفعل من مجريات بعد ذلك، وحضورها يتبين في مجيء إخوة يوسف كغيرهم، طلبا للميرة

والمجاعة في السنوات العجاف الصعبة. ومن ثم فإن حضـور هـذه الشخصـيات بسبب القحط

بناء السرد القصصي ...

50

الرمزية غير البشرية لم يأت هكذا دونما فائدة؛ بل جاءت لتلعب دورا خطيرا، يـدفع األحـداث،

ويفسر آليات تحركها.

األحداث:

سـتقبل من خالل إقحام المتلقي مباشرة في الحدث الدال علـى الم األحداثوقد جاء ترتيب

البعيد والقريب، فالرؤيا هي أول ما يبدأه الحدث ليدل على النهاية من جهة، في حين يدل تفسيرها

على مجريات األحداث، التي تقود إليها. فتخوفات يعقوب سرعان ما تحدث لتدهم المتلقي بسلسلة

غواء، إلـى فتنـة من األحداث المترتبة عليها، فمن فتنة غيابة الجب، إلى فتنة الرق، إلى فتنة اإل

السجن، إلى فتنة الدنيا ومتطلبات العدل بين الناس فيها، وهي أحداث يأخذ بعضها برقاب بعض،

الحركة األولى (بداية السرد) بؤرة رؤيوية انفعالية، تستمر عبـر القصـة حتـى -إذن–و"تشكل

).2002ظهور اللحظة الجديدة، وهو ما يمكن تسميته باالنفراج وجمع الشمل"( مزاري،

)، وقيامه باألمر على خيـر مـا 9وقد تمثلت ذروة الحدث في تسلم يوسف لسدة الحكم(

يكون، وبذلك تنتهي ابتالءات يوسف وآالمه، وتبدأ معاناة اإلخوة، نتيجة أفعالهم فـي المنتصـف

). 58يوسف:("وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرونتقريبا: "

وبدأ منحني األحداث في الهبوط إلى النهاية، من خالل محاولة يوسف استنقاذ أخيه أوال

من طغيان إخوته، ثم لما تمكن من ذلك، وتأكد من تغير إخوته نحو األفضل، اتجه إلـى لحظـة

غلقة وسعيدة، التنوير والكشف، عندما بين لهم هويته، وراجعهم فيما فعلوه معه، منطلقا إلى نهاية م

تم فيها اللقاء بعد الفراق، والتوبة والتسامح.

وقد اعتمدت قصة يوسف على انتقاء األحداث بحذف ما ليس له عالقة، وإيجاز ما يلزم

قليال، واالنتقال إلى ما له عالقة. وقد بين مبحث ترتيب الزمن سابقا ذلك بشكل جلي، ويمكننا هنا

ثل أن القصة لم تكرر قول كبير إخوة يوسف عندما رفض العـودة اإلشارة إلى نماذج من ذلك، م

إلى الشام: بل جعل رد والده عليهم يأتي فورا على الرغم من المسافة الشاسعة التي قطعوها مـن

)، وكأن الرد واضح، ال يحتاج إلى مقدمات، وكأن المقـدمات 10أجل أن يحملوا رسالته إلى أبيهم(

ث يوسف القديم. تم االكتفاء بها في حد

)956 نظر: سورة يوسف:) ي

)83ورد والده مباشرة عليه في اآلية( ،)82-81-80( كالم كبير إخوة يوسف الذي لقنهم إياه في اآليات:) 10(

2011يناير ،، العدد الثانيالخامس عشر، مجلة جامعة األقصى، المجلد كمال أحمد غنيمد.

51

وذلك له عالقة بتقانات السينما، المتمثلة في االنتقال من حدث آلخر، عبر االنتقال مـن

مشهد إلى مشهد من خالل القطع أو المزج، ويمكن مالحظة ذلك في مواطن الحذف التي أشـار

الصـعب البحث إليها سابقا، فهي أقرب إلى تقانة السينما منها إلى تقانة المسرح، فالمسرح مـن

عليه أن ينتقل من مشهد إلى آخر بشكل خاطف، ألن للمسرح ديكور ومعدات وآليات عرض، أما

تقانة السينما فيمكنها ذلك ألنها ال تعتمد على العرض المباشر، وإنما تعتمد على استعمال العرض

أكبر. المعد مسبقا، الذي ينتظمه شريط، يسهل عمليات االنتقال، ويبهر المتلقي فيها بشكل

ولم تعتمد القصة على نمط ثابت، بشكل ربما قد يحدث الملل، فقد اعتمـد علـى تقانـة

التكرار أو التواتر في نقل أحداث أخرى، في تنوع مدهش، وفي انتقاء موح بمعان كثيرة، تهدف

إليها، حيث يالحظ المتلقي أن الساقي قد كرر رؤيا الملك القريبة على مسامع يوسف، على الرغم

من سماعنا لها سابقا، من أجل التأكيد على دقة الساقي في نقل الرؤيا، تلك الدقـة النابعـة مـن

أمرين: يقينه من قدرة يوسف على تعبير الرؤيا وحاجته إلى كل تفاصيلها الدقيقة، وحرصه على

بع سنبالت خضـر وأخـر سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسالدقة في النقل من مليكه: "

). 11"(يابسات

ويمكن مالحظة تقانة تقسيط الحدث في أكثر من موضع في القصة، تلك التقانـة التـي

تعتمد على التشويق، وعلى المفاجأة بين لحظة وأخرى، من ذلك أن القصة لم تعرف في البدايـة

)، ولم 21يوسف:"(...الذي اشتراه من مصر وقالبهوية الرجل الذي اشترى يوسف، فقالت عنه: "

يعرف به وبزوجته، حتى كانت فضيحة المراودة، فجاء التعريف بهما مفاجئا، وموحيـا بـأمور

عدة، منها مدى بطولة يوسف، ومدى صعوبة الموقف الذي وجد نفسه فيه، باإلضافة إلى كـون

). والقصة لم تبلغ المتلقي عن قدرة يوسـف 12(الحدث فضيحة، وكونه عند العزيز فضيحة أكبر

الفعلية ال الرؤيوية على تأويل األحاديث والتنبؤ بالغيب، وبدء ظهور تلـك القـدرة علـى أرض

قال ال يأتيكما طعام ترزقانه إال نبأتكمـا الواقع؛ إال عند اللزوم، لما لجأ إليه زمياله في السجن: "

). 37يوسف:"(...يله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربيبتأو

)11 (ي)46ونقل الساقي لها( ،)43نظر: سورة يوسف: رؤيا الملك(

30سورة يوسف:) 12(

بناء السرد القصصي ...

52

ويلتقي ذلك في اعتماد القصة على ذكر األحداث السلفية دون إدخالها ضمن مجريـات

قالوا يا أبانا ما تطور الحدث الحالي، المبتدئ من رؤيا يوسف عليه السالم، من ذلك قول إخوتة: "

)، حيث أشار اإلخوة بذلك إلـى آليـة 11يوسف:"(...ال تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون لك

معاملة أبوية سابقة لم نجدها ضمن األحداث، بل إن تلك المعاملة وآثارها ممتدة، كما يبـدو مـن

ديث إخوتـه عـن كالمهم على مدار الزمن السابق الذي سبق بدء القصة فعال، ومن ذلك أيضا ح

سرقة يوسف المدعاة، فهي تشير إلى زمن سابق على أحداث القصة، بغض النظر عن آلية تفسير

).77 يوسف:"(...فقد سرق أخ له من قبلالحدث الذي يشيرون إليه ومدى صدق رؤيتهم له: "

الصراع:قال يا بنـي ال ولى: "في قصة يوسف قد بدأ منذ اللحظة األ الصراعويالحظ المتلقي أن

). وكالم األب لم يأت من فراغ؛ بـل 5يوسف:"(...تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا

من مالحظة ووحي. ولم يبق الكالم هنا مجرد توقع، فقد جاءت اآليات التاليـة مباشـرة لتؤكـد

يوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصـبة إن أبانـا إذ قالوا لنشوب الصراع و تصاعده: "

)، وظل الصراع الخارجي قائما على مدار القصة بين (يوسف وأخيه 8يوسف:"(لفي ضالل مبين

من أمه ووالده) من جهة و(إخوة يوسف من أبيه العشرة)، وما تداعى بناء على كيدهم من جهـة

خرى: حيث برز الشيطان محركا لنفوس اإلخوة، وجاءت امرأة العزيز، ومعاناة السجن، تـداعيا أ

لما قام به اإلخوة، واستمر الصراع بين الطرفين حتى اللحظات األخيرة. وكان المتلقي يعرف مع

نيه يوسف ويعقوب ما مكنه اهللا ليوسف، لكن إخوته ال يعلمون. وهم في رحلة عذاب بين األب واب

حتى اللحظات األخيرة، وارتداد البصر ألبيهم، وطلبهم المغفرة ثم إقرارهم في اللحظات األخيـرة

بتفضل يوسف.

وقد شهد الصراع مراحل متتالية، حيث نشب في اللحظات األولي بين يوسـف الطفـل

التهـام، وإخوته بنزغ من الشيطان، ثم بين يوسف الفتى الشاب وامرأة العزيز، من المراودة إلى ا

إلى الفتنة والكيد، وكل ذلك كان مترتبا عن الصراع األول الناتج عن إلقائه في غيابة الجب.

ثم جاء الصراع األليم ليوسف مع سجن حاول التخلص منه دون جـدوى، ثـم جـاءت

مرحلة صراع يوسف الرجل الناضج مع الدنيا، المتمثلة في الحكم، وتوزيع الرزق على العبـاد،

م أبيه وأخيه وتصويب مسار إخوته.ومع آال

2011يناير ،، العدد الثانيالخامس عشر، مجلة جامعة األقصى، المجلد كمال أحمد غنيمد.

53

وقد ظل الصراع يشتد، ويتأزم لكن في إطار من رحمة اهللا، التي عرفناها مبكرين فـي

بشارة االجتباء، وبشارة إخبار اإلخوة مستقبليا بما فعلوه، والبرهان من ربه، والعون علـى إدارة

يا، بما فيهم إخوته، الذين أساءوا إليـه، األزمة، والعون على استرداد األخ أوال، واألهل جميعا ثان

وتابوا اليوم، وندموا على ما فعلوا، وخروا له ساجدين.

ومن الواضح أن نزغ الشيطان الذي دفع إخوة يوسف إلى أتون صراع فضائحي لم يلغ

بذرة الخير عند اإلخوة، مما أضمر في ثناياه صراعا داخليا، انحسم في النهاية لصـالح التوبـة

الندم وطلب االستغفار، وقد كان في سلوك اإلخوة ما يدل على تراجعهم النسبي تـدريجيا عمـا و

ابتدأوه من صراع قوي، حيث لم يكملوا مؤامراتهم بالتخلص من أخي يوسف، الـذي جـاء فـي

معرض سخطهم على محبة يعقوب لهما دونهم، ولم يكتفوا بذلك بل رفضوا السير فـي طريـق

سنحت الفرصة، كما أنهم حاولوا افتداء بأخي يوسف إرضاء ألبيهم، بل رفـض التخلص منه لما

كبيرهم العودة إال أن يأذن له أبوه، وظهر كل ذلك جليا في اعترافهم بالخطـأ، وتعبيـرهم عـن

تفضيل اهللا ليوسف عليهم، وطلبهم المغفرة.

ويمكن تخيل طبيعة تطور الصراع عبر الشكل البياني التالي:

0

5

10

15

20

25

30

35

40

45

50

اآتمال اإللقاءفتنة الغيرةالرؤيافي الجب

المراودةفتنة المراودةالجماعيةوالسجن

سنون السجنواقترابالفرج

مجيء األخوةلمصر

الحصولعلى األخ بعدالتخطيط

أثر ذلك علىاألخوة

التعارف بعدطول عذاب

التوبةوالتسامح

وتحقق الرؤيا

يوضح منحنى الصراع في قصة يوسف عليه السالمشكل

% مـن أحـداث 56ويصور ذلك الشكل البياني تطور الصراع، وبلوغه الذروة بعد ما يقـارب

القصة، واستمرارية الصراع، وصوال إلى النهاية مع أحداث متتالية، تسكنها المفاجـآت، حتـى

بناء السرد القصصي ...

54

عدد من العقد الدرامية المتتالية، بين تـأزم النهاية السعيدة، والمتوقعة من البداية، وجاء ذلك عبر

وانفراج عابر، يرسخ تأزما أكبر، يمتد على مدار القصة، وصوال إلى لحظة انكشـاف الحقيقـة،

ومعرفة إخوة يوسف هوية العزيز.

اللغة:قصة يوسف بغلبة الحوار على السرد بشكل ملحوظ على خالف المـألوف لغةوتميزت

ي يعد السرد فيها ميزة فارقة عن فنون مشابهة مثل المسرح الـذي يعتمـد في القصة الفنية، الذ

بشكل أساسي على الحوار.

آية شملت قصة يوسـف، 98وظهر ذلك من خالل إحصاء حضور السرد والحوار في

%. وحظي السرد بـثالث عشـرة آيـة، 72.45حيث حظي الحوار بإحدى وسبعين آية، بمعدل

ت بحضور االثنين لكن بغلبة السرد علـى الحـوار بمعـدل %. وحظيت ست آيا13.27بمعدل

%، مـع 8.16%، وثماني آيات بحضور االثنين لكن مع غلبة الحوار على السرد بمعدل 6.12

مالحظة أن اآليات التي احتسبت حوارا لم تخل من كلمات سردية مـن قبيـل: (قـال، وقـالوا،

حال القائل، بما يشبه التعليمات المسرحية، وقالت)، وبعض الجمل السردية القصيرة المعبرة عن

مثل: (خلصوا نجيا)، و(تولى عنهم)، و(فلما دخلوا عليه).

ومن باب االحتراز العلمي أعاد الباحث حسبة معدل الحوار من أصـل مجمـل آيـات

آية شملت القصة، بمعزل عن مقدمتها وخاتمتها، خوفا من القدح في الدقـة، 98السورة، ال من

أن قصة يوسف تعامل على مجمل آيات السورة، وكانت النتيجة على الرغم مـن ذلـك من باب

لصالح الحوار، حيث بقى حضوره هو األبرز، حتى على مجمل آيات السورة، فقد جاء حينـذاك

آيات أخرى برز فيهـا الحـوار 8آية، مع مراعاة أن 111آية من أصل 71% بواقع 63بمعدل

ت أخرى برز فيها السرد على الحوار. بمعنى أن الحوار توافر فيهـا، آيا 6أكثر من السرد، وأن

%. ويمكن 76.57ليصل إجمالي اآليات المحتوية على الحوار إلى خمس وثمانين آية، أي بمعدل

للمتلقي أن يتخيل ذلك الحوار السردي من خالل إدراك أن عدد كلمات (القول) ومشتقاتها: (قـال،

% ، مما جعل السرد 79.59مرة، بمعدل 78قل، ونقول، وقولوا) قد بلغ وقالت، وقالوا، وقلن، وأ

ممسكا نسبيا بزمام اللغة.

ويمكن استنتاج طبيعة أسلوب القصص القرآني اللغوي هنا في سـورة يوسـف، ذلـك

األسلوب القائم على الحضور الطاغي للحوار في مشهد أقرب إلى المسرح، أو السينما، فـالمتلقي

2011يناير ،، العدد الثانيالخامس عشر، مجلة جامعة األقصى، المجلد كمال أحمد غنيمد.

55

ا يقرأ، ويتابع سرديا. وقد منح ذلك األسلوب اللغوي قصة يوسف حضورا دراميـا يشاهد أكثر مم

مشاهدا في تكثيف بالغ اإلتقان، ومعجز الحضور. ومع إضافة آليات البداية، وتصاعد الصـراع،

وروعة النهاية؛ يمكن إدراك ذلك بصورة واضحة أكثر وأبلغ.

البناء الجمالي نسيج وحـده، يمتلـك وكما ذكر البحث سابقا، يعد هذا الجمال الدرامي و

تكثيف القصة القصيرة، ودقة السيرة وعلميتها، وسردية الرواية، وحوارية المسـرح، ودراميـة

السينما بكل ما فيها من سالسة االنتقال من موقف إلى آخر، ومن مشهد إلى غيره، مما يعجز عنه

األداء المسرحي، وذلك واهللا ال يكون إال من صنع اهللا.

يمكن استقراء المعجم اللغوي في قصة يوسف الستكناه حضور قدرة اهللا عز وجل، فقد و

مرة. وجـاء حضـور ذكـر 75مرة، بإجمالي32مرة، وورد بصفات أخرى 43ورد لفظ الجاللة

مرة، وإخـوة يوسـف 25مرة، في حين جاء حضور اسم يوسف 29يعقوب لغويا باسمه ووصفه

مرة.17

ضور السرد الحواري في عـدد تـواتر كلمـات القـول، ويفسر المعجم اللغوي هنا ح

وحضور القدرة اإللهية بشكل جلي، يمنح القصة قدرية األحداث، واالنتقاالت النوعية في مسـار،

يقود إلى انتصار الحق وغلبته، في إطار من رعاية ربانية واضحة. وقد جاء حضور لفظ (الجب)

و(السجن) تسع مرات، وفتنة الدنيا وتولي أمـور مرتين، فيما حضر لفظ (المراودة) سبع مرات،

مرة، مما يمـنح المتلقـي 15العباد بالزراعة والكيل على مدار سبع سنوات سمان وأخر عجاف

مؤشرات على تقدير حضور تلك االبتالءات ودورها الفعال في قصة يوسف، وإن كانت جميعهـا

تصب في الفتنة األولى، فتنة اإللقاء في الجب.

لعبت بعض المفردات دورا هاما في محاور القصة، مثل لفظ القمـيص، وقمـيص وقد

وجآؤوا على قميصه يوسف عليه السالم بالذات، وقد جاء في محور الفتنة األولى تمويها وكذبا: "

واستبقا البـاب )، وجاء في محور فتنة اإلغواء معيار صدق غير منتصر: "18يوسف:"(بدم كذب

أن يسجن وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إال

فلمـا رأى قميصـه قـد مـن دبـر قـال إنـه مـن كيـدكن إن كيـدكن " "...،أو عذاب أليم

)، حيث ظل ضعف العزيز وطغيان امرأته مدخال لعدم انتصـار الصـدق 28-25يوسف:"(عظيم

والبراءة، ثم جاء قميص يوسف في نهاية القصة معيار صدق منتصر، وعالجـا ال مثيـل لـه:

بناء السرد القصصي ...

56

"لي بأها وأتونيربص أبي يأت هعلى وج ي هـذا فألقوهيصوا بقمـين اذهبمعأج ـا أن "،..."كمفلم

جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألـم أقـل لكـم إنـي أعلـم مـن اللـه مـا ال

).96-93:يوسف"(تعلمون

حظوقد شكل حضور بعض األلفاظ دالالت أخر في كلمات شخصيات القصة، "فنحن نل

كلمة الصبر مثال، كانت دائما على لسان يعقوب، واالستعاذة من الظلم على لسان يوسف، وتوكيد

)، حيث لم يكن الصـبر مجـرد كلمـات يقولهـا 515 :1974 ،نقرة األيمان على لسان إخوته"(

يعقوب، وإنما لسان حال، وال االستعاذة من الظلم مجرد كلمات يتلفظ بها يوسف، وإنمـا واقـع

ش، وال توكيد اإليمان على لسان اإلخوة مجرد مصادفات، وإنما تعبير عن ضـمير متعـب، معي

يحاول أن يكابر دون جدوى، فقد جاء في نهاية القصة إدراكا واعيـا، ويقينـا واضـحا، تبعـه

السجود، واالنصياع للحق.

قـال بـل "وقد وظفت القصة ألفاظا ذات إيحاءات، مثل الفعل (سول) في قوله تعـالى:

)، وهو فعل يحمل معنى التـزيين والتحبيـب، ويالحـظ أن 18يوسف:"(سولت لكم أنفسكم أمرا

يعقوب عليه السالم في معرض حديث يوسف عن رؤياه، نسب الشر إلى الشـيطان، لكنـه فـي

ما، ألن يعقوب مواجهة اإلخوة هنا، نسب الشر إليهم، وإلى نفوسهم التي دفعتهم إلى ارتكاب جرم

مطلع على أن يوسف مجتبى، وأن دوره في الحياة لما ينته بعد، وفي ذلك بعد تربوي وإصالحي،

فتوجيه الكالم يختلف عند الحديث مع طرفين يفترض وجود خصومة بينهما.

)، فالشغف هو تعبير قوي 30يوسف:"(قد شغفها حباويالحظ المتلقي إيحاءات الكلمات: "

شدة الحب واللهفة فيه، وذلك وصف دقيق لما حدث مع امرأة العزيز. ويالحظ المتلقي تلـك عن

)، 87يوسف:"(فتحسسوا من يوسف وأخيهاللهفة في تعبير يعقوب عليه السالم عن غياب أبنائه: "

المستعجل.حيث توحي كلمة (تحسسوا) بتلك اللهفة، والرغبة في البحث الدقيق ال البحث العابر

مسـنا وأهلنـا ويمكن مالحظة االنكسار النفسي بشكل واضح في كلمات إخوة يوسف: "

رجاة ...الضزين ...ببضاعة مقتصدزي المالله يج نآ إنق عليتلك األلفـاظ 88يوسف:"(وتصد ،(

ل بذل آخر ما يمكنهم من رجاء واسـتعطاف، التي تعكس رغبتهم القوية في رضا والدهم من خال

فالكناية واضحة في كالمهم، إذ أنهم يطلبون بشكل خفي إرجاع أخيهم لهم، وقد الحظ يوسف عليه

السالم ذلك االنكسار، ولم يصبر عليه، فاتجه إلى المكاشفة والمعاتبة والتسامح والمغفرة، وشـرع

في إنهاء الموضوع من جذوره.

2011يناير ،، العدد الثانيالخامس عشر، مجلة جامعة األقصى، المجلد كمال أحمد غنيمد.

57

ر في الكشف عن تفاصيل غائبة، وأحداث سلفية، وعن خلفية األحـداث وقد أسهم الحوا

)، وطبيعة عمل 21يوسف:"(أو نتخذه ولداوتطورها، من ذلك الكشف عن عقم العزيز وزوجته: "

ي خبـزا تأكـل إني أراني أعصر خمرا وقال اآلخر إني أراني أحمل فوق رأسالساقي والخباز: "

نـهم رإذ )، وكشف الحوار عن نفسية إخوة يوسف منذ صدوعهم األول بالكالم: "36يوسف:"(الطي

)، حيث 8"(يوسف:قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضالل مبين

االنفصال النفسي عن يوسف وأخيه بتجريدهم من النسبة إليهم كما فعلوا في يالحظ حرصهم على

أبانا)، ولما انتقل الكالم إلى التفكير في القتل، واتخـاذ السـلوك -نسبة والدهم إليهم مرتين: (أبينا

كم وجـه اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لالعملي بدأ حوارهم يتجه إلى ضمير المخاطب: "

)، وفي ذلك إيحـاء بنفـورهم الـداخلي مـن 9 يوسف:"(أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين

الجريمة، ويعطي انطباعا بوجود بذرة الخير لديهم بعد ارتكاب الذنب أو الجريمة، خصوصا أنهم

أو الجريمة.ما زالوا يفكرون في الصالح، والعودة إليه بعد ارتكاب الذنب

وقد قاموا بتجريد يوسف من لقب اإلخوة، حتى وهم يحاولون التحايـل علـى أبـيهم،

)، وكشفوا عن 11يوسف: "(مالك ال تأمنا على يوسف وإنا له لناصحونويدعون الحرص عليه: "

مـؤمن لنـا ولـو كنـا ومـا أنـت ب خبايا نفوسهم تجاه صدق الحال، ففي حالة يوسف قالوا: "

)، حيث أفادت كلمة (لو) الشك الذي يتسلل من نفوسهم إلى ألفاظهم وكلماتهم، 17:يوسف"(صادقين

واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنـا فيهـا وإنـا أما في حالة أخي يوسف فقد قالوا: "

)، في كلمات تنبض باليقين، في طلب شهادة الشهود من جهة، وفي الجـزم 82"(يوسف:لصادقون

بالصدق دون شك بكلمة "لو" أو غيرها، وقد كانوا حينئذ صادقين بالفعل.

قالوا وقد امتلك إخوة يوسف إصرارا على آرائهم، حتى لو اختلفوا فيها مع أبيهم النبي: "

)، والمراودة تدل على صعوبة المهمة بـدليل فشـل 61يوسف:"(إنا لفـاعلون سنراود عنه أباه و

) تعبير يوحي باإلصرار على إنا لفاعلونالمراودة في تحقيق نتائجها في حكاية امرأة العزيز، و(

المهمة الصعبة، وقد نجحوا بالفعل مع كل المواثيق التي فرضت عليهم، حيث وافق يعقوب عليـه

وقال يا بني إلحاح ومراودة صعبة، وراح يوصيهم بإشفاق على ولده وعليهم أجمعين: " السالم بعد

)، وقد أسهمت ألفاظ الحوار فـي 67يوسف:"(ال تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة

ت نقطة نجاح إخوة يوسف في اإليحاء بصعوبة حال الناس في السنوات السبع العجاف، حيث كان

بناء السرد القصصي ...

58

ونزداد كيل بعير ذلـك مراودة أبيهم عن أخذ أخي يوسف، وهي مجرد زيادة المؤونة كيل بعير: "

قالوا نفقد صواع )، بل إن جائزة الملك المعلنة أصبحت مجرد حمل بعير: "65يوسف:"(كيل يسير

مح ولمن جاء به كيمالملزع ير وأنا بهوفي ذلك إيحـاء بشـظف العـيش، 72يوسف:"(ل بع ،(

وصعوبة الحال.

قالوا تالله لقد آثرك الله وقد شكلت كلمات إخوة يوسف في نهاية القصة تحوال دراميا: "

را بتميز يوسـف عـنهم )، حيث أوحت الكلمات بإقرارهم أخي91:يوسف"(علينا وإن كنا لخاطئين

واستحقاقه حب أبيهم أكثر منهم، واعترفوا بخطئهم، ذلك االعتراف الذي أوصلهم إليـه يوسـف

قـال ال تثريـب بصبره وتخطيطه، حرصا عليهم. وهنا جاء موقف يوسف النبي عليه السـالم: "

احالر حمو أروه لكم الله رم يغفاليو كمينعليحيث أعلن مسامحته: (ال تثريـب 92يوسف:"(م ،(

عليكم)، ودعا لهم بالمغفرة من اهللا: (يغفر اهللا لكم)، وامتلك اليقين بالرحمة من الحبيـب: (وهـو

اذهبوا بقميصي هـذا فألقوه علـى أرحم الراحمين). وهو لم ينس وجع والده، لذلك قال فورا: "

أبي يأت ها وجيرنات األلم 93يوسف:"(...بصوكانت روعة المعجزة في اتخاذ العالج من مكو ،(

القديم، فالقميص الملوث بدم كذب كان هو مدخل الحكاية الواسع باألمس، وقميص يوسف المبارك

قـال سـوف أسـتغفر لكـم هو سبب الشفاء اليوم، أما يعقوب عليه السـالم فقـال ألبنائـه: "

)، ووعده صادق، لكن التسويف هنا نابع من عدة أشياء، منها أنـه لـم يـر 98:يوسف"(...بير

يوسف بعد، وإن كان يراه باليقين.

قالوا وأقبلـوا علـيهم مـاذا ووظفت قصة يوسف لغة الجسد، من ذلك قوله تعالى: "

اإلخوة بطهارتهم، وبعدهم عن الفساد، )، حيث عبرت لغة الجسد هنا عن ثقة71يوسف:"(تفقدون

وذلك فيه دليل آخر على التطور النفسي الحاصل لديهم، فهم ال يقولون وحسـب، بـل يقولـون

وحركة سيرهم تتجه إلى مساعدي العزيز الذين يطاردهم ، ال إلى الجهة المقابلة لهم، ولو كـانوا

الهرب، وذلك يؤكد حسن نيـتهم. أصحاب سوء لكانت خطواتهم تتجه على الرغم منهم إلى جهة

)، وذلك فيه تصـوير 80يوسف:"(خلصوا نجياوأبرزت لغة الجسد كيفية الكالم في قوله تعالى: "

لكيفية الحديث الخفي المستتر، الذي ال يريد أن يسمعه أحد، فهم يلتفون حول بعضهم، ويتحـدثون

من قبل بيوسف عليه السالم. بصوت خافت، ألن كالمهم يحمل سرهم الخطير عن تفريطهم

2011يناير ،، العدد الثانيالخامس عشر، مجلة جامعة األقصى، المجلد كمال أحمد غنيمد.

59

الفكرة:

ويمكن للمتلقي بعد استكمال تلقي النص أن يصل إلى المقدمة المنطقية التي انطلق منها،

لقـد كـان فـي والفكرة األساسية التي دار حولها، فالمحور األساس للقصة هو يوسف وإخوته: "

وما )، والتعليق على القصة كان في نهايتها يؤكد ذلك: "7:يوسف"(يوسف وإخوته آيات للسائلين

)، وكل ما تبع ذلك من صـبر يوسـف 102يوسف:"(كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون

ووالده كان رسالة نجاح. سواء باالنتصار على الـنفس أو اإلغـواء، أو الـرق أو السـجن أو

ط والجوع، والدرس لمحمد صلى اهللا عليه وسلم الذي نزلت على قلبه السورة االنتصار على القح

قل هـذه سبيلي أدعو إلى الله على بصـيرة أنـا في سياق صعوبة الظروف وانغالق األبواب: "

دارت في )، ومن الواضح أن الفكرة الرئيسة التي حملتها القصة قد108يوسف:"(...ومن اتبعنـي

ذلك اإلطار، لتؤكد على أن الصبر على المحن والتوكل على اهللا نتيجته االنتصار والنجاح وزوال

كل المعوقات. وقد لخص يوسف حكاية محنته في السجن وأسبابها، والبعد عن األهل، والقطيعـة

جن وجاء بكم من البدو مـن وقد أحسن بي إذ أخرجني من السمع اإلخوة نتيجة فعل الشيطان: "

)، وتأمل معي جمال أدب يوسف، إذ إنه لم 100يوسف:"(بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي

يذكر تلك المحن إال وهي منفية، وذكر إحسان ربه به إذ خلصه منها، ثم راح يعدد نعم اهللا عليه:

"تنآتي قد ـي ربي فض أنت وليواألر ماواتر السفاط يثن تأويل األحادي متنوعلم لكن المي م

)، حيـث تـذكر نعمـة الملـك، 101يوسف:"(الدنيا واآلخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين

ي كل المواقف. ولم يكتف يوسف عليه السالم بذلك، وإنما واالجتباء بتعليم األحاديث، والرعاية ف

دعا اهللا أن يحقق آماله المستقبلية: "توفني مسلما وألحقني بالصالحين"، فرسـالة قصـة يوسـف

واضحة بين الماضي المؤلم، والواقع المشرق، والمستقبل الجميل المرجو، وتلك رحلـة المـؤمن

سالة إيمانية، لم يعتورها الوعظ المباشر، وإنما سـرى الصادق الصابر الشاكر المحتسب، وهي ر

فيها تشويق جمالي، توقفت فيه األنفاس أحيانا، وتنفس فيها الناس الصعداء أحيانا أخـرى، فـي

نسيج جمالي معجز.

:نتائج البحثتميزت قصة يوسف بحضور عدد من الشخصيات يخدم الحدث وتطـوره، فقـد كـان عـدد -

% مـن 100ثنتين، هما شخصية يوسف التي كان حضورها نسبة الشخصيات الرئيسة منها ا

بناء السرد القصصي ...

60

آية، في حين شكلت الشخصية الجماعية (إخوة يوسـف) 98األحداث التي تم استعراضها في

%. 58.16حضورا بنسبة

تخيل منحنى حضور الشخصيات الرئيسة والثانوية، وتفاوت نسب حضـورها بـين الكثـرة -

منا للقصة وتذوقنا لجمالها منطقية أكبر، ألن ذلك يتوافق مع والتوسط والقلة والندرة؛ يمنح فه

تفاوت أدوار الشخصيات على أرض الواقع فعال، ويتوافق مع مفهوم االنتقاء الجمالي، القـائم

على اختيار ما يلزم فعال، وعزل ما ال يلزم.

ذي يركز تؤكد آليات الوصف وإطالق األسماء في قصة يوسف على مبدأ االنتقاء الجمالي، ال -

على أبعاد ذات قيمة عليا، مستنتجة من ذلك الوصف، الذي يرتبط باألشخاص، وطبيعة تطور

األحداث، ومتغيرات الصراع في القصة.

يالحظ المتلقي أن معظم شخصيات قصة يوسف متطورة، وأن تطورها يسير نحو األفضـل، -

ويتجه نحو نهاية أجمل.

وفق طابع درامي جمالي، يقوم على الرؤيـة اهتمت قصة يوسف هنا باستعراض الشخصيات -

المتوازنة للنفس البشرية، حيث بينت أنه ال يوجد شر خالص وال خير كامل، فإخوة يوسـف

مبرراتها الجماليـة -وفق مفهوم الصراع الدرامي-يمثلون شخصية جماعية رئيسة، امتلكت

م مبررات ذلـك وهـي للقيام بالدور الفضائحي في التخلص من األخ، حيث سكنت في قلوبه

الغيرة والحسد.

اختارت قصة يوسف من أبعاد رسم الشخصيات ما يلزم، سواء من حيث البعـد المـادي أو -

االجتماعي أو النفسي، واللزوم هنا هو لزوم درامي في متطلبات تطـور الحـدث وسـلوك

الشخصيات، وتصاعد الصراع.

هاما في تفجير األحداث، من ذلك ظهرت في ثنايا قصة يوسف شخصيات غائبة، لعبت دورا -

شخصية الشيطان، الذي لم يظهر بشكل مباشر، ولكنه كان حاضرا في تحريك النفوس وإثارة

الحسد.

اعتمدت قصة يوسف على انتقاء األحداث بحذف ما ليس له عالقة، وإيجاز ما يلـزم قلـيال، -

واالنتقال إلى ما له عالقة.

2011يناير ،، العدد الثانيالخامس عشر، مجلة جامعة األقصى، المجلد كمال أحمد غنيمد.

61

بتقانات السينما، المتمثلة في االنتقال من حدث آلخر، عبر انتقاء األحداث في القصة له عالقة -

االنتقال من مشهد إلى مشهد من خالل القطع أو المزج، ويمكن مالحظة ذلـك فـي مـواطن

الحذف التي أشار البحث إليها سابقا، فهي أقرب إلى تقانة السينما منها إلى تقانة المسرح.

ن موضع في القصة، تلك التقانة التي تعتمد على يمكن مالحظة تقانة تقسيط الحدث في أكثر م -

التشويق، وعلى المفاجأة بين لحظة وأخرى، من ذلك أن القصة لم تعرف في البدايـة بهويـة

الرجل الذي اشترى يوسف.

تميزت لغة قصة يوسف بغلبة الحوار على السرد بشكل ملحوظ على خالف المـألوف فـي -

%. وحظيت ست 13.27%. وحظي السرد بمعدل 72.45القصة الفنية. حظي الحوار بمعدل

%، وثماني آيات بحضـور 6.12آيات بحضور االثنين لكن بغلبة السرد على الحوار بمعدل

%، مـع مالحظـة أن اآليـات التـي 8.16االثنين لكن مع غلبة الحوار على السرد بمعدل

ت...).احتسبت حوارا لم تخل من كلمات سردية من قبيل: (قال، وقالوا، وقال

يمكن للمتلقي أن يتخيل ذلك الحوار السردي من خـالل إدراك أن عـدد كلمـات (القـول) -

مـرة، بمعـدل 78ومشتقاتها: ( قال، وقالت، وقالوا، وقلن، وأقل، ونقول، وقولوا) وقد بلـغ

% ، مما جعل السرد ممسكا نسبيا بزمام اللغة.79.59

ج وحده، يمتلك تكثيف القصة القصيرة، ودقة يعد البناء الدرامي الجمالي في قصة يوسف نسي -

السيرة وعلميتها، وسردية الرواية، وحوارية المسرح، ودرامية السينما بكل ما فيها من سالسة

االنتقال من موقف إلى آخر، ومن مشهد إلى غيره، مما يعجز عنه المسرح.

فية األحداث وتطورها.أسهم الحوار في الكشف عن تفاصيل غائبة، وأحداث سلفية، وعن خل -

الفكرة الرئيسة التي حملتها القصة تؤكد على أن الصبر على المحن والتوكل على اهللا نتيجتـه -

االنتصار والنجاح وزوال كل المعوقات. فرسالة قصة يوسف واضحة بين الماضي المـؤلم،

.والواقع المشرق، والمستقبل الجميل المرجو

بناء السرد القصصي ...

62

:أهم المصادر والمراجع رآن الكريم.الق -

، 2إرشاد العقل السليم إلى مزايـا القـرآن الكـريم، ج :محمد بن محمد العمادي ،أبو السعود -

.دار إحياء التراث العربي ،بيروت

موقع (مخبر أبحاث في دراسة سيميائية، بنية الخطاب السردي في سورة يوسف: دفة،؛ بلقاسم -

جامعة بسـكرة، الجزائـر: واللغات،اآلداب يةقسم األدب العربي، كل)، اللغة واألدب الجزائري

)http://www.adablabo.net.(

،، القـاهرة 12إشكالية الزمن في النص السردي، مجلة فصول، المجلـد :عبد العالي ،بوطيب -

143-129، 1993الهيئة المصرية العامة للكتاب، صيف

.1981، 2قطر، الشئون الدينية، ط-، الدوحة2وني، محمد علي: صفوة التفاسير، جالصاب -

، تونس، الدار التونسـية للنشـر، 12ابن عاشور، محمد الطاهر: تفسير التحرير والتنوير، ج -

1976.

2010غنيم، كمال أحمد: األدب العربي المعاصر، غزة، أكاديمية اإلبداع، -

والمكان في سورة يوسف، القاهرة، جماعة دار العلوم، صحيفة دار غنيم، كمال أحمد: الزمان -

العلوم.

.1978القط، عبد الحميد: من فنون األدب، بيروت، دار النهضة العربية، -

، نادي تبـوك األدبـي، 13المري، نورة: البنية القصصية في سورة يوسف، مجلة أفنان، عدد -

).nora.com/cultural/yosef.htm-http://www.drهـ: (1428

مزاري، شارف: مستويات السرد اإلعجازي في القصة القرآنية، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، -

2002) :dam org-uhttp://www aw.(

، 1سيكولوجية القصة في القرآن، تونس، الشـركة التونسـية للتوزيـع، ط : د التهامي ،نقرة -

1974.

.1989، 1نوفل، أحمد، يوسف: دراسة تحليلية، عمان، دار الفرقان للنشر والتوزيع، ط -