18
ﻣﺪن وﺛﻘﺎﻓﺎت227 ﺃﺳﺘﺎﺫ ﺑﻜﻠﻴﺔ ﺍﻵﺩﺍﺏ، ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻓﻴﺼﻞ. ﻟﻢ ﻳﻜــﻦ ﺍﻟﺼــﺮﺍﻉ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ / ﺍﻟﻤﺴــﻴﺤﻲ ﻓــﻲ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭً ﺛﻘﺎﻓﻴﺎً ﻓﻘﻂ؛ ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﺻﺮﺍﻋﺎً ﻭﻋﺴﻜﺮﻳﺎً ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ ﺳﻴﺎﺳﻴﺎ ﺍﻋﺘﻤﺪ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻷﺩﻭﺍﺕ ﻭﺍﻵﻟﻴــﺎﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ. ﻭﻫﻮ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱً ﻭﺩﻳﻨﻴﺎ ﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ / ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺸﺪ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻄﺮﻓﺎﻥّ ﺗﺠﻠ ﻛﺎﻓﺔ ﺃﺳﻠﺤﺘﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺣﺴﻤﻪ، ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻼﺡ ﺍﻟﻨﺒﻮﺀﺍﺕ ﻭﺍﻟﺮﺅﻯ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ.:»eÓ°SE’G ÖfÉédG ≈∏Y ﻟﺘﻔﺘﺤﻦ ﺍﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ، ﻓﻠﻨﻌﻢ» ﻛﺎﻥ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﺮﺳــﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ: ـ ﻣﻊ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ﻋﻠﻰ« ﺍﻷﻣﻴﺮ ﺃﻣﻴﺮﻫﺎ، ﻭﻧﻌﻢ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺫﻟـــﻚ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺻﺤﺔ ﺇﺳﻨﺎﺩﻩ ـ ﻫﻮ ﺍﻟﻮﻗﻮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﺩ ﺣﻤﻠﺔ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻓﻲﻡ، ﻭﻗﺎﺩ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ﻟﺤﺼﺎﺭﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﺘﺘﺎﻟﻴﺔ717 ﺣﺼﺎﺭﻩ ﻟﻠﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔﻡ، ﺛﻢ ﺣﺼﺎﺭ ﻭﺍﻗﺘﺤﺎﻡ1422 ﻡ،1402 - 1394 ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻘﺴــﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔﻡ.1453 ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔﺣﺪﺛﻨــﺎ ﻋﺒﺪ ﺍﷲ ﺑــﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷــﻴﺒﺔ، ﻭﺳــﻤﻌﺘﻪ ﺃﻧﺎ ﻣﻦ» …hÉë£dG ºJÉM اﻟﻨﺒﻮءات واﻟﺮؤى واﻟﻤﺮاﺛﻲ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻔﺘﺢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦم1453 ﻟﻠﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ

ﻲﺛاﺮﻤﻟاو ىؤﺮﻟاو تاءﻮﺒﻨﻟا ﻦﻴﻤﻠﺴﻤﻟا ﺢﺘﻔﺑ …€¦ · تﺎﻓﺎﻘﺛو نﺪﻣ 227.ﻞﺼﻴﻓ ﻚﻠﻤﻟﺍ ﺔﻌﻣﺎﺟ

  • Upload
    others

  • View
    0

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

  • وثقافات مدن

    227

    ■ أستاذ بكلية اآلداب، جامعة الملك فيصل.

    لم يكــن الصــراع اإلسالمي / المســيحي فــي العصور ثقافياً بل كان صراعاً فقط؛ وعسكرياً الوسطى سياسياً اعتمد كافة األدوات واآلليــات الثقافية. وهو األمر الذي ودينياً تجلّى في الصراع العثماني / البيزنطي الذي حشد فيه الطرفان كافة أسلحتهما من أجل حسمه، بما فيها سالح النبوءات والرؤى

    المتعلقة بمدينة القسطنطينية.

    :»eÓ°SE’G ÖfÉédG ≈∏Y

    كان حديث الرســول الكريم: «لتفتحن القسطنطينية، فلنعم األمير أميرها، ونعم الجيش ذلـــك الجيش» ـ مع االختالف على صحة إسناده ـ هو الوقود الذي قاد حملة مسلمة بن عبد الملك في حصاره للقسطنطينية 717م، وقاد العثمانيين لحصاراتهم المتتالية لمدينة القســطنطينية 1394 - 1402م، 1422م، ثم حصار واقتحام

    المدينة 1453م.

    «حدثنــا عبد اهللا بــن محمد بن أبي شــيبة، وســمعته أنا من

    ■ …hÉë£dG ºJÉM

    والمراثي والرؤى النبوءات المسلمين بفتح المتعلقة

    1453م للقسطنطينية

  • 228

    وثقافات مدن

    عبد اهللا بن محمد بن أبي شــيبة قال زيد بن الحباب قال حدثني الوليد بن المغيرة المعافري، قال حدثني عبد اهللا بن بشــر الخثعمي عن أبيه أنه سمع أميرها ولنعم األميـــر فلنعم القســـطنطينية «لتفتحن يقــول: النبي ژ فغزا فحدثته عبد الملــك مســلمة بن فدعاني قــال الجيش، ذلك الجيش

    القسطنطينية».وهو الحديث الذي رواه أحمد في مســنده، وابنــه في زوائده (335/4)، والبخــاري في التاريــخ الكبيــر (81/2)، والطبرانــي في المعجــم الكبير

    (81/2)، والحاكم في المستدرك (468/4) عن طريق الوليد بن المغيرة.

    وثار خالف حــول صحة هذا الحديــث، فقد قال الحاكــم؛ إنه صحيح اإلسناد، ووافقه الذهبي؛ بينما ضعفه األلباني في السلسلة الضعيفة (778)، وقال: ضعيف بعدما ذكر االختالف في اســم عبد اهللا بن بشر. وقال: «جملة القول أن الحديــث لم يصح عندي لعــدم االطمئنان إلى توثيــق ابن حبان

    للغنوي هذا، وهو غير الخثعمي».

    كما ضّعفه الشــيخ عبد القادر األرناؤوط في تحقيقه للمسند، حيث ذكر الحديــث معقباً عليــه بقوله: هذا إســناد ضعيف لجهالة عبد اهللا بن بشــر الخثعمي. فقد انفرد بالرواية عنه الوليد بن المغيــرة المعافري، ولم يؤثر

    توثيقه عن غير ابن حبان.

    لم يكن ذلك هــو الحديث الوحيد ـ بصرف النظــر عن صحته ـ الذي تنبأ بشــكل واضح بفتح القســطنطينية الذي اعتمد عليه المسلمون من أجل

    فتح المدينة؛ بل إن هناك حديثاً آخر رواه اإلمام البخاري في صحيحه:

    «قال رســول اهللا ژ : أول جيش من أمتي يغـــزون البحر قد أوجبوا. قالــت أم حرام: قلت: يا رســول اهللا أنــا فيهم؟ قال: أنـــت فيهم. ثم قال النبي ژ : أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر (القسطنطينية) مغفور

    لهم. فقلت: أنا فيهم يا رسول اهللا؟ قال: ال».كما ذكر أن األحاديــث المتعلّقة بفتح القســطنطينية جاءت على نوعين: األول مطلق وقبل فتح مدينة روما بحسب حديث عبد اهللا بن عمرو بن العاص.

  • 229

    1453م للقسطنطينية المسلمين بفتح المتعلقة والمراثي والرؤى النبوءات

    «عن أبي قبيل كنا عند عبد اهللا بن عمرو بن العاص وسئل أي المدينتين تفتح أوالً: القســطنطينية أو روميه؟ فدعا عبد اهللا بصنــدوق له حلق. قال: فأخرج منه كتاباً قال: فقال عبد اهللا بينما نحن حول رسول اهللا ژ نكتب إذ أقســطنطينية أو رومية؟ فقال سئل رسول اهللا ژ : أي المدينتين تفتح أوالً

    رسول اهللا ژ : مدينة هرقل تفتح أوًال». يعني القسطنطينية.أما النوع الثاني من أحاديث فتح القسطنطينية فيقرن ذلك بفتحها قبيل زمن الدجال ووقت الملحمة، ويكون بالتكبيــر وينطبق على من يفتحها آخر

    الزمان.

    كما ذكر ابن تيمية أن البخاري قد روى في صحيحه عن ابن عمر ^ أن النبي ژ قال: أول أول قال: له. مغفور القسطنطينية يغزو جيش جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية، وكان

    . ƒ معه أبو أيوب األنصاري

    وال يمكــن إغفــال دور األحاديــث النبويــة حماسة إثارة في القســطنطينية حول الشــريفة الثامن القــرن مــن بداية لفتحهــا المســلمين الميالدي، والحمالت التي قام بها األمويون أحد

    دوافعهــا محاولة تحقيق حديث الرســول الكريــم، ولعلنا وجدنــا ذكرًا في ما ســبق للقائد األموي مســلمة بن عبد الملــك الذي ضرب حصــاره حول

    المدينة خالل األعوام 716 - 718م.

    :»ë«°ùªdG ÖfÉédG ≈∏Y

    هناك العديد من النبوءات والرؤى المســيحية القديمة المتعلقة بمدينة القسطنطينية منذ نشــأتها بأوامر اإلمبراطور قســطنطين في القرن الرابع

    الميالدي.

    كما نشأ العديد من النبوءات المتعلّقة بســقوطها على يد أعدائها، قبل

    íàØH á≤q∏©àªdG åjOÉMC’G q¿EG ≈∏Y äAÉL á«æ«£æ£°ù≤dG πÑbh ≥∏£e ∫hC’G :ø«Yƒf Ö°ùëH ÉehQ áæjóe íàa øH ˆG óÑY åjóM »fÉãdGh ,¢UÉ©dG øH hôªY øeR π«Ñb É¡ëàØH ∂dP ¿ô≤j ,áªë∏ªdG âbhh ∫ÉLódG ≥Ñ£æjh ô«ÑμàdÉH ¿ƒμjh¿ÉeõdG ôNBG É¡ëàØj øe ≈∏Y

  • 230

    وثقافات مدن

    أن تعــود لدحرهم لتســتمر دورة حياتها مــن جديد، كما نشــأ العديد من األساطير حول اإلمبراطور ودوره في الدفاع عن القسطنطينية، وعودته إلنقاذ

    المدينة من جديد.

    وكان مــن الطبيعي أن تحظى مســألة ســقوط القســطنطينية عاصمة المســيحية األرثوذكســية في قبضة العثمانيين المســلمين باهتمام بالغ من المؤرخين المســيحيين المعاصرين، وركــز العديد منهم علــى تلك الرؤى الســابقة، فضًال عن االلتفات إلى بعض الشــواهد الغريبة والمعجزات التي واكبت سقوط المدينة. وألنهم اعتبروا أن زوال العاصمة البيزنطية هو حدث اســتثنائي، فقد تصوروا ضرورة وجود أحداث استثنائية مواكبة لهذا الحدث

    الجلل.

    Nestor - وعلى سبيل المثال سوف نجد أن رواية الروسي نسطور ـ إسكندرIskendar الذي عاصر أحداث الفتح العثماني للقســطنطينية قد تماهت أحياناً مع بعض روايات شــهود العيــان اآلخرين الذين تحدثوا عــن حدوث عالمات إعجازيــة أثناء حصار القســطنطينية أشــارت إلــى قرب ســقوطها في أيدي العثمانيين. من ذلك ذكره ما حدث من عالمة أصابت الســكان بالرعب يوم

    21 مايو 1453م1، من دون أن يوضح لقرائه طبيعتها أو دالالت حدوثها.

    على أنه يمكننا ـ بعــد مقارنة ذلك مع باقي المصــادر المعاصرة ـ أن نفسر ذلك بأنه قصد ما سبق أن أشــار إلى حدوثه الطبيب البندقي نيقولو باربارو في السابعة مســاءً من ليلة 22 مايو، حيث كان القمر بدرًا، قبل أن يتحول فجأة ليصبح هالالً على الرغم من صفاء الجو وعدم وجود أية غيوم بالسماء. واســتمرت هذه الظاهرة ألربع ساعات، بعدها أخذ حجم القمر في

    العودة إلى طبيعته ليعود بدرًا كامًال في منتصف الليل2.

    ويبدو أن ذلك كان تأكيدًا على النبوءة القديمة التي نسبت لإلمبراطور

    Hanak, W.K. and Philippides, M, The Tale of Constantinople (of its Origin and Capture by The 1 ـTurks in the Year 1453) by Nestor - Iskendar, Moscow, 1988, ch. 47, 63.

    2 ـ المصدر السابق، ص 159 - 160.

  • 231

    1453م للقسطنطينية المسلمين بفتح المتعلقة والمراثي والرؤى النبوءات

    قســطنطين العظيم مؤسس مدينة القســطنطينية، الذي ذكر أن مدينته لن تسقط في أيدي أعدائها أبدًا إال عندما يتحول القمر إلى بدر معتم1. ويعكس هذا ثقافة المؤرخين المستقاة من األساطير السابقة المتعلقة بنشأة وسقوط

    مدينة القسطنطينية في الفكر البيزنطي.

    ويتبع نســطور ـ إســكندر كلماته عن حدوث تلك العالمة المرعبة يوم (االثنين) 21 مايو بإشــارته إلى أنه في عشــية يوم الجمعــة التالي 25 من مايــو 1453م، ظهر ضوء ســاطع في ســماء القســطنطينية، وعندما تجّمع الســكان حول كنيســة آيا صوفيا شــاهدوا لهباً يتصاعد محيطــاً بالصخرة الداخلية للكنيســة، ومتجمعاً في لسان واحد، ليشــكل ضوءًا ال يمكن وصفه

    قبل أن ينطلق نحو السماء بسرعة فائقة2.

    شــعروا الذين الســكان على ذلك وانعكس بالرعب والفزع، وفسروا ذلك بأن الروح القدس قد غــادر المدينة، وصعــد نحو أبواب الســماء المفتوحــة، مما يعني أن رحمة الــرب قد تخلت عن القسطنطينية «... لقد رغب الرب في تسليم

    مدينتنا إلى العدو»3.

    وبإعادة قراءة ذلك بشكل موضوعي نجد أن نسطور ـ إســكندر قد اتفق تماماً مع باربارو في ذلك. غير أن قراءة متأنية للهوامش التي وضعها

    كل من األســتاذين .Hanak W. K و .Philippides M ناشــري كتابه تعليقاً على ذلك يثبت أن التباســاً قد وقع على األرجح في تلك المسألة. فبعد أن قاما بتفســير علمي لظاهرة الضوء الساطع الذي صعد نحو الســماء، بأنه ربما

    1 ـ المصدر السابق، ص 149.«The Tale of Constantinople», ch. 47, p. 63. 2 ـ راجع ما ذكره دولفين، المصدر الســابق، ص 334، الذي تحدث أيضاً عن صعود ألسنة اللهب

    واألضواء الساطعة.«The Tale of Constantinople», ch. 48, 68, pp. 63, 81. 3 ـ

    »a ™WÉ°S Aƒ°V Qƒ¡X ¢ùμ©fG ≈∏Y á«æ«£æ£°ù≤dG Aɪ°S ÖYôdÉH Ghô©°T øjòdG ¿Éμ°ùdG ¿CÉH ∂dP Ghô°ùah ,´õØdGh QOÉZ ób ¢Só≤dG ìhôdG ÜGƒHCG ƒëf ó©°Uh ,áæjóªdG ɪe ,áMƒàتdG Aɪ°ùdG ób ÜôdG áªMQ ¿CG »æ©jáæjóªdG øY â∏îJ

  • 232

    وثقافات مدن

    حدث ذلك بسبب توافر ظروف مناخية غير عادية، وربما حدث أيضاً بسبب تجمع جزيئات متكســرة من دخان المدافع مع ظاهرة جوية أخرى، فتســبب ذلك في حدوث نوع من الشحنة الكهربية. فإنهما يجمعان بين رواية باربارو عن البــدر المعتم مع ظاهرة الضوء الســاطع، ويذكــران أنهما حدث واحد

    جرى يوم 24 مايو. وأن باربارو أخطأ في نسبة ما ذكره إلى 21 مايو1.

    وفــي تصوري أن وجــه االلتباس هنا أنهمــا جمعا الظاهرتيــن: (البدر المعتم ) و(الضوء الســاطع) ـ على ما بينهما من تناقض ـ في ليلة واحدة. كمــا أرى أن رواية باربارو عّما جرى ليلة 22 مايو أكثر صدقاً، والدليل على ذلك يأتي بعمل مقارنة ســريعة لجــدول األعوام الميالدية ومــا يقابلها من األعوام الهجريــة، لنجد أن يوم مايو 1453م يوافق يــوم 13 جمادى األولى 857هـــ2، وهو ما يثبــت بالتالي أن القمــر كان بدرًا بالفعل بحســب رواية

    الطبيب البندقي.

    ويبدو أن نســطور ـ إســكندر قد أراد أن يوحي لقراء روايته بأن صدى العالمة المرعبــة أو البدر المعتم قد وصل إلى المعســكر العثماني، فزعم أنه عندما شاهد الســلطان الفاتح الظالم يلف المدينة، سأل المنجمين في معســكره عن معنى ذلك، فأجابوه «.. إنها عالمة كبرى، إن المدينة محكوم

    عليها بالموت»3.

    كان من الطبيعي بالنســبة لمؤرخنا المســيحي األرثوذكسي ـ الذي بدأ رحلتــه مــن أجــل زيــارة األماكــن ذات القداســة المســيحية فــي مدينة القســطنطينية ـ أن يهتم بنبوءات العّرافين حول المصيــر النهائي لعاصمة

    Ibid, p. 128. not. 74 1 ـ «St. Elmot Fire» ويسميان ظاهرة الضوء الساطع الذي صعد إلى السماء بنار القديس إلموت

    2 ـ راجع: ويستنفلد، ف.، جدول السنين الهجرية بلياليها وشهورها بما يوافق من السنين الميالدية بأيامها وشهورها. ترجمة عبد المنعم ماجد، عبد المحسن رمضان، القاهرة، 1980م، ص 78.

    «The Tale of Constantinople», ch. 70, p. 81. 3 ـ راجــع أيضاً: دولفيــن، المصدر الســابق، ص 334 الذي أشــار إلى الضباب الذي لف ســماء

    القسطنطينية، واستمر من الصباح الباكر حتى المساء.

  • 233

    1453م للقسطنطينية المسلمين بفتح المتعلقة والمراثي والرؤى النبوءات

    األرثوذكسية األوروبية؛ لهذا نجده يشير إلى النبوءة التي نُسبت لميثوديوس من باتارا Methodios of Patara في القرن الرابع الميالدي1، التي ثبت الحقاً أنه تمــت كتابتها بواســطة أحد الرهبان الســريان هو ميثوديــوس المزيف Pseudo-Methodios، الــذي هاجــر إلى اإلمبراطوريــة البيزنطية بعيد الفتح اإلســالمي لبالد الشــام في القرن الســابع الميالدي2. خاصة الجزء الذي تعلّق منها بصحوة المســيحية من جديد وقيام اإلمبراطور البيزنطي بهزيمة

    المسلمين ومطاردتهم حتى الجزيرة العربية.

    «The Tale of Constantinople», ch. 38, 85, 86, pp. 55, 95, 136 - 137 not. 103, 104; Dujcev, op. 1 ـcit, Tom. 3, pp. 304 - 308.

    2 ـ تألفت نبوءة ميثوديوس من 14 فصًال عبر أربعة أقسام رئيسة:(1) القســـم األول: تضمن الفصول الســتة األولى وتعرض لخلق العالم وآدم وحــواء حتى إبراهيم

    وزواجه من هاجر المصرية.(2) القسم الثاني: تضمن الفصول حتى التاسع ويطلق عليه أســطورة اإلسكندر، ويتكون من مقدمة تاريخية ذات مســحة أســطورية من العصرين اليوناني والمقدوني حاول المؤلف خاللها إيجاد

    أصل حبشي لإلمبرطورية البيزنطية.(3) القســـم الثالث: يتضمن حتى الفصل الثاني عشر، ويدور حول ما ســماه «نكبة اإلسالم». ويصف فيه ما ألحقه الفتح اإلســالمي من دمار في بالد الشــام، وتحول المســيحيين إلى

    اإلسالم.(4) القسم الرابع: يدور حول المخلص الجديــد، اإلمبراطور البيزنطي، الذي سيقوم برد المسلمين

    Ethribus وهزيمتهم؛ بل ومطاردتهم حتى الجزيرة العربية واحتالل مدينة يثربعن نبوءة ميثوديوس التي حازت شهرتها الواسعة منذ القرن الرابع عشر الميالدي. راجع:

    Palmer, A. (ed.) The Seventh Century in The West- Syrian Chronicles, Liverpool, 1993,

    pp. 222 - 242; Hoyland, R.G, Seeing Islam As Others Saw it. A. Survey and Evaluation of

    Christian Jewish and Zoroastrian Writings on Early Islam, Princeton, 1997, pp. 263. 270,

    295 - 297; Paul. J Alexander, The Byzantine Apocalyptic Traditions, London, 1985, «The

    Syriac Apocalypse of Pseudo- Methodius», pp. 13 - 51 Martinez, Francisco Javier Eastern

    Christian, Apocalyptic in the Early Muslim Period: Pseudo ـ Methodius and Pseudo ـ

    Athanasius (volumes I and II) Ph.D The Catholical University of America, 1985.

    وانظر أيضاً الدراسة المهمة للزميل عبد العزيز رمضان: التناول األبوكاليبسي للفتح اإلسالمي، نبوءة ميثوديوس المجهول نموذجاً، بحث في كتاب: دراســات في التاريخ والحضارة اإلســالمية، مجموعة بحوث مهــداة للمؤرخ محمود إســماعيل، تحريــر عبد العزيز رمضان وخالد حســين،

    القاهرة، 2009م، ص 381 - 410.

  • 234

    وثقافات مدن

    والحقيقة أن تلك النبوءات مثلت مالذًا للسكان البيزنطيين، فمن ناحية قررت حتمية ســقوط المدينــة من قبل. كما أنها بشــرت أيضــا بإمبراطور مسيحي ســوف يقوم من جديد باسترداد القسطنطينية وطرد المسلمين حتى

    بالدهم.

    ويمكننا أن نؤكد أن هذه النبوءة كان لها مصداقية كبرى عند الســكان المســيحيين بدليل أنها اســتمرت حتى بعيد ســقوط مدينة القســطنطينية. ولدينــا وثيقة عبارة عن خطاب أرســله أحد رجال الكنيســة فــي 26 يوليو 1453م؛ أي بعد شهرين تماماً من الفتح العثماني، مناشدًا صديقه في مدينة (Ainos Enez الحالية) أن يرســل له نســخة من الكتاب الــذي يحكي نبوءة

    ميثوديوس؛ ألنه في أشد االحتياج له من أجل استيعاب ما حدث1.

    ويمكننــا أن نالحظ أنهــا النبوءة نفســها التــي اعتمد عليهــا المؤرخ البيزنطــي المعاصــر دوكاس، مــن دون أن يذكر صاحبها، فقد أشــار إلى معرفة سكان القسطنطينية منذ زمن طويل عبر كتابات العرافين أن المدينة سوف تســقط في أيدي المســلمين، وأن الجنود البيزنطيين سوف يتراجعون حتى عمود قســطنطين، حيث سينزل مالك من الســماء مقدماً سيفه لرجل مجهول، رث الهيئة قائًال: «تناول هذا الســيف واثأر لشعب الرب». وعندها ســوف يقوم بهزيمة المســلمين وردهم على أعقابهم، حتى تخوم بالد فارس

    .2 Monodendrion حيث المكان المسمى

    لم يختلف نســطور ـ إســكندر كثيرًا عن باقي المؤرخين المســيحيين

    1 ـ «... إنني أتوســل إليك ســيدي العظيم أن ترســل لي كتاب القديس ميثوديوس، سواء أكان في نســخته القديمة أو الجديدة، إذا ما كان لديك نســخة منه... من فضلــك ال تنس ذلك ألنني

    أحتاج إليه بشدة».Darrouze.J «Lettres des 1453», in, Revue des Etudes Byzantines, Tom, XXI, 1963, p. 91. راجع:

    2 ـ دوكاس، المصدر السابق، ص 277.أشار البروفسور دونالد نيكول إلى أن المكان Monodendrion يدعى أيضاً شجرة التفاح األحمر (Kokkini Milia)، الــذي يزعم أنه الموطن األصلي الذي شــهد ميالد نبي المســلمين. كما أن أســطورة الرجل الفقير الذي ســيقوم بإنقاذ الشــعب المســيحي ومدينة القســطنطينية وطرد

    .«The Immortal Emperor», p .101 ..المسلمين منبثقة من النبوءات السابقة

  • 235

    1453م للقسطنطينية المسلمين بفتح المتعلقة والمراثي والرؤى النبوءات

    الذيــن رفعــوا مــن قــدر النبــوءات القديمــة ودورها فــي ســقوط مدينة القســطنطينية. وبدالً من اإلشــارة إلى طبيعة العالقات العثمانية البيزنطية منذ القرن الرابع عشــر الميالدي حتى قبيل الفتــح العثماني للمدينة؛ حيث كانت كل الدالئل تشير إلى تنامي القوة العثمانية على الصعيدين السياسي البيزنطية. وهكذا التراجع الشــديد لدور اإلمبراطورية والعســكري، مقابل فبــدالً مــن اإلشــادة بــدور العســكرية العثمانية فــي تحقيــق النصر على البيزنطيين، فإننا نجده يلجأ إلى النبوءات التي تتحدث عن سقوط المدينة. إلى نبــوءة تذكــر أن المدينة التي قام بإنشــائها من ذلك إشــارته أيضاً اإلمبراطور قسطنطين (العظيم) ابن هيلينا سوف تسقط عندما يتولى حكمها إمبراطور يدعى قســطنطين وأمه تدعى هيلينا أيضا1ً، وهو ما انطبق بالفعل

    على اإلمبراطور األخير قسطنطين الحادي عشر باليولوغس.

    كما ســبق أن أشــار األب ليونارد الخيوســي إلــى نبوءة أخــرى تعزى

    «The Tale of Constantinople», ch. 77, p. 87; p.132, not. 89, 90. 1 ـ Kritovoulus, op. cit, ch. :وقد ذكرت المصادر المعاصرة وشهود العيان أيضاً تلك النبوءة. راجعp. 80 ,269.؛ نيقولو باربارو، المصدر الســابق، ص 128. الذي أشــار أيضاً إلى ما سماه النبوءة األولى حول سقوط القســطنطينية، حيث كان اإلمبراطور قسطنطين العظيم ـ مؤسس المدينة ـ يســير على صهوة جواده بالقرب من العمود الواقع بالقرب من كنيســة آيا صوفيا، وأشار بيده شــرقاً، باتجاه األناضول، قائًال: «إن الشــخص الذي ســوف يقضي علي ســوف يأتي من هذا

    .Nicol, op. cit, pp.75 - 76 :ًاالتجاه». راجع ص 167. انظر أيضاوالحقيقة أن مســألة النبوءات المتعلقة بسقوط القســطنطينية قد راجت قبل نسطور ـ إسكندر بزمن بعيــد. من ذلك ما ذكره مؤرخا الحملة الصليبية الرابعــة 1204م: روبرت كالري وفلهارد وين، اللذان ذكرا وجود عمودين بالمدينة عاش الرهبان والنســاك في قالبات أعالها، ونقشت على جدرانهمــا صور وتهاويــل، ونبوءات بما ســيجري في القســطنطينية من أحــداث. وذكرًا أيضاً أن اســتيالء الالتين على المدينــة كان مدوناً عليهما. راجع: فتح القســطنطينية على يد الصليبيين، ترجمة وتعليق حسن حبشــي، القاهرة، 1964م، ص 131 - 132؛ فتح القسطنطينية، ترجمــة وتعليق حســن حبشــي، جــدة 1982م، ص 147 - 148. انظــر أيضاً عن نبوءة توماســو موريســيني Tomaso Morisini كبير األســاقفة الالتين في القســطنطينية بعيد الحملة الصليبية الرابعة (1204 - 1211م) التي ذكــرت أن الجنس الذي يحمل الحراب ســوف يأتي من مواجهة القســطنطينية، ليقوم باالســتيالء على مينائها الشــهير، وعندها تتم إبادة الجنس البيزنطي.

    راجع: ليونارد الخيوسي، المصدر السابق، ص 129.

  • 236

    وثقافات مدن

    لإلمبراطور ليــو الحكيم (886 - 912م) حول ســقوط المدينــة1 غير أن ما يهمنا هنا هو ما تردد من أن قوماً من أصحاب الشــعر األشقر سوف يهبون لنجدة المدينة وهزيمة المســلمين. وهو ما ورد قديماً فــي نبوءات الكاهن اليونــان حــول ســقوط ببــالد Erythraea مــن منطقــة Oracle والعــراف

    القسطنطينية. والتي كانت تشير إلى الغربيين (الالتين)2.

    غير أن نســطور ـ إســكندر قّدم تفســيرًا مغايرًا لذلك المعنى ليجعل الروس هم أصحاب الشــعر األشقر3، ومن الواضح أن ذلك يتفق مع أصوله

    1 ـ المصدر الســابق، ص 128 - 129. الذي شرح كيف جرى تقســيم الوثيقة المتعلقة بتلك النبوءة إلــى مربعات تبين تعاقــب األباطرة البيزنطيين منذ عهد قســطنطين العظيم وحتى ســقوطها، وبمرور الوقت تم ملء جميع المربعات بشكل كامل. على حين ترك المربع األخير خاوياً من أجل االمبراطور الذي سيقوم بحكم المدينة، التي ستتعرض للفناء بعد أن يتم تتويجه. عن نبوءة ليو

    الحكيم التي حازت شهرتها خالل القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميالديين. راجع:

    Mango. c. «The Legend of Leo The Wise». in. Byzantium and its Image. History and Culture

    of The Byzantine. Empire and its Heritage. London. 1984. pp. 59 - 93. esp. pp. 61. 67. 74. 85.

    والحقيقــة أن العالم المســيحي الذي شــعر بالتهديد اإلســالمي كان قد لجأ منــذ زمن بعيد إلى االعتراف بنبوءات عديدة، تنتهي جميعها بصحوة المســيحية من جديــد، وقيام اإلمبراطور البيزنطــي بقهر الفاتحين المســلمين، وطردهم إلــى بالدهم. من ذلك نبــوءة القديس أندرو سالوسSt. Andrew Salos التي تحدثت عن قيام اإلمبراطور بإصالح أحوال مدينة القسطنطينية، قبل أن يتوجه نحو الشــرق إلذالل المســلمين، واحتالل أراضيهم من جديــد، لدرجة أن مصر

    سوف تعود لدفع الجزية إلى الرومان من جديد. راجع:

    Mango. C. «The Life of st. Andrew The Fool», in, Byzantium and its Image, pp. 297 - 313;

    Hoyland, op. cit, pp. 305 - 307; Wortley, J. «The Literature of Catastrophe», in, Byzantine

    Studies, vol. 4, pt. 1, 1977, pp. 1 - 17; esp. pp. 3, 10.

    الذي يقرر أن انتشــار ذلك األدب في روما الجديدة (القســطنطينية) عن رومــا القديمة كان بسبب المسيحية، والمقارنة مع تراث العهد القديم.

    2 ـ ليونارد، المصدر الســابق، ص 130، كما أشــار أيضاً إلى ما ذكــره األب يواقيم الفلوري (Joachim of Fiore 1145 - 1202) الذي كتب «.. وا أســفاً عليك، المشــيدة فوق ســبع تالل،

    صاحبة األيدي المبتورة، المحرومة من المساعدة».«The Tale of Constantinople», ch. 86, 95. 3 ـ حيث يشــير إليهم بلفظ Rusie. ويمهد نســطور ـ إسكندر بتلك اإلشــارة إلى الدور الذي لعبته

    موسكو في ما بعد بوصفها روما الثالثة في حماية المسيحية. عن ذلك راجع:

    Dujcev, op. cit, pp. 280 - 283, Wolf, R. L., «The Three Romes: The Migration of an Ideology =

  • 237

    1453م للقسطنطينية المسلمين بفتح المتعلقة والمراثي والرؤى النبوءات

    وكنيستها القسطنطينية أن سقوط كما الروسية، المســلمين، العثمانيين قبضة في األرثوذكســية جعل مركز ثقل األرثوذكسية األوروبية ينتقل إلى

    كنيسة موسكو منذ ذلك الوقت.

    وتحفل رواية نســطور ـ إسكندر بالعديد من العبارات التي ال تعزو ســقوط القسطنطينية إلى البراعة العســكرية للعثمانييــن؛ وإنما إلى إرادة وآثــام خطايــا بســبب كانــت التــي الــرب المســيحيين1، وهو ما اتفقت عليه روايات شهود

    العيان المســيحيين اآلخرين2. وزاد ليونارد الخيوســي علــى ذلك بأن عزا سقوط القسطنطينية إلى عدم إخالص سكان المدينة األرثوذكس في مسألة

    االتحاد الكنسي مع كنيسة روما الكاثوليكية3.

    and The Making of an Autocrat», in, Myth and Mythmaking, ed. Murray, H. A, Boston, 1959,

    pp. 174 - 198 ; Stremoukhoff, D, «Moscow The Third Rome: Sources of The Doctrine», in,

    Speculum, 28, 1953, pp. 84 - 101.

    «The Tale of Constantinople», ch. 35, p. 53. ch.45, p.61.ch.50, p.67.ch.51, p.69.ch.84, p.93.ch, 1 ـ89, 97.

    «.... بســبب عقوقنا وعدم تقوانا وعقولنا المخادعة، وبسبب خطايانا وآثامنا التي مألت قلوبنا، وألننا لم نستمع إلى وصايا الرب... فكيف يمكن أن نهرب من عقابه»، «إن االنتصار العسكري

    للعثمانيين، وسقوط اإلمبراطورية البيزنطية إنما هو من اإلرادة االلهية».«ألننا خطاؤون أيها الرب. وارتكبنا الشــرور واآلثام تجاه الســماء». علــى الرغم من صلواتنا وتوســالتنا وتضرعنــا إلى الــرب. فبســبب خطايانــا وآثامنا تــم حرماننا من غفــران وكرم الرب «.. لقد جرى كل ذلك بســبب خطايانا وآثامنــا.. لقد جلس الشــقي محمد على العرش

    اإلمبراطوري». «ذكر المسيحيون أن سقوط القسطنطينية إنما مرجعه إرادة الرب».2 ـ راجع أيضاً على ســبيل المثال، نيقولوباربارو، المصدر السابق، ص 167. «.... في يوم 29 مايو، آخر أيــام الحصار، كان الرب قد اتخذ قراره مع وافر األســى واألســف للبيزنطيين. لقد أراد

    الرب للمدينة أن تسقط هذا اليوم في قبضة محمد بك العثماني بن مراد».«غضب الرب كثيرًا نتيجة للظلم الذي حدث بالقسطنطينية، فأنزل عقابه عليها من دون رحمة»

    Abraham von Ankyra, op. cit, p. 53.

    3 ـ المصدر السابق، ص 127، 131، حيث خاطب سكان المدينة قائًال «إن ما حدث لكم كان بسبب أنكم فعلتم ذلك (االتحاد الكنسي) بشــكل زائف، وليس بروح صادقة، ولهذا السبب، فقد صب

    =

    =

    `` Qƒ£°ùf ájGhQ πØëJ øe ójó©dÉH Qóæμ°SEG hõ©J ’ »àdG äGQÉÑ©dG ≈dEG á«æ«£æ£°ù≤dG •ƒ≤°S ájôμ°ù©dG áYGôÑdG IOGQEG ≈dEG ɪfEGh ,ø««fɪã©∏d ÖÑ°ùH âfÉc »àdG ÜôdGø««ë«°ùªdG ΩÉKBGh ÉjÉ£N

  • 238

    وثقافات مدن

    وهكذا اتفق الروسي نسطور ـ إسكندر مع باقي شهود العيان المسيحيين البيزنطيين والالتين في اإلشارة إلى النبوءات القديمة التي تناولت مسألة ســقوط مدينة القســطنطينية، وإلى غضب الــرب على ســكانها. وكان من الطبيعي أن يكون هذا على عكس ما ذكره شــهود العيان المســلمين الذين أرجعوا سقوط المدينة إلى قوة العثمانيين العسكرية وبراعتهم. وهو ما نجده عبر كلمات طورســون بك الذي شــارك في أحداث الحصار والفتح العثماني للمدينــة «.... تقّدمت المدافع، ولــم يفق الكفار بعد مــن صدمتها، ودارت المعركــة في كل اتجاه، وتقــّدم الجنود العثمانيون كاألســود صائحين: اهللا أكبر...وأخذت الســهام تتطاير من البروج،....كما بدت في الســاحة قوارير النفط الملتهبة، ورعــد المدافع،.... والحاصل أن نيــران المدافع والبنادق

    وكذا السهام، نزلت عليهم كالمطر ونوازل القضاء»1.مرثية المؤرخ البيزنطي المعاصر ميخائيل دوكاس لمدينة القسطنطينية2

    «أواه أيتها المدينــة! يا مدينة المدائن! أواه أيتهــا المدينة! التي تمثل مركز أركان العالم األربعة. أيا مجد الدين المســيحي، التي جرى تدميرها

    بواسطة البرابرة.

    الرب جام غضبه عليكم وأنزل عقابه بكم بأن تسقطوا في أيدي أعدائكم». «... وتصاعد غضب الرب نتيجة لهذا (االتحاد الزائف بين الكنائس) وأرســل محمدًا، أقوى ســالطين العثمانيين...

    ليقيم معسكره أمام القسطنطينية».Tarih-i Ebul-Feth, p.55. 1 ـ راجع أيضاً شــهادة األب ليونارد الخيوسي المصدر الســابق، ص 162. الذي يعد شاهد العيان المســيحي الوحيد الذي ذكر أن الجنود العثمانيين كانوا يصيحــون أثناء الهجوم: «ال إله اهللا، محمد رسول اهللا». وأضاف أن البيزنطيين قد انعقد لسانهم، وأصيبوا بالدهشة والذهول عندما

    استمعوا إلى تلك الصيحات.2 ـ اعتمد المــؤرخ البيزنطي ميخائيل دوكاس أســلوباً معروفاً فــي الكتابة التاريخيــة في العصور الوســطى. وهو إيجاد مشــابهة بين األحداث التي تجري للمســيحيين، وتلك التي جرت لليهود،

    والتي ذكرها العهد القديم.ويقوم دوكاس في هذه المرثية برثاء مدينته النبيلة، على غرار مراثي إرميا ألورشليم. ويشبه سقوط القسطنطينية وما تعرض له المسيحيون البيزنطيون من أســر على أيدي العثمانيين المسلمين، بما

    حدث من سقوط أورشليم واليهود أسرى في أيدى نبوخذ نصر في ما عرف بالسبي البابلي.

    =

  • 239

    1453م للقسطنطينية المسلمين بفتح المتعلقة والمراثي والرؤى النبوءات

    أواه أيتهــا المدينــة ! لقد كنت الفــردوس الثاني الذي تم غرســه في الغرب، كنت الحديقة التي ازدهرت بالعديد من األشجار المحملة بالفاكهة الروحية! أين فضائلك وجمالك اآلن. أواه أيهــا الفردوس؟ أين قواتك التي بفضل وإحســان الروح القدس قد مكنتك من التمتع بالعقل والجســد؟ أين أجســاد حواري الرب التي ظلــت طويًال في هذا الفردوس وازدهرت بشــكل سرمدي، من بينها العباءة األرجوانية، والحربة، واإلسفنجة، والمزمار. تلك التي ســمحت لنا عندما قمنا بتبجيلها وتوقيرها بأن نؤمن بأننا نراه ينهض

    من فوق الصليب؟ أين رفات القديسين؟ واألباطرة الذين خلفوه؟!

    والطرق المبانــي، ومداخــل الشــوارع، إن المتقاطعة، والحقول وبساتين الكروم التي كانت قد زخرت برفات القديســين تزخر اآلن بأجساد العليا والمراتــب المكانة أصحــاب من الرجال والدنيا، وبالرهبان والراهبات المقدسين. يا لها من خسارة فادحة ومحزنة! «إن جثث عبيدك أيها الــرب، قد تــم إلقاؤهــا لتصبح طعامــاً لطيور حول صهيون قديســيك أجساد وتفرقت السماء، الجديدة لتقوم الحيوانات المتوحشة بنهشها، من

    دون أن يستطيع أحد مواراتها في التراب».

    واحسرتاه على الكنيســة (آيا صوفيا)، تلك الســماء األرضية، والمذبح الســماوي، ذلك المكان المقــدس، صاحبة المجد من بيــن كافة الكنائس! واحســرتاه على الكتب المقدســة، التي أوحى الرب بها. النواميس الجديدة والقديمة واأللواح التي كتبت بإصبع الرب! واحسرتاه على اإلنجيل الذي قيل بواسطة فم الرب نفســه. األحاديث المقدسة التي تلفّظ بها المالئكة الذين اتخذوا هيئة بشــرية، عقائد البشــر التــي ألهمها الروح القــدس. ووصايا

    األبطال أنصاف اآللهة!

    واحسرتاه على اإلمبراطورية، على الشــعب، على الجيش الضخم الذي

    `` Qƒ£°ùf »°ShôdG ≥ØJG ¿É«©dG Oƒ¡°T »bÉH ™e Qóæμ°SEG ø««£fõ«ÑdG ø««ë«°ùªdG ≈dEG IQÉ°TE’G »a ø«JÓdGh »àdG áªjó≤dG äGAƒÑædG áæjóe •ƒ≤°S ádCÉ°ùe âdhÉæJ Ö°†Z ≈dEGh ,á«æ«£æ£°ù≤dGÉ¡fÉμ°S ≈∏Y ÜôdG

  • 240

    وثقافات مدن

    ال يمكن حصره. كل ذلك ذهب إلى األبد؛ مثل سفينة أغرقها الموج في بحر مضطــرم ! واحســرتاه على المنــازل وعلى األمكنــة جميعاً وعلــى الجدران

    المقدسة بالمدينة !

    إننــي اليوم أناشــدهم جميعــاً وأوجه نُواحــي تجاههم، كما لــو كانوا موجودين جميعاً على قيد الحياة، مقتدياً بالنبي إرميا Jeremiah في مثل تلك

    المأساة الحزينة1.

    «كيف جلست وحدها المدينة الكثيرة الشعب، كيف صارت العظيمة في األمم كأرملة! الســيدة في البلــدان صارت تحت الجزيــة، تبكي في الليل بكاء ودموعهــا على خديها، ليس لهــا معّز من كل محبيهــا. كل أصحابها غــدروا بها، وصــاروا لها أعداء. قد ســبيت يهوذا من المذلــة ومن كثرة العبودية، هي تســكن بين األمم، ال تجد راحة، وقــد أدركها طاردوها بين

    1 ـ يصنف ســفر المراثي ضمن المكتوبــات في النص العبــري، كما أنه ينتمي إلــى المجالت أو اللفائف الخمس. ويقع في نســخة الفولجات الالتينية بعد ســفر أرميا، ولذلك ُيســمى أحياناً «مراثي إرميا» ويقرأ هذا السفر عادة في التاســع من أغسطس وهو ذكرى خراب أورشليم عام

    586 ق.م؛ وذلك ألن موضوعه األساس رثاء المدينة لخرابها على يد نبوخذ نصر.ويتكون سفر «مراثي إرميا» بحسب تحليل النقاد من مجموعة اصحاحات، يتناول اإلصحاح األول

    موضوع سقوط أورشليم، وما تعيش فيه من ذل على أيدي أعدائها، وطلبها الخالص من الرب.ويعتقد بعض النقاد أن زمن تأليف الســفر يقع بعد الســبي البابلي عام 586 ق. م. وقبل نهاية الســبي 538 ق.م.، وقد رتب النقاد اإلصحاحات تاريخياً فاعتبــروا اإلصحاحين الثاني والرابع أقدم اإلصحاحــات ووضعوا اإلصحاحين الثالث والخامس مع بداية الغزو البابلي، وقبل ســقوط

    أورشليم. واإلصحاح األول مع بداية الحصار في 597 ق.م. وقبل السقوط.وعلى الرغم من وجود مراٍث شبيهة في آداب الشرق األدنى القديم مثل رثاء سقوط أور وأكاد، فإن علماء نقد الكتاب المقدس ينفون وجود تأثير خارجي على ســفر مراثي إرميا. وإن اعترف بعض النقاد بوجود تأثير داخلي، حيث يظهر في اإلصحاحات تأثير ســفر إرميا من خالل تكرار

    األفكار في السفرين.وتدور فلســفة الســفر حول رد األحداث التاريخية المأســوية إلى خطايا جماعة بني إســرائيل وكهنتها، وأنبيائهــا الكذبة. وقيام الرب بمعاقبة جماعته البتعادهــم عن وصاياه وخروجهم على طاعته. فهو الذي أتى بالبابليين ليعاقب شــعبه. وسوف تظهر قوته في قوة البابليين، وهو الذي سيخلّص شعبه في الوقت المناسب لمشيئته، انظر: محمد خليفة حسن، مدخل نقدي إلى أسفار

    العهد القديم، ص 224 - 226.

  • 241

    1453م للقسطنطينية المسلمين بفتح المتعلقة والمراثي والرؤى النبوءات

    الطرقات. طــرق صهيون ناحت لعدم اآلتين إلى العيــد، كل أبوابها خربة، كهنتها يتنهدون. عذاراها ذليلة وهي في مرارة. نجح أعداؤها ألن الرب قد أذلها ألجل كثرة ذنوبها. ذهب أوالدها إلى الســبي قدام العدو، وقد خرج من بنت صهيون كل بهائها. صارت رؤســاؤها كأيائل ال تجد مرعى فتســير بال قوة أمــام الطارد. قد ذكرت أورشــليم فــي أيام مذلتهــا وفقدها كل مشتهياتها التي كانت في أيام القدم عند ســقوط شعبها بين العدو وليس من يســاعدها. رأتها األعداء قد ضحكوا على هالكها. قد أخطأت أورشليم خطيئــة من أجل ذلك صارت رجســة. كل مكرميهــا يحتقرونها ألنهم رأوا

    عورتها، وهي أيضاً تتنهد وترجع إلى الوراء1.

    «بســط العدّو يده على كل مشــتهياتها. فإنها رأت األمم دخلوا مقدسها الذي أمرت أال يدخلــوا في جماعتك، كل شــعبها يتنهــدون ويطلبون خبزًا. دفعوا مشتهياتهم لألكل ألجل رد النفس. انظر يا رب وتطلع ألني قد صرت

    محتقرة»2.

    «أما بالنســبة إليكم يا جميع عابري الطريق، تطلعــوا وانظروا إن كان حزن مثل حزني، الذي صنع بي، الذي أذلني به الرب يوم حمو غضبه. من عاله أرسل نارًا إلى عظامي فسرت فيها مثل شبكة لرجلي. ردني إلى الوراء

    جعلني خربة، إنني اليوم كله مغمومة»3.

    «رذل الســيد كل مقتدر في وســطي، دعي على جماعة لحطم شــبابي. داس الســيدة العذراء بنت يهــوذا معصرة». «صار بني هالكيــن ألنه تجبّر

    بالعدو»4.

    «بار هو الرب ألني قد عصيت أمره، اســمعوا يا جميع الشعوب وانظروا إلى حزني، عذاري وشباني ذهبوا إلى الســبي. ناديت محبي. هم خدعوني.

    1 ـ مراثي إرميا، اإلصحاح األول، 1 - 8.2 ـ مراثي إرميا، اإلصحاح األول: 10 - 11.3 ـ مراثي إرميا، اإلصحاح األول: 12 - 13.

    4 ـ مراثي إرميا، اإلصحاح األول، 15 والسطر األخير من 16.

  • 242

    وثقافات مدن

    لبردوا كهنتي وشــيوخي فــي المدينة ماتــوا إذا طلبــوا لذواتهــم طعامــاً أنفسهم»1.

    «ســمعوا أني تنهدت»2. «صار الســيد كعــدو، ابتلع إســرائيل. ابتلع كل قصوره، أهلك حصونه، وأكثر في بنت يهوذا النوح والحزن».

    «حصر في يد العدو أســوار قصورها، اطلقوا الصوت في بيت الرب كما في يوم الموسم»3.

    «انظــر يا رب وتطلــع بمن فعلت هكــذا، أتأكل النســاء ثمرهن أطفال الحضانة، أيقتل في مقدس الســيد الكاهن والنبــي. اضطجعت على األرض في الشوارع الصبيان والشيوخ. عذاري وشباني سقطوا بالسيف. قد قتلت في

    يوم غضبك. وذبحت ولم تشفق»4.

    «أتم الرب غيظه، ســكب حمو غضبه، وأشــعل نارًا فــي صهيون فأكلت أسســها»5. «اذكر يا رب ماذا صار لنا. اشــرف وانظر إلى عارنا. قد صار ميراثاً للغرباء. بيوتنا لألجانب. صرنا أيتاماً بال أب أمهاتنا أرامل»6. «على

    أعناقنا نضطهد، نتعب وال راحة لنا»7.

    آثامهــم. عبيد حكموا «آباؤنا أخطأوا، وليســوا بموجودين ونحن نحمل علينا، ليس من يخلص من أيديهم»8.

    «جلودنا اسودت كتنور من جري نيران الجوع»9.

    1 ـ مراثي إرميا، اإلصحاح األول: 18 - 19.2 ـ مراثي إرميا، اإلصحاح األول: 21.

    3 ـ مراثي إرميا، اإلصحاح الثاني، 5 والسطر األخير من 7.4 ـ مراثي إرميا، اإلصحاح الثاني: 20 - 21.

    5 ـ مراثي إرميا، اإلصحاح الرابع: 11.6 ـ مراثي إرميا، اإلصحاح الخامس: 1 - 3.

    7 ـ مراثي إرميا، اإلصحاح الخامس: 5.8 ـ مراثي إرميا، اإلصحاح الخامس: 7 - 8.

    9 ـ مراثي إرميا، اإلصحاح الخامس: 10.

  • 243

    1453م للقسطنطينية المسلمين بفتح المتعلقة والمراثي والرؤى النبوءات

    «أخذوا الشــبان للطحن، والصبيان وجدوا تحت الحطب. كفّت الشيوخ عن الباب والشــبان عن غنائهم. مضى فرح قلبنا، صار رقصنا نوحاً، سقط إكليل رأســنا، وْيٌل لنا ألننا قد اخطأنا. من أجل هذا حزن قلبنا، ومن أجل هذه أظلمت عيوننا، من أجل جبل صهيون الخرب، الثعالب ماشية فيه، أنت يا رب إلى األبد تجلس. كرســيك إلــى دور فدور. لماذا تنســانا إلى األبد

    وتتركنا طول األيام. أردنا يا رب إليك فنرتد. جدد أيامنا كالقديم»1.

    تلك هي المراثي التي عبّر عنها النبي إرميا لدى سقوط مدينة أورشليم في العصور القديمة وإنني أؤمن بأن الروح القدس قد أوحى إليه بحقيقة ما

    حدث ألورشليم الجديدة أيضاً.

    القدرة يمتلــك أن لكن كيف يمكن للســان على أن يصف بالكلمات تلــك الكارثة التي حلّت بالمدينــة، ذلــك الســّر المرعــب والمخيــف. وقتها، أزف التــي المريــرة القاســية والهجرة وليست من أورشــليم إلى بابل وبالد أشور، لكن هذه المرة من القســطنطينية إلى الشام ومصر وأرمينيا وبــالد فارس، وإلى الجزيــرة العربية،

    وأجزاء من إيطاليا وآسيا الصغرى، وباقي مناطق اإلمبراطورية العثمانية.

    كيف حدث ذلك؟ قد يجد الزوج نفسه في بافالغونيا Paphlagonia2، بينما تســاق زوجته إلى مصر، ويتم أخذ أبنائــه إلى أماكن أخــرى. بحيث يقومون جميعاً بتغيير لغتهــم تبعاً لإلقليم الموجودين به، ويقومــون بتبديل دينهم إلى

    الزندقة، ومن اتباع كتبهم المقدسة إلى اتباع كتابات وثنية خرقاء.

    يا للرعدة. أواه أيتها الشــمس. أواه أيتها األرض! فلتنوحي على شــعبنا الذي تخلت عنــه عدالة الرب، بســبب ما ارتكبــه من خطايا وآثــام! إننا

    1 ـ مراثي إرميا، اإلصحاح الخامس: 13 - 22.2 ـ بافالغونيا هو إقليم بيزنطي كان يقع شمال آســيا الصغرى بين مدينة غالطية القديمة والبحر

    O. D. B, vol, 3, p. 1579 .األسود

    ∂∏àªj ¿CG ¿É°ù∏d øμªj ∞«c ∞°üj ¿CG ≈∏Y IQó≤dG »àdG áKQÉμdG ∂∏J äɪ∏μdÉH qô°ùdG ∂dP ,áæjóªdÉH âq∏M∞«îªdGh ÖYôªdG

  • 244

    وثقافات مدن

    ال نستحق أن نرفع عيوننا صوب السماء، دعونا نقوم بخفض عيوننا، ونحوّل وجوهنا نحو األرض، ونمارس البكاء.

    «أنت فقط أيها الرب، وهــا ذا هو حكمك العادل. لقد ارتكبنا الخطايا واآلثــام1، وقمنا بمخالفة ما أمرتنــا به، وارتكبنا الكثير مــن أعمال الظلم والعدوان على جميع األمم، ولهذا فقد حق علينا أن نســلم بحكمك الصادق والعادل. واآلن فقط نتضرع إليك. اصفح عنا، وجنبنا أية معاناة جديدة أيها

    الرب»2.

    1 ـ يعترف دوكاس هنا ـ في تكرار واضح ـ بأن المسيحيين البيزنطيين ينالون اآلن قدرهم السيئ؛ ألنهم عصــوا الرب، وارتكبوا العديد مــن الخطايا واآلثام. وهو يرجع هنــا أيضاً، مع التورية، إلى مــا ورد في مراثي إرميا، اإلصحاح الرابع: 13، 22 «من أجــل خطايا أنبيائها وآثام كهنتها السافكين في وســطها دم الصديقين». «قد تم إثمك يا بنت صهيون، ال يعود بسببك، سيعاقب

    إثمك يا بنت أدوم ويعلن خطاياك».2 ـ يتوجه دوكاس هنــا بالدعاء إلى الرب، ليرفع المعاناة عن المســيحيين البيزنطيين، متمثًال ما ورد في مراثي إرميا، اإلصحاح الخامس: 30 - 32 «لماذا تنسانا إلى األبد. تجلس كرسيك إلى دور فدور. لماذا تنســانا إلى األبد وتتركنا طول األيام، أرددنا يا رب إليك فنرتد. جدد أيامنا

    كالقديم، هل كل الرفض رفضتنا، هل غضبت علينا جدًا».