355
ﺔ ﺍﻝﺸﻌﺒﻴﺔ ﻌﺭﺒﻴﺔ ﻭﺁﺩﺍﺒﻬﺎ ﻲ ﺍﻝﻠﺴﺎﻨﻴﺎﺕ ﺇﺸﺭﺍﻑ: . ﻝﺯﻋـﺭ ﻤﺨﺘﺎﺭ ران وه و را ن ان وهة ان وه ﻼﻏﻲ ﺍﻝﻌﺭﺒﻲ ﺴﺎﺒﻊ ﺍﻝﻬﺠﺭﻱ ﺍﻝﺠﻤ ـ ﻬﻭﺭﻴﺔ ﺍﻝﺠﺯﺍﺌﺭﻴ ــ ﺔ ﺍﻝﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴ ــ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻝﺘﻌﻠﻴﻡ ﺍﻝﻌﺎﻝﻲ ﻭﺍﻝﺒﺤﺙ ﺍﻝﻌﻠﻤﻲ ﺠﺎﻤﻌﺔ ﺍﻝﺴﺎﻨﻴﺎ- ﻭﻫﺭﺍﻥ ﻭﺍﻝﻔﻨﻭﻥ ﻗﺴﻡ ﺍﻝﻠﻐﺔ ﺍﻝﻌ ﺴﺎﻝﺔ ﻤﻘﺩﻤﺔ ﻝﻨﻴل ﺸﻬﺎﺩﺓ ﺩﻜﺘﻭﺭﺍﻩ ﻓﻲ ﺒﻌﻨ ـ ﻭﺍﻥ: ا ـــــــ ذة أ- ـــــر ذ أ- ا ــــ ذ أ- ا - ذ أ- و ــــ ــــن ذ أ أ- ر ذ أ أ- و ﻝﺘﺩﺍﻭﻝﻲ ﻓﻲ ﺍﻝﻤﻭﺭﻭﺙ ﺍﻝﺒﻼ ﻥ ﺍﻝﺜﺎﻝﺙ ﺍﻝﻬﺠﺭﻱ ﺇﻝﻰ ﺍﻝﻘﺭﻥ ﺍﻝﺴ ﺍﻝﺴﻨ ــ ﺔ ﺍﻝﺠﺎﻤﻌﻴ ــ2011 - 2012 م ﻜﻠﻴﺔ ﺍﻵ ، ﺍﻝﻠﻐﺎﺕ ﺭﺴ ﺇﻋﺩﺍﺩ ﺍﻝﻁﺎﻝﺏ: ﻭﺍﻀﺢ ﺃﺤﻤﺩ- ــي - ــــــــ - ض - - ه ــ ـ- ا ــــــ ﺍﻝﺨﻁﺎﺏ ﺍﻝ ﻤﻥ ﺍﻝﻘﺭﻥ

ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

  • Upload
    others

  • View
    5

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

ة الشعبية

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

اللغة العربية وآدابها

دكتوراه في اللسانيات

:إشراف لزعـر مختار د.أ

وه�ان ر�������� ���را������� ����� و

������ �����ن وه�ان ������

�ة ��� ������ ������ وه�ان

الخطاب التداولي في الموروث البالغي العربي من القرن الثالث الهجري إلى القرن السابع الهجري

ة الشعبيةــة الديمقراطيــهورية الجزائريـالجم

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

وهران - السانيا جامعة

اللغة العربية وآدابهاقسم ، اللغات والفنون

دكتوراه في اللسانياترسالة مقدمة لنيل شهادة

:وانـبعن

�� ا��������

����� % - أ���ذة – ��ـــــــ����� % - أ���ذ – ��رـــــ)'� �&

������ن ���� % -أ���ذ – �, ــــا+*� '(وه�ان ���������� % -أ���ذ - '(� ا+-���

�ة ���� % -أ –أ���ذ �-�/� .نــــ�ــــ���0+�& �وه�ان ���� % - أ –أ���ذ �-�/� ر�1

الخطاب التداولي في الموروث البالغي العربيمن القرن الثالث الهجري إلى القرن السابع الهجري

ةــة الجامعيــالسن م2011-2012

، اللغات والفنون باداآلكلية

رسالة مقدمة لنيل شهادة

:الطالب إعداد

واضح أحمد

�34�ي ــ� -�)'� �&ــــــــ+ -�����ض -)'� ا+-��� 78 '��6 -)'- �ــــ�ــ� �*�ه&�+0ــــــ'(� ا+ -

الخطاب التداولي في الموروث البالغي العربيمن القرن الثالث الهجري إلى القرن السابع الهجري

kouider
Tampon
Page 2: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ
Page 3: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

@@@@@õa‡ç⁄a@õa‡ç⁄a@õa‡ç⁄a@õa‡ç⁄a@ @@ @@ @@ @

@ @@ @@ @@ @

.ثم تعلقت روحه بالسماء....الى من منحني سبيل النجاح

.والدتي....الى أغلى ما في الوجود

......الى أجمل إحساس

عينيها و منحتني ببريق , الى من حبستني بالسالسل فكففت ان أقاتل , الى من لم تتركني حرا

.إسراء فاطمة....الى المرأة الصغيرة , العنبر و السكر

.الى كل أفراد العائلة

.ا العمل ذاهدي ه.....الى شهداء المقاومة اإلسالمية في لبنان و فلسطين

احمد واضح : الطالب

Page 4: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

@‹Ø’@òàÜ×@‹Ø’@òàÜ×@‹Ø’@òàÜ×@‹Ø’@òàÜ×@ @@ @@ @@ @

على ما بذله , لزعر مختار. د.أ: أتقدم بفائق الشكر و االمتنان الى األستاذ المشرف

من جهد و إخالص في توجيهاته الثمينة التي أفضت الى ميالد هذا العمل المتواضع

على شكله النهائي

مسعود احمد الذي آزرني وساعدني بكل أشكال الدعم .د.أكما أتقدم بالشكر أيضا الى

خيرة مسلم و الى كل من ساعدني من قريب . أ .و الى زوجتي , المادي و المعنوي

.او من بعيد في انجاز هذا البحث العلمي

احمد واضح

Page 5: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

مقدمـة

Page 6: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

أ

:ةــاملقدم

عدة غشهدت الساحة الفكرية املرتبطة بالدرس اللساين يف العقود األخرية بزووقد دأبت هذه ... تيارات ومناهج نقدية غزيرة، كالتيار البنيوي، والتوليدي والتفكيكي

احلركات على تناول الظاهرة اللغوية وفق زوايا نظر متباينة وخمتلفة، األمر الذي أفضى إىل ثراء ودينامية املنظومة املنهجية املختصة باملقاربات اللسانية، حيث مل تعرف هذه

.ملنظومة الثبات واإلستقرار قدحا طويال من الزمنا: ربية إىل اجتاهني اثننيواملناهج النقدية يف الثقافة الغ وميكن تقسيم هذه التيارات

االجتاه الشكلي؛ الذي انبعث من مقوالت اللسانيات البنيوية وتنظرياا املتعلقة بالنسق على مقاربة النظام اللغوي معزوال عن قضايا ، وقد عكف هذا االجتاه System closاملغلق

.السياق التواصليأما االجتاه الثاين؛ فهو االجتاه التواصلي الذي محل على عاتقه دراسة املنجز اللفظي

حتليل اخلطاب، : ياملة ملثل مقوالت هذا االجتاه نلفيف سياق معين، ومن بني املناهج احليات الوظيفية يف بعض متظهراا، والنحو الوظيفي يف بعض اللسانيات االجتماعية واللسان

، حيث عينت كل هذه املناهج باستثمار اإلطار التواصلي والقضايا والعناصر ...جوانبهمقاربة النصوص واخلطابات مبختلف أشكاهلا يف Extra linguistique" اخلارج لغوية"

.وصورها، كان مبثابة ززيعري؛ انبثاق تيار وكانت آخر مثرة متخضت عن هذا االجتاه األخ

لقد جتسد هذا . البديل واألفق الذي تسعى إليه األحباث والدراسات اللغوية املعاصرة، فقد أصبحت هذه النظرية يف السنوات األخرية موضوعا األفق يف النظرية التداولية

ا العناصر رمىمألوفا يف اللسانيات والدراسات األدبية، بعد أن كانت السلة اليت ت .لتقليديةاواملعلومات اليت ال ميكن معاجلتها وتوصيفها باألدوات اللسانية

Page 7: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

ب

: لقد بنت التداولية رؤيتها إىل مسألة اإلنتاج اللغوي وفق نظرة معرفية ثرية قوامهاإن كل أداء لغوي هو عبارة عن فعل كالمي حامل ملقوم مقاصدي، توجهه بطريقة ما

بسات والظروف اليت شكلت املهد الطبيعي والكنف اجلوهري ملسألة اإلنتاج تلك املال .اللغوي

ووفق هذا املنحى املعريف سارت البالغة العربية؛ إذ بنت دعائمها ومعاملها املنهجية التي تنبثق من األداء اللغوي، وشروط ) اإلفادة(على قاعدة االهتمام بقضايا املنفعة

وناته نلها لوازم وضروريات تغترف ماهيتها من اإلطار التواصلي ومكحتقيقها، وهي كفإذا استنطقنا الرصيد املعريف الذي خلفه التراث . صرحية وواضحة املرتبطة بقضايا تداولية

البالغي العريب من القرن الثالث اهلجري إىل القرن السابع اهلجري؛ نلفي ذخرا مثينا من ظر هلا البالغيني العرب يف مؤلفام، حيث أسهموا من خالهلا يف األفكار النيرة التي ن

إجالء وتفسري ووضع بعض القيود اإلستراتيجية التي تسموا باألداء اللغوي حنو القول الفصيح والبالغة احلقيقية بطريقة راقية وناضجة فجرت ينابيع التالقي املعريف واالنصهار

ات الدرس التداويل املعاصر املختص بتقنني وزرع املنهجي بينها وبني طروحات وتنظري .األدوات واإلجراءات اإلستراتيجية املتعلقة باخلطاب الناجح والفعال

خليق مبعاينة فكرية ودراسة من هذا املنطلق، وجدنا أن هذا االنسجام املعريف، :علمية منظمة، ميكن أن نسوق إشكالياا بالطريقة اآلتية

وأفكار البالغيني العرب املنتمني إىل احلقبة الزمنية املذكورة هل انطوت تنظرياتسابقا على خترجيات وتصورات متناسقة حول اللغة يف بعدها التواصلي بشكل عام؟ وإذا كان األمر كذلك؛ فهل اعتمد البالغيون العرب يف تصورام وتوصيام املرتبطة بإعداد

وأسس تنظريية وإجرائية من شأا مد جسور شروط اخلطاب البالغي الراقي على معاملفمن : التالقي مع الطروحات التي تبناها الدرس التداويل املعاصر؟ وإذا كان األمر كذلك

هم البالغيني العرب الذين انطوت خترجيام على هذه املضامني، وماهي التنظريات هل انطوت علوم البالغة ا إىل تلمس بعض الومضات التداولية؟ والبالغية اليت تسعفن

Page 8: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

ج

واملباحث املندرجة حتت لواءها على أبعاد وأسس ذات )املعاين، والبيان، والبديع(العربية وهي تتعامل مع مسألة اإلنتاج معامل معرفية تتقفاها الطروحات التداولية املعاصرة

.اللغويطاب اخل: "ومن هذا املنطلق ارتأينا أن يكون عنوان حبثنا على الشكل التايل

".جري إىل القرن السابع اهلجرياهلمن القرن الثالث ...التداويل يف البالغة العربيةذاتية تدعوه إىل اقتحام فكري ملوضوع ما؛ فإننا نقر أسبابا وإذا كان لكل باحث

ي هذا املوضوع هو خدمة البحث اللغوي، السيما ننتقأن الدافع األساسي الذي جعلنا ، جهود معرفية تنفض الغبار عنهيزال حباجة ماسة إىل الذي ال وأنه متعلق بتراثنا اللغوي

.من أجل استيعاب ذخره املعريف الثمنيأما عن األسباب املوضوعية التي جعلتنا ننتقي هذا املوضوع جبعله حمور الدراسة

:اهلا يف ثالثة نقاط هيوالبحث فيمكن إمجمن أجل االستيعاب املعريف اإلجيايب للمكونات واألسس الفكرية التي انطوى -1

.عليها التراث البالغي العريب بشكل عامنفض الغبار عن التخرجيات الناضجة والتصورات املعرفية العميقة املتعلقة -2

وأنها تنسجم مع الكثري من مبسألة اإلنتاج اللغوي يف الفكر البالغي العريب، خاصة .)خاصة التداولية( الطروحات املوجودة على طول البحث اللساين املعاصر

حماولة عقد الصلة املعرفية بني ثقافتني متمثلتني يف الفكر العريب والفكر الغريب، -3وهو ما يدخل يف نطاق تشغيل عجلة املثاقفة من باا اإلجيايب الذي ينشد املعرفة

إلثراء ومعاجلة هذه القضايا املتصلة باإلشكالية التي انبىن وحماولة منا .ية املتكاملةاإلنسان .مقدمة هعليها موضوعنا؛ ارتأينا أن نقسم هذا البحث إىل أربعة فصول تتصدر

أن نعاجل فيه أهم املنعطفات اللسانية التي واكبت ؛ فضلنا للفصل األولبالنسبة تصلة بالظاهرة اللغوية راصدين يف ذلك تلك الرحلة الفكرية التي املقاربات والدراسات امل

اعترت الفكر اللساين انطالقا من االجتاهات البنيوية التي عنيت بتسليط جهودها

Page 9: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

د

ومقارباا حول النص، مرورا باملمارسات اللسانية التي ارتبطت باللسانيات اخلطابية، لسانية ذات الطابع التداويل احملض، ولذلك ومسناه وصوال إىل املدارسات والتحليالت ال

".من املعيارية إىل الوضيفية... بني النص واخلطاب: "بعنوان :وقد ارتأينا تقسيم هذا الفصل إىل املباحث التالية

التعاريف واإلملام بأهم اخلصوصيات بتحديد مفاهيم وإسنادعين :املبحث األولاملرتبطة بكل من النص واخلطاب يف الفكر اللساين العريب املعاصر، حماولني يف اية هذا

.املبحث التمييز الدقيق بني هذين املصطلحنيفقد خصصناه للحديث عن االنتقال اللساين املعريف الذي محل :املبحث الثاينأما

حنو " مستوى أرحب وهو جمال ىلإ "و اجلملةحن"حباث من مستوى عاتقه توجيه األعلى ، مسلطني الضوء على أهم العالقات القائمة بني لسانيات اجلملة ولسانيات "النص

.اخلطابفيه أهم القضايا املتصلة بتمظهرات اتساق النص مث عرجنا إىل مبحث ثالث تناولنا

لتقليدية الصدد املعىن بإخراج الدراسات ااخترت منوذجني اثنني يف هذا وتنظيمه، وقد :إىل اللسانيات اخلطابية ومهاواالنتقال ا نحو اجلملة ب املتعلقة) البنيوية(

".رقية حسن"و" هاليداي"الترابط عند - ".فان ديك"االنسجام عند -

بعد هذه املباحث استطردت إىل مبحث رابع تناولت فيه املظاهر التداولية يف ، "حتليل اخلطاب"من خالل مؤلفهما " جورج براون"و" جورج يول"طاب عند حتليل اخل

وكل هذا من أجل ضمان االستمرارية املنهجية السليمة بني هذا الفصل والفصول .ةاملوالي

قراءة يف ... النظرية التداولية"؛ فقد ومسته بعنوان للفصل الثاينأما بالنسبة :ته إىل بعض املباحث الفرعية، وقد قسم"املوضوع، املنهج واإلجراء

Page 10: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

ركزنا فيه اهتمامنا باحلديث عن املرجعيات الفكرية للدرس :املبحث األول : التداويل املعاصر، كما ارتأينا تقييم هذا املبحث إىل مباحث ثانوية أخرى وهي كالتايل

.إسهامات الفلسفة التحليلية- .إسهامات شارل موريس- ز بريسإسهامات تشارلس ساندر- .إسهامات النظريات اللسانية-

تعلق هذا األخري بإعداد جمموعة من التعاريف اليت اسندت ملفهوم :املبحث الثاينالتداولية من قبل جمموعة من العلماء الفالسفة واللغويني والباحثني، ويف اية هذا املبحث

ريف املتعلقة مبفهوم حاولنا أن نصل إىل رؤية أحادية انصهارية جتمع بني كل هذه التعا .التداولية، مع التعرض ألهم قضاياها

.تعرضنا إىل أمهية هذا الدرس واآلفاق املرجوة منه املبحث الثالثيف ثابة إطار معريف حامل اخلصوصيات ينا أن جنعله مب؛ ارتأاملبحث الرابعويف

داولية دون غريها الت ي اختصتا من االجتاهات واملفارقات التنظريية واإلجرائية التالبنيوية السابقة، والتي أفضت إىل الرفع من أمهية وقيمة هذا الدرس العزيز، الذي ما

.فتأت عدة معارف وعلوم تغترف منهتعرضنا فيه إىل أهم النظريات التي شكلت مبحث خامسبعد ذلك خلصنا إىل

عند كل من " Speech Acts" نظرية األفعال الكالمية: اجلهاز املفاهيمي التداويل من مثل ،Implicature conversationnel، ونظرية االستلزام احلواري على "سورل"و" أوستني"

، واالفتراض السابق Déictique، وإلشاريات Théorie de pertinenceنظرية املالئمة Présuppositionوالنظرية احلجاجية ، L’argumentation.

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل : "مسته بعنوانو، فقد الفصل الثالثأما : أفق البالغيني العرب، وارتأينا تقسيمه إىل مباحث عدة

Page 11: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

و

كان عبارة عن توطئة على شكل متهيد معريف ملا سيتضمنه هذا :املبحث األوللحديث عن أهم األبعاد التداولية التي لالفصل من مباحث، مث استطردنا بعد ذلك

ليها املدونة البالغية العربية، وقد انطوى هذا املبحث األخري على مباحث اشتملت ع :فرعية كانت على الشكل التايل

األبعاد التداولية يف مرحلة النشأة؛ وفيه تعرضنا إىل أهم املضامني الفكرية املنتمية تقاء إىل مرحلة النشأة والتي تقترب من الطروحات التداولية املعاصرة، وهذا من خالل ان

، وابن قتيبة )هـ225ت (اجلاحظ : ومهابامتياز ثالثة بالغيني عرب مثلوا هذه الفترة ).هـ285ت (، وتنظريات املربد )هـ276ت(

بعد ذلك انتقلنا إىل رصد بعد الومضات واملفاهيم التداولية التي اشتملت عليها قدامة : ذوي الرتعة الفلسفية والكالمية، ومهاالبالغيني العرب خترجيات وتصورات بعض

، واخلطايب )هـ384ت (، والرماين أبو احلسن علي بن عيسى )هـ377ت (بن جعفر ).هـ415ت (، والقاضي عبد اجلبار )هـ388ت (أبو سليمان بن حممد إبراهيم

بعض مث استطردنا إىل احلديث عن أهم األبعاد التداولية الواقعة يف صميم تنظريات بن عبد اهللا العسكري و هالل احلسنـأب: اـن ذوي الرتعة األدبية، ومهـالبالغيي

، وابن سنان اخلفاجي )هـ456ت (، وأبو علي احلسن ابن رشيق القريواين )هـ395ت( ).هـ466ت (

هذا ينتقلنا إىل مبحث أساسي آخر، وقد عباإلضافة إىل هذه املباحث الفرعية، انألضواء على أهم التعالقات املفاهيمية الواقعة بني مفترق طرق األخري بتسليط بعض ا

.والطروحات املرتبطة باللسانيات التداولية) 471ت (تنظريات عبد القاهر اجلرجاين رصد تلك املساحة املفاهيمية وتركيزه على كما عقدنا مبحثا آخر يلقي اهتمامه

يف مؤلفه مفتاح العلوم املشتركة بني تنظريات وخترجيات البالغي أبو يعقوب السكاكي .وطروحات الدرس التداويل املعاصر

Page 12: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

ز

أما آخر مبحث يف هذا الفصل فقد تعرض إىل أهم املفاهيم التداولية املطروحة يف ).هـ684ت (أسوار تنظريات حازم القرطاجين

انب اإلجرائي التطبيقي، وقد ؛ ارتأينا أن جنعله ينحو حنو اجلللفصل الرابعالنسبة بحنو مقاربة .. أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية"بعنوان أساسي هو ومسناه، وقد تضمن هذا الفصل جمموعة من املباحث الفرعية التي شكلت هيكله العام "تطبيقية

:وهي على التوايلوقد كان عبارة عن توطئة، حتدثنا فيها عن التداخالت املعرفية :املبحث األول

هدنا فيه ي والدرس التداويل املعاصر، كما مالعامة الواقعة بني مفترق طرق الدرس البالغ .للسطور الالحقة

األخري بالقبض على األسس واملعامل التداولية الواقعة عين هذا: املبحث الثاينبني : يم هذا املبحث إىل مباحث فرعية هيوقد قمنا بتقس ر بوتقة علم املعاين،ضمن إطا

اخلرب واإلنشاء ونظرية األفعال الكالمية، بني ظاهرة احلذف ونظرية االفتراض السابق، اإلطناب وطابعه احلجاجي، الفصل والوصل عند السكاكي وإجراءاته التداولية، املعىن

الغة العربية ومربراته التداولية، أضرب اخلرب عند املربد واالعتبارات تلزم مقاميا يف البسامل .التداولية

دنا يف املبحث الثالث إىل معاجلة أهم القضايا وعلى غرار هذا املسعى؛ عماملفاهيمية املشتركة بني آليات علم البيان والتنظريات واملبادئ التداولية املعاصرة، وقد

ني رأينا أما ميتان بصلة وافية مع بعض النظريات املشكلة تانيبي آلليتنيوقع اختيارنا للجهاز املفاهيمي التداويل ومها االستعارة والكناية، أي أن عملنا هاهنا كان منصبا على اإلتيان بربط منهجي بني االستعارة واحلجاج من جهة، وبني الكناية ومبدأ التأدب من

.جهة أخرىاملسار واالجتاه التداويل القصدي مسلطا على معانيةث، فقد كان أما آخر مبح

الذي اشتمل عليه توظيف اآلليات وامليكانزمات الواقعة حتت لواء علم البديع، وقد

Page 13: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

ح

األسس التداولية يف آليات علم البديع، أما : اشتمل هذا املبحث على مبحثني فرعيني ومهايم التداولية يف أسلوب االلتفات، املبحث الفرعي اآلخر؛ فقد تضمن احلديث عن القمن (نتمي إىل احلقبة املراد دراستها يمستندين يف ذلك إىل بالغي ومفسر ذو شأن كبري

.وهو الزخمشري) القرن الثالث اهلجري إىل القرن السابع اهلجريويف األخري؛ خلصنا إىل خامتة عرضنا فيها أهم النتائج واألحكام املتمخضة عن

.هذا البحثا كانت الدراسات العلمية األكادميية ذات الطابع العلمي ال تقوم إال على منهج ومل

معين، باعتباره املنارة التي تأخذ على عاقتها السري بالبحوث حنو التنظيم املنهجي املحكم، استعنا باملنهج الوصفي التحليلي يف عملية نسج خيوط هذا البحث، حبكم أننا

ات البالغة العربية، مرورا بتحليل وإثراء ومناقشة خمتلف التخرجيات انطلقنا من تنظريوالتصورات املعرفية التي انبثقت من أفكار العلماء البالغيني املنتمني إىل اال الزمين

، وصوال إىل بعض )من القرن الثالث اهلجري إىل القرن السابع اهلجري(املذكور آنفا رة والتي تنسجم إىل حد بعيد مع الفكر البالغي العريب يف الطروحات التداولية املعاص

.أمسى صورهيف كون لولعل احلقيقة الساطعة التي ال ينبغي التغاضي عنها يف هذا املقام؛ تتمث

أن التعاطي مع هذا املوضوع هو أمر صعب مستصعب، باعتبار أن العديد من املراجع ؛ األمر الذي )الفرنسية واإلجنليزية(التي جيب أن يشتمل عليها حبثنا باللغات األجنبية

جعلنا نأخذ جماال زمنيا كبريا ونصرف جهدا وفريا ال يستهان به يف ترمجة بعض احلقائق فية املتعلقة باإلشكال، كما أن طبيعة املوضوع يف حد ذاته تعترب شائكة نوعا ما ألنها املعر

ترتبط باجتاه لساين جديد ال يزال خيضع حىت الوقت الراهن لبعض املمارسات واملقاربات .املعرفية إليضاح معامله ومللمة شتاته

له شرف بالشكر، وأعبر هذه الدراسة؛ يطيب يل أن أتقدم إىل األستاذ امل ختام ويفعن االمتنان على ما قدمه من جهد وافر يف قراءة هذه الرسالة وتقوميها وتعديلها إىل أن

Page 14: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

ط

خرجت ذه الصورة والشكل النهائيني، كما أتقدم بالشكر مسبقا إىل أعضاء اللجنة وى املناقشة على قبوهلم مناقشة هذا العمل املتواضع، الذي أمتنى أن يكون يف مست

.واهللا ويل التوفيق... تطلعام وآمانيهم أمحـد واضـح

09/02/2012: وهران يوم

Page 15: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

بني النص واخلطاب-1

يف الثقافة الغربية اإلطار املفاهيمي للنص -1.1

يف الثقافة الغربية اإلطار املفاهيمي للخطاب -2.1

؛ مفهومان أم مفهوم واحد؟النص واخلطاب -3.1

النصمن حنو اجلملة إىل حنو -2

إرهاسات البحث يف اللسانيات النصية واخلطابية-1.2

العالقة بني لسانيات اجلملة ولسانيات النص-2.2

متظهرات اتساق النص وتنظيمه-3

"رقية حسن"و" هاليداي"عند ترابطال-1.3

"فان ديك"االنسجام عند -2.3

"جورج يول"و" جورج براون"مظاهر حتليل اخلطاب عند -4

Page 16: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

2

:متهيد

الشك أن اقتحام أي حقل معريف مهما كان نوعه أو جنسه إمنا يقتضي أوال وقبل كل شيء معرفة املدونة املفاهيمية املصطلحاتية اليت نشأ فيها وترعرع إىل أن وصل إىل

ما مييز املعارف والعلوم عن بعضها البعض ميكن القول أن أهم مرحلته االستقاللية، وعليهينظم السري هو اختالف مصطلحاا املرجعية اليت تعترب مبثابة الضابط املنهجي الذي

.قة جممع احلقائق املعرفيةالفكري السليم حنو بوت

؛ فإنه ليس من اخلطأ اعتبار املفاتيح الكفيلة حبمل العلوم على وبناءا على هذاقتها والسيما تالتحديد السليم والشامل للمصطلحات املزروعة يف بو يفاختالفها يكمن

ووفق هذا الطرح . صوصيات امللتصقة ااخليف جماالت ضبط املفاهيم وإسناد التعاريف وبات ضروريا اإلملام الشامل واإلحاطة التامة باملصطلحات اليت حنسبها مبثابة مثار أو

داخل حقول العلوم يف ذاا باعتبار أنه ال يوجد حصاد تولد من خماض التطور املعريف مسلك يتوسل به اإلنسان للوصول إىل حقائق العلوم ومنطقها غري األلفاظ االصطالحية

. اليت يعتد ا

ورغبة منا يف الوصول إىل هذا اهلدف؛ نسعى يف هذا الفصل إىل حتديد اإلطار دا وتسلطا على الساحة الثقافية بشكل املفاهيمي الثنني من أهم املصطلحات النقدية تواج

ومها النص واخلطاب، وسنحاول حتديد الفرق املفاهيمي ؛خصأ على وجهعام واللسانية املتواجد بينهما بطريقة جتعلنا نكشف عن خبايا خصوصياما، مث نستطرد بعد ذلك إىل

لساين يف إطار تسليط الضوء عن الرحلة الفكرية واالنتقال املعريف الذي اعترى الفكر ال ورة توجيه األحباث واملقاربات منظهور املنعطف اللغوي الذي أخذ على عاتقه ضر

مث العروج بعد ذلك للحديث جمال حنو اجلملة إىل مستوى أرحب هو جمال حنو النص

Page 17: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

3

عن متظهرات اتساق النص وتنظيمه لنصل يف األخري عند مظاهر التحليل التداويل ". جورج يول"و" راونجورج ب"للخطاب عند كل من

:بني النص واخلطاب-1

:يف الثقافة الغربية اإلطار املفاهيمي للنص-1.1

لقد مثل النص األديب هاجسا بالنسبة للباحثني والعلماء املهتمني حبقول الدراسات نه حظي بعناية كبرية يف جمال الدراسة إاألدبية والنقدية واللغوية بشكل عام، حيث

وذلك باعتباره يشكل أمهية بالغة يف احلركة األدبية والفكرية على وجه العموم، والبحث فقد تعددت املناهج واملدارس وتنافست فيما بينها من أجل دراسته دراسة علمية منظمة ومعمقة ومفصلة لغرض اكتشاف بنياته وتراكيبه الفنية واألدبية، فكل منهج من املناهج

، وذلك باالعتماد على وية مغايرة عما يقتضيه منهج آخرمن زا دأب يقارب النصمرجعيته النظرية والفكرية لتقنني اإلطار العام الذي ينضوي حتته النص األديب بكل

). اخل...قصيدة، نصوص مقدسة، مسرحيات، قصص(أشكاله وصوره

لية التوليدية وعليه تعددت هذه االجتاهات وتباينت فيما بينها مثل البنيوية والتحويلقد أفضى هذا التشكل إىل تعدد وجهات النظر حول مفهوم . والتفكيكية والسيميائية

واضح وصل إىل حد والنص وماهيته وخصوصياته األساسية، حيث ظهر تباين صريح وراء هذه يقفالتناقض واللبس بني هذه االجتاهات، ورمبا كان السبب الرئيسي الذي

يتمتع بقدرة فائقة على استلهام واستيعاب فروع علمية خمتلفة، ) النص(ونه احلقيقة إىل كتشكيل بنية منسجمة قادرة على "ميكن أن تصل قدرته اخلارقة إىل ... بل أكثر من ذلك

Page 18: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

4

احلفاظ على ذلك التداخل من جهة، وإبراز جوانب التفارق بينه وبني العلوم األخرى من . )1("جهة ثانية

والقبض على ماهيته أمر بالغ الصعوبة النص لية اإلملام مبفهوموعليه غدت عمإىل عدم الوصول إىل أدتيعرض الباحث واملنظر للسقوط يف تلك اإلنزالقات التي

بالرغم من التطور اهلائل الذي اعترى الدراسات األدبية ) النص(تعريف جامع مانع له فهوم النص املستعمل بشكل واسع يف إطار ملن النادر أن يكون م"نه إواللسانية، إذا

إن بعضها حيدد تطبيقه على : اللسانيات والدراسات األدبية؛ قد حدد بشكل واضحاخلطاب املكتوب، بل على العمل األديب، وبعضها اآلخر يرى فيه مرادفا للخطاب،

يلمي، وعن نص وأخريا فإن بعضها يعطيه توسعا سيميائيا منتقال، فيتكلم عن نص فن النص خليق مبعاينة فكرية إيف القول ضري، وعند هذا احلد ال )2("موسيقي إىل آخره

.حفال مستقال إلنتاج املعرفةباعتباره

على الرغم من وجود هذا الكم اهلائل من التضارب والتناقض بني أصحاب هذه التعاريف اليت أوكلت للنص االجتاهات اللغوية املختلفة، إال أنه ال ميكن اجلزم أن

م ال حتمل أي مسات مشتركة، بل راشمن قبل الباحثني على اختالف مرجعيام ومعلى العكس من ذلك، فمن خالل نظرة هادئة متفحصة منظمة هلذه التعاريف اليت اختص ا النص ميكن الوصول إىل عدة أبعاد ومسات فنية وتركيبية ومجالية مشتركة بني

دبية ولسانية خمتلفةصورات املنبثقة من مناهج ومدارس أالت .

)1 ).املقدمة(، القاهرة 1997، 1سعيد حسن البحريي، علم لغة النص، مفاهيم واجتاهات، دار نوبار للطباعة، الطبعة : ينظر) )

2ترمجة مندر عياشي، املركز الثقايف العريب، الطبعة . ديكرو، و ج م، شتاينر، القاموس املوسوعي اجلديد لعلوم اللسان. أ )

.533، ص 2007الثانية، املغرب،

Page 19: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

5

جمموع التلفظات اللسانية اخلاضعة "النص بأنه J. Deboisجون دوبوا يعرف، أي أن النص وفق هذه الرؤية )1("للتحليل، وهو عينة ملسار لساين ميكن كتابته أو نطقه

ن أن يكون على صورة كتابية هو جمموعة من التلفظات الصادرة من كالم الفرد ميك؛ واليت ميكن العمل على حتليل )عن طريق املشافهة(أو على صورة مسعية ) فعل الكتابة(

.خصائصها وبنائها اللساين

فينظر إىل النص نظرة بنيوية صارمة تقوم على M. Reffatereأما مايكل ريفاتري عتباره منفتحا بعد أن كان التركيز على النسق الداخلي وأسلوب التعبري فيه، وكذا ا

حكرا على مؤلفه، وهو بالتايل يستبعد أن تكون هناك عالقات بني النص ومبدعه، النص وحدها، وأنساقه، وعالقته بالقارئ ) عالقات(وبالواقع وذلك من أجل إظهار

ومن هذا املنطق يقوم هذا األخري بتقسيم النص إىل وحداته . وردة فعله إزاء النصل املترابطة، ترابطا غري توزيعي، وهو يستبعد مية، التي هي جمموعة الكلمات واجلاألسلوب

ل منها مفاتيح لنص جديد، صاإلثبات النقدي األسلويب الذي يعتمد تواتر الكلمات ليحوالقارئ فقط، مستبعدا من ذلك دور عملية التواصل األديب تقتضي النصكما يرى أن

هو وحده الكفيل -عند ريفاتري-والتحليل البنيوي . صلةالبات، واملرجع والسنن، والباكتشاف ورصد الظاهرة األدبية يف النص وذلك من منطلق كونه يرتكز على النص

. )2(مبفرده، مراعيا عالقاته الداخلية البينية للكلمات وعالقة ذلك كله بالقارئ

، إىل أن النص عالمة دالة، ويظهر ذلك يف T. Todorovكما ذهب تودوروف تنظرياته املتعلقة بفصل الكالم عن اخلطاب، باعتبار أن الكالم يف بعده التجريدي ال يبتعد

(1) Jean Dubois, Dictionnaire de linguistique, ed. larouse. Paris, 1973, p 486.

)2 www.awv.dam.org: على املوقع 20، دمشق، ص 2001ينظر حممد عزام، النص الغائب، منشورات احتاد الكتاب العرب، )

Page 20: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

6

ة وقواعد حنوية ومنتوج من عناصر معجمي" عةومعن املفهوم الذي أوكل للنص كونه جم :ل ثالثة أصعدةتناول من خالوعليه فإن النص كيان لغوي ي )1("ملائي للج

ختلف مبصل ذلك بناءا على االستعانة حيو :plan du signifiantصعيد الدال - أ .Anagrammatiqueالتحليالت والتوليفات من نوع اجلناس املقلوب

أي بالعودة إىل التعدد احلاصل يف :Plan Sémantiqueصعيد الداللة -ب، إذ أن اللفظة الواحدة polysémieالوحدات املعنوية الصغرى أو ما يسمى بتشجري املعىن

.جتد هلا أصواتا متعددة من خالل تالقي ثقافات متعددة وخمتلفة

هذا الصعيد على سلم أو ميقو: plan grammaticalصعيد اجلانب النحوي -جات الشخصية أو الزمن، ال من منظور البنيات األصولية، ولكن حبسب سجل، ينظم تغير

.)2(مشولية منظمة إلمكانات تبادل املواقع

نظرة ناضجة اجتاه هذه األصعدة ت بصورة ال تدع للشك أن صعيد لنا ظهرإن أيالدال يتمثل يف اجلانب اللفظي وصعيد الداللة يتجه حنو املظهر الداليل، أما الصعيد

هار وتداخل هذه األصعدة فإا وعند تشاكل وإنص. باملظهر التركييبالنحوي فهو متعلق .تؤسس لنا بال ريب نص بعينه

النص بأنه جهاز عرب لساين يعيد بينما تذهب جوليا كريستيفا يف حتديدها ملفهوم اإلخبار املباشر، وبين توزيع نظام اللسان بواسطة الرمز بني كالم تواصلي يهدف إىل

من حيث يةمعه، وبالتايل النص إنتاج نةتزامعديدة من امللفوظات السابقة عليه أو امل أمناط

(1) J. Jodoron, Symbolisme et interprétation, collection poétique, ed, Seuil, Paris, 1979, P : 09.

(2) Voire : Oswal D. Ducrot. Tzvetan Todorov. Dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, ed, Seul,

1ère publication, 1972, Paris, P : 443.

Page 21: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

7

تداخل نصي من جهة وجود إن عالقته باللسان عالقة إعادة توزيع بناءه، وهو كذلك .)1(عدة ملفوظات مقتطعة من نصوص أخرى داخل النص الواحد

وعليه فإن نظرة كريستيفا للنص مثلث حتوال وانتقاال فكريا صرحيا أدى إىل حتطيم الروى املعيارية السالفة املختصة بالدراسات النصية اليت كانت تثبت وحدة النص

.ترى أن النص جمال خصب لتالقي النصوص واملعاين ومركزيته، حيث كانت

ملفهوم النص إىل خمالفة التصورات اليت كما دأبت كريستيفيا وهي حتاول التنظرياكانت ترى أن للنص معىن حقيقي ص معاين زال يتج اواحدأ إىل تصور آخر قوامه أن للن

.ذات القارئة املنتجةمتعددة اليت هي إنتاج سريورة داللية أسهمت يف إنتاجها ال

يوية للعقيدة البن لذي أوكلته كريستيفيا للنص تفويضهذا املفهوم ا ىلقد أديد، والسيما لرؤاها املتناقضة حول مفهوم النسق، ومدة متسكها بأدبيات وصرحها العت

من الصعب على الباحث أن يفكر يف جتاوزه أو نقده "النسق احملايث، كونه أضحى حليل النص حتليال علميا منظما ال ينحصر يف مقوالت اللغة على الرغم من ، فت)2("آنذاك

إذ جيب على احمللل أن يتجاوز املعطيات اليت .. أنه مشكل منها، بل أكثر من ذلكإىل جوانب الواقع اخلارجي أي إىل ) الداخلي(يشتمل عليها الواقع اللغوي الفعلي

.خر جتاوز النسقاملقوالت غري اللغوية، أو بتعبري آ

ممارسة دالة، يدمج الذات ولكن كشيء متوزع "كما اعتربت كريستيفا أن النص ، ووفق هذا )3("توزعا سيميائيا، وكشيء مفروض يف األماكن املناسبة بطريقة رمزية

)1عبد اجلليل ناظم، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، املغرب، : فريد الزاهي، مراجعة: تر. ينظر، جوليا كرستيفا، علم النص)

.12، ص 1995)

2 .68، ص 2001-2000أمحد يوسف، القراءة النسقية ومقوالا النقدية، دار الغرب للنشر والتوزيع اجلزائر ) )

3، 2000حسن ناظم وعلي حاكم صاحل، املركز الثقايف العريب، . اهلرمونيطيقا والتفكيكية، ترج، هيوسلفرمان، نصيات بني ) .263ص

Page 22: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

8

شنقهي نفسها نص، وهي ت"على أا " الذات املتكلمة"التصور فإن كريستيفا جتعل ضمن العملية الدالة ال ككيان مفروض بل كسيمات سيميائية ورمزية ومعبرة، وهي

للذات اليت غيبتها وبالتايل منحت كريستيفا أمهية قصوى . )1("سيمات للعملية الدالة، يثناء ممارساا االجتماعية، وهو ما دفعها إىل اقتحام جمال الدرس النفساملاركسية يف أ

، أو )املباشرة غري/ اللغة املباشرة (حدة التوتر واجلدل القائم بني وذلك للتخفيف من .Sémiotique et Symboliqueكما تصطلح عليها بـ السيميائي الرمزي

نتاج اجتماعي للعالقة باآلخر، أي الكيفية التي "ترى هذه الباحثة أن الرمزي مية تكون فيها بىن اخلطاب البعض، حيث يعمل الرمزي لغة عل ميرتبط فيها الناس ببعضه

، يف حني يتجلى )2("سلطويا وقطعيا وذا التحديد يأخذ الرمزي شكال حمددة ومصممة،كما هو عند مالرميه ولوتريامون عن سيمات "السيميائي يف اللغة الشعرية اليت تكشف

، )3("اجلانب السيميائي، عندما تعمل بتناغم مع اجلانب الرمزي وبتعارض جديل معهعىن أن العالقة اجلدلية بني اجلانب السيميائي والرمزي من منظور كريستيفا عالقة مب

وعليه ميكن توضيح . La Signifianceالتدليل صميمية لكوا تقوم على أساسخصبة و :تصور هذه الباحثة ملفهوم النص بالشكل التايل

)1 .263املرجع نفسه، ص ) )

2 .257املرجع نفسه، ص ) )

3 .261املرجع نفسه، ص )

النـص

بعد سيميائي لغة مباشرة

عملية التدليلLa Signifiance

بعـد رمزي لغة غري مباشرة

الــذات املتكلمــة

Page 23: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

9

إن هذا البعد السيميولوجي الذي اعتدت به كريستيفا يف طرحها املتعلق د هلا يت مل جيبالنصوص والتعريف حبدودها أدى إىل اإلجابة على بعض األسئلة ال

إجابات صرحية؛ والسيما مسألة املساحات الفارغة والفجوات الشكالنيون الروسقد من كيان لغوي، فسيظل نسقا مفتوحا مليئا "الشاغرة اليت حيويها نص ما باعتباره قد

عرية الغياب ومجالية بالفجوات والثغرات، وهذا سر مجاليته وأساس أدبيته، بل إن شوبالتايل مل يعد التعامل مع النص على أنه قوام )1(" تشكالن قوامه اجلوهريالغياب الباين

على حد تعبري لساين فحسب، حيتكم ملبدأي االنسجام واالتساق أو معطى ثابت وقار ن النص ال يتسم بالثبات واالستقرار على غرار النسق إ، حيث الشكالنيني الروس

ل ويسلم بدينامية ي قد جتاوز وخرق معيار البنية ليصثاللغوي، ذلك أن النص احلدادورهم يف استكشاف شعرية الغياب يف النص األمر الذي يستدعي متلقني يتمثل ؛النص

أغواره من خالل فك شفرات املساحات والفجوات الشاعرة والعبارات املسكوت ربوس .عنها املنتشرة على طول النص اإلبداعي

نية اليت أخذت قسطا وبذا تكون جوليا كريستيفا قد سامهت يف جتاوز مفهوم البوافرا من التاريخ اللساين وسيطرت عليه، مما أفضى إىل تغيري التصور التقليدي لفكرة

وما أثاره من Système Closالنسق من خالل شكوكها حول طبيعة النسق املغلق ، مما Système ouvertصدامات نقدية وأدبية ومطالبتها برفع جتليات فكرة النسق املفتوح

. منعطفا حامسا داخل الكتابة األدبية املعاصرة أحدث

إن هذا التوجه الذي خاضته كريستيفا وسارت وفقه كان له األثر البالغ يف مسار قها كشف حدود النص وماهيته، وكان من بني تالدراسات التنظريية احلاملة على عا

Rolandن بارث املنظرين الذين تأثروا بشكل واضح ذا املسعى الباحث اللغوي روال

BARTH ترف من هذه النظرية، كما كان له باع طويل يف إثراء هذا الذي استفاد واغ

)1 .236أمحد يوسف، القراءة النسقية ومقوالا النقدية، ص )

Page 24: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

10

وسلطته، باعتباره الطرف الناقدالتصور القائم على إعطاء األمهية القصوى للقارئ أو املهم املنتج للنصوص من خالل منحه أهلية تفوضه ومتكنه من استباحة النص وإعادة

تعسفا على النص، حيث "يده باعتبار أن القارئ كثريا ما ميارس ري حنو يتشكيله على أيلجأ إىل بتره أو قطع أجزاء منه وجذب أجزاء أخرى تتسم مع التأويل الذي يسعى

الناقد للنص األديب مبثابة مبدع ملعان جديدة ختدم تطلعاته / وبالتايل يغدو القارئ )1("إليهفالقارئ يقرأ النص انطالقا من اهتمامات ختصه أو اجلماعة اليت ينتمي "... مصاحلهو

.)2(.."يسعى إىل إثباته... إليها، القارئ يهدف دائما إىل غرض

املؤلف /ووفق هذا التصور الباريت فإنه مبجرد أن تتم طباعة العمل يفقد الكاتب بح له احلرية الكاملة يف صلته بالنص وال يصبح مالكا له، ليعوض بالقارئ الذي ستص

املتلقني مادام ليست هناك أسس ضابطة ميكن اختالفب تلفخي أويالإعطاء النص تريات واملعاين احلصول على عدد ال ائي من التعب الرجوع إليها يف عملية القراءة، وبالتايل

يزة لصناع بذلك القدسية اليت كانت السمة املم فية املستورة يف أغوار النص لتندثراخلإن . على النص Textureسر إطالق كلمة نسيج -ربما–النصوص ومبدعيها، وهذا هو

التفويض املهم هلذا املصطلح يتمثل يف فصل الذات املبدعة للنص وتذويبها، بل وفصلها بينما اعترب هذا النسيج دائما إىل اآلن على أنه نتاج وستار : "...ائيا عنه، يقول بارت

وخيتفي ذا القدر أو ذاك، فإننا اآلن نشدد داخل ) احلقيقة(اهز يكمن خلفه املعىن جع ذاته ويعمل ما يف ذاته عرب تشابك صنالنسيج على الفكرة التوليدية التي ترى أن النص ي

تنفك الذات وسط هذا النسيج، ضائعة فيها، كأا عنكبوت تذوب هي ذاا يف : دائم

)1 .207، ص 2004آلداب والعلوم اإلنسانية، مشترك، دار توبقال للنشر، الطبعة الثالثة عبد الفتاح كليطو، املنهجية يف ا ))

2 .19املرجع نفسه، ص )

Page 25: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

11

استحداث األلفاظ ألمكننا تعريف نظرية النص نالنسيجها، ولو أحببفرازات املشيدة اإل . )1("بأا علم نسيج العنكبوت

عضوم، والنسج تtexture((وعليه فإن مفهوم بارت للنص منحدر من النسيج يف علم اللسانيات تهسريورة خطية، هو ما يصطلح على تسمي ة ذاتألياف أفقية منتظم

يف مقابل ألياف شاقولية تعىن بالعالقات االستبدالية Axe Syntagmatiqueباحملور األفقي إن هذا النسيج paradigmatiqueاخلاصة على مستوى احملور األفقي أي احملور العمودي

من النص بعد ضياع الذات يف معىن مستور ينبثق/حامل حلقيقة -من منظور بارت–أحب النص "ر قارئ متفحص ولذلك يقول يف موضع آخاره، خملفا لذة ومتعة لكل أسو

مبعىن شجار (هو هذا الفضاء اللغوي النادر الذي يغيب فيه كل شجار ألنه بالنسبة إيلليس فيه شيء من " وتغيب فيه كل مماحكة لفظية، وليس النص أبدا حوارا) بني األزواج

إنه ) idiolectes(نافس للهجات الفردية خماطر املراوغة والعدوان واملساومة وليس فيه ت2("س يف حضن العالقة البشريةيؤس(.

وآخر، والسبب يكمن يف أن اللذةوهذه اللذة متفاوتة الدرجة بني عمل أديب من فعل القراءة ال تقابلها لذة كتابة حول األثر، فاإلنتاج املنبثق عن الكتابة للذي بثقةاملن

أما النص فهو ممتع وبالتايل يرقى إىل مستوى . نقرأه، ال ميكن أن ينجر منه لذة حقيقيةاللذة، وعليه فإن قراءة النص مبثابة إقامة حوار معه بالبحث عن مفاتنه وداللته املتعددة

تقيم معه عالقة وحدها تعشق األثر األديب وأن"...ته املتعددة الالائية، فالقراءة وتأويال .)3("ن نقرأ معناه أن نشتهي األثرأشهوة ف

)1 .62، الدار البيضاء ، ص 1988، 1روالن بارت، لذة النص، ترمجة فؤاد صفا واحلسني سبحان، دار توبقال، ط) )

2 .24املرجع نفسه، ص ) )

3 .26، ص 1984، 11روالن بارت، النقد واحلقيقة، ترمجة إبراهيم اخلطيب، جملة الكرمل، ع )

Page 26: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

12

النص والعمل يقوم بالتفريق بني وأمام هذا الطرح الباريت تظهر إشارات جلية أنه ورة التي جندها على رفوف هذا األخري جمموعة من الكتب واألوراق املعم معتربااألديب،

، ونستلزم من هذا )1(املكتبات، أو هو ما ميكن أن منسكه باليد أما النص فتمسكه اللغةالتصور أن النص هو روح العمل األديب، هذا األخري الذي يعد مبثابة جسد النص، لكون

لذلك يؤكد و. أما العمل األديب فهو قار وثابت... أن النص دينامي، خمتلف، متحركبارت أن هذه احلركية املستمرة الدؤوبة املنغمسة يف طبيعة النص تؤدي إىل العبور واالختراق، واختراقه فيما معناه، وبالتايل فعوض أن يعرب العمل الواحد جنده يعرب عدة

.)2(أعمال

كما يعترب بارت أن من بني السمات اليت حيملها العمل األديب أنه منغلق على حمدودة مبثابة إشارة عامة متعارف عليها، بينما ميلك النص رمزية دلول، أي ميلك امل

جمموعة من الرموز والطاقات اإلحيائية، وهذا هو مرد انفتاحه وعلى أكثر من حقيقة من حركة متسلسلة من االنفكاك ومن التشابه ومن املتغريات، ولذا فإن املنطق "خالل وجود

.)3("، ولكنه كنائي)أي يعدد مقصد النص(إفهاميا الذي يضبط النص ليس

كما يذهب سعيد يقطني إىل التعريف مباهية النص تعريفا حنسبه كفيل وخليق بتأسيس أرضية خصبة متنح روح النص أفق التحديد الذي تصبوا إليه الدراسات األدبية

كون من خليط بنيوي إنتاجي واللسانية برمتها، ذلك أنه ينطلق يف تصوره أن النص مت، )فردية أو مجاعية(بنية داللية تنتجها ذات ) النص(يشكل كال واحدا، إذ يعترب أنه

)1

، 2001، الدار البيضاء، املغرب 2ينظر سعيد يقطني، انفتاح النص الروائي، النص والسياق، املركز الثقايف العريب، ط) .21/22ص)

2 .87، ص1999، حلب، 1عمال الكاملة، اإلمناء احلضاري، طينظر روالن بارت، هسهسة اللغة، ترمجة منذر عياشي، األ) )

3 .89املرجع نفسه، ص )

Page 27: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

13

طر ثقافية واجتماعية حمددة ووفق هذا املنظور فإن النص أضمن بنية نصية منتجة، ويف :)1(مبسوطة لتفاعل عنصرين جوهريني يكونان صميم للنص مساحة

وهو مبثابة جهاز تتخلله ثالث بنيات وهي على النحو : البنيوي العنصر-1 :التايل

إن النص مبثابة دليل يستلزم داال ومدلوال، وهذان األخريان :بنية داللية- أ . يستلزمان بدورمها بنية صرفية وأخرى حنوية

النص يتكون منهانيات داخلية بتفاعل ل وإن النص كبنية داللية ه :نصيةبنية -بيتم إنتاجه ضمن بنية نصية كربى، تتعدد فيها النصوص وتتقاطع و) حنوية/صرفية(

.قائمة على أساس التفاعل الذي يأخذ طابع اهلدم والبناء ،وتتداخل وتتعارض

على ) من حيث الزمن(إذا كانت البنية النصية سابقة : بنية ثقافية واجتماعية-جرة إلنتاج النص متزامنة مع النص، باعتبار أن طفية واالجتماعية املؤالبنية الثقاالنص، فإن

النص إنتاج حتكمه شروط ثقافية حمكومة بدورها مبجموعة من القواعد واألعراف .االجتماعية

إن العالقات بني هذه البنيات عالقة صراع وأثر وتأثر :العنصر االجتماعي-2يات عمليا يتم من خالل أفعال إنتاجية تقوم ا الذات عالقات إنتاجية، كما أن حتقق البن

ليست ) نصية أو ثقافية أ اجتماعية(إزاء ذاا وإزاء املوضوع، باعتبار أن هذه البنيات .معزولة عن بعضها فهي تنتج ذاا يف إطار عالقتها مع املوضوع الذي توجد فيه

ص من النظام اللغوي، يف حتديده ملفهوم النHARTMAN كما انطلق هارمتان أي قطعة ما ذات داللة وذات وظيفة، وبالتايل هي قطعة مثمرة "حيث اعترب النص بأنه

)1 .32/33ينظر سعيد يقطني، انفتاح النص الروائي، ص )

Page 28: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

14

يقوم على أساس مفاهيم النظام اللغوي ، وال ينبغي أن نتصور هاهنا أن )1("من الكالممربوط جتريدية للواقع اللغوي بل على العكس متاما، فهارمتان ينظر أن النص يف صميمه

وعليه فإن تصور هذا . باللغة املستخدمة يف الواقع أي العالمة اللغوية الفعلية املنظمةرى، الباحث للنص مغاير عن بعض التصورات املنبثقة من اجتاهات ومدارس لسانية أخ

أن اهلم األساسي امللقى على عاتق احمللل من النص والعامل اللغوي قائم على التوجه أتراهتمام إىل أيفقط دون إعارة ) النسقي/ الداخلي (كيب النظام اللغوي إىل ترا

.االستخدام الفعلي للعالمات اللغوية يف واقع ما

ان عند بيف احلس ضعهكما يظهر من حتديده السالف للنص أن أول ما ينبغي وتلعب حماولة التعامل مع النصوص هو التزود بآليات وإجراءات علم الداللة باعتبارها

ا هذا الطرح إىل استحضار قضايا املوقف التفسري والفهم والتحليل، وجيرن دورا حموريا يفوالسياق واعتبارمها من املعطيات الواجب األخذ ا عند مواجهة النصوص املرغوب

.الكشف عن بنيتها والولوج إىل أغوارها

ات حتليلية نصية ارمتان على ضرورة فصل وحدالطرح يصر ه باإلضافة إىل هذاوحتديدها باالستفادة من عدة علوم أخرى، بعبارة أخرى بناء سنتيجميمات كربى، من احملتمل أن توكل إليها وظائف حمددة، كما يؤكد على إلزامية التفريق بني التراكيب

.)2(العامة واخلاصة املنتشرة على طول النص

:وعليه ميكن إمجال تصور هارمتان يف ما يلي

يف املعاجلة اللسانية، إذ يعترب مبثابة املادة اخلام اخلليقة همالنص هو املوضوع األ- .بالتحليل الوصف اللغوي

)1 .102حسن البحريي، علم لغة النص، مفاهيم واجتاهات ص ))

2 .102ينظر املرجع نفسه، ص )

Page 29: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

15

) النص(وجوب توجه احمللل اللساين إىل االستعمال الفعلي للعالمات اللغوية - .وكيفية االستخدام وبالتايل جتاوز النظام اللغوي التجريدي

االتصال والسياق وربطها مبواقفر اخلارجية املرتبطة ضرورة األخذ بالعناص-احلقيقي للنصوص كون النص هدفوهذا للوصول لل. بالعناصر الداخلية املشكلة للنص

ويف هذا تأكيد على )1("عالمة لغوية أصلية، تربز اجلانب االتصايل والسيميائي"عنده .اخلاصية االتصالية للنص

أجزاء اخلطاب "أن Titzmanوتيتزمن Lionsوليونس Pilchيعترب كل من كما ، وكل جزء من أجزاء النص Textesاملختلفة الطول الشفوية أو املكتوبة تسمى نصوصا

السلوك اللغوي العادي الذي ميكن أن يكتب كتابة عن ناتج " "énoncéيكون قوال utterancesمصطلح النص على ملفوظات " كما يقران بإمكانية إطالق ،)2("فنولوجية

صدر عن تشديدة التنوع مستعملة يف مقامات شديدة التنوع هي أيضا، وميكن أن .)3("متكلم واحد أو أكثر من متكلم

وليونس Pilchن الباحثني درت من لديف ظل هذه املقتضيات التصورية التي صبوادر أفق تسهم بدور فعال يف تدعيم اخلصوصيات اليت يتشكل منها تظهر Titzmanو

: النص، والتي ميكن بسطها على الشكل التايل

. ميكن للنص أن يكون طويال كما ميكن أن يكون قصريا-

)1 .108املرجع السابق، ص ) )

2حممد الشاوش، أصول حتليل اخلطاب يف النظرية العربية، تأسيس حنو النص املؤسسة العربية للتوزيع، الد األول، تونس، )

.83، ص 2000)

3 .83ينظر حممد الشاوش، أصول حتليل اخلطاب يف النظرية العربية، تأسيس حنو النص، ص )

Page 30: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

16

إىل األشكال ) امللموسة/ املادية (جتاوز مفهوم النص الصفة الكتابية السطحية - . عنها بامللفوظاتاخلطابية الشفاهية املعبر

. ربط مفهوم النص مبقام وظروف إنتاجه-

تكوين حتمي حيدد بعضه بعضا "، إىل أن النص H. Weinrichكما ذهب قاينريش Déterminationsgefügeا لفهم الكلوبالتايل فإن )1("؛ إذ تستلزم عناصره بعضها بعض

، باعتبار أن أهم )النص(أي حماولة للفصل بني أجزاءه تؤدي إىل غموض وعدم وضوحه حلاصل على مستوى اجلملة وعلى مستوى اخاصية للنص عنده تتمثل يف ترابطه النحوي

ال ميكن فصلها عن بقية األجزاء (النص، أي أن اجلملة باعتبارها جزءا مستقال مفيدا احمللل عدم ) لكلية النص، بل من جزء مهم مكمل هلذه الكلية تفرض على املتلقي املكونة

إسقاط أو عزل أي عنصر من عناصره لغرض الوصول إىل الفهم احلقيقي، وعلى إثر هذا الربط النحوي "املعطى التصوري تعلقت بالنص عدة مقوالت ومفاهيم كمفهوم

الداليل ووسائله والسياق التركييب وعالقته ووسائله وتتابع املعلومات، والتماسك باكتمال األبنية، والسياق الداليل والربط الداخلي، وغري ذلك من مفاهيم علم لغة النص

.)2("اليت يعىن هذا البحث باستجالئها وحتديدها حتديدا دقيقا

:يف الثقافة الغربية اإلطار املفاهيمي للخطاب-2.1

صطلحات اللسانية والنقدية التي أخذت تتداول يف يعد مصطلح اخلطاب من املالعقود األخرية من القرن العشرين نظرا الستخدامه يف جماالت معرفية خمتلفة، السيما بعد

الدراسات األلسنية احلديثة اليت تأثرت ا نظرية األدب والنقد األديب مع "دخوله جمال السبعينات من القرن املاضي وظهور ظهور تيار البنيوية يف أواخر الستينات وأوائل

)1 .108املرجع السابق، ص ) )

2 .108املرجع نفسه، ص )

Page 31: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

17

، لدى الباحثنيمه وحدوده يهامف تالتصورات والرؤى التداولية، ونظرا هلذا التعدد تباينبلغ شططا يف القول أن تلك الظروف واملعطيات قد دلت بدلوها يف غرس نولعلنا ال

ك قد كان هو نوع من الغموض واخللط يف عملية حتديد اإلطار املفاهيمي له، ولعل ذل . )1("اخلطاب مفهوم مائع ومتعدد الدالالت"سبب القول بأن مفهوم

يف اللسانيات، لكونه يستمد وجوده من ضاربة اإن للخطاب جذور: ميكن القول Cours de linguistiqueثنائية اللغة والكالم اليت قال ا دي سوسري يف حماضراته الشهرية

générale "ة حماضرات يفعند ا قد تطورنين املفهوم، ذلك إن هذي"اللسانيات العامودالالت أخرى مفاهيمالدارسني والباحثني اللغويني الالحقني ليأخذ مصطلحات و

وعند ) Systèmeو Texte) (اجلهاز، النص( Helmslevهيلمسالف عند املفهومان فصار"، )Compétence performance) (الطاقة، اإلجناز( Noam Chomskyنوام شومسكي

وعند ) Code, message) (الدليل، الرسالة( Romane Jakobsonوعند رومان جاكبسون ، وعند )Langue, Discours) (اللغة، اخلطاب( Gustave Guillaumeقصطاف غيوم وعليه، فال جمال )langue, style"()2) (اللغة، األسلوب( Rolan Barthروالن بارث

يف األسلوبيات أيضا، سواء من واجهتها القدمية التي تعىن اللخطاب جذور نللشك أمن واجهتها احلداثية اليت دأبت على مراعاة النظام مبالبالغة إىل جوانب قواعد اللغة، أ

الذي يراه اللسانيون نصا، ظالصويت والتركيب املرفولوجي، والبناء الداليل، أي امللفو .احلاالت العامة خطابا ويراه النقاد يف

، وهذا ما جنده Discoursلقد جاء مصطلح اخلطاب يف املعاجم الفرنسية بلفظ ملفوظ أكرب من اجلملة، موجه " وعرف أنه، Petit Larousseماثال يف املعجم الفرنسي

)1 .20، ص 1989الزمن، السرد، التبئري، املركز الثقايف العريب، الدار البيضاء، "سعيد يقطني، حتليل اخلطاب الروائي ) )

2، جامعة عنابة، 1999، 161رابح حبوش، اخلطاب واخلطاب األديب وثورته اللغوية على ضوء اللسانيات وعلم النص، ص )

.اجلزائر

Page 32: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

18

لتوضيح وجهة نظر متعلقة به، ويعرف اخلطاب يف الفلسفة بأنه جمموعة من امللفوظات وعليه، يغدو )1("د تأسيسا على جمموعة من املعطياتتربهن على موضوع واحالتي

اخلطاب وفق هذا التصور ذو بعد طويل ينطوي على تراكيب تشمل على مكونات أقل نها مكونات تركيبية تتجاوز اجلملة الواحدة، كما أن هذه املكونات إ :ما يقال عنها

إطار عام شامل مفاده توضيح فكرة جوهرية أو تصب يف) الوحدات اللغوية التركيبية( .حتت لواء وجهة نظر أو تصور حول موضوع ما جمموعة من األفكار التي تنضوي

كما أنه ال مناص من التنبيه يف هذا الصدد أن نظرة اللسانيني إىل اخلطاب مرتكزة ل معطيات خارجة عن أساسا على النسق أو البنية التركيبية، التي ال تدع جماال إىل دخو

حملل اخلطاب –النظام والتركيب يف صلب حزمة اإلجراءات واآلليات اليت ينبغي للمحلل وهو يف صدد حماولة تفسري أو حتليل أو دراسة الوظائف واحلقائق واملدلوالت -األخذ ا

والشيفرات املزروعة على طول اخلطابات، هذا هو حال اعتقاد غيوم مثال الذي كان رب مفهوم اخلطاب يرتكز أساسا على بنيته التركيبية ذات الوحدات أو العناصر اللسانية يعت

.)2("املتوالية من اجلمل

طاب يشري إىل التفرقة بني اخل H. Gardinerي الباحث اللساين غاردينار كما نلفحنو وميكننا توجيه اخلطاب : "ارديناند دي سوسري، حيث يقولواللسان؛ تبعا ملا نظر له ف

يف اخلطاب امليزة الفيزيائية اليت ) [...] الذهين(اجتاهه االجتماعي، أو حنو اجتاهه العقلي وعليه فقد أدى هذا التصور إىل نشوء )3("يتمتع ا يف ذاته تظهر عاطفية مادية ليس إال

آثار معرفية لسانية عمادها غض الطرف عن املراجع والسياقات اليت تشكل املهد .اجلوهري ملسألة اإلنتاج اللغوي، وهو أمر ساد فكر نقاد ولساين البنيوية والكنف

(1) Petit Larousse, Librairie La rousse ; Paris 6 ; 1980 ; P. 297.

(2) Patrick Charaudeau, Dominique Maingueuneau ; Dictionnaire d’Analyse de discours ; édition du seuil ; Paris

VI e, 2002 ; P. 185. (

3)Patrick Charaudeau, Dominique Maingueuneau, Ibid, P. 185, 186.

Page 33: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

19

فقد نظر إىل اخلطاب نظرة Benvenisteوأما بالنسبة للعامل اللغوي بنفنيست ودها إىل خمالفة لبعض الرؤى اللسانية التقليدية خاصة البنيوية منها التي طاملا اجتهت جبه

والظروف اليت حتف قيا شكليا، ال عالقة له باملعطياتهازا نسج مقاربة اخلطاب باعتبارهإىل نظرة -بنفنيست–بالنشاط اإلنتاجي للعبارات والصياغات، حيث اجته هذا األخري

خمالفة هلذا التصور قوامها أن اخلطاب ملفوظ منظور إليه من وجهة آليات وعمليات ن، يف بإ ه مرتبطاشتغالية يف التواصل؛ ومعىن ذلك أننتاج ملفوظ ما بواسطة متكلم معي

كل تلفظ "مقام معين، وهذا الفعل هو عملية التلفظ، ومبعىن آخر أكثر اتساعا فإن وعند هذا )1("يفترض متكلما ومستمعا وعند األول حذف التأثري على الثاين بطريقة ما

مبثابة الفعل الذايت يف استعمال اللغة، وبالتايل Enonciationاحلد يغدو مفهوم التلفظ الولوج إىل دراسة الكالم ضمن مركز نظرية التواصل ووظائف اللغة، ذلك أنه موضوع

وبالتايل ال يكون امللفوظ عنده خطابا حىت يستويف شروط . الدراسة وليس امللفوظكن توضيح هذا التصور والتواصلي ومي Interactionnelالتخاطب ذات البعد التفاعلي

:على الشكل التايل

وملفوظ وإرادة التأثري على ومتلق لة من باثوبالتايل تصبح احللقة التواصلية مشكالفرد مما ينتج عنه تغيري القناعات واالعتقادات املصاحبة للمتلقي، بصيغة أخرى تغيري الواقع، كما ميكن لنا أن نستشف عناصر ومعطيات ضمنية تتخلل هذه احللقة كمفهوم

.الواضحة الرسالة املشحونة بالبالغ والشفرة املتعارف عليها لفك الرموز البانية غري

(1) EMILE Benveniste, Problèmes de linguistique générale, T1, ed. Cérés, 1995, Tunis, P 241.

اخلطاب

املتكلم

املتلقي

امللفوظ

القصدية يف التأثري

التواصل/ التفاعل

Page 34: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

20

:كما ميكن رصد هذا النوع من النظام التلفظي يف أن اللغة

تتمظهر يف القول الذي حييل إىل موقف ما، فإذا تكلمنا فإننا نتكلم دائما عن -1 .شيء ما

.ثل كل منها عالمةمن وحدات مستقلة مت -الشكلمن حيث –تتكون -2

.أعضاء جمتمع واحدتنتج اللغة وتستقبل يف قيم إحالية مشتركة بني -3

.)Intersubjective )1متثل للغة التحقق الوحيد للتواصل البينذانوي -4

وعلى هذا األساس فإن ربط امللفوظ باخلطاب يتطلب وضع جمموعة من القواعد الذي تتوافر على قابلية التعبري بالكالم، باعتبار أن امللفوظ جزء ال يتجزء من اخلطاب،

نه، بوصفه وحدة لسانية تواصلية دينامية، ذات خصوصيات حنوية ويشكل ركنا من أركا . وداللية، وعليه فإن امللفوظ وحده ال حيدد اخلطاب إال إذا أضيفت إليه وضعية التواصل

اخلطاب على أنه نسق دال Benvenisteذا املنطلق حيدد بنفنست ـن هـومغة الفنية عن العالقات الدالة لله كان مراده الكشف ـة، وعليـداخل منظومة اللغ

، )للتلفظ(ي ذلك من خالل متييزه بني نظامني ـجتل ي، وقدـل العمل الفنـداخدد هذين النظامني يف احملكي ـ، وحي)ن األفعالـالضمائر وزم(اده على مقوليت ـباعتم

Le Récit اب ـواخلطLe discours .وم بنفنست ـز يقـذا التمييـة إىل هـوباإلضافن خالل زمن املاضي، حيث يتم ـة مـة املكتوبـل اللغـي داخـحديد احملكـبت

تقدمي أحداث وأفعال يف زمن ما بدون تدخل املتكلم يف احملكي هي صيغة L’AORISTEالكتايب (، بينما يتجلى اخلطاب يف معظم حاالته يف مستويني اثنني )*(

(1) Emille Benveniste, problème de linguistique générale, T1 P. 59.

)*( L’aoriste: (passé simple, ou passé défini, l’imparfait, plus que parfait)يقصد بنفنست بصيغة

Voire, émille Benveniste, P.L.G, P.238.

Page 35: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

21

احملكي نفسه، وذلك عند ، كما نلفيه مطروحا يف بعض األحيان يف أسوار )والشفويإعادة املؤلف إنتاج أقوال الشخصيات، أو بتجل من املؤلف نفسه لتقييم احلدث

وعليه فإن كال من اخلطاب واحملكي هلما التدخل نفسه يف عملية التلفظ، . )1(احملكين التلفظ فة إىل هذا الطرح يعترب بنفنست أضاباإل. طريق اخلطابات املباشرةوذلك عن

يرتبط باللغة املكتوبة، بينما يوظف اخلطاب كتابة وشفويا، ) املرتبط باحملكي(لقصصي ا .)2(ويف اإلجناز احلقيقي للتلفظ جندنا يف اآلن نفسه ننتقل من أحدمها إىل اآلخر

لقد أدت جهود إميل بنفنست يف آخر األمر إىل تليني بعض املفاهيم واملصطلحات مكانة للذات املتكلمة بعدما أقصتها لسانيات البنوية، "وضع واملقوالت الصارمة، وذلك ب

وفتح اال واسعا لتشييد اللسانيات اخلطابية، حيث دعا إىل األخذ باحلسبان تلك الوظيفة التي تقوم بدور الوساطة يف عملية التلفظ، فتسمح باالنتقال من السنن إىل

ور نفسه نلفيه مطروحا يف أسوار فكره ومنيك ، وهذا التص)3("املرسلة وتاليا إىل اخلطابالذي كان يعترب اخلطاب مفهوم عصيا على صعيد اللسانيات D. Maingueneauماجنينو

البنوية واللسانيات التوليدية والتحويلية وقد جتلى ذلك بقوة عندما راح جيعل اخلطاب يل انبثاق فكرة مؤداها أن دي سوسري، وبالتا. مرادفا للكالم وهو نفس ما دعى إليه ف

. )4(اجلملة ال تنتمي إىل حيز اللسان، وإنما تنتمي إىل الكالم بوصفها وحدة خطابية

إن هذا املقتضى التصوري للخطاب القائم على أساس اعتبارات لسانية خمالفة وية اليت كنت مهيمنة على جمال حتليل اخلطاب واجتاهاته؛ قد أدى إىل يللتصورات البن

إثبات الطبيعة الكالمية للخطاب، مما اجنر عنه تعميق بعض املقوالت واألدبيات كالسياق Partickمع زميله –حيث كان يعترب ... الذي أنتج فيه، والذات املتكلمة واحلوار

(1) Emille Benveniste. Ibid. P. 241.

)2 .19سعيد يقطني، حتليل اخلطاب الروائي، ص : ينظر) )

3 .68، ص 2001-2000أمحد يونس، القراءة النسقية ومقوالا النقدية، دار النشر ط ) )

4 .22حتليل اخلطاب الروائي، ص . ينظر سعيد يقطني)

Page 36: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

22

Charaudeau "ة مشتركة يف أن اخلطاب فعالية يف مبدأ احلوار باعتبار أن الظاهرة األساسيهذه الفعالية هي احلوار، أين جيسد كل من املتحاورين تنسيقا حمكما يف أقواهلما، حيث يؤخذ بعني االعتبار يف عملية التلفظ اخللفية الثقافية والدينية واإليديولوجية، التي نستطيع

خري، هكذا ميكن فهم العالقة بني اخلطاب واحلوار؛ بواسطتها إدراك مقاصد أقوالنا يف األ .إنها بدون شك تبادل قد يكون ظاهريا أو ضمنيا مع خماطبني

وجود إحلاح تلفظي اعتراضي موجه يف األساس إىل تفترض هذه األخرية إن املخاطب الذي يستطيع يف ظل هذا السياق، بناء خطابه اخلاص؛ الشيء الذي جيعل من

، وعليه فإن احلوار )1("ال يعد خطابا بغاية اجلودة، ولكنه شكل من أشكال الصنعاحلوار يقابل الشكل العام للخطاب، كما أن الطبيعة الكالمية للخطاب ميكن أن تكون مشافهة

.أو كتابة

اخلطاب ذات جمال واسع مقارنة مع اجلملة وموازية وحدة كما اعترب ماجنينو من منظور تلفظي تداويل بالتركيز على ) امللفوظ(طلح اخلطاب كما يشري إىل مص. للنص

اخلصائص الدينامية للتلفظ، وعلى العالقة بني شركاء العملية التواصلية وفق السياق املسجل فيه التلفظ، كما حييل دال اخلطاب على احملادثات، التفاعل الشفوي، وقد يقصد

تماعية معينة كاخلطاب األنثوي، اخلطاب به بعض أمناط امللفوظات اخلاصة بفئات اج، أي أن طبيعة اخلطاب عند ماجنينو ذات صلة وثيقة بالعوامل اليت صاحبت )2(...اإلداري

إنتاجه يف جو مل يكن حتليل اخلطاب يأخذ بتلك املعطيات اخلارجية للقبض على داللة ية من بديهيات أضحت بديه) النسق/الداخل(وفحوى اخلطاب، ويعزى ذلك أن مقولة

وي، كما ميكن أن نستشف أن اخلطاب عنده مرتبط بصنفني من ياخلطاب البناالستخدام إذ ميكن أن يكون فردي ومجاعي وفق سياقات معينة ميليها / تعمالساال

(1) Patrick Charaudeau. Dominique Maingueneau. P. 188/189.

(2) Voire. Dominique Maingueneau. L’analyse du discours, Ed. Hachette, Paris, 1997 P. 10

Page 37: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

23

الضابط التواصلي بشكل عام كشركاء العملية التواصلية والعالقة بينهم والفئات .فاعلاالجتماعية املشاركة يف ذلك الت

إجناز "أن اخلطاب Théorie Texteكما يشري روالن بارث يف كتابه نظرية النص فردي يتشكل من جمموعة من الوحدات اخلطابية، تربطها ببعضها عالقات حتقق

أنه ال وجود لفصل بني الذات " إجناز فردي"نستشف من عبارة )1("للخطاب انسجامهيف عملية Subjectivitéانغماس اإليديولوجية والذاتية املنتجة املنجزة واخلطاب وبالتايل

.تشكيل اخلطاب باعتبار أن املمارسة الداللية داخل اخلطاب تعيد للكالم طاقته الفاعلة

واحلقيقة أن روالن بارث جيعل من اخلطاب وحدة صغرى تتكون من جمموعها ملة، كوا املادة األوىل الثقافة نفسها كبنية كربى، منطلقا يف تأسيس نظرته هذه من اجل

سانيات هي الوحدة األخرية يف اللغة، وهذا ال للافاجلملة يف "يف بناء وتشكيل اخلطاب يعين أن اخلطاب ال يوجد إال يف اجلملة، ألن اجلملة هي القسم األصغر الذي ميثل جبدارة

اجلملة، هلذا من كمال اخلطاب بأسره واللسانيات ال يسعها أن تتخذ موضوعا أرفع من .)2("احلتمي أن يكون اخلطاب ذاته منتظما ضمن جمموعة من اجلمل

وصفها مي نظرية لسانية حقيقية للخطاب، ببالرغم من استبعاد بارث إمكانية تقدمازالت عصية أو بعيدة التحقق، إال أنه حاول تقدمي تصورا لسانيا لتحليل اخلطاب يقوم

، حيث يقترح ثالثة مستويات لتحليل )3()الصيغة، اجلهة الزمن،(على مقوالت أساسية :اخلطاب

.مستوى الوظائف-1

)1، 5 :حممد خري البقاعي، العرب والفكر العاملي، مركز اإلمناء القومي؛ بريوت، لبنان، ع. روالن بارث، نظرية النص، تر )

.93، ص 1998)

2 .95، ص 1998حممد برادة، املغرب، . روالن بارث، الدرجة الصفر للكتابة، تر )

(3) Voit, Gérard Genette, Figures, éd. Cérés, Tunis, P. 180-277.

Page 38: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

24

.مستوى األحداث-2

.مستوى السرد-3

كما يؤكد بارث على ضرورة إحداث تعالق وترابط بني هذه املستويات فيما العمل بينها، إذ ال معىن لوظيفة إال بقدر ما حتتل مركزا يف العمل العام للفاعل، وهذا .يتخذ معناه النهائي من كونه عمال مسرودا منتميا خلطاب له نظامه الرمزي اخلاص

أما طه عبد الرمحن فيؤكد يف طرحه ملفهوم اخلطاب أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بعملية حد اخلطاب أصل كل "االتصال باالنطالق من حتقيق االقتراب أو االبتعاد حيث يقول

كان، لكن ماهيته ليست يف جمرد إقامة عالقة ختاطبية بني جانبني فأكثر، تعامل كائنا ما ألن هذه العالقة، على قدرها وفائدا، قد توجد حيث ال يوجد طلب إقناع الغري، مبا دار عليه اخلطاب، وقد حيصل اجلانبني القصدين املطلوبني يف قيام هذه العالقة، ومها قصد

هامه مرادا خمصوصا، من غري أن يسعى إىل جلب اعتقاد أو التوجه إىل اآلخر وقصد إفا حقيقة اخلطاب تكمن يف كونه رفع انتقاد، وال يزيد يف يقني أو ينقص من شك، وإنم

قصد اإلدعاء وقصد : إىل القصدين التخاطبيني املذكورين قصدين معرفيني مها يضيف .)1("االعتراض

بد الرمحن نستشف مبا ال يدع فمن خالل هذا التحديد الذي صدر من طه عيأخذ منحا قصديا، أي يقوم على البعد -حسب تصوره–مفهوما للشك أن اخلطاب

. عن تلك املفاهيم الشكلية التي أوكلت إليه بتعدالقصدي وبالتايل فإن مفهوم اخلطاب يكما نستشف أن ماهيته هي أرقى من جمرد إقامة العالقات التخاطبية بني أطراف عملية

مرادا معينا؛ بل يتعدى وقصد إفهامهم) املخاطبني(اآلخرين التواصل مع قصد التوجه إىل .اخلطاب ذلك بتضمنه قصدين آخرين مها قصد اإلدعاء وقصد االعتراض

)1 .225، ص 1998، )1(طه عبد الرمحن، اللسان وامليزان أو التكوثر العقلي، املركز الثقايف، الدار البيضاء، الطبعة )

Page 39: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

25

فمقتضاه أن املنطوق به : أما قصد اإلدعاء: "مث يقوم بشرح هذين القصدين بقولهالناطق صريح االعتقاد ملا يقول من نفسه ومتام ال يكون خطابا حقا حتى حيصل من

االستعداد إلقامة الدليل عليه عند الضرورة، فاملدعي هو عبارة عن املخاطب الذي ينهض أي أن املنطوق به هاهنا يعد مبثابة خطاب شديد الصلة )1("بواجب االستدالل على قوله

ق إال مبا كان مؤمنا به ومستعدا اإلقامة باملخاطب وقناعاته، باعتبار أن هذا األخري ال ينط .الدليل عليه إذا استدعت الضرورة ذلك

أن املنطوق به ال يكون خطابا حقا، حتى "أما، بالنسبة لقصد االعتراض فيستلزم يكون للمنطوق له حق مطالبة الناطق بالدليل على ما يدعيه، ذلك ألن فقد املنطوق له

ا دائم التسليم مبا يدعيه الناطق، فال سبيل إىل متحيص دعاويه، وإما إم: هلذا احلق جيعلهفإذن املعترض هو عبارة عن املخاطب الذي ينهض . عدمي املشاركة يف مدار الكالم

وإذا حتققت كل الشروط فاعرف أن املنطوق . بواجب املطالبة بالدليل على قول املدعيذي يقوم بتمام املقتضيات التعاملية الواجبة يف به الذي يستحق أن يكون خطابا هو ال

الذي جيعل ) اخلطاب(فقصد االعتراض مرتبط باملنطوق به )2("حق ما يسمى بـاحلجاجوتأسيسا على هذا . انطالقته مؤسسة على املخاطب املطالب بالدليل املثبت للدعوى

قائم على أبعاد حجاجية املقتضى فإن اإلطار املفاهيمي للخطاب عند طه عبد الرمحن بالدرجة األوىل تؤدي بالتفاعالت التواصلية إىل إقامة حدود فصل بني قبول لآلراء

.وحمض لإلدعاءات

)1 .225طه عبد الرمحن، اللسان وامليزان أو التكوثر العقلي، ص ) )

2 .225املرجع نفسه، ص )

Page 40: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

26

:الفرق النص واخلطاب-3.1

يبقى السؤال املسيطر على عقول وأفكار السواد األعظم من الباحثني اللسانيني متعلق برصد أهم الفروقات الفاصلة بني مصطلحي النص واخلطاب، فإذا نكشف لنا أن املنظرين والعلماء اللسانيني منقسمون فيما بينهم، بل وخمتلفون يف مسألة احلدود الفاصلة

احلال بالنسبة للباحثني؟ فاملتتبع والباحث املتمعن الفاحص بني النص واخلطاب فكيف هلذا اال من الدراسة الذي يعىن يف مقارباته باملسائل املتعلقة بتحديد كل من النص

ملتباينة فيما بينها، تصل أحيانا إىل اواخلطاب جيد نفسه أمام كم معترب من التصورات ك أن أصحاب الدراسات اللسانية والنقدية احلديثة ينقسمون ذل. درجة التنافر والتناقض

:يف التفريق بني هذين املصطلحني إىل أربع فئات

فئة تقيم التفرقة بينهما على أساس تكاملي، باعتبار أن النص ميثل شكل العمل - ).البنية العميقة(األديب، أو بنيته السطحية الظاهرة، أما اخلطاب فيمثل مضمونه للعميق

وفئة أقامت التفريق على أساس ما بينهما من عموم وخصوص، أو على أساس -اتفاقهما يف شيء أو صفة واختالفهما يف شيء أو صفة أخرى، أي هي تلك الفئة التي جعلت اخلطاب مرتبط باجلانب التركييب، وجعلت النص مرتبط بالكتابة، مما ينتج عنه أن

.اإلنتاج، والنصية خصوصية مرتبطة بالتلقي اخلطابية خصوصية متعلقة بعملية

وفئة تفرق بني اخلطاب والنص باالعتماد على املظهر الكتايب الذي يتجلى به -النص دون اخلطاب، فاللغة الشفوية هي املعنية باخلطاب، بينما تتوىل الكتابة إنتاج

.ثبت بالكتابةالنصوص، ومن هؤالء العلماء بول ريكور الذي كان يعترب النص خطاب م

وأما الفئة اخلامسة فهي تفرق بني النص واخلطاب بناءا على ما بينهما من -تداخل وخصائص مشتركة، ووفق هذه الرؤية فإن النص هو ما يظهره ومن بني املنظرين

Page 41: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

27

الذي كان يعرف اخلطاب بأنه السياق التداويل للنص Van Dickهلذا االجتاه فإن ديك .)1(اإلنتاج اللفظي للنص، ومثرته امللموسة واملرئية وبالتايل فهو فعل

على الفئة األخرية جديرة بالتربع إذا اعتربنا أنولعلنا ال نبلغ يف القول شططا عن االجتاهات والفئات األخرى اليت كانت تعتمد مبادئ موضع احلقيقة وبالتايل العزوف

املقتضى لنص، وتظهر حجية هذاوأساسات حنسبها غري كفيلة يف عملية التفريق بني االتصوري كون أن فان ديك قد سلط أضواء عنايته يف النظر إىل الظاهرة اللغوية

، فاملظهر الداخلي يتمثل يف املستويني )داخلي وخارجي(باالنطالق من مظهرين اثنني ، وهو مظهر متعلق بالنص أما املظهر)Syntaxiqueالتركييب (و) Phonétiqueالصويت (

النظرية "باعتبار أن ) Socioculturelle(اخلارجي فيتمثل يف السياق الثقايف االجتماعي اللسانية تم بأنساق اللغة الطبيعية أعين تراكيبها املتحققة أو املمكنة التحقق، وبتطورها

د يالتارخيي ومبختلف أنشطتها الثقافية ووظيفتها اتمعية وأسسها املعرفية، من شأا حتدنوع السلوك اللغوي كما يظهر هو ذاته يف استعمال العبارة الكالمية اللفظية يف كل

كأن يكون اإلجناز أو السلوك اللغوي مناسبا ملقتضى احلال، يف )2("موقف ومقام تواصليإطار السياق التواصلي، وبالتايل التوجه إىل قواعد تداولية واعتبارها مبثابة الضابط

كم عمليات اإلنتاج الكالمي، بعبارة أخرى إن حتديد كيفية االستخدام حياملركزي الذي .اب يتم باالعتماد على مبادئ تداوليةاملنظم للكلمات املتلفظ ا يف اخلط

م الباحث بشري إبرير جمموعة من الفروق التي يعتربها مبثابة حدود فاصلة دكما يق :بني مفهومي النص واخلطاب حيث يقول

)1

، املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر، بريوت "املفهوم، العالقة، السلطة"ينظر، عبد الواسع احلمريي، اخلطاب والنص ) .90، ص 2008

)2، 2000عبد القادر قنيين، إفريقيا الشرق، ط : تر. فان ديك، النص والسياق، استقصاء البحث يف اخلطاب الداليل والتداويل) .17ص

Page 42: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

28

يفترض اخلطاب وجود املتلقي حلظة إحداث املخاطب، بينما يتوجه النص إىل " -أوال–ن اخلطاب نشاط تواصلي يتأسس متلق مؤجل يتلقاه عن طريق عينة قراءة، أي أ

.على اللغة املنطوقة بينما النص مدونة مكتوبة

اخلطاب ال يتجاوز سامعه إىل غريه؛ أي أنه مرتبط بلحظة إحداثه بينما النص له - .دميومة الكتابة يقرأ يف كل زمان ومكان

كما قال روبار اخلطاب حتدثه اللغة الشفوية، بينما النص تنتجه الكتابة؛ أو-اللغة الشفوية تنتج خطابات بينما الكتابة تنتج نصوصا، وكل : R. Escarpitاسكاربيت

دود بالقناة النطقية أي املشافهة احملمنها حمدد مبرجعية القنوات التي يستعملها اخلطاب ا النص فإنا ال تتجاوزها، أم ه يستعمل بني املتكلم واملخاطب، وعليه فدميومته مرتبطة

ووفق هذا الطرح فإن اخلاصية )1("نظاما خطيا، فدميومته رئيسية يف الزمان واملكانالكربى اليت جتعل النص خيتلف عن اخلطاب هو متيزه باملظهر املادي الكتايب الذي مينح

شر النص صفة الدميومة بالنسبة للقراء، أما اخلطاب فهو مرتبط بسامعه أي مبتلقيه املبا .حلظة إنتاجه ويكون عن طريق املشافهة

ها وسالمتها هي الفكرة التي صدرتإال أن املسألة التي خنالفها وال نعتقد حبقيقتوالتي ترى أن اخلطاب حمدود بالقناة النطقية دون R. Escarpitمن لدن الباحث اللغوي

بعالمات غري لغوية ينتج اخلطاب "غريها، فعلى العكس من ذلك متاما؛ إذ ميكن أن كماهو احلال يف التمثيل الصامت أو الرسم الكاريكاتوري أو اخلطاب اإلعالين

.)2("التجاري، الذي يقتصر على عالمات غري لغوية

)1 .93، ص 2005جوان 14بشري إبرير، من لسانيات اجلمة إىل علم النص، جملة التواصل، عدد ) )

2 .39ص ،2004، دار الكتب الوطنية، الطبعة األوىل، ليبيا، تداولية ظافر الشهري، استراتيجيات اخلطاب، مقاربة لغوية )

Page 43: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

29

نح النص واخلطاب حتديدا مببناءا على املقتضيات التصورية السالفة واملتعلقة املفاهيمية التي نعتقد بأا كفيلة بزرع احلد مفاهيميا، ميكن إمجال بعض اخلصوصيات

:الفاصل بني املفهومني

:ميكن إمجال مميزاته األساسية يف :بالنسبة للنص-1

هو جمموعة من اجلمل البسيطة، أو جمموعة من اجلمل البسيطة واملركبة التي - .تشكل خطابا

.هو وحدة تواصلية تامة-

.أصغر وحدة فيه هي اجلملة-

ينحو حنو إجراءات صياغة بنية اخلطاب وقواعدها، أي إىل ) النص(حتديده إن شكله ونظامه والعالقات التي تربط أجزاءه الداخلية بعضها ببعض، وإىل اآلليات التي تنظم العناصر داخل هذا الكيان اللغوي املسمى نصا، بدون إعارة أدىن اهتمام إىل

.ل باملقام، وربط الكالم بأطراف عملية التواصلالوظائف االتصالية وعالقة املقا

كما ميكن اعتبار النص وحدة لغوية ذات عالقات داخلية، ومكون من مكونات - .اخلطاب

هو ذلك اإلجناز اللغوي، سواءا كان مجلة واحدة، أم كان :بالنسبة للخطاب-2 .أكثر من مجلة أم كان جزءا من مجلة فقط

-ية ط يف اخلطاب بنيرباخلية وظروفه املقاميأي بني املقام واملقال(بنيته الد (دد ربط تبعية وتعلق، مبعىن أن بنيته ال ميكن أن تتح) من متكلم ومخاطب(ومستعمليه

Page 44: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

30

أن البنية اللفظية خاضعة لوظائف املقام وظروف وحيثيات إال وفقا هلذه الظروف، أي .بدأ االستعمالاالنصياع مل :عملية التواصل، بصيغة أخرى

يفرض على املتكلم استعمال عبارات ) مبدأ االستعمال(إن هذا املبدأ األخري مالئمة ملقام التواصل، كما يفرض على املخاطب أو املؤول هلذه العبارات االعتماد على

وصول إىل الداللة احلقيقية قام والظروف التي صاحبت عملية التداول اللغوي للاملالبنية العميقة وبالتايل حتقيق الفهم الصحيح للصياغات اللغوية، مبعىن أن ورة يفاملست

على عناصر السياق اخلارجية يف إنتاجه وتشكيله اللغوي، وكذلك يف "اخلطاب يحيل .)1("تأويله، مما يفترض معرفة شروط إنتاجه وظروفه

نظر إىل بعض باإلضافة إىل هذا الطرح؛ ميكن اعتبار أن كل خطاب هو نص بالمكوناته، وهي اآلليات التي تشكل قوامه، بينما تعد املعادلة العكسية غري صحيحة منطقيا؛ إذ أن ليس كل نص خطابا ألن النص ينظر إليه باعتباره آليات بنيوية داخلية يبىن بواسطتها اخلطاب، إذ خيتلف على النص باعتداده وتعويله على مكونات أخرى

ملية التواصلية وظروف التداول اللغوي التي تعترب مبثابة الفضاء املبسوط كأطراف العلإلجناز اللغوي الذي يتيح للفرد املتكلم التأثري على الواقع وقلب العالقات التواصلية عن

.طريق التفاعل

خطابيةوعلى هذا تغريت وتعددت أنواع اخلطابات، حيث نلفي عدة أصناف كاخلطاب الوصفي واخلطاب احلجاجي اإلقناعي واخلطاب السردي واخلطاب

إىل غري ذلك من األصناف، لكن ينبغي التنبيه يف هذا الصدد أن هذه األنواع ... الترفيهيالتي انقسم إليها اخلطاب مرتبطة ارتباطا وثيقا باألغراض التواصلية التي يصبوا إليها

)1 .39ص... ظافر الشهري، استراتيجيات اخلطاب، مقاربة لغوية تداولية )

Page 45: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

31

استخدام استراتيجيات معينة لتحقيق من نه ال مناص هلؤالء املتكلمني املتكلمني، كما أ .األهداف املسطرة قبل املباشرة يف اخلطاب

وبشكل عام ميكن القول أن النص عبارة عن جهاز يقتضي آليات وميكانزمات داخلية تضمن له شروط التماسك اللغوي واالنسجام الداليل، بينما اخلطاب يقتضي

. با ومخاطبا ولو على سبيل االفتراض وظروف ومعطيات ختص عملية إنتاجهمخاط اللغوي وبالتايل استطاع أن حيتلإن اخلطاب مرتبط بظروف تداوله : وبصفة أدق

. اخلطاب مركزا مهما يف صلب نظرية التواصل ومقوالا الكربى

:من حنو اجلملة إىل حنو النص-2

:اسات البحث يف اللسانيات النصية واخلطابيةإره-1.2

لباحث املتفحص يف الدراسات اللغوية الغربية أن االهتمام كان منصبا لينكشف حول اجلملة، حيث ألقيت جل املقاربات حوهلا باعتبارها أساسا للوصف والتحليل

هتمام باجلملة إىل والدراسة، إىل أن حدث منعطف غير من اجتاه هذه الدراسات من االوربما ميكن القول أن البوادر األوىل هلذا االجتاه كانت من . اخلطاب/االهتمام بالنص

Discoursيف مؤلفه حتليل اخلطاب Z. Harissإسهامات الباحث اللغوي هاريس

Analysis 1952ن هذا املؤلحيث تضم ،را أفق الدراسات اللسانية احلديثة فدراستني غي .)1(دميه أول حتليل منهجي خلطابات ونصوص بعينهابتق

استخدم هاريس يف هذه املقاربة بعض اآلليات وامليكانزمات استلهمها من وقصر فيه Structure of the textاللسانيات الوصفية دف الوصول إىل بنية النص

)1 .18ينظر سعيد حسن البحريي، علم لغة النص، املفاهيم واالجتاهات، ص )

Page 46: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

32

بني اللغة الدراسة على اجلمل والعالقات فيما بني أجزاء اجلملة الواحدة، والفصل :واملوقف االجتماعي ومنه اعتمد منهجه يف حتليل اخلطاب على ركيزتني

.العالقات التوزيعية بني اجلمل-

.)1(وقف االجتماعيالربط بني اللغة وامل-

) قبل هاريس(وبذا ميكن إرجاع اإلرهاسات األوىل لتأسيس لسانيات اخلطاب آنذاك يف الواليات املتحدة األمريكية يف مرتبطة باللسانيات التوزيعية اليت كانت سائدة

الذي كان ينظر إىل اجلملة L. Bloomfieldبداية الستينات، ومن أقطاا ليونارد بلومفيلد ، وعليه فإن جمال حتليل )2(بوصفها وحدة ممكنة ال خترج عن إطار املسند واملسند إليه

اإلجرائية واآلليات هاريس ومنطلقاته ال تبتعد عن تلك األدوات. اخلطاب عند ز :والتصورات التي كانت حتلل ا اجلملة، حيث تتمثل هذه املنطلقات يف مبدأين مها

.توسيع حدود الوصف اللساين إىل ماهو خارج اجلملة-

.دراسة العالئق املوجودة بني اللغة والثقافة واتمع-

ة من اجلمل تكون ملفوظ طويل، أو متتالي"ومنه فإن اخلطاب وفق تصور هاريس جمموعة منغلقة، ميكن من خالهلا معاينة بنية سلسلة من العناصر بواسطة املنهجية

، وباإلضافة إىل االغتراف من )3("التوزيعية وبشكل جيعلنا نظل يف جمال لساين حمضاملنهج التوزيعي، اعتمد هاريس يف حتليله على سياق النصوص ونقل ما يتصل بتحليل

إىل املستوى اجلديد للنص وحاول ) التقطيع والتصنيف والتوزيع(ويا ي بناجلملة حتليال

)1 .65/66، ص 1998ينظر مجيل عبد ايد، البديع بني البالغة العربية واللسانيات النصية، للهيئة املصرية العامة للكتاب، ) )

2 .80، ص 1987أنور املرجتي، سيميائية النص األديب، إفريقيا الشرق، املغرب، : ينظر ))

3 .28سعيد يقطني، حتليل اخلطاب الروائي، ص : ينظر)

Page 47: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

33

لقد توسع هاريس يف .وي للنصوصيبواسطة إجراءات شكلية أن يصل إىل توصيف بنبعض األفكار التي تعود إىل سوسري الذي رأى أن اجلملة عبارة عن تتابع من الرموز،

، هلذا فكل رمز داخل اجلملة يرتبط مبا قبله وأن كل رمز يسهم بشيء من املعىن الكلي . )1(وما بعده

قدمت حتليالت "واحلقيقة أن املقاربات التي انبثقت من دراسات حنو اجلملة قد جزئية مهمة لبعض اجلوانب اخلاصة بالعالقات بني أجزاء اجلملة واملتواليات اجلملية،

..." وأشكال السياقات والدالالت اخلاصةوشروط الفصل والوصل، ومعاين األساليب إال يف إشارات دقيقة يف العالقات الداللية العميقة التي تربط بني اجلمل واملتواليات

ورأوا كذلك أن كثريا من الظواهر التركيبية مل تفسر يف إطار حنو اجلملة تفسريا . اجلمليةوصف إىل احلكم على هذه الظواهر يف إطار كافيا مقنعا، وأنه رمبا تغريت احلال إذا اجته ال

.)2("وحدة أكرب من اجلملة، وميكن أن تكون تلك الوحدة هي النص

علم اللغة؛ بالتصدي لدراسة النصوص بوهكذا انطلقت األحباث املتعلقة واخلطابات وحتليلها، قد كانت هذه املقاربات تسري سريا خيالف يف بعض متظهراته خطى

صفية التقليدية، كالتخلي على شرط االعتماد على اللغة املنطوقة دون اللسانيات الواملكتوبة حبجة أن املنطوقة هي التي متثل الطبيعة اجلوهرية للغة، وكان من بني الرواد الذين

على كان باع طويل يف هذا التصور اجلديد هاريس الذي شكك بقدرة علم اللسانقد الدراسات املرتبطة باال اللغوي باعتبار أن علم اللسانجتنب الكالم املكتوب يف

ين أيضا باجلملة املنطوقة ولكنه تناسى وجود مجلة طويلة، وال متناهية، يعجز النحو ع

)1 .20يد حسن البحريي، علم لغة النص، املفاهيم واالجتاهات، ص سع: ينظر) )

2 .134املرجع نفسه، ص )

Page 48: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

34

وحده عن استلهام قواعدها ما مل يعتمد على الكتابة التي تفرض علينا ) حنو اجلملة( .)1(دراسة النص

يف هذا اال بالذات جيب ذكر حقيقة مفادها أن ظهور اللسانيات النصية واخلطابية ومقارباا ال يتعلق بإسهامات هاريس ونزعته التجديدية فقط، بل احلقيقة أنه

األحباث املرتبطة عجلةكانت هناك بوادر أخرى منذ القدمي أسهمت بدورها يف دفع ا اال يذكر الباحث إبراهيم خليل يف كتابة املوسوم اخلطاب وطبيعته، ويف هذ/ بالنص

يف اللسانيات وحنو النص جمموعة من املدارس والعلماء واالختصاصات عرب التاريخ : بـمسار الدراسات املتعلقة باملقاربات اللسانية حنو الذين كان هلم دور طالئعي يف التوجه

:بطبيعة اخلطابات والنصوص، نذكر منهم

، التي قامت على التطرق إىل مسائل وقضايا تتعلق Quintilianنتليان جهود كو- .بالتنظيم الداخلي للنص كاملوضوع والفصاحة والرشاقة واملالئمة

الدور الكبري الذي لعبه األسلوبيون يف دراسة االختيارات اليت يلجأ إليها الكتاب - .يف كتابة نصوص حمددة

جتهت صوب وصف النصوص وحتليلها، وحتديد اإلجنازات البالغية التي ا- .وظائفها الكثرية والكشف عن الترابطات القائمة يف اخلطابات وعالقاا الداخلية

Malinowiskyاجلهود التي صدرت من لدن األنثروبولوجيني مثل مالينوفسكي -تفكيك وأتباعه، حيث كانت إسهامام مبنية على Straussوفالدميري بروب، وستراوس

الرموز للوصول إىل األسس املؤثرة يف منح الناطق إمكانات لصنع نصوص لالتصال بني .األشخاص

)1 .187، ص 2007، األردن 1إبراهيم خليل، يف اللسانيات وحنو النص، دار امليسرة، الطبعة : ينظر )

Page 49: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

35

.إسهامات فقه اللغة الذي محل مساع خيرة يف البحث عن علم لقواعد النص-

براغ علماء الذي طور Henri Weilإسهامات الفيلولوجيني، مثل هنري قايل - .صلة بني مجلتني أو أكثر يف النصتصوراته املتعلقة بعقد ال

اجلادة يف وصف األنظمة الداخلية 1968حماوالت الباحث اللغوي هارفنغ -للنصوص، من خالل التركيز يف مقارباته على بعض العالقات اليت تشمل عليها النصوص

.مثل عالقة اإلحالة وعالقة االستبدال

ومسائل ترتبط بترتيب يف قضايا ) Heidolph )1960إسهامات هايدولف - .الوحدات األساسية يف اجلملة أو يف جمموعة من اجلمل

استغالل متخصصي الدراسات االجتماعية لعلم اللغة للكشف عن املبادئ اليت -تتحكم يف إنتاج النصوص، حيث اختذت هذه الدراسات أنظمة احلوار واملخاطبات مادة

يف األخري إىل ظهور نوع جديد من الدرس خصبة للمقاربات واألحباث، وهو ما أدى .)Discource Analysis )1األلسين يعرف بتحليل اخلطاب

وبالتايل عدة هذه اجلهود واإلسهامات مبثابة منعطفات ألسنية محلت يف طياا / أسباب ودوافع ضرورة توسيع أفق الدراسات إىل مساحة أرحب هي مساحة النص

هذه اجلهود مبثابة إرهاسات اإلرهاسات للبحث اللساين ميكن اعتبار أياخلطاب، .النصي واخلطايب

ومما الشك فيه أن هذا االجتاه اجلديد قائم على مبادئ وخصوصيات مربوطة اجلديدة من ضرورة -األلسنية–بوثاق غليظ مع ما ذهبت إليه التصورات الفكرية

عنايتها إىل اجلملة؛ جاعلة منها فضاءا التخلي عن الدراسات التقليدية، اليت كانت توجه

)1 .وما بعدها 185إبراهيم خليل، يف اللسانيات وحنو النص، ص : ينظر )

Page 50: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

36

مبسوطا لألحباث والدراسات واالرتقاء إىل مستوى أرحب وأوسع خيرج من صلب ويف هذا السياق كان يرى ديبوجراند أن اللسانيات مطالبة بضرورة . احلياة االجتماعية

النشاط اإلنساين ال متابعة األنشطة اإلنسانية يف التخاطب، إذ أن صميم اللغة الطبيعية هو . )1(يتسنى له حتقيق اإلفهام املقبول يف إطار اتصال مزدوجل

كما كان لظهور لسانيات النص ارتباطا وثيقا بالنظرية التوليدية التحويلية التي اكانت ترى أن االستعمال اللغوي غري قابل للتحديد، وظهر ذلك من خالل تركيزه

على الوصف العملي بني التركيب اللغوي واخلصائص الفكرية، حيث قام بتجزئة ، واعترب أن جمال acceptabilitéواملقبولية Grammaticalitéالظاهرة اللغوية بني النحوية

، وأن جمال دراسة املقبولية متعلق مبجال )أي اجلملة(الدراسة النحوية يتعلق مبجال القدرة ويف هذا الطرح داللة صرحية وواضحة على وجوب فتح . )2()اخلطاب/النص(اإلجناز

النصوص واخلطابات املرتبطة بدورها بسياقاا وحتليل آفاق دراسية تعمل على وصفوبالتايل ميكن عد هذه اآلراء نقطة حتول داعية إىل أمهية . والظروف التي أنتجت فيها

ى اجلملة إىل مستوى النص والربط بني اللغة ممثلة مستو من جتاوز الدراسات اللغوية .)3(بالنصوص واخلطابات واملوقف االجتماعي، مشكلني بذلك اجتاها جديد

، Hallidayهاليداي نلفيومن بني العلماء الباحثني الذين ساروا وفق هذا التصور غة ظاهرة حيث بىن رؤيته وفق نظرة خمالفة تفنيدية للرؤى التقليدية مفادها أن الل

اجتماعية وأن أدوات التعبري عن املعاين خمتلفة متباينة استنادا إىل تنوع الثقافات كالرسم، اخل، ذلك أن تصوره مبين ومنصب على دراسة اللغة يف عالقاا ...والنحت واملوسيقى

الفة، حوث اللغوية السبوهو األمر الذي كان غائبا يف ال بالبنيات االجتماعية املختلفة،

)1

، 1998متام حسان، عامل الكتب، القاهرة، الطبعة األوىل، : تر. ديبوجراند، النص واخلطاب واإلجراءروبرت : ينظر) .126ص)

2 .81/82ينظر حممد الشاوش، أصول حتليل اخلطاب يف النظرية النحوية العربية، تأسيس حنو النص، ص ) )

3 .22ص دار صادر، القاهرة، النصية،مجيل عبد ايد، البديع بني البالغة واللسانيات : ينظر)

Page 51: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

37

وذا فإن الفهم الصحيح للغة كنظام يستدعي ضروريا فهم واستيعاب الطريقة التي تعمل ا النصوص أي االنتقال من االهتمام مبستوى اجلملة إىل االهتمام مبستوى

.)1(النص

يفرض بالضرورة إعداد ) من مستوى اجلملة إىل مستوى النص(إن هذا االنتقال القواعد ن قواعد داللية ومنطقية إىل جوارواآلليات املستمدة م جمموعة من الفعاليات

التركيبية قصد حتقيق حتليل ووصف سليم للنصوص واخلطابات والوصول إىل صياغات ألبنية النصية وقواعد ترابطها، ومن بني الظواهر النصية املختلفة التي عين ا لكلية دقيقة

عالقات التماسك النحوي النصي، وأبنية : لنصالدرس اللساين يف دراسته لنحو االتطابق، والتقابل، والتراكيب احملورية واتزأة، وحاالت احلذف وغري ذلك من الظواهر

.)2(التي خترج عن جمال اجلملة

إن توسيع جمال الدراسة إىل جمال أوسع خيص النص ككل والعالقات الرابطة بني اجلمل مشكل له أدى إىل تفنيد التصورات الكالسيكية املرتبطة بدراسة اجلملة والتي

والداللية كما أدى ) النحوية(تبعث يف املستويات األربعة الصوتية والصرفية والتركيبية ) حنو اجلملة(إىل جمال أرحب وأوسع يتجاوز جمرد اإلعداد ملبادئ القواعد االنتقالإىل

إىل دراسة عبارات اللغة يف كليتها ودراسة األشكال والبىن اخلاصة ا والتي تستعصي مهمة حنو "وتظهر أحقية ومصداقية هذه الفكرة كون أن . )3(على دراسات حنو اجلملة

ياغة القواعد التي متكننا من حصر كل النصوص النص كما يرى فان ديك هي صيعد الذي النحوية يف لغة ما، ومن تزويدنا بوصف لألبنية، ومثل ذلك النحو النصي

)1 .85/86، جامعة عنابة، اجلزائر، ص2005جوان 14بشري إبرير، من لسانيات اجلملة إىل علم النص، جملة التواصل، ع: ينظر) )

2 .39، ص 2001أمحد عفيفي، حنو النص، مكتبة زهراء الشرق، جامعة القاهرة، : ينظر ))

3 .139، ص 2004منذر عياشي، العالماتية وعلم النص، املركز الثقايف العريب، الطبعة األوىل بريوت، لبنان، : ينظر )

Page 52: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

38

إعادة تشكيل شكلية للثروة اللغوية لدى مستعمل اللغة وإنتاج عدد ال ائي من .)1("النصوص بصورة حمتملة

األلسين والدة لسانيات النص التي أخذت وقد اجنر عن هذا املخاض الفكري على عاتقها دراسة النصوص وحتديد مميزاا ومدى متاسكهما واتساقها والبحث عن

، وبذا فإن ميدان اللسانيات النصية متشعب من حيث )2(حمتواها اإلبالغي التواصليد النحوية الوظيفة؛ فباإلضافة إىل كونه خيتص بدراسة اجلملة من حيث الشكل والقواع

واملبادئ اليت حتكمها، فإنه يركز كذلك يف أحباثه على العالقات القائمة بني جمموع وما حيمله من معطيات Extra linguistiqueاجلمل املكونة للنص والسياق غري اللغوي

.تساعد على الوصف السليم للخطابات وفهمها

تسب إىل لسانيات النص هي غري أنه جيب التنبيه يف هذا املقام أن أهم مقولة تنالنصية، حيث حتتل هذه األخرية موضعا مهما، ألا تقوم على حتديد واكتشاف األبنية

اخلطاب / اللغوية وكيفية متاسكها، كما تلقي مقارباا على الكيفيات التي جتعل النص عليه يكون هذا و. )3(وغري ذلك مما جيعل النص منظما.. يتمتع باالنسجام والتماسك

املفهوم مبثابة الضابط واملؤشر يف حتديد النصوص عن غريها، أي البحث عن املبادئ التي .اخلطاب/ جتعل من عبارات معينة يف سياقات معينة حتمل مصطلح النص

)1 .157سعيد حسن البحريي، علم لغة النص، املفاهيم واالجتاهات، ص ) )

2أمحد مداس بن عمار، حتليل اخلطاب الشعري من منظور اللسانيات النصية، حتوالت اخلطاب النقدي املعاصر، كلية : ينظر)

.425، ص 2006اآلداب، جامعة الريموك، عامل الكتب احلديث، األردن، )

3 .495املرجع نفسه، ص : ينظر)

Page 53: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

39

وقد قام ديبوجراند بتحديد معايري النصية، التي مل تشمل عليها تصورات هاريس رها أطروحات عجزت عن حتديد موقف حمددا من النصوص غري والتوليديني، باعتبا

:)1(يةالنصوص، وأهم هذه املبادئ النصان النحوية واختالف األساليب داخل

يف البنية ) النحوي(وهو ذلك الترابط الرصفي :Cohésion) اإلتساق(احلبك - .السطحية، أي متعلق باجلانب النحوي وما يرتبط باإلحالة والربط وغريه

وهي العملية التي يتم ا ربط األفكار داخل :Cohérence) اإلنسجام(احلبك - النص، مبا يف ذلك الربط املنطقي لألفكار اليت تعمل على تنظيم األحداث يف بنية

.اخلطاب

وهو التعبري عن غرض النص بواسطة جمموعة من :Intentionnalitéالقصد - .الصيغ والعبارات

وترتبط بالسياق الثقايف واالجتماعي الذي أنتج فيه : Situationalitéاملقامية - .النص، ويساهم يف رفع اإلام عن داللة وقصدية الباث

وهو ذلك التالقي واالشتراك بني النصوص السابقة :Intertextualitéالتناص - .والالحقة

يا ويقتضي هذا املفهوم وجود قدرا إعالميا وإخبار: Informativeاإلخبارية - مطروحا يف ثنايا اخلطاب

)1 .103متام حسان، ص : روبرت ديبوجراند، النص واخلطاب واإلجراء، تر: ينظر)

Page 54: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

40

ويتحقق من خالل املتلقي من خالل إظهار رأيه :Acceptabilitéاالستحسان - ، كما ميكن أن يكون غري )مفهوما(اخلطاب مقبوال / للنص، إذ ميكن أن يكون النص

.مقبول

مرتكزة على هداف املسطرة للسانيات النصيةويف األخري بقي أن نذكر أن أهم األييد علم يؤطر النص بوصفه وحتليله واكتشاف وظائفه وما إىل ذلك من املقاربات اليت تش

تنم بصلة ما مع النصوص واخلطابات، وهو نفسه تصور فان ديك الذي يعترب أن وذلك انطالقا من مظهرين اثنني " علم النص"اللسانيات النصية واخلطابية تسعى لبناء

) Phonétiqueالصويف (لداخلي يتمثل يف املستويني ، فاملظهر ا)داخلي وخارجي(ل يف السياق االجتماعي ، أما املظهر اخلارجي فيتمث)Syntaxiqueالتركييب (و)Socioculturelle ( ة أعين تراكيبها "ذلك أنبأنساق اللغة الطبيعي تم النظرية اللسانية

أنشطتها الثقافية ووظيفتها املتحققة أو املمكنة التحقق وتطورها التارخيي ومبختلفاتمعية وأسسها املعرفية، من شأا حتديد نوع السلوك اللغوي كما يظهر هو ذاته يف

إن العلم : ، مبعىن آخر)1("استعمال العبارة الكالمية اللفظية يف كل موقف ومقام تواصليدا كبريا على نظريات يعتمد اعتما) وهو علم النص(الذي تسعى إليه اللسانيات النصية

التواصل كون أنه يلقي مقارباته على السلوكات اللغوية وعالقاا مبقتضى احلال يف إطار السياق التواصلي، مما يقودنا مباشرة إىل النظرية التداولية وقواعدها التي حتمل على

هذا ما سوف . اعاقتها حتديد كيفية االستخدام املنظم للكلمات والعبارات املتلفظ .نتعرض إليه يف الفصل الالحق من هذا البحث

)1، 2000عبد القادر قنيين، إفريقيا الشرق، ط : فون داجيك، النص والسياق، استقصاء البحث يف اخلطاب الداليل، تر ) .17ص

Page 55: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

41

:العالقة بني لسانيات اجلملة ولسانيات النص-2.2

إن من أهم األسئلة التي نلفيها تفرض نفسها بقوة يف هذا املضمار، هي تلك ساين التساؤالت التي شابت عقول العلماء والباحثني اللغويني املهتمني حبقل التحليل الل

إن سؤاال . واملتعلقة برصد ووصف العالقة الرابطة بني لسانيات اجلملة ولسانيات النص؛ إىل معاينة واكتشاف أهم -وبطريقة عري مباشرة–دنا قويف مثل هذا التعقيد قد ي

).لسانيات اجلملة ولسانيات النص. (اخلصوصيات التي قامت عليها كال الدراستني

السهل اهلين، بل حنسبه من األمور واملسائل الصعبة ولكن هذا ليس باألمر املستعصية خاصة يف حتديد العالقة القائمة بينهما من جهة التحامهما أو انفصاهلما، وأننا إذا منحنا أولوية للنص على حساب اجلملة من حيث التضمن واالحتواء نكون قد أقصينا

عال يف فتقوم بدور ) يف بعض متظهراا( صيات واملميزات التي جتعل اجلملبعض اخلصوفماهي العالقة التي . ، والعكس صحيحترصيص األجزاء املهمة اليت يتشكل منها النص

بني لسانيات اجلملة ولسانيات النص هل هي عالقة انفصال أو اشتمال؟ وهل معجت تشتمل اجلملة على النص أو النص على اجلملة؟

نلفي جمموعة من الدارسني الذين كانوا ينظرون إىل اجلملة :االنفصال-1واخلطاب بوصفهما كيانات متباينة من حيث املاهية والتصنيف الشكلي، ومن بني

GOPNIK قوبنيك العلماء الذين كان هلم دور فعال يف تثبيت وتعميق هذا التصور نلفيانيات النص باعتبارمها بوجوب الفصل بني لسانيات اجلملة ولس"الذي كان يطالب

يف هذه داللة صرحية و )1("إال يف بعض الظواهر العامة Disjointsأمرين متقابلني منفصلني يرى أن هناك بعض Gopnikعلى تباين املفهومني وانفصاهلما من حيث املاهية إال أن

)1حممد الشاوش، أصول حتليل اخلطاب، يف النظرية النحوية الغربية، تأسيس حنو النص، املؤسسة العربية للتوزيع، الد األول، ) .100، ص 2001نس، تو

Page 56: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

42

كما يذهب القضايا التي حيسبها قابعة يف مفترق طرق لسانيات اجلملة ولسانيات النص، ويعين )1("أن بناء النحو املناسب للجملة يكون رهني بناء حنو النص"إىل هذا الباحث

النص واجلملة ال ينتميان إىل نفس اإلطار والشكل بل إىل شكلني خمتلفني، ذا أن القول أن وبالتايل نستلزم أنه ال ميكن القول أن أحدمها متولد من اآلخر، وينجر عن هذا الطرح

اجلملة متثل عنصرا واحدا مقارنة مع النص الذي يبدو من خالل هذه الرؤية أنه حيتل دور .اموعة

وينبثق من هذه الزاوية تصورين متعاكسني، أحدمها يرتكز على : االشتمال-2اشتمال حنو النص على حنو اجلملة، أي أن كل ما ينتمي إىل لسانيات اجلملة فهو ينتمي

إىل " Wirrerيف موضوع لسانيات النص، لكن العكس غري صحيح فقد ذهب ) ضرورة(وهو نفسه )2("أن كل ما كان من حنو اجلملة فهو جزء من حنو النص وال ينعكس

من احتواء حنو النص على حنو Van Dijkالتصور الذي ذهب إليه الباحث فان ديك مفادها استيعاب اجلملة للنص من منطلق أما التصور الثاين فهو يرسو على فكرة. اجلملة

تقدير أفعال يف البنية العميقة أي أن مفهوم فعل القول هو املنطلق األساسي يف هذا يف -بناءا على التقدير–وال مناص من التذكري يف هذا اال أن فعل القول يقع . االجتاه

.)3(بداية كل مجلة أو نص وبالتايل يصبح للنص حمل يف اجلملة

ولعلنا نبتعد من احلقيقة، إذا أقررنا يف هذا املقام أن العالقة الكائنة بني لسانيات اجلملة ولسانيات النص هي عالقة متوترة وحدود متحولة، فإذا صحت عالقة اشتمال النص على اجلملة أبطلت مصداقية العالقة القائمة على انفصال الواحد عن اآلخر

ه ملن اخلطأ اعتبار الشيء جزءا من آخر ومقابال له يف آن واحد والعكس بالعكس، إذ أن

)1 .100املرجع السابق، ص ) )

2 .100املرجع نفسه، ص ) )

3 .101املرجع نفسه، ص : ينظر )

Page 57: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

43

ألن ذلك يدخلنا يف تناقض رهيب، ولكن األمر الظاهر الذي ال ينبغي العزوف عنه يف أن هذا احلقل اللساين ؛عملية حتديد العالقة الكائنة بني لسانيات اجلملة ولسانيات النص

يقوم على معاجلة ما عجزت عنه لسانيات عويضياقل تاألخري يلعب دورا تكامليا أو لناجلملة خاصة يف مسألة اعتمادها الكلي على الوصف التركييب وما نتج عنه من إخفاقات

األمر الذي نتج عنه مطالبة عدة علماء وباحثني . يف تفسري أنواع شتى من البىن اجلمليةوتايلر 1974ورومتفايت 1976وجيقوف 1979وكرايد 1976لغويني كالباحث كونو

إعادة النظر يف كل قيد من القيود التركيبية الرئيسية من وجهة نظر "إىل ضرورة 1978 . )1("وظيفية

اخلطاب، / ويعين هذا التصور اجلديد حتديد القيمة الوظيفية لكل عنصر يف النص يقوم ا أو الغرض الذي يرمي يهتم بالوظيفة التي"باعتبار أن التحليل السليم للخطاب

إليه عنصر ما من املادة اللغوية، وكذلك بالكيفية التي تعاجل ا تلك املادة سواء من قبل وكنتيجة طبيعية لذلك، سيهتم حملل اخلطاب بنتائج التجارب اجلارية . الباث أو املتلقي

حنو ال جند مثله لدى حناة لفهم عملية املعاجلة للسانية النفسية للخطاب وذلك علىكما ينتج عن ذلك أيضا أن أعمال أولئك اللسانيني االجتماعيني واألثنوغرافيني . احلملة

وهو ما )2("الذين حياولون دراسة اللغة من حيث أغراض استعماهلا ستكون مهمة كذلكانيات اجلملة كوين الذي متيزت به املقاربات املتعلقة بلسسمل يكن مطروحا يف التصور ال

اليت تعاملت مع اجلمل النسقية املبثورة عن سياق تلفظها والبعيدة كل البعد على أغراض .استعماهلا

وهكذا اتخذت لسانيات النص لنفسها سبيال يقوم على سد النقائص اليت تعلقت وتعويض عجزها بإدخال بعض املعطيات اجلديدة التي ختص األهداف اجلملة بلسانيات

)1 .31، ص 1997ول، حتليل اخلطاب، ترمجة حممد لطفي الزليطي، منري التريكي، دار النشر واملطابع، ي. ج. ب براون.ج) )

2 .31املرجع نفسه، ص )

Page 58: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

44

ملرجوة من الدراسات األلسنية وآليات وميكانزمات تعمل على املقاربة احلقيقية اوالتحليل السليم للنصوص واخلطابات، إنها بوضوح وجهة تأخذ الدراسات اللغوية املهتمة باحلقل األلسين إىل مقاربات تتخذ من الوظيفة التواصلية للغة اال واملنطلق

بإدخال جل العناصر الرئيسية واألطراف املهمة يف األطر ذلك وقد مت. األويل لبحثهاالتواصلية كالباث والرسالة وآليات فهم الرسالة التي يقصدها البحث يف ظروف وسياقات معينة يف مقامات حمددة، وبالتايل فإن حنو النصوص يسعى إىل وصف الشكل

يلة حركية دينامية للتعبري املعىن اللغوي، ال من حيث هو شيء ساكن، وإنما بوصفه وسرنا هذا الطرح إىل استحضار مبادئ حنسب أا كفيلة بلعب دور الضابط جيو. املقصود

املنظم الشتغال هذه املعطيات واإلجراءات اجلديدة املرتبطة بدراسة النصوص وحتليلها، من خالهلا حتديد ماهيتها إنها النظرية التداولية التي سنعرض هلا فصال خاصا ا، نعرض

.وأطرها وآلياا الكربى وطريقة اشتغاهلا وهي تتعامل مع اخلطابات واملدونات النصية

:اتساق النص وتنظيمهمتظهرات -3

:االتساق عند هاليداي ورقية حسن-1.3

Requiya Hasenو M.A.K. Hallidayلقد كانت أحباث هاليداي ورقية حسن سائل واآلليات التي تسهم يف اتساق النص الوعن اربات مهمة يف جمال البحث مبثابة مق

وبالتايل . وانسجامه، وذلك من خالل النصوص واخلطابات التي تتجاوز حدود اجلملةتعد إسهاماما مبثابة القوة الدافعة التي أخرجت الدراسات التقليدية املنغلقة على حنو

ت التي يتماسك ا النص اجلملة إىل مستوى أرحب وأوسع قوامه البحث عن الكيفياوسوف نعمد يف هذا . والكشف عن اخلصائص اليت جتعل من عينة لغوية نصا) االتساق(

اال على تسليط الضوء على أهم ما جاء به هذان الباحثان يف تصورمها ملظاهر االتساق

Page 59: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

45

ا يف كتانة ما نصة معيما وشروطه واآلليات واملعطيات اليت جتعل من مقاطع لغوي .Cohesion in Englishاالتساق يف اإلجنليزية

أول ما شرع به هذان الباحثان يف هذا املؤلف هو وضع فصل حقيقي بني الكل الشق األول متعلقا بالنص كما اعترب /، حيث اعترب )1(اجلمل غري املترابطةاملوحد وبني

الشق الثاين مرتبطا بالالنص، جاعلني للمتكلم السلطة للحكم على أي مقطع بأحد /إما أنه يشكل كال موحدا، وإما أنه جمرد مجل غري مترابطة، مما ينجر عنه فكرة : األمرين

ن االتساق ميثل شرطا أساسيا للتعرف على ماهو نص، وعلى ما ليس جوهرية عمادها أنصا، ومن مث كان اهلدف العام من هذا البحث هو الكشف عما مييز النص عن متتالية

:)2(ميكن توضيح تصور الباحثني بالشكل التايلومكونة من مجل غري مترابطة،

ويف نفس الوقت فإن اجلمل ماهي إال . دة دالليةاعترب الباحثان أن النص وحوسيلة يتحقق ا النص الذي يفترض وجود عدة وسائل لغوية تسهم يف خلق النصية اليت

ص ومن بني القواعد النصية العامة التي متنح روح الن. )3(تعطي للنص وحدته الشاملةة؛ نلفي ما طرحه للعبارات واملقاطع الكالميGenot:

العطف، ومحل إرجاع ما كون منه مجلة واحدة إىل مجلتني على التأكيد"

)1 .12، ص 1991، )1(الطبعة (لسانيات النص، مدخل انسجام اخلطاب، املركز الثقايف العريب حممد خطايب، : ينظر) )

2 .12املرجع نفسه، ص )

)3 . 13حممد خطايب، لسانيات النص، مدخل إىل انسجام اخلطاب، ص )

املرسـل

1مقطع لغوي

2مقطع لغوي

نـص كل موحد

ال نص مجل غري مترابطة

خصائص مميزة وسائل لالتساق

Page 60: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

46

لكن إال، : مثل(الربط مبختلف األدوات اليت ال تصلح إال للربط بني اجلمل - ..) [...].أن

.استعمال طرق التعيني وباخلصوص ما قام منها على التعريف-

[...].اإلحاالت النصية -

خطية اخلطاب وسننه ذكر الشيء الواحد مرات عديدة تقتضي : اإلضمار-"[...])1( .

يستعمل "كما يفرق الباحثان بني اإلتساق وبنيه اخلطاب، باعتبار أن اخلطاب بينما يأخذ االتساق على عاتقه معاينة " اإلشارة إىل وحدة مفترضة أعلى من اجلملةجمموعة من اإلمكانيات التي تربط يشري إىل "العالقات اليت يتضمنها خطاب معني أي أنه

فإن ما يهمنا هو [...] ومبا أن هذا الربط يتم من خالل عالقات معنوية . بني شيئنيأي الوسائل الداللية املوضوعية دف خلق : العالقات املعنوية اليت تستغل ذه الطريقة

مثال ةلفقروعليه ال ميكن أن تعترب بعض الوحدات األعلى من اجلملة كا )2("النصتساوي يف مفهومها مفهوم االتساق، ألن هذا األخري يتوجه إىل معاينة واكتشاف

.ودراسة العالقات املعنوية الكائنة بني وحدات لغوية يف نفس البناء اللغوي

يأخذ ن مفهوم االتساق عند هذان املؤلفانأ ا هو جدير بالذكر يف هذا املقاموممل االعتماد على العالقات املعنوية املطروحة يف أركان النص وهو مفهوما دالليا يعتمد كيف النص عند تأويل عناصر ن به النص نصا، كما حيصل االتساقيف نفس الوقت ما يكو

تأويل أجزاء أخرى، إذ ال يتحقق التأويل السليم لألجزاء باالعتماد على وأجزاء يف النص

)1 .103حممد الشاوش، أصول حتليل اخلطاب يف النظرية النحوية العربية، ص ) )

2 .16لسانيات النص، ص حممد خطايب، )

Page 61: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

47

باالعتماد على تأويل أجزاء أخرى يف نفس والعناصر املنتشرة على طول النص إال .)1(النص

اهر التي ميكن هلا أن االتساق جزءا من نظام اللغة، وأن الظو كما اعترب املؤلفانعلى مستوى النص هي نفسها الظواهر التي تعمل يف طيات اجلملة، حتقيق االتساق

وتوازيا مع ذلك اعتربا أن حتقيق االتساق مرهون بتجاوز حدود اجلملة الواحدة إىل ، كون أن جريان الظاهرة داخل اجلملة خيضع لضغوط )يشمل النص(مستوى أوسع

.)2(ضع ملثل تلك الضغوطنظامية، خبالف جرياا خارج حدود اجلملة؛ إذ ال خت

مفهوما دالليا صدد، أنه زيادة على كون االتساقوينبغي اإلشارة والتنبيه يف هذا الخيضع للعالقات املعنوية، إال أنه ال يتم يف املستوى الداليل فحسب، وإمنا ميتد ليشمل مستويات أخرى كالنحو واملعجم، ويستمد هذا الطرح منبعه من تصور الباحثني الذين

املعجم – ، والنحو)املعاين(الداللة : مثلنظروا إىل اللغة كنظام يشتمل على أبعاد خمتلفة وهذا يؤدي بنا رأسا إىل القول أن املعاين تتحقق ). التعبري(والصوت والكتابة )األشكال(

الشكل التوضيحي بوميكن أن نسوق هذه الرؤية . كأشكال، واألشكال تتحقق كتعابري .)3(التايل

)1 .124حممد الشاوش، أصول حتليل اخلطاب، ص : ينظر ) )

2 .124املرجع نفسه، ص : ينظر ))

3 .15ينظر حممد خطايب، لسانيات النص، مدخل إىل انسجام اخلطاب، ص )

)النظام الداليل(املعاين

)املعجمي، النحو واملفردات-النظام النحوي(الكلمات

)النظام الصويت واملفردات(الكتابة / األصوات

Page 62: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

48

وهكذا نستخلص من هذا الشكل املوضح أعاله إكتمال السلسلة، حيث انتقلت مستوى املعاين إىل مستوى الكلمات، ومن مستوى الكلمات إىل مستوى األصوات، من

وأمام هذا املقتضى التصوري الذي انبثق من هاليدي ورقية حسن فإن االتساق ميتد ليشمل ماهو غري حنوي أي إىل نطاق املفردات، وعليه ميكن احلديث عن االتساق

.املعجمي على غرار االتساق النحوي

:بالنسبة لألدوات التي يعتربها الباحثني بأا كفيلة لتحقيق االتساق فهي أما

وهي جمموعة من العناصر التي تفرض على املتلقي :référenceاإلحالة -1معرفة مرجع معين كالضمائر وأمساء اإلشارة، وأدوات ) احمللل/ الناقد/ للقارئ/ السامع(

.وتنقسم اإلحالة إىل ضربني )1(ذه العناصروهذا عند حماولته تأويل ه) املقارنة

.ويتجلى دورها عند اإلحالة على خارج النص: exofora اإلحالة املقامية- أ

وهي مرتبطة باإلحالة على عناصر يتضمنها النص :endoforaاإلحالة املقالية -بوإحالة مقالية Anaphoraإحالة مقالية قبلية : وتنقسم هذه اإلحالة بدورها إىل نوعني

ويعترب هاليداي ورقية حسن أن هذا الضرب املتمثل يف اإلحالة . Cataphoraبعدية املقامية ال ينطوي على دور يف حتقيق اتساق النص، عكس اإلحالة املقالية اليت حتقق

. )2(ترابطه واتساقه

ثان رمسا ولتبسيط هذا التصور املتعلق باإلحالة ونوعيها وتفرعاا، وضع الباح .)3(لطفيفنسوقه يف األسفل مع بعض التعديل اختطيطيا يوضح هذا التقسيم،

)1 .82، األردن، ص2003، )1(وبناء أخرى، عامل الكتب املدين، الطبعة ... عمر أبو خرمة، حنو النص، نقد النظرية: ينظر) )

2 .125حممد الشاوش، أصول حتليل اخلطاب، ص : ينظر) )

3 .17حممد خطايب، لسانيات النص، مدخل إىل انسجام اخلطاب، ص : ينظر)

Page 63: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

49

كما ) نصية(وبشكل عام ميكن القول أن اإلحالة تنقسم إىل مقامية أو مقالية نتفرغ هذه األخرية إىل قبلية وبعدية، ويذهب هاليداي رقية حسن إىل اعتبار اإلحالة

نتاج النص، ألن هذا الفرع من اإلحالة يربط بني إاملقامية فرع إحايل يقوم بدور فعال يف دور يف جمال اتساقه بشكل بغوية وسياق املقام، إال أا ال تقوم الوحدات والعناصر الل

التي تقوم بدور طالئعي يف اتساق النص وهذا ) املقالية(الف اإلحالة النصية مباشر، خب .)1(هو سر االهتمام البالغ ا من طرف الباحثني يف مؤلفهما االتساق يف اإلجنليزية

إىل إحالة من نوع آخر هو املقارنة، وتنقسم كما تتفرع اإلحالة حسب الباحثان عامة وتنقسم إىل فروع ثانوية، منها التطابق والتشابه واالختالف، : هذه األخرية بدورها

أما اخلاصة فهي كذلك تتفرع إىل إحاالت فرعية كالكمية والكيفية، وتقوم هذه .)2(ة كما أسلفنا الذكراإلحاالت بوظائف اتساقية كوا تتعلق باإلحالة النصية املقالي

)3(ويتم عند استبدال أو تعويض عنصر ما يف النص بعنصر آخر :االستبدال-2فهو فرق -حسب هاليداي ورقية حسن–أما بالنسبة للفرق بني اإلحالة واالستبدال

)1 .17املرجع السابق، ص : ينظر) )

2 .19ينظر املرجع نفسه، ص ) )

3 .82أخرى، ص وبناء ... عمر أبو خرمة، حنو النص، نقد النظرية: ينظر)

اإلحالة

)املقامية( إحالة إىل خارج النص

)املقامية(النصية إحالة إىل داخل النص

)إىل سابق( Anaphoraقبلية

)إىل الحق( Cataphoraبعيدية

Page 64: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

50

يرجع إىل املستوى الذي تعمل فيه كل ظاهرة، باعتبار أن االستبدال عالقة بالصيغ ملركبات واملفردات، وبالتايل فهو منغمس يف املستوى املعجمي النحوي، النحوية مثل ا

ميكن اعتبارها عالقة معنوية تشتغل ضمن نطاق املستوى : أما يف ما خيص اإلحالة :)1(الداليل، ويوضحان هذه الرؤية بالشكل التايل

د الشاوش هذا البناء التهلاليداي ورقية حسن ويصفه صنيفي يعارض الباحث حممفصال بني اإلحالة واالستبدال يف موضع ال ) املؤلفان(باملتكلف املفتعل ألن صاحباه

وإن "ليت ارتكز عليها تتمثل يف كون أن اإلحالة يوجب الفصل بينهما، وكانت حجته اكانت ظاهرة تتعلق بالداللة فإن هلا عمادا لغويا أي صيغ لغوية خاصة تتحقق ا

ونفس الشيء )2()"الضمائر وأمساء اإلشارة وألفاظ املقارنة اليت اعتربت خطأ اإلحالة(و والوحدات املعجمية فهي وإن كان ظاهرة تتعلق بالنح"فهو . بالنسبة لالستبدال

وعليه يصبح التفريق بني اإلحالة واالستبدال نوع )3("حمكومة أيضا بقواعد داللية معنويةإذ ميكن هلما أن ) حسب حممد الشاوش(من الضوضاء والعبث الذي ال معىن له

إذ ميكن لإلحالة أحيانا أن تكون ذات طابع حنوي، كما . يشتركان يف مساحات معينة .ميكن لالستبدال أن يكون ذو طابع داليل

)1 .132حممد الشاوش، أصول حتليل اخلطاب يف النظرية النحوية العربية، ص : ينظر) )

2 .132املرجع نفسه، ص ) )

3 .132ا ملرجع نفسه، ص )

املستوى اللغوي الذي تتم فيه نوع العالقة االتساقية

اإلحالة بما يف ذلك احلذف(االستبدال

يف املستوى الداليل يف املستوى النحوي

Page 65: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

51

:)1(وقسم املؤلفان االستبدال إىل ثالثة أنواع

Same, ones, one: استبدال امسي، ويتم باستعمال العناصر-أ

do: استبدال فعلي، وميثله استخدام العنصر-ب

Not, So: استبدال قويل، ويستعمل يف هذا النوع العنصران-ج

كيفية مسامهة االستبدال يف حتقيق االتساق؛ فيمكن القول أن أما بالنسبة إىل العالقة بني العنصرين املستبدل واملستبدل، وهي عالقة قبلية بني عنصر سابق يف النص "

فهذه األخرية جتعل . )2("ومن مت ميكن احلديث عن االستمرارية. وبني عنصر الحق فيهحث عن العنصر املستبدل يف اجلمل الالحقة، احمللل يلقي تركيزه يف الب/القارئ/السامع

.وهذا هو بالذات موضع حتقيق االتساق

لفي بعدا إتساقيا يف االستبدال، ويظهر هذا البعد نباإلضافة إىل ما سبق ميكن أن علقاا القبلية إذ صر املستبدلة إال بالرجوع إىل تعند استحالة فهم ما تعنيه بعض العنا

االسم أو الفعل أو القول الذي ميأل هذه الثغرة يف النص السابق، أي ينبغي البحث عن "أن املعلومات التي متكن القارئ من تأويل العنصر االستبدايل توجد يف مكان آخر يف

لكشف عن لوهو ما جيعل املؤول يعود إىل النصوص والعبارات القبلية )3("النص .ستبدلةاملعلومات اليت تساعده يف تأويل العناصر امل

افتراض عنصر، غري موجود يف النص، "وحتدث ظاهرة احلذف عند :احلذف-3واجلدير بالذكر يف هذا الصدد أن جريان تصنيف . )4("فيه؛ لداللة عنصر سابق عليه

)1 .20حممد خطايب، لسانيات النص، ص : ينظر) )

2 .20 املرجع السابق، ص ))

3 .20/21املرجع نفسه، ص ) )

4 . 82عمر أبو خرمة، حنو النص، نقد النظرية وبتاء أخرى، ص )

Page 66: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

52

يف حتقيق هاليداي وحسن ألنواع احلذف سار حسب الدور الذي يلعبه هذا األخريار الباحثان أن احلذف شأنه شأن االستبدال ظاهرة منطلقها االتساق النصي، إذ أش

النص، كما أن هذه الظاهرة تقوم على وجود العنصر احملذوف يف العبارات السابقة .)Anaphoric relation )1وبالتايل تأخذ موضعا يف صنف العالقة القبلية

التقسيمات التي وعلى أساس هذه الرؤية قسم الباحثان ظاهرة احلذف إىل نفس انقسم إليها االستبدال، أي إىل امسي وفعلي وقويل وقد دعما هذا التقسيم مبجموعة من

:)2(األمثلة

حذف إسم داخل املركبات اإلمسية مثل: يعين احلذف اإلمسي*Witch ha twill you weak – this is the best

)هذه هي األحسن -أي قبعة ستلبس؟ (

.يف اجلواب) the hat(فقد حذفت القبعة -

أما احلذف الفعلي فهو مرتبط باحلذف يف ثنايا املركب الفعلي مثل*Have you been swimming ? yes, I have

)نعم، فعلت-هل كنت تسبح؟ (

:والقسم الثالث فهو احلذف داخل شبه اجلملة مثل*How much does it cost ? five pound

)مخسة جنيهات –كم مثنه (

)1 . 135ينظر حممد الشاوش، أصول حتليل اخلطاب، ص ) )

2 .22ينظر حممد خطايب، لسانيات النص، مدخل إىل انسجام اخلطاب، ص )

Page 67: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

53

مهمة تسهم يف تنظيمية تنبع رؤية ال جمال للشك فيها أن لالتساق وظيفة وعليه، شأنه شأن املظاهر االتساقية نص لتجعله كالنسيج املتماسك والبنيان املرصوصترابط ال

األخرى السابقة كاإلحالة ولالستبدال، ولكن املظهر الكفيل بزرع حدود فصل بينه .)1("أثر عن احملذوف فيما يلحق من النص هو عدم وجود"وبني الوسائل األخرية

:الوصل -4

وهو من املظاهر االتساقية التي ختتلف عن وسائل وأدوات االتساق السابقة وذلك ألنه ال يتضمن إشارة موجهة حنو البحث عن املفترض فيما تقدم أو ما سيلحق، كما "

.)2("هو شأن اإلحالة واالستبدال واحلذف

أي إنه حتديد . )3("ربط سابق، بآخر الحق، بواسطة عنصر دالب"فهو مقترن للصفة التي يترابط ا الالحق مع السابق بطريقة منظمة، باعتبار أن النص يتشكل من مجل متتالية وأن هذا التعاقب اجلملي يفرض وجود عناصر رابطة تعمل على اإليصال بني

.الوحدات املشكلة للنص

وذكر هاليداي ورقية حسن أن من بني الصيغ األكثر بساطة يف عملية الوصل Cordinateالواو العاطفة أمهها : من الواو اعانوأاألداة واو، وميزوا يف هذا الصدد بني

and ابقة أي املعنية بتحقيقي اعترباها تفيد يف عملية تعليق العناصر الالحقة بالسالت .)4(الوصل والربط بني اجلمل

)1 .22املرجع نفسه، ص ))

2 .22املرجع السابق، ص ) )

3 .82وبناء أخرى، ص ... ريةعمر أبو حزمة، حنو النص، نقد النظ) )

4 .137حممد الشاوش، أصول حتليل اخلطاب، ص : ينظر)

Page 68: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

54

وقد قام املؤلفان بتفريغ الوصل الذي يعىن بالربط بني املتتاليات اجلملية املتعاقبة يف النص إذا توفرت ، إذ يتحقق الربط اإلضايف يف )1(النص إىل إضايف وعكسي وسبيب وزمين

وغريها، ).. But, Yes(، أما الوصل العكسي فهو مرتبط بأدوات مثل "أو"، "و"األدايت باعتبارها yetإال أن للباحثني يشددون على ) Neverthelessو however(وبتعابري مثل

قة األداة التي تعترب عن الوصل العكسي، أما الوصل السبيب فتكمن مهمته يف إدراك العال، وأخريا الوصل الزمين )Therefore, Hence, Thus, So(املنطقية بني اجلمل ومن أدواته

.Theseالذي جيسد العالقة بني مجلتني متعاقبتني زمنيا، ومن أدواته يف اللغة اإلجنليزية

وأمام هذه املقتضيات التصورية املتعلقة مبجال الوصل وأنواعه وأدواته تتجلى بأن الوظيفة األساسية له تكمن يف التماسك بني املتتاليات اجلملية وتقوية صورة ساطعة

الروابط واألسباب املعنوية والنحوية واملنطقية املضمرة يف أغوار النص، وبالتايل تزويد ومنح النصوص أبعادا ترابطية اتساقية بالدرجة األوىل تسهم بطريقة مباشرة وغري مباشرة

.ت النصيف مللمة شتات ووحدا

:االتساق املعجمي-5

ميثل االتساق املعجمي الوجه السادس وآخر مظهر من مظاهر اتساق النص، عند هاليداي ورقية حسن، إال أنه من املفيد التذكري أن هذا املظهر االتساقي خيتلف عن

، ويرجع)كاإلحالة واحلذف واالستبدال والوصل(الوجوه االتساقية التي ذكرناها آنفا لالتساق [أول عامل يتمثل يف كون أن هذا املظهر : السبب إىل عاملني أساسيني

أما العامل ، )2(ال يتضمن العنصر املفترض والعنصر املفترض كاملظاهر األخرى] املعجميفعماد األوىل للنظام "يتمثل يف اختالف األعمدة التي تقوم عليها املظاهر االتساقية الثاين ف

)1 .23/24حممد خطايب، لسانيات النص، ص : ينظر) )

2 .24يرجع حممد خطايب، لسانيات النص، ص )

Page 69: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

55

، أي أن )1("االتساق املعجمي وما يقوم بني وحداته من العالقاتالنحوي وعماد االتساق املعجمي ال حيتاج إىل رابط أو وسيلة شكلية ذات طابع حنوي لتحقيق متاسك

.وترابط داخل أسوار النص

:إىل نوعني -من خالل تصور الباحثني-وينقسم االتساق املعجمي -

ويعرف بأنه إرجاع عنصر :Réitérationاالتساق املعجمي التكراري - أولتوضيح هذا ،)2(معجمي مذكور يف النص أو مرادفه أو شبيهه، أو عنصر عام حيتويه

:سوق املثال التايلالنوع من االتساق ن

إذا ما ألقينا نظرة دقيقة إىل هذا املثال؛ نلفي أن الكلمات احملصورة بني املزدوجتني هي " الصعود"، فالكلمة )الصعود(ماهي إال إعادة ذلك العنصر املذكور يف اجلملة األوىل

اسم مطلق " العمل"فهو مرادفا للصعود، و" التسلق"أما . نفسها الواردة يف اجلملة األوىلSuper ordinaire عود أو مسألته، أما بالنسبة لكلمة تميكن أن يششيء"مل على الص "

)1 .138حممد الشاوش، أصول حتليل اخلطاب، ص ) )

2 .83وبناء أخرى،ص ... عمر أبو خرمة، حنو النص، نقد النظرية: ينظر)

I turned to the ascent of the peak

The ascent The climb The task The think it

Is perfectly east

شرعت يف الصعود إىل القمة

الصعود التسلق العمل الشيء

هو

سهل للغاية

Page 70: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

56

، دواليك بالنسبة لبعض الكلمات التي "الصعود"حتتوي أيضا على كلمة )*(فهي عامةالتسلق، الصعود، العمل، (ميكن أن جندها يف مواضع الكلمات املذكورة يف املثال

.)1(...)شيء

توارد زوج من "ويعرف بأنه :Collocationاالتساق املعجمي التضامي -ب ومن أمثلة ذلك )2("الكلمات بالفعل أو بالقوة نظرا الرتباطها حبكم عالقة ما

Why does this boy wriggle all the time ? Girls don’t wriggle

)ما هلذا الولد يتلوى يف كل وقت وحني؟ البنات ال تتلوى(

ليسا مترادفني، وال حييالن " الولد والبنات"فإذ الحظنا جيدا هذا اخلطاب أدركنا أن إحالة واحدة بعينها، إال أن متوضعها يف خطاب واحد يدفع بالنص إىل أخذ طابع

.)3("النصية

كانت هذه هي وسائل االتساق التي اعتبرها هاليداي ورقية حسن من بني لتي تعمل على متاسك النصوص وترابطه مجلة فجملة، فال يكون النص اآلليات الكربى ا

)* (

سربا من األمساء االنتقالية الواقعة على ثخوم الوحدات général Nounاالسم العام ) هاليداي ورقية حسن(اعتر املؤلفات صلت بني الوحدات النحوية والوحدات املعجمية والوحدات النحوية وهو ما استلهماه من الدراسة اللسانية العامة اليت ف

أما بالنسبة ألهم ميزة جتملها هذه اموعة احملدودة من األمساء العامة أا تشتمل على إحالة عامة ومن أمثلتها البشر . املعجمية :اخل، وميكن أن نذكر من مقابالا يف اللغة العربية...واألماكن واألحداث

...الرجل واملرأةاإلنسان والشخص و: من العاقل- ...الكائن واملخلوق أو الفعل والعمل والضيع أو املكان والزمان: من غري العاقل-أصول حتليل . ينظر حممد الشاوش .Thisو theكما ذكر الباحثان أن األمساء العامة يف اإلجنليزية تعتمد على العنصر اإلحايل-

. 138/139اخلطاب، ص )

1 .24/25ينظر حممد خطايب، لسانيات النص، ص ) )

2 .83و حزمة، حنو النص، نقد النظرية وبناء أخرى، ص بعمر أ) )

3 .25ينظر حممد خطايب، لسانيات النص، ص )

Page 71: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

57

. خليق ومؤهل ليكتسب صفة النصية إال إذا توافرت يف طياته هذه الوسائل واالعتباراتإذ ال مناص من وجوب اشتمال النسق الداخلي للنص على هذه األدوات لتحقيق نصية

إما يؤمنان بأن . "يف صنع اتساق النص النص بدون إعطاء أدىن اعتبار للمتلقي ودورها همنصية النص قضية داخلية وظيفة املتلقي أمامها احلكم بوجوا أو عدمه؛ إذ قد قام حبث

على موازنة بني االتساق يف النص، واخلصائص التي جتعل من عينة لغوية ما نصا؛ مما .)1("حدا ما، إىل عد الروابط داخل النص هي النصية

إن هذا احلكم الذي صدر من لدن هاليداي ورقية حسن حكم مستنبط من النسق المي من املنغلق واملعزول على اجلو الذي مثل الكنف واملؤطر للحدث الك) البنية(

ة، إذ اعتربا أن الدعائم األساسية اليت ظروف ومعطيات ومقاصد حتفة التواصليبالعمليحكما صحيحا سليما هي التوجه بالنظر إىل النص ية يكون بواسطتها احلكم على نص

مقومات داخلية يف نسيج النص ممثلة يف الروابط، خبالف بعض العلماء والباحثني اآلخرين الذين كان هلم باع طويل ال يستهان به يف التقرب من دراسات حنسبها كفيلة

قرب من العناصر بإعطاء الوصف والتحليل السليم للعبارات اللغوية، وذلك بالت . والظروف التي مثلت حبق اجلو احلقيقي إلنتاج هذه العبارات

:"فان ديك"عند االنسجام-2.3

وذلك انطالقا " علم النص"يك إىل بناء ان دى اللسانيات النصية من منظور فتسعالصويت (، فاملظهر الداخلي يقابل املستويني )خارجي/داخلي(من مظهرين اثنني

Phonétique (و) التركييبSyntaxique( ا بالنسبة للمظهر اخلارجي فهو يقابل السياقأم ،النظرية اللسانية تم بأنساق اللغة "باعتبار أن ) Socioculturelle(الثقايف االجتماعي

الطبيعية أعين تراكيبها املتحققة أو املمكنة التحقيق، وبتطورها التارخيي ومبختلف

)1 . 83وبناء أخرى، ص ... عمر أبو حزمة، حنو النص، نقد النظرية)

Page 72: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

58

افية ووظيفتها اتمعية وأسسها املعرفية، من شأا حتديد نوع السلوك أنشطتها الثقاللغوي كما يظهر هو ذاته يف استعمال العبارة الكالمية اللفظية يف كل موقف ومقام

ما ينتج عنه مراعات الصياغات الكالمية وجعلها تتماشى مع مقتضيات وهو )1("تواصليللنص تقوم على ركيزة املبادئ " فان ديك"وعليه ميكن القول أن رؤية ،األحوال املختلفة

والقواعد التداولية املعنية بتحديد الكيفية الصحيحة واملنظمة واملثلى النتقاء واستخدام .الكلمات املتلفظ ا

خيتلف عن ) املعىن السياقي(أن معىن املفردة يف تركيب مجلي حمدد "فندايك"اعترب مؤمنا أن هذا االختالف هو نتيجة مباشرة ) املعىن املعجمي(خارج التركيب معناها

جمموع اخلربات احلياتية الواقعية، ) السياق(للسياق املرتبط مبعرفة العامل حتديدا، مبعىن أنه التي يكتسبها الفرد يف مؤسسته االجتماعية، كما أقر أن هذه املعرفة األخرية هي املعنية

.)2(املعىن يف أي نص كانبتشكيل

قامت دراسة فان ديك ومعاجلته للسياق وعالقته باملظاهر الثقافية واالجتماعية انطالقا من واجهة السياق النفسي اإلدراكي، الذي يتم فيه إنتاج النص وتفسريه وإعادة

ة الفاعلة يف تكوينه، واستنادا إىل هذا السياق يتم حتليل هذه املظاهر االجتماعية والثقافيتكوين النصوص وذلك حني ربطها مبختلف املستويات خاصة األسلوبية والبالغية وعم

.)3("النفس والسيميولوجية

يقوم باالعتماد Structure textuelleإن تصور فان ديك املرتبط باألبنية النصية أفضى إىل حتول على حبوث وبىن بالغية خمتلفة املستويات، وإن انصهارها مع تلك البىن

)1، 2000عد القادر قنيين، إفريقيا الشرق، ط: ب الداليل والتداويل، ترفون دايك، النص والسياق، استقصاء البحث يف اخلطا) .17ص )

2 .86وبناء أخرى، ص ... عمر أبو حزمة، حنو النص، نقد النظرية: ينظر) )

3 .251، ص 164/صالح فضل، بالغة اخلطاب وعلم النص، عامل املعرفة، الكويت، ع)

Page 73: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

59

جديد غير من أفق الدراسات داخل مسار البالغة اجلديدة نفسها، حيث انتقلت هذه ، وعليه Science du texteاألخرية إىل مصاف العلوم التي تساهم يف تشكيل علم النص

البالغة هي السابقة التارخيية لعلم النص، إذ حنن أخذنا يف االعتبار "حيدد فان ديك أن هها العام املتمثل يف وصف النصوص وحتديد وظائفها املتعددة، نؤثر مصطلح علم توج

النص، ألن كلمة البالغة ترتبط حاليا بأشكال أسلوبية خاصة، كما كانت ترتبط بوظائف االتصال العام ووسائل اإلقناع، وإذا كانت البالغة قد أخذت تثري االهتمام

بية، فإن علم النص هو الذي يقدم اإلطار العام لتلك جمددا يف األوساط اللغوية واألدوهكذا فإن . )1("البحوث مبا يشتمل على املظاهر التقنية التي ال تزال تسمى بالغية

إحالل مصطلح علم النص مكانة البالغة على األقل مؤشر لذلك االنعطاف املعريف داخل ة تسعى إىل إحياء البالغة وحتول لذلك املسار الذي كان حيمل يف طيياتوغما ده أبعادات

.ونمذجة القدمي

كما اعترب فان ديك أن اخلطاب مرتبط بشكل نسقي مع الفعل التواصلي، على أن املكون التداويل لن حيدد فقط شروط املناسبة بالنسبة للجمل، بل سيجد أيضا شروط

ل واخلطابات للسياقات التواصلية التي املناسبة بالنسبة ألنواع اخلطابات أي مناسبة اجلمينجر فيها، دف جتاوز اجلملة إىل وحدة اخلطاب كتجل عملي لوحدة حمددة يف

.رغبة منه يف تأسيس تواصل لساين سليم وفعال يف أطر ومقامات متباينة )2(النص

تداويل قسم فان ديك السياق إىل عدة مستويات، حيث ركز أوال على السياق الباعتبار النص فعال كالميا أو أفعاال كالمية كالوعود والتعديدات والتأكيدات

والتي تنجز وفق عوامل وشروط حمددة، كما عاجل السياق اإلدراكي الذي ... واألوامريساعد على فهم النصوص وتلقيها، مث انتقل إىل معاجلة نوعا آخر من السياق هو السياق

)1 .252صالح فضل، بالغة اخلطاب وعلم النص، ص ) )

2 .29/30ينظر حممد خطايب، لسانيات النص، ص )

Page 74: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

60

اعي الذي كان يعتربه مبثابة املفعول واألثر الذي ختتلفه النصوص مبعرفة النفسي االجتم .)1(املعطيات االجتماعية اليت تلعب دورا مهما يف فهم وتأويل النصوص

بعض مظاهر النحو : "لقد متكن فان ديك من بلورة آراء وتصورات مؤلفه، حيث متيز "والسياقالنص "يف مؤلف جديد ومسه بـ" التوليدي يف النص الشعري

" فان ديك"بطرح جديد واضح منظم للدراسة اللسانية للخطاب، ويف هذا املؤلف يسعى إىل تقدمي اخلطاب، أعين مفاهيم مثل االنسجام واالتساق، وحملل اخلطاب، والعالقات

املستوى : وعليه يقسم مشروعه إىل مستويني. )2("بني السيمانطيقا والتداولية للخطاباليل واملستوى التداويلالد.

ففي املستوى الداليل ميهد فان ديك ملقاربة شروط الترابط بني القضايا، والتي يطلق عليها مصطلح الروابط الطبيعية، وشروط االتساق األخرى للخطاب على مستوى

اد أما القسم التداويل فقد أع. لةماملتواليات، مث على مستوى البنيات الكربى الداللية الشامن منطلق نظرية األفعال الكالمية باعتبار ) اإلنسجام واالتساق(فان ديك هذه املظاهر

استعمال اللغة ليس هو إجناز فعل خمصوص فقط، وإمنا هو جزء كامل من التفاعل "أن االجتماعي، فأنساق اللغة هي أمور متواضع عليها، إذ هي ال تنظم ضروب للتأثري والتأثر

، حيث ستقوم هذه )3("فحسب، وإنما هي موضوع جوهري لفلسفة العقلاالجتماعي، الوظيفة بتوضيح وتبيان كيفية إنشاء األفعال اإلجنازية ملتواليات من األفعال بوصفها جزءا

والتأثري بني أفراد L’interactionأصيال من األفعال املنجزة، وكيف سيتوقف التفاعل اتمع جلملة من األمور املتواضع عليها، وذلك كله من أجل التمييز بني األفعال الكالمية

)1علي آيت أوشان، السياق والنص الشعري، من البنية إىل القراءة، دار الثقافة للنش والتوزيع، الطبعة األوىل، الدار : ينظر)

.78البيضاء املغرب، ص )

2 .14، ص فان ديك، النص والسياق، استقصاء البحث يف اخلطاب الداليل والتداويل) )

3 .227املرجع نفسه، ص )

Page 75: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

61

والتواصل، وعليه ميكن توضيح تصور ومشروع فان ديك على الشكل ) استعمال اللغة( :التايل

يسعى فون ديك من خالل هذا التصور واملشروع التنظريي أن يضح بعض ماته نزاليت تضبط جماال من جماالت اخلطاب، وهو ذا يستلهم ميكا"املنطقية املبادئ

وآلياته وأدواته وإجراءاته من خمتلف العلوم واالختصاصات كالعلوم الرياضية واإلنسانية .واملنطقية كالفلسفة واملنطق الصوري وعلم النفس املعريف

يستلهم وجوده من الحظ فان ديك أن اجلملة تركيب شديد التعقيد، فهو وهلذا فإن دراسة ووصف الكالم . حضوره باإلضافة إىل مجل أخرى وتراكيب أخرى

كما كان يقوم علم اللسان الذي كان يوجه مقارباته يف -بالوقوف عند اجلملة الواحدة وصف -اجلملة أو البنية الكلية لدراسة قواعد تركيبها وصلة هذه البنية بالبنية الداللية

.)1(إىل املقال أو النص ليدرسه بصفة عامة وشاملة) النحو(كاف، إذ البد أن ينتقل غري

على ضرورة التأمل إىل الدور الذي تقوم به البنية الكربى "ديكفان "كما يؤكد Macro structure ة، حيث تأخذ هذه البنية يف إغنعلى ) الكربى(اء الدراسات اللغوي

ودالالت النصوص، وهذا ) اجلمل(مسؤولية توضيح دالالت األبنية الصغرى عاتقها

)1 .196-195، ص 2007إبراهيم خليل، يف اللسانيات وحنو النص، دار امليسرة، الطبعة األوىل، األردن، : ينظر)

Le discoursاخلطاب

La pragmatiqueالتداوليات La sémantiqueالدالليات

البنيات الكلية االنسجام االتساق الكربى األفعال

قة الكالمية األسيموضوع (

)اخلطاب

تداوليات اخلطاب

األفعال الكالمية

Page 76: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

62

ى علم النحو أن خبالف ما تقوم به البنية الصغرى، أي اجلملة الواحدة، وعليه وجب علبوضع املبادئ والضوابط اليت ترمي إىل حتديد العالقات املعقدة بني يهتم يف مقارباته

ويف هذا الصدد استعمل مفهوم الترابط لإلشارة إىل . )1(مكونات وأجزاء البنية الكربىعالقة خاصة بني اجلمل، وملا كانت اجلملة مقولة تركيبية والترابط عالقة داللية فقد

ضي أدوات توتق. )2(فضل الباحث احلديث عن العالقة بني قضيتني أو قضايا مجلة ماة تعبة والرئيسية أن اجلمل الفرعير عن ارتباط القضايا قصديا، وتترابط الربط الطبيعي

.القضايا إذا صارت األحداث املدلول عليها مرتبطة يف حالة أو مقام ممكن

كما يرى ديك أن حنو اجلملة يشكل جزءا غري قليل من حنو النص، وتتنوع فوائد حنو النص وتتداخل مع أسباب احلاجة إليه باعتبار أن أهم مهمة لنحو النص تتمثل يفصياغة وإعداد مبادئ وقواعد متكننا من حصر كل النصوص النحوية يف أي لغة من

كما أن حنو النص جدير مبنح الباحث . )3(اللغات بوضوح ومن تزويدنا بوصف األبنيةبعض األدوات اإلجرائية والتنظريية التي تساهم بشكل فعال يف معاينة صفة التتابع

ر املكونة لألحداث اللغوية املنطوقة أو املسموعة أو املكتوبة والترابط والتواصل بني العناصأو املرئية يف تعاقبها الزمين وغريها من األمور التي تصب يف ظاهر النص، فينتظم بعضها

ال ميكن أن حنكم عليها أنها -وبشيء من التأويل–مع بعض تبعا للمباين النحوية إال أننا توفر هلا من وسائل السبك ما جيعل النص حمافظا على وجوده تشكل نصا إال إذا ما

.واستمراريته

ودوره يف تنظيم النص وتقوية Cohérenceكما يتحدث فان ديك عن االنسجام التماسك بني وحداته وعناصره، مشريا إىل الدور الذي يضطلع إليه املقام يف توليف

)1 .196املرجع نفسه، ص : ينظر) )

2 .132 فان ديك، النص والسياق، ترمجة عبد القادر قنيين، ص: ينظر)

)3 .158ريي، علم لغة النص، مفاهيم واجتاهات، ص سعيد حسن البح: ينظر )

Page 77: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

63

كما يضيف إىل ذلك شيئا آخر يطلق اجلمل وتنضيدها على شكل مترابط متماسك، .)1(على تسميته املقام االفتراضي، الذي يشبه الربط بأسلوب الشرط يف اللغة العربية

إال أن األمر الضروري الذي ال مناص من ذكره يف هذا الصدد أن االنسجام عند تملها كذلك من العالقة اليت حي من حمتوى النص فقط، بل إمنا ينبعفان ديك ال ينبع

بني املتتاليات اجلملية، وبالتايل خلق نقله ) املتلقي(القارئ أو السامع ) ينشأها/يضعها(رجة عن نطاق مبسائل خا دسانية إذا أصبحت هذه األخرية تعتنوعية داخل النظرية الل

.رف أساسها املتلقي واالعتبارات اليت حتيط به وتساورهالتحليل اللساين الص

د اجنر عن هذه الرؤية استكشاف البنيات العميقة للخطاب باعتبار أن مشروع قلال النحو وبني املعىن الذي ميثل جمفان ديك قائم على وضع خيوط عقلية تربط بني

خروج التحليل اللغوي عن املستوى النحوي الصرف : مستوى آخر، بصيغة أدقكل عبارة متلفظ "م، حيث إن واالعتماد كذلك على مستوى آخر يتمثل يف فعل الكال

ا، ينبغي أال توصف فقط من جهة تركيبها الداخلي واملعىن احملدد هلا، بل ينبغي أن ينظر ، إن هذا )2("إليها كذلك عن وجهة الفعل التام واإلجناز للمؤدي إىل إنتاج تلك العبارة

جتعل اخلطابات االنصهار بني هذين املستويني سيؤدي حتما إىل االعتماد بشروطواألقوال والتلفظات صحيحة وسليمة ومقبولة تداوليا، مبعىن األخذ يف االعتبار عناصر

.وحيثيات السياق التواصلي الذي ينجز يف كنفه الكالم

عتبات التصورية لدى فان ديك قد أسهمت بقدر كبري ال يستهان به يف إن هذه الها يف مقاربة دوه حتطيم تلك الرؤى اليت انكبت جباقتحام جمال الوصف التداويل وبالتايل

)1 .199إبراهيم خليل، يف اللسانيات وحنو النص، ص : ينظر) )

2 . 18عبد القادر قنيين، ص: فون دايك، النص والسياق، استقصاء البحث يف اخلطاب الداليل والتداويل، تر)

Page 78: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

64

جلملة باعتبارها الوحدة األساسية يف حتليل األقوال، وضرورة االهتمام بوحدة اخلطاب ا .لتفسري أو الوصول إىل الروابط العقلية القائمة بني النص وسياقه التداويل

داولية على مبادئ ومرتكزات ت" فان ديك"وعلى الرغم من انطواء تصور االعتداد باملتلقي وتفويضه سلطة على رأسها خارجة عن نطاق التحليل اللساين الصرف

بني متتاليات اجلمل اليت تعتري النصوص أو ) منطقي/داليل(احلكم على وجود انسجام مل حيض بأمهية ومعاينة املتلقي أن -وبشيء من احليطة–نفي وجوده؛ إال أنه ميكن القول

جورج "، السيما إذا عقدنا فعل املقارنة بينه وبني الباحثان تنظرياته يف فكرية عميقة؛ اللذان أقحما املتلقي واعترباه عنصرا G. Brown et G. Yulle" جورج يول"و" براون

مهما يف العملية التواصلية، وهو أمر حنسبه بالغ األمهية، على أساس أن املتلقي وما حيمله ماعية جيسد مركزية قصوى يف عملية احلكم على مقبولية من جوانب عقلية ونفسية واجت

اخلطاب التواصلي الناجح بكل أشكاله وصوره عن طريق االرتكاز على مبادئ تواصلية . ، وهو األمر الذي سنسلط عليه الضوء يف املبحث الالحق)تداولية(

:مظاهر حتليل اخلطاب عند براون وبول-4

تعتد باملرتكزات واملبادئ ذات البعد التواصلي عند لقد جتسدت هذه املدارسة اليت يف مؤلفهما حتليل اخلطاب G. Brown et G. Yulle "يول .ج"و "براون .ج"كل من

Discour Analysis إذ قام مشروعهما يف هذا الكتاب على إقحام املتلقي 1983سنةالظروف والسياقات واعتباره عمودا مهما يف العملية التفاعلية التواصلية املنجزة يف

هم اليت ميكن ا ملتلق معين أن يف الكيفية"املختلفة، إذ حاوال يف مشروعهما هذا مناقشة أو متلقني (الرسالة اليت يقصدها الباث يف مناسبة معنية، وكيف تؤثر شروط متلق معين

ذ من إن هذه بوضوح مقاربة تتخ. ، يف ظروف حمددة، على تنظيم الباث خلطابه)معينني

Page 79: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

65

الوظيفة التواصلية للغة اال األويل لبحثها وتسعى بالتايل إىل وصف الشكل اللغوي، ال .)1("من حيث هو شيء ساكن، وإنما بوصفه وسيلة حركية للتعبري عن املعىن املقصود

إنه بصيغة أدق مشروع يدعو إىل جتاوز التصور السكوين املعياري للغة الذي كليا على الوصف التركييب النسقي الذي يفشل يف تفسري أنواع شىت من يعتمد اعتمادا

ة، كما يدعو إىل اتباع املنعطق اللساين ذو البعد الوظيفي التواصلي الذي البىن اجلملي. )2("النظر يف كل قيد من القيود التركيبية الرئيسية من وجهة نظر وظيفية"يوحي بإعادة

:ما لوظائف اللغة يف حمورين اثننيويظهر ذلك جليا يف اختزاهل

.الوظيفة التعاملية-1

. الوظيفة التفاعلية-2

تكمن الوظيفة التعاملية يف ذلك اال واإلطار املعنى بنقل املعلومات واألفكار بني األفراد واجلماعات، وينبع ذلك كله من إطار عام آخر هو التواصل، حيث يرى كليهما

يف ما تقوم به اللغة من نقل لألفكار والثقافات عموما، كما أن ال أن ال أحد مياري"أحد جيادل يف أن اللغة تساهم بشكل فعال، ذا النقل، يف تطوير تلك الثقافات، بل

مبعىن أن الوظيفة األساسية )3("تعترب اللغة خزانا هائال لتجارب األمم عرب مسريا التارخييةحسبهما هي النقل الفعال للمعلومات واألفكار بطريقة صحيحة اليت أوكلت إىل اللغة

تكلف يف عملية تأويلها، ويف مقابل ذلك تتجسد الوظيفة التفاعلية دون يفهمها اآلخرإىل تأسيس وتعزيز "يف التفاعل اللغوي بني األفراد واتمعات األمر الذي يؤدي

ة إىل ذلك فهي تعبر عن هذه العالقات إضاف. العالقات االجتماعية، واحلفاظ عليها

)1، 1997ترمجة وتعليق حممد لطفي الزليطي ومنري التريكي، النشر واملكابع، السعودية . بول، حتليل اخلطاب. براون وج. ج ) .30ص )

2 .31املرجع نفسه، ص ) )

3 .48، ص 1991حممد خطايب، لسانيات النص إىل انسجام اخلطاب، املركز الثقايف العريب، للطبعة األوىل، )

Page 80: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

66

االجتماعية واآلراء واملواقف الشخصية والتأثريات للمرغوب إحداثها يف العقيدة أو الرأي .)1("أو ما شابه ذلك

يعتمد إذن على مقومات مفاهيمية "ولي"و "براون"إن منهج حتليل اخلطاب لدى ة تدور حول مال يف الواقع ال كأداة ساكنجز عتنظر إىل اللغة بوصفها آلة تواصلية تن

يهتم بالوظيفة التي يقوم ا أو "نفسها، ومن هذا املنطلق وجب على احمللل للخطاب أن الغرض الذي يرمي إليه عنصر ما من املادة اللغوية، وكذلك بالكيفية اليت تعاجل ا تلك

ها مقاربة لسانية تقوم دعائمها على ، مبعىن أن)2("املادة سواء من قبل الباث أو املتلقياعتبارات سياقية وظيفية بالدرجة األوىل تنظر إىل اللغة بوصفها أداة تواصلية حتت طائلة

من قبل متكلم ) اخلطاب(الظروف واملناسبات احمليطة بعملية صنع وإحداث الكالم .للتعبري من معان وحتقيق مقاصد معينة

مام الكبري املنصب على معطيات السياق الفيزيائي على الرغم من هذا االهتواالجتماعي وأغراض املتكلمني القاصدين؛ فإنه من اخلطأ اعتبار أسس اللسانيات

قاما الوصفية مبثابة سلة مهمالت لدى هذين الباحثني، بل على العكس من ذلك، إذ الوصفي الذي يلقي ار منهجني دراسيني مها املنهج التقليدي هنصامشروعهما على ببناء

مقارباته وجهوده حول عملية فهم ووصف األشكال اللغوية التي ترد يف جمال معطيات احمللل، واملنهج الوظيفي التواصلي الذي يعتمد اعتمادا حقيقيا على السياق وللظروف

ويول ويف هذا داللة على عدم إنكار براون )3(واحليثيات احمليطة ذه األشكال اللغويةللمقاربات التقليدية ذات املنهج الوصفي، بل بتطعيم هذا املستوى مبستوى آخر هو

)1 .48ص املرجع نفسه، ))

2 .31ول، حتليل اخلطاب، ص ي. جبراون و . ج) )

3 .49ينظر حممد خطايب، لسانيات النص، مدخل إىل انسجام اخلطاب، ص )

Page 81: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

67

معرفة هوية "السياق التواصلي الذي ورد فيه أي مقطع خطايب واملرتبط كل االرتباط .)1("املتكلم واملتلقي واإلطار الزماين واملكاين للحدث اللغوي

حامال ملقوالت ومفاهيم جديدة ذات بعد إن هذا املنعطف اللساين الذي حنسبه وظيفي تواصلي بالدرجة األوىل أدى إىل استرجاع الذات اإلنسانية التي غيبتها البنيوية ونفت عنها كل دور، إال أنه بات لزاما على كل باحث متفحص أن ال يموقع وحيصر

من ذلك فقد بدأت بزوغ هذا املنعطف عند تنظريات براون ويول، بل على العكس بوادر هذا املنعطف الذي ينشد املتلقي واإلطار الزماين واملكاين عند مدرسة كونستانس

وظيفته "للقارئ وبني " الكينونة التارخيية"التي استطاعت أن جتمع بني )*(األملانيةالالأدبية وحالته النفسية وشروط وسطه وفالقارئ مبحموالته األدبية ". النصية، حيث "أفقية التنظيم النصي"الثقايف، يصعد حنو تقاطع عمودية التواصل بـ/ اعياالجتم

نصية، ويؤسس هذا اللقاء /مع مواقع ذاتية ) تصادم(تتحقق املواجهة التواصلية بلقاء العمل الفين "تفرض التأويل لزوما، ذلك أن ) Interpersonnelle(عالقة شخصية وسيطة

ويظهر دائما مقاومة منيعة ملن ستمرار من كل شرخمنا ألنه يفلت باميثل حتديا معلنا لفه .)2(..."يريد تفسريه

)1 .35براون، حتليل اخلطاب، ص . براون، و. ج)

أبعاد تواصلية وظيفية عملت مدرسة كونستانس األملانية على تدعيم وتطوير التصور واإلطار النظري احلامل ملقومات ذات ) *(. بالدرجة األوىل، وقد تبين ذلك بوضوح عند قلبهم مركز االهتمام من النص إىل املتلقي مع االحتفاظ بالعالقة التفاعلية بينهما-ووفق هذا الطرح فإن اللغة جمال خصب يتأسس على مناحي وأبعاد تواصلية، إذ أن األمر األساسي يف قراءة العمل األديب

Laمبين على ذلك التفاعل احلاصل بني بنية النص واملتلقي، ولذا جند أن النظرية الظاهراتية -حسب مدرسة كونستانس

Phénoménologie هودها يف التلفيق بنيالنص الفعلي وعالقته باألفعال املرتبطة بالتجارب مع "داخل نظرية التلقي تركز ج ".ذلك النص

Wolfgang Iser, l’acte de l’ecture, théorie de l’effet esthétique, trad : Evelyne Sznyer, Bruxelle, 1976, p 48.

)2. يريد غادامري أن هذا التمرد والعصيان الذي يعلنه العمل األديب يف مقاومته لكل فهم، كانت نقطة انطالق نظريته التأويلية) :ينظر

Gadamer HANS Georg, l’art de comprendre, écrits Herméneutique et champ de l’expérience humaine, Paris

Aubier, 1991, P.17-197. Voire : Pierre Bourdien, les règles de l’art, P. 10-11.

Page 82: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

68

قال وكل خطاب مدون ال يتحقق ترهينه ي فإن كل ما تأسيسا على هذه الرؤية،وإال بفضل العالقة احلوارية التي يتيحها فعل القراءة، -حسب مدرسة كونستانس–

، )املتلقي(ضد نتيجة العالقة اجلدلية بني املعىن وعمل الوعي / قه التواصل معوالذي يساووبالتايل فإن العمل األديب هو خطاب للتواصل، فهو ينشد املتلقي منذ بدء إجنازه، أي حىت يف غياب متلق حقيقي؛ فحيث ال يذهب بصر املتلقي، تتسرب فكرته أو توقعه

.اخلطاب/ النائب عن حضوره حتت وعي النص

كان اإلقحام املتلقي يف العملية التواصلية استرجاع لذاتيه اإلنسانية الذي لقد أغفلها التصور البنيوي وكثريا من االجتاهات اللسانية التي ركزت عنايتها وتركيزها على

وتأسيسا على هذا . )1(اللغة كأشكال، أي باختاذها اللغة اهلدف الوحيد للبحث والتحليلبات ضروريا حسب براون ويول الفصل بني لساين يتعامل مع اللغة املقتضى التصوري

بوصفها عملية إنتاجية ذات بعد حركي استعمايل، وبني لساين يتعامل مع اللغة بوصفها .عملية حتليلية آللة تدور حول نفسها

وبناءا على هذا الطرح فإن املفهوم احلقيقي للخطاب مرهون بتجاوز البوثقة إىل ما وراءها، باعتبار أن الطريقة املثلى للوصول إىل مكنوناته وطرق إنتاج اللغوية

ة مغلقة بنيالداللة فيه متكأة على أطراف غري لغوية معلنة خبالف النص الذي يستند إىل كماهو احلال بالنسبة للتصور البنيوي الذي يعترب اإلنتاجية األدبية منسلخة عن منتجها

و ما يصطلح على تسميته مبوت املؤلف كماهو احلال عند رائد وصانعها احلقيقي، وهالنقد األلسين روالن بارت الذي راح يتنكر املؤلف مبجرد انتهائه من عمله، كما أننا جند

تنبأ بضرورة وضع اللغة نفسها "هذا الباحث األلسين حييل إىل مالرمييه بوصفه أول من

)1 .51حممد خطايب، لسانيات النص مدخل إىل إنسجام اخلطاب، ص : ينظر)

Page 83: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

69

مالكا هلا، فاللغة بالنسبة إليه كماهي احلال مكان ذلك الذي اعترب، إىل هذا الوقت، .)1("بالنسبة إلينا، هي التي تتكلم وليس املؤلف

تسري حنو هذا االجتاه ايل يف القول إذا اعتربنا أن أي مقاربة لسانيةولعلنا ال نغقاربات حتول دون الفهم والوصف احلقيقي لوحدات النص، السيما النصوص ممبثابة

ال ميكن أن يكون إال نسيجا من اللغة التي ميوقعها ) النص(الفراغات باعتبار أنه اململوءة بالناص بطريقة ختدم أهدافه وتطلعاته وأغراضه، بدون معزل عن املعطيات والظروف

ميشال "السيما إذا تبنينا املفهوم الذي أوكله )2(احمليطة لعملية صنع وإحداث الكالمه شبكة معقدة من العالقات االجتماعية والسياسية والثقافية، للخطاب، إذ اعترب "فوكو

بقصد خلق تأثريات على املتلقي وبالتايل )3(التي أعيد إدماجها يف عمليات حتليل اخلطابعلى الواقع يف ظل حيز استثماري لظروف خارجة عن البنية النسقية املمثلة لنسيج النص

" اخلارج لغوية"الدراسات اللغوية املعاصرة بالعناصر وهو ما يصطلح على تسميته يف Eléments extralinguistique .

إن هذه التصورات والقناعات أدت بطريقة مباشرة إىل حتطيم سرح النبيوية العتيد قناعات جديدة البنية واالنتقال إىل / وتفنيد مقوالا الكربى املرتكزة أساسا على النسق

ي نص باعتباره عمل مفتوح كل االنفتاح على كل ما حييط به من ا النظر إىل أقوامهاألمر الذي اجنر عنه ظهور . معطيات وعناصر مثلت املكنف اجلوهري ملسألة إنتاجه

مقاربات من نوع آخر تموضع لب تركيزها على أمور ومسائل اعتربت يف الكثري من اضي وية جيب التغمبثابة أمور ثان -ز طويل من الزمنبل وسيطرت على حي–األحيان

.عنها يف أي مقاربة لغوية دف إىل التحليل أو التأويل

)1 .17اإلمناء احلضاري، حلب الطبعة األوىل، ص منذر عياشي، دار: نقد وحقيقة، تر: روالن بارت) )

2باجلزائر، ص 2009نواري سعودي أبو زيد، يف تداولية اخلطاب األديب، املبادئ واإلجراء، بني احلكمة، الطبعة األوىل : ينظر) 14.

(3) Jean Duboi : Dictionnaire de linguistique et des sciences du language, Larousse Bordas, Paris, 1999, P. 150.

Page 84: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

من املعيارية إىل الوظيفية... من النص إىل خلطاب : الفصل األول

70

لقد انصهرت هذه املقاربات ولملم مشلها يف النظرية التداولية، التي احتضنت كل هذه املقوالت املبنية على أسس تواصلية تطعم اللغة مبيكانزمات وظيفية حركية تفند الطبيعة السكونية اليت أوكلت إىل اللغة من طرف علماء وباحثني اللسانيات الوصفية

- وهي تتعامل مع اللغة–تدعو إىل آفاق جديدة مغايرة تضع نصب أعينها التقليدية وجمموعة من املرتكزات واآلليات اإلجرائية عمادها وضع النظر وتركيزه على مقاصد

مع حماولة عقد الصلة التواصلية باملتلقي يف جمال ال يتغاضى ) املخاطب/الناص(املتكلم . للغة) التلفظية(يطة بالعملية اإلنتاجية قة الظروف واملالبسات احملتنظره عن بوب

حماولني رصد ) التداولية(وسوف نقوم يف الفصل املوايل باحلديث عن هذه النظرية ني لغويني، مع الوقوف أهم املفاهيم والتعريفات اليت أوكلت إليها من طرف علماء وباحث

السطور حملاوالت تفسريية توضيحية ورها ونشأا األوىل، متعرضني يف ثنايا هذه على جذألهم اآلليات التي قامت عليها هذه النظرية قصد خلق منفذ صلة جيمع بني اآلليات الكربى املتعلقة باجلهاز املفاهيمي التداويل والدرس البالغي العريب ألن طبيعة اإلشكالية

المي القائم على اقتضت إحداث تقاطعا معرفيا بني مكنونات ومرتكزات احلدث الكخلفية النظرية التداولية، وذلكم امللفوظ البالغي الذي غدى أصحابه القدامى يتعاملون معه يف الكثري من السياقات أنه حدث حيمل من املواصفات واالعتبارات ما جيعله قريب

.جدا من التنظريات التداولية املعاصرة

Page 85: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

متهيد- 1

حول املرجعية الفكرية للتداولية- 2

إسهامات الفلسفة التحليلية -1.2

إسهامات شارل موريس -2.2

إسهامات تشارلس ساندز بريس -3.2

إسهامات النظريات اللسانية احلديثة-4.2

مفهوم التداولية- 3

أمهية الدرس التداويل- 4

أهم نظريات الدرس التداويل- 5

األفعال الكالمية نظرية-1.5

أوستني والفعل الكالمي-1.1.5

سورل واألفعال الكالمية-2.1.5

نظرية االستلزام احلواري-2.5

نظرية املالئمة-3.5

اإلشاريات-4.5

االفتراض السابق-5.5

النظرية احلجاجية-6.5

Page 86: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

72

:متهيد-1

يركز اهتمامه وعنايته كان اهلاجس املسيطر على طيات سطور الفصل السابقملا يف عرض أهم املنعطفات واملسارات التطورية التي سلكتها الدراسات اللسانية منذ نشأا إىل ظهور الدرس اللساين املعاصر، املتجسد يف اللسانيات التداولية اليت أخذت على

بأبعاد وظيفية ناتفعيل النظام اللغوي بإعطائه طابعا ديناميا متحركا مشحو عاتقها مهمةتواصلية؛ بالدرجة األوىل؛ ارتأينا أخذ مسلك يعصمنا من املزالق واملزالت ويأخذنا بيده حنو ضمان استمرارية منهجية للبحث قوامه تسليط األضواء على ماهية هذا الدرس

بعلوم ومرجعياته القبلية التي يستمد منها مبادئه وكذا النظر يف العالئق التي تربطه وختصصات مغايرة له، مع احلديث عن أهم اآلليات والنظريات التي انطوى عليها اجلهاز

. أمهية هذا الدرس وآفاقهإىل باإلضافة للتعرضاملفاهيمي التداويل

ومرد هذه العتبات املنهجية التي نتخطاها يصب يف بوتقة احلفاظ على املسلك ثنا وفصوله، حبكم أننا سننطلق من احليز االستثماري الذي لنا حب ينظم املنهجي الذي

سيوكل لنفسه حماوالت تأصيل هذه املفاهيم واآلليات واملبادئ التي يكتنفها هذا الدرس فماهو مفهوم النظرية التداولية، وماهي جذورها . يف الدراسات البالغية العربية القدمية

ي أمهيتها وماهي اآلفاق املرجوة من تبين هذا الدرس ومصادرها وآلياا الكربى وماهدرسا عزيزا كفيل باملعاجلة السليمة الفائقة -كما أثبتنا يف الفصل السابق–ه بالذي حنس

وهو يتعامل مع األنظمة اللغوية، السيما إذا تفحصنا وجود املقارنة بينه وبني الدراسات يف الوصف والتحليل –اللغوية السابقة على وجوده، التي أخفقت يف الكثري من األحيان

.نظمة والظواهر اللغويةالسليم للكثري من األ

Page 87: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

73

: حول املرجعية الفكرية للتداولية- 2

لعلنا تبلغ شططا يف القول إذا اعتربنا أن البحث عن احلفريات األوىل لنشأة املعاصر مدين لعدد من / التداولية أمر سهل يسري، ومرد ذلك أن هذا الدرس احلديث

على عقول العلماء والباحثني عرب حلقات التيارات والرتاعات الفلسفية التي استحوذتة واستمرارية تطورية حصلت يف لالزمن الفكري، كما ميكن اعتبار هذا الدرس استطا

بعض النظريات اللسانية احلديثة، غري أن هناك بعض املعامل الكربى التي ميكن لنا من بسط تداولية من خالل خالهلا أن نسترشد للولوج يف التأريخ للبدرة األوىل للنظرية ال

التي كان هلا دور كبري يف حتريك عجلة نقل ،)*(بعض التصورات الفلسفية واللسانيةمن طابعها السكوين املعياري ) خاصة سرح البنيوية(الدراسات اللسانية التقليدية

إىل طابع آخر قوامه خصوصيات أخرى مغايرة كاحلركية اإلنتاجية والوظيفية ) النسقي( .ستعمايلاملنبثقة من مناخ عام هو التداولية وجوهرها التواصلي اال

: إسهامات الفلسفة التحليلية- 1.2

ية قبل الشروع يف معاجلة مسألة كيفية تأثري هذه الرتعة الفلسفية يف ظهور النظروع من اإلجياز ماهية هذا االجتاه الفلسفي وخلفياته وقضاياه التداولية؛ البد أن نرصد بن

يف اللسانيات التداولية، مع حماولة تأصيلية يف الدرس العريب القدمي، بيت "ادي يف كتابه املوسوم بـيذكر الدكتور خليفة بوج) *(؛ جمموعة من املراجع املهمة التي عاجلت فكرة اخللفيات األوىل للدرس التداويل بشيء 49/50، ص 2009احلكمة، الطبعة األوىل

:من التفصيل منهاالتداولية يف اللغة العربية، منشورات اجلامعة املغربية للتأليف والترمجة والنشر، دار الثقافة، الدار أمحد املتوكل، الوظائف -

.08، ص 1985، 1البيضاء املغرب، طمصطفى علفان، اللسانيات العربية احلديثة، دراسة نقدية يف املصاحل واألسس النظرية واملنهجية، سلسلة رسائل وأطروحات -

.1998، عني الشق، كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية، مطبقة فضالة احملمدية، املغرب )2(احلسن ، جامعة 4رقم -John Searl, Les actes de language, essai de philosophie du language collection savoir, lecture, Herman, Paris, France, 1996 (Nouveau Tirage).

Page 88: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

74

يؤهله لوضع اللبنة األوىل للدرس الكربى التي استطاع من خالهلا أن جيد لنفسه مكانا ة اويلالتداملعاصر وأجهزته املفاهيمي.

إن منهج التحليل الفلسفي يف أجلى صوره هو تفتيت املركبات إىل جزئيات أي يف )*(البسيطة، ويتحقق ذلك عن طريق حذف وإلغاء كل ماهو مركب رمزي

حتديد األجزاء والعالقات الكائنة ة أو تعبري لغوي للتمكن من الوصول إىل الدقة يفغصيا، إن هذا اموع التصوري املنهجي يؤدي إىل تفادي التركيبات )1(يف هذه الصياغات

تعابري أخرى أكثر وضوحا ، حمققا التوصل إىل حدود )ذات املظهر الرمزي الغامض( .وملموسية تضعنا بدورها أمام عناصر جديدة ذات طبيعة معرفية مباشرة

ه ميكن القول إن جميء هذا املنهج الفلسفي كان مبثابة ثورة فلسفية أخذت وعلي )2(يبـعلى أعناقها توجيه الفكر اإلجنليزي إىل بوتقته األصلية املتمثلة يف االجتاه التجري

الذي يقوم على التفاضل مع القضايا واإلشكاليات يف إطار جتريب كل ماهو جزئي )3(ك املقال الذي ثار فيه على اهليجلية واملثالية اجلديدةولعل خري دليل على ذل. مباشر

التي كانت سائدة آنذاك والتي كانت ترى أن العامل كل فريد ال ينقسم إىل أجزاء يف حقيقته، وأي حماولة لتجزيئه تشويه زائف وال يوجد حقا سوى الواقع ككل وهو ما

.)4(يسمى مطلق

)* (هي كل رمز ال يدل على شيء جزئي، بل يدل على الدالالت العامة التي ال تنطوي على الذمة، وبالتايل : الرموز املركبة

مهران رشوان، دراسات يف فلسفة اللغة، دار قباء : ينظر. تفشي نوع من الغموض واإللتباس حول القضايا الفلسفية واللغوية .37، ص 1998رة، للطباعة والنشر والتوزيع، القاه

)1 .36/37: املرجع نفسه، ص: ينظر) )

2 .وما بعدها 23املرجع نفسه، ص : ينظر) )

3 .28املرجع نفسه، ص : ينظر) )

4 .44/45ص: ص. 1985فهي زيدان يف فلسفة اللغة، دار النهضة العربية، بريوت : ينظر)

Page 89: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

75

ذين كان هلم دور طالئعي يف خلق هذه الثورة ولعل من أهم الرواد الفالسفة ال B. Russellراسل الفلسفية املناهضة للمثالية، برتراند

G.E Mooreإدوارمور وجورج ،)*(

مؤسس حركة التحليل الفلسفي سنة Charleswotthالذي يعد حسب تشارلزوت )**( .L )***1(والذي ثار فيه على املثالية، ولودفيج فتغنشتاين -يف مقالة املذكور آنفا- 1903

Wittgenteïnة يف ؛ة املهمال يف انبثاق اآلليوهذا األخري هو الذي كان له الدور الفعكما يقول فان . النظرية التداولية وهي ظاهرة األفعال الكالمية حبكم أن هذه النظرية

تكاد تستلهم وجودها من املنطق، إذ تستنبط أساسا من فلسفة " VAN DJICK–ديك وهو ما سوف نبينه بشيء من التفصيل .)2("اللغة، ونظرية أفعال الكالم بوجه خاص

.الحقا

فيلسوف من وراء الفلسفة التحليلية، مل يكن فيلسوفا فحسب بل كان رياضيا، ) 1872 -1970( B. Russellبرتراند راسل )*(منطقيا وسياسيا وأدبيا ورجل تربية وإصالح، ثار على الفلسفة املثالية مستخدما املنهج التحليلي اجلديد، تتمثل مسامهته

ه تزويد الفلسفة باملنهج العلمي، من كتبه أصول األساسية يف حماولته اجلمع بني املنهج التجرييب والعقلي من جهة، وكذا حماولت .وما بعدها 32مهران رشوان، ص : ينظر". برنكبيا ماتيماتيكا"الرياضيات و

)**

(، كان صديقا لراسل وفتغنشتاين، وشارك يف تأسيس )1958- 1873(فيلسوف إجنليزي : G.E. Mooreجورج إدوارد مور

الطالئعي يف جتديد الواقعية يف بلده إجنلترا، لكنه كان يرزح حتت وطأة املثالية اهليجلية احلركة التحليلية، إضافة إىل دوره وما 28ص: ينظر املرجع نفسه ص". مبادئ األخالق"و" دفاع عن احلس املشترك: "مهمة مثل ةاجلديدة، له عدة أعمال فلسفي

.بعدها)***

، أستاذ الفلسفة يف )1951-1889(حتصل على اجلنسية الربيطانية منطقي منساوي،: L. Wittgensteïnلودفيج فتغنشتاين )

Jeux deاجته إىل دراسة اللغات الطبيعية، وضع نظرية لعبة اللغة 1903جامعة كمربيج، حبث يف أسس الرياضيات، وبداية من

Language من مصنفاته ،Philosophicalة، ترمجة حممد حيياتن، ديوان اجللياليل دالش، مدخل إىل اللسانيات التداولي: ، ينظر .وما بعدها 38ص : مهران رشوان، يف فلسفة اللغة، ص: ، وينظر20/21ص ) د، ت(املطبوعات اجلامعية، اجلزائر،

)1فان ديك، النص السباق، استقصاء البحث يف اخلطاب الداليل والتداويل، ترمجة عبد القادر قنيين، إفريقيا، بريوت، سنة ) .255، ص 2000

)2فان ديك، النص السباق، استقصاء البحث يف اخلطاب الداليل والتداويل، ترمجة عبد القادر قنيين، إفريقيا، بريوت، سنة ) .255، ص 2000

Page 90: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

76

أما بالنسبة ألهم املرتكزات والدعائم التي اعتمدا حركة التحليل وهي تتعامل مع الظواهر اللغوية والقضايا الفلسفية، فيمكن إمجاهلا حسب شوليموفسكي

Sholimowiski يف ما يأيت:

االعتماد على دور اللغة، واعتبارها دعامة أساسية يف التفكري الفلسفي؛-أ

جزءا؛/ املشكالت الفلسفية إىل أجزاء صغرية ملعاجلتها جزء تفتبت -ب

خاصيتها املعرفية؛-ج

أي املعاجلة املشتركة بني Inter Subjectivitéالبني ذاتية "اعتمادها على مبدأ -د .الذوات يف عملية التحليل

وأمام هذا املعطى من التشكل؛ فإننا نلحظ أن الكثري من الفلسفات واألنساق سفية تنهض على هذه املقومات واملرتكزات، ولكن املظهر الكفيل بزرع احلد الفارق الفل

معا ويف آن واحد داخل إطار الفلسفة واع الفلسفية األخرى هو اجتماعهابينها وبني األن .)1(التحليلية

لودفيج فتغنشتاين مبادئ تيار الفلسفة التحليلية، اقتفى الفيلسوف النمساوي القضايا الفلسفية، حلل )*(إقامة لغة مثالية" راسل"ا يف حماولته، مع زميله وظهر ذلك جلي

مث تراجع كل ،)**(الذرية املنطقية النظرية"ها كان ذلك يصب يف إطار نظرية مسياو

)1 .140املرجع السابق، ص : ينظر)

اال على مسمى دحاول فتغنشتاين وزميله راسل إقامة لغة رمزية تتجنب كل عيوب اللغة العادية، حبيث يكون كل اسم ) *(هذه اللغة أيضا بدراسة التركيب الصحيح ملفردات اللغة بوضع قواعد هذا التركيب، كما تدرس قواعد االستبدال معني، وتعىن

من صورة من اجلمل إىل ما ينجر عنها من صور أخرى، ينظر حممود فهمي زيدان، يف فلسفة اللغة، دار النهضة العربية، بريوت .43، ص 1985

مما يتألف العامل وما أنواع : نظرية ميتافيزيقية جتريبية، حتاول اإلجابة على جمموعة من األسئلة مثل: لنظرية الذرية املنطقيةا) **( .31؟ املرجع نفسه، ص...؟ وما العالقة بني اللغة والواقع...املوجودات فيه؟ وما أنواع القضايا اليت تعترب عنه هذه املوجودات

Page 91: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

77

منهما عن النظرية واحملاولة باعتبار أن بالنظرية عيوبا، وإن إقامة اللغة املثالية مشروع لذلك اجتهت جهوده إىل انتقاد مبادئ ومرتكزات الوضعية املنطقية، يستحيل تنفيذه،

، وقوامها احلديث عن طبيعة اللغة)1(فلسفة اللغة العادية"اه يوأسس اجتاها جديدا أمساملثالية وطبيعة املعىن يف كالم اإلنسان العادي، وقد ظهر تراجعه جليا عن مشروع اللغة

الذي مل ير . Philosophical Investigationاث الفلسفية والنظرية املنطقية يف كتابه األحب . )2(النور إال بعد وفاته

:مث انقسمت الفلسفة التحليلية إىل ثالثة فروع أو اجتاهات كربى هي

.رودولف كارناب بزعامة positivisme Logicالوضعانية املنطقية -

.، بزعامة إدموند هوسرلPhénoménologie du languageالظاهراتية اللغوية -

.)3(، بزعامة فتغنشتاينPhilosophie du Langage ordinaireفلسفة اللغة العادية -

احملضن الفكري لنشوء الفلسفة األوستينية يف وهذا االجتاه األخري هو الذي مثل الدرس ، واليت تعترب من أهم حماور )4(انبعثت منها ظاهرة األفعال الكالمية ، حيثاللغة

التداويل املعاصر، حبكم أن هذه الظاهرة هي استمرارية وتطوير لنظرية األلعاب اللغوية وهكذا استطاع هذا األخري أن حيتل موقعا مهما ،)*(اليت أسس هلا الفيلسوف فتغنشتاين

)1 .43املرجع نفسه، ص : ينظر) )

2 .46املرجع نفسه، ص : ينظر ) )

3مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، دراسة تداولية لظاهرة األفعال الكالمية يف التراث اللساين العريب، دار )

.22، ص 2005الطليعة والنشر، بريوت الطبعة األوىل، متوز يوليو )

4يف اللسانيات التداولية مع خمالفة تأصيلية يف الدرس العريب القدمي، بيت احلكمة، الطبعة األوىل، خليفة بوجادي،: ينظر)

.50، ص 2009اجلزائر ين، فإذا كان فتغشتاين ايؤثر الكثري من الباحثني استخدام عبارة فتغنشاين األوىل والثاين التفريق بني مشروعه األول والث) *(

القضايا : م القضايا إىل نوعنيس، أو التحليل املنطقي للقضايا ويقف يف التوضيح املنطقي لألفكاراألول خيتصر مهمة الفيلسو، والقضايا اليت تصور الواقع وهي قضايا احلياة اليومية وقضايا )حتصل حامل(اليت ال تصور الواقع مثل قضايا الرياضيات واملنطق

Page 92: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

78

بني الفالسفة األوائل الذين كان هلم باع طويل يف تطعيم الظاهرة اللغوية ودراستها ع االستعمايل، وقد ظهر ذلك من خالل أعماله األوىل يف املنطق والفلسفة واليت بالطاب

بتقييم يلية للغة اليت تقوم على االعتدادحيث ركز على الوظيفة التمث 1918انتهت يف امللفوظات من حيث صحتها وخطئها، كما ظهر أكثر جتليا يف مؤلفاته الالحقة اليت راح يصور فيها تصورات جديدة يف تلك املرحلة حبكم أنه كان ينفي القطيعة واالنفصال بني اللغة والفكر، بل أكثر من هذا حيث دأب ينفي على تنفيذ بعض االدعاءات الفلسفية

د لغة خاصة وأثبت أن الفرد يتبع يف تراكيبه للغة عموم جمتمعه، اليت ألصقت بالفرأن ساس أمستلزما على إثر ذلك بضرورة استبدال معىن التواصلية يف اللغة، بالتعبريية على

الوظيفة األساسية اليت تسند إىل اللغة ليست متثيال للعامل وتفسريا له بقدر ماهي آلية .)1(إطار عملية التواصل للتأثري يف اآلخرين يف

نلمس اهتمامه الكبري بفكرة االستعمال اليت كان هلا األثر البالغ ويف هذا امللمح؛ التركييب إىل لك من االهتمام بالنموذج البنيويعلى حتوالت الفلسفة املعاصرة، وذ

ا يف أي أ: "...يقول فتغنشتاين متحدثا عن مهام الفلسفة .النموذج التداويل االستعمايلمعركة ضد البلبلة اليت حتدث يف عقوهلا نتيجة استخدام اللغة، فعقل اإلنسان قد ال ينبه إىل استخدام اللغة نتيجة الفتنانه ا، األمر الذي قد يؤدي إىل قيام املشكالت

" د عليه يف تثبيت دعائم هذا التصور نظريته املشهورةموأفضل دليل اعت ،)2("الفلسفية

وف يف حتليل هذين النوعني من القضايا، فقضايا احلياة اليومية وقضايا العلماء لفيلساالعلوم الطبيعية باإلضافة إىل حصره وظيفة مركبة جيب أن تنحل إىل قضايا بسيطة، وأبسط القضايا ما يصور الواقع تصويرا دقيقا؛ فإن الثاين رفض هذه املهمة واستبدهلا

، وذلك بإعادة الفالسفة إىل اللغة العادية، وتركهم أي حماولة إلقامة لغة Thérapiesإىل مهمة جديدة تكمن يف املعاجلة النسبية . وما بعدها 18دالش اجلياليل، مدخل إىل اللسانيات التداولية، ص : ينظر. مثالية أو استخدام مصطلحات اخترعها الفالسفة

)1

: ، ص1986، )املغرب(مناء القومي، الرباط يد علوش، مركز اإلاملقاربة التداولية، ترمجة سع: كوفرانسواز أرمين: ينظر) .22/23ص)

2نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة، دار الطليعة للطباعة والنشر، الطبعة األوىل، : الفلسفة واللغة: ورةنغالزواوي )

.103، ص 2005بريوت،

Page 93: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

79

الذي أفصح " 1921حبث يف الفلسفة واملنطق " اليت طرحها يف طيات كتابه" ألعاب اللغةمفهوم التالعب بالكالم، وأصبح فيما بعد أحد دعائم ظهور التداولية؛ ذلك أنه "فيه عن

مرتبط باملعىن الفعلي الذي منحه للملفوظات؛ فهو قائم، إذا على ممارسة التأويل من .)1("خالل األداء الفعلي للغة

وخالصة نظرية ألعاب اللغة أن الكلمة آلة إنتاجية لعدة معان، وتأيت هذه اإلنتاجية وفقا الستخدامنا املتغري هلا يف احلياة اليومية باعتبار السياق الذي ترد -يةنغري السكو–

ة األخذ بعني االعتبار سياق امللفوظية إذا ارتبط األمر بعملي"فيه على أساس أنه من املهم وبالتايل قضى فتغنشتاين على تلك الرتعة ،)2("فهم داللة التعبري اللغوي أو شرحه

التصويرية الفلسفية اليت كانت سائدة واليت كانت تعترب أن اللغة ختضع حلسابات منطقية ، وينجر عن هذا الطرح أن أية )3(دقيقة حتكم لكل كلمة يف اللغة معىن واحدا وحمددا

داللة لفظ معين مرهون باإلدراك الشامل واإلحاطة التامة باستعماالت حماولة لفهم . اته يف سياقات متعددةلفعلية على الواقع، وكيفيات صياغا

ويظهر من خالل هذه العتبات التصويرية أن فتغنشتاين يرى أن األفعال اليت التي حنياها، إذ ال جمال من نتلفظها، ترتبط ارتباطا وثيقا بأشكال احلياة واملمارسات

وضع احلدود واحلوافز بني النشاط اللغوي واحلياة اليومية االجتماعية، ويف هذا الصدد ميكننا اعتبار اللغة مدينة قدمية متاهة من األزقة والساحات واملنازل القدمية : "بقول

من الضواحي واجلديدة التي ا إضافات من أحقاب خمتلفة، وكل هذا حماط بسلسلةيرجع إىل هذه النظرية مردو )4("ذوات أزقة مستوية ومنتظمة ا منازل موحدة الشكل

)1 .52خليفة بوحادي، يف اللسانيات التداولية، ص ) )

2 .51املرجع نفسه، ص ) )

3 .57يف فلسفة اللغة، ص : حممود فهمي زيدان: ينظر) )

4 .20/21ص : مدخل إىل اللسانيات التداولية، ص: اجلياليل دالش )

Page 94: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

80

تلك املساحة اليت تسمح للمتكلمني بالتالعب خبطابام يف إطار اختيارات مباحة داخل .)1("جمموعة منظمة من وجهات النظر واملمارسات واملصاحل"طيات اخلطاب باعتبار

فيه أن وظيفة اللغة هي رباين عن موقفه األول الذي كان يعتى فتنغنشتوهكذا ختليف كتابه الرسالة (أي رسم وتصوير العامل اخلارجي " الصورة"أو " الرسم"وظيفة إن القضية رسم للوجود اخلارجي، على النحو الذي نعتقد : "، حيث كان يقول)املنطقيةإىل رؤية مغايرة مفادها أن وظيفة اللغة هي االستعمال والتفاهم مع اآلخرين )2("أنه عليه

بدون اللغة ال ميكننا االتصال الواحد منا باآلخر، وإنما نقول : فال نقول: "والتأثري عليهمبدون اللغة ال ميكننا التأثري يف اآلخرين، على هذا النحو وذاك، وال بناء للطرق : بالتأكيد

بدون استخدام الكالم والكتابة لن : اآلالت وغري ذلك، كما نقول كذلكوصناعة التأثريي ال ينتج / وال ضري أن هذا التفاعل التواصلي )3("يستطيع الناس االتصال ببعضهم

إال ضمن سياقات معينة، وهكذا بات من الضروري تبين فرضية جوهرية قامت عليها امية عدم الفصل بني اللغة الطبيعية ووظيفتها التواصلية النظرية التداولية املعاصرة وهي إلز

يف إطار االهتمام بظروف االستعمال باعتبارها املسؤولة على حتديد طبيعة البنية .وتشكيلها

من فتغنشتاين أثرا كبريا يف سياق الفلسفة لقد كان هلذه اجلهود التي صدرت بح يعرف يف تاريخ الفلسفة املعاصرة مبدرسة التحليلية وتياراا اجلديدة وخاصة ما أص

.)4(أو مدرسة أفعال الكالم Oxfordومدرسة أكسفورد Cambridge" كمربدج"

)1 .52خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية، ص ) )

2 .104الفلسفة واللغة، ص : الزاوي بغورة) )

3 .104املرجع نفسه، ص ) )

4 .104املرجع السابق، ص : ينظر)

Page 95: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

81

:إسهامات شارل موريس- 2.2

يف إطار البحوث الفلسفية اليت دأبت Charles Morisتصب جهود شارل موريس على دراسة الدليل الذي حظي مبقاربات كثيفة من طرف الباحثني اللغويني ذوي الرتعة الفلسفية وحبوث علم النفس السلوكي اليت هيمنت على اللغة يف وقت ما، باعتبار أن

تلقي إىل رد فعل هذه البحوث األخرية تنظر إىل اللغة بوصفها نظاما من السلوك يهيئ امل .)1(ما

واجلدير بالذكر يف هذا املقام؛ أن املفهوم الذي أوكل للتداولية يف العصر احلديث عندما استخدمه للداللة على فرع من 1938واملعاصر قد صدر من شارل موريس سنة

ز وهو يف إطار التميي Semiotics )*(فروع ثالثة يشتمل عليها علم العالمات أو السيميائية :)2(بني جماالت ثالثة يف دراسة اللغة، وهذه الفروع هي

يعىن بدراسة العالقات الكلية بني العالمات "والذي :Syntacticعلم التركيب- أ، أي أن األمر هنا يتعلق مبجموعة من القوانني اليت تضبط عملية الصحة "بعضها مع بعض

: النحوية للكالم، من أجل أن يكون مقبوال لدى مستخدمي اللغة يف التمييز، بصيغة أدقباإلشراف على جمموع العالئق، التي ميكن يتجه هذا العلم إىل دراسة اللغة دراسة نسقية

ها يف التركيب، باإلضافة إل حتديد الضوابط اليت تسهر على ئظراأن حتدثها الكلمة مع ن . سالمة حتويل اجلملة أو العبارة التي جندها مطروحة يف أسوار املنصوص واخلطابات

)1 .56خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية، ص : ينظر)

، وهو علم Semioticsاألمر الذي ال مناص من ذكره يف هذا املقام أن اللساين فرديناند دي سوسري هو مبتدع مصطلح ) *(يدرس حياة العالمات يف صلب احلياة االجتماعية، واملراد هو دراسة كل أنظمة التواصل دون االقتصار على نظام التواصل

. اللغوي، ومن األنظمة العالماتية جند اخلط وأجبدية الصم والبكم والطقوس الرمزية وعالمات التأدب واإلشارات العسكريةم، دار الغرب 13/هـ7، قضية اللفظ واملعىن ونظرية الشعر عند العرب من األصول إىل القرن أمحد الوردين: للتفصيل ينظر

.74، بريوت، ص 2004اإلسالمي، الد الثاين، الطبعة األوىل (

2) Voir : Dominique Maingueneau : pragmatique pour le discours littéraire, édition Nathan université, Paris,

2001, P 3.

Page 96: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

82

سياق احلديث الكالمي العلم، فإن /ووفق هذا التصور الذي ينبين عليه هذا اال ومصاحباته من ظروف خارجة عن البنية ال متثل أي موضع وال تؤخذ يف االعتبار سواءا

أم بالعملية التأويلية، ) الباث(تعلق األمر بالعملية اإلنتاجية للغة، والتي ترتبط مبنتج الكالم .ة املوالني كما سنرىالتفسريية الباحثة عن املعىن واملرتبطة باملتلقي، خبالف الفرعي

دراسة عالقة العالمات باألشياء "ويقوم جمال هذا العلم على :علم الداللة-ب، فهو يف نظره جمال يلقي انشغاالته ومقارباته يف فهم )1("اليت تدل عليها أو حتليل إليها

: ة أدقتعينها يف إطار سياق اللغة، بصيغووصف جمموع العالئق بني املعاين واألشياء التي هو ذلك العلم الذي يوجه اهتمامه إىل دراسة عالقة الكلمات بالعامل اخلارجي الواقعي، إال أن املعىن املتوصل إليه هذا املستوى حسب هنرش بليت؛ قد ال يعكس املعىن احلقيقي املراد من الصياغات اللغوية، خاصة إذا أدخلنا يف احلسبان مسألة انقطاع اإلحالة،

راجع، وحضور ااز مبختلف صوره وأشكاله، يف اخلطاب األديب على وجه وغياب امل .)2(اخلصوص

دراسة عالقة العالمات "جمال هذا العلم حسبه على وينهض :التداولية-ج، )4(أو هي جزء من السيميائية، يعاجل العالقة بني العالمات مبستخدميها )3("مبفسريها

مبعىن أا تركز على اإلطار التواصلي يف حماولتها لتحديد العالقة القائمة بني اإلشارة ومن ووفق هذا الطرح؛ ال ميكن اعتبار أي مجلة أو . يستخدمها يف االتصال اليومي العاديوبتعبري آخر هو جمال يعىن ). التداويل/التواصلي(عبارة بنية شكلية معزولة عن سياقها

)1 .09، ص 2002حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، دار املعرفة اجلامعية، اإلسكندرية، ) )

2البالغة واألسلوبية، حنو منوذج سيميائي لتحليل املعىن، ترمجة حممد العمري، إفريقيا الشرق، املغرب، : هنريش بليث: ينظر)

. 100، ص 1999

)3 .09أمحد نبلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص حممود ) )

4 .56خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية، ص : ينظر)

Page 97: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

83

وانطالقا من هذا . )1(لة بني اللغة، وبني الناطقني ا، واملؤولني هلالعالئق احلاصبدراسة االتحديد الذي أوكله موريس للتداولية جبعلها أحد األسس القارة التي ينبين عليها علم

تتجاوز جماهلا اللسان "موريس مة حسبالسيميائية ميكن اخلروج بنتيجة مفادها أن العالال احليواين، اآليل، : ال السيميائي، وجماهلا اإلنساين إىل جماالت أخرىإىل اا .)2("الطبيعي

لقد جعلت هذه النتيجة الفكرية التي انبثقت من إطار تقسيم موريس للسيميائية وجعله التداولية فرعا منها؛ إىل إعراض بعض الباحثني اللغويني عن هذا الطرح، كما هو

، الذي عزف عن تصنيف موريس "نواري سعودي أبو زيد: "اجلزائرياحلال للباحث التصور قد يؤدي إىل إخراج الدراسة التداولية عن سبيلها وجديتها حبجة أن هذا

وجدواها يف آن، كما يعترب أن إدراج التداولية ضمن النظرية السيميائية قد يؤدي .)3(حتت لواء علم العالمات أو السيمياء جماال يقع بالباحثني العرب إىل اعتبار التداولية

فكرة التداولية وزرع خصوصياا "إال أن األمر الذي حنسبه ركنا ركينا يف تدعيم لة بني العالمات باستعماالا، ل التداويل مبقاربة العالئق احلاصهو ربطه اا" عند موريس

ا الربط ضرورة الولوج إىل املعطيات املصاحبة ومقاماا وأطرافها التداولية، وينتج عن هذللحدث الكالمي، حبكم أن هذه العالمات ال تأخذ معناها احلقيقي إال إذا تدعمت بالبعد االستعمايل الذي خيضع للظروف احمليطة بالعملية التواصلية التفاعلية، وتتبين

ئم للمعطيات احمليطة بعملية مصداقية هذه الفكرة عند الباث وهو حياول صنع خطاب مال، كما تتبني سالمة هذا املقتضى التصوري عندما يلجأ )بضم امليم(تلقي املخاطب

)1، اجلزائر، 2009نواري سعودي أبو زيد، يف تداولية اخلطاب األديب، املبادئ واإلجراء، بيت احلكمة، الطبعة األوىل : ينظر)

.23سطيف، ص )

2 . 56خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية، ص )

)3 .24نواري سعودي أبو زيد، يف تداولية اخلطاب األديب، املبادئ واإلجراء، ص : ينظر)

Page 98: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

84

إىل استثمار كل العناصر التي حتف باإلطار التواصلي، رغبة منه يف الوصول إىل باملخاط .الفهم والتأويل الصحيح للتعبريات املختلفة

وري، ميكن اعتبار إسهامات موريس مبثابة بذرة جوهرية التص ومن هذا املنطلقمهدت السبيل لظهور النظرية التداولية املعاصرة من خالل ترسيخ بعض املفاهيم اجلديدة يف الدراسات اللغوية كاالستعمال واملستخدمني واملؤولني واإلطار التواصلي والسياق

ىل تعريف تداويل للغة، بأنها نشاط إ"للخلوص )موريس( االجتماعي، وكل ذلك أهله . )1("تواصلي أساسا، ذا طبيعة اجتماعية

:سز بريرإسهامات تشارلس ساند- 3.2

تتخذ السيمياء عند بريس طابعا مشوليا، إذ ال يوجد حسبه شيئا خارج عن نطاق مل يكن بوسعي أبدا دراسة أي شيء كالرياضيات، األخالق "حيث يقول . موضعها

فإن ووفق هذا التأسيس )2("إال عن طريق الدراسة السيميائية...) وامليتافيزيقا، اقتصادالسيمياء حسب بريس متثل منطقا شامال عاما يستوعب كل القضايا والظواهر

كما يسعى يف الوقت نفسه إىل إقامة قواعد تفيد التمييز السليم . واالختصاصات العلميةجتسده إن املنطق مبعناه العام هو علم الفكر الذي "و خاطئ، بني كل ماهو صحيح وماه

ويظهر على إثر هذا القول اعتقاده التام )3(العالمات، إنه بصيغة أدق السيمياء العامة .مبساوات املنطق بالسيمياء

كيف جنعل أفكارنا "قاله مظهرت اللبنة األوىل للدرس التداويل مع ظهور وقدمىت يكون : ، وقد انطلق من سؤال جوهري يقيم عليه دعائمه مفاده1978واضحة عام

للفكرة معىن، وعلى إثر هذا املعطى دأب على دراسة الدليل وأثبت إدراكه بواسطة

)1 .57خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية، ص )

(2) Charle Senders peirce : Ecrit sur le signe, Ed. Seuil, Paris, 1978, p 32.

(3) Ebid, P 32.

Page 99: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

85

إن الواقع املدلول عليه يفترض "التفاعل الذي حيدث بني الذوات والنشاط االجتماعي ومن هنا بدأت . )1("اهو اجتماعيجتربة إنسانية مبنية ال على ماهو فردي بل على م

أفكاره املتجهة للعالمات تأخذ طابعا منفصال يف بوتقتني أساسيتني ومها التجربة .واتمع

من لدن بريس يلفي مبا ال يدع انبثقتإن املتفحص هلذه الفرضية العلمية التي عينه تلك بوادر أفق تأخذ بيد حياة العالمات إىل جمال يضع نصب أ. جماال للشك

املمارسات واألنشطة اللغوية مبا حتمله من معان ودالالت إىل منهج علمي حقيقي قوامه التجربة التي تأخذ جوهرها من املمارسة اللسانية احملتكة بالواقع اخلارجي وما حيمله من متفصالت سياقية ديناميكية متحركة وهذا هو سر ومرد قناعته بأن الكيفية املناسبة

لفعالة جلعل أفكارنا أكثر وضوحا متعلقة بتنفيذها على الواقع وقياس النتائج املترتبة وا .عنها

ويف إطار اهتماماته باإلشارة؛ حبث عن الطرق اليت يتم بواسطتها التواصل الفعال السيميائيات وذلك املنظم بني بين البشر لينكشف له يف النهاية أن التداولية فرع مهم

وعبر عنه يف تلخيصه إلطارها العام، وذلك أن اللسانيات املتداولة تفترض كال فيما كتبه وانطالقا من هذا التخريج فإن التداولية حسب بريس )2(من الدراسة التركيبية والداللية

ع، كما ميكن اعتبارها وسيلة من وسائل املعرفة واقهي أداة مهمة ميكن من خالهلا نقل الهج جلميع ميادين املعرفة، ويظهر ذلك جليا يف إطار إرجاعه حتديد واالتصال، ومن

العالمة اللسانية بتحديدها التداويل االستعمايل يف تنسيق مع عالمات أخرى من طرف .)3(أفراد مجاعة معينة

)1 .198رة، املدارس اللسانية املعاصرة، ص وقنعمان ب) )

2 .09حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص ) )

3 .41ينظر املرجع نفسه، ص )

Page 100: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

86

يف كتاما املوسوم D. Venderlichوفندرليش V. Masseماس . ميكن فهم أوعليه فهما لو سطحيا حني أرجعا البدايات واجلذور الفعلية Pragmatics and sprachlichersبـ

للفكر والدرس التداويل املعاصر إىل أربعة أصول أساسية كان من بينها الدرائعية 1905يف سنة " شارلس سندرز بريس"أسست على يد اليت) Pragmatisme)1األمريكية

الت الفلسفة املثالية والعقالنية اليت دأبت على واليت أدت وبطريقة مباشرة إىل حتطيم مقو .)2(التنظري ألن هذا النوع من التصور يفضي على تعددية العامل نظاما واحدا

:إسهامات النظريات اللسانية احلديثة- 4.2

عن ملا كانت اإلنتاجية األدبية من املنظور البنيوي قائمة على االنسالخ واالنعزال ؛ ظهرت أفكار نقدية مناهضة لآلثار "موت املؤلف"املصدر الفعلي إلنتاجه حتت عنوان

النامجة عن هذا التصور وقوامها تفنيد أهم مقولة تنظريية إجنرت عن سرح البنيوية العتيد وهي استقالل البنية عن كل ما يقع خارجها واعتبارها إطارا مسيجا حتكمه قوانينه

.مبعزل عما سواه اخلاصة

لقد ظهرت هذه احلركية النقدية ونشطت يف تفنيد األطر املفاهيمية البنيوية بالتزامن مع ظهور فعاليات فكرية ركزت لب عنايتها يف البحث عن املعىن الذي ينتج من األنظمة اللغوية والتأويالت التي ميكن أن تنجر من العبارات والصيغ الكالمية التي

لقد جتسدت هذه املعاينة الفكرية . وجد مطروحة يف أسوار النصوص واخلطاباتتاملناهضة لسرح البنيوية يف النظريات اللسانية اليت تلت البنيوية وأمهها السيميائية اليت

مستويات القراءة يف النص األديب نتيجة عدم خضوع "دأبت على االعتداد مبسألة تعدد مع أنه ميكن . ام اللغوي، وهو أساس الفهم البنيوي الذي كان سائدااملعىن لسلطة النظ

)1 .4/5اجلياليل دالش، مدخل إىل اللسانيات التداولية، ص : ينظر) )

2ميجان الرويلي، سعد اليازعي، دليل النقاد األديب، إضافة ألكثر من مخسني تيارا ومصطلحا نقديا معاصرا، املركز : ينظر)

.102، الدار البيضاء، ص 2000الثقايف العريب، الطبعة الثانية

Page 101: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

87

إعذاره يف متسكه بالنظام اللغوي حني نراجع دوافع البحث، وظروف نشأته يف مطلع .)1("القرن التاسع عشر

ي بدأ مفهوم فكرة النسق املغلق يتزحزح وخاصة دينوعلى إثر هذا الـمعطى التف، وقد جتلى ذلك يف أعمال وجهود New-Critiqueمع ظهور موجه النقد اجلديد

)*(وجوليا كريستيفا) Umberto Eco )1930السيميائيني اجلدد، أمثال أمبريتو أيكو Kresteva Julia )1924(، لسوف جاك دريدا وأفكاره وباألخص الفيJacques Derrida

مفهوم النسق املغلق لدى البنيويني يشكل عقيدة "، حيث كان ال يزال )1930( .)2("وثوقية

ومن هذا املنطلق عدى مفهوم النص عند السيميائيني جياوز مفهوم املنتوج، حيث أصبح ميثل فضاء مبسوطا لإلنتاجية، باعتبار أن االنصهار والتفاعل بني املنتج واملتلقي أمر

هي نفسها نص، وهي تنقش "مناص منه يقع يف إطار تواصلي، فتغدو الذات املتكلمة الالعنصر الغالب يف "، وهي إحالة إىل )3("كسيمات سيميائية... ضمن العملية الدالة

ي ويف هذا امللمح تفنيد لتلك املقوالت الت. )4("تركيب ما يتكلم، وما يقال وما يلفظ

)1بيت احلكمة، الطبعة األوىل، اجلزائر خليفة بوجادي يف اللسانيات التداولية مع حماولة تأصيلية يف الدرس العريب القدمي، )

. 59، ص 2009

الذي يقوم على Signifiance، وافتتحت أفقا جديدا من خالل التدليل Text closلقد فندت كريستيفا مفهوم النص احملايث ) *(التمييز واالختالف والتوزيع اليت متارس داخل اللسان، ويطرح على خط الذات املتكلمة سلسلة حالة تواصلية وحنوية مبنينة، "

درس هذه الداللة الالائية وأمناطها داخل النص، جتاوزا الدال مع الذات والعالمة ت سيتوسيكون على السيميائيات التحليلية ال ,Julia Krestiva" التنظيم النحوي للخطاب للوصول إىل املنطقة حيث تتجمع فيها البذور التي ستدل داخل حضرة اللسانو

Sémiotique recherche par une sémanalyse,….p. 9 وعليه ينتقل اإلعداد يف احلقل السيميائي من العالمة بوصفها وحدة ، .الذي ينجر من امللفوظ العام للخطاب) système sémantique(مستقلة إىل النسق الداليل

)2 .236، القراءة النسقية ومقوالا النقدية، ص فسأمحد يو) )

3 .263حسن ناظم وعلي حاكم صاحل، ص . ج، هيو سلفرمان، نصيات بني اهلرمونيطيقا والتفكيكية، تر) )

4 .263املرجع نفسه، ص )

Page 102: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

88

ر يف جمموعة من األنساق النحوية الصارمة اخلارجة عن كليتها ترى أن امللفوظ ينحص . الدالة

لقد أثر هذا املقتضى التصوري على محمل تيارات ما بعد البنيوية، إذ راحت هذه األخرية تقارب األنظمة الفكرية والفلسفية واللغوية واألدبية، آخذة يف اهتمامها

البحث عن حقيقة املعىن، األمر الذي أفضى إىل نتيجة أخرى مهمة وأوالوياا مسألةبالكلمة يف عمليات التحليل دختالف التقاليد اللسانية السابقة وهي ضرورة جتاوز االعتدا

إىل االعتداد باجلملة، وسرعان ما تطورت هذه النتيجة إىل أبعد من ذلك؛ حيث أصبح وفه املقامية، ومث جتاوز اجلملة يف املقاربات موضوع اللسانيات مرتكز على النص وظر

التحليلية، مما أدى إىل خلق مفاهيم ومصطلحات جديدة مثل حنو النص، واجلملة النصية، .)1(وعلم النص، بدل حنو اجلمل واجلملة املعروفة يف اللسانيات

ومن بني االجتاهات اللسانية اليت تأثرت ذا املنحى حلقة براغ اليت تنسب إىل وكان من بني 1926سوسري حيث أسسها يف براغ عام فردينا نديعامل اللغة السويسري

السمات واملفارقات اليت طبعت هذه املدرسة هو تركيزها على اجلانب الوظيفي وعلى . النحويةصوات، وعلى العالقة بني األصوات والصيغ السمات املميزة يف علم وظائف األ

فريى أتباع هذه احللقة أنه جتب دراسة اللغة من وجهة نظر وظيفية، أي دراسة الوظائف اللغة حقيقة واقعية فعلية، وحيكم منطها "على اللغة أن تضطلع ا باعتبار أن جيب التي

وعلى ... تماعي، السياق، طبيعة املتلقيالوسط االج: ، حنو)غري لسانية(عوامل خارجية ونيم قبل كل شيء ورمبا كان ذلك سر اعتبار الف )2("اللساين دراستها يف ضوء ذلك

الوحدة التقابلية الصغرى اردة اليت يسمع –مفهوم وظيفي إذ إنه حسب مدرسة براغ .ونيم آخر بالتمييز بني داللتني فكريتنيفالتعارض بينها وبني

)1 .60انيات التداولية، ص خليفة بوجادي، يف اللس: ينظر) )

2 .22املرجع السابق، ص )

Page 103: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

89

رسو هذا املقتض التصوري الصادر من لدن هذه املدرسة انطالقا من فكرة ويجوهرية مثلث التوجه الوظيفي بكل أشكاله وصوره يعد اللغة ظاهرة فعلية تم ببعض مقومات وآليات اللسانيات اخلارجية األمر الذي اجنر عنه الولوج حنو مقاربات تشتمل

طابع وظيفي واضح، خاصة فيما عرف لديهم بالصوتيات على مبادئ وميكانزمات ذاتالوظيفية وضرورة جتاوز االهتمام بالكلمات إىل االهتمام باجلمل يف التحليل ألا فعل

.)1(لغوي، وموقف إزاء واقع معين، وميكن إدراكها بدراسة العالقة بني املتكلم والسامع

التي متخضت من هذه التالحقات ذات وعلى إثر هذه العتبات املعرفية اجلديدة الطابع التفنيدي املوجه لألطر التنظريية واإلجرائية السابقة، أوكل علم النص لنفسه

وهكذا . )2("املختلفة ألشكال االستعمال اللغوي وأشكال االتصال"وصف اجلوانب ة واخلواص الفردية وكل صور يتعامل هذا العلم من حيث األساس مع اخلصوصيات العام

. األبنية وأنواع السياقات ومستويات اللغة ودرجات الربط النحوي والترابطات الدالليةوبالتايل استيعاب معارف وآليات منبثقة من علوم أخرى تتداخل معه، وكل ذلك قائم

.)3("وجوب جتاوز القدرة واجلملة إىل االهتمام باإلجناز والنص"على أساس

اجلديد أثره الفعال على مجمل التنظريات اللسانية احلديثة، لقد كان هلذا األفقحيث مل يعد املنظرين والباحثني يركزون مقاربام وحتليالم على العناصر واألبعاد ذات الطابع اللغوي فحسب، بل دأبوا على حتليل الظاهرة اللغوية باستثمار وإدراج عناصر غري

. اللغويةومعطى ذو أمهية بالغة ال تقل أمهية عن املعطيات لغوية، باعتبارها أساسا متينااملتلقي وعليه برزت عناصر ومقوالت نابعة من اال التواصلي االستعمايل كدور

)1 .24/25ينظر املرجع السابق، ص ) )

2 .60املرجع السابق، ص ) )

3 .82حممد الشاوش، أصول حتليل اخلطاب يف النظرية النحوية العربية، تأسيس حنو النص، الد األول، ص )

Page 104: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

90

وغري ذلك من املصطلحات واملقوالت التي أخذت ... واملوقف وهدف النص والتفاعل . تداويلعلى عاتقها السري بالدرس اللساين حنو الرافد ال

ومنذ منتصف الستينات؛ أسهم بعض اللسانيني يف إرساء ثوابت اللسانيات الوظيفية التي ركزت يف مقاربتها املتعلقة باجلملة على األطر التواصلية التي تمثل األرضية احلقيقية والكشف احلقيقي ملسألة اإلنتاج اللغوي، حيث دافعوا على مقولة حركية

ذلك بتوضيحهم لديناميكية التواصل يف منوذج ياكبسون حول وظائف الت جوواصل، وتتا، باعتبار أن اجلمل املستعملة ال متثل جمرد بثا - ظاهريا–اللغة الذي يبدو فيه التواصل

.)1(التأثري على الواقع أو قلبه كلمات فحسب، بل هي فعل لغوي يديل بدلوه يف سبيل

أصبح مفهوم الوظيفة، يلعب دورا حموريا يف أي عملية حتليلية ومن هذا املنطلق وكان من بني الدروس اللسانية التي تأثرت . للنصوص األدبية مبختلف أشكاهلا وصورها

درس النحو الوظيفي، حيث تبلورت :صنع ركائزها وتوطيد مبادئها تأثرا إجيابيا يفهذا اال من الدراسة على حقيقة جوهرية مساعيه يف سبعينات القرن املاضي، ويقوم

مبعىن أن اإلطار )2("أن الشروط التداولية اليت حتدد اخلصائص التركيبية والصرفية"مفادها التواصلي وما حيمله من خصوصيات مادية ومعنوية هو املسؤول األول واألخري على

مات والعبارات أو بصيغة أدق فرض إمالءات انتقائية للكلمات على املنتج الفعلي للكل . ميكن القول أن حيثيات التواصل هي املعنية بتحديد بنية اللغة

على مقارباا املتعلقة بالنص وعده -هي أيضا–وبذلك ختلت اللسانيات الوظيفية .اد بعناصر خارج بنية اللغة ذاافعالة إىل حيز آخر قوامه االعتمموضوعا للمقاربات ال

وأصبح اخلطاب هو املهيمن على مسارات وتنظريات هذا الدرس، حيث نظر إليه باعتبار

)1 .61خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية، ص : ينظر) )

2 .61املرجع السابق، ص )

Page 105: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

91

أنه شبكة معقدة من العالئق والروابط االجتماعية والسياسية واالجتماعية والثقافية؛ يعاد وعليه أصبح التعامل مع النصوص مبختلف .)1(استثمارها يف أي عملية حتليلية للخطابات

الذي يتم –العمل اإلنتاجي تيقبض على صميم مكنونابناء وصورها تعامال أشكاهلاالوصول إىل التحليل والوصف يتم وبالتايل . وخباياه -عن طريق التفاعل التواصلي

السليم لألنظمة اللغوية اليت ال ميكن أن تكون يف أمسى معاملها أعماال مفتوحة وغري .وحيثيات مادية ومعنويةمعزولة عما حييط ا من ظروف

وبناءا على هذه املقتضيات التصورية التي الزمت هذه املنعطفات الفكرية اليت أوكلت لنفسها لعب دور فعال يف جمال دفع حركة بروز الدرس التداويل املعاصر؛ ميكن القول أن كل تلك املنعطفات التصورية تلتقي بل وتنصهر يف بوتقة واحدة عمادها

باعتبار أن هذين العاملني . هتمام باإلطار التواصلي وأساسها االستعمال الفعلي للغةاالمها املعنيان بتحديد البنية التركيبية حبكم أن املتكلم يلجأ إىل معاينة حيثيات التواصل وحدوده قبل املباشرة يف استعمال كلمات ضمن بنية لغوية معينة ختدم أغراضه وتطلعاته

أما بالنسبة للعملية الثانية واملتمثلة يف . جياته، هذا بالنسبة للعملية اإلنتاجيةواستراتيالتحليل والتأويل السليم الصحيح للعبارات والنصوص واخلطابات؛ فال مناص للمحلل أو

الذي وإال بالوقوف على اجل–صد مقاربتها قاملؤول وهو يتعامل مع الظواهر اللغوية .كالم وإنتاجه للوصول إىل الفهم والتفسري السليم ملا قيل أو كتبحييط بعملية صنع ال

لقد ولد الدرس التداويل املعاصر وانبثق من هذه املخاضات املعرفية اللسانية والفلسفية والبالغية، مما يفضي إىل صميمها التنوع واالتساع والثراء، ولكن األمر

اولية مل يشتد عودها إال يف العقد السابع من الضروري الذي ال مناص بذكره أن التدالقرن العشرين بعد جمهودات عدة علماء وباحثني لغويني دلو بدلوهم يف سبيل تثبيت

فماهو مفهوم التداولية وهل وفق هؤالء العلماء . أركان هذا الدرس الغزير ومللمة شتاته

)1 .15نواري سعودي أبو زيد، يف تداولية اخلطاب األديب، املبادئ واإلجراء، ص : ينظر)

Page 106: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

92

ا مللمة أجزاءها املتناثرة التي واملنظرين يف إعطاء مفهوم جامع مانع هلا، وهل استطاعو . ورا الدرس التداويل من املخاضات املعرفية املختلفة املذكورة آنفا

:مفهوم التداولية-3

لعلنا ال نبلغ يف القول شططا إذا اعتربنا أن التعامل مع مبحث حياول استنطاق لسعة جماهلا يف املنظومة ماهية وجوهر النظرية التداولية؛ هو أمر صعب مستصعب وذلك

الفكرية احلديثة، األمر الذي يؤدي إىل استعصاء اخلروج بتعريف جامع مانع هلا يشتمل على إملام حقيقي وتدقيق فعلي هلا، والسيما إذا أدركنا طابعها املعقد واملتمفصل املستقى

.من روافد فلسفية وأدبية وأسلوبية وبالغية خمتلفة

قيقة قد تفرض على الباحث يف هذا املضمار املعين باحلديث عن ماهية إن هذه احلأن يلقي بظالل فكره ومعانيه حول أهم الركائز واألسس واملفاهيم –وجوهر التداولية هذه النظرية دون البحث عن تعريف جيمع كل ذلك الكل املركب ذو التي قامت عليها

التداولية خالفا للنظريات اللسانية املختلفة، كون أن هذا الطابع التشتيت الذي تنماز به الدرس ال يزال يف مراحله األوىل واألحباث ما تزال قائمة إليضاح معامله والولوج إىل

درس جديد وعزيز إال أنه ال ميلك حدودا "يقول فرانسواز أرمينكو يف هذا الشأن . كنههس حيوية يف مفترق طرق األحباث الفلسفية تقع التداولية كأكثر الدرو...واضحة

.)1("والفلسفية

على الرغم من جود هذا احلاجز املعريف؛ استطاع جمموعة من العلماء والباحثني تقدمي عدد ال بأس به من التعريفات املتعلقة بالتداولية التي شكلت يف اية املطاف

:التي أسندت للتداولية ما يليمنظومة مفاهيمية هلذا الدرس، ومن بني التعريفات

)1 .07املقاربة التداولية، ص : فرانسواز أرميكو)

Page 107: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

93

هي نظرية تدرس عالقة العالمات اللغوية مبستخدميها :التداولية أو الربامجاطيقا- من بين اإلنسان، فليست اللغة بأي حال من األحوال شيئا خمزنا يف املعاجم وكتب

تتألف طريقة لبيان املوضوعات التي النحو، بل هي شيء متصل بني بين اإلنسان، وأيسرثها اللغويني، منها الربامجاطيقا هي أن نقول أنها تشمل مجيع املسائل التي ال ميكن أن يبح

وعليه فإن التداولية وفق هذه الرؤية )1("وفالسفة اللغة يف نطاق علم النظم أو علم الداللةشيئا هي درس يعىن مبقاربة االستعمال اللغوي يف التواصل، إذ أن املعىن هاهنا ليس

متصال يف الكلمات وحدها، وال ميكن ربطه بطرف واحد من أطراف اخلطاب، بل هو .تداول الكلمات بني املتكلم واملتلقي يف إطار تواصلي معينبمرتبط

أما لسانيا فهي تعين تلك املقاربات التي تنصب على مستوى لساين خاص، املرجعي للعملية التخاطبية، ياقبالسوتركز على دراسة الظاهرة اللغوية وعالقتها

أن حركيتها جتاوز املستويات مبعىن )2(وباألطراف املعنيني بتلك العملية التواصليةالسطحية الظاهرة كاملستوى التركييب واملستوى الداليل إىل مستوى خفي آخر يضع

للوصول إىل عيجمال السنصب عينيه األطر الزمانية واملكانية التي تلعب دورا كبريا يف الفهم والتأويل الصحيح ملا قيل من طرف املتكلمني ضمن إطار عملية تواصلية تفاعلية

.معينة

) سوسري(لنضع مقابلة "حماوال ضبط مفهوم التداولية " فرديناند هالني"كما يقول وسعها أن أن ليس يف. ولنفرض اعتبار التداولية بني اللسان والكالم موضع السؤال،

تكون موضوع دراسة منظمة دف التداولية إىل بلورة نظرية ألفعال الكالم، أي مناذج جمردة، أو مقوالت تصدق على السلوكات امللموسة والشخصية التي ننجزها وحنن

)1عادل مصطفى، مدخل إىل اهلرمونيطيقا، نظرية التأويل من آفالطون إىل غادامري، منشورات، دار النهضة العربية، الطبعة )

. 303، بريوت، لبنان، ص 2003األوىل، (

2) Maxilico : dictionnaire encyclopédique de la langue français, édition de la connaissance, 1997, p 876.

Page 108: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

94

رديناند هالني يؤكد على الطابع التأثريي للكلمة فإن هذا التعريف الصادر من .)1("نتكلمفحني نتكلم حنن ننجز أفعاال . املستعملة يف اجلمل والعبارات واخلطابات على الواقع

ذاته التي اتهتلقي بظالهلا التأثريية على املتلقي، وذلك من خالل قلب قناعاته واعتقاد .كانت موجودة يف ذهنه ونفسيته قبل املباشرة يف العملية التفاعلية

الشروط الالزمة "لك اال الذي يركز مقارباته على كما عرفت التداولية بأا ذلكي تكون األقوال اللغوية مقبولة وناجحة ومالئمة يف املوقف التواصلي الذي يتحدث

وهذه داللة حقيقية أن لب النظرية التداولية متمركز يف إعداد جمموعة . )2("فيه املتكلمجحا ومقبوال لدى املتلقي يف املواقف من الشروط والوسائل التي يكون فيها القول نا

التواصلية املختلفة باختالف الظروف الزمانية واملكانية وأوضاع املتلقني واالهتمامات تساورهم، باإلضافة إىل األوضاع النفسية واالجتماعية التي تشتمل عليها الذهنية التي .أحوال املتلقني

دراسة استعمال اللغة يف اخلطابات، "عض بأا كما وباإلضافة إىل ذلك يعرفها البدراسة كيف يكون لألقوال معان يف "هي أو )3("شاهدة يف ذلك على مقدرا اخلطابية

، وينجر عن هذين التعريفني رؤية مفادها اختالف مسار وتوجه )4("املقامات التخاطبيةلذي يسعى إليه علم الداللة هو كل من التداولية وعلم الداللة؛ فإذا كان اهلدف األمسى ا

نص ما والعامل اخلارجي / تتبع تلك العالئق اليت تربط بني الكلمات املتواجدة يف خطاببشكل عام؛ فإن الدرس التداويل معين بتتبع ودراسة ووصف االستعمال وخمتلف

.السياقات يف استخراج املعىن

)1 .155، ص 1999، السنة الثالثة ديسمرب 24فرندناند هالني، التداولية، ترمجة وما حممد، جملة الفكر والنقد، العدد ) )

2 .25، ص 1996، 1صالح فضل، بالغة اخلطاب وعلم النص، الشركة املصرية العاملية لومجان، القاهرة، ط) )

3 .08فرانسوز أرمينكو، املقاربة التداولية، ص ) )

4 .14، ص ...حممد حممد يونس علي، مقدمة يف علمي الداللة والتخاطب)

Page 109: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

95

ويظهر إىل جانب هذه التعاريف؛ تعريف إدماجي آخر صدر حتت ريشة إذ تتطرق التداولية، كظاهرة خطابية، وتواصلية، ) "Francis Jaques(فرانسيس جاك

وعليه فإن التداولية تفرض على احمللل اللغوي الذي يسعى لتحديد )1("واجتماعية معاال يهمل الربط العالئقي بني اإلطار التواصلي والبنية أن مقاصد املتكلمني وفهمها و

االجتماعية والتشكيل اخلطايب، فكل هذه العوامل الثالثة مبثابة عناصر فعالة تؤدي عملها إذ إن البنية االجتماعية تلقي بظالهلا وتأثرياا على . نهاوهي منصهرة ومتالمحة فيما بي

رض فاألطر التواصلية املنتمية إليها، وكل إطار تواصلي معين يلعب دورا فعاال يف على املعين بتشكيل اخلطاب، إذ تدفعه إىل اختيار كلمات وانتقاء صيغ معينة اتإمالء

وبصيغة أدق . العملية اإلنتاجية للكالمتوخاة من ختدم قناعاته وأهدافه امل استراتيجياتوميكن القول أن البنية االجتماعية تديل بدلوها يف حتسني وتوجيه اإلطار التواصلي، وهذا األخري يؤثر بدوره على املتكلم أو املخاطب يف مسألة اختيار الكلمات والعبارات اليت

السلسلة وعليه تغدو هذه . خاة من الكالمتغدي استراتيجياته وختدم أهدافه وتطلعاته املتو :متراصة فيما بينها، وميكن وصفها على الشكل التايل

وانطالقا من هذا الرؤية املوضحة ملعامل التداولية ميكن القول مبا ال يدع جماال -متثل مرتلة راقية يف جمال فرض القيود واإلمالءات والسيما للشك أن البنية االجتماعية

وما إىل ذلك من األمور ...رفية منها املستوحاة من القيم الدينية والعادات والتقاليدالعة يف حياة أفراد ينتمون إىل جمتمع معنيي تشكل املبادئ األساسيالت .

)1 .08فرانسواز أرمينكو، املقاربة التداولية، ص )

التشكيل التخاطيب اإلطار التواصلي البنية االجتماعية

فرض جمموعة من االستراتيجيات رفيةواإلمالءات الع ودفرض القي

Page 110: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

96

إن هذه الرؤية، قد جتعل الباحث يبين تصور مفاده أن الوضع األصلي الذي انبثق عة من الكلمات التي تشتمل على معان حمددة من اتمع هو الكفيل بإنتاج جممو

؛ ولكن احلقيقة )املتخاطبني(على ممثلي األطر التواصلية املختلفة ) أو فرضها(وإعطاءها خمالفة هلذا التصور حبكم أن التداولية ترتكز على حيز االستعمال متجاوزة بذلك حدود

د املتخاطبني ال ميثلها الوضع الوضع األصلي وإن كان يبىن عليه، وذلك ألن مقاصمعانيها واللغوي ارد فقط، وال ميكن الوصول إليها إال من خالل فهم متظهرات اللغة

.يف ضوء حركية السياقات املختلفة تبعا الختالف مقاصد املتكلمني

هي دراسة اللغة من وجهة نظر "كما نلفي تعريفا آخر قوامه أن التداولية تنهض على مقولة جوهرية مفادها أن التداولية وعليه فإن أبعاد هذا الطرح )1("وظيفية

تنظر إىل اللغة بعدها جهازا نفعيا حيقق الوظيفة التواصلية استنادا إىل عناصر متشابكة من ال ضري يف القول إن التداولية آلية :وعند هذا احلد. النص ومن خارجها/ بنية اخلطاب

منهجها ومبادئها كل من يرد اخللوص إىل أهداف نفعية ختدم تطلعاته مهمة يستعملوهذا ماهو . وآفاقه، عن طريق التأثري يف املتلقي وقلب قناعاته وبالتايل تغيري الواقع

مطروح يف صميم نظرية املؤسس الفعلي للنظرية التداولية وهي نظرية األفعال للكالم وهو ما سنسلط عليه الضوء John Austineون أوستني لصاحبها الفيلسوف اإلجنليزي ج

.يف املباحث الالحقة من هذا الفصل

ولربما كان التعريف الذي يكمل هذه الرؤية اليت أوكلت إىل التداولية متوضعا يف الدرس التداويل املعاصر يقبع يف ذلك اال الذي ذلك اإلطار املفاهيمي الذي يعترب أن

النظريات الداللية، فإذا اقتصر علم الداللة أمهلته اسة كل جوانب املعىن الذيعىن بدريفإن التداولية تعىن Truth Conditionعلى دراسة األقوال التي تنطبق عليها شروط الصدق

)1 .121، ص 2002حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، دار املعرفة اجلامعية، اإلسكندرية، )

Page 111: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

97

وهي داللة صرحية واضحة أن . )1(مبا وراء ذلك مما ال ينطبق عليه مثل هذه الشروطبعث يف مستوى واحد من قالتقليدية اليت قد جتاوزت تلك الدراساتاملقاربة التداولية

القولية ار الصدق والكذب إىل املستويات عيمستويات األقوال وهي التي تكون قابلة ملند هلذا اخليار كاألقوال التي تسمى يف علم البالغة العربية تاألخرى التي ال تقبل وال تس

يف اللغة اإلجنليزية، ويظهر هذا performatifsاإلنشائية وباجلمل -كما سنرى الحقا–وبالضبط يف معرض Quand dire c’est faireالطرح جليا يف إسهامات جون أوستني يف

.حديثه عن البعد اإلجنازي لألقوال

ومن بني التعاريف التي نلفيها تفرض نفسها يف إثراء املنظومة املفاهيمية للدرس ذهب لساين يدرس عالقة النشاط اللغوي مبستعمليه، وطرق وكيفيات أا م"التداويل

استخدام العالمات اللغوية بنجاح، والسياقات والطبقات املقامية املختلفة التي ينجز ضمنها اخلطاب، والبحث عن العوامل التي جتعل من اخلطاب رسالة تواصلية واضحة

ويف ضوء . )2("اخل...باللغات الطبيعيةوناجحة والبحث يف أسباب الفشل يف التواصل هذا التعريف نستشف أن املهمة األساسية التي تقوم عليها التداولية منوطة بإدراك

تلك العالقة القوية التي جتمع بني العالمات الـمستخدمة يف اخلطابات وبني وتفسريسياقات والطبقات املقامية، مستعمليها يف اإلطارات التواصلية املختلفة باختالف وتعدد ال

وكذا البحث عن الطرق واالستراتيجيات الكفيلة بإجناح األقوال ودراسة األسباب .املؤدية إلفشال التواصل البناء والفعال بني األفراد

إن هذا التعريف قد يقودنا بطريقة مباشرة الستذكار تعريف الدكتور حممد عناين، اولية هي دراسة استخدام اللغة يف شتى السياقات واملواقف التد"والذي يعترب فيه أن

)1 .121املرجع السابق، ص : ينظر ) )

2مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، دراسة تداولية لظاهرة األفعال الكالمية يف التراث اللساين العريب، دار )

. 05، ص 2005الطبيعة، بريوت، الطبعة األوىل،

Page 112: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

98

الواقعية، أي تداوهلا عمليا، وعالقة ذلك مبن يستخدمها، وهذا يعين أن السياق جاء بعدا جوانب التماهي والتعالق بني هذين وتظهر )1("جوهريا يف التداولية ودخل يف تعريفها

األمر . قة اليت تعىن بدراسة استعمال اللغة يف سياق معينالتعريفني السابقني يف تلك البوتوهي تتعامل مع شىت ) السياق(الذي أدى بالدراسات التداولية إىل األخذ ذا العامل

اخلطابات، سواءا تعلق األمر بالبعد اإلنتاجي للخطابات الذي ال يتهاون يف إمالء عملية تشكيل اخلطاب وبناءه، أم تعلق معطيات سياقية ال مناص من التملص منها يف

األمر بالبعد التأويلي للخطابات من طرف املتلقني واحملللني اللغويني الذين ينتقون رؤاهم وإجراءام باغترافهم من آليات النظرية التداولية اليت تنظر إىل السياق بوصفه معطا

.املعىن جوهريا البد من إدراجه يف أي عملية باحثة عن

إن هذه الكلية لـمجمل ما ذكر حول تعريف مصطلح التداولية تنصهر -ولذا . وتتقاطع، بل وتتفق بأا مقاربة لغوية تم بتحديد العالقة بني اللغة ومستخدميها

دراسة اللغة يف االستعمال أو يف "ن أوجز تعريف للتداولية هو إ :جيوز القولهذا اهلدف تتقفى مرتكزات ، ولتحقيقأجل وضع قوانني للحواروهذا من . )2("التواصل

يؤطر العملية اإلنتاجية للكالم، وحبثها عن قصد املتكلمني ودرجة إجرائية كاملقام الذي اله مييز عن وهكذا، وضع الدرس التداويل حدا...تأثريهم وقلب قناعات املتلقني

ماماا الرئيسية منحصرة يف دراسة اإلنتاج اللغوي اللسانيات التقليدية التي كانت اهتومقاربة الربنامج والنظام اللغوي الداخلي الذي ينبين عليه هذا األداء، حيث انتقل

فإذا كانت مهمة ...زها اخلطابات مناح أخرى كالتأويالت اليت تفراالهتمام والتركيز إىلؤدي إىل خرب ثابت أيضا؛ فإن التداولية اللسانيات تتمثل يف البحث على املرجع الثابت امل

)1

ومعجم سياقي، مكتبة علي حممود حجي الصراف، يف الربامجاتية، األفعال اإلجنازية يف العربية املعاصرة، دراسة داللية ) .04، ص 2010القاهرة، . اآلداب، الطبعة األوىل

)2 .14حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص )

Page 113: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

99

تم مبقاصد املتكلمني ودرجة اقتناعهم باحملتويات القضوية التي تنتجها العملية التفاعلية .بني املتخاطبني ضمن سياقات ذات طابع ديناميكي غري ثابت ومستقر

قمة هذه التعريفات املذكورة آنفا أن التداولية كمبحث يف كما نصل من خاللازدهارها، مل يتحدد بعد يف احلقيقة، ومل يتم االتفاق بعد بني الباحثني فيما خيص حتديد افتراضاا واصطالحاا، فهي تقع يف مفترق الطرق، حيث تلتقي بعلوم معرفية عدة

إن هذه . اللسانيات، الفلسفة واملنطق، والسيميائيات وعلم النفس وعلم االجتماع: أمههاقد أدت إىل إثراء الدرس التداويل وغناه، كما أدت إىل نتيجة أخرى قوامها املسألة

.الوحدة غري املضمومة واملتالمحة بني آليات اجلهاز املفاهيمي التداويل

كما نستشف أيضا من خالل التعاريف السابقة أن التداولية درس عزيز عاجل والتوليدية حبكم أن هذه الدراسات أوجه القصور اليت عانت منها الدراسات البنيوية

الحظت وجود ظواهر تركيبية ظاهرية يستحيل وصفها ) التوليدية(األخرية والسيما األمر الذي جنده يفرض .)1(وحتليلها بدقة إال مبراعاة السياقات اللغوية اليت وردت فيها

).وغري اللغوي ونقصد السياق بنوعيه اللغوي(نفسه بقوة يف املقاربة التداولية

اختصت ا التداولية معاجلة مهمة اليت كما نلفي باإلضافة إىل هذه املعاجلة النوعية ) ذات الطبيعة امللموسية(أخرى تكمن يف نقلها االهتمام من اللغة اردة إىل اللغة الواقعية

اللغوي ومضات ذات املستعملة من قبل املتكلمني يف سياق معين، مما أفضى على الدرس .)2(بعد إجنازي بالدرجة األوىل

)1 .06علي حممود حجي الصراف، األفعال اإلجنازية يف العربية املعاصرة، ص : ينظر) )

2 .07، ص 2006عبد السالم عشري، عندما نتواصل نغري، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، : ينظر)

Page 114: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

100

إن هذا البعد اإلجنازي الذي ينبثق من صميم السياقات التفاعلية ال يتجلى بصورة واضحة إال بعقد الصلة بني املعىن املتحصل عليه وموقف الكالم، الذي ال خيرج عن

:حمطات أساسية نذكر منها على سبيل املثال ال احلصر

وهم املتحدثون ):كسر الطاء(والـمخاطبني ) فتح الطاء(ملخاطبني ا- 1واملستمعون، وينبغي التمييز بني املتكلم واملخاطب، فإذا كان األول يعىن بصنع اخلطاب

.)1(وإرساله، فإن الثاين معين باستقبال وتلقي الرسالة والقيام بتأويلها

ية املتكلم واملتلقي واإلطار الزماين ويتطلب هذا األخري معرفة هو: التفوهسياق - 2مبعىن اإلملام بتلك الظروف واملالبسات اليت تصاحب وتؤطر )2(واملكاين للحدث اللغوي

.احلدث الكالمي، باإلضافة إىل االهتمامات اليت تساور املتلقي

يقوم منهج التداولية على البحث عن اهلدف أو الوظيفة بدال :هدف التفوه- 3 . )3(أكثر حيادية من كلمة القصد" هدف"من املعىن املقصود، والكلمة

وهو )4(وهو ذلك املعىن اإلضايف الكامن خلف املعىن األصلي :الفعل اإلجنازي- 4ما سنبينه بشيء من التفصيل عند التطرق إىل اآللية الكربى من آليات الدرس التداويل

. وهي نظرية األفعال الكالمية

فالتداولية تنظر إىل األلفاظ يف إطار عملها اإلنتاجي من :التفوه بوصفه نتاجا- 5 .دال من فعل اللفظ ذاته، مبعىن أا تصب عنايتها يف دراسة فعل التلفظ ب)5(طرف املتفوه

)1 .www.elaph.comعادل الثامري، التداولية ظهورها وتطورها : ينظر) )

2 .35ول، حتليل اخلطاب، ص ي رجب براون، جو.ينظر ج) )

3 .www.elaph.comعادل الثامري، التداولية ظهورها وتطورها : ينظر ) )

4 .45ينظر حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص ) )

5 .www.elaph.comعادل الثامري، التداولية ظهورها وتطورها : ينظر)

Page 115: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

101

التي سلطت على اإلطار املفاهيمي للنظرية تستشف من جممل هذه األضواء -التداولية؛ جتلى عدة نقاط مبثابة مرتكزات تنظريية وإجراءات صميمية متكررة يف معظم

عن القاسم املشترك بني خمتلف الرؤى التي متيزهحيث شكلت التعاريف التي أوردناها، :)1(باقي الدروس والنظريات اللسانية األخرى وميكن أن نلخصها يف ما يلي

أي الكيفية اليت تستعمل ا اللغة يف االتصال، أو :دراسة استعمال اللغة- .للبحث عن النظريات الدقيقة التي تضبط االستعمال التواصلي الناجح والفعال للغة

ويقصد به ظروف حيثيات الواقع العملي الذي يكون :عالقة اللغة بالسياق- ض على املتكلمني مراعاته وعدم االجنرار رمبثابة الضابط املؤطر الستعمال اللغة والذي يف

. حنو التركيز على املرجع أو قواعد النحو أو أمر آخر من هذا القبيل

اين واملقاصد الذي مبعىن مدارسة املع :كيفية اكتشاف املتلقي مقاصد املتكلم- .يريد املتكلم إبالغها املتلقني، أي الفهم السليم لعبارات اللغة الطبيعية

مبعىن أن الشغل الشاغل للتداولية يتموضع يف : مع عالقة العالمة مبؤوهلا ملالتعا- عون ضباملستعملني الذين خي -الذي يتم بواسطة العالمات–دراسة ذلك النشاط اللغوي

بالتوازي مع حلظة صنع الكالم، باإلضافة إىل حتليل عمليات سية واجتماعيةلظواهر نف .الكالم ووظائف األقوال

إن التداولية ليست مكونا من مكونات اللسانيات : وعند هذا احلد، ميكن القول" اللغة"البنيوية على أساس أن النظرية التداولية تدرس استعمال اللغة عوضا عن دراسة

كانت تكتنف مقاربات اللسانيات التقليدية كاالهتمام باملستويات الصرفية والصوتية اليت : يقول مسعود صحراوي يف هذا املضمار. والتركيبية وحتى الداللية يف بعض األحيان

)1 .04علي حممود حجي الصراف، األفعال اإلجنازية يف العربية املعاصرة، ص : ينظر)

Page 116: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

102

التداولية ليست علما لغويا حمضا باملعىن التقليدي، علما يكتفي بوصف وتفسري البىن "...عند حدودها وأشكاهلا الظاهرة، ولكنها علم جديد التواصل يدرس اللغوية ويتوقف

مشاريع معرفية متعددة يف دراسة -من مث–الظواهر اللغوية يف جمال االستعمال، ويدمج . )1("ظاهرة التواصل اللغوي وتفسريه

وعليه قد جتاوزت الدراسات التداولية ذلك األفق احملدود الذي ينحصر ضمن الستعمال الفعلي للكالم، وبذا االنظام اللغوي مبعناه البنيوي الضيق إىل أفق آخر قوامه

اإلجراءات الداخلية اخلالصة والذي كان تمام من العلم التجريدي املغلق ذوانتقل االهغوية يف مستواها الصوري ارد؛ إىل حيز يهتم باملمارسة الكالمية يؤمن بكيانه البنية الل

يف إطار االستعمال وأحواله يف الطبقات املقامية املختلفة حسب أغراض املتكلمني .وأحوال املتخاطبني

:أمهية الدرس التداويل-4

التداويل؛ يقودنا بطريقة مباشرة إىل استبيان الدرس إن احلديث عن أمهية وصياته ومفارقاته التنظريية واإلجرائية التي لرمبا كانت مبثابة حلول معرفية وإجابات خص

حقيقية عن كثري من األسئلة واإلشكاليات التي مل جتب عنها النظريات واملدارس اللسانية .السابقة

أبت على تطوير نظرية دومرد ذلك أن اللسانيات التقليدية يف إطارها البنيوي Closالنص املنظور إليه بعده منجزا أو عمال مغلقا

حتديد بنيته مبعىن أا نكبت على )2(ومكوناته اللفظية اعتمادا على رؤية شكلية خالصة مفادها أن النص ال حييل الداخلية،

على شيء خارج بنيته الداخلية، وابتعدت يف تنظرياا عن عنصر السياق والبعد

)1 .16مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص )

(2) Jean Dubois : Dictionnaire de l’inguistique et des sciences du langage, Larousse Bordas, Paris, 1999, p. 443-

444.

Page 117: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

103

للغة يف إطار عملها التواصلي وكل معطى من شأنه أن يفيد العملية التخاطبية االستعمايل وجناحها، سواءا ارتبط باإلطار التواصلي، قصد خلق نوع من التماهي والتالؤم بني

جيد نفسه ملزما ومنصاعا ملفوظاته وسياقها اخلارجي، أم تعلق األمر باملتلقي الذيية تأخذ نصب أعينها سياق التلفظ، قصد الوصول إىل املعىن املراد لعمليات ذهنية استدالل

.والغرض الذي يسعى املتلفظ إىل إبرازه

ن كل خطاب ال يعىن فيه متلفظه مبرحلة التركيب هو أمر بالغ إويف حقيقة األمر، اخلطورة، إذ أنه يؤدي إىل زرع لغة ال يفهم معناها أي متلق، باعتبار أن اخلطاب يف

أمسى معامله بناء لغوي، بيد أن االستعمال هو ما جيعل اخلطاب يتسم بالفعالية واحلركية املنجز اللغوي يف إطار التواصل، وليس مبعزل عنه، "مما حدى بالدرس التداويل إىل دراسة

ومبا أن الكالم حيدث يف. ألن اللغة ال تؤدي وظائفها إال فيه، فليست وظائف جمردة .)1("سياقات اجتماعية، فمن املهم معرفة تأثري هذه السياقات على نظام اخلطاب املنجز

إن عزوف الدراسات اللغوية التقليدية عن املقاربات التي تضع نصب أعينها اللغوية اجلانب الوظيفي للغة وأبعادها التواصلية؛ قد أبرز عدة مشكالت يف التحليالت

املنهج التداويل حال للعديد من ، وهلذا السبب يرى الكثري من اللغويني أن يف )الشكلية(: هذه املشكالت من خالل إثارة جمموعة من األسئلة وحماولة لإلجابة عنها ومن بينها

ماذا نضع حني نتكلم؟ ماذا نقول بالضبط، حني نتكلم؟ ملاذا نطلب من جارنا حول "أن يهدنا بكذا، بينما يف مقدوره أن يفعل؟ فمن يتكلم إذن؟ وإىل من يتكلم؟ من املائدة

يتكلم ومع من؟ من يتكلم وألجل من؟ ماذا علينا أن نعمل حىت يرتفع اإلام عن مجلة؟ ماذا يعين الوعد؟ كيف ميكننا قول شيء آخر، غري ماكنا نريد قوله؟ هل ميكن أن نركن

ما؟ ماهي استعماالت اللغة؟ أي مقياس حيد قدرة الواقع اإلنساين إىل املعىن احلريف لقصد

)1 .23استراتيجيات اخلطاب، ص : عبد اهلادي بن ظافر الشهري)

Page 118: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

104

، وربما كانت هذه األسئلة وغريها الدافع الفعلي لدفع حركية املقاربات )1("اللغويةجراءات هدفها التداولية التي محلت يف جهازها املفاهيمي جمموعة من النظريات واإل

لقة باملرسل ومسألة اختيار الطرائق احللول املتعسوط احلقيقي خلق فضاء مبواالستراتيجيات املناسبة يف صنع اخلطابات املؤثرة، واملرتبطة كذلك باملتلقي وبالضبط

).التأويل(يف ذلك اال املعىن بالبحث عن الوسائل الكفيلة بالوصول إىل املقاصد

وبذا كان املنهج التداويل مبثابة بديل حتمي أماله املسار التارخيي اللساين الذي قولفجانج : "افتقر ملثل هذه املقاربات ذات األفق الواسع، ولذلك اعترب الباحث اللغوي

؛ أن أهم األسباب املعرفية التي "دخل إىل علم لغة النصم" يف كتابه"فيهقجر . د-م-هـظهور : داويل إىل البزوغ والسيطرة على ميادين الدراسة اللسانيةدفعت املنهج التيف املمارسة اللغوية، حتتاج إىل نوع جديد من الدراسة املتحررة من مشكالت جديدة

التوثيق، املعاجلة اآللية : قيود املقاربات التقليدية املهتمة بالنظام اللغوي دون سواه، مثلغة، تعليم اللغة، الترمجة، التوجيه اللغوي، العالج باللغة، تأثري للمادة اللغوية، اكتساب الل

.)2(اللغة يف االتصال اليومي

للدرس التداويل عالقات محيمية مع ووفق هذا املقتضى التصوري، فإناختصاصات معرفية خمتلفة، فالتعليمية مثال اغترفت بقدر كبري ال يستهان به من التداولية

يث ثبت عرب الزمن بأن التعليم السليم والصحيح ليس مرتبط بالبناء اللغوي وحبوثها، حفحسب، بل جيب أن يتعدى ذلك إىل التجارب واملمارسات امليدانية لكي يتسنى للمتعلم التعرف على قيم األقوال، ودالالت العبارات يف جمال االستعمال املربوط بدوره حبركية

املتكلمني ومقاصدهم التي ال ميكن أن تستنشق وتستنبط السياقات، إىل جانب أغراض

)1 .07، ص 1986ة التداولية، ترمجة سعيد علوش، مركز اإلمناء القومي، الرباط، فرانسواز أرمينكو، املقارب) )

2 .45خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية مع حماولة تأصيلية يف الدرس العريب القدمي، ص : ينظر)

Page 119: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

105

إال من خالل اللجوء إىل املواقف الفعلية واملقامات الواقعية التي أطرت احلديث .)1(التلفظي

كما استفادت مناهج التعليم من املقاربات التداولية وخاصة يف ذلك اإلطار الذي ممارساا (التداويل للغة "خالل عدها للبعد يعىن بنماذج االختبارات، والتمارين، من

وهكذا أعزفت عن التنظريات التقليدية اخلاصة )2("أحد األهداف العملية التعليمية) واقعابتحديد مناهج التعليم التي مل حتمل يف طياا مبادئ ذات أسس واقعية مرتبطة بالعامل

احلركي، بسبب هلوستها بالتجريديات احلقيقي وسياقاته ومعامله املختلفة ذات الطابع طرق تدريس اللغات األجنبية التي "واملثاليات، كما اجته الدرس التداويل إىل انتقاد

؛ بعيد عن أي سياق ...مع لغات مثالية وأناس مثاليني، يف مواقف مثاليةتتعامل تدريس اللغات مما أدى إىل نتيجة غري مرغوب فيها مفادها أن اهلدف من )3("اجتماعي

وتغافلوا عرب حقبة كبرية من الزمن البعد االستعمايل للغة ) الشكل(وتلقينها هو ظاهرها .وتدريسه

لمس من هذا التشكل، أن الطابع املهم الذي جعل الدرس التداويل يأخذ كل نلبعد هذه املساحة التأثريية على خمتلف امليادين والفروع املعرفية املختلفة؛ هو ا

االستعمايل، الذي أخذ قسطا وافرا من اجلهود والبحوث من العلماء والباحثني التداوليني، لدرجة أم قسموه إىل عدة أنواع مسوها مناذج االستعمال اللغوي وميكن أن

عقد املفاوضات اليت "أشكال خمتلفة مثل تظهر هذه األخرية يف اخلطابات وفق عدةقضايا، واملراسالت، وإبرام العقود، وتدوين املكاتبات، واحملادثة يشترط فيها أطراف ال

البسيطة، واحلوار املعقد، كما تشمل كثريا من النماذج؛ فهناك النماذج األدبية من

)1 .46اجلياليل دالش، مدخل إىل اللسانيات التداولية، ص : ينظر ) )

2 .133خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية مع حماولة تأصيلية يف الدرس العريب القدمي، ص ) )

3 .133/134: املرجع نفسه، ص)

Page 120: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

106

)1("رواية، وقصة، ومنها، كذلك، الكلمات اليت تلقى، عادة يف املظاهر االحتفاليةة جماله، وربما كان السر يف ذلك عوهكذا نلمس وبوضوح ثراء الدرس التداويل وس

تطور األحباث التداولية وأخذها لعدة مسارات من طرف باحثني وعلماء من خمتلف .التخصصات، مثل علم النفس، وعلم النفس املعريف، والفلسفة، واملنطق وعلم االجتماع

ة، فقد أغنت التداولية الدرس اللغوي بآليات ة البحتبالنسبة للمقاربات النصي أماتشغيلية مهمة، وتأخذ هذه اآلليات مسة وظيفية أخذت على عاتقها تأطري إجراء لساين منظم يدرس الوحدات اللغوية داخل اخلطابات، إىل جانب دراسة احملتوى غري اللغوي

التخاطيب التفاعلي، باإلضافة إىل كاملالبسات والظروف واحليثيات التي حاصرت احلدث .االعتماد على السياق اللغوي وموقف املتكلم من اخلطاب ذاته ومن املتلقي

مقاربة جتعل من املقاصد واملقام أساسا عتيدا يف دراسة اخلطابات ا؛إنها حقوصول إىل ، على الرغم من أن الهاملختلفة، وهو ما عضت اللسانيات التقليدية طرفها عن

الداخلي، ) الصوري(الداللة احلقيقية ألي خطاب مرهون باخلروج من اإلطار الشكلي جمموعة "...واالنتقال إىل جمال خارج إطار املرجعية اللغوية يتجسد يف السياق الذي هو

أي مراعات كل األبعاد )2("الظروف اليت حتق حدوث فعل التلفظ مبوقف الكالممن أجل ... من سياق نفسي واجتماعي وأنثروبولوجي Extra linguistiqueاخلارج لغوية "

املتلقي إىل /الوصول إىل حتليل خطايب منظم وممنهج يوصل الباحث أو احمللل أو القاري .املقاصد التي عقد من أجلها اخلطاب

املفاهيمي أمام كل هذا الكل املعقد من املهمات والفوائد التي التصقت باجلهاز حقول معرفية عدة ن جذورها األوىل املترامية بني إ: القولن كالتداويل وصاحبته؛ مي

)1 .25عبد اهلادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات اخلطاب، ص ) )

2 .41املرجع نفسه، ص )

Page 121: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

107

هي السبب األهم يف إثراء منظومتها وإجراءاا ...) فلسفة، لغة، علم االجتماع(خمتلفة .بآليات جديدة خصبة ومرنة

وهذه الصفة هي التي مكنت املقاربة التداولية من فتح جسور تعالق بينها وبني اختصاصات أخرى وإمداد هذه األخرية مبجموعة من التوصيات واإلجراءات التي من

يفتح شأا تعديل وتطوير معارف شتى يف خمتلف ااالت والفروع املعرفية، وهذا ما وأفق غري معرفيا ، وجيعل تطورها وصالبة عودها انطالقاأمامها كم هائل من الرهانات

فماهي اآلليات والنظريات واإلجراءات اليت اعتد ا اجلهاز املفاهيمي . حمدود وحمصورالتداويل والتي استطاع بواسطتها صنع هذا املنعطف املعريف املهم الذي غير معامل

ا وامتداداا حنو عوامل معرفية أخرى؟املقاربات اللسانية التقليدية ووسع من أفقه

:التداولية الدرسأهم نظريات -5

متيز اجلهاز املفاهيمي التداويل بسعة جماله وثراء أطره، إذ اشتمل على عدة نظريات :أمهها

: Speech actsنظرية األفعال الكالمية -1.5

النظرية التداولية، إن احلديث عن نظرية األفعال الكالمية هو حديث عن صميم إذ ،)1(باعتبار أن النشأة األوىل هلا كانت مرتبطة ارتباطا كبريا بنظرية األفعال الكالمية

" كمربدج"يف أول األمر يف مدرسة " االستعمال"أو "ظهر أثر نظرية األلعاب اللغوية حيث " J. Austineجون أوستني "، وخاصة يف أعمال الفيلسوف "أكسفورد"ومدرسة

بنوع من االستفاضة، مث أعمال إذ درسها كان أول من نبه عليها من الفالسفة املعاصرين

)1 .10علي حممود حجي الصراف، األفعال اإلجنازية يف اللغة العربية، ص : ينظر)

Page 122: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

108

الذي مثل استمرارية دراسية منهجية منظمة، استطاع من J. Searl" سريل"الفيلسوف . خالهلا تطوير أسس هذه النظرية

لنظرية، يعترب جون أوستني مؤسس هذه ا: أوستني والفعل الكالمي-1.1.5ومتثل . وواضع املصطلح الذي تعرف به اآلن يف الدراسات الفلسفية واللغوية املعاصرة

رت سنة ، ونشHarvard" هارفارد"ذلك يف احملاضرات االثنا عشر التي ألقاها يف جامعة والذي ترجم إىل اللغة الفرنسية " How to do think with words"يف كتاب عنوانه 1962

)Quand dire c’est faire.)1إىل 1970عام

مثلت نظرية األفعال الكالمية موقفا مضادا لالجتاه الذي كان سائدا بني لقدأن للغة وظيفة ، الذين كانوا يعتربونLogiqual Positivismفالسفة الوضعية املنطقية

وصفا يكون إما صادقا أو State of Affairesواحدة تنحصر يف رسم ووصف وقائع العامل ، descriptive fallacyاملغالطة الوصفية "كاذبا، حيث أطلق أوستني على هذا املصطلح

باعتبار أن هناك العديد من العبارات التي تشبه العبارات الوظيفية يف تركيبها ولكنها .)2(تصف وقائع العامل وال ميكن أن ينطبق عليها معيار الصدق والكذب

ولقد متثل . هذا الطرح األوستيين بعدا آخر بالنسبة لألقوال اللغويةر عن لقد اجنهذا البعد يف النشاط االجتماعي الذي حتمله الصياغات اللغوية املنتجة من طرف األفراد يف إطار التواصل، وهو بعد مهم يف نظره بالنسبة لوظائف اللغة، فدورها ال ينحصر يف

ئع وتوصيل املعلومات إىل املتلقي عن طريق عالمات صوتية، نقل األخبار ووصف الوقا

(1) Voir : Patrick Charaudeau, Dominique Mainguener, Dictionnaire Analyse du discours, édition du seuil,

Février 2002, Paris, VIème, P. 16.

)2 .43بحث اللغوي املعاصر، ص حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف ال: ينظر )

Page 123: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

109

بل إن هناك أفعاال تنجز يف الواقع وتبدل قناعات األفراد واعتقادام مبجرد التلفظ ا .)1("إحداث التلفظ هو إجناز لفعل وإنشاء حلدث"حيث اعتبار هذا الفيلسوف أن

األقوال، حيث أطلق على النوع وقد عمد ستني يف البداية، إىل متييز نوعني من وهو امللفوظ املرهون ببعض " Performative locationاألول مصطلح األقوال اإلجنازية

أي إجناز ما قيل عن طريق التلفظ فاللغة )2("شروط النجاح التي حتقق الفعل الذي تسميهتشتمل على أسئلة وعبارات تعجب وأوامر وتعابري خاصة بالوعود واألمنيات والترغيب

Constativeوالتشجيع والترهيب، بينما أطلق على النوع الثاين مصطلح األقوال التقريرية

Location افتح الباب: فوظوهي األقوال اخلاضعة ملعيار الصدق والكذب، مثل املل... ،فهذا ملفوظ إما صحيح أو خاطئ، وحتقيق الفعل مستقبل متاما عن تلفظ اجلملة، وبالتايل

.)Constatif()3(يصبح هذا امللفوظ تقريريا

غري أن أوستني استخلص الحقا عدم دقة هذا التمييز، ذلك أن األقوال التقريرية؛ كل ملفوظ خربي فإن : اإلخبار، وبالتايلغالبا ما تعمل هي األخرى على إجناز فعل

فعل إجنازي فإنه ينقل " أقول"اء صافية، ومبا أن مالس: يتضمن فعال إجنازيا، نقول مثاليعمل (اجلملة من اخلرب إىل اإلجناز، ويتحدد نوع امللفوظ من خالل الفعل الذي يظهر فيه

:على الشكل التايل) فيه

.أقر/كتب : أفعال إخبارية، مثل-أ

.)4(أقبل/أقول، أرفض : أفعال إجنازية، مثل-ب

)1 .17، ص 1991عبد القادر قنيين، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء : جون أوستني، نظرية أفعال الكالم العامة، ترمجة)

(2) Catherine Kerbrat –Orechioni : Les actes de langage dans le discours théorie et fonctionnement, édition

Nathan /Verif 2001. Paris, p. 09.

(3) Ibid P. 09.

)4 .www.elaph.comعادل الثامري، التداولية ظهورها وتطورها : ينظر )

Page 124: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

110

إلجنازية املتشكلة، أشار أوستني إىل إمكانية فشل األقوال ا عتباتأمام هذه ال-ياهلا معيارا خمتلفا عن معيار الصدق والكذب، فهي إما أن وعدم حتققها، مستخدما ح

وال لتحقق األق، وقد وضع شروطا )UNHappy)1 قةفأو غري مو Happyتكون موفقة .إىل تكوينية وقياسية اإلجنازية، وقسم هذه الشروط

:)2(فأما الشروط التكوينية فهي-

.مقبول، وله أثر عريف معين Conventionnel procédureوجود إجراء عريف -1

أن يتضمن اإلجراء نطق كلمات حمددة ينطق ا أناس معينون يف ظروف -2 .معينة

.مؤهلني لتنفيذ هذا اإلجراءأن يكون الناس -3

.أن يكون التنفيذ صحيحا-4

.أن يكون التنفيذ كامال-5

:)3(فهي Régulativeوأما الشروط القياسية

.أن يكون املشارك يف اإلجراء صادقا يف أفكاره-1

.أن يكون املشارك يف اإلجراء صادقا يف مشاعره-2

.أن يكون املشارك صادقا يف نواياه-3

)1 .44، ص 2002حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، دار املعرفة اجلامعية، مصر، : ينظر ) )

2 .44حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص : ينظر) )

3 .44/45املرجع نفسه، ص : ينظر)

Page 125: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

111

.يلتزم مبا يلزم بهأن -4

مهمة مقارنة بالشروط ) الشروط التكوينية(وقد اعترب أوستني الشروط األوىل القياسية، ذلك أن األوىل إذا حتققت كانت فعال أدائيا موقفا، وإذا مل تتحقق كان ذلك

فهي ليست ) الشروط القياسية(أما بالنسبة للثانية . Misfire" إخفاق األداء"إيذانا بـورية إلجناز الفعل؛ بل إلجنازه إجنازا موفقا غري معيب، أي إا إن مل تتحقق نتج ضر

Abuseأداء الفعل " إساءة")1(.

نطقية أو "باإلضافة إىل هذا اجلهد؛ قام أوستني بتحليل األفعال الكالمية إىل واعترب أا األصوات اليت ينطقها املتكلم بصورا التركيبية الفعلية ومعناها "لفظية

لوصول إىل بعض األهداف وهي اليت يقصد من خالهلا املتكلم ا وإجنازيةالعجمي، وهي ما خيلفه القول من تأثري، وميكن إمجال هذا التصنيف : وتأثرييةاألغراض، واملرامي :فيما يلي

وهي تلك األلفاظ اليت تنتمي إىل مجل سليمة :Lectionary Actفعل التلفظ - 1متكلم معين والتي تعين منهو تلك األصوات اليت تصدر أي )2(حنويا وذات داللة معينة

.قوال ذا معىن معين

ويتصل هذا اجلزء من التصنيف :Illocutionary actفعل قوة التلفظ - 2ومبعىن أدق ...كالمية كالوعد والسؤال واالستفهامبالوظائف اليت تنتج من أي صيغة

.)3("هو ما يؤديه الفعل اللفظي من معىن إضايف يكمن خلف املعىن األصلي"

)1 .44املرجع نفسه، ص : ينظر)

)2 .45حممود حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص : ينظر) )

3 .45املرجع نفسه، ص )

Page 126: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

112

وهو التسبب يف نشوء آثار يف العواطف : Perlocutionary actفعل أثر التلفظ - 3يف بنية لغوية ، مبعىن أن الكلمات التي ينتجها املتكلم )1(واألفكار كاإلقناع واإلرشاد

منتظمة حمملة مبقاصد معينة يف سياق حمدد تعمل على تبليغ رسالة، وحتدث أثرا على .املتلقني

إن هذا البعد اإلجنازي الذي انبثق يف تصور أوستني كان يف مستوى القبول -لفني املعريف لدى خنبة من الفالسفة واللغويني الذين أقروا بالطابع اإلجنازي للتلفظات، خما

كبري ال يستهان به من املناطقة والفالسفة الوضعانيني الذين ركزوا بذلك رؤى مجع وي للجملة التقريرية اخلربية وهي ضاهتمامهم يف دراسة املعىن يف إطار ما عرف باملعىن الق

اجلملة اليت ميكننا احلكم عليها قوضيا بالصدق أو الكذب دون إعطاء أدىن اعتبار األمناط باملنعطف املعريف األخرى من اجلمل؛ ومن بني الفالسفة واللغويني الذين تأثروا

، حيث اعترب هذان A. Auchlinوأنطوان أوشلن J. Moeshlerجاك موشالر : األوستيينأن نظرية أفعال Introduction à la linguistique contemporaineاألخريان يف مؤلفهما

اإليهام –ضد الفكرة القائلة أن وظيفة اللغة هي وصف العامل الثورة"الكالم مرتكزة على والكذب، فالعكس من التقريرية تقوم على ثنائية الصدقوأن كل امللفوظات -الوصفي

إن وظيفة اللغة هي التأثري على الواقع، والسماح ملن ينتج امللفوظات إجناز هذا : ذلكفالوظيفة . )2("الثنائية الصدق والكذبالفعل، ويف هذه احلالة ال ختضع امللفوظات

هي اليت حتدث القطيعة بني تطبيق معيار الصدق اإلجنازية اليت تتأتى من امللفوظات . والكذب وكل امللفوظات اليت تصدر من متكلم معين

)1 .42حممود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص : ينظر)

(2) Jaque Moeshler –Antonie Auchlin, Introduction à linguistique Contemporaine, Deuxième édition, Armande

Colin/ Her –Paris 1997 -2000, p. 135.

Page 127: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

113

اعتبار اإلجناز مبثابة الدعامة األساسية اليت قامت عليها نظرية األفعال وعليه ميكنخبالف التصورات والتنظريات التقليدية التي أخفقت يف الكثري من األحيان )1(الكالمية

ق من ثيف إعطاء القيمة احلقيقية للملفوظات بسبب تغاضيها عن البعد اإلجنازي املنبوما ينجر من آثار خمتلفة عنها كقلب . ت املتلفظ االعبارات واألقوال واخلطابا

.القناعات والتأثري عليها واالجتاه حنو قلب حركية الواقع وجوهره

من حيث معناها، إىل جمموعات . تصنيفا لألفعال الكالمية كما قدم أوستنيوهو ،"Illocutionary Force"القوة اإلجنازية "وظيفية، معتمدا يف هذا التصنيف على معيار

)2(:تقسيم غري مستفيض باعتراف أوستني ذاته

وهي أفعال تثبت يف بعض القضايا :Verdictivesاألفعال الدالة على احلكم - أ ).القضاة واحلكام(من سلطة معترف ا رمسيا

وهي األفعال احلاملة لقوة يف فرض واقع جديد :Exertivesأفعال املمارسة -ب .اخل...مثل االنتخاب، التعيني، الترشيح

وهي أفعال كالمية تلزم املتكلم القيام بعمل ما :Commisivesأفعال الوعد -ج .اخل...الوعد والضمان والتعاهد: معترف به من قبل املخاطب، ومن أمثلتها

ي ردود األفعال الناجتة حلدث أو مثري ما وه :Behabitivesأفعال السلوك - د .كاالعتذار والشكر

(1) Voire : F. Recanati : La transparence et l’énonciation, Edition du seuil, Paris (1979) P. 100.

)2- 158، ص2003) 1(منشورات االختالف، الطبعة . حتليل اخلطاب املسرحي يف ضوء النظرية التداولية: عمر بلخري: ينظر)

159.

Page 128: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

114

وتستخدم هذه األفعال الكالمية عادة يف :Expositivesأفعال العرض -هـإيضاح وجهات النظر واآلراء عن طريق احلجج، مثل اإلثبات، التأكيد، النفي، الشرح،

.اخل...التوضيح

قيق الفعل الكالمي عامل باإلضافة إىل هذا الطرح اشترط أوستني يف حتيف –واملقصود بذلك هو أن الفعل اإلنشائي الذي يصدر عن شخص يرفض " )*(القصدية

وعليه وجب على املتلفظ بالفعل الكالمي )1("داللته، يعترب فعال غري متحقق -قرارة نفسهأن يكون حامال لقصد صادق يف مكنونات نفسه لكي يتسنى له حتقيق فعال كالميا

وهو ال يقصد " اعتذر منك"ناجحا وموفقا، فإذا اعتذر شخص من آخر بواسطة عبارة ع أن يقصد ن يتحقق، ألن الشخص املتكلم منا يستطيفإن فعل االعتذار لذلك حقيقة،

.أشياء أخرى كالتهكم أو االهتزاز أو الكذب أو اخلديعة أو ما شابه ذلك

وإن -هو ضرورة اإلقرار أن جهود أوستني ضمار املولكن الشيء األهم يف هذا مل تكن كفيلة وحدها بوضع نظرية كاملة متكاملة لألفعال الكالمية، وإمنا -كانت هائلة

مبثابة البذور األوىل اليت محلت على عاتقها مسؤولية خلق كانت جهوده وإسهاماته إن أعمال أوستني : عرفية التي تقوم عليها هذه النظرية، بصيغة أخرىاألسس املنهجية امل

كانت مبثابة نقطة انطالق مهدت ويسرت السبيل املعريف أمام باحث وفيلسوف آخر .هذه النظرية، عمل هو اآلخر على تطوير J. Searl" سورل. ج"

)* (ني على حد سواء، وقد نشأ يقوم هذا املفهوم على أبعاد ومرتكزات تداولية، كانت حمل اهتمام الفالسفة التحليليني والتداولي

:عن هذا االهتمام والدراسة جمموعة من املفاهيم املتراسة املترابطة ومنها على اخلصوصمسعود صحراوي، : ينظر. مبدأ الفضاء املزدوج لتمظهرات فعل اللغة، مبدأ اإلستراتيجية، الصريح الضمين، منط تنظيم اخلطاب

.44التداولية عند العلماء العرب، ص )

1 .158عمر بلخري، حتليل اخلطاب املسرحي يف ضوء النظرية التداولية، ص )

Page 129: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

115

:سورل واألفعال الكالمية2.1.5

كل ملفوظ لساين يعمل كفعل حمدد "اقتدى سورل بأوستني يف مسألة اعتبار أن أي يساهم يف إنتاج بعض اآلثار، ويعلق بعض التغيريات يف ). اخل...أمر، سؤال، وعد(

املوقف التواصلي، كما اعترب أن املكون األساسي للملفوظ الذي مينحه قوته هو القوة ، إن هذه القوة تطبق وتضاف إىل احملتوى القضوي Illocutionary Forceاإلجنازية .)1("للملفوظ

:)2(هذا الطرح بإعطاءها األمثلة التالية K.K. Orrechioniتؤكد أوركيوين -

.جون يدخن كثريا-1

.هل يدخن جون كثريا-2

.دخن كثريا ياجون-3

.ياليث جون يدخن كثريا-4

أوركيوين أن هلذه امللفوظات األربع نفس احملتوى القضوي، أي نفس تشري) هذه امللفوظات(، ولكنها يف املقابل )جون(، ونفس املوضوع )كثرة التدخني(احملمول

ال حتمل نفس القوة اإلجنازية؛ ففي امللفوظ األول نالحظ أن قوته تتمثل يف التقرير، أما فإن قوته تتمثل يف : جنازية يف السؤال، وبالنسبة للثالثامللفوظ الثاين فتتمثل قوته اإل

.األمر، أما امللفوظ الرابع فإن قوته اإلجنازية تتمكن يف التعبري عن التمين

:)1(كما عمد سورل إىل التمييز بني ثالثة مستويات يف أي نشاط اجتماعي

(1) Catherine cerbrat orrechioni, les actes de language dans le discours, théorie et fonctionnement, Edition

Nathan, Paris, 2001, P. 16.

(2) Voire : Ibid, P16.

Page 130: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

116

وهو املستوى املعىن باالتفاقات االجتماعية التي حتملها أي :مستوى اللسان- أ .عبارة لغوية دون التلفظ ا

ويقابلها الكالم باملفهوم السويسري، وهذا :مستوى احلواجز الفردية-ب .املستوى هو الذي مينح العبارات اللغوية دالالت معينة، ولكن يف حالة التلفظ ا

وهو مستوى يعىن يشرح أسباب :جتماعية الواسعةمستوى االشتراطات اال-ج .اختيار داللة معينة دون اللجوء إىل انتقاء دالالت أخرى

وذا الطرح ينتقل جوهر اللغة من ذلك املفهوم الضيق الذي أوكل إليها من أا جهاز لوصف حال باللغة إىل طرف الفالسفة واملناظفة التقليديني الذين نظروا

؛ إىل جوهر آخر )الكذب/الصدق(وإثباا يف إطار تطبيق مفهوم ما عرف بثنائية األشياءمفاده إعطاء اللغة مفهوما آخر يشتغل على آليات وظيفية حركية ليصل إىل فكرة أخرى

.مؤداها أن اللغة نشاط اجتماعي تفاعلي أوال وقبل كل شيء

تصور سورل أن بنية اللغة كما ميكن أن نستشف من خالل هذا الطرح املنبثق مناحملض، بل تتعدى ال ختتلف عن بنية الفكر، ووظيفتها ال تقبع يف ذلك اال التواصلي

ذلك إىل مستوى آخر هو مستوى التأثري على الواقع وقلبه من خالل انتقاء بعض سألة التأثري اليت ميكن أن تلعب دورا كبريا ال يستهان به يف م) األفعال الكالمية(العبارات

قوة بالغية قابعة "على أساس أن الكالم ... على املتلقني مهما كان مستواهم أو خلفيامفيه، تتجلى يف حالة التلفظ به، وقوة أخرى تأثريية على مستوى املتلقي تتجلى من خالل

. )2("األعراض التأثريية والنتائج املنجرة

)1 .93يف اللسانيات التداولية، مع حماولة تأصيلية يف الدرس العريب القدمي، ص خليفة بوجادي،: ينظر)

(2) J. L Austin ; Quand dise c’est faire, introduction, traduction et commentaire par Gille Lane, édition du seuil,

1970, p. 13/14.

Page 131: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

117

أننا نقوم بأربعة Speech act 1969ل الكالم يف كتابه أفعا J. Searlيرى سورل .أفعال حني نتلفظ بعبارة ما

إجناز فعل ما، وهو ما يسميه أي ):مجال ومورفيمات(التلفظ بالكلمات - 1إنين امسي فعل قول شيء ما باملعىن العادي التام، أداء "الفعل التعبريي، يقول سورل "

للفعل التعبريي، وأمسي دراسة املنطوقات حىت هذه النقطة، ومن هذه اجلوانب؛ باسم .)1("دراسة التعبريات أو الوحدات التامة للكالم

بإسناد الكلمات إىل بعضها وإحالتها على ويتم ذلك :الفعل القضوي- 2 .)2(مراجعها

تستعمل ا التعبري، مثل وهو الفعل الذي حيدد الطريقة التي :الفعل الغرضي- 3هل نسأل أو جنيب على السؤال؟ هل نعلن عن رأي أو قصد؟ هل نضع حتديدا أم ااما

التي تربز من خالهلا اعتبارات وذا يكون الفعل الغرضي، تلك املساحة . اخل)3(...أو .استعمال اللغة

وهو املفهوم الذي جيسد النتائج والتأثريات اليت حتدثها األفعال :الفعل التأثريي- 4ربما يقنع شخصا "فعلى سبيل املثال . دات املستمعقاإلجنازية السابقة على أفكار ومعت

أن هذا املفهوم مبعىن )4("داء شيء مامعينا أن شيئا حقيقة واقعة، أو حيث شخصا معينا أل .ال ينفصل مع مفهوم قوة التلفظ، بل يالزمه، وذا ينجز املرء فعال عن طريق القول

)1، 2005، )1(املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة، دار الطليعة، بريوت، الطبعة الزواوي بغورة، الفلسفة واللغة، نقد ) .108ص)

2 www.FIKRWAMAKD.ELJABIRIABED.COM. عبد السالم إمساعيل العلوي، التلفظ واإلجناز: ينظر ))

3 .108الزواوي بغورة، الفلسفة واللغة، ص : ينظر) )

4 .108املرجع نفسه، ص )

Page 132: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

118

باإلضافة إىل هذه اجلهود اقترح سورل تصنيف األفعال الكالمية إىل مخسة :أصناف

وهي متثيل وتكون عندما يتعهد املستمع حبقيقة اخلرب، :Assersifsاإلثباتيات - 1األحكام التقريرية واألوصاف الطبية، والتصنيفات : حقيقي للمعامل ومن أمثلتها

.)1(والتغمريات

حبمل "وهي األفعال الكالمية املعنية :Directifs) التوجيهات(األوامر - 2 .، مثل األوامر والنواهي والطلبات)2("املخاطب على فعل معين

التي يلتزم ) امللفوظات(وتتجسد يف تلك العبارات :Commissifs اإللزاميات- 3مبعىن أا أفعال كالمية تعهدية بالدرجة األوىل، وجندها يف ،)3(فيها املتكلم بفعل شيء ما

.اخل...الرهانات والعقود والضمانات

وتتجلى يف امللفوظات أو األفعال :Expressifs) التصرحييات(التعبرييات - 4الكالمية املشتملة على كلمات وعبارات تعبر عن احلالة الشعورية للمتكلم إزاء واقع أو

التشكرات واالعتذارات : شيء معين مع مراعات شرط الصدق، ومن أمثلتها )4(...والتهاين

)1ترمجة سعيد الغامني، املركز الثقايف العريب، منشورات االختالف، . العقل واللغة واتمع يف العامل الواقعي: لرجون سو)

.217، ص 2006، اجلزائر 1الطبعة . الدار العربية للعلوم)

2 .99خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية مع حماولة تأصيلية يف الدرس العريب القدمي، ص) )

3 .218جون سريل، العقل واللغة واتمع، ص : ينظر)

)4 .219ينظر املرجع نفسه، ص )

Page 133: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

119

من األفعال وأكثر ما يظهر هذا الصنف : Déclarationالتصرحيات (اإلجنازات - 5 .)1(الكالمية حسن حياول املتكلم إحداث تغيري يف الواقع، وعليه جندها يف التلفظ ذاته

كما عمد سورل إىل اعتبار الفعل اإلجنازي أنه ميثل الوحدة الصغرى لالتصال دليل أن القوة اإلجنازية تتضمن دليال مساه: وأكد من جهة أخرى Minimal Unitاللغوي

، وتساهم هذه األخرية يف رفع اإلام عن Illocutionary force indicator" القوة اإلجنازية"نوع الفعل اإلجنازي الناتج عن أي مجلة يتلفظ ا متكلم معني، ويتمثل يف اللغة اإلجنليزية

، وعالمات الترقب Intonation، والتنغيم Stressوالنرب Word-Orderيف نظام اجلملة Ponctuation يف اللغة املكتوبة، وصيغة الفعلMood ى األفعال األدائيةوما يسم ،Performative )2(.

. باإلضافة إىل هذا ميز سورل بني نوعني من األفعال الكالمية

الذي يطابق قوته اإلجنازية مراد "وهو ذلك الفعل :ة املباشرةاألفعال الكالمي- أ، أو هي كما يعرفها )3("املتكلم، أي أن يكون القول مطابقا للقصد بصورة حرفية تامة

مباشرة وغري أفعال الكالم: "هل يوجد نص يف هذا الفصل"ستانلي فش يف كتابه القة بني التركيب مباشرة، ويتأسس هذان النوعان على بنية اجلملة حيث تكون الع

والوظائف التوصيلية، فإذا وجدنا توافقا بني التركيب والوظيفة التوصيلية يف كل مجلة .)4("فإننا نكون أمام فعل إجنازي مباشر) خرب، استفهام، أمر(

الفعل الذي يتلفظ به املتكلم يف خطابه، "كما عرف الفعل الكالمي املباشر بأنه هذه احلالة يكون املتكلم قاصدا أن ينتج أثرا إجنازيا على يعين حرفيا ما يقول، ويفوهو

)1 .100خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية، ص : ينظر) )

2 .47، ص2002حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، دار املعرفة اجلامعية، مصر، : ينظر)

)3 .98علي حممود حجي الصراف، األفعال اإلجنازية يف العربية املعاصرة، ص ) )

4 .98املرجع نفسه، ص )

Page 134: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

120

، )1("املتلقي، ويقصد أن ينتج هذا األثر من خالل جعله املتلقي يدرك قصده يف اإلجنازمبعىن أن األعمال الكالمية املباشرة تشمل األقوال التي تتوفر على تطابق تام بني معىن

املتكلم كثريا ما يستعمل عبارات وأساليب صرحية اجلملة ومعىن القول، باعتبار أنال خيالف القصد ) املتجلي على سطح اجلملة(ومباشرة خالية من الغموض، وظاهرها

.الذي يصبو إليه

التي ختالف فيها قوا اإلجنازية مراد "فهي :األفعال الكالمية غري املباشرة-بتطابق تام بني معىن اجلملة ومعىن القول أو ال تتوفر على أي هي األقوال التي )2("املتكلم

هي اليت خيالف فيها ظاهر القول القصد الذي يسعى املتكلم الوصول إليه أو تبليغه إىل يف حالة التعبري البسيط ننطق جبملة واحدة ونقصد ما "وعليه يرى سورل أننا . املتلقي

ما ذه البساطة، ففي كثري نقول متاما، ولكن املشكلة تكمن يف أن األمور ال تسري دائللمنطوق، كما حيدث يف من األحيان خيتلف املعىن املقصود عن التعبري احلريف الداليل

.)3(..."االستعارة والتشبيه والكتابة

اليت يتمكن املتكلم ) احلاالت(يوجد بعض املواقف : "يقول سورل يف هذا الصددناها الظاهر، ويدل ذلك على مقولة ذات من خالهلا من قول مجلة وهو ال يريد ا مع

: مث يردف ذلك مبثال إلثبات هذا املقتضى التصوري فيقول )4("حمتوى إسنادي مغايرهل بإمكانك أن تتناويل امللح؟ ولكنها ال تدل على املعىن : ميكن للمتلفظ أن يتلفظ جبملة

إىل معىن ) الصريح(اهر الظاهر واملمثل باالستفهام، بل يتم فيها االنتقال من املعىن الظ .)5(آخر، وهو الطلب بتقدمي امللح

)1 .135استراتيجيات اخلطاب، ص . عبد اهلادي بن ظافر السهري)

)2 .50حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص ) )

3 .124علي حممود حجي الصراف، األفعال اإلجنازية يف العربية املعاصرة، ص )

(4) J.L. Searl, Sens et expression, traduction : Joëlle Proust, Edition de minuit, Paris (1972), P. 71.

(5) Ibid, P. 71.

Page 135: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

121

وللفهم السليم لألفعال الكالمية غري املباشرة؛ قدم جمموعة من العلماء والباحثني :واملعدلة لطرح أوستني ومن بينها تعاريف هلذه األفعال وفقا لرؤية سورل املطورة

ذات املعاين الضعيفة التي ال تدل األفعال"هي و :األفعال الكالمية غري املباشرةيف حتديدها والتوجيه إليها، وهي عليها صيغة اجلملة بالضرورة، ولكن للسياق دخال

ومعىن ذلك أن الركن الركني يف عملية الفهم )1("تشتمل على معان عرفية وحواريةغري املباشرة هو للملفوظات واخلطابات التي تشتمل على األفعال الكالمية "الصحيح

السياق الذي وردت فيه هذه التلفظات، ونقصد بالسياق هاهنا جمموعة املعطيات مثل املكان Interactionnelوالعوامل والظروف اليت متت بصلة إىل العملية التفاعلية

باإلضافة إىل عوامل ثانوية أخرى ...والزمان والعالقة بني املتحاورين واخللفيات املعرفيةائد وتنغيم العبارات وما شابه ذلك من أمور هلا عالقة باحلدث الكالمي كالعرف الس

.وروافده

إستراتيجية لغوية "كما نلقي تعريف آخر لألفعال الكالمية غري املباشرة مفاده أنها تلميحية يعبر ا املتكلم عن القصد مبا يغاير معىن اخلطاب احلريف خلطابه فيعبر عنه بغري

، ويف هذا التعريف املنبثق من )2("عنده اللفظ مستثمرا يف ذلك عناصر السياق ما يقفتصور عبد اهلادي بن ظافر الشهري ميكن حصر أهم النقاط األساسية املتعلقة بالفعل

أي غري صرحية . الكالمي غري املباشر ومن بينها أا إستراتيجية تلميحية غري مباشرةخالهلا ومقصدها ضمين خمبوء، على املتلقي أن يقوم بعمليات إستداللية يستلزم من

املعىن، كما أن النقطة الثانية املتعلقة تعلقا شديدا مبفهوم الفعل الكالمي غري املباشر متمركزة يف جمال السياق وحيثياته، حيث يلجأ املتكلم الستخدام هذا النوع من األفعال

)1 .35مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص ) )

2 .370هلادي بن ظافر الشهري، إستراتيجيات اخلطاب ص عبد ا)

Page 136: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

122

التي تساعد املتلقي على ...) الثقايف، االجتماعي، النفسي(را عناصر السياق مستثم .ول إىل الفهم السليم والصحيح ملا تلفظ بهالوص

باإلضافة إىل هذه اجلهود املكملة واملعدلة لنظرية األفعال الكالمية، قدم سورل جمموعة من الشروط املتعلقة بنجاح اإلجناز يتجاوز فيها تصور الشروط "اقتداءا بأوستني

يفاء بعض املبادئ التي يعتربها ، فاإلجناز حسبه ال يتحقق إال باست"التي قدمها أوستني :ضرورية هي

نسبة (وهو يتحقق بأن يكون للكالم معىن قضوي " :شروط احملتوى القضوي- 1، ومتحدث به Référenceالتي تقوم على متحدث عنه أو مرجع Propositionإىل القضية

أن هذه ، مبعىن )1("القضوي هو املعىن األصلي للقضية واحملتوى Prédicationأو خرب املكونات ذات العالقة اإلسنادية هي التي تؤطر وحتكم احملتوى القضوي ألي صيغة لغوية

).فعل كالمي(أو

إذا كان املتكلم قادرا "ويتم هذا الشرط :Preparatoryالشرط التمهيدي - 2على إجناز الفعل، لكن ال يكون من الواضح عند كل من املتكلم واملخاطب أن فعل

أي أن يكون املتكلم يف الوضع )2("ب سينجز يف ارى املعتاد ألحداث أوال ينجزاملطلوالذي يؤهله إلمتام اإلجناز، ويتحقق هذا من خالل مراعات الظروف احمليطة بعملية إنتاج

.الكالم

)1 .48حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص ) )

2 .48املرجع نفسه، ص )

Page 137: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

123

حني يكون املتكلم "ويتم حتقيق هذا الشرط : Sincerityشرط اإلخالص - 3ول غري ما يعتقد، وال يزعم أنه قادرا على فعل ما ال خملصا يف أداء الفعل فال يق

.أي أن ينوي املتكلم إجناز الفعل الذي تسنده له القضية املطروحة )1("يستطيع

حني حياول املتكلم التأثري يف "ويتم حتقيقه :Essentielالشرط األساسي - 4 .بالفعل مناط التلفظ السامع لينجز الفعل أي أن يقصد املتكلم أن يلزمه تلفظه القيام

ة أفعال الكالم، اليت أرسى دعائمها لقد اجنرة املتعلقة بنظريعن هذه العتبات املعرفيوثبت معاملها سورل بالتعديل والتفصيل والتطوير؛ حدث معريف ذو بعد انعطايف "أوستني

أخذ على عاتقه تغيري مسار أفق الدراسات اللسانية، إذ أصبحت اللغة وفق هذا املنظور فضاءا مبسوطا لإلجناز واملمارسة، والفعل يتم عن طريق التلفظ أثناء العملية التواصلية

. التفاعلية

ويسهم هذا الطرح اجلديد يف تأكيد فكرة جوهرية عمادها أن وظيفة النطق أو التلفظ الذي جيسد إجناز الفعل هو متثيل الفكر أو املقصدية التي تكشف أي عبارة لغوية،

. باعتبار أن أي عملية إنتاجية للكالم إمنا تعمل من أجل حتقيق غايات وأهداف معينة . فعل كالمي أنه ذو بعد مقصدي وبذا ميكن اعتبار أي

إن هذا البعد كان حمط اهتمام الفالسفة اللغويني، من خالل إرساء بعض النظريات التي تؤدي فعل اإلدراك الصحيح وتأويل املعىن املراد، والوصول بالتايل إىل

وكان من بني أهم تلك النظريات نظرية . مقصدية املتكلم املنبثقة عن أي فعل كالمي .H.P. Griceبول غراس "ستلزام احلواري لـاال

)1 .48املرجع نفسه، ص )

Page 138: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

124

: Implicature conversationnelنظرية االستلزام احلواري -2.5

تعد نظرية االستلزام احلواري من أكثر النظريات انتشارا يف الدراسات التداولية H.P. Griceاملطبقة على خمتلف اللغات، وترجع نشأا إىل احملاضرات التي ألقاها غرايس

)Natural Languageوهو من فالسفة اكسفورد املتخصصني يف دراسة اللغات الطبيعية (وره هلذا اجلانب من الدرس، واألسس ، فقدم فيها تص1967يف جامعة هارفارد سنة

.)1(املنهجية العامة التي يقوم عليها

" اه مبدأ التعاونمس"ببلورة مبدأ واحد " املنطق واحلوار"س يف هذا البحث ايجرقام Coopérative principes إليه على تأويله املبدأ الذي يرتكز عليه املرسل"، ويقصد به ذلك

وعليه تعترب هذه النظرية مبثابة ضابط للعملية التواصلية بفرضها إمالءات على )2("وفهمهما عيها كل متكلم قاصد إىل تبليغ أمر معين أو غرض اأطراف التخاطب يفترض أن ير

.وبالتايل إجناز الفعل وحتقيقه بنجاح

لقد اعتمدت هذه النظرية على جمموعة من األسس التي تنظم العالقة احلوارية بني املتكلمني الذين يدخلون يف احلوار بناءا على عقد ضمين حيدد إسهام كل واحد من

هذه النظرية يسمح بإتاحة باعتبار أن أهم مبدأ يف. املتحاورين يف تنمية العملية التخاطبيةأن يلتزم جبملة من املواصفات أثناء "الفرصة لكل طرف يف احلوار أن يتوقع من اآلخر

، وكذا تلقي هذه النظرية بظالهلا على ذلك البعد الذي يعىن مبراعاة املتلقي )3("كالمهواجتماعيا، فاملتكلم يراعي املخاطب يف كل ما يأيت ويدع، لغويا ونفسيا، "وتطلعاته

... وثقافيا، بل إنه يسخر يف ذلك ما قد يعني يف التبليغ من التعبري باإلشارة، واملالمح

(1) Voire : François Recanati, Les énoncés performatifs, édition de Minuit, Paris, 1986, p. 143/144.

)2 .96عبد اهلادي بن ظافر الشهري، إستراتيجيات اخلطاب، ص ))

3طابع، الرياض حممد لطفي الزليطي، منري التريكي، دار النشر وامل: حتليل اخلطاب، ترمجة وتعليق: بول. براون وج. ب.ج)

.101/102ص : ، ص1997

Page 139: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

125

اإلصغاء، وحماولة الفهم واالنتباه، وقوة ليجد من املخاطب نفسه تعاونا، متمثال يف .)1("التركيز، وغريها من العوامل املساعدة يف التلقي اجليد

ون إىل جمموعة من املبادئ الثانوية، أطلق عليها مصطلح فرع غرايس مبدأ التعاMaximes )2(وهي على التوايل) مسلمات(:

اإلخبار الذي جيب أن تلتزم به ) كمية( روختص قد: Quantitéمسلمة القدر - 1املبادرة الكالمية، حيث أنها توصي جيعل املبادرة الكالمية تفيد القدر املطلوب من

.اإلخبار

.مشاركتك تفيد القدر املطلوب من اإلخبار إجعل-أ

.تفيد أكثر مما هو مطلوب) املشاركة(ال جتعلها -ب

التي تنص على عدم التلفظ بكلمات ال يستطيع : Qualitéمسلمة الكيف - 2 .املتلفظ الربهنة على صدقها

لتكن : يفوهي عبارة عن قاعدة واحدة متمثلة :Pertinenceمسلمة املالئمة - 3 .تك مالئمة ملقتضى احلالمسامه

التي تنص على الوضوح يف الكالم من خالل :Modalitéمسلمة اجلهة - 4 :اعتمادها على ثالث مبادئ ثانوية وهي

.االبتعاد عن اللبس والغموض واستعمال اإلجياز يف الكالم وترتيبه

)1 .31نواري سعود أبو زيد، يف تداولية اخلطاب األديب، املبادئ واإلجراء، ص ) )

2مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، دراسة تداولية لظاهرة األفعال الكالمية يف التراث اللساين العريب، : ينظر)

.33/34ص : ، ص2005، )1(دار الطليعة، بريوت، الطبعة

Page 140: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

126

ني تعد هذه القوانني التي صاغها بول غرايس أساسية يف كل حوار بناء ب-املتحاورين يف اتمع، وقد وقع التركيز على هذه القوانني ألن أي كالم هو يف حقيقته ذو بعد حواري باألساس، ويشمل هذا البعد مجيع أنواع اخلطاب املنطوق منها

.أو املكتوب) الشفهي(

يعترب أن هذه املبادئ متثل ضابطا يتحكم يف ؛)*(إن هذا الطرح الغرايسيبوصف "استخدامات املتكلم اللغة أثناء احملادثة، كما أنه يعترب أن هذه الضوابط كفيلة

أنواع الدالالت التي ميكن ملتكلم أن يوحي ا يف حالة عدم إلتزامه بأحد هذه ق إحدى املبادئ األربعة، احلواري متعلقة خبر مبعىن أن ظاهرة اإلستلزام )1("الضوابط

.ويتولد عن هذا اخلرق معان ضمنية باإلضافة إىل املعىن الصريح املباشر

خماطب /وبالتايل فإن املعاين الضمنية هي نوع من املعان التي ال ميكن ألي متلقيأن يدركها من خالل البنية السطحية للجملة، بل البد عليه األخذ بعامل السياق

مال ال مناص من االعتماد عليه يف أي عملية باحثة عن املعىن، وتنقسم هذه واعتباره عا : )2(املعاين إىل ما يل

وهي تلك الدالالت التي تتعلق باجلملة : Sens conventionnelمعاين عرفية - .تعلقا أصيال، وتالزم اجلملة وتقبع معها يف مقام معين مثل معىن االقتضاء

يؤدي خرقها إىل توليد معان إستلزامية، كان ) املسلمات(باإلضافة إىل طرحه ملبدأ التعاون وتفريعه إىل مبادئ ثانوية أخرى ) *( significationواملعاين غري الطبيعية Signification naturelleالطبيعة "لغرايس باع طويل يف إثراء مسألة التفريق بني املعاين

non-naturelle من هذه املعاين ينظر. من خالل وضع خصوصيات ومفارقات كل واحدة: Anne Reboul, Jaques Moeschler, Pragmatique du discours, de l’interprétation de l’énoncé à l’interprétation du discours, Armand Colin, France (2005), P. 148/149.

)1 .41بول، حتليل اخلطاب، ص . ب براون وج.ج) )

2 .35مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص : ينظر)

Page 141: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

127

وهي التي تنجر من اخلطابات واألفعال :Sens conventionnelمعاين حوارية - .الكالمية طبقا ملقامات تلفظها، مثل الداللة اإلستلزامية

وإلثبات هذا املقتضى التصوري؛ دأب غرايس على طرح بعض األمثلة اليت كانت كل جمملها عبارة عن حمادثات تبين بدقة كيف ينشأ املعىن الضمين املتلزم على إثر

ط والتفصيل يبستأو عدم االلتزام بضابط من الضوابط األربعة، ولشيء من ال اخلروقات" أ"، وكان عبارة عن حواريني أستاذين "غرايس"نذكر املثال اآليت الذي صاغه

:)1("ب"و

مستعد ملتابعة دراسته اجلامعية يف قسم الفلسفة؟" ج"هل الطالب ): أ(األستاذ

.العب كرة ممتاز) ج(طالب إن ال): ب(األستاذ

، وجدنا أا )ب(يالحظ غرايس؛ أنه إذا تأملنا احلمولة الداللية إلجابة األستاذ تدل على معنيني اثنني يف نفس الوقت، أحدمها حريف واآلخر مستلزم، معناها احلريف أن

ر ليس من العيب الكرة املمتازين، ومعناها اإلستلزامي أن الطالب املذكو) ج(الطالب .مستعد ملتابعة الدراسة يف قسم الفلسفة

ففي إطار تأملنا هلذه العملية احلوارية؛ وجدنا أن هناك خرق واضح إلحدى املسلمات اليت أقرها غرايس وهي قاعدة املالئمة التي توصي خبلق تلفظ مالئم مع املقام

هل : ؤال املطروحالذي يفرض نفسه يف التخاطب، ذلك أن هناك جواب غري مالئم للسمستعد ملتابعة دراسته اجلامعية يف قسم الفلسفة؟، وهكذا فإن املعىن املستلزم ) ج(الطالب

وهكذا . يف هذه العملية احلوارية هو أن الطالب ال ميكن له أن يبقى كطالب يف اجلامعةلمة ، أو مسQualitéفإذا مت خرق مسلمة الكيف : دواليك بالنسبة للمسلمات األخرى

)1 .34مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص : ينظر)

Page 142: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

128

يف التخاطب؛ نتج عن هذه اخلروقات معاين Modalitéأو مسلمة اجلهة ،)Quantité(الكم .ضمنية مستلزمة

وعلى الرغم من ذلك؛ مل حيصر توصياته يف هذه املسلمات املذكورة سابقا، بل كان غرايس يلمح إىل ضرورة األخذ ببعض القواعد واملبادئ األخرى وإن مل يفصل

) مجالية أخالقية، اجتماعية(أنواع لكافة القواعد األخرى -بالطبع–هناك : "غيها يقولها املشاركون عادة يف تبادالم التخاطبية، واليت قد تولد ، اليت يراعي)لتكن مؤدبا(مثل

.)1("معاين مستلزمة غري عرفية

واملسلمات املنبثقة منه " التعاون"إن هذه الكلية مل ما ذكر حول مبدأ واملؤسسة املفاهيم اخلطابية حتت عنوان اإلستراتيجيات احلوارية، جترنا حتما إىل طرح

يف إطار عام واضح يقبع يف بصي" الغرايسي"أن هذا التصور التنظريي : ؤداهجوهري م .مع مقام التخاطب وموضوع احلوار تتناسبعبارات لغوية "حدود جمال استعمال

أن أهم ضابط متيزت به هذه النظرية هو مبدأ : ووفق هذا الطرح؛ ميكن اجلزم، حيث مثل هذا "سبا مع إطار املوضوع القائمليكن إسهامك يف احلديث متنا"املناسبة

األخري جوهر ومركز املبادئ أو املسلمات األخرى، لدرجة أن هناك من العلماء والباحثني من اختصر كل املبادئ التي تولدت عن نظرية االستلزام احلواري يف هذا

فالسفة وباحثني بعض اجلهات املختصة بالدرس التداويل من علماء وكما اندفعت . املبدأ، باالعتماد على روافد )التنظريية اإلجرائية(لتعميق هذا املبدأ، وإرساء بعض القواعد

.معرفية خمتلفة، وقد مثل هذا االجتاه حبق نظرية املالئمة

)1 .97عبد اهلادي بن ظافر الشهري، إستراتيجيات اخلطاب، ص )

Page 143: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

129

:نظرية املالئمة-3.5

قبل املباشرة يف تفصيل مبادئ هذه النظرية وخصوصياا، القائمة على ترسيخ املستوحى من مسلمات غرايس ال جرم يف التذكري أن هناك Pertinenceمبدأ املناسبة

بعض اجلهود األخرى التي أخذت على كاهلها تعديل وتطوير نظرية غرايس، ومن بينهم تعديالت منها اجلمع بني مبدئي الكم والكيف، الذي أضاف بعض ال Harnishهارنيش

الذي دافع على فكرة إمكانية اختزال بعض املبادئ SADOK" صادك"والباحث اللغوي . الغرايسية

عن تصوره هذا الذي يقضي بضرورة تقليص ) صادك(ويف إطار دفاع هذا األخري الثغرات يف معيار اإلبطال الذي وتوضيح بعض ؛ سعى إىل إبراز)املسلمات(بعض املبادئ

هيكله وصممه غرايس يف نظريته لغرض استنباط املفاهيم واملعاين اخلطابية Conversational Implicature أحد مبادئ احملادثة املشار إليها ) انتهاك(املولدة نتيجة خرق

.)1(من إضافة بعض املعايري األخرى الختبار تلك املفاهيم" صادك"سابقا، كما متكن

ولكن اجلدير بالذكر يف هذا املقام أن أقوى التحديات صدرت من الباحثني كال اجتاها تفنيديا لبعض املقوالت ش ذانالل Sperber "سبريبر"و Wilson" ويلسن"

واملبادئ الغرايسية، على أساس أما شككا يف مبادئه التنظريية واإلجرائية، واستثنيا من هذا النقد الالدع مبدأ املناسبة الذي جعال منه الركن األساسي لنظرية مسياها بنظرية

.Theory of relevanceاملالئمة

رية تداولية معرفية، أرسى دعائمها كل من اللسانية تعد نظرية املالئمة نظ، وقد D. Sperber، والفرنسي دان سرببر Deider Susan Wilson" ديردر ويلسن"الربيطانية

فهي نظرية تعاجل الظواهر البنيوية : اكتنفت هذه النظرية يف طياا رافدين معرفيني

)1 .www.iwan7.comاملدارس اللسانية، املدرسة التداولية : حممد حممد يونس علي: ينظر)

Page 144: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

130

يف نفس الوقت نظرية إدراكية، حبكم أنها ، كما تعد )يف املقامات املختلفة(للملفوظات Modularitéتغترف إجراءاا اجلوهرية من علم النفس املعريف؛ خاصة النظرية القالبية

.)1(")**(فودور"لـ

يتعلق ، خاصة فيما Modularitéلقد استفادت نظرية املالئمة من النظرية القالبية تغيري طرق جريان املعاجلة اإلخبارية، فاشتغال الذهن البشري و برصد وقائع احلياة الذهنيةهج ذو طبيعة منظمة، إذ جتري فيه معاجلة املعلومة الصادرة ممنكما يرى فودور اشتغال

احملولة والنظام الطريف والنظام املركزي، وتشتغل : من متكلم ما عرب مراحل متالحقة هي : هذه األنظمة وفق الشكل اآليت

من أصوات أو (وتتمثل وظيفتها يف ترمجة معطيات اإلدراك احلسي :احملولة -أوال .إىل نسق قصد التمهيد الشتغال النظام الطريف) اخل..ظهور شيء يف جمال الرؤية أو قول

يتكون هذا النظام من جمموعة من األنظمة الفرعية التي :النظام الطريف - ثانياختتص مبعاجلة املعطيات، فهناك نظام خمتص مبعاجلة املعطيات املرئية، ونظام خمتص مبعاجلة

وتكمن وظيفة هذا النظام يف تقدمي تأويل أويل ترميزي . اخل...املعطيات السمعية .لنظام املركزي املوايلللمعطيات املدركة، ويتم إمتام التأويل عرب ا

حيقق مهمة إمتام التأويل؛ من خالل مقارنة املعلومة الواردة :النظام املركزي- ثالثامع املعلومات األخرى املعروفة سلفا أو معلومات وفرا يف اآلن نفسه أنظمة طرفية

.أخرى، كما يتحقق هذا التأويل نتيجة لعملية استداللية

، باحث خمرب متخصص يف اإللكترونيات، يدرس 1935فيلسوف وعامل نفس أمريكي ولد سنة : Jery Fodorجريي فودور ) **(لذين أوجدوا مفهوم املنظومية الذي ، من اMITمعهد مباشر شاشوستس للتكنولوجيا 1963الفلسفة وعلم النفس منذ سنة

آن روبول، جاك : ينظر". Modularity of Mind"كان شائعا يف الدراسات اللسانية النفسية، وقد أعطاه صيغا جديدة يف كتابه .245/246موشالر، التداولية اليوم علم جديد يف التواصل، ص

)1 .37مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص : ينظر)

Page 145: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

131

القول إن التنظري قد دفع بالدرس التداويل حنو االنعطاف ومن هذا املنطلق ميكن برتعات معرفية خمتلفة؛ فباإلضافة إىل االعتماد ) الدرس التداويل(املعريف، ومت ذلك بإثراءه

" ألوستني"نظرية األفعال الكالمية (على اإلطار اللساين العام، واإلطار الفلسفي للغة ؛ انتقلت التداولية إىل االغتراف من ")غرايس"واري لـ، ونظرية االستلزام احل"سورل"ووهذا ما عرف ، خاصة يف اال التأويلي أو اإلدراكي للملفوظات،"علم النفس املعريف"

.)1("ولسن"و" سرببر"عند " التداولية املعرفية"بتوجه

ملفهوم كما أن من بني املبادئ امللفتة للنظر يف نظرية املالئمة هي تصورها اخلاص، مبعىن )2("شيء غري معطى، ولكنه يبىن تبعا لتوايل األلفاظ"السياق، إذ تنظر إليه باعتباره

أنه ال وجود للسياق قبل العملية احلوارية املتكونة من متحدث متلقي حياول تأويل هذه .امللفوظات تأويال صحيحا

ية، تستمد من مصادر ويتكون هذا السياق من جمموعة من االفتراضات السياق :)3(ثالثة هي

وهي تلك القضايا املتمركزة يف أول الكالم، والتي : تأويل األقوال السابقة-1 .ختزن يف الذاكرة التصويرية، دف استخدامها يف عملية التأويل

فقد يشمل السياق املكان املؤطر لعملية التواصل، باعتبار أن :احمليط الفيزيائي- 2أي عملية تواصلية جتري يف مكان معين، ومن هنا ميكن اعتبار هذا احمليط من األمور

.املساعدة التي يستخدمها املتلقي يف عملية تأويل امللفوظات

(1) Voire : George Elia Sarfati, Précis de pragmatique, Edition Nathan, Paris, 2002, p. 67.

(2) Jaque Moeschler, Ane Reboul, Dictionnaire encyclopédique de pragmatique, Edition du seuil (1994), p. 140.

)3 .38/39ص : مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص: ينظر)

Page 146: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

132

عن العامل، وتتوفر هذه الذاكرة على معلومات خمتلفة: النظام املركزي- 3 .وتساعد هذه املعلومات على اإلدراك والتأويل السليم للملفوظات

تلك املعلومات املخزنة يف النظام أما الطريقة التي ختص كيفية الوصول إىل ، حيث حتتوي هذه األخرية على جمموعة )1("الصيغة املنطقية"املركزي، تكون من خالل

ري يف الذاكرة املركزية حيمل ثالث أنواع من من املفاهيم، لكل مفهوم عنوان تصو :املعلومات

وهي تلك املعلومات اليت تتعلق مبختلف العالقات املنطقية : املدخل املنطقي- .)2(، والتي يلتقي فيها املفهوم مبفاهيم أخرى)اخل...االستلزام، التناقض(

نطقية أو ويوضع حتت هذا املصطلح كل املعلومات غري امل: املدخل املوسوعي- .)3(املعجمية، والتي تسمح بإعطاء امتدادا للتصور

وهي تلك املعلومات التي ختص عنصر معجمي ما، أي تضم : املدخل املعجمي- .)4(املعلومات الصوتية والتركيبية

انطالقا من املعلومات "فهي حتصل " االفتراضات السياقية"أما بالنسبة لكيفية انتقاء لدى املتخاطبني يف مقام العملية التواصلية، ويف احملصلة إن جناح العمليةالتي تتوفر

، كما أن اإللتزام ذا )5("املالئمة التواصلية مرهون بالتحكم يف قاعدة واحدة وهي مبدأ، جيب أن يكون من املطالب القصوى والضرورية التي ال مناص من التقيد )املالئمة(املبدأ

)1 .39مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص : ينظر)

(2) Jaque Moeschler, Ane Reboul, Dictionnaire encyclopédique de pragmatique, Edition du seuil (1994), p. 140.

(3) Ibid, p. 140.

)4 .39التداولية عند العلماء العرب، ص / مسعود صحراوي،: ينظر)

(5) George Elia Sarfati, Pr2cis de pragmatique, p. 68.

Page 147: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

133

طرف املتلفظ أم من املتلقي وهو يف وضعية تؤويل امللفوظات، وهذا لتحقيق ا سواء من :أمرين حنسبهما يف غاية األمهية، ومها

).التفاعل الناجح(ناجحة حتقيق عملية ختاطبية-

.الفهم الصحيح ملا قيل وبالتايل الوصول إىل املقصدية اليت يرمي إليها املتلفظ-

وأخريا يتحدد مبدأ املالئمة انطالقا وسيطني اثنني ال ثالث هلما ومها اآلثار املعرفية Contextuel effets ) التعالق بني املعلومات القدمية واحلديثة لتقييم افتراضات الذاكرة

، ومها يشتغالن )تقسيم مدى مالئمة األقوال( Cognitif Cost، واجلهد املعريف )التصويرية :)1(دلتني اآلتيتنيوفق املعا

.كلما انتج امللفوظ آثارا سياقية أكثر، كلما كان هذا امللفوظ مالئما-أ

.كلما تطلب امللفوظ جهدا أقل ملعاجلته، كلما كان هذا امللفوظ مالئما-ب

ومن هذا املنطلق ميكن احلزم أن نظرية املالئمة تقيم دعائمها أوال وقبل كل شيء على أسس سياقية بالدرجة األوىل على أساس أن السياق وحيثياته ومالبساته هو الـمعىن بفرص نوع من اإللزاميات والقيود على املتلفظ حىت يكون كالمه مالئما مع

هذا األخري اإلجيابية على املتلقي؛ إذ ال جيديلقي بظالله متطلبات املوقف، وبالتايل .صعوبة يف تأويل امللفوظ مادام مناسبا ملقتضى احلال

(1) Jaque Moeschler, Anne Reboul, Dictionnaire encyclopédique de pragmatique, p. 143.

Page 148: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

134

: Déictiqueاإلشاريات -4.5

ى معاملها ن جوانب الدرس التداويل، وقد أرستعترب اإلشاريات مبثابة جانب مهم موجتدر اإلشارة يف هذا الصدد إىل أن هناك عدة باحثني .)Peirce)1الباحث السيميائي

ضمن تداولية الدرجة األوىل املتمثلة يف النظرية ) اإلشاريات(تداوليني أدجموا هذا املفهوم ضمن اإلطار ) املبهمة(التلفظية املعنية مبقاربة الرموز واألدوات التعبريية املتسمة بالغموض

السياق الوجودي؛ املتمثل يف املخاطبني، "هذا باعتمادها على االستعمايل هلا، ويتجسدومن بني الفالسفة اللغويني الذين كان هلم باع طويل يف ،)2("ومعطيات الزمان واملكان

بريس، روسل، قيومني، : إثراء هذا النوع من الدراسة جند على سبيل املثال ال احلصر" بنفنست"حات من الباحث اللغوي وبعض التلمي...كودمان، بارهيل، بول كوشي

Benvenist 3() *(يف إطار حديثه عن البعد اإلشاري للزمن(.

على ويف حقيقة األمر؛ إن اإلشاريات من العالمات اللغوية التي ال ميكن القبض مرجعها الذي حييل إليه إال من خالل القبض على جمال سياق اخلطاب التداويل على

إن اإلشاريات وإن : وعليه ميكن القول. أساس أا ال تشتمل على أي معىن يف ذاافهي تبقى غامضة غري حمددة بشكل واضح ألن املرجع دينامي غري . تعلقت مبرجع معين

)1 .16آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص : حممود أمحد حنلة: ينظر )

)2 .79خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية مع حماولة تأصيلية يف الدرس العريب القدمي، ص )

:قسم الزمن إىل ثالثة أشكال: يف إطار حديث بنفنست على عالقة الزمن باملتكلم) *( .وزمن منتظم مرتبط مبدى إحساس اإلنسان به، وخيتلف إنسانه من إنسان آلخر: للعاملالزمن الطبيعي -1وهو الزمن املرتبط مباشرة حبياة اإلنسان حبكم أن هذه األخرية متتالية من األحداث، ويؤكد بنفنيست : الزمن التارخيي-2

.هي الزمن، إا هي جزء منه ذا الشكل الزمين أن األحداث ليستيف هإن هذا الزمن يتمركز يف احلاضر الذي يشكل مرجعيته، أما األزمنة األخرى فتحديدها يتم من خالل : من اللغويالز-3

.عالقتها باحلاضر .80/81حتليل اخلطاب املسرحي يف ضوء النظرية التداولية، ص : عمر خبلري: ينظر

)3 .73إىل ص 41املقاربة التداولية، ص : كونفرانسواز أرمي: ينظر)

Page 149: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

135

إن اللجوء إىل مالبسات : ألحيان، ومن هذا املنطلق جاز القولثابت ومستقر يف معظم ااخلطاب التداويل وحصر مفارقاته هلو الطريق السليم لرفع اإلام عن هذه األدوات

.اللغوية ذات الطابع الـمبهم

ولكن ينبغي التنبيه يف هذا الصدد؛ أن مهمة اإلشاريات يف سياقها التداويل ال نتقل إىل اإلشاريات القابعة يف بنية اخلطاب تشاريات الظاهرة فحسب، بل نحصر يف اإلت

معينني، حينها يعدو العميقة، باعتبار أن التلفظ يصدر من ذات متكلمة يف مكان وزمناألنا، اهلنا، : "واخلارجي مشكل من ثالث إشاريات هي كيله الداخلياخلطاب يف تش

لذات املتكلمة واملتلفظة للخطاب يف سياق تداويل معين، متعلقة با) األنا(، فاألوىل "اآلنتتعلق بقضايا الزمن ف) اآلن(فهي ترتبط مبكان التلفظ وحيثياته، أما الثالثة ) اهلنا(أما الثانية

ي واكب إطالق جمموعة من األفعال الكالمية التي بني عليها اخلطاب، الذ) اللحظة(تلك األشكال اإلحالية التي ترتبط بأشكال املتكلم مع هي "وعليه تكون اإلشاريات

التفريق األساس بني التعبريات اإلشارية القريبة من املتكلم مقابل التعبريات اإلشارية .)1("البعيدة عنه

ووفق هذا الطرح، فإن اإلشاريات جزء مهم ال يستهان به يف عملية الفهم وظيفة تداولية . وتأويلها، حبكم أن اإلشاريات تلعبواإلفهام املوجهة للخطابات

)2("ألنها تم مباشرة بالعالقة بني تركيب اللغات والسياق الذي تستخدم فيه"واضحة للمخاطب أكرب سند يتيح أكرب قدر من االنفتاح ) التداولية(وتبقى الكفاءة التواصلية

.يقال ملا قيل أو) احلامل للفهم الصحيح(اإلجيايب

)1 .81عبد اهلادي بن ظافر الشهري، إستراتيجيات اخلطاب، ص ) )

2 .82عبد اهلادي بن ظافر الشهري، إستراتيجيات اخلطاب، ص )

Page 150: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

136

وتقوم اإلشاريات على دراسة عناصر إنتاج اخلطاب وتشكيله انطالقا من ثالثة :أنواع هي

وهي تلك اإلشاريات التي تدل على :Personal Deicticsاإلشاريات الشخصية - املتكلم أو املخاطب أو الغائب، وتعترب فيها الذات املتلفظة حمور التلفظ يف اخلطاب

وهلذا فاملرسل ال يضمنها "جيعل حضور األنا ضروريا يف كل خطاب تداوليا، وهذا ماخطابه شكال يف كل حلظة، ألنه يقول على وجودها، بالقوة، يف كفاءة املرسل إليه،

إذ إن الكفاءة )1("وهذا ما يساعده على استحضارها لتأويل اخلطاب تأويال مناسباغم من عدم تواجده على البنية رالتواصلية للمخاطب هي املعنية باستنتاج األنا، على ال

.السطحية للخطاب

تسهم اإلشاريات املكانية إسهاما ذو بعدSpatial Deictics : اإلشاريات املكانية - احلدث الكالمي، ختتص بتحديد املواقع باالنتساب إىل نقاط مرجعية يف"تداويل ألنها

وتقاس أمهية التحديد املكاين بشكل عام انطالقا من احلقيقة القائلة إن هناك طريقتان إما بالتسمية أو الوصف من جهة أوىل، وإما بتحديد : رئيسيتان لإلشارة إىل األشياء مها

شارة يعين أن هذا النوع من اإلشاريات يشمل مجيع أمساء اإل )2("أماكنها من جهة أخرى .وظروف املكان

وهي مجيع ظروف الزمان اليت ميكن :Temporal Deicticsاإلشاريات الزمانية - .)3(أن تكون ظاهرة أو مضمرة

)1 .82املرجع نفسه، ص )

)2 .84املرجع نفسه، ص )

)3 .19حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص : ينظر)

Page 151: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

137

ا يف إلشاريات أمهية كبرية ال يستهانلبقي لنا يف اية املطاف أن نذكر أن ل امللفوظات بطريقة ، حيث تساهم يف مساعدة املتلقي على معاجلة وتأوي"التأويل"مسألة

التفسري احلقيقي واملقصدية القابعة حتت "صحيحة، مبعىن أنه متكنه من الوصول إىل من ألفاظ اللغة "، على أساس أن الكثري الصياغات والعبارات اللغوية يف سياقها التداويل

الذي ال ميكن القبض عليه إال من خالل )1("ما ال يفسر إال مبعرفة السياق املادي للمتكلم .الرجوع إىل اإلشاريات وأنواعها املتواجدة على اخلطاب املتلفظ به

كما أن لإلشاريات وظيفة هامة تكمن يف متاسك اخلطاب وصالبته حىت يغدو . كتلة متراصة ال تقبل التجزيء واالنقسام

:Présuppositionاالفتراض السابق -5.5

رس التداويل، وهو متعلق برصدي يتقفاها الدوهو من املفاهيم اإلجرائية الت Stalnakar" ستالناكر"الظواهر املختصة باألبعاد الضمنية التي يكتنفها أي خطاب، يقول

إن عمليات االفتراض هي ما يعتربه املتكلم أرضية مشتركة مسلما : "معرفا هذا املفهوم .)")2ا لدى كل أطراف احملادثة

وعليه، فإن االفتراض السابق من اآلليات التداولية التي نلفيها تفرض نفسها يف كل تواصل لساين، حيث ينطلق كل من الباث واملتلقي وكل املشاركني يف التخاطب؛

فهو ينطلق من افتراضات مسلم ومعترف ا بينهم، فعندما يوجه الباث حديثه إىل املتلقي .مما يفترض سلفا أنه معلوم له

وعلى هذا األساس تغدو االفتراضات املسبقة مبثابة اخللفية التواصلية الضرورية احملققة لنجاح العملية التخاطبية، انطالقا من السياقات والبىن التركيبية العامة يف أي

)1 .137جورج يول، معرفة اللغة، ترمجة حممد فراج عبد احلافظ، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، اإلسكندرية، ص ) )

2 .37يول وجورج، براون، حتليل اخلطاب، ص . ج)

Page 152: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

138

مفهوم -من طرف الفالسفة اللغويني–عملية معنية بإنتاج الكالم، وهذا هو مرد اعتباره ذو طبيعة لسانية يتم التوصل إليه بواسطة العالمات اللغوية اليت تتضمنها األقوال الواردة

هو : "متحدثا عن ماهية هذا املفهوم DUCROT" ديكرو"يف اخلطابات التواصلية، يقول .)1("ىل نفي ال أالعنصر الداليل اخلاص بالقول أو حتويله إىل استفهام، هل أ؟ وإ

:ولتبيان وتبسيط هذا املفهوم نطرح املثال التايل

.انقطع زيد عن الدراسة

.هل انقطع زيد عن الدراسة: عند حتويل هذه اجلملة إىل االستفهام تصبح

.مل ينقطع زيد عن الدراسة: وعند حتويلها إىل النفي تصبح

كان زيد يدرس وهو معىن : وهوميكن استنباط معنى ضمنيا من هذه التحويالت .يربط يف طياته اجلمل الثالثة السابقة

التداولية عند العلماء العرب، هذا : كما يذكر الباحث مسعود صحراوي يف كتابه :املثال لتسهيل استيعاب هذا املفهوم

إن هذه اجلملة حال زوجتك وأوالدك؟ كيف: يقول الطرف األول للطرف الثاينف الثاين متزوج وله أوالد، كما ميكن أن توحي بأن الطرفني جتمع توحي بأن الطر

هي : بينهما عالقة محيمية تسمح بطرح مثل هذا السؤال، عندئذ يرد الطرف الثاين قائال .خبري شكرا، األطفال يف عطلة

ولكن إذا كانت اخللفية التواصلية غري مشتركة بني الطرفني؛ فإن الطرف الثاين :سؤال أو يتجاهله، فيجيب بأحد امللفوظات التاليةيرفض هذا ال

(1) Ojwald Ducrot, Dire et ne pas dire, principes de sémantique linguistique, édition HERMANN, 2ème édition,

Paris (1980) p. 81.

Page 153: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

139

.ا ال أعرفكمأن-

.لست متزوجا-

)1(...لقد طلقت زوجيت-

ووفق هذا الطرح فإن االفتراض السابق هو خلفية معرفية قبلية متثل اخليط العالئقي الرابط بني أطراف العملية التواصلية، إذ أن وجودها ضروري ويلعب دورا

ري به حنو األمانفعاال يف إجناح التخاطب والس.

ومن هذا املنطلق جاز القول أن أهم فرق جوهري يفصل بني االفتراض السابق يتمثل يف كون أن األول هو نتاج للسياق الكالمي، Sous-Entondusواألقوال املضمرة

ليد املالبسات احمليطة أي ميكن أن نستشفه من خالل امللفوظات ذاا، أما الثاين فهو ومبعىن أن االفتراض السابق مفهوم يؤخذ ويستنبط من اجلملة ذاا، . )2(بالعملية التواصلية

أما األقوال املضمرة فهي املعلومات واملعاين اليت ال ميكن الوقوف عليها إال من خالل قول املضمر هو ال"أن Orrechioni" أوركيوين"القبض عن سياقها احلقيقي ولذا تعترب

كتلة املعلومات التي ميكن للخطاب أن حيتويها، ولكن حتقيقها يف الواقع يبقى رهن .)3("خصوصيات سياق احلديث

مرهون خبصوصيات -مقارنة مع االفتراض السابق–نقول أن القول املضمر وتابع للحال التي انبثق عدم االستقرار -كما يقول ديكرو–احلديث ألن ميزته األساسية

أن املتكلم وهو حياول رفع الردود املشينة من : من كنفها، وألن من أهم مفارقاتهمستمعيه؛ يتخفى وراء املعىن احلقيقي ويلجأ إىل خلق تأويالت خمتلفة ليخرج نفسه من

)1 .31مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص : ينظر)

(2) Oswald Ducrot, Le dire et le dit, édition de minuit, Paris (1984), p 34.

)3 .32مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص )

Page 154: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

140

ة ، وألنه أخريا يستشف عن طريق عملي"أنا مل أقصد ذلك: "احلرج، كأن يقول مثال .)1(إستنتاجية تتدخل فيها عوامل السياق

بقي أن نذكر أن االفتراض السابق من املفاهيم التي تدخل ضمن إطار علم الداللة، ولكن املعاين واحملتويات اليت تأخذها االفتراضات السابقة يف سياقات خمتلفة هو

دارئة األفعال الكالمية، الذي أضفى عليها الطابع التداويل االستعمايل وجعلها تدمج يف إن االفتراض املسبق التداويل هو تلك املعلومات التي : "يف هذا الصدد" أوركيوين"تقول

حيتويها الكالم، والتي ترتبط بشروط النجاح التي البد أن تتوفر لكي يكون الفعل ا يعين أن جناح الفعل ، وهذ)2("الكالمي املزمع حتقيقه قابال ألن يفضي من الناحية التأثريية

الكالمي بإلقاءه ظالال تأثريية على املتلقي، كقلب اعتقاده أو جعله يتعاطف مع رأي ولشيء من التوضيح نأخذ املثال . ؛ مرهون بوجود افتراضات مسبقة معينة...معين :التايل

كثريا، ال تتكلم كثريا؛ البد أن املتلقي يتكلم : لكي يتحقق الفعل الكالمي التايلوأن يكون املتلقي ميلك كفاءة تساعده على التأويل املحكم هلذا القول، وأن يكون

إن "مر، ويف هذا الصدد يقول ديكرو مثل هذا األاملتكلم يف مقام سلطوي يؤهله إلصدار معين يعين قبول هذا األخري كشرط حلوار الحق، وهلذا السبب االفتراض السابق حملتوى

نا سبب اختيارنا لالفتراض السابق حبكم أنه فعال كالميا خاصا، ألنه ذو قيمة يتبين لقانونية، وبالتايل لغوية باملعىن الذي أسند هلذا املصطلح، ففي حالة حتقيق هذا الفعل

.)3("الكالمي نقوم بتغيري إمكانيات الكالم عند املتخاطبني

(1) Voire : Oswald Ducrot, Dire et ne pas dire, p. 132.

)2، اجلزائر، 2003، )1(عمر بلخري، حتليل اخلطاب املسرحي يف ضوء النظرية التداولية، منشورات االختالف، الطبعة : ينظر) .118: ص

(3) Oswald Ducrot, Dire et ne pas dire, p. 91.

Page 155: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

141

وميكن أن نستشف استنادا على هذه العتبات املعرفية اليت تنطوي عليها مفهوم :االفتراض السابق جمموعة من النقاط اليت ميكن أن نوضحها ذا الشكل

يظهر من هذه اخلطاطة أن ظاهرة االفتراض السابق ظاهرة ذات بعد تداويل؛ من إىل أرضية مشتركة بني الباث واملتلقي وماهو معروف أهم خصائصها أا ظاهرة تستند

بينهما، كما يظهر االفتراض السابق من التحويالت اليت تعتري الصيغة األولية إىل وباإلضافة إىل هاتني اخلاصيتني، ميكن القول أنه يستنتج من البىنأسلوب استفهام ونفي،

ر الذي يولد من املالبسات احمليطة بالعملية التركيبية للجمل عكس لقول املضم . التخاطبية

:L’argumentation النظرية احلجاجية-6.5

يعد احلجاج من أهم احملاور التداولية، حيث حظي جبهود مستفيضة من طرف عدد ال بأس به من املناطقة واللغويني والفالسفة املختصني بالتحليل اخلطايب، على أساس أن اخلطاب جمموعة من الصيغ والعبارات احلاملة يف طياا بعدا حجاجيا موجه حنو

وعليه ... املتلقي بغرض إقناعه مبحتوى أو معلومة معينة، أو قلب قناعاته أو التأثري فيهنفر ال بأس به من الباحثني إىل تناول هذا املبحث بالتنقيب عن آلياته جهود انكبت

االفتراض السابق

ومعروف ماهو متداول بني املتخاطبني

حتويل الصيغة األولية للجملة إىل استفهام ونفي

يتعلق تعلقا مباشرا بالبىن التركيبية

Page 156: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

142

والتقنيات التي حيتكم إليها، بالربط بينه وبني السياقات املقامية املختلفة، وبذلك استطاع .احلجاج أن حيتل منصبا مهما يف صميم البحث التداويل املعاصر

من األساليب التي من شأا ووفق هذا الطرح فاخلطاب يتأسس على جمموعة ميشال "تغيري الواقع ككل أثناء املمارسة اخلطابية، وعلى هذا األساس يعرف كل من

يعرف : "احلجاج على هذا الشكل CH. Perlmanوشاييم بريملان M. Mayer" مايريف ويعترب البعد احلجاجي بعدا جوهريا ) إقحاميا(احلجاج يف عادة بكونه جهدا إقناعيا

وعليه ميكن القول إن )1("اللغة لكون كل خطاب يسعى إىل إقناع من يتوجه إليهاملتضمنة مقاصد ومعان ) أفعال كالمية(اخلطاب عبارة عن بنية من األلفاظ والعبارات

.موجهة إىل متلقني يقصد التأثري فيهم

ذلك اال الذي إن السمة األساسية التي جتعل اخلطاب ناجحا وفعاال، تقبع يفيعىن مبعانيه الطريقة والتقنية التي يتم عن طريقها عرض احلجج املتجهة حنو املتلقني وقلب قناعام والتأثري على أفكارهم وعواطفهم، ولكن تبقى هناك مسألة مهمة ينبغي إدراجها

أو (مراعاة السامع –بريملان يف هذا املسعى احملقق لنجاح اخلطاب وفعاليته، وهي حسب املستهدف وكذا مدى قدرة التقنيات احلجاجية املستخدمة حلصول عملية ) املتقبل

اضي عنها حلصول غلمتلقي التي جيب عدم التلاإلقناع، باإلضافة إىل مراعاة احلالة النفسية .)2(التأثري املطلوب

م األساسية التي حتقق وملا كانت مراعاة املتلقي، واملقام بشكل عام من الدعائللخطاب احلجاجي لفعاليته املتجسدة يف خلق تأثريات حقيقية على املتلقني؛ أطلق على الدراسات احلجاجية احلديثة مصطلح البالغة اجلديدة، ويرجع الفضل يف ذلك إىل

)1، جملة حمكمة 2001يوليو سبتمرب 30ل احلجاجي، جملة عامل الفكر، العدد األول، الد حبيب أعاب، اجلاج واالستدال )

.97تصدر عن الس الوطين للثقافة والفنون واآلداب، الكويت ص

)2 ,21عمر بلخري، التداولية واحلجاج، ص : ينظر)

Page 157: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

143

Traiteالبالغة اجلديدة –مضف احلجاج "يف مؤلفهما Tyteca" تيتكاه"وزميله " بريملان"

de l’argumentation nouvel rhétorique الذي اعترب حبق إيذانا بدخول الدراسات البالغية ، .)1(إىل أفق جديد يعىن بدراسة احلجج

باإلضافة إىل هذا تنوعت التصورات واملفاهيم الـملفاة على كاهل احلجاج، إذ نظر الدارسني املعاصرين ملفهوم هذا احلقل نظرات خمتلفة باختالف الزوايا املعرفية

، مما أدى ...)بالغية، لسانية، فلسفية(واملرجعيات التي يعترفون منها مبادئهم وتصورام ويف ما يأيت . دراسات اللغوية املعاصرة مبفاهيم ومصطلحات جديدةإىل إثراء جمال ال

عرض خمتصر لرؤى بعض الباحثني الذين كان هلم باع طويل يف التنظري ملسألة احلجاج :ومفهومه وطريقة اشتغاله

:للحجاج Tytecaوتيتكاء Rerlmanمفهوم بريملان - أ

موضوع نظرية احلجاج هو درس تقنيات اخلطاب التي "هذان الباحثان أن يعتقدمن شأا أن تؤدي باألذهان إىل التسليم مبا يعرض عليها من أطروحات، أو أن تزيد يف

مبنية على التركيز على كل ماهو مناسب وجهة النظر هذه، ف)2("درجة ذلك التسليمحام املتلقي حبجج قادرة على قلب قناعاته ىل إفن الطرق الفعالة املؤدية إومالؤم م

.وتصوراته، مبعىن االنتقاء اإلجيايب لسبل واستراتيجيات حجاجية من شأا إقناع اآلخرين

كما كان بيزملان يعتقد أن الغاية املتوخاة من احلجاج يف أي خطاب هي إجناز حجاج أن جيعل العقول تذعن غاية كل : "العمل، أو يئته للقيام به يف املستقبل، فيقول

ملا يطرح عليها أو يزيد يف درجة ذلك اإلذعان فأجنع احلجاج ما وفق يف جعل حدة

)1حممد ولد األمي، حجاجية التأول يف البالغة املعاصرة، املركز العاملي لدراسات أحباث الكتاب األخضر، الطبعة : ينظر)

.15، ص 2004األوىل، ليبيا،

)2 .27، ص 2007، لبنان، 2عبد اهللا صولة، احلجاج يف القرآن الكرمي من أهم خصائصه األسلوبية، دار الفرايب، ط )

Page 158: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

144

إجنازه أو (اإلذعان تقوى درجتها لدى السامعني بشكل يبعثهم على العمل املطلوب ؛ أو هو ما وفق على األقل يف جعل السامعني مهيئني لذلك العمل يف )اإلمساك عنه

اهلدف من توظيف . احلجاجيةيف نظريته . ، وهكذا مل حيصر بريملان)1("املناسبةاللحظة اآلليات والتقنيات احلجاجية باإلقناع واإلقتناع بل ذهب إىل أبعد من ذلك من خالل

.حتريك هذا البعد األخري وجعله أداة فعالة يف املمارسة العملية

يتمحور يف إعطاء احلجاج هوية خاصة " تيتكاه"وزميله " بريملان"لقد كان مسعى به، من خالل التعرض ملنطلقاته، وموضوعاته، وأسس االقتناع فيه، واملقاصد الذي يوؤم

" مصنف يف احلجاج"ويف إطار هذا املسعى حاول املؤلفان يف كتاما املشترك . إليهالقدمي مرادفا من دائرة اخلطابة واجلدل الذي ظل لفترات طويلة يف ا"إخراج احلجاج

للمنطق نفسه، فالباحثان عمال من ناحية أوىل على ختليص احلجاج من صرامة االستدالل فاحلجاج بالنسبة هلما . الذي جيعل املخاطب به يف وضع ضرورة وخضوع واستالب

وخلصا )2("معقولية وحرية وهو حوار من أجل حصول الوفاق بني األطراف املتحاورةية التقليدية التعسفية اليت الزمت مفهوم احلجاج، واعتربته قدحا احلجاج من تلك الرؤ

طويال من الزمن أداة منطقية إستداللية تفرض نفسها بقوة على املتلقني، الذين جيدون أنفسهم مسلوبة ومقيدة وخاضعة بفعل ما يرمي عليها االستدالل من إلزاميات تنفي

. املتكلمحريته ومتنعه من حتصيل أي وفاق بينه وبني

:TOLMINEالنظرية احلجاجية عند توملني -ب

القضايا التي "من بني اإلسهامات التنظريية البارزة يف أعمال توملني هو إبعاده تستدعي التقنيات املنطقية، ويتجه حنو التقومي العملي للحجاج، فيثري قضايا عامة أغفلها

)1ولة، احلجاج أطره منطلقاته وتقنياته، أهم نظريات احلجاج يف التقاليد الغربية من أرسطو إىل اليوم، إشراف عبد اهللا ص)

.299، ص XXXIX ،1998محادي محود، املطبعة الرمسية للجمهورية التونسية، الد

)2 .298املرجع نفسه، ص )

Page 159: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

145

عيدا عن املشاكل والقضايا العملية ليتجه املنطق الذي ظل عرب تارخيه، مييل إىل التطور بحنو حالة من االستقالل التام، يصري فيها موضوعا للدراسة النظرية، ويتحرر من كل االلتزامات العملية املباشرة، ويظل مع ذلك مياال إىل اجلمع بني كونه علما صوريا، وبني

مبعىن إن إسهامه هاهنا قائم على فصل املنطق )1("كونه تقوميا نقديا للحجج الواقعيةاملرتبط (وتقنياته على احلجاج، باإلضافة إىل هذا الطرح فإنه حياول إضفاء الطابع العملي

، وبالتايل الوصول إىل حجاج ذو شقني؛ الشق الصوري )باملشاكل والقضايا العملية .ة، والشق املتجه حنو معاجلة ونقد احلجج الواقعي)النظري(

كما وجه توملني اهتماما كبريا وعناية مركزة إىل حصر وضبط العلل الكامنة وراء الوظيفة "كل ادعاء مطروح، ومن هذا املنطلق اعترب أن العلل اليت يستعملها املتكلم مبثابة

لنفرض أن . األساسية للحجج، وما عداه من استعماالت ووظائف يعترب ثانوي ومشوش، )2("ثباتا، مث طولب بتدعيمه، فماذا سيفعل إلنتاج حجة تعلل إثباته؟شخصا ما، صاغ إ

.وبذا فإن احلجة تبقى غري شافية وكافية، إن مل يكتنفها بعض العلل

واحلامل لعنوان 1958ويتضح مفهوم توملني احلجاج من خالل حبثه املقدم يف سنة "The uses of argument" ربة التقنيات واألدوات الذي كان يصبو من تأليفه إىل مقا

احلجاجية املستعملة يف اخلطابات العادية، وعرض فيه بعض الرسوم البيانية لتسهيل استيعاب تصوره للحجاج، وقد قام الباحث التونسي عبد اهللا صولة بترمجتها، ومن بني

عض بب–النماذج األكثر دقة يف تصوير تصوره لطريقة اشتغال احلجاج الشكل التايل :)3(فرالتص

)1، 2005، 1البالغية واملنطقية واللسانية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، طحممد طروس، النظرية احلجاجية من خالل الدراسات )

.60ص

)2 .61املرجع نفسه، ص )

)3 .109خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية، ص : ينظر )

Page 160: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

146

)1(:مثاله

التوضيحي املتعلق بطريقة اشتغال ومن األمور التي نستشفها من هذا املخططمن املعطيات الشبيهة " ض"، والضمان "ن"، والنتيجة "م"املعطى : احلجاج عند توملني أن

، وعند هذا )النتيجة(بالقياس األرسطي املعتمد على املقدمة الكربى واملقدمة الصغرى ، هذا من جهة، إن هذا النموذج غري قادر على استيعاب كافة احلجج: احلد ميكن القول

)1 .25/26عبد اهللا صولة؛ احلجاج يف القرآن، ص )

املؤهل هـ، املعطى م إذن النتيجة ن

: نظرا إىل أن )الضامن(ض

د: حبكم أن )السند(

س: إال إذا )االستثناء(

إذن من شبه م زيد جزائري املؤكد أنه مسلم

نظرا إىل أن أغلبية اجلزائريني مسلمني

اجلزائرية اإلسالم دين الدولة: حبكم أن %98ونسبة املسلمني يف اجلزائر أكثر من

تأثر : اللهم إال إذا باملسيحية يف املهجر

Page 161: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

147

ومن ناحية أخرى، جيوز القول أنه ال يشتمل على مقوم أساسي من مقومات احلجاج .، وبالتايل غياب املقام وعدم إيالئه أي مرتلة يف هذا النموذج)1(الذي هو اجلمهور

:O. Ducrotوديكرو J.C. Anscombreاحلجاج عند أنسكوبر -ج

L’argumentation dans laن الباحثان تصورمها للحجاج يف كتاما هذا عرض

langue أن مصطلحي البالغة واحلجاج "، وقد بينا من خالل هذا املؤلف 1983يف سنة، كما أثبتا يف )2("يكتسبان معاين جد خمتلفة عن التي كانت متداولة يف التقاليد األرسطية

يف اللغة بعيدا على ما يتأسس عليه اخلطاب من هذا املؤلف أن احلجاج عندهم يتموضع ".تيتكاه"و" بريملان"منطق رياضي أو شكلي أو صوري كما هو الشأن عند كل من

وعليه اعترب البعد التداويل من أهم املفارقات اليت تطبع عملهما، فقد رفضا ية وموضوعها التصور القائم على الفصل بني الداللة وموضوعها معىن اجلملة والتداول"

استعمال اجلملة يف املقام، من جهة والسعي إىل سبر كل ماله صلة داخل بنية اللغة فيكون جمال الباحث عندمها هو اجلزء . ىرباالستعمال التداويل احملتمل من جهة أخ

ال اخلربية (التداويل املدمج يف الداللة ويكون موضوع البحث هو بيان الداللة التداولية ووفق هذه الرؤية )3("املسجلة يف أبنية اللغة وتوضيح شروط استعماهلا املمكن) فيةالوص

ي بالباحث أو املؤول إىل معطى مرتبط باالستعمال، وهو ما يؤدفإن احلجاج يبقى التعاطي مع البنيات احلاملة لطاقات حجاجية بطريقة إجرائية تداولية عمادها وضع النظر

ؤطر للعمليات التخاطبية، وهو ما مل جنده مطروحا يف طروحات وتركيزه على املقام امل

)1 .25/26املرجع نفسه، ص : ينظر)

)2 .27احلجاج يف القرآن، ص : عبد اهللا صولة)

)3شكري املبخوت، نظرية احلجاج يف اللغة، تأليف مجاعي أهم نظريات احلجاج يف التقاليد الغربية من أرسطو إىل اليوم، )

جامعة اآلداب والقنون والعلوم اإلنسانية، تونس، املطبعة الرمسية للجمهورية التونسية، XXXIXإشراف محادي صمود، جملد .351ص

Page 162: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

148

الذي أقصى العنصر املقامي إقصاءا حني ركز عن الوجهة اإلنتاجية للحجة " توملني" .وتغاضى عن اجلمهور املتلقي

القولية وظيفة الللكثري من األفعال "وربما كان هذا التصور هو سر اعتبارمها أن -يف بنية اجلمل، وحتمل اجلمل مؤشرات حتدد قيمتها التداولية داخل حجاجية تتمظهر

، وبذا يظهر فصلهما الواضح بني )1("البنية التركيبية، باستقالل عن احملتوى اإلخباريوظيفتني أساسيتني من وظائف اللغة ومها الوظيفة احلجاجية والوظيفة اإلخبارية، حيث

وية بالنسبة للوظيفة احلجاجية، فاالدعاء ينقل احلقيقة اعترب أن هذه األخرية هي وظيفة ثانهو جوهري ووصفها لن يكون إال زيفا وتانا وتزويرا هلذا االدعاء أكثر من مالمستنا ملا

.))2دف التأثري على اآلخر من خالل الضغط عليه

فة باإلضافة إىل هذا التصور، يعترب هذان املنظران أن أي خطاب يشتمل على وظيحتقيق عملني اثنني مها فعل التصريح باحلجة "حجاجية، وتقوم هذه الوظيفة األخرية على

من جهة وفعل النتيجة من جهة أخرى، سواء أكانت هذه النتيجة مصرحا ا أو مفهومة ، 2حجة توجب ظهور ق 1هذا إذا علمنا أن ق )3("1من طرف ق -بدون تصريح–

.أو ضمنياويكون هذا األخري قوال صرحيا

كما أورد ديكرو إىل جانب ذلك حتليال أطلق عليه مصطلح آلية املعىن، وقوامه أن تدرس باملعطى اللساين الذي خيصها بالداللة، مث تعاجل هذه ) مجلة(أي عبارة لغوية

األخرية باملعطى البالغي الذي خيص معىن امللفوظ، ويضطلع املعطى البالغي بوظيفتني

)1 .106النظرية احلجاجية، ص : حممد طروس)

(2) Voire : C.F : Jean Claude ANSCOMBRE et Oswald Ducrot : L’argumentation dans la langue, pierre Mardaga

édition : Belgique : p 169.

(3) Ibid, p 11.

Page 163: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

149

مقابلة هذا املعىن : إعطاء خمرجا أوليا ميهد لظهور املعىن، والثانية: وىلأساسيتني، األ .)1(التمهيدي جبديد السياق امللفوظي

حامل " ديكرو"و" انسكومرب"من هذا املنطلق؛ ال ضري يف القول أن تصور كل من قام تتلخص يف ضرورة مراعاة مجلة من العالقات احلتمية بني امل"ألبعاد نظرية مقامية

واملخاطبني والسامعني وأنواع القيم ومراتب الكينونة والثقافة واحلضارة وآفاق انتظار وعالقة ذلك كله بوصفه كائنا مبا ينبغي أن ) املبدع(املعنيني وتأثري ذلك على فكر املتكلم

وكان قد أعطى دورا مهما جلوانب التقييم والتوقعات احملتملة يف حتقيق إجنازية . يكونوحتدث هذه الفعالية احلجاجية من منطلق أن )2("طاب احلجاجي كفعل لغوياخل

يترتل يف سياق اجتماعي واقتصادي "احلجاج بوصفه فعال خطابيا ذو غايات وأهداف وسياسي وإيديولوجي، وذا فهو يندرج ضمن نظم متعددة كاملنطق والفروع املختلفة

) بات الدالليةلسانيات وحتليل النصوص واخلطا(من دراسة اللسان واألنظمة الرمزية وعلم النفس وعلم االجتماع التربوي والتواصلي، وهو ما يفترض يف احملتج ثقافة واسعة

. )3("تغيري آرائه ومواقفهبجتعله قادرا على النفاذ إىل عامل املتلقي والفعل

ويف ضوء ما سبق تقدميه؛ نستشف أن للتداولية صلب يشتمل على قدر كبري من وراء هذا التعدد الذي اشتمل عليه جهازها يم واآلليات، ولعل السر الكامناهاملف

املفاهيمي راجع إىل تنوع تلك املشارب واملرجعيات املعرفية اليت مثلت احملضن الفكري لظهور هذا الدرس كعلم النفس املعريف وعلم االجتماع واللسانيات والفلسفة واملنطق،

مستقر، األمر الذي أدى بدوره إىل نتيجة أخرى مفادها مما أفضى إىل خماض غري ثابت و

)1 .111يف اللسانيات التداولية، ص : ينظر خليفة بوجادي)

)2، 03، العدد 28جملة عامل الفكر، الس الوطين للثقافة والفنون واآلداب، دولة الكويت، جملد : حممد سامل ولد حممد األمني)

.87، ص 2000يناير مارس

)3يف الشعر العريب القدمي من اجلاهلية إىل القرن الثاين للهجرة بنيته وأساليبه، عامل الكتاب احلديث، سامية الدريدي، احلجاج)

.42، ص 2008تونس، الطبعة األوىل،

Page 164: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

التداولية قراءة يف املوضوع؛ املنهج واإلجراء : الفصل الثاين

150

ثراء شاسع على مستوى اآلليات وامليكانزمات والنظريات املشكلة للمنظومة املفاهيمية .ي أم اإلجرائي املسلط على حتليل النصوص واخلطاباتللتداولية، سواء يف بعدها التنظري

إن هذا الثراء الواسع الذي اشتملت عليه املنظومة املفاهيمية للدرس التداويل؛ قد إىل عدم التعرض لكل صغري وكبرية انطوى عليها هذا -يف هذا الفصل–أدى بنا رأسا

الدرس، ألن ذلك سيأخذ منا كتابة جملدات لإلملام بكل آلياا وتفاصيلها، وعليه اقتصرنا لى أهم قضاياها ونظرياا اليت تتقفاها وهي تتعامل مع الظاهرة على احلديث والعروج ع

نراها أا تتماثل مع التنظريات البالغية اتيواليت متلك مؤهالت وخصوصاللغوية، العربية إىل حد كبري، برغم أن انشغالنا واشتغالنا سيكون منصبا على رصد التعالقات

من القرن الثالث اهلجري إىل القرن (القدمي املعرفية املشتركة بني الدرس البالغي العريب .والدرس التداويل املعاصر) السابع اهلجري

Page 165: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

توطئة

مرحلة النشأة األبعاد التداولية يف -1

)هـ255ت (اجلاحظ - 1.1

)هـ276ت (ابن قتيبة - 2.1

)هـ285ت(املربد - 3.1

تنظريات بعض الفالسفة واملتكلمنياألبعاد التداولية يف -2

)هـ377ت(قدامة بن جعفر - 1.2

)هـ384ت (الرماين أبو احلسن علي بن عيسى - 2.2

)388ت (اخلطايب أبو سليمان بن حممد إبراهيم - 3.2

)هـ415ت (القاضي عبد اجلبار - 4.2

ة من خالل تنظريات بعض املتأدبنياألبعاد التداولي-3

)هـ395ت (أبو هالل احلسن بن عبد اهللا العسكري -1.3

)هـ456ت (أبو علي احلسن ابن رشيق الفريواين -2.3

)هـ466ت (ابن سنان اخلفاجي -3.3

)هـ471ت (األبعاد التداولية من خالل أفق عبد القاهر اجلرجاين -4

)هـ626ت (األبعاد التداولية من خالل أفق السكاكي -5

)هـ684ت (األبعاد التداولية من خالل أفق حازم القرطاجين -6

Page 166: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

152

:توطئة

إن األمر الواجب ذكره يف هذا املوضع املتعلق مبسألة العروج والولوج إىل أهم دد معامله، غي العريب منذ نشأته إىل غاية حتاحملطات املعرفية التي الزمت الدرس البال

التصدي هي تلك الصعوبة البالغة التي تقف يف وجه كل من حياول ؛واستقرار قواعدهمل يأخذ دائما "العام لتطور التأليف البالغي، على أساس أن هذا األخري لرصد املسار

مسارا تارخييا مستقيما منتظما، ولكنه كان يسري يف جمموعة من اخلطوط املنعرجة ، وهلذا عدت التعامل مع )1("املتشابكة التي ال تتوازى إال لتتقاطع، وال تلتقي إال لتتفرق

املخاطرة اليت ميكن هلا أن ترمي بالباحث يف بعض املزالق هذه القضية ضربا من اجلسور اء معرفية أخرى، كمحاولة اكتشاف واملنعطفات، خاصة إذا حتمل الباحث أعب

عرب تتبع املسار التارخيي هلذا –اجلامعة بني تنظريات وتصورات العلماء البالغيني العرب فاهيمي التداويل املعاصر وقضاياه التي والطروحات التي اختص ا اجلهاز امل -الدرس

من منظرين وعلماء وباحثني ينتمون إىل جماالت معرفية -كما ذكرنا سالفا–انبثقت وخلفيات مرجعية متعددة وخمتلفة كعلم النفس املعريف واللسانيات االجتماعية واملنطق

...والفلسفةغتراف منها للولوج املنهجي غري أن هناك بعض املشارب املعرفية اليت ميكن اال

السليم إىل أغوار مسارات التاريخ البالغي العريب، وحماولة عقد الصلة بني تأليفات هذا احلل يف اللجوء إىل ويتجسد ،)*(املعاصروطروحات هذا األخري والدرس التداويل

النشأة : تقسيم املسار التارخيي للموروث البالغي العريب إىل أربعة مراحل أساسية وهيوالنمو واالزدهار والدلول، اقتداءا ببعض الباحثني العرب الذين دلو بدلوهم يف هذا

)1، 2009) مصر(علي عشري زايد، البالغة العربية، تارخيها، مصادرها، مناهجها، مكتبة اآلداب، الطبعة السابعة، القاهرة ) .09صحاول الوصول إىل نقاط التقاطع الواقعة بني مفترق " البالغة تطور وتاريخ"ليس املراد ذه العبارة أن شوقي ضيف يف كتابه ) *(

أما . والتداولية، بل إن طرحه كان منصبا على التاريخ املعريف احملض للدراسات البالغية القدميةطرق الدرس البالغي العريب .احملاولة التأصيلية للمبادئ التداولية يف البالغة العربية فهو موضوع حبثنا يف هذه األطروحة

Page 167: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

153

الفكر العريب اال، وكانت حماوالم يف هذا املضمار مبثابة حماوالت رائدة، يدين هلا العربية تطور البالغة "املعاصر بالكثري، ومن بينها كتاب األستاذ الدكتور شوقي ضيف

".وتاريخوحنن ال ندعي أننا سنقف عند كل صغرية وكبرية انطوت عليها هذه احملطات

لت يف محالبالغية، وإنما ستقتصر على الوقوف على أهم التنظريات والتصورات التي عادا تداولية صرحية وواضحة، ذلك أن طبيعة البحث وحدوده واإلشكالية التي طياا أب

انتقيناها متعلقة بالكشف والبحث عن الومضات واألبعاد التداولية التي انبثقت من خترجيات وطروحات البالغيني العرب من خالل استنطاق املدونة البالغية من القرن

.اهلجريالثالث اهلجري إىل القرن السابع عدد من ) النشأة والنمو واالزدهار والذبول(لقد مثل كل مرحلة من هذه املراحل

الدارسني املربزين الذين أسهموا يف تأسيس العلم وتطويره واتضاح معامله وأسسه، حيث اجتهدوا يف وضع النظريات والتصورات واملصطلحات التي ختصه وحتده، ولقد اكتنفت

ء البالغيني يف طياا جمموعة معتربة من املقومات واآلليات املفاهيمية خترجيات هؤالواملنهجية التي تبناها الدرس التداويل بالسري وفقها ومع يتعاطى مع الدرس اللغوي سواءا

ويف ما يلي بسط منهجي معريف حناول من خالله إثبات . تعلق األمر بالتنظري أم اإلجراء .صوريهذا املقتضى الت

: مرحلة النشأة األبعاد التداولية يف - 1

لق مكتملة تخبالذكر يف هذا املقام، أن البالغة العربية مل وربما كان األمر اجلديراألسس واملباحث والقواعد، بل نشأت جمرد أفكار ومالحظات بسيطة متناثرة وغري

.األوىلملتحمة، شأا يف ذلك شأن كل علم يف بدايته وعليه؛ عنيت هذه املرحلة بتسجيل امللحوظات البالغية البسيطة التي كان ينثرها العرب يف اجلاهلية، إذ بلغ العرب يف هذه احلقبة مرتبة راقية من البالغة والبيان، وخري

ß≈oΗ÷q � شاهد على ذلك؛ تلك اآليات القرآنية اليت صورت هذا الرقي من مثل §�9$# ∩⊇∪

Page 168: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

154

zΝ‾=tæ tβ#u ö�à)ø9 $# ∩⊄∪ šY n=y{ z≈ |¡ΣM}$# ∩⊂∪ çµ yϑ‾=tã tβ$ u‹t6 ø9 $# ∩⊆∪ �)1(، zÏΒ uρ� Ĩ$ ¨Ψ9 $# tΒ y7 ç6Éf ÷è ãƒ

…ã& è!öθ s% ’Îû Íο4θ uŠys ø9 $# $u‹ ÷Ρ‘‰9 $# �)2(ة معارضتهم يف اعتمادهم على ر، كما صوالذكر احلكيم شدsŒ# �قوة احلجاج واجلدل مبثل Î* sù |= yδ sŒ ß∃öθ sƒø: $# Νà2θ à)n=y™ >πuΖÅ¡ ø9 r' Î/ >Š# y‰Ïn �)3( ومن أكرب

اإلشارات الدالة على ما وصلوا إليه من حسن البيان أن كانت معجزة الرسول أن دعاهم ولكنهم مل يستطيعوا الوقوف أمام هذا التحدي ،)4(إىل منافسة القرآن يف بالغته الباهرة

قريش كانوا يدركون متام اإلدراك بفضل سجيتهم وفطرم ابالطبع، حبكم أن مشركووهذا . اللغوية الراقية أن يف النظم القرآين أمورا عظيمة خترج عن استطاعة البشر وقدرام

لقد مسعت من حممد : "يف قوله -وهو الوليد بن املغرية-ما عبر عنه أحد الكفار اجلبارين من كالم اجلن، إن له حالوة، وإن عليه لطالوة، آنفا كالما ماهو من كالم اإلنس وال

.)5("وإن أعاله ملثمر، وإن أسفله ملغدق، وإنه يعلو وما يعلىه القرآن الكرمي ببدأت هذه املالحظات البيانية تنمو بعد ظهور اإلسالم مبا نص لقد

لسان، التي كانت تديع على كل ) ص(أمامهم من مثال أديب رائع، وأحاديث الرسول مل ينطق إال عن مرياث حكمه، ومل يتكلم إال بكالم قد حق "وفيه يقول اجلاحظ

وهو الكالم الذي ألقى عليه احملبة، وغشاوة بالقبول، ومجع له بني املهابة ... بالعصمةمث مل يسمع الناس بكالم قد أعم نفعا وال أقصد لفظا ... وقلة حاجة السامع من إعادته

وزنا وال أمجل مذهبا وال أكرم مطلبا وال أحسن موقعا وال أسهل خمرجا وال وال أعدل إضافة إىل هذا ما )6("أفصح معىن وال أبني فحوى من كالمه صلى اهللا عليه وآله وسلم

)1 ).3(و) 2(و) 1(سورة الرمحن، اآلية ))

2 .204سورة البقرة اآلية ) )

3 .19سورة األحزاب اآلية )

)4 .05، ص )ت.د(البالغة تطور وتاريخ، دار املعارف، الطبعة السادسة، القاهرة : ينظر شوقي ضيف )

)5الكشاف عن حقائق : حممود بن عمر الزخمشري: نقال عن. البالغة العربية، تارخيها مصادرها، مناهجها: علي عشري زايد)

.1954غوامض الترتيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل، املكتبة التجارية، مصر )

6 . 17/18، ص 2، ج1985سنة 5ة، الطبعة البيان والتبيني، حتقيق عبد السالم هارون، مكتبة اخلاجني، القاهر: اجلاحظ)

Page 169: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

155

متيزت به خطب بعض الصحابة من بالغة راقية؛ أمثال اإلمام علي الذي كان ال يبارى .)1(فصاحة وبالغة

وأخذت هذه املالحظات البيانية تتسع وتشع يف العصر العباسي، ومن بني مظاهر هذا اإلشعاع ظهور طائفة املتكلمني الذين حرصوا كل احلرص على حدق فنون البيان والتمرس بأساليب القرآن وطرقه حتى يتسنى هلم شرح عقائدهم الكالمية للناس من

صوم من جهة أخرى، وهذا ما جلأ إليه رؤساء امللل جهة، والدفاع عنها ضد هجوم اخلاملعتزلة الذي والنخل يف أغلب األحيان، وربما كان ما يرويه لنا اجلاحظ عن زعيم

أكرب شاهد على سعي املتكلمني إىل –ألنه كان يلثغ فيه . أسقط حرف الراء من خطبتهعطاء تربيرا قوامه أنه االغتراف من القدرات البالغية، وقد أشد اجلاحظ لواصل بن

كان داعية مقالة، ورئيس حنلة وأنه يريد االحتجاج على زعماء أرباب النحل وزعماء "امللل، وأنه البد من مقارعة األبطال ومن اخلطب الطوال، وأن البيان حيتاج إىل متييز

.)2("وسياسة وإىل ترتيب ورياضة، وإىل متام اآللة وإحكام الصنعةيهتمون ) وخاصة املعتزلة(بة للنشأة؛ فراح زعماء املذاهب الكالمية أما بالنس

للظفر باملناظرات وكيفية إقحام )*(بتدريبهم وتلقينهم تقنيات اإلقناع واستعمال احلجج .)3(اخلصم وكيف حيسنون البيان ويصوغون كالما يستويل على قلوب السامعني وقلوم

غ املتكلم، وهو بصدد بناء خطابة اإلقناعي وتنكشف أمام هذه العتبة؛ أن البلييضمن له الوصول إىل ما يسطره من ) يقوم على احلجج(ينحو منحا إستراتيجيا حجاجيا

أهداف مسبقة، ومن الباحثني واملنظرين اللغويني الذين أكدوا على الطبيعة احلجاجية The Newاخلطابة اجلديدة ، يف إطار ما عرف مبصطلح Perlman" بريملان"لإلقناع؛ نلفي

)1 .14شوقي ضيف، البالغة تطور وتاريخ، ص : ينظر)

)2 19 ، ص1البيان والتبيني، ج: اجلاحظ)

طار ما عرف ’وبناءا على هذا ميكن القول، أن مثة عناية فائقة من طرف البالغيني املتكلمني على قضية استخدام احلجج يف ) *( . بفن املذهب الكالمي، الذي يقول عنه القزويين

)3 .33شوقي ضيف، البالغة تطور وتاريخ، ص : ينظر)

Page 170: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

156

Rhétorique، حيث اعترب احلجاجArgumentation خطابة تستهدف استمالة عقل املتلقي Persuasionوالتأثري يف سلوكه؛ أي اإلقناع

)1(. كما كان شغلهم الشاغل متعلق بدراسة ما خلفه العرب القدماء من مالحظات بالغية، وخترجيات معرفية بيانية توافدت عليهم من بعض الشعوب غري العربية، مثل اهلنود والفرس والرومان، وكان كل ذلك من أجل تكوين أصول دقيقة خاصة بالبيان العريب،

البيان "التي أوردها اجلاحظ يف مؤلفه )" 210ت (شربن املعتمر "وكانت صحيفة بـفقد حتدث فيها هذا األخري على الشروط األساسية التي )2(والتبيني خري دليل على ذلك

ينبغي التقيد واالعتداد ا عند كل منكلم من حسن االستعداد للكالم، واستخدام عبارات مجيلة واضحة ال لبس فيها، مالئمة لألغراض واملعاين وطبقات السامعني، أي

تباره دعامة مهمة ينبغي اإلحاطة ا يف عملية للعملية التواصلية، واع راملؤط )*(تتويج املقام .صنع اإلستراتيجيات الكالمية

إىل ) الصحيفة(لقد أورد اجلاحظ يف مؤلفه البيان والتبيني أن بشرا ألقى ا مر عليهم وهم مبجلس يتعلمون فيه أصول اخلطابة، جمموعة من فتيان املعتزلة حينما بني الكالم واملقام املتحدث فيه، ) املطابقة/لتناسبا(فدعاهم إىل ضرورة إقامة الوئام

مدار الشرف على الصواب وإحراز املنفعة مع موافقة احلال، وما "حيث أكد على أن

)1 .وما بعدها 105، ص 2000ريب للطباعة، القاهرة، مجيل عبد ايد، البالغة واالتصال، دار غ: ينظر) )

2 .33: البالغة تطور وتاريخ، ص: شوقي ضيف: ينظر)

: وذلك ملا سئل عن معىن البالغة فقال" هـ145ابن املقفع ت "لعل من أوائل البالغيني العرب الذين حتدثوا عن فكرة املقام ) *(فمنها ما يكون يف السكوت، ومنها ما يكون يف االستماع، ومنها ما يكون . ةالبالغة اسم جامع ملعاين جتري يف وجود كثري"

يف اإلشارة، ومنها ما يكون يف االحتجاج، ومنها ما يكون جوابا، ومنها ما يكون ابتداءا، ومنها ما يكون شعرا، ومنها ما واإلجياز هو / فيها، واإلشارة إىل املعىنفعامة ما يكون من هذه األبواب الوحي . يكون سجعا وخطبا، ومنها ما يكون رسائل

املعىن، فأما اخلطب بني السماطني ويف إصالح ذات البني، فاإلكثار يف غري خلل، واإلطالة يف غري إمالل، وليكن يف صدر مل فإن : قال فقيل له[...] كالمك دليل على حاجتك، كما أن خري أبيات الشعر البيت الذي إذا مسعت صدره عرفت قافيته

السامع اإلطالة اليت ذكرت أا حق ذلك املوثق؟ قال إذا أعطيت كل مقام حقه، وقمت بالذي جيب من سياسة ذلك املقام، : ، ص1اجلاحظ، البيان والتبيني، ج: ينظر" وأرضيت من يعرف حقوق الكالم، فال تم ملا فاتك مما رضا احلاسد والعدو

115/116 .

Page 171: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

157

شرف املعىن ال يرتبط بكون املعىن من معاين اخلاصة، كما ف )1("جيب لكل مقام ومقالمثل يف العامة، بل أن اهلدف يتال يكون وضيعا ساقطا إذا كان من معاين) املعىن(أنه

من الكالم الـمنتج، وال يتحقق هذا اهلدف إال باستيفاء ) ائدةالف(حتقيق وإحراز املنفعة الكالم على اعتباره وهو شرط موافقة احلال واملقام واملتحدث فيه، وإذا كانت البالغة

إن هذه اخلاصية التي : مكن القولالعربية حاملة هلذا املقوم ذو البعد النفعي؛ فإنه ملن املتتماثل إىل حد بعيد من حيث )2("بانتفاع املستمع"تلح على ضرورة اقتران القول البليغ

املنحى الذي تنحوه التداولية، حيث اهتمت هذه األخرية بضرورة جين الفائدة واملنفعة .)3(النفعيةمن الكالم، لدرجة أنها ترمجت يف العديد من الترمجات مبصطلح

كما يتحدث بشر بن املعتمر يف موضع آخر عن املعىن، ولكن يف إطار آخر يوحي إىل انتقاء واستعمال كلمات وعبارات ومجل مناسبة ) البليغ/املتكلم(من خالله اخلطيب وينبغي املتكلم أن يعرف أقدار املعاين، ويوازن بينها "حيث يقول ،)*(لألحوال واملقامات

)1 .136، ص 1والتبيني، جالبيان : اجلاحظ )

)2 .08، ص 2البيان والتبيني، ج: اجلاحظ)

)3ميجان الرويلي، سعد اليازغي، دليل الناقد األديب إضاءة ألكثر من مخسني تيارا ومصطلحا نقديا معاصرا، املركز / ينظر)

.100، ص 2000، )2(الثقايف األديب، لبنان، الطبعة للداللة على الظروف واجلزئيات املتحكمة يف عملية إنتاج " احلال"ومصطلح " املقام"ح استعمل البالغيون العرب مصطل) *(

ذلك أن مصطلح . الكالم، إال أنه ال مناص من التفريق بني هدين املصطلحني، بالرغم من كوما شديدا الصلة بني بعضهماللمتكلم إىل أن يعترب مع الكالم الذي يؤدي به أصل األمر الداعي"يدل على -حسب سعد الدين التفتزاين يف خمتصره–احلال

. ضمن شروح التلخيص. سعد الدين التفتزاين، خمتصر السعد على تلخيص املفتاح". املراد خصوصية ما، وهو مقتضى احلالوذهنيته من شك أو إنكار ، مما يقودنا بطريقة مباشرة الستحضار ما يف نفسية املخاطب 1/122ت، ص.مطبعة اليايب احلليب، د

من أجل خلق منفذ للتالؤم بني املنتوج الكالمي واخلصوصيات السيكولوجية التي تنطوي عليها حالة املتلقي، ...أو تردد .باالعتماد على أدوات لغوية وإستراتيجيات بالغية كالتوكيد بأداة أو أكثر حبسب درجة إنكار املتلقي مثال

كري البالغي، فريتبط باإلطار احلضاري والسياسي والطبقي، وكل ماهن بشأنه أن حبكم أن املقامات أما املقام حسب التف-متفاوتة فيما بينها حبسب التفاوت الثقايف واالجتماعي والطبقي مما جيعل الكالم يتسم بسمة، حركية غري سكونية، تبعا لتباين

ومن وهذا املنطلق فإن احلال جزء من املقام ألن احلال .... 95لعلوم، ص السكاكي، مفتاح ا: يراجع يف هذا الصدد. املقاماتهاهنا مبثابة حالة جزئية طارئة ذات بعد سيكولوجية متحرك، يف مقام ذو القواعد الثابتة على أساس أن لكل مقام يفرض على

Page 172: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

158

عني، وبني أقدار احلاالت، فيجعل من كل طبقة من ذلك كالما، ولكلموبني أقدار املستحالة من ذلك مقاما، حتى يقسم أقدار الكالم على أقدار املعاين، ويقسم أقدار املعاين

، يتضح من خالل )1("على أقدار املقامات، وأقدار املستمعني على أقدار تلك احلاالت: هذا النص أن للبالغة ثالث أركان، تعترب مبثابة أولويات ال ينبغ التغاضي عنها وهي

اللفظ واملعىن ومطابقة مقتضى احلال، فبمعرفة أقدار احلاالت واملستمعني؛ يتم انتقاء . معاين وألفاظ تتناسب مع تلك احلاالت

ة إستراتيجية تداولية تأثريية، باعتبار أن وعليه يصبغ اخلطاب البالغي العريب؛ صبغاحلاصل على مستوى األركان األخرية هو علة التأثري على املتلقني ) التالؤم(هذا التناسب

.)2(واحملقق لغاية األدبكما يؤدي بنا هذا الطرح إىل استحضار عنصر تداويل أساسي ومهم يف املقاربات

، Felicity Conditionاملالئمة من بني الشروط SEARLالتداولية املعاصرة، اعتربه سورل .)3(ويتحقق هذا األخري حني يسعى املتكلم جاهدا التأثري يف السامع الفعل

):هـ255ت (اجلاحظ -1.1

فتراه )هـ 255ت (يف أن أكرب معتزيل درس شؤون البالغة هو اجلاحظ الشك ،بشر بن املعتمر من ضرورة مالئمة الكالم يف كتابه البيان والتبيني يطيل القول فيما أثاره

رصانة وجزالة وعذوبة اللفظ للسامع ولطبقات السامعني واحلديث عن رشاقة وة بني اإلغراب واالعتدال، باإلضافة إىل تعرضه ألصول الوحدة العضوية يف يطوالوس

، كما أطال الكالم يف مواطن اإلجياز واإلطناب وربط بينهما وبني األغراض )4(القصيدة

مع املتلقني بكل اختالفام، واالهتمامات منشيئ الكالم بغض اآلليات وامليكانزمات واألدوات حىت حيقق انسجاما وتناسبا . التي تساورهم

)1 .138/139، ص 1اجلاحظ، البيان والتبيني، ج)

)2 .74، ص 1988، )7(البيان العريب، دار املثار، جدة ودار الرافعي، الرياض، الطبعة : بدوي طبانة: ينظر)

)3 .48حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص : ينظر)

)4 .91ص ) ت.د(أمحد جليل، املدخل إىل دراسة البالغة العربية، دار الطليعة، بريوت : ينظر)

Page 173: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

159

ومقامات املتلقني، مع تعرضه إىل السجع واالزدواج واالقتباس التقسيم واللغز ) املقاصد(يض والكناية راالعتراض والتعواألسلوب احلكيم واالحتراس واهلزل يراد به اجلد و

والتشبيه احليوان إشارات إىل احلقيقة وااز كما تضمن كالمه يف. واالستعارةإىل غري ذلك من األدوات اإلجرائية البالغية، وهكذا استحق أن يكون ... واالستعارة

.)1(الفعلي للبالغة العربية مبثابة املؤسسمتكن مبنهجية عقالنية ناضجة من "ألنه ) املؤسس(لقد استحق اجلاحظ هذه املرتلة

سابقني من علماء الشعر وجتريدها وصهرها ضمن نظرية متماسكة هي نظرية متثل آراء الاملقامات التي تمثل مسلكا من أبرز املسالك إىل اكتشاف خصائص نظريته األدبية

، ولعل القرآن الكرمي هو املصدر األصيل الذي اغترف منه )2("واجلمالية بشكل عام. حظ يف عدة مواضع من مؤلفه البيان والتبينياجلاحظ هذه الفكرة، فقد أورد اجلا

إشارات كثرية تشيد بكالم اهللا، باعتباره أبني كالم حيتل الصدارة احلقيقية من حيث كل وأبني الكالم كالم اهللا هو الذي مدح التبيني : املناحي واألوجه، يقول يف هذا الصدد

وأنزل عليه قرآن عربيا، كما قال "، فالقرآن يبين املعىن ويفصل امل )3(وأهل التفصيل¡|$Aβ � اهللا تعاىل Î=Î/ <c’Î1t� tã & Î7•Β ∩⊇∈∪ )4(�)5( .

ومن بني اإلشارات الدالة على إغتراف وتأثر اجلاحظ بالقرآن الكرمي وجعله ؛ تلك العبارات التي نلفيها "املصدر احلقيقي لوالدة فكره؛ وخاصة يف نظرية املقامات

يقول مثال وهو يتحدث عن الشروط اليت ينبغي . متناثرة يف طيات مؤلفه البيان والتبينيفقد يستحق الناس ألفاظ ويستعملوا، وغريها أحق "يف الكالم توافرها لتحقيق الفصاحة

بذلك منها، أال ترى أن اهللا تعاىل مل يذكر يف القرآن اجلوع إال يف موضع العقاب، أو يف

)1 .369ينظر شوقي ضيف، البالغة تطور وتاريخ، ص )

)2 .765هـ، ص 13/العرب من األصول إىل القرن السابع هـأمحد الوردين، قضية اللفظ واملعىن ونظرية الشعر عند )

)3 .273، ص 1البيان والتبيني، ج: اجلاحظ)

)4 .195سورة الشعراء، اآلية )

)5 .305، ص 1995الرسائل األدبية، رسالة تفضيل النطق على الصمت، دار مكتبة اهلالل، الطبعة الثالثة، : اجلاحظ)

Page 174: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

160

موضوع الفقر والعجز الظاهر، والناس ال يذكرون الشغب ويذكرون اجلوع يف حال جتد القرآن يلفظ به إال يف موضع القدرة والسالمة، وكذلك ذكر املطر؛ ألنك ال

االنتقام، والعامة أكثر واخلاصة ال تفرق بني ذكر املطر وذكر الغيث، والقرآن إذا ذكر يقل إال مل يقل األرضي، فال جيمع ملات األبصار مل يقل األمساع، وإذا ذكر سبع مسو

ذلك، ال ينتقدون من األرض أرضني وال السمع أمساعا، واجلاري على أفواه العامة غريوعليه فإن األمر الذي يذهب حبالوة ،)1("أحق بالذكر وأوىل باالستعمال ماهو فاظاألل

كثريا ) حسب اجلاحظ(اللفظ وفصاحته هو استعمال األلفاظ يف غري موضعها، وهو أمر .ما جيري على أفواه العامة، الذين جيهلون الكثري من أسرار اإلعجاز القرآين

إذا خاطب ورأينا اهللا تبارك وتعاىل"يقول يف موضع آخر يف كتابه احليوان كما العرب واألعراب أخرج الكالم خمرج اإلشارة والوحي واحلذف، وإذا خاطب بين

فأصوب العمل اتباع آثار العلماء . إسرائيل أو حكى عنهم جعله مبسوطا وزاد يف الكالموبالتايل فإن اإلبانة مرتبطة )2("عليه اجلماعةواالحتداء على مثال القدماء واألخذ مبا

ارتباطا شديدا مبقتضيات املقام، حبكم أن تغير املخاطبني يؤدي مباشرة إىل تغيري شكل فهم من طرف العرب واألعراب اخلطاب وخصوصياته، فمعاين القرآن الكرمي تدرك وت

وإن كان القرآن (اخلاصة يف الكالم ملحا؛ ألن كالم اهللا نزل بلغتهم األصلية وأساليبهم ، أما بين إسرائيل، ال ميكن هلم فهم )الكرمي ال يضاهي وال يشبه وال يقارن بكالم البشر

واستيعاب معانيه وألفاظه إال عن طريق اإلطناب املبسوط وعدم اللجوء إىل آليات فنية ...بالغية من شأا خلق نوع من اللبس والغموض كاحلذف واإلشارة

باعتبار أن مدار األمر والغاية اليت"لقد قرن اجلاحظ مفهوم البيان بالفهم واإلفهام الفهم واإلفهام، فبأي شيء بلغت اإلفهام يه إليهم جيري القائل والسامع إليها إمنا

)1 .60، ص 1جالبيان والتبيني، : اجلاحظ)

)2 .94، ص1، ج1969احليوان، حتقيق عبد السالم هارون، امع العلمي العريب اإلسالمي، الطبعة الثالثة، بريوت، : اجلاحظ )

Page 175: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

161

وما من شك من أن الفصاحة . )1("وأوضحت عن املعىن فذلك هو البيان يف ذلك املوضعا اجلاحظ هاهنا إنما حتتل من الفهم واإلفهام مرتلة الروح من اجلسد، التي يتحدث عنه

على إعداد توصيات تدعو إىل " البيان والتبيني"ولذلك دأب يف عدة مواضع من كتابة األلسنة بالتدريب واملعاجلة حتى يستقيم املنطق وتسلسل العبارة واالبتعاد عن ذيب

احة وجوهرها، املؤدية بدورها إىل سري سليم التكلف وكل أمر يطمس معامل الفص .لفعاليات التواصل السليم املبين على فهم كل ما يقال يف صلب العملية التخاطبية

تقى من احليز االستثماري على معايري تس -عند اجلاحظ–قضية اإلفهام ترتكز إن ي بتأثرياته على مسألة بأن يرم ق، فكل إطار تواصلي معين خلي"كل مقام مقالل"ملقولة

وأرى أن ألفاظ "اختيار إستراتيجية تداولية معينة تتطابق وتتناسب معه، لذلك يقول بألفاظ املتكلمني مادمت خائض يف صناعة الكالم مع خواص أهل الكالم، فإن ذلك أفهم هلم عني وأخف ملؤونتهم علي ولكل صناعة ألفاظ قد حصلت ألهلها بعد امتحان

فلم تلزق بصناعتهم إال بعد أن كانت مشاكال بينها وبني تلكم الصناعة، وقبيح سواها باملتكلم أن يفتقر إىل ألفاظ املتكلمني يف خطة أهله وعبده وأمه أو يف حديثه إذا حتدث

عوام وهو أو خربه إذا خبر، وكذلك فإنه من اخلطأ أن جيلب ألفاظ األعراب وألفاظ والمبعىن أن لكل صناعة )2("كل مقام مقال ولكل صناعة شكلفل. اخليف صناعة الكالم د

يتالئم وتلك الصناعة مما يفرض على ) خاص بالبليغ(ألفاظ معينة تنتقى من معجم فكري البليغ املتكلم اتباع إستراتيجيات تداولية انتقائية للكلمات والعبارات يتم من خالهلا

وضوع حتقيق نوع من املرونة والتناسب مع الظروف احلضارية والثقافية والطبقية واملاملتحدث فيه، باإلضافة إىل اعتبارات املتلقي واهتماماته التي البد من استصحاا يف

.عملية إنتاج الكالم البليغ

)1 .71، ص 1اجلاحظ، البيان والتبيني، ج)

)2 .368/369ص : ، ص3احليوان، حتقيق عبد السالم وهارون، ج: اجلاحظ)

Page 176: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

162

لكل كلمة مع "أو "لكل مقال مقال"ومن هذا املنطلق؛ جاز القول أن مقولة ا، والتي هي من جوامع الكلم التي وقعوا عليه" مطابقة مقتضى احلال"أو " صاحبتها مقام

، )1(تصدق على دراسة ومقاربة املعىن ال يف العربية الفصحى فحسب بل على كل اللغاتعلى أساس أن املتكلم مهما كان جنسه وتوجهه، ومهما كانت لغته مضطر إىل إحداث نوع من التوافق بينه وبني متلقيه املربوط بدوره بعدة حيثيات وظروف من خالل خلق

بعده اإلستراتيجي التداويل واملقام احملاصر للعملية التخاطبية من كل تطابق بني كالمه يفجمربا باإلملام الشامل واإلحاطة . كذلك–الزوايا والروافد، كما أن هذا املتلقي جيد نفسه

منه إىل الوصول إىل حتقيق تأويل التامة بكل احليثيات واجلزئيات املشكلة للمقام، سعيارفية . يلحقيقي، مناسب ملا قة وفق املستويات الصوعليه فإن عملية حتليل الوظائف اللغوي

للوصول إىل املعىن املراد -وحدها–والصوتية والنحوية واملعجمية ليست خليقة املتلقي الوقوف على كل صغرية وكبرية متت بصلة وثيقة /، بل تلزم على احمللل)القصدية(، فالتعامل مع )2(ية التواصلية برمتها واملتمثل يف املقامالعنصر االجتماعي احمليط بالعملب

الكالم من زاوية كونه عمل منعزل عن سياقه اخلاص، يعد نوعا من العبث الذي من شأنه أن حيدث عوائق ومالبسات سلبية تأخذ بالتأويل السليم إىل دائرة اللبس

.جيايبوالغموض، وبالتايل اإلخفاق يف التواصل الفعال واإلهذه العتبات التصورية، وانسجاما مع ما ذكرناه يف مسألة تعاطي اجلاحظ ووفق

أن املقام حيتل مرتبة رصينة وموضعا مهما يف الفكر مع الفصاحة والبيان، ميكن اجلزم البالغي العريب، وهو ما يتماثل إىل حد بعيد مع تنظريات الدرس التداويل املعاصر، الذي

ام ركن ركني ال ميكن جتاوزه يف أي مقاربة لغوية باحثة عن املقاصد يعترب املقبدراسات ومقاربات مستفيضة أملت Le contexteواألغراض، حيث حظي سياق القول

)1 .372، ص 2003متام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، عامل الكتب، الطبعة الرابعة، القاهرة، : ينظر ))

2حممد حممد يونس علي، وصف اللغة العربية دالليا يف ضوء مفهوم الداللة املركزية، دراسة حول املعىن وإخالل املعىن، )

.118، ص 1993منشورات جامعة الفاتح، ليبيا،

Page 177: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

163

به من كل حدب وصوب من لدن الباحثني التداوليني، الشيء الذي جعل منه يأخذ .)1(طابع التمفصل وتعدد املستويات

واملتمثل يف الظروف الفيزيائية :Contexte circonstancielالسياق الظريف - 1 ).املكان، الزمن، وطبيعة التواصل(لمشاركني يف العملية التواصلية مثل لاملباشرة واملتمثل يف الظروف الثقافية :Le contexte situationnelسياق املوقف - 2

.للخطاباتأشكال اخلطابات يف ويتمثل :Le contexte internationalسياق التفاعل - 3

.ونظام اإلشارات املصاحبةوهي جمموع القناعات : Le contexte présupositionnelالسياق اإلفتراضي - 4

. والقيم املشتركة بني الباث واملتلقيمن اآلليات املهمة اليت Galisson وقاليسون Costeأن املقام حسب كوست كما

تفرض نفسها على املتكلم؛ إذ جيد نفسه ملزما باألخذ به يف العملية اخلاصة بلملمة جمموعة شروط إنتاج القول، "خصوصيات اإلستراتيجية الواجب اتباع إمالءاا باعتباره

وده من وهي الشروط اخلارجة عن القول ذاته، والقول هو وليد قصد معين، يستمد وجواللحظة ) املكان(شخصية املتكلم ومستمعه أو مستمعيه؛ وحيصل ذلك يف الوسط

السياق املتعلق بوعليه ميكن القول أن هذا التنظري ،)2("الذين حيصل فيهما) الزمان(مع خترجيات اجلاحظ املتعلقة بالشروط صالته وجوهره يتطابق إىل حد بعيدومتف

.والتوصيات اخلاصة بالعملية اإلنتاجية للكالم، هذا من جهةاجلاحظ، ويتمثل كنهه يف تسهيل كما يظهر أفق تداويل واضح يف خترجيات

العملية التأويلية من قبل الـمخاطب، وهو بصدد حماولة البحث عن التفسري والتأويل يغة لغوية، حبكم أن املنطوقات اللغوية ال تفهم وهي منعزلة عما سواها، املراد من أي ص

(1) Voire : Marie Amine paneau – George Elia Sarfati (2003), les grandes théories de la linguistique, de la

grammaire comparée à la pragmatique, édition Armand Colin, Paris, 2008/2009. P 24

)2 .41اجلياليل دالش، مدخل إىل اللسانيات التداولية، ص )

Page 178: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

164

بل تبقى يف حاجة ماسة إىل احليثيات والظروف احمليطة ا، والتي قد تكون شخصية أو . )1(ثقافية أو تارخيية

إن هذا التشديد النابع من اجلاحظ واملؤكد لضرورة مراعاة حركية املقامات يف الستعمال؛ هلو أمر نلفيه يفرض نفسه يف التنظريات التداولية وبالضبط يف مفهوم ما ا

، والذي يتمثل حسب compétence pragmatiqueيسمى مبصطلح الكفاءة التداولية ، وميكن )2("املقدرة على استخدام اللغة يف سياقاا الفعلية التي تتجلى فيها"التداوليني يف

:املفهوم التداويل يف جمالنيإمجال اجتاه هذا ).العملية التأويلية(القدرة على حتديد وتفسري ما تعنيه اجلمل -1القدرة على استعمال اللغة بطريقة مرنة بالتكيف السليم والفعال مع مالبسات -2

ة يالتخاطب التيناميكيتتسم بالد. اال الثاين، لدرجة أنه ل بشكل قوي مع تتماث" لكل مقام مقال"لة ولعل مقو

ميكن القول أن هناك تطابق بني هذه املقولة التي احتلت مرتلة الصدارة يف البحث ضي إىل صد خلق توافق بناء يفالبالغي العريب وهذا اال املعىن بتتبع حركية املقامات ق

خل يف هذا وربما د: "... فهم سليم ملا قيل، يقول حممد حممد يونس علي يف هذا الصدد، وبذا إن )3("ما عرف يف تراثنا بكيفية مطابقة الكالم ملقتضى احلال] االجتاه الثاين[النوع

، والذي يرى فيها أنه عند شومسكي Compétence linguistiqueمصطلح الكفاءة اللغوية ؛ تبقى داا املعجميةحالتي ميتلكها الفرد املتحدث واخلاصة بقواعد لغته وو تلك القدرة

Contextesإذ جيب األخذ بعنصر املقام االجتماعي .)4(عاجزة إلقامة تواصل حقيقي

)1

، 2004، )مصر(رمضان النجار، اللغة وأنظمتها بني القدماء واحملدثني، دار الوفاء للطباعة والنشر، اإلسكندرية : ينظر ) .233ص)

2 .127حممد حممد يونس علي، وصف اللغة العربية دالليا، ص ) )

3 .128حممد حممد يونس علي، وصف اللغة العربية دالليا، ص )

(4) Voire : Patirick Charaudeau, Dominique Maingueneau, dictionnaire d’analyse de discours, édition du seuil,

Paris, 2002, P113.

Page 179: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

165

sociaux ها شكيل اخلطابات وإستراتيجيات بنائواعتباره مبثابة الضابط احلقيقي لكيفية ت . الداخلي

عند "ة التي استنطقت املقولة البالغية لكل مقام يكرفلاكما يظهر من هذه املعاينة اجلاحظ ومضات تداولية صرحية، وبالضبط يف تلك املساحة التي حياول البليغ من خالهلا حتقيق التالؤم بني األلفاظ والصياغات وطريقة نظمها مع اهتمامات السامعني

ية، وعليه جيوز القول أن األساليب والتعبريات الفنية واضحا بقومستويام الثقافية والطني، على أساس أم ينتمون إىل طبقات خمتلفة سواءا كانت معرفية أو بأمناط املتلق

...اجتماعيةفبناء "ها ائطالئعي يف حتديد اإلستراتيجية اخلطابية وبنوبذا فإن املرسل إليه دور

مبعىن أن )1("مبعرفة حاله، أو بافتراض ذلك احلال–اخلطاب وتداوله مرهون إىل حد بعيد هو مفهوم نلفيه بفرض نفسه يف التعليمات والشروط Présupositionاإلفتراض السابق

.األساسية التي جندها مبثابة ضوابط ودعائم أساسية يف مسألة بناء اخلطاب البالغي العريبولعل اجلهود اجلاحظية التي اختصت مبعاجلة أنواع الدالالت على املعاين

الفكر البالغي العريب والتنظريات التداولية خاصة وتقسيماا خليفة مبد جسور متاثلية بني يف تلك املنطقة املعنية بتنظيم التواصل الفعال بشكل عام وضمان سريورته، إذ مثل هذا

، حيث )2(معلما بارزا يف استيعاب طبيعة التواصل كضرورة اجتماعية) اجلاحظ(األخري اللغة باعتبارها عالمة لسانية أو أداة أن : بفضل فكره الثاقب ونظراته الفاحصةتوصل

بيان؛ ليست هي آلة البيان الوحيدة، بل تعترب اإلشارة والعقد والنصية من اآلالت البيانية ومجيع أصناف "باإلضافة إىل احلظ الذي يعد مشكال من أشكال اللفظ، حيث يقول

)1 .47عبد اهلادي عن ظافر الشهريي، إستراتيجيات اخلطاب، ص )

)2 .72، ص 1995 ،)1(صاحل خليل أبو إصبع، نصوص تراثية يف ضوء علم االتصال، دار آرام عمان، الطبعة : ينظر)

Page 180: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

166

أوهلا اللفظ، : تزيد الدالالت على املعاين من لفظ وغري لفظ، مخسة أشياء ال تنقص وال .)1("مث اإلشارة، مث العقد، مث اخلط، مث احلال التي تسمى نصبة

لقد كان هلذا التصنيف اخلاص مبسألة أصناف الدالالت على املعاين، ظالال تداولية بالدرجة األوىل، إذ تلقي الدرس التداويل ينحو بآلياته وميكانزماته يف التحليل

املساحة املهتمة باالعتبارات غري اللغوية يف العملية التخاطبية فضال عن التداويل حنو تلك ينتبه إىل خمتلف الوسائط التعبريية، أو فلنقل ما يكون من اللغة، "إذ . االعتبارات اللغوية

، وباإلضافة إىل هذه )2("وغري اللغة يف أداء دور اإلفهام، والتعبري عن املعىن املراد إيصالهذات البعد التداويل، ميكن القول أن هذا التصنيف يأخذ نصب عينه الظروف امليزة

واملالبسات الطبيعية والثقافية واحلضارية اليت حتيط باحلقل اإلنتاجي للعالمة، ولشيء من :التوضيح؛ نبسط من اآلالت ما يلي

ه والصوت هو آلة اللفظ، واجلوهر الذي يقوم ب: "فيه اجلاحظ يقول :اللفظ- 1هو التعبري عن املعاين بواسطة الصوت، مبعىن آخر هو تلك العالمة اللغوية أي )3("التقطيع

بني أبناء مة اللغوية تكون حمل تواضع واصطالح الالتي تتم عن طريق الصوت، وهذه العأي من صورة ذهنية ) مدلول(و) دال(اتمع اللغوي الواحد، وتتكون هذه األخرية من

ة، وهو ما يقابل التواصل اللفظي وصورة مسعيCommunication Verbal راساتيف الدالتواصلية املعاصرة، ويتم هذا النمط التواصلي عرب القناة الصوتية وصوال إىل القناة

مبعىن هو عبارة عن جمموعة من الوحدات اخلطابية تتكون حسب أندريه )4(السمعية، ووحدات املقطع )Phonèmeالفونيم (من وحدات الصوت André Martinetمارتينيه

ووحدات املعجم، ووحدات التركيب، هذا من جهة، ويف املقابل ) Morphèmeاملورنيم (

)1 .76ص/1البيان والتبيني، ج: اجلاحظ)

)2 .39املبادئ واإلجراء، ص : يف تداولية اخلطاب األديب: نواري سعود أبو زيد)

)3 .79، ص 1البيان والتبيني، ج: اجلاحظ)

)4 www.pulpit.Alwatane voice.comالتواصل اللفظي وغري اللفظي : مجيل محداوي املعز: ينظر)

Page 181: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

167

ميكن أن نطابق بني ما يعنيه اجلاحظ باللفظ واألفعال الكالمية بكل أشكاهلا وتصنيفاا .حبكم أا تنطلق من التلفظ ا يف سياقات خمتلفة

من طابعه الشفهي ) الصنف الداليل عند اجلاحظ(د ينتقل هذا النمط التواصلي وقبقدرته على جتاوز الزمان واملكان وهو ما يعرف زإىل طابع آخر قوامه الكتابة املتمي

".باخلطوحيتل هذا األخري املرتبة الرابعة يف تصنيف اجلاحظ لآلالت البيانية، :اخلط- 2

اللسان مقصور على "ياين بقدرته على جتاوز الزمان واملكان ويتميز هذا الصنف البالقريب احلاضر، والقلم مطلق يف الشاهد والغائب، وهو الغابر اخلائن، مثله للقائم

يريد اجلاحظ القول هاهنا أنه إذا كان اللسان مقصورا على إبالغ احلاضر يف )1("الراهنق، حيث له القدرة على إعالم الغائب يف الزمان والقريب يف املكان، فإن احلظ مطل

.املكان واملسبوق يف الزمانعند هذا احلد ميكن القول أن مثة تطابق بني هذا الصنف البياين اجلاحظي وما

، ويتخذ هذا األخري يف )2(يسمى بالتواصل الكتايب يف الدراسات التواصلية املعاصرةمن الكتابة وسيلة مهمة وفعالة يف عملية التواصل، –املقاربات املتعلقة واملهتمة بالتواصل

حيث تنظر هذه املقاربات إىل الكتابة بوصفها فعال إلزاميا البد من استخدامه يف بعض الظروف القاهرة اليت تنبع من قصدية الباث، ومن بني هذه الظروف والغايات اليت نلفيها

:)3(الكتايب وجتاوز التواصل اللفظي) التواصل(و باملنهج أ فرض إلزامياا يف قضية التقيدت .عندما ال نريد استجاب مباشرة- .عندما تكون رسالة تواصلية معقدة ومفصلة-

)1 .80، ص 1البيان والتبيني، ج: اجلاحظ)

)2

حممد يسري عبس، االتصال والسلوك اإلنساين، رؤية يف انتروبولوجيا االتصال، البيطاش سنتر، اإلسكندرية، : ينظر) .169ص)

3 .املرجع نفسه، نفس الصفحة: ينظر)

Page 182: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

168

عندما حنتاج إىل سجل دائم أو مرجعية دائمة ميكن العودة إليها يف أي ظرف -وهو ما نفس ما ذهب " الرواية صيد والكتابة قيد: "من الظروف املستقبلية أو كما يقال

كما يتجه هذا . إليه اجلاحظ يقوله السابق حول احلظ وإمكانية إفادته للشاهد والغائبليني والتداوليني املعاصرين يالصنف الداليل إىل مفهوم النصي من زاوية نظر بعض التأو

أي أن فعل . )*(الذي يعرف النص بأنه خطاب مثبت بفعل الكتابة" بول ريكور"كـ .كتابة هو ما جيعل اخلطاب نصاال

صنفا ها، فنجد اجلاحظ يفصل فيها القول باعتباراإلشارةأما إذا انتقلنا إىل -3مهما من أصناف الدالالت على املعاين، وهو يقصد ا تلك اإلشارات اجلسدية أو

باليد وباحلاجب واملنكب، إذا تباعد الشخصان، وبالثوب "اإلمياءات الدالة، وقد تكون وبالسيف، وقد يتهدد رافع السوط والسيف، فيكون ذلك زاجرا، ومانعا، ورادعا،

مساا األساسية تعميق القيمة التعبريية والقدرة ، ومن بني)1("يراويكون وعيدا وحتذاإلبالغية امللفوظ البالغي، ووفق هذا الطرح تغدو اإلشارة آلة بيانية تتماهى بل وتتماثل

حضيت اإلشارة ببحوث ثمع ما أقرته التنظريات اللغوية احلديثة واملعاصرة، حي. يقول ت. ، والسيما يف ذلك اال املعىن بالتواصلومقاربات كثرية ال تعد وال حتصى

إن التبليغ ال يتم بواسطة العالمات اللسانية وإنما بوسائل " T. Todorov" تودوروف"، بصيغة أخرى إن ضمان العملية )2("وحتف ا كل جانب. رمزية حتيط ذه العالمات

على غرار اللفظ ) كاإلشارة(مزية التواصلية الفعالة والناجحة مرهون بتوظيف وسائل ركالتنغيم (أو الفعل الكالمي، حيث تزداد القوة اإلجنازية هلذا األخري حبضور عوامل عدة

.راجع الفصل األول من الرسالة) *()

1 . 84-83، ص 1البيان والتبيني، ج: اجلاحظ)

)2

النظريات اللسانية والبالغية واألدبية عند اجلاحظ من خالل البيان والتبيني، ديوان املطبوعات اجلزائرية، : الصغري بناين) .246ص

Page 183: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

169

يف اخلطاب، وخاصة اإلشارة التي تلعب ...) ري يف التراكيب اللغويةخرب والتقدمي والتأنوال .دورا حموريا يف عملية التأثري على املخاطب

من –هر من خالل هذه املعاينة املتجهة حنو سرب أغوار اإلشارة ووظائفها كما تظأن لب هذه اآللية البيانية متموضع يف تلك املساحة املبسوطة املعنية -اجلاحظطرف دور فعال ال يستهان به يف جمال تقريب وحتديد القصدية التي يسعى إليها املتكلم بإقامة

، أي القيام بدور فعال يضبط سري التخاطب الناجح املبين على خصوصيات اوينشدهذات أبعاد إستراتيجية، إفهامية، وهو ما يسعى الدرس التداويل إىل إبرازه من خالل

. تنظرياته ومفاهيمه كما أسفلنا الذكريغ تغدو اإلشارة من هذا املنطلق من أدوات البيان التي يلجأ املتكلم البل

الستخدامها واالستعانة ا لزيادة الداللة على معىن ال يستطيع اللفظ التعبري عنه، بل كثريا ما يستعملها وحدها مبعزل عن اللفظ، ولكنها يف أغلب األحيان تنصهر مع اللفظ

: حتى تصبح وحدة كاملة غري قابلة لالنفصال، وهذا ما تنبه إليه اجلاحظ يف قولهشريكان ونعم العون هي له ونعم الترمجان هي عنه، وما تنوب عن اإلشارة واللفظ "

ميلك ويف هذا داللة واضحة ال تتخللها شوائب أن اجلاحظ )1("اللفظ وما تغين عن اخلطإدراكا عميقا مكنه من حتديد العالقة التي تربط التواصل اللفظي مع التواصل غري اللفظي

ان فهمه العميق لطريقة عمل اإلشارة هو ما أوصله إىل ك -وبشيء من التأويل–وربما هذا اإلدراك العميق والتصور ذو األفق الواسع، وميكن بسط طريقة عمل اإلشارة من خالل وظائفها األساسية مثل معاونة اإلشارة للفظ، والتعبري عن معان ال يستطيع املرء

وكل هذه اجلوانب مرتبطة )2(يةمعها استخدام اللفظ، والتعبري عن االستجابات العاطفارتباطا شديدا بتعزيز أسس التفاعل اإلجيايب السليم، وهو ما وقفت عليه التداولية بالتحليل واملدارسة وهي يف جمال زرع الشروط والتوصيات املتعلقة بنجاح الفعل

)1 .78، ص 1ج: البيان والتبيني: اجلاحظ )

)2 .45صاحل أبو اإلصبع، االتصال واإلعالم يف اتمعات املعاصرة، ص : ينظر)

Page 184: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

170

وظائف املنوطة الكالمي ضمن األطر التخاطبية، جتنبا للغموض واللبس، وبالتايل حتقيق ال، وحتقيق الغاية اإلفهامية )الوظيفة التفاعلية والتعاملية(باللغة يف بعدها االجتماعي

.واإلقناعية على حد سواءرية حلال الناطقة بغري اللفظ، واملشهي ا"يقول اجلاحظ يف تعريفها ف ؛أما النصبة-4

صامت وناطق، وجامد بغري اليد، وذلك ظاهر يف خلق السماوات واألرض، ويف كل مبعىن أنها آلية تؤدي دور الكالم يف الداللة على )1("ونام ومقيم وظاغن وزائد وناقص

املقصود، وتلمس األمور املخفية يف النفس اإلنسانية، وهي هيئة دالة على نفسها من غري .اهللاواسطة، والتي يتوصل الفكر إليها من خالل التفكر والتدبر والتفكر يف خلق

وبقليل من التفحص واملعاينة ميكن أن نستشف أن هذا املفهوم يدخل ضمن نطاق واحد من أقسام العالمة يف معترك السيمولوجيا الغربية أال وهو الرمز، الذي ميكن أن

: يوصل إىل كل ما يستطيع العقل البشري أن يدركه، ويقوم هذا املفهوم على مبدأين مهاومبدأ التداعي الطبيعي لألفكار، ويتحقق حني يكون الطرف األول مبدأ التوافق القياسي

من ) املدلول(متواجدا يف العامل الواقعي، ويكون الطرف الثاين ) الدال(يف الرمز .)2(التجريديات

األنساق "تتماثل مع مفهوم " النصب"حث املتفحص يف هذا الصدد يلفي الباتلك "اسات التواصلية املعاصرة، واملقصود ذا املفهوم يف الدر ةاملعتمد" الداللية الطبيعية

األنساق التي توجد يف حصن الطبيعة، ومن مسات هذه األنساق أا غري مؤسسية، .)3("فاإلنسان هو الذي وظفها داخل جمال الدالئل، وأسند إليها دالالت معينة

ي املتعلق باألصناف أن هذا التخريج البالغي اجلاحظكما ميكن القول بشكل عام الداللية هو مرآة عاكسة للوعي العميق والفطنة العالية التي انتابت فكر اجلاحظ وذهنيته

)1 .81البيان والتبيني، ص : اجلاحظ )

)2 .40يف تداولية اخلطاب األديب، ص : نواري سعود أبو زيد: ينظر)

)3 www.pulpit.Alwatane voice.comالتواصل اللفظي وغري اللفظي : مجيل محداوي املعز )

Page 185: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

171

يف معرفة أمهية السياق التواصلي والعوامل التي ينهض عليها لدرجة أنه حاز على قصب واإلشارة جعل السياق معتمدا على اللفظ"يف ) مقارنة مع الدارسني املعاصرين(السبق

.)1("والصوت واحلال، وهو ما عرف بالسياق اللغوي وغري اللغويفضال عن هذه اجلهود استطرد اجلاحظ يف مؤلفه البيان والتبيني إىل احلديث عن

من خالل سرده " بالغة اخلطاب اإلقناعي"الوظيفة اإلقناعية للخطاب أو ما يسمى بـ"سوار الصفحات األوىل من كتابه ويف ما يلي ة يف أجمموعة من النصوص نلفيها مطروح

:بعض منهاسأل اهللا، عز وجل، موسى بن عمران عليه السالم حني بعثه إىل فرعون "-1

.)2("بإبالغ رسالته، واإلبانة عن حجته، واإلفصاح عن أدلتهوليس حفظك اهللا، مضرة سالطة اللسان عند املنازعة، وسقطت اخلطل يوم "-2

بأعظم مما حيدث عن العي من خالل احلجة، وعن احلصر من فوت درك إطالة اخلطبة، . )3("احلاجة

وقال موسى عليه السالم وأخي هارون هو أفصح مني لسانا، فألرسله معي "-3 ".ويضيق صدري وال ينطلق لساين"وقال ) 38/34" (يصدقينردا

وح الداللة لتكون يف غاية اإلفصاح باحلجة واملبالغة يف وض) موسى(ورغبة منه "األعناق إليه أميل، والعقول عنه أفهم، والنفوس إليه أسرع، وإن كان قد يأيت من وراء

. )4("احلاجة، ويبلغ أفهامهم على بعد املشقة

)1 .205اللغة وأنظمتها بني القدماء واحملدثني، ص : نادية رمضان النجار) )

2 .7، ص 1البيان والتبيني، ج: اجلاحظ)

)3 .12، ص 1املصدر نفسه، ج)

)4 .7، ص 1املصدر نفسه، ج)

Page 186: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

172

وذكر اهللا، عز وجل، لنبيه، عليه السالم، حال قريش يف بالغة املنطق، "-4وما فيها من الدهاء والنكراء واملكر، ورجاحة األحالم، وصحة العقول، وذكر العرب

.)1("ومن بالغة األلسنة واللدد عند اخلصومة .)2("مث ذكر خالبة ألسنتهم واستمالتهم األمساع حبسن منطقهم"-5ليس من حق : كان أبو مشر إذا نازع مل حيرك يديه وال منكبيه، وكان يقول"-6

راهيم بن سيار النظام، عند أيوب بن جعفر، املنطق أن تستعني عليه بغريه، حىت كلمة إب .)3("فاضطره باحلجة والزيادة يف املسألة حىت حرك يديه وحل حبوته

القرآن بالبيان واإلفصاح، وحبسن التفصيل واإليضاح، وجبودة ) اهللا(ومدح "-7 .)4("اإلفهام وحكمة اإلبالغ، ومساه فرقانا، كما مساه قرآنا

عطاء أنه الثغ فاحش اللثغ، وأن خمرج ذلك منه شنيع، وملا علم واصل بن "-8وأنه، إذا كان داعية مقالة، ورئيس فحلة، وأنه يريد االحتجاج على أرباب النحل، وزعماء امللل، وأنه البد من مقارعة األبطال، ومن اخلطب الطوال، وأن البيان حيتاج إىل

لقلوب وتثىن األعناق، وتزين به املعاين، وأن ذلك أكثر ما تستمال به ا... متييز وسياسةوعلم واصل أنه ليس معه ما ينوب عن البيان التام والتسديد، مع لباس التقوى وطابع

.)5("رام أبو حذيفة إسقاط الراء... النبوةاملعاين القائمة يف صدور الناس : قال بعض جهابذة األلفاظ ونقاد املعاين"-9

ال يعرف اإلنسان ضمري صاحبه وال حاجة ... ستورة خفيةم... املتصورة يف أذهاموإمنا يحيي تلك املعاين ذكرهم هلا، وإخبارهم عنها، واستعماهلم إياها، ... أخيه وخليله

وهذه اخلصال هي التي تقربها من الفهم، وجتليها للعقول، وجتعل اخلفي منها ظاهرا،

)1 .8، ص 1البيان والتبيني، ج: اجلاحظ)

)2 .9، ص 1البيان والتبيني، ج: اجلاحظ)

)3 .91، ص 1املصدر نفسه، ج) )

4 .8، ص 1املصدر نفسه، ج ))

5 .14/15، ص 1املصدر نفسه، ج)

Page 187: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

173

لخص امللتبس، وحتل املنعقد، وجتعل املهمل والغائب شاهدا، والبعيد قريبا، وهي اليت تمقيدا، واملقيد مطلقا واهول معروفا، والوحشي مألوفا، والغفل موسوما، واملوسوم

. )1("معلوماإذا أردنا التفحص والتدبر يف هذه النصوص التي وردت يف البيان والتبيني؛ عن

األخرية تتجه اجتاها إقناعيا واضحا ويأخذ طريق معاينة فكرية منهجية، لوجدنا أن هذهبني قطيب االستمالة واالضطرار، مع تداخل هذين املستويني يف "دة تهذا االجتاه مساحة مم، وبذا تظهر إشارة جلية مؤداها أن البيان عند اجلاحظ ال يقتصر )2("الوسائل املؤدية إليها

خط الفهم واإلفهام إىل مستوى حقيقي على الوظيفة اإلفهامية فحسب، بل يتعدى البيان .آخر ذو بعد تداويل حمض وهو املستوى احلجاجي

لقد متكن الباحث حممد العمري من إثبات هذا املقتضى التصوري من خالل :)3(جدول حتليلي وضعه على الشكل التايل

الغرض صفات وموضوعه املؤهالت والعوائق التأثري املوضوع الصفات العوائق املؤهالت

استمالة القلوب الدعوة إىل مقالة اإلبالغ العي املنطق ثين األعناق الدفاع حنلة اإلبانة احلصر األحالم التصديق إبالغ الرسالة اإلفصاح ضيق الصدر العقول ميل األعناق احلجة الفصاحة توقف اللسان الدهاء

فهم العقول احلاجة الوضوح اللثغ املكر إسراع النفوس املنازعة الصحة األلسنة االستمالة البيان النكراء االضطرار حسن التفصيل التمييز

التحريك اإليضاح السياسة حل احلبوة وضوح الداللة لباس التقوى اإلفهام طابع النبوة

الفهم اإلحتجاج األدلة

)1 .75، ص 1املصدر نفسه، ج) )

2 .199، ص 1999البالغة العربية أصوهلا وامتداداا، إفريقيا الشرق، املغرب : حممد العمري)

)3 .198املرجع نفسه، ص )

Page 188: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

174

الـمالحظ من خالل هذا اجلدول أن بعض املصطلحات التي استخدمها اجلاحظ تدخل ...يف النصوص السابقة كالدعاء واملكر والنكراء واالحتجاج واالضطرار باحلجة

، هذا من جهة، ويف االجتاه املقابل فإن كل من "أجلى صفات االضطرار"يف خانة أجلى صفات "تنتمي إىل جمال ...وميل األعناقالسياسة واملنطق واألحالم واإلبانة

أن : ؛ ميكن القول)من خالل النصوص(االستمالة وبالنظر إىل اآلثار اليت توخاها اجلاحظ .من جانب االستمالة أم من جانب االضطرار ه الوسائل تتجه حنو اإلقناع سواءكل هذ

الذي ) العام(ول ؛ نظرة فكرية تعكس بوضوح انصهار بني املفهوم األقإنها حباملنتمي إىل إطار ) اخلاص(يدخل ضمن إطار الرؤية العامة للعصر، واملفهوم الثاين

الرتاعات املذهبية، حبكم أنه ميثل علما بارزا من أعالم املعتزلة ساهم إىل حد كبري من يقدم مل ) حسب حممد العمري(إال أن اجلاحظ . تقيني اخلطاب اإلقناعي ذو البعد البالغي

لنا تفريقا واضحا جليا بني املستوى املعريف العام للبيان واملستوى اإلقناعي التداويليشكل مستوى من مستويات ) ذو الطابع التداويل(اخلاص بطريقة جتعل املستوى األخري

.)1()ذو طابع اللغوي أو السيميائي(األول جلاحظ على الوظيفة اإلقناعية ومن الومضات الفكرية األخرى الدالة على تركيز ا

للخطاب؛ حديثه عن اإلشارة وخصوصا عند تزامنها مع ممارسة اجتماعية أو فنية، يقول من متام آلة القصص أن يكون القاص أعمى، ويكون شيخا يعيد مدى الصوت، ومن "

ن، براق الربذوومن متام آلة املغين أن يكون فاره . متام آلة الزمر أن تكون الزامر سوداء ينا ويكون امسه أذرب، سيء اخللق، ومن متام آلة اخلمار أن يكون ذميالثياب، عظيم الك

ومن متام . أو شلوما مازريار، أو أزدافقاذار، أو مشيا، ويكون أرقط الثياب، خمتوم العنقلسؤدد آلة الشعر أن يكون الشاعر أعرابيا، ويكون الداعي إىل اهللا صوفيا، ومن متام آلة ا

.)2("أن يكون السيد ثقيل السمع، عظيم الرأس

)1 .199البالغة العربية أصوهلا وامتداداا، ص : حممد العمري: ينظر )

)2 .95، ص 1البيان والتبيني، ج: اجلاحظ)

Page 189: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

175

املصاحبة للغة ووفق هذا املقتضى من التصور فإن هذه املظاهر اإلشارية والسلوكيةتصبغ العبارات املتلفظ ا بصبغات ذات طاقات إحيائية تداولية بالدرجة األوىل، وبالتايل تدعم األفعال الكالمية وتثرى باألبعاد التداولية احلجاجية، لتصبح أكثر وقعا وتأثريا على

رسات االجتماعية والفنية املتلقني من خالل قلب قناعام وأفكارهم القبلية يف أطر املما وبذا ميكن اخللوص إىل فكرة جوهرية يف هذا املضمار املتعلق. بكل صورها وأشكاهلا

عبريية املؤثرة إن تعميق القدرة الت: هاابرصد البعد اإلقناعي من خالل اإلشارة، مؤدجلية ويف هذا إشارة. على مظاهر سلوكية تصاحب اللفظ وتتقوى به مرهون باالعتداد

واضحة إىل تفطن اجلاحظ إىل األمور واإلستراتيجيات التي من شأا خلق تأثريات على فعلى الرغم من تفوق خطاب . املتلقني وبالتايل ظهور تفاوت حقيقي بني خطاب وآخر

زم أن هذا األخري داخلي له، إال أنه ال ميكن اجلعلى آخر من حيث البناء والتشكيل اللتأثريي، على أساس أن العديد من اخلطابات ال تشتمل على ذخرية فنية ناجح يف بعده ا

كبرية من حيث بناءها وهيكلتها الداخلية إال أنها ناجحة يف بعدها التداويل الغترافها واعتمادها على كل ما من شأنه التأثري على املتلقني كاملظاهر املصاحبة للخطاب

واخلطابات اليومية خري دليل على ... تغيريات الوجهوالصوت املناسب من نرب وتنغيم و .ذلك

):هـ276ت (ابن قتيبة -2.1

ظهر لغويون خمتلفون يف العصر العباسي، ولعل أبرزهم ابن قتيبة لقدإلعجاز البالغي للقراء اجلاحظ يف فكرة أن ا الذي سار على نفس خطى) هـ276ت(

ه يف ريوبذا سيطرت فكرة النظم على جل تفكإىل عجيب تأليفه، وبديع لفظه، إنما يعز .كتابه تأويل مشكل القرآن

واجلدير بالذكر أن املالحظات البيانية التي اشتمل عليها هذا الكتاب إنما انطلقت يربأ تنفت نظم القرآن الكرمي مبا كامن زاوية نظر دفاعية عن األسرار البالغية التي

وقطع منه مبعجز "شبهات امللحدين كون أن القرآن الكرمي شرفه اهللا وجعله هدى ونورا

Page 190: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

176

وقد جتلى هذا ، )1("التأليف أطماع الكائدين وأبانه بعجيب النظم عن حيل املتكلفنية يم احلركسالنظم عنده يف اإليقاع الفريد، والنسق الصويت البديع املنبثق من تق

.نظر بني احلروف وخمارجها وعدم تنافرهااحملكم والوالسكون، والتأليف انطلق يف كتابه يستعرض جمازات القرآن الكرمي باالعتماد على سرد وعليه

ي جمموعة من الشواهد اابعة من كالم العرب وطرائق تعبريها لدرأ الشبهات التة النازياحلمالت كان السبب اجلوهري ملثل هذه حط ا القرآن الكرمي على أساس أن التصدي

وقد اعترض كتاب اهللا بالطغى امللحدون، ولغوا فيه : "لتأليف كتابه، حيث يقولبأفهام كليلة، وأبصار عليلة، } واتبعو ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله{وهجروا،

ناقض، ونظر مدخول، فحرفوا الكالم عن مواضعه، وعدلوه عن سبله؛ مث قضوا عليه بالتفأحببت أن أنضح عن كتاب اهللا، ...واالستحالة يف اللحن، وفساد النظم، واالختالف

.)2("وأرمى من وراءه باحلجج النرية والرباهني البينة وأكشف للناس ما يلبسونإدراك فضل القرآن ومعانيه خباياه اإلعجازية لقد ذهب ابن قتيبة إىل أن قضية

وعليه . عب إال عن طريق قدرات وخربات أسلوبية خاصةقضية لغوية بالغية ال تستوفيها االستعارة، والتمثيل والقلب، ف: "انطلق يف تسمية بعض الظواهر البالغية قائال

يض، واإلفصاح، تعروالتقدمي والتأخري، واحلذف والتكرار، واإلخفاء، واإلظهار، والواجلميع خطاب االثنني، وخماطبة الواحد خماطبة اجلميع، واجلميع خطاب الواحد،

، مث أردف ذلك )3("والقصد بلفظ اخلصوص ملعىن العموم، وبلفظ العموم ملعىن اخلصوص .)4("وبكل هذه املذاهب نزل القرآن: "بقوله

انطالقا من هذا التخريج، نلمس أن ابن قتيبة كان عاملا ببعض الظواهر البالغية لية املتصلة باملقام وحيثياته حبكم أن اآليات التي من شأا محل بعض املقومات التداو

)1 .30، ص 1973، 2تأويل مشكل القرآن، حتقيق السيد أمحد صقر، دار التراث، الطبعة : ابن قتيبة)

)2 .22/23تأويل مشكل القرآن، ص : ابن قتيبة)

)3 .20املصدر نفسه، ص )

)4 .21املصدر نفسه، ص )

Page 191: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

177

البينات التي مألت كتاب اهللا تشتمل على آليات بالغية ذات طابع تداويل مرهونة حبيثيات ومالبسات املوقف حتت عنوان مراعات مقتضى احلال فعلى سبيل املثال هناك

صحيح، ومن احلاالت من املواضع املقامية ماال حيتمل االستعارة وينشد احلقيقة والعكس ماال تقتضي التقدمي والتأخري يف العبارات والعكس صحيح، ومن املواقف من ال حتتمل

وليس غريب على النظم اإلعجازي الذي اختص به القرآن . التعويض وتنشد اإلفصاحالكرمي أن يراعي ويناجي هذه اخلصوصيات املتعلقة تعلق شديدا باملتلقني وطبقام

.ورهاواالهتمامات التي تساورهم ووضعيام بكل أشكاهلا وص ومستويامال خيتلف مع ما أرقته التنظريات التداولية والسيما تلك اليت تعلقت إن هذا الطرح

وط املتعلقة بإنتاج اخلطابات الناجحة تداوليا، حيث أقر جورج يول يف كتابه ربوضع الشجنا ما عند مواجهة أي حمادث هي قضية االختالف بني معرفة اللغة أن أول قضية التي

وكيفية نظمها، ويعز سبب هذا االختالف إىل دور ) األفعال الكالمية(العبارات اللغوية وسيكون لكل هذه . والعالقة اجلامعة بينهم) أو السامعني(كل من املتكلم والسامع

.)1(ما يقالالعوامل األثر الكبري على ما يقال وعلى كيفية أن الكناية تندرج " تأويل مشكل القرآن"من كتابه د ابن قتيبة يف موضع آخريؤك

حتت لواء االستعارة، مثبتا هذه النظرة التصورية عن طريق سرد وإيراد جمموعة من األمثلة إن العرب : والشواهد املستخرجة مما جرت عليه العادة يف كالم العرب، فيقول مثال

لنبات نوء ألنه يكون من النوء عندهم، ويقولون للمطر مساء، ألنه من السماء تقول ل .يرتل، فيقال مازلنا نطأ السماء حتى أتيناكم

:ويقول الشاعر )2(رعيناه وإن كانوا غضابا إذا سقط السماء بأرض قوم

)1نيا الطباعة والنشر والتوزيع، اإلسكندرية معرفة اللغة، ترمجة حممود فراج عبد احلافظ، دار الوفاء لد: جورج يول: ينظر)

.198، ص 1999

)2 .137- 136ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، ص )

Page 192: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

178

عىن العريف أو املواصفة ووفق هذا امللمح؛ نلمس تقدير ابن قتيبة يف تفسرياته للميف حتقيق عملية الفهم واإلفهام، وهو ما حظي بعناية مركزة Sense conventionnelاللغوية

مصطلح االستلزام الوضعي حتت Griceمن طرف عدة فالسفة لغويني مثل غرايس Conventionnel implicature

حيث اعتربه من بني اآلليات املؤدية بالصياغات اللغوية )1(إىل الوضوح وعدم الوقوع يف اللبس، على أساس أن األفعال الكالمية ) األفعال الكالمية(

العرفية، واملتداولة بني الناس يف تعامالم وخطابام اليومية تؤدي إىل حصول الفهم .فعاليتهاليات التخاطبية وموبالتايل جناح الع

باإلضافة إىل هذا؛ تعرض ابن قتيبة، وبالضبط يف باب خمالفة ظاهر اللفظ معناه إىل ففي . بعض املعاين التي يفيدها كل من أسلويب االستفهام واألمر يف القرآن الكرمي

االستفهام ذكر أنه من املمكن أن خيرج إىل دالالت أخرى ال تستشف إال من خالل :رائن، فقد يفيدسياق القول والق

&MΡr| �: وجند ذلك يف قوله تعاىل :داللة التقرير u |M ù=è% Ĩ$ ¨Ζ=Ï9 ’ÎΤρä‹ÏƒªB$# u’ÍhΓé& uρ È ÷yγ≈ s9 Î)

ÏΒ Èβρߊ «!$# ( �)2( وقوله سبحانه ،� ö≅è% tΒ Νà2àσn=õ3tƒ È≅øŠ©9 $$ Î/ Í‘$ yγ ¨Ψ9$#uρ zÏΒ Ç≈uΗ÷q§�9 $# 3 �)3( . ö§Νtã �: ومن الشواهد الدالة عليها قول اهللا تعاىل يف سورة النبأ :التعجبدالئل

tβθ ä9 u !$|¡tF tƒ ∩⊇∪ Ç tã Î* t6 ¨Ζ9 $# ÉΟ‹Ïà yèø9 $# ∩⊄∪ � )4( . tβθ �: قوله تعاىل :دالئل التوبيخ è?ù' s?r& tβ#t� ø.—%!$# zÏΒ tÏϑn=≈ yè ø9 $# ∩⊇∉∈∪ �)5(.

:خيرج إىل دالالت سياقية أخرى مثل أما بالنسبة ألسلوب األمر، فقد ذكر أنه

)1 .39، ص2005صالح إمساعيل، نظرية املعىن يف فلسفة يول جرايس، الدار املصرية السعودية، القاهرة : ينظر يف هذا الصدد ) )

2 .116سورة املائدة اآلية )

)3 .42سورة األنبياء اآلية )

)4 .02و 01سورة النبأ اآليتني )

)5 .165سورة الشعراء اآليتني )

Page 193: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

179

θ#) �: وتلفي ذلك مثال يف قوله تعاىل: داللة التعديد è=uΗùå$# $ tΒ ôΜçGø⁄Ï© ( �)1(. &ρ߉Íκô−r#)) �: قوله تعاىل :داللة التأديب uρ ô“ uρsŒ 5Αô‰tã óΟä3ΖÏiΒ �)2(. sŒ#)) �: وهو ما نلفيه يف قوله تعاىل :داللة اإلباحة Î* sù ÏMuŠÅÒ è% äο4θ n=¢Á9 $# (#ρã� ϱtFΡ$$sù ’Îû

ÇÚö‘ F{ $# �)3) (4(. ويف خضم هذه العتبات التصورية التي اختصت بتخرجيات ابن قتيبة تظهر بوادر أفق تداويل صرحية وواضحة، السيما يف تلك املساحة املعرفية التي مكنته من معرفة

مقامية أخرى يتوصل إمكانية خروج األغراض البالغية من معناها األصلي إىل أغراض ، )سياق املوقف(واملعنوية ) السياق اللغوي(إليها من خالل االعتداد بالقرائن اللفظية

هتمة بدراسة وهو األمر الذي نلفيه مطروحا بقوة يف الدراسات التداولية املعاصرة املم االستعمال اللغوي يف التواصل، واألسس الضابطة له من خالل إعطاءها لعنصر املقا

الدور الطالئعي يف عملية إنتاج الكالم أو تلقيه، عن طريق العناية بكل من املتكلم والسامع والعالقة بينهما، وما يرافق الكالم من حركات اجلسم وتعبريات الوجه، واملشاركني يف العملية التواصلية والظروف الزمانية واملكانية، وكل ذلك من أجل

امنة يف األفعال الكالمية، التي ال ميكن تأويلها تأويال سليما إال الوصول إىل املقاصد الك .)5(من خالل التعويل على كفاءة املتلقني

)1 .40سورة فصلت اآلية )

)2 .02سورة الطالق اآلية )

)3 .10سورة اجلمعة اآلية )

)4 .279/280تأويل مشكل القرآن، ص : ابن قتيبة: ينظر) )

5املقاربة : وما بعدها، فرانسواز أرمينكو 40مدخل إىل اللسانيات التداولية، ص : اجلياليل دالش: ينظر يف هذا الصدد)

.09التداولية، ص

Page 194: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

180

):هـ285ت(املربد -3.1

الدور الفعال يف إثراء بعض ) 285ت " (املربد"كان للشاعر والناقد الفصيح لقد، فقد تعرض فيه إىل إبراز مناذج أدبية شعرية ونثرية "الكامل"املباحث البالغية يف كتابة

املواضع إشارات تستنطق تلك النماذج عديدة مديلة بشرح لغوي، يتخلله يف بعض لتفات أو إجياز أو األدبية وتربز مكنوناا األسلوبية وطاقاا البالغية من استعارة أو ا

.)1(إطناب أو تقدمي أو تأخريفضال عن هذه اجلهود التنظريية التي اختص ا املربد، وقف عند الكناية وجعلها على ثالثة أوجه، فالوجه األول متعلق عنده بالتعمية والتغطية، والوجه الثاين يرتبط

غريه، والوجه الثالث يتعلق مبجانبة اللفظ اخلسيس املفحش إىل ما يدل على معناه من .)2(بالتفخيم والتعظيم

املربد للكناية وجوهرها، واألوجه املنتسبة إليها، ويف هذا األمر إشارة طنتفلقد ذات أبعاد تداولية بالدرجة األوىل بآليات وميكانزمات جلية واضحة على وعيه العميق

ختدم اإلستراتيجيات اخلطابية وتغذيها وتتجسد أهم حيثية فنية هاهنا يف اللمحة الدالة، فمن خالل الكناية يشعر الـمخاطب أنه حباجة إىل الوصول إىل املعىن احلقيقي املستور

احملاولة التي يرجتلها منتج الكالم إن هذه : وعند هذا احلد ميكن القول. وراء املعىن اازي .)3(البليغ يف عباراته وصياغاته هي الكفيلة بإعطاء القيمة اإلبالغية التأثريية للكناية

وباإلضافة إىل هذا املنحى ذو البعد اإلستراتيجي التداويل الذي يكتنف استعمال -ضمنه الكناية باعتبار للكناية، يطفو بعد تداويل آخر تت) الذي يوؤم إىل حتقيق مقاصده(

، وهو ما أقره املربد يف الوجه الثاين من )4(إنها تسمو بالتعبري عن القول الفاحش واملبتدل

)1 .60البالغة تطور وتاريخ، ص : شوقي ضيف: ينظر)

)2 .60البالغة تطور وتاريخ، ص : شوقي ضيف: ينظر)

)3 .159، ص 1991ية يف البالغة العربية، منشورات عويدات، بريوت الطبعة األوىل، مسري أبو محدان، اإلبالغ: ينظر) )

4 .159ينظر، املرجع نفسه، ص )

Page 195: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

181

أوجه الكناية واملتعلق مبجانبة اللفظ اخلسيس الـمفحش إىل ما يدل على معناه من : اعتبار يف مهمتني ومهاغريه، فعملية التعبري املثالية هي العملية التي تصنع يف أولوياا

احترام املتلقني واحترام الكالم يف حد ذاته على أساس أنه ميثل املرآة العاكسة لشخصية ، ومن بني الشواهد التي اعتمدها ...)الفكرية واألخالقية(املتكلم البليغ من كل النواحي

θ#)) �: ورة فصلتالبالغيني العرب يف إثبات هذا الطرح وأحقيته قول اهللا تعاىل يف س ä9$ s%uρ

öΝÏδ ÏŠθè=ß∨Ï9 zΝÏ9 öΝ›?‰Îγ x© $ oΨø‹ n=tã ( �)1 ( يف هذه اآلية الكرمية تأيت " جلودهم"فاستعمال لفظالقرآن الكرمي أعطى الفروج معىن جمازيا هو اجللود ال "، باعتبار أن "كناية عن فروجهم

ويف . )2("على معناه من غريهلشيء إال ألنه أراد أن يسمو باللفظ املفحش إىل ما يدل ظ وطبيعة املتلقي وما هذا امللمح داللة ساطعة على عناية اخلطاب القرآين مبقامات التلف

من عادات وتقاليد وحركات ال جيوز التمادي واخلروج عنها، وليس ذلك يشكل كيانه .سري عن اهللا سبحانه وتعاىلعالالغريب وباألمر

باإلضافة إىل هذا املنحى التداويل الواضح املنجز عن توظيف الكناية يف اخلطابات منتج الكالم من خالل األخذ واعتبارها من بني اإلستراتيجيات غري املباشرة التي ختدم

بيده حمو دائرة حتقيق املقاصد بطريقة فعالة وسليمة؛ ميكن القول أن احملتوى الفكري لته الكناية خليق بأن يؤسس رؤية متاثلية قائمة بني الكناية ومبدأ األخالقي الذي متث

، وهو )Principe de politesse)3تداويل أخالقي بالدرجة األوىل، واملتجسد يف مبدأ التأدب ، "منطق التأدب"يف مفالتها الشهرية Robin Lakoffمبدأ تداويل أقرته روبني الكوف

قاربات التقليدية التي انكبت على دراسة املعىن يف إطار الذي تفند فيه الدراسات واملاملستوى التركييب احملض دون االهتمام بسياق التلفظ، مبا فيه من افتراضات منطفية،

إىل التوسيع من جمال املبادئ الكلية، بإدراج بعض القواعد " الكوف"ولذلك تدعو

)1 .21سورة فصلت اآلية )

)2 .161مسري أبو محدان، اإلبالغية يف البالغة العربية، ص )

)3 .اللسان وامليزان أو التكوثر العقلي: طه عبد الرمحن: ينظر)

Page 196: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

182

ويف هذت الصدد . اهلا وصورهاالتداولية يف عملية التعامل مع اخلطابات بكل أشك The rules of pragmatic(وضعت قاعدتني أطلقت عليهما قواعد الكفاءة التداولية

competence (ومها: .كن واضحا-1 .)1(كن مؤدبا-2

د جسور متاثلية مع الوجه الثاين الستعمال الكناية ولعل القاعدة الثانية مؤهلة لتمتنظرياته، فنجاح التخاطب مرتكز على عدة مبادئ معنوية تلزم كما أقر املربد يف

والطرفني للتقيد ا لضمان التواصل الفعال والناجح من أمهها التقيد مبقاييس أخالقية .ذيبية

من ) كما ذكر املربد(كما ميكن اعتبار استعمال الكناية ألهداف ديبية التي ال ميكن استعماهلا يف اخلطابات إال ) املباشرة غري(مصوغات اإلستراتيجية التلميحية

بتوافر بعض الشروط التداولية التي يقع فيها جتاوز الكفاءة اللغوية البحثة إىل أبعاد أخرى .)2(مقامية، ومن بينها

امتالك العمليات الذهنية يف الكفاءة التداولية لصنع خطابات تتالئم مع السياق -1ي يرمي املؤطر للعملية التخاطبية بطريقة يقع فيها االرتباط األصيل بني اللفظ واملقاصد الت

ن اخلطابات باستعمال اآللية الواحدة من مإليها املرسل، مما ينجر عنه عدد ال ائي .اإلستراتيجية وعلى رأسها الكنايةآليات

اب معرفة األبعاد الثقافية، أي اخللفيات املشتركة بني أطراف اخلط-2إىل Sense littérale، على أساس أن االنتقال من داللة املعىن احلقيقي )املتلقي/املرسل(

اخللفية "داللة االلتزام؛ تتم عن طريق ختمينات واستدالالت ذهنية منطقية تعرف مبصطلح ".الثقافية االجتماعية

)1 .99عبد اهلادي بن ظافر الشهري، إستراتيجيات اخلطاب، ص : ينظر)

)2 .378املرجع نفسه، ص : ينظر)

Page 197: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

183

د اعتبار هذه التخمينات واالستدالالت التي يعتمد ومن البديهي يف هذا الصدأوال قبل إلقاءها أو عليها املتلقي يف فك شفرات الكناية؛ إنما يقوم ا مرسل اخلطاب

عرضها على املتلقني احملكومني بدورهم بضوابط سياقية وحضارية عرفية بالدرجة األوىل، وهو ما متكن املربد من إدراكه والتفطن إليه من خالل معاينة فكرية استنطاقية يف آياتالذكر احلكيم احلاملة آللية الكناية وأسباب وأوجه استعماهلا من خالل حماولته إثبات

لقرآن الكرمي، وهو يف صدد الرد على محالت املغرضني واملالحدة ااألسرار اإلعجازية يف . صداقية القرآن الكرمي باعتباره كالم نبع من الذات القدسيةشككوا مبالذين

يؤكدان على ظاهرة التأدب التي جعلها Searlوسريل Leetchنلفي ليتش كمااملربد من بني أوجه استعمال الكناية؛ فبالنسبة إىل األول فقد جعل هلا األولوية يف إنتاج

) سورل(الثاين أما )1(اخلطابات الناجحة تداوليا يف إطار عرف باإلستراتيجيات التلميحيةذو ( أبرز األسباب التي تفرض نفسها يف اختيار املتكلم فيعد هذا املبدأ عنده من بني

الستعمال اإلستراتيجية التلميحية غري املباشرة يف الطلب، على أساس ) الكفاءة التداوليةا املتكلم يف خطاباته باعتبارها طرقوجود بعض الصيغ واألفعال الكالمية التي يوظفها

.)2(عرفية للتأدبعند املربد من ) ذات الوظيفة التأديبية(ن اعتبار الكناية ومن زاوية أخرى؛ ميك

األفعال الكالمية غري املباشرة التي ال تتطابق داللتها السطحية مع غرضها اإلجنازي، ولعل استعمال الذات القدسية ملثل هذه اآللية ذات البعد األخالقي؛ إنما يأيت يف إطار

بعض احملرمات اللغوية، مثل وصف اجلسد ترتيه ذاته عن القول الفاحش؛ أي جتنبوصفا ماديا، وهو ما يتناقض مع صفات الطهارة املطلقة املتلصقة بالذات القدسية، وليس ذلك بغريب عن اخلالق عز وجل وصفاته وأمساءه، هذا من جهة، كما يأيت انتقاء هذه

يف سياق احترام عباده التداولية واستعماهلا يف آيات الذكر احلكيم / اآللية البالغية

)1 .377استراتيجيات اخلطاب، ص : عبد اهلادي بن ظافر الشهري: ينظر)

)2 .372املرجع نفسه، ص : ينظر)

Page 198: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

184

وخاصة أن العرف يف . وحرمتهم، فال يأتيهم بكالم يحط من قدرهم أو يقلل من شأمبعض األحيان قد يفرض على مجاعة لسانية معينة جتنب بعض العادات الكالمية التي من

وتشتت شأا السقوط واالنزالق بالكالم إىل درجات دنيا من التعفف مما ينجر عنه تبدد ة من املصوغات الكربى التي ، حبكم أن استعمال الكلمات املؤدبالروابط االجتماعية

ترمي بظالهلا على التماسك واالنصهار اإلجيايب بيت أفراد اتمع، وهدا ما متثل يف احلياة . العربية آنذاك بامتياز

: األبعاد التداولية يف تنظريات بعض الفالسفة واملتكلمني-2

منذ أواسط القرن الثالث اهلجري دخلت البالغة العربية بيئة املتفلسفة التي كانت ترف مبادئها وضوابطها من الفلسفة اليونانية وهي تتعامل مع القيم البيانية للكالم، وقد غت

اجنر عن ذلك ظهور صراعات فكرية بني اللغويني وهؤالء املتفلسفني، ولكن سرعان ماالذي ثار فيه ضد " البديع"يف كتابه " ابن املعتز"صاحل اللغويني بفضل م الصراع لذحتإ

الشعوبيني الذين نصبو العداء للبالغة العربية، ونزعوا حنو التجديد املسرف، وجعل فنون االستعارة والتجنيس واملطابقة أو : البديع التي بىن عليها الشطر األكرب من كتابه يف

. ما تقدمها واملذهب الكالمي، مث أضاف إليها ثالثة عشر فنا الطباق ورد اإلعجاز على . )1(وبذا أصبح أول واضع هلذا الفن

وعلى الرغم من احترام الصراع لصاحل اللغويني على حساب الفالسفة، انكب على االستعانة بتلك الضوابط ) األرسطية خاصة(بعض املتأثرين بالفلسفة اليونانية

، وقد كان من األوائل الذين دلو يف تعاملهم مع اخلطابات على أنواعها املنطقية اجلافةدلوهم يف هذا اال الـمعىن بتطبيق واستثمار اآلليات املنطقية األرسطية يف التعامل مع ب

.قدامة بن جعفر :األدب يف تلك املرحلة

)1 .369/370ص : البالغة تطور وتاريخ، ص: شوقي ضيف: ينظر)

Page 199: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

185

):هـ377ت(قدامة بن جعفر -1.2

نقد "املنحىن متثيال حقيقيا يف كتابه هذا ) هـ327ت (لقد مثل قدامة بن جعفر ، فقد أظهر فيه تأثره الواضح مبا ترجم عن أرسطو، وقد وضع فيه للشعر فصال "الشعر

خاصا حتدث فيه عن ماهيته، وقسمه إىل أربعة أبواب وهي املدح واهلجاء واحلكمة تفات وما إليها من واللهو متعرضا يف أثناء حديثه للتشبيه واالستعارة والكناية واالل

.)1(أصناف وآليات البالغةأن " هوقد متكن قدامة من تقدمي تعريف للكناية، حتت عنوان اإلرداف، وحتديد

يريد الشاعر داللة على معىن من املعاين، فال يأيت باللفظ الدال على ذلك املعىن، بل بلفظ اجلاهلي؛ قول امرؤ ومن شواهده يف الشعر )2("يدل على معىن وهو ردفه وتابع له

:القيسويي فسختيت املسف كوق فراشل اهفضت نع قطتنت ى لمحالض ؤومن

ليعبر عن حياة البذخ والترف التي " نؤوم الضحى"عر استعمل عبارة اإن الش مبعىنتعيشها هذه املرأة، سعيا منه أن يستطيع املتلقي استعمال عمليات ذهنية يصل من خالهلا إىل فهم مراده، واملتمثل يف كون هذه املرأة ال التنتطق لتخدم، ولكنها يف بيتها متفضلة،

إىل املقصدية التي ) املتلقي(فراشها، إىل أن يصل قيبقى إىل الضحى فو سكملا فتيتوأن وميكن تبسيط ومتثيل . وهي حياة البذخ والترف) البيت الشعري(بين من أجلها الكالم

العملية اإلستدالية الذهنية التي تعتري فكر الـمخاطب وهو يف مقام فك شفرات الكناية :على الشكل التايل

)1 .390ص) ت.د(أمحد جليل، املدخل إىل دراسة البالغة العربية، دار الطليعة، بريوت، : ينظر )

)2 .107نقد الشعر، حتقيق عبد املنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بريوت، لبنان، ص : قدامة بن جعفر)

اللفظ

معىن جمازي معىن أصلي

نؤوم الضحى

النوم حىت وقت الضحى

حياة البذخ والترف

Page 200: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

186

وعند هذا احلد؛ ال ضري يف القول؛ إن هناك ومضات تداولية جندها يف حيثيات هذا الطرح الذي يكتنف آلية الكناية وفق تصور قدامة بن جعفر؛ وتسند هذه الومضات

التي ختدم بصورة فعالة " اللمحة الدالة"يف تلكم املساحة التي تعىن بإكساب الكناية أو فعل كالمي (اإلستراتيجية التداولية للخطاب املكون من جمموعة من األفعال الكالمية

).واحدويعزا ذلك إىل دفع هذه اللمحة الدالة للمخاطب الذي يشعر أنه حباجة إىل

وعليه تغدو هذه احملاولة اليت تنبثق . الوصول إىل املعىن احلقيقي املخبوء وراء املعىن اازي) اإلقناعية(املخاطب مبثابة عامل فعال يف إعطاء القيمة اإلبالغية التأثريية /املتلقي من

.)1(للكنايةكما نلفي باإلضافة إىل هذا الشعاع اإلقناعي ذو البعد التداويل الذي تنطوي عليه

مع الكناية؛ أن الكناية وهي تستعمل لفظا آخر ال يدل على املعىن املراد، ميكن أن تتماثلاخلصوصيات اليت بين عليها الفعل الكالمي غري املباشر عند سورل، والذي يكون أكثر أحقية باستعماله يف بعض املواقف على حساب الفعل الكالمي املباشر، نتيجة لدوافع

اليت " جرايس"و" روبني الكوف"وأسباب تعاونية وتأديبية كما كان الشأن يف تنظريات ها املتعلقة مببادئ التخاطب األساسية التي تفضي إىل إجناح حتدثنا عن بعض مناحي

.عمليات التواصل وتصل ا إىل التفاعل السليمفضال عن هذا التماهي والتقاطع املنهجي بني تنظريات قدامة، نلفي إسهاما تنظرييا

ا يرقي إىل حدرس التداويل املعاصر؛ حيث جنده يف مهمبعيد مع مقاربات وتنظريات الدأغراضه أو موضوعاته املعروفة وهي املديح حسبكتابه نقد الشعر جيمع أبواب الشعر

واهلجاء واملراثي والنسيب والوصف والتشبيه وميكن أن نستنبط صبغات تداولية مهمة :من هذا التخريج، ميكن أن نضعها يف

)1 .159اإلبالغية يف البالغة العربية، ص : مسري أبو محدان: ينظر)

Page 201: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

187

أن أغراض الشعر اليت حصرها قدامة تنتمي إىل ) بشيء من احليطة(اعتبار ميكن-أ، وهي من بني أصناف األفعال الكالمية وفق تصور سورل، Expressivesالتعبرييات

التعبري عن املوقف النفسي تعبريا يتوافر فيه شرط اإلخالص "ويتمثل غرضها اإلجنازي يف شرط اإلخالص والصدق يف ف )1("واالعتذار واملواساة ويدخل فيها الشكر والتهنئة) ...(

املشاعر والتعبري عنها بصيغ وعبارات تطابق ما يف النفس من اختالجات وأحاسيس هو .اجلوهر الذي أقام عليه الشعر العريب دعائمه األصيلة

إن هذا التصنيف الذي ارتضاه قدامة وهو يتعامل مع أغراضه قائم على -ب، حبكم أنه أقام تصنيفه لألغراض الشعرية Acte Illocutionغراضه اإلجنازية االعتماد على أ

واملعاين اليت يؤوم إليها ) املقاصد(على أسس تداولية بالدرجة األوىل وهي األغراض .الشعر

، "لكل مقام مقال"فينتهج املنهج اجلاحظي يف تبنيه مقولة " نقد النثر"أما يف كتابه مواضع من كتابه بضرورة التقيد واالنصياع هلذه املقولة وما تكتنفه من فيوحي يف عدة

خترجيات فنية وفوائد تواصلية كإصابة املقادير واملالئمة وحتقيق الفهم واإلفهام، مع مراعاة طبقات املتلقني ووضعيام ومستويام املختلفة، فإذا كان البليغ يف إطار عملية ختاطبية

، فالبد من انتقاء ألفاظ خاصة بأهل الكالم، إذ إن )املتكلمني(م جتمعه مع أهل الكالالكيفية والكمية، واملائية، : ليست يف كالم غريهم مثل"املتكلمني أوضاعا وألفاظا

والكمون، والتولد، واجلزء والطفرة، وأشباه ذلك، فمىت كلم به غريهم كلن املتكلم مبعىن )2("عنها يف خطام كان يف الصناعة مقصرا خمطئا ومن الصواب بعيدا، ومىت خرج

إن لكل صناعة ألفاظ معينة تنتقي من معجم فكري خاص بالبليغ، تكون من خالل بالنسبة للصناعات واليكدالتمرس واالحتكاك مع أصحاب تلك الصناعة، وهكذا

.واملقامات األخرى

)1 .50آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص : د حنلةحممود أمح: ينظر )

)2 .134، ص )ت.د(نقد النثر، دار الكتاب العلمية، بريوت، : قدامة بن جعفر)

Page 202: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

188

قدامة يلعب الدور املركزي يف وعند هذا احلد؛ ال ضري يف القول أن املقام عندتوجيه شكل اخلطاب وخصوصياته، حيث يراعي البليغ موضوع الكالم من جهة،

ومن جهة هذا الطرح ينبغي . واملتلقي والغايات واملقاصد اليت يؤوم إليها من جهة أخرىن فيه هو ما متك: إيراد حقيقة مفادها أن اخلطاب البالغي الراقي واملتسم باحلسن والقبول

صاحبه خبلق مالئمة بني خطابه املشكل واإلطار املقامي العام الذي حياصر احلدث موصوفا بالبالغة وال منعوتا بالبالغة واخلطابة "الكالمي، من منطلق أن اخلطيب ال يكون

إال بوضع هذه األشياء مواضعها، وأن يكون على اإلجياز إذا شرع فيه قادرا، وباإلضافة مبعىن أن مواضع اإلجياز واإلطناب خاضعة لكفاءة البليغ )1("ليها ماهراإذا احتاج إ

وأن يكون اخلطيب املترسل عارفا : "...التواصلية، يقول قدامة بن جعفر يف هذا الصددجياز يف موضع اإلطالة فيقصر إلمبواقع القول وأوقاته واحتمال املخاطبني له، فال يستعمل ا

ستعمل اإلطالة يف موضع اإلجياز، فيتجاوز مقدار احلاجة، إىل عن بلوغ اإلرادة، وأال ي .)2("اإلضجار واملاللة

ومن هذا املنطلق، فإن إخفاق البليغ يف التحكم الصحيح ملواضع اإلجياز واإلطناب؛ جتعل املتلقي خيفق بدوره عن قبض املقصد احلقيقي من وراء إيراد األفعال

بنفسيته حنو امللل كما يجعل الـمخاطب يتجه . هةهذا من ج. الكالمية من قبل املرسلوقد تفطن قدامة إىل ذلك . ادفاهلتلقي الوعدم التركيز، وبالتايل عدم الوصول إىل

من القول إقباال عليه وإنصاتا لقوله فأحبوا أن يزيدهم، ] اخلطيب[وإذا رأى : "بقولهاحتماهلم ونشاطهم، وإذا تبين منهم إعراضا عنه وتثاقال عن استماع ادهم على مقدار ز

.)3("عهم، فقد قيل من مل ينشط لكالمك فارفع عنه مؤونة االستماع منكمقوله حقق

)1 .96نقد النثر، ص : قدامة بن جعفر)

)2 .96املصدر نفسه، ص )

)3 .96املصدر نفسه، ص )

Page 203: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

189

يظهر من خالل هذه العتبات التصورية اليت اختصت مبعانية فكرية تفحصية ؛ أن هناك "لكل مقام مقال"ملقوله لطروحات وتنظريات قدامة يف مسألة انصياعه املطلق

الدرس اللغوي املعاصر وهو يتعامل مع اللغة، وميكن حصر به منها أبعادا تداولية تبناها :يف جانبني

على يف اعتمادمها) غي العريب والتداويلالبال(يتعالق كال الدرسني : اجلانب األوللتواصلية، اأطراف العملية Système Clos) الداخلي(مسائل خارجة عن النسق اللغوي

وهو يتعامل مع اخلطابات لرصد ) التداويل(وأفضل دليل على ذلك هو أن حملل اخلطاب معانيها؛ إنما يتجه يف البدء إىل فحص بعض العناصر اخلاصة باملوقف التواصلي، على

اخلة أساس أن موقف التواصل بالنسبة للزاوية التداولية يتكون من جمموعة معقدة ومتدمن بينها جمموعة الظروف املادية واالقتصادية واالجتماعية ...تتركب من عدة عناصر

.)1(والسياسية التي حتدد عملية إنتاج واستقبال الرسالة اللغويةلتمس من كالم قدامة املتعلق باملقام واملقال وبالضبط يف نميكن أن : اجلانب الثاين

السليم مبواضع اإلجياز واإلطناب، وكذا مراعات توصياته املتعلقة بالتحكم ري إىل مفهوم الكفاءة التداولية شي األخري ، أننفسياماملتلقني ومستويام و/السامعني

Compétence pragmatique . فكره أن يالمس مل يشر إىل املصطلح ولكنه ارتقى بوإنمناسبة ةة إىل انتقاء إستراتيجيإذ يتجه املتكلم ذو الكفاءة التداولي. جوهر هذا املفهوم

.للمقام :)هـ384ت ( الرماين أبو احلسن علي بن عيسى-2.2

لقد برزت يف هذه املرحلة من مراحل البالغة العربية جهود املتكلمني يف وضع مباحث ومقاربات لغوية تتعلق باإلعجاز القرآين، ونلفي أول دراسة تضمنت هذا األمر

حيث عرض . للرماين أبو احلسن علي بن عيسى" النكت يف اإلعجاز القرآين"يف رسالة ة البالغة وجوهرها، كما تعرض إىل أقسامها اليت فيها صاحبها مسائل ترتبط مباهي

(1) Catherine KERBRATE Orrecchioni, l’énonciation, p 226.

Page 204: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

190

اإلجياز، والتشبيه واالستعارة والتالؤم، والفواصل والتجانس، : حددها يف عشرة وهي .)1(والتصريف، والتضمني، واملبالغة، وحسن البيان

لقد كان لبعض البالغيني الذين سبقوا الرماين نصيب يف احلديث عن معىن البالغة منهم اجلاحظ الذي أورد عدة تعاريف هلا، ولكن ما يسترعي االنتباه يف هذا ومفهومها،

الصدد أن منهج هذا األخري قد احنصر يف عرض زوايا نظر السابقني من الكتاب والشعراء، وذوي البصر باألدب سواءا من العرب أم من غريهم، ولكنه مل خيلص إىل

، إال أن )2(للبالغة خلاصة يف إيكال مفهومتصور فكري دقيق وحمدد يعكس نظرته االرماين حرص على توضيح مفهوم البالغة بطريقة مل يتطرق إليها بالغي آخر، فقد

.أن يصل إىل تصور حمدد للبالغة -وألول وهلة-استطاع ن إيصال املعىن إىل القلب يف أحس"و أما بالنسبة للمفهوم الذي يرتضيه للبالغة ه

، وميكن لنا أن نستشف من خالل معاينة فكرية وفحص منهجي )3("فظصورة من اللهلذا املفهوم الذي يعكس زاوية نظر الرماين ملاهية البالغة، مظهرين اثنني يصبان يف عمق

:الدرس التداويل املعاصر ومها :إن جوهر البالغة عنده ال يقوم إال باستيفاء شرطني أساسيني ومها-1إال حبضور أطراف -بدوره–الذي ال يتحقق ) التبليغي(اجلانب اإليصايل -أ

، وسياق معين يؤطر ذلك احلدث L’intentionnalitéالعملية التواصلية، واملقصدية التواصلي وحياصره من كل رواده، وينجر عن هذا احلدث حماوالت يقوم ا املرسل

هو "، وهو ما يظهر يف قوله )أو متلقني(ملتلقي لتحويل مقاصده وتبليغ فحوى فكره إىل ا ".إيصال املعىن إىل القلب

)1، )مصر(حممد زغلول سالم، تاريخ النقد األديب والبالغة حتى القرن الرابع اهلجري، منشأة املعارف، اإلسكندرية : ينظر)

.205، ص 1982

)2 .51البحث البالغي عند العرب تأصيل وتقييم، ص : شفيع السيد: ينظر)

)3كت يف إعجاز القرآن ضمن ثالثة رسائل يف إعجاز القرآن، حتقيق حممد خلف اهللا الن: الرماين أبو احلسن علي بن عيسى)

.75/76ص :ص) ت.د(، )3(وحممد زغلول سالم، دار املعارف، الطبعة

Page 205: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

191

يف إطار حماوالت املرسل نقل أغراضه وتبليغه ملقاصده :اجلانب االستراتيجي-بمعينة، يلجأ هذا األخري إىل انتقاء ألفاظ حسنة تتالئم مع الوضعية القائمة أثناء التحدث

من جهة، كما يلجأ إىل التركيز والتعويل على ألفاظ هذا ) مالبسات وحيثيات التلفظ(تناسب مع املقصدية اليت عقد من أجلها الكالم، وتليق مبستوى ) أفعال كالمية(وعبارات

". يف أحسن صورة من اللفظ: "تلك احلمولة املعنوية وال ختل ا، ويظهر ذلك بقولهيرتبط " يصال املعىن إىل القلبإ"أن قوله ) بشيء من احليطة(ميكن أن نستشف -2

، مما ينجز عنه تغيري )البليغ(ارتباطا شديدا باآلثار التأثريية للمعىن الذي ينشده املتكلم إىل استخدام الرماين يف تعريفه -حسب تأويلها–، ويعز ذلك القناعات وقلب الواقع

" العقل"خلطابات إىل ن إرسال الكلمات واإ :مبعىن "العقل"بدل " القلب"للبالغة لفظ احملرك ) القلب(خيتلف اختالفا كبريا على إرساهلا وإيصاهلا إىل القلب على أساس أنه

األساسي حلصول العمليات التأثريية واليت متلي بدورها على املتلقني أبعاد تداولية حلجاج وكل ما من شأنه أن ميت بصلة بدائرة ا... كاالقتناع أو نفي االقتناع السابق

L’argumentation، اجح واملؤثرأو الفعل اإلجنازي الن . تعليق العبارة على "ونلفي الرماين ينظر إىل االستعارة نظرة خاصة، فقد اعتربها

، ويظهر من زاوية النظر هذه )1("غري ما وضعت له يف أصل اللغة، على جهة النقل لإلبانةقسمني من حيث الداللة على املعىن؛ قسم متعلق مبا بأن العبارات البالغية تنقسم إىل املعىن "كن أن يتماثل مع ، والذي مي)املعىن الوضعي(تواضعت عليه اجلماعات اللسانية

، وينبع حني "سورل"يف الدرس التداويل املعاصر الذي نظر له Sense littérale" احلريف؛ والقسم الثاين متعلق باملعاين )2(اجلملةيقول املتكلم شيئا يطابق بالضبط ما يستفاد من

وتظهر حني يقول املتكلم شيء وهو يقصد ) االستعارة( Sense non littéraleغري احلرفية

)1 .85الرماين أبو احلسن علي بن عيسى، النكت يف إعجاز القرآن، ص )

)2 .262 التواصل، ص آن وبول، جاك موشالر، التداولية اليوم علم جديد يف: ينظر)

Page 206: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

192

غري (شيئا خمتلفا عن املعىن املستفاد من اجلملة، ويف هذا الشأن ال ميكن الوصول إىل املعىن .إال بالتعويل على مالبسات املقام وحيثياته) احلريف

لقد اعترب الرماين أن االستعارة أبلغ من احلقيقة، ويف هذا اإلطار سعى يف كتابه كز معايناته فرإىل إثبات أحقية هذا املقتضى التصوري، " النكت يف إعجاز القرآن"

حتليل بعض األمثلة اليت اشتمل عليها الذكر احلكيم واحلاملة االستعارة؛ علىالفكرية ونلفي من بني . األسلوبية والفنية واإلستراتيجية وأوجه بالغتهافانطلق يبين مكانتها

األمثلة اليت اعتمدها يف هذا الصدد، التحليل البالغي لآلية الثامنة والثالثني من سورة ≅ö �األنبياء، حيث يقول تعاىل t/ ß∃É‹ø)tΡ Èd,ptø: $$ Î/ ’ n?tã È≅ ÏÜ≈t7 ø9 $# …çµ äótΒ ô‰uŠsù #sŒ Î* sù uθ èδ ×,Ïδ#y— 4 �،

بل : فالقذف والدمغ هنا مستعار، وهو أبلغ، وحقيقته"...يقول الرماين يف هذا املوضع نورد احلق على الباطل فيذهبه؛ وإمنا كانت االستعارة أبلغ ألن يف القذف دليل على

قذف به إليه فإمنا معناه ألقاه إليه على جهة اإلكراه والقهر، فاحلق : القهر، ألنك إذا قلتالباطل، فيزيله على جهة القهر واالضطراب، ال على جهة الشك واالرتياب يلقي على

.)1("من التأثري فيه، فهو أظهر يف الكتابة وأعلى يف تأثري القوة" يذهبه"أبلغ من " يدمغه"ووعند هذا احلد ميكن أن نستشف خاصيتني اثنتني منبعثتني من توظيف االستعارة

:عند الرماينمبقارنتها من للكناية، وقد مت ذلك ةـيفطنه إىل األبعاد اإلحيائت :ة األوىلـاخلاصي

مع االستعمال احلريف للعبارات، وهو أمر حنسبه يدخل ضمن إطار -وجهة التأثري-صنع اخلطاب، حبكم أنه تنبيه إىل أمر جوهري حتمله تضمينات يفاألسس التداولية

انوية ذات الظالل التأثريية على املتلقني، االستعارة، واملتجسدة بشكل عام يف املعاين الثوهو ما جنده مطروحا يف ثنايا تنظريات البحث التداويل املعاصر وبالضبط عند العلماء

صب أعماهلم يف دراسة آليات التفاعل الشفوي مثل الباحثة توالباحثني التداوليني الذين

)1 .88/89الرماين، النكت يف إعجاز القرآن، ص )

Page 207: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

193

، اليت تنظر إىل اازات اللفظية مثل االستعارة والسخرية على C.K. Orrecchion وينيأرك Les sousأنها آليات حتمل يف صلب مكنوناا قيم تداولية مهمة مثل التضمينات

entendus )1( .

لعل تفضيل الرماين لالستعارة على حساب اللفظ األصلي راجع :اخلاصية الثانيةيق أن املسار غري املباشر يف عملية التلفظ الذي ينتج من على ما يبدو إىل إدراكه العم

استعمال االستعارة؛ إنما جيعل اللغة نتخلص من معانيها السابقة وتنتقل إىل معان جديدة ، مما )2(لتأثر املتلقي ا حمل تكون شائعة ومتداولة بني الناس من قبل، وهو السبب الراج

، على عكس استعمال األلفاظ على Persuasionيف غالب األحيان إىل االقتناع هضيقتيحنو ما تقتضيه األصل؛ فإذا كان انتقاء االستعارة وتوظيفها جيعل املتلقي يعيش نوعا من

إىل املعىن والوصول إىل فك شفرات االستعارة، مما يؤدي به إىل إعمال ننياالشتياق واحلجيعله يفتح أفق التأويل الذيت استداللية للوصول إىل ذلك الغرض، ذهنه والقيام بعمليا

؛ فإن توظيف األلفاظ والصياغات األصلية )وهو ما يصب يف بوتقة التأثري(والقراءات ي مثل هذه العمليات مما يؤدي إىل االستيعاب املباشر، اخلايل من التأثري يف فاملباشرة ين

.معظم األحيانالذي تبين من خالله ما تلعبه االستعارة عند الرماين من فضال على هذا الطرح

دور فعال يف تغذية اخلطاب البليغ بأبعاد تداولية صرحية وواضحة قوامها خدمة اإلستراتيجية التأثريية للخطاب وتطعيمها بآليات فنية إجرائية تأخذ على عاتقها السري

ي الفعال واملؤثر؛ جند للتعبريات اليت تعتمد على االستعارة مبكنونات التلفظ حنو التلق Implicatureوجود قوي يف نظريات تداولية مهمة كنظرية االستلزام احلواري

conversationnel ة اخلرقطح ويظهر بشكل واضح أثناء عمليويطفو هذا التجلي إىل الس ،

)1، ترمجة مندر عياشي، )طبعة منقحة(أوزولد ديكرو، وجان ماري سشايفر القاموس املوسوعي اجلديد لعلوم اللسان، : ينظر) .530، ص 2007، املركز الثقايف العريب، املغرب، 2ط

)2 .53، ص2008شعرية النثر عند تودوروف، مذكرة ماجستري يف األدب العريب، جامعة وهران، اجلزائر، : خرية مسلم: ينظر )

Page 208: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

194

Violation أن الطابع الغامض وامللتبس الذي اليت حتدث على مستوى املسلمات، حبكممييز االستعمال املباشر واحلقيقي يفضي وجوبا إىل حدوث ما يسمى خبرق قاعدة النوع وقاعدة الكم وقاعدة الطريقة وقاعدة املناسبة، أما األمر الذي ينتج عن هذا اخلرق فهو

ملتلقي أن هذا اخلرق وحيصل هذا االستلزام انطالقا من علم ا Implicationانبثاق استلزام الذي اعترى املسلمات كان مقصودا من املتكلم الذي كان ينشد مقصدا آخر، أي إن املتلقي يوظف كفاءته التداولية ويستثمرها يف تشخيص الكالم املوجه إليه من ناحية كونه استعمال لفظي مباشر أم استعمال غري مباشر وصريح، ولكن جيب التأكيد على أن

دقيق إال إذا كان تلتشخيص املعتمد على الكفاءة التداولية للمتلقي ال ميكن وصفه بالهذا اهذا املتلقي مدركا وحميطا متام اإلحاطة بالظروف واملالبسات والقرائن احمليطة باإلطار

.التواصلي بصفته الكنف اجلوهري لعملية التلفظ ):388ت (اخلطايب أبو سليمان بن حممد إبراهيم -3.2

يعد اخلطايب من العلماء البارزين الذين كان هلم باع طويل ال يستهان به يف مسألة الوقوف على أسرار اإلعجاز القرآين وبالغته وفصاحته الراقية، كما يعترب هذا العلم البالغي من األوائل الذين كان هلم األسبقية املعرفية يف الوقوف والتلميح إىل فكرة

بالنسبة للدراسات واملقاربات أصبحت فيما بعد مبثابة قطب الرحى ، اليت)1(النظمالبالغية، السيما يف تنظريات عبد القادر اجلرجاين وتصوراته املتعلقة باإلعجاز القرآين

.ودالئلهلفظ حامل، ومعىن به : تقام دعائم للكالم عند اخلطايب على ثالثة أسس وهي

منه على وجود هذه األسس يف الذكر احلكيم يف قائم، ورباط هلما ناظم، وتأكيداأحسن صورة وأى حلة حيث فاق توظيفها واستثمارها الراقي يف آيات القرآن الكرمي

وإذا تأملت القرآن وجدت هذه : "يقول كالم آخر أو قول مهما كان مصدره؛ أيجزل، ح، وال أترى شيئا من األلفاظ أوضاألمور منه يف غاية الشرف والفضيلة حتى ال

)1 .34عبد القادر حسني، املختصر يف تاريخ البالغة، ص : ينظر)

Page 209: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

195

وال أعذب من ألفاظه، وال ترى نظما أحسن تأليفا، وأشد تالؤما، وتشاكال من ، وهذا هو سر ارتقاء اخلطاب القرآين إىل أعلى درجات السلم البالغي عند )1("نظمه

.اخلطايبوعليه فالتأليف اجليد لأللفاظ واختيار أجزهلا وأفصحها من املقومات اإلستراتيجية

من شأا االرتقاء باخلطاب حنو قيم تداولية يصب فحواها حنو التواصل الفعال اليتواعلم أن القرآن إنما صار معجزا ألنه جاء بأفصح "يقول اخلطايب يف هذا الصدد . واملؤثر

هذا التصور إىل أن ويعزى )2("ظوم التأليف، مضمنا أصح املعايناأللفاظ يف أحسن نضي حتما وبطريقة مباشرة إىل تعميق فاالستخدام السليم والفعال لأللفاظ املناسبة ي

ملا يسمى ويف هذا التجلي إمارات وإشارات جلية. القدرة التعبريية عن املعىن الـمراد ".بالغة النظم"بـ

ليل بعض وحماولة منه إلثبات هذا املقتضى التصوري، انكب اخلطايب، على حتاملتعلقة باالختيار األنسب لأللفاظ وبيان فضل ذلك -من آيات الذكر احلكيم-الشواهد

قول اهللا : ومن بني الشواهد التي رأى فيها اخلطايب اختيارا منوذجيا لأللفاظ. االنتقاء,t �: تعاىل يف سورة ص n=sÜΡ$#uρ _|yϑø9 $# öΝåκ÷]ÏΒ Èβr& (#θ à± øΒ$# (#ρç�É9 ô¹$#uρ #’n? tã ö/ ä3ÏGyγ Ï9#u ( �)3( ل؛ إن أو

امضوا وانطلقوا " امشوا واصربوا"أمر يتبادر إىل الذهن يف هذا املقام؛ أنه لو قيل بدل لكان الكالم أبلغ، ولكن إذا ما اشتمل حتليلنا على معاينة فكرية عميقة وفحص دقيق؛

جيعلها األجدر يف االستخدام هلا من املؤهالت اإلستحقاقية ما " املشي"ألدركنا أن كلمة .إذا ما قورنت بالكلمات األخرى

)1حممد خلف : ، حتقيق)ثالثة رسائل يف إعجاز القرآن(بيان إعجاز القرآن، ضمن : اخلطايب أبو سليمان أمحد بن حممد إبراهيم)

.27، ص )ت.د(اهللا أمحد، وحممد زغلول سالم، الطبعة الثالثة، دار املعارف

)2 .27املصدر نفسه، ص )

)3 .06سورة ص، اآلية )

Page 210: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

196

األولوية يف االستعمال على " امشوا"سبب هذا االعتبار الذي يعطي لكلمة عزىيإىل اقتراب معىن حساب بعض الكلمات األخرى ااورة والفردية هلا من حيث املعىن،

قصد "من خالل اآلية الكرمية ألنه املعىن القصدي الذي يريده اهللا تعاىلهذه الكلمة من به االستمرار على العادة اجلارية، ولزوم السجية املعهودة يف غري انزعاجهم منهم، وال

ρç�É9#) �: انتقال عن األمر األول، وذلك أشبه بالثبات والصرب املأمور به يف قوله تعاىل ô¹$#uρ

#’ n?tã ö/ ä3ÏGyγ Ï9#u ( م قالوا�امشوا على هيئتكم، وإىل مهوى أموركم، وال : ، واملعىن كأ: امضوا وانطلقوا زيادة انزعاج ليس يف قوله: تعرجوا على قوله، وال تبالوا به، ويف قوله

.)1("امشوا، والقوم مل يقصدوا ذلك ومل يريدوه" :وجيرنا هذا الطرح إىل مظهرين تداوليني ميكن إمجاهلما يف

لباحث املتفحص إىل استحضار التنظريات ميكن القول أن هذا الطرح يفضي با-أدرجة ( Force Illocutionالتداولية املختصة باألفعال الكالمية، وبالضبط يف القوة اإلجنازية

الرغم من التشابه الكبري فعلى اليت نظر هلا سورل، ) الشدة للغرض املتضمن يف القول) القوة(خيتلفان يف درجة الشدة نهما إال أ) امضوا(و) امشوا(القائم بني الكلمتني

.وهو ما يصب يف عمق حتليله السابق. اإلجنازية اليت تتضمنها هاتني الكلمتنيإن االنتقاء الدقيق والفعال للكلمات يدخل ضمن إستراتيجية تداولية -ب

واضحة، وتنطوي هذه اإلستراتيجية على بعدين يلعبان دورا مهما يف إلقاء بعض :ثريية على املتلقني ومهاالومضات التأ

السمو جبمال العبارة ورونق الصياغات حنو الرقي البالغي والفين مما يفضي إىل -1استمالة األنفس واستهواءها إجيابيا، وهاهنا يظهر ويتجلى البعد التأثريي امللقي على

.املتلقني بقوة

)1 .43اخلطايب، بيان إعجاز القرآن، ص )

Page 211: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

197

ت واخلطابات يلعب لأللفاظ داخل الصياغا) املالئم(إن االستعمال املناسب -2املساحة اليت تركز يشتغل يف تلك) هذا االستعمال(دورا تداوليا مهما، كون أنه

إنها . اهتمامها وعنايتها يف سبيل حتقيق األغراض واملعاين اليت عقد الكالم من أجلها املتواجدة يف األفعال الكالم، حبكم أن L’intentionnalitéبعبارة أخرى خدمة القصدية

كل فعل كالمي ذو بعد مقصدي موجه إىل متلقني، ولربما كان التطابق الدقيق بني اللفظ ومعناه يف القرآن، هو من بني األسرار اليت أدت إىل اجتالء دالئل إعجازه وزرع

.مفارقات بينه وبني كالم البشرفضال عن هذه الطروحات والتصورات اليت نبعت من خترجيات اخلطايب، يبدي هذا العلم البالغي اهتماما كبريا، بقضية فصاحة الكلمات وشروطها، حيث أخذت قسطا وافرا من جهوده املتعلقة بإيضاح وتبيان وجوه اإلعجاز يف القرآن الكرمي يف كتابه

، وكان من بني األمور اليت تعترب مبثابة شروط أو إلزاميات حتقيق "بيان إعجاز القرآن"، وهو شرط حنسبه )1(االبتعاد عن استخدام الكلمات الغريبة: ايبالفصاحة حسب اخلط

ميت بصلة قوية مع بعض التنظريات اليت اختص ا الدرس التداويل املعاصر، والسيما ، وهو بصدد احلديث عن املبادئ املتفرعة عن Griceتلك التي تعلقت بإسهامات غرايس

وبالضبط ما تشتمل عليه مسلمة األسلوب، اليت ، Principe de coopérationمبدأ التعاون أوجب فيها على املتكلم الذي يريد بناء حمادثة فعالة وناجحة أن يتجنب إام التعبري

أن يتجه بكالمه حنو الوضوح لغرض اخللوص إىل تفاعل إجيايب يضمن حتقيق و ،)2(واللبس .املآرب واملقاصد

:)هـ415ت ( القاضي عبد اجلبار-4.2

الذي يسعى إىل اكتناه أسوار هذه املرحلة من حلصيفالباحث االبد أن تستوقف مراحل تاريخ البالغة العربية؛ حمطات فكرية معرفية أغنت الرصيد البالغي العريب بقيم

)1 .35املختصر يف تاريخ البالغة، ص : عبد القادر حسني: ينظر )

)2 .87/88ص : نظرية املعىن يف فلسفة يول جرايس، ص: صالح إمساعيل: ينظر)

Page 212: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

198

راقية، خدمت الفكر العريب بشكل خاص والفكر العاملي بشكل عام، ومن بني عىن بدفع حركية املقاربات واجلهود البالغية حنو اإلسهامات اجلليلة يف هذا الصدد امل

".إعجاز القرآن"بفضل كتابه ) 415ت " (عبد اجلبار"التوهج والرقي املنهجي، نلفي لقد تضمن هذا الكتاب تنويهات ختص النظم العجيب واملعجز للقرآن الكرمي،

ية املتعلقة بفصاحته، لميزات واملفارقات الفنية املثاللوقد ظهر ذلك بوضوح؛ حني تعرضه واليت تعز حسبه إىل األداء الراقي واملنفرد للكالم وصورته وما يشتمل عليه من عالقات

اعلم أن الفصاحة ال تظهر يف أفراد الكالم، وإنما تظهر يف "ووشائج حنوية، حيث يقول ، وقد الكالم بالضم على طريقة خمصوصة، والبد مع الضم من أن يكون لكل كلمة صفة

جيوز هلذه الصفة أن تكون باملواضعة اليت تتناول الضم وقد تكون باإلعراب الذي له مدخل فيه، وقد تكون باملوقع، وليس هلذه األقسام الثالثة رابع، ألنه إما أن تعترب فيه

مث البد من اعتبار . والبد من هذا االعتبار يف كل كلمة. الكلمة، أو حركاا أو مواقعهاثله يف الكلمات، إذ نضم بعضها إىل بعض، ألنه قد يكون هلا عند اإلنضمام صفة، م

.)1("وكذلك لكيفية إعراا وحركاا وموقعهاالنحوية وما يتعلق ا من نسبمن هذا املنطلق؛ فإن إعطاء األولوية لقضية ال

يفية اليت يرد من موضع الكلمة وانصهارها املنهجي مع أخواا يف السياق اللغوي، والكخالهلا الكالم؛ هو أمر ال مناص من االعتناء به يف العملية اإلنتاجية للكالم، على أساس أن هذه االعتبارات املذكورة تلعب دورا إستراتيجيا مهما ذو بعد تفاضلي، يكمن يف

من جهة، ، من حيث البناء التركييب )األفعال الكالمية(رسم الفوارق بني الصيغ الكالمية واملعىن الذي حيمله هذا التركيب من جهة أخرى، وعند هذا احلد؛ وجب على البليغ

الكلمة املنتقاة يف االستعمال، من خالل ت األداء الكالمي احلسن أن يعاينالعارف بتقنيا

)1 .116البالغة تطور وتاريخ، ص / شوقي ضيف)

Page 213: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

199

مالحظة أبدا هلا ونظائرها، والبد من مالحظة حركاا يف اإلعراب، والبد من مالحظة " .)1("التقدمي والتأخري موقعها يف

أمام هذا التشكل نلمس الفطنة العالية واإلدراك العميق الذي انتاب فكر عبد الدقيق للكلمات، وهي قضية نلقيها تأخذ طابعا استعماليا تداوليا، تموضعاجلبار لقضية ال

يطعم الصيغ والعبارات اللغوية اليت يشتمل عليها اخلطاب مبستويات فنية ذات ومضات إستراتيجية ختدم احلدث الكالمي، على أساس أن االنتقاء الدقيق والسليم للكلمات

ستنطاق حكمها اإلعرايب وتتبع مسارات التقدمي واستعماهلا داخل اخلطابات، وحماولة اوالتأخري فيها، إمنا خيضع أوال وقبل كل شيء للمقام املؤطر للعملية التواصلية واملتلقي الذي يكون معىن وجوده هاهنا مرتكزا على إمالء بعض اخلصوصيات والشروط على

يسعى املتكلم العارف والبليغ التشكيل اخلطايب، السيما يف قضية التقدمي والتأخري، حيثاليت تشغل بال املتلقني وتساوي ذهنه، بينما يؤخر يف معظم األحيان إىل تقدمي األلفاظ

. ال تنفين بأولويات الفائدة اليت يسعى إليها املتلقي -حسب تقديره– األلفاظ اليت حيسبهااحلاصل على مستوى ولكن جيب أن نذكر يف هذا املقام، أن هذا اللعب بترتيب األلفاظ

البنيات التركيبية خيلق أحيانا تأثريات ذات كنه تداويل على املتلقني كالتشويق، وحتقيق ة كالتلدة وثانويأغراض مقاصد أساسيوما شابه ذلك–والتفاؤل د.

وبطريقة أخرى ميكن القول أن الغاية اليت تسعى إليها املقاربات والتنظريات قضية الرتبة وترتيب الكلمات يف الصياغات اللغوية، إنما هي السعي إىل البالغية املتعلقة ب

، وميكن إدراج هذا املبحث البالغي ضمن )2(االهتمام بالسامع ا يشبه العمد واإلصغاءباعتباره أحد مظاهر " التأثري املوقعي"إطار البحوث التداولية املعاصرة وبالضبط يف جمال

)1 .117البالغة تطور وتاريخ، ص : شوقي ضيف)

)2 .11، ص 193اللغة والتفسري والتواصل، سلسلة عامل املعرفة، الكويت العدد : مصطفى ناصف: ظرين)

Page 214: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

200

مبعىن اخللوص إىل ترتيب معين للكلمات يتالؤم مع ما )1(لكالمتأثري املقام يف صناعة ا . متليه حيثيات مقام التلفظ ومالبساته

، نلفي عبد "إعجاز القرآن"باإلضافة إىل هذه اجلهود املعرفية اليت مألت كتابه إطار زرع يطلق بعض التخرجيات التنظريية واإلجرائية وهو يف " املغين"اجلبار يف كتابه

الدعائم واملفارقات األساسية للكالم الفصيح والراقي، ويظهر ذلك بشكل جلي عند .)2(حديثه عن مسألة املواضعة اللغوية

من الشروط املهمة اليت ال ) التعاقد اللغوي(لقد اعترب عبد اجلبار املواضعة اللغوية ذلك أن الكالم غري مؤهل أن مناص من اعتبارها وتوافرها يف الكالم الفصيح والناجح،وفق هذا . اللغوية فاملواضعة )3(حيتوي على فائدة، إال وقد استوىف شرط للمواضعة عليه

تتعلق تعلقا شديدا بالفائدة اليت عقد الكالم من أجلها، ومها بعيدين تداوليني –الطرح .بامتياز

اللغوية شرطا آخر يفضي إىل كما اشترط هذا العلم البالغي باإلضافة إىل املواصفة كالم فصيح وهو القصد، حيث يغدو القصد عنده كذلك شرطا أساسيا يف عملية صنع

ة اللغوية، ذلك أن الكالم يف رأيه ضعالكالم والتلفظ به، وعنصرا ال يقل شأنا عن املواد قد حيصل من غري قصد فال يدل، ومع القصد فيدل ويفيد، فكما أن املواصفة الب"

، إن هذا الشرط هو ما )4("ةضعمنها، كذلك املقاصد اليت ا يصري الكالم مطابقا للمواجنده ماثال كذلك يف الطروحات التداولية املعاصرة اليت تعترب املواصفة اللغوية من األبعاد

ف الفعل الكالمي عند سورل، حيث يعترب هذا الفيلسوف نوالشروط األساسية التي تكت

)1 .142حممد حممد يونس علي، وصف اللغة العربية دالليا، ص : ينظر)

)2خمتار لزعر، التصور اللغوي يف الفكر االعتزايل، مقاربة تأويلية يف مشكالت املعرفة، دار األديب للنشر : ينظر يف هذا الصدد)

.96/97 ، ص2006والتوزيع، وهران، اجلزائر، )

3الثقافة واإلرشاد املغين يف أبواب التوحيد، حقق باشتراط طه حسني وإبراهيم مذكور، وزارة: القاضي عبد اجلبار: ينظر)

. 492، ص 7، ج1965-1961القومي، مصر

)4 .162ص / 15املصدر نفسه، ج)

Page 215: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

201

أن قصد املتكلم وحده ال يكفي؛ بل جيب االعتماد كذلك على العرف اللغوي اللغويفالفعل )1(تنفيذهيف يف الفعل الكالمي، لكي يتحقق جناح هذا الفعل ويتجنب اإلخفاق

الكالمي هو ذو طبيعة عملية سلوكية، متثل شكال من أشكال السلوك االجتماعي املنظم ت االجتماعية العرفية اليت تتخذ طابعا حركيا متغريا خيتلف واحملكوم بسلسلة من التعاقدا

.باختالف املقامات واملتلقي واألحوال واملالبسات :األبعاد التداولية من خالل تنظريات بعض املتأدبني-3

لقد أثريت يف هذه املرحلة من مراحل البالغة العربية عدة قضايا بيانية أدت املعريف، ولعل أمهها قضية اللفظ واملعىن، وقد استأثرت هذه بالدرس إىل الرقي والتوهج

القضية األخرية باهتمام السواد األعظم من املتكلمني وعلماء أصول الفقه والبالغيني خاصة يف الفترة املمتدة من القرن الثالث إىل اخلامس اهلجري، فقد كان هناك جدل

اضلة أو حتديد األسبقية واألولوية بني اللفظ حقيق قائم بني هؤالء العلماء يف عملية املف .واملعىن

وليس ذلك بغريب فقد مثل اإلطار الفلسفي والديين احملض الفكري لنشوء هذه القضية، على أساس أن السبب األساسي والدافع اجلوهري الذي كان وراء ذلك هو

م املعرفية ذلك اجلدل الطويل الذي كان يدور بني املسلمني باختالف مرجعيام ومشارحول جمموعة من القضايا املتعلقة بالقرآن الكرمي، -ذات األسس الطائفية املذهبية–

أو رميكقضية املطلق واملقيد واخلاص والعام واحملكم واملتشابه، وقضية قدم القرآن الك ...حدوثه وكونه خملوقا أو غري خملوق

ن خالل هذا اجلدل؛ ظهرت عدة أمام هذا التشكل املعريف الذي بين وجوده متصورات وزاويا نظر حادة، السيما من قبل املتكلمني، الذين كان لزاما عليهم أن يغترفوا من التنظريات البالغية الفنية واألساليب البيانية إلثبات مقتضيام التصورية

اعتماد كما دأب البالغي إىل. املتعلقة بوجود ومظاهر إعجاز القرآن، هذا من جهة

)1 .73/74حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص : ينظر)

Page 216: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

202

القرآن الكرمي كمرجعية أساسية، كونه ميثل النموذج البياين الراقي الذي فاق تأليفه .ونظمه وتصويره كل كالم مهما كان مصدر انبعاثه

وعلى إثر هذا الـمعطى؛ أخذت هذه املناقشات واملسائالت املعرفية اجلدلية بعض الومضات اربات البالغية العربيةاجتاها ذو طابع كالمي، مما أفضى إىل اكتناه املق

واآلليات الفنية املتعلقة بالبحث الكالمي ولوازمه، وهو ما اصطلح على تسميته يف وعليه غدت املسألة املهمة اليت استقطبت )1("طغيان التحليل العقلي"البحث املعاصر بـ

هل سر إعجاز :اهتمام جل املفكرين البيانيني متمركزة يف إشكالية جوهرية مفادهاالقرآن يرجع إىل نظمه وتأليفه، أمر مبعانيه فقط، أم مبهما معا؟ ونتيجة هلذا استحوذت

.)2(على معظم املناقشات اليت دارت وتدور إىل اليوم حو ظاهرة اإلعجاز يف القرآنلقد نبع من هذه العتبات الفكرية واملنازعات التصورية انقسام العلماء والباحثني

قسم ينشد اللفظ ويدافع عنه من خالل التعرض إىل : بطني بالشأن البياين إىل قسمنياملرتمزاياه واخلصائص اإلجيابية الفنية اإلجيابية املنجرة عن االهتمام والعناية به، وقسم آخر

وكان من بني هؤالء األعالم . جمرد تابع وخادم للمعىنأنه اللفظ يف يرى ويهتم باملعىن املربزين يف الدراسات البيانية، والذين كان هلم باع طويل يف اإلجابة عن هذه البالغيني

اإلشكالية بطريقة استثنائية ذات مفارقات جوهرية جتمع بني اللفظ واملعىن بطريقة سحرية اإلمام عبد القادر اجلرجاين؛ الذي حنسبه وفق إىل حد بعيد يف إثراء هذه القضية

يز طويل من مراحل تاريخ البالغة العربية، ولقد انطوت املهمة اليت سيطرت على حارتقت لتالمس التطبيقي العديد من السمات البيانية اليت/ خترجياته يف هذا اال التنظريي

لية املعاصرة يف كثري من اجلوانببرقيها املعريف املنهجي وآفاا واقع التنظريات التداوذين كان هلم باع طويل يف إثراء املباحث البالغية العربية من بني املنظرين األدباء الوكان

:وتطعيمها بأبعاد تداولية

)1 .76/77ص : ، ص1993، 3بنية العقل العريب، املركز الثقايف العريب، ط: حممد عابد اجلابري: ينظر)

)2 .76بنية العقل العريب، ص : حممد عابد اجلابري: ينظر)

Page 217: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

203

):هـ395ت (أبو هالل احلسن بن عبد اهللا العسكري -1.3

من بني اإلسهامات التنظريية البالغية واليت حتمل ومضات تداولية معتربة؛ حديثة ضوع استعماهلا يف أصل اللغة إىل نقل العبارة من مو"عن االستعارة، حيث يعرفها بأنها

، عند هذا احلد نلمس الفطنة العالية والوعي العميق الذي انتاب فكر )1("غريه لغرضوهو يفسر سر االنتقال من اال الوضعي الذي تعارف عليه الناس واملتمثل " العسكري"

وخاها البليغ يف أصل اللغة، إىل غريه حيث أرجع ذلك إىل املقاصد واألغراض اليت يت .املتكلم ويسعى إليها

املنطلق؛ فإن االستعارة آلية إستراتيجية ذات بعد تداويل بالدرجة األوىل، هذا ومن وذلك الغرض إما "فهي أداة سحرية يتمكن البليغ بواسطتها خدمة أهدافه اليت ينشدها،

أو اإلشارة إليه بقليل أن يكون شرح املعىن وفضل اإلبانة عنه، أو تأكيده واملبالغة فيه، أكثر من (، وهذا ما يؤدي بنا رأسا إىل القول أن التعبري االستعاري خليق )2("من اللفظ

التأثري على املتلقني ونفسيام، وهلذا قال يف موضع آخر من كتابه ب )التعابري املباشرةنفس السامع اكلها على احلقيقة أا تفعل يف ما شوفضل هذه االستعارة و" "الصناعتني"

.)3("ما ال تفعل احلقيقةويف ظل هذه العتبات املنهجية املوجزة املتعلقة باالستعارة من وجهة نظر أبو هالل العسكري، ميكن القول أن األساليب غري املباشرة مبا فيها الكناية واالستعارة

ي القائم بني الناس وخمتلف اازات إنما تأخذ باللغة حنو نبذ التواضع اللغو... والتعريضواخلروج عن املألوف إىل جمال آخر تقبع حيثياته حنو االستعمال التلميحي باعتماد أقواال

تفضي بدورها إىل استدالالت وعمليات ) مبصطلح تداويل( Non Littéraleغري حرفية

)1الصناعتني، الكتابة والشعر، حتقيق علي حممد البجاوي وحممد أبو الفضل إبراهيم، املكتبة العصرية، : أيب هالل العسكري )

.240، ص 2006بريوت، الطبعة األوىل،

)2 .240املصدر نفسه، ص )

)3 .241املصدر نفسه، ص )

Page 218: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

204

ذهنية من قبل املتلقي من أجل الوصول إىل التفكيك األمثل للشفرات واألساليب غري إنها بدون شك مقاربة تدعونا إىل . باشرة والواقعة يف أسوار النصوص واخلطاباتامل

املتعلقة بالفعل الكالمي غري املباشر يف إطار االستعارة Searl" سورل"استحضار تنظريات والتخييل، فالقول احلقيقي ينبثق من التطابق بني معىن اجلملة ومعىن الذي يقصده املتكلم،

على االنتقال من املعىن ) املتلقي(فهي اليت جترب املستمع ) يف بعدها التداويل(ة أما االستعار .)1(احلقيقي إىل املعىن الذي يقصده املتكلم

كما ربط أيب هالل العسكري بني الفصل والوصل ومقتضيات املقام املؤطر الكالم من للعملية التخاطبية، فالبليغ الناجح من استطاع أن يوصل ويفصل بني أجزاء

فإن البالغة إذا "فيكون بصريا مبقاطع الكالم ومبواضع وصوله وفصوله، غري خطر، مبعىن أن التحكم )2("اعتزلتها املعرفة مبواضع الفصل والوصل كانت كاآليت بال نظام

مبواضع الفصل والوصل عند هذا العلم البليغ مبثابة مرآة عاكسة يتم من خالهلا الكشف اليت ميتلكها البليغ وهو بصدد خلق خطابات ) أو الكفاءة التداولية(التواصلية عن القدرة

دينامي حركي، يتغري بتغري املالبسات وأبعادها وبتغري طابع تنتمي إىل مقامات ذاتوهذا ما حيدو بنا إىل القول أن التحكم هاتني اآلليتني . املتلقني ووضعيام ومستويام

.درج ضمن إطار فكرة مراعات مقتضى احلالعند العسكري إنما ينوقال " "الصناعتني"ومما يثبت هذا املقتضى التصوري قوله يف مورد آخر من كتابه

ما رأيت رجال تكلم فأحسن الوقوف عند مقاطع الكالم، وال عرف : األحنف بن قيسكالم، وأعطى حدوده إال عمرو بن العاص رضي اهللا عنه، كان إذا تكلم تفقد مقاطع ال

ففي هذا النص داللة واضحة وإشارة بينة أن العسكري يعترب أن مقتضيات )3("حق املقامالفصل والوصل خاضعة ال حمالة إىل أبعاد تداولية عمادها ربط مقتضيات الفصل

)1 .29اجلياليل دالش، مدخل إىل اللسانيات التداولية، ص : ينظر)

)2 .406ص : الصناعتني: أيب هالل العسكري)

)3 .406املصدر نفسه، ص )

Page 219: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

205

أو إمهاله منه، حيث اعتربه حق ال ينبغي التغاضي عنهأمر ال مناص ، فهووالوصل باملقام .مقاطع الكالم يف مسلك تفقد

إن الضابط املقامي وحسن استثماره هو من األولويات اليت ال ينبغي التغاضي عنها يف خلق إستراتيجيات كالمية ناجحة يف بعدها التداويل وهو ما جنده ماثال يف طروحات

والقول القصد أن اإلجياز : "العسكري، وخاصة ضمن مبحث اإلجياز واإلطناب، يقولتاج إليهما يف مجيع الكالم، وكل نوع منه، ولكل واحد منهما موضع، واإلطناب حي

فاحلاجة إىل اإلجياز يف موضعه كاحلاجة إىل اإلطناب يف مكانه، فمن أزال التدبري ذلك عن جهته، واستعمل اإلطناب يف موضع اإلجياز، واستعمل اإلجياز يف موضع اإلطناب

.)1("أخطأخلطاب البليغ ذو احلسن والقبول هو من وفق يف ويف ظل هذا الطرح؛ فإن منتج ا

وضع النظر الثاقب حول املوضوع املتحدث به من جهة، واملتلقي والغايات اليت يراد فيستخدم اإلجياز الذي هو فعالية اقتصادية للكالم أو هو . حتقيقها من جهة أخرى

يف موضعه )2("ة واإلفصاحالتعبري عن املعىن املراد بأقل ما ميكن من األلفاظ مع اإلبان" .املناسب، ويستخدم اإلطناب يف مواضعه اليت تكون أهال له

بالنسبة لإلجياز يورد العسكري جمموعة من األقوال اجلامعة خلصائصه ووظائفه إذ فهو فضل داخل يف اإلجياز قصور البالغة على احلقيقة، وما جتاوز مقدار احلاجة: "يقول

من أعظم أدواء الكالم، وفيهما داللة على بالدة صاحب باب اهلذر واخلطل، ومهاعليكم باإلجياز فإن له إفهاما، واإلطالة : "، كما يقول يف موضع آخر)3("الصناعةوبذا فإن استعمال اإلجياز مرتبط بفهم السامع واستيعابه للفكرة املرادة، لذا )4("استبهاما

)1 .17الصناعتني، ص : أبو هالل العسكري)

)2

، 1991لطبعة األوىل، مداخل كتابة العربية وبالغتها، مؤسسة الرحاب احلديثة، بريوت، لبنان، ا: خالد إبراهيم يوسف) .109ص

)3 .157الصناعتني، ص : أيب هالل العسكري)

)4 .157املصدر نفسه، ص )

Page 220: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

206

يف اعتباره أن للمتلقي قدرته على االستيعاب املرسل / مسألة اإلجياز تأخذ املتصل"بقيت وهنا يظهر البعد التداويل )1("من ناحية، ومن أخرى أن له قدرة حمدودة زمنيا املتابعة

.بقوةإن : از؛ ميكن القوللإلجيتصوره عسكري وووفق هذا الطرح التراثي املختص بال

هذا األخري من األساليب الفنية املقامية ذات البعد اإلستراتيجي التداويل، ويظهر حضور " غايس"اليت طرحها Règle Conversationهذا املعطى بشكل جلي يف قواعد احملادثة

هامة على املشاركني التقيد ا يف احملادثات، وبالضبط يف ) مسلمات(واعتربها قواعد .)2(اليت توحي باإلجياز يف الكالم وعدم اإلطناب Maxime de manièreقاعدة الكيف

ولكن ما ينبغي ذكره يف هذا الصدد؛ أن هذا اإلطناب ال ميكن له أن يكون سلبية يف العبارات دائما، بل هناك من املواضع ما يستحق اإلطناب يف ألبعادحامال فأما ما يكتبه العمال إىل األمراء ومن فوقهم، فإن سبيل ما : "يقول العسكري. الكالم

كان واقعا منها يف إاء األخبار، وتقرير صور ما يلونه من األعمال، وجيري على أيديهم ل فيه حىت يبلغ غاية الشفاء واإلقناع، ومتام الشرح من صنوف األموال أن ميد القو

واالستقاء، إذ ليس اإلجياز واالقتصار عليه موضع، ويكون ذلك باأللفاظ السهلة القريبة فمراعاة العالقة الوظيفية )3("املأخذ، الشريعة إىل الفهم، دون ما يقع فيه استكراه وتعقيد

املكاتبة مسألة جوهرية ال ينبغي جتاوزها، بني املرؤوس والرئيس وموضوع ) السلطوية( .فعلى إثر هذه املراعاة تتحدث املقتضيات

بني طرح العسكري املختص معريف وعند هذا احلد تظهر بوادر متاهي ومتاثلباإلطناب وبعض التنظريات التي اختصت ا بعض اجلهات التداولية ومن بني هذه

:التقاطعات املعرفية

)1 .122صاحل خليل أبو األصبع، نصوص تراثية يف ضوء علم االتصال املعاصر، ص )

)2 .270التداولية اليوم علم جديد يف التواصل، ص : جاك موشالر: ينظر )

)3 .142أيب هالل العسكري الصناعتني، ص )

Page 221: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

207

شترك على مفهوم السلطة اليت تتمثل يف عدم توازن يف القوى اعتدادمها امل-1. )1(نتيجة لعدة مصادر، من بينها الوضع االجتماعي الذي مييز الفرد قياسا على اآلخرين

ويتمثل اهود الشخصي هاهنا، يف إتيان املتكلم كالما يراعي فيه هذه الفروق ته التداولية، وهو ما ملسناه يف القول األخري االجتماعية اهلرمية، بشكل يظهر فيه كفاء

. للعسكري املتعلق مبواقع اإلطنابإلطناب مواضع معينة، وهذه األخرية مشدودة بقيم وظيفية تداولية منها لإن -2

، وبذا "أن ميد القول فيه حتى يبلغ غاية الشفاء واإلقناع: "اإلقناع، وهو ما يظهر يف قولهإجيابية ذات طابع تداويل حجاجي بالدرجة األوىل، وهو ما يدفعنا إىل فإن لإلطناب أبعاد

مد جسور معرفية متوازية بني هذا الطرح املبين على إظهار تقنيات اإلقناع والنظرية اليت سعت من خالل طروحات إىل تبيان اآلليات Théorie de l’argumentationاحلجاجية

ا محل مقومات اإلستراتيجيات احلجاجية املفضية إىل والتقنيات التداولية اليت من شأ . يف أغلب األحيان Persuasionاإلقناع

أمام هذه العتبات املنهجية، ميكن اجلزم أن االعتبارات واملقاييس املتبعة يف البالغة العربية لتعيني مواضع اإلجياز واإلطناب هي نفسها املعتمدة يف الدرس التداويل املعاصر،

هي منصاعة لنفس املكونات املعقدة اليت يتشكل فيها السياق مبفهومه التداويل، حبكم ومن كل العوامل النفسية واالجتماعية اليت حتدد نسقيا "حسب فان ديك –أنه يتكون

لكي تالئم أفعال اللسان وتتمثل هذه األفعال يف املعرفة، والرغبات ومستخدمي اللغة .)2()"مثل عالقة السلطة والصداقة... (وإجنازام االجتماعية

، نلفي مفهوما أساسيا من املفاهيم اليت اعتمدها "الفروق اللغوية"أما بالنسبة ملؤلفه مفهوم درجة الشدة : الدرس التداويل وطروحاته املتعلقة باألفعال الكالمية، وبالضبط

Forceللفعل الكالمي أي يف مضمار القوة اإلجنازية ،للغرض املتضمن يف القول

)1 .224عبد اهلادي بن ظافر الشهري، إستراتيجيات اخلطاب، ص : ينظر) )

2 .172، ص 2004، لبنان، 1العالماتية وعلم النص، املركز الثقايف العريب، ط: منذر عياشي)

Page 222: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

208

Illocution، ة باالعتمادعلى مقاييس درجة حيث عمد إىل التفريق بني األلفاظ اللغويالظلم نقصان احلق، واجلور "ذكر مثال أن اجلور أقوى من الظلم ألن ، ف)قوا(شدا

السب هو "، كما ذكر كذلك أن السب أقوى من الشتم ألن )1("العدول عن احلقويف هذا داللة صرحية وواضحة على اعتماده مبادئ ،)2("اإلطناب يف الشتم واإلطالة فيه

ومقاييس تداولية بامتياز يف عملية تفريقه بني األلفاظ، فعلى الرغم من تقارب هذه من حيث الداللة، إال أن القوة اإلجنازية كفيلة ) السب والشتم(و) العدل/اجلور(الثنائيات

ه إليه العسكري، وحسب الباحث أن يتجه إىل بالتفريق الداليل بينهما، وهو ما تنبعشرات األمثلة األخرى اليت اعتمدها العسكري يف هذا اال املعىن بالتفريق الدقيق بني

".الفروق اللغوية"األلفاظ، واليت ضمنها يف كتابه ):هـ456ت (أبو علي احلسن ابن رشيق الفريواين -2.3

ت ريشة القريواين وألقت ربنإالبحوث والدراسات املتعلقة بالنقد األديب، إطاريف حربها يف سبيل إثراء املنظومة النقدية األدبية اليت كانت دعائمها قائمة يف املشرق، وقد

: البالغي من خالل مؤلف أمساه/حتقق هذا املسعى من خالل كتاب قيم هلذا الناقد ".آدابه ونقدهالعمدة يف حماسن الشعر و"

لقد تضمن هذا الـمؤلف العديد من املالحظات النقدية البيانية اليت انطوت -تناسب بني /على أبعاد تداولية مهمة، وهي ملقات يف تلك املساحة املعنية بإقامة تطابق

:)3(األلفاظ املستعملة واألغراض الشعرية، يتجلى ذلك عند إيراده القول بشار بن برد حجاب الشمس أو قطرت دما ا ما غضبنا غضبة مضرية هتكناإذ

قبيلـة نا مديا سـرن ـا أعا إذا ملما وسنليلى عـر ص بنى مذر

)1دار الكتب العلمية، الطبعة األوىل، بريوت، لبنان، تعليق حممد باسل عيون السود، : أيب هالل العسكري، الفروق اللغوية)

.259، ص 2000

)2 .64املصدر نفسه، ص )

)3حممد رفعت فتح اهللا، طبعة جلنة التأليف : شرح حممد الطاهر بن عاشور، علق عليه ورفق على طبعه: ديوان: بشار بن برد)

.163، ص 4، ج1950والترمجة والنشر،

Page 223: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

209

يعترب ابن رشيق القريواين أن هؤالء الشعراء ومنهم بشار الذين يعتمدون على مثل (يف غرض الفخر واملدح صنعالم وجزالته، على مذهب العرب من غري تفخامة الك

: قد بلغوا مرتبة عالية من الصواب والتوفيق واحلكمة األدبية، حيث يقول) هذين البيتنيوهذا النوع أدل على القوة، وأشبه مبا وقع فيه من موضع االفتخار، وكذلك ما مدح "

وعند هذا احلد؛ ال ضري يف القول أن املقام )1("النحتبه امللوك جيب أن يكون من هذا م بتوجيه الباث يف عملية تشكيل خطابه، وعند القريواين هو النقطة اجلوهرية، اليت تق

.حبكم أنه يستحسن األساليب الفنية إذا ما توافقت مع األغراض اليت قيلت فيهاستعملة واألغراض يستند ولتبيني قوة هذا التوافق واالرتباط بني األلفاظ امل

:)2(القريواين على أبيات من قصيدة للشاعر ابن العتاهية حيث يقول فيها فيسروا األكفان من عاجل يا إخوتي إن الهوى قاتلـي فإننـي فـي شغل شاغل وال تلوموا في اتباع اهلـوى

قت ليأى قير نا مكـىيال بل يلى القاتع دجالو ةدن شم مـاذا تردون على السائل؟ بسطت كفي نحوكم سائالفقولوا لـه لوهنيت ـل إن لـمائل النديال بمال جقـو

تـأو كنةرسلى عع امالع م نـم إلـى قايـله هـونفم أن أورد ابن رشيق قصة اعتراف كل من أيب نواس واحلسني بن الضحاك عدبف

وذلك يف بابه من الغزل جيد أيضا ال يفضله : "بتفوق ابن العتاهية يف هذه القصيدة قالذه ، فعلى الرغم من سهولة اللفظ، والركاكة واللني املفرط اليت اتسمت به ه)3("غريه

القصيدة إال أنها حظيت بالتوافق على نضجها وعلو شأا، وهذا يرجع إىل سبب .إستراتيجية خطابية مالئمة لغرض الغزلبأساسي قوامه االعتداد

)1حممد حمي الدين عبد احلميد، دار اجليل، بريوت، / ابن رشيق القريواين، العمدة يف حماسن الشعر وآدابه ونقده، حتقيق د)

.124، ص 1، ج1981الطبعة اخلامسة، )

2 .618- 616شكري فيصل، دار املالح للطباعة والنشر، دمشق، ص /ديوان أيب العتاهية، أشعاره وأخباره، حتقيق د)

)3 .126، ص 1العمدة ج: رشيق القريواين ابن)

Page 224: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

210

كما يدعو ابن رشيق القريواين إىل مراعاة مقتضى احلال، وخماطبة كل ممدوح إذا مدح ملكا أن يسلك وسبيل الشاعر : "باألسلوب الذي يتناسب معه، حيث يقول

طريقة اإليضاح واإلشادة بذكره للممدوح، وأن جيعل معانيه جزلة، وألفاظه نقية، غري التقصري والتجاوز والتطوير، فإن للملك سآمة -مع ذلك–مبتذلة سوقية، وجيتنب

وضجرا ربما عاب من أجلها ما يعاب وحرم ما ال يريد حرمانه، ورأيت عمل البحتري كيف يقل األبيات، ويربز وجوه املعاين، فإذا مدح الكتاب عمل -ح اخلليفةإذ مد–

.)1("طاقته وبلغ مرادهمللوك ا، حيث يرى أن خماطبة "باملقام"فابن رشيق هاهنا يربط األسلوب األمثل

تستدعي بعض األلفاظ والتقنيات البالغية كاملعاين اجلزلة، واأللفاظ النقية، وعدم تتجه مبقومات حنو حتقيق الفائدة املرجوة من وكل ذلك ميثل إستراتيجية تداولية . التطويل

يتضمن اخلطاب املوجه إىل الكتاب آليات الكالم، وهي كسب رضا امللوك، ويف املقابل ى وتقنيات إستراتيجية أخرى تتناسب مع األغراض واملوضوع املتحدث فيه بالغية أخر

.والفائدة املرجوة، فلكل مقام مقال ولكل صناعة شكليف عدة موارد أمام األبيات الشعرية " ابن رشيق"، توقف باإلضافة إىل هذا الطرح

ات النقدية اليت عملت ناقدا إياها من حيث اللفظ واملعىن املستعمل فيها، ومن بني الوقفتعقيد املعىن واإلغراب فيه، وقد ضرب : دورا تفنيديا لبعض األخطاء الشائعة عند الشعراء

.)2(له عدة أمثلة منها قول املتنيب مطلع إحدى قصائدههمطاس اهجع أشبا كالركمفاؤو هاجمس فاهأش عمالدا ودعسبأن ت

عد ابن رشيق هذا البيت من األبيات الغامضة اليت تتطلب جهدا كبريا جدا يف قد لعملية تفسريها، وقد علل ميل الشعراء إىل هذا التعقيد بثقتهم املفرطة يف أنفسهم

)1 .128، ص 2املصدر السابق، ج) )

2ديوانه، شرح أيب البقاء العسكري، حتقيق مصطفى السقا، إبراهيم األبياري، مطبعة احلليب، الطبعة : أمحد بن احلسني املتنيب)

.325، ص 3، ج1971األوىل،

Page 225: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

211

فإن هذا حيتاج األصمعي إىل أن "واإلغراب على الناس، وقال تعليقا على هذا البيت راب يف اخللق الشعري؛ استخدام الشاعر ألشياء ي هذا اإلغ، وقد يفض)1("يفسر معناه

: واصلية الناجحة ببعديهاتركها أوىل به، وهو أمر حنسبه من األمور اليت ختل بالعملية التوهو ما جنده ماثال يف ثنايا التنظريات التداولية اليت توحي بالوضوح . واإلقناعي اإلفهامي

.االستلزام احلواري الوقوع يف اللبس كنظرية تجنبلإن هذه الكلية مل ما ذكر حول الطرح التراثي البالغي ذو البعد النقدي الذي

أن تنظرياته : اختص به القريواين، تفضي بالباحث املتفحص إىل تصور جوهري مفادهغطت وجهتا التطبيق والتنظري، كما استوعبت مدارسته البالغية آراء سابقية ومعاصريه

يما دفاعه عن املقولة البالغية العربية الشهرية اليت أطرت للكالم البليغ ذو احلسن والساليت محلت يف جوانبها أبعادا وومضات تداولية ال " لكل مقام مقال"والقبول وهي مقولة

.تنضب ):هـ466ت (ابن سنان اخلفاجي -3.3

ألف أبو حممد عبد اهللا بن حممد بن سعيد بن سنان احلليب كتابا عاجل فيه األمور املتعلقة بالفصاحة وما تشتمل عليه هذه األخرية من الصور البيانية والبديعية، وقد مساه

، ومن بني اإلشارات العامة الدالة على اعتماد هذا العلم البالغي منهجا )2("سر الفصاحة"ومن شروط الفصاحة والبالغة أن يكون الكالم "د تواصلي يف طيات تنظرياته قوله ذو بع

واضحا جليا ال حيتاج إىل فكر يف استخراجه وتأمل فهمه، وسواء كان ذلك الكالم [...] والدليل على صحة ما ذهبنا إليه [...]الذي ال حيتاج إىل فكر منظوما أو منثورا

نفسه، وإنما احتيج إليه ليعبر الناس عن أغراضهم ويفهموا أن الكالم غري مقصود يف

)1 .239/240، ص 1العمدة، ج: ابن رشيق الفريواين)

)2 .وما بعدها 152شوقي ضيف، البالغة تطور وتاريخ، ص : راجع هذا الصدد)

Page 226: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

212

، وميكن أن نستشف من هذا القول املتعلق بالشروط األساسية )1("املعاين اليت يف نفوسهم ضات التواصلية من جهةمالفصاحة والبالغة خترجيني اثنني حاملني لبعض الواملختصة ب

:وبعض املقومات التداولية من جهة أخرىنلفي إدراك ابن سنان اخلفاجي للوظيفة املهمة اليت :بالنسبة للبعد التواصلي-

تضطلع ا اللغة وهي الوظيفة التواصلية، وبالضبط الوظيفة التعبريية، اليت اعتربها الفكر من الوظائف الست املنبثقة عن ) Jakobsoneبزعامة جاكبسون (اللغوي احلديث واملعاصر

للغوي، وهي الوظيفة اليت تقوم بتحديد العالقة بني املرسل والرسالة وموقفه االستعمال ا .)2(منها، حبكم أن الرسالة يف آخر املطاف ماهي إال مرآة عاكسة حلال صاحبها

نلفي فطنته العالية تفضي بالباحث إىل وجهتني :بالنسبة لألبعاد التداولية- :تدوليتني

القول شططا؛ أن الشروط امللقاة على عاتق من من ال نبلغ لعلنا :الوجهة األوىلا يف ما جنده مبثوث) حسب اخلفاجي(فسها يهمه حتقيق الفصاحة والبالغة يف كالمه هي ن

أهم النظريات التداولية املعاصرة، إذ نلفي الوضوح وجتنب اللبس من مواضع االنصهار الغي ونظرية االستلزام احلواري، احلقيقية ونقطة تقاطع معرفية صرحية بني هذا الطرح الب

حيث اعتربت هذه النظرية األخرية وبالضبط يف إحدى مسلماا، وهي مسلمة اجلهة Modalité ة للوصول إىل؛ أن االبتعاد عن اللبس والغموض هو من األولويات األساسي

Principe deحتكم فعلي وجيد للعملية احلوارية حتت عنوان عام هو مبدأ التعاون

coopération)3(.

)1، 2003ابن سنان اخلفاجي احلليب، سر الفصاحة، حتقيق وتعليق الدكتور النبوي عبد الواحد شعالن، دار قباء، القاهرة، ) .330/331ص :ص

)2 .04، ص 2006، حماضارات يف املدارس اللسانية املعاصرة، منشورات جامعة باجي خمتار، عنابة، :بوقرة نعمان: ينظر)

)3 .33/34التدوالية عند العلماء العرب، ص : مسعود سحراوي: ينظر)

Page 227: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

213

لعل إقرار ابن سنان اخلفاجي بالوظيفة التعبريية املنجرة عن :الوجهة الثانية" سورل"استعمال اللغة، هو إقرار جيرنا حتما إىل استحضار تنظريات الفيلسوف اللغوي

Searl ة، حيث أضاف هذا األخري هلذهيف جمال تطويره وتعديله لنظرية األفعال الكالميالذي يقوم على دعائم فكرة Principe d’exprimabilité" مبدأ التعبريية"النظرية املهمة

.)1(إن كل ما نريد قوله ميكن قوله: جوهرية، مين أن نلخصها يفيت نلفيها مطروحة يف أسوار حديثة عن لوازم فضال عن هذه السمات التداولية ال

الفصاحة والبالغة، جند البن سنان تنظريات صميمية ختدم البعد الوظيفي والتداويل للغة فباإلضافة إىل التواضع الذي يقتضي معرفة املتكلم مبستويات . وتطعمه مبستوى مقاصدي

الكالم يتضمن قصدا معينا نلفي أن...) كاملستوى املعجمي، والصريف والنحوي(اللغة إذ أنه بعد وقوع التواضع حيتاج إىل قصد املتكلم به واستعماله فيما قررته املواضعة، وال "

يلزم على هذا أن تكون املواضعة ال تأثري هلا، ألن فائدة املواضعة متييز الصيغة اليت مىت العبارة باملأمور، وتؤثر يف أردنا مثال أن نأمر قصدناها، وفائدة القصد أن تتعلق تلك

حد السكني وتقومي اآلالت والقصد جيري جمرى أمرا له، فاملواضعة جتري جمرى ش كونهإن هذا الطرح ال خيتلف مع التنظريات التداولية املعاصرة اليت ترى .)2("استعمال اآلالت

لفظ من أجل ، على أساس أن املتكلم ال يت)3(أن الفعل الكالمي هو فعل ذو بعد قصدي .التلفظ ذاته، بل من أجل حتقيق أغراض ومقاصد معينة

، جنده يؤكد على إلزامية تطابق األلفاظ "سر الفصاحة"ويف مورد آخر من كتابه ومن وضع األلفاظ : "املتحدث ا مع الصياغات واملواضيع املتحدث فيها حيث يقول

املنثور من الرسائل واخلطب ألفاظ موضعها أن ال يستعمل يف الشعر املنظوم، والكالم املتكلمني والنحويني واملهندسني ومعانيهم، واأللفاظ اليت خيتص ا بعض املهن والعلوم،

(1) Jaque Moeshler, Antonie Auchlin, Introduction à linguistique contemporaine, p 138.

)2 .43/44ص : سر الفصاحة، ص: ابن سنان اخلفاجي)

)3 www.Fikrwanakd.Aljariabed.Comعبد السالم إمساعيلي علوي، التلفظ واإلجناز : ينظر)

Page 228: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

214

ألن اإلنسان إذا خاض يف علم وتكلم يف صناعة، وجب عليه أن يستعمل ألفاظ أهل ن سنان اب"، ويف هذا إشارة جلية حول عناية )1("ذلك العلم، وكالم تلك الصناعة

باملعطى املقامي، واعتباره من الفعاليات اجلوهرية اليت البد ملنتج اخلطاب " اخلفاجي، وهذا ما يؤدي "لكل مقام مقال"االنصياع له بتتبع مكنونات الفكرة البالغية الشهرية،

إن البليغ احلقيقي هو من استطاع حبق، أن يكيف كالمه مع حيثيات : بنا رأسا إىل القولاليت عقد من ) املقاصد(ملقام ومالبساته بشكل يراعي فيه املتلقني واملوضوع والغايات ا

إن البليغ احلقيقي من امتلك قدرة تواصلية أو كفاءة تداولية : بعبارة أخرى. أجلها الكالمCompétence pragmatique ة(متكنه من خلق مطابقة حقيقية بني ألفاظهأفعاله الكالمي (

.احمليط بالعملية التخاطبيةواملقام هذا امللمح؛ املوحي بضرورة االستثمار األمثل ملقومات املقام يف العملية عند

أن استعمال الكناية يف اخلطاب إمنا يعز إىل أسباب " اخلفاجي"يذكر ؛اإلنتاجية للكالممقامية متلي إمالءاا على البليغ املتكلم فتجعله يلجأ إىل استعمال الكناية وجياوز التصريح

الكناية يف [وذلك أصل من أصول الفصاحة : "احلريف املباشر، ويف هذا الصدد يقولالغة، وإنما قلنا يف املوضع الذي ال حيسن فيه التصريح، وشرط من شروط الب، ]موضعها

ألن مواضع اهلزل واون وإيراد النوادر يليق ا ذلك، وال تكون فيها مرضية، فإن لكل يريد ابن سنان اخلفاجي القول : بطريقة أخرى .)2("مقام مقاال ولكل غرض فنا وأسلوباون والنوادر تستدعي أفعاال كالمية غري مباشرة أن بعض املواضع املرتبطة باهلزل وا

للمحافظة على القيم اخللقية يف التعبري واالبتعاد على كل األمور اليت من شأا تفكيك .الوشائج واخليوط اليت تربط بيم األفراد

يف الدرس " سورل"إن هذا الطرح التنظريي التراثي؛ هو ما جنده ماثال يف تصور بعد مناقشته لعدد ال بأس به من األفعال -املعاصر، حيث وصل إىل نتيجة التداويل

)1 .245ابن سنان اخلفاجي، سر الفصاحة، ص )

)2 .241املصدر نفسه، ص )

Page 229: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

215

أن من أكثر الدواعي والدوافع القابعة وراء استعمال األفعال وهي -اإلجنازية غري املباشرةكالكناية واالستعارة والسخرية واازات يف الفكر البالغي (اإلجنازية غري املباشرة

، كما يفضي بنا هذا الطرح إىل تذكر قواعد )1(ب يف احلديثإنما هو للتأد) العريباملبنية على أساس مراعاة املرسل للعالقات " Leech" "ليتش"التأدب للباحث التداويل

.)2(الودية اليت جتمعه باملرسل إليه ):هـ471ت (األبعاد التداولية من خالل أفق اإلمام عبد القاهر اجلرجاين -4

جممل أجوبته املتعلقة بقضية املفاضلة )هـ471(القاهر اجلرجاين عبد لقد أظهر ، حيث تضمنت هذه "أسرار البالغة"و" دالئل اإلعجاز"بني اللفظ واملعىن يف كتابيه

الكتب حمتوى معريف وإثراء منهجي دفع بعجلة تطوير األحباث البالغية حنو التطور الذي اتسمت به إسهامات عبد القادر ائل ار، ولعل السر يف هذا الدفع اهلواالزده

اجلرجاين، يعز إىل تلك القطيعة املعرفية مع ما سبق من أحباث، على أساس أن رؤيته ومعاجلته للقضايا واملباحث البالغية كانت مبثابة حماولة ذات بعد جتديدي يف عملية

.)3(التأصيل البالغي والنقدي

ىن أو العكس، أثبت عبد القاهر بغض النظر عن مفاضلته للفظ على حساب املعأن مراعات النسب النحوية واستعماهلا الدقيق واألنسب؛ شرط جوهري ال مناص من

حيث " النظم"اعتباره يف العمليات املنتجة للكالم، وهو ما عرف عنده حتت مصطلح اعلم أن ليس النظم إال أن تضع كالمك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل "يقول

وبذا فإن تفعيل العملية التواصلية مرتكز على أسس حنوية )4(.."ى قوانينه وأصولهعل

)1 .51حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص : ينظر)

)2 .332عبد اهلادي بن ظافر الشهري، إستراتيجيات اخلطاب، ص : ينظر)

)3 .33، ص 1997إبراهيم خليل، األسلوبية ونظرية النص، املؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة األوىل، بريوت، : ينظر)

)4، 2005دالئل اإلعجاز، شرح وتعليق حممد التنجي، دار الكتاب العريب، الطبعة األوىل، بريوت، : عبد القاهر اجلرجاين) .69/70ص :ص

Page 230: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

216

عالقة تربط "صرحية، البد من التقيد ا واالنصياع هلا، وحتصل هذه املراعات انطالقا من .)1("اللغة من جهة ومستعمل اللغة من جهة أخرى

غة يف مستواها الشكلي فضال عن هذا التخريج البياين الذي يربط بني اللواملستعمل هلا، نلفي اجلرجاين بعض اآلراء البالغية األخرى اليت من شأا أن ترفع من

األطر يف التالؤم بني الكالم واملقاصد اليت يسعى املتكلم الوصول إليها /نسبة التطابقهي على مث أعلم أن ليست املزية بواجبة ملا أنفسها ومن حيث"التواصلية، حيث يقول

اإلطالق، ولكن تعرض بسبب املعاين واألغراض اليت يوضع هلا الكالم، مث حبسب موقع ، وعند هذا احلد ال ضري يف القول أن )2("بعضها مع بعض، واستعمال بعضها مع بعض

اإلستراتيجية السليمة اليت تسمو بالكالم حنو الفعالية مبنية إنزال األلفاظ يف مواضعها كما ميكن أن -مما ينجر عنه ظهور تعددية يف املعىن– التراكيب اللغوية األصيلة يف

، وهو ما نلفيه L’intentionnalitéنستشف أن األلفاظ املستعملة ال تنفصل عن املقصدية بل ليس من فضل ومزية إال حبسب املوضع، وحبسب املعىن الذي : "متواجدا يف قوله

.)3("تريد، والغرض الذي تؤوم

جمموعة من التوصيات والشروط اليت تضمن " دالئل اإلعجاز"كما تضمن كتابه ، فكل "معرفة خصوصيات اللغة اليت يتم ا التواصل"جناح العملية التواصلية، ومن بينها

مجاعة لسانية تعتمد على لغة واحدة مشكلة من جمموعة من املفارقات وامليزات ما ليس واإلخبار ) اللغة(وأن الذي قاله العلماء والبلغاء يف ضفتها "يقول اجلرجاين . يف غريها

عنها رموز ال يفهمها إال من هو يف مثل حاهلم من لطف الطبع، ومن هو مهيأ لفهم تلك اإلشارات حتى كأن تلك الطباع اللطيفة وتلك القرائح واألذهان قد تواضعت فيما بينها

)1عبد القاهر اجلرجاين يف النقد العريب احلديث، دراسة يف إشكالية التأويل، املؤسسة العربية : حممد عبد الرزاق عبد الغفار)

.23، ص 2002الطبعة األوىل، بريوت، للدراسات والنشر،

)2 .74عبد القاهر اجلرجاين، دالئل اإلعجاز، ص )

)3 .74املصدر نفسه، ص )

Page 231: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

217

ها املرسل بالعادات، وال يعرفها من ليس هو على ما سبيله سبيل الترمجة يتواطأ علياملتلقي، / أي أن معرفة املرسل بالعادات الكالمية اليت اختص ا املرسل إليه )1("منهم

بألفاظ وإشارات متعارف تدادمتكن البليغ من إقامة تواصل ناجح مرتكزاته اإلع . )*(عليها

، وجعلها من أوليات العملية التخاطبية إن هذه اخلصوصية اليت تنبه إليها اجلرجاينالفعالة والناجحة، تعكس نظرة مشولية نوعية وصلت إل حد الوصول ) التواصلية(

االشتراك "واالرتقاء إىل مستوى التنظريات اللغوية احلديثة واملعاصرة، اليت نظرت إىل املرتكزات األساسية من الدعائم و )**("على مستوى السنن بني أطراف العملية التواصلية

اليت يقوم عليها التواصل الناجح، وميكن تبيني األمهية اليت حظي ا هذا الشرط يف .)2(الدراسات اللغوية احلديثة ذا الشكل التوضيحي

)1 .169املصدر نفسه، ص )

األمساء : "لقد حاز اجلاحظ على قصب السبق يف مسألة إدراك القيمة الكبرية للعالمات التواصلية املتواضع عليها، حيث يقول) *(الرسائل األدبية، شرح علي أبو ماجم، دار اهلالل، : اجلاحظ". اليت تدور بني الناص، إنما وضعت عالمات خلصائص احلاالت

.348 ، ص1991الطبعة الثانية، بريوت، بني اجلماعة اللسانية الواحدة، ماهي يف احلقيقة إال عالمات تفضي إىل -وفق زاوية النظر هذه–إن األلفاظ املتواضع عليها -

هي تسهيل العملية التواصلية وضمان ) التعارف(ولعل الوظيفة األساسية اليت تنبع من عملية الوضع . أشياء ختتص حباالا . فعاليتها

وعيا عميقا بأمهية العالمة اللغوية ووظيفتها داخل النظام التواصلي، " أسرار البالغة: "ربز عبد القاهر اجلرجاين يف كتابهي)**(" اللغة جتري جمرى العالمات والسمات وال معىن للعالمة والسمة حىت حيتمل الشيء ما جعلت العالمة دليال عليه"حيث يقول

رار البالغة يف علم البيان، حتقيق عبد احلميد هنداوي، دار الكتب العلمية، الطبعة األوىل، بريوت، أس: هبد القاهر اجلرجاين .226، ص 2001

وعليه فإن اللسان حسب هذه الرؤية، إمنا هو تعاقب عالمات جعلت لتدل على ما وجدت من أجله، فالعالمة عنده وحدات -وبذا ميكن اعتبار العالمة اللغوية من . عن املوجودات، وخليقة بأن تكون اخلليفة هلا دالة يعتمدها املتكلم، لتكون مبثابة نائبة

. هذه الزاوية ذات بعد تواصلي، يتم بواسطتها ضمان فعالية يف الفعل التواصلي بكل أشكاله وصوره

)2، 2005ي، اجلزائر، دار األديب للنشر، املدارس اللسانية أعالمها مبادئها ومناهج حتليها لألداء التواصل: أمحد عزوز: ينظر) .118ص

Page 232: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

218

نالحظ من خالل الشكل التوضيحي، أنه على الرغم من توافر العملية التواصلية إال أن ....على جممل الشروط األساسية كاملرسل واملرسل إليه والسياق واإلحالة

االشتراك على مستوى اللغة، يبقى من املعطيات الضرورية اليت ال ينبغي التغاضي عنها يف ذا الشرط قد اصلية، وإن أي نوع من االستخفافخل األطر التوالعمليات التخاطبية دا

.يفضي مباشرة إىل نفي الفعالية واإلخفاق يف تبليغ املقاصد

كما ميكن أن يتالقى هذا الطرح البالغي مع طروحات بعض التداوليني، مثل من أشكال السلوك االجتماعي ميثل شكال سورل الذي كان يرى أن الفعل الكالمي

ملرهون مبتتالية من التعاقدات االجتماعية العرفية، وبالتايل فإن جناحه خيضع إىل مراعاة امسائل ذات بعد اجتماعي بالدرجة األوىل، والسيما إماطة اللثام عن السنن املشتركة بني

ون الباث واملتلقي، تظهر أحقية هذا املقتضي يف اجلماعات اللسانية املختلفة، الذين يعتمد

املرجع أو اإلحالة أو السياق، وهو حمتوى لغوي ترمز إليه الرسالة

الصلة أو إقامة اإلتصال بني املرسل واملرسل إليه

اللغة املشتركة أو السنن اليت يتكلم ا كل من املرسل واملرسل إليه

املرسل إليه الــرسالــة املرسل

Page 233: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

219

على ألفاظ وأفعال كالمية معينة للوصول إىل مقاصد وأغراض، حبيث يؤدي الزيغ يف إىل ) العريف(االستعمال الدقيق هلذه األفعال الكالمية واأللفاظ ذات الطابع التعاقدي

كما . نتائج وخيمة من شأا اإلخفاق يف تبليغ املقاصد اليت ينشدها املتكلم ويسعى إليهامعينة أن يتلفظ ةمن مجاعة لسانيمعني قيقة وجودا قويا حني حياول متكلم نلفي هلذه احل

وينجز أداءا موفقا وناجحا من خالل اعتماده على بعض الصيغ والكلمات وتوظيفها يف هذا احليز االستثماري للكلمات يف مجاعات ؤديإطار مجاعة لسانية أخرى، حيث ي

احلقيقي واألغراض اليت يؤوم إليها الباحث، وهو ما إىل املعىن إىل عدم الوصول لسانية جنده مطروحا يف أسوار الفروق الداللية املتواجدة بني أطياف اتمع الواحد خاصة يف اللهجات املختلفة املستعملة يف اخلطابات اليومية، حبكم أننا جند نفس اللفظ يدل على

.عدة معاين ختتلف باختالف السياق املكاين

ومن املباحث اليت شغلت حيزا كبريا وجماال واسعا من اهتمامات عبد القاهر باب كثري الفوائد، جم احملاسن، "اجلرجاين، نلفي مبحث التقدمي والتأخري، حيث يعتربه

لك عن بديعة، ويفضي بك إىل لطيفة، وال واسع التصرف، بعيد الغاية، ال يزال يعترعه، ويلطف لديك موقعه، مث تنظر فتجد سبب أن أراقك، تزال ترى شعرا يروقك مسم

.)1("ولطف عندك أن قدم فيه شيء وحول اللفظ من مكان إىل مكان

أما بالنسبة للطريقة والكيفية اليت حتدث فيها ظاهرة لتقدمي والتأخري، فهي مرتبطة الدرس لقواعد النظام التركييب، الذي يكون مقننا من ) انتهاكات(حبصول خرق

النحوي، وتكون من بني النتائج املتوخاة واملترتبة عن هذا االنتهاك الصريح ورود وبذا فإن هذا )2(من مستوى إىل مستوى آخر) املقصد(إفرازات داللية أخرى تنقل املعىن

)1 .86، 85دالئل اإلعجاز، ص : عبد القاهر اجلرجاين)

)2 .331، ص 1994البالغة واألسلوبية، دار نوبار للطباعة، القاهرة، : حممد عبد املطلب: ينظر)

Page 234: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

220

املبحث ال ينفك عن األغراض األسلوبية الفنية اليت تكتنف الكالم اجلميل املؤثر ذو .ولاحلسن والقب

وما يسترعي االنتباه يف هذا الصدد، أن اجلرجاين وهو حياول التنظري هلذا املبحث، تصوره وفق دعائم خالف فيه علماء النحو الذين كانوا يعتقدون أن حصول التقدمي بىن

إنه قدم للعناية، ألن "مقصور على الغاية واالهتمام، إذ كان يكفي يف ظنوم أن يقال .)2("من أين كانت تلك العناية؟ ومبا كان أهم"وتفادوا عن ذكر ،)1("ذكره أهم

كما إن هناك فرق جوهري بني الدراسات النحوية والدراسات البالغية من زاوية تلعب دورتعاملهما مع هذا املبحث، فقد نظر النحويون إىل قضية الرتبة باعتبارها

يها البالغيني العرب وفق نظرة مغايرة النموذج األدائي يف التركيب املألوف، بينما نظر إلاعتبار الرتبة عامال مهما من العوامل اليت : قوامها) اخلاص بالنحويني(عن التوجه األول

.)3(تساعد على حتديد كمية العدول

يعترب عبد القاهر اجلرجاين أن املقام من الدعائم األساسية يف عملية التقدمي ل عليها العبارات الكالمية، ومن أجل إثبات هذا املقتضى والتأخري اليت ميكن أن تشتم

كمثل ما يعلم من حال "التصوري يسوق اجلرجاين متثيل النحاة على هذه الفكرة بقوله الناس يف حال اخلارجي خيرج فيعبث ويفسد، ويكثر به األذى، أم يردون قتله، وال

قتل، وأراد مريد اإلخبار بذلك، فإذا. يبالون من كان القتل منه، وال يعنيهم منه شيءألنه " قتل زيد اخلارجي"، وال يقول "قتل اخلارجي زيد"فإنه يقدم ذكر اخلارجي فيقول

جدوى وفائدة، فيغنيهم ذكره " زيد"يعلم أن ليس للناس يف أن يعلموا أن القاتل له

)1، 1983الكتاب، حتقيق وشرح عبد السالم هارون، عامل الكتب؛ بريوت، الطبعة الثالثة، : عمرو بن عثمان بن قنرب: سيبويه) .34، ص 1ج

)2 .87عبد القاهر اجلرجاين، دالئل اإلعجاز، ص )

)3 .272البالغة واألسلوبية، ص : حممد عبد املطلب: ينظر)

Page 235: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

221

إليه مىت ويهمهم ويتصل مبسرم ويعلم من حاهلم أن الذي هم متوقعون له ومتطلعون مبعىن أن )1("يكون وقوع القتل باخلارجي املفسد، وأم قد كفوا شره وختلصوا منه

هي األساس املتني الذي ) املتلقني(االهتمامات والتوقعات والتطلعات اليت تساور املتلقي .كبري قدمي، فيقدم الكلمات اليت ال م املتلقي بقدرتيف عملية ال) البليغ(يعتد به املتكلم

انطالقا من هذا الطرح املتعلق مببحث التقدمي والتأخري عند عبد القاهر اجلرجاين ميكن أن نستشف بعض النقاط املتصلة بتخرجياته، واليت ال تبتعد من حيث الكنه والتوجه

:عن ما طرح يف الدراسات التداولية املعاصرة، وميكن أن جنمل هذه النقاط يف ما يلي

ظرة واعية دقيقة إىل هذا املبحث تفضي بالباحث إىل إدراج هذا التالعب إن ن-1، ويندرج هذا األخرية "التأثري املوقعي"املتعلق بتقدمي الكلمات وتأخريها ضمن بوتقة

ويقوم هذا . )2("مظاهر تأثري املقام يف صناعة الكالم"ضمن جمال آخر أوسع وهو غوية بإتيان ترتيب معين للكلمات يوافق املقام التالعب احلاصل على مستو التراكيب الل

املؤطر وحيثياته ومالبساته اخلاصة والعامة على حد سواء، ويندرج هذا الكل املتشكل ية وهو بدوره يف عنوان عام مثل هاجسا مهما للكالم البليغ وشروطه يف البالغة العرب

مع ما أقرته الطروحات التداولية، تماثل إىل حد بعيديي الذ" مراعات مقتضى احلال"البالغي (السيما يف حديثها عن مبدأ اإلستراتيجيات التداولية املنصاعة لنفس املعطى

.املتحكم يف قضية الرتبة وهو مقام التلفظ) التداويل/

إن طرح عبد القاهر اجلرجاين هاهنا يدل على إدراكه العميق إىل فكرة السياق -2وي وغري اللغوي، ويظهر هذا الوعي الفكري الناضج الذي سبق الباحثني بنوعيه اللغ

مدى "ن ياحملدثني واملعاصرين يف مسألة متفصالت السياق والعالقة بينها؛ عندما نعا

)1 .86عجاز، ص دالئل اإل: عبد القاهر اجلرجاين)

)2 .142وصف اللغة العربية دالليا، ص : حممد حممد يونس علي: ينظر)

Page 236: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

222

االهتمام بصحة الكالم، وصحة الكالم الشك مرتبطة بصحة املعاين الناجتة عن فكرة ، وال جرم يف القول إن فكرة املوقعية هذه تتأثر )1("وهذا هو السياق اللغوي... املوقعية

تأثرا مباشرا بالسياق غري اللغوي، الذي يرمي بإلزامياته وقيوده على منتج الكالم، فيجعله وهو ما ). السياق غري اللغوي(بسات املوقف ميوقع كلماته وعباراته وفقا ملا متليه مال

.جيعلنا يف صلب النظرية التداولية

املرتبطة أوال وقبل كل -التقدمي والتأخري يف الدراسات البالغية عل قضييتل-3تدعونا إىل ؛-شيء باعتبارات مقامية تغذي اخلطاب البالغي الناجح ذو احلسن والقبول

استحضار تلكم التنظريات التداولية املتعلقة بالقوة اإلجنازية للعبارات واألفعال الكالمية، أن املسألة ترتيب الكلمات يف التراكيب -وعلى رأسهم سورل–التداوليون حيث يرى

.)2(هذه الصياغات) القوة اإلجنازية(اللغوية دور طالئعي يف حتديد مدى قوة

التخرجات البيانية ضبع" أسرار البالغة"كما نلفي لعبد القاهر اجلرجاين يف كتابه . تنظرياا املتعلقة باإلستراتيجية اخلطابية الناجحةاليت ترقى وحتلق يف مساء التداولية و

حيث يرى هذا العلم البليغ أن يف استعمال االستعارة وجماوزة الوضع اللغوي الذي باألسلوب البياين، وفوائد ة معينة، فوائد فنية مجالية ترقىاختصت به مجاعة لساني

انزمات بطريقة جتعله أبلغ من إستراتيجية تأثريية تغذي اخلطاب وتطعمه بآليات وميكتعطيك الكثري من املعاين باليسري من اللفظ، حىت "التوظيف احلقيقي املباشر، حبكم أا

[...] خترج من الصدفة الواحدة عدة من الدرر، وجتين من الغصن الواحد أنواع الثمر ينة واملعاين فإنك لترى ا اجلماد حيا ناطقا، واألعجم فصيحا، واألجسام اخلرس مب

اخلفية بادية جلية، وإذا نظرت يف أمر املقاييس وجدا وال نأمر هلا أعز منها، وال رونق هلا ما مل تزا، وجتد التشبيهات على اجلملة غري معجمية ما مل تكنها، إن شئت أرتك

)1 .201، ص 2001العربية وعلم اللغة احلديث، دار غريب، القاهرة، : حممد حممد داود)

)2 .47آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص : ينظر حممود أمحد حنلة)

Page 237: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

223

ئت املعاين اللطيفة اليت هي من خبايا العقل، كأا قد جسمت حىت رأا العيون، وإن ش .)1("لطفت األوصاف اجلسمانية حىت تعود روحانية ال تناهلا إال الظنون

ميكن أن نستشف من خالل هذا القول أن الكالم عند عبد القاهر اجلرجاين على أنت تصل منه إىل الغرض بداللة اللفظ وحده، وذلك إذا : "ربني، فالضرب األولض

خرج زيد، وباالنطالق عن عمر : قيقةقصدت أن تخرب عن زيد مثال باخلروج على احلوهذا الضرب حتيل فيه الكلمات على معانيها العرفية، ولذلك )2("فقلت عمرو منطلق

يف الكالم الذي يراد منه اإلخبار، وعليه ميكن -يف غالب األحيان–فإنها تنحصر .ضعياملعىن الو/ األفعال الكالمية املباشرة/ إدراجها يف اإلستراتيجية املباشرة

ال تصل منه إىل الغرض بداللة اللفظ وحده، "أما الضرب الثاين، فهو ضرب ولكن يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه يف اللغة، مث جتد لذلك املعىن داللة

وبذا )3("ومدار هذا األمر على الكناية واالستعارة والتمثيل. ثانية تصل ا إىل الغرضفإن هذا الضرب يتماثل مع األفعال الكالمية غري املباشرة اليت ال يتطابق معناها احلريف مع غرضها اإلجنازي، كما يندرج هذا الضرب ضمن اإلستراتيجيات التداولية التلميحية، اليت ال ميكن الوصول إىل معناها الذي تدل عليه إال من خالل عمليات ذهنية استداللية

، اليت حظيت بدروس L’intentionnalitéا املتلقي لغرض الوصول إىل القصدية يقوم .PH" (بول هربرت غرايس"و" سورل"مستفيضة من لدن الباحثني التداوليني مثل

Grice( ادسحيث اقترح هذا األخري يف سلسلة من املقاالت يف العقدين اخلامس والس ، Intensionيف مفهوم آخر هو القصدية ) La Signification(أن خيتزل مفهوم الداللة

)4( ،

)1، بريوت، )1(أسرار البالغة يف علم البيان، حتقيق عبد احلميد هنداوي، دار الكتب العلمية، الطبعة / عبد القاهر اجلرجاين)

.40لبنان، ص

)2 .178عبد القاهر اجلرجاين، ص )

)3 .178املصدر نفسه، ص )

(4) Diego Marconi, 1997, la philosophie du language au XX ième siècle, traduction Française, par : M : Valinsi.

Edition de l’éclat, Paris, p : 103.

Page 238: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

224

إىل جمال علم النفس La sémantiqueوقد نتج عن هذا االقتراح الغرايسي االنتقال بالداللة Psychologie.

):هـ626ت ( األبعاد التداولية من خالل أفق السكاكي-5

يستدعي االنتباه يف هذه املرحلة من مراحل البالغة العربية هو ذلك ماإن أهم وأصبح صفة ملتصقة له، مما ) النثر/الشعر(التصدع واجلمود الذي طال األدب بنوعيه

ود البالغي بصفة عامة، إذ احنصرت جه أدى إىل التأثري على الدراسات التنظريية للدرسذه احلقبة يف تلخيص أعمل اإلمام عبد القاهر اجلرجاين الباحثني والعلماء البالغيني يف ه

من تنظريات وخترجيات بالغية، كما " األسرار"و" الدالئل"واستثمار ما جاء يف كتابيه .)1(اجتهت جهود البالغيني يف هذه املرحلة إىل تلخيص تنظريات الزخمشرييف ور طالئعي مميز وال ضري القول؛ إن من أهم األعالم البالغيني الذين كان هلم د

القزويين "واخلطيب " مفتاح العلوم"للدرس البالغي، نلفي السكاكي بفضل كتابه التنظري ".املعاين والبيان والبديع: اإليضاح يف علوم البالغة" يف كتابه

لقد ضمن السكاكي كتابه مفتاح العلوم تقسيما لعلمي املعاين والبديع بطريقة مبثابة الصيغة النهائية للتقسيم اليت استقرت عرب العصور، ممنهجة وحمكمة اعتربت

وباإلضافة إىل هذا التقسيم ضم السكاكي للبالغة ذيال حتدث فيه عن الفصاحة والبالغة العربية واحملسنات البديعية اللفظية واملعنوية، وبذا غدت أقسام البالغة عنده تشتمل على

.)2(ديعاملعاين والبيان وتوابعهما من البحماولة باحثة عن التنظريات اليت س مفتاح "طرت يف هذا الكتاب من عند أي

؛ نلفي التعلق الشديد الواضح الذي اعترى خترجيات السكاكي البالغية بفكرة "العلومومن . )3(، لدرجة أا غدت جتسد أساس البالغة"لكل مقام مقال"أو " مقتضى احلال"

)1 .374البالغة تطور وتاريخ، ص : شوقي ضيف: ينظر )

)2 .37املرجع نفسه، ص : ينظر)

)3 .33، ص 2000مجيل عبد ايد، البالغة واإلتصال، دار غريب، القاهرة، : ينظر)

Page 239: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

225

بني إسهاماته التنظريية يف هذا الصدد؛ تلك التوصيات والشروط البالغية الفنية اليت من شأا اإلرتقاء بالكالم حنو احلسن والقبول، وقوام هذه التوصيات متمركز حول تسليط

الفكرية اليت تساور املتلقني، على أساس /العناية على مقامات التلفظ واالهتمامات النفسيةا ألفاظه وعباراتهأ ويف هذا الشأن . ا هي اليت تفرض على املتكلم الكيفية اليت يورد

: يقوم السكاكي بذكر بعض املقتضيات بشكل يوحي بتعددها وتنوعها، حيث يقولوإن . فإن كان مقتضى احلال إطالق احلكم فحسن الكالم جتريده عن مؤكدات احلكم"

الكالم حتليته بشيء من ذلك حبسب املقتضى كان مقتضى احلال خبالف ذلك فحسنضعفا وقوة وإن كان مقتضى احلال طي ذكر املسند إليه فحسن الكالم تركه، وإن كان املقتضى إثباته على وج من الوجوه املذكورة فحسن الكالم وروده على االعتبار

ره، وإن املناسب، وكذا إن كان املقتضى ترك املسند فحسن الكالم وروده عاريا يف ذككان املقتضى إثباته خمصصا بشيء من التخصيصات فحسن الكالم نظمه على الوجوه املناسبة لالعتبارات املقدم ذكرها، وكذا إن كان املقتضى عند انتظام اجلملة مع أخرى فصلها أو وصلها واإلجياز معها أو اإلطناب، أعين طي مجل عن البني وال طيها، فحسن

وبذا فإن املقام هو وحده من ميلي على املنتج الكالم البليغ )1("قا لذلكالكالم تأليفه مطابقيودا وإمالءات من شأا أخذ الكالم والتوجه به حنو إستراتيجية حمددة ) ذو احلسن(

.تناسب وتتطابق مع اجلو اإلنتاجي للخطابات بكل أشكاهلا وصورهاختالف مقامات الكالم املختلفة، وال ضري يف القول؛ إن هذه املقتضيات خمتلفة با

ال خيفى عليك أن مقامات : "ولذلك نلفي السكاكي يعدد األحوال واملقامات؛ إذ يقولفمقام الشكر يباين مقام الشكاية ومقام التهنئة يباين مقام التعزية ومقام : الكالم متفاوتة

د يف مجيع ذلك يباين املدح يباين مقام الذم ومقام الترغيب يباين مقام الترهيب ومقام اجلمقام اهلزل وكذا مقام الكالم ابتداء يغاير مقام الكالم بناءا على االستخبار أو اإلنكار، ومقام البناء على السؤال يغاير مقام البناء على اإلنكار، مجيع ذلك معلوم لكل لبيب،

)1 .95، ص 1990مفتاح العلوم، مطبعة مصطفى البايب احلليب وأوالده، الطبعة الثانية، مصر، : أيب يعقوب السكاكي)

Page 240: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

226

مقتضى غري وكذا مقام الكالم مع الذكي يغاير مقام الكالم مع الغيب، ولكل من ذلك .)1("مقتضى اآلخر

وإلثبات هذا املقتضى التصوري، عمد السكاكي إىل إدراج بعض الشواهد : ، يقول)التركييب(واألمثلة اليت من شأا إجالء الفروق بني العبارات وتشكيلها البنائي

إن زيدا منطلق إذا مسعته عن العارف بصياغة الكالم من أن يكون مقصودا به نفي "ك أو رد اإلنكار أو من تركيب زيد منطلق من أنه يلزم جمرد القصد إىل اإلخبار أو الش

من حنو منطلق بترك املسند إليه من أنه يلزم أن يكون املطلوب به وجه االختصار مع إفادة لطيفة مما يلوح ا مقامها وكذا إذا لفظ باملسند إليه وهكذا إذا عرف أو نكر أو

ميكن أن نستشف من هذا القول مدى اهتمام . )2("أو قدم أو أخر قيد أو أطلقالسكاكي مبقام القول ومطالبته بوجوب مراعاته لتحقيق أغراض ومقاصدم املتكلم

بيم الكالم واملقام من خلق كالم يتجه حنو الرقي ) التالؤم(البليغ، إذ متكن هذه املطابقة ، ويتحقق هذا املبتغى عن طريق استثمار العلم "لقبولاحلسن وا"البالغي وفائدته املرجوة

الكفاءة "بتعبري أدق ميكن القول أن ،بفوارق العبارات والصيغ ومواضع استعماالااليت ميتلكها املتكلم هي املعني األساسي يف عملية Compétence pragmatique" التداولية

من -ضمنيا–لتلفظ، وهذا ما نفهمه خلق كالم يشتمل على تركيب وبناء يناسب مقام ا .خالل هذا القول

التداولية بارزة عند هذا العلم البالغي، ولعل ما " االستعمال"وعليه تغدو فكرة تتبع خواص تراكيب الكالم يف "يزيد من جتليها عنده عندما عرف علم املعاين بأنه وقوف عليها من اخلطأ يف تطبيق اإلفادة وما يتمثل ا من االستحسان وغريه ليتحرز بال

إن املعرفة : ، وعند هذا احلد فال بأس يف القول)3("الكالم على ما يقتضي احلال ذكره

)1 .95املصدر نفسه، ص )

)2 .91املصدر السابق، ص )

)3 .91املصدر نفسه، ص )

Page 241: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

227

أي املعرفة باملستويات التركيبية، والداللية واملعجمية(مبعناها الصوري )*(اللغويةمنفذ للتطابق تبقى عاجزة عن أخذ مكان إستراتيجي يؤهل املتكلم بتأسيس ) والصوتية

حتقيق مقولة مراعاة مقتضى أي )1(بني قوله واإلطار التواصلي بكل مالبساته وحيثياتهإن املقدرة التداولية هي اخلليقة مبد املتكلم إمكانات فنية من : ، بل من املفيد القول"احلال

جمموع "حبكم أن اإلستراتيجية هي ) الناجح تداوليا(شأا تغذية إستراتيجية اخلطاب القواعد اليت جيب أن ترافق تواصل املرسل واملرسل إليه كي يتم ذلك التواصل

، وهكذا يكون االقتضاء األمثل هو املوجه الذي ال غىن عنه يف االنتقاء )2("بنجاحالنموذجي لإلستراتيجية ولوازمها املفضية إىل حتقيق تواصل ناجح سواءا يف بعده التعاملي

.عليأم يف بعده التفا: كما اجتهت جهود السكاكي إىل تفضيل القول يف اإلنشاء، إذ قسمه إىل ضربني

والطلب إذا تأملت : "إنشاء طليب، وإنشاء غري طليب، ويعرف اإلنشاء وتقسيمه إذ يقولنوعان نوع ال يستدعي يف مطلوبه إمكان احلصول وقولنا ال يستدعي أن ميكن أهم من

.)3("وع يستدعي فيه إمكان احلصولقولنا يستدعي أن ميكن، ون، ...أسلوب التمين، االستفهام، األمر: ومن بني أساليب اإلنشاء الطليب لديهم

أن هذا -بشيء من احليطة–ولعل لنا . ومن بني أساليب اإلنشاء غري الطليب واملدح والدموهو Searl" سورل"التقسيم الذي ارتضاه السكاكي يتقاطع وينسجم مع ما ذهب إليه

بصدد تصنيف األفعال الكالمية، حيث حصرها يف أصناف مخسة، من بينها األوامر

ويقصد ا معرفة املتحدث هو واحد من مصطلحات شومسكي، Compétence linguistiqueإن مصطلح الكفاءة اللغوية ) *(

، ويقصد به االستخدام اللغوي performanceاألداء : لقواعد لغته، وقائمة وحدا املعجمية، ووضع هلذا املصطلح مقابال هو .127وصف اللغة العربية دالليا، ص . حممد يونس علي: ينظر. الفعلي ضمن مواقف ملموسة

(1) Voire : Patrick Charaudeau, Dominique Maingueneau : Dictionnaire d’analyse de discours, p 113.

)2 .154، ص 1997األصول املعرفية لنظرية التلقي، دار الشروق للنشر، : ناظم عودة خضر)

)3 .170مفتاح العلوم، ص : السكاكي: ينظر)

Page 242: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

228

Directifs طلب، أمر، : اليت حيصل املتكلم من خالهلا على شيء من املتلقي مثل .اخل وهو ما يتقارب ويتماثل إىل حد بعيد مع حيثيات اإلنشاء الطليب...مسح

البالغيني املتأخرين الذين ساروا وفق منهج كما يعترب اخلطيب القزويين من السكاكي يف األخذ بفكرة مقتضى احلال، حيث اعتربها مبثابة حجر الزاوية بالنسبة

الذي ضمنه تنظريات " اإليضاح"، ويظهر ذلك جليا من خالل كتابه -للبالغة العربيةره العميق بتخرجيات ويتجلى تأث. وتقسيمات منهجية للمباحث األساسية للبالغة العربية

" مراعاة مقتضى احلال"و" لكل مقام مقال: "السكاكي املرتبطة باملقولة البالغية الشهريةوأما بالغة الكالم فهي مطابقته ملقتضى : "عندما عرف البالغة العربية على النحو التايل

.)1("احلال مع فصاحتهلي واملستنطق البياين ملا جاء لعل األمر الذي ال مناص يف ذكره، أن املتبحر التحلي

يف طيات كتاب اإليضاح من مضامني وطروحات، يلفي أن تصور القزويين يصب يف عمق الدرس التداويل املعاصر املهتم بالتواصل بكل أشكاله وصوره، وتظهر أحقية هذا املقتضى التصوري حني نذرك متام اإلدراك أن جوهر البالغة عند القزويين ال يقوم إالعلى وشائج تواصلية بالدرجة األوىل، فعلم املعاين متعلق بدراسة طرائق الكالم أو األسلوب، وذلك ليطابق مقتضى اجلال، أما البيان والبديع فهما قسمان بالغيان مرتبطان بكنه التواصل وجوهره، وذلك بفضل إعطائهما األولوية لالعتبارات اجلمالية املؤثرة يف

، مما جيرنا حتما إىل مبادئ واعتبارات تداولية مهمة كاإلقناع )2(نفوس املتلقنيوما إىل ذلك من املبادئ اليت من شأا االشتمال على محولية ... واالستمالة، والتأثري

.تداولية، تواصلية قوامها ضمان التواصل الفعل والناجح

)1املعاين والبيان والبديع، وضع حواشيه إبراهيم مشس الدين، دار الكتب القبلية، : اإليضاح يف علوم البالغة: اخلطيب القزويين)

.20، ص 2003الطبعة األوىل، بريوت، لبنان، )

2 .وما بعدها 04اإليضاح، ص : اخلطيب القزويين: ينظر)

Page 243: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

229

ت خلق الكالم كما نلفي القزويين يشدد على الوضوح يف توصياته اخلاصة بعمليايف هذا الصدد " اإليضاح"والتلفظ به، ولكن أفضل سند جيانا وحنن نتصفح كتابه

علم يعرف به إيراد املعىن الواحد بطرق خمتلفة يف "هو : تعريفه لعلم البيان، حيث يقول، وعند هذا احلد يصبح االبتعاد عن اللبس والولوج يف األسس )1("وضوح الداللة عليه

املفضية إىل الوضوح مسعى قيم وركن ركني يف علم البيان وهو ما يضمنا جنبا واآلليات .إىل جنب مع صميم التوصيات التداولية اليت صدرت من نظرياا كما ذكرنا سالفا

كاالستعارة : باإلضافة إىل هذا الطرح، فإن اآلليات الواقعة حتت لواء علم البيانراجها عند القزويين من جمال اآلليات الفنية اإلجرائية والكناية والتشبيه، ال مناص من إد

اليت يتجلى هدفها يف خلق تأثريات على املتلقني وبالتايل قلب الواقع وتغيري القناعات فاعلم أنه مما اتفق العقالء على "وكل ما يصب يف هذا املعىن، يقول القزويين يف التشبيه

، وأن تعتيب املعاين به يضاعف قواها يف حتريك شرف قدره، وفخامة أمره يف فن البالغة، وعلى هذا )2("النفوس إىل املقصود ا مدحا كانت أو ذما، أو افتخارا، أو غري ذلك

األساس تغدوا الصور البيانية ومن بينها التشبيه من اآلليات اإلستراتيجية التي تستهدف . ذا ما قورنت باالستعمال املباشراملقصدية وترسخها يف ذهن املتلقي بطريقة قوية إ

بطريقة أدق إن استعمال األفعال الكالمية املشتملة على اآلليات البيانية تفضي إىل نوع من القوة اإلجنازية الشديدة إذا ما قورنت باالستعمال العادي واملباشر، الذي ال ميكن له

.على املتلقني" أن يلقي حبمولة إجنازية، تأثرييةيفه لعلم البديع، يتجه بنا إىل إدراك الرابط املتني الذي يربط اآلليات كما أن تعر

اليت حتق م وحتى ...البديعية باملتلقني واألوضاع احلضارية والثقافية واالجتماعيةهو علم يعرف به وجوه "، حيث يقول يف تعريفه )خاصة اللغوي منه(مستواهم املعريف

)1 .163ص : املصدر نفسه)

)2 .164ص : املصدر نفسه)

Page 244: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

230

يف " بعد"إن استخدام كلمة . )1("ية على مقتضى احلالحتسني الكالم، بعد رعاية تطبيقهذا التعريف توحي بأن رعاية مقتضى احلال من األولويات اليت ينبغي عدم التغاضي

أن : عنها قبل املباشرة يف تغذية الكالم بآليات بديعية، وهذا لعدة أسباب واعتبارات منهامثال تكون عصية على فهم بعض املتلقني بعض احملسنات البديعية اليت يعتمدها البليغ

إن استعمال التعبري البديعي ال : وعليه ال ضري يف القول. ذوي القدرات اللغوية البسيطةينفك، بل وال ينفصل عن معرفة حاالت املتلقني أو افتراض ذلك احلال، وعند هذا احلد

نلفيه يفرض نفسه يف النظام مفهوم " Présupposition"أن االفتراض السابق : ميكن القول .)2(البالغي العريب

نلفي القزويين يورد يف كتابه بعض األفكار اليت من شأا التخريج؛ فضال عن هذااإلرتقاء املعريف مع ما وصلته إليه التنظريات التداولية املعاصرة، منها ما تعلقت خبروج األساليب من معناها األصلي إىل أغراض أخرى، تدرك عن طريق القرائن واألحوال،

كثريا ما تستعمل ] ألفاظ االستفهام[لفاظ مث هذه األ: كاالستفهام وأدواته اليت قال فيهايف معان غري االستفهام حبسب ما يناسب املقام، مث يردف هذا الكالم ببعض املعاين اليت

مستشهدا يف كل معىن ... خيرج إليها االستفهام كاالستبطاء والتعجب والتنبيه والوعيدذكر أن من بني املعاين الفرعية اليت ، كما )3(من كل هذه املعاين بآليات من الذكر احلكيم

: معىن اإلباحة، ويتحقق هذا املعىن عند قولك يف مقام اإلذن: خيرج إليها أسلوب األمر، وكل هذه )4("احلسن أو ابن سريين، ملن يستأذن يف ذلك بلسانه أو بلسان حالهجالس

، وهو ما جيعلنا ) اللغوياللغوي وغري(املعاين الفرعية هي معان تستنتج من السياق بنوعيه .نستحضر نظرية االستلزام احلواري، واملعىن الناتج عن اخلرق

)1 .252اإليضاح، ص : اخلطيب القزويين)

)2 .47إستراتيجيات اخلطاب، ص . عبد اهلادي بن ظافر الشهري: ينظر)

)3 .112اإليضاح، ص : اخلطيب القزويين: ينظر)

)4 .116املصدر نفسه، ص )

Page 245: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

231

ويف إطار حديث القزويين عن احلذف، يعطي يف كتابه بعض الوجوه اليت يأيت حذف املضاف وإقامة املضاف إليه مكانه، ومن بني : ، ومنها"إجياز احلذف"عليها

È≅t↔ó™uρ sπtƒ �الصدد قول اهللا تعاىل يف سورة يوسف األمثلة اليت اعتمد عليها يف هذا ö� s)ø9 $#

ÉL©9 $# $ ¨Ζà2 $ pκ� Ïù �)1( مث يردف إيراد هذه اآلية الكرمية، بأن احملذوف يف هاهنا هي كلمة ،ولعلنا ال نبلغ يف القول شططا، أن اإلجياز باحلذف بشكل عام مرتبط حبذف . )2(أهلها

بعض الكلمات يف الصياغات اللغوية باعتبار أا مدركة لدى املتلقي، أي أن صانع اخلطاب ينطلق يف استعمال اإلجياز باحلذف ووجوهه املتعددة من افتراض مسبق

Présupposition له ملأل األلفاظ والكلمات مفاده أن للمتلقي معلومات وإمكانات تؤه ). األفعال الكالمية(احملذوفة يف العبارات اللغوية

):هـ684ت (حازم القرطاجين األبعاد التداولية من خالل أفق-6

يعترب حازم القرطاجني من البالغيني البارزين الذين دلو بدلوهم يف سبيل إثراء وإمداده بتصورات ختدم صميمه وتأخذ بيده حنو االنتظام والتطور الفكر البالغي العريب،

املعريف املنهجي، بشكل جعل التنظريات اليت نبعت من جهده الفكري ترتقي لتالمس .واقع بعض التنظريات اليت اختصت بالدرس التداويل املعاصر

لفطنة العالية حلازم لعل من أبرز اجلهود التنظريية التي نبعت من اإلدراك العميق واالقرطاجني، واحلاملة يف طياا ومضات تداولية كثرية ال يستهان ا؛ تلك اليت تعلقت حبديثه عن القوى وأقسامها، حيث تضمن هذا التخريج بعض املقومات اليت حنسبها تفرض وبقوة يف الدرس التداويل املعاصر، وبالضبط يف مفهوم الكفاءة التداولية

Compétence pragmatique الذي سيطر على نصيب وافر من األحباث املتعلقة بالدراسات .واملقاربات التداولية

)1 .82: سورة يوسف اآلية )

)2 .145القزويين، اإليضاح، ص : ينظر)

Page 246: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

232

إن مفهوم الكفاءة التداولية يف التفكري التداويل عبارة عن نسق مركب يتألف : ، وهي)قوالب(من مخسة ملكات " سيمون ديك"حسب الباحث والفيلسوف اللغوي

. وامللكة املنطقية، وامللكة املعرفية وامللكة اإلدراكية وامللكة االجتماعية امللكة اللغوية،فامللكة اللغوية هي اليت تسمح للمتكلم بصناعة وتؤويل عبارات لغوية ختتلف من حيث بناءها باختالف املواقف واألطر التواصلية املختلفة، أما امللكة املنطقية؛ فهي املسؤولة عن

اللغة مبعارف عن طريق قواعد استدالل حتكمها مبادئ املنطق، أما تزويد مستعملبالنسبة للملكة املعرفية، فهي اليت تؤهل مستعمل اللغة الطبيعية للتزود من معارف منظمة، واشتقاق عبارات لغوية وختزينها الستعماهلا يف تأويل العبارات اللغوية، أما امللكة

ن املتكلم من إدراك حمبطة، مما يترتب على ذلك معارف يستند اإلدراكية فهي مقدرة متكإليها يف إنتاج وتأويل العبارات اللغوية، أما امللكة االجتماعية، فهي مقدرة ختول املتكلم

.)1(من إنتاج تعبريات متناسبة مع املواقف التواصلية املختلفةاملكونة للكفاءة التداولية يف بالنظر الوايف واملعاينة املتفحصة إىل هذه امللكات

الدرس التداويل املعاصر، تظهر بعض التماثالت والتقاطعات املعرفية بني هذه امللكات وخترجيات حازم القرطاجين، وهو يف مقام حديثه عن القوى، حيث قسمها إىل ثالثة

لشكل القوة احلافظة واملائزة والصانعة، وميكن شرحها وتفصيلها على ا: أقسام، وهي :)2(التايل

هي القوة املرتبطة بانتظار خياالت الفكر وترتيبها ومتييزها إلنتاج :القوة احلافظة .خطاب مناسب للسياق

)1، دار األمان، )البنية التحتية أو التمثيل الداليل التداويل(قضايا اللغة العربية يف اللسانيات الوظيفية : أمحد املتوكل: ينظر)

.17، ص 1995الرباط،

)2أيب احلسن القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج األدباء، تقدمي وشرح حممد احلبيب ابن خوجة، دار الغرب اإلسالمي، : ينظر)

.42/43ص : ، ص1981ريوت، الطبعة الثانية، ب

Page 247: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

233

وهي مقدرة متكن املتكلم من التمييز بني ما يالئم املوضع والنظم :القوة املائزة .واألسلوب والغرض مما ال يالئم ذلك

األجزاء من األلفاظ واملعاين ضعن ضم بعوهي املسؤولة :القوة الصانعة .والتركيبات النطقية إىل بعض

إن انصهار هذه القوى وتضافرها يف إنتاج اخلطابات هو ما تصنعه الكفاءة ، فكل "مسون ديك"لفيه كنتيجة لتضافر القوالب املتمفصلة عند نالتداولية، وهو نفسه ما

أجل إنتاج "من -افر الشهريحسب الباحث ظ–يعمل ) القوالب/القوى(منهما خطاب، ال يتسم بصحة تراكيبه فحسب بل وبكونه ذلك اخلطاب املناسب للسياق،

. )1("الذي يضمن به املرسل التعبري عن قصده، باإلضافة إىل حتقيق هدفهعند هذا احلد؛ ميكن القول أن كل من هذه القوى والقوالب تلعب دور الرابط

منهم (ورية ووظيفة التواصل، وهو ما دفع بعض الباحثني اللغويني بني اخلصائص الصتناسب يمبفهوم Compétence linguistique" القدرة اللغوية"إىل تبين اقتراح استبدال ) هاميز

.)2("القدرة التواصلية"مع الطبيعة االجتماعية للغة وهو مفهوم األطر وااالت املعرفية املشتركة إن هذا احلصر والرصد املعريف القائم على حتديد

بني التراث البالغي العريب واملنظومة املفاهيمية للدرس التداويل املعاصر؛ كان جزءا يسريا مقارنة مع املساحات والفضاءات املشتركة واملوجودة فعال يف مفترق طرق هذين

ض النماذج اليت من الدرسني، ولكن طبيعة البحث وحدوده فرضت عليا التعرض إال لبعشأا إشباع اجلوع الفكري للباحث الذي حيمل اهلموم املعرفية املتعلقة بالوقوف على

.اإلمتدادات املعرفية للمدونة البالغية العربية من وجهتها التداولية

)1 .58إستراتيجيات اخلطاب، ص : عبد اهلادي بن ظافر الشهري )

)2دار الثقافة، الدار ) حو الوظيفي، األسس املعرفية والديداكتيكيةمنوذج الن(اللسانيات والبيداغوجيا : علي آيت أوشان: ينظر)

.ا بعدهاوم 38، ص 1998البيضاء، الطبعة األوىل،

Page 248: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني العرب :الفصل الثالث

234

بعض إىل هذا املبتغى، نسعى يف فصلنا املوايل إىل انتقاء يولتحقيق الوصول احلقيقبطريقة نوعية منهجية منظمة لغرض اخللوص إىل اومدارسته اومعاجلته ةالغيبال اآلليات

الواقعة حتت . املباحث البالغية هذهأهم الومضات واآلليات التداولية التي تنطوي عليها ).املعاين، البيان، البديع(لواء علوم البالغة

Page 249: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

توطئة

.األسس واملعامل التداولية يف علم املعاين-1

.ظاهرة احلذف ونظرية االفتراض السابقبني -1.1

الكالميةبني اخلرب واإلنشاء ونظرية األفعال -2.1

.اإلطناب وطابعه احلجاجي-3.1

.الفصل والوصل عند السكاكي وإجراءاته التداولية-4.1

.املعىن املستلزم مقاميا يف البالغة العربية ومربراته التداولية-5.1

.االستفهام ونظرية االستلزام احلواري أسلوب-1.5.1

.السياقيةاألبعاد التداولية يف أسلوب األمر وأغراضه -2.5.1

.أضرب اخلرب عند املربد واالعتبارات التداولية-6.1

.األبعاد التداولية يف علم البيان-2

االستعارة واحلجاج- 1.2

.الكناية ومبدأ التأدب-2.2

.االجتاه التداويل القصدي يف علم البديع-3

.األسس التداولية يف آليات علم البديع- 1.3

).الزخمشري منوذجا(وقيمه التداولية أسلوب اإللتفات-2.3

Page 250: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

236

:توطئة- 1اليت )*(إن أول ما جيدر التنبيه عليه يف هذا الصدد هي تلك التأويالت املتعددة

الباحثني من العلوم ضألقيت على عاتق التوجهات التداولية واهتماماا، فقد عدها بعاليت جيب أن تعين دورها يف إدراج السلوك اللغوي ضمن جمال أوسع واملتمثل يف نظرية

وذهب بعضهم بالقول أن على التداولية أن تركز اهتمامها يف ) براكسيس(الفعل ، بينما عدها البعض اآلخر من البحوث املهتمة أساسا )موريس(استعمال العالمات

.)1(أبعاده التفاعلية اليت حتصل بني األعضاء احليةبالتواصل بكل ولعل هذا الرأي األخري كفيل مبد جسور هذه النقاط التوضيحية اليت حناول من خالل تبني األثر التداويل الذي ينتشر حتت طيات البالغة، وذلك عن طريق رصد أهم

.التماثالت احلاصلة كال العمليةفقد نظر اللغويني والفالسفة إىل مصطلح التداولية ؛من جهة املهام املنسوبة إليهما

على أا ذلك العلم الذي يشتمل على دراسة استخدام اللغة يف عالقته بالسياق، السيما بلغ الشيء يبلغ بلوغا اإليصال، "كما أن البالغة هي من )2(دراسة اإلبالغ اللغوي

.)3("وكذلك التبليغع واضح والتقاء معريف ال يتخلله شوائب، من هذا االقتراب التصوي؛ نلمح تقاط

فكال العلمني يهتمان مبسألة اإلبالغ اليت يتم عن طريق اللغة، واحملاط مبجموعة من .ليت تؤطر للعملية اإلبالغية احلاصلة بني املتخاطبنياالظروف واملالبسات

املفهوم وإذا كان أوجز تعريف للتداولية متمثل يف دراسة اللغة يف االستعمال، فإنفن "الرئيسي للبالغة ينحصر يف ذلك اال املعىن بتتبع حركية اللغة أثناء االستعمال أو

كما يذكر فرانسور أرمينكو أن هناك فريقا آخر يعترب أن التداولية يف ذلك هي تلك العلم الذي يبحث االستعمال اللساين ) *( .12ينظر فرانسواز أرمنكو، املقاربة التداولية، ص .Max Blackضمن السياق، وميثل هذا االجتاه ماكس بليك

)1 .11املرجع نفسه، ص )

)2 .117حممد حممد يونس علي، وصف اللغة العربية دالليا، ص : ينظر)

)3 .مادة بلغ) ت.د(ابن منظور، لسان العرب، بريوت، دار صادر، )

Page 251: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

237

وميكن القول أن هذا التعريف األخري للبالغة يشتمل على جمالني يلتقيان إىل )1("القول :)2(حد كبري مع بعض جماالت التداولية املعاصرة وميكن بسطهما يف

وهو اال الذي يتعلق بالذوق، واالستخدام الشخصي للغة حبكم :الفن- األول- أنه يرتبط باملعرفة واملهارة اليت تؤهل املتكلم البليغ من اختيار وانتقاء أفضل السبل واالستراتيجيات التي من شأا أن تحدث تغيريات أو تعديالت على موقف املتلقي

واملتمثل يف دراسة ) الذي حدده بيرس(ألوسع للتداولية وقناعاته، وهو ما يقابل اال ا .العالمات وعالقتها مبستعمليها

ويشمل األداء الفعلي للغة، أي االستخدام الشخصي للغة يف :القول-الثاين- الواقع، وهو ما يلتقي مع الطروحات التداولية، السيما يف ذلك البعد املنطوي على

بني املتكلم والسامع، مما أدى ببعض الباحثني إىل عدم التمييز بني البالغة ممارسة االتصال الذي ينفي " البالغة العربية أصوهلا وامتداداا"يف كتابه " حممد العمري"والتداولية، كـ

احلدود املعرفية الفاصلة بني البالغة والتداولية ويدعم التداخل والتقاطع بني هذين وحديثا، يعاد االعتبار إىل البالغة العربية يف : "قول يف هذا الصدداألخريين، حيث ي

ومما يدعم من مصداقية هذه )3("التداولية: الدراسات السيميائية حتت عنوان جديدالدعوى االرتباط اجلذري للبالغة العربية بواقع استعمال اللغة، السيما بتنظيم قوانني

و اال احليوي للدرس املعاصر الذي خيدم بآلياته اخلطاب االستراتيجي الناجح، وهصورها، ليجعلها أكثر إفادة وتفسريا وتنظيما ومتاسكا وتأثريا اخلطابات بكل أشكاهلا و

. على املتلقني الذين يسمعوا أو يقرأواوبذا، فال ميكن اعتبار مصطلح البالغة؛ حيمل مفارقات ومميزات كثرية من حيث

والوظيفة، إذا ما قورن بينه وبني مفهوم التداولية، خاصة وأن التصور الذي اجلوهر

)1 .154خليفة بوحادي، يف اللسانيات التداولية، ص )

)2 .155املرجع نفسه، ص : ينظر)

)3 .214، ص 1999حممد العمري، البالغة العربية، أصوهلا وامتداداا، إفريقيا الشرق، املغرب، )

Page 252: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

238

اغترف منه العرب وهم ينظرون إىل الدرس البالغي، إنما كان مرتبطا لديهم بتحقيق والغاية اإلقناعية، واملتمثلة ) التفسري والفهم السليم للعبارات واخلطابات(الغاية اإلامية ما خلق تأثريات على موافقة )1(يف إيصال قصده إىل املتلقي) البليغ(م يف بلوغ املتكلورب

حسب الباحثني والعلماء التداوليني . وبالتايل حتقيق الوظيفتني األساسيتني للغة. األصليةحتليل "يف مؤلفهما " يول"و" براون"حسب (ومها الوظيفة التفاعلية والتعاملية . املعاصرين ". اخلطاب

ضافة إىل هذا، ركزت البالغة عنايتها، إلظهار أطراف العملية التواصلية وباإلوالعالقات القائمة بينهم، األمر الذي جعلها تصب يف جمرى األهداف اليت سطرا الدراسة التداولية املعاصرة وهي تتعاطى مع اللغة يف إطار عملها التواصلي، باعتبار أن

مه وعنايته على أطراف املوقف التواصلي والعالقات الدرس التداويل املعاصر يركز اهتما .)2(أي بالسياق وهذا بقصد حتديد العالقة بينه وبني بنية النص.. القائمة بينهم

ولعله ميكن القول أن نظرة التداولية إىل العالقات التفاعلية املنجزة عن أي عملية السليم احملقق للفهم تواصلية؛ كانت ذات طابع مشويل، حبيث أا تأخذ بكل التحليل

الصحيح للصياغات اللغوية، وقد حتققت هلا هذه الشمولية العتمادها على فرضية امللفوظ الكالمي من حيث هو أداة من أدوات التواصل اإلنساين، "أن : جوهرية مؤداها

ال يكفي أن حيلل اعتمادا على الوصف النحوي التقليدي أو التوليدي التحويلي، وال النحوي الداليل فحسب، إذ البد من أن يؤخذ يف احلسبان موضوع على الوصف

.)1("التواصلي، الذي يؤدي فيه هذا الكالم امللفوظ دوره )*(السياق

)1 .08، ص 2000مجيل عبد ايد، البالغة واالتصال، دار غريب، القاهرة، : ينظر)

)2 .25صالح فضل، بالغة وعلم النص، ص : ينظر)

مدعما هذه الرؤية اليت تعترب املقام من الركائز األساسية اليت يتطلب اإلملام يف أي حتليل –يقول الباحث اللغوي متام حسان ) *(ومعىن هذا بالتايل أننا حني نفرغ من حتليل الوظائف على مستوى الصونيات والصرف والنحو ومن : "...أو حبث عن املعىن

ال نستطيع أننا ندعي أننا وصلنا إىل فهم املعىن الداليل، ألن حتليل العالقات العرفية بني املفردات ومعانيها على مستوى املعجم

Page 253: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

239

واستنادا إىل هذه التجليات، فإن الدور الذي يقوم به امللفوظ يف سياق تواصلي تغيري الواقع وقلبه، مبعىن أن ويتمثل هذا الدور يف . معني هو ما تسعى التداولية إىل إبرازه

كل فعل يغري حالة العالقات القائمة بني أطراف احلديث واملوجودة من قبل ويأيت "، وبذا فإن التداولية تتجاوز تلك الرؤية التقليدية واليت كانت )2(بشروط نشاطات مقبلة

.)3(ترى أي قول ماهو يف الواقع سوى أداة اتصال تعرب عن حمتوى وقصد معنيذا فإن التداولية تتجاوز تلك الرؤية التقليدية واليت ترى أي قول ماهو يف الواقع وب

.)4(سوى أداة اتصال تعرب عن حمتوى وقصد معنيإن هذا التوجه الذي خاضته التداولية وسارت وفقه وهي تتعامل مع النصوص

ول معني؛ يعترب واخلطابات واملبىن على أساس إدراك معامل التغيري والتأثري املستوحى من قحيق خاصية جوهرية تشكل صميمها وهذا ما نلفيه مطروحا يف أسوار األهداف املسطرة من طرف بعض الباحثني واملنظرين التداولني وهم يف مقام احلديث عن مهام التداولية،

يقترح سلسلة من األسئلة اليت جيب Funk Kollegيف كتابه Venderlichفهاهو فندرليس :)5(ضى عليها أي لساين ومن بينهاأن ال يتغا كيف نربط عالقات مع األشخاص اآلخرين بواسطة القول؟-1) آرائهم ومعتقدام وقناعام(كيف ميكن التأثري على األشخاص اآلخرين -2

.بواسطة القول

متام حسان، اللغة العربية، معناها " الوصول إىل هذا املعىن يتطلب فوق كل ما تقدم مالحظة العنصر االجتماعي الذي هو املقام .342، ص 2003ومبناها، عامل الكتب، الطبعة الرابعة، القاهرة

)1 .215، ص 2007للسانيات وحنو النص، دار امليسرة، الطبعة األوىل، إبراهيم خليل، يف ا)

)2 .44اجللياليل دالش، مدخل إىل اللسانيات التداولية، ص )

)3 .ينظر املرجع السابق، الصفحة نفسها) )

4 .ينظر املرجع السابق، الصفحة نفسها) )

5 .43ينظر املرجع نفسه، ص )

Page 254: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

240

إىل أي مدى؛ ميكن للتلفظات اللغوية أن ترقى إىل مستوى طرائق خاصة -3 للعمل؟

جزء من علم أعم، هي دراسة "رف التداولية على أا كما نلفي أوستني يعالتعامل اللغوي من حيث هو جزء من التعامل االجتماعي، وذا التعريف ينتقل أوستني باللغة من مستواها اللغوي إىل مستوى آخر هو املستوى االجتماعي يف نطاق التأثري

ي انتقل عن طريقه من إن هذا التصور الذي اعترى فكر أوستني، والذ. )1("والتأثرواملتمثل يف . املستوى اللساين الذي يتم عن طريق اللغة، إىل مستوى آخر أكرب اتساعا

نظر تقيم دعائمها على أساس اعتبارات مقامية ةاملستوى االجتماعي، يعكس وجهمبثابة حمور تأطريي حياصر احلدث Le Contexteبالدرجة األوىل، مبعىن جعل مقام اخلطاب

ي من كل جوانبه، ويف هذه احلالة يصبح الكالم نتاجا من نتاجات املقام اللغو .ومالبساته

/ السامع(وبالتايل فإن كل العمليات التفسريية اليت حياول من خالهلا املتلقي ائن فهم معىن أي صياغة لغوية متوقف على مدى إدراك هذا األخري لتلك القر) القارئ

إن هذه العتبات املنهجية اليت يتبعها الدرس التداويل يف .واملالبسات والظروف املقاميةالتعامل مع النصوص واخلطابات هي عناصر جندها تفرض نفسها وبقوة يف الدرس البالغي بشكل عام، ألن البليغ حياول اللعب باللغة وفق مسار يضمن له تأثريا بني البليغ

يضع نصب عينيه تلك التحوالت واملتلقي وما ينجر عنها من تأثري وتأثر حتصل يف جو والتغريات اليت تكون نتيجة مباشرة حتمية لتغري املقامات واملتلقني، مبعىن أن البليغ يف هذه

متعلقة تعلقا شديدا باملوافق ) فنية مجالية/ إجرائية(احلالة يوظف أدوات بالغية سرفة غية هي البحث يف مهمة البال"واملقامات واملتلقني، وهذا ما يقودنا إىل القول أن

)1، 2004، متوز 399وحتليل اخلطاب، جملة املوقف األديب، دمشق اختاذ الكتاب العرب، العدد راضة خفيف بكري، التداولية ) .56 ص

Page 255: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

241

باعتبار أن هذه . )1("خصائص الكالم يف عالقتها بقواعد االنتظام اليت تقدمها قوانني اللغةفهو األداء الفعلي "األخرية نظام من الرموز تتحكم فيه شبكة القوانني، أما الكالم

.)2("امللموس للغة من قبل الفردإن هذا األداء الفعلي يللغة كنظام إىل كالم يراعي فيه ل حدث االنتقال من افع

مجال األلفاظ والعبارات املستخدمة، وحتقيق تالؤم بني كالمه : البليغ اعتبارين أساسينيهذا واملقام الذي يالبس العملية التواصلية احلاملة بني البليغ واملتلقي، وذلك مبين على

، وينبغي أن ars bene dicendiفن اخلطاب اجليد "أساس أن البالغة يف عمومها هي وكل هذا من أجل حتقيق التأثري على )3()")*(لكل مقام مقال(يناسب اخلطاب املوقف

.املتلقي... وعليه، وجب على البليغ األخذ بعني احلسبان الظروف النفسية واالجتماعية

فكرة "للمتلقي، قصد حتقيق التالؤم بني كالمه وهذه احليثيات األخرية، باعتبار أن املستمع، تؤثر يف عملية إنتاج النص، إذ أن منتجه يراعي الطرف املستقبل يف التوجه إىل

وحيدث هذا انطالقا من فكرة جوهرية مؤداها أن متلقي اخلطاب )4("إطار هذا املفهوم .)5(يف النموذج البالغي حيتل املقام األول بدون منازع

الدرس البالغي يف ويف ظل هذه التجليات يظهر االلتقاء أو التماثل القائم بنيعمومه والدرس التداويل من جهة اعتماد كليهما على املقام وحيثياته فإذا كان القلم ركن مهم من أركان وأساسيات التوجه البالغي سواء تعلق األمر بالعملية اإلنتاجية

)1 .07حسن البحريي، علم لغة النص، ص )

)2 .املرجع نفسه، الصفحة نفسها)

البالغية، وذلك يف سياق تعرضنا ألهم املباحث البالغية ) لكل مقام مقال(الثاين على مقولة املبحثسوف يأيت احلديث يف ) *( . وأبعادها التداولية

)3 .08املرجع نفسه، ص )

)4 .املرجع السابق، نفس الصفحة) )

5فريقيا الشرق، بريوت، هنرش بليت، البالغة واألسلوبية، حنو منوذج سيميائي لتحليل النص، ترمجة حممد العمري، إ: ينظر)

.24، ص 1999لبنان،

Page 256: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

242

؛ فإن )اخلاصة باملتلقي(، أو بالعملية التفسريية الباحثة عن املعىن )البليغ(اخلاصة باملتكلم . )1) (*(النظرية التداولية للنص تقوم كذلك على مفهوم مقام اخلطاب

إذا تطرقت التداولية لتكون املقام وفق منهج خالف الدراسات التواصلية السابقة، ومتيز باالتساع والشمول، باإلضافة إىل اعتبارها أن املقام مكون أساسي يتطلب اإلملام

كل ما يقال؛ اتسعت حدودها لتشمل متفصالت السياق به، من أجل تقدمي وفهمالسياق النفسي واالجتماعي والتخيلي، أي أنواع من اخلطابات أو "وحدوده ليغطي

الرسائل، يتخلف سياقها فتختلف حمتوياا، مث تتمايز بشكل جذري، فتكون القضايا .)2("التي تثريها خمتلفة أيضا

بالسياق إىل درجة أنها عرفت يف بعض األحيان وقد وصل حد اهتمام التداولية ، مما دفع أحد الباحثني التداوليني؛ )3("علم االستعمال اللساين ضمن السياق"على أا

ضرورة إعادة تسمية : إىل اعتقاد تصوري راسخ مفاده Max Black" ماكس بليك"وهو . التداولية مبصطلح السياقية

وهي تتعامل مع الصياغات اللغوية بكل . إن هذا املنهج الذي تعتمده التداوليةيف قضية السياق هو نفسه املنهج الذي تقوم . أشكاهلا وصورها وأطرها التواصلية املختلفة

عليه البالغة يف أمسى معاملها سواء كانت قدمية أم جديدة معاصرة وخري دليل على هذا ذلكم الطرح الذي ورد يف كتاب املنظر والباحث يف جمال البالغة املقتضى التصوري هو

، حيث حاول هذا املنظر البالغي أن "فلسفة البالغة"، املوسوم بـ"ريتشاردز"اجلديدة يفند تلكم التصورات واالفتراضات التقليدية التي لطاملا اعتقدت بوجود معىن وحيد

لقد اختارت البالغة الكالسيكية مقام اخلطاب القضائي كنقطة انطالق هلا، حيث كان احملامي يقف يف املوقف املخصص له ) *(مقامان -باإلضافة إىل هذا املقام–ليتهم أو لريد على االهتمام، وهو يسعى إىل كسب رضا القاضي، كما ال ميكن التغاضي

. املرجع نفسه ص نفسها: ينظر. املقام التشاوري واملقام االحتمايل"تطبيقيات فصاحة إلقائية، وفصاحة لغوية

)1 .29ينظر املرجع نفسه، ص )

)2 .09 علي آيت أوشان، السياق والنص الشعري، من البنية إىل القراءة، دار الثقافة، الدار البيضاء، ص)

)3 .11فرامنواز أرمينكو، املقاربة التداولية، ترمجة سعيد علوش، ص )

Page 257: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

243

قد دعم هذا االفتراض اخلاطئ جمموعة من وخاص لكل كلمة منتقلة عن سياقاا، و، باإلضافة إىل بعض Doctrin of usage" مذهب االستعمال"النظريات يسمي بعضها بـ

الكتب املدرسية والتعليمية القدمية التي تقوم حبصر اخلطاب يف أبواب ذات أبعاد .ديداكتيكية ضيقة بعيدا عن الطابع التواصلي واالستعمايل

شاردز هذا التصور املفضي إىل إمهال أمناط اخلطابات وسياقاا لقد رفض ريتإن النقطة األساسية هنا هي "املختلفة وبالتايل اإلقرار بثبات املعاين، يقول يف هذا الصدد

افتراض أن للكلمات معاين مطبقة، كما أن للناس أمساءهم، وهي حتمل معها هذه املعاين وذلك االفتراض هو ما أهامجه، ألننا لو . ات ااورةإىل اجلمل بصرف النظر عن الكلم

تابعنا ما يترتب عليه من نتائج عملية يف الكتابة والقراءة وحترينا تأثرياته يف التفسري وهذا يعين أن . )1("لوجدنا أن عددا ليس بالقليل من أسباب سوء الفهم اللفظي كامن فيه

مقنن، ويدعو يف مقابل ذلك إىل جتاوز ريتشاردز حصر الكلمات يف إطار معىن وحيد وإىل التسبب يف سوء التأويل إىل -يف غالب األحيان–هذا األفق احملدود الذي يفضي

.جمال أرحب هو جمال تعدد املعاين الكلمات من خالل ربطها حبركية السياقاتأما وعليه؛ وجب القول أن التغيري يف املعىن خاصية أساسية يف خصوصيات اللغة،

الثبات فهو خرافة ينبغي عدم االنسياق وراءها أو التسليم ا، فالكلمة الواحدة ال تنطوي على معىن واحد وثابت، ولكنها حتيل إىل معان كثرية وإىل عواطف ومشاعر وانفعاالت قد حتيط باللفظة الواحدة، مما يفضي إىل نتيجة حتمية قوامها تنافس واسع النطاق بني

.ياقية متحركة ومتعددة تعطي العبارات اللغوية معناها املرادأشكال سنظرية "قائم على لناء -يف كتابه فلسفة البالغة-وملا كان مشروع ريتشاردز

فإن ذلك جعل تنظرياته هاهنا تلتحم مع الطروحات اللغوية املعاصرة " سياقية يف املعىناملرسل : سبيل املثال حيصر السياق يف على Haimes" فهاميس"املهتمة بلسانيات اخلطاب،

)1، 1991، 14و 13ريتشاردز، فلسفة البالغة، ترمجة ناصر حالوي، وسعيد الغاملي، جملة العرب والفكر العاملي، العدد ) .25ص

Page 258: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

244

واملتلقي واحلضور واملوضوع واملقام، وللقناة والنظام وشكل الرسالة، واملفتاح والغرض، املتكلم واملخاطب : براون يف تصنيف السياق مبا يأيت. يول وج. كما اكتف كل من ج

عالة يف مسألة زيادة والرسالة والزمان واملكان ونوع الرسالة، واعتربا هذه العناصر ف .احلظوظ اليت متكن الـمخاطب أو احمللل يف فهم أي رسالة وتأويلها

إن االنصهار بني الدرس التداويل وفق هذا الطرح يقبع يف تلك املنطقة املعنية مبعانيه حركية املقام التي تعترب دعائمه مهمة يف عملية البحث عن التأويل والفهم

تكلم، إذ إن املنطوقات اللغوية ال تفهم يف حد ذاا، ولكنها يف حاجة الصحيح ملراد املهذا من جهة، )1(إىل املالبسات والظروف اليت قد تكون شخصية أو ثقافية أو تارخيية

مرهون مبدى مراعات املتلفظ L’énonciationويف اجلهة األخرى؛ فإن جناح التلفظ واليت تشكل عند انصهارها يف .. لنفسية واحلضاريةللظروف االجتماعية والثقافية وا

، وكل هذا من أجل خلق إستراتيجية تداولية حقيقية تنشد "املقام"ذهنية املتكلم مفهوم . حتقيق املقاصد املوجهة إىل املتلقني يف صلب األطر التواصلية التفاعلية

ية مبقوماا اليت ذكرنا بعضا وانطالقا من هذا ميكن أن نستشف أن البالغة املعياربالغة وصفية، بل : "Hainrich F. Pleetكما يقول هنرش بليت –منها كفيلة بأن تكون

، إا )للنص(أيضا بالغة تارخيية وتأويلية تعكس بصورة نقدية وصفية تلقي الشارح .)2("مؤهلة، يف هذه احلالة، لتكون أسس نظرية تداولية للنص

للكشف عن جوهر البالغة عن طريق سري أغوارها والولوج كما أن أي حماولة إىل عمقها؛ تقودنا حنو نفي أي اختالف حاصل بني البالغة والتداولية األهداف املسكرة

، فكالمها تتفقان يف اعتمادمها على اللغة كأداة ملمارسة )التداويل/البالغي(لكال الدرسني ينظران للغة على أا مطية ) التداولية/بالغة ال(مبعىن أن كليهما )3("الفعل على املتلقي

)1، 2004رمضان النجار، اللغة وأنظمتها بني القدماء واحملدثني، دار الوفاء للطباعة والنشر، اإلسكندرية، مصر : ينظر ) .233ص

)2 . املرجع نفسه، الصفحة نفسها)

)3 .124صالح فضل، بالغة اخلطاب، وعلم النص، ص )

Page 259: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

245

إن البالغة تداولية يف : "Letichويف هذا الصدد يقول ليتش . ذات بعد تأثري على املتلقنيصميمها، إذ أا ممارسة االتصال بني املتكلم واملستمع حبيث حيالن إشكالية عالقتهما

.)1("مستخدمني وسائل حمددة للتأثري على بعضهما البعضويظهر جليا أمام هذا الطرح؛ أن للبالغة دور للتداولية عند إنتاج النص، وذلك فيما يتصل بالعناصر اليت تتبعها من أجل التأثري واإلقناع، مبعىن أن اهلدف الرئيسي للبالغة

توفري القواعد وإعداد النماذج اليت يستطيع املتكلم مبساعدا إقناع سامعيه "ينحصر يف رته على حتقيق إثارة الشيء الذي يدافع عنه، وميكن وصف اخلطاب بأنه حبديثه ومبقد

.)2("متحيز ويقوم على اإلقناعوأمام هذه التجليات، ميكن القول إن للبالغة والتداولية دور متاثلي من حيث

، وإستراتيجيات معينة )إجرائية/فنية (اهلدف والوسيلة؛ فكالمها يقوم على إعداد ترتيبات وتأخذ كل هذه الترتيبات منحا . تأثري يف املتلقني وكل ذلك عن طريق اللغةمن أجل ال

ولرمبا ميكن . تالؤميا مع املقام الذي حياصر تلكم العملية التواصلية من حدودها وروافدها :توضيح هذا الطرح بالشكل التايل

)1 .124املرجع نفسه، ص )

)2 .09علم لغة النص، ص . حسن البحريي)

البالغـة

التداولية

طرق وإستراتيجيات + االعتماد على اللغة + املقـام

من أجل

التأثري على املتلقني

Page 260: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

246

كما أن البالغة يف حد ذاا، وما يتعلق بانقساماا الثالثة واملتمثلة يف علم املعاين والبيان والبديع تنحو منحا تواصليا ذو أفق تداويل بالدرجة األوىل، ذلك أن علم املعاين

طرائق الكالم أو األسلوب، وذلك ليطابق مقتضى احلل، أما البيان والبديع متعلق بدراسة فهما قسمان بالغيان مرتبطان بكنه التواصل وجوهره، وذلك بفضل عنايتهما باجلانب التنميقي واجلمايل لأللفاظ واجلمل التأثري يف النفوس وقلب القناعات ونفي الترددات

صلية ذات إستراتيجية ناجحة، وهو ما يصب يف عمق والشكوك، وبالتايل خلق فعالية تواوطروحات وآليات هدفها األساسي تغذية تاتداويل، الذي ما فتأ يعتد بفضاءالدرس ال

الكالم بأسس منهجية ختدم املتكلم من خالل مدها به مبجموعة من التوصيات واملفاهيم عملية التخاطبية ناجحة وفعالة ويف التي جتعل قصده واضحا، ال لبس فيه، مما جيعل ال

إن هذا الطرح هو ما سنحاول إثباته عرب رحلة . توى قبول واستحسان وفهم املتلقنيمسيف أغوار مباحث علوم البالغة املتمثلة يف املعاين، البيان والبديع قصد الوقوف على مسألة

مفترق الطرق معرفية جوهرية مفادها اكتشاف التعالقات والتقاطعات الواقعة بني من القرن الثالث هجري إىل القرن (املباحث اليت انبىن عليها اخلطاب البالغي العريب

. وبني تنظريات الفالسفة واللغويني التداوليني) السابع هجري

:األسس واملعامل التداولية يف علم املعاين-1

واألحوال إذا كان علم املعاين ذلك اال الذي يلقي مقارباته حول الظروف فهو )1(واملقامات اليت تعترب مبثابة الضابط واملؤطر والكنف اجلوهري لعملية صناعة الكالم

ذا املنحى إمنا خيطو خطوات حقيقية حنو التداولية اليت تعىن مبثل هذه املقاربات، وبذا مع فإن اآلليات واملباحث املندجمة حتت لواءه تتقاطع تقاطعا معرفيا يف بعض متظهراا

ومن أجل إثبات هذه الرؤية ال . بعض امليكانزمات املعتمدة بالتنظريات التداولية املعاصرةضري يف أن نأخذ بيد بعض املباحث اليت يشتمل عليها علم املعاين لنرى إىل أي حد ترقى

)1 .118ينظر، حممد حممد يونس علي، وصف اللغة العربية دالليا يف ضوء مفهوم الداللة املركزية، ص )

Page 261: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

247

وإىل أي وجهة تنحو إذا ما قابلناها مع خترجيات وتصورات ونظريات اجلهاز املفاهيمي عاصر، مستندين يف ذلك على تنظريات أهم البالغيني العرب املنتمني إىل ذلكم التداويل امل

. اال الزمين املذكور سالفا

:ظاهرة احلذف ونظرية االفتراض السابقبني -1.1

يعترب مبحث احلذف من املباحث التي استأثرت باهتمام نفر غري قليل من هو : "اجلرجاين يفرد له بابا خاصا به استهله بقولهر هالبالغيني العرب، فهاهو عبد القا

باب دقيق املسلك لطيف املأخذ، عجيب األمر، شبيه بالسحر فإنك ترى به ترك الذكر، أفصح من الذكر والصمت عن اإلفادة، أزيد لإلفادة وجتدك أنطق ما تكون إذا مل تنطق

.)1("وأمت ما تكون بيانا إذا مل تنب

ألكرب الذي حدى بالبالغيني العرب حنو مقاربة ظاهرة احلذف، ولعل الدافع ان دالالت ين وإبداعي من جهة، وما حتمله مراجع إىل ما حتمله هذه الظاهرة من مجال ف

ضافة إىل حماولة الربط بني البنية التركيبية لأللفاظ وبني وأغراض من جهة أخرى، باإلبني متتالية هذا بتوفري االتساق والربطاهلدف التواصلي الذي يسعى املتكلم لبلوغه، و

ل، أو على األرجع بني بعض عناصر اجلمل، ويتم هذا الربط بني مكونة من ألفاظ ومجعنصر وآخر وارد يف مجلة سابقة أو الحقة، أو بني عنصر ومتتالية برمتها سابقة أو

.)2(الحقة

اللفظ "عىن بتقليل ومما الشك فيه أن مساحة احلذف تتموضع يف ذلك اال املوتكثري املعىن وهذا يعين أننا نضع املعاين الكثرية يف ألفاظ أقل منها شريطة أن تفي

)1 .106. عبد القادر اجلرجاين، دالئل اإلعجاز، ص) )

2 .12/13. حممد اخلطايب، لسانيات النص، ص: ينظر)

Page 262: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

248

وهذا يعين أن احلذف من الفعاليات االقتصادية )1("بالغرض املقصود مع اإلبانة واإلفصاحجتاه اخلاصة بالكالم، وحتافظ هذه الفعالية على شرط إلزامي مهم وهو عدم التعمية واال

هي إثارة االنتباه وعمال دهن ) احلذف(حنو غرض املعىن، ألن األمهية العظمى املتأتية منه قصدية (وفكر املتلقي، الذي جيد نفسه ملزما مبعرفة احملذوف وموضعه لفهم املراد

، أو استنطاق األبعاد اجلمالية والفنية الواردة يف العبارات والصيغ الكالمية التي )املتكلم .تشمل على احلذف

من املنطلق ال ضري يف القول أن ما حقه الذكر يستقبح حذفه، ألن لكليهما منعدم ما مل يكن هناك انتظام وسياقات خاصة ما، والبعد اجلمايل يف أركان الكالم

ما جعل مبحث احلذف والذكر يأخذ نصيبا هو دقيق بني أجزاء الكالم وجودة سبكه، و" التغيري التركييب املعياري"غاالت البالغية الواقعة يف دائرة مفهوم ال بأس به من االنش

.املألوف بتحطيماملرتبط

يتأتى يف ال يم املعيار األصلي للغة طإن هذا العدول الذي يلقي بظالله على حت-العبارات والنصوص إال كنتيجة إستراتيجية ذات بعد تداويل جلي وصريح ال تسري إال مبصاحبة ارتباطات حقيقية مع السامع ودرجة دواعيه باخلطاب ودواعيه، وكذا االهتمام

-كما نرى–مبعطيات من نوعية أخرى كنفسيته وطريقة استقباله للنص، وهي كلها ولكي نثبت هذا املفترض التصوري، البد اقتطاع بعض الشواهد من اعتبارات تداولية،

لقبض عن القيم يات القرآنية واألبيات الشعرية املشتملة على ظاهرة احلذف وهذا لاآل .ابعة حتت جمال ظاهرة احلذفقالتداولية ال

:ومن بني الشواهد-

:يقول البحتري يف قصيدته اليت أوهلا

)1 .26. ، ص)دكتوراه(ظاهرة احلذف يف الدراسات اللسانية احلديثة : حممد ملياين)

Page 263: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

249

" ومي سفه نحلمأع رق أميوهو يذكر حماماة املمدوح عليه وصيانته له " األب :ودفعته نوائب الزمان عنه

وكم ي من حتامل حادثعن تدن إىل العظم دززة أيام حروس1(و(

حزرن : األفضل ال حمالة: "تعليقه على هذا البيت الشعري يقول اجلرجاين يف-وتركه يف الضمري مزية النطق، وإسقاطا له من ن يف جميئه به حمذوفالعظم، إال أاللحم إىل ا

يوقع املعىن يف نفس السامع إيقاعا وذاك أن من حدق الشاعر أن. جليلة عجيبة وفائدةاألمر شيئا غري املراد، مث ينصرف عن املراد، ومعلوم أنه لو ميعنه به من أن يتوهم يف بدء

رة أيام حززن اللحم إىل العظم جلاز أن يقع يف وهم السامع إىل أظهر املفعول فقال؛ وسوكان يف بعض اللحم دون كله، وأنه قطع ما ز، أن هذا احل"إىل العظم"أن جييء إىل قوله

قطه من فلما كان كذلك ترك ذكر اللحم، وأس. يلي اجللد، ومل ينته إىل ما يلي العظم، )2("الوهم، وجيعله حبيث يقع املعىن منه يف أنف الفهم ذااللفظ ليربئ السامع من ه

نستشف من هذا التحليل النابع من لدن عبد القاهر اجلرجاين أن فائدة احلذف هاهنا كون أن الدافع األول الستخدام البحتري هذا النوع من ساس تداويل حمض قائمة على أ

تعمية عن املقصدية التي عقد من متمثل يف دفع اللبس وال) حذف املفعول به(احلذف أجلها الكالم، وهو ما جنده ماثال يف حتليل عبد القاهر اجلرجاين لدواعي احلذف يف هذا

مما جيعلنا نتلمس تقاربا ومتاثال مفاهيميا بني هذا الداعي وبعض القواعد . البيت الشعرير نظرية االستلزام احلواري، والتربصات التي انبثقت من الدرس التداويل املعاصر يف مضما

توحي باالبتعاد عن اللبس والغموض واستعمال التي Modalitéوبالضبط يف مسلمة اجلهة .)3(اإلجياز

)1 .43البحتري، الديوان، ص ))

2 .123. دالئل اإلعجاز، ص: عبد القاهر اجلرجاين) )

3 .33/34. التداولية عند العلماء العرب، ص: مسعود صحراوي: ينظر)

Page 264: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

250

ويف هذا امللمح املتعلق حبذف املفعول به يورد عبد القاهر اجلرجاين لآلية اآليتني هذا النوع من الثالثة والعشرون والرابعة والعشرون من سورة القصص كشاهد على

È$£ϑs9 � :احلذف، يقول اهللا تعاىل uρ yŠ u‘uρ u !$tΒ št ô‰tΒ y‰y uρ ϵø‹ n=tã ZπΒ é& š∅ÏiΒ Ä¨$ ¨Ψ9 $#

šχθà)ó¡o„ y‰y_ uρuρ ÏΒ ãΝÎγ ÏΡρߊ È÷ s?r& t�øΒ $# Èβ#yŠρä‹ s? ( tΑ$ s% $ tΒ $ yϑä3ç7 ôÜyz ( $ tGs9$ s% Ÿω ’ Å+ó¡nΣ 4®L ym u‘ ωóÁ ãƒ

â !$ tãÌh�9$# ( $tΡθ ç/r& uρ Ó‡ø‹ x© ×�� Î7Ÿ2 ∩⊄⊂∪ 4’ s+|¡sù $ yϑßγ s9 ¢Ο èO #’ ‾<uθ s? ’ n<Î) Èe≅ Ïjà9$# �)1(، يعترب عبد القاهروجد : إذ املعىن"اجلرجاين أن يف هاتني اآليتني أربعة مواضع قد مت فيها حذف املفعول به

ال : عليه أمة من الناس يسقون أغنامهم أو مواشيهم، وامرأتني تذودان غنمهما، وقالتاكله إال نسقي غنمنا، فسقى هلما غنمهما، مث إنه ال خيفى على ذي بصر أنه ليس يف ذلك

وما ذاك إال أن الغرض يف أن يعلم أنه كان من . أن يترك ذكره، ويؤتى بالفعل مطلقاال يكون منا سقي حتى : الناس يف تلك احلال سقي، ومن املرأتني ذود، وأنهما قالتا

الم من بعد ذلك سقيه كان من موسى عليه الساء، وأنصدر الرع2("ي(.

به عبد القاهر اجلرجاين يف تبيان مواضع نلمس من هذا الت حليل الذي اختصمفهوم نلفيه L’intentionnalitéاحلذف الواردة يف هاتني اآليتني الكرميتني، أن املقصدية

يفرض نفسه يف الطروحات البالغية ومباحثها، حبكم أن الكالم البليغ ذو احلسىن ضيه الغرض، فإذا كانت العناية منصبة والقبول، البد له أن يكون منسوجا حسب ما يقت

على إثبات الفعل لفاعله وجب إسقاط املفعول به من أجزاء الكالم املصنوع، ويظهر أم غري إبالفأما ما كان املسقي غنما أم "حني أردف كالمه السابق ذا القول ذلك

امرأتني وجد من دوم: وذاك أنه لو قيل. ذلك فخارج عن الغرض، وموهم خالفه تذودان غنمهما، جاز أن يكون مل ينكر الذود من حيث هو ذود، بل من حيث هو دود

)1 .23/24اآلية : القصص ))

2 .116. اجلرجاين، دالئل اإلعجاز، صعبد القاهر )

Page 265: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

251

دنكر الذوى لو كان مكان الغنم إبل مل يي )1(..."غنم حتة التوبذا تتحقق اإلفادة املرجو .ينشدها املتكلم ويتطلع إليها املتلقي

:وقد جيري احلذف على عدة وجوه منها-

≅È �: ومن أمثلته يف القرآن الكرمي: املضاف وإقامة املضاف إليه حملهإحذف t↔ó™uρ

sπ tƒö� s)ø9 $# ÉL ©9 $# $ ¨Ζà2 $ pκ� Ïù �)2(فاحملذوف يف هذه اآلية الكرمية هي كلمة أهلها ،.

:)3(ومن كذلك قول املنتخل اهلذيل-

من اخلرس الصرامرة القطاط ميشي بيننا حانوت مخر

هاهنا صاحب احلانوت، لكن الشاعر أوجز كالمه، ولربما كان سبب فاملقصودتؤهله Compétence pragmatiqueالشاعر أن للمتلقي كفاءة تداولية هذا اإلجياز افتراض

من إدراك مواضع احلذف انطالقا من استدالالت قائمة على استثمار معطيات السياق مبعىن أن النقص الذي ميكن أن يشوب أي صياغة لغوية؛ ميكن . اللغوي ومالبسات املقام

.)4("ما يرشد إليه سياق الكالم أو داللة احلال"ملؤه وتكملته باالعتماد على

ب به، ومن األمثلة القرآنية التي ميكن االستناد إليها حذف اخلرب لعلم املخاط-2Èöθ �: يف هذا الصدد اآلية الواحدة والثالثون من سورة الرعد؛ يقول اهللا تعاىل s9 uρ ¨βr& $ ZΡ#u ö�è%

ôNu�Éi� ß™ ϵ Î/ ãΑ$ t6 Éf ø9 $# ÷ρr& ôM yè ÏeÜè% ϵÎ/ ÞÚö‘ F{$# ÷ρr& tΛÍj>ä. ϵÎ/ 4’ tAöθ yϑø9 $# 3 ≅ t/ °! ã� øΒF{ $# $ �èŠÏΗsd 3 �)5( فعند ،

)1 .116/117. املصدر نفسه، ص) )

2 .82اآلية : يوسف ))

3 .163. أبو هالل العسكري، الصناعتني، ص ))

4حممد حسنني أبو موسى، دالالت التراكيب، دراسة حتليلية ملسائل علم املعاين، منشورات جامعة قاريونس، الطبعة األوىل، )

.123. ، ص1979مصر، )

5 .31سورة الرعد، اآلية )

Page 266: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

252

ا راجع إىل علم ذخبرب، وه هذه اآلية الكرمية نالحظ أن اهللا سبحانه وتعاىل مل يأتمعانيه الذات القدسية بأن املخاطب يعلم اخلرب، وبذا كان من األولويات التغاضي عن ذكره،

داخل اجلمل به نياباعتبار أن كل ما يثبت معرفته عند السامع جيوز حذفه، ألن اإلتوالعبارات الكالمية ال حيقق أية فائدة، بل ربما سيزيد األمر تعقيدا وإلتباسا وتطويال يؤدي يف غالب األحيان باملتلقي حنو الضجر وامللل وتعطل نشاط التلقي اإلجيايب لديه،

عمومها وبالتايل اإلخالل بالعملية التواصلية برمتها، وهذا هو سر ميل اللغة العربية يفحنو اإلجياز واالختصار، وهو ما جياور مصطلح االقتصاد اللغوي يف الدراسات اللغوية

.املعاصرة املهتمة بالتواصل

بالتنويع يف الكالم حذف املبتدأ لدواعي ختتص باملتكلم ورغباته املتعلقة -3مبعىن أن )1("مقتضيات األحوال لفهم املخاطب ومعرفته وعمله مبضمون كالمه"حسب

ومن املواضع . السبب الرئيسي القابع وراء حذف أو ذكر املبتدأ يعود إىل املقام وحيثياتهالتي يستحسن فيها حذف املبدأ يف التقاليد البالغية والنحوية العربية؛ القطع واالستئناف ولذا نرى الشعراء العرب يبدؤون بذكر الرجل وبعض خصوصياته، مث يستطردون إىل

: آخر حمذوف املبتدأ يف غالب األحيان، ومن األمثلة الشعرية هاهنا قول الشاعر كالم )2(:عمرو بن معد يكرب الزبيدي

ك منازل كعبا وذا وعلمت أنى يوم ذا

قا وقداـوا حلـتنم قوم إذا لبسوا احلديد

، ولكنه "هم قوم: "م يف البيت الثاين، فأصل بداية البيتتنلحظ أن احلذف قد ، ولذا )وهي قبائل(ذكر يف البيت األول أنه نازل كعبا ودا ، ألنه"هم"أ دحذف املبت

)1 .183. ، ص2008مراعاة املخاطب يف النحو العريب، دار الكتب العلمية، الطبعة األوىل، لبنان، : بان اخلفاجي ) )

2 .134. املرجع نفسه، ص: ينظر)

Page 267: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

253

استأنف حديثا آخر أو جزءا جديدا من املعىن يف البيت الثاين قوامه ذكر عدم وخصوصيام التي امنازوا ا يف احلروب باالعتماد على احلذف، ألن أسلوب احلذف

مناسب لقوة االنفعال ذا اجلزء من املعىن، حبكم أن الفروسية واإلحساس ا هاهنا ويف هذه احلالة التي . يعظم حني تكون املواجهة يف ساحة احلرب ضد أعىت األعداء

نلحظ فيها اإلحساس الصادق النابع من التأثري املعنوي يكون السياق سياق إجياز بعيد .واإلسهاب كل البعد عن احلشو والتطويل

من هذا املنطلق نلمس أن األساليب البالغية العربية إنما تنطلق يف تشكيلها بالدرجة األوىل مبا يف ذلك اجلو النفسي الذي " استعمالية"النسقي من اعتبارات تداولية

) حذف املبتدأ(حييط باإلطار التواصلي، حبكم أن الشاعر يف هذا الوجه من احلذف ات املقامية بكل أبعادها وتقديراا ويستثمرها استثمارا حقيقيا يف بناء ينطلق من احليثي

.عباراته وأبياته الشعرية

ومن األمثلة التي ميكن االستناد عليها : الصفة وإقامة املوصوف حملها حذف-4È$Β �: يف هذا الصدد قول اهللا تعاىل r& èπ oΨ‹Ï(¡¡9 $# ôM tΡ% s3sù tÅ3≈ |¡yϑÏ9 tβθ è=yϑ÷ètƒ ’ Îû Ì� óst7 ø9 $# ‘NŠ u‘r' sù

÷βr& $ pκz:‹Ïãr& tβ% x.uρ Νèδ u !#u‘uρ Ô7 Î=Β ä‹ è{ù' tƒ ¨≅ä. >π uΖŠÏ(y™ $ Y7óÁ xî ∩∠∪ �)1(، يوطي أن التقديريعترب السغصبا، حيث -غري معينة–وكان وراءهم ملك يغصب كل سفينة : يف هذه اآلية هو

خمتلف السفن سواء كانت صاحلة فأردت أن أعيبها؟، فلو كان ذلك امللك يغصب : قالأم معيبة؛ ما عاا اخلضر عليه السالم، ولكنه أراد أن يعيبها ويسبب هلا األذى حتى ال يغصبها امللك اجلائر وال يكترث ألمرها، على أساس أنه ال يغصب إال السفن

التي -ينة أن السف) باالعتماد على ما تقدم(، فبحكم أن املتلقي عامل وعارف )2(الصاحلة

)1 .79سورة الكهف، اآلية ))

2مد شريف سكر، مراجعة مصطفى القصاص، دار إحياء العلوم، حم: اإلتقان يف علوم القرآن، تقدمي وتعليق: السيوطي: ينظر)

.62. ، ص2، ج1987بريوت،

Page 268: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

254

صاحلة اقتضى األمر حذف الصفة وإقامة املوصوف -أراد اخلضر عليه السالم أن يعيبهايف موضعها بغية حتقيق اإلجياز واالختصار، ولذلك جند أن اهللا تعاىل يف قرآنه ايد وبعض القصائد الشعرية اليت صدرت من لدن فحول الشعراء العرب إنما تأخذ منحا

ترف من اعتبارات معلومة ومقدرة لدى املتلقي، وبذا فإن اخلطاب البليغ غليا يتداوليا جمعارف مشتركة بني البات واملتلقي، ذو احلسن والقبول هو ما اشتمل يف ثناياه على

حبكم أن هذه األخرية مبثابة املعني الذي سوف يسهم بدور فعال يف مأل الفجوات تواجه املتلقني واملؤولني وهي مغروسة يف أسوار الشاغرة واحملذوفة التي ميكن أن

.النصوص واخلطابات بكل أشكاهلا وصورها

باإلضافة إىل هذه الوجوه التي جيري فيها احلذف؛ ميكن أن يكون احلذف يف بعض األدوات، ومثال ذلك ما نلفيه يف بعض املتون الشعرية، التي يعتمد فيها أصحاا

مبثابة املنارة الداللية اليت ترشد ودي املتلقي إىل معرفة على السياق الذي سيكون فامرؤ القيس . العناصر واألدوات احملذوفة يف أبيام، وثقة منهم بفهم السامع اللبيب

.)1(فقلت ميني اهللا أبرح قاعدا: يقول

إن املتمعن إىل هذه العبارة الشعرية، يلفي أن املراد من قوله، ميني اهللا ال أبرحال النافية فتحولت اجلملة من منفية إىل مثبتة، ومرد ذلك إىل "قاعدا، وبذا فقد حذف

السياق الذي صاحب العملية التخاطبية ألنه يف مقام حماورته مع صاحبته وهو يدب دبيبه إن هذا . احلدر املاجن فحسن احلذف واللمح باعتبار أن حديث اون حلن وأسرار

ته التنظريات اللسانية املعاصرة وهو رقمبدأ تداويل مهم أحيمل مسات التوجه األسلويب مبدأ التأدب الذي أقرته روبني الكوف، كما جيري إجياز احلذف يف عدة وجوه أخرى

ونلفي يف كل وجه . وغري ذلك"... ال"حذف احلرف واملصدر، وحذف القسم بـكلمة، أو مجلة أو أكثر، مع ما زاد معناه على لفظه، وحذف منه ك: "من هذه الوجوه

)1 .135، ص 1998امرؤ القيس، الديوان، حتقيق عبد الشايف، الطبعة األوىل، دار الرابطة القلمية، لبنان، )

Page 269: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

255

لكن األمر الذي ال مناص من ذكره يف هذا الصدد أن . )1("قرنية دالة على احملذوف :املتلقي وهو حياول القبض عن العناصر احملذوفة يف الصياغات اللغوية إنما يستدل بـ

القرائن املوجودة يف النصوص واخلطابات، واليت تقوم بدور جوهري يف عملية التوجيه الدقيق والسليم لتنبؤات وتأويالت املتلقي للعنصر احملذوف، أي باالعتماد على

.)2("السياق اللغوي يف إكمال النقص الذي يلحق التعبري اللغوي"

حضوره يف صلب املوقف التخاطيب التفاعلي، واالطالع املباشر على حيثيات سه يعىن املتكلم عن التلفظ باحملذوف، وجمريات األحداث، فما يعانيه ويراه ويفهمه حبوا

يرشد إليه سياق الكالم "أي أن للمحذوف هاهنا ميكن ملؤه وتكملته باالعتماد على ما مبعىن أن هذان املفهومان مبثابة املؤشر الداليل الذي يأخذ على عاتقه )3("أو داللة احلال

.احملذوفة يف األفعال الكالمية توجيه العمليات الذهنية االستداللية الباحثة عن العناصر

ويظهر من خالل هذه العتبات املنهجية أن قضية احلذف يف الدراسات البالغية بدراسة املعارف املشتركة املهم Présuppositionإنما تلتقي مع مفهوم االفتراض السابق

بني البات واملتلقي أو بني ما ينبغي أن يكون معلوما بينهما قبل املباشرة بالعملية يعتربه املتكلم أرضية مشتركة هي ما: ، بصيغة أخرىInteractionnelالتخاطبية التفاعلية

يثه إىل املتلقي ، ولذلك فاملتكلم يتلفظ ويوجه حد)4("ما ا لدى كل أطراف احملادثةمسل: إغلق النافذة، فاملفترض سابقا: على أساس أنه مدرك لديه، فلو قال متكلم ملتلق معني

أن هناك نافذة، وهي مغلقة، وأن املتلقي يتمتع بكل املؤهالت احلركية والذهنية التي

)1 .110.، ص1991مداخل كتابة العربية وبالغتها، مؤسسة الرحاب احلديثة، بريوت، الطبعة األوىل، : خالد إبراهيم يوسف) )

2 .142. وصف اللغة العربية دالليا، ص: حممد حممد يونس علي) )

3ة قاريونس، الطبعة األوىل، حممد حسنني أبو موسى، دالالت التراكيب، دراسة حتليلية ملسائل علم املعاين، منشورات جامع)

.123. ، ص1979مصر، )

4 .37. جورج يول، جورج براون، حتليل اخلطاب، ص)

Page 270: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

256

لة متكنه من احتالل مرت) آمرة(متكنه من غلق النافذة، وأن املتلقي يف وضعية سلطوية .إخل...اآلمر

) بنوعيه اإلجياز باحلذف وإجياز القصر(يكن القول أن اإلجياز ويف الطرح املقابل؛ هي من األساليب البالغية ذات البعد اإلستراتيجي الذي خيدم الطابع النفعي املتمخض

التي نبعث من Règle de conversationمن األطر التواصلية، إذ يذكرنا بقواعد احملادثة تنظريات غرايس، واعتربها مبثابة مسلمات ضرورية ينبغي التقيد ا واحترامها يف أي

التي توحي باإلجياز يف الكالم Maxime de manièreحمادثة، وباألخص قاعدة الكيف يغدو املتلقي مبثابة ، وعليه)1(وعدم التوجه به حنو التطويل واإلسهاب غري املرغوب فيه

يار الذي يؤثر بطريقه غري مباشرة يف اختيار اإلستراتيجية اليت يبىن الكالم وفقها، على املع) مثل األذكياء(يح مون إجياز كالميا قائم على التلقأساس أن هناك من املتلقني ما يستح

من املتلقني كهناأن اقية، كما ر Compétence pragmatiqueأو من ميتلكون كفاءة تداولية على املتكلم انتقاء إستراتيجية فنية قائمة على اإلسهاب ) بطريقة غري مباشرة(من يفرض

.اواإلطناب وهو ما سوف نكشف عليه الحق

:اخلرب واإلنشاء ونظرية األفعال الكالميةبني -2.1

البالغي العريب، ترمي بنا حنو ذخر معريف تراثناالشك أن أي حماولة استنطاقية لمثني ميد جذور التالقي املفاهيمي مع ما أقرته الدراسات التداولية املعاصرة وهي تتعامل

.مع الظاهرة اللغوية مبختلف أشكاهلا وصورها

ويربز هذا املقتضى التصوري بوضوح عند الوقوف املتفحص والناضج أمام تلك التي نبعث من التعامل مع مبحث اخلرب واإلنشاء، حيث يعقد التصورات والتخرجيات

)1

جاك موشالر، آن روبول، التداولية اليوم علم جديد يف التواصل، ترمجة سيف الدين دعفوس، حممد الشيباين، : ينظر) .270.ص

Page 271: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

257

هذا األخري فصول متاهي ومتاثل منهجي مع أهم نظرية تداولية وهي نظرية األفعال .الكالمية

من مبحث اخلرب جوهرية مؤداها أن كال ن يف قضيةمكومرد هذا الطرح املعريف يىل العالقات اخلارجية؛ باخلرب مثال ما كان واإلنشاء ونظرية األفعال الكالمية يستند إ

حمكوما بثنائية الصدق والكذب باالعتماد على النظر إىل مدى مطابقته للخارج أو وأهل . واخلرب هو العلم[...] ال يقولون يف اخلرب أنه أكثر من إعالم "فاللغويني . خمالفته

.)1("النظر يقولون اخلرب ما جاز تصديق قائله أو تأكيده

ن أن حنتكم فيه إىل معيار الصدق والكذب، وهو ما بالنسبة إىل اإلنشاء، فال ميمأنوعان نوع ال يستدعي يف مطلوبه إمكان احلصول وقولنا ال يستدعي "حسب السكاكي

، ومن )2("أن ميكن أهم من قولنا يستدعي أن ميكن، ونوع يستدعي فيه إمكان احلصول، أما بالنسبة إىل اإلنشاء ...ب التمين، االستفهام، األمرأسلو: بني أساليب اإلنشاء الطليب

.)3(غري الطليب فنجد التعجب واملدح والذم

ولعلنا ال نبلغ من القول شططا؛ أن هذا الطرح املتعلق بتقسيم اخلرب واإلنشاء -عند البالغيني العرب، ال خيتلف عن الفكرة التي استند إليها أوستني يف جمال نظرية أفعال

حيث تار على آراء الوضعيني، وميز بني نوعني من األفعال التقريرية واإلجنازية، "لكالم ا .)4("من حيث درجة حتققها يف اخلارج وموقف املتكلم

)1بدران للطباعة -أ–ابن فارس، الصاحيب يف فقه اللغة وسنن العريب يف كالمها، حققه وقدم له مصطفى الشوميي، مؤسسة )

خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية مع حماولة تأصيلية يف الدرس العريب القدمي : ، نقال عن199، ص 1963والنشر، لبنان . 200ص )

2 . 169السكاكي، مفتاح العلوم، ص )

)3 .170املصدر نفسه، ص ) )

4 .201خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية، ص )

Page 272: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

258

ومن بني املعايري التي اعتمدها البالغيون العرب يف التمييز والفصل بني اخلرب :)1(واإلنشاء تلفي ما يلي

وحيظى هذا التمييز باإلمجاع بينهم، على أساس :معيار قبول الصدق والكذب .أن اخلرب هو ما يقبل الصدق أو الكذب، واإلنشاء ما ال يقبل هذا املعيار

فاخلرب هو الكالم التام املفيد الذي حيوي يف طياته :معيار مطابقة النسبة اخلارجية . يف ثنايا اإلنشاءعلى معطيات متت بصلة وثيقة بالنسب اخلارجية، وهو ما ال جنده ماثال

فإذا كان القصد من الكالم يفيد أن هناك داللة :معيار إجياد النسبة اخلارجيةالداللة على أن ) الكالم(حصلت يف الواقع، فذلك الكالم خرب، وإن كان القصد منه

.األلفاظ املتكلم ا وجدت ا تلك النسبة اخلارجية فهو إنشاء

رب عدة بالغيني عرب أن قصد املتكلم من القرائن اعت :معيار قصد املتكلماملساعدة التي يتم التمييز بفصلها بني اخلرب واإلنشاء، فإذا كان قصد املتكلم اإلخبار فيصبح األسلوب حينذاك خربيا، وإذا كان قصد املتكلم إجياد النسبة اخلارجية فهو

.إنشاء

ل من البالغيني العرب أن للخرب ثالث إذا اعترب نفر غري قلي :معيار عدد النسب، أما اإلنشاء فينطوي على نسبتان )نسب كالمية، نسبة ذهنية، ونسبة خارجية(نسب

.فقط وهي الكالمية والذهنية

وكل هذه االعتبارات واملعايري وكما نرى، تنحوا حنو املسار التداويل اإلستعمايل نسب اخلارجية ومبدأ القصدية الذي شكل القائم على مبادئ تداولية واضحة، أمهها ال

)1 .101علي حممود حجي الصراف، يف الربامجاتية، األفعال اإلجنازية يف العريب املعاصرة، ص : ينظر)

Page 273: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

259

حمور نظرية أفعال الكالم عند كل من أوستني وسورل، على أساس أن الفعل الكالمي .وبعد قصدي، كما أن جناحه حمكوم مبعطيات وشروط خارجية عن النسق التركييب

مي من املعلوم أن الفكر اللغوي العريب القد: "يقول أمحد املتوكل يف هذا الصددالتي تشبه إىل حد بعيد الثنائية األوستينية ) اإلنشاء/اخلرب(يتضمن ثنائية

.)1("، كما يدل على ذلك تعريف القدماء للخرب واإلنشاء)اإلجناز/الوصف(

تنتمي ) االبتدائي والطليب واإلنكاري(كما ميكن االعتبار أن أضرب اخلرب الثالثة التي تصف الوقائع واألحداث يف العلم اخلارجي، التي تشمل األفعال "إىل اإلخباريات

الطليب : ، ويف االجتاه املقابل، ميكن اعتبار أن اإلنشاء بقسميه)2("وتنقل أحواهلا نقال أمينا .)3(وغري الطليب إنما يندرج حتت اإلعالنيات والتوجيهيات واإللتزاميات والتعبرييات

واإلنشاء ومعايري تصنيفهما؛ عكف فضال عن هذه اجلهود املركزة حول اخلرب البالغيون العرب على تفصيل األغراض البالغية التي خترج إليها األساليب اخلربية واإلنشائية، فقد يخرج اخلرب إىل اإلنشاء وأغراض أخرى تستشف من قصود املتكلم

ا خترج إليه من معرفة املعاين األصلية لكل أسلوب، وم"وأحوال السياق حيث اعتربوا أن ، وعليه البد من توافر ختمينات وإستدالالت عقلية )4("أغراض بالغية تدرك من السياق

لفك شفرات الصياغات اللغوية ) لدى املتلقي(قائمة على معطيات قصدية وسياقية .والوصول إىل بر التأويل املناسب ملا قيل أو يقال

ر طالئعي يف إثراء هذه القضية ومن بني البالغيني العرب الذين كان هلم دووتفعيلها مبعطيات تداولية، نلفي أبو يعقوب السكاكي، حيث تفطن هذا األخري إىل

)1 .37اللسانيات الوظيفية، ص : أمحد املتوكل) )

2 .214يف اللسانيات التداولية، ص : بوجادي خليفة) )

3 .102علي حممود حجي الصراف، يف الربامجاتية، األفعال اإلجنازية يف العربية املعاصرة، ص : ينظر) )

4 .155، ص 1998، )7(ة، البيان العريب، دار املنار، جدة ودار الرافعي، الرياض، الطبعة نطبا بدوي)

Page 274: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

260

فرعية، حيث ) سياقية(إمكانية خروج األغراض من معانيها األصلية إىل أغراض بالغية ، التمين واالستفهام واألمر والنهي والنداء: حصر قانون الطلب يف مخسة أبواب هي

فيذكر أنه إذا أجراها املرسل بشروطها ويف سياقاا املالئمة هلا؛ تولد عنها معان أصلية، أما إذا امتنع إجراء هذه األبواب على أصلها فقد خيرج منها ما يتالئم مع املقام أي إىل

.)1(معان غري املعاين األصلية

ا يف هذا الص ي ميكن االعتداددد، قوله تعاىل ومن بني الشواهد الت� ßN≡ t$ Î!≡ uθø9 $#uρ

z ÷èÅÊ ö� ム£ èδ y‰≈ s9 ÷ρr& È ÷, s!öθ ym È÷ n=ÏΒ% x. ( �)2( ففي هذه اآلية الكرمية يوجد انتقال واضح من ،أسلوب اخلرب إىل أحد األساليب اإلنشائية الطلبية وهو األمر، فالظاهر يف البنية التنظيمية أن اهللا خيربنا بأن الوالدات يرضعن أوالدهن ملدة حولني كاملني، ولكن املتمعن واملفسر

األحكام الشرعية، وهو ذا التفسري إنما يعترب هلذه اآلية إنما يعترب أا جاءت يف سياقأا جاءت يف سياق األحكام الشرعية، وهو ذا التفسري إنما يعاد مبسائل خارجة عن

، كسبب الرتول والقرائن املادية واملعنوية التي أحاطت Extralinguistiqueنسق اجلملة .د األمربتلك اآلية الكرمية، ليستلزم يف األخري أا تفي

ومـن الشواهـد القرآنية التي نلفي فيها خروج اخلبـر إىل الوعيد قوله تعـاىل � óΟ ÎγƒÎ�ã∴y™ $ uΖÏF≈ tƒ#u ’Îû É−$ sùFψ$# þ’Îû uρ öΝÍκŦà(Ρr& 4®L ym t ¨t7 oKtƒ öΝßγ s9 çµ ‾Ρr& ‘, ptø: فالتأمل الدقيق )3(� 3 #$

والناضج يفضي إىل نتيجة قوامها أن اآلية الكرمية ال تفيد اخلرب بل خترج إىل الوعيد، وقد

)1 .171ينظر السكاكي، مفتاح العلوم، ص ) )

2 .233سورة البقرة، اآلية ) )

3 .53سورة فصلت اآلية )

Page 275: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

261

≈z �: خيرج اخلرب إىل التعظيم يف مثل قوله تعاىل ys ö6ß™ «!$# �)1( والتحقري ، .)2(اخل...والتبكيت

أغراض بالغية كما قد خترج األساليب اإلنشائية مثل األمر والنهي والنداء إىل ، ويف هذا املنحى دليل واضح على وجود جمال انصهار وتقاطع معريف قائم بني )3(أخرى

هذه التنظريات املتعلقة باخلرب واإلنشاء وخروجهما إىل دالالت وأغراض أخرى مع الطروحات والتصورات املتعلقة بتقسيم الفعل الكالمي إىل مباشر وغري مباشر، حيث

حاملي ملفردات الغرض السياقي الفرعي، حيث يتسنى لنا اإلتيان جبملة يعترب هذا األخري وهو نفسه تقريبا ما جنده )4(إجنازية غري مباشرة عندما خنرق شروط إجراءها على أصلها

ختالف فيها قوا "يف تنظريات سورل يف األفعال الكالمي غري املباشر حيث اعتربها أفعاال أي هي األقوال اليت ال تتوفر على تطابق تام بني معىن اجلملة )5("اإلجنازية سواء املتكلم

ومعىن القول، وهو ما ملسناه يف تعاملنا مع خروج األغراض البالغية إىل دالالت فرعية .تستشف من القرائن واألحوال

:اإلطناب وطابعه احلجاجي-3.1

يعترب اإلطناب من اآلليات البالغية املندرجة حتت لواء علم املعاين، وهو من األساليب الفنية اليت ميكن احلكم بواسطتها على مدى امتالك املتكلم قدرة تواصلية

تتأقلم مع خمتلف السياقات واحلاالت اليت ميكن أن تواجهه، فإذا متكن ) كفاءة تداولية(ق يف اختيار املواضع اليت يكون فيها اإلطناب أجدر بالتوظيف املتكلم من التحكم الدقي

)1 .159سورة الصافات اآلية ))

2 .211ينظر خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية، ص ) )

3 .211ينظر املرجع نفسه، ص ) )

4 .170ينظر السكاكي، ص ) )

5 .50آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص حممود أمحد حنلة، : ينظر)

Page 276: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

262

فاحلاجة إىل اإلجياز يف موضعه كاحلاجة إىل "مقابل اإلجياز استحق كالمه صفة البالغة اإلطناب يف مكانه، فمن أزال التدبري يف ذلك عن جهته، واستعمل اإلطناب يف موضع

مبعىن أن االستثمار اجلدي )1("طأاإلجياز، واستعمال اإلجياز يف موضع اإلطناب أخللظروف اليت حتيط بالعملية التخاطبية من أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية وما يساور املتلقني من اهتمامات ورغبات خمتلفة هو اخليار اإلستراتيجي األمثل واألوحد املسؤول

.على توجيه وتشكيل البناء اللغوي من حيث إجيازه أو إطنابه

هذا املنطلق؛ ال ضري يف القول أن عملية التفريق واملفاضلة بني اإلجياز منواإلطناب هي أمر خاطئ ذلك أن لكل منهما املوضع الذي يستحقه، باعتبار أن لكل

ومجلة القول يف الترداد أنه "يقول اجلاحظ يف الترداد وهو نوع من اإلطناب : مقام مقالتى على وصفه، وإنما ذلك على قدر املستمعني، ومن ليس فيه حد ينتهي إليه وال يؤ

وبذا فإن املتلقي هو الركز )2("من العوام واخلواص] حيضر اخلطيب، يسمعه[حيضره : الركيز الذي ميكن من خالله توجيه التشكيل اخلطايب وخصوصياته الفنية، بصيغة أدق

مرهون ) ازه أو إطنابهمن حيث إجي(إن تشكيل اخلطاب البالغي املتسم باحلسن والقبول باعتبارات تداولية بالدرجة األوىل قوامها االعتداد باملتلقني وحاالم وأوضاعهم الفكرية واحلضارية واالجتماعية وغريها مما يشكل جانبا من اجلوانب التي متت بصلة مع شخصية

.املتلقي

إلطناب فوائد مجة، لأما وهذا الطرح؛ تنبع إشارات جلية أن التموضع الصائب وترتبط هذه األخرية ارتباطا وثيقا مبجال تداويل خصب، وحسب الباحث أن يتجه ملعانيه آيات الذكر احلكيم املشتملة على اإلطناب لريى ماهلا من فوائد تنحو حنو اجلانب

ولقد رأينا اهللا عز وجل "يقول اجلاحظ يف هذا الصدد . القصدي التداويل بشكل واضح

)1 .171. الصناعتني، ص: أبو هالل العسكري) )

2 .105. ، ص1ج: البيان والتبيني: اجلاحظ)

Page 277: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

263

كر قصة موسى وهود وهارون وإبراهيم ولوال وعاد ومثود، وكذلك ذكر اجلنة ردد ذوالنار وأمور كثرية ألنه خاطب مجيع األمم من العرب وأصناف العجم، وأكثرهم غيب غافل، أو معاند مشغول الفكر ساهي القلب، وأما أحاديث القصص والرقة فإين مل أر

اب كان يرى إعادة بعض األلفاظ وترداد وما مسعنا بأخذ من اخلط. أحد يعيب ذلكمبعىن أن الركن الركيز املعول عليه يف تشكيل اخلطاب املتسم باحلسن )1("املعاين عيا

والقبول عند البليغ هو املتلقي، على أساس أن هناك أنواع من املتلقني فمنهم العريب ت ضمن حيز االستثمار اخل وكل هذه اعتبارات كان...والعجمي ومنهم املتعلم والسوقي

.املعريف املمنهج الذي راعته الذات القدسية وهي حتاور العباد عرب آيات الذكر احلكيم

لقد عد معظم املفسرون التكرير أنه باب من أبواب الفصاحة، فهاهو السيوطي أن الرجال كان يسمع القصة من القرآن، "التكرير أبلغ من التأكيد، ومنها "يذكر لنا أن

يعود إىل أهله مث يهاجر بعده آخرون، حيكون ما نزل بعد صدور من بعدهم فلوال مثتكرار القصص لوقعت قصة موسى إىل قوم، وقصة عيسى إىل آخرين، وكذا سائر القصص، فأراد اهللا اشتراك اجلميع فيها، فيكون فيه إفادة لقوم، وزيادة تأكيد

.)2("آلخرين

ملنهجية، نستشف أن التكرار يف قصص القرآن أمام هذه العتبات التصويرية ا، ومن هنا "إفادة لقوم"الكرمي إنما يأخذ بعدا تداوليا، باعتباره يلعب دورا نفعيا بامتياز

تظهر بوادر أفق متاهي معريف بني توظيف اإلطناب يف السياقات القرآنية ومع التداولية شارل سندرس "سسيها األوائل مثل التي تأخذ ماهيتها من طابعها النفعي عند بعض مؤ

باإلضافة إىل هذا الطرح ميكن القول مبا ال يدع جماال للشك أن توظيف اإلطناب ". بريسيف القصص القرآنية إنما يأخذ منحا حجاجيا يف الزاوية األخرى قوامه التأكيد " التكرار"

)1 .105. ، ص1املصدر السابق، ج) )

2 .348-347. ، ص1جاملصدر السابق، )

Page 278: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

264

أذهان وتصورات على واقعية ومصداقية هذه القصص اخلاصة باألنبياء والصاحلني يفإن هذا الطرح ". تأكيد آلخرين"ويظهر هذا املعطى يف قول السيوطي " د اهللااعب"املتلقني

Perlmanيذكرنا باملوضوع الذي قامت عليه النظرية احلجاجية عند كل من بريملان موضوع نظرية احلجاج هو درس "، حيث يعترب هذان الباحثان أن Tytecaوتيتكاه

التي من شأا أن تؤدي باألذهان إىل التسليم مبا يعرض عليها من تقنيات اخلطاب .)1("أطروحات، أو أن تزيد يف درجة ذلك التسليم

وعليه يغدو اإلطناب يف هذه احلالة مبثابة تقنية إستراتيجية هدفها اإلقناع وحماولة ل، ومن بني األمثلة دفع األذهان حنو التسليم باحلقائق القرآنية النابعة من كالم اهللا عز وج

الواردة يف هذا الصدد قصة سيدنا نوح عليه السالم، فقد ذكرت يف بضع عشرة سورة، جاء بعضها أثناء احلديث عن األقوام املكذبني، أو عن األنبياء املؤيدين بنصر اهللا جممال؛ دون تفصيل، بينما أتى بعضها اآلخر قصصا مستقال فصلت فيه بعض األحداث،

.)2(شاهدوامل

وإلثبات هذا املقتضي التصوري وجب علينا أخذ منوذج من مناذج إحدى - .القصص القرآنية املتعلقة بأنبياء اهللا عليهم السالم، وهي قصة النيب نوح عليه السالم

ففي الواقع أن هناك بعض السور التي تناولتها بشكل مفصل مثل سورة نوح، وقد جاء يف سورة األعراف نداء نوح ... والصافات، ويونس واألعراف، والشعراء

% &ô‰s)s9 $uΖù=y™ö‘r �لقومه �nθçΡ 4’n<Î) ϵ ÏΒ öθs% tΑ$s)sù ÉΘ öθ s)≈ tƒ (#ρ߉ç7 ôã$# ©!$# $ tΒ Νä3s9 ôÏiΒ >µ≈ s9Î) ÿ…çνç�ö� xî þ’ÎoΤ Î) ß∃%s{r& öΝä3ø‹n=tæ z>#x‹tã BΘ öθ tƒ 5ΟŠÏà tã ∩∈∪ �)3( ا يف سورة هودأم ،� ôš†Çpρé& uρ 4’n<Î) ?yθ çΡ …çµ ‾Ρr&

)1 .27. عبد اهللا صولة، احلجاج يف القرآن الكرمي، من خالل أهم خصائصه األسلوبية، ص) )

2 . 66. دار الفرقان صالبالغة فنوا أفناا، علم املعاين، الطبعة األوىل، عباس، فضل حسن، القصص القرآن، : ينظر ))

3 .من سورة األعراف 59اآلية )

Page 279: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

265

s9 š∅ÏΒ÷σムÏΒ y7ÏΒ öθ s% āω Î) tΒ ô‰s% z tΒ#u Ÿξ sù ó§Í≥tF ö;s? $yϑÎ/ (#θ çΡ% x. šχθè=yè ø(tƒ ∩⊂∉∪ �)1( ويف ،’ô �سورة الشعراء ÎoΤÎ) öΝä3s9 îΑθß™u‘ ×ÏΒ r& ∩⊇⊃∠∪ (#θ à)?$$ sù ©!$# Èβθãè‹ ÏÛr&uρ ∩⊇⊃∇∪ !$ tΒ uρ öΝä3è=t↔ó™r& ϵø‹ n=tã ôÏΒ

@� ô_ r& ( ÷βÎ) y“Ì� ô_ r& āω Î) 4’n? tã Éb>u‘ tÏϑn=≈ yè ø9 $# ∩⊇⊃∪ (#θà)?$$ sù ©! $# Èβθ ãè‹ÏÛr& uρ ∩⊇⊇⊃∪ �)2( فكل هذه ،إنما تناولت دعوة نوح األعراف وهود والشعراء: اآليات اليت توزعت يف كل من سورة

.إىل عقيدة التوحيد، ولكن كل سورة أخذت أسلوبا خاصا ا

واجلدير بالذكر يف هذا الصدد أن هناك أمورا ذكرت يف سورة األعراف، ومل -دفاعه عليه السالم عن نفسه مبا وجه إليه من االام بالضاللة، : تذكر يف باقي السور مثل

$tΑ �: فجاء قوله تعاىل s% ÉΘ öθ s)≈ tƒ }§øŠs9 ’ Î1 ×' s#≈ n=|Ê Íh_Å3≈ s9 uρ ×Αθß™u‘ ÏiΒ Éb>§‘ šÏΗs>≈ yè ø9 $# ∩∉⊇∪

öΝä3äó Ïk=t/é& ÏM≈ n=≈ y™Í‘ ’ În1u‘ ßx |ÁΡr& uρ ö/ ä3s9 ÞΟ n=÷ær& uρ š∅ÏΒ «!$# $tΒ Ÿω tβθ ßϑn=÷ès? ∩∉⊄∪ �)3( ،� óΟçF ö6 Éf tãuρr&

βr& óΟä.u !% y Ö� ø.ÏŒ ÏiΒ óΟä3În/§‘ 4’ n? tã 9≅ã_ u‘ óΟä3ΖÏiΒ öΝä.u‘ É‹ΖãŠÏ9 (#θ à)−GtF Ï9 uρ ö/ ä3‾=yès9 uρ tβθ çΗxq ö�è? ∩∉⊂∪ �)4(.

أما سورة العنكبوت فقد جاء فيها تلخيص لقصة نوح عليه السالم باعتبارها -ô‰s)s9 �آخر سورة حتدثت عنه، فذكر فيها إرسال اهللا سبحانه نوح إىل قومه فقال uρ

$ uΖù=y™ö‘r& % �nθçΡ 4’ n<Î) ϵÏΒ öθ s% y]Î7n=sù öΝÎγ‹ Ïù y# ø9 r& >πuΖy™ āω Î) šÅ¡ ÷Ηs~ $ YΒ%tæ ãΝèδ x‹s{r' sù Üχ$sùθ ’Ü9 $#

öΝèδ uρ tβθßϑÎ=≈ sß ∩⊇⊆∪ �)5( وعليه ميكن اجلزم أن توظيف اإلطناب يف اخلطاب القرآين عن ،طريق تكرار وإعادة القصص القرآنية إنما كان ألغراض حجاجية بالدرجة األوىل، فهي متعلقة بإقامة احلجة على العباد السيما الذين مل يؤمنوا بعد بالرسالة احملمدية من خالل

)1 .من سورة هود 26اآلية ))

2 .من سورة الشعراء) 110-107(اآلية ) )

3 .من سورة األعراف) 61/62(اآلية ))

4 .من سورة األعراف) 63(اآلية ) )

5 .من سورة العنكبوت 14اآلية )

Page 280: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

266

خمتلفة باختالف السياقات ومواضيع السور سرد القصة الواحدة بطرق وإستراتيجياتالقرآنية من جهة، وإخبارهم باألمور العينية وحوادث األزمان الغابرة وأقوامهم من جهة

يقول فضل حسن عباس يف . أخرى، وبذا تتحقق إستمالة األنفس وبالتايل التأثري عليهاالتكرار يف القرآن، معللني ا إننا ال ننكر على الذين ذهبوا إىل القول بوجود: "هذا الصدد

بأنه ال خيرج عن األساليب التي عرفتها العرب، وبأنه إنما يراد به التأثري على النفوس ية سويف هذا داللة واضحة على تطعيم الذات القد )1("حىت يقرر فيها ما يكرر من أقوال

توحيد، السيما يف للخطاب القرآين بشحنات حجاجية هامة اهلدف منها تثبيت عقيدة الونالحظ أن هذا النوع من : "السور املكية، يقول علي حسني حممد سليمان يف هذا املقام

التكرار كثريا يف القصص املكية حيث قلنا أن حاجة أهل مكة إىل التكرار لتثبيت التوحيد واليوم اآلخر، وتوضيح األمور املتعلقة بالبعث واجلزاء وما شابه تدعو إىل تكرارالقصص إىل أمساعهم فنرى ذلك يتكرر خاصة موضوع دعوة الرسل أقوامهم إىل عبادة

.)2(..."اهللا، وتكذيب قومهم هلم

يف ظل هذا الطرح املتعلق باإلطناب، يظم عند الباحث أفق معريف مؤداه تلك الصالت الوثيقة التي نربط بني هذا األسلوب البالغي املندرج حتت لواء علم املعاين

، وقد رأينا ذلك من خالل Théorie de l’argumentationوجوهر النظرية احلجاجية ي اشتملت على اإلطناب، وباألخص التكرار الذي استقرار بعض النماذج القرآنية الت

اعترى بعض القصص القرآنية وتوزع يف عدة سور قرآنية على شكل جمموعات متسلسلة حنو إقناع املتلقي مبا ورد جهمن األحداث الغيبية تتحد يف جمملها طابعا حجاجيا حمضا يت

و اإلذغان والتسليم باحلقائق التي يف تلك القصص من أفكار وعرب، وتأخذ بيده وذهنه حن

)1 .99ص . عباس فضل حسن، قصص القرآن الكرمي، البالغة فنوا وأفناا، علم املعاين، دار الفرقان ) )

2، 1995-هـ1415، مطبعة احلسني اإلسالمية 1.القصة القرآنية، اخلصائص واألهداف، طسليمان علي حممد حسن، ) .160.ص

Page 281: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

267

الذي فاق يف تاليفه كل اشتمل عليها هذا التشكيل اخلطايب ذو األفق الفين اإلستراتيجي .كالم مهما كان مصدر إنبعاثه

:الفصل والوصل عند السكاكي وإجراءاته التداولية-4.1والوصل من إن أول قضية جيدر التنبيه إليها يف هذا املقام هي أن مبحث الفصل

املباحث البالغية الراقية التي اهتم ا السواد األعظم من البالغيني العرب، ويرجع ذلك إىل أمهيتها كون أا تمثل انعكاسا للمظاهر اخلطابية اليت يظهر من خالهلا مدى متاسك

عليه يف قيقي يعول مبعىن أنها مبثابة مقياس ح )1(اخلطاب وترابط أجزائه بعضها ببعضبني اخلطاب التواصلي الناجح والفعال وبني اخلطاب الرديء غري الفعال يف عملية التمييز

.مستواه االستعمايلمن هذا املنطلق؛ جاز القول أن الكالم البليغ الذي يشتمل على احلسن وحيض بالقبول عند متلقيه متوقف على استثمار عدة آليات وميكانزمات ذات طابع تنظيمي

سوار اخلطابات بكل أشكاهلا وصورها، ومن بني األولويات القصوى والفعاليات ألالتوظيف األمثل آللييت الفصل والوصل يف ثنايا : الكربى اليت يتأسس عليها هذا االستثمار

وبذا فإن البليغ من استطاع أن يوصل ويفصل ومبواضع . النصوص واخلطابات املنجزةعتزلتها املعرفة مبواضع الفصل والوصل كانت كأالئي بال فإن البالغة إذا ا"وصوله؛

، وهلذا السبب تقرن ماهية البالغة برمتها عند البعض بالتوظيف األمثل هلاتني )2("نظامقيل "اآلليتني، حيث يورد اجلاحظ جمموعة من التعاريف للبالغة العربية، من بينها

.)3("ما البالغة؟ قال معرفة الفصل من الوصل: للفارسي

)1، 1991حممد خطايب، لسانيات النص، مدخل إىل انسجام اخلطاب، املركز الثقايف العريب، الطبعة األوىل؛ بريوت، : ينظر ) .97. ص)

2 .406. الصناعتني، ص: أبو هالل العسكري) )

3 .88. ، ص1.البيان والتبيني، ج: اجلاحظ)

Page 282: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

268

وما يهمنا يف هذا املبحث هو احلفر يف تنظريات السكاكي البالغية مببحث الفصل والوصل، بالوقوف على أهم املقوالت الفكرية اليت محلت يف طياا ومضات ذات صيغة إستعمالية تنسجم إىل حد بعيد مع ما أقرته بعض املقوالت والتنظريات املعرفية اليت

. اويل املعاصراشتمل عليها الدرس التدواملتعلقة برصد " املفتاح"ومن بني التخرجيات اليت اختص ا السكاكي يف كتابه

األولويات القصوى والفعاليات الكربى اليت يتأسس عليها اخلطاب البالغي العريب وآلياته تفصيل اعتبارات الفصل "التي يشتغل عليها يف بعدها التداويل؛ ما طرحه يف مبحث

بني أجزاء الكالم، إذ عمد ) للفصل(الوصل، وبالضبط يف املواضع التي تقتضي القطع وأن من بني احلاالت التي تقتضي الفصل، تلك احلاالت اليت تستند إىل : إىل تصور مؤداه

يكون الكالم السابق بفجواه كاملورد للسؤال فترتل ذلك "دواعي احتياطية، وتتم عندما ، )1("طلب ا الثاين وقوعه جوابا له فيقطع عن الكالم السابق، لذلكمرتلة الواقع وي

:ولتوضيح الفصل االحتياط يضرب السكاكي املثال التايل بدال، أراها في الظالم تهيم وتظن سلمى أنين أبغي بها

حيب مرأة أخرى، إن املراد من هذا البيت الشعري هو أن سلمى تظن صاحبها -وهذا مناف للحقيقة حسب الشاعر، إذ أنه ال حيب إال سلمى، وينكشف ذلك بقوله

إذ أراد من خالل هذا القول نفي ظنها ورد اامها إياه، ولذلك ) أراها يف الظالم يم(كلمة أوهلا عن اجلزء األول من الكالم ليقع جوابا لسؤال مقدر بعد قوله ) فصل(قطع

" ، ويف هذه احلالة يكون قوله"فما قولك فيما تظنه سلمى؟: "فحواه) بدال... ظنوت(إن هذه الكلية مل ما ذكر . مبثابة جواب عن هذا السؤال املقدر يف البيت األول" أراها

إن هذا املوضع اخلاص : حول الدواعي االحتياطية للفصل تفضي بنا رأسا إىل القولتداويل يوجه عنايته يف حتقيق الفهم واإلفهام املوجه إىل للفصل هو موضع ذو بعد

املتلقي، حيث يأخذ الكالم إىل بر األمان، وكل هذا من أجل عدم الوقوع يف اللبس

)1 .142مفتاح العلوم، ص : السكاكي)

Page 283: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

269

نظرية : ته التنظريات املهمة بالتخاطب السيمارقوهو مبدأ تداويل مهم أ ،)1(والغموضاستخدام كلمات مناسبة ملقام التخاطب : املالئمة اليت خلصت إىل نتيجة وجوبية مفادها

ونظرية االستلزام احلواري وبالضبط يف مسلمة املناسبة اليت توحي باستخدام عبارات .واضحة ال لبس فيها

أن دواعي تقدير السؤال يف " املفتاح"كما يقر السكاكي يف موضع آخر من كتابه األخرية حنسبها جهات تتضمنها الفصل االحتياطي ال يصار إال جلهات لطيفة، وهذه

إن ترتيل السؤال بالفحوى مرتلة الواقع ال يصار إليه : "أبعاد تداولية واضحة، حيث يقولإما لتنبيه السامع على موقعه، أو إغنائه أن يسأل، أو لئال يسمع منه : إال جلهات لطيفة

وعليه . )2("بتقليل اللفظشيء، أو لئال ينقطع كالما بكالمك، أو للقصد إىل تكثري املعىن تنبيهه، إغناءه عن السؤال، (ميكن أن نستشف أن اجلهات الثالث األوىل مرتبطة باملتلقي

، أما اجلهة الرابعة فتتعلق باملتكلم وتنبؤاته، أما االعتبار اخلامس )وإسكاته عن الكالمتكثري غرضإىل االستغناء عن تكرير السؤال ذي حبيث يعمد (فريتبط باخلطاب نفسه

وبذا فإن اجلهات . املعىن بقليل من اللفظ، ويتم هذا باالعتماد على ما يقتضيه املقاماللطيفة اليت يتم مبوجبها تقدير السؤال تستند إىل مبادئ تداولية واضحة تتعلق باملرسل

. واملتلقي واخلطاب الـمرسلينبغي عدم وصلها، ) خربا أم إنشاءا(تني كما يرى السكاكي أن اجلملتني املختلف

مبعىن أن : بل فصلها عن بعضها البعض، وهذا تفاديا لعطف الطلب على اخلرب أو العكسالفصل هاهنا يعز إىل اختالف األفعال الكالمية، مث يوضح السكاكي طرحه باملثال

:)3(التايلـهنـي ولكلبح ـهلكتم ر نم ألقاهعلى غاريب ده

)1 .113حممد خطايب، لسانيات النص مدخل إىل انسجام اخلطاب، ص : ينظر)

)2 .142مفتاح العلوم، ص : السكاكي)

)3 .151/152مفتاح العلوم، ص : السكاكي)

Page 284: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

270

انتقـم اهللا مـن الكاذب في اهلوى كاذب إني: وقال) اإلنشاء(عند التمعن يف البيت الثاين ميكن القول أنه مركب من اخلرب والطلب

" انتقم اهللا من الكاذب"متثل اخلرب، بينما، تفيد العبارة " إني يف اهلوى كاذب"فعبارة ) الصدر والعجز(نتيجة لتواجد فعلني كالميني خمتلفني؛ وجب فصل الشطرين اإلنشاء، و

وعليه ميكن القول أن الفصل والوصل عند السكاكي يتنوعان بتنوع . بعدم ذكر العاطف .األفعال الكالمية

:املعىن املستلزم مقاميا يف البالغة العربية ومربراته التداولية-5.1حيتل سياق القول موضعا متقدما يف الدراسات البالغية العربية، ويتبني هذا املقتضى التصوري بوضوح يف تلك اإلسهامات الفكرية ذات الطابع التنظريي واإلجرائي، حيث أقامت هذه الرؤى النرية جسور تالقي يربط بني الغرض البالغي

) الصريح(األصلي معناهمن خروجهحني املقام املؤطر للعملية التواصلية، وقرنته بهوالذي ينبغ من البناء السطحي للعبارات واجلمل إىل أغراض ودالالت بالغية أخرى مل

.تكن له يف األصلولعل هذا الطرح الذي بني أيدينا يرتكز على أساس معريف قوامه فكرة جوهرية

لى الصيغة اللغوية وحدها؛ أن االعتماد ع: الزمت الدرس البالغي منذ القدم، أال وهيليس خليق بإعطاء املتلقي اإلمكانات التي تساعده يف الوصول إىل اإلدراك السليم

ألنه يالحظ يف كثري من األحوال أن معىن محل اللغات الطبيعية، "والصحيح ملا تلفظ به رية من إذا روعي ارتباطها مبقامات إجنازها، ال ينحصر فيما تدل عليه صيغاا الصو

ويعين هذا . استفهام وأمر وي ونداء إىل غري ذلك من الصيغ املعتمدى يف تصنيف اجلملبالنسبة للوصف اللغوي، أن التأويل الداليل الكايف جلمل اللغات الطبيعية يصبح متعدرا

.)1("إذا اكتفى فيه مبعلومات الصيغة وحدها

)1 .93. ، ص1981دراسات يف حنو اللغة العربية الوظيفي، دار الثقافة، الرباط، املغرب، : أمحد املتوكل)

Page 285: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

271

ا هذا استكناه غرضني ومها األمر، من هذا املنطلق املعريف سوف حناول يف مبحثن-واالستفهام، وتقدم بعض اإلضاءات اليسرية املتعلقة برصد أهم اجلوانب التداولية اليت جندها قابعة يف جمال خروج هذين الغرضني إىل أغراض مقامية أخرى، معولني معواال

.على تنظريات السكاكي يف هذه القضية اليت محلت أبعادا تداولية واضحة :اإلستفهام ونظرية االستلزام احلواريأسلوب -1.5.1

سأله أن يفهمه، وقد استفهمين الشيء : استفهمه"يعرف االستفهام لغة بأنه من .)1("فأفهمته وفهمته تفهيما

هو طلب "أو )2("استالم ما يف ضمري املخاطب"ويعرفه الشريف اجلرجاين بأنه .)3("حصول صورة الشيء يف الذهن

طلب العلم بشيء مل يكن معلوما من قبل بإحدى "كما يعرفه أمحد اهلامشي بأنه .)4("أدواته

يتضح من هذه التعاريف أن االستفهام يف معناه العام هو طلب العلم بأمر معين، اهلمزة، وهل، وما، : مدركا لدى السائل، ومن بني أدواته -يف تلك اللحظة-مل يكن

.)5(وكيف، وأين، وأنى، وكم وأيومن مىت، وأيان واجلدير بالذكر يف هذا املقام، أن اإلستفهام من األساليب البالغية التي خترج من معانيها األصلية إىل معان أخرى تستشف من املقام املؤطر العملية التواصلية، وهو األمر

)1 .ابن منظور، لسان العرب، مادة فهم) )

2 .26. ، بريوت، ص2007، 1.التعريفات، دار املعرفة، حتقيق عادل أنور حضر، ط: علي بن حممد بن علي اجلرجاين) )

3 .س الصفحةاملصدر نفسه، نف) )

4يوسف الصميلي، املكتبة العصرية، الطبعة األوىل، : أمحد اهلامشي، جواهر البالغة يف املعاين والبيان والبديع، ضبط وتدقيق)

.57. ، ص1999بريوت، )

5 .251. بان اخلفاجي، مراعاة املخاطب يف النحو العريب، ص: ينظر يف هذا الصدد)

.57. د اهلامشي، جواهر البالغة يف املعاين والبيان والبديع، صأمح حممد بن علي بن حممد اجلرجاين، اإلشارات والتنبيهات يف علم البالغة، حتقيق عبد القادر حسني، .وما بعدها 88. ، مصر، ص1997مكتبة اآلداب،

Page 286: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

272

من نظرية -االنتقاليةيف بعض مناحيه - هالذي يطعمه مبستويات تداولية واضحة وبقربحيث حاول . تثبت هذا الطرح االستلزام احلواري ودراسات أمحد املتكل يف هذا الصدد

أن يقدم بعض اللمسات املعرفية اليت " دراسات يف حنو اللغة العربية الوظيفي: "يف كتابه من شأا مد جسور التالقي املعريف بني تنظريات السكاكي املتعلقة خبروج األغراض

.البالغية من أصلها إىل أغراض بالغية فرعية ونظرية االستلزام احلواريتفطن السكاكي إىل إمكانية خروج األغراض من معانيها األصلية إىل معان سياقية

التمين : أخرى، ونلفي ذلك بوضوح عندما حصر قانون الطلب يف مخسة أبواب هيا واالستفهام واألمر والنهي والنداء، فيذكر أنه إذا أجراها املرسل بشروطها ويف سياقا

املالئمة هلا؛ تولد عنها معان أصلية، أما إذا امتنع إجراء هذه األبواب على أصلها فإنه أي يستلزم عن أي )1(ينتج منها ما يتالئم مع املقام أي إىل معان غري املعاين األصلية

ان واالعتداد بالقرائن املادية انتهاك لإلجراء األصلي وشروطه معان أخرى، بالربهمعرفة املعاين األصلية لكل أسلوب، وما خترج إليه من أغراض "واملعنوية، حبكم أن

. Extra linguistiqueسواءا يف بعده اللغوي أو اخلارج لغوي )2("بالغية تدرك من السياقلتداولية املنتشرة عند معانيه هذه الوجهة التصورية، نلفي الباحث بعض املفاهيم ا

على طول انتقال األغراض من معانيها األصلية إىل املعاين السياقية األخرى، والسيما ، إذ حتمل خترجيات السكاكي يف Implicature conversationnelمفهوم االستلزام احلواري

عىن هذا املنحى أهم بدور التحليل املالئم الظاهرة، أي التحليل الذي يضبط عالقة املباملعىن املستلزم مقاميا ويصف آلية االنتقال من األول إىل الثاين بوضع قواعد " الصريح"

.)3("استلزامية واضحة

)1 .171ص : مفتاح العلوم: السكاكي)

)2 .155، ص 1988البيان العريب، دار املنار، جدة ودار الرافعي، الرياض، الطبعة السابعة، : بدوي طبانة)

)3 .96، ص 1981دراسات يف حنو اللغة العربية الوظيفي، دار الثقافة، الرباط، املغرب، : أمحد املتوكل)

Page 287: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

273

وتظهر هذه اآللية التداولية وتطفو إىل السطح، حني قام هذا املنظر البالغي؛ ) األمر والنهياالستفهام والنداء والتمين و(بوضع قواعد وشروط املعاين الطلب األصلية

تعرفه وتضبط إجراءه على أصله مبا يناسب املقام، مما يؤدي إىل تشكل نظام املعاين ويتضح ذلك من خالل املخطط الذي أورده الباحث املغريب أمحد .الطلب اخلمسة

:)1(املتوكل يف كتابه دراسات يف النحو الوظيفي على الشكل التايل

يعترب أمحد املتوكل أن شروط إجراء االستفهام على أصله عند السكاكي تكمن " يهم املستفهم-احلصولممكن "لغري حاصل " يف الذهن"–" طلب حصول"«: فيما يلي

إذا استوفيت هذه الشروط كلها يف إجناز : "مث يردف ذلك بقوله )2(»"شأنه" يعنيه"وأما إذا ". استفهاما حقيقيا"مجلة إستفهامية ما، أجري اإلستفهام على أصله، وكان

)1 98ص.حنو اللغة العربية الوظيفي أمحد املتوكل، دراسات يف )

)2 .99دراسات يف حنو اللغة العربية الوظيفي، ص : أمحد املتوكل)

الطلـب

تصـور

مطلوبا غري حاصل يستدعي وقت الطلب

غري ممكن احلصول ممكن احلصول

يف اخلارج يف الذهن يف اخلارج يف الذهن

Page 288: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

274

أجنزت اجلملة االستفهامية يف مقام غري مطابق فإن معناها األصلي خيرج إىل معىن .)1("آخر

ال جرم يف القول أن هناك جمموعة من الشروط األساسية اليت : أمام هذا التشكلتضمن إجراء أسلوب االستفهام على أصله، فإذا ما اشتملت إحدى اجلمل ذات الصيغ اإلستفهامية على هذه الشروط، دلت على االستفهام احلقيقي، أما إذا مل تتوفر هذه

تولدت معان أخرى خترج اإلستفهام من أصله إىل أغراض ،)اخلوف/ االنتهاك(الشروط .ومعان بالغية أخرى نفسها من السياق العام

كما ميكننا اخللوص انطالقا . وذه الطريقة تتحدد األغراض البالغية لإلستفهاممن هذه العتبات التصورية املنهجية الوجيزة نستطيع القول بأنه ال ميكن الوقوف على

غراض البالغية الفرعية إال بالوقوف على سياقاا اللفظية واحلالية، أي إن املعاين هذه األ .)2(الضمنية املستفادة من الكالم تتولد مبعونة القرائن واألحوال

: ألمثلة اليت ميكن االعتداد ا يف هذا الصدد قوله تعاىل يف سورة الكهفومـن ا� |Nö� x(x.r& “Ï%©!$$ Î/ y7 s)n=yz ÏΒ 5>#t�è? §ΝèO ÏΒ 7πx(õÜ œΡ §ΝèO y71 §θ y™ Wξ ã_ u‘ ∩⊂∠∪ �)3( فاملتمعن يف ،

هذه اآلية الكرمية بنظرة فاحصة دقيقة يلتمس بوضوح بوادر أفق متاثلي جيمع بني األسلوب املتبع يف تشكيل هذا اخلطاب الوارد يف القرآن الكرمي وبني نظرية االستلزام

:هذا الطرح باملراحل التاليةاحلواري، وميكن أن نثبت أحقية ميكن القول مبا ال يدع جماال للشك أن الغرض الظاهر على مستوى البنية -1

، ألن الشخص األول حياور "طلب حصول يف الدهن"السطحية إنما هو االستفهام ألنه الثاين بأسلوب إستفهامي يريد من خالله احلصول على معلومة، بدليل استعمال ألف

.لتشري إىل سؤال حمتمل) الفعل الكالمي(فهامية يف بداية العبارة اإلست

)1 .99املرجع نفسه، ص )

)2 .37، ص 1985عبد العزيز عتيق، علم املعاين، دار النهضة العربية، بريوت، : ينظر)

)3 .37سورة الكهف اآلية )

Page 289: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

275

ولكن إجراء االستفهام على حقيقته مقرون باستدعاء مطلوبا غري حاصل -2وقت الطلب، وهو ما ال جنده ماثال يف ثنايا هذه اآلية الكرمية حبكم أن الشخص األول

، ألنه )الكافر(من الشخص الثاين ال يستدعي مطلوبا يف الذهن غري حاصل وقت الطلبقد مسع منه سالفا يف عبارات تدل على اجلحود الواضح لنعم اهللا واإلميان بقيام الساعة، وبالتايل الكفر الواضح، وهو احملتوى الذي اشتملت عليه اآليات القرآنية التي سبقت

%šχ �هذه اآلية، حيث يقول اهللا تعاىل x.uρ …çµ s9 Ö� yϑrO tΑ$ s)sù ϵÎ7 Ås≈|Á Ï9 uθ èδ uρ ÿ…çνâ‘ Íρ$ ptä† O$tΡr& ç�sYø.r&

y7ΖÏΒ Zω$ tΒ –“tãr& uρ # \� x(tΡ ∩⊂⊆∪ Ÿ≅ yzyŠ uρ … çµtGΨy_ uθ èδ uρ ÖΝÏ9$ sß ÏµÅ¡ ø(uΖÏj9 tΑ$s% !$ tΒ ÷ àß r& βr& y‰ŠÎ6 s? ÿÍνÉ‹≈yδ

# Y‰t/r& ∩⊂∈∪ !$ tΒuρ ÷ àßr& sπ tã$ ¡¡9 $# Zπ yϑÍ←!$ s% È⌡ s9 uρ ‘NŠ ÏŠ •‘ 4’ n<Î) ’ În1u‘ ¨βy‰É` V{ # Z�ö� yz $ yγ ÷ΨÏiΒ $ Y6 n=s)ΖãΒ ∩⊂∉∪ �)1( .ال يقصد يف عبارته هذه السؤال عن كفر ) املؤمن(وعليه ميكن اجلزم أن الشخص األول

ومن هذا املنطلق ال ضري يف القول أن هذه العبارة الواردة يف اآلية . صاحبه أو إميانهكل مقومات إجراء االستفهام على الكرمية ال متثل االستفهام احلقيقي ألنها ال حتمل

.أصله عند السكاكيمن خالل العتبتني السابقتني ميكن أن نستنتج أن االستفهام هاهنا، مل ينجز يف -3

مقامه املطابق وخرج إىل معىن آخر، وبقليل من التدبر والتدقيق يلفي املتمعن إىل هذه .اآلية أنها أفادت معىن وغرض بالغي آخر وهو اإلنكار

مل ) املؤمن(بناءا على املرحلة السابقة جيوز القول أن الشخص املتلفظ األول -4ه املسبق أن صاحبه قد كفر، مجيعل فعله الكالمي مطابقا ملقتضى احلال، فبالرغم من عل

أسلوبه املتبع هاهنا يف تشكيل خطابه املوجه له وعليه فإن ". أكفرت"إال أنه سأله كان ذو بعد تداويل إستراتيجي غير مباشر، إذ أنه خرق شروط إجراء ) لصاحبه(

االستفهام على حقيقته ألنه بعلم مسبقا أن صاحبه سوف يقوم بعمليات ذهنية استداللية سطحية وهو ما يضعنا تقوده إىل معرفة الغرض احلقيقي القابع وراء البنية اخلطابية ال

)1 .34/35/36سورة الكهف اآلية )

Page 290: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

276

مباشرة أمام نظرية االستلزام احلواري التي ترى أن املعىن املستلزم إمنا ينتج عن أحد اخلروقات على مستوى إحدى املسلمات، واخلرق يف هذه اآلية الكرمية يف مسلمة

إجعل كالمك "والتي ختتصر فكرة جوهرية مؤداها Maxime de pertinenceاملناسبة .)1("ملقتضى احلال مناسبا

ولعلنا ال نبلغ يف القول شططا؛ أن حيثيات هذا الطرح الذي اختص به -السكاكي املتعلق بأسلوب االستفهام وخروجه إىل أغراض سياقية أخرى، تتقاطع مع

اعتماد كالمها على قواعد ضابطة : األمر األول: نظرية االستلزام احلواري يف أمرين اثننيالكالمي بشكل عام، أما األمر الثاين فهو اعتمادمها املشترك على مبدأ ومنظمة للحدث

، الذي يشكل Violation" اخلرق"واحد يتولد منه أغراض ومقاصد أخرى وهو مبدأ .املصدر الوثيق الذي ينبثق منه املعىن املستلزم

ية، التي إن هذا الطرح التراثي املرتبط باملعاين واملقاصد الضمن: كما ميكن القول-على عملية استداللية ) املتلقي(ال ميكن الوصول إليها إال من خالل اعتماد املرسل إليه

لعملية التلفظ؛ جيعلنا يف صلب النظرية ) القرائن واألصول(مرتكزة على تتبع اجلو العام " برسرب"و) 1979حىت 1975" (غرايس"التداولية، فمن قاعدة املقاربات االستداللية، وجد

:)2(ثالثة أفكار أساسية) 1989حىت 1986" (ولسن"و .املعىن التواصلي امللفوظ عامة يكون غري صريح-أ

.بتلقي املعىن التواصلي يتم عن طريق عملية استداللية-بمبدأ التعاون، وحكم (العملية االستداللية حتقق عن طريق قواعد تداولية -ج

".ولسن"و" سرببر"ة التخاطب لغرايس، ومبدأ املناسب

)1 .34. التداولية عند العلماء العرب، ص: مسعود صحراوي)

(2) Jacque Moescheler, Théorie pragmatique et pragmatique conversationnelle, p 129.

Page 291: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

277

:األبعاد التداولية يف أسلوب األمر وأغراضه السياقية-2.5.1األمر يف اللغة حيمل رغبة اآلمر يف استجابة املأمور لشيء ما سواء أكان فعال أو

.)1(أمرته مبا ينبغي له من اخلري، يقول بشر بن سلوة: أمرت فالنا أمره أي: قوال، فيقول فعصى وصيغة بذات العجرم ولقد أمرت أخاك عمرا أمره

صيغة تستدعي الفعل، أو قول ينبين عن "أما اصطالحا فيعرفه العلوي بأنه الء؛ فقولنا صيغة تستدعي، أو قول ينبين، عاستدعاء الفعل من جهة الغري على جهة االست

واألصوليون لتدخل مجيع األقوال الدالة كما يقوله املتكلمون ) ولتفعل) (افعل(ومل نقل على ] كذا[والتركية، والرومية، فإا كلها أداة ] كذا[على استدعاء الفعل يف الفارسية

على ] كذا[نزال، وصه، فإمنا يدالن : االستدعاء من غري صيغة افعل، ولتفعل، وحنو قولناز به عن أمر اإلنسان من جهة الغري، حنتر: وقولنا) افعل(االستدعاء من غري صيغة

.لوي هاهنا مل حيصر األمر يف أدوات معينة مما جعل تعريفه يتسم بالعموميةفالع )2("نفسهكما يعرفه الباحث فتحي عامر األمر بأنه ما جاء الطلب الفعل استعالءا لتبادر

ه ما الذهن عند مساعها إىل ذلك وتوقف ما سواه على القرنية، ويعرفه يف موضع آخر بأن .)3(تومئ إليه صيغة األمر باندراجها يف تركيب أو نظم

إن أول شيء يتبادر إىل الذهن وحنن جنري قراءة متفحصة يف هذه التعاريف أا تتقاطع بل هو املوكلة إىل األمر من طرف هذه اجلمهرة من البالغيني والباحثني

ظم التعاريف، فبالرغم من وتنصهر معرفيا باشتماهلا على مسات متكررة نلفيها يف معاالختالفات التي واكبت إلقاء التعاريف حول ماهية األمر ومفهومه من طرف نفر كبري من النقاد والبالغيني إال أنه ال جمال للتغاضي عن خصوصيات مشتركة نلفيها تفرض

)1 .19. ص/1.، باب اهلمزة، مادة أمر، ج1985أساس البالغة، اهليئة املصرية العامة للكتاب، الطبعة الثالثة، : الزخمشري ) )

2كتاب الطراز، مراجعة وضبط وحتقيق حممد عبد السالم شاهني، دار الكتب العلمية، بريوت، الطبعة : حيي بن محزة العلوي )

.530هـ، ص 1415األوىل، )

3 .218. ، ص2003خمتار عطية، علم املعاين ودالالت األمر يف القرآن الكرمي، دراسة بالغية، دار الوفاء، مصر، : ينظر)

Page 292: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

278

: ومن بني هذه اخلصوصيات. نفسها يف هذا املضمار املعىن باستنباط ماهية األمر .)1("صول، اإلستعالء، التكليف الذي يتضمنه الطلب، ووقوعه من األعلى إىل األدىناحل"

، "الوقوع من األعلى إىل األدىن"ولكن املسألة التي منا هنا هي السمة األخرية على . ذلك أا تنسج خيوط تعالق معريف مع الطروحات التداولية املعاصرة املتعلقة باألمر

واخلصوصيات التي التصقت مباهية األمر يف البحث البالغي العريب أساس أن املواصفاتال ميكن أن تعزل عن علو اآلمر وسلطته وهو ما حنسبه عامال مهما يف إعطاء األمر طابعا

.تداوليا حمضدرك أن السلطة تلعب دورا نوتظهر قيمة هذا التخريج وتثبت أحقيته حني -

ته اإلجنازية حبكم أن السلطة وداويل الناجح واحملافظ على قرئيسا يف إنتاج اخلطاب التاحلق يف األمر، فهي تستلزم آمرا ومأمورا وأمرا، آمرا له احلق يف إصدار "مبعناها العام هي

وهذا ما )2("أمر إىل املأمور، ومأمورا عليه واجب الطاعة لآلمر بتنفيذ األمر املوجه إليه .عريفات اليت وجهت إىل ماهية األمر من طرف البالغيني العربملسناه بقوة يف تلك الت

ومن هذا املنطلق فالقضية األساسية اجلامعة بني التنظريين منحصرة يف ذلك اال عريف الذي يبىن على فكرة جوهرية عمادها أن القضية ليست متعلقة خبصوصيات لغوية امل

إذ ليس الوضع اللغوي هو املعيار "تداولية فقط، بل تتعدى ذلك حيث تعتد بأبعاد لغوية األوحد، بل البد أن تعضده مرتبة املرسل، ألنها هي التي حتول داللة الصياغة من األمر

ويف هذا داللة صرحية على عدم كفاية التركيب النسقي احلامل )3("إىل غري ذلكالنحوية التقليدية، خلصوصيات وعناصر متت باألمر بصالت قوية، كصيغ األمر وأدواته Extra linguistiqueبل إن استنباط داللة األمر مرهونة بالوقوف على عناصر خارج لغوية

ومن أمهها فحص العالقة السلطوية بني الباث واملتلقي، إذ البد أن تواكب صيغة األمر

)1 .218. السابق، صاملرجع ) )

2 .221. عبد اهلادي بن ظافر الشهري، إستراتيجيات اخلطاب، ص) )

3 .342. املرجع السابق، ص)

Page 293: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

279

وهذا من شرط ذو أولوية قصوى وهي علو مرتبة اآلمر يف الواقع مقارنة مع املأمور، .أجل إجناح الفعل الكالمي

وعليه يغدو األخذ بالعوامل والظروف احمليطة بأساليب األمر، من القضايا التي عكف البالغيون العرب على التنبيه عليها، ولعل القضية اجلوهرية الباعثة على هذا

عملية االهتمام راجعة إىل سبب احترازي يفض إىل عدم الوقوع يف املزالق واملطبات يفالكشف عن املعىن احلقيقي والغرض املراد من الصيغ التي تبدو يف بناءها السطحي أنها حاملة ملقوالت أسلوب األمر، غري أنها يف الواقع خترج إىل أغراض بالغية أخرى، حيث

.)1(نولد هذه األخرية حبسب قرائن األحوال ما ناسب املقام، واسم األمر "افعل"فعل األمر : ألمر وفقها مثلفبالرغم من الصيغ اليت يتحدد ا

أنتم مأمورون بكذا، والقول املضارع املسبوق بالالم، واستعمال الفعل مثل صه، : مثلجيب، ينبغي، البد من، واملصدر النائب عن فعل : واأللفاظ املخصوصة الوجوب مثل

رج عن نطاق البناء اللغوي، إال أننا نبقى دائما يف حاجة إىل معرفة قضايا خا– )2(األمركاملالبسات املختصة بالزمان واملكان والظروف احلضارية واالجتماعية والعالقة بني

إىل غري ذلك من عناصر وظروف شكلت الكنف اجلوهري للعملية ... املتلفظ واملتلقيإىل أن األمر ق خيرج من معناه األصلي : ومرد ذلك راجع إىل فكرة مؤداها. التواصلية

.أغراض ودالالت بالغية أخرىواجلدير بالذكر يف هذا املقام؛ أن هذه الدالالت واألغراض كثرية وخمتلفة، قد

:ذكرها البالغيون العرب يف مؤلفام ومدونام التراثية ومن بينها

)1 .177. السكاكي، املفتاح، ص: ينظر) )

2 220ص.طافر الشهري، إستراتيجيات اخلطاب: ينظر)

Page 294: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

280

نلفي هذا الغرض الذي خيرج إليه األمر يف حالة سخط اآلمر على :التهديد-1، فاهللا تعاىل يف هذه اآلية الكرمية يهدد )θè=uΗùå$# $tΒ ôΜçGø⁄Ï© ( �)2#) �وله تعاىل ، مثل ق)1(املأمور

çµ…) �عباده باملآل املخيب والسيء والدليل على ذلك قوله بعدها ‾ΡÎ) $ yϑÎ/ tβθ è=yϑ÷ès? î��ÅÁ t/ ∩⊆⊃∪

اهلائلة ، ومن هنا تظهر القيمة)4(، أي أنه سوف يعلم بكل ما تقومون به وحياسبكم)3(�وكأنه يأمرهم مشاءون من أنواع الشرور "من التهديد الذي تنطوي عليه هذه اآلية إذ

، أما مبعايري الطروحات )5("وألوان املعاصي ليوقع م أفانني العذاب وضروب اإليذاءالتداولية ميكن القول أن هذه الصيغة إنما تدخل ضمن بوتقة األفعال الكالمية غري

حبكم أن الغرض املتضمن للقول هو )6(ن قوا اإلجنازية ختالف مراد املتكلماملباشرة، أل .التهديد وليس األمر

ويرد هذا الغرض البالغي حسن يتوهم السامع حظر شيء عليه :اإلباحة-2*sŒÎ# �: فيحمل له األمر حمتوى تكري مؤداة اإلذن بالفعل، ومنه قوله تعاىل sù ÏM uŠÅÒ è%

äο4θ n=¢Á9 $# (#ρã� ϱtFΡ$$ sù ’Îû ÇÚö‘ F{$# (#θ äótGö/$#uρ ÏΒ È≅ ôÒsù «!$# �)7( ففي هذه اآلية الكرمية يبيح اهللا ،تعاىل لعباده أن ينتشروا يف األرض ليقضوا حوائجهم الدنيوية من بيع وشراء وبناء عالقات اجتماعية، ومتتع باحلالل الذي أقره الشرع بعد الصالة، وكل هذا رغبة منه

ية، ألنه يعلم تعاىل لتبيني أن نطاق احلالل يف اإلسالم واسع بعد أداء الواجبات الشرعأن كثريا من الناس يتومهون بأن هذه األمور اليت ذكرناها آنفا من ) اهللا جل شأنه(

)1 .117. ينظر السكاكي، مفتاح العلوم، ص) )

2 .40سورة فصلت، اآلية ) )

3 .40سورة فصلت، اآلية ) )

4حفين ناصف، سلطان حممد، حممد دياب، مصطفى طموم، شرح دروس البالغة، شرح حممد بن صاحل العثيمني، دار ابن )

.37. ، القاهرة، ص2007اجلوزي، الطبعة األوىل )

5 .265. حممد حسنني أبو موسى، دالالت التراكيب، دراسة حتكيلية ملسائل علم املعاين، ص) )

6 .50. حممود أمحد حنلة، آفات جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص: ينظر) )

7 .10سورة اجلمعة، اآلية )

Page 295: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

281

فإذا استحضرنا مقاييس الطروحات التداولية هاهنا ألفينا أن الغرض . )1(احملضوراتاملتضمن للقول يف هذه العبارة إنما هو اإلباحة وليس األمر، حيث يغدو هذا األخري

J. Austineالذي عده أوستني Locutionary Actمتموضعا حمصورا يف فعل التلفظ عنصرا ، )2(جمموعة من األلفاظ تنتمي إىل مجل سليمة حنويا وحاملة لداللة أو غرض معين

وباإلضافة إىل هذا املنحى التداويل الذي حتمله اآلية الكرمية، ميكن القول مبا ال يدع جماال ألا تشتمل على قوة Indirectمن األفعال الكالمية غري املباشرة للشك أا تندرج ض

إجنازية خمالفة ملراد وعرض اآلية، وبصيغة أخرى ميكن القول أا ال تتوافر على تطابق تام ).اإلبانة/األمر(بني معىن اجلملة ومعىن القول

ع عدم وهو من األغراض البالغية اليت خيرج إليها األمر حني وقو :التعجيز-3ويعرف عادة . ة السطحية وغرض الصيغة أو العبارة التلفظيةبنياملطابقة بني املعىن احلريف لل

، ومن بني األمثلة اليت ميكن اإلستناد عليها يف هذا )3("األمر مبا ال يطيقه املأمور"بأنه فأتو بسورة وإن كنتم يف ريب مما نزلنا على عبدنا �: الصدد قوله تعاىل يف سورة البقرة

إال أا ال تفيد األمر، " فأتو"، فاملالحظ هنا أن صيغة األمر جاءت صرحية )4(�من مثلهأن الكفار غري ) اهللا تعاىل(بل خيرج هذا األخري إىل غرض آخر أال وهو التعجيز لعلمه

د، ومثل قوله تعاىل يف فهذا تعجيز حت"تيان بسورة يف مثله مؤهلني وقادرين على اإلθ#) �لصيغة الثانية ا è?ù' u‹ù=sù ;]ƒ ωpt¿2 ÿÏ& Î#÷W ÏiΒ βÎ) (#θ çΡ% x. šÏ%ω≈ ، ومثـل قوله تعاىل )5(� ∪⊇⊃∩ ¹|

Π÷ �تعاىل r& öΝçλm; ÒΟ‾=ß™ tβθ ãè ÏϑtGó¡o„ ϵŠÏù ( ÏNù' u‹ù=sù Νßγ ãèÏϑtF ó¡ ãΒ 9≈ sÜù=Ý¡ Î0 AÎ7 •Β ∩⊂∇∪ �"...)6( وعليه ،إىل غرض -وهو الظاهر–جاز القول أن اآلية التي بني أيدينا خترج من غرض األمر

)1 .231. خمتار عطية، علم املعاين ودالالت األمر يف القرآن الكرمي، دراسة بالغية، ص) )

2 .44. حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص: ينظر ) )

3 .227. خمتار عطية، علم املعاين، ص) )

4 .37. حفين ناصر، سلطان حممد، حممد دياب، مصطفى طموم، دروس البالغة، ص ))

5 .34سورة الطور، اآلية ) )

6 .37. حفين ناصف، سلطان حممد، حممد دياب، مصطفى طهوم، دروس البالغة، ص)

Page 296: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

282

ضمين آخر هو التعجيز، حيث يمثل هذا األخري الفعل اإلجنازي الذي عقد الكالم من ، أو بصيغة )الظاهر/السطحي(أجله حبكم أنه معىن إضايف كامن خلف املعىن األصلي

ن التعجيز هاهنا ميثل هدف إ :ري يف القولال ض: لدرس التداويل املعاصرري امبعاي -أخرىينظر (على أساس أن التداولية كما ذكرنا سابقا حتتفي باهلدف بدال من املعىن املقصود

). الفصل الثاين4-نلفيه مطروحا يف قد خيرج أسلوب األمر إىل غرض الدعاء، وهو ما :عاءالد

�: ل عليها الذكر احلكيم، ومن األمثلة قوله تعاىل يف سورة طـهآيات قرآنية اشتم عدة÷Éb>u‘ ÷yu�õ°$# ’ Í< “Í‘ ô‰|¹ ∩⊄∈∪ ÷�Åc£o„ uρ þ’ Í< “Ì� øΒ r& ∩⊄∉∪ ö≅è=ôm $#uρ Zοy‰ø)ãã ÏiΒ ’ ÎΤ$|¡ Ïj9 ∩⊄∠∪ (#θ ßγ s)ø(tƒ ’ Í<öθ s%

∩⊄∇∪ ≅yè ô_ $#uρ ’Ík< # \�ƒÎ— uρ ôÏiΒ ’ Í?÷δ r& ∩⊄∪ tβρã�≈yδ Å�r& ∩⊂⊃∪ ÷Š ߉ô©$# ÿϵÎ/ “Í‘ ø—r& ∩⊂⊇∪ çµ ø.Î�õ°r& uρ þ’Îû “Ì� øΒr&

، فالطاهر هاهنا أن اآلية الكرمية قد اشتملت على صيغ صرحية األمر، إال أن )1(� ∪⊅⊃∩، "اشرح"خمالف لألفعال التلفظية Illocutionary Actالغرض الضمين أو فعل قوة التلفظ

حبكم )2(ألن استعمال األمر هاهنا على سبيل التضرع هللا"... إجعل"، "احلل"، "يسر"أن النيب موسى عليه السالم يتهيأ للذهاب إىل فرعون، يتضرع إىل اهللا لكي يساعده يف

وعليه ميكن . الصواب هذه املهمة اليت أوكلها اهللا له لكي يهديه إىل االستقامة وجادةاحلزم أن هذه الصيغ املتتالية إنما هي أفعال كالمية غري مباشرة، وغرضها ضمين ال

مهما كانت مرتبته . يتطابق مع قوا اإلجنازية، فمن غري املعقول أن يأمر العبدسيده أي خالقه يف هذه العبارة املستمدة من آيات الذكر –االجتماعية أو العلمية

.كيماحلومرد ذلك يعز إىل مقوالت بلورا الرؤى البالغية العربية، حيث كان نظرها إىل أسلوب األمر وخروجه إىل معان يأخذ مزاجا تداوليا حمضا، إذ كان تناوهلم هلذا املبحث

)1 .32إىل 25سورة طه من اآلية ))

2 .225ودالالت األمر يف القرآن الكرمي ، ص خمتار عطية، علم املعاين: ينظر )

Page 297: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

283

تناوال عميقا يغترف من املظاهر والعناصر املؤطرة للعملية التواصلية وهو يف عملية البحث ويتضح جمرى هذا املقتضى التصوري . تنقيب عن القصدية اليت عقد من أجلها التلفظوال

مع األمر، واختالف هذين الغرضني ) تداوليا(يف ذلك اال الذي يبدو فيه الدعاء خمتلفا عن عرض اإللتماس، ويأخذ هذا االختالف منحا تداوليا بامتياز، ذلك أنه يرى يف

قوامها التساوي يف الرتبة واملرتلة بني البات واملتلقي، بينما يحد معادلة )1(اإللتماس، وعكس ذلك متاما يف )اخلالق عز وجل(الدعاء بدنو مرتبة البات مقارنة مع املتلقي

.األمر كما ذكرنا سابقاباإلضافة إىل هذه األغراض التي خيرج إليها األمر، ميكن القول أن التمين، والنصح

والتسوية والتخيري، والتسخري واإلهانة والتحقري، والسخرية والتهكم، واإلرشاد مبثابة دالالت بالغية أخرى ميكن ... والتعجب والتكوين واإلثارة واإلنذار واالعتبار

ولعلنا ال نبلغ يف القول شططا أن الوصول إىل هذه األغراض . لألمر أن خيرج إليها" بفعل قوة التلفظ–التداولية السيما عند أوستني الفرعية أو ما يسمى يف الدراسات

مرهون بالوقوف على سياقاا اللفظية واحلالية، أي إن املعاين الضمنية املستفادة من .)2(الكالم تتولد مبعونة القرائن واألحوال

إن هذا الطرح الذي اختصت به التنظريات البالغية العربية التي اختصت بقضية واألغراض اليت خيرج إليها إنما يدعونا بقوة إىل استحضار تنظريات بعض أسلوب األمر

، حيث اعترب هؤالء أن "ولسن"و" سرببر"و" غرايس: "العلماء والباحثني التداوليني مثليتم عن طريق عملية ذهنية استداللية تعترف حيويتها املنهجية ) الغرض(املعىن التواصلي

وجدناه ماثال يف الطروحات البالغية التي ماوهذا )3(اسبةمن مبدأ التعاون، ومبدأ املنوتثبت أحقية هذا املقتضى التصوري يف تلكم ). األمر(أدلت بدلوها يف هذه القضية

)1 .226. ينظر، املرجع السابق، ص) )

2 .37. ، ص1985عبد العزيز عتيق، علم املعاين، دار النهضة العربية، بريوت، : ينظر)

(3) Jacque Moeschler, Théorie Pragmatique et pragmatique conversationnel, p. 29.

Page 298: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

284

املساحة املعنية بتحديد التقاطعات املعرفية املشتركة بني الدرس التداويل والبالغة العربية، باحثة عن املعىن التواصلي اخلفي، اخلرق الواضح العمليات الذهنية اإلستداللية ال: مثل

املالئمة وبروز معىن إضايف مستلزم وهو ما يضعنا مباشرة يف صلب / ملسلمة املناسبة .نظرية االستلزام احلواري

القدرة (باإلضافة إىل هذا التخريج، ميكن القول أن مفهوم الكفاءة التداولية ة اليت نلفيها تفرض نفسها بقوة يف هذا املضمار من بني املقوالت املفاهيمي) التواصلية

املعىن باستعمال أسلوب األمر، حيث يرتكز البات املستخدم لصيغة األمر وأمساء األفعال اخلاصة به على الكفاءة التداولية التي ميتلكها املرسل إليه والتي تؤهله لتأويل اخلطاب

أا وضعت "[...] دراية بداللة هذه األمساء أي املنجز تأويال حقيقيا مناسبا ألنه على أمتبعد، دال على ما حتته : لتدل على صيغ األفعال كما تدل األمساء على مسمياا فقولنا

من املعىن، وهو خالل العرب، وقولك هيهات اسم للفظ بعد، دال عليه وكذلك ذلك لكانت األفعال سائرها، والغرض منها اإلجياز واالختصار ونوع من املبالغة، ولوا

اليت هذه األلفاظ أمساء هلا أوىل متوضعها، ووجه االختصار فيها جميئها للواحدة والواحدة وأما املبالغة، فإن قولنا منه أبلغ يف [...] والتثبيت واجلمع بلفظ واحد وصورة واحدة

من األمر على ما تدل عليه األفعال] أمساء األفعال[وأما داللة [...] املعىن من اسكت صه دل ذلك على : وإنما تستفيد من مدلوهلا ال منها نفسها، فإذا قلت[...] والنهي

.)1(..."اسكت، واألمر مفهوم منه، أي من املسمى الذي هو اسكت :أضرب اخلرب واعتباراا التداولية عند املربد-6.1

العربية بشكل عام، لعل أدىن حماولة استنطاقية للمباحث التي اختصت ا البالغية وعلم املعاين بشكل خاص؛ إنما تفضي إىل رؤية جوهرية مفادها ذلك االهتمام املركز

والتصورات البالغية باملتلقي وأوضاعه املختلفة، حيث مثل هذا الذي انتاب التنظريات

)1 .29. ، ص)ت.د(ابن يعيش موفق الدين، شرح املفصل، عامل الكتب، اجلزء الرابع، )

Page 299: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

285

األخري قطب الرحى بالنسبة للبليغ الذي يريد أن جينح بكالمه حنو الرقي واالستحسان .القبولو

فمراعاة حال املخاطب جتعل عملية التواصل سهلة وفعالة وممكنة، على أساس أنها وعليه يسعى املتكلم . احملرك املعنوي الذي يفضي إىل اإلفهام وجتنب الغموض واللبس

جاهدا ملعرفة الوضع احلال الذي يكون عليهما املتلقي، ليتسىن له صياغة كالمه على وفق .تلك احلال

فضال عن معرفة حال املخاطب؛ وجب على املتكلم وهو بصدد بناء عباراته و .)1(اللغوية مراعاة الظروف واملعطيات احمليطة به ومنها

باعتبار أن العملية التواصلية مرهونة وخاضعة ملناسبات القول :املقام والسياق- ة، وال اخلرب ما مل يكن حال العالقة القائمة بني الباث واملتلقي، فلن يكون الكالم ذا إفاد

.املخاطب ملحوظافالتقاليد والعادات من املوضوعات الكربى التي تدفع بالبليغ :احلالة االجتماعية-

الصواب، وعلى وفق هذا التصور اإىل انتقاء منح ا ال جيانب حداستراتيجيا مالئم .ظهرت أساليب واختلفت أساليب أخر

.ثقافتهوعي املخاطب ومستوى لة حبدة يف املقوالت البالغية التي اختصت ثإن هذه التخرجيات األخرية كانت ما

مببحث أضرب اخلرب، ومن بني البالغيني العرب الذين كان هلم دور طالئعي يف إثراء هذا ، حيث كان من السباقني الذين "أيب العباس املربد"املبحث نلفي الشاعر والنقاد الفصيح

ا املبحث بنظرة مستفيضة غنية باألسس واالعتبارات ذات الطابع االستعمايل أغنوا هذ .الذي يلتقي مع طروحات الدرس التداويل املعاصر الكثري من جوانبه ونواحيه

ويثبت هذا املقتضى التصوري، حني نلفيه حياول اإلجابة على سؤال الكندي يف أي : فقال له أبو العباس: حشواإين ألجد يف كالم العرب : "املتفلسف حني قال له

)1 .60: بان اخلفاجي، مرعاة املخاطب يف النحو العريب، ص: ينظر )

Page 300: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

286

إن عبد اهللا : عبد اهللا قائم، مث يقولون: أجد العرب يقولون: موضع وجدت ذلك؟ فقالبل : فقال أبو العباس. إن عبد اهللا لقائم فاأللفاظ متكررة واملعىن واحد: قائم مث يقولون

إن عبد : ر عن قيامه، وقوهلمعبد اهللا قائم إخبا: املعاين خمتلفة الختالف األلفاظ، فقوهلمإن عبد اهللا لقائم، جواب عن إنكار منكر : وقوهلم". اهللا قائم، جواب عن سؤال سائل

.)1("قيامه، فقد تكررت األلفاظ لتكرر املعاين، فما أحار املتفلسف جواباوينجر عن هذا الطرح أن املتلقني الذين يستقبلون اخلرب إنما ينقسمون إىل ثالثة

:أصنافإذا كان املتلقي خايل الدهن من احلكم؛ وجب إخالء العبارة من أداة التوكيد -أ

).ل احلالة األوىلبوهو ما يقا(إذا كان املتلقي شاك أو متردد يف مصداقية اخلرب، حيسن توكيد اخلرب بأداة -ب

).ل احلالة الثانيةبوهو ما يقا(توكيد واحدة من أساسه؛ وجب توكيد احلكم توكيدا مبالغا إذا كان املتلقي منكر احلكم -ج

).وهو ما يقابل احلالة الثالثة(فيه ألن التوكيد، زيادة "يفرغ املتكلم كالمه من التوكيد :فبالنسبة للحالة األوىل-

وبالتايل تتدعم الفعالية االقتصادية )2("يف املبىن، والزيادة التي ال فائدة منها تركها فائدةيف الكالم، وخيلو الكالم من التطويل واإلسهاب الذي ال فائدة منه يف هذه الوضعية،

:)3(ومنه قول الشاعر فصادف قلبا خاليا فتمكنا أتاين هواها قبل أن أعرف اهلوى

)1 .212. عبد القاهر اجلرجاين، دالئل اإلعجاز، ص ))

2حممد بن صاحل العثيمني، : البالغة، شرححفين ناصف، سلطان حممد، حممد دياب، مصطفى طموم، شرح دروس ) .31.ص)

3 . 178. يف اللسانيات التداولية مع حماولة تأصيلية يف الدرس العريب القدمي، ص: خليفة بوجادي: ينظر)

Page 301: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

287

الذي ال ، ألن هذا الضرب "اخلرب االبتدائي:"ويسمى هذا الضرب من اخلرب بـ .خاليا يشتمل على أدوات توكيدية كفيل بأن يتمكن يف نفس املتلقي ملصادفته إياه

الثانية املتعلقة باخلرب الطليب؛ وجب على املتكلم توكيد كالمه أما بالنسبة للحالة-لنفس حني تتردد تصري يف حاجة إىل قدر من التوثيق، وإن "ألن املتكلم شاك ومتردد ألن

)1("حلكم على وفق ظنها؛ ألن ما تظنه ومتيل إليه هي أيضا يف حاجة إىل توكيدهكان ا$! ÷�: ومن بني األمثلة اليت ميكن اإلستناد عليها يف هذا املورد قوله تعاىل ‾ΡÎ) çµ≈ oΨø9 t“Ρr& ’ Îû Ï's#ø‹ s9

Í‘ ô‰s)ø9 أم ال، املخاطب أهو متردد "، فبالرغم من إرسال هذه اآلية بدون معرفة )2(� ∪⊆∩ #$، وخماطب يتوقع )مؤمن(ملخاطب يرضيه هذا التوكيد " إن"ترسل اآلية مؤكدة بـ

.)3("ترددهفاملخاطب اجلاحد املنكر للخرب إنكارا حيتاج إىل أن يؤكد :ويف حالة الثالثة-

بأكثر من مؤكد، فتضاعف عناصر التوكيد هاهنا جيب أن تكون متوافقة مع مقدار حبكم أن وظيفة اخلرب حينئذ هي تثبيت هذا املعىن يف تلك النفس "تصاعد حالة اإلنكار،

على ثاقتها مالئمة حلال النفس قادرةالرافضة له فال مفر من أن تكون قوة العبارة ووومن هنا يظهر بقوة ذلك البعد الذي يرتقي بالعبارات واجلمل حنو األفق )4("اإلقناع

بوتقة احلجاج، حبكم أن االستعمال الدقيق واألمثل ألدوات حنو التداويل، وبالضبط إلنكار، إزداد التوكيد، إنما ينحو حنو دائرة اإلقناع، فكلما تصاعدت حركة اجلحود وا

.أدوات التوكيد يف الصيغة الكالميةمن هذا املنطلق يغدو واملتلقي واالهتمامات الذهنية والظروف النفسية التي تنتابه

من حيث ) األفعال الكالمية(من أقصى الفعاليات التي توجه العبارات -عند املربد–

)1 .53حممد حسنني أبو موسى، دالالت التراكيب، دراسة حتليلية ملسائل علم املعاين، ص : ينظر) )

2 .1سورة القدر اآلية ) )

3 .179يف اللسانيات التداولية، ص : خليفة بوجاري) )

4 .53حممد حسنني أبو موسى، دالالت التراكيب، ص )

Page 302: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

288

منها إشباع اجلوع املعريف الذي تركيبها الداخلي وتدعيمها بأدوات فنية وحنوية الغايةينتاب املتلقي يف قضية معينة، وهو ما يدخل ضمن أهم مقولة حتكم التصورات واملباحث

التي تعترب مبثابة العمود الفقري ملن أراد " مراعاة مقتضى احلال"البالغية، ونقصد ا فكرة هذه املقولة األخرية مطعمة وال جرم أن. أن يسمو بقوله حنو البالغة احلقيقية الراقية

.ما أثبتناه يف الفصل السابق من البحث مبستويات وأسس تداولية واضحة وصرحية وهوتنظريات املربد أثناء معاجلته شتملت عليهباإلضافة إىل هذا املنحى التداويل الذي ا

ة املنجرة عن أضرب اخلرب؛ ميكن الباحث املتفحص أن يلتمس بعض الومضات التداوليطرحه األخري، ولكي تثبت هذا التصور بات لزاما علينا االعتماد على بعض اآليات القرآنية من سورة يس، التي حنسبها خري شاهد يصور هذا األصل النفسي الدقيق املرتبط باملتلقي يف بناء إستراتيجيات وأساليب تداولية ذات طابع استعمايل ذو طابع فضفاض

يقول اهللا . لوضعيات واحلاالت املختلفة التي ميكن أن يكون عليها املتلقييتناسب مع اó>Î�ôÑ � صحاب القريةأتعاىل وهو يصف لنا دوار املرسلني مع $#uρ Μçλ m; ¸ξsW ¨Β |=≈ ptõ¾r&

Ïπ tƒö� s)ø9 $# øŒ Î) $ yδ u!% y tβθ è=y™ö� ßϑø9 $# ∩⊇⊂∪ øŒ Î) !$ uΖù=y™ö‘r& ãΝÍκö� s9 Î) È ÷uΖøO$# $yϑèδθ ç/¤‹s3sù $ tΡø— ¨“yèsù ;]Ï9$ sVÎ/ (# þθ ä9$ s)sù !$ ‾ΡÎ) Νä3ø‹ s9 Î) tβθ è=y™ó÷‘∆ ∩⊇⊆∪ (#θä9$ s% !$ tΒ óΟçFΡr& āω Î) ×�|³o0 $ oΨè=÷WÏiΒ !$ tΒ uρ tΑt“Ρr& ß≈ oΗ÷q§�9 $# ÏΒ > óx« ÷βÎ) óΟçFΡr& āω Î)

tβθ ç/É‹õ3x? ∩⊇∈∪ (#θ ä9$s% $ uΖš/u‘ ÞΟ n=÷ètƒ !$ ‾ΡÎ) óΟ ä3ö‹s9 Î) tβθè=y™ö� ßϑs9 ∩⊇∉∪ �)1(. النظر الدقيق والوايف هلذه املتتالية من اآليات القرآنية، يفضي إىل تقدمي صورة إن

كاملة وواضحة حول كيفية تكاثر عناصر التوكيد وفقا لتصاعد أحوال اإلنكار، حيث ألصحاب القرية كان بواسطة خرب طليب وهو -عليهم السالم–نرى أن خطاب الرسل

القرية راودهم الشك يف رسالة هؤالء أهل ألن " م مرسلونإنا إليك"ما جنده يف عبارة وبعد إنكارهم . الرسل، وبالتايل كذبوهم بالرغم من إرسال رسول ثالث من قبل اهللا

وما أنزل �، وكذا قوهلم �ما أنتم إال بشر مثلنا وكذا� الشديد واملتطاول املسف بقوهلم

)1 .16، 15، 14، 13سورة يس اآلية )

Page 303: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

289

؛ أكد اخلرب بأكثر من مؤكد، وهو ما نلفيه �إن أنتم إال تكذبون�و �الرمحن من شيءحيث أضاف الرسل عليهم السالم إىل �ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون�قالوا يف عبارة

الصياغة األوىل ألوانا جديدة من التوثيق والتوكيد، وهو ما جعلها تصب يف جمال اخلرب .اإلنكاري

لية املعاصرة يف عملية حتليل هذا وعليه ميكن إستحضار بعض التنظريات التداومبقاييس . املتعلق بعدد أدوات التوثيق والتوكيد واملوافق لتصاعد درجة اإلنكار" التكثري"

نظرية األفعال الكالمية؛ ميكن القول أن هذه االختالفات التي اعترت هاتني العبارتني هي بدرجة الشدة J. Searl نتاج ذلك التعدد الكامن فيما مساه الفيلسوف اللغوي سورل

، فعلى الرغم من أن هذين الفعلني الكالميني متشاني يف )1(للغرض املتضمن يف القول .)*(نفس الغرض املتضمن يف القول؛ إال أما خيتلفان يف درجة الشدة

)1 .96/97. التداولية عند العلماء العرب، ص: مسعود صحراوي: ينظر)

العوامل اليت متلي الشدة املتضمنة يف القول؛ متلك البالغة العربية بعض من ) التوكيد(باإلضافة إىل اعتبار هذه األدوات ) *(األدوات اإلجرائية التي من شأا خلق تفاوت يف درجات الشدة املتضمنة يف القول، فاألمر مثال إذا قرن بنون التوكيد الثقيلة

ول مقارنة مع استعمال نون التوكيد اخلفيفة، كما أن التي تفيد الفعل، نتج عنه درجة عالية من الشدة للغرض املتضمن يف القهذا االستعمال األخري حيتوي على درجة أكرب من الشدة للغرض املتضمن يف القول إذا ما قورن باستعمال األمر ارد، وميكن

:بسط هذا التصور عن طريق هذا الشكل التوضيحي التايل )1(لنذهبن إىل السوق

)2( السوق لنذهبن إىل )3(لنذهب إىل السوق

فنون التوكيد الثقيلة التي تشتمل عليها العبارة األوىل، تنطوي على درجة عالية وقوية من الشدة للغرض املتضمن يف القول إذا ما قورنت بالعبارة ما قورنت بالعبارة الثانية، وهذه األخرية تنطوي بدورها على درجة قوية من الشدة املتضمنة يف القول إذا

.األخرية

Page 304: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

290

:األبعاد التداولية يف علم البيان-2

:االستعارة واحلجاج-1.2

تعترب االستعارة من األساليب واآلليات الفنية البالغية ذات البعد اإلستراتيجي الذي يغذي الكالم ويطعمه مبقومات وومضات تداولية حجاجية بالدرجة األوىل، ويعترب هذا املبحث البالغي من القضايا اليت تتموضع حتت لواء علم البيان، وقد نالت حصة

يث الدراسة والتنظري والتطبيق من طرف نفر كبري من كبرية ال يستهان ا من حوهو اجلانب املعىن بتوظيف : املستوى األول: البالغيني العرب وذلك يف مستويني اثنني

االستعارة يف النصوص واخلطابات اإلبداعية مبختلف أشكاهلا وصورها إلعطاء ) تطبيق() حتسيسية(زرع ومضات فنية مجالية منتوجام اإلبداعية طابعا خاصا يتجه مبقوماته حنو

من جهة، وكذلك إمدادها مبقومات إستراتيجية هادفة ختدم األهداف واألغراض اليت وهو ما سوف نبينه من خالل (عقد الكالم من أجلها كاإلقناع والتأثري واإلستمالة

فهو مرتبط بالبالغيني والنقاد: ، أما املستوى الثاين)عرض بعض األمثلة والشواهدواملنظرين؛ فقد انكب هؤالء على دراسة االستعارة ووضع مقاربات خاصة ا من

فماهي االستعارة، وهاهو السر الذي انطوت . اخل...فحص وحتليل واستقرار وتقسيم عليه يف بعدها اإلستعمايل التداويل؟

ا عند ابن منظور يف اللسان بإرجاعها إىل مصدرها األول تعرف اإلستعارة لغويما تداولوه بينهم، وقد أعاره الشيء وأعاره منه : وهو العارية، والعارية والعارة يف اللسان

طلب منه أن : وعاوره إياه، وتعور واستعار طلب العارية، واستعاره الشيء واستعاره منه .)1(يعريه إياه

)1 .ابن منظور، اللسان، مادة عور)

Page 305: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

291

ويعرف أمحد مطلوب االستعارة بأا نقل الشيء من شخص إىل آخر حتى تصبح . )1(تلك العارية من خصائص املعار إليه

وإنما هو استعارة الكلمة لشيء مل يعرف ا : "أما يف االصطالح يقول ابن املعتزنقل العبارة من : "بأنها) أبو هالل(، كما يعرفها العسكري )2("من شيء قد عرف ا

قال من االستعمال أي أن هذا االنت )3("موضوع استعماهلا يف أصل اللغة إىل غريه لغرضالوضعي األصلي إىل غريه منوط باملقاصد واألغراض التي يتوخاها البليغ من خالل كالمه، وبالتايل يتجاوز توظيف االستعارة يف النصوص واخلطابات ذلك األساس

للكلمات إىل حدود أوسع تأخذ نصب أعينها حتقيق املقاصد ) ينالتحسي(التنميقي .ظ إال من أجلهاواألغراض التي ال يتلف

أما يف عهد القاضي اجلرجاين أخذت االستعارة اجتاها استثنائيا خمتلف عن طروحات النقاد والبالغيني العرب من حيث العمق ووضوح الداللة، ففي إطار زرعه

االستعارة ما اكتفى فيها باالسم املستعارة عن األصلت ونقلت العبارة : "ملاهيتها يقولريها، ومالكها تقريب الشبه ومناسبة املستعار له للمستعار منه، فجعلت يف مكان غ

وامتزاج اللفظ باملعىن حىت ال يوجد بينهما منافرة وال يتبني يف أحدمها إغراض عن ويظهر يف التعريف كل اجلوانب املرتبطة باالستعارة سواء اليت تعلقت باملستعار )4("اآلخر

.اأم باملستعار منه أم بالعالقة بينهم

)1 .136.، ص1.م، ج1983/هـ1403أمحد مطلوب، معجم املصطلحات البالغية وتطورها، مطبعة املعجم العلمي العراقي ) )

2 .20. ، ص)ت.د(دمشق –كراتشونسكي، دار احلكمة، حليوين : ابن املعتز، البديع، حتقيق ))

3 .240. بو هالل العسكري، الصناعتني، صأ) )

4حتقيق حممد أبو الفضل إبراهيم، وعلي البخاري، مطبعة عيسى احلليب، ) بني املتنيب وخصومه(القاضي اجلرجاين، الوساطة، ) .41. ، ص1966، 4.ط

Page 306: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

292

أن توظيف االستعارة يف العبارات إذا عتربنا القول منولعلنا ال نبلغ شططا اللغوية ينطوي على أسرار مجالية وفوائد فنية تغدي األقوال وتطعمها مبستويات تداولية من شأا إستمالة األنفس والتأثري عليها أكثر من اإلطناب يف تشكيل اخلطابات من

الكثري من املعاين تعطيك: "املواضعات اللغوية، يقول عبد القاهر اجلرجاين يف هذا الصددباليسري من اللفظ، حىت خترج من الصدفة الواحدة عدة من الدور، وجتين من الغض

فإنك لترى ا اجلماد حيا ناطقا، واألعجم فصيحا، واألجسام [...] الواحد أنواع الثمر ا، وإذا نظرت يف أمر املقاييس وحدا وال اخلرس مبينة واملعاين املعاين اخلفية بادية جلي

ناصر هلا أعز منها، وال رونق هلا ما مل تزا، وجتد التشبيهات على اجلملة غري معجبة ما مل تكنها، إن شئت أرتك املعاين اللطيفة التي هي من خبايا العقل، كأنها قد جسمت حىت رأا العيون، وإن شئت لطغت األوصاف اجلسمانية حىت تعود روحانية ال تناهلا إال

، مبعىن أن الدور الذي تضطلع به االستعارة إنما هو دور فعال يقوم على )1("ونالظنتدرك ) جتريبية(إىل معاين جمسمة ) التخليلية(حتريك عجلة االنتقال من املعاين التجريدية

عن طريق احلواس من جهة، واالنتقال من املعاين احملسوسة إىل معاين روحانية ذات طابع .، وكل هذا من أجل استمالة األنفس والتأثري عليهارىمن جهة أخ ختييلي

ومن األمثلة التي ميكن االستناد عليها لتتبني مقتضى هذا الطرح ما جنده مبثوثا يف ≈=óë �: ثنايا تفسري الزخمشري، وبالضبط يف جمرى حديثه وتفسري لقوله تعاىل tGÅ2 çµ≈ oΨø9 t“Ρr&

y7 ø‹s9 Î) yl Ì�÷‚ çGÏ9 } $ ¨Ζ9 $# zÏΒ ÏM≈yϑè=—à9 $# ’ n<Î) Í‘θ –Ψ9 ميثالن " النور"و" الظلمات: "، وكلمتا)2(� #$فإن : ، وبصيغة أدق)3(على التوايل عند الزخمشري" النور"و" الظالل"استعارتان لـ

)1، 2001تب العلمية، الطبعة األوىل، عبد القاهر اجلرجاين، أسرار البالغة يف علم البيان، حتقيق عبد احلميد هنداوي، دار الك)

.40. بريوت، لبنان، ص)

2 .سورة إبراهيم، اآلية األوىل ))

3، )ت.د(الزخمشري، الكشاف عن حقائق الترتيل وعيون األقاويل من وجوه التأويل، دار املعرفة للطباعة والنشر، ينظر،) .365. ، ص2.ج

Page 307: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

293

: املستعار هو كلمة الظلمات، أما املستعار منه فهو كلمة الظالل، أما اجلامع بينهما فهووالقرينة يف كل . فقد استعريت للهدى" النور"بالنسبة للفظة عدم اإلهتداء والتخبط، أما

فالقرآن قد نزل إلخراج الناس من الضالل ) كتاب أنزلناه إليك: (من االستعارتني قوله .)1(إىل اهلدى، ومل يرتل إلخراجهما من ليل حقيقي إىل ار حقيقي

الظلمات ظلمات نفهم من هذا الطرح الذي اختص بتفسري هذه اآلية الكرمية أنوقد مجعت الظلمات ومفردها ظلم؛ ألن سبل . الكفر واجلهل، والنور نور اإلميان والعلم

، )حبل اهللا املتني(وأفرد النور؛ ألن طريق اإلميان وأخذ أوحد . اجلهل والكفر كثريةوعليه تنبع رؤية جلية واضحة مؤداها حصول جتاوز املستوى التخييلي التجريدي

ثل يف اجلهل والكفر إىل مستوى آخر وهو مستوى اإلدراك املباشر الذي يتم عن واملتمطريق احلواس، باعتبار أن الظلمات والنور أمساء جامدة، ميكن رؤيتها ومعانيها بالعني

.اردة

للمتلقي خليق -ذات البعد املقصدي–إن هذا االنتقال املبين على تقريب الصورة ني ذهنه وبني ما ورد يف اخلطاب أكثر من استعمال ألفاظ ختييلية بتأسيس تفاعل حقيقي ب

االستعارة وما "ومن هنا يظهر فضل استعمال . بعيدة عن الواقع احملسوس وتشكيالتهوهو ما يؤدي بنا )2("شاكلها على احلقيقة فإنها تفعل يف نفس السامع ما ال تفعله احلقيقة

يف املتلقي يصب حتت جمال أوسع هو جمال رأسا للقول أن ما تفعله االستعارةوتنحوا اإلستراتيجية احلجاجية وفناياا القائمة على اإلثبات بآليات وتراكيب ز النفس

أو املظهر الذي يقوم بنفي املعتقدات القبلية ) التقريري(اإلثبايت : مبظهرية قناعحنو اإل .املوجودة مثل عملية التخاطب

)1 .185. ، ص)1404/1984(، الطبعة الثانية )دون دار نشر(البالغية علي البدري، علم البيان يف الدراسات ) )

2 .241. أيب هالل العسكري، الصناعتني، ص)

Page 308: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

294

القرآين عدة آيات قرآنية تشمل على االستعارة احلجاجية، كما نلفي يف اخلطابóëô‰s)s9 �: ومثاهلا يف اآلية الثانية عشر من سورة املائدة، يقول اهللا تعاىل uρ x‹ yzr& ª!$# t,≈sW‹ ÏΒ

û_Í_ t/ Ÿ≅ƒÏℜu�ó� Î) $uΖ÷W yèt/uρ ÞΟßγ ÷ΨÏΒ ó o_ øO$# u�|³tã $Y7‹É)tΡ ( tΑ$ s%uρ ª!$# ’ÎoΤÎ) öΝà6 yètΒ ( ÷ È⌡s9 ãΝçFôϑs%r& nο4θ n=¢Á9 $#

ãΝçF ÷�s?#u uρ nο4θ Ÿ2“9 $# ΝçGΨtΒ#u uρ ’Í? ß™ã� Î/ öΝèδθßϑè?ö‘ ¨“tãuρ ãΝçGôÊ t� ø%r&uρ ©!$# $ �Êö� s% $ YΖ|¡ym ¨βt�Ïe(Ÿ2c{ öΝä3Ψtã

öΝä3Ï?$ t↔Íh‹ y™ öΝà6Ζn=Åz÷Š _{ uρ ;M≈Ψy_ “Ì� øg rB ÏΒ $yγ ÏF øtrB ã�≈ yγ÷ΡF{ $# 4 yϑsù t� x(Ÿ2 y‰÷èt/ š�Ï9≡ sŒ öΝà6Ψ ÏΒ

ô‰s)sù ¨≅ |Ê u !#uθ y™ È≅‹Î6 ¡¡9 ، يعد هاهنا اهللا سبحانه وتعاىل بين إسرائيل بالتكفري عن )1(� ∪⊅⊆∩ #$ .سيئام إذ ما انقادوا إىل تعاليم اهللا ورجعوا إىل العقيدة الصحيحة

وأقرضتم اهللا "ملا قال سبحانه " القرض"أما االستعارة يف هذه اآلية فهي يف لفظ فقد شبه اهللا تعاىل الصدقة بالقرض، مت حذف املشبه، أما اجلامع السبيب " قرضا حسناوعليه ميكن أن نستشف أن جميء االستعارة هنا قائم . أن كالمها مأجور: بينهما فهو

.على الربط بني متشاني منتميني إىل جنسني خمتلفني متباينني

املقام املتعلق بتحليل يف هذا -وهو صاحب تفسري روح املعاين–يقول األلوسي فاق يف سبيل اخلري، وقيل بالتصدق بالصدقات باإلن: "..ة الواقعة يف هذه اآليةاالستعار

املنوبة، وأياما كان فهو استعارة، ألنه سبحانه ملا وعد جبزائه والثواب عليه شبهه بالقرض وهو ما كان ) قرضا حسنا(الذي يقضي مبثله، ويف كالم العرب قدميا الصاحلات قروض

مبعىن أن القرض )2("ما ال تبعه من وال أذى: من طيب نفس على مقال األخفش، وقيليف هذه اآلية الكرمية مرتبط بالصدقة، فبالرغم من أن القرض يف معناه احلقيقي منوط باألشياء واألمور املادية، إال أن اهللا تعاىل استعارها، على أساس أن الرابط املعنوي قائم

)1 .12سورة املائدة اآلية ))

2، 6هـ، ج1353روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين، دار إحياء التراث العريب، الطبعة الثانية، لبنان : األلوسي) .88 .ص

Page 309: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

295

وبذا فإن استعمال االستعارة يف هذه اآلية الكرمي . على عنصرين اثنني مها الوعد واألجلينطوي على بعد تداويل حجاجي يرمي بطاقاته حنو إقامة واقع جديد يفضي إىل التأثري

ودفعهم حنو إقامة الصالة والزكاة واإلميان بالرسل، وغريها ) بني إسرائيل(على األنفس .هلية، اليت بعث اهللا الرسل من أجل ترسيخها يف أذهان وأنفس العبادمن التعاليم اإل

اليت استعملها اهللا " أقرضتم اهللا قرضا حسنا"ومهما يكن من أمر فإن عبارة سبحانه يف هذه اآلية تتمفصل حول جمالني خمتلفني؛ فاال األول مرتبط بالنظرة

شتملة على االستعارة جمرد مجلة ذات السطحية التي تظهر من خالهلا هذه العبارة املفهو املسؤول عن املعاينة الفكرية التحليلية الدقيقة : حمتوى إخباري حمض، أما اال الثاين

املرتبط مبقاصد االستعمال وفنياته ) التداويل/الداليل(التي تغوص يف العمق احلقيقي وجهة حجاجية جلية، حيث وإستراتيجياته، ويف هذا اال العميق تأخذ تلك العبارة

تصبح العبارة أو اجلملة املشتملة على هذه االستعارة فعال كالميا ينطوي على طاقات حجاجية ويأخذ هذا األخري على عاتقه مهمة إقناع اآلخرين وجرهم حنو حقيقة معينة،

إذ يف هذا اال Ducrotوهو ما يذكرنا ويدعونا إىل استحضار رؤى وتنظريات ديكرو أن الكثري من األفعال الكالمية هلا وظيفة حجاجية، والتي توجه املتلقي "يعترب هذا األخري

إىل نتيجة معينة، أو نفيها عن ذهنه، وحني تكون موضوعيني وجنانب العمومية ميكن عتبار أن الوظيفة احلجاجية حتمل العالمات داخل اجلملة نفسها، فالقيمة احلجاجية اال

ظ ما ليست فقط نتيجة احملموالت اخلربية له، ولكن للجملة الواحدة عدة دالالت مللفووعدة صيغ أسلوبية، واليت ميكن أن تضيف إىل حمتواها اخلربي توجيهات حجاجية

، وهو ما نراه يف )1("امللفوظ، على أساس أنها توجه املتلقي إىل وجهة دون أخرىتوى اخلربي الذي ميكن أن تتضمنه، ميكن القول أا االستعارة قائما، فباإلضافة إىل احمل

(1) C.F. Oswald Ducrot ; Les échelle argumentative, Edition de Minuit ; Paris, 1985, p. 15.

Page 310: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

296

تنطوي على ذخر حجاجي أساسه إقناع املتلقني أو قلب قناعام باستعمال اليسري من .اللفظ مقارنة مع االستعمال الوضعي القائم على احلقيقة

:الكناية ومبدأ التأدب-2.2

جبهود وفرية من لدن قسط تندرج الكناية ضمن مباحث علم البيان، ولقد حظيت فماهي الكناية وهل تنطوي هذه األخرية على جوهر ذو بعد . كبري من البالغيني العرب

.تداويل حمكوم حبركية االستعمال ضمن السياقات واألطر التواصلية املختلفة

أن تتكلم بشيء وتريد غريه، وكنى عن األمر بغريه ال يكنى : الكناية لغة هي- .)1(كنى أي تستر، من كنى عنه إذا ورى، أو من الكنيةكناية، وقد ت

كالم استتر "ويف كتاب التعريفات ملؤلفه الشريف اجلرجامي، نلفي أن الكناية فبالرغم من أن تشكيل الكناية قائم على استخدام )2("وإن كان معناه ظاهرا يف اللغة

ال أن املعىن املراد الوصول إليه ألفاظا متعارف عليها من قبل مجاعة لسانية معينة، إواملقصود هو خفي، مستور قابع يف مستوى عميق، نصل إليه من خالل استدالالت

.ذهنية منطوية على خطوات مير خالهلا الفكر ليصل يف آخر املطاف إىل القصدية

أما يف االصطالح؛ فبالرغم من االختالف الذي ساد وجهات النظر يف إقامة إال أننا نستطيع أن نوجز تعريفها من خالل االعتداد مبا أورده قدامة )3(ي هلاتعريف ائ

فبالنسبة . ر، وما وجد يف ثنايا كتاب أبو عبيدة املسمى مبجاز القرآنثبن جعفر يف نقد النأن يريد الشاعر داللة على معىن : "لألول فقد عنوا بعنوان آخر أمساه اإلرداف، وحتديده

ال يأيت باللفظ الدال على ذلك املعىن، بل بلفظ يدل على معىن هو ردفه وتابع من املعاين ف

)1 .ابن منظور، اللسان، مادة كين) )

2 ، ص)ت.د(حتقيق عبد املنعم احلنفي، دار الرشاد القاهرة، : الشريف اجلرجاين، كتاب التعريفات، معجم فلسفي منطقي)

)3 .156. مسري أبو محدان، اإلبالغية يف البالغة العربية، ص: ينظر)

Page 311: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

297

أي أن الكناية وفق هذا أليب عبيدة فهي تعبر عن اخلفية، واستدل يف هذا املقام )1("لهóöΝä.äτ �: بقول اهللا تعاىل !$ |¡ ÎΣ Ó ö� ym öΝä3©9 �)2(ا من الكناية والتشبيهحيث قال أ ،)3(.

كما تعرض الزخمشري إىل بعض اآلثار الطيبة التي تنتج من استعمال الكناية، وإن مثلة التي األمل يقف عند كل صغرية أو كبرية تعلقت بالتعبري الكنائي، إال أننا جنرم أن

ساقها يف هذا املضمار خليقة بتأسيس منفذ معريف قائم على التقاطع املنهجي مع بعض .تداويل املعاصر، وهو ما سنثبته يف السطور الالحقةطروحات البحث ال

وقد عرف الزخمشري الكناية بأنها ذكر الشيء بغري لفظه املوضوع له، وساق كثري (لطويل القامة، و) طويل النجاد واحلمائل: (أمثله لتسيري فهمها واستيعاا كـ

$!óööΝä.äτ �، ويف قوله تعاىل )4(للمضاف) الرماد |¡ ÎΣ Ó^ ö�ym öΝä3©9 (#θè?ù' sù öΝä3rOö� ym 4’‾Τ r& ÷Λä÷∞ Ï© ( �)5( ،يرى أنها من الكنايات اللطيفة والتعريضات املستحبة، وهذه وأشباهها يف كالم اهللا آداب حسنة على املؤمنني أن يتعلموها، ويتأدبوا ا، ويتكلف مثلها يف حماورام

إحياءات لطيفة ومالبسات موحية للحياة ، فهذه اآلية الكرمية تنطوي على )6(وكتابامأجازها الشرع، ) اجلماع(عليه من أمور تلبية حلاجات ورغبات لالزوجية وما تشتم

األسلوب املباشر وتفادي اللفظ اخلسيس بواسطةولكن اهللا تعاىل مل خياطب عباده هذبت من املفحش، فسمى بتعبريه حنو بالغة راقية تأخذ حسباا اعتبارات أخالقية، ف

التلميح مقابل فيها هذا املنطلق الصيغ القرآنية التي عاجلت مثل هذه املواضيع واستعمال .األسلوب املباشر

)1 .107. عبد املنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بريوت، لبنان، ص: نقد الشعر، حتقيق: أيب الفرح قدامة بن جعفر) )

2 .223سورة البقرة، اآلية ) )

3 .73ص /1.، ج)ت.د(حممد فؤاد ركني، مكتبة اخلاجني، ، جماز القرآن، حتقيق)معمر بن املثىن(أبو عبيدة : ينظر ))

4 .372/379: ، ص1.الزخمشري، الكشاف، ج ))

5 .223سورة البقرة، اآلية ) )

6 .362. ، ص1.الزخمشري، الكشاف، ج: ينظر )

Page 312: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

298

ى الزخمشري املؤمنني بالتحلي ذا األسلوب التلميحي يف وهلذا السبب أوصم والتأدب اخلطابات اليومية، رعبة منه يف بناء جمتمعات إسالمية قائمة على االحترا

املتبادل، والرقي باملؤمنني حنو درجات الكمال، حبكم أن األسلوب الكنائي يستعمل وجتاوز التصريح ) من الناحية الداللية( جرفاء من األمور التي تشكل بعض احلللتستر واخل

.املباشر الذي قد يضر بالعالقة بني املتكلم واملتلقي

ومن األمثلة التي ميكن االستدالل ا يف هذا املضمار كذلك قوله سبحانه وتعاىل � ó÷ρr& ãΛä ó¡yϑ≈ s9 u !$ |¡ ÏiΨ9 $# öΝn=sù (#ρ߉Åg rB [ !$tΒ �)1( فهذه اآلية الكرمية يف معناها احلقيقي تتحدث ،

) اجلماع(واخللوة، ولكنها استعملت لفظا آخر بينه وبني املعىن املقصود عن اجلماع ارتباط وتالزم، أي أا اتخذت إستراتيجية تلميحية غري مباشرة اعتمدت على املتلقي واستدالالته الذهنية لفك شفرات هذه العبارة القرآنية الكرمية عرب خطوات وحمطات

:طها على الشكل التايلذهنية إستداللية منظمة ميكن أن نبس

من قبل املتلقي أمر معقد نوعا L’intentionnalitéوبذا فإن الوصول إىل القصدية ما، ال ميكن أن يتأتى إال بتشغيل الذهن وفق تراتبية منتظمة تأخذ اجتاها موازيا للمعىن

.احلقيقي املستور وراء املعىن اازي

عند هذا احلد تنبع إشارات جلية حول تعالقات معرفية وتقاطعات منهجية واقعة بني مفترق طرق مبحث الكناية والدرس التداويل املعاصر يف بعض مناحيه، وإذا وقفنا هاهنا وقفة تأملية، وجدنا أن أهم هذه املناحي واملبادئ التداولية التي نلفيها مطروحة يف

)1 .43سورة النساء اآلية )

اللفظ

ازيمعىن جم معىن أصلي

المستم النساء

أصبحتم جنبا جامعتم النساء

Page 313: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

299

املبدأ احلجاجي حبكم أن هذا : ستعماالته تختصر يف مبدأين اثنني مهااألسلوب الكنائي واذات (األخري يتأتى يف إطار تلك القيمة اإلبالغية التأثريية، اليت تنبع من استعمال الكناية

، فاملتلقي وهو حياول فك شفرات هذا األسلوب غري املباشر يف التلفظ )الطابع التلميحيتداليل معقد قائم على حمطات تالزمية ليصل يف األخري إىل يسري وفق مسار ذهين اس

املقصدية اخلفية واملستورة، وهو مرد تأثره البالغ ذا األسلوب أكثر من تأثره ، ون هنا يثبت أن استعمال األسلوب الكنائي إنما )1(باالستعمال التصرحيي املباشر

.شرة القائمة على الطابع احلجاجييتموضع ضمن اإلستراتيجيات التداولية غري املبا

وباإلضافة إىل هذا املبدأ التداويل املنغمس يف جوهر الكناية وتشكيالا ميكن استخالص وجه تداويل آخر، وهذا الوجه األخري متعلق باحملتوى األخالقي الذي حتمله

ر احلكيم الكناية على أساس أن توظيفها يف الخطاب البالغي الراقي مثل آيات الذكوأحاديث الرسول األكرم صلى اهللا عليه وآله وسلم والقصائد املبدعة من فحول الشعراء؛ يأخذ بالتراكيب اللغوية حنو السمو واإلرتقاء التهذييب الذي يضمن احلفاظ على

ة وهو ما أثبتناه وبيناه من خالل األمثلة السابق. العالقة الودية القائمة بني الباث واملتلقيمست باللفظ املفحش وذلك " ةمهذب"ين، حيث استعملت ألفاظا النابعة من اخلطاب القرآ

ليد أخالقية يف إطار مراعاته اخلصوصيات املشكلة للحياة العامة للمتلقني من عادات وتقا .أي حال من األحوالبجيوز اخلروج عنها كانت شائعة آنذاك واليت ال

ول تشابه ومتاهي معريف ومنهجي بني اخلطاب إن هذا الوجه األخري يعقد فصالبالغي العريب وبعض التصورات والرؤى التي اختص ا اجلهاز املفاهيمي التداويل والسيما تلك املبادئ التي اهتمت بالتنظري لإلستراتيجيات األخالقية املشكلة للخطاب

أخذ قسطا وافرا من اجلهود الناجح يف بعده االستعمايل، ومن أمهها مبدأ التأدب الذي املعرفية والتنظريات من طرف عدد ال بأس به من الفالسفة واللغويني التداوليني أمثال

)1 . 159. اإلبالغية يف البالغة العربية، ص: مسري أبو محدان: ينظر )

Page 314: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

300

، )1()الوضوح والتأدب(وتنظرياا املتعلقة بقواعد الكفاءة التداولية " روبني الكوف"وكذا ، )2(يف إطار ما عرف باإلستراتيجيات التلميحية Leetch" ليتش"والباحث

وهو بصدد حديثه عن االستعمال التلميحي غرب Searl" سورل"الفيلسوف اللغوي وكل هذه اجلهود إمنا ركزت عن املبادئ . )3(املباشر واألفعال الكالمية العرفية التأديبية

األساسية املفضية إىل جناح التخاطب الفعال واإلجيايب املربوط مع السياق املؤطر لية من جهة، ومن جهة أخرى ميكن القول أن عماد هذه التنظريات للعمليات التواص

هاهنا قائمة على وصف العمليات الذهنية السليمة اليت تصل بفكر املتلقي إىل بر التأويل .السليم املربوط بوثاق املقام وحيثياته واملعارف املشتركة بني أطراف العملية التواصلية

واالنتقال إىل الكفاءة compétence linguistiqueغوية وعليه فإن جتاوز الكفاءة الليف عملية التخمينات واالستدالالت الذهنية الباحثة compétence pragmatiqueالتداولية

عن معاين ومقاصد االستعمال الكنائي هو أمر بالغ األمهية، حيث أن املعرفة بقواعد اللغة ال ميكن أن يكون آداة فاعلة تقف يف ونظمها العامة يف مستواها الوضعي الصوري

واجهة تأويل الكناية، بل تبقى عاجزة عن الوصول إىل الداللة احلقيقية، إال إذا تدعمت هذه املعرفة األخرية بعناصر معرفية أخرى خارج عن النسق الداخلي كالظروف

سيما إذا كان احلضارية واالجتماعية والنفسية ومعارف قبلية حول املوضوع املتناول، اليحيا غري مباشر، وهو ما متثله الكناية ع يف التشكيل اخلطايب أسلوبا تلماألسلوب املتب

.بامتياز

)1 .99. عبد اهلادي بن ظافر الشهري، إستراتيجيات اخلطاب، ص: ينظر ))

2 .377. املرجع نفسه، ص: ينظر) )

3 .372. املرجع نفسه، ص: ينظر)

Page 315: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

301

):اإللتفات أمنوذجا(االجتاه التداويل القصدي يف علم البديع -3

بدع الشيء يبدعه بدعا وابتدعه، : يعرف البديع لغة بإرجاعه إىل أصله، فـ .اخترعه ال على مثال: وابتدعه الشيء

الـمبدع، والبديع من أمساء اهللا تعاىل؛ إلبداعه األشياء وإحداثه إياها، : والبديع .)1(والبديع اجلديد. وهو البديع األول قبل كل شيء

فيذكر أبا الفرج األصفهاين أن الشاعر العباسي مسلم ابن الوليد : أما اصطالحاوهو فيما زعموا أول من قال الشعر "يف ذلك كان أول من أطلق هذا املصطلح، قال

املعروف بالبديع، وهو لقب هذا اجلنس البديع واللطيف، وتبعه فيه مجاعة، وأشهرهم فيه .)2("مجاعة، وأشهرهم فيه أبو متام الطائي، فإنه جعل شعره كله مذهبا واحدا فيه

ع ال يستهان به يف من أهم البالغيني الذين كان هلم با) ت (ويعترب ابن املعتز -التنظري للبديع، حيث درسه دراسة مستفيضة السيما من حيث تقسيماته، فقد قسم

االستعارة، والتجنيس واملطابقة، ورد أعجاز الكالم على ما : البديع إىل مخسة فنون هيحماسن الكالم والشعر : وذكر أيضا ثالثة عشر فنا أمساها. تقدمها، واملذهب الكالمي

لتفات، اإلعراض، الرجوع وحسن اخلروج، وتأكيد املدح مبا يشبه الذم، اإل :وهيوجتاهل املعارف، واهلزل الذي يراد به اجلد، وحسن التضمني والتعريض والكناية، واإلفراط يف الصفة، وحسن التشبيه، وإعنات الشاعر نفسه يف القوايف، وحسن

.االبتداءات

ت لواء علم املعاين عند ابن املعتز، باإلضافة إىل هذه التقسيمات املنضوية حتأضاف قدامة بن جعفر أنواعا أخرى كالتقسيم، والترصيع واملقابالت، والتفسري،

)1 .378/379. ، ص1أمحد مطلوب، معجم املصطلحات البالغية، ج: وينظر. ابن منظور، لسان العرب، مادة بدع ))

2 .380ص /لحات البالغية، جأمحد مطلوب، معجم املصط: ينظر)

Page 316: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

302

، ويتضح مما سبق أن هذين البالغيني )1(واملساواة واإلشارة، ومساها حماسن الكالم ونعوتهإنما حيسبون البديع جماال خصبا جامع لفنون كثرية، متتزج فيه معظم ) ابن املعتز وقدامة(

الفنون البالغية كالكناية والتعريض واالستعارة مع فنون أخرى ذات طابع جتميلي، ولعل تحالة استعمال وتوظيف اآلليات اس: السر القابع وراء هذه النظرة يكمن يف فكرة مؤداها

البيانية وميكانزمات علم املعاين دون اللجوء إىل تلكم اجلهات البديعية ذات البعد إذ ال ميكن ملختلف الفنون البديعية أن تؤيت أكلها املتمثل يف احلسن . التحسيين اجلمايل

ت الغرض التحسيين والقبول واالستحسان إال بانصهارها مع اآلليات البديعية األصيلة ذاوهو من –ويثبت هذا املقتضى التصوري حني نلفي السكاكي . داخل اخلطاب البليغ

ينصاع إىل نفس املبدأ -البالغيني الذين نظموا املباحث البالغية تنظيما دقيقا حمكمالكن األمر الذي يهمنا يف هذا . األخري، حيث عد البديع ذيال لعلمي البيان واملعاين

هل انطوت هذه اآلليات : ر يكمن يف قضية ميكن صياغتها على شكل سؤالاملضما .هذا ما سنحاول اإلجابة عليه يف السطور الالحقة. البديعية على أبعاد وأسس تداولية

:األسس التداولية يف علم البديع-1.3

احملسنات البديعية من اآلليات التي تأسس عليها اخلطاب من البديهي القول أنالبعد إىل بعث كان يصبو إليه البليغ العريب من خالل استمارة هلذه اآلليات البالغي الذي

التحسيين اجلمايل لكالمه، ولكن األمر املهم الذي ال جيب غض الطرف عليه يف هذه انزمات البديعية ال يكون فعاال يف مستواه أن هذا التوظيف هلذه امليك: القضية هو

التواصلي مبختلف أشكاله وصوره؛ ما مل يكن مسبوقا بفعاليات ذات أولوية جيب توافرها يف خمتلف األطر التواصلية وأمهها مراعاة مقتضى احلال، وهو ما جنده ماثال

العرب لعلم البديع، بوضوح يف التعريف اجلديد والعام الذي انبثق من خترجيات البالغيني

)1 .48. قدامة بن جعفر، نقد الشعر، ص: ينظر)

Page 317: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

303

علم يعرف به وجوه حتسني الكالم بعد رعاية تطبيقه على : حيث يعرف هذا العلم بأنه .)1(مقتضى احلال

املستخدمة يف هذا التعريف املرتبط بعلم البديع؛ توحي بأن رعاية " بعد"إن كلمة ي ممارسة اضي عنها يف أغالت عدم مقتضى احلال من األولويات القصوى التي جيب

أن يسبق استثمارها ) مثل احملسنات البديعية(خطابية، حيث ال ميكن ألي اعتبار آخر أن –واملعلوم كما ذكرنا . راف منها إبان عملية إنتاج اخلطابات البالغية الراقيةتواإلغ

هذه املقولة البالغية تنطوي على زخم تداويل هائل قوامه االنصياع واالعتداد مبسائل ومعطيات خارجية عن النسق الداخلي الشكلي للعبارات، مثل مراعاة املتلقي واالهتمامات التي تساوره وزمان ومكان التلقي والعالقات التي تربط بني الباث

حيث تغدوا هذه االعتبارات مبثابة املوجه الذي ميلي على صانع اخلطاب خلق . واملتلقي .ع الظروف واملعطيات املذكورةإستراتيجية خطابية تنسجم وتتالئم م

باإلضافة إىل هذا الطرح، ال ضري يف القول أن اهلدف الذي يتوارى خلف استعمال احملسنات البديعية ال ميكن يف الزخرف اللفظي يف حد ذاته، وإنما يف التأثري على

مجيل هذه الفكرة مصداقيتها حني نذرك متام اإلدراك أن كل ماهو وتأخذ )2(املتلقيخليق بأن يستميل النفوس ويستهويها، وبالتايل ميكن اجلزم أن توظيف آليات علم البديع

ؤدي إىل االستمالة والتأثري وهو ما يصب تهو توظيف فعال إلجراءات ذات طابع تداويل يف خانة احلجاج، أي أن التعبري البديعي يطعم البنيات اللغوية مبستويات حجاجية يف

.ها ومتظهراابعض جوانب

)1 .383/ ، ص1معجم املصطلحات البالغية، ج: ينظر أمحد مطلوب) )

2 .48. عبد اهلادي بن ظافر الشهري، إستراتيجيات اخلطاب، ص: ينظر)

Page 318: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

304

وبالتايل ميكن أن نبلغ من القول شططا إذا اعتربنا أن الدور الذي تقوم به احملسنات البديعية يف اخلطاب هو دور حمدود متعلق بإنشاء لغة زخرفية حمسنة للكالم

، بل على العكس متاما، حيث يتجاوز )1(كما كان شائعا يف الدراسات البالغية القدميةانزمات واملباحث البديعية خلق خطاب مزخرف إىل مستوى أفق آخر قوامه دور امليك

.البعد االستعمايل التداويل الذي يرمي بطاقاته حنو التأثري على املتلقي وقناعاته القبلية

أمام هذه العتبات املنهجية، ويف ظل هذا املعطى، ميكن القول إن هذه عية تتجه مبقوماا حنو هدف تأثريي نواته اإلستراتيجيات املطعمة باحملسنات البدي

اجلوهرية حتقيق املقاصد واألغراض التي يعقد الكالم من أجلها، وهو ما نلفيه مطروحا وضعه الذي Essentialيف ثنايا الدرس التداويل املعاصر، وبالضبط يف الشرط األساسي

ي حتقق جناح الفعل الكالمي على ، واعتربه من بني الشروط الضرورية التJ. Searlسورل .)2("يتحقق حني حياول املتكلم التأثري يف السامع"أساس أنه

فضال عن هذا التخريج الذي ميد جسور التالقي املعريف الواقع بني التعبري البديعي وتنظريات سورل املتعلقة بشروط جناح األفعال الكالمية، ميكن استخالص تالقي

هذا التالقي يف ، ويقبع)البالغة العربية/ لتداويلالدرس ا(مفاهيمي بني العلمني وانصهار ال تنفك، بل وال تنفصل عن اليت ذلك اال املعىن باختيار اإلستراتيجية اخلطابية األخرية

معرفة حاالت املتلقني، أو بافتراض ذلك احلال، وعند هذا احلد ميكن اجلزم أن االفتراض مبعىن أنه ال جيوز )3(مفهوم يفرض نفسه يف النظام البالغي العريب Présuppositionالسابق

فصل اإلستراتيجية البديعية على املتلقني، حبكم أن بعض احملسنات البديعية التي يعتمدها عصية على فهم بعض املتلقني ذوي القدرات املعرفية واللغوية البسيطة، مما -مثال–البليغ

)1لطفي عبد البديع، التركيب اللغوي لألدب، حبث يف فلسفة اللغة واإلستيطيقا، دار نوبال للطباعة، القاهرة، الطبعة : ينظر)

91. األوىل، ص

)2 .48حممود أمحد حنلة، آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، ص ) )

3 .47. عبد اهلادي بن ظافر الشهري، إستراتيجيات اخلطاب، ص: ينظر)

Page 319: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

305

اخلطاب البليغ األخذ يف احلسبان كل هذه املعطيات لتحقيق التالؤم يفرض على منتج .والتفاعل اإلجيايب بني اخلطاب املنجز وتلك االعتبارات املقامية

ومن بني اآلليات الفعالة الواقعة حتت لواء علم البديع والغنية بالومضات التداولية تفات؟ وكيف ينبين؟ وماهي أقسامه؟ جند على سبيل املثال ال احلصر اإللتفات، فماهو اإلل

ما سنحاول الكشف عليه يف املبحث الالحق معتمدين على علم هذا ومتظهراته التداولية؟ من أعالم البالغيني العرب املنتمني إىل احلقبة التارخيية اليت محل حبثنا على عاتقه اإلملام

.بدخرها التداويل، وهو الزخمشري

:عند الزخمشري يمة التداوليةأسلوب اإللتفات وق-2.3

عبري عنه تعلى الرغم من قدم أسلوب األلتفات يف العربية، بشعرها ونثرها إال أن الصمعي، وقد ذا املصطلح مل يكن معروفا يف بداية األمر، ولعله مل يعرف إال يف زمان األ

.)1(صمعي أول من أطلق عليه هذه التسميةرجح أمحد مطلوب أن يكون األ

لقد اتفق اجلمهور يف تعريف اإللتفات بأنه ماهو إال التعبري عن معىن بطريق من : ، حيث عن اجلمهور ذه الطرق الثالثة)2(الطرق الثالثة بعد التعبري عنه بطريق آخر

ر عن املعىن بطريق اخلطاب، مث يلتفت عاخلطاب إىل ينالتكلم واخلطاب والغيبة، كأن يعب .العينية أو غريها

ومن بني اإلشارات الدالة على أن مصطلح اإللتفات مل يستقر يف هذه املرحلة، هو كون أن املصطلحات التي استعملت للتعبري عن االلتفات كانت متعددة وكثرية، فقد

وتنطلق هذه التسمية من " االنصراف"أو " الصرف"أطلق عليه بعض العلماء مصطلح

)1 .295. ، ص1معجم املصطلحات البالغية وتطورها، ج: أمحد مطلوب) )

2 .11، ص 1983، الطبعة األوىل، )دون دار نشر(نزيه فراج، أسلوب اإللتفات، دراسة تارخيية فنية )

Page 320: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

306

االستدراك "كما مسي " االعتراض"ملعىن اللغوي املعجمي وأطلق عليه آخرون مصطلح ا .)1("والرجوع

وإذا كان ابن جني قد أطلق مصطلح شجاعة العربية على ما نسميه احلذف، فإن بعض علماء العربية قد استعمل هذا املصطلح وأطلقه على االلتفات، ذلك أنه يشكل

عدول احلقيقي عن النظام املألوف واملتعارف عليه، حيث ذكر حممد شكال من أشكال العبد املطلب أن االلتفات كخاصية تعبريية يتميز بطاقة إحيائية من حيث أن بناءه يعتمد

ذا الطرح إنما يغترف من تعاريف البالغيني العرب للعدول وهو، )2(على العدول .بوصفه االنتقال من أسلوب يف الكالم إىل أسلوب آخر خمالف لألول

أسلوب اشتمالومن أبرز التخرجيات البالغية التي تكشف بعمق عن مدى ، حيث ربط هذا )532ت (طاقات تداولية؛ ما صدر عن الزخمشري على االلتفات

وب بالسامع ربطا حقيقيا منصاع إىل مبادئ تداولية صرحية وواضحة وهو ما األسل .سنحاول توضيحية

:لقد ذكر الزخمشري أن امرئ القيس التفت ثالث التفات يف ثالثة أبيات-

دباألثم لكتطاول لي قـدرومل ت اخللي ـامون ئر األرمدكليـلة ذي احلا وبات وباتت له ليلة )3(ودـوخبرته عن أبي األس وذلك من نبإ جاءني

)1 .298-298. ، ص1أمحد مطلوب، معجم املصطلحات البالغية، ج: ينظر) )

2 .286واألسلوبية، ص البالغة : حممد عبد املطلب: ينظر) )

3 .53. ، ص2002، لبنان )دون طبعة(مصطفى عبد الشايف، دار الكتب العلمية : الديوان، ضبطه وصححه: امرؤ القيس)

Page 321: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

307

وذلك من عادة افتناهم يف الكالم وتصرفهم فيه، وألن الكالم إذا نقل من أسلوب إىل أسلوب كان ذلك أحسن لنشاط السامع، إيقاظا لإلصغاء إليه من إجرائه على

. أسلوب واحد

رح، ميكن االستلزام أن قضية استخدام وتوظيف اإللتفات إنما أمام هذا الطحني يدرك انتقال اخلطاب "نطوي على دخم تداويل هائل مرتبط بالسامع، ويتم ذلك ت

فاإلتيان بإستراتيجية تنويعية واستثمارها يف )1("من أسلوب إىل آخر ومن حال إىل حالبه يأخذ تفي الضجر وامللل عنده السامع، حيث خيؤدية إىل تأثر اخلطاب من األسباب امل

فاإلتيان . )2("من نشاط إىل آخر، ومن وضع إىل وضع، جمددا يف أحوال تلقيه لهحيث بإستراتيجية تنويعية واستثمارها يف اخلطاب من األسباب املؤدية إىل تأثر السامع،

آخر، ومن وضع إىل وضع، وجددا خيتفي الضجر وامللل عنده ويأخذ به من نشاط إىل .)3("يف أحوال تلقيه

واجلدير بالذكر يف هذا الصدد؛ أن االنتقال يف اخلطاب من أسلوب إىل آخر ال يكون عشوائيا وبدون قصد من طرف املتكلم بل على العكس من ذلك متاما، فاملتكلم

حبمولة اا جيعل كالمه مطبوعينشد فائدة وغرضا مم وهو يف إطار توظيف االلتفات إنماتداولية بامتياز، وميكن أن تثبت هذا الطرح باالعتماد على تنظريات الزخمشري يف تفسريه الكشاف وبالضبط يف سياق حديثه وتفسريه لآليات املشتملة على االلتفات يف الذكر

ت مبختلف احلكيم، حيث يستنبط عدة أغراض ومقاصد نفعية نابعة من استخدام االلتفا :أقسامه، ومن بينها

)1 .185خليفة بوجادي، يف اللسانيات التداولية، ص ) )

2 .185املرجع نفسه، ص ) )

3 .185املرجع نفسه، ص )

Page 322: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

308

: ومن أمثلته قوله تعاىل :ابـاالنتقال من أسلوب التكلم إىل أسلوب اخلط-1� $ tΒ uρ u’Í< Iω ߉ç7 ôãr& “Ï%©!$# ’ ÎΤt� sÜsù ϵ ø‹s9 Î)uρ tβθ ãèy_ ö� è? ∩⊄⊄∪ �)1(الزخمشري يف تعليقه ، يقول

الذي فطرين وإليه : (ولوا أنه قصد ذلك لقال) وإليه ترجعون(وتفسريه هلذه اآلية الكرمية $$™àMΖtΒ#u öΝä3În/t�Î/ Èβθãèyϑó �: ، وقد ساقه ذلك املساق إىل أن قال)أرجع sù ∩⊄∈∪ �)2 ( يريد

أن العبادة ال : عنهفامسعوا قويل وأطيعوين، فقد نبهتكم على الصحيح الذي ال معدل وإليه أرجع، : ، أي أن أصل هذا التعبري)3("تصح إال ملن فيه مبتدؤكم وإليه مرجعكم

فالتفت من التكلم إىل اخلطاب ووجه هذا األسلوب حث السامع على االستماع، حيث وهو ما يظهر مساحة . أقبل املتكلم عليه، وأنه أعطاه فضل عناية وختصيص باملواجهة

ية ذات بعد تداويل قوامها جلب املتلقي إىل دائرة اإلصغاء اإلجيايب، وهذا من أجل معنو .Perlocutoire إجناح فعل أثر التلفظ

ومن بني اآليات احلاملة هلذا :االنتقال من أسلوب التكلم إىل أسلوب الغيبة-2$ �: القسم من االلتفات؛ قوله تعاىل ¨Βr& uρ šÏ% ©!$# (#θ ãΖtΒ#u (#θè=Ïϑtãuρ ÏM≈ys Î=≈ ¢Á9$# óΟ Îγ‹Ïjùuθ ã‹ sù

öΝèδ u‘θã_ é& 3 �)4(لقد ورد هذا احلرف بالياء، أي ،) :يف قراءة حفص من عاصم ) فيوفيهموقراءة رويس، وهو التفات، على أساس أنه خرج من ضمري املتكلم يف اآلية السابقة ويف

Β$ �قوله تعاىل r' sù t Ï%©!$# (#ρã� x(x. öΝßγç/Éj‹ tãé' sù $ \/# x‹tã # Y‰ƒ ωx© ’Îû $ u‹÷Ρ‘‰9 $# Íοt� ÅzFψ$#uρ $ tΒ uρ Οßγ s9 ÏiΒ tÎ�ÅÇ≈‾Ρ ∩∈∉∪ �)5( إىل ضمري الغائب يف هذه القراءة، والغرض من هذه القراءة هو التنوع ،

)1 .22سورة يس، اآلية ))

2 .25سورة يس، اآلية ) )

3 .319، ص 3الزخمشري، الكشاف، ج) )

4 .57سورة آل عمران اآلية ) )

5 .56سورة آل عمران اآلية )

Page 323: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

309

، فلما أراد اهللا تعاىل أن يؤكد على وحدانيته واختصاصه بأمر العذاب )1(يف الفصاحة: هناك من يرفع هذا العذاب عن الكافرين؛ استعملومعاقبة الكافرين، وأنه ليس

ن ضمري املتكلم فقد التفت م) الذين آمنوا(بضمري املتكلم املفرد، وأما يف قوله ) فأعذم(إىل أسلوب الغيبة، ألن من يقوم بوفاء املؤمنني أجورهم معروف، ومن أجل مزيد من

وربما كانت هذه أهم . ووحدانيتهاإلمعان يف إذالل الكافرين الذين جحدوا بوجود اهللااملقاصد التداولية واألغراض النفعية اليت جعلت هذا التشكيل اخلطايب يأخذ هذا املنحى

.اإلستراتيجي

ومن بني شواهد هذا : االنتقال من أسلوب اخلطاب إىل أسلوب الغيبة-3# �القسم من اإللتفات قوله تعاىل ¨Lym #sŒ Î) óΟçFΖä. †Îû Å7ù=à(ø9 $# t ø t�y_ uρ ΝÍκÍ5 � )2(. ففي هذه

، )وجرين م(إىل ضمري الغيبة يف ) كنتم(آلية قد جرى االنتقال من ضمري اخلطاب يف ابأن الفائدة انية من صرف الكالم عن اخلطاب إىل الغيبة هي املبالغة : يرى الزخمشري

فلو استمر )3(القبيحكأنه يذكر لغريهم حاهلم ليعجبهم منها ويستدعي منهم اإلنكار وهنا يظهر األثر التداويل بوضوح يف االنتقال من . على خطام ملا نبعت هذه الفائدة .أسلوب اخلطاب إىل أسلوب الغيبة

ونلفي هذا االنتقال يف قوله :االنتقال من ضمري لغائب إىل ضمري املتكلم-4بالياء وقرأ عاصم ) يؤتيهم: (حفص ، قرأ)4(� أولئك سوف يؤتيهم أجورهم �: تعاىل

: يف غري رواية حفص عنه وابن عامر ونافع وابن كثري ومحزة وأبو عمر والكسائي، ويف قراءم التفات من ضمري الغائب إىل ضمري املتكلم، إذ ورد قبل )5(بالنون) نؤم(

)1 .433ص / 1ينظر الزخمشري، الكشاف، ج) )

2 .22سورة يونس اآلية ) )

3 .231ص/ 2الزخمشري، الكشاف، ج) )

4 .102سورة النساء اآلية ) )

5 .576، ص 1الكشاف، جالزخمشري، : ينظر)

Page 324: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

310

جاء هذا الكالم يف املوضع نفسه، فقد ) والذين آمنوا باهللا ورسله ومل يفرقوا(هذا املوضع على لفظ الغيبة، مث التفت عنه إىل لفظ املتكلم يف قراءة اجلمهور، أما بالنسبة لقراءة

.حفص فقد وردت بصيغة تناسب السياق ليعود على اسم اهللا قبله وهو أسلوب الغائب

باإلضافة إىل هذه األقسام املرتبطة بااللتفات؛ نلفي بعض املظاهر األخرى - ن البديعي، كاالنتقال من لفظ الغائب إىل املخاطب، والرجوع عن فعل املتعلقةذا احملس

املضارع إىل فعل األمر، واإلخبار عن املاضي باملستقبل أو العكس، وتقوم كل هذه األشكال على أبعاد تداولية قوامها األثر البالغ الذي حتدثه هذه االنتقاالت على املتلقي،

:جيابه هذا النوع من التشكيل اخلطايب يف مستويني اثنني الذي نلفيه يتأثر وهو

ويرتبط هذا األخري بكيفية التلقي هلذه االنتقاالت وما ختلقه :مستوى التأويل- أهذه األخرية من ميكانزمات فعالة تقوم على حتقيق املقاصد واألغراض اليت يتوخاها

.املتكلم املستخدم آللية االلتفات

" تقائيةاإلن"لقول أن توظيف اإلستراتيجية إذ ال ضري يف ا :النفسي املستوى-بخليقة بتأسيس جو نفسي هادئ لدى املتلقي، حبكم أن هذا االنتقال املنبعث من خمتلف أقسام اإللتفات ينفي الضجر وامللل ويسري بنفسية السامع وذهنيته حنو النشاط الفعال

بين على حسن املالذي يؤدي يف أغلب األحيان إىل التلقي اهلادف والتواصل اإلجيايب .ذا ما يفضي إىل حتقيق املقاصد التي ينشدها املتكلماء، وهغاإلص

معامل قصدية واضحة ذات ؛ هو ما جعلنا نرى يف اإللتفات إن هذا اموع املؤدىجوهر تداويل بالدرجة األوىل، وبالتايل فإن اعتبار اإللتفات جمرد حمسن بديعي أو تفنن يف

إذا أدركنا أن اآلليات البديعية مبا فيها د الصواب، السيما حلالكالم هو كالم جمانب اإللتفات يف بعض مظاهر تنصاع هي أخرى إلمالءات املقولة اجلوهرية يف البالغة العريب

حبكم أن هناك من املتلقني مثال " لكل مقام مقال"أو " مراعاة مقتضى احلال"واملتمثلة يف

Page 325: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

- حنو مقاربة تطبيقية –أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية : الفصل الرابع

311

اإلتيان بصياغات وعبارات على صناع اخلطابات ) بطريقة غري مباشرة(من يفرضون لغوية خالية من اإللتفات، ونلحظ ذلك جليا يف املقامات واألطر التواصلية املتمثلة على

املوضوع اجلوهري لعملية املتلقني ذوي النفسيات العالية املفعمة بالنشاط واملهتمني ب .التخاطب

قة املقال ملقتضى ومرد ذلك إىل أوجز تعريف أوكل للبالغة العربية وهو مطاباحلال، إذ ال ميكن الكالم متصفا بالبالغة وال منعوتا باحلسن والفصاحة إال باغترافه من

إن هذا املنحى هو ما أكسب البالغة . األسس والضوابط امللقاة على طول هذه املقولةالعربية مرونة حقيقية أفضت إىل مد جسور تالقي معريف ومتثال منهجي بينها وبني

تمامات الدرس التداويل املعاصر حبكم أن املوضوع األساسي هلذا الدرس قائم على اهدراسة اللغة يف االستعمال مبا يف ذلك أحوال املتكلمني والظروف احمليطة بالعملية

وهو ما اشتملت عليه تنظريات وطروحات البالغيني العرب، وهو ما حاولنا ... التواصلية . لفةإثباته يف السطور السا

Page 326: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

امتة ـخ

Page 327: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

313

:ةـاخلامت

اخلطاب التداويل يف املوروث "بـ: بعد الفراغ من الدراسة التي ومست موضوعها؛ ميكن القول إن "البالغي العريب من القرن الثالث اهلجري إىل القرن السابع اهلجري

:الرسالة قد خرجت ببعض النتائج، من بينها

كريستيفا : لقد أدت جهود بعض العلماء اللغويني يف العقود األخرية أمثالإىل تليني بعض املفاهيم واملقوالت ... وبنفست وماجنينو وشارودو وهاريس

واملقاربات البنيوية التي تغذتواملصطلحات الصارمة الناجتة عن مناخ الدراسات لذات املتكلمة لذلك بوضع مكانة مت، وSystem closوتطعمت بآليات النسق املغلق

مما ...واملتلقية، والسياق املؤطر للعملية التلفظية، واحلوار، والوظيفة، واخللفيات املختلفة .مسح بتشييد اللسانيات اخلطابية

إن هذا املنعطف الفكري واملنهجي الواقع يف مسرية الرحلة اللسانية محل يف طياته داويل املعاصر، وقد اشتمل هذا األخري على مبادئ وتنظريات محلت بواد أفق الفكر الت

لتلفظ التي ميكن القول عنها أنها لعملية اعلى عاتقها رفع الستار على اخلصائص الدينامية .حتمل جبالء أسسا إستراتيجية تنصاع بقوة ملبدأ االستعمال

داد بقضايا تعغليظ قوامه االال ضري يف القول أن هذا املبدأ األخري مربوط بوثاق وظروف التداول اللغوي، وهو ما حنسبه من املؤهالت التي جعلت مفهوم اخلطاب حيتل

.مركزا مهما يف صلب نظرية التواصل ومقوالا الكربى

على غرار هذه اإلسهامات املعرفية التي دفعت بعجلة املقاربات اللسانية حنو اجتاه تنظريية لسانية داويل املعاصر؛ ميكن القول إن هناك إسهامات أفق الدرس اللساين التمقوالت الفكر البنيوي الشكلي والسري حنو مساحة أخرى زاوأخرى عملت على جت

Page 328: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

314

عمادها دراسة املعىن والوظيفة؛ مما فرض توجه جديد يلي مقارباته حول اجلملة مث إىل يف السيميائيات، " امبريتو إيكو: "نياخلطاب وظروفه املقامية، ومن بني هؤالء اللساني

وتصورات جاك دريدا للظاهرة اللغوية، وأحباث حلقة براغ الوظيفية، وتنظريات ...ياكبسون املتعلقة بوظائف اللغة

كما اغترف الدرس التداويل معامله وأصوله املفاهيمية من بعض املناخات الفلسفية يف شكلهبالنسبة للتوجه التداويل املعاصر وما انبعث منها من تصورات شكلت الصميم

ي إىل جوهرها فمما يض" شارل موريس"و" بريس شارك ساندرز"العام، مثل تنظريات .تستقي منها ماهيتهامعرفية متشعبة التنوع والثراء، حبكم أن هلا جذور

لقد ولد الدرس التداويل وانبثقت نواته من هذه املخاضات املعرفية املختلفة ، مما أفضى إىل صميمها التنوع والثراء واالتساع على مستوى )بالغية/فلسفية/سانيةل(

النظريات واحملاور التي شكلت جهازها املفاهيمي كنظرية األفعال الكالمية واالفتراض ...السابق واالستلزام واحلواري، واحلجاجية واملالئمة والتلفظية

يف الفترة -التي اختصت بالبالغيني العرب كما تبين أن املؤلفات والدواوين انطوت على مضامني -املمتدة بني القرن الثالث اهلجري إىل القرن السابع اهلجري

وطروحات تقترب إىل حد بعيد مع ما أقرته الدراسات التداولية املعاصرة وهي تتعامل ام ورؤاهم تنطوي مع الظاهرة اللغوية، وإن مل يشريوا إىل املصطلح بعينه ولكن خترجي

. االستعمايل/على قدر كبري ال يستهان به من الومضات التداولية ذات البعد التواصليوميكن بسط أهم التعالقات الفكرية واملنهجية الواقعة بني مفترق طرق الدرس التداويل

:والفكر البالغي العريب يف بعض النقاط التوضيحية

ترمي )املذكورة قبةيف احل(للتراث البالغي العريب لعل أدىن حماولة استنطاقية-1، وترتبط هذه األخرية مهمةات تداولية واحلصيف إىل اكتشاف بصمبالباحث املتفحص

Page 329: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

315

نسقية وقضايا خارجية عن النسق، كاملتلقي /باحلدث الكالمي القائم على قضايا داخلية... قي واملعارف املشتركة بينهماوالظروف الزمانية واملكانية والعالقة بني الباث واملتل

.وكل عنصر من شأنه اإلحاطة بالعملية التخاطبية

أسوار طروحات البالغيني العرب من من خالل فعل الولوج الدقيق إىل -2اجلاحظ إىل احلازم القرطاجين، ندرك متام اإلدراك أن هناك مساحة معرفية قائمة على

املساحة يف إطار تناول احلدث الكالمي ومنتج أبعاد تداولية صرحية وواضحة، وتقع هذه .اخلطاب ومتلقيه، والوظيفة اإلجنازية وسياق اإلنتاج اللغوي مبختلف أشكاله وصوره

ال ميكن اعتبار الطروحات والتخرجيات النابعة من الفكر البالغي العريب، مبثابة -3املفاهيم واألسس التي جهود تنظريية حاملة لفروق ومميزات كثرية إذا ما قابلناها مع

قامت عليها النظرية التداولية، السيما من حيث اجلوهر والوظيفة، خاصة إذا أدركنا أن التصور الذي اغترف منه العرب وهم ينظرون للدرس البالغي العريب إنما كان مرتبطا

ة اإلقناعية أي ، والغاي)التفسري والتأويل املناسب للعبارات(لديهم بتحقيق الغاية اإلفهامية .خلق تأثريات على معتقدات املتلقني، وهو ما ملسناه بعمق يف تنظريات اجلاحظ مثال

مل تتعر البالغة العربية وهي تتعامل مع الظاهرة اللغوية من بيان األدوار اليت -4احلسن والقبول، كما مل تخل من وذيضطلع ا املتكلم يف صياغة اخلطاب اإلستراتيجي

، باعتباره الركن الركني الذي ميلي على مشكل التركيز على السامع يف اخلطاباتناسبة له، إىل انتقاء األلفاظ والعبارات واإلستراتيجيات امل -بطريقة غري مباشرة-اخلطاب

واملعطيات الفاعلة يف اإلبالغ، ومعيار الصدق داد مبعظم العناصرتعجانب اإلملام واال ...ليبوالكذب يف األسا

Page 330: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

316

ركزت البالغة العربية عنايتها يف إظهار أطراف العملية التواصلية والعالقة -5القائمة بينهم، األمر الذي أفضى إىل سيالن األفق البالغي العريب يف جمرى األهداف التي

.سطرا الدراسة التداولية املعاصرة وهي تتعاطى مع اللغة يف إطار عملها التواصلي

؛ )التداويل/البالغي العريب (بني الدرسني هذه التعالقات املشتركةعلى غرار خلص البحث أن البعد املقصدي من األبعاد الواقعة بني مفترق طرق العلمني، على أساس أن هذا البعد يف البالغة العربية من الفعاليات القصوى واألولويات العظمى التي

، وهو ما جنده ماثال يف لواملتسم باحلسن والقبواخلطاب البالغي الراقي عليهايتأسس الذين " قرايس"و" سورل"أفكار وتنظريات أقطاب وعلماء الفكر التداويل املعاصر أمثال

احلدث اللغوي شكال من أشكال األفعال الكالمية القائمة على مبدأ كانوا يعتقدون أنى خدمة األغراض واألهداف املسطرة القصدية، حبكم أن اإلستراتيجية التداولية تقوم عل

.قبل املباشرة يف إنتاج اخلطاب

تتجه بآلياا ) البيان واملعاين والبديع(إن البالغة العربية مبختلف علومها -6وقضاياها حنو أفق تداويل صريح ال غبار فيه، على أساس أن علم املعاين يسلط عنايته

وذلك ليطابق مقتضى احلال، أما البيان )اإلستراتيجيات(حول دراسة طرائق الكالم واته التداولية، وذلك بفضل عنايتهما نوالبديع فهما قسمان مرتبطان جبوهر التواصل و

باجلانب التنميقي واجلمايل لأللفاظ لغرض التأثري يف النفوس وقلب القناعات واستمالة على رصد املبادئ األنفس، وهو ما يصب يف عمق الدرس التداويل املعاصر الذي عكف

واألسس املنهجية التي تطعم اخلطاب لتجعله مرنا وفضفاضا، ينسجم مع األطر التواصلية املختلفة، حىت يغدو يف تشكيله النهائي واضح ال لبس فيه ويف مستوى قبول واستحسان

.املتلقني

Page 331: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

317

داوليا مهما، مخا تزيبقى علم املعاين من األقسام البالغية التي حتوي يف ثناياها -7واخلرب واإلنشاء كالفصل والوصل، (وقد يظهر ذلك جليا عند مقاربة بعض مباحثه

.باالعتداء واالستشهاد بأمثلة حاملة ملثل هذه اآلليات ...)واحلذف واإلطناب

وليست هذه هي النتائج التي ميكن إدراجها وحسب، بل لقد وصلت الدراسة إىل أثبتناها يف مكاا من الرسالة، وهي نتائج جزئية، جتنبنا الكثري من النتائج الفرعية التي

.ذكرها رغبة منا يف االبتعاد عن التكرار

وبعد،

يف األخري ما يسعينه، ويل الرمحن عز شأنه أن أقول درقفهذا هو جهدي، وهذا ما ة بأن تكون ة التي متخضت من هذا البحث، خليقإن هذه العصارة املعرفي: إال أن أقول

ة ذات قيمة تدعو الباحثني القتحامها قصد اخللوص إىل حقائق علميمبثابة منارة فكري .معرفية مثينة

Page 332: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

قائمة املصادر و املراجع

Page 333: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

319

عـادر واملراجـة املصـقائم

:ادرــاملص

:القرآن الكرمي

.، بريوت)ت. د(دار صادر / لسن العرب،: ابن منظور-البيان والتبيني، حتقيق عبد السالم هارون، الطبعة اخلامسة، : اجلاحظ أبو عثمان ابن حبر-

.1985سنة الرسائل األدبية، رسالة تفضيل النطق على الصمت، دار مكتبة اهلالل، الطبعة الثالثة، سنة

1995. مي، الطبعة الثالثة، رون، امع العلمي العريب اإلسالاحليوان، حتقيق عبد السالم ها

.1969بريوت، : ابن قتيبة-

.1973، 2تأويل مشكل القرآن، حتقيق السيد أمحد صقر، دار التراث، ط :ابن خلدون-

.1993-1413املقدمة، دار الكتب العلمية، الطبعة األوىل، :قدامة بن جعفر-

).ت. د(حتقيق عبد املنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بريوت : نقد الشعر ).ت.د(دار الكتاب العلمية، بريوت، : نقد النثر

:الرماين أبو احلسن علي بن عيسى-ن ضمن ثالثة رسائل يف إعجاز القرآن، حتقيق حممد خلف اهللا النكت يف إعجاز القرآ

).ت.د( 3وحممد زغلول سالم، دار املعارف، ط :اخلطايب أبو سليمان أمحد بن حممد إبراهيم-

بيان إعجاز القرآن، ضمن ثالثة رسائل يف إعجاز القرآن، ضمن ثالثة رسائل يف إعجاز ).ت.د(الطبعة الثالثة، دار املعارف حممد خلف اهللا وحممد زغلول،: القرآن، حتقيق

Page 334: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

320

:القاضي عبد اجلبار-املغين يف أبواب التوحيد، حقق باشتراط طه حسني وإبراهيم مذكور، وزارة الثقافة

).1965-1961(واإلرشاد القومي، مصر :أبو هالل العسكري-

براهيم، املكتبة الصناعتني، الكتابة والشعر، حتقيق علي حممد البجاوي وحممد أبو الفضل، .2006، 1العصرية، بريوت، ط

تعليق حممد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، الطبعة األوىل، : الفروق اللغوية .2000ابنان،

:بشار بن برد-حممد رفعت فتح : شرح حممد الطاهر بن عاشور، علق عليه ووافق على طبعه: الديوان

.1950اهللا، طبعة جلنة التأليف والترمجة والنشر، :ابن رشيق القريواين-

، دار 5العمدة يف حماسن الشعر وآدابه ونقده، حتقيق حممد حمي الدين عبد احلميد، الطبعة .1981اجليل، بريوت،

:يةأيب العتاه- ).ت.د(نشر، دمشق الأشعاره وأخباره، حتقيق شكري فيصل، دار الفالح للطباعة و

:املتنيب أمحد بن حسني-الديوان، شرح أيب البقاء العسكري، حتقيق مصطفى السقاء إبراهيم األبياري، مطبعة

.1971احلليب، الطبعة األوىل، :اخلفاجي احلليب ابن سنان-

.2003الفصاحة، حتقيق وتعليق النبوي عبد الواحد شعالن، دار قباء، القاهرة، سر :عبد القاهر اجلرجاين-

.2005، بريوت، 1شرح وتعليق حممد التنجي، دار الكتاب العريب، ط: دالئل اإلعجاز

Page 335: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

321

، 1أسرار البالغة يف علم البيان، حتقيق عبد احلميد هنداوي، دار الكتب العلمية، الطبعة .2001وت، بري :سيبويه عمرو بن عثمان بن قنرب-

.1983، بريوت، 3الكتاب، حتقيق وشرح عبد السالم هارون، عامل الكتب، ط :السكاكي أبو يعقوب-

.1990، مصر 2مطبعة مصطفى بايب احلليب وأوالده، الطبعة : مفتاح العلوم :القرطاجني أبو احلسن-

دار الغرب حممد احلبيب ابن خوجة،قدمي وشرح منهاج البلغاء وسراج األدباء، ت .1981، بريوت، 2اإلسالمي، ط

:السيوطي-حممد شريف سكر، مراجعة مصطفى القصاص، : اإلتقان يف علوم القرآن، تقدمي وتعليق

.1985دار إحياء العلوم، بريوت، :الراغب األصبهاين-

).ت.د(بريوت حممد سيد الكيالين، دار املعرفة، : املفردات يف غريب القرآن، ت :اجلرجاين علي بن علي-

، اإلشارات والتنبيهات يف 2007، بريوت، 1التعريفات، عادل أنور خضر، دار املعرفة، ط .1997علم البالغة، حتقيق عبد القادر حسني، مكتبة اآلداب، مصر،

:الزخمشري-، الكشاف عن حقائق 1985، 3أساس البالغة، اهليئة املصرية العامة للكتاب، الطبعة

.2001، بريوت، 1التنوير وحتقيق عبد احلميد هنداوي، دار الكتب العلمية، الطبعة :العلوي حيي بن محزة-

مراجعة وضبط وحتقيق حممد عبد السالم شاهني، دار الكتب العلمية، : كتاب الطراز .هـ1415لبنان، الطبعة األوىل

Page 336: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

322

:ابن املعتز- ).ت.د(دار احلكمة حليوين، دمشق البديع، حتقيق كراتشوفيكس،

:اجلرجاين القاضي-الوساطة بني املتنيب وخصومه، حتقيق حممد أبو الفضل إبراهيم، وعلي البخاري، مطبعة

.1966، 4عيسى احلليب، الطبعة :األلوسي-

، 2السبع املثاين، دار إحياء التراث العريب، الطبعة روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم و .هـ1353لبنان،

):معمر بن املتنيب(أبو عبيدة - ).ت.د(جماز القرآن، حتقيق حممد فؤاد ركني، مكتبة اخلاجني

:املراجع باللغة العربية

:حممد الشاوش-أصول حتليل اخلطاب يف النظرية النحوية العربية، تأسيس حنو النص، املؤسسة العربية

).ت.د( 2001للتوزيع، الد األول، تونس، :سعيد حسن البحريي-

.1997علم لغة النص، مفاهيم واجتاهات، دار نوبار للطباعة، الطبعة األوىل، القاهرة، :حممد عزام-

.2001، منشورات احتاد الكتاب العرب، دمشق، النص الغائب :أمحد يسوف-

.2001-2000القراءة النسقية ومقوالا النقدية، دار الغرب للنشر والتوزيع، اجلزائر، :عبد الفتاح كليطو-

.2004املنهجية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية، مشترك، دار توبقال للنشر، الطبعة الثالثة، :سعيد يقطني-

Page 337: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

323

انفتاح النص الروائي، النص والسياق، املركز الثقايف العريب، الطبعة الثانية، الدار البيضاء، .2001املغرب،

املركز الثقايف العريب، الدار البيضاء، " من، السرد، التبشريالز"حتليل اخلطاب الروائي 1989.

:رابح حبوش-اخلطاب واخلطاب األديب وثورته العلمية على ضوء اللسانيات وعلم النص، جامعة عنابة،

.1999اجلزائر، :طه عبد الرمحن-

.1998اللسان وامليزان أو التكوثر العقلي، املركز الثقايف، الدار البيضاء، الطبعة األوىل، :عبد الواسع احلمريي-

، املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر، "السلطة" املفهوم، العالقة"اخلطاب والنص .1998بريوت،

:عبد اهلادي بن ظافر الشهري-ية تداولية، دار الكتب الوطنية، الطبعة األوىل، ليبيا، إستراتيجيات اخلطاب، مقاربة لغو

2004. :مجيل عبد ايد-

.1998البديع بني البالغة العربية واللسانيات النصية، اهليئة املصرية العامة للكتاب، مصر، :أنور املرجتي-

.1989سيميائية النص األديب، إفريقيا الشرق، املغرب، :إبراهيم خليل-

.2007، األردن، 1سانيات وحنو النص، دار امليسرة، الطبعة يف الل :أمحد عفيفي-

.2001حنو النص، مكتبة زهراء الشرق، جامعة القاهرة،

Page 338: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

324

:مندر عياشي- .2004، بريوت، 1طبعة النص، املركز الثقايف العريب، ال العالماتية وعلم

:أمحد مداس بن عمار-حتليل اخلطاب الشعري من منظور اللسانيات النصية، حتوالت اخلطاب النقدي املعاصر،

.2006كلية اآلداب، جامعة الريموك، عامل الكتب احديث، األردن، :حممد خطايب-

.1991، 1لسانيات النص، مدخل إىل انسجام اخلطاب، املركز الثقايف العريب، الطبعة :عمر أبو خرمة-

الشركة املصرية العاملية لوجنمان، القاهرة، الطبعة األوىل، : بالغة اخلطاب وعلم النص1996.

:علي آيت أوشان-السياق والنص الشعري، من البنية إىل القراءة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة األوىل،

.الدار البيضاء، املغربدار ) األسس املعرفية والدايك كتيكية )يفيظمنج النحو الو(اللسانيات والبيداغوجيا

.1998، 1الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة :نواري سعودي أبو زيد-

.2009، ، اجلزائر1اخلطاب األديب، املبادئ واإلجراء، بيت احلكمة، ط يف تداولية :خليفة بوجادي-

يف اللسانيات التداولية، مع حماولة تأصيلية يف الدرس العريب القدمي، بيت احلكمة، الطبعة .2009األوىل، اجلزائر،

:أمحد املتوكل-الوظائف التداولية يف اللغة العربية، منشورات اجلامعة املغربية للتأليف والترمجة والنشر،

.1985، 1دار الثقافة، الدار البيضاء، املغرب، ط

Page 339: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

325

.1981دراسات يف حنو اللغة العربية الوظيفي، دار الثقافة، الرباط، املغرب، ، دار )البنية التحتية أو التمثيل الداليل التداويل(قضايا اللغة العربية يف اللسانيات الوظيفية

.1995األمان، الرباط، :مصطفى علفان-

سس النظرية واملنهجية، لسلة اللسانيات العربية احلديثة، دراسة نقدية يف املصطلح واأل، عني الشق، كلية اآلداب والعلوم )2(، جامعة احلسن 4رسائل وأطروحات رقم

.1998اإلنسانية، مطبعة فضالة، احملمدية، املغرب، :مهران رشوان-

.1998نشر والتوزيع، القاهرة، الدراسات يف فلسفة اللغة، دار قباء للطباعة و :فهمي زيدان-

.1985يف فلسفة اللغة، دار النهظة العربية، بريوت، :مسعود صحراوي-

التداولية عند العلماء العرب، دراسة تداولية لظاهرة األفعال الكالمية يف التراث اللساين .2005، بريوت 1العريب، دار الطليعة للنشر، الطبعة

:حممد يسري عبس-وجيا االتصال، البيطاش سنتر، اإلسكندرية االتصال والسلوك اإلنساين، رؤية يف انتروبول

).ت.د( :ناظم عودة خضر-

.1997األصول املعرفية لنظرية التلقي، دار الشروق للنشر، :عبد العزيز عتيق-

.1985علم املعاين، دار النهضة العربية، بريوت، :حممد حسنني أبو موسى-

Page 340: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

326

دالالت التراكيب، دراسة حتليلية ملسائل علم املعاين، منشورات جامعة قاريونس، الطبعة .1979، مصر 1 :جان اخلفاجي-

.2008، لبنان 1مراعاة املخاطب يف النحو العريب، دار الكتب العلمية، ط :حممد أبو موسى-

).ت.د(البالغة القرآنية يف تفسري الزخمشري، دار الفكر العريب :س فضل حسنعبا-

.1987، 1قصص القرآن الكرمي، البالغة فنوا وأفناا، علم املعاين، دار القرحان، الطبعة :سليمان علي حممد حسن-

.1995، 1القصة القرآنية، اخلصائص واألهداف، مطبعة احلسني اإلسالمية، الطبعة :أمحد اهلامشي-

دقيق يوسف الصميلي، املكتبة جواهر البالغة يف املعاين والبيان والبديع، ضبط وت .1999، بريوت 1العصرية، الطبعة

:خمتار عطية- .2003علم املعاين ودالالت األمر يف القرآن الكرمي، دراسة بالغية، دار الوفاء، مصر،

شرح دروس البالغة، شرح : حفين ناصف، سلطان حممد، حممد دياب، مصطفى طموم .2007، القاهرة 1حممد بن صاحل العثيميني، دار ابن اجلوزي، الطبعة

:أمحد مطلوب- .1983املعجم العلمي العراقي، : معجم املصطلحات البالغية وتطورها، مطبعة

بية، منشورات عويدات، الطبعة األوىل، اإلبالغية يف اخلطابة العر: مسري أبو محدان-1991.

:حممد زغلول سالم- .1982تاريخ النقد األديب والبالغة حىت القرن الرابع اهلجري، منشأة املعارف، مصر،

Page 341: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

327

:شفيع السيد- .1999، 2عند العرب، تأصيل وتقييم، منشورات عويدات، طالبحث البالغي

:خمتار لزعر-التصور اللغوي يف الفكر اإلعتزايل، مقاربة تأويلية يف مشكالت املعرف، دار األديب

.2006، )اجلزائر(للنشر والتوزيع، وهران :حممد عابد اجلابري-

.1993بنية العقل العريب، املركز الثقايف العريب، الطبعة الثالثة :خالد إبراهيم يوسف-

.1991، 1الرحاب احلديثة، لبنان، ط مداخل كتابة العربية وبالغتها، مؤسسة :خالد إبراهيم يوسف-

.1991، 1مداخل كتابة العربية وبالغتها، مؤسسة الرحاب احلديثة، لبنان، ط :بوقرة نعمان-

.2006حماضرات يف املدارس اللسانية املعاصرة، منشورات جامعة باجي خمتار، عنابة، :إبراهيم خليل-

.1997، بريوت، 1سسة العربية للدراسات والنشر، طاألسلوبية ونظرية النص، املؤ :حممد عبد الرزاق عبد الغفار-

عبد القاهر اجلرجاين يف النقد العريب احلديث، دراسة يف إشكالية التأويل، املؤسسة العربية .2002، بريوت، 1للدراسات والنشر، ط

:أمحد عزوز-املدارس اللسانية أعالمها، مبادئها ومناهج حتليلها لألداء التواصلي، دار األديب للنشر،

.2005اجلزائر، :حممد عبد املطلب-

.1994البالغة واألسلوبية، دار نوبار للطباعة، القاهرة،

Page 342: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

328

:حممد حممد داود- .2001العربية وعلم اللغة احلدي، دار غريب، القاهرة،

احلجاج أطره ومنطلقاته وتقنياته، أهم نظريات احلجاج يف التقاليد الغربية من أرسطو إىل .XXXIX ،1998اليوم، إشراف محادي صمود، املطبعة الرمسية للجمهورية التونسية، الد

:حممد طروس-نشر النظرية احلجاجية من خالل الدارسات البالغية واملنطقية واللسانية، دار الثقافة لل

.2005والتوزيع، الطبعة األوىل، :شكري املبخوت-

نظرية احلجاج يف اللغة، تأليف مجاعي أهم نظريات احلجاج يف التقاليد الغربية من اآلداب والفنون والعلوم جامعة XXXIXأرسطو إىل اليوم، إشراف محادي صمود، جملد

.اإلنسانية، تونس، املطبعة الرمسية للجمهورية التونسية .1999البالغة العربية، أصوهلا وامتداداا، إفريقيا الشرق، املغرب، : مد العمريحم :مجيل عبد ايد-

.2000البالغة واإلتصال، دار غريب، القاهرة، :متام حسان-

.2003اللغة العربية، معناها ومبناها، عامل الكتب، الطبعة الرابعة، القاهرة :رمضان النجار-

القدماء واحملدثني، دار الوفاء للطباعة والنشر، اإلسكندرية، مصر، اللغة وأنظمتها بني2004.

:علي عشري زايد-البالغة العربية، تارخيها، مصادرها، مناهجها، مكتبة اآلداب، الطبعة السابعة، القاهرة،

.2009مصر، :شوقي ضيف-

Page 343: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

329

.)ت.د(البالغة تطور وتاريخ، دار املعارف، املطبعة السادسة، القاهرة :بدوي طبانة-

.1988البيان العريب، دار املنار، جدة ودار الرافعي، الرياض، الطبعة السابعة :صالح إمساعيل-

.2005نظرية املعىن يف فلسفة بول جرايس، الدار املصرية السعودية، القاهرة، :علي البدري-

.1984، )2(الطبعة ) دون دار نشر(علم البيان يف الدراسات البالغية :حممد حممد يونس علي-

، )1(مقدمة يف علمي الداللة والتخاطب، دار الكتاب اجلديد املتحدة، بريوت الطبعة 2004.

املركزية، دراسة حول املعىن وظالل وصف اللغة العربية دالليا يف ضوء مفهوم الداللة .1993املعىن، منشورات جامعة الفاتح، ليبيا،

:علي حممود حجي الصراف-ربامجاتية، األفعال اإلجنازية يف العربية املعاصرة، دراسة داللية ومعجم سياقي، مكتبة يف ال

.2010اآلداب، الطبعة األوىل، القاهرة :عبد السالم عشري-

.2006عندما نتواصل نغري، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، :عمر بلخري-

رات االختالف، الطبعة األوىل حتليل اخلطاب املسرحي يف ضوء النظرية التداولية، منشو2003.

:حممد ولد األمي-حجاجية التأويل يف البالغية العربية، املركز العلمي لدراسات أحباث الكتاب األخضر،

.2004الطبعة األوىل، ليبيا،

Page 344: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

330

:عبد اهللا صولة- .2007، لبنان 2احلجاج يف القرآن الكرمي من أهم خصائصه األسلوبية، دار الفرايب، ط

:واوي بغورةالز-الفلسفة واللغة، نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة، دار الطليعة للطباعة والنشر،

.2005الطبعة األوىل، بريوت :أمحد الوردين-

م، دار 13/هـ7قضية اللفظ واملعىن ونظرية الشعر عند العرب من األصول إىل القرن .2004، بريوت 1الغرب اإلسالمي، الد الثاين، الطبعة

:حممود أمحد حنلة- .2002آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر، دار املعرفة اجلامعية، مصر،

:ميجان الرويلي، سعد اليازغي-دليل الناقد األديب، إضاءة ألكثر من مخسني تيارا ومصطلحا نقديا معاصرا، املركز الثقايف

.2000، املغرب )2(العريب، الطبعة :مصطفى عادل-

مدخل إىل اهلرمونيطيقا، نظرية التأويل من آفالطون إىل غادامري، منشورات دار النهضة، .2003، بريوت، لبنان، 1الطبعة

:سامية الدريدي-احلجاج يف الشعر العريب القدمي من اجلاهلية إىل القرن الثاين للهجرة بنيته وأساليبه، عامل

.2008، 1الكتاب احلديث، تونس، الطبعة :صاحل خليل أبو إصبع-

.1995نصوص تراثية يف ضوء علم االتصال، دار آرام عمان، الطبعة األوىل، :الصغري بناين-

Page 345: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

331

النظريات اللسانية والبالغية واألدبية عند اجلاحظ من خالل البيان والتبيني، ديوان ).ت.د(املطبوعات اجلزائرية، اجلزائر،

:عبد القادر حسني- .2001خ البالغة، دار غريب، القاهرة، املختصر يف تاري

:املراجع األجنبية املترمجة إىل اللغة العربية

:أوزولد ديكرو وجان ماري سشايفر-القاموس املوسوعي اجلديد لعلوم اللسان، ترمجة منذر العياشي، طبعة منقحة، املركز

.2007الثقايف العريب، الطبعة الثانية، املغرب، :تيفاجوليا كريس-

علم النص، ترمجة فريد الزاهي، مراجعة عبد اجلليل ناظم، دار توبقال للنشر، الدار .1995البيضاء، املغرب،

:ج، هيوسلفرمان-توصيات بني اهلرمونيطيقا والتفكيكية، ترمجة حسن ناظم وعلي حاكم صاحل، املركز

.2000الثقايف العريب، :روالن بارت-

دار توبقال، الطبعة األوىل، الدار البيضاء، ني سبحان، لذة النص، ترمجة فؤاد صفا واحلس1998.

هسهسة اللغة، ترمجة منذر عياشي، األعمال الكاملة، اإلمناء احلضاري، الطبعة األوىل، .1999حلب،

.1998الدرجة الصفر للكتابة، ترمجة حممد برادة، املغرب، ).ت.د(، حلب 1طمنذر عياشي، دار اإلمناء احلضاري، : نقد وحقيقة، ترمجة

:فان ديك-

Page 346: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

332

عبد القادر قنيين، : النص والسياق، استقصاء البحث يف اخلطاب الداليل والتداويل، ترمجة .2000إفريقيا الشرق، الطبعة الثانية،

:جراندروبرت ديبو- .1998، 1النص واخلطاب واإلجراء، ترمجة متام حسان، عامل الكتب، القاهرة، ط

:براون وجورج يول. ب.ج- .1997ترمجة حممد لطفي الزليطي، منري التريكي، دار النثر واملطابع، : حتليل اخلطاب

:جياليل دالش-ترمجة حممد حبياتن، ديوان املطبوعات اجلامعية، اجلزائر، : مدخل إىل اللسانيات التداولية

).ت.د( :فراسنواز أرمينكو-

.1986القومي، املغرب، ترمجة سعيد علوش، مركز اإلمناء : املقاربة التداولية :هنرس بليث-

البالغة واألسلوبية، حنو منوذج سيسيائي لتحليل املعىن، ترمجة حممد العمري، إفريقيا، .1999الشرق، املغرب،

:جون أوستني- .1991نظرية األفعال الكالم العامة، ترمجة عبد القادر قنيين إفريقيا الشرق، الدار البيضاء،

:جون سورل-للغة واتمع العامل الواقعي، ترمجة سعيد الغامني، املركز الثقايف العريب، منشورات العقل وا

.2006االختالف، الدار العربية للعلوم، الطبعة األوىل، اجلزائر، :آن روبول، جاك موشالر-

التداولية اليوم علم جديد يف التواصل، ترمجة بني الدين دغفوس، حممد الشيباين، دار .2003الطليعة، بريوت، الطبعة األوىل،

:جورج يول-

Page 347: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

333

معرفة اللغة، ترمجة حممد فراج عبد احلافظ، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، اإلسكندرية ).ت.د(

:املصادر واملراجع باللغة األجنبية-Jean Duboi :

Dictionnaire de linguistique et des sciences du language, Larousse, BORDAS, Paris,

1999.

-John Searl :

Les actes de language, essai de philosophie de language, collection Savoire, Lecture,

Harman, Paris, France, 1996 (Nouveau Tirage).

Sens et expression, Traduction : Joelle Proust, édition de Minuit, Paris, 1972.

-Dominique Maingueneau :

Pragmatique pour le discours littéraire, édition NATHAN Université, Paris, 2001.

-Charle Senders Peirs :

Ecrit sur le signe, Ed : Paris, 1978.

-Maxilico :

Dictionnaire encyclopédique de la langue français, édition de la connaissance, 1997.

-Catherine Kerbrat – Orechioni :

Les actes de language dans le discours théorie et fonctionnement, édition NATHAN,

Paris, 2001.

Jaque Moeshler – Antoni Auchlin. Introduction à linguistique contemporaine, édition

amande Colin Her – Paris.

-François Recanati :

La transparence et l’énonciation, édition du seuil, Paris 1979.

Les énoncés performatifs, édition de Minuit, Paris, 1986.

-J. Laustin :

Quand dire c’est faire, introduction, traduction et commentaire par Gille lane, édition

du seuil, 1970.

-Anne Reboul, Jaque Moeschler :

Pragmatique du discours, Ed. Armand Colon, France, 2005.

-George Elia Sarfati :

Page 348: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

334

Précis de pragmatique, édition Nathan, Paris, 2002.

-Jaque Moeschler, Ane Reboul :

Dictionnaire Encyclopédique de pragmatique, Edition du Seuil (1994).

-Oswald Ducrot :

Dire et ne pas dire, principes de sémantique linguistique, Edition Hermann, 2ème

édition, Paris, (1980).

Le dire et le dit, édition de minuit, Paris (1984) Les échelles argumentative, édition du

minuit, Paris (1985).

Jean Claud Anscombre et Oswald Ducroit : L’argumentation dans la langue, Pierre

Margada, Edition Belgique.

-Marie Paneau – George Elia Sarfati :

Les grandes théories de la linguistique, de la grammaire comparée à la pragmatique,

Edition Armand Colin, Paris, 2003.

-Diego Marconi :

La philosophie du language au xxième siècle, Traduction Française par : M : Valinsi,

Edition du seuil, Paris (1997).

Jean Dubois Dictionnaire de Linguistique, ed Larouse Paris 1973.

-J. Jordon :

Symbolisme interprétation, collection poétique, ed Seuil, Paris, 1979.

-Osward Ducrot. Tzvetan Todoron :

Dictionnaire encyclopédique des sciences du language, 1ière publication, édition Du

Seuil, 1972.

Petit Larousse, Librairie Larousse, Paris, 1980.

-Patrick Eharaudeau, Dominique Maingueneau :

Dictionnaire d’analyse de discours ; édition du seuil, Paris, VIième, 2002.

Emile Benveniste, Probème de linguistique générale T1, ed. Cérés, Tunis, 1995.

-Dominique Mainguenneau :

L’analyse du discours, Ed. Hachette, Paris, 1997.

Gérards Genette, Figures, Ed. Cérés, Tunis, 1994.

-Wolfgang Iser :

L’acte de lecture, théorie de l’effet esthétique, Trad : Evelyne Sznyer, Bruxelle, 1996.

Page 349: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

335

Gadamer Hans Georg, l’art de comprendre, écrits herméneutique et champ de

l’expérience humaine, Paris Aubier, 1991.

:االت

.1984ترمجة إبراهيم اخلطيب، : ، النقد واحلقيقة11جملة الكرمل، العدد : روالن بارت-جملة العرب والفكر العاملي، روالن بارث، العدد اخلامس، نظرية النص ترمجة حممد خري -

.1998البقاعي، مركز اإلمناء القومي، .2005، من لسانيات اجلملة إىل علم النص، جوان 14بشري إبرير، جملة التواصل، العدد -ة، وبا حممد، السنة الثالثة، ، التداولية، ترمج24فردناند هالني، جملة الفكر والنقد، العدد -

.1999ديسمرب يوليو سبتمرب، 30احلجاج واالستدالل احلجاجي، جملة عامل الفكر، العدد األول، الة -

.2001نصدر عن الس الوطين للثقافة والفنون واآلداب، الكويت، جملة حمكمة ، الس الوطين 28، الد 3حممد سامل ولد حممد األمني، جملة عامل الفكر، العدد -

.2000للثقافة والفنون واآلداب، راضية خفيف بوبكري، جملة املوقف األديب، التداولية وحتليل اخلطاب، دمشق، احتاد -

.2004، متوز 399الكتاب العرب، العدد ريتشاردز، فلسفة البالغة، ترمجة ناصر حالوي وسعيد الغاملي، جملة العرب والفكر -

.1991، 14و 13العدد العاملي، .، الكويت193اللغة والتفسري والتواصل، سلسلة عامل املعرفة، العدد : مصطفى ناصف-

:مقاالت يف اإلنترنت

.www.elaph.comعادل الثامري، التداولية ظهورها وتطورها - .www.Fikrawanakd.Eljabiriabes.comعبد السالم إمساعيل علوي، التلفظ واإلجناز - .www.Iwanz.comاملدارس اللسانية؛ املدرسة التداولية : حممد حممد يونس علي- .voice.com www.pulpit.Alwatane: التواصل اللفظي وغري اللفظي: مجيل محداوي املعز-

Page 350: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

336

:األطروحات والرسائل اجلامعية

شعرية النثر عند تودوروف، رسالة ماجسمري يف األدب العريب، جامعة : خرية مسلم- .2008) اجلزائر(وهران

حممد ملياين، ظاهرة احلذف يف الدراسات اللسانية احلديثة، أطروحة يف اللغة العربية، - . 2004، )اجلزائر(جامعة وهران

Page 351: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

رس ـفه

Page 352: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

337

الفهرس

أ ......................................................... مقدمة -

من املعيارية إىل الوظيفية...بني النص و اخلطاب :الفصل األول

3 .................................................... بني النص واخلطاب-1

3 ....................... يف الثقافة الغربية اإلطار املفاهيمي للنص -1.1

16 ................... يف الثقافة الغربية اإلطار املفاهيمي للخطاب -2.1

26 ................... ؛ مفهومان أم مفهوم واحد؟النص واخلطاب -3.1

31 ............................................ من حنو اجلملة إىل حنو النص-2

31 ............... إرهاسات البحث يف اللسانيات النصية واخلطابية-1.2

41 ................... العالقة بني لسانيات اجلملة ولسانيات النص-2.2

44 ......................................... متظهرات اتساق النص وتنظيمه-3

44 .......................... "رقية حسن"و" هاليداي"عند ترابطال-1.3

57 ...................................... "فان ديك"االنسجام عند -2.3

64 ............. "جورج يول"و" جورج براون"مظاهر حتليل اخلطاب عند -4

Page 353: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

338

قراءة يف املوضوع، املنهج و اإلجراء : النظرية التداولية: الفصل الثاين

72 ....................................................................................متهيد- 1

73 ......................................................... الفكرية للتداوليةحول املرجعية - 2

73 ................................................... إسهامات الفلسفة التحليلية -1.2

81 ...................................................... إسهامات شارل موريس -2.2

84 .............................................. إسهامات تشارلس ساندز بريس -3.2

86 ............................................ إسهامات النظريات اللسانية احلديثة-4.2

92 ......................................................................... مفهوم التداولية- 3

102 .................................................................... أمهية الدرس التداويل- 4

107 ............................................................ أهم نظريات الدرس التداويل- 5

107 ......................................................... األفعال الكالمية نظرية-1.5

108 ............................................... أوستني والفعل الكالمي-1.1.5

115 .............................................. سورل واألفعال الكالمية-2.1.5

124 ....................................................... نظرية االستلزام احلواري-2.5

129 .................................................................. نظرية املالئمة-3.5

134 ..................................................................... اإلشاريات-4.5

137 ............................................................... االفتراض السابق-5.5

141 ............................................................. النظرية احلجاجية-6.5

Page 354: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

339

األبعاد التداولية يف اخلطاب من خالل أفق البالغيني :الفصل الثالث

العرب

152 ....................................................................................... توطئة

153 ....................................................... مرحلة النشأة األبعاد التداولية يف -1

158 ................................................. )هـ255ت (اجلاحظ - 1.1

175 ................................................. )هـ276ت (ابن قتيبة - 2.1

180 ..................................................... )هـ285ت(املربد - 3.1

184 ................................. تنظريات بعض الفالسفة واملتكلمنياألبعاد التداولية يف -2

185 ........................................... )هـ377ت(بن جعفر قدامة- 1.2

189 ........................ )هـ384ت (الرماين أبو احلسن علي بن عيسى - 2.2

194 ........................ )388ت (اخلطايب أبو سليمان بن حممد إبراهيم - 3.2

197 ...................................... )هـ415ت (القاضي عبد اجلبار - 4.2

201 ....................................... ة من خالل تنظريات بعض املتأدبنياألبعاد التداولي-3

203 ................. )هـ395ت (أبو هالل احلسن بن عبد اهللا العسكري -1.3

208 ..................... )هـ456ت (أبو علي احلسن ابن رشيق الفريواين -2.3

211 ...................................... )هـ466ت (ابن سنان اخلفاجي -3.3

215 .................... )هـ471ت (األبعاد التداولية من خالل أفق عبد القاهر اجلرجاين -4

224 ............................... )هـ626ت (األبعاد التداولية من خالل أفق السكاكي -5

231 ........................ )هـ684ت (القرطاجين األبعاد التداولية من خالل أفق حازم -6

Page 355: ﻲﺒﺭﻌﻝﺍ ﻲﻏﻼﺒﻝﺍ ﺙﻭﺭﻭﻤﻝﺍ ﻲﻓ … · ب :ﺎﻬﻣﺍﻮﻗ ﺔﻳ ﺮﺛ ﺔﻴﻓﺮﻌﻣ ﺓﺮﻈﻧ ﻖﻓﻭ ﻱﻮﻐﻠﻟﺍ ﺝﺎﺘﻧﻹﺍ

340

أهم اآلليات البالغية يف ضوء النظرية التداولية: الفصل الرابع

-حنو مقاربة تطبيقية -

236 ....................................................................................... توطئة

246 ................................................. .األسس واملعامل التداولية يف علم املعاين-1

247 .................................... .السابقظاهرة احلذف ونظرية االفتراض بني -1.1

256 ..................................... بني اخلرب واإلنشاء ونظرية األفعال الكالمية -2.1

261 ..................................................... .اإلطناب وطابعه احلجاجي-3.1

267 .............................. .الفصل والوصل عند السكاكي وإجراءاته التداولية-4.1

270 ........................ .املعىن املستلزم مقاميا يف البالغة العربية ومربراته التداولية-5.1

271 ......................... .االستلزام احلوارياالستفهام ونظرية أسلوب-1.5.1

277 ................... .األبعاد التداولية يف أسلوب األمر وأغراضه السياقية-2.5.1

284 ................................... .أضرب اخلرب عند املربد واالعتبارات التداولية-6.1

290 ......................................................... .األبعاد التداولية يف علم البيان-2

290 .............................................................. االستعارة واحلجاج- 1.2

296 ........................................................... .الكناية ومبدأ التأدب-2.2

301 ................................................. .القصدي يف علم البديعاالجتاه التداويل -3

302 ........................................... .األسس التداولية يف آليات علم البديع- 1.3

305 ........................... ).الزخمشري منوذجا(أسلوب اإللتفات وقيمه التداولية -2.3

313 ......................................................................... اخلامتة

319 ......................................................... قائمة املصادر و املراجع

337 ........................................................................ الفهرس