1

بسم اهللا الرحمن الرحيم

2

سلسلة عندما نطق السراة

الخلق األول

ونودتع أكمدا بكم

قسم الدراسات والبحوث

جمعية التجديد الثقافية االجتماعية

مملكة البحرين

الطبعة األولى

2005

3

4

لمقدمةا

إخوانـا، أصبحنا والطائر الذي ربى فرخ الوقـواق (

نحتضن بيض األعداء، نفقسه له مجانا في أعـشاش

أدمغتنا، ننميه ليرمي في التراب فراخنا، فراخ تراثنا

الصحيح، نغذيه ونحتضنه، ثم نستميت دفاعـا عنـه

جمعية التجديد الثقافية االجتماعية ).بحياتنا

توطئة

في مسألة خلـق لم تكن األمة الواحدة مختلفة قط وال جاهلة

الملفقة التي نـصبت مـن ) السبعينية(آدم وكيفيته، قبل بزوغ التوراة

نفسها حكما مهيمنا في مثل هذه المسائل، فإن الكهنة الـسبعين الـذين

كتبوا التوراة قاموا عمدا وجهـال بكتابتهـا وفـق أسـلوبهم ووفـق

حـين اجا قدسيا سيمنظورهم وفهمهم ونواياهم، بعد أن جعلوا لكتابهم

ضمنوه كثيرا من األساطير المقدسة والحكايات الشفوية المقتبسة مـن

الحضارات العربية التي قبلهم والتي كان يتم تناقلها شفويا، وأثبتوهـا

ليصوغوا لهم تراثا مركزيا منتحال منفوخا يخرجوا به مـن بـداوتهم

هو الـذي أتـى ) ع(ى المفتقرة للحضارة، وصيروا األمر وكأن موس

أتى ببعض أخبارها فإن الرساالت والنبـوات ) ع(بها، وال نستبعد أنه

أن بعـضا منهـا إلـى ن اليوم يالمحقققد خلص كثير من و. تراكمية

وجود أقـدم همل ، حيث تكشف سبق التوراتيين مسروق ومقتبس ممن

5

ـ لمضامينها رب والبـابليين في كتابات وألواح ورقم الـسومريين الع

.والسوريين وعرب مصر والجزيرة

، )ع(إن نسبة شامل محتوى هـذه المـدونات إلـى موسـى

وبالتالي إلى اهللا عز شأنه، أطغت بالقدسية على ما سـمي بـالتوراة

ـ ـه يتضمن بعض ما ج ـليوسم بكتاب مقدس، الذي نسلم بأن ه ـاء ب

يات الشعبية، وأيـضا الخرافـات ، وفيه األساطير والمرو )ع(موسى

واالفتراءات، وفيه كذلك تراثنا العربي الشفوي، أعيد صياغته بنقص

.فهم وبأخطاء وتحريف

ومع أن القرآن جاهد ليسقط تلك القداسة عما كتبـه األحبـار

وكتاب التوراة الذين إما أنهم أخفوا ما ال يوافق هواهم مـن حقـائق

وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننـه : (االكتاب أو حرفوه

للناس وال تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنـا قلـيال

ونشترا يم ا أنهم ألفـوا و )187:عمران آل()فبئسـ ، وإم وا غيرهـا دس :

)عنـد اللـه فو ذا منه قولوني ثم ديهمبأي الكتاب ونكتبي ل للذيني

ليشتروا به ثمنا قليال فويل لهم مما كتبت أيديهم وويـل لهـم ممـا

ونكسبة المخ )79:البقرة()ينـة ، فالقرآن قد أسقط هذه القدسيترعـة لمدو

الذي لم يسلم من اإلضاعة مـع ) ع(الكهنة الذين خلطوا كتاب موسى

.أكوام من خليط أهوائهم وأنسوجاتهم

6

إال أن األمر ومع األسف مضى تاريخيا بخـالف التعليمـات

والتضمينات والتوصيات القرآنية، فكان أن عطلت تلك القداسة الزائفة

ن محسوما لدى األوائل، وعد من بـديهياتهم، مسيرة الفكر في أمر كا

هو أمر عطل الفكر اإلسالمي برمته في مثل هذه القـضايا، بـدخول

كثير من أهل الكتاب في الملة الجديدة بفهوماتهم القديمـة المظنـون

قدسيتها، وبثها كحقائق واستيالئها على الفكر، ثم كان تقريب الكثيـر

من الكهنة واألحبـار إبـان العـصور األولـى، من أولئك الكتابيين

ودخولهم في العملية الروائية كمرجعيات تاريخية وإسالمية، لحـساب

سياسية وصراعات مذهبية، وبعد انفتاح باب الروايات لكـل أجندات

ذي مأرب، طم وادي الفكر بالكثير من الروايات التوراتية الذين كانوا

اره، حتى أنك ال تكاد تتتبع الروايات المتعلقـة هم أساسه ومنبعه وبذ

بالخلق األول إال وتجد كعبا ووهبا وغيرهما في السلسلة واإلسناد، أو

تحال على مجاهيل، بل إن معظم األخبار تنقل بصراحة عـن أهـل

" وجاء عن أهـل الكتـاب "، أحيانا بعبارة الكهنة الكتاب أي عن توراة

ويكفـي أن نعلـم أن ! أنها معروفة من أخبار األولين وأحيانا بمسلمة

ولمـن " وهب بن منبه "في قصص األنبياء كتبه " إسالمي"أول كتاب

تتبع األسانيد لن يعدم أن يجد وهبا يقف علـى رأسـها، وأن أكبـر

القصاصين هم كعب األحبار ووهب وتميم الداري وهـم مـن أهـل

.الكتاب سابقا

7

، أن الذهن البشري، ظل مـن عادتـه ثانيةؤسف إنه لمن الم

التواطؤ على صاحبه والتنصل من مسئوليته البحثية، فاإلنسان يميـل

فكره إلى المحاكاة، وإلى التواري في ظالل الغير، فيـأنس لـو قـال

مقالته أناس سبقوه، ويرتعد لو كان سيأتي بغريـب أو مـا سـيدعى

كما يقولون، فهـو بطبعـه يـأنس " اس عيد الحشر مع الن "، إذ "بدعة"

للمألوف والمسموع ويستظل به ألنه يدافع من متراس حصين، وينفر

تبنيه ال يجلب الـسالمة، وعليـه أن عن الغريب وغير المسموع ألن

.يقيم متاريسه وحده لو صمدت للراجمات

يدخل بصاحبه فـي نفـق مـؤامرة خفيـة - بهذا -فالذهن

لحقيقة العزباء، لهذا حدث التواطؤ الالشـعوري والالمعلـن لمواراة ا

بين أهل القرآن وأهل التوراة في كثير من القضايا، مع وجود فـصال

!بين األمتينظاهر سافر بين الكتابين وعداء

والوضع لآلن هو هو، لذا فأي طرح جديد سـيواجه بداهـة

منهما قوته من اآلخر ال مـن بعنف هذا التواطؤ الذي اكتسب فيه كل

عولجت الشريفة نفسه، عن تشابه زائف وهمي في النصوص القرآنية

المألوف الذي انداح على الـنص بتأويلها تجاه الفهم التوراتي الخرافي

القرآني بتواتر القصاصين، فظن المسلمون أنهم حققوا قـوة الحقيقـة

وهو غير توراة (ه من توراة الكهنة القرآنية كونهم أخذوا شهادة توثيق

8

وإنه لفـي زبـر (، إمضاء منهم لفهم قاصر عن قوله تعالى )موسى

لينرائيل*الأوني إسب اءلمع هلمعي ة أنآي مله كني لمأو (

!)197، 196:الشعراء(

زيـف قـصص فة القاتلة إنما أعطوا والحقيقة أنهم بهذه العط

التوراة وهفواته الوثاقة المطلوبة والـصدقية، ال العكـس، وربطـوا

مصير الكتاب الحكيم الذي ال يأتيه الباطل، بآخر مختلط ما أنـزل اهللا

، فأصلحوا بتلك الخطوة عمـل المفـسدين بعد تشويهه به من سلطان

.)81:يونس()الله ال يصلح عمل المفسدين(و

ة، وكل آياته في هذه فمع أنالقرآن جاء بالحقيقة البيضاء النقي

أو ( تقول نقيض مـا تـصوره التـوراة )مسألة خلق البشر (المسألة

أو ما تمضيه روايات المـسلمين المنحولـة )باألولى تفسير نصوصه

بشكل مباشر أو غير مباشر من استيالء الفكر التوراتي، إال أن :

المتصور عن بدايـة " للسيناريو"متسالم عليه االستحكام الفكري ال *

. الخلق

وللقداسة الزائفة الموجودة في تلك الصورة المـسبغة علـى آدم *

. األول

وإلهالة التقديس على آالف المرويات كائنة ما كانت، ولـو كـان *

. ومن جاهد بين يديه براء منها)ص (نبي اإلسالم

9

. ألة حاكمية قرآن اهللا وعدم فهم نظامه مع مسالخاطئوللتعامل *

* م نـسولوقوع التشابه في ألفاظه التي تحاكي في الظاهر المتوهج

القصاصين، حتى وصل باألمر أن يستدل بالقرآن على المزعـوم

! التوراتي، مع أن القرآن المهيض جانبه لديهم يقول النقيض

آن الواضـحة أن كل ذلك وغيره قد حجب أشعة نـور القـر

تصل إلى عقل المسلم، وحجب القرآن أيضا أن يصل إلـى مخاطبـة

، فساد "الكتاب المقدس "العالم، بل الذي وصل هو التوراة تحت مسمى

.هذا التصور المتخلف والخاطئ على عقول العالم كله

) فـي الغـرب (ولوال رحمة اهللا وتنصل بعض رجاالت العلم

هـذا، وانبثـاقهم " الكتـاب المقـدس "سطوات الهوت وتحررهم من

وبحــثهم archaeology(1 ( وأركيولوجيــا،)geology (جيولوجيــا

الستدراك الحقيقة المقبـورة، الحقيقـة ،)genealogy(وسالليا آثاريا

يعرفونها ويعيشونها -توراة التدوين قبل -التي كان العرب األوائل

أساطيرهم المقدسة لديهم لتبقـى معلمـا ويدونونها، وأشبعوا بها كل

وذخرا، فقام هؤالء العلماء المنفلتون من األسر الكهنوتي بمجهـودهم

♦ 1 منير البعلبكي، المورد القريب،. هو علم اآلثار القديمة: األركلوجيا -

هو األرض " أرك"كلمة عربية التركيب فالـ " لوجي-أرك"و. 28ص

جاءت تسمية صخور ومنها ) 7بطرس البستاني، محيط المحيط، ص (لغة، فهو لغة صخور األرض = باإلنجليزية، ولوجي " رك"األرض

.وعلمها

10

: العلمي المتجرد الجبار تطبيقا لما حث عليه القرآن المهجور من قبل

) ي الله أ الخلق ثمدف بوا كيض فانظروا في الأرنشئ النشأة قل سير

ء قديرلى كل شيع الله ة إنلوا بجهـودهم )20:العنكبوت()الآخرفتوص ،

إلى كثيـر مـن -التي انقطع المسلمون مع األسف عنها -المباركة

.الحقائق في تاريخ خلق اإلنسان

إن أكبر مهزلة، بل أكبر مأساة، أن تم تعليق مصداقية ووثاقة

، مع أن "خلق اإلنسان "يقوله القرآن وربطه بما زعمته التوراة في ما

القرآن أثبت أنه جاء ليقص على بني إسرائيل أكثر الـذي هـم فيـه

إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيـه (يختلفون

ختلفونعلى )76:النمـل ()ي الصادق من تلك الكتب فـضال ، وأنه مهيمن

وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بـين يديـه مـن (عن غيرها

ال تتبـعو ل اللـهـا أنـزبم مـنهيب كمه فـاحليمنا عيهمالكتاب و

مهاءو48:المائدة()أه( ولبس اإلسالم كالفرو مقلوبـا، ، انقلب ظهر المجن

وصار الفكر ،فصار أهل الكتاب هم الذين يقصون على القرآن وأهله

، وقضايا العلـم التوراتي هو المهيمن على تفسير قضايا القرآن وآياته

. والكون

نعم، لو تم ربـط القـرآن بالمـدونات الـسومرية والبابليـة

رة وادي النيل من أرض مصر، ة والمندائية والسورية وحضا واألكادي

لكان أجدى، ألن تلك حقائق، ال مقوالت ظنونية، وألنها أصيلة غيـر

11

منتحلة، وألنها تريد تعليم الحقيقة ال ادعائها، وألنها أخيـرا صـيغت

.1فتراضبعلم وتعليم ال بجهل وا

؟لماذا البحث

واقفـه فـي كلنا يعادي ويسالم، كلنا يحب ويبغض، كلنا لنا م

الحياة من كل القضايا، ولو وخزا أو نبضا على مـستوى الخلجـة أو

تمثله أو البوح به، كلنا يفعـل ذلـك وفـق الشعور إن تعذرت وسيلة

جمموازين أو أنظمة ذاتية قد تبر ه وال بها شعور ه، هي أشـبه شعور

مة تلك المواقـف، ، فإذا أردنا أن نتحقق من سال "لوحه المحفوظ "بـ

وكفاءة تلك األنظمة، وصوابية تلك الموازين، لنحقق كما قال خليـل

، علينا أن نغرز )162:األنعام() هللا رب العالمين مماتي و محياي(الرحمن

في أنظمة وعينا الحقائق ونزيح األباطيل واألوهام، علينـا أن نعيـد

نا لحركاتنـا وسـكناتنا، و إدارت كتابة وعينا وفق النظام الرباني، لتخط

♦ 1 امويل كريمر، خبير التراث السومري، لو رأيت صلو تأملت ما يقوله -

لو سمعت دهشته باألوائل ! استعجابه كيف تم انتحال هذا التراث في التوراةرين المحدثين والمفكرين السومريين، يوجد فرق مهم بين المفك( .. فيكتب

ذلك أن المفكر الحديث مستعد لإلقرار بأن معرفته واستنتاجاته إن هي إال لم المفكر السومري جواب أو حل مطلق، ولكن ة وأنه متشكك في أينسبييكن كذلك، إنه كان على يقين من أن آراءه كانت مطلقة الصحة، وأنه كان

من صامويل كريمر، ". علم اليقين كيف خلق الكون وكيف يسير ويعمليعلم .159، ص ألواح سومر

12

خطوات نافعة ومسئولة وهادفة وصحيحة، نثاب عليها بـدال مـن أن

.نحاسب، في حبنا وبغضنا، في حربنا وسلمنا

ة، حتى الـشيطان ال ال أحد يستطيع أن يبرمج أحدا آخر عنو

ي أن إذا صيغ مراكز تحكم مشاعرنا وبالتالي أنظمة تحريكنـا إال يقدر

ارة اإلذننا األمأنفس ل ( ليفعل أعطته ا كانملطان إ وس من كمليع الي

كموا أنفسلوموني ولي فال تلوم تمبتجفاس تكموعد كل . )22:إبراهيم()أن

الذي نستطيعه أن نقدم للقارئ أنظمة تفكير، نفتح له مساحات بحـث،

ونصعقه بحقائق، ونرشقه بنتائج، نقدمها ألنها خالصة تجربتنـا فـي

وعينا لكينونتنا وتطورنا، فنقدمها عن اقتناع أكيد بسالمتها وبراءتهـا

وخيريتها، لكنا ندعو القارئ باإليمان النزيه الحر وإن اتسمت لغتنـا

أن يكـون بصرامة المحق أو بقوة المصيب، فلسنا ندعو القـارئ إال

ي دا مع ما نقول، مثلما ينبغي أنا متجررحـ حيال كذلك صبح ه برمجت

التي هو في أسرها اآلن، وليأخذ كل ما نقوله على نحـو الفرضـية

والزعم، ليختبرها بنفسه، فقناعته لن يحاسب عليها غيره أألهمه بهـا

!مالك أم برمجه بها شيطان، حاشاك اهللا

مستبدلة واحدة في معادالت تفكيرنا قد نحن نوقن أن معلومة

كلها؟ تحدث فارقا في نتيجة سلوكنا وحياتنا، فكيف لو تغيرت المعادلة

د النظامكله؟ بل كيف لو استعيض عن كل موازيننـا ما بالك لو تجد

13

ليـوم حتما سيكون لنا بعث وحشر وقيامـة قبـل ا ! بموازين القسط؟

. اآلخر

هل نحن مقتنعون أن معرفة الحقيقة بحد ذاتها مطلب، ألنهـا

اللبنة الصحيحة في أساس بنائنا ومعمارنا الثقافي وفي تشكيل وعينـا

لحقيقة وجودنا من أجل فهم من نحن وما دورنا في الكـون كخلـق

: أن؟هل نشعر ضروريا ومهما: متميز؟ فلنسأل أنفسنا إذا

أن أي تقدم أو مراكمة لمناهج أو معلومات على أسـس ندرك . 1

خاطئة سينتج تقدما بطيئا أو منحرفا ووشيك العطب، فخطأنـا

األول سيغدو أخطاء متراكمة طويلـة حـصيلتها نكـون أو ال

: المـأثور قـول ل، ل آخر – مسخا –نكون، أو ربما نكون شيئا

ائر على غير الطريق ال تزيـده العامل على غير بصيرة كالس (

.1) السير إال بعداسرعة

مات تراثنا االعتقادي، ونراجعها علـى نتحقق من كثير من مسل . 2

محك أنها دخائل خالطتنا، قد تكون اندست إلينـا غفلـة، مـن

لصياغة في ال شعورنا كركائز تعمل عملها خفاياعدونا، هذه ال

عـن اهللا، أو ت، وتـشكل اعتقادنـا فلسفتنا عن الحياة والمـو

مالئكته، أو كتبه، أو رسله، أو اليوم اآلخر بما يكتنفه، أو عالم

♦ 1 وأيضا محمدي .10 صروضة الواعظين،الفتال النيسابوري، -

.2092، ص3 ج،ميزان الحكمةالريشهري،

14

الروح والمادة، عن أصلنا وسر وجودنا وما نحن آئلون إليـه،

رهذه األمور هي التـي تـسي سـلبا أو إيجابـا - الحقيقة أن

. مساءبح فرد، وتلزمه بإلزاماته ص كل-بصورة خفيةو

نكتشف أن قرآننا فيه كل شيء، مع أنا كنا وال نزال ال يكـشف . 3

فقط، وأن نفاجأ بأن الواهية لنا منه شيء، بل تسوق لنا التفاسير

المفسرين هم من أعلوا بتفاسيرهم فوق القرآن فانطمر تحتهـا،

. في مهمات المسائل-ساحبينا معهم -فأودى بهم أن يخطئوا

نبرهن عمليا، بأن النظام المعرفي المـوروث، وآليـة قـراءة . 4

، هي القاصرة، ما أدى إلـى تعطيلـه !"تفعيله"القرآن وطرائق

وتعميته وهجره، وإلى إعالء كلمات الغير وتـصوراتهم فـوق

مـن الـنص ة يشمئزفلذات األم كالم اهللا، ما جعل بعضا من

ـ الديني كله ، ألن التـسطيح أو الفهـم جعاته ومن خطابـه وس

البشري قد تدرع باإللهي، وافترض على النفوس افتراضا تحت

".ال حكم إال هللا"شعار

نعرف أن لغتنا العربية قديمة قدم اإلنسان األول، وأن لهجـات . 5

شعوب هذه المنطقة كلها ثروة صحيحة وخزائن فهم، للتـراث

م مبادئ الحضارات وتاريخها، ولفهـم القـرآن القيم كله، ولعلو

.الكريم أيضا

15

م ويقـدم أننا شربنا الكثير وما نزال، مما يصدر لنا ويترج عين . 6

لنا في مناهجنا وإعالمنا أنه علم وحقائق، عن تاريخ منطقتنـا

.والعالم، وكثيره خاطئ ومدلس

بية قديمة بائدة، وما نعرف أن لغة التوراة في أساسها لهجة عر . 7

هذه اللغـة . ، بل هو أمر مخترع "اللغة العبرية "من شيء اسمه

التي هي كأحد لهجاتنا يستطيع أي قارئ أن يقرأهـا ويفهمهـا

لفـق فـي التـوراة أو أضيف ، فيكشف بنفسه زيف ما إجماال

.روزو

ـ عقيدة التوحيد وجدت أن ب ؤمنن . 8 ذ آدم فـي هـذه المنطقـة من

اإلنسان، ما يشعرنا بالتواصـل التـاريخي واحتـرام اآلبـاء

.والمعلمين

أن ما أثر ودون من شعوب حضارات أمتنا من بابليين نكتشف . 9

، يثبت أنهـم كلهـم )آموريين(، ومصريين، وفينيقيين )سريان(

ـ ا كانوا عربا والتوحيد واألخالق سمتهم الغالبة، وإن سـوق لن

الغرب واليهود عكس ذلك، فأقنعونا بادعاء وثنية آبائنا وتعـدد

آلهتهم وفسادهم وتفاهة معارفهم وبالدتهم وبداوتهم، وما أبشعها

!من جريمة وافتراء

لحظ تواصل تراثنا الديني والعلمي والحضاري، الذي يبدأ من ن . 10

16

يرة تبدأ ، مس )ص(وينتهي بخير الهداة حبيب اهللا محمد ) ع(آدم

من الجنة سكنا وتنتهي بها عقبى، وركبا يبـدأ مـن الـصحف

األولى وينتهي بالقرآن العظيم، فيتعلم كيف يقرأ تلك المـدونات

األساطير وبأي عقل وروح واحتـرام، وبـأي ك" زبر األولين "و

.أدوات يفهمها

لحة مع يرى القارئ مصافحة بين قرآنه وتراثه من جهة، ومصا . 11

حقائق العلم من جهة أخرى، فال يعيش انفصاما معرفيا بين علم

ودين، وأن نضع العصابة عن عينيه فيرى بعقل رياضي وقلب

يعشق كل بديع، جمال قرآنه، وسحر بيانـه، ودقـة نظامـه،

وروعة مخبوء معارفه، فيعرف ربه ويذكره مدهوشا ومـسبحا

.ومنيبا

علم القارئ كيف يبحث، وكيف يسأل، وكيف يحـتج، وكيـف يت . 12

ـ ه ه واعتقـاد يتحرر من سطوة من سطا علـى فكـره ونظام

، " وبرمجهـا منهجها" شعوره ومواقفه و ه وصادر وطرائق تحليل

وأن يتعلم بـاألهم كيـف . واستغفله دهرا ممارسا التفكير عنه

ط وحجاب، فيقرأ ذاتيا كتـاب من المصدر نفسه بال وسائ ينهل

.ربه بنفسه كفى بها بصيرا بدون وصايات وتحكمات

يتمكن القارئ ألول مرة من فهم أساطير األولـين مـن آبائـه . 13

17

وأسالفه، ويفرق بينها وبين الخرافات، ويرى فيها ارتباطا وثيقا

اعتقـاده مع لهجته العربية من جهة والتقاء مع مقوالت مصادر

سة، فيستشعر انتماءمجذوذالمقد ته غيرألم .

يرى القارئ بالدليل الباهر عظم هذه األمة الخالدة، وأنها أمـة . 14

اإلنسان وأمة دينه وعلمه منذ وجد، بها بـدأ اهللا وبهـا يخـتم،

أن األرض هي فعال هللا يورثهـا ؛فيمتلئ أمال بعد إياس وإحباط

.عباده الصالحينمن يشاء من

يرتقي القارئ ليعرف مقدار الزيف المهول الذي سطا في هـذا . 15

، إلـى انعتـق العالم، ليختبر وعيا كونيا آخر، يختبره بنفسه إذا

فسح ليس فيها مساحة للزيف أو الترهات، وال للحروب المسفلة

الــضيقة، وال للحــروف الجوفــاء المتزلفــة، وال للقداســات

" ال نبـالي "لمخترعة المهترئة، فيركمها جميعا علـى قارعـة ا

سبحان الـذي أسـرى (وينطلق تلقاء النور، ولو وحده مع اهللا

.)1:اإلسراء()بعبده ليال

يبزغ أفراد في أمتنا ليس فيهم شركاء متشاكـسون متـشعبون، . 16

ب باحتذائهم أجواء يكونون لألمة صفوا بال كدر، عل أن تترط

الخصومات المفتعلة، ما بين مذهب ومذهب، وملة وملة، بل ما

وإنـساني، وعـالمي وديني ،وقومي وديني ،بين ديني وعلمي

18

وقومي ووطني، فما رأيكم بحل كل المسائل؟ بأن يعتز المـرء

وفق هذه األطروحة بلسانه ألنـه لـسان العـالمين، محترمـا

ألنهم أخذوا عن هذا اللسان، ودينه ألن الملل كلها في اآلخرين

تـه ألنهو للعـالمين، ويفخـر بقومي واحد انيرب أصلها دين

الشعوب تفرقت من ها هنا، وينتمي للعالم ألنهم والئـد بقعتـه،

ولإلنسانية ألنها رسالته منذ ظهرت وظهر، ولوطنه ألنه المهد

ارة والدين، هذا الرجوع لألصـل الـذي األول لإلنسان والحض

تنفني به مصنوعات التناقض الطارئة التي جزأت شمل األمـة

الواحدة، هو الذي احتاط له نبي اإلسالم والعـرب واإلنـسانية

ومن 1)الناس بنو آدم، وآدم من تراب ): (ص(والعالمين بقوله

بـه تراب هذه المنطقة بالخصوص، وليس ثمة طريق نلـتمس

جوع األشـموا (نورا إال بهذا الرفالتمـس كـماءرـوا وجعار

.)13:الحديد()نورا

وأخيرا، أن ينشأ جيل مسلح ذاتيا بالحقيقة واإليمان الخالص، ال . 17

تهوله عسكرة المادة وضجيجها، وال زعيـق الـصخابين، وال

التدين، بل يحاكمهم بمنطق علمية المدعين بالنزاهة والتجرد أو

مهمـا تـسلطنوا فـي " البشر"صائب بال انسحاق، وال تهويل

♦ 1 ؛ محمد بن عيسى الترمذي،361، ص2 جالمسند،أحمد بن حنبل، -

.735، ص5ج ،سننال

19

اآلفاق، على أعناق الناس، متى علق حبلـه وانوثـق بالواحـد

" اإلنـسان "األحد، وبالقوة الجبارة التي صممت الكون، وأبدعت

المربـوبين لغايتها السامية، ال ليحشر وقودا في دهاليز وأنفاق

التائهين وثرثراتهم، سواء ترهيبا مارسوا عليه أو ترغيبا، حتى

لو وضعوا الشمس في يمينه أو القمر في شماله ما ودع أمـره

الذي انكشف له، ألن قوته ورهبته ورغبته أعكفهن تجاه خالقه

ذل (العلي را منخي ل لكعج شاء الذي إن كارري تبنات تجج ك

.)10:الفرقان()من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا

فهل نستطيع أن نقدم كل ذلك للقارئ في هذا البحث الصغير،

وما (:لنفسهال، ولكن القارئ الحر يستطيع أن ينتجه ويقدمه أو ذاك؟

خي من وا لأنفسكممتقد وهننثـر ، )110:البقرة()ر تجد فنحاول أن ا نحنأم

خطوطا لمعالم هذا الطريق، روح تلك الثمرات، نقـدمها فـي أمثلـة

" ليلة القـدر "" طوفان نوح " "معصية آدم " "جنة آدم "، "خلق آدم "تطبيقية

وغيرها، نعالج بها بعض االعتقادات، وليس غرضنا األسـاس هـو

حسب، بل الطريق إليها، المنهج ومؤسسات الوصول، هـو النتيجة و

الذي نعرضه للقارئ ليختبره، النظـام الـذي أورث تلكـم النتيجـة،

هي تقدمتنا للقارئ وابتالؤنا إياه، كيف - ال نتيجة العالج -المعالجة

يضرب ويقسم ويطرح ال حاصل الضرب والطرح، فلعل وعسى بهذا

.هللا من غبش ظلمات ما األمة فيهوغيره يسري به ا

20

أسئلة البحث وطبيعته ودواعيه

في هذه المسألة، مسألة خلق البشر " يقص الحق "هل أن القرآن

غيرها؟ وخلق آدم، كما هو في

القـصص "وهل مدونات ما سمي بالتوراة حرية بوسـام هـذا

الذي تدعيه؟" الحق

منبثق مـن - كمسلمين وعرب -هل اعتقادنا في هذه المسألة

بها المروي اإلسـالمي رثتأإغراقات قرآننا أم من إهاالت توراتية و

والشعبي؟

يتعارض مع العلم؛ القرآن أم إسقاطاتنا التوراتية علـى اوأيهم

هذا القرآن؟

وماذا عن جذورنا العربية وتراثنا األسطوري القـديم؛ تـراث

دوـدرك هـذه )ع(ن، منذ آدم الرسول األنبياء والمعلمين المهـل ي ،

الحقيقة أيضا ويقصها؟

واحدة فـي ارتباطهـا بمركـز التعلـيم هل أن هذه األمة أمة

الرباني، منذ القدم، أم أننا أمة بال جذور، من علـى منطقتهـا كهنـة

،ـة والقـصص التـاريخياليهود بوالدة التوحيد وبالمعـارف اإللهي

ق الكونية والطبيعية، وبالتحضر والتدوين؟وبالحقائ

21

ثم، هل ألمتنا، نصر مؤزر منظور سياسي أو اقتـصادي بـل

) األمة(وعسكري، على الصهيونية المحلية والعالمية، ما دامت ترفل

الـذي هـو " قرآنها"في جانبها المعرفي واالعتقادي، بل وفي تفسير

،نبعها الزالل الصفي ات التوراة، وترضع مـن لبانـات دفي قيمحكي

تسطيراته، تفسيرا أو شرحا، واستدراكا أو نقال؟

ا، ونحننستقل خارجا حضاري في دواخـل أسارىكيف لنا أن

أذهاننا، بتراث مصنوع صنعا مـرة مـن اإلسـرائيليات، وأخـرى

ن نعادي قوما، مستورد من الغرب اإلمبريالي الممالئ لها؟ كيف لنا أ

نحن نأكل من خبز عجينهم، ونحذو حـذو تفـسيرهم عـن الكـون

واألنبياء واألرض، بل وعنا كأمة، وعن التاريخ، حذو القـذة بالقـذة

ر ضبن أو (والنعل بالنعل، حتى أنهم لو دخلوا جحكقراءتهم للكـو

المـصنوع لدخلنا معهم، ألنا رهنا تراثنا وكتابنا بتـراثهم ) لخلق آدم

وبكتابهم المكتوب بأيديهم؟

كيف لنا أن نجلو الحقيقة، وتاريخنا يـصوغه األجنبـي عنـا

وهل األمة إال ثقافتها ! تزويرا، وقرآننا تفسره تفاصيل التوراة تحريفا؟

الثقافـة هـي "أليست ! وتاريخها؟ وقد سرقا على حين غفلة من أهلها

، علـى رأي "ناس بأشد مـن الحكومـات التي تهيمن على مصائر ال

!الفيلسوف اإليطالي أنطونيو گرامشي؟

22

عملية البحث في مـسألة خلـق آدم -لبعض الناس -قد تبدو

-مسألة عبثية، أو عبئية، وغير ذات بال، في ظاهرها طبعا، لكنهـا

الستحـصال كـل رشقة نيزك، تبرق لنا السبيل -بعين الرصد الغائر

متـى - اإلجابات أو محاولة تلمـسها أو بعـضها، نعيـد بهـا تلك

ربطنا بجذور أمتنا، وبترنا عن إرث دخيل أسس على غير -وعيناها

تقوى، ممنهج، لمخطط توراتي مدسوس علينا وعلى مسيرة الـوعي

. اإلنساني برمته ونحن ال نشعر

ـ ن تـراكم ثم هي تجلو الغبار عن قرآننا النير الذي ضـج م

الغبار أو اآلراء واألهواء عليه، وتعيد ثقتنا المخلخلـة فـي تراثنـا

الصحيح، مثلما أنها في اآلن نفسه تتيح لنا إلماحـات تعرفنـا علـى

ر التـاريخية الرئيس، ذلك المزواإلنساني رقي نا، وعدوسمات عدو

.، المتلبس بالدين الكهنوتي، الشيطان األكبر1األوحد

مفيد أن ننبه القارئ أن بحثنا ليس موجها ضد ملل التوحيد من ال -1 ♦

وتعاليمها وأتباعها النزيهين، وما كالمنا الحاد هنا إال من حيث األمانة التاريخية، كنقد لمعطيات نشاز في توراة الكهنة المليء بالتحريف والتزوير

نسان عموما وعقل ، أورثت إما خلال فكريا في عقل اإل)ع(ال توراة موسى المؤمن خصوصا، وإما خلال علميا واضطهادا للوعي كما دلت عليه أحقاب القرون الوسطى لكل من خرج عن الفهم التوراتي للكون، وال تزال آثار هذا االضطهاد باقية بنحو أو بآخر في األديان، وأخبرا وهو األسوأ بما

وتحريفاتها، ورؤاها، من نشوء أفرزته بعض أفكار التوراة، ووعودها، الفكر الصهيوني الممثل ألسوأ ما في التوراة من إسقاطات وإباحات، والمستفيد األكبر من كل التلفيق الذي أسسه األولون ولو كان صحيحا تاريخيا وجغرافيا، إال أن مجرد تدوينه وجعله كتابا مقدسا منسوبا هللا تعالى

23

:قسام البحثأ

وبعد، سنقدم في الفصل األول خالصة قـصة الخلـق األول

بجولة سريعة في مصادر التراث كلها باعتبارها حلقة واحدة لتعلـيم

رباني، ثابت منذ أول الدهر على هذه المقولة الراسخة، لوال أصـابع

والتزوير، وسنناقش بإيجاز ما يتعلق بهذه المسألة في مـدو نات الدس

لفهم اإلسالمي الدارج، خلفية ا التوراة التي هي المصدر الفعلي الخفي ل

ونوضح الصواب الذي فيها والخطأ، الذي أورث االلتباس بين البشر

سنضع منذ البـدء للقـارئ الحقيقـة الـصادمة .الهمج وآدم اإلنسان

لها، أل عارية، الحقيقة التي قد يصعب استيعابها وتقبنها خالف ها وفهم

السائد، ولكن البد لنا من صدمة لنفيق على كنوز تراثنا وقرآننا ومـا

.يأتي به العلم

وسنضطر في الفصل الثاني للولوج فـي دقـائق التفـصيل

القرآني لمغاور هذه القصة، قصة البشر واإلنسان، ببيان قرآني واسع

طاقا قرآنيـا وموسع ومفصل، برهانا على المنظور الصحيح بل استن

في فهم -لدى الفرد المؤمن - إقناعية في األساس، لما له من ركيزة

األصل اإلنساني وكنهه، ودوره في الوجود، واالسـتخالف، ووعيـه

لوعود اإللهية، هو الذي فرخ الصهيونية البشعة، وهذا ولموسى وربطه با

أحرار يناهضون الصهيونية، أو " يهود"بطبيعة الحال ال يعني أنه ليس ثمة .ال يقرون التزوير أو اإلسقاط التوراتي لنهب الشعوب واحتالل أراضيها

24

بربه األكرم، والعوالم األخرى، ليدرك عظيم نعمة إنسانيته الموهوبة،

ي ويخرج بصورة صحيحة عن حقيقة نفسه وعن عالمه والمحيط الـذ

هو فيه، بعيدا عن إمالء الخرافات وترهات األوهام التي ال تغني من

الحق التاريخي والعلمي والقرآني شيئا، وال ترفع ألمتنـا فكـرا وال

لترسم له دوره المناط . ذكرا، وال تورث نتاجا سليما وال عاقبة حسنة

ركت دهرا بال تفـسير به ليترسمه، وسنعيد آليات قرآننا العزيز التي ت

.حقائقها ونواصع دالالتها وتفاصيلها العالية ودقتها الباهرة

وفي الفصل الثالث سنعرج على ما تيسر لنـا مـن شـواهد

مدونات تراثنا العربي القديم بخصوص هذه المـسألة، تـراث آبائنـا

الديني الصحيح وأساطيره المدونة في ألواح سومر وبابل وأوگريـت

رقمها وبرديات وادي النيل ونقوشـها ومـدوناتها، ونحـاول فـك و

بناء على كونهـا مـن طالسمها إن وجدت بما أقدرنا الموفق سبحانه

، لنشهد تطابق الحقيقة الغائبة ثقافة هذه األمة الواحدة ومصاغة بلغتها

عن أمتنا وهي بين يديها أو تحت قدميها، راجـين مـن اهللا التـسديد

.وغفران الزلل

وسنعقد أخيرا فصال لمناقشة بعض اإلشكاالت؛ مروية كانت،

أو علمية، أو تراثية، التي ربما تقفز إلى ذهن القارئ المثقف، كعينـة

فقط ال كاستقصاء، بعد تكريسنا لمفاتيح الحقيقة في الفصلين الـسابقين

.له

25

:منهج البحث

التـي منهجناهـا فـي وفي ضوء القواعدإننا في هذا البحث

سنثبت أن كتاب لفهم نصوص القرآن، " 1 والعقـل قرآنمفاتح ال"كتاب

اهللا العزيز ال يرقى إليه شك أنه جاء بالحقيقة التي ال خـالف فيهـا،

وأنه ال يصطدم مع حقائق العلم والمكتشفات بل يـضيف عليهـا مـا

وراة الموجودة بـين فاتهم وما لم يصلوا إليه بعد، وأنه يفسر مدونة الت

أيدينا ويصلح أخطاء مدونيه أو مترجميه سواء لقصور األوائل علـى

أحسن تقدير أو لسوء مقاصدهم ومقاصد التالين وهو األرجح، ذلك أنا

بطبيعتها المنتحلة إال جزء من )المسماة بالعهد القديم (ال نرى التوراة

عـض كـالم اهللا وحكمـه تراث التاريخ العربي لهذه المنطقة وفيها ب

باشتراطه التاريخي أيضا، وفيها ما يـستحق النظـر وفيهـا مـا ال

يستحق، وفيها ما ينبغي نقده، وفيها ما ينبغي رميه لمجافاته الحقـائق

الواضحة وخدشه في صالح أنبياء اهللا المقدسين، وعنصريته البغيضة

. "تاب كشكولك"لآلخرين، وفيه الكثير من المزور والمسروق،

وسنثبت بتعريجنا على تراثنا العربي األصيل في حـضارات

العراق وسوريا الكبرى وحضارة وادي النيل، تطابقا تاما في الحقيقة

ما نأتي ببعض الروايات الصحيحة التـي بـذرها نبـيالتائهة، ورب

.ماعية جمعية التجديد الثقافية االجتوالعقل، قرآنمفاتح ال: انظر بحث -1 ♦

26

وأهل بيته النجباء وأصحابه الكـرام المفـضية إلـى ) ص(اإلسالم

.الصحيحالتصور

على أن هناك عقبة كأداء، ستواجه القارئ ال محالة مواجهته

ثنايا البحث نفسه، بل في عقله المقـدس منللشيطان الرجيم، عقبة ال

لما درج على سماعه وتربي عليه، وليس أولها يقينـه بـأن تـراث

العرب األوائل كله خرافات وأنهم وثنيون ومشركون، وهذا التعمـيم

فـي الـصحف "لم وهم وخطأ وظلم لآلباء واألنبياء، وكفر بمـا الظا

". األولى

طبيعته النفسانية ثانيا، تلـك العـصية - القارئ –وسيواجه

- وبـصرامة إباء -واآلبية للتسليم ألي جديد عليها، والتي سترفض

أنها كانت مخدوعة بتاريخها ومستغفلة عـن كتابهـا األقـدس، فكرة

ل أول ما تنشغل بالتسلح للرد الحاد، والتمنع لنقض الفكرة بدال ستنشغ

من محاولة فهمها أو تلمس الحق الذي فيها ورؤية هداها، وبالتمترس

من فالن وفالن وما نسب مرويـا إلـى كبـار وراء ما قاله الرجال

السادة واألصحاب زورا أو خطأ، وبدال من طلـب الحكمـة والعلـم

ش لخدمة كتاب ربها الجليل وكشف حقيقته الحقة والتتلمذ بـين والتعط

نفس ستفزة يديه، سيلفى القارئ المات منسوبة ألئممن المروي ه أمام كم

اإلسالم المكرمين توهمه بالعكس، وكلها مدخولة على الدين وال شأن

27

همهـا لهم رضوان اهللا عليهم بها فهي إما منسوبة إلـيهم أو أسـيئ ف

.وتفسيرها

ولسنا بفضل اهللا في حاجة أن نرهق أنفسنا أو القـارئ لنقـد

تلك المرويات المنسوبة، أو معالجتها، وبين أيدينا كتـاب الهائل ل كم ال

)89: النحل()تبيانا لكل شيء ( وأنزل حاكما،مصدرا أساسيا و اهللا العزيز

ال يأتيه الباطل من بين يديـه (أنه كما أخبر أصدق القائلين سبحانه، و

وكفى بالمأثورات المناقضة لكتاب اهللا خلال ، )42 :فـصلت ()وال من خلفه

لو كان من عند غيـر (أنها متضاربة تضارب النقيض للنقيض، وحقا

، وإذا كان نبـي اهللا العظـيم )82: النساء()الله لوجدوا فيه اختالفا كثيرا

قد تجرئ عليه وكثرت عليه الكذابة وتواترت، فكيـف بغيـره ) ص(

فتنزيه ساحة أئمة اإلسالم والهدى من أنهم قالوا بـاطال ! ممن دونه؟

وخطأ وتناقضا، وهم أهل اهللا وأهل واليته وأولو العلم، أولـى مـن

كتـاب –فتها الصريحة للقـرآن االجتراء بالزعم أنهم قالوها مع مخال

وللحقيقة التاريخية والعلمية، التي لن يشك فيها مع مستقبل األيام -اهللا

.عاقل

28

1الفصل األول

الحقيقة الضائعة في خلق البشر

:تمهيد

موجز الحقيقة كما يقصها القرآن والتـراث الـديني العربـي

تطواإلنسان الكائن العاقل الم ر انبثـق قبـل عـشرات القديم كله، أن

ألف سنة باتفاق علمـاء اآلثـار 50 إلى 35بين (اآلالف من السنين

، لكنه لم ينشأ هكذا من تراب أو من الفراغ، كمـا حـشت )األحافيرو

التوراة ذلك في عقول المتدينين ومنهم نحن المسلمون لألسف، وتخلى

ون النكشاف خالفه عن ذلك العلماء التجريبيون والمكتشفون المتحرر

لديهم باليقين العلمي القاطع، بل جاء اإلنسان من قمة سـاللة بـشرية

بالتقريب بـين (بدائية تطورت بدورها عبر مئات اآلالف من السنين

، ال مليون إلى سبعة ماليين سنة حـسب تقـديرات علمـاء اآلثـار

، وهـو لـيس بمعـصوم عـن 2فآدم هو أول كائن إنساني ). تقديرنا

.، ومنه نسلت اإلنسانية المليارية هذه1الخطأ

ننبه القارئ الكريم أننا سنتجاوز اإلشارة إلى المصادر واألحاديث وما -1 ♦

شابه، باعتبار أن هذا هو موجز، ستعاد أفكاره وسيتم التفصيل فيها في .الفصول القادمة وسيشار إلى مصادرها ومراجعها المستقاة منها هناك

♦ 2- إنأوة بلهجاتها اللغةب "آدم "لل اسم أطلق على اإلنسان العاقل األوالعربي خلقه على السريانية والفينيقية والعرباء، وألن آدم"فكلمة ، هصورت الرب"

29

فليس هناك كـائن بـشري ،ل كائن بشريا كيف خلق أوأم

أول، بل مجموعة كائنات بشرية، نشأت بتدبير القوة الربانية من طين

األرض وعناصرها، في أجواء مر بها كوكب األرض مـن ضـغط

ولن تمر، ثم هـذه الكائنـات وحرارة ومغناطيسية وكيمياء لم تمر به

البشرية المنبثة رجاال ونساء، تزاوجت، وأنجبت الساللة البشرية التي

فلم يتطور الكائن البشري من . تطورت عبر مئات اآلالف من السنين

قرد أو من كائنات أدنى كما يقول العالم شارلز داروين، بـل بـدأت

بجيناتها الخاصة بها، ونمت فـي الكائنات جميعها متمايزة بأنواعها،

طينية بدال من األرحام حتى اكتملت، فخرجت إلى ) بيوض(حاضنات

.الدنيا، لتبدأ من بعدها حقبة التزاوج

ومنها .الدم، األصل، المثيل الشبيه، المماثل: تعني"دمو "."المثيل"تعني فهذه الكلمة أو االسم . نسخ صورة شيء عن شيءالدمية هي ، دمية: أيضا

بتركيبها وبلفظها العربي، فمن األسماء التي أطلق العرب ذهب كل األرجاءعليه أيضا كإنسان عاقل وتدل على عقليته والتي ميزته عن كل الكائنات

الخالق، المبدع، المخترع، الماهر،: وهي تعني، "نأم"األخرى هي كلمة ي ه: أو مانوت) .. آمون/آمين(، والتي اشتهرت في التراث الديني الحاذق

"دو/ ذو" أو التعريف"هـ"وبإضافة . الصنعة، اإلبداع، االختراع، المهارة صارت تعني اإلنسان "هيومن" أو "ندوم: "حسب اللهجات العربية القديمة

.الخ.. العاقل المبدع الخالق الماهر ، جمعية التجديد )آدم اإلنسان وآدم الرسول: بين آدمين: (راجع بحث -1 ♦

.اعيةالثقافية االجتم

30

!صورة تخيلية عن نظرية تطور اإلنسان الداروينية

فلو قيض لنا أن نكون حاضري ذلك المشهد الرهيـب، فـي

ا حسبنا إال أننا على سطح كوكب غريب عبر الزمن السحيق، لم رسف

آخر، نعاين فيه فيلما جامحا من أفالم الخيال العلمي عن تخلق كائنات

. غريبة وانبثاقها من باطن مستنقعات الطين بدون تزاوج

والتراث الديني في نصوصه، بغـض النظـر عـن أفهـام

ليه، كان متفقا حول هذه النقطة بحيثياتها، ودليلنا على مترجميه ومؤو

ا بهذه الحقيقة يجده ماتساق القرآن الكريم والتراث العربي في مقوالته

:القارئ في المصادر التالية

.القرآن الكريم: األول

القديمة: الثالث .توراة الكهنة: الثاني نات التراث العربيمدو.

31

: موجز ما يقوله التراث الصحيح -أوال

ال يسع المتأمل في كتاب اهللا إال أن يجد أنه قد ميز بوضـوح

المالئكـة (بين مصطلح البشر واإلنسان، منذ اختصام المأل األعلـى

من أولئـك البـشر الهمـج ) اإلنسان(أوان تكوين الخليفة ) وسادتهم

السابقين الذين تطوروا سالليا عبر عـشرات ومئـات اآلالف مـن

أي اختصام سابق في أولئـك -القرآن -لك لم يثبت السنين، لكنه مع ذ

احتجاج حين خلق البشر، الذي ظل ردحا يسكن الغابـات أي المأل أو

والكهوف ويسفك دماء بعضه ويفسد ال واعيا، هذا الصنف الذي أشار

في الجزء األول مـن قـصة الحـضارة " ويل ديورانت "ى أشباهه إل

هم حتى إلى ما قبل عقدين من الزمن، بـل وأثبت العلم اآلثاري وجود

" قدموس"حين صادفهم " اإلنياذة"في كتابه " ڤيرجل"وقد ذكرهم . ولآلن

أولئك . أيضا" كاهن طروادة "األمير العربي الفينيقي، كما اصطدم بهم

البشر الذين أول ما نبتوا ظلوا يحاكون الحيوانات في كل شيء، كمـا

البـشر ): (والنعجـة " أشـنان "أسطورة ( في يصفهم تراثنا السومري

األوائل لم يعرفوا أكل الخبز، ولم يعرفوا ارتداء المالبس بعد، وكانوا

).يسيرون على أيديهم وأرجلهم، ومن القنوات يشربون الماء

هل أتى على الأنسان حين من الـدهر " (اإلنسان"وفي سورة

األول " الدهر"، أثبت سبحانه وجود هذا )1:اإلنسان()ورالم يكن شيئا مذك

غيـر "حين لم يكن اإلنسان شيئا مذكورا، بل مجرد همج غير واع، و

32

يعني ليس له صحيفة أعمال وال حـساب وال حـضارة وال " مذكور

اتصال ال بمالئكة وال بشياطين وال روح رباني، وهذا مـا وصـفته

السومرية قبل أكثـر مـن " رسم اآللهة المدينة عندما : "بدقة أسطورة

عام، التي بينت وجودا بشريا غير معبأ به لدى المالئكة قبـل 4000

اإلنسان، فحين تمت تسوية اإلنسان بـدخول القـوى -إيجاد الخليفة

ثم نفخ الروح فيـه، ) األمشاج(الربانية على نظامه ومدوناته الجينية

حـسب " إما شاكرا وإما كفـورا "و" عا بصيرا سمي"صار ذاك الكائن

سورة اإلنسان، أي دخل اإلنسان عالم الوعي بتعرفـه علـى الخيـر

والشر فوعى ذاته والعوالم التي تحيط به ووعى ربه، وأعطـي هبـة

تدبير ما حوله، فيكـون ول ربوبية هي الحرية والتصرف ليختبر وعيه

غ له إذاك سجود من مالئكة، وعداوة مـن إما شاكرا وإما كفورا، بز

شياطين، واكتسب منظومة القيم وابتدأ يعلم الحضارة واللغـة بهـذه

ث مـنستحدانية التي هي الوديعة التي حملها اإلنسان المالروح الرب

ركام الساللة البشرية المتحدرة من البشر األوائل المخلوقة من الطين،

.)12:المؤمنون()ولقد خلقنا الأنسان من ساللة من طين(كما بين سبحانه

ويعلن القرآن في كثير من آياته أن هناك نـشأة للبـشر مـن

إذ : (ثم نشأة أخرى مغـايرة فـي بطـن األم " اإلنبات"األرض وهي

، وهـذه )32:النجم()مهاتكمأنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أ

النشأة األخرى البادئة بالنطفة هي التي سوف يفصل فيهـا سـبحانه

33

من نطفة ) ثم(هو الذي خلقكم من تراب : (وتعالى عبر القرآن الكريم

)ثم ( لقةع من)طفال ) ثم كمخرجالنشأ )67: غافر()ي ن األولى ، فهنا ذكرتي

.اإلنبات من التراب، واألخرى التي في بطون األمهات

من بذرتـه األولـى، "يالبشرالكائن "فمنذ أن خرجت أفواج

ظل عقيما وقد أشارت إلى هذا متون سومر وبابل، وإلى أن أخذ فـي

التكاثر عن طريق النطفة والبويضة مرت أزمنة مديدة، فـالقرآن لـم

الذي ذكـره ) ع(حلة لكنه اختزلها في عبارة نوح يفصل عن هذه المر

في القرن الثالـث ( الكهنة السومري العربي قبل تدوين توراة التراث

ـ يأي ذ " زيوسـدرا " عام وسماه ألفي أكثر من ب )قبل الميالد درص ال

، وسماه التراث البابلي العربي في األلفية الثالثة قبل الميالد )الصدارة(

كمـا حكـى عنـه ) ع(ها، فقال فظ النفوس وحا حائطي أ" أتونفشتيم"

، فالعرب األوائل عرفوا أن البشر )14:نـوح ()وقد خلقكم أطوارا (القرآن

مر بأطوار حتى صار إنسانا، ولهذا كان المحاور المؤمن القديم كمـا

كفرت بالـذي قال له صاحبه وهو يحاوره أ : (نقلها القرآن عنه يقول

فحقبة النشأة ! ؟)37:الكهف()خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجال

. من التراب أوال، ثم حقبة التخلق من النطف في األرحام

وقد جاء في المروي اإلسالمي اإلشارة لكائنات بشرية قبـل

هي لآلن لها وجود كامن فـي اإلنسان وظلت متزامنة مع وجوده، بل

34

وابـن عبـاس والحـسن ) ع(فعن علـي " 1النسناس"باطنه دعوها

إن هم ( وعقبوا بالقول )وبقي النسناس , ذهب الناس (البصري أيضا

يقـل (فهي هذا، وفي المأثور أن في آخر الزمان أيـضا ) إال كاألنعام

في دواخل الفرد علـى أي تستولي الهمجية ) الناس ويبقى النسناس

إنسانيته وينطمر العقل والروحنة منه، وهذا لألسف هو مـا نـشهده

.يومنا، بل هو السائد

الذي أحسن كل شـيء خلقـه (وفي موضع قرآني آخر نقرأ

جعـل " ثم "– فالبداية كانت من الطين - وبدأ خلق الأنسان من طين

أي جاءت بعدها مرحلـة )8-7:الـسجدة ()ه من ساللة من ماء مهين نسل

. التكاثر الزوجي

والخاليا األولى التي كانت بمثابة بذور البـشر، والمتكونـة

، أي تختزن جنس )xx-xy(خنثى /على ضفاف األنهار كانت الجنسية

، )احـدة من نفـس و (، كما عبر القرآن عنها )××(وأنثى) ×y(ذكر

هو نصف ذكر ونـصف (وتفيد الميثولوجيا الفارسية أن البشر األول

.األولى إذا الخاليا/فهي البويضات) أنثى

؛ أبو بكر 178، ص7جمصنف ابن أبي شيبة، ابن أبي شيبة، : أنظر -1 ♦

حلية ؛ أبو نعيم األصبهاني، 123،124، ص2 جكتاب الزهد الكبير،البيقهي،

، 3، جسير أعالم النبالء؛ محمد الذهبي، 328، 203، ص1، جاألولياء

.15، 13، ص 20؛ ج494، 17؛ ج156، ص10؛ ج342ص

35

وفي التراث السومري والبابلي وصفوا الكـائن الحـي األول

القوة الذي أبدعته قوة المياه العذبـة /الكائن"وهو " بالمخلوق الخنثى "

وبهـا 1" ظفره الوسخ ليس بذكر وال أنثى من تحت ) إيا/أنكي(النقية

، هـذا )المعبر عنه ببعث عشتار (انبعثت قوى اإلخصاب في األرض

يعني بلغتنا أن فعالية المياه العذبة كونت خاليا كل كائن حي بتـدبير

ربوبي في الطمي الطيني الوسخ المتشكل على شواطئ المـسطحات

والله خلق كـل دابـة : (كما قال سبحانه ) الظفر الوسخ للماء (المائية

، ))Kurgarra(تحت ظفره وسخا خلق منه كوركارا ثم استخرج من ( -1 ♦

،؛ ويقول خزعل 149، ص عشتار ومأساة تموزفاضل عبدالواحد علي

إله صنعه أنكي من تحت : كوراكارو: (263، صإنجيل سومرالماجدي، " كورا"إن ). ظفره الوسخ ليس بذكر وال أنثى إلنقاذ إنانا من العالم األسفل

غيات وأول مبادئ الحياة، لذا فإننا نجد القوة القائمة مفردة لها ارتباط بالصب" نين كورا"على إطالق قوة الصبغيات التي تشكلت في الماء أوال تدعى

إلهة األصباغ الطافية : ننكورا: (261والتي يعرفها الماجدي في الصفحة دة فاعلية فصبغيات الخاليا الحية، هي ولي") ننمو+ أنكي "فوق الماء، ابنة

) أنكي(والعجيب أن قوى المياه العذبة المخصبة . الماء، وناموس النمو، إذاوواضح أنه السماد الذي يعرفه الزراع، ) إيسمد(تسمي األساطير وزيره

. فهو المخصب للحياةطبعا، نحن في موضع االستشهاد بما يقولون ال بمناقشته، وإال فإن تسمية ♦

من الممكن أن تشير ألرباب التدبير في الجبل المقدس األول، ) نين كورا(فالكور من التكوير وهو الجبل والتكوين األرضي، وتسمى األقاليم كورا

العناية الربانية، فلم يبدأ تخلق كائنات اليابسة إال بعد /هي الربة" نين"لليوم، وا، ومن الممكن تفسير هذا الكوكب، وهو جبالها ويابساته" كور"وجود

األرض الثابتة، أي قرار األرض /بأنه الجبل) Kurgarra"(قر-كور"واستقرارها كحاضنة طبيعية تحوي خاليا أولى ال جنسية هي بداية كائناتها

). حسب األسطورة) إنانا(كائنات عشتار أو العناية (الحية

36

، )30:األنبيـاء ()وجعلنا من الماء كل شيء حي(، وقوله )45:النور()من ماء

حتى بلغت هذه الخاليا البدئية في مراحل تطورها التكـاثر باالنقـسام

بـشر بـالغين، إلى زوجين، ثم علقت ونمت حتى بلغت وفقست عن

، كما نبت كل شـيء قـبلهم بمئـات "قوالب الطين /بيوض"نبتوا من

وعشرات ومئات الماليين من السنين، وفي ملحمة الخليقة البابلية قبل

عام إشارة إلى هذا، أن القوة الربانية المـضطلعة باإلنـسان 4000

البـشر، قامت بعد تذليل األرض بسمائها، بخلـق ") إنليل"ويسمونها (

شـقا فـي األرض، -أي الـرب -فحفر( :الملحمة تقول لكن كيف؟

ووضع بدايات البشرية في الـشق، وعنـدها بـدأ البـشر يظهـر

وهذا، من نصوص سومر، فالحقيقة واحـدة ،)كالحشيش في األرض

.هي هي لم تتغير

ثم بعد أحقاب من تواجد أجيال مديدة من أولئك البشر، انتقـل

ن عن طريق النطفة الذكرية والبويضة األنثويـة بـتالقح التكاثر ليكو

جعل نـسله " ثم "*وبدأ خلق اإلنسان من طين : (الجنسين، وهو قوله

سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم " ثم "*من ساللة من ماء مهين

الأفئدو ارصالأبو عمالس ونا تشكرالحظ دالالت )9-8:السجدة()ة قليال م

"رون "ثموهذه اآليات ال تحتمل يمينا وال شماال مهما حـاول المفـس ،

ليها تقديما أو تأخيرا أو تقديرا، بدأ خلق اإلنسان من طين، هو طوره

لقـاح " مـاء "صار لهذا البشر ساللة تأتي مـن " ثم"البشري األول،

37

اختار زوجا منه ليـنفخ فيهمـا مـن روحـه، آدم " ثم"ذكوره بإناثه،

.وحواء

، فمعناه كائن حي مثلنا، ال تمثال طينـي "بشر"فالقائل إذا قال

، أو ص 28أو شمعي على هيئتنا، فإذا قال تعالى في سورة الحجـر

نفخت فيه من روحي فإذا سويته و *ني خالق بشرا من طين إ (:71

اجدينس وا لهمـن لمخلـوق فالبشر ا ، "طينا كهيئة بشر "فلم يقل ) فقع

الطين هو كائن حي ال محالة، قبل تسويته ونفخ الروح فيـه، وهـذه

. بداهة لغوية، ال تحتاج فلسفة وال تعقيدا

قبـل فهذا النفخ في الكائن البشري المخلوق ابتداء من طـين

، بل التوراةمدة، والتي تطورت سالالته، ليس نفخ النفس كما زعمته

.نفخ الروح هو الذي ميز اإلنسان من سائر الذوات الحية ذات النفس

ولقـد خلقنـا : ()14-12(وقوله سبحانه في سورة المؤمنـون

) ثم (*طفة في قرار مكين جعلناه ن ) ثم (*الأنسان من ساللة من طين

خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنـا المـضغة عظامـا

أنشأناه خلقا آخـر فتبـارك اللـه أحـسن ) ثم(فكسونا العظام لحما

م الـذي سـيتمخض فهذه قبل أن ) الخالقينحفا لما في الرتكون وص

طفال، هي نفسها مراحل تكوينه األولى ما قبل التاريخ، عدا أن البشر

خرجوا إلى الدنيا من بذورهم كبارا بالغين كمـا سـائر المخلوقـات

األخرى، كانت الوالدة الكونية إذا أوال، ثم جاءت الـوالدة التكاثريـة

38

هذا بالذات ما فات علـى مفـسري القـرآن عبر التلقيح الزوجي، و

النفس (معرفته في سر تولد الرجال والنساء من الخاليا الحية األولى

التي انقسمت إلى خاليا أنثوية مخـصبة، وخاليـا ذكريـة ) الواحدة

مخصبة، ثم نمت في المستنقعات وانبثقت عن رجال بالغين ونـساء،

ة"حيث نظامكم -الربوبيبعـد دهـور "رب الذي هو لكل الكائنات، ثم

بدال من الرحم األول " األرحام"جاءت مرحلة التزاوج واالستيالد من

عاصرها ألنه لحق عليها اإلنسان و وهو األرض، وهي المرحلة التي

" اهللا -األلوهيـة "أتى من ساللتها، وبعد أن أعطي الروح وعى معنى

الى في كتابه المبين في أول سورة النـساء التي خوطب بها، فقال تع

الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق ربكميا أيها الناس اتقوا (حصرا

الـذي اللـه منها زوجها وبث منهما رجاال كثيرا ونـساء واتقـوا

الأربه و لوناءتسام1:النساء()ح(.

ومن المدهش أن القرآن قد كرر أن النشأة األولى هي تمامـا

لذلك احتفظ تراثنـا كالنشأة اآلخرة، وكما بدأنا سنعود، بنفس الكيفية،

البشر )تخلق (الديني منذ القدم بطرائق دفن تعي هذه البداية، فكما نشأ

أن يـدفن ليعـاد في قوالب الطين، وحواضن الطين، فهكـذا يجـب

*والله أنبتكم من الأرض نباتـا (تصنيعه يوم البعث إنباتا مرة أخرى

" جلجامش"، وحين رثى )18-17:نوح() ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا

صديقي الذي أحب عاد إلـى (في الملحمة البابلية قال " إنكيدو"صديقه

39

أي حـائط وحـافظ "(أوتونفشتيم"، وفي الطوفان البابلي ينعى )الطين

، إذن، )قد عاد البـشر إلـى الطـين : (قائال) ع(، وهو نوح )النفوس

.فالتراث واحد

كيف خلق اإلنسان؟ -ثانيا

إن التراث يؤكد بأن ذلك تم بتدخل قوى علوية، وهـذا هـو

فلدى .صد واإلرادة اإللهية الصدفة العمياء وبين الق البون الشاسع بين

السومريين نجد حوارا بين القوى الروحانية المكلفة بتخليق اإلنـسان،

، )هو مبدأ الحكمة والنقاء وهو المنجـي والمحيـي " (إنگي"فيخاطب

أي القـوة المـدبرة، " (نـين مـو / حنين ما "خاطب القوة التي فوقه

الكائن الـذي نطقـت باسـمه إن( ):، األم الكبرى حياءسيدة اإل /قوة

ني سماته، إنه اإلنـسان ، موجوداربطي عليه صورة األرباب، عي( ،

والنص واضح أن الكائن البشري البهائمي موجـود قبـل اإلنـسان

وصاروا شجرة أي نسال، هم الصفوف البشرية األولى التـي ظلـت

بعـدها، تفقس في بدء الخلق من بيوض األرض، فما خرج غيـرهم

.تماما كما الكائنات األخرى كل من بذرته

بالتدخل ) DNAسلسلة الـ (جينات هذا الكائن " ربط"ثم عدل

في عملية صفها، بصف معدل جديد وتركيزة جديدة، لتحويل نطفتـه

40

إنسانيا، كما أنبأ تعالى عن تلك القوى الخالقة وصـف 1"مخلقة"إلى

اإلنساني الذي أثبت العلم حديثا أنها مغايرة عن جينات بـشر الجينوم

30والذي انتهى عـصره قبـل " غير المخلقة "البهائمي " النياندرتال"

إنا خلقنا الأنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سـميعا : (ألف سنة

آدم (وأكملـت مـدارك اإلنـسان األول ، فهو هذا، )2:اإلنـسان ()بصيرا

وعقله، بالتأكيد على جينات العقل ليكون عقله فوق الغريـزة ) وحواء

ال خاضعا لها كالبشر الهمج، بعد أن زود بكينونة أخرى فوق العقـل

لتكون وسيلة اتصاله بمبدئه حيث المـأل األعلـى، " الروح"هي هبة

آدم كان قبال مخلوقا ماديا محضا، حتـى أن يؤكدون أن " المندائيون"و

.من عالم األنوار، وأودعت فيه فصار كامال" روح"أحضرت نسمة

ثم تم إفراد آدم لحواء فقط، وحواء آلدم وحسب، وإسـكانهما

يـا آدم اسـكن أنـت وزوجـك (الجنة األرضية كما قـال تعـالى

، تدشينا لشريعة األسرة الواحدة وقدسيتها بوجود األب )35:البقرة()الجنة

لينسال نـسال إنـسانيا غيـر ) اهللا/وهي تدعى في التراث شريعة إيل (

ا على مستوى الكائن اإلنـساني اإللهـيزيح عمليولينسخ وي ،همجي

نظام الطبيعة الغرائزي السائد، نظام اإلخصاب واإلباحـة واألمومـة

، وهو الذي عبر عنه أسـطوريا بإنقـاذ )يعة عشتار شر(والنسل فقط

، التي أتت على 5 -لحجحسب آية سورة ا" المخلقة وغير المخلقة"معنى -1 ♦ ، الحقيقة دون قناع، آدموعصى: أنظر بحث. وصف المضغةذكرها في

.جمعية التجديد الثقافية االجتماعية

41

، إذ أن 1بعد هبوطها إلى العـالم الـسفلي ) عشتار/أنانا(لـ ) إيا/إنكي(

أي الفكر اإلخصابي والزواج العشوائي قد هبط وسـفل " عشتار"دور

وانحط لدى الكائن الواعي، وانتهى على مستوى رقي اإلنسان وتطور

نزع عـن الـشريعة القديمـة : (نقرأ في األسطورة ه وسلوكه، ف قيم

لم يعد الشاب في الطريق يخـصب المـرأة الـشابة، (، و )صدارتها

، )فليرقد إذن الرجل وحده في غرفته، ولتنم المرأة وحدها إلى جانبه

عشتار"إغراء " جلجامش"ولهذا نرى رمزيا رفض الملك البابلي" أي ،

فعـت عنهـا جميـع أثـواب الـسيادة ر(رفضه لشريعة العشواء،

لقد صيغت قـوانين العـالم األسـفل بعنايـة " أنانا"والسلطان، أي

تحوال بعدئـذ " النظام القديم "، ولنشهد مع إذالل )واكتمال، فال تناقشي

ولتخدم نظام الحكمة واألسرة، نظام " لتلبس ثوب الطهارة "، "لعشتار"

، )إيـل (وشـريعة اهللا ) أنگي(اء والنجاة نظام النق ") إيا("الحياة الجديد

في هذه الحقبة، كخطابة، ونـساجة، ) عشتار(فيبرز دور قيمة النسل

أنانـا "كما في أسطورة (وكاهنة تقف مع قيم الشرف وتعاقب منتهكها

، والمغزى )السومرية، البستاني الذي انتهك قوانين األسرة " والبستاني

السومرية والبابلية واآلشورية إلى العالم ) عشتار/أنانا(ألسطورة هبوط -1 ♦الية مبدأ الخصب بعد تهيمعنى تكويني قديم أيضا، يناسب فع ؤ السفلي

كوكب األرض، حيث نالحظ أن حيوية المياه النقية بتشكل األنهار للحياة، بعد تشكيل اليابسة ) عشتار(، هي التي بعثت مبدأ الخصب )أنكي/أيا(

المناسبة للخصب، على أن يكون له دورات نصف سنوية في معظم ة لمد) دموزي السوري أو أدونيس(المناطق، لذلك يتم التضحية بالخصب

.نصف عام

42

م اإلنسانية، وهذا ما أثـر عـن هو تسييد القيإيـزيس "ة على الهمجي "

: م.سيدة وادي النيل قبل األلف الرابع ق ) أي البصارة " حيزى"وهي (

وعقدت بين الرجل والمرأة، وقضيت بأن يحب األبناء آباءهم، لقـد (

)..حدا ألكل البشر" أوزوريس"وضعت مع أخي

العتي عن هذا ومع هذا التراث الباهر، ندهش جدا لالنحراف

المسار المعرفي الثابت والموغل في القدم حين نقرأ النص التـوراتي

وجبل الرب اإلله آدم ترابا من األرض، ونفخ في أنفه نـسمة : "يقول

!)7: 2التكوين(" حياة، فصار آدم نفسا حية

وبالتالي نفخ فيه ! كيف جبل آدم من تراب كما يجبل التمثال؟

هذا نقيض ما أثبته التراث الصحيح عبر نوح وقبل ! حية؟ فصار نفسا

أي أنه طور بعد طور مختلـف، فالكـائن ) وقد خلقكم أطوارا (نوح

البشري مر في مرحلة تطور وليس مرة واحدة بأنه جبل كالتمثال ثـم

، )61: هـود ()رضهو أنشأكم من الأ : (نفخ فيه، وأثبته التراث عبر هود

منهـا : (نفسه الذي استرسل القرآن علـى لـسانه ) ع(وعبر موسى

كما نخرجمنهو كما نعيدفيهو المخلـوق )55:طـه ()خلقناكم فأثبـت أن ،

الترابي هو الجنس البشري ال آدم وحده، وخرجوا أوال كالنبات أنفسا

عبر أعظم األنبياء الـصادق األمـين ثم! حية، ال كالتمثال األجوف

هذا، فضال عن أن النفس ال يختص بها اإلنسان وحده، )! ص(محمد

بل أن كل الكائنات الحية ذات نفس، هذا ما أكـده القـرآن وتراثنـا

43

قد صـيرت " الروح"الصحيح لوال مشاغبة توراة الكهنة وتوابعهم، و

حيا لذلك في الحديث القدسي يخاطـب آدم ناطقا أي مفكرا ومبدعا ال

.1"حييت"وليس ) يا آدم بروحي نطقت(عز وجل آدم

والله (وقد رأينا كيف رسم القرآن الكريم صورة الخلق األول

، هذه اآلية حاسمة، اإلنبـات يحكـي )17:نوح()أنبتكم من الأرض نباتا

مثال من الطين، وكلمة اإلنبات تقدح صورة تختلف جذريا عن جبل الت

بـل إن . فورا فينا صورة الخروج من بذرة فـي األرض، ال غيـر

ات الصحيحة، عن النبيع للمرويص(المتتب ( وعن علي)ما ) عالسـي

سيرى هذا األمر الذي ينسجم مع كالم اهللا بوضوح، " نهج البالغة "في

وسيرى أن ،ر التوراتيرت آدم ما تخلى عن التصووح صـينفخ الر

!مفكرا ال حيا

فاإلنسان لم يجبل كتمثال من الطين، كما زعم كهنة التـوراة

الذين كانوا ذوي فهم بدائي ومنظور جامد، وأخذ بهذا لألسف خلـق

كثير وفسروا خلق اإلنسان األول على أنه جبل مـن تـراب وتـرك

يدخل من أنفه ويخرج من دبـره، زمانا حتى يجف ثم صار الشيطان

فهذه صورة مزريـة جـاءت بدايـة عـن الكهنـة ! ويرفسه برجله

إن استحكام هذه . وتلقفها البعض وزينوها لألذهان والقلوب التوراتيين

سنكمل التفصيل في الفصل الرابع جوابا على إشكال في خطبة موالنا -1 ♦

في خلق آدم ) ع(علي.

44

الصورة على األفهام الواعية، حدت باإلمام الباقر سليل النبي األكـرم

يح في مسألة خلـق آدم محاق التراث الصح نيوما ما أن ينعى ا ) ص(

، وهـذا 1)لو علم الناس كيف ابتدأ الخلق لما اختلف اثنـان (: قائال

! يعني أن الناس ال يعلمون، مهما ادعوا وكابروا

التمثال ويخرج من -ثم كيف كان إبليس يدخل من منخر آدم

بل كان في سجوده ! ، مع أن إبليس حينها لم يصر بعد شيطانا؟ 2دبره

طاعته وتدبيره حتى أن استوى آدم بروحه نودي به ليكون خادمـا و

في هذا المشروع الرباني المـستحدث، مـشروع اإلنـسانية، فـأبى

ولو تتبعنا النص التوراتي نفسه لرأينا الحقيقة بازغة علـى .واستكبر

:خالف ما توهموا وأوهموا، فنقرأ

) ع(؛ وفي بحار األنوار، عن أبي عبداهللا 282، 1جالمحاسن، البرقي، -1 ♦

". أما لو علموا كيف كان بدء الخلق وأصله، لما اختلف اثنان: "قال .135، ص2ج بحار األنوار،المجلسي،

البداية هذا المروي تجده لدى معظم الطوائف، وننقله لك من كتاب -2 ♦: البن كثير، في الجزء األول، ذكر األحاديث الواردة في خلق آدموالنهاية

فخلقه اهللا بيده لئال يتكبر إبليس عنه فخلقه بشرا فكان جسدا من طين (ة ففزعوا منه لما رأوه ت به المالئكأربعين سنة من مقدار يوم الجمعة فمر

وكان أشدهم منه فزعا إبليس فكان يمرت الجسد كما به فيضربه فيصوال كالفخار(يقول ار يكون له صلصلة فلذلك حين ت الفخيصولصص من(

وقال للمالئكة ال ،ن فيه وخرج من دبره ودخل ملقت ما خويقول ألمرترهبوا من هذا فإنكم صمد و ربهنطت عليه ألهلكلهذا أجوف لئن س (..

وأيضا ) ص(وهناك صياغات كثيرة لهذه الرواية، ونسبتها إلى رسول اهللا ولبعض هذا السياق شاهد من األحاديث (إلى أهل بيته، ويعقب ابن كثير

)!!!.كثير منه متلقى من اإلسرائيلياتوإن كان

45

كجنسها، بهـائم وقال اهللا لتخرج األرض ذوات أنفس حية (

ودبابات ووحوش أرض كأجناسها، وقال اهللا نعمل اإلنـسان علـى

ذكرا وأنثـى .. فخلق اهللا اإلنسان على صورته .. صورتنا كشبهنا

.)28 -24: 1التكوين()خلقهم

:فنالحظ التالي

إنبات أجناس الكائنات الحية من األرض، وهو صحيح، كما بينـا -1

.سلفا

. كجنسه، متميزا بشفرته الجينية، وهو صـحيح خروج كل جنس -2

ومن كـل شـيء خلقنـا (والتراث بما فيه القرآن الكريم يؤكد

ونتذكر لكمن لعيجوال أنه خلق كـل األزواج ) 49:الذاريات)(ز

، ) التكـوين األول ظرفسوى من الماء وهو (من شيء واحد

خرجت من بـذرة مختلفـة بتركيبـة فكل أصل وفرع وشجرة

جينية وتكوين متميز عن البيضة األخرى، فأخرجت فصائل من

المخلوقات ال يخرج منه إلى غيره، فالبعوضة لن تتحول إلـى

فيل، والقط لن يتطور إلى بومة، كل من شجرته، والقـرد لـن

يتحول إلى إنسان، كما هي في نظرية داروين التـي أدهـشت

46

أن كال من هذه الشجرات لها : بل التراث الواحد يؤكد ، 1بالغر

بذرتها واستمرت بها، فعند قدامى عـرب وادي النيـل يقـول

وخلقت حشودا من األشياء :(وتعني الفتاح بادئ الحياة " إمفتاح"

كما صنعت نشوءات حافرة وجاءت ذرياتها .. أنشأت أنفسها

).إلى الكينونة من نشوءات والدتها

وبـين . والعلم أثبته . البشر آخر المخلوقات، وهذا أيضا صحيح -3

القرآن أنه سبحانه ما أشهد الناس خلق السماوات واألرض وال

خلق أنفسهم، ذلك ألنهم آخـر النـشوءات أوال، وألن الجـنس

لم يعاصـر البـزوغ البـشري - وبدايته آدم -اإلنساني ثانيا

.نالبدئي من الطي

أين الخطأ في التوراة؟ -ثالثا

الخطأ أنهم خلطوا بين البشر واإلنسان، فالذي خلـق علـى

صورة الرب، ليكون ربا لألرض هو اإلنسان، وهـذا سـيأتي بعـد

ة تحمل على االعتقاد بأن أيا من ال توجد عالمة واحد: "أوستن كالرك -1 ♦

المراتب الحيوانية الكبرى ينحدر من غيره، إن كل مرحلة لها وجودها المتميز الناتج عن عملية خلق خاصة متميزة، لقد ظهر اإلنسان على

، إميل دوركايم: انظر("األرض فجأة وفي نفس الشكل الذي تراه عليه اآلن :وأيضا) 222، 42، صقواعد المنهج في علم االجتماع

♦ http://www.alhawali.com/index.cfm?fuseaction=paragraphs&contentID=27#99990140

47

أحقاب، بعد مئات اآلالف من السنين، ال أولئك البشر الـذين سـبقوه

مجـاميع مـن أي ، )هـم ذكرا وأنثى خلق (دهرا فهم كما قالوا عنهم

ودليل أنهم خلطوا، أنهم سيتكلمون بعد فقـرة .الذكور واإلناث البشر

كمـا تـصوروا طبعـا -" جبله من التـراب "عن خلق آدم لوحده و

إسكانه الجنة، ثم حين التطرق لنسل آدم في األرض عن و – وزعموا

شبه لق اهللا اإلنسان، على هذا كتاب مواليد آدم، يوم خ : (كتبوا اآلتي

وباركـه ودعـا اسـمه آدم يـوم ذكرا وأنثـى خلقـه اهللا عمله،

ذكـرا (والذي يهمنا هو تمييز القارئ بين عبارة .)2-1: 5التكـوين ()لقخ

، مـع السابقة الخاصة بجموع البشر في الفقرة األولى ) وأنثى خلقهم

.الحقةالخاصة بآدم وحواء اإلنسان في مرحلة ) ذكرا وأنثى خلقه(

أن التوراة انتحلت من التراث العربـي، فقـد وعـت وحيث

فاستعارت مـن التـراث حقيقة وجود الجنس الهمجي، فتحدثت عنه،

التوراة لوجود ، وتطرقت 1وهي امرأة وحشية " ليليت"البابلي شخصية

، وسمته جبارا أي عصيا، فنقرأ عن )اإلنسان الهمجي (النسل الهجين

ث لما ابتدأ الناس يكثرون على األرض وولد لهم وحد: (طوفان نوح

فاتخذوا ألنفسهم . بنات، أن أبناء اهللا رأوا بنات الناس أنهن حسنات

نساء من كل ما اختاروا، فقال الرب ال يدين روحي في اإلنسان إلى

الحقيقة دون ، آدموعصى: بحثشخصية عولجت بإسهاب في : ليليت -1 ♦

.عية التجديد الثقافية االجتماعية جمقناع،

48

كـان فـي . األبد، لزيغانه هو بشر وتكون أيامه مئة وعشرين سنة

يام، وبعد ذلك أيضا إذ دخل بنو اهللا على في تلك األ ) نفيليم(األرض

ـ ـاس وولدن لهم أوالدا، ه ـبنات الن ر ذوو ـؤالء هـم منـذ الده

نالحظ أن الجنس البشري الهمجي موجـود منـذ .)4-1: 6تكوين ()اسم

! الدهر، بل هم قبل آدم، وإال فمن أين جاءوا إن لـم يكونـوا قبلـه؟

بشر الهمج، ما يولـد هجنـاء ونلحظ صريحا تزاوج اإلنسان بإناث ال

وأن نفخة الروح هـي فـي اإلنـسان . جبارين عصيين على التربية

ين أيضا، ونلحـظ الترميـز بـأنحصرا، وتنتقل إلى الهجائن البشري

ألن فيه نفخة الروح، والفتيات الهمجيات هن " ابن للرب "اإلنسان هو

قـات إنـسانيا أو علـى أي بشر بال روح، هن غير مخل(بنات الناس

، فيمتزج المخلق بغير المخلق، وينتج هجينـا )أحسن التقدير هجينات

وفـي " اإلنـسان -اإلنـسان "ولـيس " الحيوان -اإلنسان"إنسانا، هو

ين وقلوبهم قلوب الشياطين (المرويورة اآلدميوفي . 1)صورتهم ص

نراه في عـصر عمشامروياتنا عن الفساد الذي انتشر بهذا التزاوج ال

وقام بعده لمـك، (1 أب نوح فينقل المسعودي عن ذلك الزمن 2"لمك"

؛ الميرزا النوري، 277، ص11جوسائل الشيعة، الحر العاملي، -1 ♦

.378، ص11جمستدرك الوسائل، أب نوح، واسمه سرياني، والسريانية لهجة عربية قديمة قبل ": لمك"-2 ♦

الفصحى، والكاف لدى العرب للمثلية، والميم لبناء تعريف كما نجدها يومنا متصدرة اسم المفعول وبعض صيغ الفاعل والمصدر واسم اآللة واسم

الشبيه والمثيل، لكن أقل منزلة من األصل، وبهذا " مك"المكان والزمان، فـ

49

وقام بعده نوح .. ي ، وتوف كوائن واختالط في النسل وكان في أيامه

فلمـا (، وينقـل الطبـري )، وقد كثر الفساد في األرض )ع(بن لمك

لموضع غيرنا قد علمت أنه لم يبق في هذا ا "لمك"أدرك نوح قال له

) ع(، ولهذا السبب قال نـوح 2)فال تستوحش وال تتبع األمة الخاطئة

، وأكد سـبحانه بقولـه )27: نـوح ()وال يلدوا إلا فاجرا كفارا(حين دعا

، وعبـارة )77:األنبيـاء ()إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين (عنهم

ت لوصف قوم نوح وقوم لوط في القرآن، وقال تعالى جاء" قوم سوء "

فالداعي األكبر لإلهالك هـو )25: نوح()ما خطيئاتهم أغرقوا م: (أيضا

كهم االعتقاديالظالم وليس شر خطيئاتهم ومسلكهم الفجوري.

يـا (مخاطبا خطاة اليهـود ) ع(وال نندهش من قول عيسى

) د أبيكم إبراهيم، وإنما أنتم أبناء الـشيطان أبناء األفاعي، لستم أوال

، فهو تمثيل غير بعيـد )33: 23متـى ()أيها الحيات أوالد األفاعي (وقال

عن الفكرة نفسها إذ كانت العرب تطلق على سكنة الكهوف من الهمج

، وندرك بهذا علة تسمية نـوح "أبناء األفاعي والحيات وأبناء التنين "

شبيه إيل، مثيل الرب، وكانت مكة أيضا المقام والموطن " إيل-مكا"سمي

والمأهول بالمالئكة، األول لإلنسان ألنها مثيل مصغر لبيت القدس المعمور لذا جاء الفعل العربي"ر، " مكث"أو " مكت"أو " مكبمعنى أقام وتوطن وعم

حيث كانت " مكة"بإضافة الم التعريف، يشير إلى نسبة إلى " لمك"ولعل اسم .أرض السريان في تلك األنحاء العربية

.10، ص1 ج، مروج الذهب، المسعودي-1 ♦

.108، ص 1، جطبري تاريخ ال الطبري،-2 ♦

50

-أوتـو "حافظ النسل، و ) خاشش-عترة(أي " تراخاسسأ"لدى البابليين

ط النفوس، بل نـدرك بالخـصوص ئأي حا )حاط الـ نفوس (" نفشتم

بتفريطهم في أمانـة ) ع(اإلنسان أيام نوح -غضب الرب على البشر

الحيـواني الهمـج، - البشر بمعاشرات غير سوية تصنع أشباه الروح

اإلنسان إلى األبد، لزيغانه هو ال يدين روحي في (بإهالكه بالطوفان

الـروح )3: 6تكوين ()رشب ـلبفعومل معاملة البـشر الحيـواني وس ،

ش وأغرق، وهذا ما العالمـد المتوحيسير إليه اآلن، غافلين عن توع

وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف مـن (اهللا في قوله

شاءا يم دكمعب م آخرينة قويذر من ا أنشأكمفهـذه )133:األنعـام ()كم ،

اآلية العجيبة ليس لها صدقية في الواقع العربي التـاريخي وال فـي

جئنـا مـن ) الناس(الواقع اإلنساني العالمي، إال بنحو واحد، هو أننا

مـا "و " إن يشأ"ا المشهد أبدا، لقرينة ذرية قوم آخرين، ولم يتكرر هذ

، ولدليل توعد اهللا به، فهو استبدال الجـنس اإلنـساني برمتـه "يشاء

لصالح خلق جديد، كما تم ذلك مرة قبل التاريخ باستبدال الهمج بنـا،

ويأت بخلق جديـد، إن يشأ يذهبكم (فهذه اآلية يكافئ مضمونها قوله

زيز ولى الله بعع ا ذلكأت ( و )16:فاطر()ميو ا الناسهأي كمذهبشأ يي إن

.)133:النساء()بآخرين وكان الله على ذلك قديرا

فيمـا (والميم األخيـرة للجمـع ) Nefilimنفيليم (أما لفظة

تعني الجبابرة، " كلدية"ها كلمة ، فالبعض قال أن !)يعرف باللغة العبرية

51

مشيرا إلى خرافة مالئكة ساقطين، غير " نبيل"والبعض قال أن أصلها

أي " نفل"أنه في اللهجة الكنعانية العربية التي تعزى إليها العبرية نجد

الهابطـة (، انفصل، فلماذا ال تكون هي الـساللة األدنـى 1سقط/هبط

وهذه اللفظة مـا زال ! ن بخصائصها؟ والمنفصلة عن اإلنسا ) حيوانيا

في العربيـة " نفل"في العربية الفصحى، التي كانت تلفظ " نثل"يقابلها

القديمة وفي اللهجات أيضا حيث الثاء فاء، وهي تعني األمر نفـسه،

.وهو الروث" النثيل"انفصال شيء من شيء وسقوطه منه، ومنه جاء

ووسـين بـالتوراة بعـد وقد تساءل بعض علماء الغرب المه

أال يمكن أن يكونوا هـم المعبـر : "الهمج" النياندرتال"اكتشاف بشر

، السيما وأن قدراتهم الجسمية وهـيكلهم "النفيليم"عنهم في التوراة بـ

رغم أن النياندرتال الهمج الـصرف !؟"أقوى من اإلنسان وأشد بطشا

يس إال اإلنسان الهمجي، كائن غير ذكي وال متطور لذلك انقرض، فل

.هو الكائن الشرير القوي، يملك ذكاء اإلنسان الخارق وبطش الهمج

بل والغريب والمدهش في آن، أن قـراء التـوراة الـذين ال

يقرون بعربية منشأها يقفون طويال أمام كثير من ألفاظها، التي كتبت

، فتراهم يتحيرون في )Septuagint(بالالتينية في الترجمة السبعينية

عن الطوفان وسببه في التوراة، في الـنص معناها، فإليك هذا النص

The earth was corrupt before( :)11: 6التكوين (اإلنجليزي المترجم

.اللغة الكنعانيةيحيى عبابنة، : أنظر -1 ♦

52

.violenceand the earth was filled with , God(، الكلمــة إن

ـ ) violence ڤيولنس(األخيرة ر إلـى تعني قسوة وعنف، ولكن انظ

ترجمتها في النص العربي المأخوذ عن الالتينية أيضا، كيف صارت

أما ).ظلما األرض وامتألت اهللا أمام األرضوفسدت ( ):ظلما(الكلمة

كما يسمى، فذلك هـو الغريـب " بمنطوقه العبري "في نصها األصل

ضـاد ، أرص هي أرض، فالصاد "أرص مألى همس : " فتقول ،بعينه

" العبريـة "لدينا أحيانا، والشين والسين يتبادل مواقعها في العربيـة و

، فما هـو "همش"هي " همس"، فـ "لسان كنعان "المأخوذ بعضها من

الذي مأل األرض، فجاءه الطوفان؟ لنقرأ أقوال " همش/همس"هذا الـ

" همـش "ما هو ذا الشر الفظيع جدا المـدعو : ، إذ يتحيرون 1باحثيهم

الذي استدعى بالضرورة طوفانا هائال لجرفه بالخصوص مـن هـذه

المنطقة؟

♦ 1 - Genesis also states that God brought the flood because the world was

full of hamas. The term hamas is very complex. The wide range of meanings for the term hamas means that a lexical analysis of the word is not sufficient to allow us to determine what particular evil is here called hamas and what it was about this particular evil that necessitated a flood.

♦ http://home.apu.edu/~geraldwilson/atrahasis.html Strong’s ؛ Hebrew and Greek Dictionaries, H2555

53

فـي ومن يواصل في قراءة المقال المشار إليه في الهامش أو

" همـش "، يرى أنهم يقولـون أن الكلمـة القاموس العبري اإلغريقي

توحي بأنواع من الشرور، والعنف، والقسوة، والوحـشية، والرذائـل

! لكنهم ال يعرفون معناها على وجه الدقة، وكيـف جـاءت والخطايا،

فاسأل أي عربي يتكلم بلهجته، ويلفظ الجيم جيما فرنسية قريبـة مـن

ـ (شالشين كما في كثير من لهجاتنا، ما هو الهم ـج؟ )ژالهمأو الهم

.يجيبك

نموذج لكائن همجي صرف ال يتطور

54

لذي يستخدم السالح إلبادة خصومه نماذج لإلنسان الهمجي المتطور ا4

55

:ختام الفصل

هو الذي خلقكم مـن : (وخالصة القول، بينه سبحانه في قوله

ونتـرتم أنـتم ثم هعند ىمسل مأجال وى أجقض 2:األنعـام ()طين ثم( ،

،فاألجل المقضي والمنقضي هو الطور البشري، في الدهر المنـسي

ألف سنة للحقبة اإلنسانية كمـا 50وقد انقضى، واألجل المسمى هو

أخبر القرآن في آيات أخرى ودل عليه التراث، وهو القائم اآلن ونحن

الهم فـسد فـي ما زلنا جميعا نمتري فيه ونتصارع تصارعج الذي ي

ويسفك الدماء بعيدا عن الهدف الرباني العميق من تـسويتنا األرض

.إنسانا مذكورا

هذا آنفا هو ملخص ما يقوله لنا تراثنا الـصحيح، وإلكمـال

الصورة ووضع النقاط على حروفها، ولفهم المزيد مما يقوله تراثنـا

أنا ال نجـده : "المقدس بنصوصه في سياقها، ولغاية أخرى أسمى هي

ا أن نأتي بالقرآن شاهدا فقط ودليال ونمضي، بل هاد أيضا هـو، الئق

، فينبغي أن نقف عنده وننصت له ونـستمع للحـسنى "هادي"ـ بل ال

وزيادة، بهذا الرجوع التأملي إلى تلك المنابع الصرفة نتعـرف علـى

ذلك المـدى -كمسلمين أو كعقالء –السياق العام لتلك اآليات، لنرى

حـروف كتـاب اهللا من الحقيقة الباهرة التي يختزنها وميض الرهيب

تعالى، وتشع منه فياضة بأبعادها الالنهائية في فضاء الوعي اإلنساني

.الجوال

56

الفصل الثاني

خلق البشر واإلنسان في القرآن الكريم

الخروج من الطين

:تمهيد

ـ "، و "البشر"الكالم في المصطلح القرآني تجاوز سن ، "ساناإلن

ومدلولهما في اللسان العربي، بناء على أن القارئ العربي بات يعـي

هذا الفرق، السيما وأن كثيرا من المفكرين بينوا هذا الفارق وأشـبعوا

كونه ميزاننا، وهـو اللـسان العربـي -األمر فيه، والقرآن الحكيم

استثناء لمن طلب نجد أن كل آياته تدعم التفريق بامتياز وبال -المبين

الحقيقة بال مراء، إذ المصطلح القرآني دقيق ال يأتي بهذا مكان هـذا،

مظهر بيولوجي تتعلق بالصورة اإلحيائيـة التـي نحـن " البشرية"فـ

عليها أنى أتت واستعملت، واإلنسانية جوهر معرفي، لمكان الـروح

57

ـ سان ال بـشريته إال المنفوخة فينا، لذلك فإن كالم اهللا يخاطـب اإلن

وكلـوا واشــربوا وال (كمحكومـة لإلنـسان وقالــب لـه، كقولــه

أو ملكاتها وحـصائلها " األنا العليا "، فكل مظاهر )31:األعـراف ()تسرفوا

من وعي وعلم ودين وأخالق وفلسفة وحضارة هي مظهر إنـساني،

دنيا وغرائز وعقل من حياة " األنا السفلى "والعكس أيضا، فكل مظاهر

سفلي وأجهزة جميع ذلك ووظائفه، هي مكون بشري، فالبشرية قالب،

).روح(واإلنسانية قلب

فنحن جميعا بمن فيهم األنبياء بلحاظ وجودنا الطبيعـي كلنـا

إن نحـن (بشر ال تمايز بيننا ال أسود وال أبيض، لذلك قالت األنبياء

مثلكم شربلحـاظ اإلنـسانية ومنهـا الـوعي )11:إبراهيم()..إلا ب لكن ،

لـذلك والتقوى وإدراك الغاية واالتصال بالمبدأ الربوبي، فالتمايز بين

، فقد يكون )ولكن الله يمن على من يشاء من عباده : (عقبوا بإضافة

أو كالهما أو ال أحد منهما األبيض إنسانا أو األسود . فالمرء عليه أن

لمن شاء مـنكم *نذيرا للبشر(يرتقي من بشريته متقدما إلى إنسانيته

تأخري أو متقدي اهللا)37، 36:المدثر()أن ،أم ر بهذا والشيطانيأمر بالضد .

: وقد وعى األولون هذا التفريق، فقال صاحب الحكم العطائية

ـ األكوان إلى المكون، بخروجك م اخرج من ( ن ن أوصاف بشريتك م

مناقض لعبوديتك، لتكون لنداء الحق مجيبا ومن حضرته كل وصف

58

ـ ، فالعبودية الواعية مظهر )قريبا ح بـل هـي المظهـر إنساني ،ر

اإلنساني.

، ففكرت أن تتمتع بها لوحـدك، فأنـت إن كان في يدك نعمة

ساعد اآلخرين وتشركهم ن فكرت أن تعطي بها، ت وإ .تمارس بشريتك

، إنما هذا مثال )إنسانيتك(فيها، تحب إسعادهم، فأنت تمارس ربوبيتك

الذي فيك والبشري لتعرف موقعك بين اإلنساني.

فبناء على هذا، سنأخذ جولة سياحية في آيـات اهللا البـاهرة

شأن خلق البشر ثم اإلنـسان، لنستكشف من معادالته الدقيقة ما يقوله ب

مدركين بأن القرآن كونه كالم اإلله، فإنه يصف الحقيقة، فحيثما تكلم

عن البشر، أو اإلنسان، ومن أي زاوية أو جزئية، فالقصة الحقيقيـة

مكـن أنهي نفسها، كيفما سمعتها، ألنها واحدة، وواحدة هي، فـال ي

.ه الوحدة، فهلم نصغ له ونقرأيرد لفظ أو حرف يقول بخالف هذ

: اختصام المأل األعلى- أوال

الرب د المالئكة(إنحين أعلم المالئكة بإنـشاء الكـائن ) 1سي

وإذ قال ربك للمالئكة إنـي (البشري الذي هو آخر الكائنات األرضية

فإذا سويته ونفخت فيـه * خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون

♦ 1- تحقيق أن"د المالئكة وآمرها ووجه اهللا فيهم، له بحث " الربهنا هو سي

النظام واآلخر الحقيقة دون قناع؛ ، آدموعصى : بحثنظرافي مكان آخر، انيعية، جمعية التجديد الثقافية االجتماالرب.

59

اجدينس وا لهوحي فقعر الئكـة (و، )28،29:الحجر()منللم ـكبإذ قال ر

فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا *إني خالق بشرا من طين

اجدينس يذك )72، 71:ص()له ت على إيجـاد ، لمالمالئكة احتج ر أبدا أن

فـوق غير مصنفة، هي هذه الفصيلة المتميزة األخيرة، وهي فصيلة

الحيوان ذكاء، مع إخباره لهم بأنه متى ما تم تسويته ونفخ الروح فيه

م احتجاج منهم ، إال أنه لم يق )السجود(سيأمرهم بالخدمة واإلذعان له

. على ذلك

بمجرد أن قال في ظرف آخر أنه سيجعل مـن ذلـك بيد أنه

وإذ قـال (بأنه يفسد ويسفك الدماء أو تساءلوا المخلوق خليفة، احتجوا

ـنـا مـل فيهعض خليفة قالوا أتجاعل في الأرالئكة إني جللم كبر

اءمالد فكسيا وفيه فسدفمـاذا يعنـي هـذا؟ )30:البقرة()ي ، يعنـي أن

: المالئكة كانت لهم ثالث محطات

تهيئـة وا في خدمخلق البشر من الطين، وهذه رضوا بها، بل -1

.وعاملة، ألنها مخلوقات مدبرة ظروفها

قرار السجود له، وهذه لم يحتجوا عليها فهي مخلوقات طائعـة -2

.وساجدة بطبيعتها

ر خليفة، وهذه أشكلوا عليها، ألنها مخلوقات قرار جعل ذلك البش -3

. ويسفكعاقلة، تعي النتيجة المنطقية، والبشر فعال كائن مفسد

60

ألنهم عاينوا فعال ما يفعلـه البـشر طـوال إشكالهمفنهض

التاريخ المديد من إفساد في الطبيعة ومن أكل بعضه البعض أيـضا،

وإذا (ة مثلمـا قـال سـبحانه وكالهما عنصران منافيان لتولي الخالف

،)205:البقرة()تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل

فهل عـسيتم إن تـوليتم أن تفـسدوا فـي الـأرض وتقطعـوا (و

كمامحوإهالك ا )22:محمد()أر ،لنسل، ظاهرتـان تقفـان ، فاإلفساد البيئي

على النقيض مع الدور االستخالفي، هذا المنطق الصحيح، باحت بـه

. بعفويتهاالمالئكة

أي الهمجيـة بأكـل اللحـوم (واللوثة األخيرة بالخـصوص

ظلت في أقوام إلى عهد قريب في كثير من البلـدان حتـى ) البشرية

األدغال، حـسب مـا األوروبية المتحضرة منها وإلى اآلن في بعض

لويـل ديورانـت " قصة الحضارة "يقوله ويوثقه كل العلماء، وراجع

الجزء األول منه، ستجده يصفهم أنهم يسكنون الكهوف ويأكلون لحـم

البشر، وقد استمرت هذه العادة الهمجية في بعـض المنـاطق حتـى

ي هـي القرن الحادي عشر قبل الميالد، لدى سكان إيرلندا وإيبيريا الت

أسبانيا وجماعات في الدانمارك، وأما في جزيرة بريطانيا فقـد كـان

فالدول األوروبية .اللحم البشري يباع كما يبيع القصابون اللحوم اليوم

كما يقول ديورانت نفسه كانت تعيش حياة من الهمجية حتى الـسابع

والثامن عشر قبل الميالد، حيث كانوا يصطادون بعـضهم الـبعض

61

م ويقدمونهم للوالئم، في حين أن الحضارة الحقيقية كانـت ويسمنونه

تمتد في المنطقة العربية جنوبا عبر شاطئ المتوسط فقط، أمـا بقيـة

.الشعوب فما تزال في طور الهمجية وهجعتها

صورة تبين أن أوربا كانت موطن البرابرة الهمج

لمستولد وإذا كانت المالئكة سلمت بفضل اإلنسان الروحاني ا

من الهمج البدائيين، فإن إبليس بعدها لن يسلم، حين يستدعى للسجود

مع المالئكة آلدم فال يستطيع، ألنه يأبى أن يرى في الكـائن الـذي

62

أمامه جانبه اإلنساني السامي المـشرق، ويـصر أن يـراه بأصـله

إلـى "اإلنـسان "البشري، وظل جهاد إبليس حتى يومنا هو إرجـاع

، أما جهاد المالئكة فتحويل البشر إلى إنسان كما بدأوا به وكما "بشر"

أأسـجد لمـن خلقـت : (كان ينبغـي، لـذلك حـين قـال إبلـيس

، ) طينـا هلمن خلقت (، ظن معظم المفسرين أن التقدير )61:اإلسراء()طينا

، في حين أن ")نمن طي "أي (فقدروا عائدا محذوفا هو الهاء، ثم قالوا

مفعـوال " طينـا "مثل هذا التقدير يقلب اآلية على رأسها، ألنه يصير

ثانيا، هذا ما سيبدو، فينتج أن اهللا صير اإلنسان طينا، بينمـا العكـس

هو الصحيح، الرب قد صير البشر الطيني إنسانا، وإبلـيس يماحـك

نـي، فهـو ال يـرى ال أسجد لمخلوقـك الطي : ويجادل ويأبى بالقول

اإلنسان إال بشرا وطينا، كما رأى المستكبرون أنبياءهم الروحـانيين

) شرإال ب أنتم 10:إبراهيم()إن( ،)شرإال ب ا أنتمـا أنـت إال (، )15:يس()مم

شر154:الشعراء()ب( ،) شرذا إال با هلهذا التغافل اإلبل !!)24:المؤمنون()م يسي

:نقرأ

بشرا من صلصال مـن حمـإ وإذ قال ربك للمالئكة إني خالق ( -

روحـي فقعـوا لـه فإذا سويته ونفخت فيـه مـن * مسنون

اجدينس*. . . دجألس أكن ـ قال لم ن لبشر خلقته من صلصال م

.)33-28:الحجر()حمإ مسنون

63

فإذا سـويته * من طين وإذ قال ربك للمالئكة إني خالق بشرا ( -

اجدينس وا لهوحي فقعر نفخت فيه منو* . .. منه رقال أنا خي

خلقتهنار و طينمخلقتني من 76 -71:ص() ن(.

فنجد في السياقين أعاله أن إبليس، يكرر عبارات نية مرحلة

الخلق البشري األولى نفسها، صلصال قال صلصال، طين قال طين،

وال يذكر التسوية والروح واإلنسانية الموهوبة، وهذا إما أنه لم يجدد

روح الرب لعدم شهوده معلوماته بشأن البشر أنه سوي ونفخ فيه من

هذه المرحلة، أو أنه يتغافل هذه الميزة وال يريد أن يراهـا أو يقنـع

.بوجودها

وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم علـى المالئكـة فقـال (

ادقينص كنتم ؤالء إناء هميقفـز سـؤال ، هنا )31:البقرة()أنبئوني بأس

ما األسماء التي عرفها آدم ولم تعرفها : مهم عليه تتكئ معارف كثيرة

المالئكة؟

زات الشيء، هذا " األسماء"إنهي السمات والخصائص وممي

ما بينه القرآن في آياته الكثيرة، ال مجرد العنوان األبتر، الـذي هـو

مداليل، اسم يوافق ما أنزل اهللا به من سلطان، فهي داالت على " اسم"

ن أنبيى، وهذا يسماللغة فـي بدايـة اإلنـسان كانـت "/األسماء"الم

وصفية، تصدر تبعا لميزة الشيء المسمى، ال اعتباطية وال تواضعية،

ما يدلك مرة أخرى أن أي لغة تحتفظ بهذه الخصيصة فـي أسـمائها

64

مر إال في اللغة العربيـة فهي اللغة اإلنسانية األولى، وال نجد هذا األ

، حيث ترجع أصل كل كلمة إلى فعل أو جذر أولـي بلهجاتها وحدها

تم اشتقاق االسم وهو أصله، وهي اللغة الوحيدة التي تجـد لهـا همن

.معاجم تعود باألسماء إلى أصولها الثالثية الفعلية

هذا التمييز في األشياء، يبدأ بمدركات السمع والبصر والفؤاد

" اسـما "إلدراك التميز، فيبدأ مرحلة التجريد، ليصوغ لـه ) كمستقبل(

يناسبه كدال عليه، ما يسمى اليوم بالتصنيف، وهذا بالتمام مـا يقـوم

نوع أو فصيلة جديـدة مـن أي حين اكتشافه أي عليه العقل العلمي

قه شيء بناء على وجود فارق ومائز ولو ضئيل، إذ لو كان نفسه أللح

العلماء بالفصائل المصنفة واألسماء المتوفرة، ولما نحلوه اسما جديدا،

علـم ) آدم األسماء كلها وعلم(لذلك كان التصنيف علما، ولذلك قال

مثلما قال بعـدها ) حفظ آدم (أو ) أنبأ آدم (التمييز والتصنيف، ولم يقل

).أنبئوني بأسماء هؤالء(

وعلماء العالم اليوم أن األسـماء ) يالعرب(لكن الفرق بين آدم

هـي الـسمات نفـسها -ثم ورثها اآلباء العـرب -التي يطلقها آدم

والموائز، بينما افترق اليوم األمر فال يستدل من االسم فـي أحيـان

كثيرة على شيء عدا ظرف االكتشاف أو ثقافة المكتشف أو اسمه أو

، أي ليس له ارتباط بالصوت شيء أو ال ربما اسم كلبه أو قطته أيضا

وال بالحرف، كما كان السين يضاف لدى اإلغريق في نهاية الكلمـة

65

ال تعني سـوى أنهـا أشـعة " إكس أشعة"، خذ مثال 1لتقديس الشيء

فقد عرفنا اسم مكتشفها فقط، أما ما " أشعة رونتجن "مجهولة، وإذا قلنا

.يءخصائصها التي نستفيدها من االسم؟ ال ش

فإذا كانت المالئكة اكتشفت الفساد والهمجية في بنـي البـشر

كمصطلح دال على طبيعـة " السفك"و" الفساد"وميزته، ولديها مفهوم

معينة غير الئقة، فما الذي قصرت عنه وغلبها آدم فيه؟

كنظام اتصالي مع بقيـة الكائنـات " النظام الصوتي "هل هو

أن فيما بينها؟ أي ولكنهـا تفتقـد " األسماء" المالئكة تعرف وتواصلي

جهاز التصويت بها، أي تفقد ملكة النطق والقدرة على التنغـيم التـي

-امتلكها اإلنسان دون سائر الحيوانات، حيـث أن أرقـى الفـصائل

إنما تصدر طيفا واحدا من األصوات ال تستطيع أن -بخالف اإلنسان

!تتعداه؟

بدو بأنه جوابالمالئكة لغـتهم غيـر جهازيـة ي مغر، إذ أن

عضوية، بل إيحائية كالومض، ولكن من قال بأن نظام التواصـل ال

يبدو أن هذه السين التشريفية أو التقديسية، التي أخذها اإلغريق عن -1 ♦

، "سين"الفينيقيين العرب، لها ارتباط بالنور اإللهي الذي دعي لدى األوائل ورمزوا القمر به، وجعلت الحقة لألسماء العظيمة كالملوك األوائل مثل

" النور"، فسين أو سن تعني "نارام سن/ نارام سين"األكادي حفيد سرجون ، "لمع النور"بمعنى " سنا"، ولعلها من "النور المقدس"أو " نور األنوار"أو

بمعنى شمس باإلنجليزية، والقرآن الكريم قد أومأ لهذا في " سن"ومنه جاءت ".يا سين"المنطوقة " يس"قوله

66

خاصة ونحن مـسلمون ! يمكن أن يتكئ على لغة إيحائية وتخاطرية؟

ثـم أن !أن المالئكة المدبرة تدير أنظمة الطبيعة كلها باقتدار رهيب؟

لنا"بل قالوا " ال قدرة لنا"يقولوا المالئكة لم ال علم!"

أعتقد أن السر ال يكمن في تعليم آدم األسماء فقط، فالمالئكـة

التي قد علمتها، ولكن ماذا عن الشيء الذي " األسماء"المسجدون تعلم

لم تتعلمه؟ المالئكة تقف، ألنها مبرمجة على الصحة، وعلى ما تعلم،

برمج على المشيئة والمحاولة، فال يقف، بل يـتعلم ذاتيـا واإلنسان م

وإن تعثر، فاإلنسان لديه نظام تعلمي توليدي يجعله يطوي المـسافات

، ال )األسـماء كلهـا " (كلهـا "إلى ما ال يعلم، فالسر يكمن في كلمة

-بعضها ويقف، فالرحمن قد علم اإلنسان أصول البيان، فالمالئكـة

لديها موسوعة أحكـام، واإلنـسان أوتـي - التمثيل ال غيرعلى نحو

.أصول األحكام

سيبدو اإلنسان بليدا جدا لو نافس أضخم جهاز كمبيوتر فائق

ة أو استرجاع المعلومات، لكنات الحسابيالسرعة في مليارات العملي

هذه الكمبيوترات العمالقة لن تخرج لك إال مـا سـبق ولقمتهـا بـه

تها عليه، فقد تستوعب كل قـواميس العربيـة كـشربة مـاء وبرمج

وتتيحها لك في أقل من معشار ثانية واحدة، ولكن ماذا لو أردتهـا أن

البليوني أرشيفهاتؤلف كلمة وصفية جديدة صحيحة غير موجودة في

أو التريليوني، كلمة واحدة فقط؟ ستدهش حين تظهر لك مباشرة على

67

، "سبحانك، ال علم لنا إال ما علمتنا " جملة العجز التام العرض" شاشة"

. ظاهرا كل تلك الحدود، ويتجاوزهائهنا يصرع العقل اإلنساني البط

هـي " كلهـا "األشـياء ) أسـماء (فمعرفة خصائص وسمات

دون أسماء بعض أو مسئولية خليفة األرض، ال اختصاص دون آخر

األسـماء، كمـا " إنباء"ال " علم"ة في فاألمر كان أشبه بمسابق .بعض

بينا، فاألسماء ليست معلومات تحفظ، كما يحفظ كثير طالب المدارس

دروسهم، وإال لظلمت المالئكة في هذا االمتحان المسرحي المحـددة

نتائجه سبقا كانتخابات بلداننا، بأن أنبئ آدم باألجوبة سلفا من تحـت

ة لم تخبر، إذن؛ فال فضل لـه علـيهم سـوى أنـه الطاولة والمالئك

نوع؛ كال، االمتحان كان أقرب المتحان ! باإلجابة الصحيحة " غشش"

عنه امتحان محفوظات، امتحان نوع ال امتحـان وأهلية، ذكاء وقدرة

ويـتعلم بهـا أي "كلها"كم، فطبيعة آدم تجعله قابال ألن يعلم األسماء

المالئكة ينزع بهم للتخصص فيما علموا فقط وال مجال ، وتكوين يتسم

لهم لعلم ما لم يعلموا، فهم عقلية توثيقية وصفية استنتاجية ال قياسـية

ـة البـشر، فـإنة وال طافرة، لذلك حـين رصـدوا همجيؤيوال تنب

برنامجهم العقلي يعطي نتيجة واحدة ال غيرها، أن هذا المخلـوق ال

. ح للخالفة، وهذا ما قالوهيصل

68

وكينونـة الـشيء نفـسه ) اسـمه (وللتمييز بين سمة الشيء

ـ "ثم قـال " كلها): "بضمير الجمع لغير العاقل (قال ) مسماه( " همعرض

ـ هاوعلم آدم الأسماء كل " (هؤالء"و ضرع ثـم معلـى المالئكـة ه ..

لألشياء، ألوهم بأنهـا " عرضها ثم"، ولو قال )هؤالءأنبئوني بأسماء

مرة ثانية، بل إن هذا التنويع المعجز في الـضمائر بجعـل " األسماء"

صـاحبة الـسمات، التجليات/للكائنات) هم(األسماء، و /للسمات) ها(

يؤكد مرة أخرى على دور الخليفة أنه أهل للتعامل مـع المخلوقـات

أنى كانت رتبتها حيوانيـة أو نباتيـة أو )كمظاهر ربانية ألسماء اهللا (

لها مشاعر وأحاسيس تجاهـه، ترجـو جمادات، يعاملها كذوات حية

عدله وتتفاعل معه سلبا وإيجابا، فالجميع أوتار في معزوفـة الخـالق

" الـتعلم "التي على آدم " كلها"الحسنى الفعلية " األسماء" الذي له األجل

وحدة كونيـة ك لينظر إلى جميع المخلوقات ، ) والتحلي أي االتسام (بها

.مسبحة واحدة

:النشأة األولى والثانية والثالثة - ثانيا

إن كتاب اهللا يثبت بلسانه العربي المبين أن هنالـك نـشأتين

كيفيتين في خلقه؛ واحدة يخرج من األرض كالنبات، والثانيـة مـن

69

مـن : أما تاريخيا فهـم ثـالث نـشآت األرحام بلقاح الذكر واألنثى،

األرض، ثم من األرحام، ثم من األرض، فكيف ذلك؟

: النشأة من األرض -1

وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله (

هرض غيالأر من أنشأكم وك هرمتعاسا وفيه هذه اآلية )61:هود()م ،

:تبين أمرين

العربي وقومـه ال أقـل ) ع(أن التراث العربي أيام صالح - أ

بأكثر من ألف ) ع( وذلك قبل وجود موسى –الشفوي منه

سنة، فضال عن التوراة التي نسجت بعد موسى بألف سـنة

، هذا التراث الشفوي يعرف حقيقة خلـق اإلنـسان -أخرى

يتكلم عنها كمسلمة في األذهان المعاصـرة ) ع(فإن صالحا

أو هو يذكرهم بها، فقط يبقى على القـوم عبـادة الخـالق

. األحد

أن القرآن يقص الحقيقة كما هي، وكما قالها تراث األولين، - ب

.ال اجتهاد فيها وال تزييف

معنـى ، ليس لها إال "أنشأكم من األرض"فالتركيز هنا على

.واحد، هو خروج البشر أوال من األرض

70

: النشأة من قوم آخرين -2

) ـدكمعب تخلف منسيو كمذهبشأ يي ة إنمحذو الر الغني كبرو

شاءا يم م آخرينة قويذر من ا أنشأكموهـذه )133:األنعـام ()كم ،

عجيبة ليس لها صدقية في الواقع العربي التـاريخي وال اآلية ال

في الواقع اإلنساني العالمي، إال بنحو واحـد ال غيـر، فاآليـة

بأن الرب غني من جهـة، ) ص(تخاطب النذير البشير محمدا

وذو رحمة من جهـة أخـرى، فيـستطيع أن يـستغني عـن

بون؟ المخاطبين بإذهابهم، ولكن من هم المخاط

إذا كانوا قريشا فهل هم أنشئوا من ذرية قوم آخرين، وليـسوا

ال شيئا آخـر، " قوم آخرين "إذ هذا هو داللة ! من ذرية آبائهم؟

" فرعون وقومه "أرض " بني إسرائيل "الحظ كيف ورث سبحانه

وكـم (، و )28:الـدخان ()كذلك وأورثناها قوما آخـرين (في قوله

صمنا مـن قريـة كانـت ظالمـة وأنـشأنا بعـدها قومـا ق

ية المهلكـين، )11:األنبيـاء ()آخرينفالقوم المنشأون ليسوا من ذر ،

أي الـسكان " القريـة المقـصومة "ألن أولئك أبيدوا جميعا فهم

).آخـرون (، أي غيرهم، وهذا معنى "آخرون"المبادون، بل هم

أما إذا كان المخاطب هو العالم كله باعتبار أن الرسالة خاتمة،

؟"من ذرية قوم آخرين"فكيف أتى العالم كله

71

هو حل واحد لكال المسألتين، كيفما قرأتهما، اإلنسان، قـريش،

والعالم، كلهم جاءوا من ذرية قوم آخرين مغـايرين لنـا، هـم

أنـشأنا . البهائمي البدائي غير اإلنـساني البشر األوائل، الخلق

عدا فلول ربما نعثر عليها فـي (سبحانه منهم وأبادهم بالتدريج

ويـستخلف (، لذلك قال تعالى )األدغال أو في مغاور الكهوف

الدالة علـى حقبـة الحقـة " بعدكم"وليس ) ما يشاء من بعدكم

ومة، بـل هـو الدالة على هوية معل " من يشاء "مباشرة، وليس

استبدال الجنس اإلنساني كامال، وليس توريث الذريـة األبنـاء

.مكان آبائهم، أو استخالف قوم مكان قوم

حصل مرة واحدة فقط " اإلنشاء لنا من ذرية قوم آخرين "إن هذا

كما تتوعدنا هذه -حين إنشائنا أول مرة، ولو حصل مرة ثانية

نساني برمته، ولكنه لم يحصل، أمـا الستبدل الجنس اإل -اآلية

توريث الذراري، واالستبدال فقد حصال كثيرا، بل همـا سـنة

الحياة والتاريخ، وألنه لم يحصل قط في الماضي مـع خيـار

يشأ (حصوله مستقبال قال سبحانه مستهال إن ( يقـل ولـم) إذا

إن (، والصورة نفسها عبرت عنها آية أخـرى )شاء أو إن شاء

كمذهبشأ يـأت ييديـد ولـى اللـه *بخلـق جع ـا ذلـكمو

ألم تر أن الله خلـق الـسماوات (، وأخرى )17، 16:فاطر()بعزيز

، )19:إبـراهيم ()والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد

72

، كما بينـه صـريحا )غيرنا نحن" (الناس"جديد غير فهو خلق

وكـان اللـه بآخرين ويأت أيها الناس إن يشأ يذهبكم : (أيضا

لى ذلكالخاء المغـايرة فتحب" آخرين" الحظ )133:النساء()قديراع

".الناس"في الكيفية لجنس

سورة األنعام، لتشير أن حقبة بـزوغ ثم أن وضع هذه اآلية في

البشر األوائل التي منها تولد اإلنسان بعد مئات آالف الـسنين،

هي فترة تخليق األنعام أيضا ألنهـا غـذاؤه حـسب السلـسلة

الغذائية، ولو لم تكن األنعام موجودة النقرض البـشر األوائـل

.1جوعا وأكلوا بعضهم بعضا

:األرحامنشأة األرض ونشأة -3

) اسعو كبر إن ماحش إلا اللمالفوالأثم و ائركب ونتنبجي الذين

بكم لمأع وة هغفرض المالأر من أجنة فـي إذ أنشأكم إذ أنتمو

كمكوا أنفسفال تز اتكمهطون أمن اتقى ببم لمأع و32:الـنجم () ه( .

وربك : (ت في األنعامإلتمام الفكرة عن هذه الحقبة، وافق بين هذه اآليا -1 ♦

ا أنشأكمكم شاءا يم دكمعب تخلف منسيو كمذهبشأ يي ة إنمحذو الر الغنيم آخرينة قويذر ل ( وبين )133:األنعام)(منعج ة ثماحدنفس و من خلقكم

ا وهجوا زمنه اتكمهطون أمفي ب خلقكماج يوة أزانيام ثمالأنع من ل لكمأنزفاطر السماوات والأرض جعل لكم من (، و)6:الزمر)( ..خلقا من بعد خلق

.)11:الشورى)( ..كم فيهأنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرأ

73

األولى تتحدث عن مرحلة خلق البشر " إذ"الحظ الحقبيتين جليا،

الثانية يبين تولد الجنس البشري فـي " إذ"قبل والدة األرحام، و

" هو أعلم بكم "ولماذا خاطب سبحانه الجنس اإلنساني . األرحام

!بنشأتهم في الحقبتين؟

الحقبتين ما زالت بصماتهما تؤثر في مسيرة اإلنسان ألن هاتين

في ميوله الغرائزية البشرية الرتكاب اإلثم والفواحش، الميـل

) العـشتارية األولـى (البهائمي حيث شريعة الخصب واإلباحة

موجود في جيناته ومكون وعيـه المتـراكم عبـر الـدهور،

الدهر (لزمن األول ين المحطتين، محطة ا اتوالمورث له عبر ه

ل المنسيحيث ) األو"هي األرض، ومحطة األرحـام " المستقر

حيث يقع في جيناته الشذوذ السلوكي الـذي يـسببه الوالـدان

بنوازعهما لحظة الوقاع الجنسي وعقد نطفته، وهـي محطـة

، وصار وجوب التخير "وديعة"، ولذلك صار الحمل "المستودع"

وفي هذا يمكن لنبـوءة . انة الدين ووعيه للنطف، من صميم أم

اإلنجيل أن تتحقق بأن ذنوب الوالدين تقع علـى األوالد فعـال

وهـذا أشـبه ) اآلباء أكلوا حصرما وأسنان األبناء ضرسـت (

باقتران قيثارتين متنافرتي الذبذبة ما يؤدي إلى الخلل النفـسي

.والسلوكي في نفسية المواليد

74

:"النشأة اآلخرة"و" ألخرىالنشأة ا" -4

من نطفة إذا *وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى (: اآلية األولى

هذه اآلية تبـين .)47 -45:النجم() وأن عليه النشأة األخرى *تمنى

بوضوح أن تحديد جنس الذكورة واألنوثة، ال يكون في بويضة

– مجموعـة الكروموزومـات ألنها تعطـي نـصف (ى األنث

ألنـه يعطـي (الذكر " حويمنات"، كما أنه ليس في 1)الصبغيات

، لكنها في مني الرجل حين يلقح البويضة، فـإن )النصف أيضا

يمتلك صـبغية الـذكورة كـان ) حيوان منوي " (حويمن"سبق

ة كان العكس، المولود ذكرا، وإن سبق آخر يملك صبغية األنوث

ففي هذا الظرف فقط يتحدد ) إذا تمنى (وهذا تماما داللة العبارة

مـن " الحويمنـات "، ظرف سـباق )إذا(الجنس ال قبله، ظرف

الرجل نفسه، ال قبله وال بعده، ظرف أولى ساعات المعاشـرة،

أن نفهمه من قول نبي األمـة ) في قراءة ثانية (وهذا ما يحتمل

، أن مـاء 2) ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد فإذا سبق ) (ص(

ماء الرجـل (الرجل وماء المرأة كالهما من حويمنات الرجل،

.56، ص ، الشفرة الوراثية لإلنسان وليروي هوددانييل كيفلس -1 ♦ماء الرجل ( وفي حديث آخر ؛189، ص3، جالمسندأحمد بن حنبل، -2 ♦

أذكرا أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعال منى الرجل منى المرأة ابن حزم، ). بإذن الله وإذا عال منى المرأة منى الرجل آنثا،بإذن الله .187، ص9، جالمحلى

75

أي الحويمن الحامل الـصبغة الذكوريـة، ومـاء المـرأة أي

، مع تسليمنا بـالقراءة )األنثويةالحويمن اآلخر الحامل الصبغة

رأة حمضي، وماء الم) إفرازات(األولى األخرى القائلة أن ماء

غلبة الوسط الحمضي ولوحظ أن ،غلبة مـاء (الرجل قلوي أي

األنثويـة ينشط الحويمنات ذات الـصبغة ) المرأة وعلو تركيزه

لتلقيح البويضة، والعكس في اآلخر، وهذا من معجزات النبـوة

العظيمة التي لم يكتشفها إال نوادر كبار علماء الطب في يومنـا

لقراءتان تلمحان إلى السببين العلميين في تذكير أو تأنيث هذا، فا

.الجنين

إذا "هي بويضة المـرأة بالخـصوص، و " نطفة"ولنا أن نجعل

أي حين يلقحها مني الرجل، لتظل متوالية خلـق الـذكر " تمنى

واألنثى من ذكر وأنثى، وهكذا، وهذا يوافق جواب نبي األمـة

سعود الذي رواه اإلمام أحمد فـي في حديث عبداهللا بن م ) ص(

مم يخلق اإلنسان؟ .. يا محمد : مسنده جوابا لليهودي الذي سأله

يا يهودي، من كل يخلق، من نطفة الرجـل ومـن ): ص(قال

.1نطفة المرأة

، 5 جالسنن الكبرى،؛ النسائي، 465، ص1 جالمسند،أحمد بن حنبل، -1 ♦

.340ص

76

، فمـا معنـى "النشأة األخـرى "ومغزانا من اآلية، هو عبارة

لخاء، وهـي تفيـد بفتح ا" آخر"هي مؤنث " أخرى" ؟"األخـرى "

بكـسر الخـاء، " آخر"فهي مؤنث " آخرة"أما .البدلية والمغايرة

مـسافة " اآلخـر "و" اآلخر"وبين .1وهي مقابل األولى واألول

، ولكن لـو قلنـا أنـه "اآلخر"شاسعة، فلنا أن نقول أن اهللا هو

قـد و. ألشركنا معه إلها ثانيا، له كيفية مغـايرة عنـه " اآلخر"

مرة بنفس المعنى مفيـدة 71في القرآن " أخرى"تكررت مفردة

ما سنقوله اآلن وفـي .ة والمغايرة البدلي نفهم هذا ألن يجب أن

.النقاط التالية ينبني ويتأسس على هذا التفريق

فهـي (فاآلية تخبرنا أن هناك نشأتين في الكيفية ال في الكميـة

):ثالث في الكمية

. معتادة، من األرحامنشأة - 1

نشأة أخرى، أي مغايرة في الكيفية بدال من تلـك النـشأة - 2

. المعتادة

قل إن ()13:الواقعة) ( اآلخرين، وقليل منثلة من الأولين: (الحظ اآليات 1 ♦

الآخرينو لين49:الواقعة)(، لمجموعونالأو() لينلك الأونه نتبعهم ألم ثم ،

، )56:الزخرف)(فجعلناهم سلفا ومثال للآخرين ()16:المرسالت)(اآلخرين .اآلخر، بكسر الخاء عكس األول

77

النشأة المعتادة هي التولد مـن لقـاح ذكـر وأنثـى، بويـضة

تفعيلهـا -نحن البشر -ن، وهذه النشأة المعتادة هي علينا وحويم

على أو تعطيلها، أما النشأة األخرى فهي مخصوصة ومحتكرة

الرب بكيفية فردية غير تكاثرية ال دور لنا ذكورا وإناثا فيهـا،

؟"النشأة األخرى"فمتى حصلت أو ستحصل تلك

ربما يجيب مجيب بأنها مقصورة على يوم البعث، قلنـا هـذا

مـع " البعث"أن لماذا : نصف صحيح، ولكن سيبقى لدينا إشكال

المغايرة في الكيفية عـن نـشأة تلكأي " النشأة األخرى "كونه

، التي تدل علـى وحـدة "النشأة اآلخرة "األرحام، سمي أيضا

هـذه النـشأة " أولـى "كيفية وافتراق زماني وعددي فأين هي

لكن .فهذا الحل النصفي يورث التناقض ! اآلخرة المشابهة لها؟

إلفـادة ) عليه(المستقر الذي تبينه اآلية بتقديم الجار والمجرور

وحده ال علينا، فنـشأة ) النشأة األخرى عليه(االختصاص، أن

علينـا فهناك نشأة .األرحام علينا، والنشأة األخرى عليه دوننا

" أخـرى "هي نشأة التولد من األرحام، وهناك نشأة على اهللا هي

: أي مغايرة للمعهود الذي نراه، وهذه األخرى تحصل مـرتين

78

، وكالهمـا ) الخلق البشري، وآخرة حين البعث أولى حين بدء (

.1لم نرهما

أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثـم يعيـده إن ( :اآلية الثانية

لىذلكع سيرأ * الله يـدف بوا كيض فانظروا في الأرقل سير

إن الله علـى كـل شـيء النشأة الآخرة الخلق ثم الله ينشئ

اآلية تدعو الناس بصراحة العتماد هوهذ. )19،20: العنكبوت()قدير

علم اآلثار في معرفة كيف نشأ الخلق، والبشر، لتطابق الحقيقة

القرآنية وينكشف لهم صدقها، ال بأن يأخـذوها مـن التـوراة

انتباه القارئ أن هناك مرويا يعزى نصه إلى علي أمير المؤمنين نلفت -1 ♦

كل عجبت(): ع(مرة، ومرة أخرى إلى حفيده علي زين العابدين ) ع(ابن أبي الفتح ، )لمن أنكر النشأة األخرى، وهو يرى النشأة األولىالعجب ام وهي فالنشأة األولى هنا نشأة األرح ،288، ص2ج كشف الغمة، اإلربلي،

ترى يوميا في الحيوان واإلنسان، وألنه قابلها بنشأة أخرى مغايرة هي العجب كل : (االنشأة من األرض، إال أنهم أحيانا ينقلون الرواية خطأ هكذ

الفيض الكاشاني، )، وهو يرى النشأة األولىةخر لمن أنكر النشأة اآلالعجببـ " األخرى"تبدال كلمة باس ،1258، ص2جاآلصفي في تفسير القرآن،

التي تقابلها هما " األولى"و" اآلخرة"، وهذا خطأ في النقل ألن النشأة "اآلخرة"المشابهة " األولى"بكيفية واحدة، واإلنسان بهذا مستحيل أن يكون رأى النشأة

غير المعهودة لديه وال " األخرى"، فكالهما من صنف النشأة "اآلخرة"لنشأته أو (المخالفة لنشأته ) في األرحام" (األولى" لكنه رأى فقط نشأته المتصورة،

، ويمكن تصحيح الحديث حال تفسيره بحالة )من األرض" (األخرى) "لنشأتيهالتي اإلنسان يراها ) الموافقة للنشأة اآلخرة(واحدة فقط هي أن النشأة األولى

كذا ستكون النشأة األخرى دائما هي نشأة النباتات يوميا من األرض، ألنه هالمغايرة لنشأة اإلنسان األولى من األرحام، إنباتا من األرض وبهذا دلل

.)19: الروم)(ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون( القرآن في قوله

79

أن هناك -كما قدمنا -، تعني ببساطة "آلخرةالنشأة ا ". المزورة

ة، ومن عجيب هذه اآلية، مع إخبارها أننشأة أولى بنفس الكيفي

اهللا يبدئ الخلق ثم يعيده على مستوى النجوم بوالدة النجوم من

موت أخريات، أو النباتات من البذرة فالشجرة فالبذرة وهكـذا،

ألرض لينظروا ويحققوا كيف فإنها تدعو الناس إلى السير في ا

بدأ الخلق البشري، ألنهم متى ما علموا ذلك، سيـسهل علـيهم

جدا معرفة أن اهللا على كل شيء قـدير، ألن النـشأة واحـدة

هي نشأة أولى، ) أي بداية الخلق (وبنفس الكيفية، سوى أن تلك

ـ " آخـرة "وهذا داللة ". نشأة آخرة ) "إعادة الخلق (وهذه يس ول

، فاألولى واآلخرة هما اثنتان بالكيفيـة نفـسها، تـراب "أخرى"

يختلط بالماء، فيتشكل طمي طيني مـائع، فتتجمـع العناصـر

والمكونات بل ومخلفـات الكائنـات المتحللـة مـن نباتـات

وحيوانات، لتشكيل األحماض األمينيـة الالزمـة التـي هـي

المـدبرون بـالنفخ فـي قوم الـسادة يأساسات الكائن الحي، و

الصور، فيبثوا شفرات كل إنـسان، بـإطالق أوامرهـا إلـى

األحماض لتشكل بروتينات وخاليا الجسم البشري وفق تعليمات

كمـا -الشفرات الجينية المتميزة لكل فرد، فيتركب شيئا فشيئا

في حاضنات الطين المائع المغلفة بقوالب الصلـصال، -الجنين

ثم يميـتكم ثـم فأحياكمكنتم أمواتا : (البعث تماما هذه صورة

80

ييكمحي ونعجه ترإلي وهي الصورة األولى الغائرة )28:البقرة() ثم ،

. في الزمان، المشهد نفسه

وبهذه الكيفية تنحسم معارك كثيرة، في جداالت مـألت كتـب

فيتهـا، فالمـادة مـادة األرض الكالم، عن حشر األجسام وكي

وعناصرها، منها خلقنا أول مرة ومنها نخرج ثانية، أما الشفرة

المورثة فكل وشفرته كما هي تماما، وال يهم اهللا أننا تحللنا فـي

األرض أو تبعثرنا في الفضاء أو تحولنا إلى حجـارة أو إلـى

ما تنقص الأرض منهم قد علمنا (حديد أو إلى بخار، لذلك قال

، فالكتاب الحفيظ أقرب فهم لـه هـو )4:ق()وعندنا كتاب حفيظ

بلى قادرين على : (، لذا قال تعالى )إيه.إن.الدي(مدونة الجينات

نانهب يونس منـذ )4:القيامـة ()أن هو هو نفسه، واإلنسان العربي

عي تماما ما يفعل حين كان يمـارس دفـن آالف السنين كان ي

ة البداية ألنه يعلـم أنهـا عـينحاكي بذلك وضعيموتاه، فهو ي

حيث شاع أسلوب الـدفن داخـل الجـرار النهاية، فيمهد لها،

الفخارية، وفي التوابيت الطينية، وتحت التراب، ثم رش المـاء

.عليه

ة، من أن ماليين النـاس وتنحسم بهذا الفهم أيضا التباسات كثير

تدفن في القبور، فمنها من مات غرقا ومنهم من أحرق وذر لم

رماده، ومنهم من افترسته الحيوانات أو تعفن وتحلـل، ومـنهم

81

من مات انفجارا في الجو بل وعلى سطح القمر حسب الحادثة

المشهورة، ومنهم ومنهم، فالكـل سـيخرج، بهـذه الـصورة،

ور طينية عريانا سواء دفن أم لم يدفن قبال، كفن سيخرج من قب

د بذلك أرض المحشر، كمـستنبت زراعـيكفن، وتتوحي أم لم

ألبدان المبعوثين، سواء لمن طمر تحت ركـام جليـد سـيبريا

أو أحـرق وأندونيسيا وكندا، أو غرق في فيضانات بنغالديش

فمبعثهم ومحـشرهم مـن في بمباي، أو دفن في أنحاء العالم،

أرض المحـشر (أرض العرب كما في الحديث النبـوي أنهـا

، هكذا كانت البداية وهكذا هي النهاية لذلك يؤكـد )1()والمنشر

كمـا بـدأكم (، و )104:األنبيـاء ()كما بدأنا أول خلق نعيده (تعالى

ونوداللـة كـاف التـشبيه اآليتان، ود اتان، وه )29:األعراف()تع

: والمحاكاة العربية، ال تعطي إال الكيفية نفسها، الكيفية البدئيـة

، وقـال )48:الكهـف ()لقد جئتمونـا كمـا خلقنـاكم أول مـرة (

، الدر المنثور ؛ جالل الدين السيوطي، 194، ص3، جالتفسيرابن كثير، )1( ♦

وكذلك أوحينا إليك قرآنا (بل أن قراءة تسبر سطح هذه اآلية . 112ص، 3ج

بيع ال رمالج موي تنذرا ولهوح نمى والقر أم ا لتنذربير7:الشورى)(ع( ،، وحيث "القرآن"، وحيث "العربية"ترسم مالمح خارطة المركز، حيث

" أم القرى"، وحيث "رسول الناس والعالمين) ص(محمد "وحيث ، "الوحي"ألنها في البقعة األولى التي ظهر منها البشر األوائل، ثم، بعد آدم وهبوطه،

، فهي أصل المجتمعات، األقدم )القرى(صدر منها كل تجمعات اإلنسانية لحجاز، واألول، فالمجتمع األول كان هناك في تلك المغاور على سراة ا

األخير سيكون هناك أيضا، لذلك كان المسلمون يحاكون يوم " يوم الجمع"و .الجمع هذا في موقف عرفة، الشبيه بالمحشر

82

ـ اإل()فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مـرة ( ، )51:راءس

) حة قل يرل ما أوا الذي أنشأهيينا بالخلق ( وقال )79:يس()ييهأفع

ل هل بخل ـالأو س منفي لب ـ ـم ـ * دـق جدي ا ولقـد خلقن

والخلق األول هنـا هـم البـشر ولـيس )16، 15:ق()..ان اإلنس

ولقـد خلقنـا (ن قوله عاطفا بالفاء حي ) فلقد(اإلنسان وإال لقال

وضـرب لنـا (ليفيد أنه يسترسل في الحديث عنهم، و ) اإلنسان

.)78:يس() خلقه قال من يحيي العظام وهي رميمىمثال ونس

يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم (وكذلك

ر منغيخلقة وغة مضم من لقة ثمع من نطفة ثم من اب ثمتر

ثم ىمسل مإلى أج ا نشاءام محفي الأر نقرو لكم نيخلقة لنبم

نا عليها المـاء وترى الأرض هامدة فإذا أنزل .. نخرجكم طفال

، وهذه اآليـة )5:الحـج ()اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج

حاكي البداية، هو تـصنيع مـن تـراب، وأنالبعث ي ترينا أن

األرض هي الرحم الذي سيمر فيه الجنين البشري، سوى أنـه

هات، بل كمـا لن يخرج طفال كما جرت العادة من أرحام األم

ة يخرج رجال وامرأة من رحم األرض، موافقـا لقولـه ـالبداي

) .. ونجتخر كذلكا وتهوم دعب ضي األرحيو* اتـه أنآي منو

ونتنتشر شرب إذا أنتم اب ثمتر من خلقكم* اتـه أنآي مـنو

)21-19: الـروم ()..ن أنفسكم أزواجا لتـسكنوا إليهـا خلق لكم م

83

وهذه اآلية صريحة بأن الحقبة األولى أخرجنـا مـن األرض

بشر ينتشر ويدب تة تماما كما يخرج النبات، فإذا فجأة نحنالمي

هنا وهناك، فتلك آية ربانية مذهلة، ثم أعقبها باآلية الثانية حين

إناث البشر وذكورها، لتبدأ مرحلـة التـزاوج وهـي تعارفت

الحقبة التي عاصرها اآلدمي وخاطبته اآلية بها، وهما من آيات

اهللا الكبرى، والمنصف العاقل لن يجد محيصا من االعتـراف

بدقة كالم اهللا وترتيبه، فاآلية وبصراحة تعلن أن خلـق البـشر

، ثم في مرحلة الحقة خلـق المنتشر المخرج كالنبات قد تم أوال

لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها وجعل بيننا مـودة ورحمـة،

فهو الخلق اإلنساني، من نفس الصبغة الجينية، ليـتم التوافـق

واالجتماعي واألسري قبـل . الروحي والعقلي فانتشار البشر تم

إلـى خلق الزوجين اإلنسانيين، ومن ال يرى هذا جليا سـيعمد

تفكيك كالم اهللا وإعادة ترتيبـه، وتقـديم وتـأخير، وتـأويالت

. سفةعتم

الله(وألن حقبة البداية نفسها هي حقبة النهاية قدم سبحانه قوله

هعيدي دأ الخلق ثمبي ونعجه ترإلي وعقـب )11:الـروم (في ) ثم ،

وهو أهـون الخلق ثم يعيده يبدأوهو الذي (ه ـه قول ـسبحان

ليط )27:الروم(في ) هـعبينهما تماما " اإلنبات من األرض "، ووس

. اآلنفة)21_19:الرومآيات ( بدقة حسابية في

84

أو خلـق " (النشأة األولى "فالتراث العربي الصحيح كان يعرف

يـث كيف حصلت، ويدرك أنها من طـين التـراب، ح ) البشر

خرجت البشر كالنبات، وال أدل من ذلك أن نوحا قالهـا قبـل

، )17:نـوح ()والله أنبتكم من الأرض نباتـا ( عام 5000 أكثر من

فليست النشأة األولى النشأة في األرحام " النشأة األولى "فهذه هي

ال نحـن خلقنـاكم فلـو (من النطفة والمني، فاهللا حـين قـال

قوندتص* نـونـا تمم تمأيأفر * ـننح أم تخلقونـه أأنـتم

الخالقون* وقينبسبم نا نحمت ووالم نكمينا برقد نلى * نحع

ونلما ال تعفي م ننشئكمو ثالكمل أمدنب أن* لمع لقدو النشأة تم

، فقد أحال علـى علمهـم )62-57: الواقعـة () فلوال تذكرون األولى

صلصال، وليـست /طين/ماء/بالنشأة األولى التي هي من تراب

قد علمـتم فل"تلك التي تتخلق مما يمنون في األرحام، وإال لقال

الـسابق بالفاء ليكون عطفا وتفريعا على المعلوم " النشأة األولى

المفيدة لعلم سابق خارج " علمتم"أي التخلق من المني، ولما قال

، فهذا يعني أنه أحـال 1بالواو" ولقد"سياق الكالم، أما وقد قال

على نشأة أخرى خارج اآلية لكنها معلومة في العقلية التراثيـة

ي وباإلمكان تذكرها، وإن كانت ليست مشاهدة لديهم كنشأة المن

بالواو ال بالفاء ليدل " وما نحن بمسبوقين"ولخاصية الواو هذه قال أيضا -1 ♦

حق على عدم العجز عن اإلماتة المذكورة أوال، وعلى البعث واإلنشاء الال .ثانيا

85

واألرحام، إذن؛ فالنشأة األولى معلومة لديهم، كل الذي علـيهم

".فلوال تذكرون"هو أن يستحضروها

خلـق : واآلية تشي بأن السلك الناظم بـين العمليـات األربـع

الخالئق من المني، وتقدير الموت علـيهم، واإلنـشاء األخيـر

، وبرمجـة 1، والنشأة األولى القديمة، سلك ورباط واحد )البعث(

، هو "ما تمنون " وهو "أفرأيتم"واحدة، أشارت إليه اآلية بعبارة

الكتـاب "الخلية األولى التي تحتوي على الشفرة الجينية، فهـي

، ومدونة التخليق واإلماتة، وإن كان من سـر لمـوت "الحفيظ

الخاليا أو توقفها عن العمل فهو مخبوء كبرنـامج مقـدر فـي

فراتها، وقد كشف العلم حديثا بعضا من هـذا؛ سطور سلسلة ش

ث (الرابع فيه جينـة ) الصبغة(م الكروموسوأنتعنـى ) مـور

. جينة يحتويها500بطول األعمار من أصل

♦ 1- األسر، وهو السلسلة،هو المعب كما في التراث ( الرباط، ر عنه بشد

أي برنامج وقوانين تخليقية مقدرة ") اربط عليه صورة اآللهة"السومري ، )28:اإلنسان)(نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديال(

.وهو نفسه سلسلة الشفرة الوراثية اإلنسانية، المدونة الجينية

86

نشأة األرحام المعتادة

نشأة األرض األولى ثم اآلخرة يوم البعث من بيوض الطين

87

:"تارة أخرى"اإلخراج -5

بأنها تعني كرة بكيفية ثانية مغـايرة، " أخرى"لة إذا أمضينا دال

نفـخ ثـم .. ونفخ في الصور (كما قوله ،"مغايرة"ونؤكد على

غيـر الكيفيـة " نفخة ثانية "، بأنها تعني )68:الزمـر ()..فيه أخرى

، الـدنيا األولى، فاألولى للصعق واإلماتة وسلب النفوس حياتها

، هـذا لإلحياء، إذا كـان هـذا هي لعكس تماما والثانية على ا

منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنهـا : (سندرك لماذا قال سبحانه

كمى نخرجة أخر55:طه()تار( ،) ا خلقناكمل من ) منهباإلنبات األو

بالـدفن :لتجـاوزا اآلن نقـو ) وفيها نعيدكم (الطين كما قلنا،

. بالبعث واإلنبات مرة ثانية ) ومنها نخرجكم (والموت الجسدي،

، ولماذا أضيفت هنا؟"تارة أخرى"لكن ما معنى

مرتين في كتاب اهللا، واختلفوا في أصل الكلمة " تارة"لقد جاءت

لكـن داللـة ". طـور "الذي يبدو أنه " تور"فقيل أن أصلها من

نظر عن أصلها، معروفـة فـي منطـق الفهـم بغض ال " تارة"

المغـايرة : والسياق االستعمالي العربي، فهـي تفيـد أمـرين

، "مرة" التغاير ال يمكن استعمالها في موقع وإلفادتها ؛والتكرار

فالفعل بكيفية واحدة ال يمكن أن تقـوم بـه تـارتين أو ثـالث

، )101:التوبـة ()مرتينسنعذبهم (تارات، بل مرتين وثالث مرات

مـن (، ولهذا السبب جاء )80:التوبة()إن تستغفر لهم سبعين مرة (

88

كمنا قل الذي فطرعيدةيرل مـا ( و)51:اإلسراء()أوونا كمجئتم لقد

ة خلقناكمرل مل م )48:الكهف()أوخلق أو ة هو تماما كخلق ، ألنر

ثاني مرة، كالهما من قبور طينية، ولو قال أنه خلقنا تارة أولى

ولهـذا ؛ كذا، لكان كيفية خلقنا في التارة الثانية حتمـا مغـايرا

ألن كليهما يفيدان التغـاير " أخرى"مع " تارة"السبب تيسر دمج

).كما أسلفنا(

إنه أمر مغاير حتما، ؟"خرىاإلخراج تارة أ "إذن؛ ما الذي يقابل

بموتنـا خروجنا من األرحام الذي ينتهـي هو: وتجاوزا نقول

منها نخـرجكم تـارة (، هو الذي يقابل )وفيها نعيدكم " (الدفن"و

ث واحد، كما قلنا، بل لمتكرر ال تأتي لحد" تارة"لكن . 1)أخـرى

، ل، دخـو خروج: حدث مرتين أو أكثر، فهنا في بطن األرض

، فـنالحظ أن دخولدخول، خروج، : ، وفي مثال البحر خروج

تعلقت بالحدث الثالث المغاير للثـاني، والمتكـرر عـن " تارة"

:وفائدتها، أي" تارة"األول، وهذا بالضبط عمل

أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح (-1 ♦

غرقكمتارة"، هذه هي الـ)69:اإلسراء)(في " الثانية في القرآن كله، الحظ أن، ال "الخروج منه والنجاة"، هو "اإلعادة في البحر تارة أخرى"ل الذي يقاب

، فهناك دخول البحر أول مرة، خروج منه، دخوله تارة "دخوله أول مرة"دخوله "، لقابلت "دخوله مرة أخرى"أخرى وهي تقابل الخروج منه، ولو قلنا

".في المرة األولى

89

)ا خلقناكمكم() = منهمنها نخرج(

)منها نخرجكم(× ) نعيدكمفيها (

تارة منها نخرجكم، وتارة في األرض دخلكمن: األمرفكأن.

، ونخرجكم مـن )أرحام(وأنتم موجودون بعدما خرجتم بطريقة

. أخرىاألرض بطريقة

فالخلق األول من األرض هو للجنس البشري األول كافـة، ال

كما يتصور أنه آلدم، فلذلك جاء ضـمير المفعـول المخلـوق

كما صوره الفهم التـوراتي، بجبـل بالجمع، أما كيفيته فليست

المخلوق البشري فضال عن اإلنساني من تراب، بل كما يمكننا

تماما وبالدقة نفسها تصور عملية اإلعادة للبعث، إخراجا كمـا

... ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا بـه جنـات (النبات

.، الصورة هي هي)11-9:ق() بلدة ميتا كذلك الخروجوأحيينا به

منهـا (أفادت خروجا من األرض " تارة"على أنا فهمنا آنفا أن

منهـا (، ثم خروجا آخر )فيها نعيدكم (، ثم دخوال فيها )خلقناكم

ب هذا كما بينا فيما سـبق، ش يكذ ا، ولكن الواقع المع )نخرجكم

اليين لم يدفنوا، بل أحرقوا، والبعض مات في الفضاء فهناك الم

التي أدركنا مـن " فيها نعيدكم "وفي خارج الكوكب، فكيف نفهم

؟"منها نخرجكم"أنها العملية التي تغاير " تارة"كلمة

90

هذا أمر لم يتوقف أحد ليسأله، وهو نفسه السر الـذي تكـشفه

: فهي تعمل بوجهين" نعيدكم"كلمة

وجه يعني اإلدخال في األرض ليقابـل اإلخـراج األول مـن

، وهذا الوجه يفيدنا أنه يعزز أن الخلـق )الخلق البدئي (األرض

الـدفن أو (البدئي كان إخراجا سيقابله بعدئذ إدخال في األرض

وانطـالؤه لكن سيادة هذا الوجـه ). التحلل إلى عناصر التراب

.ل المطروحهو الذي أفضى باإلشكا

إعـادة )rebuilt/recreate (هـو " يعيدكم"الوجه الثاني لمعنى

تخليق وتركيب ذرات وخاليا وأعضاء اإلنسان نفـسه، وهـو

قـل يعيـدنا فسيقولون من (الذي عناه المنكرون نفس المعنى

الـذي ، فهم لم يقصدوا الوجه )51:اإلسراء()الذي فطركم أول مرة

!! ليسألوا عن هوية الدفان ! قطعا" من يدفننا في األرض؟ "معناه

".من يعيد تخليقنا بعد انفنائنا؟"بل

فبهذا الكشف، تتضح الخارطة كلها ويـزول اإلشـكال، أن اهللا

صنعنا في طين األرض وأنبتنا منها لنخرج في البدء، ثـم لـو

" إعادتنا" زحل، فسوف يتم متنا أينما متنا ولو في المريخ أو في

في طين األرض، لنخرج مرة ) بمعنى تصنيعنا (في نهاية األمر

وهذا بالتمام ما أفـصحته اآليـات . ثانية كما خرجنا أول مرة

ثم يعيـدكم فيهـا ويخـرجكم *والله أنبتكم من األرض نباتا (

91

فـي " أنبـتكم "بين " ثم"مل كيف جاءت ، فتأ )18، 17:نوح()إخراجا

المستقبلية، وهي حقبة قد تكون امتدت " يعيدكم"الزمن السحيق و

ما من لماليين السنين، ولكن"التـصنيع " (اإلعادة"أتت بين " ثم

-، ألن اإلخراج سيعقب اإلعادة "اإلخراج"و) في باطن األرض

الطينية والمستنقعات مباشرة، فاألرض -التي هي التخليق نفسه

.إذا كانت مصنع النشوءات طرا

فهل من المعقول أن التراث العربي القديم الصحيح يعرف كـل

والله أنبتكم (هو الذي قال اآلية اآلنفة ) ع(هذا؟ نعم، ألن نوحا

) ع( لقومـه، واسترسـال جـواب موسـى )من األرض نباتا

منها خلقناكم وفيها نعيـدكم (تنا المستهلة لفرعون هو حديث آي

.المحاكية لمقالة نوح تماما) ومنها نخرجكم تارة أخرى

:القرآني" اإلنسان" مصطلح - ثالثا

، تعني ذلك الكائن االجتمـاعي الـواعي "اإلنسان"إن مفردة

ه الروح، فتميز ليتطور إلى المكلف الذي عدل جينيا ثم نفخ في

ه ومعرفة الكـون ووعـي ذاتـه ودوره الـساميمعرفة رب

المعهود له به، وهي تشمل آدم اإلنسان وذريته بالـضرورة،

بينما نلحظ المفسرين يلوون هذه المفردة في التفاسير، حيـث

92

دأبوا أن يخصوا بها ذرية آدم فقط دون أبيهم آدم، ليتخلصوا

، فهـذا )النطفـة (ض مع اعتقادهم، السيما في آيات من التناق

إنا خلقنـا ( :يقول تعليقا على قوله تعالى ) ره(اإلمام الطبري

ذريـة آدم أي إنا خلقنا : ()2: نساناإل()نسان من نطفة أمشاج الأ

فاإلنسان هو ذرية آدم فقـط، وال نـدري كيـف )! من نطفة

! اإلنسانية وهو سببها ومصداقها األول األكيد؟استثني آدم من

ذلك ألن الفهم التقليدي الدارج لم يفطن كيف أن آدم خلق من

نطفة وأمشاج ومني، فقاموا بإخراجه منها، مـع أن اآليـات

تنطبق أول ما تنطبق على آدم ثم من تفرع عنـه، فاللـسان

قـة بـال هـوادة، أن العربي القرآني بنظمه يخبرنـا بالحقي

" الرحمن"خلق اإلنسان، أي بعناية تدبيرية خاصة، و " الرحمن"

مرة، وهي مفهوم معرفـي واع 57مفردة وردت كصفة هللا

ليتعامل به، فـالحيوان ) اإلنسان مثال (موهوب للكائن الواعي

، يدرك فقط نظامه الخاص به وبرنامجـه "الرحمن"ال يعرف

ر (الطبيعي هأيولـذلك قـال "الـرحمن "، ولكن لـيس )ب ،

الكافرون حين سفل إدراكهم ووعيهم إلـى حـدود الطبيعـة

وما وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا (وحضيض الغرائز

نمح60:الفرقان()؟الر( . خبرنا القرآن أيضا وبإصـرار أنكما ي

خلقه من طين، وخلق مـن بدأ - ال بني آدم فقط -" اإلنسان"

93

صلصال، وخلق من نطفة، ومن أمشاج، ومن علـق، ومـن

، )37:القيامـة ()نطفة من مني يمنـى (ساللة، وأن اإلنسان كان

ودقتها، تحتمان " اإلنسان"فاالطراد القرآني، وخصيصة معنى

ج منها، " آدم"أنبـل داخل في كل هذه المعادالت ليس بمخر

بعضها ال يعني إال إياه بالخصوص، أما كيف؟ فسنأتي إلـى

:تفصيله في البحث، واآليات هي

)28:النساء()وخلق الإنسان ضعيفا(

) 26:الحجر()ولقد خلقنا الأنسان من صلصال من حمأ مسنون(

) 67:مريم()ناه من قبل ولم يك شيئا يذكر الأنسان أنا خلقأوال(

ــال ( ــاتي ف آي ــأريكم ــل س جع ــن ــسان م ــق الأن خل

)37:األنبياء()تستعجلون

)12:المؤمنون()ولقد خلقنا الأنسان من ساللة من طين(

) ـدبو ء خلقـهكل شي نسالذي أح ان مـنأ خلـق الأنـس

)7:السجدة()طين

) خـصيم ـونطفـة فـإذا ه من أنا خلقناه انالأنس ري لمأو

بين77:يس()م(

) 3-1:الرحمن()خلق الأنسان. ..الرحمن (

)14:الرحمن()خلق الأنسان من صلصال كالفخار(

)19:المعارج()إن الأنسان خلق هلوعا(

94

إنا خلقنا الأنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلنـاه سـميعا (

) 2:اإلنسان()بصيرا

)4:البلد()لقد خلقنا الأنسان في كبد(

)4:التين() تقويملقد خلقنا الأنسان في أحسن(

)2:العلق()خلق الأنسان من علق(

ولو أجلسنا أمامنا أي مسلم أو عاقل وأسمعناه شـريف قولـه

بـشر ومن آياته أن خلقكم من تراب ثـم إذا أنـتم ( :تعالى

ونالذي خلق م (،)20:الروم()تنتشر وهاء والم شرانب لـهعفج

" بـشر "هل كلمة : ثم سألناه سؤاال ، )54: الفرقـان ()نسبا وصهرا

أنـه كـائن : ألجاب كل من سئل توحي بكائن حي أم جماد؟

ق القرآن جوابهم هذا، ألنـه فـي كـل وولصد ،رودات حي

وحسب آية . مرة أتى بها بمعنى الكائن الحي 37المفردة الـ

البشر المخلوق من التراب، والماء، أن الروم والفرقان أعاله،

هو كائن حي، ينتشر ويتزاوج، أي هو كما نحن تمامـا، بـل

وإذ قال ربك ( :فإذا جاء تعالى، ليقول . ال ننس هذا ،هو نحن

للمالئكة إنـي خـالق بـشرا مـن صلـصال مـن حمـأ

نونمـشرا ( و ،)28:الحجـر ()سالئكة إني خالق بللم كبإذ قال ر

فهذا البشر المخلوق، كائن حي بالضرورة، . )71:ص()من طين

: وليس جمادا وتمثاال، ولو كان جمادا لكان ينبغي أن يقـول

95

مـن أني أخلق لكم (كما قال عيسى ) إني خالق كهيئة البشر (

، لكـان "طيرا) "ع( ولو قال ،)49:آل عمران ()الطين كهيئة الطير

يطير ككائن حي ولـيس تمثـاال .عليه أن فالبشر كائن حي

جامدا، وإال له الحق من يزور متحـف الـشمع، أو أمـاكن

لقد رأيت الكثير من : المنحوتات والمجسمات أن يقول صادقا

!!البشر

كائن حي ولـيس جمـادا كمـا يـزعم " البشر المخلوق "ال،

بل أنتم بشر ممن (التوراتيون، واهللا يرد عليهم بالمنطق نفسه

فهـم . كغيركم" بشرية"، أي مجرد كائنات حية )18:المائدة()خلق

ليسوا تماثيل، كزعمهم في بداية الخلق البشري، الذي هو آدم

، فعملية خلـق "بشر ممن خلق " "لق بشرا خا"فالحظ !! لديهم

البشر أي جعله كما نحن، هي غير عمليـة نحـت قالـب أو

.هيكل طيني أو شمعي أو تمثال بهيئة بشرية

سبحانه في سـورتي هذا الكائن الحي المخلوق البشري يعقب

فيه من فإذا سويته ونفخت (بالعبارة نفسها " ص"و " الحجر"

اجدينس وا لهوحي فقعاه "، )رة، " إذا"، "فإذا سـوالمـستقبلي

دمنتشر بع حي طـين " خلقه بشرا "فهناك جنس بشري مـن

التي " إذا"، ينتظر )حسب آيتي الروم والفرقان (التراب والماء

96

النفخ في الروح، لتسجد لـه المالئكـة " إذا"للتسوية، وينتظر

.بعدئذ

: اإلنسان الالمذكور دهرا-رابعا

هل أتى على الأنسان حين مـن الـدهر لـم يكـن شـيئا (

هنا هي " هل: "يقولون وما أكثر ما يقولون، )1:اإلنـسان ()مذكورا

والحال المؤسف أنه ما من عربـي يـستعمل أو ". قد"بمعنى

" قـد "انه قد استعمل الحرف ، واهللا سبح "قد"بمعنى " هل"يفهم

! في مئات المواضع، فما كان أيسر استخدامه هنا

إن مجرد الظن باإلبدال يلغي فكرة إحكام القـرآن، ويجعـل

كالم الناس فوق كالم اهللا، ويجعل القرآن محكوما ال حاكمـا،

ويجعل فكرة اإلتيان بمثله بل بأحسن منه أمـرا مستـساغا،

يا ومبهما بل وتعمية ال بيانا، ويـصيرنا ويجعل القرآن احتمال

ررين المتنـازعين نهالحاجة لطبقة مـن المفـس اء في أمس

ها بمعنى شـيء آخـر، " قد"هي بمعنى " هل"يعلمونا أيوأي

وبالنهاية تحويل آيات القرآن إلى لغز ال يـدرك حلـه أحـد

ابليتـه المتدبرين بل نهبا لآلراء، وفي األخير يفضي بعـدم ق

لالستخدام بالمرة ألننا سنسير إذاك علـى أرض ملغومـة ال

97

لينقلـب سـؤال "قد"قد تنفجر في وجهنا بـ " هل"ندري أي ،

ربما عذر بعض المفسرين أنه ). قد(إلى إثبات وتحقيق ) هل(

ركن إلى رواية في هذا الشأن، لكنه بدال مـن التفكـر فـي

حرفين من كتاب اهللا وأخـل الحقيقة وفي سر الرواية، مسح

.بنظامه الصارم المحكم بجرة قلم

إذا عرفنا أن الخلق هو غير اإلبداء واالبتداع من عدم بل هو

تغيير في الماهية والصورة، فاآلية تخبرنـا أن هنـاك قـوة

ربانية خالقة تقول بأنها على عاتقها تم خلق اإلنسان من نطفة

؟ هي تفتح الـسؤال للمخلـوق أمشاج، فمتى كان هذا الخلق

اإلنساني أن يبحث بنفسه بأداة تحثه على طلب هذه المعرفـة

ليعرف أصله ويدرك النعمة، هي حقيقة تعرفها القـوة ) هل(

، لكن القرآن ) أتى على اإلنسان حين من الدهر قد(الخالقة أنه

معد لإلنسان ال للرب، فلإلنسان أن يتساءل ما دام هو لـيس

خلـق (كيف خلق؟ : ا خالقا رب مم اننظر الأنس5:الطـارق ()فلي(

ليعرف نفسه ضمن الكون والمخلوقات التي فيه، وال عجـب

أن سميت هذه السورة بسورة اإلنسان، وسورة الدهر، ألنهـا

ل حـين لـميرجع بالبحث في الدهر األو تستحث اإلنسان أن

ورا، فصار مذكورا، وأعطي الـوعي يكن اإلنسان شيئا مذك

.والمشيئة ليشكر أو يكفر

98

هل أتى على اإلنسان حين من الدهر لـم : (ونص اآليات هو

كنذكورا يئا مـشاج * شينطفـة أم مـن انإنا خلقنا اإلنس

ما شاكرا نا هديناه السبيل إ إ * نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا

فمن عجيب الدقة القرآنية أن تغييـر . )3-1: الدهر()وإما كفورا

كلمة واحدة أو حرف تقلب األمر رأسا على عقب، والقـرآن

كتاب الكون والحق والتاريخ، فال يمكن إال أن يصف الحقيقة،

الحقيقة فـي " صياغة"ليس الحقيقة في كلمات، و " انبثاق"إنه

كلمات، أي هو انسباك طبيعي عفوي، ال اصـطناعي، هـو

فقط تصور لو بـدلنا فـي اآليـة . انعكاس ال رسم وتصوير

فوضـعنا الـضمير ..) من نطفـة اهإنا خلقن (الثانية لتكون

، بل الحق، ربما بدا للقـارئ )اإلنسان(بدال من االسم ) الهاء(

ض أولى وأخصر، فال حاجة لتكـرار مفـردة أن هذا االفترا

في اآلية الثانية ألنها معلومة مذكورة مـن اآليـة " اإلنسان"

. األولى

بعض الفطنين للمستوى اإلعجازي القرآنـي يفتـرض أن إن

تعمـل ) أكثر من آية متتامة(آيات القرآن أو الوحدات القرآنية

يـات التـي لوحدها أيضا بغض النظر عن سياقها وعـن اآل

حولها، فبناء على منهجه نستطيع القـول أن حـذف مفـردة

من اآلية الثانية يصير اآلية غير صالحة للعمل حال " اإلنسان"

99

إنـا هـديناه (ة ـة الثالث ـا مفردة، السيما وأن اآلي ـانتزاعه

والتي أقيم فيها الضمير هـذه المـرة بـدال مـن ..) السبيل

هذا مـنهج حـسن .اآلية الثانية الظاهر هي جزء من وحدة

. ورصين يستحق الثناء واألخذ في االعتبار

لكن المتدبر في خصوص اآلية الثانية يرى أن تغييب مفـردة

فيها سيضطره إللحـاق اآليـة الثانيـة بـاألولى " اإلنسان"

تحيل إلـى ) وهو الهاء المبدلة فرضا (ضرورة، ألن عائدها

نسان اآلية الثانية هـو إنـسان اآليـة اآلية األولى، فسيكون إ

األولى أخرج من العدم أو من الفراغ، فتصبح اآليـة الثانيـة

شرحا لألولى ال استئنافا منفصال، وهذا سيقلب اآليـة علـى

عقبها ويمحو المعنى المستقل الذي في اآلية األولـى أيـضا،

لى هـو في اآلية األو " اإلنسان"بينما .واآلخر الذي في الثانية

في اآلية الثانية هو " اإلنسان"نحن، الجنس اإلنساني برمته، و

أي أن هذا . أصلنا، الذي أنهى حقبة الالمذكورية لجنسنا " آدم"

النسق القرآني المدهش يخبر اإلنسان القارئ للقرآن الـواعي

أنه في اآلية األولى كان حينا من الدهر شيئا ) أنا وأنت (لذاته

، أي ليس بإنسان، هو غير مكلف، ال يذكر ال بإيمان ال يذكر

وال بمعصية، ال يذكر بقبيح وال بحسن وال مآثر تذكر، هـو

ضمن رعايا الطبيعة والتـسخير ال فوقهـا، عقلـه مـسخر

100

للغريزة، ال مسخر لها، ال يبدع شيئا وال يلفت المأل األعلـى

بانتبـاه ووصـال، هـو إليه ال بحسد وال بثناء وإعجاب وال

، ")بصيرا"وليس (والنبات والحيوان واحد، يبصر كما البهائم

، لـم تـنفخ فيـه روح ")سـميعا "وليس (ويسمع كما البهائم

إما شـاكرا وإمـا (ويوضع فيه عقل وتطلق له مشيئة ليؤول

بل كان طائعا بالطبيعة كمجموعة غرائز يفكـر بهـا ) كفورا

كحال كل البهائم وإن كان أحـذقها وأعالهـا وتديره بالكره

بال بعث له وال حساب عليـه " الدهر"وأشدها تطورا، يهلكه

وال عتاب وال كتاب، هذا الذي نجده في األحافير أسبق مـن

عشرات اآلالف من السنين كبشر النياندرتال والبشر الـذين

بـل " إنـسان بكـين " "إنسان جاوه "سبقوه، وليس كما يقولون

. بشر

لـو بحثـت بعمـق : فاآلية األولى تخاطب اإلنسان لتقول له

كان دهرا ال شيء يذكر، ألنـك ) البشري(لعلمت أن جنسك

إيتانـا "وهذا ما سنراه توضحه أسطورة . حينها لم تكن إنسانا

.البابلية الحقا" والنسر

101

ولكن، متى صار اإلنسان إنسانا؟

" اإلنـسان "اآلية الثانية، لذلك كـررت مفـردة هذا ما تبينه

للتباين، ولم تعوض بالضمير، فاإلنسان قد بدأ خلقه في اآلية الثانيـة

فقط، من ذلك الشيء الذي أشير له في اآلية األولى تعـيش سـالالته

دهرا، ذلك المخلوق البشري النكرة الالمذكور الضائع في أحقاب مـا

ثار وال مآثر، وهذا ما بينته آيات سورة البقـرة فـي قبل التاريخ بال آ

اختصام المالئكة في آدم أنه كان من جنس همجي بهائمي في وصفهم

، )من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك (له

العبارة تشير إلى أن المجموعة البشرية كانت ال تعي التسبيح والحمد

ة للتدبير واالستخالف، مجموعة فطريـة غيـر والتقديس وغير الئق

واعية تحكمها الغرائز، كغريزة الصراع واالقتتـال مـع الكائنـات

.الحيوانية ومع بعضها من أجل البقاء، ال غير

حين " البشر "هل أتى على (لماذا لم تقل اآلية : فلو سأل سائل

؟"نـسان اإل"موضع " البشر"، بوضع )من الدهر لم يكن شيئا مذكورا

:ألجبنا

إنـا : (وماذا سنقترح بعدئذ لآلية التي تليها، هل هـي أيـضا : أوال

، )فجعلناه سميعا بـصيرا .. من نطفة أمشاج " البشر "خلقنا

ن، وإنر الموضوع بـين اآليتـينفترض هذا تغي لم فإننا إن

102

افترضناه فالحكم خاطئ، ألن البشر كانوا مخلوقين منذ دهر،

متمثال فـي " اإلنسان"ذا المذكور كيفية خلقه للتو إنما هو وه

.بدايته آدم

أن اهللا سبحانه ال يخاطب إال اإلنسان، ألن أداة التواصل مـع : ثانيا

وح -الربخاطبـه بكفـره أو -وهي الرت فيـه، يضـعو

" المـذكور منـه "التي تعني الفصيلين " بشر"بشكره، فلو قال

وهو الهمج، لكان الخطـاب " الالمذكور منه "و اإلنسان، و وه

خاطئا بتعميمه؛ ألنه خاطب المختار الـذي عقـل األلوهـة،

والمكره الذي ال يعقلها، بأن يفتش في أحقـاب دهـره األول

ليرى بدائيته وهمجيته ونسيانه من المأل األعلى، فالثـاني ال

وال مكلف والخطاب معه عبـث يصح عليه ذلك، وليس بواع

ألنه لم يتغير حاله في الزمانين، لذلك ال ترى في القرآن كله

خطابا إلهيا مع بشر، تراها كلهـا مـع -فعال" كله"ونعني -

أن ،أحـدها " هل أتى علـى اإلنـسان "، وآيتنا هذه "اإلنسان"

:هو الذي" اإلنسان"

. رآنيدعو ربه في كل آيات الق -

البر منـه والفـاجر، الـشكور منـه ،سيبعث ويحاسب -

. والكفور

103

عاداه الشيطان وأضله وجعله يكفـر ليـدخل النـار مـع -

. الداخلين

يوصيه سبحانه بوالديه إحسانا، وبأن يشكره، وال يـشرك -

. هـب

. أما البشر الهمج فتركوا سدى، لن يترك سدى -

- القيهكادححا فمه كدإلى رب .

.أيضا" علمه البيان"و، علمه الرحمن ما لم يعلم -

. خلق في أحسن تقويم -

. عليه أن ينظر ويتذكر ويتفكر ويبصر -

له متلقيان مالئكيان يسجالن أقواله وأعماله لينبـأ يـوم -

.الحساب بما قدم وأخر

الربانية بعـد عرضـها وكـان وحده الذي حمل األمانة -

. ظلوما جهوال

الخليفة، ولم "اإلنسان"فالمأل األعلى لم يختصموا إال في ذكر

الذين خرجوا جماعات أول الدهر " البشر"يختصموا عند ذكر

فهل يعقل أن يطلب سبحانه من فـصيل البـشر . ككل حيوان

مذكور؟ هـو الهمج أن يفتش في ماضيه ليرى متى كان غير

104

كان وهو لآلن غير مذكور، لم يتغير شيء بشأنه، ولآلن هو

، وال يستطيع أن يستوعب )لو كان لآلن موجودا (فاقد للروح

في ذهنه معنى الزمان والمكـان ليبحـث فـي التـاريخ أو

المستقبل أو في األكوان والفضاء، تلك خصيصة اختص بهـا

عـل الفصيل اآلخر من البشر الذي أيقظ فقط، هـو الـذي ج

"اإلنسان "مذكورا بنفخ الروح، فالمذكورية تميز ميزت البشر

عن أسالفه البشر الهمج، وهذا هو المطلوب منه أن يرى تلك

الحقبة الطفولية من أصله، بل وقد خوطب ليتوغـل ألعمـق

منها ليرى لحظة والدته الكونية حين كان ال شـيء، وذلـك

بل أن يكون شيئا ال مذكورا، يتوغل ذهنيا وبحثا مـن بزمن ق

" شـيء المـذكور "اآلن كإنسان، إلـى " شيئا مذكورا "كونه

في الطين، حقبة خلق كائنات أصـله " ال شيء "كهمج، ثم إلى

: األول في ذلك الطين العجيب، في قوله تعالى لإلنسان نفسه

.)67:مريم()ا خلقناه من قبل ولم يك شيئاأوال يذكر الأنسان أن(

فكر، هـل : هل يصح أن تقول لقروي هو لآلن قروي :واآلن

مر عليك دهر لم تكن مدنيا؟ هذا كالم ال منطـق فيـه، وال

هل مر عليك أيها المدني دهر : ولكن تقول لمدني ذلك .طائل

.نعم، حين كنت قرويا: حيح، وجوابهلم تكن مدنيا؟ فهذا ص

105

ألن اآلية، تخاطب اإلنسان الذي منح هبة المذكورية بـالروح : ثالثا

ليذكر ربه ويعي دوره، أنه قد يفقدها بتفريطه فيها، فيعامـل

معاملة هؤالء الهمج بل أشد، مثلما نسمع عن الحساب حيـث

ائم التـي تمثلوهـا فـي يحشر بعض األفراد في صور البه

حياتهم، وهجروا توظيف الروح، فيكونون في الحـشر كمـا

ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا (قال تعالى

ونجعرال يا وضينوا )67:يس()مخون على الهيئة التي تكومسي ،

أولئك ال خالق لهم فـي (ن فيها وتشكلوا عليها، ثم ال يذكرو

الآخرة وال يكلمهم الله وال ينظر إلـيهم يـوم القيامـة وال

كيهمز(، وقال )77:آل عمران ()ي لـه ذكري فإن نع ضرأع نمو

قـال رب لـم *معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمـى

قال كـذلك أتتـك آياتنـا *حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا

، فالشاهد، أنه عـاد )126-124:طه()فنسيتها وكذلك اليوم تنسى

غير مذكور، عقوبة؛ ال يكلمه الرب، وال ينظـر إليـه، وال

ثم ،شر أعمىحزكيه، ينسىيي .

،ل الشيطان إرجاع اإلنسان إلى أصـله الطينـيلذلك كان فع

الالذكر، ليكون في النهاية المذكورا مـرة ثانيـة فيتحـسر

لقد أضلني عن الـذكر بعـد إذ (اإلنسان الئما الشيطان بأنه

ـ ()جاءني وكان الشيطان للإنسان خذوال فاإلنـسان .)29:انالفرق

106

وح فيه شيئا، هو بشرينتفع بنفخ الر ز عن البهائم، لمالالمتمي

همج، ولو لبس أرقى األلبسة وأذوقها، وتكلم بـأحلى الكـالم

وأعذبه، وركب أفخم المركبات وأعقدها، مادامت حياته يأكل

ويشرب وينكح وينام وهمه أن يفترس أي شيء ليعيش، بـال

اخلي منه وال أخالق، ناسيا ربه، هـو فـي الفـرز ضابط د

ر، بالمعنى الحقيقييتطو أولئك األسالف ولم الدقيق، من .

؟ "اإلنسان"فكيف خلق

، أنه خلـق "الدهر"أو " اإلنسان"تجيب اآلية الثانية من سورة

ف جينيغـزل )أمشاج.. نطفة (بتصرخلـط ويواألمشاج هي ما ي ،

في لسان العرب لرأيـت " مشج" بين شيئين ولونين، ولو راجعت بدقة

غزول داخل بعضها في بعـض، : أمشاج وأوشاج : قول األصمعي

األمشاج األخالط؛ ألنها ممتزجة من أنواع، ولذلك : وقول ابن السكيت

اختالط مـاء والمشيج: يولد اإلنسان ذا طبائع مختلفة، وقال ابن سيده

كل لـونين اختلطـا، : الرجل والمرأة؛ واتفقوا أن أصل األمشاج هو

وال نجد في اإلنـسان غيـر الكروموسـومات . وكل شيئين مختلطين

" صـبغة "تكون نتيجة مزيج بين لونين من الخصائص أي ) األمشاج(

، ونصفها من ) منها 23(، حيث نصفها من الرجل )ومن ماء أب وأم (

، وهي مخـزن الطبـائع الموروثـة المختلطـة ) األخرى23(لمرأة ا

107

من الوالدين كما عبر ابن السكيت، وصورتها كما بين العلـم ) صبغة(

هـي " صبغية"وكلمة .كما عبر األصمعي) الجديلة(حديثا تشبه الغزل

التي هـي CHROMOSOMEكرموسوم /ترجمة لكلمة كروموثو

اللغات األجنبيـة كروموسـوم، فكلمـة أصلها عربي ثم صارت في

" قرمـة "كرومـو لفظـا بالـسريانية و : هي األصل وهي " كرومو"

صـارت فـي الفهـم " الـصبغة "وكما أن . أصل/صبغة: بالفصحى

في اللغة العربية أيـضا " الخلق الحيوي "المتداول طالء، فالصبغة هي

من أحسن من الله صـبغة صبغة الله و : (أو كما يقوله القرآن الكريم

ونابدع له ننحأحسن مـن اهللا )138:البقرة()و نز ومخلق اهللا المتمي أي

" صـبغيات "أيضا تعني صبغة، فندعو الجينات " البويا"فكما أن . خلقا

وحياة، إال : تعني" بويا"وهي كلمة صحيحة، فإن صبغة وخلق حيوي

مع االستخدام اليومي العامي البسيط تستخدم في الطـالء أنها صارت

فقط أي في الدهان، بينما هي في األصل تعني صـبغة، فمـن هـذه

-BIO - 1علم الحيـاة " ( لوجي -بيو"ذهبت أوروبا وصارت ) البويا(

LOGY (كلمة بويا هي إغريقية ظنا أن .(!

♦ 1- لوغوس/ لنغو / لوغي / لوجي "وأيضا فإن-Logy " أصلها عربي

.كما اشتهر خطأ" علم"، وليس "لغة"وتعني

108

واحد" كروموسوم" وشريط لنواتهاصورة توضيحية للخلية و

أخص من الـ " مشاجأ"فعودا إلى اآلية، واضح منها أن الـ

الخليـة المائعـة (، إذن؛ هي شيء البد أن يوجد في النطفـة "نطفة"

.. نطفـة (فعلى هذا، ينتفي الوهم الذي يلحق هـذه اآليـة ). األولى

نطفـة إذا / نطفة مـن منـي يمنـى (ويصيرها نفس آيات ) أمشاج

، ذلك أن كل آيات نطفة المني التي محـضنها الـرحم كانـت )تمنى

) آدم(شفرتها جينات إنسانية ثابتة متوارثة، أما تخليق اإلنـسان األول

ف وتعديل جينيفقد كان بتصر ،هندسـة (بتحويله من الكائن البهيمي

بنو(، فاإلنسان األول خلق من أمشاج، وبنوه )ربانية جينية بلغة اليوم

الصبغة الجينية من أبيهم األول، لذلك نـرى / ورثوا هذه الخلقة ) آدم

109

" له سـمع وبـصر "وليس فقط " سميع بصير "تحول آدم المباشر إلى

كحال اآلدميين مثلنا، فهذا السمو والنقلة في الوعي اختص بها الكائن

) أمـشاج (فسرت مباشرة بكلمـة ) من نطفة : (فقول كتاب اهللا . األول

لى نحو تفصيل أكثر وللدقة، ولكن لنتريث قليال، فليس هكذا سريعا، ع

فيستغني بالدقة والمباشـرة ) من أمشاج (إذ لم لم يقل سبحانه مباشرة

؟ ذلك، ألن هناك سـرا فـي "نطفة"عن الزيادة والعموم، ويلغي كلمة

وإضافتها فما هو؟" نطفة"وضع كلمة

1ية األولى الخارجـة مـن تـراب األرض أن المخلوقات البشر -1

والمخلوقات الثانية أيضا أي نحن البشر اإلنسان الخارجة مـن (

قابلـة (بدأ كل منها من نطفة، أي مـن خليـة أولـى ) الرحم

، وكذلك اإلنسان في طـور الـرحم يبـدأ )لإلخصاب والتكاثر

ـ (بالنطفة أيضا، فآدم اإلنسان األول بدأ بالنطفة ى الخليـة األول

اآلية التي تبين هذا في سورة فاطر، التي تشير إلى الفطر األول بقوله -1 ♦

والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من (تعالى هنا ليست تلك التي في " نطفة"، فالـ )11:فاطر)(وال تضع إلا بعلمهأنثى

" نطفة"من ذكورة وأنوثة ينبغي أن تسبق " أزواج"الرحم، ألن مرحلة الـ الرحم ال أن تعقبها في ترتيب اآلية، بل األولى فهمها كمراحل االنبثاق

با أوال، ثم بعد دهور، بعد أن البشري، بيولوجيا الخلق البشري، إذ كان تراصار التراب طينا وسالالت طينية، تكونت من عناصره الخلية البشرية

، في الطين، ثم انقسمت عن خاليا جنسية "نطفة"، وهي الـ )البذرة(األولى ثم جعلكم (لتكون بعد أحقاب مديدة الرجال والنساء وهي المعبر عنها

، وظلت إلى اآلن هذه األزواج، التي بدأت من نقطة تاريخية تنسل )أزواجا ).وما تحمل من أنثى وال تضع(البشرية عبر أرحام إناثها، المعبر عنه

110

فاإلنسان في كال الحقبتـين . حينما لم يكن شيئا مذكورا ) المائعة

كيفمـا ) خلية حية أولـى (بل وكل الكائنات الحية تبدأ من نطفة

.كانت الطريقة الحاضنة خارج الرحم أو داخله

أو النطفة البدئية التي خلـق (األولى ) أو الخاليا (يبدو أن الخلية -2

التي استنسخت نفسها باالنقسامات حتى صار ، تلك )منها الكائن

للكائن الحي جسم مكتمل بخاليا متعددة الوظائف، يبدو أن تلك

نة، إذ يلوح أنعها العلم بصبغة معيلو تتب خاص ة لها سرالخلي

في " الكرموسومات/األمشاج"الكامنة في (تغيير الشفرة الوراثية

، فتغييرهـا ) اإلنـسان تريليون خلية هي مجموع خاليـا 100

عبرها هو الطريق المختصر لتعديل كل الخاليـا سـواء قبـل

.اإلنسان األول - وهذا ما حصل آلدم. االنقسام أو بعده

يعبر بها عن المتبقي من قطرات الماء في اإلناء، " نطفة"ن كلمة إ -3

وهي صورة تعادل ما نحن بصدده كون آخر قطرات اإلناء هي

ل ما ستقريبا، بفرض عدم االختالط، وعلـى نحـو (كب فيه أو

وهي آخر ما بقي منه، وهذا يحاكي صـورة ) التمثيل والتقريب

النطفة الحية أو الخاليا األم األولى التي نسخت نفسها وانقسمت

النـسخ -شطب كل الخاليا /تجاهل/نزف/وهكذا، فلو قمنا بحذف

على الخلية األصـل المضافة من جسم اإلنسان، لصفينا أخيرا

المتبقية وهي كالنطفة في اإلناء، وهي الخاليا األولـى المعبـر

111

عنها علميا بالخاليا الجذعية كاملة القدرة أو القوة، أو قل هـو

. إيه .إن .النسخة األولى من الـ دي

أمـر أدق االغريبة الوضـع فهـذ " نبتليه"أما ما دور لفظة

عة مستمرة ال ماضية لتليـق بالكـائن األول وأعظم؟ ولم أتت مضار

ه جعلنـا ف) ( اإلنـسان خلقنا(المنصرم، ولتناسب أفعال اآلية الماضية

؟ ولماذا جاءت عارية من حـروف العطـف )ه السبيل هدينا) (سميعا

رين وعلـى )لنبتليه / فنبتليه: مثال(والجربحيث أشكلت على المفس ،

أو مفعـوال " إنـا "ها خبرا ثانيا لـ أهل النحو في إعرابها ما بين كون

، أو "اإلنـسان "أو حاال من " خلقنا"أو حاال من فاعل " خلقنا"ثانيا لـ

جاءت كذلك، ال ألجـل أن ؟)ذهب الكثير لتقدير حروف ومحذوفات

نقدر محذوفات ونكسر اآلية ونفككها إلعادة بنائها بما نهوى وما يالئم

:قواعدنا، بل

الـصبغة /بالصف الجينـي (إلنسان األول منذ لحظة تكونه ألن ا -1

، ذلك الصف الذي أصبح يتوارث كصبغة مستمرة في )المخلقة

، منذ اللحظة األولى مـن اكتمـال الـصف 1بني آدم إلى اآلن

نفخ فيه الروح التي هي من عالم ) التسوية وإعداد النفخ (الجيني

ابتلي بها، دخل إذاك بقدمـه فـي آخر، فكانت هي األمانة التي

وإن حصل له تشوه باختالطه بالهمج، وتزاوجه منهم، فصار اإلنسان -1 ♦

.5 -خلق، كما بينته آية الحج أحيانا بل وغالبا من المخلق ومن غير الم

112

" االبـتالء "عالم المذكورية إنسانا، دخل عالم الـوعي، عـالم

واالمتحان، ابتلي بإسجاد المالئكة وبعـداوة إبلـيس، إعطائـه

-المشيئة، والعقل، وأمانة الروح، فصار مبتلى بأمور جديـدة

. ق ومكلفا ومحاسبا، وليس همال كمـا الـساب -من يومها لآلن

وكل معاني االبتالء والبالء من نعـم واختبـارات وخيـارات

ف التي نجدها في القرآن صارت تعنيه وحـده، ولنـا أنتصر

إما شاكرا .. نبتليه (الموافقة لـ ) ليبلوني أأشكر أم أكفر (نقرأ

).وإما كفورا

أن كل مقتضيات المشيئة والعقل والروح اإلنسانية، لها ركـائز -2

" أمـشاج "، فإن "أمشاج"> --" نطفة" جينية، أي كما أن وأسس

، فالنظام اإلنساني الدنيوي خاضع وأسـير للقـوة "نبتليه"> --

الخالقة عبر جيناته، وكما يقول سبحانه على لسان هـذه القـوة

نحن خلقناهم وشددنا أسرهم : (الخالقة في سورة اإلنسان أيضا

، فالتبديل عبـر هـذا )28:اإلنسان()ا بدلنا أمثالهم تبديال وإذا شئن

يكون، من األمشاج أو ما يعبر عنه بالتـصرف " األسر/الرباط"

).DNA-إيه.إن.الدي(في خارطة جيناته، رباط أو سلسلة

أن نتيجة هذا الصف الجيني، واالبتالء بهـذه األمانـة، فتحـت -3

وق مباشرة على عالم لم يكن يعيه وال يدري به عيني هذا المخل

يعصي الشيطان وال يسمع لـه، وابتلـي بـأن قبال، فابتلي بأن

113

يطيع سادة المالئكة ويسمع لهم، وابتلي باالختيار، فكان في قمة

يرى المالئكة ويسمعها والشيطان أيـضا، " سميعا بصيرا "وعيه

إليه آدم بولوجه المعجـز الذي انتقل " سميع بصير "وإن تعبير

إلى عالم اإلنسانية ليس سهال، بل هو سمة ربانية فقدها اإلنسان

بعد إخراجه من الجنة وفقدها معـه بنـو آدم، وإال السـتطاع

لذلك نلحظ أن آية (اآلدمي أن يرى المالئكة وأن يرى الشيطان

إنـه ...يا بنـي آدم " في تحذيرها من الشيطان 27-األعراف

قد خصت بني آدم فقـط " راكم هو وقبيله من حيث ال ترونهم ي

ويكفيـك أن تعـرف أن كـل ). دون اإلنسان األول آدم وحواء

في القرآن هي هللا تعـالى عـدا ) مرة 47وردت " (سميع"صفة

مرات، هـي هللا عـدا هـذه، 7وهي " سميع بصير "هذه، وكل

". بصيرسميع"فميزة اإلنسان أنه يسمع ويبصر ال أنه

فجعلناه سـميعا .. نبتليه .. أمشاج .. نطفة (فالخالصة أن

، هو خط تاريخي يشرح بالتفصيل ما جـرى علـى الكـائن )بصيرا

األول، بانتقائه من مجموع كائنات بشرية بهيمية بدائية، فـردا ذكـرا

ما خلقنـاكم أول وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا ك (وفردا أنثى

ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتـركتم (،)48: الكهف()مرة

وركمظه اءرو لناكما خو94: األنعام()م( طيني ضع في قالب تخليقيوو ،

114

لكـن 1 مرة أخرى إلعادة خلقه وتصنيعه، ثم تصويره وتسويته جينيا

الـذين سـيحملون ) ذريتـه (بمميزات اإلنسان العاقل هو وكل نسله

، لـذلك قـال تعـالى فـي )بنـي آدم (ويرثون شفرة مورثاته نفسها

إنسانيا عبر - ثم صورناكم -أي بشريا – ولقد خلقناكم (11-األعراف

بعـد نفـخ األخيرة أي" ثم"و) ثم قلنا للمالئكة اسجدوا آلدم -جيناتكم

. الروح الربانية

هذا الخط التاريخي يسير من اإلجمال إلى التفـصيل خطـوة

والتـي -خطوة، ومن السطح إلى العمق، فيقول بأن القوة الخالقـة

المضطلعة بتكليف من ربها بشئون اإلنسان، أنها -)ع(أحدها جبريل

بالدخول علـى خلقت اإلنسان من كائن قبله بدائي غرائزي ال يذكر،

وهي الصبغيات، وليس " أمشاج"، ثم على )الخلية األم األولى (النطفة

، مـا يـدل أن )أمشاج(بل بعضها ) مشج(وال أحدها ) األمشاج(كلها

كجينات وكوظائف ينبغي أن نكتشفها موزعة -مثال-خصيصة العقل

ـ (على عدد من األمشاج ـ )23أزواج الكروموسومات ال عوا ، ثم وض

♦ 1 - In recent years, the Out of Africa theory has become increasingly

dominant. In part, this is due to evidence provided by new genetic techniques. In three remarkable experiments, scientists extracted DNA from Neanderthal fossils and compared it with that of modern humans. The DNA was very different, supporting, but not proving the idea that Neanderthals were a separate species .

♦ (ref. http://www.channel4.com/history/microsites/N/neanderthal/)

115

مقتضيات االبتالء من عقل، وضمير، ) كتابه الجيني /في برنامجه (فيه

، ونتيجـة لهـذا )شاهد منه (وسجل أعمال تسجل كل ما يصدر منه

أروه طريـق "سميعا بصيرا "التحويل جعلوا هذا المخلوق كالرب ثم ،

شكر اإلله وطريق الكفور ليختار بنفسه الـسبيل الـصحيح الجميـل

.األثر

: بث الرجال والنساء- ساخام

لدقة الهندسة القرآنية وبراعتها، لم يلتفت المفـسرون إلـى

ع مفردتيفي قولـه سـبحانه " النساء"و" الرجال"علة وض :

ولم يدركوا ارتباط ذلـك " وبث منهما رجاال كثيرا ونساء "

يا أيهـا النـاس : (، في قول البارئ عز وجل "األرحام"بـ

وا ربكم الذي خلقكم من نفـس واحـدة وخلـق منهـا اتق

واتقوا الله الـذي رجاال كثيرا ونساء زوجها وبث منهما

به و لوناءتسامحقيبا الأرر كمليع كان الله 1:النـساء () إن( .

هـي " زوجها"، و 1هي آدم " النفس الواحدة "أن: فقال كثيرهم

ر الفهم التـوراتي أناء، وهذا ما قاد البعض إلى تصوحو

حسب تفننهم في قواعدهم ومجازاتهم، فقالوا أن بل زاد المفسرون أمورا -1 ♦

خلقكم من نفس : (من موارد تأنيث المذكر هو قوله تعالى في هذه اآليةخلقكم من نفس ( والمراد به آدم، بل أنهم أتوا بقراءة شاذة تقول )واحدة .وسبحان اهللا)!! واحد

116

ثم فهموا على ضوء ذلك أن من ! حواء خلقت من ضلع آدم

آدم وحواء بث اهللا الرجال والنساء، وهذا قادهم مرة ثانيـة

ا إلى الخطأ الثاني بتصور أن أبنـاء آدم الـذكور تزوجـو

حـسب -أخواتهم اإلناث، فانبثقت البشرية، وكان األمـر

مقبوال في البدايـة اضـطرارا ثـم حرمتـه -منظورهم

!!الشريعة

إذن، خطأ واحد استتبع أخطـاء علـى مـستوى العقيـدة

والتشريع، ناهيك عن األخطاء على مستوى العلم والحقيقـة

. التاريخية

فقـه "ال فـي كتابـه شحرور، فقد فطن لهذا، فق محمد أما

وبث منهمـا رجـاال كثيـرا (لماذا قال : فإذا سأل " (المرأة

اءنسالبـث ال : من سورة النساء؟ نقول 1 في اآلية )و ألن

يكون إال من جماع جنسي، والجماع الجنسي ال يكـون إال

ال يتحقق إال بوجود ذكر " بث"من رجل وامرأة، وألن فعل

فخير أفادنـا هـذا . انتهى1")امرأة"وأنثى بالغة " رجل"بالغ

هما للذكر واألنثـى البـالغين، " امرأة"و" رجل" أن ،المفكر

.فلنبدأ من حيث انتهى

، ص )رأةفقه الم (، نحو أصول جديدة للفقه اإلسالميمحمد شحرور -1 ♦

256.

117

فعلى رأي شحرور كان ينبغي أن تـنعكس اآليـة ليكـون

الرجال والنساء هما مصدر البث، واآلية تقول أن المبثوث

-فلم يتنبه الجميع ! ء، فالحظ هم رجال ونسا ) وليس الباث (

إلى نوعية المرحلة المتكلم عنها، - مع علو شأنهم وعقلهم

؟ )الكائن الحـي المتـنفس األول " (النفس الواحدة"وما هي

وكيف تم خلق زوجها منها؟ فإذا كان البعض فهم أن النفس

األولى آدم ومنها خلقت حواء، فهذا صحيح على مـستوى

ساني ال البشري، ومن آيات أخـرى ال هـذه، الوجود اإلن

ووفق التصور الصحيح أيضا ال كما اشتهر، ممـا أدخـل

بذلك التسريجات التوراتية والزعم بخلق حواء مـن ضـلع

ولكنهم لـن يـستطيعوا أن ! وما شابه 1آدم أو فاضل طينته

ذكـور وإنـاث " (الرجال والنـساء "يجيبوا كيف صار بث

أين هـم كمـا حكـى رة، وأين هم األطفال؟ مباش) بالغين

والله جعل لكم من أنفسكم أزواجـا (سبحانه ذلك في قوله

أشبه باألجهزة فائقة (بناء على قولنا أن آدم وضع في حاضنة طينية -1 ♦

إلعادة تخليقه وصف جيناته، قد نعطي ) التقنية أو العلمية الخيالية في يومنا ة التي تقول أنة المنسوبة أو حتى التوراتيألنفسنا فسحة للروايات اإلسالمي

ة استنساخ آدم ألقي عليه الساء، لفرضيتخليق حو بات في الجنة حين تمبرنامجه الجيني لها، ليكونا نفسا واحدة جينيا، كما يمكن أن نقبل بهذا التصور كون حواء خلقت من فاضل طينة آدم، بأن وضعت في الحاضنة

ذهن القارئ نقول هذا تسهيال ل. الطينية التخليقية التي سبق ووضع آدم فيها .أن ال تشاكسه المرويات على ظاهرها المتخيل

118

بنـين "، فـ )72:النحـل ()وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة

تحتمل تصور األطفال، وهي اللفظة المناسبة، لكن " وحفدة

نتصو ينبثـون حـين كيف لنا أن ر رجاال بالغين ونـساء

الوالدة؟

أن يجيب عليه مشكورا ولـم يفلـح، شحرورهذا ما حاول

ذكـورا وبث منهمـا (ألن اإلشكال ما زال قائما، أن تعبير

أحق بالصياغة، ألنها تحتمـل الـصغار ثـم ) وإناثاكثيرا

اوج بـين وبإمكان تصور التـز . الكبار أي عالم الناس كله

إنـا (الذكور واإلناث كما أخبرت كل اآليات وليس أولهـا

، بال داعي لما افترضه )13:الحجرات()خلقناكم من ذكر وأنثى

إنمـا (هو بعث شيء متحرك وانتـشاره، : البث .شحرور

، وإذا تعلقـت )86:يوسـف ()أشكو بثي وحزنـي إلـى اللـه

وقات فقد ارتهنت في كل اآليـات ببـدايات الخلـق بالمخل

ة(األولى حيث بث الدوابالكائنات الحي.(

:إذن، فإن آيتنا تنقسم إلى مرحلتين

" ربكم) + "مخافة" (اتقوا ") =اتقوا ربكم : (المرحلة األولى

.غرائزية-مخافة موضوعية> ----) طبيعية(األسباب

119

" اهللا) + "مخافـة " (اتقوا) = "اتقوا الله و: (المرحلة الثانية

.مخافة ذاتية واعية> ---) إيمانية(مسبب األسباب

ولذلك نجد أن في المرحلة األولى فصل بداية الخلق حيـث

الـنفس (كانت الخاليا الحاملة للجينـة البـشرية األولـى

ن خاليا حية سابحة في الماء األول تحمل الصبغتي ) الواحدة

، ثـم خلـق )خنثى(الذكرية واألنثوية، فهي عديمة الجنس

ة، ثـمة وخاليا أنثويمنها زوجها، بانقسامها إلى خاليا ذكري

نمت هذه الخاليا الذكورية والخاليا األنثوية كما تنمو الخلية

الملقحة تماما في الرحم، لتشكل كائنات بـشرية، الخاليـا

لذكرية كونت ذكورا، ولكـن لـيس األنثوية كونت إناثا، وا

إناثا وذكورا صغارا بل نموا في البيوض حتـى خرجـوا

بالغين أي نساء ورجاال، هذه هي مرحلـة ربوبيـة بحتـة

حتى لكأن الطبيعة هي التي تخلق، فليس مـن واع ) ربكم(

إذاك، هذه هي الحقبة األولى " اهللا"بشري موجود يعي اسم

ال رجـال ) رجاال كثيرا ونساء (كائن البشري لبزوغ هذا ال

واحدا وامرأة واحدة، وال رجال واحدا خلقت منـه أو مـن

ضلعه امرأة، وال رجال وامرأة تحدرا من قـرود أو مـن

سالالت أدنى، بل خلق بالغ، فصيلة مستقلة بذاتها قد انبثقت

م لما تطور وظلت تنبثق من الطين الالزب دهورا طويلة، ث

120

بعد دهر، فمن هؤالء الرجال وهؤالء النساء تم التـزاوج،

. فانتقل بعدها طور الخلق البشري إلى مرحلة األرحام

هذا الطور الثاني هو الذي خرج منه اإلنسان بعد أحقـاب

وعاصره، فأضحى اإلنسان كأنه يخلق نسله، وصار يـؤثر

ـ ث األبوان بإمكانه في الوليد المخلوق البشري القادم حي ا م

ا مأن يجعال الجنين سـويا أو مـشوها بـسوء تـصرفاته

وأخالقهما وما يتناوالن، وبمقدار كفرهما بأي نـسبة مـن

رقيبا هنـا " اهللا"الوعي باهللا واإلحساس به وبرقابته، فجعل

لدخول التصرف اإلنساني الحر ولحصول الـوعي عنـده

هو الرقيب هناك، بـل لـم " اهللا"باأللوهية ولم يكن مفهوم

ما أشهدتهم خلـق (يشهدهم سبحانه تلك المرحلة كما أخبر

السماوات والأرض وال خلق أنفسهم ومـا كنـت متخـذ

، هذا الخلق الطينـي المـستنبت )51:الكهف()المضلين عضدا

سـبحان الـذي خلـق (األول المبثوث قال سبحانه عنـه

الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومـن أنفـسهم وممـا ال

ونلمعاألزواج التي نبتـت مـن طـين األرض )36:يس()ي ،

أزواج مـن النـوع الـذي تنبتـه : (كانت كأصناف النبات

، وهذا قبل االنتقال إلى مرحلة التـزاوج، وهـي )األرض

، وهنـاك )من أنفـسهم (واج، أي مواليد ذكورية وأناثية أز

121

وهـو الـذي (وقد قال تعالى .أزواج تأتي بطرق ال نعلمها

أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومـستودع قـد فـصلنا

ونفقهم يكان وال يـزا )98:األنعـام ()1الآيات لقو ل ، فالمستقر

هو األرض، هو في البداية حين النفس الواحدة، وهـو اآلن

ولكـم فـي األرض (لكل إنسان يحبو ويمشي هو مـستقر

ن بلقـاح )مستقروالمستودع هو الذي في األرحام يتكـو ،

وهي عملية عكسية للبداية، حيـث اآلن تخلـق . الزوجين

النفس الواحدة من زوجين، وفي البداية خلق الزوجان مـن

.س واحدةنف

فبما أنا عرفنا أن البداية البشرية انبثقت من خاليا وحيدة ال

جنسية، انقسمت كل منها إلى خليتـين جنـسيتين ذكريـة

وإناثية، ما أنتج بفعل الظرف الخاص واليد الربانية خاليـا

كثيرة تحتضن أجنة بشرية، نمـت هـذه ) بيوضا(مخصبة

حتى فقست " األرض الطينية "عة في محضن الطبي " البيوض"

بعد أطوار طويلة اآلماد عن أفراد بالغين ناضجين جنـسيا

)رجاال كثيرا ونساء(.

هذه اآلية لها معنى باطن آخر، أن لكل نفس مثالها اآلخر، فالمستودع هو -1 ♦

ما كان في هذه الدنيا لالمتحان وهو المثيل، والمستقر هو ما كان في العالم لمستقر، النفس بقرينها اآلخر، عالم المثال، وفي اآلخرة يقترن المستودع با

).وإذا النفوس زوجت: (أو قل بصورة عملها

122

أجنة بشرية تولدت في بطن األرض وانشقت األرض عنهم رجاال ونساء بالغين

بما أنا عرفنا هذه البداية فقد عرفنا في الحقيقة النهاية أيـضا،

القبور الطينية عن رجال وإناث بالغين، ال عن كهول وال حيث تفقس

" أتـراب "عن أطفال، فليس في الجنة والنار أطفال أو كهول بل كلهم

كهولسيد "، وليس ثمة " أهل الجنة شبابسيد "، وهناك 1أي متساوون

. لتساوي المخلوقات الترابيةجاءتفي األصل " ترب"ولعل تسمية -1 ♦

123

هذه النهاية الشبيهة بالبداية والمحاكية لها، مغـزى آخـر "! أهل الجنة

)48:الكهـف ()لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مـرة (ووجه لقوله سبحانه

كمـا بـدأكم (، وقولـه )104:األنبيـاء ()كما بدأنا أول خلق نعيده (وقوله

ونود29:األعراف()تع( ةلمكان كاف تشبيه الكيفي ،)كما.(

ومن آياتـه ( أخبر سبحانه عنها هذه هي الصورة نفسها التي

ونتنتـشر ـشرب إذا أنتم اب ثمتر من خلقكم حيـث )20:الـروم ()أن ،

االنتشار جاء مباشرة، لكائنات بالغة خرجت مخلوقة للتو من التراب،

وهي الصورة نفسها واالنتشار نفسه الذي سيعاد فـي البعـث، يـوم

يخرجون مـن الأجـداث كـأنهم : (ا بينا سابقا، فقال تعالى اإلعادة كم

نتشرم ادر7:القمر()ج( .

علـى رأس سـورة 1ولعلنا ندرك اآلن سر وضع هذه اآلية

النساء، حيث كانت المرحلة األولى الغرائزية في حفظ النوع البشري

فيها إال كفحل إخصاب، مرحلة متأخرة، وأمومية بحتة ال دور للرجل

وفي المرحلة الثانية التي بدأت بآدم وحـواء، حـين أنـيط بالرجـل

)ة باتقـاء اهللا فـي ) اآلدميدور االلتزام باألسرة، جـاءت الوصـي

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها (-1 ♦

هما رجاال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن وبث من .)1:النساء)(الله كان عليكم رقيبا

124

األرحام، وصيانة المرأة وحفظ النسل واألسرة، وهـذا مـا أفـضى

.بالمجتمع ليكون ذكوريا، سواء بشكل صحيح أو باستبداد

وإن انبثاق الخلق البشري األول من الطـين جـاء بمراحـل

المعبـر عنهـا (مديدة بعد خلق الحيوانات قبله، إال األنعام األربعـة

فقد تزامن إيجادها مـع االنـبالج ) بثمانية أزواج ليبدأ تكاثرها بعدئذ

البشري ألنها صنعت خصيصا له، وجاءت بتخليـق خـاص أيـضا

ة بل بتدخل ليستأنسها ويتنشأ ضمن النشوءات الطبيعي سخرها، فهي لم

رباني خاص، بإنزال شفرتها وتخليق اآلالف منها إذاك مـع البـشر

بنفس الطريقة، بل اآلية تخبر أن تخليقها تأخر حتى تزامن مع انتقال

تكاثر البشرية إلى مرحلة التخليق اإلخصابي فـي بطـون األمهـات

وأنزل لكـم -لقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها خ(البشريات

يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا مـن بعـد -من الأنعام ثمانية أزواج

إله إلا هـو فـأنى خلق في ظلمات ثالث ذلكم الله ربكم له الملك ال

فونررون الذين خلطوا بـين . )6:الزمر()تصفمع تجاوز ما يقوله المفس

اآليات وساووها ببعضها وأخرجوها عن موضـوعها، وعجـزوا أن

يروا بين مفاصلها ارتباطا فأعادوا تفكيكها لتناسب أذهانهم ويروضوا

حة، ال تحكي ال عـن آدم فاآلية واض . اآلية ليستريحوا من معضلتها

وال حواء، وال بإنزال خراف من السماء، بل تـدلنا علـى أصـولنا

البشرية منذ صار البشر ينتجون أنفسهم، وأصول األنعام التي سخرت

125

لنا وبها عاشت البشرية ولوالها لهلكنا منذ البداية، فأصـولنا كخلـق

ك (حيوانيتحمل الشفرة األولى جاء من خاليا أولى ) بيولوجي متحر

)DNA( ،"رات " ثمبعد دهور وفي ظل ظروف مناسبة وتطو) جعـل

األصـل، انقـسمت DNAهو نسخة أخرى من الــ ) منها زوجها

لتكوين زوج آخر من الخاليا وهكذا استمر بهذا االنقسام التخليق كمـا

يحدث في بطن األم لذلك تركها سبحانه إيجازا، وقد فصلها سـبحانه

مـن مـصدر ( بوالدة البشر البالغين، وأنزل سـبحانه 1-ي النساء ف

أنـزل ) القرار في األرض حيث الجنة، والتدبير وتقريـر المـصائر

أصول األنعام الثمانية، وما دام الموضوع عن األصول بأنها الـشفرة

الجينية، فأصول األنعام المنزلة هي خالياها األولى الحاوية شـفرتها

ليقها بهذه الكيفية المقدرة بروعة والمناسـبة لنـا غـذاء الجينية، لتخ

وشرابا ولباسا ومركبا، لتتخلق بداياتها كما تكونا نحن لكـن بـصورة

جاهزة ومعجلة، متزامنا ذلك مع مرحلة التكاثر البشري بين الرجـال

ة إلى الطور الرحميوالنساء، التي انتقلت بالوالدات البشري .

: تطور الساللة البشرية- اسادس

*أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق اإلنسان من طين يالذ(

ثم سواه ونفـخ *ثم جعل نسله من ساللة من ماء مهين

126

ئدة قليال ما فيه من روحه وجعل لكم السمع واألبصار واألف

ونوالعجيب فـي هـذه اآليـة أنهـا . )9 – 7 : السجدة()تشكر

أعجزت المفسرين النحباسهم في الكماشة التوراتية، فمـع

بداهة أن"تفيد الترتيب والتراخي واتفاقهم على ذلك، إال " ثم

من طين كالتمثـال، ثـم " جبل"أنه " آدم"أن تصورهم عن

يد اإلله ونفخ فيه من روحـه، حيـرهم فـي اآليـة سوته

كيف جاء النسل من التمثـال : ..)ثم جعل نسله (الوسطى

الطيني البدئي وتكونت لذلك التمثال ساللة من مائه المهين

"بعدها "المني سبحانه -، ثم اه ونفخ فيـه -كما ينصسو قد

ألجـوف غيـر كيف أن تمثاال من الطـين ا ! من روحه؟

المستوي، بعد مدة أحقاب تخرج من منيه ساللة ونسل مـن

يه اهللا وينفخ فيه من روحـه -"ثم"والحظ -البشر، ثميسو

ليحيا؟ عجيب ها؟ بل أعجب منه العقل الذي يـصدق هـذا

إمـا أن : فهم بين ثالثـة أمـور .وتنطلي عليه تلك األمور

ن معتقـدهم التـوراتي أصدق القائلين سبحانه أخطأ، وإما أ

ا أنـة ال تفيـد فـي " ثم"عن آدم هو المخطئ، وإمالعربي

. اللسان العربي ما تفيده من التعقيب والمهلة

ا ابـنعا الثالثة أهون الشرور، وهذا ما تبناه البعض، أمطب

هشام فلم يقبل هذا، بل أجاب بأمر عجيب آخـر أن اآليـة

127

أي أنـه ! آلية األولى ال على الثانيةالثالثة هي عطف على ا

بدأ خلق اإلنسان من طين، ثم سواه (أعاد ترتيب اآلية هكذا

ونفخ فيه من روحه، ثم جعل نسله من سـاللة مـن مـاء

والمصيبة العظمى أن بعض المفسرين أو الكتاب، )!! مهين

يدافعون بحرارة عن مثل هذا، وهم يدافعون ال عن القرآن

عتقادهم المقلد، ثم يدمغون كالمهم بالختام الملكـي بل عن ا

وهذا معروف أو شائع فـي القـرآن وفـي اللغـة : (هكذا

ال هو ليس بمعروف وال بـشائع ال فـي : ، فنقول )العربية

!! القرآن وال في اللغة

لكن الحقيقة المؤسفة بل والمخجلة أن كل تلك التخريجـات

فقط؛ هو نفسه الـذي هربـوا منـه إنما أفادت أمرا واحدا

جميعهم وتحاشوه تنزيها هللا تعالى، هو أن اهللا عـز وجـل

، أو قد أخطأ في ترتيب آياتـه "ثم"فعال قد أخطأ باستخدامه

.سبحانه وتعالى عما يصفون! سهوا

عموما، المتأمل المتجرد يـستطيع أن يالحـظ بوضـوح

ن بدأت بمخلوقات تولدت مـن أن بداية خلق اإلنسا : وإيجاز

الطين، ثم بعد مدة صارت تتناسل فكونت سالالت بالتكاثر

أي (، ثم تمت تسوية المخلوق هذا )من ماء مهين (الزوجي

الذي يراد له أن يصير إنسانا نهائيا بالنفخ فيه مـن ) أحدهم

128

الروح اإلنسانية وإمداده بالمدارك المركزة لـه وألجيـال

:التالي) 1-الشكل(الحظ . ذريته

* أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق اإلنسان من طين الذي(

ثم سواه ونفـخ *ثم جعل نسله من ساللة من ماء مهين

ة قليال ما ئدفيه من روحه وجعل لكم السمع واألبصار واألف

ون9 - 7: السجدة()تشكر(.

129

)1-الشكل(

من طين

من ماء مهين

سواه ونفخ الروح

بعد عشرات أو مئات آالف السنين

ثم

ثم

صار ينسل ويتكاثر من ذكر وأنثى

بدء خلق اإلنسان)البشر األوائل(

بعد عشرات أو مئات آالف السنين

آدم وحواء

130

:أما في بسطها وتفصيلها فنلحظ التالي

اهللا أحسن كل شيء خلقه، فهناك مسيرة في إحسان كـل -1

.خلق، ولها بداية، ثم تطور، ثم تسوية

حل، كما بين نوح خلق اإلنسان حتى صار حسنا مر بمرا -2

وقـد خلقكـم *ما لكم ال ترجـون للـه وقـارا ) (ع(

يذكرهم بفـضل -)ع(نوح -، وهو )13،14:نوح()أطوارا

ربهم أنه أوصلهم إلى أحسن طور، الذي هـو أحـسن

تقويم، فما هي هذه األطوار التي امتـدت لعـشرات أو

ـ سنين حـسب اآليـات مئات اآلالف أو ماليين من ال

أعاله؟

) = البويضات الطينية األولـى (بدء خلق البشر : األولى

."الخلق" = "بدأ خلق اإلنسان من طين"

مسيرة عمليات التسوية في (تحسين خلق البشر : الثانية

ثم جعل نسله من ساللة مـن ) = "نسل الساللة

."ماء مهين، ثم سواه

إتمـام (تطـويره إلنـسان إحسان خلق البشر ب : الثالثة

ثم سـواه ) = " ونفخ الروح -التعديل-التسوية

."نهاية التسوية" = "ونفخ فيه من روحه

131

اإلنساني، المخاطبون من اهللا بوجـوب التوالد :الرابعة

= الشكر أصحاب السمع واألبـصار واألفئـدة

"...وجعل لكم السمع "

ات؟فما هي االستفادات من هذا التسلسل العجيب لآلي

الحظ الكالم عن اإلنسان في مراحله، فحين كان طينا : أوال

هو ليس إنسانا، وحين كان ساللة بشرية ليس إنسانا،

فهذه مراحل تكوينـه، كمـا نقـول نخلـق الطاقـة

الكهربائية بدءا من تيار الماء، بوضع توربينات على

مجاريه القوية، ثم حصر الحركة المتولـدة ضـمن

طيسي لتتولد شحنات، نسوقها عبر أسالك مجال مغنا

مكونة الكهرباء، فالكهرباء ليست الماء بـل بـدايتها

هناك، وهي ليست حركة التوربينات، بل هي آخر ما

وبـدأ خلـق "ينتج من تلك البدايات، لذلك قال تعالى

".اإلنسان

الطين هو الطين، أي مزيج التراب مع الماء، ومرت : ثانيا

ماليين السنين حتى صـار قـابال ألن عليه ظروف

يكون مادة للحياة باحتوائه على األحماض وغيرهـا،

ومما أخصب الطين ليكون قابال إليالد الكائن المعقد

اإلنسان فيه، هو المخلوقات التي وجدت قبلـه مـن

132

الكائنات المجهرية مرورا بالعضويات والالعضويات

انات، هذه هـي البيئـة الصغيرة إلى النباتات والحيو

األولى التي تشكل فيها بداية المخلوق البشري الـذي

سيغدو بعد أحقاب إنسانا، فتولد أوال من الطين كائنـا

لـم "بشريا بالغا يدرج كما الحيوانات، المخلوق الذي

حاله ككـل المخلوقـات المنبثقـة " يركض في رحم

أسـاطير سـومر المنبثة األولى، والتي عبرت عنه

، وتوضحها آيات قرآنية )لم يصبها ألم الوالدة (وبابل

.أخرى

مواد ( ذلك الكائن البشري الخارج من تفاعالت الطين : ثالثا

، ليس فردا، )الماء ومركبات التراب وعناصر الحياة

وليس جنسا واحدا، بل هو مجموعة ذكور وإنـاث،

إلى مرحلة تكاثره بدليل أنه انتقل غرائزيا بعد أحقاب

بواسطة التوالد للتخلق من الماء المهين أي بالتزاوج

الجنسي، ال بالتولد والتخلق من طين األنهار وهـي

الحقبة التي استمرت آمادا طويلة حتى انتهـت شـيئا

،والمنـاخي الخـاص فشيئا مع انتهاء الظرف البيئي

ر التزاوج انتقلت الصفات التخليقيأ في ففي طوة لتخب

).السائل المنوي(الماء المهين

133

عربيا هي امتداد شيء من شيء في رفق " الساللة"و

المـادة (وخفاء، فهي تصدق أوال على تطور الطين

يـصل " تسلسل زماني مديد جـدا "عبر ساللة ) الحية

لمئات الماليين مـن الـسنين، أسـهم فـي تطـور

بل البشر، فهو خصائصه، كل األحياء التي خرجت ق

حسب السومريين، فقد " لب الطين "أو خالصة الطين،

وتـصدق .مر بسالسل معقدة من تغير الخـصائص

إن .ثانيا في تكون األحماض النووية، وسالسل الـدي

.إيه، في الطين إلنتـاج المخلـوق البـشري األول

وتصدق ثالثا على اتصال الخليتين الجنسيتين الذكرية

إيـه .إن.الـدي " سلـسلة "ألنثوية في الرحم ليكونا وا

ونالحظ (للمخلوق الجديد من الماء المهين هذه المرة

أيـضا " سـل سـاللة "هي من الفعـل " سلسلة"أن .(

وتنطبق رابعا على انقسام هـذه الخليـة المخـصبة

األولى برفق وخفاء ونمو وامتداد فـي الـرحم فـي

وخامسا . شكل المخلوق الجديد سلسلة تطورية حتى ت

هو االمتداد التكاثري الخارجي فكل ذكـر يخـصب

أنثى فيكونان مخلوقا بشريا جديدا، وهكذا فـي كـل

134

مرة، فيتكون للمخلوق جنس وامتـداد هـو الـساللة

. البشرية التي هي النسل

يأخذ بعـدا علويـا، علـى " الساللة"سوى أن مفهوم

الذي هو انحـداري، فـالطريق " النسل"م عكس مفهو

، بينما من آدم إلينا )آباء(منا إلى آدم يمر عبر ساللة

، وقد بين سـبحانه أن النـسل )أبناء(يمر عبر نسل

) وهو التناسل واالنحدار من جيل أعلى لجيل أسـفل (

صار يتم من الساللة التي بدورها جاءت مـن مـاء

المخلوقين بداية مـن إلناثوامهين، هو مني الذكور

جعل نسله . (طين أرضي من سـاللة > -- ثم -- <

بـدأ خلـق (من البشر المخلوق > -- من ماء مهين

:، ومقلوبها الزماني)من طين> --) اإلنسان

مـاء > ---ذكور وإنـاث > ---بدء الخلق طين

النسل البـشري > ---ة ـساللة بشري > ---مهين

أي ظهـور " فيه من روحـه ثم سواه ونفخ "> ---

.اإلنسان

؟"ساللة"ولماذا صار ينسل من ساللة؟ أي لماذا قال

135

ة انتخاب طبيعـيثم هناك سالالت، وأن ن أنبيهذا ي

حـسب (ورباني، للساللة التي سيخرج منها اإلنسان

كما يبين أن ثمة تسوية وتحـسين ). اآلتي 2-الشكل

لة، فكل نـسل أو تجري على قدم وساق في كل سال

عدة أجيال منه، يصير ساللة، بمعنى حصول تطـور

في النسل، وهو المسمى بتحسين النسل، حتى وصل

إلى استواء طبيعي مناسب ومقبول الختيار اإلنـسان

منه، فتم التدخل الرباني إلتمام التسوية عليه بتسريع

المـصنع التخليقـي -بعضها وتعديل اآلخر في الجنة

.خيراأل

التسوية ونفخ الروح، فالتسوية أخذت طورا مديدا فـي :رابعا

تحسين الساللة البشرية حتى انتصب بمقدار مناسب،

بتغير ظروف األرض وجاذبيتها، وصار قادرا على

توظيف يديه في المـصنوعات، وتطـوير أصـوات

خاصة به كنظام تواصلي، ونظام اجتمـاعي، حتـى

على ذروة التسوية المناسبة ألعضائه اختير ليحصل

حسب " إحسان خلق اإلنسان "وجوارحه، وهي مرحلة

ة بواسطة )الذي أحسن (بداية النصبالتسوية النهائي ،

قوى التخليق من المالئكة الصافة، بالتعديل الجيني له

136

، وإيتائه العقـل المفكـر، )آدم وحواء : لزوجين منه (

.فيه" وح الوعير"ونفخ الروح الربانية

البدئي من الطين، ثـم " الخلق: "هذه المراحل الثالث

وتحـسين نـسلها بتغيـر " تسويتها"تكاثر الساللة و

الطبيعة الخارجية عبر قرون وأحقاب وتعلمـه مـن

بتـدخل القـوى " بالتعديل"الطبيعة، ثم إنهاء التسوية

م الربانية إلخراج اإلنسان الكامل الذي في أحسن تقوي

من جميع الجهات، من أعلى تطور لنسل تلك الساللة

هذه المراحل . المستوية وأقصى ما استطاعت بلوغه

يا أيها الأنسان (عبر عنها القرآن في سورة االنفطار

*فعـدلك فسواك خلقك الذي *ما غرك بربك الكريم

، وأنـه )8-6:االنفطـار ()ء ركبـك في أي صورة ما شا

تغيرت صورته من طور إلى طور، منذ أنبتهم مـن

، ففي كل طور يركب )ع(األرض نباتا كما قال نوح

صورة غير التي سبقها، حتى عدله فجعلـه إنـسانا

.واعيا مختارا يخاطب باإليمان أو بالكفر

الروح، كلها مفردة نالحظ أن الضمائر قبل النفخ من :خامسا

تتكلم عن البشر البدائي منذ بدايته إلى مرحلة تخليق

137

ـنم اإلنسان منه، فتتكلم عنه كواحد، كجنس، ال يهم

بـل (هذا ومن ذاك، مع أن له نسال، وصار سـاللة

وجموعا، لكنه يذكر كواحد، وكأنه كله من ) سالالت

لتخـصيب أجل أمر واحد، كذكور النحل التي تخرج

الملكة فالمطلوب منها واحـد فقـط، وكالحيوانـات

المنوية المليونية التي تتسارع لتخصيب البويضة، ما

المطلوب إال واحد، والباقي ينتهي دورهم ويتالشون

ينهـي حقبـة ) آدم(بعد التخصيب، فانبثاق اإلنسان

أولئك الذين ال تمايز بينهم وال عنوان، ليأتي بعـدها

تميز بصيغة الجمع لألناس الواعين األلوهة خطاب ال

) عمتشكرون.. وجعل لكم الس .(

من ذريـة آدم اإلنـسان ( كل الناس هم من بني آدم :سادسا

أدوات العلـم (، جعل لهم سمع وأبصار وأفئدة )األول

يقـل )واإلدراك، أدوات العقل فوق الغريزي ولـم ،

من روحه، فهذا يدل أن سبحانه أنه سواهم ونفخ فيهم

التـسوية "كل الناس بعد آدم يرثون بـالوالدة تلـك

مـن آدم األول، ويرثـون ) التعديل الجيني " (النهائية

واآلن .جزئية الروح اإللهية المنفوخة فيـه، تلقائيـا

:لنرسم الشكل الكلي للعملية

138

)2-الشكل(

:التاليينالرسم أعاله بيان مطابق للنصين القرآنيين

139

*الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق اإلنسان من طـين (

ثم سواه ونفخ فيـه مـن *ثم جعل نسله من ساللة من ماء مهين

ة قليال ماألفئدو ارصاألبو عمالس ل لكمعجوحه ورونالـسجدة ()ا تشكر :

7 - 9(.

ثم جعلناه نطفـة *ولقد خلقنا اإلنسان من ساللة من طين (

ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنـا *في قرار مكين

لعظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله المضغة عظاما فكسونا ا

الخالقين نسأح* تونيلم ذلك دعب إنكم ـة * ثمامالقي مـوي إنكم ثم

ثونع16 – 12: المؤمنون()تب(.

:لفالنصان يوضحان، وكما الرسم أيضا، ثالث مراح

مرحلة من الطين إلى الماء المهين -

مرحلة من الماء المهين إلى نفخ الروح -

مرحلة ما بعد نفخ الروح -

أما النص الثاني منهما بالخصوص، فمع أنه يشرح المراحـل

، يـصف 16 و 15الثالث أيضا، فإنه لوحده أيضا، ومن دون اآليتين

ون القرار المكين فيها هـو المرحلة األولى لوحدها أيضا، على أن يك

بيوض طينية في األرض، والنطفة هي بذرة الخاليا البشرية األولـى،

اإلنشاء في األرض كاإلنشاء في األرحام تماما، مع فارق أن ذلك ألن

140

الخارج من رحم األرض مخلوق بالغ، والخارج مـن رحـم األنثـى

.طفل

أ خلق اإلنسان مـن لقه وبد الذي أحسن كل شيء خ ( فاآلية

ثم سواه ونفخ فيـه * ثم جعل نسله من ساللة من ماء مهين *طين

من روحه وجعـل لكـم الـسمع واألبـصار واألفئـدة قلـيال مـا

ونجواب لسؤال ع ،)9 - 7 : السجدة()تشكر هذا اإلنسان الموجـود : لمي

الـذي ) كجنس(أن هذا اإلنسان : أمامنا اليوم كيف وجد؟ اآلية تجيب

:هو أنتم

وهو األجيال البشرية األولى والـسالالت (بدأ خلقه من الطين -1

.، وهو لم يكن بعد إنسانا)الالواعية

2- في مراحل الحقة، قام يتزاوج، وصار ينسل نفسه من منـي ثم

.ذكر وأنثى تلك السالالت

" اإلنـسان "ليسوي ) الذكر واألنثى (ثم انتخب زوجين من جنسه -3

.اآلن فقط، ونفخ فيه من روحه

ليظهر بعدها الجنس اإلنساني برمتـه الـذي ألفـراده الـسمع -4

.واألبصار واألفئدة والمعاني الباطنة كالشكر والكفور

141

يقرأ القرآن تقليدا، وأسير اآلراء، قد وننوه أن اإلنسان، الذي

يجد غضاضة في مثل هذه الفكرة، فيقوم سراعا كما أخبر القرآن من

شأن اإلنسان بالمجادلة بالباطل ليدحض به الحـق، ولنـسف بنائيـة

النظام القرآني وضمائره، على حسب مدرسة التـرادف واالعتبـاط،

الناس ) ع(فإذا كان علي جادله بـالقرآن وهو أعلمن يد مبالقرآن وج

ال (بقانون الترادف والالنظام بمعنـى ) إن الحكم إال هللا (أيضا وصير

، فال غرو أن يجد أي أحد مبتغاه من أي آية، لكن بشرط )إمرة إال هللا

اللعب بآيات اهللا بأن يشوه اللسانية المبينة لتلك اآليات فال يأبه كيـف

قط رأيه على القرآن وكيف يخلخل التركيب والمنطـق والكلمـات يس

واألحرف، وبصراحة تامة ال يهمه معرفة الحقيقة بمقدار مـا يهمـه

.إثبات رأيه ودفع أي رأي مقابل

فمن اآلراء التي تصر على الفرار عن الحقيقة، تلـك التـي

من الطين، ثـم تجعل موضوع اآلية هو اإلنسان عموما، تتكون مادته

هكذا، فـال ! يصير نطفة من ماء مهين، ثم ينفخ فيه الروح في الرحم

يهم ترتيب القرآن وال سر مفرداته وال ضمائره وال سياقها المـرتبط

بالتدبير األلفي في ليلة تقدير وجود اإلنسان األول، وال توقفت لتـسأل

وكـان ينبغـي ) عل نـسله ثم ج (في قوله " نسله"ما فائدة وجود كلمة

، وحتى "جعل نسله "ال " ساللة من ماء مهين - هو -ثم جعله "التعبير

جعلـه "ال " من ماء مهين نطفةثم جعله "هذه ال تمشي بل المفروض

142

ولقد خلقنا اإلنسان من (: ، كما قال تعالى في سورة المؤمنون "ساللة

، وإلـى مـا )13-12() في قرار مكينجعلناه نطفة ثم*ساللة من طين

!هنالك من أغاليط عديدة؟

ويحدونا األمر باإلشادة بتعليق هو خير ما وصل إليه مفـسر

ن من اإلنـسان الكامـل بالكمـال إلى فردي بانتهاء النسل وأما القول (

ـ الفكري -أي صـعودا - ثـم ،)أي آدم وحـواء (د من طريق التول

ر من نوع آخر من اإلنسان غير الكامـل انشعابهما وانفصالهما بالتطو

البشر الالواعي (بالكمال الفكري ثم انقـراض األصـل وبقـاء ،)أي

فيدفعه .د منهما على قاعدة تنازع البقاء وانتخاب األصلح الفرع المتول

آدم خلقه من تـراب ثـم إن مثل عيسى عند الله كمثل (: قوله تعالى

كونفي كن 59:آل عمران ()قال له( م وما في معناه من على التقريب المتقد

.1)اآليات

، لم يكن لديه من إشـكال إال ظنـه )ره(فهذا المفسر الكبير

. التي سنتعرض لها" إن مثل عيسى"التعارض مع آية أخرى هي

رض أنه، وفق مخطط وتدبير ربـاني كـون نفت :فالخالصة

شفرات أزواج مخلوقات اليابسة، وظهرت إلى الوجود بدءا في الطين

كالمجهريـات الذي أنتج أقل المخلوقات تعقيدا ) الهيولى األول (األول

.258، ص16، مجالميزانالطباطبائي، -1 ♦

143

النباتات، لمئات ماليين السنين، أسهمت بدورها الحيوي فـي نقـل و

قد ويحتوي على مركبات عـضوية أكثـر، الطين لحالة أخصب وأع

فتطور الطين ليوجد مستويات من الخلق أعقد كالحيوانات من أدناهـا

شيئا فشيئا ألعالها، وهكذا حسب دورات الحياة، وفي محاكاة قريبـة

للسلسلة الغذائية، كلما انوجد مخلوق هيأ بتواجده وموته عبر ماليـين

ل إلى مستوى في الخلق أعقد، حتـى تـوج السنين، هيأ الطين لالنتقا

الغنى الخصبي للطين، بإخراجه آخر المخلوقات وهم البشر األوائـل،

سريعي االنقراض بحيث لـم الذين يبدو أنهم خرجوا عقيمين أوال، أو

، ثم بموتهم وتحللهـم يستطيعوا تكوين نسل طبيعي يعيد دورة حياتهم

وهكذا، فيتطور الطين إلخراج جيـل من رحم األرض يخرج آخرون

ثان محسن عن األول، واستمرت هذه الحالة أيضا مئات اآلالف مـن

السنين وكانت أعمارهم قليلة، باعتبار الظرف القاسي المحدق بهـم،

على التـزاوج ةل البشري اجي األ نجحتوألنهم يخرجون بالغين، حتى

، فانتقـل وقادر على التناسل لتنسل نفسها أو خرج جيل أخير محسن

الـذي التكاثر عندها إلى األرحام، متزامنا مع انتهاء الظرف الطبيعي

ـ أج خـر بدأت ت إليالد البشر من األرض، ف هيأ مـن البـشرية لاجي

، وبدأت عمليات التحسين في الساللة جـيال بدال من األرض األرحام

يـسمح بانتخـاب ، حتى بلغ مرحلة تطور مناسـب وراثيا بعد جيل

. زوجين منه لنفخ الروح فيهما وتحويلهما إنسانين

144

: غرض النسل اإلنساني- سابعا

إن الجنس البشري القائم قبل آدم كان يتبع النظـام

وحـسب الفكـر (األمومي، أي نظـام الطبيعـة

ــدعى بالنظــام األمــوميي والبــابلي الــسومري

العشتاري( واإلخـصاب ، نظام التزاوج العـشوائي

حيث ال وجود إال ألم ترعى " أمومي"لبقاء النوع، و

الصغار، والرجل ما هـو إال فحـل لإلخـصاب

كممالك الحيوان، وبخلق اإلنـسان انتقـل نظـام

حسب المـدونات " إيل"نظام (االجتماع إلى األسرة

-لدى الجـنس المتميـز -لتسود المعرفة ) القديمة

لدى الكائن الجديد كمـا باإلله وبالكون وبالخالئق،

يـا أيهـا النـاس إنـا (بين ذلك سبحانه في قوله

خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شـعوبا وقبائـل

لـيمع الله إن الله أتقاكم عند كممأكر فوا إنارلتع

ذكر واألنثى هنا همـا بدايـة ، فال )13:الحجرات()خبير

الموجود اإلنساني ال البـشري، أي آدم وحـواء،

منهما نسلت الشعوب والقبائل اإلنسانية وكرم بنـو

.آدم بوعي اإلله

145

هذه البداية القادحة تاريخيا، وغرضها الرئيس، أثبتها سبحانه

:في قوله

) جة واحدنفس و من الذي خلقكم وه كنسا ليهجوا زل منهع

ا اللهوعا أثقلت دت به فلمرال خفيفا فمملت حما حا تغشاها فلمهإلي

الشاكرين من الحا لنكوننتنا صآتي ا لئنمهبـالحا * را صما آتاهفلم

أيشركون ما * ركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون جعال له ش

خلقوني مهئا وخلق شيهنا هي " نفس واحدة "، )191ـ 189: األعراف()ال ي

النفس اإلنسانية األولى، أي آدم، وليست الخلية الحيوية األولى كـالتي

وهـذه .، كما بينا فيمـا سـبق )6:، الزمر 98: ، األنعام 1:النساء(في

اآليات تبين الغرض من خلق آدم وحواء، وتكوين نظام األبويـة، أي

نظام األسرة التي فيها أب وأم يرعون أبناء تسمى الذرية اإلنـسانية،

يبسط لها في الجسم والعلم، لتكون ذريـة ربانيـة تـستعمر األرض

لقها وغاية تخليقها اإلنساني، ال نسال حيوانيا بالخير، تعرف ربها وخا

انييا بال روح ربا مادفيه، فلو أراد سـبحانه ذلـك ألبقـى ةغرائزي

الشريعة األمومية فقط ولم يرفع البشر من حضيضهم إلى اإلنـسانية

.بالعقل والروح والتخليق الجيني المطور المتميز

من نفس واحدة مخلقة بهـذه فخلقنا سبحانه بهذه المواصفات،

، وجعل من نفس النسخة تماما )الذكر اآلدمي (الفرادة لتنتهض لدورها

ذكـرا (، فصارت الـنفس اإلنـسانية ")حواء"األنثى اآلدمية (زوجها

146

، لتنبثق اإلنسانية وتنسل منهمـا، ويكـون دائمـا أب وأم، أي )وأنثى

المشروع اإلنساني اإللهي المتولد، إنسانان معا، ليقوما شراكة بتعاهد

جعال من نفس الشفرة وذات المكون ليسكن الزوج إلى زوجه، الواحد

إلى اآلخر، من جميع الجهات فكريا ونفسيا وروحيا فيقع االنـسجام،

تناغم السويب المنبت المالطي ية صالحة في هذا الجولتأتي الذر.

تم ربانيـا، فقـد نقـل ) دم وحواء آل(فإذا كان التخليق األول

التخليق اإلنساني بعدئذ إلى األبوين بتغشي الذكر األنثـى بدايـة ثـم

. بممارسة التربية ضمن الوصايا الربانية المعهودة من جهة ثانية

ه "ولكناإلنسان الظلوم لجنسه الجهول برب " خالل مسيرته قد

اهما يستحضران اهللا ربهما فـي أخل بالميزان، فكل ثنائي زوجي، تر

قلبهما في أحلك الظروف، ظرف إثقال الحمل والتوجس، ويـدعوان

، لكنهما بعدئذ حين التربية يورثـان )بيولوجيا(بالذرية الصالحة جسما

أبناءهما المولودين معافين، يورثانهما العلم الخطأ والشرك والسفاسف

وخلق معلما ربانيا ليعلم أجياله وذراريـه كرم " اإلنسان"والبهائمية، و

الصواب ال الخطأ، والحق ال الباطل، والخير ال الشر، فقام اإلنـسان

يعمل العكس، حتى صار أكثر األخطاء والخطايا الموجودة المنتشرة،

قالوا بـل وجـدنا : (يعزى أصلها إلى التوارث سواء من تقليد اآلباء

، أو إهماال مـن اآلبـاء أوان التعلـيم )74:الشعراء()لك يفعلون آباءنا كذ

، )24: المؤمنـون ()ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين : (فتحتج األبناء بعدئذ

147

.فتجنح أفعال األبوين بالذرية بعيدا عن الفطـرة واالتجـاه للخـالق

بهائمية ومدرجا للوعي ومغرسـا فاألسرة التي جعلها اهللا حصنا عن ال

للقيم، انقلبت وصارت عشا لبذر المادية ووكرا للشرك وموبئا لـسوء

. التربية والسلوك

شـقها فيودليلنا أن اهللا يحكي عن المسيرة اإلنسانية جميعها

األسري) اء بالخصوص، قولـه فـي ذيـل ) كل أب وأمال آدم وحو

ا صالحا جعال له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما فلما آتاهم (اآلية

شركونـشركون (، )190:ألعرافا() يا يـا (ولـيس ) فتعالى اهللا عمعم

).يشركان

:ختام الفصل

رأينا كيف أن اآليات تصرح بدقتها أن األصل الذي خلق اهللا

لماء والتراب وعناصره، ويقرر منه البشر هو الطين الذي هو مزيج ا

العلم الحديث أن الحياة ظهرت على هذه األرض أول ما ظهرت على

الـذي ضفاف المسطحات المائية حيث يتكون بجوارها طمي الطـين

فـي ذلـك -ينشأ منه الزبد والحمأ المسنون على مر السنين، فنبتت

، ثم تعقد الخلق أوال الكائنات المجهرية البسيطة -الظرف وتلك البيئة

فجاءت الطحالب، فالنبات فالحيوان فالبشر، وأن هـذا التطـور فـي

148

حاالت الطين وأشكاله السالفة الذكر والظروف حدثت عبـر مئـات

الماليين من السنين حتى أثمرت شجرتها األولى، وكان أعقد و أكمل

وآخر ثمره من ثمارها وختامها هو البشر، الذي منه بعد مـدة صـنع

يا أيهـا الأنـسان (اإلنسان الخالد بروحه المتطور إلى وعي األلوهة

.)6:االنشقاق()إنك كادح إلى ربك كدحا فمالقيه

ومع هذا الكم المتواتر والهائل من آيات الحق التي ترسم كل

ثم مع بعضها، خارطة الخلق البشري واحدة منها منفردة، ثم ،اآلدمي

إال أنه من المؤسف، أن البعض ال يهمه إال القدسيات الزائفـة لغيـر

كتاب اهللا، وقد رد أحد المفكرين على مقالة مصطفى محمود في كتابه

حين استفزه تعليقه على قولـه )" 54( ص -التفسير العصري للقرآن "

بمراحل التخليق أن آدم مر : بقول) ولقد خلقناكم ثم صورناكم : (تعالى

إن يجهـل : (والتصوير والتسوية واستغرقت ماليين السنين، رد عليه

لو تأمل مصطفى محمود في : (، ثم عقب )العربية فوقع في المحظور

إن مثل عيسى عند اهللا كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال : (قوله تعالى

ماليـين في رحم أمه استغرق ) ع(، فهل خلق عيسى )له كن فيكون

السنين؟ ومر بـأطوار حيوانيـة مفترسـة كمـا زعـم مـصطفى

ـ .)!!!محمود؟ ال حـول وال قـوة إال بـاهللا، واهللا : أما تعليقنا نحن ف

.المستعان

149

أي محظور هذا وأينه، حين يعتق القرآن من سطوة : ونتساءل

ئق التوراة؟ وأي محظور من اتفاق الحقـا )يهوديات (تأثير إسرائيليات

العلمية مع القرآن، ولسنا نعني تفسيره بهـا وبالنظريـات المتقلبـة،

فالقرآن يفسر بعضه ببعضه ومستغن بنفـسه، حتـى عـن جهابـذة

المفسرين؟ وهل آراؤنا المفسرة للقرآن والمخالفة للعلم، هـي القـرآن

نفسه ليكون الخروج عنها خروجا إلى المحظور؟ متى سـيتفعل هـذا

القرآن إن بقي مطمورا هكذا تحت جهل أو قصور حامليه؟ مـا هـذه

المشاجب التي ترفع على من خالف رأيا جامدا غير قرآنـي وغيـر

مقدس، بأنه ال يفهم العربية أو الدين؟ فهل العربية سر كيميائي نـادر

ط المحتج أم أن العرب ال يعرفون لغتهم؟ ثم هل القياس السابق المغال

سـر التمثيـل ) ذلك القيـاس (به يشي عن فهم للعربية حقا؟ هل يفهم

ومغزاه في العربية، وماهية الزاوية الممثـل بهـا؟ وأيـن ") كمثل("

السياق القرآني لنرى من وقع في المحظور وفـسر القـرآن برأيـه

ر، فقـط وصادم القرآن بعضه ببعض ليوحي بتناقضه وهو ال يـشع

للتشبث باألطالل القديمة؟

وطردا لهذا القياس، وعلى منواله نمضي حسب الفهم التقليدي

آدم جبل من الطين كالتمثال، وألقي علـى : التوراتي الشائع فينا لنقول

سنة، فكيف بالمثل عجن اهللا تمثال عيسى؟ 40باب الجنة حتى يجف

ليكون خلـق ! يطان فيه ويخرج؟ سنة ليجف ويدخل الش 40وأين ألقاه

150

ثم كيف زرع هذا التمثال الطيني في مريم ! عيسى لدى اهللا كخلق آدم

! بعد ذلك جنينا؟

وأين المثلية، في أن عيسى قد جاء الملك إلى أمه وتمثل لهـا

بشرا تاما ونفخ فيها روح اإلنسان باعتبار المولود سـيجيء مـن أب

ليس من دعت غير بشريوح التي أونسل آدم، فكيف تصله نسمة الر

الذرية؟ عموما، فادعاء المثليـة ) جينات(في آدم وانتقلت في أصالب

أين ذاك الملك الذي زار أم آدم وتمثل لها بشرا ونفخ فيها مـن : يسأل

!روحه، بدل أن ينفخوا في آدم مباشرة؟

ياس ذاك، وهو مزر فـي الحظ أن قياسنا المعوج هو نفسه الق

الحقيقة ومخجل، وال يفيد علما بمقدار ما يفيـدنا خـصاما ولجاجـا

وابتعادا عن بريق القرآن وروحنته في حروب ال أخوية وتـسفيالت

!كالمية

القرآنية ) مثل كذا كمثل كذا (أما عن مغزى التمثيل، وصياغة

أن اهللا عـز : اصل بغصته االحتجاج والعربية، فلقياسنا المعوج أن يو

حملوهـا كمثـل مثل الذين حملوا التوراة ثم لـم ي (وجل يقول أيضا

الحمار له أذنان طويلتان : فطبقا لذاك القياس نستنتج )5:الجمعـة ()الحمار

نفقون أموالهم في مثل الذين ي : (ويقول! وذيل، فهل للتوراتيين أيضا؟

فهـل أولئـك المحـسنون )261:البقـرة ()...سبيل الله كمثل حبة أنبتت

في األرض وسقوا ماء وطلع من فـوق رؤوسـهم ) كالحبة(طمروا

151

فهـل )176 :ألعـراف ا()فمثله كمثل الكلب : (ويقول! الحشيش والسنابل؟

مثل الذين (و! كان يدلع لسانه ويلهث وينبح كالكلب؟ اإلنسان المذكور

فهل يخرجون خيوطا من مـؤخراتهم )41:العنكبوت()كمثل العنكبوت ...

أو يعششون في زوايا الغرف، ولهم ثمان أرجل، وأنثاهم أضخم مـن

نفـة ها، وأمثلتنـا اآل لمرء أن يحشد كثيرة يستطيع ا ترهات !ذكرهم؟

، ونعتـذر بل سوقها نعده استهزاء بآيات اهللا واحتجاجاتنا كلها سخيفة،

هللا العلي ولكتابه العزيز وللقارئ المؤمن والعاقل منها، لكننـا نرمـي

لحاجة؛ أن قائمة آيات القرآن قاطبة تنفي هذا القياس الغريـب عـن

ة تقودنا لألسـف العربية والبعيد من المنطق، لكن جداالتنا غير المثمر

لمثل هذا التالعب واالستخفاف بآيات القرآن والتراشـق بهـا، فـي

حروب غير مقدسة عن آرائنا بتمزيق المصاحف ورفعها فـي وجـه

.الخصم

لـو سـلمت -هداهم اهللا وإيانـا -إن غاية جميع المتجادلين

ه، ال غيـر، وتثويرالنوايا وأحسنا الظن، هو الدفاع عن قرآننا األقدس

من أجل كينونتنا ورفعتنا، إذن؛ فلنفكر في اآليات ولنفهمها كما هـي

مجردين من آرائنا وأوهامنا، فال نأتي بها ونحن نلوي لسانها لتـشهد

على ما نقول شهادة زور، ونضع في فمها ما نريـد قولـه، ونـسبغ

ود عليها لبوسنا، أي عار علينا أن ننطق القرآن بهوانا وعصبيتنا ورد

!أفعالنا؟

152

واآلن، لو عدنا إلى اآلية بصفاء فكر وزكاة نفس لنقرأها فـي

إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم (سياقها كما هي

كونفي كن ة عيـسى )59:آل عمران ()قال لهفقد جاءت هذه تتويجا لقص ،

ى طائفة نصارى نجران إذاك ولآلن لدى البعض، فـي المؤله لد ) ع(

ال يخـرج ) ع(معرض إقناعهم وكشف اعوجاجهم، فبينت أن عيسى

عن طرق الخلق البشرية، له جسم ترابي، مستكن في بويضة مـريم

، ثـم هـو روح "بشرا"التي فعلت وخصبت بالملك التدبيري المتمثل

ة آلدم ) ع(لك، باعتباره منفوخ فيها من الميأت من الساللة الذكوري لم

فلم يرث نسمة الروح العاقلة، فحصوله علـى الـروح ال بالوراثـة

كاآلدميين بل كما حصل عليها آدم مباشرة، فتشابهه مع آدم في هـذه

الخصيصة بالخصوص، ال أكثر، بدليل أن نفـس القـصة يـسردها

ذلك عيسى ابن مـريم قـول ( بعدها سبحانه في سورة مريم ويعقب

ونترمق الذي فيه يبه روح تماما كـآدم ) ع(، فهو )34:مريم()الح بشر

قالت لهم رسلهم إن نحـن إلـا بـشر : ( من بعده وكل األنبياء بنيهو

11:إبـراهيم ()مثلكم( يخرج لم ،)نـذ آدم وال عن هذا المنوا ) عل السائد م

يومنا أيضا لن يخرج عـن في عن هذا النظام قيد شعرة، واالستنساخ

آل ()خلقه من تراب ثم قـال لـه كـن فيكـون (والذي . هذه الطريقة

خلقهمـا مـن ( في اآلية هو آدم بالخصوص، لذلك لم يقـل )59:عمران

يسى لو أردنا أن نضع له آية نزعمهـا أما ع . ليعم عيسى وآدم ) تراب

153

التي هي نفـسها نفـخ ) فخلق من نطفة مستوية وقال له كن فيكون (

. فيهروح

قال له كن؟ هذا ما أوضـحته ) ثم(فكيف خلق آدم من تراب

سائر آيات القرآن األخرى، بل لو لم يكن لدينا إال هذه اآلية ألفـادت

ن تراب جاء أوال، وهو ليس تمثـاال جامـدا، المخلوق م : األمر نفسه

خلق "أو " شكله من تراب /جبله من تراب /صوره من تراب "وإال لقال

بـل اآليـة . مـع الطيـر ) ع(كما فعل عيسى " من الطين كهيئة آدم

، أي كان كائنا حيا مخلوقا، وهـو إذاك "خلقه من تراب " أنه صريحة

نقل الشيء إلى طور آخـر غيـر : و هذا ه" خلق"غير تراب، فمعنى

خلـق ) (خلق السماء : (الطور السابق، فإذا قال القرآن أن اهللا سبحانه

، وكـان )خلق األنعـام ) (خلق الذكر واألنثى ) (خلق بشرا ) (األرض

،أمامنا سماء، وأرض، وبـشر حـي يا، فيعني أنالمخلوق شيئا ماد

، فـال )45:النور()ق كل دابة من ماء خل(وذكر وأنثى، وأنعام، وإذا قال

يمكننا أن نتصور سوى وجود دواب أمامنا تدب أحيـاء، ال تماثيـل

على شكل دواب، وهذا بالتمام ما بينته حتـى منحوتةمائية أو جليدية

، فـالخلق )5:لرعـد ا()أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد (أقوال الكافرين

الثاني أو الجديد الذي من تراب، هو نفسه الخلق األول البشري مـن

هو كائن بشري حي يمشي، آدم قبل نفـخ " خلق من تراب "تراب، فـ

" خلقوا مـن تـراب "حيا، والناس بعد مبعثهم " خلق من تراب "الروح

154

بعـد وجـود ) ثم(، )نخلقه من تراب ثم قال له كن فيكو (فـ . أحياء

آدم - كن"ذلك المخلوق البشري الحي الذي أصله من تراب، قال له

فاآلية ال تقول أكثر من أن عيسى لم يخرج عـن الخلـق ".فيكون -

اآلدمي، وأن آدم قبل أن يكون آدم اإلنسان بـنفخ الـروح اإلنـسانية

، كان مخلوقا آخر، خلقت "دمآ"المميزة الواعية فيه، أي قبل أن يسمى

خلقكم من (كما فصل سبحانه في بقية آياته كقوله -بداياته من تراب

ونتنتشر شرب إذا أنتم اب ثمتر(-) ثم ( بعد مئات اآلالف قال له كن ،

من السنين، تدخلت القوة اإللهية الخالقـة وحولـت ذلـك المخلـوق

إلى آدم اإلنسان بكلمـة الم ،الترابي ر من مخلوقات النسل البشريتحد

التي هي عملية نفخ الروح نفسه، الـروح " كن"هي " األمر"من عالم

.)85:اإلسراء()قل الروح من أمر ربي": (أمر الرب"التي من

ية، وخاطئ إن قصد به آدمتصور صحيح إلخراج البشر األوائل من األرض باليد الربان

155

الفصل الثالث

خلق البشر وآدم في تراث اآلباء األولين

:تمهيد

، باعتبار أننا قدمنا الكهنة ه توراة تلاسنعرض عن تفصيل ما ق

في الموجز في بداية البحث ما يفي بالغرض، وباعتبـار أن الحقيقـة

ريفهـا كمـا كما كانت شبه متجلية في نصوص التوراة حتى مـع تح

أشار القرآن وكما أثبت كثير من الباحثين العرب بل وبـاحثين يهـود

-أيضا ليس آخرهم المؤرخ اإلسرائيلي هرتزوغ، فإن هذا المـصدر

مع مفرداته المحرفة عـن مواضـعها، أو الفهـم ( يضحى -التوراة

هو النشاز الوحيد في الميراث العربي حول مسيرة ) الخاطئ لعباراته

هذه المعرفة السامية منذ أول المدونات الدينيـة إلـى آخرهـا ثبات

لذا، فإنا سنرجع إلى زمن أقـدم حيـث الحـضارة ). القرآن الكريم (

العربية العمرانية الصحيحة في الرافدين ووادي النيل، وحيث التلويث

، ال الحضارة المخترعة للتوراتيين، التي لم تكن سـوى قليل أو نادر

لفة متنافرة تسكن الخيـام والمغـاور والبريـة، وكـانوا عشائر متخ

يحفرون اآلبار بالعصي من أجل الماء، ويتقاتلون من أجل غنمـة أو

بئر ماء، ويغيرون على القوافل ويسرقون أموال الناس، كمـا تقولـه

156

التوراة نفسها، ثم انتحلت لها تراثا، لتصوغ لها حضارة في الهـواء،

.1بي البابليسما سمي بالبعد

) األساطير والمدونات (كما أننا لن نحاول تثبيت التراث األول

وبرهنته كمصدر صـحيح تـصلح نـصوصه لالعتمـاد والتوثيـق

المعرفي، ولن ننشغل بالتدليل على ذلك، بالرغم من حاجـة القـارئ

لهذا التعزيز، بفرض أن غيرنا من باحثين ومفكرين قد قام مـشكورا

. سنتعرض لبعضه في بحث آخر-ثانيا-، وألننا بذلك

لكن القارئ يدري إجماال أن القرآن قد أشـار إلـى وجـود

علـى النحـو " أساطير األولين "و" صحف األولين "و" الصحف األولى "

المعتمد المحمود المحاكي لمقاالت األنبياء وللحقيقة القرآنية، وأشـار

علـم "اء لم ولن تنقطع عن األرض، وأنـه أيضا إلى أن تعاليم السم

، ووجدنا لدى األولين في الرافـدين "ما لم يعلم "منذ وجوده " اإلنسان

الذين اتهموا جميعا جهال بوثنيتهم، وهو غيـر -وسوريا ومصر النيل

" بابل"هذا السبي المسمى بالبابلي، حسب بعض المحققين، ليس إلى -1 ♦

اسما،الحضارة العريقة في العراق، بل إلى مدينة محاكية للعاصمةعاصمة تصغير " بابلون"في شبه الجزيرة العربية حيث كان بنو إسرائيل، وتدعى

، وهي )Babylon(كما هي مكتوبة في التوراة باإلنجليزية والعبرية " بابل"ظيم ، أشخصهم ملك بابل الع)21: 18 (رؤيا يوحناالتي دمرت، حسب

طريق التجارات وسلبهم الناس من موقعهم على الخط علىلفسادهم التجاري في سراة غرب الجزيرة العربية إلى الشرق قليال في حامية من

".بابلون"حامياته العسكرية، وحصن من حصونه يدعى

157

نجد لديهم علوما وحقائق رفيعة ال يمكن أن توجد - صحيح بإطالقه

ني بل وتلتقي تماما مع تعاليم األنبياء وما أتت بـه مـن إال بتعليم ربا

أسرار الكون والعالم اآلخر، وقد دلت مروياتنا اإلسالمية أن أنبياء اهللا

ألهـل ) ع(تحوت / كتعليم إدريس ،المعلمين قد انتشروا في هذه البقاع

والنحـت والفنـون -الرسـم والتـصوير والرمـوز -مصر الكتابة

. والعمارة والفلك والحساب والهندسة والنسج وغيرهاوالمساحة

رابي مـن اسـمه تعنـي -وكنموذج من حمورابي، وحامو

محامي الرب، كما نقول يومنا حامي الدين، أي الحارس من قبـل اهللا

كما فـي ) فسالنفس بالن (ي حمورابعلى حدوده، حيث نجد أن شريعة

ة الشمس، والشمس في التـراث المـصرينات أنه تلقاها من قوالمدو

تعبر عن مبـدأ العـدل والمـساواة ) شمش/أوتو(والرافدي ) أوتوم(

والرقابة الحية، هذه الشريعة الجزائية الصارمة التي سـبقت موسـى

قرن، هي عينها المكتوبـة 15بأربعة قرون وقبل صياغة التوراة ب

ي كتاب موسى، وضمنتها مدونات التوراة الموجودة، وأشار القـرآن ف

كتبنـا و: (إلى صحتها وأنها من تعاليم السماء ال بنحو واضع بشري

، يعني أن شـرائع األنبيـاء )45:المائدة()عليهم فيها أن النفس بالنفس

في حضارات الوطن العربـي انيع(سـبقت موسـى والتعليم الرب (

.بكثير، فضال عمن ادعى االنتساب إليه من التوراتيين

158

غير أنه، إن كان من خلل في تلك المدونات المنقولـة علـى

أيدي الغربيين من األلواح والرقم والبرديات وجدران المعابـد، فهـو

خطأ النقل النصي، ثم خطأ المترجمين، ولألسف الشديد فهذا هو مـا

لذا سنتجاوز باب البرهنة هـذا، خـشية اتـساع .صلنا وليس غيره و

البحث علينا وانفراطه، فكان إيثارنا أن نأتي بتلك النـصوص علـى

عالتها كشواهد أكثر منها كمعالجة أو كتصحيح، فمن تلك اآلثار فـي

:تراثنا

: إشارات في التراث–أوال

شري الوحشي قد هناك إشارات كثيرة في التراث أن الخلق الب

: سبق اإلنسان االجتماعي

فـي ملحمـة الخليقـة (1فمن كتاب حضارة وادي الرافدين

وهو اسم " (إنليل"السومرية، األلف الرابع قبل الميالد بعد قيام

بفصل السماء عن األرض، ثـم خلـق ) يمثل قدرة اهللا وأمره

اإلنسان ووضع في يده المعول للعمل وخدمة اآللهـة، نجـد

:ايات البزوغ البشري إنباتابد

.160، صحضارة وادي الرافدين ،عبد الوهاب حميد رشيد -1 ♦

159

فحفر شقا في األرض

ووضع بدايات البشرية في الشق

وعندها بدأ البشر يظهر كالحشيش في األرض

، نص يـتكلم )والنعجة" أشنان"أسطورة رب الشعير ( وأيضا

:عن الحالة الهمجية أول ما وجدت قبل التطور ثم األنسنة

كل الخبزالبشر األوائل لم يعرفوا أ

ولم يعرفوا ارتداء المالبس بعد

أي كـانوا يحـاكون (وكانوا يسيرون على أيديهم وأرجلهم

الحيوانات ال أنهم يسيرون على أربع، ومع هذا فـال يمنـع

)تطورهم

ومن القنوات يشربون الماء

مردوخ

) القدرة الربانية(

يروض الطبيعة

اإلنسانقبل خلق

160

فـي )حينمـا أوال =إينما إيليش (أما في ملحمة الخليقة البابلية

القوة الربانيـة األسطورة وهو بطل أن فتقول اللوح السادس،

بعد ف، )الذي مردغ وذلل الطبيعة وسخرها " مردوخ"(المدبرة

بتمهيـده لهـا وتـشكيل غـالف األرض استقرار األرض

للعـيش البـشري، ا صـالح ة الظـرف ، وصيرور واألنهار

ماليـين مئـات قبلواستقرار القمر وتبريده نهائيا بكل آثاره

وبعد اختصار كل تلك المئات الماليين من الـسنين، ،السنين

الذي كلما مرت حقب طوفانات عالمية نتيجة انحسار عصور

البحر األول " ذات اليم /تيامت"جليدية، ذكرت بالغمر البدئي، و

وأعيد استلهامه، حتى حانت لحظة خلق اإلنسان الواعي قبـل

م البـشر المتـوحش عدة عشرات ألف من السنين، على حطا

:1 الملحمةقولت الالواعي قبله،

أي المالئكـة والقـوى ( سمع مردوخ كـالم اآللهـة عندما

")آلهة"الروحانية، وترجموها خطأ

وهي .209 ص، أساطير آرام- ثولوجيا السوريةالمي ،وديع بشور -1 ♦

:تحاكي قريبا ترجمة منشورة♦ "Blood I will mass and cause boned to be ♦ I will establish a savage, 'man' shall be his name ♦ Verily, savage man I will create ♦ (http://www.ancienttexts.org/library/mesopotamian/enuma.html)

161

أي قوة اإلحياء الذي هـو " أيا ("بما يجول في قلبه " أيا"حدث

)أيضا" أنكي"

إني جامع دما، إني خالق عظما

"اإلنسان"وسيكون اسمه سأخلق متوحشا،

"لولو"حقا سأخلق اإلنسان المتوحش

النص لنا فيه وقفة، ألنه قد أسيء ترجمتـه، نظـرا ألن هذا

لكل كائن أرضي أو " آلهة"الغربيين ثم المعربين حشدوا كلمة

قوة كونية، عالوة أنه لم يهم بعض المعربين والمترجمين إال

ـة صياغة نصالنظـر عـن علمي متع بغضقنع ومم أدبي

، "إنـسان "بكلمـة " بشر"مفرداته ودقتها، فهنا اختلطت كلمة

.، وشتان"تخليق"بـ " خلق"وكلمة

والمدهش أن النص قد ترجم بعدة تخمينات، فهناك كسر فـي

اللوح السادس وسطور تالفة وكلمات ضائعة، والمترجمـون

غ بمقارنات واجتهادات، بعـضها تعـسفي، قاموا بملء الفرا

وثالثـا بغيـر ،1والبعض ترجمها ثانيا بغير هـذه الترجمـة

♦ 1-"My blood will I take and bone will I [fashion], ♦ "I will make man, that man may ... [...]. ♦ I will create man who shall inhabit [the earth]," ♦ (http://www.sacred-texts.com/ane/stc/stc09.htm)

162

" مـردوخ /القوة الربانية الخالقة "ملخصها أن . وهكذا، 1الثانية

سيجمع الدم والعظام، من كائن أصلي، ليخلـق مـن الكـائن

ذه الفـصيلة البدائي إنسانا، ثم يطلب أن يؤتى له بواحد من ه

البشرية المتوحشة ليقتل وحده ومنه يصنع إنسانا تنسل منـه

.2اإلنسانية

وهذه هي الوجهة الصحيحة، لشرح النص المعـرب أعـاله،

فالبشر المتوحش موجود، ولن يتم خلقه لكن سـيتم تخليقـه،

سيخلق أي سيتم تحويله إلى إنـسان ") لولو"فالبشر المتوحش (

).Man(ل عاق

تكملة للنص الـسابق فـي )القوة الخالقة (لذلك يقول مردوخ

أي تلـك - من إخـوتهم قبض على واحد لي: (المصدر نفسه

وليقض عليه - kindredالفصيلة حسب الترجمة اإلنجليزية

الواعي) أجل خلق البشرمن البشر اإلنساني أي .

♦ 1 -' Blood to blood I join, ♦ blood to bone I join from an original thing, ♦ its name is MAN, aboriginal man ♦ is mine in making. ♦ (http://www.gatewaystobabylon.com/myths/texts/classic/enuma.htm#7) ♦ 2 - ' Let one of the kindred be taken; only one need die for the new

creation )المصدر السابق(.

163

ي تدل على كائن غيـر الت" لولو"وقد ناقشنا باستفاضة االسم

، إال أنه من المنصف اإلشادة بما "وعصى آدم " في بحث واع

اإلنـسان ":Lullu/لولـو ": (كتبه أحد الباحثين تعليقا، هكذا

البعيد أو السحيق، أو اإلنسان األول، أو اإلنسان المتـوحش

الذي ذبح وصنع من لحمه ودمه مع ! وهو اإلله .. والبدائي

، فلو حـذفنا كلمـة 1)سان، في األسطورة األكدية الطين اإلن

.لما خالف الحقيقة شيئا" الكائن"العبثية، وحولناها إلى " اإلله"

خلـق أن بداية البشرية متوحشة، ثـم تـم تحكياألسطورة ف

من فرد بشري متوحش واحد قبض عليـه وقـضي اإلنسان

خلق إنسان فردل ال عليه لية منه يأتي نـسة اإلنـسانيبـشري

والالفت للنظر أن القارئ للترجمات التـي ، )أي آدم (الجديدة

وضعنا بعضها في الهامش ال يسعه إال االعتراف بمحاكاتهـا

إذ قال ربك للمالئكة إنـي خـالق ( تعالى مقدس قوله الدقيق ل

.)72، 71:سورة ص().. فإذا سويته *بشرا من طين

البابلية، المعنية أيضا بالخليقـة " أتراخاسس"وأما في ملحمة

والطوفان، فنتبين أن خلق البشر تم من الطين ال مـن المـاء

، )إنكـي (الماء العذب /البدئي، الطين الذي وفرته قوى األنهار

وأن خلق اإلنسان بالخصوص لم يكن إال بعد أن أطفئت قوى

.160 ص،متون سومرخزعل الماجدي، - 1 ♦

164

اإلخصاب هي التي ستخلط الطين، أي قوى /القمر، وأن سيدة

ستخلقه، ثم بعد أحقاب من كائن ذي لحم ودم، سيتم مزج إله

وبشر في الجسم الطيني، أي نفخ الروح الربانية فـي البـشر

وواضح أن خلق اإلنسان تم في نهايـة الـشهر . بكل بساطة

.1القمري

♦ 1 - They called up the goddess, asked ♦ The midwife of the gods, wise Mami, ♦ 'You are the womb-goddess creator of mankind! ♦ Create a mortal, that he may bear the yoke! ♦ Let him bear the yoke, the work of Ellil, ♦ Let man bear the load of the gods!' ♦ Nintu made her voice heard And spoke to the great gods, ♦ 'It is not proper for me to make him. ♦ The work is Enki's; He makes everything pure! ♦ If he gives me clay, then I will do it.' ♦ Enki made his voice heard ♦ And spoke to the great gods, ♦ 'On the first, seventh, and fifteenth of the month ♦ I shall make a purification by washing. ♦ Then one god should be slaughtered. ♦ And the gods can be purified by immersion. ♦ Nintu shall mix clay ♦ With his flesh and his blood. ♦ Then a god and a man ♦ Will be mixed together in clay ♦ (http://www.personal.psu.edu/faculty/o/x/oxf3/atrahasis.html)

165

:لبدء البشريطريقة القدماء في دفن الموتى تحاكي ا – ثانيا

ومن اآلثار والنصوص، نستشف أن القدماء من سابق علمهم

بكيفية نشوءهم األول، قد عمدوا إلى طريقة دفن تحاكي البدء

البشري، أي أن الدفن كان دينيا بحتا، لـذلك تـراه مرتبطـا

لدى حضارة وادي " كتاب الموتى "بالطقوس، ومن يطلع على

معرفة التي يمتازون بها، فبشأن الـدفن النيل يدرك عظمة ال

علـى دفـن تحـت تل قاليج آغاعثر في العراق في موقع (

أرضيات البيوت، باإلضافة إلى العثور على جـرار تحـوي

- خفاجـة وعثر على توابيت طينية في موقع -هياكل أطفال

السورية شاع الدفن داخل الجرار الفخارية خالل ماريوفي

وشاع الدفن في الجرار الفخاريـة فـي -ني ق م األلفية الثا

وفي مواقع أخرى عثر في بعض القبـور -المشرق العربي

-بشار خليـف "راجع ) على نماذج فخارية لزوارق شراعية

وهـذا يـدعم ".شعائر الموت ومعتقداته في الشرق القـديم

الفرضية أن البشر األوائل كانت حاضناتهم بيوض فخاريـة

أن ط إنباتها هو الطين وغشاء تلـك البيـوض طينية، أيوس

لبيض الطيـور " الكلس"الرقيق هو من مواد الطين، كما هو

. والكلس من الطين أيضا

166

-ذاك المشهد التخليقي األول قد أعيدت أجواؤه في تخليق آدم

له خروج من بيضة فخارية تخليقيـة ثانيـة، فصاراإلنسان

لنمـاذج الفخاريـة للـزوارق، وحواء أيضا، ولك أن تقارن ا

والـذي (في الزورق " ننليل"والنص السومري عن اغتصاب

، وقد بينـا فـي المـوجز 1)نزعم أنه رمز على تخليق حواء

ة الطين كمصدر خلق البشر، وهذا أمريمعرفة األوائل بخاص

ال يمكن لإلنسان أن يتوصل إليه بال تعليم، فمن الذي يـدري

هذا اللحم والعظم واألعصاب والدم، أصله طـين اإلنسان أن

ين "طمي األنهار "أيالد لوال أن ،/ أتى بهذا لـم انيالتعليم الرب

يكن إليه سبيل، فلم يشهد اإلنسان السومري خلقا بشريا نهض

من بيوض الطين، بل شهد والدات من بطون األمهات، فمـا

) الملحمة المشهورة حسب(الذي حدا بالملك البابلي جلجامش

صديقي الذي أحب عاد إلـى (: أن يقول راثيا صديقه إنكيدو

التي تستبطن علما بأن من الطـين " عاد"، فلماذا يقول )الطين

، "الطين"بدال من " التراب"؟ ولماذا ال يقول "دفن"بدايته وليس

مـؤتي حيـاة : أوتونفـشتيم (وفي الطوفان البابلي ينعى نوح

.، فالتراث معلم وواحد)وقد عاد البشر إلى الطين) (النفوس

جمعية التجديد الثقافية الحقيقة دون قناع،، آدموعصى :بحثانظر -1 ♦

.االجتماعية

167

رسم تخيلي لجلجامش يحمل جثمان صديقه أنكيدو

وآخر لجلجامش وهو يندب أنكيدو

168

يدفنون موتاهم في الجرار الطينيـة عرب النيل وكان قدامى

والنواويس، فهذا التالقي على الدفن في 1أيضا وفي التوابيت

مصر وسوريا والعراق، يدل أن القـوى الجرار والطين في

الربانية علمت اإلنسان ما لم يعلم، وقد أشار سبحانه إلى نوع

من أنواع وسائل التعليم، حين بعث الغراب يعلم أحد أبناء آدم

) قـايين "أو التوراتي " قابيل"المشهور في التراث اإلسالمي ("

ية تعليم الدفن كيف يدفن أخيه الذي قتله، وليست هذه هي بدا

غير عالم بهـا، ) ع(، ولم يكن آدم اإلنسان األول كما اشتهر

وما انفكت المالئكة تعلم الناس أساليب حضارتهم مباشـرة أو

عبر األنبياء والمعلمين أو إلهاما، والـدفن وتقـديس الميـت

واحترامه، هي من التعاليم األولى التـي تـواري سـوءات

عنها ذلك الفتى اليافع الشرير لغرته وابتعـاده اإلنسان، غفل

.عن الهدى، ال لعدم وجود اهتداء لهذه الطريقة قبله

: القوى الروحانية المكلفة بتخليق آدم–ثالثا

سبق أن أشرنا في الموجز أن التراث يؤكد بأن خلق البـشر،

شاسع ثم اإلنسان، قد تم بتدخل قوى علوية، وهذا هو البون ال

.331، ص ر القديمةديانة مصأدولف إرمان، : انظر -1 ♦

169

فلـدى .الصدفة العمياء وبين القـصد واإلرادة اإللهيـة : بين

السومريين نجد حوارا بين القوى الروحانية المكلفة بتخليـق

م، ولكي ال يذهب . ق 2500اإلنسان ويرجع نص تدوينه إلى

الذهن بعيدا، فالقوى الروحانية هي المالئكة المدبرة نفـسها،

" آلهـة "ر الخاطئة الواصلة إلينا والتي عدتها ترجمات األساطي

بحسبانهم أن المنطقة هذه تغص منذ القدم بالشرك والوثنيـة،

توضع أمام القـارئ، " آلهة"ال بالتوحيد والمعارف، فكل لفظة

فما هي إال رمز إلى فعاليات قدرة اهللا، وتعيناتهـا الخلقيـة،

ظـائف فهي قدرة اهللا حال الفعل، أي أنهـا تتمظهـر فـي و

وتدبيرات عبر قوى روحية نسميها المالئكة، تقوم بالنواميس،

ثم صار األنبيـاء والمعلمـون يقدسـون أيـضا . واألسباب

ال بمعنـى " السادة"بمعنى " أربابا"ويحترمون فيطلقون عليهم

. اآللهة، كما نقول ربة البيت بمعنى السيدة ال اإللهة

يجري خطاب ،بين المالئكـة، قـوى ففي هذه النص رمزي

وهـو مبـدأ الحكمـة " إنجي/ إنقي/إنگي"التخليق، فيخاطب

" گـي -أن"هـو " أنگـي "والنقاء وهو المنجي، حيث مـرة

)ن/أند: عيقيع، لعدم لفظ حرف : گي --مسئول/عين/سي أي

العين، وهي قيعان األرض، فهو مدبر األرض من المالئكة،

مسئول توفير الميـاه " أنقي"أو ) الماء هو" عين القاع "وأيضا

170

المعتمد عليها حياة األحياء خلقا واستمرارا، أو ) العذبة(النقية

وهو المنجي والمغيث والمعين والمعلم، مثلما نجد أن " أنجي"

أو المالك هو الذي علم نوح بناء السفينة إلنجائـه " هذه القوة "

.الحضارةمن الطوفان وعلم البشر العلوم و

الجالسة للتدبير والمسئولة عن الماء،) إنكي(القوة الربانية

يفيض من جوانبه األنهار

فهـي سـيدة ": نين ماح /نين ماخ "أما القوة الروحانية الثانية

حيث الخـاء " نين ماح "المخ، أي العقل المدبر، أما إن قرأت

فهي سـيدة اإلحيـاء، السريانية واحدة، ) األكادية(والحاء في

وقد تبرز تمظهرات أخرى أسبق لهـذه القـوى . باعثة الحياة

أي سيدة الماء، القوة الفعالة التي تخلـق مـن " نين مو "مثل

، "ناموس الخلـق األول "الماء كل شيء حي، أو بتعبير آخر

باعتبار أن الخاليا الحية األولى على كوكب األرض قد بدأت

171

لهذا دعيت حضارة المايا لتـشير إلـى هـذه (ء في قاع الما

الحقبة، ورمز لها المصريون القدامى بزهرة اللوتس السابحة

، ثـم مـع تـشكل )فوق الماء وجعلوها مفتاحا للحياة وسرها

اليابسة من البراكين، تعقدت مظاهر الحياة لتنتقل إلى الطـين

اآلسن وعناصره بدءا باألحياء النباتي ة، يليها بماليـين المائي

السنين الحيوانية، وأخيرا جدا جاءت البشرية بالكيفيـة التـي

.شرحنا، وفي نهايتها بعد تطور تلك السالالت يأتي اإلنسان

يفيض باألنهار، شمش، يشرفون ) إيا(، إنكي )إنانا(نينورتا، عشتار

)مقر التدبير(على الجبل ذي القرنين

قوة اإلنجـاء والخـالص والحكمـة، وهو " أنجي"فيخاطب

أي القـوة المـدبرة، " نين مو "يخاطب القوة اإلحيائية األولى

إن الكائن الذي نطقـت " : األم الكبرى، الناموس األول، قائال

172

ة تلك عليه "باسمه موجودانية الربت القوال، اربـط : ( ، فرد

فـي ترجمـة و) عليه صورة األرباب وانفخ فيه من الروح

يا أماه، إن المخلوق الذي نطقت باسـمه موجـود، (أخرى

، )فاربطي عليه صورة اآللهة، عيني سـماته، إنـه إنـسان

يا أماه، إن المخلوق الذي نطقت باسـمه ( : وترجمة أخرى

موجود، فاربطي عليه صورة اآللهة، اعجنـي لـب الطـين

" المهـرة الـصانعين "، واجعلي "مياه العمق "الموجود فوق

يكثفون الطين، وعليـك أنـت أن توجـدي لـه األعـضاء

من فـوق يـدك، ) اآللهة–األم (والجوارح، وستعمل ننماخ

في أثناء صنعك، يا أمـاه ) .. الوالدة(وستقوم بجانبك إلهة

. 1عليـه صـورة اآللهـة ) ننماخ(قدري مصيره، وستربط

؛ وانظر أيضا المصادر 199، ص ألواح سومرصامويل نوح كريمر، -1 ♦

إنكي ونينماح

يخلطان الطين

لصناعة اإلنسان

والروح تحلق

أعلى لتنفخ فيه

173

وجـود قبـل والنص واضح أن الكائن البشري البهـائمي م

اإلنسان وصاروا شجرة أي نسال، هم البشر األول الذين ظلوا

بيوض فما خـرج غيـرهم /يخرجون في بدء الخلق من بذرة

بعدها حين تغير الظرف وعقمت األرض عن توليد مثل هذه

الحاالت، خرجوا تماما كما سائر الكائنات األخرى كل مـن

عملية تخليق ثانيـة فـي ثم جرى على واحد منها .. بذرته

اني خاصالطين (محضن طيني رب وفي )من لب ،ال طبيعي ،

حيث مقـر األربـاب، ) األبسو(داخل الجنة فوق مياه العمق

بـدأت مـشروعها ) المالئكة الصافة (فتلك القوى الروحانية

بمخلوق موجود كخامة لصنع اإلنسان الذي سيصور واعيا به

بالمأل األعلى وله مشيئة، أي علـى صـورة روح يتصل به

القـوة "أي القوى الروحانية، وتمعـن فـي وجـود " اآللهة"

حـسب الترجمـات ) إلهـة الـوالدة "(المسئولة عن الوالدة

القاصرة، فالوالدة هي إخراج حي من حي ال من ميت، ولـد

.اإلنسان من البشر

الميثولوجيا السورية ، وديع بشور: التي نقلت ترجمات أساطير سومر مثل

.69، ص أساطير آرام-

174

ا ستجن في كتابه زكري اليهودي ويقول بهذا الصدد األمريكي

، عن خلـق البـشر لـدى 1)1976 - عشر الثانيالكوكب (

إن من األحـداث التـي تناولتهـا األسـاطير ": السومريين

السومرية المدونة في الرقم التي عثـر عليهـا فـي مكتبـة

آشوربانيبال في نينوى، ما أدى إلى نـشوء نـوع بيولـوجي

ى المعلومات عـن جديد سجلته أساطير سومر، وتوفر لنا أول

وفـي نـص . العمليات التي نسميها اليوم بالهندسة الوراثيـة

سومري نقرأ كيف تهيأ بويضة أنثى القرد الـشبيه باإلنـسان

) خلقها (والتي يلقحها ) ويعني البشر الهمجيي أحد اآللهة، ) أي

ثـم توضـع Enkiأي أحد المخلوقات الكونية واسمه إنكي

ق كوني اسمها نينورساغ غيـر البويضة في رحم إلهة مخلو

أن العملية تفشل فالمواليد كانوا عقيمين وذوي عيوب وراثية

أما التجربة التالية فكانت ناجحة وأول مولود لها كـان . كثيرة

وبعدها صـار اإلنتـاج . اسمه آدابا وأمه كانت اإللهة نينكي

فيفتـرض أن . !نمطيا وأول مجموعة ناجحة سميت آدامـوا

سان العاقل كانت في تلك العمليات الجينية الواردة بدايات اإلن

في الرقم المسمارية مما يعني مواصـلة للفرضـيات التـي

♦ 1 - http://home.iae.nl/users/lightnet/celestial/zechariah.htm

175

طرحها عدد من العلماء وهي أن ظهور اإلنسان جاء نتيجـة

."لتدخل كوني في مصائر كوكبنا

، بأن ثمة تـدخل ربـوبي ونحن مع هذا الكاتب في استنتاجه

صورة وآلية حيثيات و للمفردات وفهمه ولسنا معه في تفسيره

الخلق األول، وهو أمر سيتم معالجته في بحـث آخـر عـن

الخلق الكوني.

لكن األساطير بينت فعال أن ثمة خلقا بشريا قبـل اإلنـسان

، لـيس )بشكل طبيعـي (ناقصا خلقته القوى الربانية المدبرة

ارة والذكاء واالنتـصاب، بمستوى البشر األواخر، ويفتقد المه

بل أيضا أخبرت بوجود البشر العقيم في أول األمر الخـارج

من بيوض الطين قبل أن تطوره يد القدرة الربانية وتحـسنه

يجيء نسله من الماء المهين باقتران جنسي أ أنلقـد : (ليتهي

وصـنعت .. صنعت نين ماح من الطين المرأة التي ال تلـد

من الطين مخلوقا ليس له عضو الذكر وال عـضو نين ماح

المخلوق البشري الذي ال يـتكلم، وال " إنكي"وصنع ) "األنثى

.1"يستطيع أن يتناول األشياء بيده، وال أن يثني ركبتيه

، وديع بشور؛ 200، ص واح سومرأل منصامويل نوح كريمر، -1 ♦

.86، ص أساطير آرام-الميثولوجيا السورية

176

:"كنزا ربا" كتاب الصابئة المندائيين –رابعا

فهـم أما الصابئة المندائيون الذين ذكرهم القرآن الكـريم،

سريان عرب، وموحدون، ويرجعون فـي تعـاليمهم إلـى

، أي أقدمها قبـل )ع(صحف آدم الرسول وشيث وإدريس

" كنــزا ربـا "ثمانية آالف عام، وأهم كتبهم هـو كتـاب

كتـاب "أو " الكتاب العظيم "، ويسمى أيضا )الكنـز العظيم (

اهتمت نصوص ( : فيقول المستشرق األلماني رودولف " آدم

بعملية تكوين اإلنسان، إذ إننا نجد ) كنـزا ربا (ي عديدة ف

أو الجـسد ) بغـرا (فيها التفريق بقوة بين تكوين الجسم

حصل " بغرا -آدم"آلدم، أي أن تكوين جسم، آدم " سطونا"

من قبل المشاركين في عملية التكوين ومالئكة الكواكـب

بأمر من الخالق العظيم، حيث نجد فيه مالمح من العـالم

في الجسد مـن قبـل " نشمثا"وهبوط ). عالم النور (األكبر

أحد الكائنات النورانية، وال توجد نصوص موحـدة عـن

ذلك، أي من هو الكائن النوراني، ومع ذلك نذكر أسـماء

أحد األثيري " مندادهي"الرسل الذين يتعلق األمر بهم، وهم

-هيبـل "نفـسها " الحيـاة "المجهولين، عدد من األثيري

ال يمكن الحصول علـى ". ادكاس زيوا "، "جبرائيل"، "زيوا

معلومات من النصوص حول تأثير المعرفة فـي عمليـة

177

تكوين اإلنسان، التي تلعب دورا في هذه الموروثـات، إال

أو أحد " مندادهي"قديما قد جلبت من قبل " نشمثا"أنه يبدو

.1)الرسل المجهولين

بثاهيـل : تكـوين جـسم آدم ( :ويقول أيضا عن خلق آدم

ومالئكة الكواكب كونوا جسم آدم، بغرا، بإيعاز من أبيـه

" بثاهيـل . "وإرادته) الحي العظيم (، وبقدرة الخالق "أباثر"

، ملكـا "ملك هذا العـالم "، ويعطيه لقب "ابنا له"يسمى آدم

.2)وهو مثيله مثيل أباثر

فالنصان جليان أن آدم هو ملك هذا العالم، كما سيأتي فـي

سطورة التالية، وأنه مثيل للرب، وأن مالئكة الكواكـب األ

وهـو ) جسد آدم(بأمر الخالق العظيم هم الذين خلقوا البشر

الخلق من الطين حسب كل التراث، ثم جاء أحد الكائنـات

أي " نـسمة "وهـي " نـشمتا "النورانية من عالم النور بـ

صبح مثيال للـربوح، وأودعت فيه ليـ (الر وهـو ) اثرأب

واحدة فـي ) أو الطاء(الفاطر، حيث الباء فاء، والثاء والتاء

.أصوات السريانية

، 204 ص،النشوء والخلق في النصوص المندائية ،كورت رودولف -1 ♦

205.

.141ص ، النشوء والخلق في النصوص المندائيةكورت رودولف، -2 ♦

178

أكبـر .. عن المندائيين أن كائنات نورانية 1وينقل البعض

، انهمكت في عمليـة )أي أرباب (من المالئكة وليست آلهة

=مـار " (ربيبوتـا -د -مـار " "رب األرباب "الخلق بأمر

دال للتعريف واإلضافة في العربية القديمـة، رب، وال /سيد

وهو الفـاتح، " (افتاح إيل "، أحدهم هو )الربوبية = وربيبوتا

نفسه الذي تقدس عند عـرب " بتاح/فتاح"بادئ الحياة، وهو

ة الخلق األولى في المـاء، ثـمالنيل، والذي بدأ عملي وادي

" دمآ"، وكان الخالق الذي لم ينجح في جعـل )على األرض

وهذا يوافق ما فعلـه (يقف منتصبا، ) أو باألحرى اإلنسان (

، إذ كان مخلوقه )عند السومريين في البشر المعاقين " أنكي"

لذلك ). أي لم يزود بنفخة الروح الربانية بعد (ماديا بالكامل

من عالم األنوار وأودعـت فـي آدم " روح"فقد أحضرت

هي لم تسبب في انتصابه سويا وحسب، بل وجعلته كامال، ف

" هـوا "وفي وضعيته كشخص موحى إليه هـو وزوجتـه

تعلم آدم أن يحرر نفسه وروحه كي تعـود إلـى ). حواء(

أي " (روهـا "و .عالم األنوار تاركة الجسد المـادي خلفهـا

هي كيان غامض يـدور بـين الجـسد والـنفس، ) الروح

-تاريخ سوريا الحضاري القديم أحمد داوود، : انظر مضمون الفقرة -1 ♦

.240، 239، صالمركز

179

كائنا أثيريـا كـان 360 إلى هذا العالم لقد هبط : ويقولون

وهو رب األربـاب، أو (، "ربيبوتا - د -مار"على رأسهم

تجلـي الـضيا، حيـث (، ومنهم هيجل زيو )رب المالئكة

أبـاتر " (أباتر راما "، و )الضاد تلفظ زاي، التجلي النوراني :

أي (، ويحيـى )الرحيم/رحمة، الفاطر العلي : الفاطر، راما

افتـاح "، و )باهر الضيا " (بهرام زيو "، و )يي والمخلص المح

، )معطية سمات الحيـاة " (سيمات هيا "، و )فتاح الرب " (إيل

وكانوا يقومون بأعمال إلهية، وليسوا بآلهة، كما أنهم ليسوا

. بشرا، وليسوا مالئكة

:"عندما رسم اآللهة المدينة" أسطورة –خامسا

سبق أن قلنـا أن 1"المدينةعندما رسم اآللهة "أسطورة

هي من ترجمة الناقلين، والتعبير األنـسب " اآللهة"كلمة

" عندما رسم اآللهة المدينة "، فعبارة "األرباب/القوى"كان

:بإمكان ترجمتها إلى عبارات احتمالية كثيرة هي

: ... عندما

هذا النص اآلخر له تكملة، حتى أن األسطورة نفسها يطلق عليها البعض -1 ♦

جمعية الحقيقة دون قناع،، آدموعصى :بحثانظر " أسطورة إيتانا والنسر" .التجديد الثقافية االجتماعية

180

أسـس /وضع /فصل /صاغ /شيد /هندس /خطط: رسم

..

/الـسادة /المالئكـة /المدبرون /القوى /األرباب :اآللهة

..ملوك السماء /العلويون /الروحانيون /األثيريون

": مـدن " حيـث -المسكن /البناء /المقام /البيت: المدينة

..تعني أقام، بنى، سكن، بات

االحتماالت نستطيع أن نخرج بمئات التراكيـب تلكفمن

- وضـع -حينمـا (وبإمكاننا اختيـار . التي تبدو مناسبة

، والذي هو تماما قـول ) األول -المقام / البيت -المدبرون

إن أول بيت وضع للناس للـذي ببكـة مباركـا (القرآن

المينللع دىهوالذي هو نفسه جنة سكنى )96:آل عمران ()و ،

الخليفة، آدم حينها، ومقام إبراهيم في زمن آخر، ومقـر

أرواح أبرار الناس في األرض، كان هذا أول بيت مقدس

، مـزار 1ءيسجد هللا فيه، بيت روحاني أنزل من الـسما

إينمركار "؛ وفي أسطورة 62، ص من ألواح سومرصامويل كريمر، -1 ♦

صانع : معركار(حارس، مركار /عين= إين " إينمركار" ، حيث "اتاورب أراألرباب فيما / ، تتخاطب هذه القوى )رب الحرب= المعاركين األبطال

":إنانا"، وقوة الخصب الكوني "إينماركار"بينها، بين القوة الحارسة

181

المعنية في النص وهو " المدينة"الموحدين، هذا البيت هو

آخر تقرأ للرب إنليل في (المسكن، لذلك نجد ترتيلة لنص

:1)مسمى السومريين

... ذات مظهر يبعث الخوف والرهبة)نيبور" (نفر "مدينة

)..الجبل العظيم(هي المزار حيث يسكن األب " نفر"

الذي يعلو" إيكور"منصة البركة والخير في معبد

الطود الشامخ، الموضع المطهر

األب إنليل) الجبل العظيم(أميره

، المزار السامي2"اإليكور"فقد أقام عرشه على منصة

♦ (Let Aratta build a temple brought down from heaven) : راجع موقع ♦ ♦ (http://www.piney.com/BabEnAratta.html).

، هو جبل النور، وفيه "أراتا"فواضح أن األسطورة تحاكي البدء، حيث جبل ♦هذا هو الجبل " أراتا"المعبد والمزار القصي الذي أنزل من السماء، و

: المقدس الذي رحل إليه لوجال بندا جد جلجامش لطلب نصرة األرباب♦ A third epic, Lugalbanda and Enmerkar, tells of the heroic journey to

Aratta made by Lugalbanda in the service of Enmerkar ♦ (http://www.piney.com/BabGloss.html)

.63 أساطير آرام، ص – الميثولوجيا السورية، وديع بشور -1 ♦

هي أشجار : يك حيث إ" أور-إيك "مركبة من " إيكور"لعل كلمة -2 ♦مغارة، فالمجموع / هي حور وغور، أي بيت: وأور . الجنة/ الفردوس

أي إحجور أي " ورگحإ"كما يمكن أن تكون ". المسكن الفردوسي"يعني

182

د وال تبدل نواميسه المقدسـة، مثـل المعبد الذي ال تر

...السماء

مـا مـن أحـد " العمق"إن نواميسه المقدسة كنواميس

يستطيع إدراكها

..وقلب المعبد كالمزار القاصي وسر خفي كسمت السماء

بيت إنليل، إنه جبل الخير العميم

بيت الالزورد، المسكن الـسامي الـذي يبعـث " إيكور"الـ

قلوبالرعب في ال

...إن رهبته وخشيته لتضاهيان السماء

إن هذا النص العجيب آلبائنا القدماء الذين اعتنت بهـم اليـد

وسددتهم، ليعج بالعلوم وينضح باألسـرار، وليـست الربانية

هي تلك المدينة التي فـي سـهل جنـوب العـراق " نيبور"

الخصيب، كما يظن المترجمون فليست تلك مـزارا سـاميا

قصيا وليست هي جبال عظيما وال تبعث الرعب والرهبة، بل

المكان المحجور والممنوع والقاصي وغير المدرك والخفي، تماما كما

كور، بيت الجبل -أو هي كما تترجم إي. تصفه الترتيلة في عباراتها)EKUR "Mountain-house"(يقول " كور" إذ ؛ تعني فوهة الجبل، والنص

.هذا أيضا

183

أيضا ألنـه " إنليل"المسمى (1هي الجبل العظيم حيث جنة آدم

والقارئ )الذي نفخ فيه من روحه ) إنليل(على صورة الرب ،

ا ومهيـبالمقصود هو مكان سام جد يدرك ببساطة أن للنص

" الـوفير "، وهـو المكـان "نفـر "جدا وقصي جدا، يـسمى

" المدينة"المياه المقدسة، فنالحظ أن " نافورة"والخصيب وفيه

أي مسجد وبيت طاعة محضة ال " معبـد "، و"مزار"هي نفسها

. سـام " مـسكن "، و "بيت"، و "جبل"كبر وال معصية فيه، وأنه

" المزار القاصي وسر خفـي كـسمت الـسماء "وإن عبارة

قرآنيا هو تستدعي في الذهن فو ىالمسجد األقـصى "را مسم "

الحقيقي واألصل، الذي في الجنة أيضا وعلى ذلـك الجبـل

" والبيت المعمور .. الطور "والطود الشامخ، الذي يذكرنا بـ

".البحر المسجور"وأسفله

فماذا عن تلك األسطورة؟

♦ 1- آخر يرينا أن هي الجنة تحديدا " نفر/ نيبور"ونص) في الوقت الذي لم

مأهولة باآللهة فقط، كان " نفر"يكن قد خلق اإلنسان بعد، ويوم كانت مدينة فالكالم هنا عن 73 ص ،.ن . م ، وديع بشور") إنليل"فتاها هو الرب ،

جنوب العراق التي " نفر"الجنة قبل وجود اإلنسان، فهي ليست إذا مدينة بنيت بأيدي ذرية اإلنسان بعد خروجه من الجنة ببضع عشرات آالف من

.السنين

184

عندما رسم اآللهـة ("إن أقدم نص لهذه األسطورة السومرية

البـابلي قد وصلنا من العـصر ") إيتانا والنسر "أو " مدينةال

موقـع مدينـة ي، وعثر عليه ف )م. ق 1600 -2000(القديم

سوسة العاصمة العيالمية، كما وصلنا نص منه آخـر مـن

، ونص ثالث )م. ق 1000-1600(العصر اآلشوري الوسيط

من مكتبة آشور بني بعل من نينوى يعود للقرن السابع قبـل

الميالد، وهو النص األكثر اكتماال ووضوحا من بـين تلـك

النصوص، وإن بعض المـؤرخين أوصـل شـواهد هـذه

أي أن األسـطورة . م. ق 2600األسطورة ومضامينها إلـى

قرنا فيما يعلم، أما 20 قرنا إلى 13أكثر من " مكتوبة"دامت

. شفويا قبل ذلك كم دامت؟ فاهللا أعلم

ف الذين قرأوها بعين تاريخية أو أدبية أو جزئيـة وعلى خال

عابرة، أو لتمرير فهم أو تحليل معين على السومريين الـذين

فكانـت ) ويعنون أنهم غير عرب (1زعموا أنهم غير ساميين

شواهدهم من هذه األسطورة وغيرهـا بـالتعلق بترجمـات

السومريون غير ساميين فعال، لكن ال على النحو المزعوم، فهم يقصدون -1 ♦

أنهم غير عرب أي ليسوا من هذه المنطقة، بناء على التقسيم االستشراقي االستعماري بعد تعميم فكرة توراة الكهنة وأن الناس جميعا هم من أبناء نوح سام وحام ويافث، لكن الحقائق تكذبهم إذ السومريون قبل سام، وهم

).ع(عرب، وليس الناس جميعهم أبناء نوح

185

ن ظنـوا خاطئة لمفردة أو أللفاظ وعبارات منها، وخالفا للذي

. 1أنها أسطورة تشويقية أو خرافية

فهم ما تقوله األسطورة، ببـساطة -بإيجاز شديد -سنحاول

األولين، الذين كانوا قريبي العهد باإلنسانية األولى، وكانـت

الحقائق واالعتقادات والطبيعة تـشغل مـساحة أذهـانهم، ال

ى األدب االفتراضات وال التنظيرات وال االجتهادات، وال حت

الشعبي إال كقالب يخدم السلوك والـدين وتعلـيم االجتمـاع

.والنظام

وكانوا يجسدون الفكرة ويموقعونهـا فـي حياتهـا حـسب

محسوساتهم، كانوا بعيدين عن التجريـد ألنـه يـسمو عـن

الطبيعة، وهم يريدون أن يعيشوا الطبيعة، فأسماء اهللا الحسنى

ة لتناول الفكـرة، فـاللطيف قـد تتخذ لديهم تشخصات طبيعي

يجسد بالهواء، والرحيم قد يجسد باألم، والمعاقب قد يجـسد

لديهم بالرعد والبرق، وسنلفى في هذه األسـطورة الـشمس

وهي تقوم مقام القيوم، الشهيد، القائم على كل نفـس ) شمش(

عض عدها خرافة لعسر تفسيرها لديه وعدم وجود ترابط بين جزئيها، الب -1 ♦

وبإمكانك أن تعثر على مثل هذا الرأي لدى بعض المترجمين الغربيين مثلما ، قاموس اآللهة واألساطيررولينغ، . بوب، ف. هـ.إدزارد، م. د: هو فيسومر أسطورة ، وقد أوردها أيضا فاضل عبد الواحد علي، 60ص

.ضمن فرع القصة الخرافية. 251، صةوملحم

186

بما كسبت، العادل، وجه اهللا الذي أينما نولي نجده، الكاشـف

لكل خبء، هكذا ينبغي أن نفهم ترميزاتهم لئال نجحف بنوره

وسننقل النص، الذي هو عن ترجمة غربية، من كتـاب .بهم

كما هو موجود بنسخ قريبة فـي ) سلسلة األساطير السورية (

، كما 251كتب فراس السواح، وسومر أسطورة وملحمة ص

في الهامش، وموجودة مجملة في كتـب أخـرى كمـا فـي

وغيرها مـن مـصادر، بـل 227لوجيا السورية ص الميثو

يستطيع المرء العثور عليها في اإلنترنيت باسم أسطورة إيتانا

)ETANA MYTH:(

:النص األول

...وضع اآللهة مخطط المدينة

...وأسس اآللهة المدينة

...وضع اآللهة أساساتها

إنـي "مضمون األسطورة يحاكي المشهد القرآنـي : التعليق(

، والمدينة هـي الجنـة األرضـية "جاعل في األرض خليفة

للخليفة األرضي كما قـدمنا أعـاله، بعـد اسـتقرار المهيأة

األرض بكل موجوداتها وأساساتها التـي هيأتهـا المالئكـة

187

ونـرى أن " آلهـة "المدبرون، وهي التي تنقلها التراجم أنهم

في الـنص " بابأر"أو " قوى"الترجمة المثلى واألصح كانت

السالف واآلتي وفي كل النصوص، أما تعليقنا علـى البـاقي

.)فسنضعه أمام أسطر النص، بإيجاز مبالغ فيه

الـسادة : 1أنونـاكي ( :واآللهة الكبار أنوناكي محددو األقدار

.")يوم القدر"المالئكة األطهار، يحددون األقدار في /األنقياء

/مجمـع المالئكـة (د ن الـبال تذاكروا وهم في المجمع بشأ

.)األرض: األرباب، حيث الجنة األرضية المقدسة والمركز، والبالد

المدبرون من سـادة ( مع آلهة الكون الذين يخلقون كل شكل

.)المالئكة الذين خلقوا األرض وهيأوها، وخلقوا الكائنات

الجن -صنف المالئكة ( مهيبة كانت االيجيجو في نظر البشر

.")أجيج"منذ القدم، وهي متأججة " حجيج"رة األرض الزائ

بدء اليوم الربـاني، رأس ( لقد حددوا للبشر عيد رأس السنة

.2) كانون األول، يوم القدر، بداية اإلنسان25السنة،

نقي، طاهر، فهم : ناكي –سماء، علوي، رفيع، سيد : أنو: ناكي -أنو -1 ♦

.أنقياء السماء، السادة األطهار، المالئكة . جمعية التجديد الثقافية االجتماعية عيد الخليقة،، ليلة القدر: بحثراجع -2 ♦

188

موجود، لكـن كبهـائم " البشر(" دون أن يعينوا ملكا يحكمهم

.)ذكية، دون خليفة وملك

زمان فلم يكن حتى ذلك ال

لم يوجد، وال حضارة، وال عقل " آدم"أي ( من عمرة أو إكليل

.)مفكر مدبر، يصلح لتاج وعرش

وال من صولجان مرصع بالالزورد

العرش هو المـدبر، ( وال من عرش قد أقيم حتى ذلك الحين

).الخليفة

وكان اآللهة السبعة

ور البشر فصيل غيـر مـذك ( يوصدون األبواب وراء البشر

.)لدى المالئكة وال يؤبه له، وال اتصال معه

وفي األماكن المأهولة

البشر لم يـدخلوا الجنـة المأهولـة (كانوا يوصدون األبواب

.)بالمالئكة، ليس بعد، إنما بدأ ذلك بآدم فقط

المالئكـة المتأججـة ( وكان االيجيجي يحيطـون بالمدينـة

والملـك " قال القرآن كما ،السماوية/يحيطون بالجنة األرضية

.")على أرجائها

189

وفي هذه الحالة

هو الخليفة، ودور (كانت عشتار ترغب في إيجاد راع للبشر

.) نسل بشري الخليفةكقوة واضح، ألن" عشتار"

هـي قـوة " نـا ينإعشتار أو (" فكانت تفتش عن ملك للبالد

ةالمالئكة الـصاف أحد قوى الخصب، والتخليق، والنسل، هي

.)الموكولة بأسباب الطبيعة

عين "أنينا وهي بمعنى أن ( في إيجاد ملك البالد " أنينا"وترغب

تبحث لألرض الزاهية، والطبيعة األرضـية، عـن " السماء

.)، خليفة الرب في األرضملكها

أي بـين ( عن عروش في الـسماء في التحري " إنليل"فأخذ

والعـرش هـو ،برينالمالئكة إن كانوا يصلحون كخليفة ومد

.1) والتدبيرلمدبرل

ففتش في كل مكان عن عرش الملك

غير المفسرة إال باعتسار وتكلف بهذا نستطيع تفسير كثير من اآليات -1 ♦

ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ (ومجافاة للعربية المبينة مثل أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على (، )17:الحاقة)(ثمانية

بهم، في هذه فعروشها هم أهلها المدبرون لها وتقوم)259:البقرة)(عروشها

).45الحج (و) 42الكهف (ية وفي التي مثلها اآل

190

أن : "يقـول المنـدائيون ( 1ألنه لم يكن بعد من ملك في البالد

.)لتودع في آدم الكامل" روحا أحضر من عالم األنوار

إنليل رب الروح نـزل (وعندئذ نزلت الملكية من السموات

، بعـد جعل الخالفة في أحد البشر بالروح من السماء وبأمر

.)نفخه بالروح

من البشر سـيخلق إنـسانا ( فقرر إنليل أن يخلق ملكا للبالد

.)ملكا لألرض، ونسله سيكونون أربابها ومدبريها

: نصوص وادي النيل–سادسا

قبل الميالد، فنجـد أما في وادي النيل في األلف الخامس

همجية، وتكريس نظـام األسـرة طع شأفة ال قأنفسنا أمام

) مصر(بدال من شريعة األمومة، فتقول سيدة وادي النيل

أي " حـاز "مـن الفعـل " حيزيت"، وهي )Isis(إيزيس

المبصرة المنبأة الكاهنة، التي منها سمت العـرب أحـد

باإلبداالت بين الحـاء والهمـزة، ثـم ) عزى(أصنامها

" احزى"لهجتنا العامية نقول الهمزة والعين، وما زلنا في

ولم يكن قد ظهر ( عن هذه المرحلة مسخ الكائناتيقول أوفيد في كتاب -1 ♦بعد بين الكائنات من اتسم بطابع اآللهة، وكان جديرا بأن يملك الذكاء

). اإلنسانثم كان أن خلق. الخارق الذي يتيح له أن يكون سيد سائر الخليقة

191

أي خمن وتكهن وتنبأ وحاول أن تعرف، والنص يجـده

إننـي ": ( ألدولف إرمان -ديانة مصر القديمة "القارئ في

أنا إيزيس عاهلة البالد جميعا وقد تعلمـت علـى يـد

إنني أنا التي تشرق في نجمة، إنني أنا التـي .. هرمز،

بة، من أجلي قد شيدت مدينة بوسطة، يسميها النساء ر

إنني أنا التي فتقت السماء وبينـت مـسالك النجـوم،

واخترعت المالحة، وعقـدت بـين الرجـل والمـرأة،

وقضيت بأن يحب األبناء آباءهم، لقد وضعت مع أخـي

حـدا ) وتعني الوزير " آزر" من الفعل Osiris(أوزيريس

رار الخافية، لقـد أدلـت وأريت الناس األس ! ألكل البشر

دولة الطغاة وحملت الرجال على حب النساء، وجعلـت

.1)..والفضة العدالة أقوى من الذهب

: 559، صديانة مصر القديمةأدولف أرمان، -1 ♦

♦ (I am Isis, mistress of the whole land. I was instructed by Hermes, and with Hermes I invented the writings of the nations in order that not all should write with the same letters. I gave mankind their laws, and ordained what no one can alter. I am the eldest daughter of Kronos. I am the wife and sister of the king Osiris. I am she who rises in the dog star. I am she who is called the goddess if women. I am she who separated the heaven from the earth. I have pointed out their paths to the star. I have invented seamanship.

192

♦ I have brought together men and women. I have ordained that the elders

shall be beloved by the children. With my brother Osiris I made an end of cannibalism. I have instructed mankind in the mysteries. I have taught reverence of the divine statues. I have established the Temple precincts. I have overthrown the dominion of the tyrants. I have caused men to love women. I have made justice more powerful than silver and gold. I have caused truth to be considered beautiful .. I assigned to Greeks and barbarians their language . . . I established penalties for those who practice injustice.)

♦ Refer to: ♦ http://www.mystic-mysteries-

magic.com/mysteries_egyptian_invoke_isis.htm ♦ http://duke.usask.ca/~niallm/252/Diodisis.htm ♦ http://www.sacred-texts.com/eso/sta/sta10.htm ♦ http://azothgallery.com/alchemical/k_damiani_sophiasoul.html ♦ and others

193

أكل لحم البشر

194

أثبتت البصارة إيزيس أمـرين رئيـسين مـن آثـار فقد

أكل لحم البشر، وشريعة الخـصب : الهمجية كانا سائدين

ة أو التأثر بها إذا كان فالحالة الهم .والزواج العشوائيجي

، في ظاهرة أكل البشر، ولوحقت آخر فلوله اإذاك موجود

لذلك ووضع حد له في بالد العرب قبل سبعة آالف سنة،

ليس غريبا أن نرى أن العربي ليس في ثقافته أكل لحوم

أيحـب (البشر، وأن القرآن يوضح طبيعتـه اإلنـسانية،

، بل العربي ال ) أخيه ميتا فكرهتموه أحدكم أن يأكل لحم

يأكل جواده، إال تضحية وكرما، في حـين نـرى فـي

الغرب استسهاال لهذا األمر لدرجة أن المرء يعبر عـن

: شدة جوعه بقدرته على أكل حصان

(I am so hungry I could eat a horse)

ــا ى أمــسم ــشر فت ــم الب ــل لح ــادة أك ــة بع الهمجي

)Cannibalism( وكانت من فرط شيوعها في الغرب أن ،

دخلت في صميم نوادرهم وفكاهاتهم، ففي حين ال نـرى

في طرائف العرب بابا يتفكه بهذه العادة، فعلى النقـيض

195

في طرائف الغرب نجدهم يفردون آلكلي لحوم البشر بابا

.، ألنها جزء من الثقافة ومن تكوين المجتمع1للنوادر

دة من مئات الطرائف التي ال نجدها في ثقافة أمتنانموذج لواح

حيث -كما بينت إيزيس -أما ظاهرة األمومة والخصب

ال عقد مخصوص بين الرجل والمرأة، وال دور لآلبـاء

قبـل -مع أبنائهم، فكانت سارية أيضا، إذ كان التكـاثر

: من تلك النوادر -1 ♦ بقائمة الطعام، أن رجال من آكلي البشر دخل مطعما فأتى له الجرسون- ♦

)! ائتني بقائمة المدعوين: (فردها قائالكم مرة قلت لك، أنه ليس من األدب أن : ( ونصحت األم ابنها قائلة له- ♦

). تتكلم وشخص في فمك: ما غذاؤنا اليوم يا أماه؟ أجابته: ودخل الطفل الجائع على أمه متسائال- ♦

جدتي "وع كامل، كل يوم الغداء نفسه، أوه، ألسب: فامتعض متأففا! جدتك !هذه نماذج من طرائفهم"!!! جدتي

196

عشوائيا أي لـم يكـن هنـاك زواج -انتقاء آدم اإلنسان

فاإلخصاب كان السالح الوحيد الفعال الذي كـان وأسرة،

يملكه ذلك الجنس البدائي في تلك الضرورات والظروف

القاسية، حين لم توجد وال توجد معايير أخالقيـة غيـر

وما وجدت المعايير األخالقية إال بـآدم وبعـد .البهائمية

المعصية أيضا، فبدأت األخالق تتطور حـسب المفهـوم

ل للمعصية األولى مع تطور اإلنسان عبر المراحـل األو

.التي مر بها وتجاربه واختبار وعيه ونظم اجتماعه

فنظر اإلنسان إلى ضرورة التكاثر ليـسود علـى سـائر

المخلوقات األخرى والعنصر البشري البهـائمي اآلخـر

الذي كان مزاحما وموجودا بكثرة أيضا، والذي مثله مثل

لة اللحوم البشرية وغيرها، بـل كـانوا سائر الوحوش آك

بقي هذا النـوع إلـى ربمايصطادون بعضهم البعض، و

اليوم في الكهوف البعيدة في كل األنحاء، وقد يتعلم قليال

من اإلنسان كما يتعلم أرقـى الحيـوان وأذكـاه بعـض

وح الواعي كاإلنسان الـسويالشيء، لكنه يخلو من الر..

تدشـين حتى بعـد يقة التكاثرية طر ال ه هذ توقد استمر (

نظام األسرة، فقد كان الخصب واجبا والعقم لعنة، ولمـا

أغلب المناطق التي لم تطأها أقـدام كانت الحقبة أمومية

197

فلم يكن تنسب األبناء لآلباء بل لألم، إذ أنبياء ومرسلين،

قبل تحول الفكر الـسائد أنثويةرمز لقوى " عشتار"كانت

" إيـزيس "لذلك نجـد أن .ة إيل الذكوري آنذاك إلى مرحل

وهي البصارة أو المتنبئة، هي التـي أرسـت الـشرائع

معها، المـسمى لـديهم " إدريس"اإلنسانية، بتسديد النبي

" Thot/ Thoth : 1تـوت /تحـوت /إتحوت /حتحوت"

ألنه كما يقـال " إدريس"أيضا، وهو " إخنوخ /خنوخ"وهو

: هرمـز / هرمـوز "و أيضا المـسمى درس الكتب، وه

Hermes " مـوز والحكمـةعلـم الرولعلها من كونـه م

، والهاء إما هـي إقـالب عـن "رموز -هـ"هرمز أو (

األلف إرمز، أو هي هاء التعريف كاأللف والالم لـدينا،

.2باسمه" هرمز"وسمي مضيق ) حسب اللهجات القديمة

♦ 1- ن باسم النبيأي ذو اإلحاطة : تحوط(توت / تحوت" إدريس"صار التيم

" = عنخ"و" توت عنخ آمون"، بادئة في أسماء ملوك مصر، مثل )بالعلومآمين، مين، ": آمون"عين أخ أي المعين والرقيب من الصاحب اهللا، واهللا

.مينا، معن، أي المعنى الحقيقي للوجودآثارا له في المعمورة، "بل أن بعض الباحثين أثبت أسماء أخرى له، و -2 ♦

" أنسيبازي أنا"أن هرمس هو الملك السومري (وجعل أصله سومريا فيقول سلم قبل الطوفان، وت" سبار"الذي حكم مدينة " إيفيدواكس"ويسميه بيروس

المعارف والعلوم ونشرها شرقا إلى فارس والهند، ورحل " إنكي"من اإلله وربما يكون قد بنى " إدريس"و" توت-هرمس"غربا إلى مصر وسمي هناك

وبذلك .. األهرام، ولكنه علم السحر والطب والعرافة والحكمة للمصريين علوم للبشر كلها، ويرتقي يكون هرمس السومري أول عالم موسوعي علم ال

198

وهو إدريس وهرمز، يحمل اللوح والقلم، عند عرب ) وطتح(المعلم الرباني

وادي النيل

:"Cadmosقدموس " قصة األمير العربي –سابعا

ة األمير العربيونقرأ في التراث في قص" قدموس الفينيقي

Cadmos " ابن الملك أجينور، وهو الذي علـم اإلغريـق

أختـه الحضارة واألبجدية الفينيقية، الذي راح يبحث عـن

في التاريخ الديني ميثولوجيا خزعل الماجدي، ) هرمس إلى مرتبة النبي .105، ص الخلود

199

أو أوروبا حسب أسطورة اإلغريق والتـي " عروبة"األميرة

سميت القارة باسمها، حينما ذهب إلى شبه جزيرة المـورا

" طيبـة "مع أفراد من عشيرته لبناء مدينـة ) اليونانية اآلن (

Thebes افةديلفي (، كما أشارت عليه العرDelphi ( فـي

غـرزت أرجلهـا بتتبع بقرة وحيثمـا ) أبولو(معبد البعل

مدينـة "فاألرض تصلح لبناء المدن، فبينما كـانوا يبنـون

فأخذوا يبحثون عـن ) حسب القصة (شعروا بالعطش " طيبة

1الماء وذهبوا إلى المغاور والكهوف فخرج لهم أبناء التنين

الهمجية أبنـاء الساللة األوائل يطلقون على وكان العرب("

األفاعي وأبناء الحيـة، التنين وساكني الجحور والمغارات و

كمـا فـي 2الـصقالبة /وأشهرها وأشدها هـم الـصقالب

هشر ات وفي األدعية أيضا، وهم جيل من البشر نهمالمروي

أكول قصير القامة عريض الوجه والفكين يسحق العظـام

بها، وهذا الصنف كان موجودا في الشمال األوروبي وفـي

الذي خرج إلـيهم مـن -أي هذا الصقالب -الغرب وهو

الكهف، ودارت معركة بين هذا النوع مـن الهمـج وبـين

؛ 438 – 434، ص أساطير آرام–الميثولوجيا السورية وديع بشور، -1 ♦

. تحوي صفحات عن موجز ألسطورة قدموسم بالدهم بالد تتاخ جيل من الناس: األكول، الصقالبة: الصقالب-صقلب -2 ♦

.514 ، صمحيط المحيطبطرس البستاني . الخزر بين بلغر وقسطنطينية

200

قدموس وجماعته حتى أنه قتل من جماعة قدموس العـدد

وتحولت قصته وقتله التنين ونثر أسـنانه وبنائـه 1")الكثير

.2المدن إلى أسطورة ورمز

المحارب الثالث عشر (نجد محاكاة لهذه المعارك، في فيلم أجنبي اسمه -1 ♦

The Thirteenth Warrior( أنطونيو بانديراس" بطله الممثل األسباني" ، قاتل مع "هـ309 نالضأحمد بن ف"ويحكي عن بطل عربييذهب شماال وي

بعض الفرسان الشجعان قبائل الهمج المتوحشة البدائية من سكنة الكهوف .الذين تحكمهم شريعة أمومية متخلفة

♦ 2 - When Cadmus left Delphi, he soon ran into a white cow. He followed her a long way, over hill and mountain, through valleys and across rivers. Finally, the cow lay down on a knoll in the middle of a large plain-the perfect spot for a walled city. Then Cadmus sent one of his men to get water from a nearby spring. While he was gone, Cadmus sacrifice the cow to thank the gods. When the man he sent never returned, he sent two more men to see what had happened. They did not return either and he sent the rest of his men, a few at a time, after the others. Finally, he was left alone and went to see for himself what was keeping his men. When he reached the spring, he saw a dragon guarding the spring. At first, Cadmus was afraid it would eat him too, but the dragon was very sluggish and sleepy after eating so many men and Cadmus slew the dragon easily.

201

وهذا النوع من البشر الصقالب هو الذي نراه في اإلنيـاذة

عتيكـة نـراهم ضا، فحين ذهب الكاهن عنيا مع جماعة أي

وفـي .يصطدمون بهذا البشر الصقالب آكل لحوم البـشر

)المرموز له بالتنين(قدموس يقاتل الهمج

202

" عنيـا "شرع الملك إيڤان يخبـر د لق: كتاب ڤيرجل اإلنياذة

وجماعته النازحين إلى هناك بالكثير من أحـوال الـبالد،

وكيف كانت في األيام الماضية مأهولة بـشعب متـوحش

لما هرب رفاقي من هـذا : ة الوحوش، فقال لهم يعيش عيش

الشاطئ اللعين تركوني في كهف الصقالب وهـو مخيـف

الهيئة، وحشي المنظر قد جاوز الحد في ضخامة جـسمه،

العينين كيف مد يـده يتغذى بلحم البشر، وقد رأيت بهاتين

وقبض على اثنين من رفاقي وسحقهما على الحجارة سحقا،

هذه هـي ". أطرافهما متناثرة تتجه نحو فمهرأيت أجل لقد

صورة الصقالب ساكن الكهوف في أوروبا، قبـل هجـرة

العرب األوائل إليها هناك في زمن قدموس وقبله، في شبه

ـ 1300جزيرة المورا وفي زمن الطرواديين بحوالي ل قب

الميالد، كان هذا الكائن هناك ولعل تكوينه النفسي مـا زال

).هو السائد

203

صورة تخيلية للهمج آكل لحوم البشر

األمير العربي دشن في أوروبـا " قدموس"بل إننا نرى أني

التي كان يسكنها البرابرة والهمـج آنـذاك، يدشـن فـي

أول مبـادئ األسـرة والـزواج " اليونان"حاضرتها آنذاك

" مسخ الكائنـات "المسجل، فيقول أوفيد الروماني في كتابه

الـسعادة " قدموس"، ووجد "طيبة"نيت مدينة وب (116ص

ابنة الرب مـارس، " هرمونيا"في منفاه، فقد تزوج النبيلة

204

أسسوا تقاليد .. والربة فينوس، وأنجب منها أبناء وبنات

، والـرب )األسرة، وأرسوا روابط المحبة بـين أفرادهـا

والربة تعنيان الـسادة المعلمـين والمـربين، وإن فهمهـا

.1الرومان خطأ فألهوا شخصياتها

" 2أتراخاسـيس " أصداء الهمجية أيضا في أسـطورة ونرى

م، والـذي . ق 1700التي يعود تدوينها إلى ) ع(وهو نوح

دية "حسبما يلوح من اسمه أنه ععترة: أترا" (حامي الذر -

ئ : خاسسخبمحتفظ، م يـدعو ) ع(حيث كان ) خاشش، أي

، ال اإلباحة من جهة أولـى، وال معاشـرة إلى شريعة إيل

الهمج من جهة ثانيـة، فهـو بهـذا صـائن النـسل أشباه

اإلنساني، وهو باعتبار الطوفان المهلك الذي حـصل فـي

المنطقة وأباد الخاطئين والهمج هو أيـضا صـائن النـسل

اإلنساني بدعائه على الفجار وإنجاء األخيار ونسلهم معـه،

دة أسماء حسب ثقافة األسـطورة، فهـو وقد حظي نوح بع

أساطير -الميثولوجيا السورية ع بشور،ودي: راجع بعض التفاصيل في -1 ♦

.435، ص آرام

كما وصلتنا بهذا التصويت، يحتمل مع اإلبداالت ) هاسس-أترا (- 2 ♦خاشش، أي - عترة-أ: الصوتية بين السومريين أو الغربيين، أن تكون

حاسس، أي أكثر الناس إحساسا ودراية بالرب - أدرى-ب. المحتفظ بالنسلخاصص، أي المخصوص باإلطراء - إطرا- ج. وما يسخطهوما يرضيه

). سالم على نوح في العالمين(والثناء كما أثنى تعالى

205

يذ: الـسومري " زيوسـدرا "البـابلي، وهـو " أتراخاسس"

/أوتنبـشتم "وهو لدى البابليين أيـضا ،)الصدارة (درصال

. حائط وراعي النفوس" نفشتم -أوت

اللوح الثاني؛ أن اهللا امتحن " أتراخاسس"نجد أن في ملحمة

ألرض الظروف القاسـية، البشر بالبالء والجوع، وعمت ا

" شريعة الهمـج "فعاد البشر المهلكون بعدئذ باإلغراق إلى

، 1حيث صاروا يأكلون بعضهم البعض ويـأكلون أبنـاءهم

.سواء أكلوهم ماديا أو هو رمز لحالة التوحش والظلم

ة في التراث السومري ـة اإلخصابيـالقوة الكوني –ثامنا

:والبابلي

راث السومري والبابلي موقعـا خاصـا للقـوة لقد بين الت

سواء تعني ) عينان(وهي ) إنانا(الكونية اإلخصابية وسمها

العين، أو عين العناية، أو عـين آن، أي عـين الـسماء،

لها ألنها تبقى كالحارسة الرقيبـة " كوكب الزهرة "ورمزوا

♦ 1- When the sixth year arrived, They served up a daughter for a meal,

Served up a son for food.

206

، 1في ظلمة الليل شرقا أو غربا إذا غاب الشمس أو القمـر

أي /أنف الروضات (، وهي أفروديت )الفانوس (فهي فينوس

عشتار أي مديمـة (، وهي عشتار األكادية )مظهر الخصب

وعناة األوغريتية أي العناية وقوة الخصب، )العترة والنسل

" األنثـى "هي " أنتا"أو سيدة السماء لدى مصر، و " أنتا"وهي

أو األرض، وهي العين الراعية المزهرة سواء في الـسماء

هي األم، القوة الكونية المخصبة، تعنى بالخلق وبالجمـال

والزرع والنسل والخصب والزرع ومظاهر الحيـاة، ولـم

ا -يكند ) النساء( أدل من األنثى -مفهوميكرمـز مجـس

يمتهن هذه الوظائف أو له هذه المخايل والسمات العظيمة،

عطـاء، نان وحـب و حمن توليد واعتناء بالذرية وإدرار و

ومن اعتناء بحقول الزرع، ومن جمـال وزينـة وتـورد،

علـى شـكل هذه القوة الجاذبة المخـصبة فقاموا يرسمون

كمفهوم فكري ال حقيقي، أي كتمثيل ذهنـي، ككـل " أنثى"

الرموز التي نرمزها اليوم في كل العلوم، بل كمـا نكتـب

نظامـا تواضـعيا ونلفظه، لنكون لنـا ) اهللا(رمز الجالله

ير مركزك بكل ، وليتغ"عشتار النجوم"وليكن اسمك (في نشيد عن عشتار -1 ♦جالل بالنسبة إليها، األكثر لمعانا، وليتغير مقامك بكل احترام، إلى المقام

، ليكن )أي الشمس(وشمش ) أي القمر(األسمى، وحتى عند حراسة سين رينيه البات وآخرون، ) سناؤك مشعا، وليتوهج مشعلك، في كبد السماء

.285، ص سلسلة األساطير السورية

207

اتصاليا وتواصـليا فـي منظومـة أفكارنـا وأحاسيـسنا

.ومعتقداتنا، ليس إال

روديـت؛ -أف( تعني وجه أو مظهر الخصب :فأفروديت

).روضة: روديت–هو األنف والوجه والمظهر : أنف/أف

تعني مديمة النسل والعتـرة، :Ishtar(1(وعشتار األكادية

وحي باالمتداد والديمومـة، ي) ش(حيث أن صوت الحرف

أي تقلب تقلبـا ) شقلب(، صاغوا )قلب(وكما أنهم في الفعل

ومنهـا العتـرة أي ) عتـر (هـي ) عشتر(متواصال، فإن

الساللة، جعلوا الشين وسطها، ألن قـوة اإلدامـة ذاتيـة،

، هـي القـوة "عـشتار "، والقوة المسئولة "عشتر"فصارت

ت ومازجت وجامعـت والئمـت بـين الحيوية التي جاذب

األزواج فألقحتها وأخرجت كينوناتها وأدامتهـا برعايتهـا

ونواميسها، فهي القوة التي تجذب كل زوجين في الوجـود

المادي أو الحيوي، الرجل للمـرأة مثـاال، وتـديم النـسل

ة تضجهذه القو ا(والتوالد والبقاء، لذلك نجد أنحين ) رمزي

الـذي ) ع(ينافي وظيفتها، كما في طوفان نوح يحصل ما

، وجعل "أستير"هي التي سماها التوراتيون ) Ishtarعشتار (هذه القوة -1 ♦

، فذهبت )نجمة الصباح والمساء(كوكب الزهرة /العرب رمزها التمثلي عينوهي نفسها عشتار، ما ) Starإستار (الغرب وصاروا يطلقون على النجمة

.يفيدك أن العقائد وأصول األسماء والحضارة عربية

208

عـشتار صـرخت : (أباد من جاوره من أقوام عصت نوحا

كيف أعلن حربا تدمر شعبي، وأنا : كامرأة آلمها المخاض

اللوحـة -من ملحمة جلجامش ) (التي تسعى لتزيد توالدهم

).الحادية عشرة

إنانـا عـشتار أو (، ونظـام مستوى فكري رمز ل :فعشتار

طبيعي بحـت، / وجودا هو نظام كونيInanna(،السومرية

نظام : به وجدت المخلوقات واستدامت، وهو مفهوما ورمزا

أمومي/ مـز إليـه /أنوثيور ،ـ إخصابي امرأة عاشـقة ب

وحين تطبيقه على اإلنسان وتفاعل اإلنسان بـه، . صارمة

حالـة بـزوغ كان هذا النظام هو األصل وهو الطبيعي في

البشر األولى إنباتا من الطين، إلدامـة نوعـه بالخـصب

والتزاوج المشاع باعتباره سالحه الوحيد بـين الوحـوش

وظروف الطبيعة القاسية، لكن بعـد أن أوجـد اإلنـسان

وأعطي الوعي فقد أعطي سالح اإلبداع، وجعـل مـسخرا

نـشأ فـي للطبيعة ولغرائزه غير خاضع لها بل مخضع، ف

التراث صراع زن مرموهو الفكـر ) فكر عشتار ( بين فكري

الغرائزي اإلخصابي البحت والذي كـان البـد منـه فـي

أي ) فكر إيل (، و وفي تلبية الغرائز بالحالل األولى لبشريةا

شريعة اهللا، شريعة القيم واألسرة، تدشينا لشريعة األسـرة

209

نسال إنـسانيا غيـر الواحدة وقدسيتها بوجود األب لينسال

همجي وال إباحي، ولينسخ ويزيح عمليـا علـى مـستوى

الكائن اإلنساني اإللهي نظام الطبيعة الغرائزي السائد، نظام

، )شريعة عشتار (اإلخصاب واإلباحة واألمومة والنسل فقط

/أنانـا (لـ ) إيا /إنكي(وهو الذي عبر عنه أسطوريا بإنقاذ

ـ ) عشتار ، إذ أن دور 1ا إلـى العـالم الـسفلي بعد هبوطه

أي الفكر اإلخصابي والزواج العشوائي قد هـبط " عشتار"

وسفل وانحط، وانتهى على مستوى رقي اإلنسان وتطـور

فنقرأ " نزع عن الشريعة القديمة صدارتها "قيمه وسلوكه، و

لم يعد الشاب في الطريق يخصب المـرأة (في األسطورة

قد إذن الرجل وحده في غرفته، ولتنم المـرأة الشابة، فلير

، ولهذا نرى رمزيا رفض الملك البـابلي )وحدها إلى جانبه

، أي رفضه لـشريعة العـشواء، "عشتار"إغراء " جلجامش"

) فعت عنها جميع أثواب السيادة والـسلطان، أيأنانـا "ر "

السومرية والبالبلية واآلشورية إلى العالم ) عشتار/ أنانا(سطورة هبوط أل -1 ♦

السفلي معنى تكويني قديم صحيح أيضا قبل هذا المعنى االجتماعي، يناسب فعالية مبدأ الخصب بعد تهيؤ كوكب األرض، حيث نالحظ أن حيوية المياه

) عشتار( مبدأ الخصب ، هي التي بعثت)أنكي/أيا(النقية بتشكل األنهار ة في معظم المناطق، لذلك يتميكون له دورات نصف سنوي للحياة، على أن

الصيف، " موت"، أو يقتله )دموزي السوري أو أدونيس(التضحية بالخصب لمدة نصف عام تحت األرض، هي نفسها غيبوبة البذور، فالخصب

.ض بإخصابهاوالتزاوج صار له فصول بنزول إنانا وتمكنها من األر

210

لقد صيغت قوانين العالم األسفل بعنايـة واكتمـال، فـال

تحـوال بعدئـذ " النظام القديم "، ولنشهد مع إذالل )اقشيتن

" لتلبس ثوب الطهارة "، "عشتار /للقوة الخصبية والغرائزية "

) إيـا (ولتخدم نظام الحكمة واألسرة، نظام الحياة الجديـدة

، لهذه الشريعة )إيل(وشريعة اهللا ) أنكي(نظام النقاء والنجاة

قـط، وحـواء آلدم وحـسب، العليا، تم إفراد آدم لحواء ف

وإسكانهما الجنة األرضية قبل آالف السنين كما قال تعـالى

.)35:البقرة()يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة(

فكريا واجتماعيا وعلـى (لذا نجد بروز :أنانا وشوكاليتودا

مـة النـسل ) المستوى الرمزي اللغوي واألسطوريقي دور

كخطابة، ونساجة، وكاهنة تقـف : في هذه الحقبة ) عشتار(

" أنانـا "مع قيم الشرف وتعاقب منتهكها كما في أسـطورة

؛ حيث تحكي أن فالحا دؤوبا القى "شوكاليتودا" 1والبستاني

ظروفا صعبة في حقله حتى اهتدى لفكرة التظليل باألشجار

؛ 159، ص إنجيل سومرخزعل الماجدي، : راجع هذه األسطورة في -1 ♦

؛ فاضل عبد الواحد علي، 146 ص من ألواح سومر،صامويل كريمر،

عشتار ؛ فاضل عبد الواحد علي، 110 ص سومر أسطورة وملحمة،

، أساطير آرام-الميثولوجيا السورية؛ وديع بشور، 61صومأساة تموز،

؛77ص ♦ http://www.piney.com/InanaShu-kale-tuda.html .

211

ـ ")سربيتو"اسم الشجرة (الضخمة لحماية مزروعاته ن ، لك

حقله قد أبادته الباليا وفر هاربا ألن الدماء مـألت اآلبـار

والرياح عصفت بالبالد، ذلك ألنه اغتصب فتاة في حقلـه

" العناية الربانية "أي دنس " (الربة إنانا "هي نجمه السماء أي

). نفسها

وواضح أن األسطورة في الوقت الذي تعلم تجويد أسـلوب

ى الجد واالبتكار والعمل الـدؤوب، إال الفالحة وتحض عل

أنها تربط أيضا بين السلوك االجتماعي والطبيعة، أي بـين

ما لم يرتبطا بنسك أخالقي ة والجدة، فالعبقريوح والمادالر

كاف واحترام للمقدس فإن لعائن الطبيعة تتـرى وتتـوالى،

ـ -األسطورة-وهي ت ظـل إذ جعلت من الفتاة النائمة تح

الشجرة لتستريح هي أنانا ونجمة الـسماء والربـة، لكـي

أن ال تغتصب فتاة في الطريـق أو فـي : توحي لكل أحد

الحقل على ذمة الشريعة السالفة بعد نسخها، فلربمـا هـي

عشتار نفسها متلبسة، فتصيبك اللعائن والباليا، فهـي -أنانا

أو ال تـرد (قية أسطورة وعظية، تشبه في الوصايا األخال

ك جاء يمتحنـك، أو أنهـا يـد اهللا تحقر سائال فربما هو مل

أنها وعظية في صيانة النفس اإلنـسانية -ودليلنا ) تختبرك

عن اإلباحة القديمة والجاهلية األولى الغرائزية التي منـع

212

فمـا . هو اسم الفالح والـشجرة -1اإلسالم من العودة إليها

هما؟

ا االسم المعقد لنا فيه وقفة، فبناء على أن الـسومرية إن هذ

قديمة، وبنـاء علـى أن األسـاطير ) عامية(لهجة عربية

مفاتيحها مخبوءة في شخصياتها وأسـمائهم، إذ أسـماؤهم

ليست اعتباطية بـل قـصدية فاالسـم هـو مفتـاح روح

لة األسطورة، نجد هنا اسما طويال هو في الحقيقة أشبه بجم

، فالشعب الذي يـسمي نينـا، أنكـي، أيـا، )شوكاليتودا(

ال يمكن أن ينحو للتعقيد باسم هـذا .. مردوخ، لولو، إيتانا

طوله، السيما في أسطورة ينبغي حفظها شـعبيا وتناقلهـا

ش وإلـى اشفويا، ما لم يكن ذا داللة ذهنية قريبة إلى المع

) عشتار /أنانا(آخرا لـ األفهام، إن األسطورة أعطت بعدا

غير شريعة الخصب، هو عدم تعدي القيم ونظام الزوجيـة

تبرج اإلناث وتعرضهم للذكور في عقيدة الخصب كما في الممالك -1 ♦

الحيوانية أمر مرغوب، لكن ال في عقيدة األسرة وشريعة الخالفة الربانية، ، )33:األحزاب( )ىوال تبرجن تبرج الجاهلية الأول:(ألنها غدت جاهلية أولى، ولماذا أضيفت هنا، لتدلك أن المقصود ليس "األولى"وتمعن فقط في كلمة

مجتمع الجاهلية قبل البعثة النبوية، بل الحقبة التاريخية الموغلة في القدم، وحده للداللة " الجاهلية"في الحقب البشرية، فالقرآن قد استخدم لفظ " ألولىا"

آل )(يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية(بعثة قبل العلى حقبة ما إذ جعل الذين كفروا (، )50:المائدة)(أفحكم الجاهلية يبغون(، )154:عمران

.)26:الفتح)(في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية

213

الرجل بجمـال فتـاة ولـو عقل أخذ نإمهما بلغ الشوق و

مستلقية أمامه أو تحت طائلته، فليمنع نفسه أن ينزو عليهـا

، والبستاني لم يمـسك نفـسه جنـسيا نزو الفحول المنساقة

أرتنا كيف تشرد وحل عليه غـضب فاعتدى، فاألسطورة

مع أنه كان خادما للطبيعة عارفا بأسرارها ولعائنها الطبيعة

وهـذا " بيتـو -سر"بدليل اهتدائه لغرس الشجرة الوارفة

البيـت "هي " بيتو -سر"االسم لنا فيه وقفة، إن 1"سر أي ،

نظام األسرة نفسه، الزوج والزوجة، ال اإلباحة والعـشواء

تالط، هذه هي الشجرة الوارفة الظالل فـي األزمنـة واالخ

ذات الظل العريض، إن " بيتو -سر"إنها شجرة الـ : (كلها

ظلها ال يزول، ال في الفجر، ال فـي الظهيـرة، وال فـي

، إنها كما تقول األسـطورة التـي تحمـي حقـل )الغسق

فمـن . من زوابع الفتن وتبني أواصـره ) المجتمع وأفراده (

الشجرة، شجرة األسـرة، ال ينبغـي عليـه أن غرس هذه

يدنسها، ألنه مع نظام األسـرة تظهـر مفـاهيم العـرض

والشرف والنسب والعفاف، فهذه األسطورة ترسم تهـذيبيا

أو " سر"قد تعطي داللة " س ر"ف السين والراء ، إن حر" بيتو- سر"-1 ♦

، حيث السومريين يختزلون الكتابة من جهة، ومن جهة "أسر"أو " سور"أخرى فكتابتهم خالية من صوتيات الحروف اللينة، حروف العلة، إذن؛

، "أسرة البيت"أو " سور البيت"أو " سر البيت"تعني " سربيتو"سواء كانت . أن الحرمة البيتية المقدسة هي التي انتهكتفهو األمر نفسه،

214

على مستوى الضمير تحاشي االعتداء على أي فتاة وتدنيس

.1عرضها، وانتهاك قيم األسر، ألن وراء ذلك وباال عظيما

ــ" ــة " وكاليتوداش ــسختها باإلنجليزي ــن ن ــة ع المنقول

)Shukalletuda( هي كما يلوح لنا ،)Shuk-alle-tuda (

وباعتبار أنه ال الغرب وال السومريون يلفظون العين، فهي

تعدى، أي الـشوق الـذي تعـدى -اللي -شوگ: بالعامية

.وتجاوز بصاحبه إلى الخطيئة

فـي " إيل"فظة على شريعة إذن فاألسطورة تدعو إلى المحا

األسرة وتسييد القيم اإلنسانية الضابطة عن الهمجية فينـا،

سيدة ) أي البصارة " حيزى"وهي " (إيزيس"وهذا ما أثر عن

م والتي صـارت مظهـرا .وادي النيل قبل األلف الرابع ق

وعقـدت بـين : (آخر لقوة عشتار المحافظة على اإلنسان

ضيت بأن يحب األبناء آبـاءهم، لقـد الرجل والمرأة، وق

)..حدا ألكل البشر" أوزوريس"وضعت مع أخي

لعل هذه األسطورة الوعظية بعدم انتهاك الطهارة اإللهية والنظام الرباني -1 ♦

وإال فإن الطبيعة نفسها تالحق المنتهك بلعناتها ويأتيه الشر من حيث كان " أكتيون" عن الخير يأتيه، تحاكي أسطورة إغريقية جاءت على أعتابها،

" أركتيون"، إذ بينما كان )إنانا- وهي وجه إغريقي لعشتار" (أرتيميس"ووهي تستحم في غدير عارية، فغضبت " أرتيميس) "الربة(يصطاد، فاجأ

ماكس شابيرو، : انظر. فالحقته كالب صيده ومزقتهالربة وحولته غزاال .29، صمعجم األساطير

215

علـى ) القـوة الخـصبية -عشتار /إنانا(هذا التحول لدى

اإلنساني الواعي، هو الذي حولها لتعلم ربات الكائنصعيد

األسرة من النساء، النسج، والزراعة، وممارسـة دورهـا

/حنة / عناة(الرجل والمرأة، تحت اسم كخطابة توفق بين

التـي " عـشتار "ريت، وتصبح عقيدة گفي أساطير أو ) أناة

أي الزوجة والصاحبة، وهـي " عشيرة"همها تناسل الناس،

حناث أي الزوجة، فيقوم الصدام بين /أو حناة " حنة"نفسها

الجديد، صراع بـين " العشيرتي"القديم و " العشتاري"الفكر

ن، بين المنسوخ والنسخ، بين األرفع واألدنى، بـين عقيدتي

التقليدي والجديد، بين التوحيد االجتماعي والشرك، بل هذا

التحول نرصده صريحا، في تراث البـابليين، الـذي حـدا

للوقوف مع جلجامش بعد إهانته لها، وبعـد دوره " إنانا"بـ

مـن ثـورة الطبيعـة " أوروك"الكبير في إنجـاء مدينتـه

الذي بدا ظاهرا وكأنه عقاب ) الثور السماوي (وأعاصيرها

سماوي إجابة لدعوات النساء اإلباحيات الالتـي تـوجهن

واسـتغاثاتهن ونيـاحهن الكبرى بـضجيجهن لمعابد األم .

فتأنسن الفكر اإلخصابي واقعا، رمـز أسـطوريا بوقـوف

ـ (عشتار إلى جانب جلجامش، كما قال تعـالى ا بكـت فم

) بكت السماء عليه دمـا : (ونقول) عليهم السماء واألرض

216

ودالئـل ، فكلها رموز وتمثيالت )وقفت السماء إلى جانبه (

".اإلنساني -الطبيعي /الكوني"لهذا التآزر

عشتار مع جلجامش

التـي huluppu(1 الخلبو(عن شجرتها " إنانا"ونرى تخلي

" تخلب"، ويبدو أنها التي تترجم أنها الصفصاف أو الخالوب

العقول، وهي شجرة اإلغراء واإلباحة نفسها، تلـك التـي

بعدما قطعتها رياح التغيير من مدن " أوروك"استقدمتها إلى

فـرات الجزيـرة العربيـة (أخرى على ضفاف الفـرات

؛ والمصادر الكثيرة التي 223، ص ل سومرإنجيخزعل الماجدي، -1 ♦

".ملحمة جلجامش"تحوي

217

، نظـام 1 النظام الجديد تلك القرى بعد أن اعتمدت )األصل

حين كـان " أوروك"رعتها سنين في ، فغرستها و )اهللا(إيل

. القديمحليفا لهذا الفكر" هواه"جلجامش على

قطـع هـذه الـشجرة، " إنانـا "فالتحول يبدأ حينما أرادت

الطبيعي التي ابتدأت مع الخليقـة الخصب شجرة ،شجرتها

مـستوى اإلنـسان ل بالنـسبة وعدت شجرة خبيثة األولى،

في سبيل التطور وعقبة ،تمنحى الرساال لرقة ا مف الواعي،

قطعها من مدينة جلجـامش "إنانا/العناية "اإلنساني، أرادت

، هذه هي المرحلة نفسها التـي ظهـر فيهـا دور "أوروك"

للفكر الخصبي والنسلي الملتزم بقوانين األسـرة واألبـوة

بل الذي يبدو أن عقيدة الخصب التي كانت موجودة وظلت منذ اإلنسان -1 ♦

األول، كان أصلها شبه الجزيرة العربية، حيث نهر الفرات األصل، جنوب ذه العراق، وحيث تأتي تعاليم األنبياء والمصلحين من هذا الجنوب، من ه

المنقذ، والناقض، " أنكيدو"الصحراء، كرياح التغيير العاصفة مثلما جاء :لنسخ وإزالة شجرة الخالوب أو عقيدة الخصب والزواج المشاع، فاقرأ

♦ Once upon a time, a tree, a huluppu, a tree -- ♦ It had been planted on the bank of the Euphrates, ♦ It was watered by the Euphrates -- ♦ The violence of the South Wind plucked up its roots, ♦ Tore away its crown, ♦ The Euphrates carried it off on its waters ♦ (The Sumerians. Samuel Noah Kramer, p. 199 )

:وأيضا ♦♦ http://ccat.sas.upenn.edu/~humm/Topics/Lilith/gilgamesh.html

218

خضوع إنانا لجلجـامش، -تمثيليا -والمذعن ألطرها، أي

ورفـضه لتلـك لهـا غوائه، وبعد إهانتـه بعد فشلها في إ

فنجد أن جلجامش وائتمارا لنداء إلهي مـن .الشريعة البالية

يقـوم بقطـع ) ةمحيطقدرة ال ال=حوطو /أوتو(رب الشمس

في أسفلها ) الغرائز" (الحية"تلك الشجرة الخبيثة التي سكنت

والشياطين في وسطها وأعالها، فقطعها جلجـامش وقتـل

إلـى )ليليـت (وبعثر سكنتها من الشياطين ) ائزالغر(الحية

طـائر - وفراخـه "Zu"طائر الزو (الخرائب المهجورة، و

وهم مفكـرو هـذه الـشريعة -) السو بالعامية أي السوء

. شردهم إلى الجبال-وكهانها

، وهو )عين سو (لقد كان السومريون دقيقين جدا حين قالوا

إلباحية، وهـو أصـل كـل وا" السيئات"رمز من فتح باب

حصل لإلنسان، رمزوا له على شـكل طـائر ألن " سوء"

أصله مع المالئكة، هو إبليس، حين كان طاووس الجنـة،

Myth(المكتوبة في ثالثة ألواح ) زو-أن(فتقول أسطورة

Of Anzu ( أن)كان طائرا في الجنة، نظر ) عين سو/أنزو

وتمنى فـي قلبـه ) لإنلي(ونظرة حسد إلى ) عين سوء (بـ

ة مكانه، وأراد سرقة ردائه الربوبيوتغييـر منـه الملوكي

، وتمت له بعد )سرقة لوح األقدار (مصائر أرباب األرض

219

ونـزل ) إنليـل (انتظار طويل تلك الفرصة، حينما تعـرى

يستحم في ماء التطهير، بعد أن نـزع عـن رأسـه تـاج

وقرر ) آنو( األعلى غضب الرب . الملوكية ورداء الربوبية

-نـين (بالنار ورجمه عقابا له، بواسطة ) عين سو (رشق

، وهو الجبل الناري القاذف المحيط بالجنة ) Ninurtaنورتا

فصارت منذ ذاك حرما آمنا محظـورا إال علـى األراوح

-نـين (الطاهرة تدحر الشياطين بعيدا عنها بشهب المالئكة

.1)شهب القاذقةأصحاب النار وال= نورتا

، أن كـل )وعصى آدم ( الحقا في بحث معصية آدم سنرى

هذه الحيثيات صحيحة، وأن إنليل المقصود هنا هو إنليـل

أي ،آدم"البشري " إنليـل (بالخصوص، مثيل الـرب( وأن ،

وهـم (الشيطان سيسرق منه الذرية لتغيير مصائر البـشر

).يفتهاأرباب األرض المفترضون بعد جعل آدم خل

الحقيقة ، آدموعصىفي بحث ) سو- آن( شرح أسطورة طائر تكملة- 1 ♦

. جمعية التجديد الثقافية االجتماعيةدون قناع،

220

)له وجه الشيطان) (سو-آن(رمز طائر عين السو

:)The Epic of Gilgamesh( في ملحمة جلجامش - تاسعا

نشهد سيرورة التحول الفكري لدى جلجامش مـن النظـام

، بـدخول "اهللا /إيـل "القديم العشتاري اإلباحي إلى نظـام

/عـين : عـين /آن /إن) (Enkiduإنكيدو (شخصية تدعى

فهو سـيد النظـام ) 1أسر /قيد: كيد+ مسئول /سيد /رقيب

لدى السومريين ولدى " العين"فحرف (نالحظ أن اللهجة عربية بحتة -1 ♦

، مكونة )En-kiduكيد -آن(لذا فإن ": ألف"المترجمين الغربيين أيضا ينطق كما تلفظ " عين"، يعني )En(باإلمالة " إن أو آن: "من مقطعين، األول

بالعامية أي المسئول والراعي والرقيب والحارس والرب والمعين، والمقطع والقاف تلفظ كاف في لهجات عربية كثيرة كما هي لدى " كيدو: "الثاني

الغربيين، والواو األخيرة في السريانية، مثلها مثل األلف الممدودة في

221

الجديد واألسرة، والمبشر به ضد اإلباحة، لذلك يرمـزون

بثور له رأس إنسان، أما أنكيدو ) دموزي(لمظهر الخصب

نجم " "سليل نينورتا " "شبيه اآللهة " "العظيم" "النبيل"اإلنسان

ض الرمـز فهـو مـرو 1"شهاب آنـو الثاقـب " "السماء

اإلخصابي، أو قل مؤنسن الجموح الجنسي وكابح العشواء

والثور الهائج، فهو أشبه بنبي أو مصلح، لذلك كان يفـسر

أحالم جلجامش والمرشد الذي يبصره بالطريق ومخـاطره

إلى المزار اإللهي البعيد كما فـي قـول جلجـامش عنـه

، وهـو ، هـو مرسـل مـن اهللا )وأحظى بصديق ومرشد (

استجابة المظلومين، جاء مـن الـصحراء ومـن غابـات

كما نلفظها " قيد"الفينيقية، هي الضمة أو تنوين الضم في الفصحى، فكلمة

القيد والنظام واألسرة والرابطة والعقد : وهي تعنيkidu" "يكتبها الغربيون والوثاق والعالقة والنسب والصهر فكلها بمعنى واحد يدل على االلتزام،

ئلة وعالقة األب باالبن، ومنه جاءت األسرة، وعقد الزواج، وروابط العاأنها دشنته " إيزيس"فكلها روابط، وقيود، وأسر، وتنظيم، كما سبق وأخبرت

كما ال يمنع . الفينيقي في اليونان" قدموس"في حضارة مصر النيل، وفعله للنظام " المقوض"أي " أنقض"للفكر القديم، أو " النقيض" "أنكيدو"أن تعني

إذ القاف كاف، والذال دال لدى أهل ) أنقذ(أدلها أنه القديم، أو أسهلها وبة السماء الذي جاء استجا" المنقذ"سومر، كما لدى كثيرين ولآلن، فأنكيد هو

.الستغاثات أهل أوروكسليل "حسب اللوح األول من الملحمة، و" أنكيدو"هذه هي أوصاف -1 ♦

جبال السراة، حيث المزار نين نورتا هي ربة الجبل المزهر، وهي " نينورتاوالمركز الرباني، فهذا دليل آخر على ارتباط أنكيدو بالتوجيه اإللهي بشكل

إله السماء، فهم نجم السماء الذي يهدي من " آنو" "شهاب آنو الثاقب"ما، أما الظلم والشهاب الذي ينقض.

222

فتقول األسطورة عنـه أن القـوة 1الجبال، أي من المركز

رجل آت مـن (، )خلقت في الصحراء أنكيدو البطل(اإللهية

، بـل )قلب البادية، ليس في البالد مـن يـضاهيه بأسـا

واألسطورة اقتبست شيئا من مفهومها عـن الخلـق األول

صنعت صورة من فكرهـا مـن (فقالت عن القوة الربانية

جوهر السماء، غسلت بالماء يديها، وانتشلت من الطـين

، فصنعت أنكيدو النبيـل، )الفالة(غرزة، رمتها في السهل

العمـود -اللـوح األول ) "نينورتـا "ابن الفضيلة، جوهر

وقد كان جلجامش يرى منامات فـي قـدوم هـذا .الثاني

وث تأخذ بيديه، وكأنه صخرة مـن الـسماء هبطـت المبع

. بقربه

بادئة تأتي : "جل"" (جلجامش"اهتدى " أنكيدو" على يدي إذن

جل وعظم فهو العظيم : أمام أسماء القوى والملوك، بمعنى

هي جاموس باإلقالب بـين الـشين والـسين، : "جامش"+

ـ ) گاموس وگـاموش (ولآلن بعض اللهجات تنطقه وع والن

الوحشي منه يعد من أقوى وأشرس الحيوانات على وجـه

األرض تهابه حتى األسود، وقدرته على تخصيب اإلنـاث

هذا المركز كان منذ الدهر في غرب شبه جزيرة العرب، حيث -1 ♦

.صحراء، وغابات الجبال، جبال السراةال

223

لذا جاء في األسطورة ) هائلة جدا، فهو الثور القوي العظيم

األرباب العظام جعلوا جسده كامال، يفوق الجميع، مخيف (

روك بالرب ، وأورد النص استغاثة شعب أو )كالثور البري

من طغيان جلجامش حين كان مستبدا ويتبع شريعة اإلباحة

جاموسـا أنت الذي خلقـت مـن جلجـامش (ال التنظيم

. 1)هائجا

الثور العظـيم، لفـرط قوتـه / الجاموس -جلجامش -فهو

إن شـهوة : (وفحولته ضمن شريعة الخصب التي تحكمـه

رب، وال جلجامش لم تترك عذراء لحبيبها، ال ابنة المحـا

/ ، لكنه حين تحول فكره إلى النظام األسري )زوجة النبيل

وبعد رحلتـه " أنكيدو"الذكوري على يد المبعوث له والمنقذ

ة، بدأ صراعه مع الثور الوحشيالنظام القـديم /األسطوري

،والـشعبي مثله سابقا، بدأ الصراع بين الرسميالذي كان ي

يا صديقي رأيت : (ول لصديقه أنكيدو بين الجديد والقديم، فيق

اللوحة الرابعة، ) لتوي حلما، أنا وبقر وحشي كنا في نزاع

وفعال واجه جلجامش بعد عودته من غابة األرز واهتدائـه

وقضى علـى ) عشتار(على يد أنكيدو، واجه نظام اإلباحة

، )نظام السماء المنسوخ (ذاك النظام الغرائزي السائد قبال

.174، ص سلسلة األساطير السوريةرينيه البات وآخرين، -1 ♦

224

رمزت األسطورة محاولـة النظـام القـديم اسـتمالة وقد

جلجامش ومداهنته برمز أسطوري يحكـى علـى لـسان

هلـم : رفعت عشتار العظيمة عينيها فرأت جماله (عشتار

إلي يا جلجامش وكن عشيقي، امنحني بذرة من جـسدك،

جلجامش الذي ) دعني أصبح زوجتك وتكون زوجا لي لكن

يعة ثالثا، لم يـداهن، فجـاءت األسـطورة طلق هذه الشر

تصف لسان حاله، لبؤس هذا النظام الذي ال يصنع عالقات

أسرية وال مجتمعية دائمة بل عالقات غرائزية فقط ال تقيم

أمـا أن (مجتمعا وال روابط دائمة وقت الحاجة، فرد عليها

تصبحي زوجة لي فلن يكون، فماذا يكـون مـصيري إن

لي زوجة؟ بل ماذا كنت بالنسبة لعشاقك يا عشتار؟ صرت

إنك الموقد الذي ينطفئ وقت البرد، الباب الـذي ال يقـي

صاحبه نفخ الريح، إنك القلعة التي تسحق حاميتها، القار

الذي يتسخ به حاملوه، الضرف المثقوب الذي يبلل ظهـر

ء الضيق حامله، والحجر الذي يسقط على األسوار، والحذا

) !الذي يلسع رجل البسه، فأي عشاقك أحببت إلى األبـد؟

العمود األول، فهذا كالم تمثيلي عرفاني في -اللوح السادس

شبه كالم موالنا علـيع(نبذ شريعة الغرائز وتقديسها، ي (

يا دنيا أبي تعرضت أم إلي تشوقت، : (في خطابه مع الدنيا

225

حان حينك، غري غيري، ال حاجة لـي هيهات هيهات، ال

. 1)فيك، قد طلقتك ثالثا ال رجعة فيها

أن الطبيعة استشاطت غضبا -من التزامن الظرفي -وبدا

لكنـه تغلـب ) الثور السماوي ( والجفاف باألعاصيرضده

واجتاز الظرف الصعب، وتغلب علـى كـل تمـرد اعليه

اريين أيضا الذين قطعا أوعزوا هذا اجتماعي من قبل العشت

الجفاف وكوارث الطبيعة من غضب األم العشتارة، وأوغل

تحقيره أو إهانته آلهة األنوثة العظيمـة لفتـرة عهـد (في

، حتى نرى في الملحمة كيف تطلق حشود النساء 2)األمومة

والبغايا مشاعرهن فـي البكـاء والنـواح جـراء اإلذالل

دها، جمعت عشتار كاهنات المعبد، وبنـات عن:(والتحقير

عيون ؛ الواسطي، 370، ص1، جمناقب آل أبي طالبابن شهر آشوب، -1 ♦

.556، صالحكم المواعظ

عزيز :، ترجمةجماليات ملحمة جلجامش، دياناكوف: تعبيرحسب -2 ♦

المسكوت عنه في ملحمة " المعموري، ، نقال عن ناجح71حداد، ص

، 2002 - 12: العدد ، مجلة ألواح، "جلجامش♦ (http://www.alwah.com/magazine.htm)

226

اللوحـة ) الهوى والمحظيات، فوق فخذ الثـور ينتحـبن

.1السادسة من الملحمة

جلجامش وأنكيدو يقضيان على الثور السماوي، ثور عشتار التي ترى في الخلف

:ختام الفصل

أثبت تراث األولين بزوغا بشريا من الطين خرج كما يخرج

، ثـم قـررت )المالئكـة (لوا غير مذكورين لألربـاب الحشيش، وظ

السماء أن تجعل ملكا لألرض من هذا المخلوق الذي هو موجـود،

، )إنليل ونليـل أي آدم وحـواء (فتم تخليق زوج منه، إلى إنسانين

؛ ملحمة كلكامشطه باقر، : لمراجعة نصوص الملحمة كاملة انظر -1 ♦ .وغيره من مصادر

227

وذلك بعد إعادة تخليقه في طين الجنة وماء كوثرها، من مزيج بشر

.وإله

مظاهر الصراع بين البشري واإلنـساني نستنتج أن كل كما

، بين الهمجي والعاقل، بين الغرائـزي والعقلـي، بـين 1الذي فينا

اإلباحي والمنظم، المدون في تراثنا بأساطيره ورموزه، ليس لـه إال

معنى واحد؛ هو أن الحالة البشرية بطبيعتها البدائيـة قـد سـبقت

الالواعية أوال " البشرية الهمجية "ا، أي الحالة اإلنسانية، خلقا ونظام

الواعية، وهو نفـسه الـصراع بـين " البشرية اإلنسانية "ثم أعقبها

وبـين النـسمة الروحانيـة، حـسب ) حياة الجـسد (النفس الحية

حسب البابليين، حيث الحيـة أسـبق " الحية والنسر "المندائيين، أو

سماويا، فالحية مكـون بـشري، خلقا وأخلد لألرض، والنسر أقرب

" أسطورة إيتانـا والنـسر "والنسر مكون إنساني، وهذا ما نجده في

، هـذا الـصراع بـين ) آدموعصى(التي سنترك تفسيرها إلى بحث

حتى الصراع بين جحود الخالق أو إنكاره أو الشرك به من جهة وبين -1 ♦

ي قاده لتوحيد التي هي أدل عالمة على إشراقة الروح، هذا الصراع الذاولقد بعثنا في كل أمة (األنبياء في كل محطة زمانية وكان أول بنودهم

وا اللهدبوال أن اعسة جهلنا وعقلنا، بين ،)36:النحل)(رهو صراع بين ثنائي يتنا إذا طغت وقادت، وبين أثر الروح الرباني غرائزنا وروحنا، بين بشر

الذي فينا ليعلينا إن كنا مؤمنين، وهو نفسه الصراع بين األرض والسماء، .أو بين العماء والنظام الرباني الجديد حسب األساطير

228

قوانين الـسماء " إيزيس "اءرسإالبشري واإلنساني، نجده أيضا لدى

" انا والبـستاني إن"في بدء حضارة مصر ضد الحالة الهمجية، وبين

البيـت نظام سرضد الغرائزية المنفلتة الخارجة عن قانون األسرة و

طوفـان "ضد اإلباحة وفـي " جلجامش وعشتار "، وبين "بيتو -سر"

الهمجي، شبه ضد الكفران والنسل الخاطئ والوجود " نوح مع البشر

.ضد التوحش األول" قدموس وأبناء التنين"ومع

229

صل الرابعالف

إشكاالت ومعارضات

:تمهيد

مكـن أننستقصي اإلشكاالت التي ي نا، مهما بذلنا، أنال يسع

وحتى لـو تطرأ في األذهان، وبالذات أذهان المعضلين والمماحكين،

نه لـيس تكلف باإلجابة عليها أو تغطيتها، أل ناستطعنا استقصاؤها فلن

وبة وتجميد عقل القارئ الباحـث األجبإعداد من شأننا تلقين المعرفة

، ولكن يسعنا هنا مناقشة بعض منها إرساء للمنهج الذي قد واستتباعه

.يأخذ بيد القارئ الجتياز تلكم اإلشكاالت بنفسه

:يوحي بالعكس) ص(حديث شريف للنبي -أوال

في بيانه الختامي في حـج الـوداع ) ص(لقد قال نبي األمة

آدم من تراب، ال وليـد بـشر ف، 1"دم من تراب كلكم آلدم وآ "

ما الجواب؟همج، ف

.30، صتحف العقولابن شعبة الحراني، -1 ♦

230

إشكال في قول النبي تكـن ) ص(لم يكن ليقفز أي لـو لـم

صورة التفسير التوراتي منحوتة في أذهاننا، فالعقل يجد صعوبة فـي

إزاحة صورة راسخة واستبدالها بأخرى، بدليل أننا نقرأ قوله تعـالى

) باشركلوا وو د منوط الأسالخي من ضيط الأبالخي لكم نيتبتى يوا ح

لمئـات -افتراضـا -، فلو كانت الصورة المتوارثة )187:البقرة()الفجر

السنين في تحديد الفجر هي بأن يخيط كل شخص خيطا أسود وآخـر

ن استبان هذا من أبيض في كم قميصه، ويتفحصهما في آخر الليل، فإ

للعلم فإنه فعال قد جاءت مـأثورات مـن (هذا فقد حان وقت الفجر،

، فسنجد أنفسنا أسارى نناهض أي تفسير بـديل )التفسير بهذه الصورة

آخر، مع أن اآلية الشريفة ال تقول هذا، ومع أن الليلة القمراء تفـسد

ر الـصحيح، وكانـت العملية الفحصية هذه، لكننا لو أتينـا بالتفـسي

الصورة المنقوشة في الذهن التراثي الـدهري هـي تلـك، لـصرخ

إنمـا ! ؟1وأنت تريد أن تقنعنا بأنه خط األفق " خيط"اهللا يقول : صارخ

هذا مثال، وما أكثر مثلها على هذا المنوال، نعيشها ونتنفسها ونحن ال

.نشعر

لى امتداد الشيء في دقة، ثم الخاء والياء والطاء أصل واحد يدل ع: خيط -1 ♦

بياض النهار، والخيط : فالخيط معروف، والخيط األبيض.. يحمل عليه ، باب الخاء والياء وما معجم مقاييس اللغةابن فارس، . سواد الليل: األسود

. 319يثلثهما، ص

231

ـ ود وسـطوة إن اإلنسان الذي تسلح بالوعي، وتحرر من قي

إرث االستبداد العقائدي أو االجتماعي، سيسهل عليه أن يتبين الحـق

في النص وعظـي، ورد ) ص(في هذا وغيره، فإن بيان النبي الكريم

في مساق النهي عن العصبية واالفتخار بالجنس أو باللون أو بالنسب،

ال ألبـيض ال فضل لعربي على أعجمي و ): (ص(بدليل إشفاعه بقوله

، وهل هناك أحط من التـراب، لينفـي هـذا )على أسود إال بالتقوى

:بروحانيته العليا أرصد لنا أمرين) ص(فالنبي ! الغرور فينا؟

1- رة من آدم ال من غيره معه كما يزعمتحدة جمعاء ماإلنساني أن

م القـي و ، وأن ميزة آدم هي اإلنسانية العصريين بعض المفكرين

وعلى رأسها التقوى، وهو وعي األلوهة، فبهذا آدم هـو أبـو

.جميعا اإلنسيين البشر

أن هذا األصل من حيث لونه، وجنسه، ومادته، هو من تراب، -2

وسيعود للتراب، ففيم االفتخار؟ فليفخر المرء بباق من معـالي

.األمور ال بزائل

هـل آدم وحـده : باليلكن السؤال األهم الذي سيزيل التوهم ال

المخلوق من تراب؟

" وحـده "ال، كلنا من تراب، فالنص لم يضع أن آدم : الجواب

، بـل "مـن آدم "من تراب، وإال لناقض القرآن، ولم يقل كلنـا

232

وهذه نقطة جوهرية نفك معها أيـضا بعـض اآليـات ". آلدم"

ه بــ العالقة، التي احتاج المفسرون إلى ليهـا فيمـا يـسمون

):تأويلها(

)37:الكهف()أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة(

)5:الحج()فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة(

) ــشرب إذا أنــتم اب ثــمتــر مــن خلقكــم اتــه أنآي مــنو

ون20:الروم()تنتشر(

)11:فاطر()والله خلقكم من تراب ثم من نطفة(

)67:غافر()هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة(

فلماذا يخاطب في جميع تلك اآليات أبناء آدم صـراحة بـأنهم

خلقوا من تراب لو كان آدم وحده مخلوقـا مـن تـراب دون

!الجميع؟

إذن، ليس آدم وحده المخلوق من تراب لنقوم بتـصور تمثـال

اآلنف، بل كلنـا خلقنـا مـن ) ص(الطين األجوف من حديث النبي

تراب، فهل كلنا صنع تمثاال طينيا ترك فترة ليجف؟ كلنا بمن فينا آدم

من تراب، تعني أن هذا الجنس البشري برمته الذي أمامنا مع الـذي

ولـآلن فمـادة (والذي سيأتي، خلق من تراب في بداية بزوغـه باد

مـن ، ثم صار خلقه من نطفة الزوجين، وفي زمن ما )جسمه ترابية

233

روحـا -من أنسال تلـك الـساللة -الدهر، نفخ في أحد أولئك البشر

، ومـن شـجرته )وهو آدم (عدلت جيناته ليكون إنسانا بعد أن ربانيا

-الناس، كما من أشجار غيره استمر ينسل البشر -اء البشر وذريته ج

كجنس بشري، وكلنا " من تراب "، فكلنا بمن فيهم آدم حتى بادوا الهمج

نا نفخـة باعتبار كيفية تولدنا، وكلنا وصـلت " من نطفة "بمن فيهم آدم

الروح كوننا من أبناء آدم، سوى أن آدم أودعت فيه الروح مباشـرة

اسـتلمها كـآدم ) ع(ونحن استلمناها بالوراثة، وعيسى ) خلق بيد اهللا (

.مباشرة أيضا

وبين ) ع(وأيضا الفرق بيننا وبين آدم هو كالفرق بين عيسى

:آدم، هو

البشر الترابي الخالي مـن (تولد جسمه من ) البشر ذو الروح (آدم -

،)الروح

البـشر ذي (سامنا مـن تولدت أج ) البشر ذو الروح (عيسى ونحن -

،)الروح

إن مثل عيسى عنـد اهللا (لذلك خص سبحانه آدم دون عيسى

، لكن الجميع )من تراب ثم قال له كن -ال خلقهما - كمثل آدم، خلقه

آدم وبنوه كلهم ومن قبله أيضا من بشر، مخلوقون من تراب باعتبار

.أصلهم األول

234

فنخلص إلى أن:

/طين، والبشر كلهم مخلوقون من تـراب /آدم مخلوق من تراب -

.طين، بشكل مباشر أو غير مباشر

وأيضا كـل البـشر قبلـه ) من ذكر وأنثى (آدم مخلوق من نطفة -

وبعده، عدا البشر األوائل الذين خلقوا من الطين مباشرة وخرجوا

بالغين رجاال ونساء.

. آدم وحواءالناس مخلوقون من ذكر وأنثى، ألنهم من/اإلنسان -

األصـل : فتعني مـرة : الناس مخلوقون من نفس واحدة /اإلنسان -

األول أي الخلية األولى التي نشأت في الطين قبل أن تنقسم إلـى

النفس اإلنسانية بشفرتها المتميزة عن : وتعني مرة أخرى . جنسين

.البشر السابقين

:وللتوضيح تأمل الرسم التالي

235

)3-الشكل (

من + تراب من ماء

)من طين( =

البشــر األوائـــل

نطفة من )وأنثى ذكر من(

البشـــر

الناس

اإلنسانوزوجه) آدم(

نطفة من )وأنثى ذكر من(

تخليق األمشاج ونفخ الروح

اإلنسان أو الناسمن تراب أو من طين أو من

األرض )بذرة بشرية(أو من نفس واحدة

اإلنسان أو الناس من نطفة أو من ذكر وأنثى

)إنسانية(أو من نفس واحدة

اإلنسان أو الناس من نطفة أو من ذكر وأنثى

236

:يوهم بالنقيض) ع(مأثور لإلمام علي -ثانيا

خلق آدم في نهج البالغة، بمـا ) ع(لقد وصف موالنا علي

يحاكي التوراة ظاهرا، فما هو الجواب؟

رض وسـهلها، ثم جمع سبحانه من حـزن األ (:الخطبة هي

، تربة سنها بالماء حتى خلـصت، والطهـا وعذبها وسبخها

بالبلة حتى لزبت، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصـول،

أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتـى : وأعضاء وفصول

، ثم نفـخ فيهـا مـن لوقت معدود، وأجل معلوم صلصلت،

روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها، وفكر يتـصرف بهـا،

نـيا بق بهفررفة يعما، وهقلبات يوأدا، وهختدمي ارحوجو

. الخطبة األولى–نهج البالغة 1..)الحق والباطل

ال يرى فيها أمرا يخالف ) ع(في خطبة موالنا علي فالمتأمل

ح ما نحن بصدده، أنة في شيء، بل هي توضالحقيقة القرآني

واتقـوا الـذي خلقكـم (الخلق البشري، وهم الجبلة األولون

لينالجبلة الأوـة )184:الشعراء()وـت علـيهم عمليهم الذين تم

ين، فالجبل من الطين تم على المخلوق البشري الجبل في الط

. قبل آدم بدهر، ال على آدم اإلنسان كمـا زعمـت التـوراة

.20، ص1، جنهج البالغة، الشريف الرضي -1 ♦

237

فالجبلة األولون خلق بشري حـي وليـسوا تمـاثيال جوفـاء

دم ترابا مـن آ اإللهوجبل الرب (فنص التوراة يقول ، !جامدة

منفخ في انفـه نـسض وـاة األرية ح . ارنفـسا آفـص مد

، "صـور " "جبل" وفي النص العبري بدال من )7:2التكوين ()حية

جبل آدم ترابا مـن "بل " صور"أو " جبل"لكن المشكلة ال في

، كما يصنع الفخار ، أي صوره هيكال جامدا بال حياة "األرض

نفخت فيه نسمة حياة، األمر كله، من رأسه إلى أخمـصه، ثم

).انظر الصورة التالية (.خاطئ

238

جبل آدم من الطين مباشرة كالفخارة، تصور توراتي خاطئ

ل صورة "قال ) ع(وعليعلى " جب ديأت بع لم وفي "آدم"لكن ،

وجعله أول جبلته، وأسكنه : (يقول عن آدم 1خطبة أخرى له

لق، فلم يقل أنه جبله من الخ: ، والجبلة )جنته وأرغد فيها أكله

.177، ص 1، ج"بة األشباحخط "،نهج البالغة، الشريف الرضي -1 ♦

239

تراب بال نفس وال حياة، بل تكلم عنه مجبوال ككائن حي ذي

.نفس، بل وذي روح أيضا

لوقت وأصلدها حتى صلصلت، : (في النص أعاله ) ع(فقوله

.)انا، ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنس معدود، وأجل معلوم

األجـل "في النص هـو نفـسه " أجل معلوم "فقد قلنا أن الـ

وقد أخذ ماليين السنين وانقضى، وهـو مـا بـين " المقضي

ظهور أول الكائنات البشرية إنباتا من طـين األرض، حتـى

ل كائن إنسانيمن سالالتها، كما في قوله تعالى ) آدم(بثق أو

ن طين ثم قضى أجال وأجل مسمى عنـده هو الذي خلقكم م (

ونترتم أنتم من الدهر"وهو نفسه ) 2:األنعام()ثم حين " الذي لـم

أمـا . 1:يكن فيه اإلنسان شيئا مذكورا كما في سورة اإلنسان

ألف سنة التي نحن فيها، عمـر 50األجل المسمى فهو الـ

الـذي " حين"سانية على األرض، وهو الـ تجربة المحنة اإلن

.)36:البقرة()ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين(في قوله

240

يتكلم عن خلق آدم، متجاوزا تفصيل ما قبله مـن ) ع(وعلي

، المخلوقين أساسا كقنطرة لوصول اإلنسان كما 1بشر همجيين

2)شياء ألجلك، وخلقتك ألجلي خلقت األ (في الحديث القدسي ،

وإال .فالبشر السابقون آلدم هم من جملة األشياء التي ألجلـه

♦ 1- كالم آخر عن خلق البشر قبل خلق آدم ينقله عنه ) ع(ولموالنا علي

، معلقا على ذلك أنه وجد ذلك في كتاب لعلي أمير )ع(حفيده الباقر إني خالق بشرا من (: " وتعالىفقال اهللا تبارك( .. ، منه )ع(المؤمنين

فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ، مسنونصلصال من حمأاجدينوكان ذلك من اهللا تقدمة: قال،)"سا في آدم قبل أن يخلقه واحتجاج

فاغترف ربنا تبارك وتعالى غرفة بيمينه من الماء العذب : منه عليهم، قالمنك : ه حتى جمدت، فقال لها فصلصلها في كف- وكلتا يديه يمين -الفرات

المهتدين والدعاة إلى واألئمةأخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين سأل عما أفعل وهم يسألون، أوال . أباليالجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة وال

ت فصلصلها في كفه فجمداألجاج من الماء المالح أخرىثم اغترف غرفة ين والفراعنة والعتاة وإخوان الشياطين والدعاة منك أخلق الجبار: ثم قال لها

وال اسأل عما أفعل وهم أباليإلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم وال وشرط في ذلك البداء فيهم، ولم يشترط في أصحاب اليمين : يسألون، قال

ام عرشه البداء، ثم خلط المائين جميعا في كفه فصلصلهما ثم كفأهما قدالشمال والجنوب والصبا : األربعةطين، ثم أمر المالئكة وهما ساللة من

وها انزها ثم ؤونشا، وافامرؤوه أن يجولوا على هذه الساللة الطين ،والدبوروجزالريح والدم والمرة : األربعةجروا فيها الطبائع ألوها ووها وفص

والبلغم، فجالت المالئكة عليها وهي الشمال والجنوب والصبا والدبور من البدن من ناحية األربعةا فيها الطبائع األربعة فالريح من الطبائع جرواو

ة في الطبائع من ناحية الصبا، والمراألربعةالشمال، والبلغم في الطبائع من ناحية الجنوب، األربعة والدم في الطبائع ، من ناحية الدبوراألربعة

، فنرى 38، ص1ج، التفسيرالقمي، ..). فاستقلت النسمة وكمل البدن: قالأن الخلق كمل وبه نسمة، أي هو كائنات حية، ولآلن لم ينفخ فيه من الروح

.ليكون آدم ويدعى المالئكة للسجود .361صالجواهر السنية، الحر العاملي، -2 ♦

241

كانت يد القدرة اإللهية قادرة على ابتداع آدم مـن دون هـذه

التفاصيل المذكورة، بل لم يكن ثمة داع أساسـا لـصنع آدم

وقـت (تمثاال أجوف وبقائه برهة مديدة من الزمن يعبر عنها

-مـا دام تمثـاال -، لم لم يتم صـنعه )معدود، وأجل معلوم

وقت معـدود وأجـل " إن هذا الـ .!مباشرة قبل نفخ الروح؟

التي بعده في النص، الذي سـبق نفـخ " ثم"، هو نفسه "معلوم

إنـسانا ذا أذهـان "الروح اإلنسانية التي صيرت الكائن ذاك

وأدواته ومداركه، ووهبتـه وشحذت جوارحه" يجيلها وفكـر

".معرفة يفرق بها بين الحق والباطل"

ا إذ قال ) ع(ولقد كان علييقـل " فمثلت إنسانا "دقيقا جد ولم

التمثـال "، ألن البشر المخلوق من طين، هو نفسه هذا "بشرا"

وإن كان لنا أن نحسن الظـن ! في عقولنا المتصور" األجوف

، فألن الكائن البشري الذي استدرج إلى "أجوفتمثال "بتعبير

الجنة، وقام المالئكة المدبرون باستالمه إلجراء عملية تخليقه

اإلنسان، هو فعال كائن أجوف من الـروح -وتحويله إلى آدم

اإلنسانية، وهو لحظة أن كان بين أيدي المالئكـة الـصافين

يد الخزاف، ال حـول لـه المخلقين كان كالتمثال الملقى بين

لذلك ال نرى، سيد الفـصاحة .وأشبه بالميت بين يدي مغسله

يتطرق إلى أن التمثال البشري ذاك ) ع(والبالغة موالنا عليا

242

! لم يـذكر هـذا أبـدا ! قد دبت فيه الحياة بعد نفخ الروح فيه

فـي وكان األولى ذكر ذلك، بل هو األولى واألولى ال سيما

إذا أنتم (سياق الحديث عن خلق الكائن الحي كما بين سبحانه

شربون(، وكما في )20:الروم()تنتشر ة مـنابخلق كل د اللهو

، )45:النور() أربع .. رجلين ..ماء فمنهم من يمشي على بطنه

كما في معجزة عيسى (لطيران فاالنتشار والزحف والمشي وا

هي ركائز وسمات انبعاث الحياة، بل ننـدهش إذ ) مع الطير

من علمه، ال يذكر أثرا ) ص(نجد أن عليا الذي علمه نبي اهللا

للحياة البتة وال الحركة، ويذكر بـدلها آثـار العلـم والفكـر

ألن والذكاء والمعرفة والحـذق وأدوات التـسخير؟ فلمـاذا؟

التي هي مـن أمـر اهللا، ببداهـة، " لروح الربانية المنفوخة ا"

-في تـصورنا -"فالتمثال"ليست نفس الحياة ودبيب الحركة،

، خلقـه 1الخالي من الروح، ما هو إال كائن ذو نفس حية سلفا

) ع(كما يقول علـي –اهللا في بيوض الطين وركب أعضاءه

ـة حتى آن أوان فقس -في بداية النصتلك البيـوض الطيني

: صلـصلت (فتشققت األرض عنهم وخرجوا وهو المعبر بـه

فإذا : عز وجلهذا المعنى في قوله ) ع(وقد وضح حفيده اإلمام الصادق -1 ♦ وخلق خلقاإن اهللا عز وجل خلق : ل قا"سويته ونفخت فيه من روحي

روحا، ثم أمر ملكا فنفخ فيه، فليست بالتي نقصت من قدرة اهللا شيئا من فيثبت أن هناك مخلوقا سابقا على نفخ ،172صالتوحيد، الصدوق، ".قدرته

.الروح وليس مجرد طين

243

أحنـاء "التي واضح أنها القشرة التي تحيط بالكائن الذي لـه

فبعد صلـصلة تلـك القـشرة ) "ووصول، وأعضاء وفصول

بتشقق طينها الجامد الواقي لها، بصوت وقعقعات متالحقـة،

نهـض البـشر كمـا يظهـر "رض بالصلصلة بعد تشقق األ

حسب التراث السومري، هي نفسها صورة قيامـة " الحشيش

يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك (الحشر في قوله تعالى

سيرنا يليع شررا فـي . )44:ق()حعاشت تلك األسالف ده ثم

وان مـد البـشر بنعمـة بعدها آن أ " ثم" "األجل المعلوم "ذلك

اإلنسانية بنفخ الروح، لكن ال روح الحياة األرضية والحركة،

بـل روح )ع(فهذه يملكها، كما اتضح من مفهوم كالم علي ،

الحياة الخالدة، روح الرب.

ل العـارفين ) ص(باب مدينة علـم الرسـول ) ع(وعليأو

ـ الحياة البيولوجي سر درك أنة هـي مفـردة بالقرآن، وأنه ي

خلقكم من نفـس (فهي روح البدن، أي أصل الحياة " النفس"

ــدة ــساء()واح ــوت )1:الن ــي ســبب الم ــوفى ( وه ــه يت الل

ــأنفس ــر()ال ــأي أرض (، )42:الزم ــس ب ــدري نف ــا ت مو

، )185:آل عمـران ()كل نفس ذائقـة المـوت (، )34:لقمـان ()تموت

أخرجـوا (، )32:المائدة()من قتل نفسا (، )74:الكهف()أقتلت نفسا (

كمالقتل والتوفي ،)93:األنعـام ()أنفس والعشرات غيرها تثبت أن

244

حصرا وهي سبب حياة " النفس"واإلخراج والموت، يقع على

عـن وكل آيات القرآن .البدن، وبانقطاعها عنه انقطاع حياته

الروح التي من أمر اهللا، كلها، تقول أنها أمر آخـر ال شـأن

للحياة المادية به، هي من أمر اهللا، ونفخة من قدسه، ووسيلة

اتصاله بالمأل األعلى وتوقد ذهنه، ووعيه، وسيره الالنهـائي

.لمعرفة ربه األعلى

ي ربما يتعلق البعض بأهداب، نفخ الروح في مريم، أنه الـذ

في رحمها نفسا حية، فهذا توهم ) ع(به انغرس جنين عيسى

راجع لعدم قراءة آيات اهللا كما هي، هذا النفخ هو الذي جعل

من عيسى روح اهللا، وأنطقه وهو في المهد، وقذف باإلنجيل

إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس فـي : (في قلبه، قال تعالى

فالروح هي التي أنطقته، وهي التي هيأته )110المائدة ( ..)المهد

لتعلم الكتاب وغيره وتكليم النـاس بـه وبالحكمـة، وللقيـام

.. بالمعجزات من إحياء موتى وإشـفاء مرضـى وغيرهـا

.حسب ما تسوقه تكملة اآلية من أمور

ـدرك ) ع(وهذا كالم علييـستقرئه ي نفي نهج البالغة، م

الحياة " روح" في عشرات المواضع بين ر المؤمنين أميتفريق

عن اإلنسان وتلج فيه وتوجـد تنفصلالتي " النفس"التي هي

في الحيوان كله، وبين الروح الربانية التي هي روح للـنفس

245

ال للبدن، تلك التي نفخت في الكائن البشري الحـي وصـار

المالئكة، فتـراه ، وانتقلت إلى ذريته وألجلها أسجدت له "آدم"

وسبحان من أدمج قوائم ( :يقول من جملة عشرات المواضع

إلى ما فوقهما مـن خلـق ) الذباب(والهمجة ) النمل(الذرة

على نفسه أن ال يضطرب شبح مما ووأى. الحيتان واألفيلة

موعده، والفنـاء ) الموت( إال وجعل الحمام أولج فيه الروح

هذه توجد فـي الذبابـة ) النفس الحية ( فروح الحياة 1)غايته

والفيل وفي كل حي.

وإن رأسه لعلى صدري، ولقد ) ص(ولقد قبض رسول اهللا (

في كفي فأمررتها على وجهـي، ولقـد وليـت نفسهسالت

، والـنفس هنـا هـي روح 2)والمالئكة أعواني ) ص(غسله

اه وحفيـد ) ع(بل بين علـي .الحياة، وبمفارقتها يكون الموت

روح القدس، وروح : أن األرواح خمسة ) ع(الباقر والصادق

اإليمـــان، وروح القـــوة، وروح الـــشهوة، وروح

المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون، وواضح /البدن/الحياة

أن الثالثة األخيرة هي التي تصلح للحالة البشرية، واالثنتـان

ت فـي آدم، أمـا األوليان لألنبياء والمؤمنين، وهي التي نفخ

.75، ص2جنهج البالغة، ، الشريف الرضي -1 ♦

.172، ص2 ج،غةنهج البال، الشريف الرضي -2 ♦

246

فاختصر كـل تلـك إلـى ) ع(اآلخر الكاظم ) ع(حفيد علي

إذن آدم قبـل . 1، وروح العقل )النفس(روح الحيوان : روحين

أن يكون آدم كان فيه روح الحيوان أي النفس الحيـة، أمـا

الروح التي من أمر اهللا، روح العقل، فبها مثل الكائن إنـسانا

.كر ويوظف جوارحه ويخترع ويسمويجيل أذهانه ويف

، والحقيقة أن )ص(هذا آنفا ما يقوله علي ربيب النبي العظيم

وهو القرآن الناطق، لم يخرج عن التصوير القرآني ) ع(عليا

مع قيد شعرة، إنما المتأثرون بالتفسير التوراتي خرجوا ألنهم

تصور، ال إلى ما في يحدقون إلى ما في أذهانهم من األسف

النص.

: تصور أن آدم لم يولد في رحم-ثالثا

آدم لـم رات بـأنات المنسوبة أو التصوهناك بعض المروي

، فما حل هذا؟2"لم يركض في رحم"يولد أو

نعم، هذا صحيح، فالمرويات المختلط شـريفها بمدسوسـها،

في بعـض التـراث وفعال نجد إصرارا. أورثت هذا اإلرباك

.1130، 1129، ص 2، ج، ميزان الحكمةمحمد الريشهري -1 ♦

.439، ص4، جمستدرك سفينة البحارعلي النمازي، -2 ♦

247

والمرويات ظاهريا أن آدم لم يخلق في رحم، ما يعنـي أنـه

على ما نقول كما خرج البشر األوائل 1خرج من بيضة كونية

لـم يـصبها ألـم (والتي حسب أساطير سومر وبابل من أم

من تمثال نحـت -بتصور آخر -وهي األرض، أو ) الوالدة

س مـن التـصور التـوراتي من الطين كما لدى الفهم المقتب

أساسا، وآيات الذكر الحكيم تدل على أنه مـن طـين، ومـن

تراب، ومن ماء، وأنه بغير أب وأم، تدل علـى كـل ذلـك

ظاهريا، مثلما تدل على أنه من ساللة صريحا، وأنه مسبوق

ببشر قبله، فما حل هذه اإلشكالية والتناقض؟

سابق، أنهـا كلهـا صـحيحة، لقد بينا حسب رسم توضيحي

فالكائن البشري خلق من الطين كالنبات من ماء وطين، قـال

وهو الذي أنزل ()45:النور()والله خلق كل دابة من ماء (تعالى

، وقال )99: األنعام()ماء فأخرجنا به نبات كل شيء من السماء

)اللهاتا وض نبالأر من تكموخلق النهاية كخلـق )17:نوح()أنب ،

حيـث تتخلـق )104:األنبياء()كما بدأنا أول خلق نعيده (البداية

♦ 1 - The first and most famous was called Oannes or Oe, who was

thought to have come from a 'great egg'. ♦ (http://www.crystalinks.com/amphibiousgods.html)

، لوال علم األوائل ولماذا أوزيريس يقول أنه أتى من بيضة شريفة: تعليق ♦ .وما هي أصولهم، ببداية الخلق

248

والذي نزل من (األبدان من ماء يهبط ويختلط بتراب األرض

ــد ــه بل ــدر فأنــشرنا ب ــاء بق اء ممالــس ــذلك ة ميتــا ك

ونجة )11:الزخرف()تخرفتتخلق األبدان وتنشأ في القبور الطيني ،

في مستنبت طيني للذي مات حرقا أو نسفا أو غرقا أو حتـى

، إذن )18:نـوح ()ثم يعيدكم فيهـا ويخـرجكم إخراجـا (تبخرا

.رض الطينية المائيةفالبداية البشرية كما النهاية في رحم األ

لكن هذه الصفوف واألمواج البشرية األولى ال ذكر لها فـي

ذاكرة الزمان، وظل التزاوج وإخراج النسل فيه كما فـصائل

الحيوان األخرى، أي نسله صار يأتي من ذكر وأنثى، لكـن

ليس هناك أب بل مجرد فحل ذكـري، وال أم (ليس من أسرة

، وإن كان لديه بدايات نظم اجتماعيـة )يإال بالمعنى الغرائز

بدائية باعتباره أرقى الحيوانات، بل الحيوانـات لهـا نظـم

فجـسم آدم . اجتماعية راقية أيـضا لكـن مبرمجـة عليهـا

البيولوجي، أي الكائن البشري قبل أن يصير آدم جاء عن هذا

مثيل الطريق، هذا النسل، لكنه لآلن ال يسمى آدم الذي بمعنى

الرب المفكر والخالق، فهو وغيره من بنـي جنـسه البـشر

ل للحيوان المنـويال فضل ألحد على أحد كما ال فض ،سواء

الذي تخلقنا نحن منه على الماليين من إخوته الذين أهـدروا

واضمحلوا إال بيولوجيا فـي سـرعته وسـالمته واقتـداره

249

ليخلـق ) في مثـال آدم الجنةالتي هي ك (ووصوله البويضة

، "ال فضل لألسود على األبيض "وكما . منها أنا وأنت اإلنسان

بشري ال ارتبـاط لـه ) ص(كما قال النبي آنفا، ألنه مظهر

.باإلنسانية بشيء

في الحقيقة؟" آدم"فمتى ولد

في الحقيقة، حينما استدرج ذلـك الكـائن البـشري " آدم"ولد

، ولك أن تعتبر أن )البويضةإلى الحويمن ك(البدائي إلى الجنة

هيكل ذاك الكائن المستدرج هي المواد األولية التي صنع /جثة

منها آدم اإلنسان، تلقته هناك المالئكة الصافة المسئولة عـن

في حاضـنة -لو أردنا أن نقرب الصورة -التخليق، ووضع

بـه أفـالم الخيـال كالذي تأتي (جديدة، بيضة تخليقية جديدة

، وتم إعادة خلقه وتعديل جيناتـه وتحفيـز )العلمي في يومنا

قوى عقله وأدواته، ونفخ نسمة الروح الربانية فيه، ثم أخرج

من غرفة العمليات، من المصنع، وليدا جديدا واعيـا بهويـة

، فآدم اإلنسان لم يولد في رحـم بـل فـي "آدم"جديدة اسمه

مضافا إليه طين الجنـة طينة ذاك الكائن البشري ن م ،الجنة

ولد، وهذا بالتمام ما قاله تراث السومريين بين نينمو وأنكـي

يـا أمـاه، إن : (الذي مر معنا في فـصل التـراث ونعيـده

250

المخلوق الذي نطقت باسمه موجود، فاربطي عليه صـورة

ـ "اآللهة، اعجني لب الطين الموجود فـوق ، "قميـاه العم

وستقوم بجانبك .. يكثفون الطين " الصانعين المهرة "واجعلي

فنرى أن المخلوق البشري موجود، يوضع في ، )إلهة الوالدة

أي مـادة بنـاء بيولوجيـا (قالب من لب الطين مرة أخرى

، ويكثف كما لدى عرب وادي النيل أو طاولة الخزاف ) الجسم

، ثم نجد فـي )الئكة الصافة الم(فيه القوى بالصانعين المهرة

النص مسئولة الـوالدة، إذن هنـاك والدة، ووالدة جديـدة،

وليست خروجا وإنباتا من األرض كاألوائل، بل من رحم هذه

مخصوص، والوالدة هي إخراج حي انيرب ة، رحم تقنيالمر

المـسجى " البـشر "من " اإلنسان"من حي ال من ميت، توليد

ويدا الرب همـا )75:ص()لما خلقت بيدي(يدي المالئكة تحت أ

.نينماح وأنكي حسب السومريين

ألن الجسم الذي صنع : صحيح أيضا مرتين " خلق من طين "و

منه كان من نسل السالالت المخلوقة من الطين، ووضع فـي

الـذي (حاضنة من الطين، بل وعومل خالل التخليق اآلدمي

من المالئكة الصافة كـالطين بـين يـدي ) نفخ الروح أعقبه

.الخزاف

251

فصحيح أيضا، ألنه اآلن قد ولد وخلـق " ليس له أب وال أم "و

مخلوقا آخر غير بنية المخلوق القديم، فلو زرعنا قلب خنزير

في إنسان، فهل هذا اإلنسان عليه أن ينسب نفسه إلى قطيـع

ولو تلفت أعـضاء إنـسان ! البشر؟الخنازير كما إلى مجتمع

واستطاع العلم أن يستبدلها كاملة فهل تتغير هوية الـشخص

لتتوزع على المتبرعين باألعـضاء وينتـسب إلـى آبـائهم

وأمهاتهم؟

ولو أخذنا جثة إنسان ميت ذهبت نفسه إلى بارئها، ثم أجرينا

فخناها فيه، فهذا عمليات كثيرة عليها، ثم أتينا بروح جديدة ون

المخلوق هوية وروح جديدة، ال عالقة له بالمخلوق الـسابق

الذي انتهى كتابه وحسابه وذهب، سوى في تـشابه الـشكل،

ولو رآه من يعرفه وسأله لوجده غير ذاك ال يعرف شيئا عن

وقد ذهب قدامى .حياة المخلوق اآلخر الذي أقيم على جثمانه

ن هذا بحيث نفوا نسبة األبوة واألمومة المصريين إلى أبعد م

ألشرافهم الذين يبعثون في العالم اآلخر لحياة أخرى أسـمى،

الملـك : "فكيف بوجود إنساني نشأ من جسم حيواني؟ فــ

252

ليس بإنسان إذ آباؤه ليسوا مـن -بحسبهم -الصالح المتوفى

.1"البشر، وأمهاته لسن من الناس

اإلنــسان، " آدم"، إن كيـان "آدم"، إن هويــة "آدم"إن معنـى

، في عقله، وفي روحه، وهذه كلها خلقت "جيناته"موجودة في

وغرست للتو فيه، بحيث لو مات هيكل الجسد الترابي الـذي

خالدا بروحه وعقله -وكل آدمي -استعير له برهة، لبقي آدم

يكن له من الكائن األو ل سوى الهيكل البشري وشخصيته، فلم

من الذي أعيد تصنيعه أيضا، فكيف يكون له انتساب ألب وأم

عالم حيواني آخر ال يمت لهما إال بقطع لحـم وعظـم مـن

ن الهمجيـي هيكله؟ وهل حين خرج آدم راح يبحث عن هذين

وماذا لو كان الكائن البيولوجي الـذي اسـتدرج، !! أما وأبا؟

ع منه اإلنسان، قردا مثال، والقـدرة الربانيـة قـادرة، ليصن

وهـل يعـدون ! أنبحث في عالم القرود بعدها عن أقربائنـا؟

. أقرباء؟ فهذا كهذا

ولم يكن عصيا على اهللا أن يخلق بـدنا آلدم مباشـرة مـن

التراب كما خلق أسالفه األقدمين البشر األوائل، لكـن هـذه

حسب النظام الطبيعي، فال تتدخل القـوى الطريقة التي جرت

نقال عن متون . 294، ص ديانة مصر القديمةأدولف إرمان، : انظر -1 ♦

.809األهرام، فقرة

253

إال حين تعجز الطبيعة، فالكائن البـشري ) األرباب(الربانية

أريد له أن يتطور أدهرا لينتخب كمادة لخلـق آدم الـسامي،

فبعد أطوار السنين يخلق اإلنسان في أحسن تقـويم، والكـل

.ر مباشرمخلوق من تراب بشكل مباشر أو غي) جسمانيا(

:فخلق اإلنسان كما بين القرآن على ثالث طرائق

أن يأخذ خامة من لحم وعظم، من كائن حي آخـر، أو -1

مجموعة أعضاء، أو كائنات، ثم يـنفخ فيـه الـروح

ـ هذه هي والدته، كما ع اإلنسانية، فتعدطفـال "آدم "د

أو الخلق إلهيا، هذا الطفل أو المولود أو الكائن الجديد،

اآلخر، أو الكائن اإلنساني، ال ينتمي إلى مادة صـنعه

ـ لـيس لـه أب وال أم " آدم"السابقة وال إلى كائناتها، ف

. بهذا االعتبار، ألن والدته كإنسان تمـت فـي الجنـة

والدة إنسان من دون أن يـركض (ويشابه هذه الكيفية

ـ )في رحم ي ، فيما لو تم تخصيب بويضة وزرعهـا ف

.حاضنة طبية ال في رحم امرأة حتى يكون طفال

254

أن تكون هناك بويضة في رحم امـرأة، لـم يمسـسها -2

كمـا بشر، وهي قابلة للتخصيب بأي طريقة ربانيـة،

توجد هذه اإلمكانية اليوم علميا، ثم ينفخ فـي الجنـين

المتكون الروح اإلنساني، الذي لم يستلمه من أصـالب

أي هذا الوليد ليس آدم أباه إال من طرف أمه، الرجال،

.وهذه طريقة خلق عيسى. فهو بال أب

. الطريقة الدارجة التي يعرفها الجميع -3

؟ ما حكاية الضلع الذي منه خلقت حواء-رابعا

إن خلق حواء من ضلع آدم بالخصوص، قد جاء أوال فـي

، في الحين الذي قامت التوراة، ثم جاء في بعض المرويات

يـنكح آدم ات أخرى باستنكاره واستبشاعه بشاعة أنمروي

نفسه، كما استبشعت أن يكون أبناء آدم لـصلبه تزوجـوا

أحـد ) ع(فقد سأل اإلمام جعفر الصادق .أخواتهم أي بناته

: إن أناسا عندنا يقولـون : أصحابه، عن خلق حواء قائال له

خلق حواء من ضلع آدم األيسر األقصى، إن اهللا عز وجل

يقـول ! سبحان اهللا وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ): "ع(قال

إن اهللا تبارك وتعالى لم يكن له من القـدرة : من يقول هذا

255

ما يخلق آلدم زوجة من غير ضلعه، وجعل لمتكلم من أهل

ينكح بعـضه إن آدم كان : التشنيع سبيال إلى الكالم؟ يقول

بعضا إذا كانت من ضلعه، ما لهـؤالء؟ حكـم اهللا بيننـا

فهذا اإلمام الرباني، يرى أن أمثال هذه اآلراء، .1"!وبينهم

وإن نسبوها إلى النبي وإلى أهل بيته وأصحابه، فهي غيـر

صحيحة، وهي التي تجعل ألهل التشنيع على الدين، سبيلهم

نا أن ننتقل للتفاسير لنجدها في كل ويكفي .في الطعن والكالم

تفسير، من أشهرها ألغمرها، وللمثال نجدها فـي تفـسير

في تعليقه على قوله تعالى فـي أول 2الكشاف للزمخشري

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم مـن : "سورة النساء

شعبكم من نفس واحـدة ": (نفس واحدة وخلق منها زوجها

صفتها وهي أنه أنشأها من تراب وخلق زوجها حـواء هذه

إذ يعلـق علـى ، وتفسير الرازي !)من ضلع من أضالعها

المراد من هذا الزوج هو حواء، وفي : (نفس الموضع بقوله

وهو الذي عليـه : األول: كون حواء مخلوقة من آدم قوالن

عليه النوم، ثـم خلـق األكثرون أنه لما خلق اهللا آدم ألقى

حواء من ضلع من أضالعه اليسرى، فلما اسـتيقظ رآهـا

♦ 1- ،221، ص 11، جبحار األنوارالمجلسي.

.1 آية- ، سورة النساء 1، جفتفسير الكشاالزمخشري، -2 ♦

256

ومال إليها وألفها ألنها كانت مخلوقة من أجزائه، واحتجوا

إن المرأة خلقت من ضـلع، فـإن ): ص(عليه بقول النبي

ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها وفيها عـوج اسـتمتعت

وهو اختيار أبي مـسلم األصـفهاني أن والقول الثاني .بها

، فأين )أي من جنسها " وخلق منها زوجها : "المراد من قوله

الجميع عن هذا الرأي الثاني األصوب مـن تلـك الدمغـة

.1!التوراتية األولى؟

! وهو يأخذ أحد أضالع آدم النائم ليصنع منه حواءربتصور توراتي لل

تلك المرويات بـضاعتها منهـا أما في التوراة التي أخذت

وسوقتها، والتي ال داعي منا لمحاولة اكتـشاف الفروقـات

.1 آية-، سورة النساء 2، جالتفسير الكبيرالفخر الرازي، -1 ♦

257

فأوقع( :بين النص التالي ومروياتنا، ألننا لن نجدها، فتقول

دم فنام فاخذ واحدة من أضـالعه آله سباتا على الرب اإل

من أخذهاله الضلع التي لرب اإل وملأ مكانها لحما، وبنى ا

ما امرأةآدهرضأحإ و ملى آد . مذه «: فقال آداآلنه ظـمع

ألنهـا مـن امرأةهذه تدعى . من عظامي ولحم من لحمي

تـصق مـه ويل ألذلك يترك الرجل أبـاه و . »امرئ أخذت

.)24-21: 2التكوين () ويكونان جسدا واحدابامرأته

الحقـائق والخرافـات، جـامع وهو خليط " كتاب آدم "وفي

مسطورة فيه أقوال واجتهادات التراث الشعبي للمنطقة، بما

أو المسلمون في المـروي " التلمود"فيه ما يقوله اليهود في

الخامس منه، الفقـرة والتفاسير والقصص، نجد في الفصل

العاشرة، األمر نفسه يجري على لسان حواء في مناجاتهـا

للرب تائبة باكية بمرارة، حيث تقول أنها مخلوقة من ضلع

1!!آدم وأن خطيئته كانت بسببها

♦ 1- And You took me, the bone, and make me a woman, bright like him, with heart, reason, and speech; and in flesh, like to his own; and You made me after the likeness of his looks, by Your mercy and power. (Book of Adam; Chapter 5; Paragraph 10)

♦ refer to: ♦ (http://www.hiddenmysteries.com/freebook/adameve/adameve1.html)

258

ولو حاولنا أن نحسن الظن بمـسألة الـضلع هـذه، لقلنـا

جيناتها، في بافتراض أخذ خاليا من آدم للنسج على منوال

قالب أو حاضنة الطين الذي وضع فيـه المـرأة البـشرية

أما أن يكون الضلع ضلعا فعال . لتحويلها إلى حواء اإلنسانة

/، ثم يمأل )Bone(و ) Rib(وكما يترجم أيضا باإلنجليزية

يألم مكانه لحما، فهذا ما علم الطب يكذبه، فلـيس الـذكر

عن األنثى ال من الجهة اليمنى التي ضنوا بها ينقص ضلعا

أن تصنع حواء منها، وال من الجهة اليسرى، ويكذبه العقل

حواء من ذلك الضلع، فهذه كذبـة " بناء"والقرآن أيضا، أما

. آدم" جبل تمثال"ككذبة

ونالحظ أن مع زعم النص أن الذي أخذ من آدم هو مجرد

عه، ال شيء من لحمه، وأن آدم كـان نائمـا ال أحد أضال

أوال أن آدم يـدري، : يدري، نجد بعدها أمرين معاكـسين

بـل " عظم من عظامه "ثانيا أنه يقول أن حواء ليست فقط و

أما مزايدة الرجال على هذا بأن حـواء ، "!ولحم من لحمه "

هنـاك أضـالع خلقت من ضلع أعوج أيضا، فال نـدري أ

مستقيمة في القفص الصدري وأخرى عوجاء أم ماذا؟ فهذا

.لعقل مرة ثانيةبا إزراء

259

ولو تمعنا في المرويات التي دخلـت تراثنـا اإلسـالمي،

ووضعنا للقارئ بعضها، لما وسعه إال أن يقول أنها نقلـت

نسب البـن ففي حديث : عن قصص التوراة، فتمعن وقارن

1"وألم مكانـه لحمـا "ن خلق حواء من ضلع آدم ع عباس

: ، وقـال القرطبـى "ومأل مكانه لحما"وفي النص التوراتي

هـي حـواء ) ع(وزوج آدم : وقد جاء في صحيح مـسلم (

، وهو أول من سماها بذلك حين خلقت من ضلعه من )ع(

بذلك، ولو ألم بذلك لم يعطف رجل ) ع(غير أن يحس آدم

: امرأة، قيل : من هذه؟ قال : ه، فلما انتبه قيل له على امرأت

ألنها : ولم سميت امرأة؟ قال : حواء، قيل : وما اسمها؟ قال

ألنها خلقت : ولم سميت حواء؟ قال : من المرء أخذت، قيل

حي وأال ! فهل يجد المرء فرقا عن رواية التـوراة؟ ،!2)من

ص به آدم وحـده يـوزع ترى جوا مشبعا بأن الذكاء قد خ

األسماء ويدلي باإلجابات، وحواء بكماء تستخدم فقط كمادة

للدرس والتعليق والشرح، كحالهـا المـزري اليـوم فـي

البداية ؛ ابن كثير، 329 ص ،1 ج ،جامع البيان ، جرير الطبريابن -1 ♦

؛ ابن 82 ص ،1 ج ،ثيرتفسير ابن ك ،ابن كثير؛ 81 ص،1 ج،والنهاية

تفسير القرآن ،مصطفى الخميني؛ 13 ص،1، ج قصص األنبياءكثير،

.499 ص ،5 ج ،الكريم

.وغيره. 301، ص1، جالتفسيرالقرطبي، -2 ♦

260

الدعايات واألغاني الرخيصة، مجرد دمية خرساء تقـف أو

!كالحية، للمنظر ليس إالمبتسمة تتلوى

ف تراثنا القرآني ليغطي مساحة هكذا امتد خطأ التوراة ليغل

المستقبل، فبدال من تـصحيح القـديم الخـاطئ بالجديـد

الصحيح، نسخ قديمهم البالي جديدنا، هكذا صرنا نمركـز

اليهود في التاريخ وفي الجغرافيا، وفي األلـسن، ونمركـز

توراتهم، فهم األمة المختارة وتوراتهم لن ينسخ، هـذا مـا

نقوم بفعله أيضا ال هم فقطنحن .

ين مـؤخرا، أراد أنبعض البـاحثين الغـربي والغريب أن

يمسح تراث األولين، ويمد الكذبة التوراتية لـوراء أيـضا،

فتجدهم وهم يفـسرون النـصوص الـسومرية والبابليـة،

التـي نـسميها ("نين تو "القوة الربانية /ويقرأون أن الربة

التي أسـهمت فـي )أي األم الكبرى " نينة"لعامية باللهجة ا

تعني الضلع أيضا في " تي"خلق اإلنسان، ذهبوا يقولون أن

، مـع 1السومرية، فعلى هذا فإن القوة هذه هي سيدة الضلع

♦ 1- Now the word for "rib" in Sumerian is "ti" which happens also to be

the Sumerian verb "to make live." So the Mesopotamian author of the myth is employing a pun to equate the "Lady of the Rib" (Ninti) with the "Lady Who Makes Live" (Ninti). Legends: The Genesis of Civilization by David M. Rohl pp. 209-10

261

، التـي هـي القـوة )Nintu(ويكتبها الجميع " نين تو "أنها

ض الحاضنة، قوة األنوثية، األم الكبرى، الرحم األول، األر

، "نينخرسـاج "و" مامي"التوليد، وتسمى بأسماء أخرى مثل

، لكن ألجل عين التوراة، لينحـرف "نيت"ولدى المصريين

وأحسب أن الكهنة .كل شيء، وليزور أي نص وأية تسمية

الذين ترجموا التوراة إلى اإلغريقية التي عرفت بالترجمـة

بـل صارت هي أصل كـل تـراجم التـوراة السبعينية، و

أيضا، أحسبهم " !بالعبرية"حتى التي بالعربية والتي ومرجع

ا أنهـم لـمالعرب األوائل إم ة منحينما سمعوا هذه القص

بحت ينـزع ونفسي فوها بغرض اجتماعييفهموها أو حر

تـوراة لفكر ذكوري مستبد، فإننا وإن كنا نجد في نـص ال

ــرب اإل" ــي وبنــى ال ــه الــضلع الت ــن آدم أل ــذها م خ

رة، ونجـد )2: 22التكوين("ةأامصـلعو " بالعربي " ضـلع "أي "

العبرية، حيث ضـاد ما يسمى ب بالسريانية التي أخذت عنها

العربية صاد سريانية، إال أن كل هذه هي ترجمات للنسخة

" فة كلمكانت حتى النـسخة " هاالمحر كما أخبر القرآن، وإن

التي سبقت الالتينية ليست هـي تـوراة " اليهودية"األصل

حكايـة بعض موسى أيضا، إال أن البـاحثين يقولـون أن

262

أيضا ليست موجودة في النسخة العبرية " الحية"أو " الضلع"

.1األصل، بالمرة

موها كأنهم بعيدون عـن بل، إن الذين دونوا التوراة أو ترج

فقال (فهم روح اللغة، فربما كان في األثر قول آدم لزوجه

مآد :" ــن ــم م لحــامي و ــن عظ ــم م ــذه اآلن عظ ه

عـصم مـن عـصامي، " (بالعبرية" إذ )2: 23التكوين()"لحمي

صـادا (كما تلفظ بعض اللهجات الظـاء ) وبسر من بسري

، وباالقالب بين الشين والسين، فيقول آدم أنه )ايقريبة للز

سيجعلها عظما من عظامه، وبشرة من لحمه، فلـو كانـت

فعال من عظمه، لما كان من داعي ليقول أنها بـشرة مـن

، فداللة وجودها ينفي "اآلن"بشرته، وال داعي لوضع كلمة

ما أنها كانت كذلك قبال، بينما المفروض عكس ذلك، ألنها ك

، فكـان "عظما من عظامـه "يزعمون أنها كانت فعال قبال

كانـت هـذه : "ينبغي لهم أن يكتبوا إلمضاء الفهم الـساذج

"!عظما من عظامي

♦ 1-Adam and Eve, the serpent, and of Adam's rib, which were introduced

in the Greek version of Genesis, have no corresponding passages in the Hebrew original.

♦ http://www.mazzaroth.com/ChapterThree/HistoryOfTheBible.htm

263

لكـنهم رفـضوا أن ،إذن هي وصلتهم ككل التراث السامي

يفهموها إال بالطريقة الساذجة، مع أن هـذا الكـالم لمـن

الم محب انسجم مع إلفه بحيـث يعرف العربية بلهجاتها، ك

استعد ليحوطه كما يحوط عظمه ولحمه، كأنه امتـزج بـه

ألم ) ص(ماديا كما امتزج به روحا، فلو سمعوا قول النبي

1)لحمه من لحمي ودمه من دمي )(ع(سلمة في علي ثـم ،

حكاية خلق لعلي جاهللا تعالى استل ) ع(أرادوا نس نوا أنلدو

) ص(وشفط قطرات دم منـه ) ص( من ذراع النبي لحمة

!!وهو نائم، وخلق منها عليا

وقد آمن علماء اليهود وباحثوهم بخالف هذه المقولـة فـي

خلق حواء حسب معتقدهم الديني الخاص بهم في التلمـود،

:فمما افترضه أحبارهم، في كيفية خلق رفيق آلدم

المشهورة في كتـاب حكاية خلق حواء من ضلع آدم، -1

.التكوين، الذي يعدونه أول أسفار التوراة

البعض يقول أنه في اليوم السادس وآدم ابن عـشرين -2

سنة، عرضت عليه الحيوانات فأعطى لكل زوج اسمه،

ثم انتابته الغيرة من رؤية االستئناس الزوجي بين كـل

، كنز العمال؛ المتقي الهندي، 42، ص42، جتاريخ دمشقابن عساكر، -1 ♦

.607، ص 11ج

264

عالج المسألة، وين، فدعا اهللا تعالى لينـصفه مـن قريني

مـن الرواسـب الطينيـة 1"ليليـت "فخلق له . توحده

وظـل هـذا الجـنس 2الوسخة، بدال من الطين النقي ،

دب األحقـاب، ثـم ة على مـرث البشريلوي الملتوي

الخصام بين آدم وقرينته لعدم التكافؤ فخلق لـه حـواء

أخرى أمام عينيه من عظام ولحم وجلـد ومـع أنهـا

بجمالها، إال أنه تقزز من رؤية منظـر انتصبت أمامه

الخلق ولم يستطع تجاوزه ذهنيا، فأبعدت حـواء هـذه،

حتى خلقت له الثالثة المعروفة في غفلة عنه وهو نائم،

!من ضلعه

البعض قال أن حواء لم تخلق من الـضلع، بـل مـن -3

ـ (وهذا يذكرنا مرة ثانيـة بــ (عظمة العجز، ب عج

فيه النطفة األولـى المنظمـة أن ، الذي يعزى )بالذن

).للخلق

، آدموعصى :بحثه الشخصية شبه الخرافية في هذسنتعرض بالتفصيل ل -1 ♦ . جمعية التجديد الثقافية االجتماعيةالحقيقة دون قناع،

الحظ أنهم يعلمون أن خلقا بشريا قد خلق من الطين الوسخ، وهذا يذكرنا -2 ♦قوة مياه " (إنكي"بأسطورة خلق البداية البشرية لدى السومريين، حين قام

ق البشر من ظفره الوسخ، أي من ترسبات الطين الالزب بخل) الحياةالمسنون المتخمر بالماء، ويدركون أن هنالك طينا نقيا في الجنة تم منه

اإلنسان، لكنهم ضيعوا البوصلة تماما مع وجود بعض " آدم) "تعديل(تخليق . إشاراتها

265

البعض قال أن نية الرب منذ البدء خلق زوجين، فخلق -4

مذكر مواجه لألمام، وآخر مؤنث مواجـه كائنا له وجه

للخلف، ثم غير الرب رأيه ففصلهما وأقامهما في جنـة

رنا بعدم فهمهـم وهذا يذك (عدن ومنعهما من التزاوج،

للنفس الواحدة التي كونت الكائن البشري األول، التـي

كانت خاليا ال جنسية، ثم انقسمت، ثم من كـل قـسم

لإلناث، ومـن ) حاضنات جنينية (مؤنث تكونت بيوض

األخرى الذكور، وفقست تلك البيوض عن بشر بالغين،

.1)كما بينا

البشري الهمجي إشارة المأثورات للنوع -خامسا

هل نجد في مأثورنا التراثي، مـن روايـات المعـصوم

واألصحاب ذكرا لهذا النوع البشري السابق على الظهور

اإلنساني؟

:ار في الموقعراجع دراسة كاملة عن تكوين آدم وحواء لدى األحب -1 ♦

♦ http://www.webcom.com/~gnosis/lillith.html؛ Hebrew Myths by Robert Graves and Raphael Patai (New York: Doubleday, 1964), pp 65-6

266

فقد عبر المسلمون األوائل عن الكائنات البـشرية ..نعم

، ثم صارت رمزا داال على )النسناس(التي سبقت آدم بـ

مكنون الـنفس اإلنـسانية، ألنـه الهمجية والتوحش في

يختزن إرث تلك األحقاب غير مفعلة بـل مـستكنة فـي

فقد أورد المروي اإلسالمي إشـارات ..موسوعة جيناته

لكائنات بشرية قبل اإلنسان وظلت متزامنة مع وجـوده،

فعـن " النسناس"بل هي لآلن لها وجود في باطنه دعوها

ع(علي ( اس والحسن البأيـضا وابن عب صري) ذهـب

إال ( وعقبـوا بـالقول )وبقي النسناس , الناس ـمه إن

فهي هذا، وفي المأثور أن في آخر الزمان أيضا ) كاألنعام

أي تستولي الهمجيـة فـي ) يقل الناس ويبقى النسناس (

.دواخل الفرد على إنسانيته وينطمر العقل والروحنة منه

: ي حديث عن أبى هريـرة ف: ( في النهاية الجزريوقال

هم يأجوج ومأجوج، : قيل . ذهب الناس وبقى النسناس

خلق على صورة النـاس أشـبهوهم فـي شـئ : وقيل

ويمكـن أن : وخالفوهم في شئ وليسوا من بنى آدم، قلت

يكون المراد بهم من كان قبل آدم عليه السالم من اإلنسان

الـك إذن؛ فالجزري يرى أن هن ). غير المتمدن الوحشي

.غير متمدن قبل آدم) بشرا(إنسانا

267

وكان فكرة تزاوج اإلنسان مع الهمج لها أثر بـاق فـي

أذهان السابقين، لكن الهمج كما كانوا يـسمون نـسناسا،

يسمون أيضا أبناء الحية أو التنين، أو سكان الكهوف، أو

غيالن، الجن أيضا الستتارهم في الكهوف والمغاور، أو ال

كان عمرو بن يربـوع : (فنلحظ الجاحظ يكتب . والسعالي

.1)متولدا من السعالة واإلنسان

أين الصراحة في كتاب اهللا؟-سادسا

لم لم يأت القرآن بالقصة صريحة بال : ولرب سائل يسأل

مواربة وكفلق الصبح منعا للخالف؟

) حكمـات اآليات الم (القرآن قد فعل ذلك في هدى القلوب

هو الهـدى الـذي جـاء بـه ) اإليمان(ألن هدى القلب

فيجب أن يستعمل العقـل ) العلم(أما هدى العقل . صريحا

ليتطور، فعبادة العقل ليست التلقين والحفظ بـل التفكيـر

والتفكر والبحث واالستكـشاف واالختبـار والمحـاورة

والتصحيح والتشارك، فتلقين المعرفـة ليـست معرفـة

.155 ،147، ص1ج ،حياة الحيوانالجاحظ، -1 ♦

268

عقلي أن ملكات العقل ال (ة، أي العلم يكثر في العقل، لكن

، وتلقين المعرفة ثانيا هي وسيلة بائـسة الحتكـار )تنمو

طريق العلم، أما تركها لالكتشاف واختبار الوعي فطريق

مدرسـة "فشتان بـين مدرسـتين؛ . لمشاعيتها وعولمتها

، لـذلك "مدرسة تبيين طريق المعرفـة "و" تلقين المعرفة

جماعي تنبذ األنا فيه لتكـون بحث على القرآن حث قال

قـل سـيروا فـي : (، بقوله األفكار بال أب وال صاحب

، جعـل )20:العنكبـوت ()الأرض فانظروا كيف بدأ الخلـق

ال -الوصول إلى المعرفة بالسير االكتشافي والجمـاعي

د العقل باالختبار وا -الفرديكما جعل ليتعب ،د الذاتيلتزو

طريق نمو العضالت بالمران ال بالكبـسوالت، فجعلـت

الحقيقة قرآنيا تكسب بالتدبر واالجتهاد، تماما كما جعلـت

في خارج القرآن، ليكون كتاب الطبيعة الرباني محاكيـا

فتلقين المعـارف فـي الـذهن ال .لطبيعة الكتاب اإللهي

به ويجمده، لكـن خـوض التجربـة يحرر العقل بل يقول

باختبار المعرفة ومحاولة اكتشافها بعد األخذ باليـد عـن

المنزلقات الروحية، والمهاوي األخالقيـة، واألعطـاب

الفكرية، هي الطريقة الناجعة لعروج اإلنسان في إنسانيته

.الربانية

269

لكننا نصرح مع ذلك أن القرآن قد أتـى فعـال بالحقيقـة

ح، لكـنمبـين وكفلـق الـصب صريحة وبلسان عربي

للراسخين في العلم وألولى األلباب، وإنمـا هـو الفهـم

ارج الذي حكم قواعد هي غير قواعد اللسان العربـيالد

تفـسيرات مـن المبين، وعقائد متسربة من التـوراة، و

إمالءات أقوال الرجال جميعا، حكمهم علـى كتـاب اهللا

يقة، إذاك، وكأنها أشـبه بـالوهم أو بالخيـال فبدت الحق

والسراب بل صارت خالفا وبدعة، ألننا نقرأ القرآن وال

. نقرأه في الحين نفسه

من هو آدم؟ جنس أم رجل، وكيف جاءت ذريته؟-سابعا

ما هو إال جنس جديد، وليس اسـما " آدم" من يقول بأن ةمث

جه هي أيـضا جـنس جديـد لرجل فرد، وحواء أنثاه وزو

ورأي آخر يقول بل هما فـردان فقـط آدم .وليست واحدة

والحقيقة إن عملية التدخل في صف .وحواء وال أحد معهما

الجينات في هذا الكائن البشري الذي كان سائدا وموجـودا

موروثاتـه فـي /جيناته /لرفعه عن طريق صف صبغياته

270

ويؤكـده (تراث أمتنا الواحدة صفة جديدة متميزة كما يوثقه

لم يكن مقتصرا على فرد واحد فقـط، ألن ) القرآن الكريم

إذا كان المخلوق رجال واحدا : هذا سوف يوقعنا في إشكالية

وامرأة واحدة فكيف تكاثرا؟ هل ما أنجباه من أوالدهما من

الذكور واإلناث هما البداية؟ ثم تنـاكح األخـوة بعـضها

حـواء (تقول بعض اآلثار المدسوسة مـن أن بعض؟ كما

وكانت تلد في كل !)أو خمسمائة بطن (ولدت أربعين بطنا

يزوج ذكر كل بطن بأنثى ) ع(بطن ذكرا وأنثى، وكان آدم

هذا أمر مهول، من بقايا الهمجية البدائية، !!1)من بطن آخر

ة فـي سيوقع اإلنسانية في إشكالية خطيرة، وانزالقة عظيم

أولى عتباتها، واهللا سبحانه ال يأذن بهذا، وال سر تخليقه آدم

إنسانا عاقال روحانيا متساميا عن الطور الهمجـي يـسمح

إذ كيف يحرم سبحانه مثل هـذا النكـاح ! بهذا أو يليق به

هذا يوقع من أخذ بهذا الرأي في ! ويبدأ به ولو اضطرارا؟

، البداية والنهاية؛ ابن كثير، 263، ص 6، جفتح الباري، ابن حجر -1 ♦

تفسير ؛ الثعالبي، 55، ص1، جقصص األنبياء؛ ابن كثير، 103، ص1ج

؛ الطبرسي، 300، ص2، جفتح القدير؛ الشوكاني، 370، ص2، جالثعالبي

، 6، جتفسير القرطبي؛ القرطبي، 315، ص3، جتفسير مجمع البيان

، 1، جالتفسير الصافي؛ الكاشاني، ")اأربعين بطن"وفيه نص (134ص

؛ 218، ص11، جبحار األنوار؛ المجلسي، 28، ص2، وج417ص

")!!خمسمائة بطن"وفيه نص (138، ص4، جاألماليالمرتضى،

271

وفلسفي تناقض عسير اعتقادي ثـم ،وتـشريعي وتاريخي

أخالقي.

الحيز /إيزاجل(القوة الربانية تعتلي الجبل العظيم المهيب ) حيا=إيا(تصور سومري لـ

حيث مقر المدبرين واألبرار، التي أوجدت خزان الماء العذب الكامن في ) الجليل

يه آدم ويتطهر الذي تطهر ف) الكوثر(، ومنه يتشكل حوض التطهير )األبسو(األعماق

.فيه كل داخل للجنة، ومنه تفيض أنهار الجنة إلى خارج جبال السروات

ل هو الصحيح، أناء"و" آدم"إذن هل الرأي األوهمـا " حو

جنس ال فردان؟ أي كالبشر األوائل الذين خرجـوا رجـاال

تلفع بالصواب، إال أنه ليس بالحقيقـة، إذ !ونساء كال، وإن

كفردين بشريين، -قبل أن يكونا آدم وحواء -م وحواء أن آد

272

إلى أن وصـال ) األردن(الماء " ورد"استدرجا الدخول عبر

، وهنالـك اغتـسال أول غـسل )الكـوثر (حوض التطهير

ة األولى، ثم ما لبثا أنرهما من دنس الهمجية والجاهلييطه

لملـك صـفا وجاء ربـك وا : (حاطتهما المالئكة الصافات

.)22:الفجر()صفا

هذه اآلية بالتحديد، لها خصوصية معينـة؛ هـي صـورة

النهاية فعال، إال إنها أيضا صورة البدايـة، صـدى هـذا

قل أمـر ربـي بالقـسط :(29-الموقف نراه في األعراف

وا وأقيمجد وسكل م عند كموهج ادـ و صين لـه عـوه مخل

ينالد ونودتع أكمدا ب؟ ، ف)29:األعراف()كمأنا الـربكيف بـد

، وهـو "فرادى"البداية كانت مع اآلدم والحواء، فردا فردا،

ولقد جئتمونا فرادى كما خلقنـاكم أول (ما أخبره سبحانه

و لناكما خوم كتمترة ورم وركمظه اءوالتشبيه )94: األنعام()ر ،

المالئكة حيث جنة آدم /هو بمجيئهم فرادى إلى مقر األرباب

المجيء يتكرر مرتين؛ مرة حين دخل اوالجبل العظيم، فهذ

مركـز ) فـرادى (ذانك الكائنان البشران كال علـى حـدة

الـرب اء فعدلته وسوته ثم ج المالئكة، وكانت صافة صفا

ـ أحدهما نفخ في فالمسئول وهو الروح العظيم، ه من روح

فقام المدبرون بصنع نـسخة ثانيـة آدم، اسم وأطلق عليه

273

والمجـيء . من نفس الطين والروح حواءمطابقة منه هي

الثاني بعد موت اإلنسان بنص اآلية ال ظرف المحشر الذي

وراء ظهـره إال يأتي فيه الجميع وال يترك أحد ما خـول

ة إلى نفس المكان، مقـربالموت، فتأتي تلك النفوس البشري

المالئكة، نفسا نفسا، كلما ماتت نفس ذهبت هناك لتعـرض

، فتحاسـب فـإن اسـتحقت المدبرين على الرب والمالئكة

رمت وطرحت في نـار البـرزخ الروح نفخ فيها، وإال ح

. )األلفي(طيط الرب واالبتالء حسب تخ

هذا خلق اإلنسانية األولى ال البشرية األولى، وهـو الـذي

وهذا يدلك مرة ثانيـة . في الجنة التطهير كان قرب حوض

بشأن خلق اإلنـسان السومرية" نينماخ وإنگي "أن أسطورة

تمت في الجنة حيث المالئكة الصافون وحيـث الحـوض

فالبداية كانت مـع اآلدم الفـرد ".بسواأل "القابع فوق خزان

والحواء الفردة صفا وسويا وعدال ثـم نفـخ فيهمـا مـن

لكن حـواء ".اإلنسان" وتحوال إلى كائن آخر هو ..الروح

نقلها من الطور الهمجـي ليست هي األنثى الوحيدة التي تم

اإلنسان، لكـن " آدم"إلى الطور اإلنساني، هي الوحيدة مع

غيرها بعد إهباط ) سوت وعدلت (لقدرة اإللهية قد صنعت ا

ـ هؤالءته، آدم من الجنة بمعصي ن النـساء اإلنـسيات خلق

274

أبناء آدم وهم ذكور، وقـد دل القـرآن نخصيصا ليتزوجه

لكن هذا أمر .على هذا وكذلك بعض المأثورات الصحيحة

.سيتم تناوله في بحث معصية آدم

هل العلم يقر بهذا الرأي؟ ولماذا هذا الفارق الزمني - ثامنا

بين آدم اإلنسان وآدم التوراة؟

) HomoSapiens(أن اإلنسان العاقل "نعم، يقول طه باقر

ألـف 35قد ظهر فيما سموه العصر الحجري الحديث قبل

ألف سنة في حـدود 50منذ أقل من (، أو على األقل سنة

وإن تقديرات العلماء . 1") الوسيط منتصف العصر الحجري

ألف سنة، أو 50 إلى 30أرخت لظهور اإلنسان العاقل بين

إنسان كرمـانيون، نـسبة إلـى الكهـف "ما أطلقوا عليه

المكتشف فيه بقايا آثاره، بعد الحقبـة الجليديـة األخيـرة،

والحقبة الجليدية األخيرة التي ألمت باألرض ولم تبـق إال

حول االستواء، أي ما بين المدارين وأكثر قلـيال، حزام ما

كمناطق قابلة للعيش، وحسب التقديرات، قد ابتدأت متزامنة

معه، أي قبل خمسين ألف سنة تقريبا، لتبدأ في االنحـسار

.165، ص تاريخ الحضارات القديمة طه باقر،: مقدمةانظر -1 ♦

275

بما رافق ذلك من تغييـرات . م.مع مطلع األلف العاشر ق

فإن آخر عـصر دافـئ .جيولوجية وجغرافية للعالم بأسره

، ووجدت آثـار 1 ألف سنة قبل الميالد 14بدأت معالمه قبل

لحضارات في المنطقة العربية، ترجع إلى ما قبـل األلـف

العاشر قبل الميالد، ما يعني أن اإلنسان العاقـل موجـود

وصار له نسل توزع في النواحي المتاحـة، وهـذا ينفـي

لمـيالد، سنة قبل ا 4000 بأنه بـ األول تأريخ التوراة آلدم

إذ حضارة سومر المشهورة ووادي النيل العريقة تمتد لقبل

من نطوفيين هذا التاريخ بكثير، فكيف بالحضارات السابقة

♦ 1-120,000 to 18,000 BCE; During the last ice age, sheets of ice up to two

miles thick covered much of the northern parts of North America, Europe and Russia. So much water had been withdrawn from the world's oceans that their level was about 400 feet (120 meters) lower than it is today.

♦ http://www.religioustolerance.org/ev_noah.htm ♦ The last Ice Age or glacial period on Earth ended roughly 14,000 years

ago. At that time, much of Northern Europe and North America lay under huge ice sheets that today remain only in Greenland.

♦ http://geography.otago.ac.nz/Courses/283_389/Resources/palaeo/IceAges.html

♦ The sea has risen 100 meters since the last ice age, ocean water now exerts a downward force on parts of the continental shelf that had been above sea level.

♦ http://yosemite.epa.gov/oar/globalwarming.nsf/content/ClimateTrendsSeaLevel.html

276

، لكن هذا أمر لن يتجلى إال بـالتفريق بـين آدم وعبيديين

، وهو بحث آخر لـه )األول ( وآدم اإلنسان )الثاني (الرسول

محله الخاص.

:ختام الفصل

وبعد، فكثيرة هي اإلشكاالت والمعارضات التي قد توجد فـي

أذهان تشبعت بالتقليد أو تقديس الالمقدس، وبـاالجترار مـن تـراث

خاطئ على حساب الصحيح، وعدم فهم الصحيح من المـروي بـل

فال يسعنا، مهما بذلنا، وكما قد أسلفنا إسقاط فهمنا المعكوس عليه، لذا

شكاالت التي يمكن أن تطرأ في األذهـان، وبالـذات أن نستقصي اإل

ها فلـن ءأذهان المعضلين والمماحكين، وحتى لو استطعنا استقـصا

نتكلف باإلجابة عليها أو تغطيتها، ألنه ليس من شأننا تلقين المعرفـة

واألجوبة وتجميد عقل القارئ الباحث واستتباعه، فأزمة العقل المسلم

ا، بل شأننا وواجبنا توضيح المحجة إلى الجواب، وقـد لم تأت إال بهذ

نصبنا المنهج، وشيدنا منارته؛ أن كتاب اهللا هو سيد الناطقين، والحكم

درك نظامي وال لغو، وما هو بالهزل، على الباحث أن ل، ال لهوالفص

كتاب ربه أوال متحررا من دهاليز التوارتيين وقوامع آراء الرجـال،

مؤمنا بأنه كتاب مبين فعال، توافقه العلـوم والمكتـشفات وتـصدقه،

277

وتشهد بصدقه الروايات الصحاح ال المكذوبة، وبهذا المـائز نعـرف

الرواية المكذوبة من الصحيحة، ألن المكذوبة ستنهزم عـن موافقـة

القرآن، ألنها صدرت كدسائس من جاهلين بالقرآن ال من مقارنين له

.ين بهرومنذ

تمت إلى موضـوع وقد عملنا جاهدين أن نفسر اآليات التي

لم تكـن كلهـا إنالخلق، وفي الحقيقة، فإن جل اآليات التي فسرناها،

المفسرين فيها، ألنهـم مـا فـسروها فـي بمخالفتناستصدم القارئ

ـ ي، الحقيقة، فدونك أي تفسير أمامك، استله واقرأ فيه وستفهم ما نعن

بل أخطأوا فيها وخلطوا وغبشوا، الفتقادهم النظرة الشاملة للموضوع

القرآني وامتهانهم تجزئته، ولتأثرهم بالقصص التوراتي وما يوافقـه،

والنطالء كثير من المرويات المدسوسة عليهم فقدسوها، والتبـاعهم

نظاما خاطئا في التعرف على لغة القرآن ولـسانه العربـي المبـين

ونظامه الصارم، وأخيرا لجعلهم القرآن مهيمنا عليه بدال من أن يكون

هو المهيمن، عالوة علـى عـدم مبـاالة بعـضهم بحقـائق العلـم

.الموضوعي

فاإلشكاالت حتما كثيرة بحجم الجهـل الموجـود، وبحـسب

العقول الموجودة، وعلى قدر تكرس الالنظام في فهم النصوص، فمـا

أن نتخير فقط أمهات اإلشكاالت وأصعبها، التـي وجـدنا وجدنا إال

احتمال طروئها على ذهن الباحث الجاد وذللناها له، وإن وجد غيرها

278

فليلتمس الباحث الفطن مما قـدمنا سـبيال - وهو موجود ال محالة -

. لتذليل الباقي

أقـيم وقد رأينا أن هذه اإلشكاالت التي سيقت، والتذليل الذي

بإزائها، قد أفادنا خالف ما أريد له، فأورث فـي النتيجـة يقينـا، أن

النص القرآني، وأقوال المعصومين، وتراث اآلباء األولين، كلها تنبع

لما سجنا عقولنـا فـي -من مشكاة ربانية واحدة، هي الحق، ولكننا

ه، والقرآن وقول قمنا ببذر الخصام بين القرآن ونظام -أغاليط الرجال

المعصوم، وتراث األولين واآلخرين، وفقدنا الصفاء في فهم األمور،

وتمييز الصحيح من السقيم، نسأل اهللا تعالى لنا ولقارئنا وللباحثين هذا

.الصفاء وذاك التحرر

279

ةـالخاتم

لقد كان هذا البحث، محاولة سريعة غير مكتملة فـي مـسألة

خالصة نظرنا في كتاب اهللا العزيز وفي مـدونات واحدة فقط، تشكل

تراثنا العظيم، ليدرك القارئ وحدة هذا التراث في مسائله المعرفيـة

واالعتقادية، والقيمية أيضا، لحضارة لها تاريخ تليد منذ وجد اإلنسان

األول وما يزال فيها كمون العطاء الثر، فهي التي تمتلـك مخـزون

نية العليا، فعليها أن تحفر لطلبها في أرضها ال لتتوسلها الحقائق اإلنسا

من اآلخرين أو تنتظر ليجودوا عليها بهـا، أو أن يكتبـوا تاريخهـا

.بأيديهم فيصوغوا هويتها ويفصلوها لها

وإننا إذ نقدم هذا البحث للقارئ العربي والمسلم، مباينين فيها

ناتها، ال جرأة ألنا أردنا المخالفـة، أو النظرة التقليدية ووجهاتها وتلقي

الموافقة، وال لنقسر القارئ الكريم عليها، بل لنحرره فيختبرهـا هـو

بنفسه، يقتنع بما شاء، ويرفض ما شاء ويطور ويصحح ما شاء، بعد

أن ينعتق من إذعانه العاطفي الرهبوي أو الرغبوي تجاه اإلمـالءات

ي تقولب له جاهزة باسـم الـدين، فتـصادر والسطوات المعرفية الت

تفكيره وعقله، وتمسخ ذاته وتسلب دوره وتقمع تطوره، ويظل يطوح

.به هائما في تقليد األفكار سواء من بني جنسه أو من األغراب

280

هذا البحث إحدى فرصه لالنعتاق ولالختبار، وليقول بمـلء

له وقال التاريخ وقال فالن وفـالن، قال اهللا وقال رسو : الفم لمن يلوح

كفى سطوة على عقولنا، ها هو ذا اهللا : هذه المحاولة ترد عليه وتقول

ورسوله والتاريخ لم يفوهوا بذلك، بل أنتم قلتم، بعد أن توهمتم، تعالى

فلكم األجر الواحد والكبير، " هو ما فهمتم واجتهدتم "أو في أحسن حال

وا اآلخرين يختبروا وعيهم أيـضا، أطلقـوا سـراحهم، دع: فبوركتم

وأمـر ) أفال يتدبرون القرآن (ليصيبوا الحقيقة التي قال عنها سبحانه

بمعزل ) قل سيروا في األرض : (رسوله األمين بأن يحفزهم الكتشافها

ومـن جملـة ) ص(عن تلقين الموتى، تلك التي بعث النبي الهـادي

ويضع -ال أن يدفن عقولها - في الناس دفائن عقولهم أهدافه أن يثير

وقد قال اإلمـام الـصادق .عنهم اإلصر واألغالل التي كانت عليهم

من دخل في هذا الـدين بالرجـال :(يوما ما ) ص(حفيد نبينا العظيم

أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه، ومن دخل فيه بالكتـاب والـسنة

.1)زولتزالت الجبال قبل أن

فهذا البحث لالختبار؛ أن يختبر القارئ وعيه، حريته، عقلـه،

قرآنه، وتراثه، ومألوفه، ثم كيفيـة تـشكيله اعتقـاده، أبالرجـال أم

ليسترجع ذاته الحبيسة الذائبة والمطمـورة مـدى العمـر، ! بالكتاب؟

.فخالص أمتنا العظيمة هو من خالص أفراد أبنائها

♦ 1 . 12 صكتاب الغيبة،؛ النعماني، 7، ص1، جالكافيالكليني، -

281

رب العالمينوالحمد هللا

وأفضل صالة وسالم على سيدنا محمد وآله

صحبه ومن تواله إلى يوم الدينوعلى

282

قائمة المصادر والمراجع

: العربية والمترجمة-أوال

مصنف ابـن ، )أبو بكر عبداهللا بن محمد الكوفي (ابن أبي شيبة -1

مكتبة الرشـاد، : ، الرياض1تحقيق كمال الحوت، ط / أبي شيبة

1409.

تاريخ األمـم والملـوك ،)أبي جعفر محمد ( جرير الطبري ابن -2

. مؤسسة األعلمي: ، بيروت)تاريخ الطبري(

عن تأويـل جامع البيان ،)أبي جعفر محمد( جرير الطبري ابن -3

دار : ضـبط صـدقي جميـل العطـار، بيـروت / آي القرآن

.1415الفكر،

فتح ، )أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالني (ابن حجر -4

تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي ومحب الـدين الخطيـب، / الباري

.1379دار المعرفة، : بيروت

تحقی ق / المحل ى، )عل ي ب ن أحم د ب ن س عید (اب ن ح زم األندل سي -5

.دار الفكر: أحمد محمد شاكر، بیروت

283

بھام شھ [1، ط الم سند ، )أبي عبد اهللا أحمد بن محمد (اب ن حنب ل -6

. دار الفكر: ، بیروت]قوالمنتخب كنز العمال في سنن األ

تح ف ، )أبو محمد الحسن بن علي بن الحسین (ابن شعبة الحراني -7

مؤس سة : ، بی روت5 ق دم ل ھ محم د ح سین األعلم ي، ط /العق ول

. 1974/ 1394األعلمي للمطبوعات،

، النج ف مناق ب آل أب ي طال ب ، )محمد ب ن عل ي (ابن شھر آشوب -8

.1376المطبعة الحیدریة، : األشرف

، معجم مقاييس اللغـة ، )أحمد بن فارس بن زكريا ( فارس ناب -9

دار إحيـاء التـراث : ، بيـروت ]جديدة مصححة وملونة [1ط

.2001العربي،

، البدايـة )الحافظ أبي الفـداء إسـماعيل الدمـشقي (ابن كثير -10

دار إحياء التـراث : ، بيروت 1تحقيق علي شيري، ط / والنهاية

. هـ1408العربي،

، تفسير القرآن )أبي الفداء إسماعيل الدمشقي الحافظ (ابن كثير -11

.هـ1412دار المعرفة، : ، بيروت)تفسير ابن كثير( العظيم

284

، قـصص )الحافظ أبي الفـداء إسـماعيل الدمـشقي (ابن كثير -12

، دار الكتب الحديثـة، 1تحقيق مصطفى عبدالواحد، ط / األنبياء

1388.

، 2 ط كـشف الغمـة، ،)علي بـن عيـسى (أبي الفتح اإلربلي -13

.1985/ 1405دار األضواء، : بيروت

قـاموس اآللهـة ، )ف(، رولينـغ )هـ. م(، بوب )د(إدزارد -14

في الحضارة ) السومرية والبابلية (في بالد الرافدين : واألساطير

تعريب محمد وحيد خياطـة، )/ األوغاريتية والفينيقية (السورية

.2000دار الشرق العربي،: ، لبنان، سورية2ط

نـشأتها وتطورهـا : ديانة مـصر القديمـة ، ) لفأدو(إرمان -15

ترجمة عبدالمنعم أبو بكر ومحمد / ونهايتها في أربعة آالف سنة

.1995/ 1415مكتبة مدبولي، : ، القاهرة1أنور شكري، ط

، 4، ط حليـة األوليـاء ، )أبو نعيم أحمد بن عبداهللا (األصبهاني -16

.1405دار الكتاب العربي، : بيروت

: ، القـاهرة 3ترجمة ثروت عكاشـة، ط / تمسخ الكائنا أوفيد، -17

.1992الهيئة المصرية العامة للكتاب،

285

تحقيق السيد جالل / المحاسن، )أحمد بن محمد بن خالد (البرقي -18

. الدين الحسيني، دار الكتب اإلسالمية

19- مكتبـة لبنـان، : بيـروت ،محيط المحـيط ، )بطرس(البستاني

1977.

2، ط أسـاطير آرام -الميثولوجيـا الـسورية ، )وديع(بشور -20

.ال ناشر، ال تاريخ: ، ال بلدة]منقحة ومعدلة[

دار العلـم : ط ، بيروت : ب المورد القريب، ، )منير(البعلبكي -21

.1986) يناير(للماليين، كانون الثاني

.1986بغداد، ، تاريخ الحضارات القديمة ،)طھ(باقر -22

دار المـدى للثقافـة : ، دمشق 5، ط ملحمة كلكامش ، )طه(باقر -23

.1986النشر والتوزيع ، و

أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بـن عبـداهللا بـن (البيقهي -24

: ، بيروت 3 عامر حيدر، ط تحقيق/ كتاب الزهد الكبير ، )موسى

.1996مؤسسة الكتب الثقافية،

، )عبدالرحمن بن محمد مخلوف أبـي زيـد المـالكي (الثعالبي -25

تحقيـق )/ الجواهر الحسان في تفسير القـرآن (تفسير الثعالبي

286

دار إحياء التـراث : ، بيروت 1عبدالفتاح أبو سنة وآخرون، ط

.1418العربي،

: ، بيـروت 1 ط ، الحيوان حياة ،)ن الدميري كمال الدي (الجاحظ -26

.1994دار الكتب العلمية،

الجواهر السنية في األحاديث ، )محمد بن الحسن (الحر العاملي -27

.مكتبة المفيد: قمالقدسية،

تحقی ق / وس ائل ال شیعة ، )م د ب ن الح سن مح(الح ر الع املي -28

دار إحی اء الت راث العرب ي، : ، بی روت 4عبدالرحیم الشیرازي، ط

1391 .

مفتـاح : تفسير القرآن الكـريم ،) روح اهللا مصطفى(الخميني -29

مؤسسة تنظيم ونشر آثار : ، طهران 1أحسن الخزائن اإللهية، ط

. 1418اإلمام الخميني،

، 2 المركز، ط 1-لحضاري القديم تاريخ سوريا ا ، )أحمد(داوود -30

.1997مطبعة الكاتب العربي، : دمشق

ترجمة زكـي نجيـب / قصة الحضارة ، )ول وايريل (ديورانت -31

.1992/ 1412دار الجيل، : ، بيروت1محمود، ط

287

سير ، )أبو عبد اهللا محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز (الذهبي -32

قـسوسي، تحقيق شعيب األرناؤوط ومحمد العر / أعالم النبالء

.1413مؤسسة الرسالة، : ، بيروت9ط

: ، بيـروت 1، ط التفسير، )فخر الدين محمد بن عمر (الرازي -33

.2002دار الفكر،

، 1، ط حـضارة وادي الرافـدين ،)عبد الوهاب حميـد (د رشي -34

. 2004دار المدى للثقافة والنشر والتوزيع، : دمشق

/ المندائيـة النصوصالنشوء والخلق في ،)كورت (رودولف -35

.1994 جامعة بغداد: بغداد ،رجمة صبيح مدلول السهيريت

دار : ، قـم ]منقحـة [1، ط ميزان الحكمة ، )محمدي (الريشهري -36

.هـ1416الحديث،

تفـسير الكـشاف، ، )أبو القاسم محمود بن عمر (الزمخشري -37

.مركز اإلعالم اإلسالمي: قم ،4ط

بهامشه القـرآن [ 1طالدر المنثور، ، ) جالل الدين (السيوطي -38

دار المعرفـة، : ، بيـروت ]لكريم مـع تفـسير ابـن عبـاس ا

.هـ1365

288

ترجمـة / معجم األساطير ، )رودا(، هندريكس )ماكس(شابيرو -39

.1999دار عالء الدين، : حنا عبود، دمشق

فقـه (نحو أصول جديدة للفقـه اإلسـالمي ، )محمد(شحرور -40

.2000األهالي للتوزيع، : ، دمشق1، ط)المرأة

/ األمـالي ، )بن الحسين بـن موسـى علي ( الشريف المرتضى -41

مكتبـة المرعـشي : ، قـم 1تحقيق محمد الغساني الحلبـي، ط

.1907/ 1325النجفي،

/ نهج البالغة ، )محمد بن الحسين بن موسى (الشريف الرضي -42

. دار المعرفة: شرح محمد عبده، بيروت

حسن بـن / مستدرك سفينة البحار ، )علي النمازي (الشاهرودي -43

مؤسسة النشر اإلسالمي لجماعة المدرسين، :علي النمازي، قم

1419.

الجامع بـين : فتح القدير ، )محمد بن علي بن محمد (الشوكاني -44

.عالم الكتب: فني الرواية والدراية من علم التفسير، القاهرة

تحقيـق الـسيد / التوحيد، )محمد بن علي بن بابويه (الصدوق -45

ة المدرسين، مؤسسة النشر اإلسالمي لجماع : هاشم الحسيني، قم

1387.

289

مجمع البيـان ،)أبي محمد علي الفضل بن الحسن ( الطبرسي -46

مؤسسة األعلمي للمطبوعات، : ، بيروت 1، ط في تفسير القرآن

1415.

المی زان ف ي تف سیر الق رآن، ، )ال سید محم د ح سین( الطباطب ائي -47

. 1972/ 1392 مؤسسة األعلمي للمطبوعات،: ، بيروت2ط

دراسة صوتية صرفية دالليـة : لكنعانيةاللغة ا ، )يحيى(عبابنة -48

دار مجـدالوي : ، عمان 1مقارنة في ضوء اللغات السامية، ط

.2003للنشر والتوزيع،

، 1، ط سـومر أسـطورة وملحمـة ، )فاضل عبد الواحد (علي -49

.1999األهالي للتوزيع، : دمشق

: ، دمـشق 1، ط عشتار ومأساة تموز ، )فاضل عبدالواحد (علي -50

.1999األهالي للتوزيع،

اآلصفي في تفسير القـرآن، ،)محمد محسن (الفيض الكاشاني -51

. هـ1418، مركز األبحاث والدراسات اإلسالمية، 1ط

تحقيق أحمـد / التفسير، )محمد بن أبي بكر بن فرج (القرطبي -52

. 1372دار الشعب، : ، القاهرة2البردوني، ط

290

أ ت صحیح تف سیر القم ي ، )أب ي الح سن عل ي ب ن إب راھیم (القم ي -53

.1404مؤسسة دار الكتاب، : ، قم3د طیب الجزائري، طالسی

ترجمة طـه بـاقر، / من ألواح سومر ، )صامويل نوح (كريمر -54

.مكتبة المثنى ومؤسسة الخانجي: بغداد، القاهرة

/ التفسير الـصافي ، )محمد محسن بن الشاه مرتضى (الكاشاني -55

.1416مكتبة الصدر، : ، طهران2حسين األعلمي، ط

تحقيق علي أكبر / الكافي، ) محمد بن يعقوب أبي جعفر (الكليني -56

.1985/ 1405دار األضواء، : الغفاري، بيروت

الـشفرة الوراثيـة لإلنـسان ، )ليروي(، هود )دانييل(كيفلس -57

) / القضايا العلمية واالجتماعية لمـشروع الجينـوم البـشري (

المجلس الوطني للثقافة والفنون : ترجمة أحمد مستجير، الكويت

.1997اير واآلداب، ين

ديانـات : سلسلة األساطير الـسورية ، وآخرين، )رينيه(البات -58

دار عـالء : ، دمشق 1تعريب مفيد عرنوق، ط / الشرق األوسط

.2000الدين،

291

كنـز ، )عالء الدين علي المتقي بن حسام الدين (المتقي الهندي -59

مؤسـسة : تحقيق بكري حياني وصفوة السقا، بيـروت /العمال

.الرسالة

األهلية للنـشر : ، عمان1، طإنجيل سـومر ، )زعلخ(الماجدي -60

.1998والتوزيع،

دراسة فـي أسـطورة : ميثولوجيا الخلود ، )خزعل(الماجدي -61

: ، عمـان 1الخلود قبل الموت وبعده في الحضارات القديمة، ط

.2002األهلية للنشر والتوزيع،

بحـار األنـوار، ، )محمد باقر بن المولى محمد تقي (المجلسي -62

.1983/ 1403 مؤسسة الوفاء، :، بيروت2ط

، )ميرزا حسين بن محمـد تقـي الطبرسـي (المی رزا الن وري -63

إلحی اء الت راث، ) ع(، مؤس سة آل البی ت 2طم ستدرك الوس ائل،

.ھـ1409

/، مروج الذهب )أبو احلسن علي بن احلسني بن علي (المسعودي -64

من شورات الجامع ة اللبنانی ة، : رالناش ، 1طق ش ارل ب ال، تحقی

1979.

292

مجلة ، "المسكوت عنھ في ملحمة جلجامش "، )ناجح(المعموري -65

.2002 – 12: العدد ، ألواح

الـسنن ، )أبو عبدالرحمن أحمد بن علي بن شـعيب (النسائي -66

، 1 تحقيق عبـدالغفار البنـداري وسـيد كـسروي، ط /الكبرى

.1991/ 1411دار الكتب العلمية، : بيروت

، 1طكتـاب الغيبـة، ، )محمد بن إبراهيم بن جعفـر (النعماني -67

.1983/ 1403مؤسسة األعلمي للمطبوعات، : بيروت

تحقيق السيد / روضة الواعظين ، )محمد بن الفتال (النيسابوري -68

. منشورات الرضي: محمد مهدي الخراسان، قم

تحقی ق / عی ون الحك م الم واعظ ، )علي بن محمد اللیثي (الواسطي -69

.ش1376، دار الحدیث، 1حسین البیرخبدي، ط

: االنترنيت–ا ثاني

1 – http://azothgallery.com/alchemical/k_damiani_sophiasoul.html

2- http://home.apu.edu/~geraldwilson/atrahasis.html

3 - http://duke.usask.ca/~niallm/252/Diodisis.htm

4 - http://home.iae.nl/users/lightnet/celestial/zechariah.htm

5 - http://geography.otago.ac.nz/Courses/283_389/Resources/palaeo/IceAges.html

6 - http://home.apu.edu/~geraldwilson/atrahasis.html

293

7 - http://www.alhawali.com/

8 - http://www.alwah.com/magazine.htm

9 - http://www.ancienttexts.org/library/mesopotamian/enuma.html

10 - http://www.channel4.com/history/microsites/N/neanderthal/

11- http://www.crystalinks.com/amphibiousgods.html

♦ 12 - http://www.gatewaystobabylon.com/myths/texts/classic/enuma.htm#7

13 - http://www.hiddenmysteries.com/freebook/adameve/adameve1.html

14- http://www.islamedia.com/MIE2/maws/maws1.html.

15 - http://www.mazzaroth.com/ChapterThree/HistoryOfTheBible.htm

http://www.mystic-mysteries

magic.com/mysteries_egyptian_invoke_isis.ht-16

17 - http://www.personal.psu.edu/faculty/o/x/oxf3/atrahasis.html

18 - http://www.piney.com/BabEnAratta.html

19 - http://www.religioustolerance.org/ev_noah.htm

20 - http://www.sacred-texts.com/eso/sta/sta10.htm

21 -http://www.webcom.com/~gnosis/lillith.html

22 - http://yosemite.epa.gov/oar/globalwarming.nsf/content/Climate TrendsSeaLevel. html

294

: اإللكترونية-ثالثا

: القرآن-أ

، مصحف النور للنـشر المكتبـي سيمافور للتقنية، – 1

المملكـة العربيـة : دار الثـاني، الريـاض اإلص

.2001السعودية،

: التوراة-ب

1- Rick Meyers,E-Sword, Ver 7.1.0,2000-2004, http://www.e-

sword.net

2- Online Bible Millennium Edition. Version: 1.11.90, Mar 28, 2002,

http://www.onlinebible.net/.

: أقراص مدمجة– ـج

، اإلصـدار برنامج المعجم ركز المعجم الفقهي، م – 1

.هـ1421الثالث، قم المقدسة،

295

المكتبـة مركز التراث ألبحاث الحاسب اآللـي، – 2

، األردن 1.5،اإلصـدار األلفية للسنة النبويـة

.1999/ 1419مركز التراث، ): عمان(

تـاريخ مركز التراث ألبحاث الحاسـب اآللـي، – 3

مركـز ): عمـان (، األردن دمشق البن عساكر

.التراث

296

فهرست المحتويات

.........................................................................................المقدمة

4........................................................................................توطئة

11..............................................................................لماذا البحث؟

20.........................................................أسئلة البحث وطبيعته ودواعيه

23...............................................................................أقسام البحث

25...............................................................................منهج البحث

28....................................... الحقیقة الضائعة في خلق البشر -الفصل األول

28.......................................................................................تمهيد

31..............................................الصحيح موجز ما يقوله التراث -أوال

39............................................................. كيف خلق اإلنسان؟ - ثانيا

46.......................................................... أين الخطأ في التوراة؟ -ثالثا

55...............................................................................ختام الفصل

56 ............................... خلق البشر واإلنسان في القرآن الكریم -الفصل الثاني

56.......................................................................................تمهيد

58........................................................... اختصام المأل األعلى -أوال

68.................................................. النشأة األولى والثانية والثالثة - ثانيا

297

91.....................................................القرآني " اإلنسان "صطلح م-ثالثا

96...................................................... اإلنسان الالمذكور دهرا -رابعا

115........................................................ بث الرجال والنساء - خامسا

125...................................................... تطور الساللة البشرية -سادسا

144...................................................... غرض النسل اإلنساني - سابعا

147.............................................................................ختام الفصل

155 خلق البشر وآدم في تراث اآلباء األولین-الفصل الثالث

155.....................................................................................تمهيد

158............................................................ارات في التراث إش–أوال

165..................... طريقة القدماء في دفن الموتى تحاكي البدء البشري –ثانيا

168........................................ القوى الروحانية المكلفة بتخليق آدم –ثالثا

176......................................." كنزا ربا " كتاب الصابئة المندائيين –رابعا

179....................................."عندما رسم اآللهة المدينة" أسطورة –خامسا

190........................................................ نصوص وادي النيل –سادسا

Cadmos"................................198قدموس " قصة األمير العربي –سابعا

205................. اإلخصابية في التراث السومري والبابلي القوة الكونية–ثامنا

The Epic of Gilgamesh(..................220( في ملحمة جلجامش - تاسعا

298

226.............................................................................ختام الفصل

229............................................ إشكاالت ومعارضات-الفصل الرابع

229.....................................................................................تمهيد

229.................................يوحي بالعكس ) ص( حديث شريف للنبي -أوال

236.....................................يوهم بالنقيض ) ع( مأثور لإلمام علي - ثانيا

246.............................................. تصور أن آدم لم يولد في رحم -ثالثا

254.................................. ما حكاية الضلع الذي منه خلقت حواء؟ -رابعا

265................................ إشارة المأثورات للنوع البشري الهمجي -خامسا

267.............................................. أين الصراحة في كتاب اهللا؟ -سادسا

269...................... من هو آدم؟ جنس أم رجل، وكيف جاءت ذريته؟ - سابعا

هل العلم يقر بهذا الرأي؟ ولماذا هذا الفارق الزمني بين آدم اإلنسان وآدم -ثامنا

274..................................................................................التوراة؟

276.............................................................................ختام الفصل

279.............................................................................ةـــ ـالخاتم

282..............................................................المصادر والمراجع قائمة

296.....................................................................فھرست المحتویات

414: تسجيل

299

سلسلة عندما نطق السراة

.مفاتح القرآن والعقل .1

.عقيدة األمة منذ آدم..التوحيد .2

.جنة آدم تحت أقدام السراة .3

.بعد فطري وارتباط كوني..سان العربيالل .4

.وتحسب أنك جرم صغير..اإلنسان اإلنسان .5

.اختطاف جغرافيا األنبياء..نداء السراة .6

.عيد الخليقة..ليلة القدر .7

.بين الحقيقة واألوهام..طوفان نوح .8

.آدم اإلنسان وآدم الرسول..بين آدمين .9

.سرقة وتحريف تراث األمة..مسخ الصورة .10

.حضاريتوثيق ..األسطورة .11

.الحقيقة دون قناع..وعصى آدم .12

.كما بدأكم تعودون..الخلق األول .13

.اليهود وتوراة الكهنة .14