1 اتيجية ا�س2010 ونيوالث، مار�س/يد الث العداتيجية ا�س

Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

Embed Size (px)

DESCRIPTION

Political and Strategic Magazine is published every two months by Sheba Center for Strategic Studies, Yemen.

Citation preview

Page 1: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

1 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

Page 2: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 2 3ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

مدير التحرير

حممد �سيف حيدر

رئي�س التحرير

اأحمد عبدالكرمي �سيف

[email protected]

[email protected]

[email protected]

[email protected]

[email protected]

[email protected]

نائب مدير التحرير

�سقاف عمر ال�سقاف

املراجعة اللغوية

حممد حم�سن علوان

الت�صميم والإخراج الفني

حممد عبدالرحمن الذبحاين

�سكرتارية املجلة

اأ�سماء حممد اإبراهيم

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

ال�صرتاكات:

ال�سنة الواحدة )�ستة اأعداد( �ساملة اأجرة الربيد:

داخل اجلمهورية اليمنية: 6000 ريال للأفراد، 12000 ريال للموؤ�س�سات.

الدول العربية: 50 دوالرا للأفراد، 90 دوالرا للموؤ�س�سات.

بقية دول العامل: 70 دوالرا للأفراد، 120 دوالر للموؤ�س�سات.

ير�سل طلب اال�سرتاك اإىل عنوان املجلة مع حوالة م�سرفية اأو �سيك

م�سدق بقيمة اال�سرتاك الأمر مركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.

ولل�ستف�سار ميكن التوا�سل عرب الربيد االإلكرتوين:

[email protected]

جملة مدارات ا�سرتاتيجية

مركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية

�س. ب. 16822 هاتف: 677466 1 967+ فاك�س: 677466 1 967+

�سنعاء – اجلمهورية اليمنية

[email protected] :الربيد االإلكرتوين

[email protected]

www.shebacss.com/madarat :املوقع على االإنرتنت

ثمن الن�صخة:

اليمن 300 ريال، ال�سعودية 20 رياال، االإمارات العربية املتحدة 20 درهما،

الكويت 2 دينار، مملكة البحرين 1.5 دينار، قطر 20 رياال، �سلطنة عمان 1.5

ريال، العراق 2500 دينار، لبنان 4000 لرية، �سورية 200 لرية، االأردن 2.5 دينار،

فل�سطني 5 دوالر، م�سر 10 جنيهات، ال�سودان 4 جنيهات، ليبيا 2 دينار، اجلزائر

300 دينار، تون�س 5 دينار، املغرب 20 درهما، موريتانيا 300 اأوقية.

Austria, France, Germany, and Italy: € 6, United

Kingdom £ 3, USA $ 5

االأفكار وال�سيا�سات واال�سرتاتيجيات املعا�سرة

ا�سرتاتيجية

ت�سدر كل �سهرين عن »مركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية«

ال�سنة االأوىل، العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010

تعربر املقاالت املن�سورة عن اآراء كتابها، وال تعربر بال�سرورة

عن راأي »مدارات ا�سرتاتيجية« اأو مركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.

جميع احلقوق حمفوظة ملركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.

ÊhεdE’G ™bƒŸG GƒëØ°üJ

á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôŸ

w w w . s h e b a c s s . c o m

+967 1 677879 :¢ùcÉa +967 1 682144 :∞JÉg 16822 :Ü.¢U

á«æª«dG ájQƒ¡ª÷G - AÉ©æ°U

www.Shebacss.com E-mail: [email protected]

Page 3: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 4 5ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

مدار الأفكار

بو�صوح: �أن تكون م�سلما »متييزيا«!

حوار مع �سعدالدين العثماين

�سجال: �إير�ن: ظاملة �أم مظلومة؟

علي ح�سني باكري وعبدالغني املاوري

بالإ�سافة اإىل اآراء

تو�زن مفقود:

�خلليج �لعربي و�لبعد �لثقايف كقوة موؤثرة

يف حتديد �مل�سالح

�سلم الرب�سي

جدلية �لإ�سالم و�لدميقر�طية:

هل جتاوزها �لإ�سالميون؟

نبيل البكريي

الفهر�ست

مر�جعــات: �أمريكا و�لطريق �إىل

»�لدميقر�طية �لإ�سالمية«

نوح فلدمان / م. �س. ح

عرو�ض موجزة

جيوبوليتيك

ممر�ت �ل�سيطان:

خطوط �لتقاء �لتهريب و�لنفط و�لإرهاب

يف �ليمن و�جلز�ئر وو�سط �آ�سيا

اأحمد عبدالكرمي �سيف

هاج�ض �ملالذ �لآمن: �حلركات �جلهادية و�أهمية �ملكان

�سكوت �ستيوارت

جيبوتي �ل�سغرية: ملاذ� يحوم حولها �لكبار؟

�سقاف عمر ال�سقاف

يف بوؤرة الهتمام

�أدمغة �سهيون �ملقاتلة:

حتقيق �أويل حول موؤ�س�سات �لتفكري و�مل�سورة يف

�إ�سر�ئيل

حممد �سيف حيدر

148

128

134

138

153

162

166

172

175

178

بــذور �لإرهــاب:

�أنظمة �لتعليم و�لر�ديكالية �لإ�سالمية يف �ليمن

رات�سل ول�س

96

املحــور

�حلرب �لهجينة:

تطور �أ�ساليب حرب �لع�سابات و�حلرب

�لثورية يف �لع�سر �لرقمي

ريا�س قهوجي

�خلروج من ماأزق »تنمية �ل�سياع«

علي خليفة الكواري

فو�سى يف مقدي�سو:

ديناميات �ل�سر�ع �ل�سومايل، وتد�عياته، وفر�ض حلحلته

عطيه عي�سوي

�لوجه �جلديد ل�سيا�سة ليبيا �خلارجية:

حمدد�ت �لتحول ودو�ئر �حلركة

اأمرية حممد عبداحلليم

86

110

90

116

122

اأفق

»�ملوؤمتر �لإ�سالمي« على �أعتاب عهد جديد

اأكمل الدين اإح�سان اأوغلي

املراقب ال�سرتاتيجي

نتائج م�سطربة ونفق �سيق:

�لعر�ق و�آفاق ما بعد �لنتخابات �لت�سريعية

ناظم اجلا�سور

ظل �ملر�سد �لأعلى:

�ل�سر�ع على م�سقبل �إير�ن من بو�بة »ولية �لفقيه«

بوزيدي يحيى

كانون الثاين/يناير - �سباط/فرباير 2010

حتليالت:ي�ستك�ســـف حممـــد �سيف حيدر ونيكول �سرتاكه �حلر�ك �جلنوبي يف �ليمن، عرب ا�ستعرا�س مكوناته وبحث عوامل قوته و�سعفه

ومقاربة املبادرات احلكومية واالإقليمية حللحلة الو�سع يف اجلنوب؛ ويو�سح اأ�سرف حممد ك�سك عو�قب عدم ��ستقر�ر �ليمن على �لأمن

�لإقليمـــي �خلليجـــي، اأما ج. اإ. بيرت�ســـون فيقارب تاريخ �لتوقعات غري �ملحققة يف عالقات �ليمـــن بالوليات �ملتحدة، يف حني يبحث

عاي�س علي عوا�س يف م�سري �ملعتقلني �ليمنيني يف �سجن غو�نتانامو. �ل�سفحات 10 - 35

وجهــات نظــر: يحاول عبدالباقي �سم�سان يف مقاله »عند تخوم �لبطركية« تو�سيح االأ�سباب التي ما زالت تعوق عملية ا�ستنبات وتوطني

القيم واملبادئ الدميقراطية يف الن�سق القيمي للمجتمع اليمني، ويبحث اأحمد اأحمد مطهر يف البدائل املتاحة اأمام اليمن لتجاوز حتديات ما

بعـــد ن�ســـوب �لنفط، يف حني يقدم مقال »�ليمن و�ملنطقة و�لعـــامل: ت�سور�ت �مل�سالح �لإقليمية و�لدولية« خل�سة لقاء العمل الذي

نظمـــه مركـــز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية باال�ســـرتاك مع برنامج منتدى اليمن باملعهد امللكي لل�سوؤون الدوليـــة )�ساتام هاو�س(، يف 6 ني�سان/

اأبريل 2010. �ل�سفحات 36 - 55

تفاعــالت اليمن والعامل يف 60 يوم��ا: �سهرا كانـــون الثاين/يناير و�سباط/فرباير

2010. �ل�سفحات 56 - 61

عــن على اليمن:يو�سح مانويل اأمليدا ملاذ� ل ي�ستطيع �ليمن �لنتظار طويال حتى

يح�ســـل على ع�سوية جمل�ض �لتعاون �خلليجـــي؛ ويبني اأحمد عبدامللك كيف حتولت

�لعمالة �ليمنية �إىل رهان يف �خلليج؛ وجتادل �سارة توبل باأن م�ساعدة �ليمن للوليات

�ملتحـــدة يف مو�جهـــة تنظيم �لقاعدة، ميكـــن �أن توؤدي �إىل نتائج عك�سيـــة؛ اأما مايكل

هورتـــون فيحذر من �إدمان �ليمن �خلطر على �لقـــات؛ وعرب ر�سالة من �سنعاء ير�سم

جيم�ـــس م. دور�سي �سورة للعالقـــة بني �حلوكمة و�لأمن يف �ليمـــن؛ واأخريا ينبه وليم

المـــربز باأن �أزمة �جلوع يف �ليمن قد ت�سكل تهديد� لأمن �أمريكا �لقومي. باالإ�سافة

اإىل اأحدث املن�سورات حول اليمن يف »بن غالفن«.. �ل�سفحات 62 - 72

اليمن والعامل

74

78

اإفتتاحية

لن�ساعد اأنف�سنا اأوال

رئي�س التحرير

shebacss.com نظرة على 06

08

فـي هذا العـدد

Page 4: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 6 7ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

نظرة على

shebacss.com

shebacss.com

يف اأيامنا هذه اأ�سبح العاملان الواقعي واالفرتا�سي متداخلن اإىل

حد ال ميكن ف�سلهما عن بع�سهما البع�س. هذه احلقيقة جتعل ل�سبكة

املعلومات الدولية )االإنرتنت( �سحرا وجاذبية ال تقاوم، كونها اإحدى نوافذ

اإ�سهار الذات، الفردية اأو املوؤ�س�سية. ولهذا، فقد اأولينا يف مركز �سباأ للدرا�سات

اال�سرتاتيجية اأهمية فائقة للتوا�سل التفاعلي مع رواد العامل االفرتا�سي، واإتاحة

منتجاتنا الفكرية والتحليلية للجميع داخل اليمن وخارجه، وباللغتني العربية

واالإجنليزية. وعو�سا عن كونه يتيح لنا وللمهتمني بالعمل البحثي يف اليمن

وخارجه، التوا�سل والتفاعل البناء، فاإننا نعمل دوما على تطوير موقعنا االإلكرتوين

بحيث يكون واجهة معربة عن ن�ساطاتنا الهادفة اإىل »رفد ال�سيا�سة باملعرفة«،

وبحيث يكون دوما مفعما باحليوية والتجديد، �سكل وم�سمونا.

ف تعر

�صاركنا

اطلع

تابـع

على اأع�ساء هيئتنا ال�ست�سارية

اآراءك حول اأهم التطورات اجلارية يف اليمن واملنطقة

على اأن�سطتنا وفعالياتنا احلالية وامل�ستقبلية

اآخر م�ستجدات الأو�ساع يف اليمن واملنطقة اأول باأول

عرب بوابة »املركز الإعالمي«

تت�سكل الهيئة اال�ست�سارية ملركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية من جمموعة اأكادمييني وخرباء معروفني، وهي ال تعك�س خربات من خمتلف

احلقول فح�سب بل اأي�سا متثل تنوعا من الناحيتني اجلغرافية والثقافية. وللتعرف اأكرث على االأ�سماء املرموقة )الواردة يف العمود ي�سار

ال�سفحة(، والتي ت�سمها قائمة الهيئة اال�ست�سارية للمركز و�سريها الذاتية، وحقول تخ�س�ساتها املعرفية واالأكادميية، قم بزيارة الرابط

www.shebacss.com/ar/advisors.php?id=31 :التايل

يت�سمن موقعنا على �سفحته الرئي�سية نافذة جانبية با�سم »ا�ستفتاء«، وحتوي ا�ستطلع راأي حي وتفاعلي حول اأهم الق�سايا وامل�ستجدات

على ال�ساحة اليمنية واالإقليمية. والهدف هو اإتاحة الفر�سة ملت�سفحي موقعنا وزواره للإدالء باآرائهم ووجهات نظرهم حول ق�سايا خمتلفة

بكل �سفافية. ولعل من املفيد التذكري باأن هذه اال�ستطلعات تتغري ب�سكل دوري وفق تطورات االأو�ساع، بحيث تغطي تباعا اأبرز الق�سايا

املطروحة واملثرية للجدل.

يوفر املوقع االإلكرتوين ملركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية لزواره وللمهتمني بن�ساطاته وفعالياته، نافذة متخ�س�سة مبتابعة واإبراز الفعاليات

واالأن�سطة التي ينظمها املركز اأو ينوي تنظيمها م�ستقبل وفق خطته البحثية. وت�سمل هذه االأن�سطة والفعاليات: املوؤمترات االإقليمية والدولية،

باالإ�سافة اإىل الندوات وور�س العمل وحلقات النقا�س واالجتماعات املختلفة والتي ينظم بع�سها بالتعاون مع اأبرز مراكز االأبحاث العربية

والعاملية، ناهيك عن املحا�سرات العامة التي يلقيها خرباء مينيني وعرب واأجانب يف �ستى املجاالت والتخ�س�سات.

بغر�س تزويد مت�سفحي وم�سرتكي املوقع االإلكرتوين للمركز بكل امل�ستجدات اخلربية واالإعلمية، مت تخ�سي�س هذه النافذة )التي تكاد

تكون موقعا م�ستقل بذاته( ملتابعة اآخر االأخبار يف ال�سحافة وو�سائل االإعلم اأوال باأول، وعر�سها على املوقع على مدار ال�ساعة باللغتني

العربية واالإجنليزية كما وردت من م�سادرها. وغايتنا هي متكني مرتادي املوقع من معاي�سة احلدث ومتابعة تطوراته خلل خمتلف

مراحله، ومن روؤى ومنطلقات متعددة. ويجري اختيار االأخبار والتقارير بعناية وحرفية من م�سادر متعددة �سمن اآلية للمتابعة اليومية لكل

من: وكاالت االأنباء العربية والعاملية، اأهم ال�سحف العربية واالأجنبية، مواقع اإخبارية متخ�س�سة، وغريها من امل�سادر.

www.shebacss.com/ar/news.php :للإطلع على حمتويات املركز االإعلمي املتجددة، قم بزيارة الرابط التايل

اأنو�س اإحت�سامي )اإيران/بريطانيا(

اإبراهيم �سيف )االأردن(

اإن�ساف عبده قا�سم مر�سد )اليمن(

باقر النجار )البحرين(

جرد نونيمان )اململكة املتحدة(

جلل فقرية )اليمن(

ح�سني علي حممد )ال�سومال(

خلدون النقيب )الكويت(

ر�سوان ال�سيد )لبنان(

�سامل بن تبوك )عمان(

�سوكت اأ�ستي )لبنان(

عبد الغفار فرح )ال�سومال(

عبداخلالق عبداهلل )االإمارات(

عمرو حمزاوي )م�سر(

فائزة بن حديد )اجلزائر(

لبنى امل�سيبلي )اليمن(

مارينا اأوتاوي )الواليات املتحدة(

حمجوب الزويري )االأردن(

حممد اأحمد الزعبي )�سورية/اأملانيا(

حممد االأفندي )اليمن(

حممد احلاوري )اليمن(

حممد �سالح قرعه )اليمن(

حممد عبد ال�سلم )م�سر(

حممد الرميحي )الكويت(

ملحم �ساوؤول )لبنان(

الهيئة ال�ست�سارية

ي�سدر مركز �سباأ للدرا�سات

االإ�سرتاتيجية اأربع �سال�سل

درا�سات حمكمة باللغتني

العربية واالجنليزية تعنى

بال�سوؤون االإ�سرتاتيجية

وال�سيا�سية واالقت�سادية

واالجتماعية، وتركز هذه

ال�سل�سل ب�سكل اأ�سا�سي على

اليمن، وجمالها احليوي

الذي ي�سم الدول املطلة

على البحر االأحمر ودول

اخلليج )دول جمل�س التعاون

اخلليجي، واإيران، والعراق(

ومنطقة ال�سرق االأو�سط

و�سمال اأفريقيا، واللعبني

الدوليني الرئي�سيني. كما

يندرج حتت هذا الت�سنيف

�سل�سلتني اأخريني،

هما: �سل�سلة اأوراق

بحثية، وهي

�سل�سلة اأوراق

غري دورية وغري

حمكمة، تتناول

بالتحليل والتقومي

ق�سايا ال�ساعة

ذات الطابع

الهام، مبا من �ساأنه تقدمي

روؤية اأو�سع ل�سناع القرار

واملهتمني من االأكادمييني

والباحثني. وكذلك �سل�سلة

ر�سائل جامعية، التي

تهتم بن�سر ر�سائل املاج�ستري

واأطروحات الدكتورة

اجلامعية املتميزة يف

املجاالت

التي تقع �سمن اهتمامات

املركز، بهدف خلق

تراكم علمي ومعريف لدى

املخت�سني واملهتمني بهذه

املجاالت، واإتاحة الفر�سة

ل�سناع القرار والنخب

العلمية والثقافية يف املجتمع

لل�ستفادة من نتائجها.

�سال�سل الدرا�سات

نظرة على اإ�سداراتنااألق

توفر هذه النافذة اإطللة عامة

على الكتب التي ين�سرها مركز �سباأ

للدرا�سات االإ�سرتاتيجية، �سواء باللغة

العربية اأو االإجنليزية، يف املجاالت

املختلفة ال�سيا�سية واالإ�سرتاتيجية

واالقت�سادية واالجتماعية. وبع�س هذه

الكتب متاح بالكامل

للتنزيل املجاين.

الكــتــب

■ اقراأ تغطية مكثفة للموؤمتر البحثي الذي نظمه مركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية على مدار يومي 17-18 اأيار/مايو، والذي حمل عنوان: »�ليمن

2010: �ل�سيا�سة و�ملجتمع«. )التغطية االإعلمية الأن�سطة املركز وفعالياته املختلفة متوفرة يف نافذة »ت�سريحات واأخبار«(

■ ما مدى قوة �حلر�ك �جلنوبي يف �ليمن؟ وما هي �أهد�فه؟ وما هي �ملبادر�ت �لتي طرحت وميكن لها �أن حتل هذه �مل�سكلة؟ حتليل م�سرتك

اأعده كل من: الباحث يف املركز حممد �سيف حيدر، والباحثة نيكول �سرتاكه

من مركز اخلليج للأبحاث بدبي )ورقة بحثية متاحة على »واجهة ال�سفحة

الرئي�سية« للموقع باللغتني العربية واالإجنليزية، كما جتد ن�سخة منقحة منها

من�سورة يف هذا العدد من »مدارات ا�سرتاتيجية«(.

■ اطلع على اأحدث اإ�سداراتنا �سمن �سل�سلة درا�سات اجتماعية، درا�سة حمكمة بعنوان »�لآلية �ل�سرعية ملكافحة �لف�ساد« للباحث حممد غالب

ال�سرعبي. )متوفرة مع اإمكانية حتميلها جمانا يف �سفحة: املطبوعات/

�سل�سل الدرا�سات/�سل�سلة درا�سات اجتماعية(

■ كيف ميكن �لتعامل مع م�سكلة �لبطالة يف �لعامل �لعربي، وما هي �أهم �لتحديات �لتي تثريها هذه �ملع�سلة بالن�سبة للحكومات و�ملجتمعات

�لعربية، وما �ل�سبل �لناجعة لتجاوزها؟ مقاربة اقت�سادية لق�سية مهمة

تقوم بها الباحثة يف وحدة الدرا�سات االقت�سادية اأروى اأحمد البعداين )ورقة

متاحة يف نافذة »حتت املجهر«(.

■ ما حقيقة �ملوقف �لأمريكي من م�ساألة �ن�سمام �ليمن ملجل�ض �لتعاون �خلليجي؟هذا ما يحاول تو�سيحه الباحث يف وحدة الدرا�سات اال�سرتاتيجية

عاي�س علي عوا�س )حتليل متوفر يف نافذة »حتليلت �سيا�سية«(.

■ �قر�أ خال�سة لقاء �لعمل الذي نظمه املركز باال�سرتاك مع برنامج منتدى اليمن باملعهد امللكي لل�سوؤون الدولية )�ساتام هاو�س(، يف 6 ني�سان/اأبريل

2010. والذي يحمل عنوان »�ليمن و�ملنطقة و�لعامل: ت�سور�ت �مل�سالح

�لإقليمية و�لدولية« )ا�ستخل�س متوفر على »واجهة ال�سفحة الرئي�سية«

للموقع باللغتني العربية واالإجنليزية، كما جتد ن�سخة منقحة منه �سمن

مقاالت هذا العدد من »مدارات ا�سرتاتيجية«(

تت�سمن هذه النافذة حتليلت

مكثفة يقدمها باحثو املركز حول حدث

�سيا�سي حايل الفت اأو ق�سية جديرة

باالنتباه، ومن املحتمل اأن يكون لها

ت�سمينات اإ�سرتاتيجية

على املديني املتو�سط اأو البعيد.

حتليالت �سيا�سية

يتيح موقع املركز لزواره

ومت�سفحيه جملة »مدارات

ا�سرتاتيجية« مع اإمكانية حتميلها

جمانا، �سواء ب�سكل مفرد )اأي كل

مقال على حدة(، اأو تنزيل اأعداد

املجلة كاملة.

مدارات ا�سرتاتيجية

خمتارات من جديد موقعنا

اأخبار وحتليالت ووجهات نظر

�ساركنا براأيك على shebacss.com بالت�سويت على اأحدث اال�ستفتاءات التفاعلية:

»هل تتوقع �أن ت�سل �ل�سلطة و�ملعار�سة يف �ليمن �إىل �تفاق حول �نتخابات ني�سان/�أبريل 2011؟«

ت�سويت تفاعلي

Page 5: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 8 9ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

لن�ساعد اأنف�سنا اأول

�أحمد عبد�لكرمي �سيف

رئي�س التحرير

يواكـــب اإ�ســـدار هـــذا العـــدد احتفـــاالت اليمـــن واليمنيـــني

بالذكـــرى الع�سرين لوحدتهم، والتي – كمـــا يعرف اجلميع - مل تتحقق

بـــني ليلـــة و�سحاها بل متخ�ست بعد والدة ع�سرية، ويف ظـــروف جيو�سيا�سية اإقليمية وعاملية غاية

يف التعقيـــد، وكان حتققها اأ�سبه مـــا يكون مبعجزة بحق. ومن ينظر اإىل ما م�سى من زمن، يتواله

�سعـــور باأن وحدة اليمن قد تعهدتهـــا عناية ال�سماء باعتبارها كائنـــة يف �سمائر اليمنيني جميعا،

�ســـاء من �ســـاء وكره من كره. غري اأن هـــذا ال يعني بحال اأن الو�سع بات اليـــوم على ما يرام، واأن

الوحدة لن تواجه حتديات �سعبة ومزعجة حتاول اأن تنال من قيمتها ومعانيها ال�سامية، فنحن يف

عـــامل الدولة القومية وما بعدها مطالبون باأن نتحـــرك وفق مفاهيم وذهنيات جديدة؛ فل وحدة

قومية من دون روابط جمعوية ي�سرتك فيها جميع اأبناء الوطن الواحد، وياأتي يف مقدمتها روابط

املواطنة املت�ساوية، والعدالة االجتماعية، وخ�سوع اجلميع بل ا�ستثناء ل�سلطة القانون.

وبالنظـــر اإىل التحديـــات التـــي تواجهها اليمـــن حاليا، فقد ت�سنـــى يل موؤخرا ح�ســـور عدد من

االجتماعـــات التـــي ناق�ست هـــذه التحديات مبختلـــف ت�سعباتهـــا ورهاناتها، وتركـــزت كلها حول

اأو�ســـاع اليمـــن وكيفية م�ساعدة املجتمع الدويل لليمن للخروج مـــن اأزماته املت�سعبة. فقد �ساركت

يف فريـــق “اأ�سدقـــاء اليمن” )جمموعة العدالـــة وحكم القانون(، وجمعنا كذلـــك لقاء مع املعهد

امللكـــي لل�سوؤون الدولية )�ساتام هاو�س(، وكذلك مع مركز اإنيغما للتحليل الع�سكري، ومع موؤ�س�سة

كارنيغي لل�سلم العاملي وغريها، وكل ذلك كان خلل االأ�سابيع القليلة املا�سية.

ويف جميـــع هذه اللقاءات كان هناك اإجماع على ت�سخي�ـــس م�ساكل اليمن امللحة على اختلفها.

ومـــع االإقـــرار باحلاجة اإىل تبني منهج متكامـــل ينظر اإىل، ويتناول، م�ســـاكل اليمن ب�سمول وعلى

مـــدى طويـــل، ومع موافقة اأطراف مينيـــة ر�سمية وغري ر�سمية على مثل هـــذا املنهج وعدم النظر

اإىل اليمـــن مـــن زاويـــة االأمن واالإرهاب فقـــط، اإال اأن ذلك ال مينع من الف�سل مـــا بني هذا املنهج

ال�سامـــل الطويل االأجل وبـــني احلاجة العاجلة ملعاجلة بع�س الق�سايـــا ذات الطبيعة امللحة، والتي

ت�ستدعي من املجتمع الدويل م�ساعدة اليمن فيها على وجه ال�سرعة، باعتبارها ال حتتمل التاأجيل،

اأو املعاجلة على املدى الطويل.

وياأتـــي على راأ�س هـــذه الق�سايا م�ساألة تفعيـــل اإدارة االأجهزة احلكومية، وتنميـــة واإدارة املوارد

املائيـــة، ومعاجلة العجز يف الطاقة الكهربائيـــة، وتعزيز اأمن املواطن، وتخفيف م�ستويات الف�ساد

غـــري امل�سبوقة، ف�سل عـــن اإ�سلح التعليم ب�سكل عام، وب�سط �سلطة وهيبة الدولة. واأخريا، ولي�س

اآخرا، حظر تعامل القبائل واالأفراد ب�سكل مبا�سر، اأو غري مبا�سر، مع جهات خارجية االأمر الذي

ينعك�س �سلبـــا على الدولة و�سيادتها، وي�سعف ال�سلطة املركزيـــة با�ستقواء هذه االأطراف �سيا�سيا

وماليا باخلارج.

لـــذا، يفرت�س العمل �سريعا على م�سارات متعددة: ق�سرية وطويلة االأجل مل�ساعدة اليمن للتغلب

على م�ساكله واأزماته، وقبل كل هذا على اليمن اأن يكون راغبا وم�ستعدا مل�ساعدة نف�سه اأوال ليمكن

االآخرين من تقدمي امل�ساعدة.

ةيـ

حتا

فت�إ

اليمن والعامل

�سيا�سات وا�سرتاتيجيات واأفكار

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

Page 6: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 10 11ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

احلراك اجلنوبي فـي اليمن

املكونات، عوامل ال�ضعف، ومبادرات احلل

عني على اليمن فـي 60 يوماحتليلت

اليمن والعامل

وجهات نظر

»الوحـــدة اأو املوت« هـــو ال�سعار الذي كتـــب اإىل جوار

�سورة الرئي�س علي عبد اهلل �سالح يف اإحدى اللفتات

االإعلنيـــة الواقعـــة على �ســـارع ال�سبعـــني بالعا�سمة

�سنعـــاء. وبهـــذا ال�سعار، مل تـــرتك الدولـــة الأحد اأي

جمـــال لل�سك باأن الدفاع عن الوحدة اليمنية ياأتي يف

مقدمـــة االأولويات. ويف نف�س الوقـــت، ت�سدر تقارير

منتظمة تتحدث عن ح�سول ا�ستباكات بني مواطنني

مينيـــني يف اجلنوب والقـــوات التابعـــة للدولة، يف كل

مـــن حمافظات حلج و�سبوة وال�سالـــع واأبني، وهو ما

يعطـــي انطباعا باأن ثمة م�سكلة اأمنية متزايدة ناجتة

عـــن احلراك اجلنوبـــي، مع اإمكانية حتـــدي ال�سلطة

و�سرعية احلكومة يف �سنعاء ف�سل عن �سرعية وحدة

اليمن برمتهـــا. لكن ما مدى قـــوة احلراك اجلنوبي

يف اليمـــن؟ وما هي اأهدافـــه؟ وما هي املبادرات التي

طرحت وميكن لها اأن حتل هذه امل�سكلة؟

نيكـــول �سرتاكـــه باحثـــة يف ق�ســـم االأمـــن واالإرهـــاب مبركـــز اخلليـــج

للأبحـــاث، دبي؛ و حممد �سيـــف حيدر باحث مبركز �سبـــاأ للدرا�سات

االإ�سرتاتيجية، �سنعاء – اليمن.

نيكول �سرتاكه و حممد �سيف حيدر

[email protected] [email protected]

اإن االحتجاجـــات التي تقوم بهـــا اجلماعات اليمنية

اجلنوبيـــة املعار�ســـة �سد احلكومـــة املركزية لي�ست

ظاهـــرة جديدة يف اليمـــن؛ اإذ بـــداأت االحتجاجات

واملظاهرات املنظمة بعد انتهاء حرب 1994 االأهلية،

وما زالت م�ستمرة حتى اليوم. ففي عام 1997 ت�سكلت

جلان �سعبيـــة انتقدت ت�سرفـــات احلكومة املركزية

ونظـــام االإدارة املتبـــع يف جنوب البـــلد. ويف كانون

االأول/دي�سمرب 2003 بـــداأ »ملتقى اأبناء املحافظات

اجلنوبية وال�سرقية« املطالبة بامل�ساواة بني املواطنني

اليمنيني يف كل من ال�سمال واجلنوب، ومنح ال�سلطات

املحلية يف اجلنـــوب املزيد من ال�سلحيات، والكف

عـــن تهمي�س اجلنوبيـــني يف العمليـــة ال�سيا�سية. ويف

كانون الثاين/يناير 2006 بداأت جمموعة من �سباط

اجلي�ـــس اجلنوبيني املتقاعديـــن التجمع للحتجاج،

االأمـــر الـــذي كان مبثابـــة حجـــر االأ�سا�ـــس »جلمعية

�ست يف عام 2007. الع�سكريني املتقاعدين« التي اأ�سر

Page 7: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 12 13ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

=ويف بحثنـــا متكنـــا من التعرف علـــى املكونات واملجموعـــات الرئي�سية

املن�سويـــة يف احلـــراك اجلنوبي، وميكن القول اإن هنـــاك ما ال يقل عن

�سبع من هذه املجموعات تعمل يف جنوب اليمن، وهي:

- الهيئـــة الوطنية العليـــا ال�ستقلل اجلنوب: ويقودهـــا العميد املتقاعد

نا�سر علي النوبة، وهو الرئي�س ال�سابق جلمعية املتقاعدين الع�سكريني.

وتن�سط هذه املجموعة يف حمافظتي �سبوة، وال�سالع، ولها ن�ساط اأقل يف

حمافظتي اأبني وح�سرموت.

- املجل�ـــس الوطنـــي االأعلـــى لتحرير اجلنـــوب: وهو حتت قيـــادة ح�سن

اأحمـــد باعوم )الذي يتلقـــى العلج حاليا خارج اليمـــن، وينوب عنه يف

اأداء مهامه: حممد �سالح طماح(. وتن�سط هذه املجموعة يف حمافظتي

ال�سالع، وحلج، كما اأن لها ح�سور يف كل من ح�سرموت، واأبني. وتربط

املجل�ـــس علقات بجماعة التجمـــع الدميقراطي اجلنوبـــي )تاج( التي

تتخذ من لندن مقرا لها.

- حركـــة الن�سال ال�سلمـــي اجلنوبي )جناح(: ويقودهـــا كل من �سلح

ال�سنفرة ونا�سر اخلبجـــي، وهما ع�سوان يف جمل�س النواب اليمني ويف

احلزب اال�سرتاكي اليمنـــي. وتعترب هذه املجموعة من اأكرث املجموعات

اجلنوبيـــة تنظيما، وتعـــول يف ن�ساطها ب�سكل كبري علـــى قواعد احلزب

اال�سرتاكي وكوادره اجلنوبية. ويرتكز ن�ساط حركة جناح ب�سكل اأ�سا�سي

يف ال�سالع وحلج واأبني.

- احتـــاد �سباب اجلنوب: وهو بقيادة فـــادي ح�سن باعوم، الذي حكمت

عليـــه اإحدى املحاكـــم اليمنيـــة يف 21 اآذار/مار�ـــس 2010 بال�سجن ملدة

خم�س �سنوات. وقد اأن�سئ احتاد �سباب اجلنوب يف البداية كاأحد مكونات

املجل�ـــس الوطنـــي االأعلـــى لتحرير اجلنوب الـــذي يقوده ح�ســـن باعوم،

والـــد فادي )كان االأخري يراأ�س الدائـــرة ال�سبابية يف املجل�س املذكور(،

ولكـــن ن�ساط االحتاد اأخذ يت�سع مع مرور الوقت، وبداأ ياأخذ طابعا اأكرث

ا�ستقلليـــة من الناحية التنظيمية. وين�سط احتاد �سباب اجلنوب حاليا

يف عدد من املحافظات، ومنها �سبوة واأبني وحلج وال�سالع وح�سرموت؛

وتربطه علقات بحركة »تاج« يف لندن)1(.

- الهيئـــة الوطنية للن�ســـال ال�سلمي اجلنوبي: ويراأ�سهـــا الدكتور �سالح

يحيـــى �سعيـــد، وهو اأ�ستـــاذ علم االجتمـــاع بجامعة عـــدن. وتن�سط هذه

املجموعة ب�ســـكل اأ�سا�سي يف مدينة عدن )ال�سيما بني النخب

واالأكادمييـــني وبع�س النا�سطـــني ال�سيا�سيني(، ولها وجود يف

اأبـــني، وحلـــج، و�سبوة. كما اأن لها روابـــط مبجموعة »تاج« يف

لندن.

- جمل�ـــس قيـــادة الثـــورة ال�سلميـــة: وهو حتت قيـــادة ال�سيخ

طـــارق الف�سلي. كان املجل�س حتى وقـــت قريب ين�سط ب�سكل

اأ�سا�ســـي يف حمافظة اأبني وعا�سمتها زجنبار، وكان له وجود

ما يف حمافظة �سبوة. لكن هذا الف�سيل، الذي اأراده الف�سلي

تنظيمـــا جامعا لقـــوى احلراك اجلنوبي، �سرعـــان ما اندمج

بـــدوره مطلع العام 2010 يف مكونات جمل�س احلراك ال�سلمي

لتحرير اجلنوب.

- جمل�س احلـــراك ال�سلمـــي لتحرير اجلنوب:

اأ�س�ـــس هذا الكيان يف �سهر كانون الثاين/ يناير

2010 كمظلـــة جامعـــة ملعظم مكونـــات وهيئات

احلراك اجلنوبي، التي اأعلنت اندماجها مكونة

هـــذا املجل�ـــس، وت�سم قيـــادة جمل�ـــس احلراك

ال�سلمـــي لتحريـــر اجلنـــوب - بح�ســـب بيـــان التاأ�سي�ـــس - معظـــم قادة

احلـــراك، والتي اتفقـــت فيما بينها علـــى اأن يكون ح�سن باعـــوم رئي�سا

للمجل�س، واأن يكون ال�سيخ طارق الف�سلي نائبا له.

ويبـــدو اأن للمجل�ـــس قنـــوات ات�ســـال مبا�سرة مـــع القيـــادات اجلنوبية

التاريخيـــة املوجودة يف اخلـــارج، ويف مقدمتها علي �سامل البي�س، الذي

اعتربه بيان التاأ�سي�س، »الرئي�س ال�سرعي لدولة اجلنوب«. لكن با�ستثناء

الت�سريحـــات والبيانـــات، مـــا زال املجل�ـــس خامـــل، وتاأثـــري قيادته يف

ف�سائـــل احلراك املختلفة حمدودا. وتبقـــى فر�س �سموده لفرتة طويلة

حمل �سك. - ال�سابقة التجارب �سوء – يف

العوامل امل�ساهمة يف اإ�سعاف احلراك اجلنوبي

افتقار احلراك للقيادة املوحدة والتنظيم املركزي

بالرغـــم مـــن توحد قـــوى احلـــراك اجلنوبـــي يف معار�ستهـــا للحكومة

املركزيـــة، واملطالبة مبنح فر�ـــس مت�ساوية الأبناء اجلنـــوب. لكن، فيما

عـــدا ذلك، فاإن اخللف والتفكك بني جمموعات احلراك يبدو وا�سحا

يف اإ�سرتاتيجياتهـــا وتكتيكاتهـــا. فاحلـــراك عبارة عن تطـــور لعدد من

املجموعـــات امل�ستقلة، والتـــي لي�س لها حاليا – ورغـــم حماوالت الدمج

)1( هنـــاك جمموعتني جنوبيتني معار�ستـــني تن�سطان خارج اليمن، وكلهما

يف اململكـــة املتحدة: حركـــة »التجمع الدميقراطي اجلنوبـــي - تاج« يف مدينة

لندن، و»الهيئة الوطنية لدعم احلراك اجلنوبي« يف مدينة �سيفيلد.

حتليلت اليمن والعامل

بالرغــم مــن توحد قــوى احلــراك اجلنوبــي يف معار�ستهــا للحكومة املركزيــة، واملطالبــة مبنح فر�ص

مت�ساويــة لأبنــاء اجلنــوب. لكن، فيما عــدا ذلك، فاإن اخلــالف والتفكك بن جمموعــات احلراك يبدو

وا�سحا يف اإ�سرتاتيجياتها وتكتيكاتها

املختلفـــة - جمل�س مركزي يعمل على تطوير اأجندتها امل�سرتكة وتن�سيق

اأن�سطتها. كمـــا اأن معظم تلك الهيئات واملجموعـــات التي تقوم باأعمال

انف�ساليـــة تعمـــل يف الغالب ب�ســـورة م�ستقلة، بل وتتناف�ـــس مع بع�سها

البع�س. وبهذا، جند اأن احلراك يت�سف باالنق�سامات ال�سديدة، اإذ اأن

قيادة كل جمموعة حتاول فر�س اأجندتها اخلا�سة بها.

علوة على ذلك، ال يبدو اأن اجلماعات االنف�سالية تختلف يف اأجندتها

ال�سيا�سيـــة فح�سب، بل اأي�سا يف معتقداتهـــا واأيديولوجياتها ال�سيا�سية.

فبينما القادة يف عدن وحلج وال�سالع هم يف االأ�سا�س عنا�سر ا�سرتاكية

و�سبـــاط ع�سكريني متقاعديـــن، جند اأن املجموعـــات املوجودة يف اأبني

و�سبوة خ�سو�سا تتاأثر بعوامل قبلية ودينية.

بذلت يف املا�سي القريب العديد من املحاوالت لتوحيد مكونات احلراك

اجلنوبـــي، لكن معظم هذه املحاوالت بـــاءت بالف�سل. وقد حاولت بع�س

اجلماعات – مثل »جمل�س قيادة الثورة ال�سلمية« بقيادة اجلهادي ال�سابق

ب نف�سها ممثل رئي�سيا لكل والزعيـــم القبلي طارق الف�سلي – اأن تن�سر

اجلنوب. وموؤخرا حاولت جماعة الف�سلي االندماج مع »جمل�س احلراك

ال�سلمـــي لتحرير اجلنوب«، لكن مل يتـــم االعرتاف ال بالف�سلي وال غريه

من قادة املجموعـــات والهيئات االأخرى كممثلني �سرعيني مل�سالح اأبناء

اجلنوب. اإ�سافة اإىل ذلك، اأظهر االجتماع الذي عقد يف كانون الثاين/

ينايـــر 2010 بني الرئي�سني ال�سابقني لليمـــن اجلنوبي علي �سامل البي�س

وعلـــي نا�سر حممد يف بريوت، مدى ال�سعوبـــات التي تقف حائل اأمام

اإمكانية توحيد عنا�سر املعار�سة اجلنوبية.

وبالنظـــر يف االجتاهـــات احلالية، يبـــدو اأن ف�سائل احلـــراك اجلنوبي

اآخذة يف التكاثر والنمو من حيث عدد اأع�سائها واأن�سارها واملتعاطفني

معهـــا، هـــذا عدا عـــن تو�ســـع �سبكاتهـــا واأن�سطتهـــا يف املـــدن اجلنوبية

الرئي�سية. وبينما كانت اأن�سطة معظم تلك املجموعات تقت�سر يف مطلع

�سنـــة 2008 على مناطق معينة اأو حمافظة واحدة، لكن هذا تغري خلل

العام املن�سرم وبداأ نطاق االأن�سطـــة االنف�سالية يت�سع عرب املحافظات

اجلنوبيـــة، حيـــث اأ�سبحت معظم الهيئات ن�سطـــة االآن يف ما ال يقل عن

ثلث حمافظات من املحافظات اجلنوبية )ال�سالع وحلج واأبني(.

مع ذلك، تختلف ال�سبع الف�سائل الرئي�سية كثريا من حيث القوة والتاأثري

الفعلـــي. ويبدو اأن كل من »حركة جناح« بقيادة �سلح ال�سنفرة ونا�سر

اخلبجي، و«جمل�س قيادة الثورة ال�سلمية« بزعامة الف�سلي، هما االأقوى

من حيث عدد اأن�سارهما الذين يعدون باالآالف يف اأبني وال�سالع وحلج،

وباملئات يف حمافظة �سبوة، وقـــد اأظهرت احلركتان قدرة متنامية على

جتنيد النا�سطني وحتريـــك املوؤيدين واالأن�سار. لكن م�ساألة �سرعيتهما

مـــا تزال غـــري حم�سومـــة. فالكثري من اأبنـــاء اجلنوب، مثـــل، ينظرون

اإىل قيـــادة الف�سلي بعني من ال�ســـك. وباعتبار الف�سلي ع�سوا �سابقا يف

احلـــزب احلاكم )املوؤمتر ال�سعبي العـــام( وجمل�س ال�سورى، فاإنه ينظر

لـــه ب�سكل وا�سع على اأنه جمرد انتهازي ي�سعـــى حماوال تعزيز م�سلحته

ال�سخ�سيـــة. وال ي�ستبعد معظم النا�س يف اجلنـــوب اأن الف�سلي �سيوقف

اأن�سطتـــه املناه�ســـة للدولـــة اإذا مـــا ح�ســـل علـــى عر�س مغـــر من قبل

احلكومـــة، مينحه املزيد من التاأثري ال�سيا�ســـي وير�سي اأطماعه لتملك

االأرا�سي التي هي حمل نزاع.

وبالن�سبـــة لكل مـــن »املجل�س الوطنـــي االأعلى لتحرير اجلنـــوب«، الذي

يتزعمـــه ح�سن باعوم، و«احتاد �سباب اجلنوب« بقيادة ابنه فادي ح�سن

باعوم، فاإنهما ميتلكان القدرة على اأن يكونا اأكرث قوة م�ستقبل، وب�سفة

خا�سة »احتاد �سباب اجلنوب« الذي يعترب الف�سيل الوحيد الذي ميتلك

برناجمـــا �سيا�سيا لل�سباب، ومن املتوقع اأن يجـــذب املزيد من االأع�ساء

يف امل�ستقبل.

اأمـــا »الهيئة الوطنيـــة العليا ال�ستقـــلل اجلنوب« بقيـــادة العميد نا�سر

النوبـــة، فيبدو اأن تاأثريها حمدود جدا. رغـــم اأن النوبة كان واحدا من

اأوائل الذين قادوا االحتجاجات التي قام بها �سباط اجلي�س اجلنوبيني

عام 2007، والتي كانت يف بداية االأمر تنظم من قبل »جمعية املتقاعدين

الع�سكريـــني اجلنوبيني«. وقد اعرت�س بع�س ال�سبـــاط املتقاعدين على

تـــويل النوبة القيـــادة، اإذ �سككوا يف �سرعيته كمتحـــدث ر�سمي جلمعية

املتقاعديـــن الع�سكريني، وانتقـــده البع�س االآخـــر ملغادرته اليمن خلل

احلـــرب االأهلية عام 1994. ونتيجـــة لذلك، انق�سمـــت جمعية ال�سباط

املتقاعديـــن وم�سى العميـــد النوبـــة يف تاأ�سي�س »الهيئـــة الوطنية العليا

ال�ستقلل اجلنوب«. وعندما بادرت الدولة باإعادة بع�س �سباط اجلي�س

ال�سابقني اإىل �سفوف القـــوات امل�سلحة، ورفع معا�سات التقاعد للبع�س

االآخر، فقدت هذه الهيئة بع�سا من تاأثريها.

افتقار احلراك اجلنوبي لدعم خارجي حا�سم

يف بادئ االأمر، قالـــت بع�س ف�سائل احلراك اجلنوبي اأنها تتلقى دعما

ماديـــا من بع�س اجلاليات التجارية اجلنوبية املقيمة يف اأماكن خمتلفة

مـــن العامل. واحلقيقـــة اأن جمموعة جنوبية معار�ســـة كانت قد متكنت

مـــن اإطلق وت�سغيل قناة تلفزيونيـــة ف�سائية مقرها يف اململكة املتحدة،

�سميـــت »قناة عدن احلرة«، وخلل فرتات بثها كانت حتر�س على فكرة

االنف�ســـال. وبثت القناة اأي�سا بيانات لرئي�ـــس اليمن اجلنوبي ال�سابق،

علي �سامل البي�س.

وعلـــى اأية حال، فـــاإن ال�ســـورة تغـــريت االآن. اإذ اأن الف�سائل اجلنوبية

املختلفـــة تفتقر حاليا اإىل اأي دعم خارجي اأ�سا�سي. فاأيا من احلكومات

العربيـــة اأو اخلليجيـــة مل تبد اأن لهـــا م�سلحة اأو رغبـــة يف دعم تق�سيم

اليمن، لعدة اعتبارات:

- فاليمن املق�سم لن يتفكك بال�سرورة اإىل مينني فقط – �سمال وجنوب

– ولكن من املرجح اأن يكون هناك عدد من الكيانات. واإذا ما مت ذلك، فاإنـــه �سي�سجع على انت�سار املزيد مـــن العنف، لي�س فقط بني ال�سماليني

واجلنوبيـــني واإمنا بني اجلنوبيني اأنف�سهم، االأمر الذي �سيوؤدي اإىل عدم

اال�ستقـــرار ورمبـــا يت�سبب يف اندالع حـــرب اأهلية، و�سيفتـــح الباب على

م�سراعيه للتدخل اخلارجي الذي �سيوؤدي بدوره اإىل زعزعة اال�ستقرار

Page 8: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 14 15ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

يف منطقة اخلليج باأ�سرها.

- اإن بع�س دول املنطقة ت�سك يف اأن احلراك االنف�سايل يف اليمن مدفوع

اأ�سا�سا بهـــدف ال�سيطرة على املوارد االقت�سادية للبلد، خا�سة املوارد

ـــع على ظهور جماعـــات قبلية النفطيـــة منها. وجناح احلـــراك �سي�سجر

وطائفيـــة اأخرى يف منطقة اخلليج ت�ستهدف �سيـــادة اأرا�سي بع�س دول

اخلليج، وهو ما ال يرغب اأي نظام حكم يف اخلليج اأن يراه يتحقق.

- كما اأن عدم وجود دعم من قبل القوى الدولية للحراك اجلنوبي يوؤثر

اأي�سا يف مواقف دول اجلوار االإقليمي.

ويف احلقيقـــة اأن دول اخلليـــج اأعطت اإ�سارات وا�سحـــة تنم عن دعمها

للحكومة املركزية يف اليمن، ووحدة االأرا�سي اليمنية و�سلمتها. فخلل

انعقاد قمة دول جمل�س التعاون اخلليجي يف كانون االأول/دي�سمرب 2009

يف الكويـــت، اأكدت الـــدول ال�ست االأع�ســـاء يف جمل�س التعـــاون للقيادة

اليمنيـــة دعمهـــا الكامـــل لوحـــدة اليمـــن وا�ستقرارها. و�ســـددت بع�س

الـــدول، مثل ال�سعوديـــة، على اأن احلفاظ على الوحـــدة اليمنية يعد من

اأهم االأولويات.

وقـــد قابـــل هـــذه االلتزامـــات العلنيـــة، فعل حا�ســـم يف دعـــم احلكومة

اليمنيـــة. ففـــي ني�سان/اأبريـــل 2009 قيل اأن القيـــادة اليمنية طلبت من

اململكـــة العربيـــة ال�سعودية اأن متنـــع قياديني مينيـــني جنوبيني �سابقني

يقيمان يف اململكة من ممار�سة اأي ن�ساطات �سيا�سية م�ساندة للجماعات

االنف�ساليـــة. وبعـــد �سهريـــن مـــن ذلك، طلبـــت اليمن مـــرة اأخرى من

ال�سلطـــات ال�سعوديـــة امل�ساعدة يف منع الدعم املايل الـــذي قيل اأنه يتم

اإر�سالـــه لبع�ـــس اجلماعات اجلنوبية من قبل �سعوديـــني من اأ�سل ميني

ومواطنـــني مينيني يعي�ســـون يف اململكة. ويعتقـــد اأن ال�سلطات ال�سعودية

قد جتاوبت ب�سكل اإيجابي مع مطالب احلكومة اليمنية، وعملت ب�سرعة

علـــى منع الن�ساطات ال�سيا�سيـــة املزعومة، كما تعاملت بحزم مع ق�سية

التمويل غري امل�سروع )للنف�ساليني اجلنوبيني(.

عـــلوة على ذلـــك، ذكـــرت تقاريـــر اأن العاهـــل ال�سعودي عبـــداهلل بن

عبدالعزيـــز اأر�سل خطابا اإىل عدد من رجال االأعمال ال�سعوديني الكبار

)ومعظمهم من اأ�سول مينية جنوبية(، يطالبهم فيه باالمتناع عن دعم

اأي جماعات يف جنوب اليمن.

ل وجود مين موحد وتدعم ول�سلطنة عمان وجهة نظـــر مماثلة، اإذ تف�سر

ذلـــك. ففـــي اأيار/مايو 2009 �سحبـــت ال�سلطات العمانية جـــواز ال�سفر

)اجلن�سيـــة( مـــن علي �سامل البي�ـــس واألغت حق اإقامتـــه يف عمان، وهو

االمتيـــاز الذي ظل يتمتع بـــه منذ عام 1994. وقـــد كان املوقف العماين

وا�سحـــا جدا؛ اإذ �سرحـــت ال�سلطات هناك باأن البي�ـــس خالف �سروط

اللجـــوء ال�سيا�ســـي الذي منح له ب�سرط اأال يـــورط نف�سه يف اأي ن�ساطات

�سيا�سيـــة اأو اأي »عمـــل عدائـــي« �سد بلـــده. ويف اأيار/مايـــو 2009 اأر�سل

ال�سلطـــان قابو�س ر�سالة اإىل الرئي�ـــس �سالح يعرب فيها عن دعم عمان

القـــوي والتزامها بوحـــدة اليمن. وكجـــزء من اجلهـــود املبذولة الإثبات

ت�سامن الدول العربية ودعمها لوحدة اليمن، حتى الزعيم الليبي معمر

القذايف رف�س منح البي�س تاأ�سرية دخول لزيارة ليبيا.

واحلال اأن غياب الدعم اخلارجي جعل من ال�سعب جدا على جمموعات

احلـــراك اجلنوبي حتقيق معار�سة منظمة وفعالة، وحد تاليا من قوتها

وتاأثريها ب�سكل وا�سح:

- فاالفتقار اإىل دعم من هذا النوع يوؤثر يف اإمكانية قيام هذه اجلماعات

بح�سد التاأييد، وتنفيذ حملت دعائية �سخمة.

- كما اأنه يحد من قدرة املجموعات املعار�سة على فتح مكاتب لها داخل

املنطقة وخارجها للتاأثري يف الراأي العام وك�سب التعاطف.

ويف الواقـــع اأن املنا�ســـرة التي حظيت بها ق�سيـــة الوحدة اليمنية داخل

املنطقة وخارجها قـــد اأثرت ب�سكل م�ساد وعك�سي على م�سادر التمويل

اخلا�سة باجلماعات االنف�سالية. ومما ال �سك فيه اأن غياب امل�ساهمات

املالية من خارج البـــلد قد حد من تاأثري هذه اجلماعات، وحرمها من

تطويـــر جمموعات �سغـــط لك�ســـب التاأييـــد اأو اإن�ساء �سحـــف اأو قنوات

ف�سائيـــة لدعـــم ق�سيتها. ورغم اإن�ساء قناة عدن احلـــرة اإال اأن تاأثريها

ظل حمدودا للغاية، نظـــرا لرف�س �سركات القنوات الف�سائية االإقليمية

منحها جماال اإقليميا للبث.

- اإ�سافـــة اإىل ذلك، فاإن غياب الدعم املـــايل يحد كثريا من قدرة هذه

الف�سائل على �سراء اأ�سلحة اأو ت�سكيل ملي�سيات تتحدى بها قوات االأمن

احلكوميـــة. وميكننـــا القول اإن غيـــاب الدعم املايل قـــد ثبط من جهود

توحيد احلـــراك اجلنوبي؛ فلـــو متكنت اإحدى املجموعـــات االنف�سالية

هـــذه من احل�سول على مـــوارد مالية اآمنة ودائمـــة، فاإنها �ستتمكن من

تعزيـــز وتقوية موقعها، ورمبا �سي�سهل لها تاأ�سي�س قيادة مركزية موحدة

ل حتديا خطريا حلكومة �سنعاء املركزية. كانت �ست�سكر

مبادرات حلل ال�سراع يف اجلنوب

الو�ساطة الإقليمية

بذلـــت العديـــد مـــن اخلطـــوات احلـــذرة يف املنطقـــة العربية مـــن اأجل

التو�ســـط يف ال�ســـراع القائـــم بـــني احلكومـــة املركزيـــة واجلماعـــات

ال�سيا�سية اجلنوبية املعار�سة يف داخل اليمن وخارجها. ففي زيارته اإىل

اليمن مطلـــع ت�سرين االأول/اأكتوبر 2009، اأعـــرب االأمني العام جلامعة

الـــدول العربيـــة عمـــرو مو�سى عن التزامـــه بدعم وحدة اليمـــن واأمنها

وا�ستقرارهـــا، وطالب باإجراء حوار وطني �سامل حلل امل�سكلة يف جنوب

اليمـــن. ومنذ ذلك احلني، اأبدت كل مـــن ال�سعودية وم�سر رغبتهما يف

التو�ســـط وحل م�سكلة اجلنوب. ويف ت�سريـــن الثاين/اأكتوبر 2009 توجه

كل مـــن وزيـــر اخلارجية امل�ســـري ومديـــر املخابرات العامـــة امل�سرية

اإىل ال�سعوديـــة، ومـــن ثم اإىل �سنعاء يف زيارة ر�سميـــة، ليعربا عن دعم

بلدهما الكامل للوحـــدة اليمنية، وعر�سا التو�سط حلل امل�سكلة؛ والتقيا

يف القاهرة اأي�سا بعدد من زعماء املعار�سة اليمنية.

اأبعـــد من ذلـــك، فقد ذكرت تقارير اأن )نائب الرئي�ـــس اليمني االأ�سبق(

حتليلت اليمن والعامل

البي�س توا�سل مع االأمني العام عمرو مو�سى، وطلب من اجلامعة العربية

التدخـــل الإنهـــاء امل�سكلة. لكن طلب البي�س املتكـــرر للدعم العربي قوبل

بالرف�ـــس ال�سريح من كل الدول العربية، الأنه يطالب علنية بانف�سال

اجلنوب. ومـــن املحتمل اأن تعمل م�سر، ورمبـــا دول عربية اأخرى، على

منـــع البي�س من امل�ساركـــة يف اأي مفاو�سات م�ستقبلية )ب�ساأن الو�سع يف

جنوب اليمن(. ويف فرتة من الفرتات، طلب البي�س من اإيران امل�ساعدة

والدعـــم، وهو االأمر الذي �سبـــب ا�ستياء �سديـــدا يف اأو�ساط احلكومات

العربية.

وحتـــى �سوريـــة التـــي ربطتهـــا علقـــات تقليدية جيـــدة بقـــادة احلزب

اال�سرتاكـــي يف اليمن اجلنوبي �سابقا - والتي منحت اللجوء لعلي نا�سر

حممـــد وبع�ـــس رفاقه – بذلـــت بع�س اجلهـــود للو�ساطة بني

الطرفـــني. ففي �سباط/فرباير 2010 قام االأمني العام حلزب

البعـــث احلاكم يف �سورية، عبد اهلل االأحمر، بزيارة للعا�سمة

�سنعاء على اأمل امل�ساهمة يف اإيجاد حل �سيا�سي للم�سكلة )يف

جنوب اليمن(.

اإ�سرتاتيجيات احلكومة اليمنية

اأطلقـــت احلكومة اليمنيـــة بع�س املبادرات حلـــل ال�سراع يف

جنـــوب اليمـــن. فبعـــد املوجـــة االأوىل من االحتجاجـــات عام

2007، التـــي قادهـــا ع�سكريون �سابقـــون يف اجلي�س اجلنوبي

املنحـــل، والذيـــن طالبـــوا با�ستيعابهـــم واإعادة

دجمهـــم �سمـــن موؤ�س�ســـات الدولـــة الع�سكرية

واالأمنيـــة، وزيـــادة رواتبهم، حاولـــت احلكومة

التعامل �سريعا مع هذه الق�سية، واأعادت خلل

اأ�سهـــر قليلـــة 2106 �سابطا �سابقـــا اإىل �سفوف

ي البع�س منهم اإىل رتب ع�سكريـــة اأعلى، بينما اأعطي اجلي�ـــس، بل ورقر

االآخرون زيادات يف املعا�سات التقاعدية.

ف�سل عن ذلك، حاولت احلكومة اليمنية فتح حوار مع احلراك اجلنوبي

مـــن خلل ت�سكيل »جلنة معاجلة ق�سايـــا اجلنوب« كجزء من التح�سري

لبدء »احلوار الوطني ال�سامل«. وقيل اأن بع�س ف�سائل احلراك اجلنوبي

ردت ب�سكل اإيجابي على هذه اخلطوة احلكومية.

مـــن ناحيـــة اأخـــرى، اأعلنـــت احلكومة عن ت�سكيـــل جلـــان �سعبية لدعم

�سيا�ساتهـــا حتـــت م�سمى »اللجـــان الوطنية للدفاع عـــن الوحدة« يف كل

املحافظـــات اجلنوبيـــة. وكان الهـــدف من ذلـــك، ح�سد اأبنـــاء اجلنوب

ملواجهـــة تاأثـــري املعار�ســـة واإ�سراك موؤيـــدي املعار�سة بغر�ـــس الرتويج

ل�سيا�سة احلكومة.

حاولـــت احلكومة كذلك اإظهار قلقهـــا واإبداء اهتمامها ب�ساأن الو�سع يف

اجلنوب م�ستخدمة طرقـــا اأخرى. فقد طلبت من حمافظي املحافظات

اجلنوبيـــة واملجال�ـــس املحليـــة تزويدهـــا بقائمـــة مطالبهـــم التي ميكن

مناق�ستهـــا. وبالفعل، بدا اأن معظم مطالـــب النا�س يف اجلنوب مرتكزة

حول املطالبة بـ »امل�ساواة« يف توزيع املنا�سب احلكومية، واحل�سول على

ح�سة عادلة من م�ساريع التنمية الوطنية. واحلقيقة اأن جزءا كبريا من

هذه املطالب، ذو طبيعة اقت�سادية ومالية، من قبيل:

- توجيـــه ن�سبـــة اأعلى من دخل االإنتـــاج النفطي يف املناطـــق اجلنوبية،

لتنمية هذه املناطق.

- تخ�سي�س وظائف يف �سركات النفط الأبناء املحافظات اجلنوبية.

- التوزيـــع لعادل للأرا�سي، واإعادة االأرا�سي امل�سادرة يف اجلنوب بعد

حرب عام 1994.

- املطالبـــة ب�ســـن قوانني متنـــع رجال االأعمـــال ال�سماليني مـــن احتكار

ا�ستثمار القطاع اخلا�س يف اجلنوب.

- توفـــري فر�ـــس وظيفيـــة للمتعلمـــني واملوؤهلـــني اجلنوبيـــني يف القطاع

احلكومي.

- حت�ســـني البنية التحتية االأ�سا�سية يف املحافظات اجلنوبية، ال�سيما يف

قطاعـــات املياه والكهرباء وال�سحة والتعليم )مبا يف ذلك بناء املدار�س

ومعاهد التدريب واجلامعات وامل�ست�سفيات(.

وموؤخـــرا، حتديدا يف مطلع 2010، اأعلنت احلكومة اليمنية عن عدد من

امل�ساريع يف البنية التحتية التي من �ساأنها توليد فر�س عمل جديدة. ويف

ني�سان/اأبريـــل 2010 �سافر الرئي�س �سالـــح اإىل ح�سرموت، حيث اأعلن

عن اإقامة 163 م�سروعا بتكلفة تقدر بحوايل 32 مليار ريال ميني. زيادة

علـــى ذلك، اأعلن الرئي�س �سالـــح يف 22 اأيار/مايو 2010 عفوا عاما عن

معتقلي احلـــراك اجلنوبي يف اإطار احتفاالت البلد بالذكرى الع�سرين

لتحقيق الوحدة.

علـــى اأن معظم اليمنيني يجدون �سعوبة بالغة يف ت�سديق اأن املحاوالت

احلكومية �ستحـــل امل�سكلة )يف اجلنوب(، ويبدون �سكوكهم يف اأنه �سيتم

لي�ص هناك اأدنى �سك حيال اإمكانية تطور احلراك اجلنوبي اإىل اأن ي�سبح حتديا كبريا

يهدد �سرعية احلكومة اليمنية وا�ستقرار البالد، بل وم�ستقبل وحدة الدولة و�سالمتها

يف نهاية املطاف

Page 9: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 16 17ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

تنفيـــذ املطالـــب التي قدمتها املجال�ـــس املحلية اأو امل�ساريـــع التي اأعلنت

عنها احلكومة، واأن �سيئـــا �سيتغري على اأر�س الواقع. ويف املقابل، غالبا

مـــا تتخذ قـــوات االأمـــن مواقـــف وردود قا�سية �سد احلـــراك اجلنوبي.

واحلقيقـــة اأن احلكومة تتهـــم باأنها تقوم مرارا وتكـــرارا بقطع خدمات

الهاتف ومنتديات االإنرتنت، لت�سعب االأمر على املعار�سني يف التوا�سل

وتنظيم مظاهرات االحتجاج، واأن قوات االأمن تقوم باعتقال ال�سحفيني

واأ�ساتـــذة اجلامعات والقادة االنف�ساليني اجلنوبيني مثل ح�سن باعوم،

وابنه فادي باعوم، ونا�سر النوبة، واآخرين غريهم.

كما حاولت احلكومة ا�ستقطاب بع�س عنا�سر احلراك اجلنوبي، بهدف

�ســـق �سفوفه اأو على االأقل حتييد بع�س املجموعـــات املن�سوية فيه. وقد

بذلـــت جهـــود لل�سغط علـــى قادة احلـــراك عرب حمافظـــي املحافظات

ووكلء احلكومـــة املحليني اأو من خلل بع�ـــس رجال االأعمال والزعماء

القبليني املوالني للحكومة. فعلى �سبيل املثال، مور�ست �سغوط على بع�س

قيـــادات احلراك ليرتاأ�سوا اأو لي�ساركوا يف ع�سوية اللجان اخلا�سة التي

�سكلتها الدولة ملعاجلة مطالب احلراك اجلنوبي، مثل »جلنة حل م�سكلة

الع�سكريني اجلنوبيني ال�سابقني« و«جلنة حل ق�سية ملكية االأرا�سي«.

ا�سرتاتيجية طويلة املدى حلل م�ساكل اجلنوب

ال �ســـك اأن لل�ســـراع يف جنـــوب اليمـــن جـــذورا �سيا�سيـــة واجتماعيـــة

واقت�ساديـــة. ويف الواقـــع اأن هنـــاك الكثـــري من اليمنيـــني اجلنوبيني ال

يرغبـــون بال�ســـرورة يف االنف�سال، واإمنا يطالبـــون بتح�سني اأو�ساعهم

االقت�ساديـــة واملالية، واالإ�سلح ال�سيا�سي واملزيد من ال�سفافية، وو�سع

حـــد للف�ســـاد. ومع ذلـــك، تفتقـــر احلكومـــة الإ�سرتاتيجية بعيـــدة املدى

للتعامـــل بفعالية مع هـــذه امل�سكلة. وهناك اتفاق عـــام على اأنه ال ميكن

للدولـــة وحدهـــا حل التحديـــات التي تواجـــه اليمن، خا�ســـة املع�سلت

االقت�ساديـــة، فاالأمـــر يتطلب م�ساهمـــة اإقليمية لتح�ســـني ظروف البلد

واأو�ساعه الداخلية.

يعـــد اليمـــن ودول جمل�ـــس التعاون اخلليجـــي �ســـركاء اإ�سرتاتيجيني يف

اخلليـــج، بحكم اأنهم دول متجاورة، ولـــدول اخلليج م�سالح مبا�سرة يف

ا�ستتباب االأمن واال�ستقرار يف اليمن. اإن التعاون بني اليمن ودول جمل�س

التعاون يجب اأن يرتكز على م�ستويني: امل�ستوى االأول

يجـــب اأن يت�سمـــن اإقامة م�ساريـــع ا�ستثمارية داخل

اليمن توفـــر فر�س عمل كثرية على امل�ستوى املحلي،

بينمـــا ينبغي اأن ين�سب امل�ستـــوى الثاين من التعاون

على تاأهيل العمالة اليمنيـــة وتدريبها، اإذ اأن ارتفاع

ن�سبـــة البطالة تعـــد من اأهم امل�ســـكلت التي تواجه

اليمن.

لذا يجـــب اأن تركز الربامج التنمويـــة واال�ستثمارية

علـــى امل�ساريع التي يتـــم تنفيذها ب�ســـورة مبا�سرة

علـــى امل�ستوى املحلـــي. فعلـــى �سبيل املثـــال، قدمت

حكومـــة االإمارات العربية املتحدة للحكومـــة اليمنية منحة مببلغ 2.385

مليـــار درهم )650 مليون دوالر(، وذلك من اأجل متويل م�ساريع تنموية

اجتماعيـــة واقت�ساديـــة م�ستدامـــة ت�ســـل اإىل اأربعة ع�ســـر م�سروعا يف

خمتلف املناطق اليمنية، وت�سمل البنية التحتية االأ�سا�سية كاملوا�سلت،

والطاقة، واملياه وال�سرف ال�سحي، وال�سحة العامة، والتعليم، والثقافة

والتنمية االجتماعية. و�سيقوم �سندوق اأبو ظبي باالإ�سراف املبا�سر على

اثنا ع�سر م�سروعا من هذه امل�ساريع بالتعاون مع املحافظات وال�سلطات

املحلية، التي �ستقوم بتحويل املبالغ املالية اإىل املكاتب املحلية ولي�س عرب

حكومة اليمن املركزية. كما �سيقوم املجل�س االإ�سرايف االإماراتي مبتابعة

عمليـــة �سري امل�ساريع منـــذ االإعلن عن املناق�سات و�ســـوال اإىل مرحلة

التنفيذ النهائي، و�ستكون االأيدي العاملة من اليمنيني فقط خللق مزيد

من الوظائف.

واحلال اأن دول جمل�س التعاون اخلليجي واليمن بحاجة اإىل اإن�ساء نظام

تدريبـــي من اأجل تعزيز و�سحذ مهارات االأيدي العاملة اليمنية، لت�سبح

قادرة على االإنتاج واحل�سول على فر�س عمل يف ال�سوق اخلليجية. ويف

الواقع، اأن هناك مداوالت ونقا�سات جترى حاليا بني اليمن وبع�س دول

جمل�ـــس التعـــاون اخلليجي تتعلق مب�ســـروع يهـــدف اإىل تدريب وتوظيف

االأيدي العاملـــة اليمنية يف كل من ال�سعودية وقطر. وهذه خطوة مهمة،

كمـــا اأنها �ستواجه ال�سكوى التقليديـــة التي حتتج بها دول اخلليج من اأن

اليمنيـــني لي�ســـوا موؤهلني مبا فيه الكفايـــة لتلبية متطلبـــات �سوق العمل

اخلليجيـــة. واإذا ما مت تدريب وتاأهيل اليمنيني هوؤالء، فاإنهم �سيتمكنون

مـــن احل�ســـول على فر�س عمل لي�س يف ال�سعوديـــة وقطر فح�سب بل اإن

باإمكانهـــم اأن يتحملوا م�سئولياتهم يف اإدارة امل�ساريع التنموية ال�سعودية

واخلليجيـــة داخل اليمن. ومن املمكن تبني مثل هذه امل�ساريع التدريبية

يف دول اخلليج االأخرى كاالإمارات العربية املتحدة.

ومع ذلـــك، هناك حدود وا�سحة تعيق ما ت�ستطيع اأو ترغب دول اخلليج

يف حتقيقـــه، خا�سة فيما يتعلق باملطالب املتكـــررة باالإ�سلح ال�سيا�سي

واالقت�ســـادي وال�سفافيـــة يف اليمـــن. وبينمـــا ميكـــن للـــدول اخلليجية

والعربيـــة اأن توفـــر منربا للحـــوار والرتكيـــز على التعـــاون االقت�سادي

وتقدمي امل�ساعدة املالية، اإال اأن املجتمع الدويل فقط، والواليات املتحدة

واالحتـــاد االأوروبي ب�سفة خا�ســـة، هي االأطراف

التي لديهـــا القدرة على اإقنـــاع احلكومة احلالية

على البدء يف االإ�سلحات ال�سيا�سية.

لكن االحتـــاد االأوروبي واأمريكا يبدوان مرتددين

جتاه الو�سع يف جنوب اليمن. فقد اأعرب االحتاد

االأوروبي عن قلقه حيال اأحداث العنف ال�سيا�سي

يف جنـــوب اليمـــن، وطالب جميع االأطـــراف بنبذ

العنف. ومع اأن االحتاد االأوروبي قد دعا االأطراف

كافـــة اإىل الدخـــول يف حـــوار لتحديـــد الق�سايـــا

ومناق�ستهـــا واتخـــاذ االإجـــراءات العاجلـــة وحـــل

حتليلت اليمن والعامل

ــيــن ــمــن ــي ـــري مـــــن ال ـــث ـــك ال

يــرغــبــون ل ــن ــي ــوب ــن اجل

النف�سال، يف بــالــ�ــســرورة

بتح�سن يــطــالــبــون واإمنــــا

القت�سادية ــاعــهــم اأو�ــس

واملالية، والإ�سالح ال�سيا�سي

واملزيد من ال�سفافية، وو�سع

حد للف�ساد

ال�سكاوي امل�سروعة، اإال اأنه ال ميتلك االإ�سرتاتيجية

التـــي ميكن من خللهـــا ترجمة تلـــك الدعوة على

اأر�س الواقع.

املتحـــدة الواليـــات حاولـــت 2009 منت�ســـف ويف

تو�سيح موقفها حيال امل�ساكل القائمة يف اجلنوب،

فاأ�سدرت �سفارتها ب�سنعـــاء بيانا، قالت الواليات

املتحدة فيه: »اإن العنـــف ال�سيا�سي ينبغي اأال يكون

هـــو ال�سبيل حلل امل�سكلة«، موؤكدة على اأنه يجب اأن

تكون »امل�ســـاواة وامل�ساركة يف االأن�سطـــة ال�سيا�سية

واالقت�ساديـــة واالجتماعيـــة، وذلك طبقا للقانـــون، وجلميع املواطنني،

هـــي ال�سمـــان احلقيقي للحفـــاظ على وحـــدة اليمن«، واأنـــه »ال بد من

معاجلة املظامل ال�سرعية«. ودعـــا البيان حلوار وطني بني كل االأطراف

املعنيـــة بحل امل�سكلة. وقـــد تفادى البيان االأمريكي توجيـــه االنتقاد الأي

من االأطـــراف، وحاول اإظهار حياد الواليات املتحـــدة اإزاء ال�سراع بني

احلكومة واملعار�سة، داعيـــا للقيام باالإ�سلحات املطلوبة والتو�سل اإىل

ت�سوية بالتفاو�س.

خامتة

لر�سم خارطة للحراك اجلنوبي يف اليمن منذ �سنة 2007 وحتى اللحظة،

ن�ستطيع التعرف على ثـــلث »جمموعات اأ�سا�سية ذات م�سالح خا�سة«

منخرطة يف معار�سة احلكومة املركزية يف �سنعاء.

تتمثل املجموعة االأوىل يف العنا�سر التي تتبع املنهج اال�سرتاكي القدمي،

وت�سم اأع�ساء ونا�سطني حاليني و�سابقني يف احلزب اال�سرتاكي اليمني

وبع�سهم اأع�ساء يف الربملان اليمني. وت�سب عنا�سر هذه الفئة تركيزها

)1990 – علـــى ا�ستعادة جمهورية اليمن الدميقراطيـــة ال�سعبية )1967

املنحلـــة، ويجادلـــون بـــاأن خطوة الوحدة كانـــت خطاأ كبـــريا باعتبار اأن

طموحهـــم بدولة قائمة على امل�ســـاواة وال�سراكة يف ال�سلطة بني ال�سمال

واجلنوب مل تتحقق اأبدا.

اأما املجموعة الثانية، فهي مدفوعة اأ�سا�سا ب�سعور اأنهم �سحايا »�سيا�سة

التمييـــز« التـــي تتبعهـــا احلكومة �ســـد اأبنـــاء اجلنوب، والتـــي جتعلهم

»مواطنـــني من الدرجة الثانيـــة«. وتركز معظـــم مطالبهم على حت�سني

الظـــروف االقت�ساديـــة واالجتماعيـــة يف اجلزء اجلنوبي مـــن الوطن.

ويف بـــادئ االأمـــر مل يكن ملطالبهم هذه بعدا �سيا�سيـــا. وينتمي اإىل هذه

الفئـــة، ال�سباط والع�سكريون اجلنوبيـــون ال�سابقون واملتقاعدون الذين

طالبـــوا علنـــا عـــام 2007 بزيـــادة رواتبهـــم واإعادتهـــم اإىل اخلدمة يف

�سفوف اجلي�س اليمني. كمـــا ت�سم هذه املجموعة اأي�سا بع�س ال�سباب

اجلنوبيني الذيـــن انخرطوا يف »احتاد �سباب اجلنـــوب«، الذي ركز يف

البدايـــة على حق ال�سباب يف مناطق اجلنـــوب يف احل�سول على فر�س

عمل اأف�سل، وتعليمهم وتاأهيلهم ليناف�سوا يف �سوق العمل. ولكن مع مر

ال�سنني تبنت هذه املجموعة اأجندة �سيا�سية، واأ�سبحت جزءا فاعل يف

احلراك اجلنوبي.

يف حني ت�سم املجموعة الثالثة اليمنيني اجلنوبيني

املدفوعـــني اأ�سا�ســـا مبطالب تتعلق بحقـــوق اأ�سرية

وقبليـــة، ت�سمـــل حـــق ال�سيطـــرة علـــى االأرا�ســـي

ومتلكهـــا، وحـــق االأ�ســـرة اأو القبيلـــة يف احل�سول

على نفوذ �سيا�ســـي �سمن بنية الدولة. وخري مثال

على عنا�سر هـــذه اجلماعة ال�سيخ طارق الف�سلي

وهيئتـــه امل�سمـــاة »جمل�س قيادة الثـــورة ال�سلمية«.

وقـــد تاأ�س�ست هـــذه الهيئة – على االأقـــل يف بادئ

االأمـــر – حلماية امل�سالـــح ال�سخ�سية لزعيمها واأ�سرتـــه وقبيلته، من

خلل ال�سغط علـــى الدولة ملنحه ما يعتربه حقه ال�سرعي يف ال�سيطرة

علـــى االأر�س، و�سرعان ما اتخذ االأمـــر طابعا �سيا�سيا متثل يف املطالبة

بانف�سال اجلنوب.

ويف هـــذه املرحلة، يواجه احلـــراك اجلنوبي �سعفا على م�ستويني: يبدو

اأولهما ماثل يف ال�سراع الداخلي بني عنا�سر كل جمموعة على م�سائل

القيادة واالأهـــداف ال�سيا�سية والقواعد التي ت�سبط ت�سرفات عنا�سر

املجموعـــة املعنيـــة. اأمـــا امل�ستـــوى الثاين فيظهـــر من خـــلل ال�سراع

احلا�ســـل بني املجموعات التي ت�سكل احلراك اجلنوبي؛ فهي واإن كانت

متحدة يف عدائها للحكومة املركزية، لكنها تختلف كثريا ب�ساأن العديد

مـــن الق�سايـــا مثـــل االأيديولوجيـــة، واالأجنـــدة ال�سيا�سيـــة، والعلقات

امل�ستقبليـــة مع احلكومة املركزية، وكذلك املوقـــف الفعلي اإزاء الهدف

من االنف�سال.

كمـــا اأن هناك عوامل �سعـــف اأخرى حتد من تاأثـــري احلراك اجلنوبي

وتقلـــل مـــن نفوذه، مثـــل حقيقـــة اأن احلراك يفتقـــر حاليـــا للم�ساعدة

اخلارجيـــة املهمة، والدعم املـــايل وال�سيا�سي. وال �ســـك يف اأن كل هذه

ب االأمر العوامـــل ت�سهم يف احلد من قـــدرة احلراك اجلنوبـــي، وت�سعر

عليـــه يف اأن ي�سكل حتديا خطـــريا للحكومة يف

املرحلة الراهنة.

لكن لي�ـــس هناك اأدنى �سك حيـــال اإمكانية

تطـــور احلـــراك اجلنوبـــي اإىل اأن ي�سبـــح

حتديـــا كبريا يهـــدد �سرعية احلكومـــة اليمنية

وا�ستقـــرار البـــلد، بـــل وم�ستقبل وحـــدة الدولـــة و�سلمتهـــا يف نهاية

املطـــاف. واإذا ما اأثبتت احلكومة اأنها عاجـــزة اأو غري راغبة يف اتخاذ

اإجـــراءات جادة ب�ساأن االإ�سلحات ال�سيا�سية واالقت�سادية للتعامل مع

امل�ســـكلت التي تواجه البـــلد عموما واجلنوب ب�ســـكل خا�س، وف�سلت

يف معاجلـــة ال�سكاوي االجتماعية واالقت�سادية وال�سيا�سية اأو يف اإدراك

احلاجـــة اإىل اإعـــادة هيكلـــة النظام ال�سيا�ســـي يف اليمن، فـــاإن الو�سع

االأمنـــي وال�سيا�سي قد يتدهور اإىل درجة اخلـــروج عن نطاق ال�سيطرة،

مـــع ما �سيرتتب عليه ذلـــك من تداعيات خطرية تهـــدد االأمن االإقليمي

لدول اخلليج قاطبة يف ال�سميم.

الجتــــاهــــات يف ــر ــظ ــن ــال ب

ف�سائل اأن يبدو احلــالــيــة،

اآخــذة يف احلــراك اجلنوبي

الــتــكــاثــر والــنــمــو مــن حيث

واأن�سارها اأع�سائها عــدد

عدا هذا معها، واملتعاطفن

عن تو�سع �سبكاتها واأن�سطتها

يف املدن اجلنوبية الرئي�سية

�لتايل

عدم �ال�ستقر�ر يف �ليمن و�أثره

يف �الأمن �الإقليمي �خلليجي

بقلم: �أ�رشف حممد ك�شك

Page 10: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 18 19ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

عني على اليمن فـي 60 يوماحتليلت

اليمن والعامل

وجهات نظر

ممــا ل�ســك فيــه اأن الغزو الأمريكي للعــراق عام 2003 قد اأحــدث تغريا هيكليا يف الأمــن الإقليمي اخلليجي الــذي ي�سم ثماين

وحــدات هــي دول جمل�ص التعاون اخلليجــي، بالإ�سافة اإىل العراق واإيران، واأحيانا يثار احلديث حــول اإمكانية ان�سمام اليمن

وفــق �سيغــة )6+2+1( عند احلديث عن مقرتحات لأمن تلــك املنطقة احليوية من العامل، والتي مل ت�سهد ا�ستقرارا حقيقيا منذ

الن�سحاب الربيطاين من املنطقة عام 1971 وحتى الآن، ومن مظاهر ذلك التغري:

اأوال: ا�ستمـــرار اعتمـــاد دول جمل�س التعـــاون اخلليجي على اخليار

الغربـــي يف حماية اأمنها القومي، ومن ذلك اأمرين، اأولهما: �سيادة

قناعة لـــدى دول اخلليج موؤداها اأن القواعد الع�سكرية الغربية هي

�سمام االأمان �ســـد اأي تهديدات اإقليمية حمتملة. ويف هذا ال�سياق

جتـــيء موافقة دولة االإمـــارات العربية املتحدة علـــى اإقامة قاعدة

فرن�سية بحريـــة قبالة م�سيق هرمز يف بداية عام 2009. وثانيهما:

بـــدء دول جمل�س التعـــاون اخلليجي حـــوارا ا�سرتاتيجيـــا مع حلف

الناتـــو عام 2004 وفـــق مبادرة اإ�سطنبول للتعـــاون مع دول اخلليج،

تلك املبادرة التـــي يلحظ اأن ظاهرها تعاونا اأمنيا وباطنها تعاونا

دفاعيـــا، اإذ اأن م�سئويل احللف اأكدوا غري مرة اأن احللف لن يقدم

�سمانـــات اأمنيـــة لدول خـــارج اأع�ســـاءه. بيد اأن م�سمـــون املبادرة

هو التعـــاون ب�ســـاأن الت�سدي للإرهـــاب واأ�سلحة الدمـــار ال�سامل،

باالإ�سافة اإىل اإدارة االأزمات.

ثانيا: وجود جماعات مـــا دون الدول ويتخطى نفوذها الدول، ومن

ذلـــك حـــزب اهلل يف لبنـــان وجماعة مقتـــدى ال�ســـدر يف العراق،

وحركـــة حما�ـــس الفل�سطينية، مبـــا يعني اأن وحدات هـــذا االأمن مل

تعـــد هي الدول ورمبا حتتاج تلك الظواهر اإىل درا�سة، وبخا�سة اأن

البعد العقائدي هو اأداة تاأثري تلك اجلماعات.

ثالثـــا: حالة اخللـــل االإقليمي غـــري امل�سبوق الذي رتبـــه ذلك الغزو

االأمريكـــي للعراق يف املنطقة، اإذ خرج العـــراق من معادلة التوازن

االإقليمـــي اإىل فـــرتة زمنية غـــري حمدد مداها. وذلـــك بالنظر اإىل

تعقيـــدات امل�ساألة العراقية �سواء اأمنيـــا اأو �سيا�سيا اأو اإثنيا، وحتول

العـــراق اإىل »�ساحة م�ستباحـــة« الأطراف اإقليميـــة ودولية تتعار�س

م�ساحلهـــا يف ظـــل عدم وجود م�ســـروع وطني عراقـــي تلتف حوله

القوى ال�سيا�سية العراقية، بل اإن التو�سيف الدقيق للحالة العراقية

هو »حرب الكل �سد الكل«.

ويف ظل تلك االعتبارات ال�سابـــق االإ�سارة اإليها، ميكن فهم احلالة

اليمنيـــة. وبغ�س النظر عن االأ�سبـــاب التي اأدت اإىل االأزمة احلالية

يف اليمـــن؛ فبع�سها اقت�سادي واالآخر بنيـــوي بالنظر اإىل الطبيعة

القبلية للدولة اليمنية، فاإن احلديث �سوف يقت�سر على التداعيات

االأمنية االإقليمية التي ترتبها احلالة اليمنية خليجيا.

فعلـــى الرغم مـــن اأن اليمن لي�ـــس ع�سوا يف جمل�ـــس التعاون لدول

اخلليـــج العربيـــة، ذلك املجل�ـــس الذي اأن�ســـئ عـــام 1981 »جامعا

مانعا«، حيث ي�سم �ست دول خليجية، اإال اأنه من الناحية اجلغرافية

يعـــد اليمن جزءا اأ�سا�سيا يف الن�سيج العام ل�سبه اجلزيرة العربية،

اإذ يرتبط بدولها تاريخيا واإثنيـــا وقوميا، وبالتايل فاإنه من اخلطاأ

االعتقـــاد بـــاأن ما يحدث يف اليمـــن لن يكون له تاأثـــري يف اأمن دول

جمل�ـــس التعـــاون اخلليجـــي. وانطلقا مـــن ذلك ي�ستهـــدف املقال

معاجلـــة ثلث ق�سايا، االأوىل: اأهميـــة اليمن بالن�سبة لدول جمل�س

التعـــاون اخلليجي، والثانية: تاأثري حالة عـــدم اال�ستقرار يف اليمن

علـــى االأمن االإقليمي اخلليجي، اأما الثالثة فهي امل�سئولية اخلليجية

جتاه اليمن.

رة وجع يف اخلا�ض

اأ�ســـرف حممد ك�سك باحـــث متخ�س�س يف ق�سايـــا اأمن اخلليج،

مدير املركز الدبلوما�سي للدرا�سات اال�سرتاتيجية بالقاهرة.

اأ�سرف حممد ك�سك

[email protected]

عدم اال�ضتقرار يف اليمن واأثره

يف االأمن االإقليمي اخلليجي

Page 11: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 20 21ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

التعــاون جمل�ــص لــدول بالن�سبــة اليمــن اأهميــة اأول:

اخلليجي

تتحــــدد اأهمية اليمن بالن�سبة لدول جمل�س التعاون اخلليجي يف عدة

نواح هي:

1. ��سرت�تيجيـــا: يتخــــذ اليمــــن موقعــــا ا�سرتاتيجيــــا بالــــغ االأهميــــة يف جنــــوب اجلزيــــرة العربية، حيث يطــــل على �سواطــــئ وا�سعة على

البحريــــن االأحمــــر والعربي، ف�سل عــــن اإ�سرافه علــــى مداخلهم يف

بــــاب املندب الــــذي يعد البوابة اجلنوبية للبحــــر االأحمر وخليج عدن

الــــذي يعد املدخل اإىل املحيط الهنــــدي، وبذلك فاإن اليمن ال يف�سله

عــــن قــــارة اأفريقيــــا �ســــوى 18 ميــــل

فقــــط. ويكت�سب موقع اليمن على باب

املندب اأهميــــة ق�سوى، حيث مير من

خلله اأكرث مــــن ثلثة مليني برميل

مــــن النفــــط يوميــــا، كما يعــــد اليمن

اأقــــرب نقطــــة اآ�سيويــــة الأفريقيا، مما

يعنــــي اأن موقــــع اليمــــن اال�سرتاتيجي

يجعلــــه حمط اأنظار القــــوى االإقليمية

ا�ستقــــرار فــــاإن وبالتــــايل والدوليــــة،

اليمــــن يعد م�سلحة ا�سرتاتيجية عليا

لدول جمل�س التعاون اخلليجي، حيث

يعد ظهــــريا اآمنا لتلك الــــدول عموما

واململكة العربية ال�سعودية خا�سة.

2. �أمنيا: يف ظل ا�ستمرار وجود فجوة جيوبولتيكية بني دول جمل�س التعاون اخلليجي وجريانها االإقليميني،

وبخا�سة اإيران، حيث اأ�سارت اإح�ساءات اليون�سكو لعام 2007 اإىل اأن

عدد �سكان دول جمل�س التعاون اخلليجي بلغ 36 مليون ن�سمة، مقابل

71 مليــــون ن�سمة لــــدى اإيران، وهو االأمر الــــذي انعك�س على القدرات

الع�سكرية لــــدول اخلليج كدول �سغرى ما تزال تواجه مع�سلة »عقدة

االأحجــــام القزميــــة«. ويف هــــذا ال�سيــــاق، ذكر تقريــــر املعهد الدويل

للدرا�سات اال�سرتاتيجيــــة بلندن عام 2007 اأن اإجمايل حجم القوات

الع�سكريــــة العاملة لدى دول جمل�س التعاون اخلليجي جميعها حوايل

352 األــــف مقارنــــة بـ545 األــــف لدى اإيــــران، وبالتــــايل اإذا كانت دول

اخلليــــج قد انتهجت خيــــار التحالف مــــع الدول الغربيــــة للدفاع عن

اأمنهــــا القومي، ومن ذلك االتفاقيات االأمنية الثنائية املوقعة مع تلك

الدول يف اأعقاب حرب اخلليج الثانية عام 1991، ف�سل عن بدء اأربع

دول خليجية حوارا ا�سرتاتيجيا مع حلف الناتو وفق مبادرة اإ�سطنبول

عام 2004، فــــاإن القدرات الب�سرية تظل م�سكلــــة حقيقية تواجه تلك

الدول، وهو مــــا قد ي�سهم يف حلها ان�سمام اليمن باإمكاناته الب�سرية

و�سماته البحرية وف�سائــــه اجلوي ال�سا�سع ملجل�س التعاون اخلليجي.

وقد اأدركت اململكة العربية ال�سعودية اأهمية ان�سمام اليمن للمجل�س،

وهــــو ما عــــرب عنه وزيــــر اخلارجية ال�سعوديــــة �سعــــود الفي�سل اأمام

منتدى املنامة الأمن اخلليج يف عام 2004، حيث قال الوزير ال�سعودي

اأن هناك ثلثة اأبعاد لهــــذا االأمن: حملية واإقليمية ودولية، وامل�ستوى

االإقليمــــي البد واأن يرتكز ذلك االأمــــن على اأربعة اأطراف هي جمل�س

التعاون اخلليجي واليمن والعراق واإيران.

مــــن ناحيــــة اأخرى، فــــاإن تعزيــــز الدور االإيــــراين يف مواجهــــة الدول

اخلليجيــــة ال�سغــــرى، يتطلــــب عــــدم فتح جبهــــة جديدة متثــــل عبئا

علــــى اأجهزة االأمن اخلليجي، ومن ثم فــــاإن تاأمني حدود دول اخلليج

وبخا�سة اجلنوبية يعد اأمرا ا�سرتاتيجيا بالغ االأهمية.

3. �قت�ساديا: اإذا ما نظرنا اإىل التطورات التي �سهدها العامل موؤخرا ومتثلــــت يف اقت�سادات ال�سوق املفتوح، فاإن االقت�ساد اأ�سحى قاطرة

ال�سيا�سة، ويف ظــــل االأهمية النفطية لدول جمل�س التعاون اخلليجي،

ف�ســــل عن بدء تلك الــــدول عدة خطوات مهمة علــــى طريق التكامل

االقت�سادي وهو ما متثل يف اخلطوات ب�ساأن العملة اخلليجية املوحدة

اأو ال�ســــوق اخلليجية امل�سرتكة، فاإن دول اخلليج �ستظل يف حاجة اإىل

زيادة التبادل التجاري مع االأطــــراف االإقليمية ويف مقدمتها اليمن.

وبالرغــــم من تراجع معدالت التنمية يف االقت�ساد اليمني، اإال اأنه ما

يزال يحتوي على فر�س ا�ستثمارية واعدة لدول اخلليج.

من ناحية اأخرى، فاإن توجه دول جمل�س التعاون اخلليجي لل�ستغناء

عــــن العمالــــة الوافدة وبخا�ســــة االآ�سيويــــة فيها، نظرا ملــــا ترتبه من

خماطر اأمنية و�سيا�سية واقت�سادية بل وثقافية، حيث اأ�سحت الهوية

اخلليجية حمل ت�ساوؤل؟!، فاإن اليمن يعد بديل مهما للعمالة املطلوبة

للخطــــط التنموية يف دول اخلليــــج. وهنا ميكن االإ�ســــارة اإىل منوذج

الواليــــات املتحــــدة واملك�سيــــك على �سبيــــل املثال، حيــــث تنفق االأوىل

اأمــــواال طائلة يف الثانيــــة الإقامة م�سروعات اقت�ساديــــة ت�ستفيد منها

اأمنيــــا واقت�ساديا، وهذا النموذج ميكن تطبيقه يف احلالة اخلليجية

– اليمنيــــة؛ فــــدول اخلليــــج بحاجة الأ�سواق، ف�سل عــــن اأن االأيدي العاملــــة اليمنية ميكن تاأهيلها من خــــلل برامج تدريبية عرب اإن�ساء

�سندوق م�سرتك خليجي- ميني لهذا الغر�س.

ويف هــــذا ال�سيــــاق، اأ�سار تقريــــر �سادر عن االأمم املتحــــدة عن حالة

ال�ســــكان يف العــــامل لعــــام 2009 اإىل اأن تعداد �سكان اليمــــن بلغ 23.6

مليــــون ن�سمة، ويتوقــــع اأن ي�سل هذا العــــدد اإىل 53 مليون و700 األف

ن�سمة بحلول العام 2050، وت�ستاأثر �سريحة ال�سباب بحوايل ربع �سكان

اليمن وهو ما يعني اأن اليمن تعد بديل مهما للحتياجات اخلليجية

من العمالة التي تعتمد ب�سفة اأ�سا�سية على العمالة االآ�سيوية.

ويعنــــي مــــا �سبــــق اأنه قــــد ت�سافرت عــــدة عوامــــل لتجعل مــــن اليمن

امتــــدادا طبيعيا لدول جمل�س التعاون اخلليجي، مبا ميكن معه القول

اإن احلفــــاظ على اأمن اليمن وا�ستقراره يعد اأمــــرا ا�سرتاتيجيا لتلك

الــــدول بغ�س النظر عن مواقفها من ان�سمــــام اليمن للمجل�س والتي

تعد متباينة.

حتليلت اليمن والعامل

تعزيز �لدور �لإير�ين

يف مو�جهة �لدول

�خلليجية �ل�سغرى،

يتطلب عدم فتح جبهة

جديدة متثل عبئا على

�أجهزة �لأمن �خلليجي،

ومن ثم فاإن تاأمني

حدود دول �خلليج

وبخا�سة �جلنوبية يعد

�أمر� ��سرت�تيجيا بالغ

�لأهمية

ثانيــا: تاأثــري ال�سراعــات الداخليــة يف اليمن علــى الأمن

الإقليمي اخلليجي

انطلقــــا مــــن االعتبارات ال�سابقــــة االإ�ســــارة اإليها، ترتــــب االأو�ساع

االأمنيــــة املتدهورة يف اليمن عدة تداعيات اأمنية على االأمن االإقليمي

اخلليجي، ميكن االإ�سارة اإليها على النحو التايل:

اأ( بقــــاء منطقة اخلليــــج يف حالة من عدم اال�ستقــــرار. انطلقا من

اأهميــــة اليمــــن بالن�سبة لدول جمل�ــــس التعاون اخلليجــــي، فقد اتخذ

جمل�س التعــــاون اخلليجي قرارا خــــلل القمة الثانيــــة والع�سرون يف

م�سقــــط عــــام 2001 ب�ساأن ان�سمــــام اليمن لبع�ــــس موؤ�س�سات جمل�س

التعاون اخلليجــــي كخطوة متهيدية لتاأهيل اليمن الإمكانية ان�سمامه

اإىل املنظومة اخلليجية، وبالتايل فاإن ا�ستمرار حالة التدهور االأمني

مــــع تزايــــد الدعوات االنف�ساليــــة يف اليمن، واإ�ســــارة بع�س التقارير

اإىل متركــــز تنظيــــم القاعدة يف االأرا�سي اليمنيــــة وذلك وفقا لتقرير

ا�ستخباراتــــي اأمريكــــي جــــاء فيه »اأن مــــن يتمركز يف اليمــــن ي�ستطيع

التاأثري بكل �سهولة يف ال�سعوديــــة ومنطقة اخلليج العربي والنفاذ اإىل

العــــراق و�سوريا واالأردن وغريها من مناطق ال�سرق االأو�سط، والتاأثري

يف مناطق �سرق اأفريقيا والقرن االأفريقي، وكذلك الو�سول اإىل الهند

وباك�ستــــان عرب جنــــوب اإيران«. فاإن ذلك يعد خطــــرا داهما على دول

اخلليج التي حتيط بها اأكرث من دولة ت�سهد حالة تفكك وانهيار اأمني،

ومن ذلك ال�سومال الــــذي يعد مفككا منذ ت�سعينيات القرن املا�سي،

اأي�ســــا رمبــــا يواجه ال�سودان امل�ســــري ذاته ي�ســــاف اإىل ذلك العراق،

ويعني ذلك تعاظم معاناة دول اخلليج من التداعيات االأمنية من تلك

الــــدول، واأهمهــــا النازحني وت�سلل اجلماعات االإرهابيــــة. وبخا�سة اأن

اليمــــن يعد هو االأكرث كثافة �سكانيــــة يف �سبه اجلزيرة العربية واالأكرث

فقــــرا يف الوقت ذاتــــه، وبالتايل يكون حــــزام التوترات حــــول منطقة

اخلليج قد اكتمل.

ب( تهديــد اأمــن الطاقــة: يف ظل ا�ستمــــرار اأزمة امللــــف النووي

االإيــــراين وتهديد اإيران غري ذي مرة باإغلق م�سيق هرمز الذي مير

فيــــه اأكــــرث من %90 من �ســــادرات النفط اخلليجية، فقــــد بحثت دول

جمل�ــــس التعاون اخلليجي اإقامة طرق بديلة لنقل النفط اخلليجي اإىل

اخلــــارج، وميــــر بع�سها داخل االأرا�ســــي اليمنية. وبالتــــايل فاإن حالة

عــــدم اال�ستقرار يف اليمن تعنــــي حمدودية خيارات دول اخلليج ب�ساأن

ت�سدير النفط اخلليجي للخارج حال اإقدام اإيران على اإغلق م�سيق

هرمــــز اإذا ما احتدمت االأزمة النووية مع الدول الغربية، ومن ثم فاإن

تدهــــور االأو�ســــاع االأمنية يف اليمــــن من �ساأنه التاأثــــري يف اأمن الطاقة

لدول اخلليج من زاويتني:

اأولهمــــا: اليمن بحكــــم موقعه اجلغــــرايف �سمن نطاق �سبــــة اجلزيرة

العربية وبحكم امتداد �سواحله وموانئه على البحر العربي وخليج عدن

ومن ثم املحيــــط الهندي، فقد اأ�سحى بديــــل ا�سرتاتيجيا ل�سادرات

دول املجل�ــــس حال اإقدام اإيــــران على اإغلق م�سيــــق هرمز. ويف هذا

ال�سياق، جتدر االإ�سارة اإىل اأنه مت االتفاق بني وزراء النقل اخلليجيني

خــــلل العام 2008 على خطة طوارئ لنقــــل النفط من خلل ممرات

ح عن م�سمونها ورمبا يكون اليمن اإحداها. بديلة مل يف�س

وثانيهمــــا: املوقع اجلغرايف لليمن الذي يوؤهله للتحكم يف باب املندب،

كمــــا اأن البحــــر االأحمــــر الــــذي يعــــد اأهم ممــــر ملحي لنقــــل النفط

اخلليجــــي اإىل الدول االأوروبية ويق�سر امل�سافــــة التي تقطعها ناقلت

النفط بن�سبة 60%، ومير به يوميا 3.3 مليون برميل من النفط مبعدل

4% من الطلب العاملي على الطاقة، واأن هناك 21 األف ناقلة ت�ستخدم

ذلــــك املمر �سنويا وفقا الإح�ساءات وزارة الطاقة االأمريكية، وبالتايل

يف ظل ت�سريحات �سعيد ال�سهــــري الرجل الثاين يف »تنظيم القاعدة

بجزيرة العرب« من اأن التنظيم يتطلع اإىل ال�سيطرة على باب املندب

اال�سرتاتيجــــي بالتعــــاون مــــع »املجاهديــــن يف ال�سومــــال«، معتربا اأن

حدوث ذلك يعنــــي »ن�سرا عظيما ونفوذا عامليــــا« )�سحيفة »املدينة«

ال�سعودية، 2010/2/9(، فاإن ذلك يعك�س مدى التهديد الذي ميكن اأن

تتعر�س له �سادرات النفط اخلليجية.

ج( التاأثــــري يف االأمــــن القومي لــــدول اخلليج. اأي�سا فــــاإن حتول اليمن

اإىل »دولــــة فا�سلــــة« - مبقايي�س الدول الغربية - حيــــث جاء اليمن يف

-Foreign Po ياملرتبــــة الثامنة ع�سرة يف ت�سنيف جملة فــــورن بولي�س

icy للــــدول الفا�سلــــة عام 2009، ي�ســــكل تهديدا موؤكــــدا للأمن القومي

لــــدول اخلليــــج. وعلى الرغــــم من اأن

اليمن مل يتحول بعــــد اإىل دولة فا�سلة

التــــي ترتبط باأمريــــن، اأولهما: انهيار

احلكومة املركزية التــــي حتتكر القوة

يف املجتمــــع، وثانيهما: �ســــدة العنف،

فاإن ا�ستمــــرار حالة التدهــــور االأمني

يف اليمن يعني اإيجــــاد ذريعة للتدخل

اخلارجــــي ومن ثــــم ازديــــاد االنت�سار

االأجنبي يف املنطقة، مما يعد تهديدا

اأحــــد يف العربــــي القومــــي للأمــــن

اأهم مفا�سلــــه، واخلليجــــي على وجه

اخل�سو�س.

ومن ناحيــــة اأخرى، اأ�سار تقرير ملعهد

درا�ســــات ال�سرق االأدنــــى يف الواليات

»احلــــرب اأن اإىل موؤخــــرا املتحــــدة

الدائــــرة يف حمافظــــة �سعــــدة اليمنيــــة قــــرب احلــــدود ال�سعودية بني

املتمرديــــن احلوثيــــني والقــــوات اليمنية« مــــن �ساأنهــــا »اأن تن�سف اأمن

منطقة اخلليج باأ�سره«، وذلك من عدة نواح اأهمها:

- تهديد احلدود ال�سعودية، حيث اأ�سارت بع�س التقارير اإىل اأن اململكة

العربية ال�سعودية توقف كل عام اأكرث من 400 األف مت�سلل ميني داخل

اأرا�سيهــــا، واأخــــذا يف االعتبــــار طــــول ال�سريط احلدودي بـــني اليمن

ت�سافرت عدة عو�مل

لتجعل من �ليمن

�متد�د� طبيعيا لدول

جمل�ض �لتعاون

�خلليجي، مبا ميكن

معه �لقول �إن �حلفاظ

على �أمن �ليمن

و��ستقر�ره يعد �أمر�

��سرت�تيجيا لتلك

�لدول بغ�ض �لنظر عن

مو�قفها من �ن�سمام

�ليمن للمجل�ض و�لتي

تعد متباينة

Page 12: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 22 23ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

حتليلت اليمن والعامل

وال�سعودية، حيث يبلغ طوله 1500 كيلو مرتا فاإنه ت�سعب ال�سيطرة عليه

وي�سمـــح بعمليات ت�سلـــل، ومن خلل ذلك ال�سريط يتـــم تهريب االأفراد

واالأ�سلحـــة واملخدرات للمملكة، ف�سل عن اإعلن تنظيم القاعدة مطلع

العام 2009 توحيد التنظيم يف اليمن و�سبه اجلزيرة العربية حتت مظلة

واحدة بقيـــادة نا�سر الوحي�سي، وهو ما ميثل تهديدا مبا�سرا الأمن دول

جمل�س التعاون اخلليجي.

- تعد تلك احلرب اأول حرب تخو�سها اململكة، وهناك تقديرات ذهبت

اإىل اأن حجـــم تلك احلـــرب كان اأكرب من حرب الغـــزو العراقي للكويت

عام 1990، ف�سل عن االأبعاد الطائفية لتلك احلرب، حيث اإن احلوثيني

ال�سيعـــة ينتمون للفرقة الزيدية وتوجد بع�ـــس الدالئل على دعم اإيراين

لهوؤالء.

- اإمكانية تاأثر ال�سيعة يف دول اخلليج باالأحداث يف اليمن، حيث ترتاوح

ن�سبة ال�سيعة يف اليمن ما بني 30-35% من اإجمايل ال�سكان، ورمبا يكون

لـــدى احلوثيـــني م�ســـروع لن�سر الت�سيـــع يف الدول املجـــاورة وبخا�سة يف

جنـــوب اململكة العربية ال�سعودية، حيث تنت�سر يف ع�سري وجنران طائفة

ال�سيعة االإ�سماعيلية.

ثالثا: امل�سوؤولية اخلليجية جتاه الو�سع احلايل يف اليمن

تقـــع على عاتق دول جمل�س التعاون اخلليجي م�سئولية اإعادة اال�ستقرار

واالأمن لليمن من خلل االآتي:

1. �ملدخـــل �ل�سيا�سي: وذلـــك باإمكانية مبادرة جمل�س التعاون اخلليجي

بدعـــوة اأطـــراف النزاع ملوؤمتـــر م�ساحلة، حيـــث كان لدولة قطر جهود

�سابقة يف ذلك من خلل ا�ست�سافة احلوثيني واحلكومة اليمنية )طريف

النـــزاع يف �سعـــدة( وتوقيـــع اتفاق �سرعـــان ما انهار مع انـــدالع اجلولة

ال�ساد�سة من القتال يف اأوائل اآب/اأغ�سط�س 2009.

2. �ملدخـــل �لتنمـــوي: وذلـــك انطلقا من اخلطوة التـــي بداأها اجلانب

اخلليجي يف هذا ال�ساأن، ومتثلت يف اجتماع وزراء اخلارجية اخلليجيني

ب�سنعـــاء نهاية ت�سرين االأول/اأكتوبر 2006 لو�سع خطة وبرامج حمددة

يتـــم االتفاق عليها يف موؤمتـــر دويل للمانحني تتبناه دول جمل�س التعاون

اخلليجـــي لتوفري املتطلبـــات التمويليـــة اللزمة لتحقيـــق تاأهيل تنموي

�سامـــل لليمن. وقد بدا ذلـــك جليا يف موؤمتر املانحـــني بلندن، حيث بلغ

اإجمـــايل االلتزامـــات اخلليجية حوايل 3.7 مليـــار دوالر اأي حوايل %70

مـــن اإجمايل الفجوة التمويلية، باالإ�سافة اإىل درا�سة م�سروع اإقامة خط

�سكـــة حديد يربط بني اليمن ودول جمل�س التعاون اخلليجي، ف�سل عن

تعهد دول اخلليج بنحو 50% مـــن اإجمايل حجم التعهدات التي قدمتها

الـــدول املانحة يف موؤمتر لندن االأخـــري )�سباط/فرباير 2010(، وخلل

املوؤمتر الذي ا�ست�سافته اململكة العربية ال�سعودية يف ال�سهر ذاته اأعلنت

اململكـــة منحها مليار دوالر للوفـــاء بتعهداتها ل�سالـــح اليمن )�سحيفة

“االأهرام” امل�سرية، 2010/2/4(. وجممـــل القول اإن اليمن لديـــه تزايد �سكاين ملحـــوظ ويعاين من ندرة

يف املـــوارد وباإمكان دول اخلليج امل�ساهمـــة يف اإخراجه من تلك الدائرة

املفرغة، اإذ اإن املوازنة العامة لليمن تعتمد على 89% من اإيراداتها على

ال�سرائـــب، والر�ســـوم اجلمركية، واملنح والقرو�ـــس، ف�سل عن النفط

الذي بداأت خمزوناته يف االنحدار.

3. �لبحـــث يف �إمكانيـــة �ن�سمـــام �ليمـــن �إىل موؤ�س�ســـات خليجية �أخرى

كخطـــوة علـــى طريـــق تاأهيل �ليمن ليكـــون ع�سو� يف جمل�ـــض �لتعاون

�خلليجـــي، حيـــث اتخذت قمة م�سقط عـــام 2001 قـــرارا مهما يف هذا

ال�ســـاأن و�سدر قرار باملوافقة علـــى ان�سمام اليمـــن اإىل اأربع موؤ�س�سات

رئي�سيـــة باملجل�س وهـــي مكتب الرتبيـــة وجمل�س وزراء العمـــل وال�سوؤون

االجتماعيـــة وجمل�ـــس وزراء ال�سحـــة اإ�سافـــة اإىل دورة كاأ�ـــس اخلليج

العربـــي لكرة القـــدم، ف�سل عن االتفاق بني جمل�ـــس التعاون اخلليجي

واليمـــن يف عـــام 2002 على و�ســـع اآليات حمددة للتعـــاون بني اجلانبني

ت�سمنـــت ت�سكيـــل جمموعة عمـــل م�سرتكـــة بينهما للخـــروج بت�سورات

م�سرتكة للتعاون.

وجممل ما �سبق اأن �سانع القرار اخلليجي يتعني عليه اأخذ زمام املبادرة

ملنـــع انهيار اليمن، وبالتايل البد من تغليب اعتبارات اجلغرافيا واالأمن

القومـــي على ما عداها من اعتبارات �سيا�سية �سيقة، حيث اإن ا�ستمرار

تلك االأو�ساع يف اليمن رمبا يوؤول اإىل اأحد �سيناريوهني، االأول: �سيناريو

احلكـــم الفيدرايل، وبالتايل يتـــم تق�سيم اليمن اإىل ثلثـــة اأقاليم وهي

اجلنـــوب وال�سمـــال والو�ســـط، اإال اأن هذا يبدو اأمـــرا م�ستبعدا الأن ذلك

مـــن �ساأنه اأن يوؤدي اإىل تفـــكك اليمن، وقد اأكد م�ست�سار الرئي�س اليمني

عبد الكرمي االإريـــاين رف�سه لهذا ال�سيناريو وقال “اإنها تبداأ بفيدرالية

وتنتهي انف�سالية، لهذا اأنا �سد الفيدرالية”.

والثـــاين: حل امل�سكلت يف ظل بقـــاء الدولة اليمنيـــة بو�سعها الراهن،

وهـــذا يحتاج من احلكومة اليمنية اإعـــادة النظر يف ال�سيا�سات احلالية

ورمبا يحتاج ذلك اإىل دعم خليجي ب�سكل فاعل.

4. �إمكانيـــة بحـــث �سيغـــة جديدة جتمـــع كل من دول جمل�ـــض �لتعاون

�خلليجـــي و�ليمن معـــا، بحيث يتم التغلب علـــى م�سكلة هوية االأع�ساء

يف جمل�ـــس التعاون اخلليجي الذي ولد جامعا مانعـــا، وهناك �سيغتان،

االأوىل: انتهـــاج �سيا�ســـة امل�ساركـــة بني

جمل�ـــس التعـــاون كجهـــة واحـــدة وبني

اليمن اأو اأي دولـــة ترغب يف االن�سمام

للمجل�ـــس من خـــلل اتفاقيـــات جتمع

الطرفني ومتنح الطرف خارج املجل�س

و�سعـــا خا�ســـا، والثانيـــة: هـــي اإن�ساء

منظمـــة اإقليميـــة ذات طابع اقت�سادي

ت�ســـم دول جمل�ـــس التعـــاون اخلليجي

ال�ست وبع�ـــس دول املنطقة مثل اليمن

على غرار منظمة التعاون االقت�سادي

يف و�سط اآ�سيــــا “االأيكو” والتي ت�سم

�سيا�سيــــة توجهــــات ذات دول 10

واأو�ساع اقت�سادية متباينة.

يتعني على �سانع �لقر�ر

�خلليجي يتعني عليه

�أخذ زمام �ملبادرة ملنع

�نهيار �ليمن، وبالتايل

لبد من تغليب �عتبار�ت

�جلغر�فيا و�لأمن

�لقومي على ما عد�ها

من �عتبار�ت �سيا�سية

�سيقة

جهود احلكومة اليمنية فـي تنظيم حمل االأ�ضلحة واحلد من انت�ضارها

�لدو�فع، �ل�سيا�سات، �ملعوقات

عاي�س على عوا�س

ي�ضدر قريبا

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

Page 13: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 24 25ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

عني على اليمن فـي 60 يوماحتليلت

اليمن والعامل

وجهات نظر

ةق

قح

املري

غت

عاق

توال

ن م

خري

تا

ن م

ليوا

ة د

حملت

ت ايا

اللو

ا

ومـــع مرور الوقت تطورت هـــذه القوى املعادية للو�سع احلـــايل يف املنطقة،

بينما يف خط موازي لذلك تبنت الواليات املتحدة، التي متثل داعما اأ�سا�سيا

للو�ســـع القائم يف املنطقة، �سيا�ســـة ثابتة ولكن مرتددة مـــع اأنظمة �سنعاء

املتعاقبـــة، يف حـــني اأن هذه االأنظمة تعترب يف نظـــر وا�سنطن اأنظمة ه�سة ال

يعتمد عليها و/اأو غري اأهل للثقة.

اإن هناك نوعا من التماثل بني بداية العلقات االأمريكية - اليمنية يف فرتة

ال�ستينيـــات وبني العلقات هذه يف فـــرتة االألفية، اإذ �سعت الواليات املتحدة

يف كل الفرتتـــني اإىل حت�ســـني العلقات بني البلدين، لي�ـــس من اأجل تعزيز

امل�سالح االأمريكيـــة مبا�سرة يف اليمن واإمنا خ�سية الواليات املتحدة من اأن

يـــوؤدي عدم اال�ستقرار يف اليمن ووجود عنا�سر معادية هناك اإىل اإ�سكاالت

اأمنيـــة داخل املنطقة وخارجهـــا على حد �سواء. ففي فـــرتة ال�ستينيات كان

خطر احلـــرب االأهلية يف ال�سمال يهـــدد بانطلق القوميـــة العربية والفكر

النا�ســـري يف �سبـــه اجلزيـــرة العربيـــة، وظهور دولـــة م�ستقلـــة يف اجلنوب

كانت متثل خطـــرا اأكرب نظرا الأيديولوجيتها املارك�سيـــة واعتمادها الكامل

علـــى اأن�سارهـــا ال�سيوعيني. اأمـــا يف فرتة االألفية فقد ظهـــر �سبح التطرف

االإ�سلمـــي يف �سورة اجلهـــاد، وهذا ي�ســـكل حتديا مبا�ســـرا لي�س للحكومة

اليمنية فقط واإمنا للواليات املتحدة اأي�سا.

نبذة تاريخية تعود العلقات بني الواليات املتحدة واليمن اإىل

فـــرتة االأربعينيات )من القرن الع�سرين(، اإذ بـــداأت العلقات الدبلوما�سية

بني البلدين عام 1946، ويف عام 1956 تاأ�س�ست مفو�سية اأمريكية يف مدينة

تعز، العا�سمة الفعلية اآنذاك، ومن ثم انتقلت اإىل �سنعاء عام 1966. كما مت

فتـــح مفو�سية مينية يف وا�سنطن قبـــل ثورة 1962، وبداأت الوكالة االأمريكية

للتنميـــة الدولة بربنامج اإعانة متوا�سع انطلـــق باإن�ساء الطريق الذي يربط

املخا وتعز و�سنعاء.

ثـــم اتخذت اخلطوة التالية يف العلقـــات االأمريكية - اليمنية مع الثورة يف

ال�سمـــال، وذلك عندما راأت الواليات املتحـــدة اأن تاأثريها يف العامل العربي

بـــداأ يقل نتيجة لظهور موجة االأنظمة العربية “التقدمية” التي كانت تطيح

باالأنظمة امللكية واالأنظمة الد�ستورية القدمية، فا�سطرت الواليات املتحدة

اإىل اتخـــاذ موقف دفاعي يدعم االأنظمة امللكية املتبقية يف املنطقة. ويف 26

اأيلول/�سبتمرب 1962 اأطاح انقلب ع�سكري يف �سنعاء بنظام ملكي حمافظ

جـــدا تربطه علقـــات بوا�سنطن، اإال اأنها مل تكن علقـــات قوية. لكن ذلك

االنقـــلب ا�ستبدل النظام امللكي بنظام جمهـــوري مت�سدد – على االأقل يف

لهجـــة اخلطـــاب – تلقى دعما قويـــا من جمال عبد النا�ســـر، رئي�س م�سر

اال�سرتاكية، بل ورمبا اأن القاهرة هي من دبر االنقلب.

وبالرغـــم من ذلك اختار الرئي�س جون كنـــدي اأن يعلن عن رغبته يف العمل

مع عبـــد النا�سر والنظام النا�سئ يف العامل العربـــي، ولهذا كانت الواليات

املتحـــدة من بني اأول الدول التي اعرتفت باجلمهورية العربية اليمنية. لكن

ذلـــك مل يكن �سوى حماولة عقيمة؛ فقد عار�ستها بريطانيا و�سعرت اململكة

العربيـــة ال�سعوديـــة بتهديد مبا�ســـر )وا�ستقبلت االإمـــام وعائلته(. وا�ستمر

االبتعاد عن نظام �سنعاء ينمو عندما ازدادت احلرب االأهلية �سراوة، وبداأ

امل�ست�سارون ال�سوفيت يف الظهور اإىل جانب اجلمهورية )الوليدة(.

ظلـــت العلقـــات االأمريكيـــة - اليمنيـــة غري وا�سحـــة املعامل بعـــد احلرب

االأهليـــة. فمع اأن الواليـــات املتحدة كانـــت ت�سجع �سبيـــل املفاو�سات الإنهاء

احلرب االأهليـــة، وكانت �سفاراتها موجودة يف �سنعـــاء على الدوام، وتقدم

بع�ـــس املعونـــات املتوا�سعة، اإال اأن امل�سالح االأمريكيـــة كانت ترتكز ب�سورة

مبا�ســـرة يف ال�سعودية بينما كان اليمن يقع على هام�س ال�سيا�سة اخلارجية

االأمريكيـــة؛ فلم تكن تت�سمن م�سالح اأمـــريكا الرئي�سية اإال خ�سية الواليات

املتحـــدة مـــن اأن ينهار نظام احلكـــم يف اليمن ويزج البلـــد يف فو�سى تهدد

اأنظمـــة احلكـــم املحافظـــة يف �سبـــه اجلزيرة العربيـــة. ومل تكـــن امل�ساعدة

املتوا�سعـــة التي تقدمهـــا الواليات املتحدة لليمن �سوى اأمـــر ثانوي ال اأهمية

لـــه مقابل احلرب الباردة التـــي كانت تخو�سها الواليـــات املتحدة واالحتاد

ال�سوفيتـــي، اإذ كانت هاتـــان القوتان تتناف�سان يف تقـــدمي الدعم الع�سكري

لليمن ال�سمايل الأن نظام احلكم يف �سنعاء كان ميثل تر�سا واقيا �سد اليمن

اجلنوبي االأكرث ت�سددا.

اأمـــا العلقات بـــني الواليات املتحدة واليمـــن اجلنوبي فقد كانـــت يف اأ�سواأ

حاالتهـــا مع اأن اأول قن�سلية اأمريكية يف �سبـــه اجلزيرة العربية تاأ�س�ست يف

العا�سمة عدن عـــام 1940 تقريبا، وكانت مبثابة موقع تن�ست جيد لكل من

اليمـــن وال�سعودية اأي�سا حتى تاأ�س�ست قن�سلية اأمريكية يف جدة عام 1942.

ويبـــدو اأن املعلومـــات التي مت جتميعهـــا كان م�سدرهـــا الربيطانيني الذين

ج. اإ. بـيتــر�ســون

مل تـــرز �ليمـــن، يومـــا مـــا، حتى يف نطـــاق دول �ل�ســـرق �لأو�سط، كاأولوية مـــن �سمن �أهم �أولويـــات �ل�سيا�سة

�خلارجيـــة �لأمريكيـــة، ولكـــن مـــع هـــذ� ��ستحـــوذت �ليمن مقـــد�ر� معينـــا - ويف �لغالـــب - مهما مـــن �هتمام

و��سنطـــن علـــى فـــرت�ت متقطعـــة ومنتظمـــة تقريبا خـــالل �لن�سف �لثاين مـــن �لقرن �ملا�ســـي، و�أ�سبح ذلك

�لهتمـــام �أكـــر و�سوحـــا يف مطلـــع عـــام 2000، فقد �ن�ســـب تركيز و��سنطن �ملـــزدوج على ثابتـــني خالل تلك

�لفرتة، وهما: �لتاأثري �لذي ي�سكله �ليمن يف �ل�سعودية و��ستقر�ر �أنظمة �حلكم �ملتعاقبة يف �ليمن؛ حيث �أن

�ليمن تعتر مالذ� لقوى �أيديولوجية تتعار�ض مع �مل�سالح �لأمريكية.

ج. اإ. بيرت�ســـون مـــوؤرخ وحملـــل �سيا�ســـي اأمريكـــي متخ�س�ـــس يف

ال�سوؤون املعا�سرة ل�سبه اجلزيرة العربية واخلليج.

[email protected]

Page 14: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 26 27ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

حكمـــوا عدن باعتبارها م�ستعمرة ملكية وباقي املناطق الداخلية باعتبارها

حممية بريطانية، ولهذا ال�سبب مل يكن الوجود الدبلوما�سي االأمريكي ي�سكل

يف عـــدن اأي م�سكلـــة، وا�ستمر احلال كذلك حتى ظهـــور جماعات معار�سة

كانت تقوم بحملت معادية للوجود الربيطاين خلل فرتة ال�ستينيات.

ويف �سهـــر ت�سريـــن الثاين/نوفمرب عام 1967 اأجـــربت بريطانيا على ت�سليم

عـــدن وباقي املحميـــات جلبهة التحرير القومية، وا�ستمـــرت دولة جمهورية

اليمن ال�سعبية اجلديدة – التي �سميت الحقا جمهورية اليمن الدميقراطية

ال�سعبية – يف علقاتها الدبلوما�سية مع كل من بريطانيا والواليات املتحدة،

مع اأنها اأقامت علقات اأي�سا مع ال�سني واالحتاد ال�سوفيتي واأملانيا ال�سرقية.

ومل متر فرتة طويلة قبل اأن ينجرف نظام احلكم مع التيار الي�ساري اأكرث من

ال�سابـــق، ففي 1969 واأثناء احتفاالت يوم عيـــد اال�ستقلل اأعلنت جمهورية

اليمن الدميقراطية ال�سعبية فجاأة قطع علقاتها بالواليات املتحدة، وطرد

ال�سفـــارة االأمريكية من العا�سمة عدن. ومل يكن هذا التطور غريبا، خا�سة

واأن ال�سعوديـــة – حليفة الواليات املتحـــدة – كانت تدعم جماعات �سغرية

من اأبناء اجلنوب ومتدها بال�سلح، وكانت هذه اجلماعات حتاول االإطاحة

بالنظام من املهجر.

ومن املـــربرات االأخرى وراء خماوف الواليات املتحـــدة من اليمن اجلنوبي

اأن عـــدن كانت تقدم الدعـــم اللوج�ستي جلبهـــة املعار�ســـة الي�سارية، التي

كانـــت ت�ســـن ع�سيانا م�سلحا يف جنوب منطقة ظفـــار العمانية. اأي�سا يجب

اأن ال نن�ســـى اأن جبهة التحرير القومية هي حركة نبتت من حركة القوميني

العرب، وبالتايل كانت تربطها علقات وطيدة باجلماعات الفل�سطينية مثل

اجلبهـــة ال�سعبية لتحرير فل�سطني واجلبهـــة الدميقراطية القومية لتحرير

فل�سطـــني، وهي تنظيمات ناه�ست امل�سالـــح االأمريكية مرات عديدة. ومن

الوا�ســـح اأن الواليات املتحـــدة كانت تود روؤية تغـــريات يف عدن، ولكن يبدو

اأنهـــا مل تكن تعترب اأن موقف جمهورية اليمـــن الدميقراطية ال�سعبية ي�سكل

خطـــرا كافيا لتربيـــر اأي تدخل فعلي، بل اأن جمهوريـــة اليمن الدميقراطية

ال�سعبيـــة كانت يف االأ�سا�س بلدا �سغـــريا و�سعيفا وفقريا ال ميكنه فعل �سيء

�ســـوى اإحداث بع�س االأ�سرار الب�سيطة، لهـــذا كان بقائها على ذلك الو�سع

هو اخليار االأف�سل واالأقل خطرا.

1991 – الوحدة اليمنية واأزمة 1990

متثـــل �سنـــة 1990 نقطة حتـــول تاريخية بالن�سبـــة للعلقات

االأمريكيـــة - اليمنيـــة، اإذ �سهـــدت حتقيق الوحـــدة اليمنية

يف �سهـــر اأيار/مايـــو. وهذا االجنـــاز هو الهـــدف الذي كان

اليمنيون ي�سعون لتحقيقه منذ فرتة �سبقت ثورة 1962، غري

اأن الوجـــود الربيطـــاين يف اجلنـــوب كان ميثل عائقـــا اأمام

ذلـــك. وبعد ا�ستقلل عدن، تبنـــت حكومة اجلنوب منهجية

اأكرث راديكالية بينما اأ�سبحت حكومة ال�سمال اأكرث حتفظا،

فكان من نتائج ذلـــك التحول اندالع مناو�سات حدودية عام

1972 وعـــام 1979 وانتهت بتجديد االلتزامـــات لل�سعي وراء

حتقيق الوحدة. واأهم تغري يف املحيط �سمح لعملية التن�سيق

للوحـــدة بـــني ال�سطرين هو انهيـــار االحتـــاد ال�سوفيتي عام

1989، ففقد اليمن اجلنوبي بهذا ن�سريه االأول، االأمر الذي

اأدى اإىل اإفل�س اجلنوب. )هذا باالإ�سافة اإىل اأن ال�سراعات الدموية التي

ن�سبـــت عـــام 1969 و1972 و1982 و1986 ب�سفـــة خا�ســـة، اأدت اإىل ت�سفية

ال�سخ�سيـــات ال�سيا�سية االأ�سا�سية يف نظام اجلنوب واأ�سبحت هناك قيادة

عملية اأكرث من �سابقتها(. فلم يكن لدى عدن اأي خيار �سوى القبول بالوحدة

مع ال�سمال وحتت �سروط اليمن ال�سمايل اأ�سا�سا.

ولكن ما اأن م�ست اأ�سهر قلئل على حتقيق الوحدة حتى وجدت اجلمهورية

اليمنيـــة اجلديـــدة نف�سها اأمام اأزمة خطرية نتيجة غـــزو العراق للكويت يف

اآب/اأغ�سط�ـــس 1990، اإذ كانـــت تربـــط اليمن والعراق خـــلل حكم �سدام

ح�سني علقـــات حميمة ن�سبيا، وان�سمت اليمن مـــع االأردن لت�سكيل جمل�س

التعاون العربي كمحاولة للقتـــداء مبجل�س دول التعاون اخلليجي الناجح.

عـــلوة على ذلـــك، كان الراأي العام يف اليمن موؤيـــدا بقوة لت�سرف العراق

�ســـد الكويـــت. ولكـــن االأهم من هذا كلـــه، اأن اليمن كانت مـــن بني اأع�ساء

جمل�س االأمن التابع للأمم املتحدة يف ذلك احلني، ودفعها كل من علقتها

بالعراق والراأي العام يف الداخل اإىل االمتناع عن �سل�سلة من القرارات التي

اتخذهـــا جمل�ـــس االأمن الإدانة العـــراق وحترير الكويت، فـــكان عاقبة ذلك

ترحيل مـــا يقارب مليون عامل مينـــي من ال�سعودية، واإلغـــاء كافة املعونات

التـــي تقدمها الواليات املتحدة والدول الغربية. وانق�ست �سنوات طويلة قبل

اأن تنال اليمن ر�سا وا�سنطن، كما مل تعد العلقات الدبلوما�سية مع الكويت

حتى عام 1999.

وظلت العلقات بني اأمريكا واجلمهورية اليمنية فاترة من مطلع الت�سعينيات

حتـــى منت�سفها، مع وجود بع�ـــس امل�سالح االأمريكية التي من اأهما ح�سول

�سركـــة النفـــط االأمريكيـــة “هنت” على عقـــد االمتياز ال�ستخـــراج النفط،

وكذلـــك اإر�ســـاء املناق�سة على �سركة “كنيديـــن اأوك�سيدنتل” )وهي �سركة

كنديـــة تابعة الأحـــد ال�سركات االأمريكية(، كما �سعـــت الواليات املتحدة اإىل

حت�ســـني العلقات بني الريا�س و�سنعـــاء. باالإ�سافة اإىل ذلك، كان الرئي�س

علـــي عبـــداهلل �سالح الذي توىل �ســـدة احلكم عام 1978 ذكيـــا بتبنيه نوعا

مـــا من املبـــادئ الدميقراطية وتطبيقهـــا، كانعقاد انتخابـــات حرة لت�سكيل

جمل�س النواب، وهو االأمر الذي لفت انتباه وا�سنطن خا�سة واأنه كان هناك

ت�سديد على املفاهيم الدميقراطية وتطبيقها كدرع

واق لل�سيا�ســـة االأمريكية املعلنـــة يف ال�سرق االأو�سط

اآنـــذاك. وقد فتح املعهد اجلمهوري الوطني واملعهد

الدميقراطي الوطني مكاتبا لهما يف �سنعاء ملراقبة

�ســـري عمليـــة االنتخابـــات، والت�سجيـــع علـــى اتخاذ

املزيد من اخلطى جتاه الدميقراطية.

الوليات املتحدة وحرب 1994 الأهلية

بعـــد حتقيـــق الوحـــدة عـــام 1990 وجـــد اجلنـــوب

نف�ســـه قـــد تقل�ـــس �سريعـــا من دولـــة م�ستقلـــة اإىل

عدد مـــن املحافظات، اأقل م�ساحـــة و�سكانا، �سمن

حـــدود اليمن املوحد. ويف بدايـــة االأمر كان احلزب

اال�سرتاكي اليمني ميثل ال�سريك الثاين يف ال�سلطة

بعد املوؤمتر ال�سعبـــي العام، وكانت القيادة الوطنية

متمثلـــة يف جمل�س رئا�سي مـــن خم�سة اأع�ساء. لكن

(

حتليلت اليمن والعامل

انزعجت الوليات

املتحدة من عالقات اليمن

بعراق �سدام، فت�ساءلت

امل�ساعدات الأمريكية

واأغلقت وكالة التنمية

الدولية مكتبها يف �سنعاء

كان وا�سحـــا اأن الرئي�ـــس �سالـــح هو من م�ســـك بزمام

ال�سلطة الفعلية، كما مت اإحلل املجل�س فيما بعد. وانتقل

احلـــزب اال�سرتاكي اإىل �ساحـــة املعار�سة عندما التفت

حـــزب املوؤمتـــر ال�سعبـــي العـــام اإىل حليفـــه االأول حزب

االإ�سلح املحافـــظ. اأي اأن �سعب اليمن اجلنوبي �سابقا

االأقـــل كثافة بكثـــري من �سعب ال�سمـــال، راأوا اأن احلزب

اال�سرتاكـــي اليمني مل يعد موؤثـــرا يف العملية الت�سريعية

كما يف ال�سيا�سة التطبيقية لليمن املوحد، فتحول الراأي

ال�سعبـــي يف اجلنوب مـــن موقف املعار�ســـة القوية �سد

احلـــزب اال�سرتاكي اليمني اإىل م�ساندته باعتباره رمزا

وطنيـــا للهوية اجلنوبية. ومع مرور االأيـــام ات�سح متاما

اأن الرئي�ـــس �سالح مل يكن يعترب اجلنوب �سطرا م�ساويا

يف الدولة.

وبحلـــول عـــام 1994 ازداد الو�ســـع توتـــرا اإىل درجة اأن

ال�سيا�سيـــني اجلنوبيـــني ان�سحبـــوا اإىل عـــدن، ويف �سهر

اأيار/مايو قام قـــادة احلزب اال�سرتاكي اليمني بتجميع

اأكرب عدد ممكن من ال�سخ�سيات ال�سيا�سية يف اجلنوب،

حتى تلك ال�سخ�سيات التي تنتمي للجناح اليميني الذين

كانـــوا معار�ســـني جلبة التحريـــر القومية واحلزب اال�سرتاكـــي اليمني قبل

اال�ستقـــلل، ثم اأعلنـــوا عن جمهورية اليمـــن الدميقراطية اجلديدة كدولة

م�ستقلـــة، فاندلع القتال مبا�سرة بني وحـــدات اجلي�س ال�سمالية واجلنوبية،

لكن القوات اجلنوبية تراجعت تدريجيا اإىل عدن ومن ثم اإىل ح�سرموت يف

ال�سرق، ومت ح�سم املعركة ل�سالح القوات ال�سمالية يف غ�سون اأ�سابيع.

ومل تتخذ الواليات املتحدة موقفا حمددا جتاه احلرب، واإمنا اكتفت بتاأييد

دعـــوة جمل�س التعـــاون اخلليجي لوقف اإطلق النار، وهـــو االأمر الذي لو مت

لـــكان يف �سالح اجلنوب. ورغم هذا �سرح الرئي�س �سالح فيما بعد جلريدة

“تاميـــز” الكويتية بقولـــه “اإن الواليات املتحدة كانت توؤيـــد وحدة اليمن، وكنا قد ح�سلنا على ال�سوء االأخ�سر منها للحفاظ على الوحدة. والواليات

املتحـــدة تريد اإقليما )مينا( موحـــدا ولي�س مق�سما، وهـــذا ما �سعرنا به”.

وبعـــد ذلك باأ�سهر قليلة حت�سنت العلقات الثنائيـــة بني البلدين، ودل على

هذا التطـــور الر�سالة التي اأر�سلها الرئي�س بيل كلينتون اإىل الرئي�س �سالح،

وحـــث فيها على خلق علقات جيـــدة بني اليمن وال�سعوديـــة. وبح�سب اأحد

ال�سحـــف العربية، فاإن رف�س اليمـــن ال�ستقبال مدربـــني عراقيني لتدريب

قواتهـــا على مقاتـــلت )ميـــج- 29( كان هـــو ال�سبب اجلوهـــري وراء هذا

التغـــري. وتلقت فكـــرة دعم الواليـــات املتحـــدة للتو�ســـل اإىل اتفاقية حدود

�سعوديـــة - مينية باملزيد مـــن التاأييد من خلل ما قالـــه ال�سفري االأمريكي

لـــدى �سنعـــاء عام 1997. ويف نف�س العام ظهر موؤ�ســـر اآخر يدل على حت�سن

العلقـــات، وهو اإر�ســـال وا�سنطن لفريق مـــن اخلرباء الإزالـــة االألغام التي

خلفتها حرب 1994.

وبحلول 1998 اأ�سبحت اليمن تتعاون مع الواليات املتحدة من خلل ال�سماح

لل�سفن االأمريكية بالتعريج على ميناء عدن والتزود بالوقود. لكن هذا املناخ

االيجابـــي تغري بعد االعتـــداء على املدمرة االأمريكية “كول” يف ميناء عدن

عـــام 2000، وكذلك هجمات احلادي ع�سر مـــن اأيلول/�سبتمرب التي حدثت

بعد مرور �سنة من الهجوم على املدمرة “كول”.

العالقات الأمريكية - اليمنية بعد الهجوم

علــى املدمــرة الأمريكية “كــول” واأحداث

اأيلول/�سبتمرب 2001

كانـــت هناك موؤ�ســـرات اأخرى عـــن التح�ســـن الطفيف

واملتـــدرج يف العلقـــات بني البلدين خـــلل فرتة اأواخر

الت�سعينيـــات وما بعدهـــا. وبالتاأكيد كانت اليمن يف ذيل

قائمـــة اأولويـــات وا�سنطن، ولكن مل مينـــع هذا من حث

اليمـــن وال�سعوديـــة الإقامـــة علقة اأف�ســـل بينهما. ومن

ناحية اأخرى، كانت لدى �سنعاء ووا�سنطن وجهات نظر

متباينـــة متاما ب�ســـاأن الق�سايا العربيـــة - االإ�سرائيلية،

كمـــا انزعجـــت الواليـــات املتحـــدة من علقـــات اليمن

بعراق �سدام، فت�ساءلت امل�ساعدات االأمريكية واأغلقت

وكالة التنمية الدولية مكتبها يف �سنعاء.

وعلـــى �سعيـــد العلقـــات االقت�ساديـــة، فقـــد ا�ستمرت

بني البلديـــن ولكن على م�ستوى متـــدين، وهو ما يعك�س

م�ستوى العلقات ال�سيا�سية، اإذ بلغ اإجمايل ال�سادرات

مـــن الب�سائع االأمريكية اإىل اليمـــن عام 2002 ما قيمته

366 مليـــون دوالر فقط، وهو مبلغ زهيد جدا مقارنة مببلغ مليار دوالر قيمة

ال�ســـادرات االأمريكية اإىل الكويت على �سبيل املثـــال. اأما الواردات اليمنية

اإىل اأمـــريكا فبلغت 246 مليون دوالر، ومعظمهـــا من النفط اخلام والقهوة،

وعند مقارنتها مرة اأخرى بالواردات من الكويت جندها �سئيلة جدا مقابل

ملياري دوالر. كما اأن الواليات املتحدة ملحت اإىل رغبتها يف التفاو�س ب�ساأن

التو�سل اإىل اتفاق للتجارة احلرة مع اليمن، وذلك كجزء من اإطار جتارتها

االإقليمية االأو�سع.

وكان النفـــط هو اأكرب عامل يف العلقـــات االقت�سادية، حيث بداأت ال�سركة

االأمريكيـــة “هنت” التنقيـــب يف اليمن على الياب�سة عـــام 1981 ويف البحر

عام 1984، وقد اكت�سفت النفط عام 1984 يف حمافظة ماأرب الواقعة �سرق

�سنعـــاء يف منطقـــة متتد عـــرب احلدود مع اليمـــن اجلنوبي �سابقـــا. ثم بداأ

العمل يف مد اأنابيب النفط اإىل �ساحل البحر االأحمر واإن�ساء م�سفاة حملية

يف حمافظـــة ماأرب. ويف عـــام 1987 بداأ ت�سدير النفـــط مبعدل اأويل و�سل

130.000 برميل يوميـــا. اأما اال�ستك�سافات النفطية التي قامت بها “هنت”

داخل البحـــر فقد ف�سلت يف العثور على حقول نفطية، كذلك اأخفقت جهود

�سركـــة “اإك�سن” و�سركة “تك�سيكو” يف حقول اأخـــرى، فان�سمت “اإك�سن”

ك�سريـــك مـــع �سركة “هنت” يف �سركة النفط اليمنيـــة التي تقوم بت�سغيل

القطاع رقم )18(.

وبعـــد الوحدة اليمنية بداأت �سركة النفط الكنديـــة “كنيديان اأوك�سدنتل”،

التابعـــة لل�سركة االأمريكية “اأمريكان اأوك�سدنتـــل”، باإنتاج النفط يف قطاع

امل�سيلـــة مبحافظة ح�سرموت، وهي املنطقة التي كانت تتبع اليمن اجلنوبي

�سابقـــا. و قبيـــل احلـــرب االأهلية عـــام 1994 كانت “هنت” تنتـــج 170.000

برميل يوميا بينما كانت �سركة “كنيديان اأوك�سدنتل” تنتج 150.000 برميل

يوميـــا. لكن عملية االإنتـــاج يف املنطقتني توقفت موؤقتـــا اأثناء احلرب. ومن

املنجـــزات االأخـــرى التي حتققت بعـــد الوحدة مد خطـــني اأنابيب نفط اإىل

مينـــاء ال�سحر على البحر العربي واإىل �سواحل الن�سيمة يف خليج عدن، وهو

ما �سهل عملية الت�سدير من عدة اجتاهات.

(انت�سرت �سائعات مفادها

اأن �سنعاء �ستمنح

الوليات املتحدة قاعدة،

خا�سة على جزيرة

�سقطرى، وهو ما دفع

بالرئي�ص �سالح للقول:

»لي�ص من �سيا�ستنا منح

الوليات املتحدة من�ساآت«

Page 15: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 28 29ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

(

وبف�ســـل عمليات اال�ستك�ســـاف واالكت�سافات النفطيـــة يف عدد من احلقول

اجلديدة بلغ اإنتـــاج اليمن من النفط ذروته عام 2000 حيث و�سل 450.000

برميل يوميا. ولكن ما اأن اأ�سبحت احلقول قابلة للدفع واجهت اليمن م�سكلة

تدهـــور م�ستوى االإنتاج با�ستمـــرار رغم اجلهود املتوا�سلـــة من قبل الدولة،

فقـــد تراجع معـــدل االإنتاج اإىل 380.000 برميل يوميـــا عام 2006 و317.000

برميل يوميا. اإ�سافة اإىل اأن عملية االإنتاج تعرقلت من حني اإىل اآخر نتيجة

الهجمـــات املتكررة علـــى اأنابيب النفط التي قامت بهـــا القبائل ال�ساخطة،

وكذلك االإ�سرابات العمالية.

وتعر�ست امل�سالح االأمريكية النفطية اإىل �سربة عام 2005 عندما �سادرت

اليمـــن حق االمتياز مـــن �سركتي “هنت” و”اإك�سن موبايـــل” وتنازلت عنه

ل�سركـــة حكوميـــة. فطلبـــت ال�سركتان العـــودة اإىل التحكيم الـــدويل بحجة

انتهـــاك حقـــوق العقـــد، ويف اآب/اأغ�سط�ـــس 2008 حكمت حمكمـــة التجارة

الدوليـــة ل�سالح اليمـــن. ورغم ذلك اخللف ا�ستمـــرت �سركة “هنت” يف

ت�سغيل حقل جنة الذي بلغ متو�سط اإنتاجه يف ال�سنوات االأخرية اإىل 45.000

برميل يوميا، ولعبت هذه ال�سركة اأي�سا دورا يف تطوير عملية ت�سدير الغاز

الطبيعـــي امل�سال يف اليمن منـــذ 1997، ومتتلك ح�سة كبرية يف �سركة الغاز

الطبيعـــي امل�سال اليمنيـــة. وكان من املتوقع اأن يبـــداأ ت�سدير اأول �سحنة يف

كانون االأول/دي�سمرب 2008.

وهناك تاريخ طويل، واإن كان متقطع، من امل�ساعدات التنموية التي قدمتها

الواليات املتحدة لليمن، ابتداء بت�سييد الطرقات خلل اآخر �سنوات احلكم

االأمامـــي يف ال�سمـــال. وا�ستمرت امل�ساعـــدة ب�سورة متقطعـــة على م�ستوى

متدين بعد انتهـــاء احلرب االأهلية يف ال�سمال )1962 – 1970( وحتى 1990

عندما جفت منابع املعونات التنموية املقدمة من اأمريكا وغريها من الدول

الغربيـــة، حيث مل تبلغ معونـــات وكالة التنمية الدولية حتى عام 1993 اإال ما

يقـــارب اأربعة مليـــون دوالر، وهو ما ميثل خم�س املعونـــات املقدمة يف مطلع

فـــرتة الثمانينات. وبحلول 1995 ارتفعت امل�ساعـــدات اإىل 9.4 مليون دوالر،

ولكـــن باملقابل ارتفعت املديونية اليمنية امل�ستحـــق دفعها للواليات املتحدة،

اإذ و�سلـــت اإىل ما يقارب 102 مليون دوالر يف نف�س ال�سنة. ويف 1998 اأبرمت

اتفاقيات ثنائية الإعفاء اليمن من 17 مليون دوالر من املديونية.

وقـــد اأغلقـــت وكالـــة التنمية الدوليـــة براجمهـــا يف اليمن عـــام 1996، لكن

حت�سنـــت االأو�ســـاع يف اليمـــن بحلـــول 2003 وا�ستاأنفـــت الوكالـــة براجمها

للإعانة وا�ستهدفت خم�س حمافظات فقرية يف �سمال و�سمال �سرق اليمن،

وهي �سعدة واجلـــوف وعمران وماأرب و�سبوة، وركـــزت على �سحة االأمومة

والطفولـــة والتعليـــم االأ�سا�سي والدخل والتاأمني الغذائـــي وت�سجيع املفاهيم

الدميقراطية يف تلك املناطق. ولي�س من امل�سادفة اأن تعاين هذه املحافظات

كثريا من عدم توفر البنيـــة التحتية االجتماعية واالقت�سادية الكافية، وقد

مت ا�ستهدافها الأنه كان هناك �سعور باأن هذه املناطق عر�سة لعملية التجنيد

االإرهابي، ومتثل ملذا اآمنا للعنا�سر االإرهابية.

ويف 2004 اأ�سبحـــت اليمن من الدولة امل�ستحقة للإعانة املقدمة من برنامج

موؤ�س�سة حتدي االألفية )وهو فرع من احلكومة االأمريكية يقدم اإعانة الأفقر

دول العـــامل(، فح�سلت على 14.8 مليون دوالر كم�ساعدة خلل 2005، لكن

هـــذا املبلـــغ انخف�س اإىل ت�سعة مليـــون دوالر يف العام التـــايل، وذلك نتيجة

ل�سحب اأهلية اليمن لنيل دعم هذا الربنامج نظرا لقمع ال�سحفيني وتف�سي

الف�ســـاد. ولهـــذا مل حت�سل اليمـــن على 30 مليون دوالر مـــن برنامج حتدي

االألفيـــة امل�ستحـــق تقدميـــه لليمن عـــام 2007 وخ�سرت اأي�ســـا اأكرث من 100

مليـــون دوالر من معونات البنك الـــدويل. ويف ت�سرين الثاين/نوفمرب 2007

اأعلن برنامج موؤ�س�سة حتدي االألفية اأن اليمن ا�ستعادت اأهليها للدعم كونها

قامـــت مبا فيه الكفاية مـــن االإ�سلحات التي �سملت بـــذل اجلهود ملكافحة

الف�ســـاد، واإ�سلحات ق�سائية، و�سن قوانـــني امل�سرتيات، واإجراء انتخابات

حـــرة، واإعادة تقييم قانون ال�سحافة القا�ســـي، وتنفيذ اإ�سرتاتيجية وطنية

للإ�سلح. فقام الربنامج مبنح اليمن 20.6 مليون دوالر يف الثاين ع�سر من

اأيلول/�سبتمرب 2007، وذلك ملحاربة الف�ساد وحت�سني �سيادة القانون.

عـــلوة على املزيد من الربامج االإ�سافيـــة لدعم الرعاية ال�سحية والتعليم

والزراعـــة، ا�ستهدفت املعونات املقدمـــة من وكالة التنميـــة الدولية لليمن،

االإ�سرتاتيجيـــة الوطنية للمركزية، مع دعـــم املجال�س املحلية على م�ستوى

املحافظات واملديريات فيما يتعلق بالتخطيط وو�سع امليزانية واالإدارة. كما

قدمت الدعم للجنة العليا للنتخابات، وكذلك برامج االإ�سلح بني القبائل

اليمنية.

املخــاوف الأمنيــة مـــن اأهـــم االأ�سبـــاب التي لفتت االهتمام

االأمريكـــي اإىل اليمن منذ 2001 االعتقاد باأن البلد ميثل - اأو ميكن اأن ميثل

- مـــلذا للعنا�ســـر االإرهابية. وقـــد ظهرت خماوف �سديـــدة خلل العقود

ال�سابقة نتيجة ل�سعف الدولة املركزية يف ال�سمال، وظهور توجه اأيديولوجي

يف اجلنـــوب. كما اأن العديد من عنا�سر منظمة التحرير الفل�سطينية جلاأوا

اإىل ال�سمال بعد االجتياح االإ�سرائيلي للأرا�سي اللبنانية عام 1982، كما اأن

اجلنـــوب ا�ست�ساف جماعات فل�سطينيـــة علمانية متطرفة على مر ال�سنني.

وبعد ذلك، عندما ان�سحب االحتاد ال�سوفيتي من اأفغان�ستان، عاد ما يقارب

60.000 مـــن العرب االأفغان اإىل اليمـــن وبدئوا الن�ساط التجاري يف املناطق

النائيـــة، واأخـــذوا يوؤثرون يف املتطرفـــني املحليني وك�سبـــوا تاأييد اخلارجني

عـــن الدولة. واقتنـــع الكثري من اليمنيني بـــاأن ال�سعودية كانـــت تروج للفكر

الوهابي �سديد التحفظ يف اليمن، واأن من بني االأجانب كان يوجد متطرفني

اإ�سلميني.

وبالفعـــل كانـــت هناك اأدلة علـــى بروز ظاهرة التطرف قبـــل 2001، فقد مت

تفجـــري قنابل عـــام 1993 يف فندقـــني مبدينة عدن حيث كانـــت تقيم قوات

املارينـــز االأمريكية وهي يف طريقهـــا اإىل ال�سومال، وعلى اإثر ذلك �سحبت

الواليـــات املتحدة جنودها مـــن عدن التي كانت مبثابـــة حمطة متويل وقود

للقـــوات االأمريكيـــة. كما ا�ستبه يف اأحد اليمنيني علـــى االأقل باأنه متورط يف

تفجـــريات 1998، التي نفذتها القاعدة �سد ال�سفـــارات االأمريكية يف كينيا

وتنزانيا. ويف مطلع 1999 تلقت ال�سفارات الربيطانية واالأمريكية تهديدات،

وهـــو مـــا اأدى اإىل ان�سحاب فرق اإزالة االألغام التابعـــة للواليات املتحدة ملدة

ثلثة اأ�سهـــر. ويف حزيران/يونيو 2001 تلقت ال�سفارة االأمريكية املزيد من

التهديـــدات اأجربتها علـــى نقل تابعياتها مـــن البلد وكذلك الفـــرق التابعة

ملكتـــب التحقيقـــات الفيـــدرايل )اإف. بي. اآي( التي كانـــت حتقق يف حادثة

املدمرة “كول”.

وهـــذه احلادثة تعد االأهم على االإطلق، وقد حدثت مبيناء عدن يف ت�سرين

االأول/اأكتوبـــر 2000 عندمـــا اقرتب قارب حممل باملتفجـــرات من ال�سفينة

حتليلت اليمن والعامل

احلربيـــة االأمريكية ون�سفها، حمدثا فجوة يف جانب ال�سفينة واأ�سفر عن

م�سرع �سبعة ع�سر بحارا كانوا على منت ال�سفينة “كول”، وكذلك مقتل

االنتحاريني. وبعد مرور �سنتني تعر�ست ناقلة النفط الفرن�سية “ملربج”

للهجوم قبالة ال�سواحل اليمنية.

ومـــع اأن هاتني احلادثتني هما ما لفت اأغلـــب االنتباه، اإال اأنهما مل تكونا

الوحيدتـــني اأو االأخريتـــني، ففي اأبريل 2002 اأغلقـــت ال�سفارة االأمريكية

ب�سنعـــاء اأبوابهـــا ملـــدة اأ�سبوع نتيجـــة لتهديـــدات اإرهابيـــة تلقتها. كما

اأحبطت حماولة اإرهابية لقتل ال�سفري االأمريكي يف اأيار/مايو 2004. ويف

ني�سان/اأبريـــل 2005 اأغلقت ال�سفارتان الربيطانية واالأمريكية اأبوابهما

مـــرة اأخرى، واأخلي موظفيهمـــا غري الر�سميـــني ورعاياهما. ويف كانون

االأول/دي�سمرب 2006 اأطلـــق اأحد اليمنيني النار على ال�سفارة االأمريكية

با�ستخـــدام AK-47، لكنه جرح واألقي القب�س عليه من قبل قوات االأمن

اليمنية، لكن مل يت�سح ما اإذا كانت احلادثة عملية اإرهابية اأم ال.

وكان اآخـــر هجوم �ســـد امل�سالح االأمريكية يف ال�سابـــع ع�سر من اأيلول/

�سبتمرب 2008، عندما �سدمت �سيارتان احلواجز الوقائية اأمام ال�سفارة

االأمريكية ب�سنعـــاء، حيث انطلقت ال�سيـــارة االأوىل نحو مبنى ال�سفارة

وقام عدد من املهاجمـــني باإطلق النار على احلر�س م�ستخدمني قنابل

�ساروخيـــة وبنادق، بينما انطلقت ال�سيارة الثانية بعد ذلك نحو البوابة

وانفجـــرت يف عملية انتحارية. واأدى ذلـــك الهجوم اإىل مقتل �ستة ع�سر

�سخ�ســـا، وهـــم املهاجمون ال�ستـــة و�ستة مـــن حر�س االأمـــن واأربعة من

الواقفـــني اأمام ال�سفارة، كان مـــن بينهم مواطنة اأمريكية. لكن الهجوم

ف�سل يف اخرتاق ال�سفارة.

التعاون الع�سكري الأمني بن الوليات املتحدة

واليمن بداأت العلقات الع�سكرية تتح�سن من 1990

– 1991، وقـــد انت�سرت �سائعات مفادها اأن �سنعاء �ستمنح الواليات املتحدة

قاعدة، خا�ســـة على جزيرة �سقطرى، وهو ما دفـــع بالرئي�س �سالح للقول:

“لي�ـــس من �سيا�ستنـــا منح الواليات املتحدة من�ســـاآت”. ويف ني�سان/اأبريل 1998 عرج م�ساعد وزير اخلارجيـــة االأمريكي ل�سوؤون ال�سرق االأدنى مارتن

اإنديـــك على العا�سمة �سنعـــاء، وبعد �سهر زار اليمن اجلرنال اأنتوين زيني،

قائـــد القوات املركزية االأمريكية، وعقد حمادثـــات مع الرئي�س �سالح. وقد

كانـــت تلك الزيـــارة االأوىل من نوعها، وكان ورائهـــا - اإىل حد ما - �سعوبة

احل�ســـول على موافقة البحرين بال�سمـــاح للواليات املتحدة باإقامة من�ساآت

ع�سكرية اأثناء ال�سربات اجلوية على العراق عام 1998.

ولي�س مـــن امل�ستغرب اأن تطمـــع الواليات املتحدة يف ا�ستخـــدام ميناء عدن

املتميـــز؛ فهـــو لن يوفر بديل للقواعد يف اخلليـــج اإذا لزم االأمر فح�سب، بل

ويتميـــز مبوقع منوذجي قريب من خطوط امللحة يف البحر االأحمر والقرن

االأفريقي املتقلـــب. اأي�سا من املحتمل اأن الواليـــات املتحدة �سعت للح�سول

علـــى نفـــوذ اأكـــرب يف اليمن لكي ت�ســـد على يـــد الدولة للعمل �ســـد الن�ساط

االإ�سلمـــي ولتعزيـــز العلقـــات مـــع ال�سعودية. وقـــد كان هنـــاك دليل على

الطموحـــات الع�سكريـــة االأمريكية، فقد ر�ست ثاين �سفينـــة حربية اأمريكية

يف مينـــاء عدن منذ 1967، كما مت حتديد جـــدول زمني للمزيد من زيارات

ال�سفن، وجرى مترين م�سرتك �سغري. واأعلن نائب م�ساعد وزير اخلارجية

االأمريكـــي اجلديـــد ل�ســـوؤون ال�سرق االأدنـــى، رونالد نيومان، خـــلل زيارته

ل�سنعـــاء يف اأيار/مايـــو 1998 باأن رغبـــة الواليات املتحـــدة اأكرث من جمرد

رغبـــة اأمنيـــة، اإذ قـــال: “مل تول الواليات املتحدة اليمـــن اهتماما منذ فرتة

طويلة، ولكننا بداأنا ندرك دور اليمن القيادي كم�سلح دميقراطي، واأهميته

ال�ستقرار املنطقة”.

وظلـــت العلقات االأمنية يف تقدم خلل 1999، مع زيارة زيني الثالثة خلل

اأقل من �سنتني وو�سط اإ�ساعات من اأن الواليات املتحدة تنوي ا�ستخدام اليمن

كنقطة اإعداد وانطلق ع�سكرية، وفتح قاعدة للقوات البحرية يف �سقطرى،

وهـــو مـــا اأنكره زينـــي مبا�سرة. ولكـــن بعد هذا االإنـــكار باأيـــام، �سرح وزير

اخلارجيـــة اليمني اأنه لي�س لدى حكومته مانـــع يف ال�سماح للواليات املتحدة

من ا�ستخدام القواعد اليمنية “يوما ما اإذا كان ذلك يف �سالح اليمن”. ويف

عـــام 2000 عر�ست الواليات املتحدة الو�ساطة بـــني اليمن وال�سعودية، وهو

مـــا رف�سه ال�سعوديون باعتباره اأمرا غري �سروري. ومتحورت زيارة الرئي�س

�سالـــح اإىل وا�سنطـــن يف ني�سان/اأبريل 2000 حول تقديـــر الواليات املتحدة

لت�سهيـــل عملية اإجراءات خروج يهود اليمن، وتقدير الرئي�س �سالح للجهود

التنمويـــة التي تبذلها الواليات املتحدة يف اليمن. وعند حدوث الهجوم على

املدمـــرة “كـــول” يف ت�سرين االأول/اأكتوبـــر 2000 كان زيني قـــد زار اليمن

للمرة الرابعة وزارت القوات البحرية االأمريكية ميناء عدن ثلثة وع�سرين

مـــرة. وقد اأ�ســـر زيني على اأن العلقة )مع اليمـــن( قد تطورت بفعل موقع

عدن اال�سرتاتيجي، ولي�س كمحاولــــة للتملق لك�سب ر�سا احلكومة اليمنية.

وكان مــــن نتائــــج االعتداء على املدمــــرة “كول”، ح�ســــول ان�سحاب – ولو

موؤقت – لفرق اإزالة االألغام )االأمريكية(.

واجــه التعــاون الأمنــي بــن �سنعــاء و وا�سنطــن الكثــري مــن

امل�ساعب نتيجة لعدم التفاق على كيفية اإجراء التحقيقات

والتعامل مع امل�ستبه بهم

Page 16: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 30 31ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

وقد اأعاد ذلك الهجوم تركيــــز انتباه الواليات املتحدة على اليمن باعتباره

مــــلذا للعنا�ســــر االإرهابية، كما اأنه اأظهر اإىل حــــد كبري عدم قدرة اليمن

علــــى �سبط مياهها االإقليمية. واإذا تطلب االأمر منع حدوث اأعمال اإرهابية

مماثلــــة، فــــاإن اليمــــن �ستحتــــاج اإىل الكثري مــــن امل�ساعــــدة لتعزيــــز اأمنها

االإقليمي. ويف كانون الثاين/يناير 2001 زار اجلرنال تومي فرانك�س، خليفة

زيني، اليمن حيث مت ت�سكيل فريق اأمريكي- ميني م�سرتك لتعقب مرتكبي

الهجــــوم علــــى “كــــول”. وكان تقدمي امل�ساعــــدة من قبل الواليــــات املتحدة

االأمريكية من اأجل رفع م�ستوى اأمن مطاراتها بعد اأ�سهر من تعر�س طائرة

ال�سفري االأمريكي للختطاف، واأر�سلت وزارة اخلارجية االأمريكية اإدموند

هول، نائب من�سقها الرئي�سي ملكافحة االإرهاب، اإىل اليمن ك�سفري هناك.

وبعــــد ع�سرة اأ�سهــــر على مرور التفجــــريات، بداأت العلقــــات االأمريكية -

اليمنية تعــــود اإىل جمراها الطبيعي. ويف زيارة اأخــــرى اإىل �سنعاء، اقرتح

فرانك�ــــس القيــــام بتمرين م�سرتك مرة اأخــــرى، وا�ستئنــــاف تعريج ال�سفن

االأمريكيــــة على ميناء عدن. وبعد اأحداث احلادي ع�سر من اأيلول/�سبتمرب

تعقدت العلقات اأكرث بــــني البلدين. ومل تكن عنا�سر القاعدة على علقة

باالأن�سطــــة االإرهابيــــة يف اليمــــن من خــــلل حادثة “كول” فح�ســــب، بل اإن

وا�سنطــــن كانت مقتنعــــة باأن احلكومة اليمنية مل تكن جــــادة يف ا�ستئ�سال

اأن�ســــار القاعدة وغريهم من املتطرفني االإ�سلميني. وبعد مرور اأ�سبوعني

من اأحــــداث اأيلول/�سبتمرب، اأر�سل رئي�س الــــوزراء ووزير اخلارجية �سابقا

عبد الكــــرمي االرياين اإىل وا�سنطن ملناق�سة االأمــــور مع اجلانب االأمريكي.

ثــــم زار الرئي�س �سالح بنف�ســــه وا�سنطن يف ت�سريــــن الثاين/نوفمرب ليوؤكد

للواليــــات املتحدة ح�ســــن نواياه جتاه حماربة االإرهــــاب، ووافق على اإعطاء

جمــــال اأكرب للمحققني االأمريكيني للتحقيــــق يف حادثة “كول”. ويف مقابل

ذلــــك، اأبدت الواليات املتحدة ا�ستعدادهــــا لدعم القوات اخلا�سة اليمنية،

وتقــــدمي الدعم التنمــــوي للمحافظات النائيــــة حيث يعتقــــد اأن االإرهابيني

ين�سطون.

وباإعلنهــــا عن رغبتها يف التعاون، تفادت اليمــــن اإمكانية اأن تكون الهدف

التــــايل للواليات املتحــــدة بعــــد اأفغان�ستــــان. ولتاأكيد ح�سن

النيــــة اأعلنت الدولــــة اليمنية اأنها تقــــوم مبلحقة عدد من

العنا�ســــر القبلية امل�ستبه باأنهم عنا�ســــر اأ�سا�سية يف �سبكة

تنظيــــم القاعــــدة. ويف مطلــــع 2002 �سهــــدت �سنعــــاء عددا

مــــن الزيــــارات التي قــــام بها م�سئولــــون اأمريكيــــون للتاأكيد

علــــى احلاجة املا�سة للتعــــاون امل�سرتك يف ال�ســــوؤون االأمينة

ومكافحة االإرهاب. ومن �سمن تلك الزيارات: زيارة روبرت

مولــــر، مدير مكتــــب التحقيقات الفيــــدرايل، والتي قام بها

يف كانــــون الثاين/يناير، وزيارة جورج تينــــت، رئي�س وكالة

اال�ستخبــــارات املركزية، والتي قام بهــــا يف �سباط/فرباير،

وزيارة نائــــب الرئي�س االأمريكي ريت�ســــارد ت�سيني يف اآذار/

مار�س. علوة على ذلك، مت اإر�سال م�سئولني اأمريكيني اإىل

اليمن لتفقد الرتتيبات االأمينة يف عدن، كمقدمة ال�ستئناف

التعريــــج على ميناء عدن. ويف ت�سريــــن االأول/اأكتوبر ر�ست

�سفينــــة �سحن اأمريكية مبيناء عدن، وهــــي اأول �سفينة تقوم

بذلك بعد تفجري املدمرة “كول”.

ومــــع هذا، ظلت هناك خماوف حيال نوايا الرئي�س �سالح كونه - كما كان

يبدو - م�ستمــــر يف التعامل مع �سدام ح�سني، وقام ب�سراء �سواريخ �سكود

من كوريا ال�سماليــــة. اأي�سا قيل اأن عبد الرحيم النا�سري، رئي�س عمليات

تنظيــــم القاعدة يف اخلليج واملخطــــط االأول للهجوم على “كول”، حترك

بــــكل حريــــة يف اليمن، ولكن هذا مل مينــــع الواليات املتحــــدة من موا�سلة

التعــــاون مع �سنعاء باعتباره اأمرا �سروريا ال�ستئ�سال العنا�سر االإرهابية

يف املناطــــق النائيــــة. وباالإ�سافــــة اإىل القيــــام بتدريب اجلنــــود اليمنيني،

ت�سمــــن الدعــــم اإر�ســــال قــــوات خا�ســــة اإىل اليمــــن، كما بــــداأت طائرات

“بريداتــــور” التابعــــة للمخابرات املركزية االأمريكيــــة بالتحليق يف اأجواء املناطق اليمنيــــة، وا�ستخدمت اإحداها لقتل زعيم القاعدة يف اليمن علي

قائــــد �سنان احلارثي وزملئه يف ت�سرين الثاين/نوفمرب 2002 با�ستخدام

اأجهزة حتكم عن بعد. ومل تعرتف اليمن بتعاونها يف الهجوم اإال بعد مرور

اأكرث من �سنة.

وقــــد واجه التعاون االأمني بني البلدين الكثري مــــن امل�ساعب نتيجة لعدم

االتفاق على كيفية اإجراء التحقيقات والتعامل مع امل�ستبه بهم من ناحية،

ومــــن ناحية اأخرى نتيجة �سكــــوك ال�سعب اليمني مــــن وجود علقات بني

�سنعــــاء ووا�سنطن، بل وقامت مظاهرة يف �سنعــــاء يف اآذار/مار�س 2003

�ســــد الغزو االأمريكــــي املتوقع للعراق وقتــــل فيها اثنان مــــن املتظاهرين.

بعــــد ذلك بفــــرتة ق�سرية، اأ�ســــدرت وزارة اخلارجيــــة االأمريكية حتذيرا

مــــن ال�سفر اإىل اليمن، نظرا لتلقيها تهديــــدا اإرهابيا وطلبت من موظفي

تابعياتهــــا الرحيــــل مــــن اليمــــن يف اآذار/مار�ــــس، ومــــرة ثانيــــة يف اآب/

اأغ�سط�س. واأقنع ا�ستمــــرار التهديدات االإرهابية الرئي�س �سالح باأن يوفق

علــــى فتح مكتب تابع ملكتــــب التحقيقات الفيــــدرايل. ويف ت�سرين الثاين/

نوفمــــرب اأعلنت اليمــــن عن جناحها يف اعتقال زعيــــم القاعدة )اجلديد(

حممد حمدي االأهدل.

ومــــن اأ�سبــــاب اخلــــلف اأي�ســــا اإ�ســــرار الواليــــات املتحدة علــــى ت�سليمها

ال�سخ�سيــــة االإ�سلمية البارزة عبد املجيد الزنداين، الذي و�سفته وزارة

اخلزانــــة االأمريكيــــة باأنــــه اإرهابي عاملــــي من نوع

خا�س. وقد رف�س اليمن مطالبة الواليات املتحدة

بحجة اأنهــــا ال ت�ستطيع ت�سليم اأحد مواطنيها. كما

اأن الزنــــداين مــــن ال�سخ�سيــــات املوؤ�س�سة حلزب

االإ�سلح املعار�س، ويدير جامعة االإميان اخلا�سة

ويتمتــــع بتاأييد �سعبــــي كبري يف كل اأرجــــاء اليمن،

بــــل ويف اأو�ساط الدولــــة. ويف اأيلول/�سبتمرب 2005

طلبــــت اليمــــن ر�سميــــا من الواليــــات املتحــــدة اأن

ت�سقط التهم املوجهة �ســــد الزنداين كونها مبنية

على كلم �سحــــف متحزبة. وقالــــت �سنعاء لو اأن

هناك دليل فعلــــي فيجب ت�سليمه للحكومة اليمنية

وهــــي �ساحبة احلــــق يف اتخاذ االإجــــراء املنا�سب.

فعــــادت الواليات املتحــــدة اإىل الهجوم يف �سباط/

فربايــــر 2006 عندما اأر�سل الرئي�ــــس بو�س خطابا

اإىل �سالــــح يطلــــب منــــه اعتقــــال الزنــــداين، لكن

اليمــــن احتجت مــــرة اأخرى وطلبــــت الدليل الذي

حتليلت اليمن والعامل

(من املحتمل اأن الوليات

املتحدة �سعت للح�سول

على نفوذ اأكرب يف اليمن

لكي ت�سد على يد الدولة

للعمل �سد الن�ساط

الإ�سالمي ولتعزيز

العالقات مع ال�سعودية

يثبت تورط الزنداين يف العمليات االإرهابية.

لكن اليمن �سمحت نوعا ما للواليات املتحدة بالو�سول اإىل

االإرهابيني امل�ستبه بهم، وبامل�ساركة يف حماكمة امل�ستبه

بهم يف التــــورط بتفجريات “كول” اأثناء حماكمتهم يف

2004. وكانــــت حماكمة الكثري من املدعى عليهم جترى

غيابيــــا، مبن فيهم العقل املدبر عبد الرحيم النا�سري،

الذي كان يف اأحد ال�سجون االأمريكية ال�سرية ويف مكان

غري معــــروف. يف املقابل، وافقت الواليات املتحدة على

ت�سليــــم �سبعة من بني مائة معتقل ميني تقريبا يف �سبيل

اإحــــراز تقدم جتــــاه الدميقراطية، كمــــا دعت وا�سنطن

الرئي�ــــس �سالــــح لزيارتهــــا يف ت�سريــــن الثاين/نوفمرب

2005، وهــــي الزيــــارة الثالثــــة له منذ اأحــــداث احلادي

ع�ســــر مــــن اأيلول/�سبتمــــرب، ومتحــــورت حمادثاتــــه مع

الرئي�س بو�س ووزيــــرة اخلارجية كوندا ليزا راي�س حول

تن�سيق اال�سرتاتيجيات املكافحة للإرهاب، لكن قيل اأن

اإدارة بو�ــــس �سغطت على �سالح نظرا لعدم وجود تقدم

جتاه الدميقراطية يف اليمن.

وبعــــد اأ�سهــــر قليلة ن�ســــر اأن ال�سفــــن البحرية االأمريكية كانــــت جتوب املياه

االإقليميــــة لليمــــن �سعيــــا لتطويــــق منافــــذ الهــــروب البحرية، ملنــــع امل�ستبه

بانتمائهــــم للقاعدة ممن �ساركــــوا يف الهروب اجلماعي مــــن ال�سجن عام

2004 من الفــــرار. ويف اآذار/مار�س 2006 قام عملء املخابرات االأمريكية

بت�سليم ثلثة من اليمنيني املحتجزين يف اأماكن �سرية منذ 2003، وذلك بعد

اأن تو�سلت التحقيقات اإىل اأنه لي�س لهم علقات باأي عنا�سر اإرهابية.

وكان جمــــال البدوي من االأ�سبــــاب وراء اخللف اأي�ســــا، والبدوي هو اأحد

خمططــــي الهجوم علــــى املدمرة “كول” والذي فر مــــن ال�سجن عام 2004

ثم األقي القب�س عليــــه يف اأيلول/�سبتمرب 2006. واحتجت الواليات املتحدة

على اإطلق البــــدوي يف ت�سرين االأول/اأكتوبر 2007، وهددت بقطع االإعانة

التــــي يقدمهــــا برنامج حتدي االألفيــــة لليمن، وعندما ان�سحبــــت كونداليزا

راي�ــــس من منتدى امل�ستقبــــل للإ�سلحات يف ال�ســــرق االأو�سط الذي ترعاه

الواليــــات املتحدة األغت اليمن الفعالية. وخلل هــــذه الفرتة مل تكن ق�سية

البدوي وا�سحة، وقال م�سئولــــون مينيون اأنه مت اإطلق �سراح البدوي حتى

ي�ساعدهــــم يف تعقــــب عنا�سر القاعــــدة االآخرين، وهو خيــــار على ما يبدو

ين�سجم مع �سيا�سة اليمن الإعادة تعليم وتاأهيل املتطرفني االإ�سلميني.

لكــــن ذلك االأ�سلوب مل ينا�سب وا�سنطــــن، فاأر�سلت االإدارة االأمريكية مدير

مكتب املخابرات الفيدرايل روبرت مولر اإىل اليمن يف ني�سان/اأبريل 2008

ليعرب عن معار�ستها، ولكن الزيارة مل تثمر كثريا. اأي�سا الم اأحد عنا�سر

مكتــــب املخابــــرات ال�سابقني مــــن اأ�سل عربــــي اأمريكي، ممــــن �ساركوا يف

التحقيقات ب�ساأن حادثة “كول”، كل من موقف اليمن الفاتر وما كان يراه

�سيا�سة اأمريكية عدوانية ال داعي لها �سد اليمن.

ومــــع مــــرور ال�سنني بعــــد الهجوم علــــى “كول”، بــــداأت وا�سنطــــن بتجديد

علقاتها الع�سكرية مع اليمــــن بالتدريج، وا�ستاأنفت �سفن القوات البحرية

االأمريكيــــة زياراتها مليناء عدن، وقام اجلانبان بتدريبات م�سرتكة، كما مت

ت�سليــــم )اليمــــن( �سبعة زوارق حربيــــة عام 2004. اأي�ســــا �ساهمت الواليات

املتحدة ب�ســــكل فاعل يف ت�سكيل خفر ال�سواحل اليمنية،

وقدمــــت امل�ساعــــدة لوحدة مكافحــــة االإرهــــاب التابعة

لقوات االأمن املركزي اليمنية ووزارة الداخلية.

نظرة الوليات املتحدة جتاه ا�ستقرار اليمن

مل تكــــن النتيجــــة النهائيــــة لتاريخ التعــــاون امل�سطرب

واخللفات هذا �سوى خــــوف الواليات املتحدة امل�ستمر

من اأن اليمن لن تكون قادرة على فر�س �سيطرتها على

املتطرفــــني داخل نطــــاق حدودها الوطنيــــة. ويعود هذا

- اإىل حــــد مــــا - اإىل الو�ســــع االقت�ســــادي املتدهور يف

اليمن؛ فاليمن من اأفقر بلدان العامل، واأخذت مواردها

– النفط واملاء – تن�سب ب�سرعة وب�سكل م�ستمر. كما اأن النمــــو ال�ســــكاين، الذي يقــــرتب االآن مــــن 23 مليون

ن�سمة، يزيد الطني بلة. ومــــا يدعو للمفارقة اأن م�ساكل

اليمــــن املعقــــدة تزداد �ســــوءا يف �ســــوء ا�سطرارها اإىل

تقــــدمي املاأوى وامل�ساعدة ملواطنني قادمني من بلد يرزح

يف اأو�ســــاع اأكــــرث �سوءا مــــن اليمن، وهــــم ال�سوماليون

الذين يعربون البحر االأحمر باجتاه اليمن.

وال �سك اأن الرئي�س علي عبد اهلل �سالح، الذي توىل ال�سلطة منذ فرتة تزيد

عــــن ثلث قرن، اأثبــــت ذكاءه وحنكته اأكرث مما كان متوقــــع، وم�ستقبل البلد

بعــــده مدعــــاة للقلق. ونظام حكمــــه يعتمد على �سيطرتــــه ال�سخ�سية وعلى

قبيلته ال�سغرية وقبيلة اأخرى متحالفة مع احلكم. ويقال اأن الرئي�س �سالح

يعــــد ولده اأحمد كخليفــــة له يف احلكم مثلما فعل حافــــظ االأ�سد يف �سوريا،

ورمبــــا يفعل هذا ح�سني مبارك يف م�سر. لكن هناك �سك يف اأن يكون مثل

هذا التكتيك نافعا، واإذا �سح ذلك، فثمة �سكوك يف قدرة اأحمد على البقاء

يف ال�سلطة طويل يف ظل بيئة �سيا�سية هي يف االأ�سل قا�سية ومتفككة.

ومــــع اأن �سلطــــة الدولة املركزية قــــد حت�سنت كثريا بعد الوحــــدة اإال اأنها ما

زالــــت �سعيفــــة؛ فاملناطق النائيــــة املحاذية للربع اخلــــايل تتمتع با�ستقلل

ذاتــــي كبري وتاأوي الكثــــري من املتطرفني مــــع ح�سانة ن�سبيــــة. اإ�سافة اإىل

ذلك، تخو�س �سنعاء حربا طويلة �سد احلوثيني،

اجلماعــــة الزيدية ال�سيعيــــة يف �سمال اليمن،

وخلل هذه الفرتة ارتكبت الكثري من املجازر

الدمويــــة. ومع اأنه يبــــدو اأن االقتتال قد توقف

يف منت�سف 2008 )ومرة اأخرى يف اأواخر �سباط/

فرباير 2010(، اإال اأن اأ�سباب القتال الرئي�سية مل حتل بعد، والتي من بينها

نة يف اليمن ب�ســــكل عام ويف الدولة قلــــق الزيديني من تاأثــــري ال�سلفيني ال�س

ب�سكل خا�س.

علوة على ذلك، فكلما تعاونت اليمن اأكرث مع الواليات املتحدة فيما يتعلق

مب�سائل االإرهــــاب واالأمن، زادت معار�سة ال�سعب اليمنــــي، اإذ اأن الواليات

املتحــــدة ال حتظــــى ب�سعبيــــة يف ال�سرق االأو�ســــط وال ما وراء ذلــــك، واليمن

لي�ســــت م�ستثناة من هــــذا النطاق. وال �سك يف اأن هنــــاك مربرات واأ�سباب

وجيهــــة لتح�سني العلقات، لكن الطريق لي�ست معبدة اأو مفرو�سة بالورد،

كما اأن املحفزات لتعزيز العلقة ال تبدو كافية لتغيري ال�سيا�سات املتبعة.

(باإعالنها عن رغبتها

يف التعاون مع وا�سنطن،

تفادت اليمن اإمكانية

اأن تكون الهدف التايل

للوليات املتحدة

بعد اأفغان�ستان

اأواخر عام 2001

�لتايل

�لبحث يف م�سري �ملعتقلني

�ليمنيني ب�سجن غو�نتانامو

بقلم: عاي�س علي عو��س

Page 17: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 32 33ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

ب ف�ضول تعقق�ضة مل تنته بعدالبحث يف م�ضري املعتقلني اليمنيني ب�ضجن غوانتانامو

بداية الق�سة وتعقيداتها تزامن ظهور امل�سكلة مع

بدء ما ي�سمى باحلرب الدولية �سد االإرهاب، وعلى وجه التحديد يف

مطلــــع �سهر كانون الثاين/يناير عــــام 2002 عندما افتتحت الواليات

املتحدة �سجنا ع�سكريا يف خليــــج غوانتانامو بغر�س احتجاز امل�ستبه

بانتمائهــــم لتنظيم القاعــــدة لفرتات زمنية غري حمــــدودة، ا�ستنادا

اإىل قانــــون مكافحة االإرهاب ال�سادر يف اأواخر عام 2001 الذي خول

الرئي�س االأمريكي ال�سابق جورج دبليو بو�س اعتقال اأي م�ستبه به من

اأي مكان يف العامل وجلبه اإىل هذا املعتقل اأو ال�سجون ال�سرية التابعة

لوكالــــة املخابرات املركزية االأمريكيــــة يف اخلارج. ومن حينه، تواىل

و�ســــول املعتقلني اإىل خليج غوانتانامــــو تباعا حتى و�سل عددهم اإىل

720 �سخ�ســــا، ينتمــــون اإىل 40 دولة منهم 115 مــــن حاملي اجلن�سية

اليمنيــــة)1(. وعلى مدى الفرتة املمتــــدة من 2002 حتى 25 اأيار/مايو

2010 مل يعــــد اإىل اليمــــن من جمموع هوؤالء - كمــــا اأ�سرنا يف م�ستهل

هــــذا املقال - �سوى 14 معتقل، واثنــــني اآخرين عادا جثتني هامدتني

نتيجــــة وفاتهما داخــــل ال�سجن يف ظروف غام�ســــة، فيما بقية العدد

)99 �سخ�ســــا( مــــا زالوا رهــــن االعتقال مع اأن حــــواىل 58 من هوؤالء

كان قــــد تقرر االإفــــراج عنهم من قبــــل ال�سلطــــات االأمريكية يف عام

2007)2(، نظــــرا لعدم وجود ما يثبــــت اإدانتهم، وينطبق احلال نف�سه

علــــى االآخرين باإ�ستثناء اأربعة حمتجزين اأو ثلثة يحتمل حماكمتهم

اأمــــام اللجــــان الع�سكريــــة االأمريكية وهــــم رمزي بــــن ال�سيبة، وعبد

الرحيم النا�سري، ووليد بن عتا�س.

وميكن القول اإن املحادثات بني �سنعاء ووا�سنطن حول مو�سوع اإعادة

املعتقلني اليمنــــني يف �سجن غوانتانامو �سابها بع�س اجلمود ل�سنوات

عدة، فلم تبداأ فعليا �سوى يف مطلع عام 2008. وخلل اللقاءات التي

جمعــــت بني م�سئويل البلدين، اأبدت وا�سنطن رغبتها يف االإفراج عن

املعتقلني �سريطة اأن يعاد تاأهيلهم على غرار برنامج املنا�سحة املتبع

يف اململكة العربية ال�سعودية اأو قريبا من هذا النموذج على اأقل تقدير،

واأن لديهــــا اال�ستعداد لتمويل الربنامــــج وحتمل تكاليفه، ودعواها يف

ذلك اأن برنامج احلوار الذي طبقته اليمن يف الفرتة ال�سابقة مل يكن

فعــــاال بال�سكل املطلوب الأن بع�س خريجيه عــــاودوا ن�ساطهم القتايل

�سد القــــوات االأمريكية يف العراق)3(. كما اأن حوايل 70 �سخ�سا من

اإجمايل الـ 360 الذين اأفرجت عنهم ال�سلطات اليمنية حتى نهاية عام

2008 بنــــاء على برنامج احلوار الفكــــري، اأعيد اعتقالهم مرة اأخرى

بتهم تتعلــــق باالإرهاب، وال�سبب يف ذلك - من وجهة نظر اأمريكية -

اأن الربنامج ق�سر ن�ساطه علــــى املناظرات االأيديولوجية مع اأع�ساء

القاعدة بهدف ت�سحيــــح املفاهيم الفكرية لديهم، ومل توجد اأنظمة

دعــــم للأ�سخا�ــــس عندما يغــــادرون ال�سجون، ناهيك عــــن اأن تعامل

احلكومــــة اليمنية مع الذيــــن مت اإعادتهم يف الفــــرتة املا�سية مل يكن

بال�سكل املطلوب واإمنــــا كانت تكتفي باحتجازهم ملدد زمنية متفاوتة

ثم يطلق �سراحهم ب�سمانات جتارية اأو قبلية دون اأن يخ�سعوا لعملية

تاأهيل ت�ساعدهم على االندماج يف املجتمع من جديد.

حينهــــا رحبت احلكومة اليمنية باملقرتح االأمريكي، و�سرعت يف نف�س

العــــام باإعــــداد خطة الإ�ســــلح مواطنيها امل�سجونــــني يف غوانتانامو،

ت�سمنــــت يف طياتهــــا اإن�ســــاء مركز جديــــد لهذا الغر�س يكــــون اأ�سبه

باملخيــــم وجمهز مبعدات ريا�سية وغرف تتيــــح للمحتجزين االإلتقاء

بزوجاتهم واأ�سرهم على انفراد، باالإ�سافة اإىل اإعادة تاأهيلهم دينيا

م�سى على احتجاز ع�سرات من اليمنيني يف ال�سجن الع�سكري االأمريكي يف خليج غوانتانامو بكوبا ما يناهز

ثمـــان �سنـــوات، وال ب�سائر تلوح يف االأفق على نهايـــة قريبة للجدل الدائر حول هـــذه الق�سية حتى اللحظة.

�سحيـــح اأن نـــزالء املعتقـــل ينتمـــون اإىل دول �ستى، بيـــد اأن ن�سيب اليمـــن من الهم يبدو اأكـــرب من غريها؛

فخـــلل ال�سنوات املن�سرمة اأعيد مئات املعتقلني اإىل بلدانهم فيما مل يتجاوز عدد اليمنيني العائدين �سوى

14 �سخ�ســـا فقـــط، ويف الوقت احلا�ســـر ي�سكل حاملو اجلن�سية اليمنية اأكـــرب جمموعة يف املعتقل بواقع 99

�سخ�ســـا من اأ�سل 241 هم اإجمايل املحتجزين يف ال�سجن. و�ســـوف نحاول يف �سياق هذا التحليل، التعرف

علـــى االأ�سباب الظاهرة واخلفيـــة التي حتول دون عودة املعتقليني اليمنيـــني اإىل وطنهم، ومناق�سة البدائل

املطروحـــة من قبل االأطراف املعنية حلل امل�سكلـــة، باالإ�سافة اإىل حماولة ا�ست�سراف م�ستقبل هذا امللف يف

املرحلة املقبلة.

عني على اليمن فـي 60 يوماحتليلت وجهات نظر

اليمن والعامل

عاي�ص علي عوا�ص

[email protected]

عاي�س علي عوا�س باحث يف مركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.

Page 18: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 34 35ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

وثقافيــــا ومهنيا من قبل متخ�س�سني. و�سلرمــــت ن�سخة من الربنامج

للواليــــات املتحــــدة وعــــدد مــــن املنظمــــات الدوليــــة املعنيــــة بق�سايا

حقــــوق االإن�ســــان)4(، لكــــن االإدارة االأمريكيــــة تراجعــــت عــــن متويل

الربنامــــج ب�سبب رف�س الكوجنر�س يف منت�ســــف 2009 املوافقة على

متويــــل اخلطة التي تقدم بهــــا الرئي�س باراك اأوبامــــا الإغلق معتقل

غوانتانامو واملقــــدر تكلفتها بـ 80 مليون دوالر)5(، قيل اأن املخ�س�س

لليمــــن مــــن هذا املبلغ كان يف حــــدود 11 مليونا. ويعــــزو اآخرون ذلك

اإىل وجود �سكوك لدى بع�ــــس امل�سئولني االأمريكيني باأن املبالغ املالية

التــــي �ستقدم لليمن قــــد ت�سرف خارج ما هو حمدد لهــــا)6(، بيد اأن

الوقائــــع اأظهــــرت فيما بعــــد اأن امل�ساألة اأعقد من ذلــــك بكثري، اإذ ما

تزال غالبية النخبة ال�سيا�سية يف وا�سنطن ترى اأن اإعادة املحتجزين

اليمنيني اإىل بلدهم، وال�سيما يف �سوء تنامي ن�ساط تنظيم القاعدة

داخــــل االأرا�سي اليمنية يف االأعــــوام الثلثة االأخرية، و�سعف و�سائل

الرقابــــة االأمنية لدى احلكومة اليمنيــــة، قد يوؤدي اإىل خلق تهديدات

جديــــة مل�سالح الواليات املتحدة واأمنها القومــــي، وبرز ذلك بو�سوح

يف ت�سريحــــات اأحد امل�سئولني االأمريكيــــني التي قال فيها »اإن ترحيل

هــــوؤالء املت�سددين مــــن املعتقلني اإىل اليمن يعني - وبــــكل تاأكيد - اأن

علينا م�ستقبل اإما قتلهم اأو اأ�سرهم مرة اأخرى«)7(.

ومــــا يزيــــد امل�ساألة تعقيــــدا بالن�سبة للواليــــات املتحــــدة اأن عددا من

املعتقلــــني اليمنيــــني املتبقــــني م�سنفون لديهــــا على اأنهــــم »خطرون

جــــدا«)8(، وبالتايل فــــاإن اإر�سالهم اإىل اليمن ينطــــوي على خماطرة

كبــــرية. وب�ســــورة عامة، فــــان امل�سكلة من منظــــور وا�سنطن ال تتعلق

باملحتجزين اأنف�سهم بقدر ما تتعلق بالبيئة التي �سيعودون اإليها. وترى

وا�سنطن من هذا املنطلق اأن احلل االأمثل للم�سكلة هو ترحيل املعتقلني

اليمنيــــني اإىل اململكة العربية ال�سعودية واإعادة تاأهيلهم هناك بحكم

النجاحــــات الباهرة التي حققها برنامــــج املنا�سحة ال�سعودي، الذي

تعتــــربه االإدارة االأمريكيــــة من اأجنح الربامج علــــى م�ستوى املنطقة،

هذا من ناحيــــة. ومن ناحية ثانية، يرى امل�سئولــــون االأمريكيون، ويف

مقدمتهم وزير الدفاع روبرت غيت�س، اأن الربنامج امل�سار اإليه والذي

يعتمد كثريا على التقاليــــد ال�سعودية قد يكون ملئما ب�سورة اأف�سل

للمعتقلــــني اليمنيني الذين لهــــم �سلت بال�سعوديــــة، والأولئك الذين

تربطهــــم علقات اأ�سريــــة يف ال�سعودية)9(، ف�سل عــــن اأن ترحيلهم

اإىل اململكة، وهي دولة ذات قدرات مالية �سخمة، يعفي وا�سنطن من

اأي التزامات مالية مقارنة مبا هو عليه احلال يف اليمن.

لكن احلكومة اليمنية حتى هذه اللحظة تعار�س املقرتحات االأمريكية

التــــي تدعــــو اإىل ترحيل مواطنيها اإىل ال�سعوديــــة، اإذ اأن ت�سرف من

هــــذا القبيل يوحي بعــــدم اأهليتها للتعامل مع امل�سالــــة، وينتق�س من

�سرعيتهــــا ويظهرها مبظهــــر العاجز عن القيام باملهــــام والواجبات

املناطــــة بهــــا د�ستوريا. وتــــرى، يف املقابل، اأن احلل االأمثــــل للم�سكلة

هــــو ت�سليمها املحتجزيــــن ومعهم ملفات االتهــــام اأو االإدانة ال�سادرة

يف حــــق اأي �سخ�س منهم، وا�ستعدادهــــا ملحاكمة من يثبت تورطه يف

ارتكاب اأعمال اإرهابية)10(، وتكفلها يف نف�س الوقت باعادة تاأهيلهم

ودجمهــــم يف احلياة املدينة علــــى اأن تقوم الواليــــات املتحدة بتمويل

اجلهود املبذولة لتحقيق ذلك، باعتبارهــــا م�سئولة اأخلقيا وقانونيا

عــــن تعوي�ــــس املعتقلني عــــن االأ�سرار التــــي حلقت بهــــم خلل فرتة

احتجازهم يف خليج غوانتانامو.

ويف خ�ســــم اجلدل الدائر حول املو�سوع، يقول م�سئولون يف احلكومة

اليمنيــــة ان اأمــــريكا تريــــد اإعــــادة املعتقلــــني ب�سروطها هــــي دون اأن

يكــــون لليمــــن راأي يف ذلك، واحل�ســــول اأي�سا علــــى �سمانات موؤكدة

حتليلت اليمن والعامل

الوليــات املتحــدة اأ�سبحــت تواجــه يف الوقــت احلا�سر، واأكــر من اأي وقــت م�سى، �سغوطــا كبرية لإغــالق معتقل

غوانتانامــو، وهــو ما يدفعها للبحث عــن بدائل معقولة حلل امل�سكلة يف اأ�سرع وقت ممكــن بالتعاون مع الدول املعنية

بهذا ال�ساأن ومنها اليمن بطبيعة احلال

ونهائيــــة بعدم عــــودة هــــوؤالء اإىل مهاجمة امل�سالــــح االأمريكية وهذا

مطلــــب ي�ستحيل قبولــــه، الأن من ال�سعوبة مبــــكان التحكم يف �سلوك

االإن�سان ومعرفة النوايا التي ي�سمرها بباطنه. وحتاول يف �سوء ذلك

الو�ســــول اإىل تفاهمــــات م�سبقة مــــع وا�سنطن ب�ســــاأن املعتقلني عمل

مببداأ احليطة واحلذر، حتى ال يتحول هوؤالء يف امل�ستقبل اإىل م�سدر

توتر للعلقات اليمنيــــة – االأمريكية، اأو و�سيلة �سغط بيد وا�سنطن.

ويظهر هــــذا التوجه من امتناع اليمن عن تقــــدمي �سمانات للواليات

املتحدة بعدم عودة املعتقلني اأو ايا منهم للن�ساط امل�سلح، وكذلك من

مطالبتهــــا لوا�سطــــن بت�سليم امللفات واالأدلة التــــي تثبت اإدانتهم لكي

تــــربر للداخل واخلارج �سبب حماكمتهم ومتديد فرتة اعتقالهم، وما

مل فاإنها �ستطلق �سراحهم.

والوا�ســــح اأن مثــــل هذا الطرح ياأتي من بــــاب التحوط، الأن �سنعاء ال

ت�ستبعــــد اأن تطالــــب الواليات املتحدة بعد عــــودة املعتقلني اإىل اليمن

باحتجازهــــم مرة اأخرى، حتى واإن مل تكن هنــــاك م�سوغات قانونية

مقنعــــة، وهــــي اإن فعلــــت ذلــــك تكون قــــد قبلــــت بتاأدية الــــدور الذي

رف�ست اأمريكا تاأديته بنف�سها، مما �سيعر�سها ل�سغوط ال تنتهي، بل

ويظهرها مبظهر ال�سرطي التابع للواليات املتحدة االأمريكية.

اأمــــا اململكة العربية ال�سعودية، التــــي دخلت يف املو�سوع كطرف ثالث

يف االآونــــة االأخرية، فلم يت�سح موقفها بعد رغــــم مناق�سة هذا االأمر

معهــــا ر�سميــــا من قبــــل االإدارة االأمريكيــــة؛ فل هي اأعلنــــت �سراحة

موافقتها علــــى املقرتح االأمريكي، وال هي رف�سته، وت�سرف من هذا

القبيــــل يوحــــي برغبتها يف اإبقاء الباب مفتوحــــا يف امل�ستقبل على كل

االحتماالت، مع اأن بع�س املعلومات املتح�سل عليها تفيد باأن الريا�س

ال متانع يف ا�ستقبال املعتقلني اليمنيني واإعادة تاأهليهم اإذا ما وافقت

�سنعاء على ذلك.

ومــاذا بعــد؟! تتطابــــق وجهــــات النظــــر بني �سنعاء

ووا�سنطن حيال �سرورة اإعادة تاهيل املعتقلني وتدريبهم على العمل

من اأجل ت�سهيل فر�س اندماجهم يف املجتمع من جديد، لكن اخللف

بينهمــــا حاليا يتمحور حول نقطتني اأ�سا�سيتني: االأوىل، تتعلق مب�ساألة

متويــــل برنامج التاهيل، اإذ يــــرى امل�سئولون اليمنيون يف هذا اجلانب

اأن وا�سنطــــن ملزمة بتمويــــل الربنامج، باعتبارهــــا الطرف امل�سئول

عــــن االأ�ســــرار التي حلقــــت باملحتجزين خــــلل فــــرتة اعتقالهم يف

غوانتانامو، فيما يبدي امل�سئولون االأمريكيون - يف املقابل - ترددهم

ب�ساأن ذلك.

والنقطة اخللفية الثانية تتعلق باملكان الذي يجب اأن تتم فيه عملية

تاأهيــــل واإ�سلح املعتقلــــني اليمنيني، حيث ترى الواليــــات املتحدة اأن

ال�سعوديــــة متثل اأف�سل البدائل املتاحة لتحقيق ذلك الأ�سباب تطرقنا

ل احلكومة اإليهــــا يف �سطــــور �سابقة من هــــذا التحليل، يف حــــني تف�سر

اليمنيــــة توليها االأمر بنف�سها وداخــــل اأرا�سيها، حتى ال يقوم بدورها

غريها.

ون�ستنتــــج من كل ما �سبق، اأن حــــل م�سكلة املعتقلني اليمنني يف �سجن

غوانتانامــــو يحتــــاج اإىل وقــــت، واأن الق�سة ما زال لهــــا بقية، لكن ما

هــــو وا�سح بجــــلء اأن الواليــــات املتحــــدة اأ�سبحت تواجــــه يف الوقت

احلا�سر، واأكرث مــــن اأي وقت م�سى، �سغوطا كبرية الإغلق املعتقل،

وهــــو ما يدفعها للبحث عن بدائل معقولة حلل امل�سكلة يف اأ�سرع وقت

ممكــــن بالتعاون مــــع الدول املعنية بهذا ال�ســــاأن ومنها اليمن بطبيعة

احلــــال. وباملثــــل، فاإن احلكومــــة اليمنية هــــي االأخــــرى مطالبة بحل

م�سكلة مواطنيهــــا املعتقلني يف خليج غوانتانامو، الأن ذلك من �سمن

واجباتها، وال�سوؤال املطروح هو: كيف ميكن حتقيق ذلك؟

اإذا مــــا فكرنا يف املو�سوع بتجرد وحياديــــة، ن�ستطيع القول اأن هناك

ثلثــــة حلول مطروحة حاليا: احلل االأول، اأن توافق احلكومة اليمنية

علــــى ترحيل املعتقلني اليمنيني اإىل اململكــــة العربية ال�سعودية ح�سب

املقــــرتح االأمريكــــي، لكــــن هذا احلــــل يبــــدو �سعبــــا بالن�سبــــة لليمن

الأ�سبــــاب وعوامل ناق�سناها �سابقا. واحلل الثاين، اأن توافق احلكومة

االأمريكية على ت�سليم كل املحتجزين اليمنيني اإىل حكومتهم وحتميل

االأخرية م�سوؤلية التعامــــل معهم، وهذا احتمال �سعيف على االأقل يف

الوقــــت احلا�ســــر اإال اإذا ما توفــــرت ال�سمانات الكافيــــة لدى اأمريكا

بعدم اإمكانية عودتهم ملهاجمــــة رعاياها وم�ساحلها من جديد. اأما

احلل الثالث واالأخري، فيتمثل يف قيام الواليات املتحدة - كحل و�سط

- باالإيعــــاز اإىل دول اخلليــــج وال�سعودية على وجــــه اخل�سو�س مبنح

احلكومــــة اليمنية املبالغ اللزمة الإعادة تاأهيل مواطنيها املحتجزين

يف غوانتانامــــو، وهــــذا واإن كان ينا�ســــب اليمن اإال اأنــــه ال يلبي جميع

املطالــــب االأمريكية. ويبقى اإىل جانب ذلك حــــل و�سط اآخر، وهو اأن

يتــــم اإن�ساء مركز اإقليمــــي لتاأهيل العائدين مــــن غوانتانامو من دول

املنطقة كافة، وبذلك يزول احلرج عن كل االأطراف.

الهوامــ�ص والإحـــالت

)1( خالد االآن�سي، املدير التنفيـــذي ملوؤ�س�سة “هود” حلقوق االإن�سان، �سحيفة

النداء، 3 متوز/يوليو 2008.

)2( حممـــد ناجي علو، رئي�س موؤ�س�سة “ه���ود” حلقوق االإن�سان، املعتقلون يف

غوانتانامو، حما�سرة يف مركز �سباأ للدرا�سات االإ�سرتاتيجية، 2009/8/1.

)3( كيفـــن برياينـــو، “اإعـــادة تاأهيل اأبو جنـــدل”، جملة نيوزويـــك – الن�سخة

العربية، 9 حزيران/يونيو 2009.

)4( انظـــر التقريـــر الذي اأعدته منظمـــة “هيومان رايت�ـــس ووت�س” احلقوقية

االأمريكيـــة بعنـــوان “تائه عن الوطـــن: املعتقلـــون اليمنيـــون يف غوانتانامو”،

.2009

)5( كيفن برياينو، “اإعادة تاأهيل اأبو جندل”، مرجع �سبق ذكره.

)6( املرجع نف�سه.

)7( �سحيفة ال�سارع، 7 �سباط/فرباير 2009.

)8( املرجع نف�سه.

)9( اأحمـــد الطوبـــان، “مباحثـــات الإحلـــاق معتقلـــني مينيـــني يف غوانتانامو بـ

اآيار/ مايو 2009. 6 نت، العربية ال�سعودية”، “املنا�سحة” يف )10( “اأ�سمـــاء املعتقلني اليمنيني يف غوانتانامـــو”، املوؤمتر نت، 3 متوز/يوليو

.2009

Page 19: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 36 37ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

وعليه تر�سخت قناعتي ب�سرورة اختبار اأثر الفعل ال�سيا�سي جمتمعيا،

وكــــذا قيا�س عمــــق املرتاكم الدميقراطــــي يف البنى الذهنيــــة الفردية

واجلماعيــــة من منظور العقلنية التوا�سليــــة، كما هي عند هابرما�س

ولكــــن يف �سياق وحقل اآخريــــن. فالعقلنية التوا�سليــــة عملية تقييمية

ل�سريورة ما. ويتم على �سوئها القطيعة مع كل ما هو �سلبي، اأو تعديله

وتعزيــــز االإيجابــــي. وال يعني هــــذا اعتمادنــــا مت�سيا منهجيــــا �سارما،

واإمنــــا نتتبع مبرونة متكنا من جت�سري امل�سافــــة قدر االإمكان من الواقع

املدرو�ــــس، اأما من حيــــث املنهاج �سنعتمــــد التفكيك واإعــــادة الرتكيب

القائم على الربط الذهني بني االأجزاء.

والبــــد اأن اأ�ســــري يف البدايــــة اإىل بع�ــــس املوؤ�ســــرات ذات الداللة، التي

قادتني اإىل االهتمام بالبيئة الثقافية واالجتماعية احلا�سنة للممار�س

الدميقراطي:

تعبــــري طلبة كليــــة االآداب جامعة �سنعاء عــــن مطالبهم واحتجاجهم

بالزامل القبلي! )ذات مرة خلل العام اجلاري 2010(.

عندمــــا اأ�سيب رئي�س اجلمهورية بوعكة �سحية، فتح مو�سوع اخلليفة

املحتمــــل، ومت تداول - �سعبيا ونخبويا - �سخ�سيات حمتملة من خارج

املوؤ�س�سي والد�ستوري!!

مــــا الداللة/واالأثر املحدث - جمتمعيا وحزبيــــا - من ان�سمام بع�س

التجار املح�سوبــــني على املعار�سة اإىل اإحدى الهيئــــات امل�سكلة للتربع،

ودعــــم مر�سح احلزب احلاكــــم )املوؤمتر ال�سعبي العــــام( للنتخابات

الرئا�سيــــة عــــام 2006. وقــــد تــــدول - �سعبيــــا ونخبويا - اأنــــه ان�سمام

التقية.

مــــا الداللة/واالأثر املحدث - جمتمعيا وحزبيا - من انتخابات رئي�س

التجمــــع اليمنــــي للإ�سلح ال�سيخ عبداهلل بن ح�ســــني االأحمر للمر�سح

عند تخوم البطركية

عبدالباقي �سم�سان

[email protected]

عبدالباقي �سم�سان اأ�ستاذ علم االجتماع ال�سيا�سي، بكلية االآداب - جامعة �سنعاء.

قـراءة يف القيـم الوافــدة واملتجـذرة

و�ضروط توطينها يف الن�ضق القيمـي

للمجتمع اليمني

يف يـــوم 27 مـــن �سهـــر ني�سان/�أبريـــل �ملن�ســـرم، قي�ض يل �مل�ساركـــة يف ندوة حول “�لرت�كـــم �لدميقر�طي

يف �لوعـــي �ملجتمعـــي” يف �إطـــار �لرنامج �ل�سنوي ملوؤ�س�سة �لعفيف �لثقافيـــة 2010. وعند فتح باب �لنقا�ض

�أجـــرين �ســـاب ل يتجـــاوز �لع�سرين من عمره على �لعودة �إىل نقطة �لبد�ية، و�إعادة �لنظر يف �مل�ساألة مرة

�أخـــرى، عندمـــا و�ســـف �أحـــز�ب تكتل “�للقاء �مل�ســـرتك” )�ملعار�ض( - رد� على طرحـــي �لد�عي �إىل �سرورة

�رتـــكاز خطـــاب �ملنظومـــة �ل�سيا�سيـــة �ليمنيـــة علـــى �لت�سامـــح و�لعـــرت�ف بالآخـــر، مبا يوفر منـــاخ مالئم

ل�ستنبـــات �لقيـــم و�ملبادئ �لدميقر�طية يف �لن�سق �لقيمي �ملجتمعي ويتج�سد تدريجيا يف �سلوكيات و�عية

وغـــري و�عيـــة – بــــ “�خلونة” و�أنـــه “يتوجب قتلهـــم و�سحلهـــم”؛ ودون فا�سل تاأملي ��ستح�ســـرت مقارنا

وباحثا عن �مل�سرتك بني هذ� �ل�ساب وذ�ك �لذي يق�سي �لآخر بتفجري ذ�ته و�لآخر.

عني على اليمن فـي 60 يوماحتليالت

اليمن والعامل

وجهات نظر

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 36 ا�سرتاتيجية

Page 20: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 38 39ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

املناف�س حلزبــــه، وللتكتل احلزبي املنظم اإليه يف االنتخابات الرئا�سية

عام 2006.

مــــا الداللة/واالأثر املحــــدث - جمتمعيا من وجــــود قناعة يعرب عنها

بو�ســــوح اأو �سمنيا اأو على ا�ستحياء - بوجود مــــا ي�سبه عرف د�ستوري

غري مكتوب لتوزيع املنا�سب العليا يف موؤ�س�سات الدولة ) نائب الرئي�س،

رئي�س الوزراء، الوزراء...الخ(.

ما الداللة/واالأثر املحدث جمتمعيا من:

- جلــــوء اأع�ساء جمل�س النواب اإىل العــــرف القبلي لف�س خلف ن�سب

حتت قبة الربملان، اإثر اعتداء اأحد االأفراد على اآخر.

- ن�ســــر خرب عن ت�سريب جلان الربملــــان تقاريرها ال�سرية اإىل الوزراء

قبل عر�سها.

- ن�سر خرب عن عمليات احت�ساب اأ�سوات الأع�ساء جمل�س النواب على

القرارات وهم غائبون اأو يف اإجازات خارج البلد.

- ات�ساع رقعة الف�ساد، و�سعف �سيادة القانون.

- احتــــلل اأبناء كبار امل�سئولني ملنا�سب عليا رغم �سغر �سنهم وحداثة

التحاقهم وجتربتهم.

واأخريا ما هي اأ�سباب:

- ا�ستمرار احلرب يف �سعدة.

- تنظيــــم مطالب التعبريات االحتجاجيــــة يف املناطق اجلنوبية خارج

املوؤ�س�ســــات املعــــرتف بهــــا )املدنيــــة واحلزبيــــة(، وجتاوزهــــا الثوابت

الوطنية.

- تعرث/وانعدام الثقة بني مكونات املنظومة ال�سيا�سية اليمنية )املوؤمتر

ال�سعبي العام واأحزاب “اللقاء امل�سرتك”(.

اإن تبيئــــة املوؤ�سرات املذكورة اأعله حتمل اأكرث من داللة، وتفر�س اأكرث

من �ســــوؤال، وت�سرعن الختبار وقيا�س الرتاكــــم الدميقراطي يف الوعي

املجتمعــــي. ومــــا نق�سده بالتبيئة اختبــــار وقيا�س االأثــــر املحدث للفعل

ال�سيا�سي خلل الفرتة )2010-1990( اأي منذ اإعلن الوحدة اليمنية

واالنتقــــال الدميقراطــــي، واأننــــا نعلــــن بو�ســــوح هنا ف�سلنــــا التام بني

االنتقال اإىل الدميقراطية )بلــــدان الدميقراطية النا�سئة اأو املتعرثة(

والتاأ�سي�ــــس التاريخي لها يف �سياقها احل�ساري الغربي حيث يتم اإعادة

اإنتاجها لذاتها، بغ�س النظر عن قيم ال�سخو�س التي تدير دفة احلكم؛

فقواعــــد واأ�س�س احلكــــم متجذرة ولهــــا حرا�سها )الق�ســــاء، االإعلم،

االأكادمييــــة.. الخ( وهــــذا ما ميكنها من اإعادة اإنتــــاج النظام، حتى لو

كان من يقف على راأ�سه ال يحمل قيما دميقراطية؛ فدوافع ال�سيا�سيني

واأهدافهم ال توؤثر يف طبيعة النظام وقواعده.)1(

وبالعــــودة اإىل بلدان االنتقــــال الدميقراطي اأي بلــــدان الدميقراطيات

النا�سئــــة التي تقف بع�سها عند اإعلن االنتقال، واأخرى ال ميكن نعتها

بالدميقراطيــــة النقيــــة فن�سيف اإليهــــا �سفة مرافقــــة: “الدميقراطية

االنتخابية”، “الدميقراطية التقديرية”، “الدميقراطية ال�سكلية”..

الــــخ. وقليل منهــــا اتخذت االإجــــراءات اللزمة لل�ســــري باجتاه جتذير

القيــــم واملبــــادئ الدميقراطية. وملزيد مــــن التو�سيح، تتبــــع الباحثون

ور�سدوا خم�سة اأمناط للتحول الدميقراطي:)2(

التحــــول الدميقراطي عقب ثورات اجتماعيــــة. ولهذا النمط �سيغتان:

تاريخيــــة )اإجنلــــرتا القــــرن ال�سابــــع ع�ســــر(، ومعا�ســــرة )رومانيــــا

ت�ساو�سي�سكو(.

- التحــــول الدميقراطــــي حتــــت �سلطــــة االحتــــلل اأو بالتعــــاون معــــه

)االحتلل الربيطاين للهند، واالأمريكي لليابان واأملانيا الغربية(

- التحــــول الدميقراطــــي حتت اإدارة نخبة دميقراطيــــة م�ستنرية ت�سع

قيودا د�ستورية على ممار�ستها )الربازيل بدءا من 1973(.

- االنفتــــاح ال�سيا�ســــي التكتيكي الذي يف�ســــي اإىل مطالب دميقراطية

غري متوقعة. وهذا النمط يبــــداأ مبحاولة النخبة احلاكمة متديد فرتة

بقائهــــا يف ال�سلطــــة من خــــلل قليل مــــن االنفتاح ال�سيا�ســــي التكتيكي

)االإحتاد ال�سوفييتي/ جوربات�سوف(.

- تعاقــــد النخبــــة امل�ستبــــدة علــــى االن�سحاب مــــن احليــــاة ال�سيا�سية.

فارتفــــاع كلفة القمع، وعدم قدرتها على االإدارة الدميقراطية يجربها

علــــى توقيع عقــــد ي�سمن لها عفــــوا �سيا�سيا وبع�س االمتيــــازات مقابل

وجهات نظر اليمن والعامل

العائلــة العربيــة، ومنهــا اليمنية،

الثقافيــة املوؤ�س�ســات مــن تعــد

للبطركيــة، حيــث تركــز ال�سلطــة

حــول الأب، ومتنــح اأدوارا حمددة

للمــراأة. وهــذه القيــم واملمار�ســات

والت�سورات متجذرة ويعاد اإنتاجها،

وهــذا مــا يجعل قيــم امل�ســاواة بن

اجلن�سن، واإ�سعاف متركز ال�سلطة

حول الأب، اأمرا غري حمتمل

ان�سحابها من احلياة ال�سيا�سية )بينو�سيه/ت�سيلي، 1990(.

- ون�سيــــف اإىل ما تقدم منــــط �ساد�س ننعتــــه بالرباجماتي )النموذج

اليمنــــي(، الذي مت بقرار فوقي رابطا برجماتيا - وفقا ملعطيات البيئة

الداخلية واخلارجية )التحوالت العاملية( - بني الوحدة والدميقراطية؛

اإنــــه انتقــــال مفاجئ من االأحاديــــة احلزبية اإىل التعدديــــة احلزبية يف

ف�ساء جمتمعي وح�ساري مثقل بالرتاثات الطاردة لها.)3(

ومــــن هنا، تكت�ســــب البيئــــة االجتماعيــــة والثقافيــــة اأهميــــة مزدوجة:

االأوىل، متاأتيــــة من التمييز بني بلدان الدميقراطيات الرا�سخة وبلدان

الدميقراطيــــات النا�سئــــة، اأي تلــــك التــــي ت�سهــــد حتوال غــــري تدريجي

يح�ســــل مرة واحدة بنــــاء على منــــوذج اأ�سبح ناجزا. والأنهــــا ال تتوفر

فيهــــا املقومات اللزمة، يكت�سي ال�سيا�ســــي والثقايف اأهمية ل�سد نق�س

العوامــــل البنيويــــة؛ فالتحــــول ال يحدث تراكميــــا عرب عمليــــة التن�سئة

والتنظيم.)4( والثانية، مرجعهــــا خ�سو�سية البيئة املجتمعية اليمنية.

ويــــزداد االأمــــر تعقيــــدا يف بلدان التحــــول غري التدريجــــي، عندما يتم

التداول والتوظيف للمفاهيم بداللتها احلالية، بينما ت�سكلت و�ساهمت

يف �ســــريورة التجــــذر الدميقراطي بدالالت مغايرة؛ علــــى �سبيل املثال

مفهــــوم احلريــــة)5(، ودالالت مفهــــوم املجتمــــع املــــدين الــــذي اأف�ست

�سريورتــــه اإىل الدميقراطيــــة ولي�ــــس العك�س، كما هو احلــــال يف بلدان

الدميقراطية النا�سئة.)6(

وال يهمنا، يف هذا ال�سياق، ت�سنيف منط الدميقراطية املمار�سة بدقة يف

الف�ساء املجتمعي اليمني بقدر ما يهمنا العن�سر الثقايف واالجتماعي،

كونــــه عن�ســــرا فاعــــل يف ا�ستنبات القيــــم واملبــــادئ الدميقراطية يف

البنــــى الذهنيــــة الفردية واجلماعيــــة. فاملنطوق واملكتــــوب ال�سيا�سي،

وكــــذا املنظومة القانونية، ال يعربان بال�ســــرورة عن املمار�س يف بلدان

الدميقراطية النا�سئة. اإال اأننا �سنحاول املقاربة اعتمادا على النموذج

املثــــايل املتمثــــل بالدميقراطيــــة الليرباليــــة، التي لها �ستــــة عنا�سر اإن

�ساب اإحداها الغمو�ــــس اأو االنحراف يتبع الدميقراطية �سفة اإ�سافية

تلزمها:)7(

- حق الت�سويت مكفول للجميع بغ�س النظر عن النوع والعرق والدين،

واإن �ســــاب هذه اخل�سي�سة عيب �ســــارت دميقراطية انتقائية )�سرط

ال�سمول(.

- مناف�ســــة مكفولــــة لــــكل القوى ال�سيا�سيــــة التي حتــــرتم قواعد اللعبة

الدميقراطيــــة، واإن �ساب هــــذه اخل�سي�سة عيب �ســــارت دميقراطية

غري تناف�سية )�سرط التناف�س(.

- احرتام احلقوق املدنية )�سرط الليربالية(.

- وجــــود تعدد ملراكز �سنع القرار مبا يت�سمنه من م�ساءلة وم�سئوليات

متوازنة، واإال حتولت اإىل دميقراطية انتخابية )�سرط امل�ساءلة(.

- امل�ســــدر الوحيد لل�سرعية هو اأ�ســــوات الناخبني، وال يقبل الناخبون

بغــــري اأ�سواتهم احلــــرة م�سدر لل�سرعيــــة، واإال حتولــــت اإىل نخبوية اأو

دميقراطية بل دميقراطيني )�سرط الثقافة الدميقراطية(.

- قبــــول كافــــة القــــوى ال�سيا�سيــــة لقواعــــد اللعبــــة الدميقراطية بغ�س

النظر عن نتائجها، واإال حتولت اإىل دميقراطية غري م�ستقرة )�سروط

اال�ستدامة(.

و�سنحــــاول املقاربــــة للنمــــوذج تدريجيا عنــــد التطرق لبع�ــــس امل�سائل

واملوؤ�ســــرات اأثناء تناولنا للبيئة االجتماعيــــة والثقافية احلا�سنة، التي

تعــــد بالن�سبــــة لنــــا ذات اأهميــــة بالغــــة. فالدميقراطية ثقافــــة باملعنى

ال�سو�سيواأنرثبولوجي ملفهــــوم الثقافة؛ اإنها منظومة متكاملة من القيم

والرمــــوز واملعايــــري واالجتاهات واملواقــــف والت�ســــورات وروؤى العامل،

ي�ستلــــزم بناوؤها �سرورة ا�ستنباتهــــا ذاتيا �سمن �سريورة ممنهجة)8(،

حم�سلتهــــا توطني املبــــادئ والقيــــم الدميقراطية يف الن�ســــق القيمي،

داعمــــا نظريا وممار�سيــــا لتاأ�سيــــل ثقافة التعــــدد واالختلف وحقوق

االإن�سان.

بناء على ما تقدم، نفرت�س اأن البيئة احلا�سنة تفتقر ل�سروط ا�ستنبات

وتوطــــني تلك القيم واملبادئ يف الن�ســــق القيمي للمجتمع اليمني. وقبل

ال�ســــروع يف التثبــــت من �سحــــة هذه الفر�سيــــة من عدمهــــا، ال بد من

�سبــــط مفهــــوم البطركية كما هو متــــداول يف هذا املقــــال. اإن املجتمع

البطركــــي مقولــــة حتليلية، منــــوذج، ونظرية مكتملــــة، وي�سري يف نف�س

الوقــــت اإىل البنى االجتماعيــــة الكلية )املجتمع، الدولــــة، االقت�ساد(،

والبنــــى االجتماعية اجلزئية )العائلــــة، ال�سخ�سية الفردية( للمجتمع

البطركي تتمثــــل مبركزية االأب، ك�سمة اأ�سا�سيــــة تنتظم حولها العائلة

ب�سكلها الطبيعي والوطني.)9(

وميكــــن تعريــــف البطركية -اإجرائيــــا- باأنها القيم والرمــــوز واملعايري

واالجتاهــــات واملواقــــف والت�ســــورات والــــروؤى للأنا واالآخــــر والعامل،

واملتجــــذرة يف الن�ســــق القيمي، وتتمحور حــــول االأب الطبيعي والوطني

جاعلــــة من اإرادتــــه مطلقة، يتم االجماع الق�ســــري حولها بقوة الطاعة

والقمــــع، وترتكز القيــــم والعلقات ال�سائدة علــــى القرابة، والع�سرية،

والفئة الدينية، واملجال اجلغرايف.

اإن القيم البطركية متتــــد يف جذورها اإىل االأعماق التاريخية البعيدة،

وهي م�ستوطنة الن�سق القيمي املجتمعي، واأي عملية اإحلل لها ت�ستوجب

توفــــر اإرادة ق�سدية وممنهجة )الرتبية والتعليــــم، التن�سئة ال�سيا�سية

قيم ومبادئ الدميقراطية يف املجتمع اليمني �ستظل عند تخوم الثقافة البطركية

املتجــذرة والتــي يعاد اإنتاجهــا من خالل عدد مــن موؤ�س�سات التن�سئــة، ومن خالل

ال�سيا�ســة املتبعة يف اإدارة الدولة واملجتمــع، ف�سال عن �سرورة اإعادة التوازن بن

ال�سلطات الثالث مبا يوفر تعدد م�سادر القرار وامل�ساءلة واملحا�سبة

Page 21: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 40 41ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

والثقافيــــة واالجتماعية.. الخ(، وي�ساحب ذلك – تزامنا - جملة من

االإجــــراءات واملمار�ســــات املانحة للثقة بها من قبــــل اجلماهري؛ فتوفر

املنظومة القانونية غري كاف، و�سنحاول اإثبات فر�سيتنا القائلة اإن قيم

ومبادئ الدميقراطية وحقــــوق االإن�سان �ستظل فاقدة ل�سروط التوطني

يف الن�ســــق القيمــــي، مــــا مل تتخذ جملة مــــن االإجــــراءات واملمار�سات،

و�ستظــــل قيما مبثوثــــة يف الف�ساء املجتمعي، دون جتــــاوز تخوم الن�سق

القيمــــي. وللتحقق من �سحة فر�سيتنا، �سنعتمد على التفكيك، واإعادة

البناء، والربط الذهني للعنا�سر:

■ التماثــل املفاهيمي: اإن املفاهيم ال�سيا�سيــــة املتداولة، وحتديدا تلــــك املنتمية اإىل الرباديجــــم الدميقراطي يتم اإفراغهــــا من دالالتها

االأ�سليــــة وحتميلها دالالت مغايرة، علــــى �سبيل املثال: الدميقراطية =

ال�سورى، والربملان = اأهل احلل والعقد، والعدل = امل�ساواة، وهكذا.

■ براديجــم الطاعــة: يق�سد بالرباديجم منظومــــة من املفاهيم واملبــــادئ املرتابطــــة يف الذهن واخلطــــاب ب�سورة

�سريحــــة اأو �سمنية، يدعــــو فيها – بنيويا - بع�سها

بع�سا، اأو يعو�س فيهــــا – وظيفيا - بع�سها بع�سا.

واملق�ســــود به هنــــا املنظومــــة املمتدة بــــني الوحي

والواقــــع االجتماعي؛ فاملنظومــــة الفكرية يف بنية

املجتمع العربي متتد جذورها اإىل الفكر االإ�سلمي

الو�سيط، حيث طاعة اأويل االأمر واجبة واخلروج

عنهــــا م�سكــــون باخلــــوف مــــن الفتنــــة، وتتبادل

وظيفيــــا عند نعــــت املعار�ســــة باملحدثــــة للفتنة

)با�سم الوحدة الوطنية( وهكذا.)10(

ويتعــــزز براديجــــم الطاعــــة بغيــــاب اأي جتربة

لل�سراكة يف احلكم يف الرتيخ العربي االإ�سلمي

القدمي والو�سيط واحلديــــث واملعا�سر. وحتى يف الدولة

العربيــــة املعا�سرة التي اتخذت امل�ســــار الدميقراطي، مل ت�سهد انتقاال

�سليمــــا لل�سلطــــة اإال نــــادرا؛ فا�ستمرار احلكام لعقــــود يف�سي اإىل تركز

ال�سلطــــة وانح�سار حدودهــــا يف الع�سبة مما يــــوؤدي اإىل جتذير االأب

الوطني.

■ هرميــة العائلــة العربيــة: مــــا زالــــت العائلة العربيــــة، ومنها اليمنيــــة، وحــــدة اجتماعيــــة اإنتاجيــــة، ونــــواة التنظيــــم االجتماعــــي

واالقت�ســــادي، وت�سودهــــا علقات التكافــــل والتعاون والــــود وااللتزام

ال�سامــــل. وهي اأبوية من حيث متركز ال�سلطة وامل�سئوليات واالنت�ساب،

وهرمية ال يزال التمييز فيها قائما على اأ�سا�س اجلن�س والعمر، ومتنح

العائلــــة العربية انتمائها من خلل االندمــــاج والتوحد؛ فالفرد ي�سبح

لي�ــــس م�سئوال عن ت�سرفاته ال�سخ�سية وح�سب، بل عن ت�سرفات بقية

االأع�ساء.)11(

اإن العائلــــة العربيــــة، ومنهــــا اليمنيــــة، تعــــد مــــن املوؤ�س�ســــات الثقافية

للبطركية، حيث تركز ال�سلطة حول االأب، ومتنح اأدوارا حمددة للمراأة.

وهــــذه القيم واملمار�سات والت�سورات متجذرة ويعاد اإنتاجها، وهذا ما

يجعــــل قيم امل�ساواة بني اجلن�سني، وكــــذا اإ�سعاف متركز ال�سلطة حول

االأب، اأمرا غري حمتمل.

■ البنية الجتماعية التقليدية: بالرغم من عمليات التحديث والتنميــــة، اإال اأن ثقل الرتاثات ما زال ممتــــدا بقوة بفعل تعرث عمليات

التحديــــث. فما زال الف�ســــاء املجتمعي يقوم علــــى التمايز بني الفئات

االجتماعيــــة، وي�ستمــــد راأ�س مالــــه االجتماعي من البنيــــة االجتماعية

التقليديــــة، والتن�سئــــة العائليــــة والثقافــــة ال�سعبيــــة)12(. اإن ا�ستمرار

التمايــــز بني الفئــــات بوعي اأو دون وعي يعيد اإنتــــاج الثقافة البطركية،

ويحول دون ا�ستنبات قيم ومبــــادئ الدميقراطية )املواطنة، وامل�ساواة

..الخ(.

■ اإعادة اإنتاج القوى التقليدية: من �سروط بناء الدولة احلديثة تقلي�ــــس ال�سلطــــة التقليدية ل�سالــــح ال�سلطة املركزيــــة، واأ�س�س تعزيز

الدميقراطيــــة وجــــود قوى ممثلة ومعربة عنهــــا، وهذا ما ال

جنــــده يف ال�سيا�ســــة املتبعــــة منــــذ عام

1990 حتــــى يومنــــا هــــذا. فعلــــى �سبيل

املثال، ميثل �سيــــوخ القبائل يف الربملان

%29. ويف ،)1993 - االنتقــــايل )1990

جمل�س النواب )انتخابات 1993(، 29%،

ويف جمل�ــــس النــــواب )انتخابات 1997(،

%37.1، ويف جمل�ــــس النــــواب )انتخابات

2003(، %44،2.. وهكــــذا. كمــــا نلحــــظ

اأن متثيــــل املــــراأة تناق�س مــــن 8 ن�ساء اإىل

واحدة )برملان 2003(.

ومتثيــــل القــــوى التقليديــــة ال يقت�ســــر على

ال�سلطــــة الت�سريعية، بل ي�سمل كل موؤ�س�سات

وتتبــــع الدولــــة اآليــــة التمثيــــل الوفاقــــي للجماعــــات الدولــــة.

القبليــــة واملناطقيــــة، مما يعمــــل على تعزيــــز الهويات االأوليــــة القبلية

املناطقية، واإ�سعاف املوؤ�س�سات احلديثــــة. فالرموز القبلية واملناطقية

ميتلكون القــــدرة والنفوذ على حتقيق مطالــــب اجلماعات وحمايتهم.

وهذا ما ي�سعف فر�س ظهور دميقراطيني منتظمني، ولهم اإرادة وفعل

دميقراطيني.)13(

وهــــذا ما يجعــــل الفعل ال�سيا�سي واالجتماعــــي يف جانب كبري منه نتاج

البنيــــة الفوقية التقليدية، رغــــم وجود بنية حتتيــــة اقت�سادية حديثة؛

فالوعــــي ال�سيا�ســــي يف املجتمعــــات الراأ�سماليــــة الغربيــــة يرتبط فعل

باالنتماء الطبقي، يف حني اأن املجتمعات ال�سرقية ي�سود فيها االنق�سام

اإىل جماعــــات تتمايــــز عن بع�سها باحل�سب وال�ســــرف اأو الن�سب واملال

واجلــــاه اأو املذهــــب والقبيلــــة. فالظاهــــرة ال�سيا�سية جتــــد دوافعها يف

الل�سعــــور ال�سيا�سي، الذي هو عبارة عن بنيــــة قوامها علقات مادية

جمعيــــة متار�س على الفــــرد واجلماعات �سغطا ال يقــــاوم)14(، وهذا

وجهات نظر اليمن والعامل

التــي املعا�ســرة العربيــة الدولــة

مل الدميقراطــي، امل�ســار اتخــذت

ت�سهــد انتقــال �سليمــا لل�سلطــة اإل

لعقــود احلــكام فا�ستمــرار نــادرا؛

يف�سي اإىل تركز ال�سلطة وانح�سار

حدودها يف الع�سبة

مما يوؤدي

اإىل جتذير

الأب الوطني

ما يجعــــل املوؤ�س�سات التقليدية والرموز القبلية واملناطق اأكرث جتذرا من

موؤ�س�سات املجتمع املدين.

■ النظــام التعليمــي: اإن النظــــام التعليمــــي مبختلــــف م�ستوياته يعد موؤ�س�ســــة تعيد اإنتاج الثقافــــة البطركية. فال�سلطويــــة يف املناهج، وطرق

التدري�ــــس، والتقييــــم، والبيئة التعليمية واالأكادمييــــة تفتقر اإىل احلرية.

يقــــول يزيــــد عي�سى ال�سورطــــي)15( »مــــن مظاهر ال�سلطويــــة يف الرتبية

العربيــــة �سيطــــرة اللفظية الرتبوية التي حتول الرتبيــــة من اأفعال تنب�س

باحلياة اإىل اأقوال جامدة، ومن �سلوكيات عملية حية اإىل تنظري منف�سل

عــــن الواقع، ومــــن تركيز على اجلوهــــر اإىل االهتمام بال�ســــكل... وحني

يقوم التعليم على اللفظيــــة فاإنه يتميز بالرتكيز الكبري على االرتباطات

الكلمية والنظريات واحلفظ والتلقني وال�سكلية... فالطالب يعتمد غالبا

يف حت�سيله على ذاكرته، وعلى التكرار االآيل للمعلومات املحفوظة«.

اإنه نظام تلقيني ال يوؤ�س�س العقل النقدي واخللق، وهذا ما يجعله موؤ�س�سة

ثقافيــــة للبطركيــــة بامتياز، لي�س فقط مبخرجاتــــه واإمنا كذلك بالفجوة

الوا�سعــــة بني الذكور واالإنــــاث، وهذا ما يوؤكده تقريــــر التنمية االإن�سانية

الثالــــث ال�سادر عن وزارة التخطيــــط والتعاون الدويل عام 2004، حتت

عنوان: “املعرفة، والثقافة، والرتبية، واملعلومات، والتكنولوجيا”.

■ املنطــوق واملكتــوب ال�سيا�سي: اإن املنطــــوق واملن�سو�س ال�سيا�سي للمنظومــــة ال�سيا�سيــــة ال يوؤثــــث ملبــــادئ وقيــــم الدميقراطيــــة القائمــــة

علــــى الت�سامــــح والتعدد واالعــــرتاف باالآخر.)16( وال يتوقــــف االأمر عند

ذلــــك، بل حتكمه ثقافــــة �سابقة للدميقراطية وتتمثــــل بالع�سبية واآلياتها

االلتحــــام والتنا�سر والت�ســــادم والتنافــــر. واإن كان اال�سطفاف حزبيا،

عــــن ال�ســــادر واملكتــــوب فاملنطــــوق

املنظومة ال�سيا�سية ال يحدث تراكما

دميقراطيا، بل ي�سعف ثقة اجلماهري

وموؤ�س�ساتها احلديثة بالدميقراطية

علــــى حتقيــــق مطالــــب القــــادرة غــــري

اجلماهري وحمايتهم، وتزداد فجوة انعدام الثقة ات�ساعا؛ فالبون ال�سا�سع

بــــني املن�سو�س واملنطــــوق واملمار�س، و�سعــــف �سيادة القانــــون، وانت�سار

الف�ســــاد، وتبايــــن اأولويــــات اجلماهري )معي�سيــــا نتيجة تدهــــور االأو�ساع

احلياتيــــة(، واأحــــزاب املعار�ســــة )ال�سيا�سيــــة(، وكذا تــــدين خمرجات

اإدارة ال�ســــراع ال�سيا�ســــي واالجتماعي للحزب احلاكــــم )حرب �سعدة،

التعبريات االحتجاجيــــة يف املناطق اجلنوبية، انعدام الثقة وتعرث احلوار

بينه واأحزاب املعار�سة(، ف�سل عن تدهور االأحوال املعي�سية... الخ.

ختامــــا، وبنــــاء على ما تقدم ميكننا القول اإن قيــــم ومبادئ الدميقراطية

�ستظــــل عند تخــــوم الثقافة البطركيــــة املتجذرة والتي يعــــاد اإنتاجها من

خــــلل عدد من موؤ�س�سات التن�سئــــة، ومن خلل ال�سيا�سة املتبعة يف اإدارة

الدولــــة واملجتمع، ف�سل عن �سرورة اإعادة التوازن بني ال�سلطات الثلث

مبــــا يوفر تعــــدد م�ســــادر القــــرار وامل�ساءلــــة واملحا�سبة، وتفعيــــل �سيادة

القانون و�سبط الف�ساد واحتكار العنف ال�سرعي.. الخ.

اإن ترك املجال كما هو عليه ال يوقف االأمر عند هذا امل�ستوى، بل يحدث

نكو�ســــا نحــــو مراحل �سابقــــة للدولــــة وموؤ�س�ساتها احلديثــــة، وحتديدا

ت�سطــــف اجلماعــــات حول هوياتهــــا االأوليــــة ال�سابقة للــــدولة )قبلية

ومناطقية(، اأو متجاوزة لها نحو االأمة العربية واالإ�سلمية.

)1( ملزيـــد من التف�سيل، انظـــر: عزمي ب�سارة، يف امل�ساألـــة العربية: مقدمة

لبيـــان دميقراطي عربي )بـــريوت: مركز درا�سات الوحـــدة العربية، 2007(

�س 19-50.

)2( ملزيد من التف�سيل، انظر: معتز باهلل عبدالفتاح، »الدميقراطية العربية

بـــني حمددات الداخـــل و�سغوط اخلـــارج«، امل�ستقبـــل العربـــي، العدد 326،

بريوت، ني�سان/اأبريل 2006، �س 16-17.

)3( ملزيد من التف�سيل، انظر: عبدالباقي �سم�سان )واآخرون(، دور الربملان

يف االإ�ســـلح الدميقراطي )تعز: مركز املعلومات والتاأهيل حلقوق االإن�سان،

2007( �س9.)4( عزمي ب�سارة، مرجع �سابق، �س 244.

)5( ملزيد مـــن التف�سيل، انظر: مينى اخلويل، »نظريـــة احلرية يف الفل�سفة

ال�سيا�سية االأوروبية«، الت�سامح، العدد25، عمان، 2009.

)6( ملزيد من التف�سيل، انظر: عزمي ب�سارة، املجتمع املدين.. درا�سة نقدية

)بريوت: مركز درا�سات الوحدة العربية، 2000(.

)7( معتز باهلل عبدالفتاح، مرجع �سابق، �س 18-19.

)8( ملزيـــد من التف�سيل، انظر: م�سطفـــى حم�سن. »الرتبية ومهام االنتقال

الدميقراطـــي يف الوطـــن العربي: م�ساعـــب احلا�سر ومطالـــب امل�ستقبل«،

امل�ستقبل العربي، العدد 294، اآب/اأغ�سط�س 2003.

)9( ملزيـــد من التف�سيل، انظـــر: ه�سام �سرابي، البنيـــة البطركية: بحث يف

املجتمع العربي املعا�سر )بريوت: دار الطليعة، 1997(، �س 19-20.

)10( ملزيد من التف�سيل، انظر: الطاهر لبيب، »علقة امل�سروع الدميقراطي

باملجتمـــع املدين العربي«، امل�ستقبـــل العربي، العدد 158، بـــريوت، ني�سان/

اأبريل 1992.

)11( حليـــم بركات، املجتمـــع العربي املعا�سر يف القـــرن الع�سرين )بريوت:

مركز درا�سات الوحدة العربية، 2000(، �س 3-1، و3-9.

)12( ملزيـــد من التف�سيل، انظـــر: ورقة عمل عبدالباقـــي �سم�سان، »جت�سري

الفجـــوة بـــني املتاأ�ســـل االإن�ســـاين واملمار�س املجتمعـــي: احلقـــوق ال�سيا�سية

واالقت�سادية واالجتماعية للفئات املهم�سة يف املجتمع اليمني )فئة ما ي�سمى

االأخـــدام منوذجـــا(، قدمت يف اللقـــاء الت�ساوري الثـــاين جلمعيات املحاوي

وجتمعات ال�سفيح باليمن، عدن 2006.

)13( ملزيـــد من التف�سيل، انظر: عزمي ب�سارة، يف امل�ساألة العربية..، مرجع

�سابق، �س 244.

)14( ملزيـــد مـــن املعلومـــات، انظـــر: عبـــداهلل جناحـــي، »العقليـــة الريعيـــة

وتعار�سهـــا مع مقومات الدولة الدميقراطية«، امل�ستقبل العربي، العدد 288،

بريوت، �سباط/فرباير 2003.

)15( يزيـــد عي�سى ال�سورطي، ال�سلطوية يف الرتبية العربية )الكويت: �سل�سلة

عامل املعرفة، 2009(، �س 141-142.

)16( انظر على �سبيل املثال ال احل�سر:

- عبدالباقـــي �سم�ســـان وحممـــد املخليف، واقـــع املنظمات غـــري احلكومية

حلقوق االإن�سان )تعز: مركز املعلومات والتاأهيل حلقوق االإن�سان، 2006(؛

- مقالنـــا »العر�ـــس والطلب يف ال�ســـوق االنتخابية اليمنية: قـــراءة اأولية يف

الت�سويـــق والربامـــج االنتخابيـــة ملر�سحـــي الرئا�ســـة، �سالح وبـــن �سملن«،

�سحيفة الو�سط، العدد 117، اأيلول/�سبتمرب 2006.

- مقالنا »�سورة االإن�سان واالآخر يف املهرجانات االنتخابية ملر�سحي الرئا�سة،

�سالح وبن �سملن«، �سحيفة الو�سط، العدد 118، اأيلول/�سبتمرب 2006.

الهوامــ�ص والإحـــالت

�لتايل

�ليمن وحتديات

ما بعد �لنفط

بقلم: �أحمد �أحمد مطهر

Page 22: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 42 43ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

عني على اليمن فـي 60 يوماحتليالت

اليمن والعامل

وجهات نظر

زم��ن ما بعد �لنف��ط قادم ال حمالة لي�س يف �ليمن وح�س��ب بل يف �لع��امل �أجمع؛ فهل

هناك ��س��تعد�د حقيقي ملو�جهة حتديات مرحلة “�قت�ساد ما بعد �لنفط”؟ وما هي

�لبد�ئل �ملتاحة �أمامنا للتكيف مع حتديات هذه �ملرحلة؟

اليمن ما بعد النفط

ما العمل؟

اأحمد اأحمد مطهر كاتب من اليمن.

اأحمد اأحمد مطهر

[email protected]

Page 23: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 44 45ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

اإن املوؤ�سرات واالأرقام هي من �ستحدثنا بذلك؛ فخلل ال�سنوات االأخرية

تراجع االإنتاج النفطي لليمن بن�سبة ترتاوح بني 6% و8% �سنويا، وباملثل

تراجعت اأ�سعـــاره، االأمر الذي األقى بظلل قامتـــة على اقت�ساد البلد

نظـــرا ملا متثله العائـــدات النفطية من اأهميـــة اقت�سادية ومالية كربى؛

فن�سبـــة عائدات النفط تقدر بـ 95% مـــن جممل عوائد الت�سدير و%75

مـــن اإيرادات املوازنـــة، ومتثل ن�سبة م�ساهمته يف جممـــل االإنتاج املحلي

بحوايل 30%. وميثل تناق�س اإنتاج النفط وخطر تقلبات ال�سوق الدولية

بفعل االأزمة املالية العاملية، حتديا مزدوجا بالن�سبة للقت�ساد اليمني.

فم�ستـــوى االإنتـــاج النفطي تقل�س من 420 األف برميـــل يوميا عام 2006

اإىل 380 األف برميـــل عام 2008، وتراوح تراجع اإنتاجه العام الفائت ما

ب���ن 280 و300 األف برميل يف اليوم الواحد، يف الوقت الذي انهارت فيه

االأ�سعـــار ب�سكل كبري بدت خماطره تلوح منذ مطلع العام احلايل 2010،

حيـــث زادت احلكومة من اأ�سعار الوقود بن�سبة 14% بداية العام احلايل

حماولة رفع ملياري دوالر من على كاهلها نتيجة دعم امل�ستقات النفطية

كالديزل.

واملوؤكـــد اأن تراجـــع اإنتاج النفط وتقل�س عوائده بالتـــايل، �سيوؤديان اإىل

زيـــادة حجـــم ال�سغوط املتوقعـــة على املوازنـــة العامة ويجعلهـــا عر�سة

لعجـــز مايل غري م�سبوق بعد اأن حققت فائ�ســـا نتيجة االرتفاع الن�سبي

واملت�ساعـــد يف اأ�سعـــار النفط خلل ال�سنوات الثمـــان املا�سية. وح�سب

تقريـــر ر�سمي اأ�ســـدره البنك املركـــزي اليمني، فقد �سهـــدت املديونية

اخلارجيـــة لليمـــن ارتفاعا مقـــداره 135 مليـــون دوالر بنهاية عام 2009

مقارنـــة مع العام الذي �سبقه، فيمـــا �سهد احتياطي اليمن من العملت

ال�سعبـــة انخفا�ســـا مقـــداره 157 مليـــون دوالر. وبناء علـــى ذلك، ياأتي

حتذيـــر اخلرباء مـــن اأن الرتاجع يف خمزون العمـــلت االأجنبية نتيجة

تناق�س اإيرادات النفط وارتفاع املديونية، �سيوؤدي اإىل اأ�سرار اقت�سادية

كبرية قد ت�سل اإىل حد اإفل�س امليزانية العامة.

وبالرغـــم من وجـــود بارقة اأمل الإنعا�ـــس ميزانية الدولـــة تتمثل بدخول

اليمـــن نادي الدول امل�سدرة للغـــاز بدءا من اأواخر العام املا�سي 2009،

اإال اإن اخلـــرباء قللـــوا مـــن اأهمية مـــا يعلق مـــن اآمال على قطـــاع الغاز

الناه�ـــس، خا�ســـة اأن ح�سة الدولة منـــه تقل عن 17%، فيمـــا تتقا�سم

ال�ســـركات االأجنبيـــة بقية الن�سب. وت�ســـري التوقعـــات احلكومية اإىل اأن

اليمـــن �ستتمكن من حتقيـــق مكا�سب تقدر مبا بـــني 30 و50 مليار دوالر

�سنويا على مدار دورة حياة امل�سروع التي تقدر ما بني 20 و25 �سنة. ومع

اأن اليمـــن بحاجة ما�سة اإىل هذا الدخـــل، اإال اإن �سادراته للغاز ال تكفي

لتغطيـــة االنخفا�س احلاد يف خمزونات النفط يف الوقت الذي يعي�س ما

يقرب من 40% مـــن �سكانه على اأقل من دوالرين يوميا، ومن املتوقع اأن

يت�ساعف عدد ال�سكان الـــذي يبلغ حاليا 23 مليون خلل ع�سر �سنوات،

مما ي�سيف عبئا جديـــدا على كاهل امليزانية يف املدى القريب. وح�سب

معهد كارنيغي لل�سلم الدويل »فاإن زيادة امل�ساعدات اإىل اليمن، ولي�س

فقط الدعم االأمني املتزايد �سي�ساعد على منع انهيار الدولة، اإىل جانب

موازنـــة اخليارات االقت�ساديـــة ال�سعبة التي يجـــب اتخاذها يف اليمن

بينما ي�ستعد اقت�سادها للنتقال اإىل »اقت�ساد ما بعد النفط««.

واملوؤكد هنا اأن زمن ما بعد النفط قادم ال حمالة لي�س يف اليمن وح�سب

بـــل يف العامل اأجمع، وما يوؤكد ذلـــك حقيقة وا�سحة جدا وهي اأن العامل

ي�ستخـــدم حاليا حوايل 27 مليار برميل من النفـــط �سنويا، ولكننا جند

اأن االكت�سافـــات يف احلقـــول العاملية اجلديـــدة اأقل مـــن 6 مليار برميل

مـــن النفط �سنويـــا )اأي اأن حوايل 21 مليار برميل مـــن النفط ت�ستهلك

�سنويـــا من املخزون العاملي املرتاكم(. وتبـــدو حقيقة اأن االإنتاج العاملي

مـــن النفط �سوف يتزايد لي�سل اإىل ذروته العظمى ثم يبداأ بالتناق�س،

�سعبة الدح�س اليوم ورمبا تكون عند البع�س غري قابلة للنقا�س.

وبالتطبيق على حالة اليمن، جند اأن �سقف االإنتاج املحلي من النفط قد

بلـــغ ذروته خلل ت�سعينيات القـــرن املا�سي، وبداأت مرحلة االنحدار مع

حلول االألفيـــة الثالثة، وهذا يقودنا اإىل اإن النفط اليمني - وفق الوترية

احلالية، وب�سبب عدم وجود ا�ستك�سافات جديدة - �سين�سب حتما حتى

تنباأت لـــو ت�ساربت اآراء املراقبني حول تاريـــخ الن�سوب. ففي عام 2006

اخلبـــرية الدولية يف البنك الدويل، اإميـــان عقداوي، باأن النفط اليمني

�سين�ســـب يف عـــام 2011، يف حني توقعـــت احلكومة اليمنيـــة اأنه �سينفد

يف عـــام 2014، وهنـــاك اأي�سا توقعات بنفـــاده يف 2018 اأو 2019. ويذكر

حتـــى وقتنـــا الراهن، ميكن القول اإن النفـــط يف قامو�س اقت�ساد دولة ناميـــة كاليمن يعني »العمود

الفقـــري« القت�ســـاد اأنهكته االأزمات االقت�ساديـــة واملالية وال�سيا�سية واالأمنيـــة، والتدهور يف قطاع

حيـــوي كهذا ينعك�س ب�ســـورة مبا�سرة على اأداء االقت�ساد الوطني ب�سكل عـــام، فما بالنا اإذا بداأت

تبا�سري ن�سوب هذا املورد احليوي تلوح يف االأفق. وبالتاأكيد فاإن عددا من االأ�سئلة املهمة، على �سوء

ذلـــك، �ستتواىل تباعا: هل فعل بـــداأ العد العك�سي لن�سوب النفط يف اليمـــن؟ وهل هناك ا�ستعداد

حقيقي ملواجهة حتديات مرحلة اقت�ساد ما بعد النفط؟ وما هي البدائل املتاحة اأمامنا للتكيف مع

حتديات هذه املرحلة؟

وجهات نظراليمن والعامل

البنك الدويل اأنه بحلول عام 2017 لن تك�سب احلكومة

اليمنيـــة اأي دخل من النفط، وهذا الواقع ي�ستدعي من

احلكومة اأن تعمل مـــن االآن واأن ت�ستعد ملواجهة مرحلة

مـــا بعد النفـــط، ال�سيمـــا اأن التحديات التـــي تواجهها

اليمـــن حاليا مل تعد تنال اال�ستقرار املحلي وح�سب، بل

اأي�سا اال�ستقـــرار االإقليمي والعاملـــي يف اآن واحد، واإذا

مـــا تركـــت دون حلول ناجعـــة، فاإن تداعياتهـــا ال�سالبة

�ست�سيب دول املنطقة ككل.

ال�ستعداد ملا هو اأ�سواأ يف �سوء

ما �سبق، ميكن القول اإن ا�ستمرار االعتماد ب�سكل �سبه

كلي علـــى النفط كمـــورد اأ�سا�سي �سيعر�ـــس االقت�ساد

اليمنـــي ملخاطر فعلية يف امل�ستقبل القريب جدا، ونحن

هنـــا ال يجب اأن نكتفي بدق نواقي�س اخلطر فقط، الأننا

اأمام معركة حقيقية يجب اأن يح�سد لها كل االإمكانيات

والتدابـــري واتخـــاذ خطوات جـــادة وملمو�ســـة من اأجل

تنويع م�سادر الدخل القومي.

اإن النفـــط - كما نعـــرف بداهة - ميثل م�سدر راأ�ـــس مال نا�سب وغري

متجـــدد، والن�سوب هنـــا، كما يف�ســـر اقت�ساديا، هـــو اأن ينخف�س �سعر

البيـــع عن تكاليف االإنتـــاج. وقد لعب النفط، كما يـــدرك اجلميع، دورا

رئي�سيـــا يف حتديـــد م�ســـار وطبيعـــة التنميـــة يف اليمـــن منذ بـــدء اإنتاج

وت�سديـــر النفـــط بكميات جتارية يف عام 1986. ومـــا يزال النفط حتى

اللحظة يـــوؤدي دوره باعتبـــاره اأهم املوارد االقت�ساديـــة التي تتحكم يف

عمليـــة التنميـــة امل�ستدامة، التي تقـــوم على اأ�سا�س الربـــط بني التنمية

الب�سريـــة والتنمية البيئية، بحيث يتم حتقيق التوازن بني اجليل احلايل

وجيـــل امل�ستقبـــل، وبالتايل تلبية حاجات اجليل احلـــايل دون ا�ستنزاف

حاجات االأجيال القادمة.

وال �ســـك يف اأن ال�سعـــف يف البنيـــة االأ�سا�سيـــة للقت�ســـاد اليمني اأخذ

ينعك�ـــس بدوره على تنميـــة القطاعات االإنتاجية غـــري النفطية، وكذلك

على حجم ا�ستثمارات روؤو�س االأموال �سواء املحلية اأو االأجنبية. لذا فاإن

االقت�ساد اليمني بحاجة اإىل معاجلة قاعدته االإنتاجية، بحيث ي�ستطيع

اأن ي�ستثمـــر يف القطاعـــات االإنتاجيـــة غري النفطية، وهـــذا لن يتم دون

القيام بعمليات اإ�سلح بنيوية �ساملة حتول دون غرق االقت�ساد الوطني

يف م�ستنقع الف�سل. ويف هذا االإطار، تعالت اأ�سوات دولية عدة حتذر من

�سيناريو كارثي قد يواجه اليمن قريبا ما مل يتم التحرك ب�سورة عاجلة

لتدارك ما ميكن تداركـــه. فعلى �سبيل املثال، اأورد تقرير للمعهد امللكي

لل�ســـوؤون الدولية حتذيرا الأحد اخلـــرباء النفطيني، يوؤكد فيه »اأن اليمن

قد تواجه انهيارا اقت�ساديا خلل اأربع اأو خم�س �سنوات«.

واحلـــال اأن ا�ستمرار اعتمـــاد املوازنة اليمنية على االإيـــرادات النفطية

ب�ســـكل كبري، يف �ســـوء اال�ستنزاف احلاد ملخزون اليمـــن النفطي، بات

اأمرا مقلقا للغاية، وي�ستدعي قيام احلكومة – اليوم قبل الغد - بالتفكري

جديـــا، والعمـــل ب�سكل �سريع تبعا لذلك، على عـــدم االعتماد – ب�سورة

�سبه ح�سرية - على الرثوة النفطية يف متويل املوازنة، والبدء بخطوات

عاجلـــة لتنويـــع م�ســـادر الدخـــل القومي من خـــلل تنميـــة القطاعات

الواعدة اقت�ساديا كالزراعة وال�سياحة واالأ�سماك.

وبالرتكيـــز علـــى هذه القطاعـــات تباعا، ميكـــن القول اإن منـــاخ اليمن

يتمتـــع بالتنـــوع وهـــذا ينعك�س اإيجابا علـــى قدرة القطـــاع الزراعي على

تنويـــع املحا�سيـــل واملنتجات الزراعية على مدار العـــام. اإال اأنه بالرغم

من اجلهود التي تبذلها احلكومة لتنمية هذا القطاع، فاإن م�ساهمته يف

النـــاجت املحلي االإجمايل ما تـــزال متوا�سعة جدا، اإذ ي�ساهم بحدود %9

فقـــط من اإجمايل الناجت املحلي االإجمايل. وت�سري البيانات املتوفرة اإىل

اأن امل�ساحة املزروعة فعليـــا ما تزال �سئيلة جدا قيا�سا مب�ساحة البلد؛

فهي ال تتجاوز 101 مليون هكتار، اأي اأقل من 2% من امل�ساحة االإجمالية

لليمـــن. وهـــذا الواقـــع يقودنـــا اإىل اأن القطـــاع الزراعـــي يف اليمن غري

م�ستغل ب�سكل كاف يوؤهله الأن يكون موردا مهما ي�ساعد يف رفد امليزانية

العامة بن�سبة معتـــربة من االإيرادات، وبحيث جتعله اأحد م�سادر تنويع

الدخل القومي كما هو حا�سل يف بلدان عربية اأخرى. فعلى �سبيل املثال،

اأدت �سيا�ســـة دعـــم املزارعني، التـــي اتبعتها بع�س احلكومـــات العربية

خلل ال�سنوات املا�سية ك�سوريـــة واململكة العربية ال�سعودية، اإىل زيادة

اإنتاجهمـــا من القمـــح، ممـــا اأدى اإىل بلوغهما مرحلة االكتفـــاء الذاتي

واالجتـــاه نحـــو الت�سدير، يف الوقـــت الذي تت�سدر اليمـــن قائمة الدول

العربية االأقل اكتفاء ذاتيا من القمح، وبن�سبة ال تتجاوز %15.

ومـــن هذا املنطلـــق، تبدو احلاجة اليـــوم ملحة النتهـــاج �سيا�سة �سعرية

ت�سجيعيـــة للمنتجني من اأجل خلق فر�س احل�ســـول على اأ�سعار جمزية

يام

وي /

ل يم

ربف

األ

-100

100

200

300

400

500

0

اإجمالــي اإنتـاج النفط

�ل�سنـــة

1980 1986 1992 1996 2004 2010 2016

اليمن: انحدار نفطي

Page 24: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 46 47ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

تفوق يف ارتفاعها االأ�سعار العاملية بدرجه كبرية. وبالرغم مما يثار من

حتفظات من قبل بع�س االقت�ساديني على �سيا�سة دعم القطاع الزراعي

يف هـــذه الـــدول، نظـــرا الرتفاع تكلفة االإنتـــاج، اإال اأن الهـــدف الرئي�سي

الإ�سرتاتيجيـــة التنميـــة يف االأقطـــار النفطية يتج�ســـد يف ال�سعي ل�سمان

نهاية منظمة لع�سر النفط عن طريق تو�سيع القاعدة االقت�سادية، من

خلل تخفي�س �سيطرة القطاع النفطـــي على االقت�ساد الوطني وتنويع

م�سادر الدخل، وهو اأمر يتطلب بناء قطاع اقت�سادي متطور غري معتمد

على النفط. وعليه، فاإن دعم قطاع اإنتاجي حيوي كالقطاع الزراعي يف

اليمـــن يعترب خطوة مهمة للغاية للتخفيـــف من �سيطرة القطاع النفطي

على اإيرادات املوازنة العامـــة، و�سي�ساهم ب�سورة فعالة يف اإيجاد تنمية

م�ستدامة ت�سمن للجيل احلايل واالأجيال القادمة، العي�س يف ظل ظروف

اأكرث اأمنا وا�ستقرارا.

اأما القطاع الثـــاين الذي ميكن اأن ي�ساهم ب�سكل فعال يف تنويع م�سادر

الدخـــل القومي، واال�ستعداد من ثم حلقبة ما بعد النفط يف اليمن، فهو

القطـــاع ال�سمكي. فاليمن، كما هو معروف، متتلك �سواحل طويلة جدا،

تقـــدر بحـــوايل 2500 كيلو مرت على امتداد اإطللـــة اليمن البحرية على

البحـــر االأحمـــر وخليج عدن وبحر العرب، وهـــذا ال�سواحل غنية بزهاء

350 نوعـــا مـــن االأ�سماك واملاأكـــوالت البحرية والتـــي مل ت�ستغل بال�سكل

االأمثـــل بعد، اإذ اأن ما ي�ستغل حاليا ال يتجـــاوز 50 نوعا فقط، وهو االأمر

الـــذي ينعك�س على حجـــم االإنتاج ال�سمكي ال�سئيـــل ن�سبيا واملقدر بنحو

350 األف طن فقط، يف حني اأن االإمكانيات االإنتاجية تفوق ن�سف مليون

طن.

وبالرغـــم من اأن ثمـــة اإدراكا حكوميا باأهمية قطاعـــي الزراعة والرثوة

ال�سمكيـــة، واأنهما قد ي�ســـكلن اأحد البدائـــل االقت�سادية املهمة للرثوة

النفطيـــة املت�سائلـــة، لكن العمـــل على ت�سديـــر املنتجـــات الزراعية اأو

ال�سمكيـــة ما زال يواجـــه حتديات و�سعوبـــات جمة، نتيجـــة عدم وجود

اإ�سرتاتيجيـــة �ساملـــة للتعاطـــي مع هذيـــن القطاعني ب�ســـكل ي�ساهم يف

اإنعا�سهما وحتويلهما اإىل مرتكـــز اأ�سا�سي القت�سادنا القومي يف مرحلة

مـــا بعد النفـــط وم�سدر دخـــل ال ين�ســـب للخزينة العامـــة، ف�سل عن

عدم وجود قاعـــدة معلوماتية كافية وحمدثة ملعرفة احتياجات االأ�سواق

اخلارجيـــة، ناهيـــك عـــن اأن الت�سديـــر الع�سوائي من قبـــل جهات عدة

ال تلتـــزم باأي معايري �ســـواء من حيث املوا�سفات واجلـــودة واحتياجات

ال�سوق اخلارجية، قد اأدى اإىل تدين اأ�سعار البيع.

واإىل جانب هذيـــن القطاعني هناك اأي�سا القطاع ال�سياحي، وهو قطاع

اقت�ســـادي واعد ال يجب اال�ستهانة به، وي�سكل - يف �سوء جتارب عاملية

كثـــرية - اأحد م�سادر تنويع الدخل القومي االأ�سا�سية، لكن هذا القطاع

احليـــوي بالن�سبـــة لليمـــن مـــا زال – من حيـــث توفر مقومـــات نه�سته

االأ�سا�سيـــة - دون امل�ستوى حتى االآن. وقـــد ذكر تقرير للبنك الدويل اأن

�سناعـــة ال�سياحة يف اليمـــن تعترب من ال�سناعات االأقـــل منوا، بالرغم

وجهات نظراليمن والعامل

يف عام 1995 مت التوقيع على اتفاقية تطوير

من وعدد اليمنية احلكومة بني الغاز

ا�ستغلل امل�ساهمة يف االأجنبية ال�سركات

وبح�سب .LNG امل�سال الطبيعي الغاز

جمل�س عليها �سادق التي االتفاقية، هذه

االحتياطيات فاإن ،1997 عام يف النواب

املخ�س�سة مل�سروع ت�سدير الغاز الطبيعي

مكعب قدم تريليون 9.2 هو LNG امل�سال

1 خ�س�س قد اأنه كما عاما، 25 وملدة

تريليون قدم مكعب لل�سوق املحلية. ويعترب

ينفذ ا�ستثماري م�سروع اأكرب امل�سروع

دوالر مليار 4.7 تكلفته بلغت اليمن يف

اأمريكي.

وقد وزعت ح�س�س ال�سركات امل�ساركة يف

الفرن�سية توتال �سركة كالتايل: امل�سروع

االأمريكية هنت �سركة ،)%39.62(

)17.22%(، ال�سركة اليمنية للغاز )%16.73(،

�سركة اأمن كي الكورية )9.55%(، �سركة كو

هيونداي �سركة ،)%6.000( الكورية جاز

الكورية )5.88%(، الهيئة العامة للتاأمينات

واملعا�سات )%5.000(.

الغاز من من�ساآت لقد بداأت عمليات �سخ

وت�سدير ت�سييل معمل اإىل مباأرب املنبع

حزيران/يونيو 29 يف بلحاف يف الغاز

الغاز من �سحنة اأول ت�سدير ومت ،2009

الثاين/ ت�سرين 19 يف امل�سال الطبيعي

االإنتاج 2009. كما مت ت�سغيل خط نوفمرب

االأول رقم )1( يف الن�سف الثاين من العام

مليون ثلثة تقدر اإنتاجية بطاقة 2009

وثلثمائة األف طن �سنويا، ويف مرحلة الحقة

الغاز، لت�سييل الثاين اخلط ت�سغيل �سيتم

ت�سييل مل�سروع االإنتاجية القدرة و�ست�سل

مليون �ستة حوايل وقتها الطبيعي الغاز

و�سبعمائة األف طن بنهاية الت�سغيل.

يف LNG الطبيعي الغاز ت�سدير اأثــر اأمــا

املادة هــذه مــن للبلد احلقيقي االحتياج

بتوليد يتعلق فيما �سواء وال�سرورية، املهمة

ت�سنيع ــال جم يف اأو الكهربائية الــطــاقــة

اال�سمنت اأو ال�سناعات البرتوكيماوية، وقبل

ل تعولوا كثريا على عائدات ت�سدير الغاز

تظهر �لدر��شات �حلالية �أن �لإير�د�ت �ملتوقعة من ت�شدير �ليمن للغاز

ل ميكن �أن تغطي �لنق�س يف �لإير�د�ت جر�ء �نخفا�س كميات �إنتاج �لنفط

حممــــد قرعــــه ع�سو جمل�س ال�سورى اليمني. والن�ــــس مقتطف من ورقة عمل بعنوان »ت�سدير الغاز الطبيعي اليمني.. هل يعو�س عائدات النفط النا�سبة؟«، قدمت يف

موؤمتر »اليمن 2010: ال�سيا�سة واملجتمع«، الذي نظمه مركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية ب�سنعاء يومي 17 – 18 اأيار/مايو 2010.

حممـد قرعـه

ممـــا متتلكه اليمن من مـــوارد �سياحية كبرية. واأ�ســـاف التقرير، الذي

�ســـدر قبل عدة اأعوام وحتديـــدا يف منت�سف 2002، اأن منو ال�سياحة يف

اليمـــن تواجـــه بقيود كثرية تتمثل اأبرزها يف وجـــود اإمكانية نقل �سعيفة

وعاليـــة الكلفـــة، و�سعوبة بيئـــة االأعمـــال يف جمال الن�ســـاط ال�سياحي،

و�سعف الرتويج ال�سياحي وغياب اأي ن�ساطات له، وكذا �سعف املنظومة

االأمنية، باالإ�سافة اإىل وجود عراقيل حتول دون ا�ستمرار املحافظة على

الرتاث الثقايف اليمني.

وقـــد اأو�ســـح ذات التقريـــر اأن اإمكانيات اليمن ال�سخمـــة ت�سمح بتنمية

ال�سياحة الثقافية والتاريخية، وال�سياحـــة البيئية، و�سياحة اال�سطياف

وال�سواطئ واجلزر، باالإ�سافـــة اإىل ال�سياحة اجلبلية والعلجية وزيارة

ال�سحـــاري، ويف حـــال ا�ستغلل هـــذا القطاع الواعد فـــاإن عدد ال�سياح

القادمـــني اإىل اليمـــن �سريتفع ب�ســـكل مطرد، وميكن بالتـــايل اأن ترتفع

العائـــدات ال�سياحيـــة اإىل حـــوايل 2-3 مليـــار دوالر بح�ســـب تقديـــرات

املجموعـــة الفنية لروؤية اليمـــن اال�سرتاتيجية �سنـــة 2025. وهو اأمر اإذا

حتقق، فاإنه �سيمثل ر�سيـــدا مهما للخزينة العامة للدولة واأحد م�سادر

الدخـــل القومـــي املهمة للبـــلد، ت�ساعدهـــا على مواجهة حقبـــة ما بعد

النفط. لكن امل�سكلة االأ�سا�سية التي تواجه هذا القطاع اليوم، ومتنع من

ا�ستغللـــه بال�سكل االأمثل، تكمن يف ا�ستمرار اال�سطرابات االأمنية التي

متر بها اليمن، وتنامي التهديـــدات االإرهابية، مما اأ�ساب هذا القطاع

الواعد يف مقتل بالفعل.

وال ميكننا اأن نغفل هنا ونحن نتعر�س

ت�ساهـــم يف التـــي املختلفـــة للبدائـــل

تنويع م�ســـادر الدخل القومي لليمن خلل

املـــدى املنظـــور، التعر�س اإىل قطـــاع بالغ االأهمية كثريا مـــا يتم اإغفاله

اأو جتاهلـــه، وهـــو قطاع ال�سرائـــب واجلمارك. فال�سريبـــة، كما يعرف

ال�سا�ســـة واالقت�ساديون بداهة، تعترب واحدة مـــن اأهم اأدوات ال�سيا�سة

املاليـــة والتي ميكن للدولة من خللها حتقيق جملة من االأهداف املالية

واالقت�سادية واالجتماعية. ويف معظم دول عاملنا املعا�سر تعد ال�سرائب

وعائـــدات اجلمـــارك اأحد امل�ســـادر الرئي�سية للموازنـــة العامة للدولة،

باعتبارهـــا م�ســـدرا اإيراديـــا مهما وم�ستـــدام. ولكن امل�سهـــد يف اليمن

مـــن هذه الناحيـــة يبدو خمتلفا؛ فالتهرب ال�سريبـــي بات اإحدى �سمات

االقت�ســـاد اليمنـــي االأكـــرث ر�سوخا للأ�ســـف، ف�سل عـــن اأن االإعفاءات

ال�سريبية واجلمركية اأ�سبحت ممار�سة �سائعة، وتعطى اأحيانا مبوجب

قوانني نافذة، واأحيانا اأخرى ب�سورة خمالفة للقانون، وكل بح�سب ثقل

�ساحب االإعفاء ال�سريبي اأو اجلمركي يف البلد. وت�سري بع�س التقديرات

ل مبوجب االأوعية اإىل اأن حجـــم الطاقة ال�سريبية التي ميكـــن اأن حت�س

ال�سريبية القائمة، يفوق الرتيليون ريال، اأي اأنها ت�سكل ما ن�سبته حوايل

لة فعليا 40% من االإيرادات العامة املتوقعة، يف حني اأن ال�سرائب املح�س

ذلك لتغطية احلاجة يف جمال الوقود املنزيل

نظر وجهات عــدة فهناك ال�سيارات، ووقــود

كميات وجــود اإىل يذهب مــا منها خمتلفة،

الت�سدير يوؤثر ولن االحتياجات لهذه كافية

�سلبا. �سنويا، مرتي طن مليون 6،7 بالكمية

وبــاملــقــابــل، هــنــاك تــخــوفــات ووجــهــات نظر

وبيانات بح�سب اأرقام اإىل اأ�سحابها ي�سندها

ما هو مكت�سف حاليا، تقول باأن الت�سدير بهذه

ــار اآث لــه �سيكون الكمية

�سلبية، �سواء فيما يخ�س

اللزمة الكميات توفري

LPG مــن الــغــاز املــنــزيل

يوجه ان ميــكــن مـــا اأو

لتوليد الطاقة الكهربائية

لل�سناعات اأو م�ستقبل

نق�س يف اأو املــخــتــلــفــة

من املنتج النفط كميات

القطاع )18(.

عائد هناك اأن �سك وال

،LNG ملمو�س لت�سدير الغاز الطبيعي امل�سال

اإنتاج بداأ الذي الوقت يف العائد هذا وياأتي

حتى املكت�سفة القطاعات جميع يف النفط

من امل�ستقاة البيانات وتظهر بالرتاجع. االآن

املتوقعة االإيرادات حول احلكومية امل�سادر

2033 العام اإىل 2009 الفرتة خلل �سنويا

عليها �ستح�سل التي االإيرادات اإجمايل اأن

مليون 285805 مبقدار هي اليمنية احلكومة

مليار 5 من اأقل يعادل ما اأي اأمريكي، دوالر

دوالر اأمريكي �سنويا. وامللحظ اأن االإيرادات

اأمريكي دوالر املليار خانة تبلغ لن احلكومية

االإيردات وتنمو ،2020 العام من ابتداء اإال

عام يف لت�سل اآخر اإىل عام من احلكومية

2.245.4 مبقدار - البيع عقد نهاية - 2033

مليون دوالر.

مدة خلل القدر بهذا اإيرادات اأن والوا�سح

امل�ستمر االنخفا�س مع الغاز ت�سدير عقد

اإليه ت�سري ما بح�سب النفط، اإنتاج لكميات

الدرا�سات احلالية، تبني اأن االإيرادات املتوقعة

النق�س تغطي اأن ال ميكن الغاز ت�سدير من

يف االإيرادات من جراء انخفا�س كميات اإنتاج

احلكومة موازنة �سيجعل الذي االأمر النفط،

احلكومة تقم مل ما بالغ حرج يف اليمنية

اليمنية باتخاذ �سيا�سات �سليمة وجادة خلف�س

النفقات من جهة، ولتنمية االإيرادات من جهة

اأخرى.

خزانات الغاز الطبيعي امل�سال يف بلحاف

Page 25: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 48 49ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

- ح�ســـب تقديرات م�سلحة ال�سرائب للعـــام الفائت 2009 - بلغت 340

مليـــار ريال فقط، وعليه فاإن اخلزينة العامـــة تتكبد خ�سائر تقدر بنحو

3.5 مليار دوالر �سنويا جراء التهرب ال�سريبي فقط.

واحلقيقـــة اأن الق�ساء نهائيا على م�سكلـــة التهرب اأو الت�سرب ال�سريبي

وكذلـــك التهريب اجلمركي، كمـــا يعتقد اخلرباء، اأمـــر �سبه م�ستحيل،

ولكـــن وجود الت�سريعـــات والقوانني الكافية واملتابعـــة امل�ستمرة من قبل

اأجهزة الدولـــة وموؤ�س�ساتها، اخلا�سعة بدورها للإ�سراف الق�سائي، قد

ت�ساهم ب�ســـكل كبري يف مواجهة التهرب ال�سريبـــي، االأمر الذي �سيتيح

اإمكانيـــة رفد امليزانية العامـــة مببالغ طائلة من �ساأنهـــا اأن ت�ساعد على

مواجهة اأزمات اليمـــن االقت�سادية، ومتثل بالتايل اأحد البدائل املتاحة

لتنويـــع م�سادر الدخل القومي والتكيف مـــع مرحلة ما بعد النفط. ويف

�ســـوء ذلك، ينبغي على احلكومة اليمنية العمل على حتديد االختلالت

يف هذا اجلانب ومعاجلتها ب�سكل عاجل ب�ستى ال�سبل القانونية، ومن ثم

الت�سجيع على االلتزام الطوعي بت�سديد ال�سريبة، ورفع كفاءة التح�سيل

ال�سريبـــي واجلمركي، ولـــن يتم هذا االأمر من دون تفعيـــل قانون مبداأ

الثواب والعقاب وب�سورة ال ت�ستثني اأحدا يف هذا اخل�سو�س.

جتديد القت�ساد ملواجهة التحديات ومهما

يكن من اأمر، ميكن القول اأنه يجب التعامل من االآن ف�ساعدا مع حقبة

مـــا بعـــد النفط التـــي قد تواجـــه اليمن قريبـــا، حتى واإن اأخـــذت عجلة

عمليـــات اال�ستك�ســـاف يف الـــدوران من جديد، كحقيقـــة ال منا�س منها

وجديـــرة بالوقـــوف اأمام تبعاتهـــا واإكراهاتها، كمـــا فر�سها، من خلل

تعبئة كل االإمكانـــات املتاحة. ولن يتم ذلك من

دون و�ســـع �سيا�ســـات عملنية حتفـــز اقت�ساد

البلد على جتديد نف�سه، وجتاوز حالة التدهور

ال�سريع التي مير بهـــا. واملوؤكد اأن البدائل تظل

متوفـــرة اإن توفـــرت االإرادة ال�سيا�سية والقرار

الر�سيد، كما اأن جتـــارب االآخرين تفتح اأمامنا

كـــوة عري�سة مـــن االأمل بـــاأن امل�ستقبل ما يزال

اأمامنـــا، واأن لدينا فر�ســـة حقيقية لتجاوز اآثار

وتداعيات ن�ســـوب خمزوننا النفطي كما فعلت

بلـــدان عديدة، بع�سها قريـــب جدا منا. فها

هي البحرين، مثـــل، ا�ستطاعت التكيف مع

)وجتـــاوز( ع�سر ما بعـــد ن�سوب النفط يف

حقولها التي �سهدت اأوىل االكت�سافات البرتولية يف املنطقة، وا�ستطاعت

اأن تتحـــول اإىل واحـــد من اأهم املراكـــز املالية واالقت�ساديـــة يف االإقليم

ورمبـــا يف العـــامل، وهي تفتخر حاليـــا بامتلك واحد مـــن اأكرب م�سانع

االأملونيوم يف العامل، كما تبدي تطلعا الأن ت�سبح واحدة من اأهم وجهات

ال�سياحة يف املنطقة.

وعلـــى مقربة منهـــا ومنا اأي�سا، جنـــد دولة االإمـــارات العربية املتحدة،

التـــي حتولت من واحدة من اأكـــرث االقت�ساديات اعتمادا على النفط يف

عـــام 1980 اإىل اأحـــد اأقل االقت�ساديات تعويل عليـــه، رغم اأن اأرا�سيها

مـــا تزال حتوي خمزونـــا واحتياطيا نفطيا ال ي�ستهان بـــه. وعلى الرغم

مـــن تاأثريات االأزمة املالية التي ع�سفـــت باإمارة دبي موؤخرا، فاإن قدرة

االأخرية على ال�سمود وامت�سا�ـــس ال�سدمة بددت الكثري من ال�سكوك

حول م�ستقبلها، بل اإنها حازت على اإعجاب اخلرباء االقت�ساديني، ومن

ثـــم فاإنها ما تـــزال جت�سد اآمال دول اخلليج يف م�ستقبل م�سرق حتى واإن

جفت اآبار النفط ال�سخمة يف تلك االأرجاء.

وهـــذا يقودنـــا اإىل التاأكيد علـــى اأن اأمـــام اليمن فر�سة كبـــرية لتجاوز

التداعيـــات ال�سالبـــة – ورمبا الكارثيـــة - لن�سوب خمزونهـــا النفطي،

وتنويع م�سادر دخلها القومي، اإن اأح�سنت اإدارة عملية انتقال اقت�سادها

اإىل »اقت�ســـاد ما بعد النفط«. فاليمـــن، يف احلقيقة، متتلك مقومات ال

متلكها اأي مـــن دول اخلليج املجاورة، والفر�ســـة اأمامنا مواتية لتحقيق

تنميـــة م�ستدامة برغم كل �ســـيء؛ فاليمن غنية باملـــواد اال�ستخراجية،

ولديهـــا قطاعـــات اقت�سادية واعدة، ميكـــن االعتماد عليهـــا اإن اأح�سن

�سانعـــو ال�سيا�سات االقت�سادية واملالية يف البلد اإدارتها وتنميتها ب�سكل

جيـــد وبكفاية عاليـــة. ويف ظل التوجهـــات احلالية، من املهـــم اأن تركز

احلكومـــة علـــى ت�سجيع اإقامـــة م�سروعـــات ا�ستثماريـــة ا�سرتاتيجية يف

خمتلـــف اأرجاء البلد، والدفـــع تاليا وب�سكل متـــواز اإىل تكوين وحدات

اإنتاجية بهدف الت�سدير، ال�سيما تلك التي ميكنها حتقيق قيمة م�سافة

مثل ال�سناعات اال�ستخراجيـــة من قبيل الرخام وال�سخور واجلرانيت

واجلب�س، وكذلك �سناعة الغـــزل والن�سيج واالأعلف واجللود وت�سدير

االأ�سماك، ف�سل عن ت�سجيع اإن�ساء م�سانع التعبئة

والتغليف واخلدمات امل�ساندة للت�سدير مثل ائتمان

ومتويـــل ال�سادرات، والتو�ســـع يف خدمات ال�سحن

والنقل لل�سادرات.

اأ�ســـف اإىل ذلـــك، يظـــل االهتمـــام اجلـــاد واملدرو�ـــس

بالقطـــاع امل�سريف واإن�ساء �سوق للأوراق املالية اأمرا ذا

اأهمية بالغة، فاإن�ســـاء مثل هذه ال�سوق �سوف يوؤدي اإىل

تنمية الوعـــي االدخاري لدى اأفـــراد املجتمع، وبالتايل

تو�سيـــع القاعـــدة االإنتاجيـــة واالقت�ساديـــة للبلد. وال

يفوتنا الت�سديد اأي�سا على �سرورة تليف االآثار ال�سلبية

للإنفـــاق الع�سكري وفق الوترية احلالية على االقت�ساد

الوطنـــي، خ�سو�سا اأنه يبلغ يف الوقـــت الراهن حوايل

ثلثـــة اأ�سعاف ما ينفق على خدمات التعليـــم وال�سحة. واأخريا، ميكن

القول اإن اأي حماوالت تهدف لزيادة معدالت االإنتاج والنمو االقت�سادي

يجـــب اأن تكون مدرو�ســـة بعناية ومبنهجية علمية دقيقـــة، غري اأن ذلك

�سيبقـــى مرهونا - بدرجة اأ�سا�سيـــة - بزيادة مقدار االهتمام احلكومي

بالبحـــث العلمي، بحيث تكون خمرجاته على الدوام يف خدمة قطاعات

االإنتاج الواعدة يف البلد.

وجهات نظراليمن والعامل

كبــرية فر�ســة اليمــن اأمــام

لتجــاوز التداعيــات ال�سالبــة

– ورمبــا الكارثيــة - لن�سوب وتنويــع النفطــي، خمزونهــا

اإن القومــي، دخلهــا م�ســادر

اأح�سنــت اإدارة عمليــة انتقال

مــا »اقت�ســاد اإىل اقت�سادهــا

بعد النفط«

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

�ضدر حديثا �ضمن

�ضل�ضلة اأوراق بحثية

اآليـات تفعيـل ا�ضتفـادة اليمن

من القرو�ض اخلارجية

حممد �سالح قرعة

اأروى اأحمد البعداين

تعبئة املوارد يف ال�ضيا�ضة

اخلارجية اليمنية

جلل اإبراهيم فقرية

البقاء للأ�ضغر:

الدور اجلديد للدول

ال�ضغرية يف النظام العاملي

حممد �سيف حيدر

Page 26: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 50 51ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

مــــت فعاليات االجتمــــاع اإىل ثــــلث جل�سات متحورت حــــول العناوين ق�سر

التاليــــة: »اليمــــن والغرب: �سراكــــة حقيقية؟«؛ و»اليمــــن وجمل�س التعاون

اخلليجــــي: �سيا�ســــة اجلــــوار االآمــــن؟«؛ و»اليمــــن وال�سومــــال: الفجــــوة

الوا�سعة؟«. وفيما يلي تفا�سيل اأهم النقاط التي اأثريت خلل اللقاء:

العــــام 2010 عامــــا حا�سما بالن�سبــــة لليمن فيمــــا يتعلق بتنفيذ • يعتــــرب االإ�سلحات، خا�سة واأنه خمطط للنتخابات املقبلة اأن تعقد يف ني�سان/

اأبريــــل 2011. ولتحقيــــق ذلك يجب البدء يف ت�سجيــــل اأ�سماء الناخبني يف

اأيلول/�سبتمــــرب 2010. لكن لي�س هناك اإجماع بني االأطراف املعنية داخل

اليمن ويف اأو�ســــاط املجتمع الدويل، على االأهميــــة الن�سبية للإ�سلحات

االقت�سادية مقابل االإ�سلحات ال�سيا�سية. ورمبا ي�ساعد احلوار الوطني

املزمع اأن يبداأ منت�سف 2010 على حل بع�س هذه امل�سائل.

"اأ�سدقاء اليمن" • متتلــــك املقاربــــة ال�ساملة التــــي تتبناها جمموعــــة القدرة على تقييــــم م�ستوى اال�ستقرار والتنمية يف البلد، اإذ اأنه من املهم

خلق نوع من التوازن بني امل�سائل االأمنية والتنموية عند معاجلتها. ويجب

علــــى "اأ�سدقاء اليمن" الــــرتوي واأخذ مزيد من الوقــــت يف التفكري حول

جوهــــر ولي�ــــس مظهــــر االأ�سياء. ويجــــب اأي�ســــا تكييف توقعــــات اليمن مع

توقعات الغرب ملوازنة بع�سها ببع�س.

• تزداد احلاجة ب�سكل م�ستمر للنظر اإىل اليمن كجزء من منطقة اأو�سع نطاقــــا، ت�سم كل مــــن بلدان جمل�ــــس التعاون اخلليجــــي ومنطقة القرن

االأفريقــــي. وينبغي على اليمــــن التطلع اإىل علقات مع دول اخلليج مبنية

تلخ�ص املقالة التالية، حماور النقا�ص الذي دار خالل ور�سة العمل املنعقدة ب�سنعاء – اليمن، يف ني�سان/

اأبريــل 2010، والتــي نظمهــا كل من مركــز �سباأ للدرا�ســات الإ�سرتاتيجيــة واملعهد امللكي لل�ســوؤون الدولية

)�ساتــام هاو�ــص(. لقــد كان الهدف من انعقــاد الور�سة، فتــح اآفاق وا�سعــة للنقا�ص املفتوح حــول مو�سوع

»اليمن واملنطقة والعامل: ت�سورات امل�سالح الإقليمية والدولية يف اليمن«، وكذلك ربط فعاليات النقا�ص

الداخلية التي تتم يف اليمن بتلك التي تقام يف الغرب.

اليمن واملنطقة والعامل

ت�ضورات امل�ضالح االإقليمية والدولية

عني على اليمن فـي 60 يوماحتليالت

اليمن والعامل

وجهات نظر

املقـــال يف االأ�ســـل - كما اأ�ســـري يف مقدمته- هو خل�سة لقاء عمل م�ســـرتك نظمه، ب�سنعاء، كل مـــن برنامج منتدى اليمن

باملعهـــد امللكي لل�سوؤون الدوليـــة )�ساتام هاو�س(، ومركز �سباأ للدرا�سات االإ�سرتاتيجية يف 6 ني�سان/اأبريل 2010. اإن وجهات

النظـــر املقدمـــة يف هذه الوثيقة ال تعك�ـــس بال�سرورة وجهة نظر منظمي اللقاء، وهما املعهد امللكـــي لل�سوؤون الدولية )�ساتام

هاو�س( ومركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية، واإمنا تعربر عن اآراء موؤلفيها فقط )الذين لن يتم ذكر اأ�سمائهم وفقا لقواعد

»�ساتام هاو�س« التي مت اعتمادها يف هذا اللقاء(.

على تبادل املنافع، ولي�س بال�سرورة من خلل االندماج الكامل. وبالطبع

يظــــل الو�سول اإىل اأ�سواق العمــــل اخلليجية مهما، لكــــن ال يجب اأن يكون

ديــــدن اليمن الوحيد، فعلى اليمن اإبراز القيمــــة امل�سافة الن�سمامها اإىل

املجل�س ك�سريك اإ�سرتاتيجي، وكذلك اإبراز الفوائد التي تعود بها �سيا�سة

اجلوار املهيكلة.

اإىل الفهــــم العميــــق ل�سيا�ســــات ال�سومــــال الــــدويل املجتمــــع • يفتقــــر الداخليــــة، وهذا النــــوع من الفهم بحد ذاته مهــــم الإدراك القوى الفاعلة

والديناميكيــــات االإقليمية. وميكن اعتبــــار خليج عدن من العوامل املوؤثرة

يف عــــدم ا�ستقرار املنطقــــة. كما يجب خلق املزيد مــــن التن�سيق والتعاون

ملعاجلــــة م�ساكل جتارة ال�سلح واأعمال القر�سنة والتهريب والهجرة غري

ال�سرعية.

لقــــد عقــــد االجتمــــاع وفقــــا "لقاعــــدة �ساتــــام هاو�ــــس"، والتــــي تقــــول:

اأو فعالية من فعاليات ذلــــك االجتماع، فاإنه يحق انعقاد اجتمــــاع "عنــــد للم�ساركــــني، مبوجــــب قاعــــدة �ساتام هاو�ــــس، ا�ستخــــدام املعلومات التي

وردت خلل االجتماع، ولكــــن دون االإ�سارة اإىل هوية اأو انتماء املتحدث/

املتحدثــــني اأو اأي م�ســــارك اآخر". واالآراء املذكورة هنــــا تعربر عن وجهات

نظر امل�ساركني يف اللقاء. وميثل امللخ�س التايل عامل تذكاريا ملن �سارك

يف فعاليــــات االجتمــــاع، وملخ�سا عاما ملحاور النقا�ــــس ملن مل ي�سارك يف

هذه الفعالية.

اأول: اليمن والغرب: �سراكة حقيقية؟

مقاربة �ساملة

من اأهم النتائج التي خرج بها اجتماع لندن يف كانون الثاين/يناير 2010

)وهــــو اجتماع رفيــــع امل�ستوى دعا اإليه رئي�س الــــوزراء الربيطاين جوردن

بــــراون، ملناق�سة العديــــد من امل�ســــاكل االقت�سادية وال�سيا�سيــــة واالأمنية

يف اليمــــن(، هــــو االإجمــــاع الدويل حــــول احلاجــــة اإىل »مقاربــــة �ساملة«

د قــــادرة على معاجلة التحديات التي تواجه اليمــــن. وهذه املقاربة �ستمهر

الطريق لعملية التعامل مع املخاوف ال�سيا�سية واالقت�سادية واالجتماعية

واالأمنيــــة، اإذا ما �سعــــت وراء حتقيــــق اال�ستقرار والتنميــــة امل�ستدامة يف

اليمن. وقــــد اأعربت حكومة اليمــــن عن رغبتها وا�ستعدادهــــا لتبني هذه

املنهجية ب�ســــكل كامل، بل واتخذت خطوات اإيجابيــــة مثل قبول تو�سيات

�سندوق النقد الدويل.

ويظــــل التحدي االأكرب واالأهــــم كامنا يف خلق نوع من التوازن بني املطالب

Page 27: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 52 53ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

االأمنيــــة والتنميــــة امل�ستدامة. كمــــا اأن �سرعة التحرك تعــــد عامل مهما،

فهنــــا ي�سود �سعور بــــاأن الوقت ينفد ب�سرعة. اأي�ســــا ينظر اإىل العام 2010

على اأنه عام حا�سم لتحقيق االإ�سلحات، ويوؤكد الكثري من اليمنيني على

احلاجــــة اإىل القيام بتغيــــري اإيجابي بحلــــول اأيلول/�سبتمرب 2010 عندما

يبــــداأ ت�سجيــــل اأ�سماء الناخبني ا�ستعدادا للنتخابــــات التي من املقرر اأن

جترى يف عام 2011.

الغرب: ت�سورات وخماوف

اإن الدافع وراء دعم الدول الغربية للمقاربة ال�ساملة، هو ما تعلمه الغرب

من درو�س يف العراق واأفغان�ستان. ومبا اأن الغرب ياأخذ هذه الدرو�س على

حممــــل اجلد، فاإنه يدرك اأهمية اخل�سو�سيــــة الوطنية واالإقليمية لعملية

االإ�سلح، ويفهم اأن جوهر اأي منهجية اأو مقاربة غربية البد اأن تكون من

منطلق تقدمي الدعم ولي�س التدخل. وهناك اإدراك اأي�سا باأن و�سع اليمن

فريــــد من نوعه، بالنظر اإىل خ�سو�سيتــــه، وقد يتبع املقاربة هذه اأحداث

حتاول التاأثري يف الطريقة التي تتجلى بها )تلك االأحداث(.

وتوؤكد الدول الغربية، واملانحة منها خ�سو�سا، على دور احلكومة اليمنية

يف تــــويل قيادة عمليات االإ�سلح. وقد حققــــت اليمن منذ انعقاد اجتماع

لنــــدن يف كانــــون الثاين/يناير بع�س التقدم امللحــــوظ نحو االإ�سلح، من

خــــلل تخفي�س دعــــم الوقود، ووقف اإطلق النــــار يف �سعدة، ومن خلل

جتديــــد التزاماتها يف اجتماع »اأ�سدقــــاء اليمن« الذي انعقد بالريا�س يف

�سباط/فرباير 2010 بالتن�سيــــق مع اجلهات املانحة. لكن بالرغم من اأن

الــــدول الغربية تقدر ما قامت به اليمــــن، اإال اأنها تبدي قلقها ب�ساأن قدرة

اليمن على موا�سلة التقدم واحلفاظ على الزخم يف عملية االإ�سلحات.

اليمن: ت�سورات وخماوف

ينظــــر اليمنيــــون اإىل االأمــــن والتنمية على اأنهمــــا ق�سيتــــان متلزمتان،

معتربين م�ساكل التنمية ال�سبب االأ�سا�سي وراء امل�ساكل االأمنية، والداعم

لبيئــــة االإرهاب والتطــــرف. ومن هذا املنظور، فاإن النهــــج االأمثل �سيكون

الرتكيز على حل م�ساكل التنمية مثل البطالة والفقر ون�سوب املوارد، واأي

منهــــج اأخر يركز على الق�سايا االأمنية – كمــــا هو احلال بالن�سبة لبع�س

ال�سيا�ســــات الغربية جتاه اليمن – قــــد يكون م�سرا، الأنه ي�سرف االنتباه

عن االأ�سباب اجلذرية واال�سرتاتيجيات طويلة املدى لتحقيق اال�ستقرار.

وتعرتف احلكومــــة اليمنية باأن االلتزام بجدول االإ�سلحات وتنفيذه اأمر

بالــــغ االأهمية لتحقيــــق النجاح، لكنها تعرتف اأي�ســــا اأنها تعاين من اأوجه

ق�ســــور موؤ�س�سيــــة تعيــــق قدرتها على اال�ستفــــادة من الدعــــم املقدم لها،

وتنفيــــذ عمليــــة االإ�سلحات املطلوبة منهــــا. وي�سدد البع�ــــس على اأهمية

اتخاذ القرارات املدرو�سة، م�سريين اإىل اأن الكثري من القرارات املتخذة

والتو�سيــــات املتبعــــة غالبــــا مــــا يق�سد من ورائهــــا »وقــــف النزيف« دون

اال�ستيعاب العميق الآثارها على املدى البعيد. فعلى �سبيل املثال، ينبغي اأن

تدر�ــــس بعناية االآثار طويلة االأجل املرتتبة على كل من رفع الدعم، وقرار

احلكومة االأخري برفع اأ�سعار الفائدة.

اآلية جمموعة »اأ�سدقاء اليمن«

ينظــــر اإىل اآلية جمموعة اأ�سدقاء اليمــــن باعتبارها اأداة مهمة، ميكن اأن

ت�ساعــــد البلد على حتقيــــق اال�ستقــــرار والتنمية. وتتوقع اليمــــن اأن تلعب

جمموعــــة اأ�سدقاء اليمــــن دورا، من خلل دعم جهــــود احلكومة لتنفيذ

تو�سيــــات �سنــــدوق النقد الــــدويل، وت�سكيــــل حكومة مركزيــــة، والتعجيل

باحلــــوار الوطنــــي، و�سمــــان انعقــــاد انتخابــــات 2011 يف بيئــــة تت�ســــف

بالنزاهة وال�سفافية. مع ذلك، هناك �سوء فهم �سائع يف اأو�ساط اليمنيني

باأنــــه �ستكون هناك تعهدات بتقدمي م�ساعدات من قبل جمموعة اأ�سدقاء

اليمن؛ وهذا لي�س �سحيحا.

ويف اجتماعــــات »اأ�سدقــــاء اليمــــن« هنــــاك ت�سديــــد مبالغ فيه علــــى اآلية

االإ�سلحــــات ولي�س على اجلوهــــر؛ فيجب الرتكيز علــــى معاجلة امل�سائل

ال�سيا�سية ال�سعبة، خا�سة واأن اليمن - بعد املحاولة التي قام بها فاروق

عبــــد املطلب ليلة عيــــد امليلد لتفجــــري الرحلة رقــــم 253 التابعة ل�سركة

»نورث وي�ســــت« - اأ�سبحت تلقى قدرا كبريا من االهتمام الدويل ب�سورة

مل ي�سبــــق لها مثيــــل. لكن من املهم اأي�سا ترجمة ذلــــك االهتمام وحتويله

اإىل فر�سة حقيقية.

الإ�سالحات القت�سادية مقابل الإ�سالحات ال�سيا�سية

على الرغم من الدعم الكامل الذي تظهره الدولة واأغلبية ال�سعب اليمني

جتاه االإ�سلحات املطلوبة، وكذلك االعرتاف باحلاجة ال�سرورية للقيام

بتلــــك االإ�سلحات، اإال اأنه لي�س هناك اإجماع وطني حول كيفية تنفيذها،

خا�ســــة فيمــــا يتعلق مبــــا اإذا كانت االأولويــــة هي للإ�سلحــــات ال�سيا�سية

اأو االإ�سلحــــات االقت�ساديــــة. اإن احلــــزب احلاكم واالأحــــزاب املعار�سة

خمتلفــــني يف هــــذا ال�ســــاأن اإذ توؤكــــد احلكومة علــــى اأهميــــة االإ�سلحات

االقت�ساديــــة واأولويتها، بينما ت�سدد املعار�ســــة على اأهمية واأولوية اإجراء

اإ�سلحات �سيا�سية.

وبح�ســــب ما تراه املعار�سة، فــــاإن املخاطر االأمنية – كتلــــك التي ي�سببها

تنظيــــم القاعــــدة والتطــــرف – هي

نتيجــــة له�سا�سة الدولــــة واإخفاقها،

لــــذا ياأتــــي التاأكيــــد علــــى احلاجــــة

ود�ستوريــــة انتخابيــــة الإ�سلحــــات

واإ�سلحات �سيا�سية ب�سورة عامة،

واملتعلقــــة منها باحلريــــات الفردية

على وجه اخل�سو�س. وترى املعار�سة

اأي�سا اأن مثل هذه االإ�سلحات متثل

حجر الزاوية يف عملية التنمية. كما

توؤيد فكرة االإ�سلحات االقت�سادية،

مع اأن الكثري مــــن عنا�سر املعار�سة

ي�سعــــرون باالإحبــــاط جتــــاه انعــــدام

،1995 اال�ستقرار االقت�ســــادي منذ

ويطالبــــون »بروؤيــــة متوازنــــة« ت�سمل

ينظر �إىل �لعام 2010

على �أنه عام حا�سم

لتحقيق �لإ�سالحات،

ويوؤكد �لكثري من

�ليمنيني على �حلاجة

�إىل �لقيام بتغيري

�إيجابي بحلول �أيلول/

�سبتمر 2010 عندما

يبد�أ ت�سجيل �أ�سماء

�لناخبني ��ستعد�د�

لنتخابات 2011

وجهات نظر اليمن والعامل

االإ�سلحات االقت�سادية واالإدارية معا.

اأما احلكومة، من جهتها، فتحر�ــــس على التمييز بني االإ�سلحات املهمة

وبــــني االإ�سلحــــات االأهم، معتقدة بــــاأن كل من االإ�سلحــــات ال�سيا�سية

واالقت�سادية مهمة جدا، لكــــن االإ�سلحات االقت�سادية اأهم. وت�ستخدم

قيا�ســــا اأو مثاال لهذا مبــــن يتقاتلون على منت �سفينة تغــــرق؛ فيكون اإنقاذ

ال�سفينة من الغرق اأهم من وقف القتال. وال�سعب يهتم اأكرث بتوفر فر�س

العمل وتقدمي اخلدمات العامة وتطبيق �سيادة القانون، وما عدا هذا يعد

اأولويــــة ثانوية حتى حتقق احلكومــــة هذه االأ�سيــــاء اأوال. وتعتقد احلكومة

اأي�ســــا اأن خمالفة املعار�ســــة، وعدم الثقة يف قراراتهــــا االإ�سلحية، هي

نتيجة لغيــــاب اال�ستيعاب واالإدراك ال�سامل للو�ســــع وما يتطلبه ذلك من

اإجراءات.

احلاجة لإجماع وطني

مــــن دون توافــــق وطني علــــى اأجندة االإ�ســــلح ال ت�ستطيع اآليــــة »اأ�سدقاء

اليمــــن« اأن متثل و�سيلة دعم فعالة. والطريقــــة الوحيدة التي ت�ساعد على

التو�ســــل اإىل ذلــــك االإجماع اأو التوافق هي من خــــلل اإجراء حوار وطني

ي�سمــــل كل االأطــــراف ال�سيا�سيــــة واملنظمات غري احلكوميــــة وغريها من

اجلهات الفاعلة. مع ذلك، فاإن اإجراء حوار وطني فعال اأمر لي�س �سهل،

اإذ يجــــب اأن يكون وا�سحا وحمددا فيما يتعلق باأجندته، وامل�ساركني فيه،

ومدته الزمنيــــة. ومثل هذا احلوار الوطني �سي�ساعــــد اليمن على حتقيق

اإ�سلحــــات مهمــــة، وتاأ�سي�س نظام ر�سيــــد للحكم؛ وجمموعــــة »اأ�سدقاء

اليمن« هي خري من ي�ستطيع توجيه هذه العملية.

التعــاون اخلليجــي: اليمــن ودول جمل�ــص ثانيــا:

�سيا�سة اجلوار الآمن؟

ا�ستيعاب م�سالح دول جمل�ص التعاون اخلليجي

غالبــــا ما تثور ت�ســــاوؤالت عن الكيفية التي تنظر بهــــا دول جمل�س التعاون

اإىل اليمــــن، وعما اإذا تغريت تلك النظرة خلل ال�سنوات املا�سية القليلة

يف �ســــوء العوامل االأمنية املتغرية. وبينما كان العراق واإيران هما م�سدر

املخاوف االأمنية الرئي�سيــــة للخليج يف املا�سي، اأ�سبحت اليمن اليوم هي

من ي�سكل تهديدا الأمن وا�ستقرار املنطقة.

وياأ�ســــف الكثري من اليمنيني من املنظور الذي تتبناه دول جمل�س التعاون

اخلليجــــي لبلدهــــم، والذي يركــــز على اجلانــــب االأمني، وياأملــــون بتبني

مقاربــــة �ساملة تنظــــر اإىل االأو�ساع االأمنية يف اليمــــن يف �سوء امل�سكلت

االجتماعيــــة احلالية االأخــــرى. فالرتكيز على عملية التنميــــة وامل�ساعدة

املاليــــة واملنهجيــــات التي تعالــــج التعليم وبنــــاء القدرات، هو مــــا �سيعود

بالفائــــدة. اأي�ســــا يوجــــد حاليــــا تبايــــن كبري بــــني م�ستوى الدخــــل وتوفر

اخلدمــــات يف اليمن ودول جمل�ــــس التعاون، وهو ما يجــــب اأن يوؤخذ بعني

االعتبار.

كما يحــــاول اليمنيون فهم م�سالح دول جمل�س التعاون اخلليجي احلالية

يف املنطقــــة. ففــــي املا�ســــي، رمبا مل

يكــــن مــــن م�سلحــــة دول اخلليــــج اأن

تكــــون اليمــــن دولــــة قويــــة، وكان يتم

والدعــــم املاليــــة امل�ساعــــدة تقــــدمي

االقت�ســــادي من اأجــــل تثبيط عزمية

اليمن حتى ال تطلب الدعم من بلدان

اأخرى وتقيم معها حتالفات. وم�ساألة

عمــــا اإذا بــــداأت هــــذه امل�سالح تتغري

وكيف يوؤثر ذلك يف روؤية دول جمل�س

التعــــاون اخلليجــــي لليمن، مــــا زالت

بحاجة اإىل فهــــم اأكرث. وهناك اأي�سا

ت�ساوؤالت عــــن موقع اليمــــن املنا�سب

الفرعية؛ االإقليميــــة التجمعــــات بني

وهــــل ينبغــــي النظر اإليهــــا كجزء من

منطقــــة القــــرن االأفريقــــي مثلما هي

جزء من منظومة جمل�س التعاون اخلليجي؟

العمالة اليمنية

اإن مــــن اأخطــــر امل�ساكل التي تواجههــــا اليمن هي ن�سبــــة البطالة العالية.

ويعتــــرب ت�سديــــر االأيدي العاملة اليمنية اإىل بلــــدان اخلليج املجاورة حل

اأ�سا�سيا ق�سري املــــدى، لكن موقف دول اخلليج حيال هذه امل�ساألة ما زال

غام�سا، وهناك ت�ساوؤالت حول مدى رغبتها يف قبول هذه اال�سرتاتيجية.

ومن احلجج التي غالبا ما ت�ست�سهد بها دول اخلليج اأن العمالة اليمنية ال

متتلك مهارة عالية، ولي�ست موؤهلة مبا فيه الكفاية لتلبي متطلبات ال�سوق

اخلليجيــــة. لكن اليمنيني يرون اأن هذا جمــــرد ذريعة، م�ستدلني بحقيقة

اأن معظم االأيــــدي العاملة االأجنبية يف اخلليج لي�س لديها مهارات عالية.

كما اأن اليمن خ�سعــــت ملبادرة متولها موؤ�س�سة »�سلتك« لتدريب 100.000

عامــــل ميني خــــلل �سنة واحدة، ومع ذلك ما زالــــت دول اخلليج مرتددة

جتاه الرتحيب بالعمالة اليمنية.

ولعــــل بع�ــــس دول اخلليــــج – كال�سعودية – قــــد اأظهرت اأن لديهــــا اإرادة

�سيا�سيــــة اإزاء ق�سيــــة العمالة، لكــــن ذلك مل يرتجم بعــــد اإىل خطة عمل

واقعيــــة ووا�سحــــة، مــــع اأن بع�ــــس اليمنيني يعتقــــدون اأنه يقــــع على عاتق

حكومتهــــم تطوير تلك اخلطــــط. ويف الواقع، البد من اإعــــداد اإطار عمل

�سيا�ســــي من قبل كل اجلانبــــني حتى يتم تطوير حلول عملية. ومن ناحية

اأخرى، يرى البع�س اأنه ال يجب املبالغة يف خيار ت�سدير العاملة اليمنية؛

فهــــو لي�س �سوى واحــــدا من جمموعــــة اال�سرتاتيجيات االأخــــرى لتح�سني

االقت�ســــاد اليمنــــي، اإىل جانب خطط الدعم املــــايل واال�ستثمار والتبادل

التجاري.

احلاجة اإىل ت�سويق الذات ب�سورة اأف�سل

ياأ�ســــف الكثــــري مــــن اليمنيــــني من النظــــرة اخلليجيــــة التــــي تركز فقط

علــــى اجلانــــب االأمني يف اليمــــن، لكن اليمنيــــني اأنف�سهم قــــد اأ�سهموا يف

يف �جتماعات »�أ�سدقاء

�ليمن« هناك ت�سديد

مبالغ فيه على �آلية

�لإ�سالحات ولي�ض على

�جلوهر؛ فيجب �لرتكيز

على معاجلة �مل�سائل

�ل�سيا�سية �ل�سعبة، خا�سة

و�أن �ليمن - بعد �ملحاولة

�لتي قام بها فاروق عبد

�ملطلب ليلة عيد �مليالد -

�أ�سبحت تلقى قدر� كبري�

من �لهتمام �لدويل

Page 28: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 54 55ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

خلــــق هذه النظــــرة من خلل التاأكيــــد على اأن بلدهم م�ســــدر خطر على

ا�ستقرار املنطقة. اأي�سا تلجاأ اليمن يف الغالب اإىل املنا�سدات »العاطفية«؛

كاحلديث عن الروابط امل�سرتكة مثل اللغة والدين، بدال من االعتماد على

املنطق الواقعي لكي تثبت اأهمية ان�سمامها اإىل جمل�س التعاون.

بــــدال مــــن ذلك، يجب علــــى اليمنيــــني العمل علــــى اإبراز القيمــــة امل�سافة

الن�سمامهــــم اإىل املجل�ــــس، والتاأكيــــد علــــى املحفــــزات االيجابيــــة التــــي

تت�سمن:

خيار لت�سدير النفط؛ اأف�سل اليمن يجعل الذي اال�سرتاتيجي • املوقع فر�سا اال�ستثمار؛ توفر التي اليمن يف املعدنية • املوارد

وتدفــــق املخــــدرات تهريــــب م�سكلــــة معاجلــــة عنــــد اليمــــن • اأهميــــة اللجئني؛

• حقيقــــة اأن اليمــــن هــــي ال�سريــــك التجــــاري االأ�سا�ســــي لــــدول اخلليج )باعتبارهــــا ت�ســــكل ال�سوق االأ�سا�سية ملا ن�سبتــــه 35% من ال�سادرات غري

النفطية(؛

�سياحية. وجهة اليمن اتخاذ • اإمكانية ومن الر�سائل الوا�سحة التي توجهها دول جمل�س التعاون اخلليجي، اأنها لن

"تنقذ" اليمن من م�ساكلها؛ فعلى اليمنيني اأنف�سهم - لتحقيق االن�سمام ملجل�س التعاون اخلليجي - حتمل م�سئولية حل م�ساكلهم الداخلية.

�سيا�سة اجلوار

رونه، يعرتف اليمنيون بالدعم املادي الكبري الذي تقدمه دول اخلليج ويقدر

لكــــن الكثريين ال يرون ذلك حــــل ا�سرتاتيجيا. وهناك علقات وثيقة بني

اليمــــن وبع�ــــس دول اخلليج على امل�ستويــــني احلكومــــي وال�سخ�سي، فعلى

اجلانبــــني تعزيز تلك العلقات وتو�سيع نطاقها وتطوير �سيا�سة جوار اأكرث

تنظيما وهيكلية )خذ على �سبيل املثال �سيا�سة اجلوار بني االحتاد االأوروبي

ودول حو�س البحر االأبي�س املتو�سط وعلقاتها الثنائية القوية(.

�سيا�سة اجلوار الفعالة يجب اأن تكون وا�سحة وعملية، ومن اأهم خطواتها

التعــــرف على املنافــــع املتبادلــــة، وتر�سيخ مفهــــوم العلقــــات املبنية على

امل�سالــــح املتبادلــــة، وهــــي العلقة التي يــــرى البع�س اأنها يجــــب اأن تكون

الهــــدف االأ�سا�ســــي بني اليمــــن ودول اخلليج بــــدال من االندمــــاج الكامل.

وعلــــى اليمن اأن ت�ساهم بفعالية جتاه بنــــاء الثقة يف تلك العلقة، واإدراك

االختلفات بني هذه الدول والتكيف وفقا لذلك.

ثالثا:اليمن وال�سومال:الفجوة الوا�سعة؟

مقاربة اإقليمية

هناك اتفاق متنامي جتاه احلاجة اإىل منهجية/مقاربة اإقليمية لل�سومال،

واالعــــرتاف باالرتباطات والتاأثريات امل�سرتكة بني ال�سومال واليمن. وقد

بــــداأ مفهوم هذه العلقة يظهر خلل االأ�سهــــر االأخرية، اإذ اأ�سدرت جلنة

العلقات اخلارجيــــة يف جمل�س ال�سيوخ االأمريكي تقريــــرا بعنوان »اليمن

وال�سومــــال: قنبلــــة موقوتة تدق« )20 كانــــون الثاين/يناير 2010(، يركز

على االأدلة التي تثبت حماوالت تنظيم القاعدة لتجنيد مقيمني ومواطنني

اأمريكيني يف اليمن وال�سومال.

اإن فهم ال�سومال يعد اأمرا �سروريا

لفهــــم العلقة بــــني اليمن وحميطها

احليوي االأو�سع، واليمن نف�سها تدرك

اأن ما يحدث يف ال�سومال يوؤثر فيها

اأي�سا، وتــــرى اأن اال�ستقــــرار ووجود

دولــــة مركزيــــة قويــــة يف ال�سومــــال

يخــــدم امل�سالح اليمنيــــة واالإقليمية

على حد �سواء.

نحو فهم اأف�سل لل�سومال

ثمــــة حاجــــة اإىل وجــــود فهــــم اأعمق

واأكــــرث دقــــة للو�ســــع احلــــايل املعقد

يف ال�سومــــال، والــــذي يتاأثــــر بثلثة

ياأ�سف �لكثري من

�ليمنيني من �لنظرة

�خلليجية �لتي تركز

فقط على �جلانب

�لأمني يف �ليمن، لكن

�ليمنيني �أنف�سهم قد

�أ�سهمو� يف خلق هذه

�لنظرة من خالل

�لتاأكيد على �أن بلدهم

م�سدر خطر على

��ستقر�ر �ملنطقة

وجهات نظر اليمن والعامل

عنا�سر اأ�سا�سية، هي:

• البنيــــة القبليــــة والع�سائريــــة: يلعب هــــذا العامل دورا حموريــــا. وت�سكل البنيــــة القبلية والع�سائرية بنية املجتمع ال�سومــــايل القدمية، والتي تبنى

عليهــــا فكــــرة م�ساركة ال�سلطة حاليا يف ال�سومال. ومــــن املهم اإعادة بناء

الدولة ال�سومالية من اأ�سا�ساتها املحلية و�سوال اإىل امل�ستوى املركزي.

• الديــــن واالأيديولوجيــــة االإ�سلميــــة: فقد مت تاأ�سي�س حــــركات اإ�سلمية ال�سلفية واجلهادية وال�سوفية واالأخوان امل�سلمني – – ت�سمــــل احلركات

اأ�سحت مع مرور الوقت حركات م�سلحة.

• القر�سنة: غالبا ما ينظر اإىل هذه امل�ساألة على اأنها م�ساألة غري �سيا�سية، لكنها م�سكلة اأمنية تواجه ال�سومال واملنطقة واملجتمع الدويل.

هنــــاك اإح�سا�ــــس باأن املجتمــــع الدويل ال ي�ستوعــــب – اأو رمبــــا ال يريد اأن

ي�ستوعــــب – امل�سكلــــة ال�سومالية، وهنــــاك اأي�سا غياب ملحــــوظ للم�ساألة

ال�سوماليــــة يف احلــــوار الدويل ب�ســــاأن اليمن واملنطقــــة. ويف �سوء الو�سع

ال�سومــــايل الذي يزداد تعقيدا، فــــاإن املطلوب هو التقييم اجلاد للم�ساكل

القائمة يف ال�سومال.

ولكــــن بالرغم من و�سع ال�سومال ال�سعــــب، اإال اأن هناك بع�س اجلوانب

امل�سرقــــة التــــي ت�سرتعي االنتبــــاه، ومنها قــــدرة احلكومــــة االنتقالية على

اإقامــــة االأمــــن يف البلد، وجنــــاح وا�ستقرار كل من "بونــــت الند" و"اأر�س

ال�سومال"، وازدهار القطاع اخلا�س الذي يدير حاليا املن�ساآت احلكومية

وموؤ�س�سات القطاع العام كاالت�ساالت والتعليم والتجارة واملطارات. وطاملا

اعتنــــت الدولة باالأمــــن والعلقات اخلارجية والق�ســــاء وحل ال�سراعات،

فــــاإن القطــــاع اخلا�س قادر على توفــــري باقي اخلدمات، لكــــن ال�سوؤال هو

عما اإذا كان من م�سلحة القطاع اخلا�س االآن االإبقاء على قدرة حمدودة

للدولة.

العالقات اليمنية - ال�سومالية واملجتمع الدويل

يجــــب بناء العلقات اليمنيــــة - ال�سومالية على اأ�سا�ــــس روابط اإيجابية،

ل واجلهود امل�سرتكة ملعاجلة االإ�ســــكاالت القائمة. ومع اأن العلقة قد حتمر

اليمن عبئا كبريا نتيجة لتدفق اللجئني واملخاطر االأمنية املحتملة، اإال اأن

هــــذه امل�ساكل موؤقتة وينبغي وجود وحدات خا�سة تعمل مع بع�سها ملعاجلة

هذه الق�سايا.

ويجب على اليمن امل�ساركــــة بفعالية اأكرب يف حل امل�ساكل ال�سومالية، من

خلل ا�ستخدام علقاتها التاريخية مع القبائل ال�سومالية للم�ساعدة يف

اإنهــــاء ال�سراعات بــــني القبائل واالأحزاب ال�سوماليــــة. واحلال اأن هناك

علقــــات را�سخة بــــني البلدين، وتقول بع�س القبائــــل ال�سومالية اأنها من

اأ�سول مينية.

عــــلوة على ذلك، ينبغي على املجتمع الــــدويل امل�ساركة مع اليمن يف هذه

امل�ساألــــة، ودعمهــــا ملعاجلة امل�ســــاكل القائمة يف ال�سومــــال. فعلى املجتمع

الــــدويل – مبــــا يف ذلــــك اليمن – معاجلــــة االأ�سبــــاب الرئي�سيــــة للأزمة

ال�سوماليــــة، والعمل على اإقامة دولة �سرعية، وتوفري الدعم املايل اللزم

للجهات الفاعلة يف الدولة والتي تقود احلرب �سد القر�سنة.

الأمن والهجرة

تــــرى اليمــــن ال�سومــــال علــــى اأنهــــا

وتهديــــد اال�ستقــــرار لعــــدم م�ســــدر

اأمنــــي، يف ظل ال�سغط الــــذي ي�سببه

اللجئــــون ال�سوماليون علــــى البنية

التحتيــــة وتقــــدمي اخلدمــــات العامة،

وكذلك العلقات املزعومة بني حركة

ال�سباب ال�سومالية وتنظيم القاعدة.

ومــــع وجود اقت�ســــاد متدهــــور، توؤكد

�سغــــوط اأعــــداد اللجئــــني املتزايدة

التحديــــات االجتماعية مدى �سعوبة

واالقت�سادية التي تواجه اليمن. لكن

التاأثري املحدد الذي ي�سببه اللجئون

اليمنيــــة، ال�سيا�سيــــة البنيــــة علــــى

واحتمال ن�سوب �سراع ميني – �سومايل، ما زاال غري وا�سحني املعامل.

ويبــــدو اأن املخاطــــر االأمنيــــة من قبــــل ال�سوماليني فيما يتعلــــق باالأن�سطة

االإرهابيــــة هــــي اأمر مبالــــغ فيه كثــــريا. فبالرغم مــــن اأن حركــــة ال�سباب

وتنظيــــم القاعدة اأعلنا عزمهما على التعــــاون، فاإن طبيعة العلقة بينهما

لي�ســــت معروفة، ولي�س لدى حركة ال�سباب الكثري لتقدمه، اإذ اأن ما حتتاج

لــــه القاعدة يف اليمن هو العمــــق االأيديولوجي والعقــــول املدبرة لعملياتها

والتمويل، وهي االأ�سياء التي قد خ�سرتها القاعدة نتيجة للعمليات االأخرية

التــــي قامت بها احلكومة اليمنية يف اإطار حربها �سد »تنظيم القاعدة يف

�سبه جزيرة العرب«.

خليج عدن: عامل لعدم ال�ستقرار؟

ميكــــن النظــــر اإىل خليج عدن علــــى اأنه عامل من عوامل عــــدم اال�ستقرار

يف املنطقــــة، نظرا لتجارة ال�ســــلح والتهريب والهجرة الغري �سرعية. ومع

اأن الهجــــرة غري ال�سرعية منط قدمي لكنهــــا ت�ساعفت ثلث مرات خلل

ال�سنــــوات القليلة املا�سية، فمــــا زال عدد االأثيوبيــــني القادمني اإىل اليمن

ل البنية التحتية يف يــــزداد ب�سكل كبري جدا. وهذا النمط من الهجرة يحمر

اليمن الكثري من االأعباء.

اإن اليمن تقوم باتخاذ خطوات للحد من جتارة ال�سلح، لكن ال�سوؤال هو:

ما هي امل�ساعدة االإ�سافية التي ي�ستطيع املجتمع الدويل تقدميها؟ فل بد

مــــن وجود التن�سيق امل�ســــرتك والتعاون بني اليمــــن ودول اخلليج واملجتمع

الــــدويل ملعاجلــــة امل�ساكل القائمــــة، اإذ اأن اجلهود اليمنيــــة ما زالت - اإىل

حــــد كبري - منفــــردة. كما اأن عمليتــــي القر�سنة واالإرهــــاب هما من اأهم

الق�سايــــا التي تقلــــق املجتمع الــــدويل وال�سعب ال�سومــــايل، والعلقة بني

عمليــــات التهريــــب والقر�سنــــة واالإرهاب هــــي نتيجة للأزمــــة ال�سومالية

احلاليــــة. وعلى املجتمع الدويل تخفيف �سدة هذه الظاهرة اأو احلد منها،

وهناك الكثري من املبالغ املالية تنفق على عمليات حماربة القر�سنة؛ واإذا

ما مت تخ�سي�س جزء �سغري من هذه املبالغ لل�سعب ال�سومايل ف�سيك�سب

م�ساعدتهم حلل امل�سكلة من جذورها.

فهم �ل�سومال يعد �أمر�

�سروريا لفهم �لعالقة

بني �ليمن وحميطها

�حليوي �لأو�سع، و�ليمن

نف�سها تدرك �أن ما يحدث

يف �ل�سومال يوؤثر فيها

�أي�سا، وترى �أن �ل�ستقر�ر

ووجود دولة مركزية قوية

يف �ل�سومال يخدم �مل�سالح

�ليمنية و�لإقليمية على

حد �سو�ء

Page 29: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 56 57ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

عني على اليمن فـي 60 يوم�ا

�سهرا كانون الثاين/يناير - �سباط/فرباير 2010

وجهات نظرحتليالت

اليمن والعامل

كانون الثاين/يناير 2010

1 اأعلـــن الرئي�ـــس االأمريكي باراك اأوباما يف حديثـــه االأ�سبوعي الذي بث عـــرب االنرتنت والراديو، عن عزم بلده موا�سلة تقوية وتعزيز تعاونها مع

اليمن خـــلل الفرتة املقبلة، خا�سة يف املجـــال االأمني ومكافحة االإرهاب

والقر�سنة.

2 الرئي�ـــس علي عبداهلل �سالح ي�ستقبل قائـــد القوات املركزية االأمريكية اجلـــرنال ديفيد بيرتيو�س والوفد املرافق له، الذي نقل ر�سالة من الرئي�س

االأمريكـــي بـــاراك اأوبامـــا تتعلـــق بالعلقـــات الثنائية وجمـــاالت التعاون

امل�ســـرتك بني البلدين، ومنها التعاون يف املجال االأمني ومكافحة االإرهاب

والقر�سنة.

2 التقـــى وزيـــر الداخلية مطهر امل�ســـري، ال�سفـــري الباك�ستاين ب�سنعاء �سيـــد خواجا القاما. جـــرى يف اللقاء بحث العلقـــات الثنائية، وجماالت

التعـــاون االأمني بني البلدين، وخا�سة يف جمال التاأهيل والتدريب، وتبادل

اخلـــربات االأمنيـــة. كما بحث اجلانبـــان اإمكانية زيـــادة التن�سيق االأمني،

وتبـــادل املعلومات االأمنية بني اليمن وباك�ستان حول الق�سايا االأمنية ذات

االهتمام امل�سرتك، ويف مقدمتها مكافحة االإرهاب.

3 الرئي�س علي عبداهلل �سالح يتلقى ات�ساال هاتفيا من الرئي�س ال�سومايل �سريـــف �سيخ اأحمد، اطلع خلله على تطورات االأو�ساع يف ال�سومال، كما

جـــرى بحث العلقات الثنائيـــة. وقد عرب الرئي�س ال�سومـــايل عن اإدانته

وا�ستنكاره ال�سديد ملا اأدلت به بع�س قيادات حركة “ال�سباب املجاهدين”

مـــن تهديدات غـــري م�سوؤولة الإر�سال عنا�ســـر اإرهابيـــة �سومالية مل�ساندة

عنا�سر تنظيم القاعدة يف اليمن.

4 ك�سفـــت االأمانـــة العامـــة ملجل�ـــس التعـــاون لـــدول اخلليـــج العربية عن تخ�سي�ـــس 3.2 مليار دوالر اأمريكي، اأي ما يعادل 90 باملائة من التعهدات

�ســـة لتمويل م�ساريع املاليـــة لدول املجل�ـــس وال�سناديـــق االإقليمية املخ�س

.2010 - خطة التنمية الثالثة يف اليمن 2006

4 قدمت املفو�سية االأوربية 17 مليون يورو لدعم االأمن الغذائي يف اليمن لي�سل اإجمايل ما قدمته من دعم لهذا القطاع خلل العام املا�سي 2009

اإىل 48.3 مليون يورو.

4 ال�سيخ حمد بن خليفة اآل ثاين اأمري دولة قطر يت�سلم ر�سالة خطية من الرئي�س علـــي عبداهلل �سالح تتعلق بالعلقـــات الثنائية وجماالت التعاون

امل�سرتك واآفـــاق تعزيزها، اإ�سافة اإىل تطـــورات االأو�ساع وامل�ستجدات يف

املنطقـــة. وقام بت�سليم الر�سالة وزير اخلارجيـــة الدكتور اأبو بكر القربي،

خلل ا�ستقبال اأمري قطر له يف الدوحة.

4 ا�ستقبـــل الرئي�ـــس علي عبـــداهلل �سالـــح، االأمري خالد بـــن �سلطان بن عبدالعزيـــز م�ساعد وزير الدفاع والطريان واملفت�س العام، واالأمري حممد

بن نايف بن عبدالعزيز م�ساعد وزير الداخلية باململكة العربية ال�سعودية.

وجـــرى خـــلل املقابلة بحـــث جوانـــب العلقـــات والتعـــاون امل�سرتك بني

البلدين، ومنها التعاون يف املجال االأمني ومكافحة االإرهاب.

4 اأعربت وزيرة اخلارجية االأمريكية هيلري كلنتون عن تقدير الواليات املتحـــدة االأمريكيـــة لليمن جلهودهـــا االأخرية التـــي �سنتها �ســـد عنا�سر

القاعـــدة وتفكيـــك خلياها. وجددت كلينتون يف املوؤمتـــر ال�سحفي الذي

عقدته مـــع رئي�س الوزراء القطري التزام الواليات املتحدة بتقدمي الدعم

تفاعلت اليمن

يومافـيوالعامل 60

للجهـــود التي تبذلها احلكومة اليمنية يف مكافحة االإرهاب، باعتبار اأن ما

يحدث يف اليمن ي�سكل خطرا على االأمن االإقليمي والدويل.

4 بحـــث وزيـــر الدفاع حممـــد نا�سر اأحمد، مـــع �سفري جمهوريـــة فرن�سا ب�سنعـــاء جوزيف �سيلفا، اأوجـــه التعاون بني البلديـــن وخا�سة التعاون يف

املجـــال الع�سكـــري واالأمنـــي ومكافحـــة االإرهـــاب والقر�سنة. كمـــا ناق�س

اجلانبـــان اإمكانية فتح دورات تدريبية يف جمال مكافحة االإرهاب للقوات

اخلا�ســـة وخفر ال�سواحـــل والقوات البحريـــة اليمنيـــة، وا�ستكمال برامج

التدريب يف جمال االت�ساالت وتبادل املعلومات.

5 جـــرى ات�سال هاتفي بني الرئي�س علي عبـــداهلل �سالح ورئي�س الوزراء الربيطـــاين جوردن براون، جـــرى خلله بحث التح�ســـريات واالآلية التي

�سينعقـــد بها موؤمتـــر لندن لدعم اليمـــن، وتن�سيق جهـــود البلدين يف هذا

املجال ومبا يكفل جناح املوؤمتر واخلروج منه بالنتائج املن�سودة.

6 اأقـــر البنك الدويل، ممثل بهيئـــة التنمية الدولية، رفـــع �سقف الدعم ال�سنـــوي لليمن اإىل 200 مليـــون دوالر مقارنة ب�سقف الدعم ال�سابق البالغ

120 مليون دوالر وبزيادة ت�سل اإىل 80 مليون دوالر، بح�سب ما اأعلن مدير

مكتب البنك الدويل ب�سنعاء بن�سون اأتنج.

8 اأعلنت اجلمهوريـــة االإيطالية عزمها التقدم مبقرتح الإن�ساء »جمموعة مـــن الدول ال�سديقة لليمن« من اأجل تعزيـــز التعاون فيما بني هذه الدول

واجلمهوريـــة اليمنية، وم�ساندة جهود اليمن للتغلـــب على التحديات التي

يواجههـــا ورفع قدراتـــه يف املجال االأمني، وذكر املتحـــدث الر�سمي با�سم

اخلارجية االإيطالية ماوريت�سو م�ساري اأن وزير اخلارجية االإيطايل فرانكو

فراتيني �سيطرح هذا االقرتاح ر�سميا على نظرائه يف االحتاد االأوروبي يف

موؤمتر لندن الذي �سيعقد يف نهاية �سهر كانون الثاين/يناير 2010.

8 اأكدت الواليات املتحدة االأمريكية احرتامها الكامل ل�سيادة اجلمهورية اليمنية، وقال املتحدث با�سم وزارة الدفاع االأمريكية البنتاغون يف موؤمتر

�سحفي اإن »اليمن بلد ذات �سيادة، ونحن نحرتم هذه ال�سيادة«، واأ�ساف:

»اإن تعاوننـــا مع اليمن يف مكافحة االإرهـــاب يقت�سر على تبادل املعلومات

اال�ستخباراتيـــة والتدريب، مل�ساعدة اليمن على حماربـــة اإرهابي القاعدة

الذيـــن يعتقد اأنهم دعموا حماولة تفجري طائـــرة مدنية اأمريكية يوم عيد

امليلد«.

9 الرئي�ـــس علي عبـــداهلل �سالح ي�ستقبـــل عثمان �سالح وزيـــر اخلارجية االإريـــرتي والوفد الرافق له، الـــذي نقل له ر�سالة مـــن الرئي�س اأ�سيا�سي

اأفورقي رئي�س دولة اإريرتيا، تتعلق بالعلقات الثنائية و�سبل تعزيزها.

9 نفـــى قائـــد اأركان اجلي�ـــس االأمريكـــي اجلـــرنال مايـــكل مـــوالن �سحة مـــا تناولـــه بع�س و�سائل االإعـــلم من اأنباء تزعم فيهـــا وجود خطط لدى

الواليات املتحدة للتدخل ع�سكريا وب�سكل مبا�سر يف اليمن ملواجهة تنظيم

القاعـــدة، ونقلـــت قناة �ســـي اإن اإن االأمريكيـــة عن اجلرنال مـــوالن قوله:

»الواليـــات املتحـــدة لي�س لديها

اأي خطط للتدخل الع�سكري يف

اليمن ب�سكل مبا�سر �سد تنظيم

القاعدة«. واأ�ساف »هذا اخليار

غري مطروح«.

املتحـــدة الواليـــات اأعلنـــت 10حجـــم م�ساعفـــة عزمهـــا االأمريكيـــة

امل�ساعدات التنموية واالأمنيـــة املقدمة لليمن،

ونقلـــت قنـــاة �ســـي اإن اإن االإخبارية عن قائـــد القيادة

املركزيـــة االأمريكية اجلرنال ديفيد برتيو�س، قولـــه:»اإن الواليات املتحدة

تنـــوي م�ساعفـــة حجم م�ساعداتهـــا لليمن، من 70 مليـــون دوالر اإىل اأكرث

مـــن 150 مليـــون دوالر«. ولفـــت برتيو�س اإىل اأن اأمـــريكا �ستوفر املزيد من

امل�ساعـــدات االقت�ساديـــة لليمـــن، مل�ساعـــدة احلكومة يف ترجمـــة اأهداف

خطـــط التنميـــة وكذا زيـــادة امل�ساعـــدات االأمنية لتعزيز قـــدرات القوات

اليمنية يف الت�سدي للعنا�سر االإرهابية لتنظيم القاعدة.

11 الرئي�س علي عبداهلل �سالح ي�ستقبل جودوفي�سر فيليه وزير اخلارجية بجمهوريـــة اأملانيا االحتادية، وجرى خلل املقابلة بحث العلقات الثنائية

وجماالت التعاون امل�ســـرتك بني البلدين ومنها التعاون يف املجال التنموي

ومكافحة االإرهاب والقر�سنة البحرية.

12 التقـــى وزير الداخليـــة مطهر امل�ســـري االأمني العـــام ملجل�س وزراء الداخلية العرب الدكتـــور حممد بن علي كومان الذي يزور اليمن، وجرى

خـــلل اللقاء بحث عدد من الق�سايا االأمنيـــة وجملة التدابري واملعاجلات

التـــي اأتخذهـــا جمل�ـــس وزراء الداخلية العرب يف اجتماعـــه ال�سابق حيال

عـــدد من الق�سايا االأمنية املتمثلة بق�سايـــا املخدرات واجلرمية املنظمة،

وكـــذا ال�سوط الذي قطع يف هذا املجال، باالإ�سافـــة اإىل مناق�سة عدد من

املقرتحـــات واالأعمال االإداريـــة والتنفيذية املتعلقة بعمـــل املجل�س وهيئاته

املختلفة.

13 اعتمد جمل�س اإدارة هيئة التقيي�س لدول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربيـــة ان�سمـــام اليمن ر�سميـــا اإىل الهيئة اعتبارا مـــن 1 كانون الثاين/

يناير 2010.

19 تركزت املباحثات بني وزير اخلارجية الدكتور اأبوبكر القربي ونظريه الكنـــدي لوران�س كانون التي عقـــدت بالعا�سمة الكندية اأوتـــاوا على اآفاق

تنمية وتعزيز علقات التعاون الثنائي بني البلدين.

19 ا�ستقبـــل م�ست�سار االأمـــن القومي االأمريكي اجلـــرنال جيم�س جونز وزيـــر اخلارجيـــة الدكتـــور اأبوبكـــر القربـــي والوفـــد املرافق لـــه يف البيت

االأبي�س بالعا�سمة االأمريكية وا�سنطن، وبحث اجلانبان العلقات الثنائية

وجماالت التعاون امل�سرتك بني البلديـــن، ومنها التعاون يف املجال االأمني

Page 30: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 58 59ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

ومكافحة االإرهـــاب والقر�سنة. على ذات ال�سعيد، التقى وزير اخلارجية

واملوفد املرافق له ال�سيد ليون بانيتا مدير الوكالة املركزية لل�ستخبارات

االأمريكيـــة يف مبنـــى الوكالـــة بوا�سنطن. كمـــا التقى الدكتـــور القربي يف

مبنـــى وزارة العدل االأمريكية بوا�سنطـــن، ال�سيد اإيرك هولدر وزير العدل

االأمريكـــي، حيـــث جرى خـــلل اللقـــاء بحث جوانـــب العلقـــات الثنائية

وجماالت التعاون الق�سائي بني اليمن والواليات املتحدة، وناق�س الطرفان

م�ساألة اإطلق �سراح املعتقلني اليمنيني يف قاعدة غوانتانامو وباجرام.

22 بحـــث وزير اخلارجية الدكتور اأبوبكـــر القربي، مع وزيرة اخلارجية االأمريكيـــة هيـــلري كلينتـــون يف وا�سنطـــن، يف جل�سة مباحثـــات ر�سمية

العلقـــات الثنائية بني اجلمهوريـــة اليمنية والواليـــات املتحدة االأمريكية

و�سبل تعزيزها.

23 ت�سلـــم اليمـــن مبقـــر االأمم املتحـــدة يف نيويـــورك الرئا�ســـة الدورية ملجموعـــة الـ 77 وال�سني بح�سور اأمني عام املنظمة الدولية ال�سيد بان كي

مون ورئي�س الربنامج االإمنائي للأمم املتحدة ال�سيدة هيلني كلرك وعدد

من قيادات برامج االأمم املتحدة و�سفراء الدول االع�ساء.

23 الرئي�س علي عبد اهلل �سالح ي�ستقبل وزير اخلارجية امل�سري اأحمد اأبـــو الغيط ورئي�س املخابرات العامة امل�سريـــة عمر �سليمان، اللذين نقل

لـــه ر�سالة مـــن الرئي�س حممد ح�سنـــي مبارك، تتعلـــق بالعلقات االأخوية

وجمـــاالت التعـــاون امل�سرتك بـــني البلديـــن، باالإ�سافـــة اإىل التح�سريات

اخلا�سة باجتماع لندن.

23 التقى وزير الداخلية مطهر امل�سري �ساميون كاردينال مدير �سركة »اأي اإ�ـــس اأي اإ�ـــس جـــروب« االإيطاليـــة، والتـــي متار�س ن�ساطهـــا يف جمال

االأمن البحري وتعمـــل يف املياه الدولية ملرافقة ال�سفن التجارية. جرى يف

اللقاء بحث التعاون يف جمـــال االأمن البحري بني م�سلحة خفر ال�سواحل

وال�سركـــة، اإ�سافـــة اإىل تبادل املعلومـــات حول القرا�سنـــة يف بحر العرب

واملحيط الهندي.

24 قالـــت املمثلة العليا لل�سوؤون اخلارجية و�سيا�سات االأمن، نائبة رئي�س االحتاد االأوروبي، البارونة كاثرين اأ�سنت، اأن االحتاد يدر�س اقرتاحا برفع

2013. واأو�سحت - م�ساعداتـــه التنموية لليمن مبقدار الثلث للفرتة 2011

اأن هـــذا الدعم �سي�ســـاف اإىل مبلغ 11 مليون يـــورو مت تخ�سي�سها �سمن

برنامـــج الدعم املقدم من املفو�سية االأوربية اإىل قطاعي ال�سرطة وعدالة

االأحداث خلل ال�سنتني املا�سيتني.

25 وقعت وزارة التخطيط والتعاون الدويل وال�سندوق ال�سعودي للتنمية يف الريا�ـــس، حم�سر اتفاق امل�ســـودات النهائية مل�ساريـــع اتفاقيات متويل

عـــدد من امل�ساريع التنمويـــة واخلدمية يف اليمن بتكلفـــة 90 مليون دوالر،

والتـــي من املقرر التوقيـــع النهائي عليها خلل اجتماعـــات الدورة املقبلة

ملجل�س التن�سيق اليمني ال�سعودي.

26 عقـــد مببنـــى منظمة التجـــارة العامليـــة مبدينة جنيـــف ال�سوي�سرية االجتمـــاع ال�سابع لفريـــق العمل اخلا�س بان�سمام اليمـــن ملنظمة التجارة

العامليـــة، واطلع فريق التفاو�س اليمني برئا�ســـة وزير ال�سناعة والتجارة

رئي�ـــس اللجنـــة الوطنية للإعـــداد والتفاو�س مع منظمة التجـــارة العاملية

الدكتـــور يحيـــى املتوكل رئي�س جمموعـــة العمل ووفود الـــدول االأع�ساء يف

املنظمـــة على االإجـــراءات املتخذة للت�سريع بعمليـــة االن�سمام، والرد على

الت�ســـاوؤالت املطروحة من االأع�ساء، و�سري املفاو�ســـات الثنائية مع الدول

الراغبة يف التفاو�س.

27 عقد يف العا�سمة الربيطانية لندن، اجتماع خا�س ب�سركاء واأ�سدقاء اليمـــن، بهـــدف ح�سد الدعـــم الدويل لليمـــن مل�ساندة جهـــوده على �سعيد

التنمية واالإ�سلحات وتعزيز قدراته يف مكافحة االإرهاب، مب�ساركة وزراء

ميثلون اأكرث من ع�سريـــن دولة عربية واأجنبية ويف املقدمة وزراء خارجية

الواليـــات املتحدة االأمريكيـــة ور�سيا االحتادية وعدد مـــن الدول االأوروبية

ودول جمل�ـــس التعـــاون اخلليجي وم�ســـر واالأردن وتركيـــا، بح�سور رئي�س

جمل�س الوزراء الدكتور علي حممد جمور.

28 الرئي�ـــس علي عبداهلل �سالح ي�ستقبل ع�ســـو اللجنة املركزية حلركة فتح املفو�س العام للعلقات اخلارجية عبا�س زكي.

31 التقى وزير اخلارجية الدكتور اأبو بكر القربي ب�سنعاء ال�سفري دانييل بنجامـــني من�سق �ســـوؤون مكافحة االأرهـــاب بوزارة اخلارجيـــة االأمريكية.

تنـــاول اللقـــاء العلقات بني البلديـــن واآفاق التعـــاون امل�ستقبلي والرتتيب

للإجتماعات اللحقة الجتماع لندن، مبا ي�سمن جناحها يف حتقيق نتائج

اجتماع لندن لدعم اليمن.

�سباط/فرباير 2010

2 اتفقـــت اليمن وكل من برنامج االأمم املتحدة للبيئة »اليونيب« ومنظمة االأمم املتحدة للتنمية ال�سناعية »اليونيدو«، على ال�سروع يف اإعداد اخلطة

الوطنية الإزالة مركبات الهيدروكلورية فلورية امل�ستنفدة للأوزون، وحتديد

خط االأ�سا�ـــس لعامي 2009 و2010 الذي �سيتعني على �سوئه جتميد حجم

ما ت�ستهلكه البلد من هذا املواد بحلول عام 2013. جاء ذلك على هام�س

اجتماعـــات املائدة امل�ستديرة لتطوير خطط اإزالة مركبات الهيدروكلورية

فلوريـــة، يف بلدان اإقليم غـــرب اآ�سيا، الذي عقد موؤخـــرا يف مقر اليونيدو

بالعا�سمة النم�ساوية فيينا.

2 الرئي�ـــس علي عبداهلل �سالـــح ي�ستقبل وزير الدولـــة لل�سوؤون اخلارجية الربيطـــاين اإيفان لوي�ـــس، وجرى خـــلل املقابلة بحث جوانـــب العلقات

الثنائية وجماالت التعاون امل�سرتك بني البلدين و�سبل تعزيزها، باالإ�سافة

فـي 60 يوم�االيمن والعامل

اإىل بحث نتائج اجتماعات لندن لدعم اليمن والرتتيبات اخلا�سة بانعقاد

موؤمتـــر املانحـــني لليمن يف الـ 22 مـــن �سباط/فربايـــر 2010 يف الريا�س،

وكذا اآلية عمل جمموعة اأ�سدقاء اليمن.

5 وقـــع بالعا�سمـــة اجليبوتية على مذكـــرة تفاهم الإن�ســـاء �سركة ملحة بحريـــة بني اليمن وجيبوتي. وقع املذكرة وكيـــل وزارة النقل رئي�س اللجنة

الفنيـــة اليمنيـــة على ال�سبحـــي، وعن اجلانب اجليبوتـــي ممثل احلكومة

اجليبوتيـــة لل�ســـوؤون املدنية رئي�س اللجنة الفنيـــة اجليبوتية حممد يو�سف

�سار ماركي.

5 عربت اجلمهورية اليمنيـــة عن قلق دول جمموعة الـ77 وال�سني البالغ من االآثـــار املدمرة للأزمـــة املاليـــة واالقت�سادية العامليـــة واأزمتي الغذاء

والطاقة وانعـــدام االأمن الغذائي وتدهور املناخ و�ســـح املوارد على حتقيق

االأهـــداف امل�سرتكة للدول النامية يف ميـــدان التنمية االجتماعية وحتقيق

االدمـــاج االجتماعي االأمثـــل ملكافحة الفقر والبطالة. جـــاء ذلك يف كلمة

اليمـــن التـــي تراأ�س جمموعة الــــ77 وال�ســـني التي األقاها منـــدوب اليمن

الدائـــم لـــدى االأمم املتحـــدة ال�سفري حممـــد ال�سايدي رئي�ـــس املجموعة

يف افتتـــاح اأعمال الدورة الــــ48 للجنة التنمية االجتماعيـــة التابعة للأمم

12 �سباط/فرباير مبقر املنظمة املتحـــدة املنعقدة خـــلل الفرتة مـــن 3 -

الدولية بنيويورك.

8 ناق�ـــس وزير الرثوة ال�سمكية حممد �سملن، مـــع فريق اإعداد امل�ساريع امل�ستقبلية للقطاع ال�سمكي التابع للحتاد االأروبي برئا�سة جاري موغان،

امل�ساريع التي �سيمولهـــا االحتاد االأوروبي يف قطاع اال�سماك خلل الفرتة

املقبلـــة، وحدد االجتماع امل�ساريع امل�ستقبليـــة يف قطاع االأ�سماك يف جمال

دعـــم مركز املعلومـــات ال�سمكيـــة وتنمية املجتمعـــات املحليـــة لل�سيادين

ودرا�ســـة املخـــزون ال�سمكـــي اإ�سافـــة اإىل دعـــم وتاأهيل القطـــاع اخلا�س

العاملني يف املجال ال�سمكي.

8 التقـــى وزير ال�سناعة والتجـــارة- رئي�س جمل�ـــس اإدارة الهيئة اليمنية للموا�سفات واملقايي�س- الدكتور يحيى املتوكل ب�سنعاء وفد هيئة التقيي�س

لدول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية الذي يزور اليمن برئا�سة اأمني

عـــام الهيئة الدكتور اأنور العبداهلل. جرى خلل اللقاء بحث اآليات تن�سيق

ال�سيا�ســـات واأطر التعاون امل�ستقبلي يف �ســـوء ان�سمام اليمن ممثلة بهيئة

املوا�سفـــات ر�سميا لع�سويـــة هيئة التقيي�ـــس اخلليجيـــة، واالأولويات التي

�سيتم الرتكيز عليها يف هذا اجلانب.

8 غادرت مينـــاء عدن �سفينة الدعم امل�ســـرتك الع�سكرية ال�سينية �سان دوجـــو يف ختـــام زيارتها الوديـــة للميناء ا�ستغرقـــت يومـــني، وتاأتي زيارة

ال�سفينـــة ال�سينية يف اإطار علقـــات التعاون الثنائيـــة يف جمال مكافحة

االإرهـــاب واأعمـــال القر�سنـــة البحريـــة وتاأمني املمـــرات املائيـــة الدولية

والتدريـــب التاأهيـــل وجوانـــب

التقني والفنـــي خلفر ال�سواحل

اليمنية.

واملعادن النفط وزارة وقعت 10واالإنتاج لل�ستك�ساف توتال �سركة مع

الفرن�سية على مذكرة تفاهم، لل�ستك�ساف

�سمال مبنطقة 85 رقــم اال�ستك�سايف القطاع يف

مليون 32 ال�سركة مبوجبه تنفق �سبوة، حمافظة العقلة

دوالر.

12 رحبت رو�سيـــا االحتادية بالقرار الذي اأ�سدره الرئي�س علي عبداهلل �سالـــح والقا�سي بوقف العمليات الع�سكرية يف املنطقة ال�سمالية الغربية.

جاء ذلك يف بيان اأ�سدرته وزارة اخلارجية الرو�سية.

13 رحبت الواليات املتحدة االأمريكية بقرار وقف العمليات الع�سكرية يف املنطقـــة ال�سمالية الغربية يف اليمن. جـــاء ذلك على ل�سان متحدث با�سم

وزارة اخلارجيـــة االأمريكيـــة، وعرب املتحدث االأمريكي عـــن اأمل الواليات

املتحـــدة يف جناح اجلهود املبذولة الإحلل ال�ســـلم واالأمن واإعادة اعمار

املناطـــق املت�سررة ومبا مـــن �ساأنه و�سع حلول نهائيـــة جلوالت املواجهات

املتجـــددة، واأبدى امل�ســـوؤول االأمريكي حر�س بلده علـــى االإ�سهام يف دعم

اجلهود االإن�سانية الإيواء ورعاية النازحني.

13 د�ســـن نائـــب رئي�س الـــوزراء لل�ســـوؤون االقت�سادية وزيـــر التخطيط والتعـــاون الدويل عبدالكرمي االأرحبي ب�سنعـــاء، برنامج دعم قطاع املياه

يف اليمـــن البالـــغ تكلفته 340 مليـــون دوالر واملمول مـــن احلكومة اليمنية

والبنك الدويل واأملانيا وهولندا، والذي ي�ستمر خم�س �سنوات.

14 ناق�س وزير الرثوة ال�سمكية حممد �سملن، مع بعثة ت�سميم امل�ساريع بال�سندوق الدويل للتنمية الزراعية )اإيفاد( برئا�سة ليون ويليام امل�ساريع

ال�سمكيـــة التي �سينفذها ال�سندوق يف اليمن خـــلل الفرتة املقبلة بتكلفة

تتجاوز 15 مليون دوالر.

14 ناق�ـــس وزيـــر الزراعة والـــري الدكتـــور من�سور احلو�سبـــي مع بعثة جمموعـــة املانحني الداعمني لربنامج دعم قطـــاع املياه يف اليمن برئا�سة

بي ريند، الق�سايـــا املتعلقة بالبدء الفعلي الأن�سطـــة الربنامج فيما يخ�س

)الربنامـــج الوطني للري(، وبحـــث اللقاء م�ساهمـــة احلكومة اليمنية يف

اإطـــار برنامج دعم قطاع املياه والتي تقدر بــــ40 باملائة من اإجمايل تكلفة

الربنامج البالغـــة 340 مليون دوالر، والذي ياأتي كمنحة ت�ساهم يف متويله

هولندا واأملانيا والبنك الدويل.

15 عقـــد يف �سنعـــاء اجتمـــاع بني احلكومـــة اليمنية وجمتمـــع املانحني

Page 31: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 60 61ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

برئا�سة نائب رئي�س الوزراء لل�سوؤون االقت�سادية وزير التخطيط والتعاون

الـــدويل عبدالكرمي االأرحبي، كر�س ملتابعة تنفيذ ما اتفق عليه يف اجتماع

لنـــدن االأخري املكر�ـــس لدعم اليمن يف مواجهة التحديـــات التى تواجهها.

وناق�ـــس االجتماع الـــذي ح�سره كافة �سفـــراء وممثلي الـــدول واملنظمات

االإقليمية والدوليـــة املانحة لليمن التح�ســـريات اجلارية اخلا�سة مبوؤمتر

املانحني لليمن املقرر انعقادة يف العا�سمة ال�سعودية الريا�س نهاية ال�سهر

واملنبثق عن النتائج التى خل�س اإليها االجتماع املو�سع للدول املانحة الذي

انعقـــد موؤخـــرا يف العا�سمة الربيطانيـــة لندن مب�ساركة مـــا يزيد عن 22

دولة.

16 اأعلـــن وزيـــر اخلارجية ال�سعودي االأمري �سعـــود الفي�سل عن ترحيب بلده بقرار احلكومة اليمنية وقف اإطلق النار يف �سمال اليمن.

17 ت�سلم االأمني العام ملجل�س التعاون لدول اخلليج العربية عبدالرحمن بـــن حمد العطية ر�سالة خطية من وزير اخلارجية الدكتور اأبوبكر القربي

تتعلـــق ب�سبل دعم وتعزيز التعـــاون بني دول املجل�ـــس واجلمهورية اليمنية

يف �ستـــى املجـــاالت، اإ�سافـــة اىل الرتتيبات اجلارية ب�ســـاأن عقد االجتماع

امل�ســـرتك اخلام�س لـــوزراء خارجية اليمـــن و دول جمل�ـــس التعاون املقرر

عقده يف 16 من اآذار/مار�س 2010 املقبل مبدينة عدن.

17 وقـــع اليمـــن وهيئة التنميـــة الدولية باالأحـــرف االأوىل يف مقر البنك الـــدويل بالقاهـــرة علـــى اتفاقية املنحـــة املخ�س�ســـة لتمويـــل ال�سندوق

االجتماعي للتنمية مببلغ 60 مليون دوالر.

17 الرئي�ـــس علـــي عبداهلل �سالح ي�ستقبل رئي�ـــس جمل�س النواب مبملكة البحرين خليفة بن اأحمد الظهراين والوفد املرافق له الذي يزور اليمن.

18 التقـــى وزيـــر الداخلية اللـــواء الركـــن مطهر ر�ســـاد امل�سري �سفري جمهوريـــة فرن�سا ب�سنعـــاء جوزيف �سلفا، جرى خـــلل اللقاء بحث اأوجه

التعـــاون والتن�سيق االأمني بني اجلمهورية اليمنية وجمهورية فرن�سا و�سبل

تعزيزها �سيما فيما يتعلق مبجال التعاون والدعم الذي �ستقدمه احلكومة

الفرن�سية واالحتاد االأوروبي مل�ســـروع اأكادميية ال�سرطة اخلا�سة بتحديث

اإدارات االأكادمييـــة. كما بحث اللقاء امل�ساعـــدات والدعم الفني للحكومة

الفرن�سيـــة واالحتـــاد االأوروبـــي ل�سرطـــة خفـــر ال�سواحل واملتعلـــق بعملية

مكافحـــة القر�سنة البحرية والهجرة غري ال�سرعيـــة، وكذا اإن�ساء ر�سيف

ل�سرطة خفر ال�سواحل يف منطقة باب املندب.

19 عقدت جلنة جمل�س االحتاد االأوروبي اخلا�سة باليمن جل�سة خا�سة لهـــا مبقر املجل�س بربوك�سل ملناق�سة تطـــورات االأ�ساع يف اليمن، وذلك يف

اإطار الرئا�سة االإ�سبانية احلالية للمجل�س.

20 التقى وزيـــر اخلارجية الدكتور اأبو بكر القربـــي ب�سنعاء مع �سفراء

الـــدول العربية واالأفريقيـــة وا�ستعر�س خلل اللقـــاء، نتائج اجتماع لندن

على امل�ستويـــني ال�سيا�سي والتنموي، الهادف اإىل دعـــم اليمن وم�ساعدته

ملواجهة التهديد الـــذي ميثله احلرب على االإرهاب، وقد اأعرب عن تاأكيد

اليمن لتعهداتها يف حربها على االإرهاب والتطرف اللذين ميثلن تهديدا

مبا�ســـرا الأمـــن اليمـــن واملنطقـــة، واأ�ســـار اإىل اأن االجتمـــاع املزمع عقده

بالريا�س خلل الفرتة 27 -28 �سباط/فرباير �سيتم خلله بحث االأ�سباب

التي اأدت اإىل اإعاقة ا�ستفادة اليمن من االلتزامات التي مت اقرارها خلل

موؤمتـــر املانحني عام 2006 واالإعـــدادات اجلارية لعقد اجتمـــاع اأ�سدقاء

اليمن.

20 التقـــى وزيـــر اخلارجيـــة الدكتـــور اأبوبكـــر القربي ب�سنعـــاء �سفراء االحتـــاد االأوروبـــي، وا�ستعر�ـــس خـــلل اللقاء نتائـــج اجتماع لنـــدن على

امل�ستويـــني ال�سيا�ســـي والتنموي ومن اأجل دعم اليمـــن وم�ساعدته ملواجهة

التهديد الذي ميثله االإرهاب.

20 اأعلـــن االحتـــاد االأوروبـــي ترحيبه باإيقـــاف العمليـــات الع�سكرية يف �سعدة، ودعمه للجهود الرامية الإقامة حوار وطني حقيقي و�سامل.

21 عقدت ب�سنعاء جل�سة مباحثات ر�سمية بني اليمن والواليات املتحدة االأمريكية برئا�سة نائب رئي�س الوزراء لل�سوؤون االقت�سادية وزير التخطيط

والتعاون الـــدويل عبدالكرمي االأرحبي وال�سفري االأمريكي ب�سنعاء �ستيفن

�سيت�ـــس، تطرقت املباحثات اإىل ا�ستعرا�س �سري تنفيذ اتفاقية امل�ساعدات

– 2012، خا�سة ما يتعلق بربامج االأمريكية املقدمة لليمن للأعوام 2010

الدعـــم امل�ستقبلية املت�سلـــة مب�ساريع التنمية املجتمعيـــة واحلكم الر�سيد

املقرر البدء يف تنفيذها خلل الن�سف الثاين من العام اجلاري.

22 التقى نائب رئي�س الوزراء ل�سوؤون الدفاع واالأمن وزير االدارة املحلية الدكتور ر�ســـاد العليمي، ووزير اخلارجية الدكتـــور اأبوبكر القربي �سفراء

دول االحتـــاد االأوروبـــي ورو�سيا االحتاديـــة والواليات املتحـــدة االأمريكية

وكوبـــا و�سفراء الدول االآ�سيوية املعتمدين لدى اليمن واملمثل املقيم للأمم

املتحـــدة لدى اليمن ورئي�س بعثة االحتـــاد االأوروبي. ويف اللقاء اطلع نائب

رئي�ـــس الـــوزراء ل�ســـوؤون الدفاع واالأمـــن ال�سفراء على اآخـــر التطورات يف

�سعده بعد اإعلن احلوثي االلتزام بال�سروط ال�ستة التي و�سعتها احلكومة

لوقف اإطلق النار، وما تقوم به اللجان االأربع التي مت ت�سكيلها من ممثلي

القوى ال�سيا�سية املختلفة مبجل�سي النواب وال�سورى للإ�سراف على تنفيذ

ال�سروط ال�ستة.

23 عقدت يف العا�سمة ال�سعودية الريا�س قمة مينية - �سعودية برئا�سة الرئي�س علي عبـــداهلل �سالح والعاهل ال�سعودي عبـــداهلل بن عبدالعزيز،

جـــرى خللها بحث العلقات االأخوية بني البلديـــن، واآفاق تنمية وتو�سيع

جمـــاالت التعـــاون الثنائـــي، ف�سل عن تعزيـــز التعاون يف املجـــال االأمني

ومكافحة االإرهاب.

فـي 60 يوم�االيمن والعامل

24 بحـــث وزيـــر الداخليـــة مطهر امل�سري مـــع وفد جلنة �ســـوؤون االأمن الداخلـــي بالكوجنر�س االأمريكي الذي يزور اليمن برئا�سة ال�سيدة ونيدي

اأندر�ســـون، علقـــات التعاون االأمني بـــني البلدين و�سبل تعزيـــزه. وتناول

اللقاء اآفاق تطوير التعاون يف مكافحة االإرهاب واجلرمية املنظمة وتبادل

املعلومات يف اإطار التعاون االأمني بني البلدين.

24 عقدت يف العا�سمة البحرينية املنامة قمة مينية - بحرينية برئا�سة الرئي�ـــس علي عبداهلل �سالح وامللـــك حمد بن عي�سى بن �سلمان اآل خليفة.

وجرى خلل القمة بحث العلقات االخوية وجماالت التعاون امل�سرتك بني

البلدين و�سبل تعزيزها على خمتلف اال�سعدة، كما جرى بحث التطورات

على ال�ساحات العربية واالإقليمية والدولية التي تهم البلدين.

24 وقعت اجلمهورية اليمنية مبقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، على االن�سمام اإىل اتفاقية النقل متعدد الو�سائط للب�سائع بني الدول العربية.

وقع االتفاقيـــة وزير النقل خالد الوزير على هام�ـــس االجتماع اال�ستثنائي

ملجل�س وزراء النقل العرب املنعقد بالقاهرة.

25 اختتمـــت اللجنـــة التح�سرييـــة امل�سرتكـــة ملجل�س التن�سيـــق اليمني- ال�سعـــودي اجتماعاتهـــا يف العا�سمة ال�سعودية الريا�ـــس برئا�سة املهند�س

ه�سام �سرف نائب وزارة التخطيط والتعاون الدويل رئي�س اجلانب اليمني

والقائـــم باأعمال اللجنة اخلا�سة مبجل�س الوزراء ال�سعودي رئي�س اجلانب

ال�سعودي حممد بن ابراهيم احلديثي. واأجنزت اللجنة عددا من اتفاقيات

ومذكـــرات التعـــاون التـــي �سيتم رفعها للجتمـــاع املقبل ملجل�ـــس التن�سيق

اليمنـــي- ال�سعودي برئا�سة دولة رئي�س الوزراء الدكتور علي حممد جمور

واالأمـــري �سلطان بن عبد العزيز اآل �سعـــود، ويل العهد نائب رئي�س جمل�س

الوزراء وزير الدفـــاع والطريان واملفت�س العام باململكة العربية ال�سعودية،

وذلك للتوقيع عليها يف �سكلها النهائي.

25 الرئي�ـــس علـــي عبـــداهلل �سالـــح ي�ستقبل اأناتـــويل �سافونـــوف املمثل اخلا�ـــس لرئي�ـــس رو�سيـــا االحتادية يف جمـــال التعاون الـــدويل ومكافحة

االإرهـــاب واجلرمية املنظمـــة، والذي نقل له ر�سالة مـــن الرئي�س دميرتي

ميدفيديف رئي�ـــس رو�سيا االحتادية، تتعلق بالعلقـــات الثنائية وجماالت

التعـــاون امل�ســـرتك و�سبـــل تعزيزهـــا وتطويرهـــا وعلى خمتلـــف االأ�سعدة

ال�سيا�سيـــة واالقت�سادية والثقافية واالأمنية والع�سكرية ومكافحة االإرهاب

والقر�سنة.

26 ت�سلـــم وزيـــر الثقافة الدكتـــور حممـــد املفلحي يف مدينـــة القريوان التون�سية م�سعل العوا�سم االإ�سلمية متهيدا الإعلن مدينة ترمي مبحافظة

ح�سرمـــوت عا�سمـــة للثقافة االإ�سلميـــة لعام 2010. جـــاء ذلك يف ختام

احتفاالت القـــريوان عا�سمة للثقافـــة االإ�سلمية للعـــام 2009 التي جرت

بح�ســـور الرئي�ـــس التون�سي زين العابدين بن علـــي واملدير العام للمنظمة

والثقافـــة للرتبيـــة االإ�سلميـــة

والعلـــوم )االإي�س�سكـــو( الدكتور

ووزراء التويجـــري عبدالعزيـــز

الثقافة يف عدد من الدول العربية

واالإ�سلمية.

27 الرئي�س علي عبـــداهلل �سالح ي�ستقبل الوكيـــل امل�ساعد لوزارة اخلارجيـــة الرتكية روؤوف

اأنكني �سوي�سال مبعوث الرئي�س الرتكي عبداهلل غول، الذي نقل

للرئي�ـــس �سالح ر�سالة خطية من الرئي�س غـــول، تتعلق بالعلقات الثنائية

وجماالت التعاون امل�سرتك بني البلدين و�سبل تعزيزها وتطويرها.

27 اأعلنـــت اململكـــة العربية ال�سعودية ا�ستكمـــال تخ�سي�س مبلغ التعهد املقدم لليمن يف موؤمتر لندن للمانحني املنعقد يف العام 2006 والبالغ مليار

دوالر، وقـــال نائب الرئي�ـــس والع�سو املنتدب لل�سنـــدوق ال�سعودي للتنمية

املهند�ـــس يو�سف بن اإبراهيم الب�سام، يف كلمته خلل جل�سة العمل االأويل

لفريـــق العمـــل امل�سرتك بـــني احلكومة اليمنيـــة واملانحـــني، اإن ال�سندوق

ال�سعـــودي للتنميـــة قام خلل الفـــرتة املا�سية بتوقيع ت�ســـع اتفاقيات منح

لتمويل عدد من امل�ساريع بتكلفة 642 مليون دوالر.

27 ا�ستقبل العاهل ال�سعودي عبداهلل بن عبدالعزيز يف ق�سره بالريا�س، رئي�س جمل�ـــس الوزراء الدكتور علي حممد جمـــور، وجرى يف اللقاء بحث

العلقـــات الثنائية وجماالت التعاون امل�سرتك بني البلدين واآفاق تعزيزها

يف جميع املجاالت.

27 عقـــدت بالعا�سمـــة ال�سعوديـــة الريا�ـــس، اجتماعات الـــدورة الـ 19 ملجل�ـــس التن�سيـــق اليمنـــي – ال�سعـــودي، برئا�ســـة رئي�س جمل�ـــس الوزراء

الدكتور علي حممد جمور، واالأمري �سلطان بن عبدالعزيز ويل العهد نائب

رئي�س جمل�س الوزراء وزير الدفاع والطريان املفت�س العام باململكة العربية

ال�سعوديـــة. ويف ختام االجتماعـــات مت التوقيع على ت�سع وثائق للتعاون بني

البلديـــن منها اأربع اتفاقيات متويل مل�ساريع خدمية واإمنائية يف اليمن من

قبـــل اململكة، مببلغ اإجمايل وقدره مائة واأربعة ع�سر مليون وثمامنائة األف

دوالر.

28 بحـــث وزيـــر الداخليـــة مطهـــر امل�ســـري مـــع االأمري نايـــف بن عبد العزيـــز النائب الثـــاين لرئي�ـــس جمل�س الـــوزراء وزير الداخليـــة باململكة

العربية ال�سعوديـــة يف الريا�س جماالت التعاون االأمني بني البلدين و�سبل

تعزيزها.

28 اختتمـــت مبقـــر االأمانة العامة ملجل�س التعاون لـــدول اخلليج العربية بالريا�ـــس اجتماعات فريق العمل امل�سرتك بـــني اليمن واملانحني لتحديد

االحتياجات التنموية لليمن.

Page 32: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 62 63ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

بداأت املفاو�سات الرامية اإىل ان�سمام اليمن

لـــدول جمل�ـــس التعـــاون اخلليجي منـــذ عدة

�سنـــوات. لكن بعد عام 2008، تولد �سعور باأن

اإيقاع هذه العملية اأ�سبح اأكرث بطئا. وامل�سكلة

هي اأن اليمن لي�س لديه القدرة على االنتظار

ملدة �ستة اأعوام على اأقل تقدير كي ين�سم اإىل

املجل�س. واالأف�سل اأن ين�سم اليمن اإىل جمل�س

التعاون اخلليجي على مراحل وب�سروط، على

طريقة ما فعله االحتاد االأوروبي مع املر�سحني

لع�سوية االحتاد والذين حتيط بهم م�سكلت

حتول دون ان�سمامهم.

على مـــدار العـــام املا�ســـي، ا�ستحـــوذ اليمن

على اأنظار منطقـــة اخلليج ودول الغرب على

ال�سواء. ويف ظل اجلـــدل الدائر حول اأ�سباب

تدهـــور هـــذه الدولة التي تقع جنـــوب اخلليج

العربـــي لهـــذه الدرجـــة، ثمة اأمـــران يبدو اأن

هنـــاك �سبه اإجمـــاع عليهما. االأمـــر االأول هو

اأن جـــذور امل�سكلـــة اليمنية تكمـــن يف الو�سع

االقت�ســـادي املرتدي للبلد. ومـــن املعلوم اأن

اليمـــن يواجـــه ثـــلث عمليات متـــرد وت�سمل

احلوثيني يف ال�سمال، وحركة االنف�ساليني يف

اجلنوب، والقبائـــل ال�سرقية التي توؤوي حاليا

عنا�ســـر القاعدة الذيـــن عـــادوا اإىل اليمن.

وجميع هـــذه العمليات ترتبـــط بف�سل حكومة

�سنعـــاء يف حتقيـــق الرفاهيـــة االقت�ساديـــة

واالجتماعية. اأمـــا االأمر الثاين، فاإنه اأ�سحى

مـــن امل�سلم به على نطـــاق وا�سع حتى من قبل

احلكومة اليمنيـــة نف�سها؛ فكرة اأن البلد لن

تخرج من هذا امل�ستنقع دون دعم خارجي.

ودول اخلليـــج بوجـــه عـــام، واململكـــة العربية

ال�سعوديـــة علـــى وجـــه اخل�سو�ـــس، اأدركـــت

جميعـــا منذ وقـــت طويـــل؛ �ســـرورة مواجهة

االنهيـــار االقت�ســـادي يف اليمن، كمـــا ات�سح

ذلـــك جليا يف مليـــني الـــدوالرات االأمريكية

التي مت تقدميها كدعم حلكومة علي عبد اهلل

�سالـــح. وبالفعل متت املوافقـــة على ان�سمام

اليمـــن للعديد من موؤ�س�ســـات وهيئات جمل�س

التعاون اخلليجي. بيد اأنه منا �سعور منذ عام

2008، باأن العملية تواجـــه نوعا من التاأجيل،

والذي يقـــف وراءه يف االأ�سا�س تدهور الو�سع

االأمنـــي يف البـــلد. وتوقيـــت هـــذا االن�سمام

ميثل الق�سية املحورية االآن ب�ساأن دخول اليمن

حظرية جمل�س التعاون اخلليجي. فهذا البلد

قـــد ال يكون قـــادرا علـــى االنتظـــار حتى عام

2016 اأو 2017 - وهـــو التاريخ الذي مت طرحه

لدول جمل�س التعاون. ين�سم – كي وبالرغـــم من �ســـرورة ان�سمـــام اليمن كع�سو

يف دول جمل�ـــس التعـــاون اخلليجـــي على املدى

الق�سري، فاإن اأع�ساء جمل�س التعاون اخلليجي

يخ�سون، ب�سكل طبيعـــي، من التعداد ال�سكاين

الهائـــل لليمـــن، والذي ي�ســـل اإىل حوايل 23

مليـــون ن�سمة، اأغلبهم من ال�سبـــاب والفقراء.

كمـــا قد تكون هنـــاك بع�س التحفظـــات ب�ساأن

النظـــام ال�سيا�سي املختلف يف اليمن. ووفقا ملا

ذكره الدكتور جوزيف اإيه كي�سي�سيان، اخلبري

يف ال�سوؤون اخلليجية، فاإن »ال�سوؤال الذي يواجه

دول جمل�س التعـــاون اخلليجي، هو ما اإذا كان

ان�سمام اليمن �سيعمل على خدمة بقية الدول

االأع�ســـاء، اأم �سيجـــر املنطقـــة باأكملهـــا اإىل

اأ�سفـــل«. وقد يت�ساءل البع�س، وهم حمقون يف

ذلك، عن الدور الذي قد يلعبه اليمن، الفقري

والـــذي يعاين مـــن ال�سراعـــات الداخلية، يف

خدمة دول اخلليج االأكرث ثراء وا�ستقرارا؟ اإال

اأن ال�ســـوؤال احلقيقي الـــذي ينبغي طرحة هو؛

كيف ي�ســـكل االنهيار املحتمل للنظام يف اليمن

تهديدا لدول جمل�س التعاون اخلليجي؟

ولناأخـــذ علـــى �سبيـــل املثـــال منـــوذج االحتاد

االأوروبي، حيث كان االحتاد قا�سرا يف البداية

على الدول امل�ستقـــرة �سيا�سيا واقت�ساديا مثل

جمهوريـــة الت�سيـــك و�سلوفاكيـــا ومالطـــة. اأما

اليـــوم، فاإن الـــدول التي متزقهـــا ال�سراعات

مثل كرواتيـــا والبو�سنة والهر�سك قد اأ�سبحت

مر�سحـــة ب�ســـكل ر�سمـــي للن�سمـــام. فوفقـــا

اليمن لن ي�ضتطيع االنتظار طويل

عني على اليمن فـي 60 يومـا وجهات نظرحتليالت

اليمن والعامل

مانويل اأمليدا

جملة »املجلة« اللندنية

26 اآذار/مار�ص 2010

حتليلت ووجهات نظر عربية وعاملية*

* التحليلت الواردة تعرب عن اآراء كتابها فقط.

يف الوقــــت الذي التــــاأم فيه موؤمتــــر »العمالة

اليمنيــــة ومتطلبات �سوق العمــــل اخلليجي«،

للدرا�ســــات �سبــــاأ مركــــز نظمــــه الــــذي

اال�سرتاتيجيــــة يف العا�سمــــة اليمنية �سنعاء

موؤخــــرا؛ كان الرئي�ــــس اليمنــــي يحا�ســــر يف

كلية ال�سرطة عن االأو�ساع العامة يف اليمن.

وممــــا قالــــه: »اأيهــــا الوحدويــــون يف القــــرى

واملحافظــــات.. احــــذروا دعــــاة االنف�ســــال،

لقد رفعوا ال�سعارات عــــدة اأ�سهر عندما كنا

م�سغولــــني يف �سعدة، هــــوؤالء »الفئران« خونة

الوحــــدة! اأين هم االآن؟ هــــم يف النم�سا عند

اأ�سيادهــــم الذيــــن ترعرعــــوا يف اأح�سانهــــم

وربوهم على العمالة واال�ستخبارات«.

واأ�ســــاف: »الوحــــدة لي�ســــت بالقــــوة، ولكــــن

بالوعي، الذين يرفعون �سعار اجلنوب العربي

عار عليكــــم ترفعونه، جتــــردون اليمنيني يف

اأبني ويف حلج ويف �سبوة وغريها، جتردونهم

من مينيتهم وتقولون لهم جنوب عربي، عار

عليكــــم يا عمــــلء، اأ�ستطيــــع اأن اأقول عليهم

عملء وخونــــة«. وهذا ي�سري اإىل مدى اأهمية

مــــا يجري علــــى ال�ساحــــة اليمنيــــة الداخلية

بخلف ما يجــــري يف �سعدة اأو على احلدود

مع ال�سعودية.

ويف ذات الوقــــت كانــــت نخبة مــــن املفكرين

اليمنيــــني ونظرائهم اخلليجيــــني يبحثون يف

اأوراق عمــــل ر�سينة تناولــــت مو�سوع العمالة

اليمنيــــة واآفــــاق ا�ستيعابهــــا يف دول جمل�ــــس

�سادقــــا احلــــوار كان اخلليجــــي. التعــــاون

و�سفافــــا، علــــى الرغم مــــن اأن املوؤمتــــر اأتاح

الفر�سة للإخوة اليمنيــــني للتعبري عن حالة

العمالة اليمنية يف بع�س دول جمل�س التعاون

مــــن حيــــث املعاملــــة وال�سكن. فقــــد طرحت

عــــدة اأوراق عمــــل مهمــــة تناولــــت املو�ســــوع

مثل: العلقــــات الثقافية بني اليمن واخلليج

يف الع�ســــر احلديث. وواقــــع العمالة اليمنية

ودورهــــا يف اال�ستقرار االأمنــــي لدول جمل�س

للعمالــــة الدميوغــــرايف والتاأثــــري التعــــاون.

االآ�سيويــــة علــــى الرتكيبة ال�سكانيــــة للخليج.

اأحمد عبد امللك

�سحيفة »الحتاد« الإماراتية

22 ني�سان/اأبريل 2010

العمالة اليمنية .. رهان يف اخلليج

الإ�سرتاتيجيـــة االحتـــاد االأوروبـــي، التي تعتمد

االن�سمـــام �سيا�ســـة علـــى اأ�سا�ســـي ب�ســـكل

امل�ســـروط، ينبغـــي على املر�سحـــني للن�سمام

اأن ي�ستوفـــوا اأوال �سروط »معايـــري كوبنهاجن«

قبل اأن ي�سمح لهـــم باالن�سمام. وتت�سمن هذه

ال�ســـروط وجـــود نظـــام دميقراطـــي م�ستقر،

واحرتام حلقـــوق االإن�ســـان و�سيـــادة القانون،

ووجود اقت�ساد �سوق فاعل، يف الدول املر�سحة

للن�سمـــام. واالأهـــم مـــن ذلـــك، اأن ا�ستقرار

ورخـــاء معظـــم دول القـــارة االأوروبيـــة، ولي�س

فقط اأع�ساء االحتاد االأوروبي، يعتمد اإىل حد

كبري على الدور الـــذي لعبه االحتاد االأوروبي،

من خلل �سماحه بان�سمام اأع�ساء جدد اإليه،

ومن خلل ا�ستقرار مـــا ي�سمى بجوار االحتاد

االأوروبي، ال�سيما يف منطقة البلقان.

وبو�ســــع اأوجــــه ال�سبــــه جانبا، يت�ســــح اأن هناك

اختلفــــات �سخمة بني احتمــــال ان�سمام اليمن

ملجل�ــــس التعــــاون اخلليجــــي وبني حالــــة االحتاد

االأوروبــــي، ويتمثــــل اأحــــد تلــــك االختلفــــات يف

حقيقــــة؛ اأن اليمــــن ال ميكــــن اأن يتحمــــل عملية

طويلة وبطيئــــة ت�ستمر عقودا اأو اأكرث للن�سمام

ملجل�س التعاون اخلليجي مثل تلك التي �سهدتها

م�ساألــــة ان�سمام تركيا للحتــــاد االأوروبي، فمن

املرجح اأن تنفد احتياطيات اليمن النفطية قبل

مــــرور تلك الفــــرتة، لكن هناك حــــل و�سطا بني

عدم االن�سمــــام ملجل�س التعاون وبــــني الع�سوية

االحتــــاد حالــــة اإىل فبالعــــودة فيــــه، الكاملــــة

االأوروبي، يت�سح اأن االأع�ساء اجلدد ال ين�سمون

اإىل منطقــــة ال�سينجن اأو منطقــــة اليورو ب�سكل

مبا�سر اإذا كانــــوا غري م�ستعدين لذلك، وبنف�س

الطريقــــة ميكــــن عر�ــــس االندمــــاج امل�ســــروط

واملرحلي يف جمل�س التعاون على اليمن.

وبالتــــايل، مــــاذا تكــــون االأولويــــة بالن�سبة لدول

جمل�س التعاون اخلليجي فيما يتعلق باليمن؟ هل

يكون حتقيق اال�ستقرار يف الو�سع االأمني اأوال، اأم

يتم توجيه اجلهود الإعادة الهيكلة االقت�سادية؟

اإن االإجابة يجب اأن ت�سمل كل االأمرين، فالو�سع

االأمنــــي يف اليمــــن لــــن ي�سهــــد اأي تقــــدم كبــــري

حتى يتــــم التعامل مع امل�ســــادر احلقيقية لعدم

اال�ستقرار، خا�سة الفقــــر والبطالة، ويف الوقت

ذاتــــه هناك حاجة اإىل مناخ اأكرث ا�ستقرارا ملنع

انهيــــار اليمــــن، وهو املنــــاخ الذي كانــــت الهدنة

التــــي مت االتفــــاق عليها يف وقــــت �سابق من هذا

العام بــــني احلوثيني واحلكومــــة اليمنية، بداية

مهمة لعملية حتقيقه.

Page 33: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 64 65ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

وجماالت العمــــل املتاحة يف ال�سوق اخلليجي

واملعاجلــــات املتخذة من دول جمل�س التعاون

للحد من العمالة االآ�سيوية والبدائل املقرتحة.

ثم االآثار االإيجابية املتبادلة الن�سمام اليمن

اإىل عدد من مكاتب جمل�س التعاون. واأخريا

اجلهــــد الر�سمــــي لتاأهيــــل العمالــــة اليمنية.

وواقــــع واجتاهات القــــوى العاملــــة يف اليمن

وفر�س ا�ستيعابها يف دول جمل�س التعاون.

هنــــا �سجلنــــا بع�ــــس االجتاهات التــــي نراها

جديــــرة باملناق�ســــة. وكان راأينا فيمــــا يتعلق

مبعاملــــة العمالــــة اليمنيــــة يف دول اخلليــــج؛

اأن تلــــك �سورة منطية تاريخيــــة قد لوحظت

يف ب�سع دول اخلليــــج وال يجوز تعميمها على

جميع الــــدول! فالعمالة اليمنية لها تقديرها

واحرتامهــــا يف املنطقة، كما اأنها �ساهمت يف

عمليات التنميــــة منذ ال�سبعينيــــات، ولي�ست

لديها م�ســــاكل. ناهيك عــــن �سهولة تعاي�سها

وانتمائهــــا للأر�س. كما اأ�سرنــــا اإىل اأن دول

املجل�ــــس قامــــت بتحديــــث قوانينها بعــــد اأن

وقعــــت على املواثيق الدولية اخلا�سة بحماية

العمالة وتوفري اأف�سل الظروف لها. واأن�ساأت

بع�س هذه الــــدول مكاتــــب واإدارات ل�سيانة

حقوق العمال.

وكان راأينــــا اأن مو�ســــوع ا�ستقــــدام العمالــــة

اليمنية لدول جمل�س التعــــاون )هنالك اأكرث

مــــن 4 مليــــني عامــــل جاهزيــــن للعمــــل يف

اخلليج( قــــرار �سيا�ســــي يف الدرجة االأوىل،

كما اأنه قرار �سيادي ال تتدخل فيه العاطفة.

وهنالــــك اتفاقيــــات وقعهــــا اليمن مــــع بع�س

دول اخلليــــج حتــــدد اأطــــر وكيفيــــة ا�ستيعاب

تلك العمالــــة. كما اأننا نرى اأن دخول االإخوة

اليمنيــــني �ســــوق العمــــل �سي�ساهــــم حتما يف

تعديل خلل الرتكيبة ال�سكانية، ولكن مع هذا

فــــاإن دول املجل�ــــس لهــــا ح�ساباتهــــا من حيث

تنامي التطــــرف - يف ظل وجــــود »القاعدة«

يف اليمن- وكذلك االإحباط الذي يعاين منه

كثــــري من اأبنــــاء اليمن العاطلــــني عن العمل

نتيجة واقع احلال، والذي اأ�سارت اإليه اأوراق

العمل التي اأعدها مفكرون مينيون مثل: �سوء

االإدارة، والف�ســــاد، واحلظــــوة، وحــــال اأبناء

اجلنــــوب، والو�ســــع االقت�ســــادي املتدهــــور،

اخلارجيــــة، امل�ساعــــدات ووقــــف واالأميــــة،

واخلطــــف، وتهريــــب االأ�سلحــــة واملخدرات،

واأخريا احلرب مع احلوثيني. وكل ذلك يوؤثر

علــــى ا�ستقــــرار اليمــــن ويوؤجل قبولــــه ع�سوا

كامل يف دول جمل�س التعاون.

وكان الــــراأي اأن يتــــم تاأهيل اليمــــن اأوال! واأن

هذا لــــن ياأتي عرب امل�ساعــــدات املالية فقط،

بــــل ياأتــــي عــــرب امل�ساحلــــة الوطنيــــة، وحــــل

امل�سكلت العالقة بني اأبنــــاء ال�سعب الواحد

-حالــــة اجلنــــوب واحلوثيــــني. والتاأهيــــل لن

يتــــم اإال بتغيري نهــــج االإدارة ون�سف الروتني!

بل وقيام »ثــــورة« �سعبية على )القات( الذي

يهــــدر ما بــــني 5-8 �ساعــــات يوميــــا من وقت

املواطن اليمنــــي. ولقد اأ�سار الرئي�س اليمني

اإىل هــــذه الق�سيــــة يف حما�سرتــــه املذكــــورة

بالقــــول: »اأمتنــــى اأن هوؤالء ال�سبــــاب عندما

يخرجــــون يــــوم اخلمي�ــــس واجلمعــــة اأال اأرى

واحــــدا منهم يخــــزن! اأمتنــــى اأن هذا اجليل

اجلديد الــــذي تربى وترعــــرع يف ظل الثورة

والوحــــدة يحــــارب )القــــات( واجلمهوريــــة

ويحافظ على �سحته«.

امل�ساعــــدات تكــــون اأال اأي�ســــا الــــراأي وكان

اخلليجيــــة والدولية لليمن مــــن )اأجل عيون

�ســــد خطر »القاعدة« وحــــده(، بل اأي�سا من

اأجل عيون اليمنيني االأعزاء، الأن امل�ساعدات

الظرفية غري املوؤ�س�سة تزول بزوال الظرف!

ولقــــد نقلنا للإخوة اليمنيــــني جتربة جمل�س

التعاون مع اليابــــان عندما طلب اخلليجيون

عام 1997 من اليابان اإقامة م�سانع �سخمة

الــــرد وجــــاء املجل�ــــس، دول يف ملنتجاتهــــا

الياباين حازما ومبا�سرا: »ا�سمنوا االأمن يف

منطقتكــــم اأوال، ثم تاأتيكــــم امل�ساريع«! وتلك

اإ�سارة وا�سحة الأهميــــة اال�ستقرار ال�سيا�سي

واالأمني، واإ�سارة للحرب العراقية- االإيرانية

وغــــزو العراق للكويت وحــــال واقع احلال مع

اإيران!

كما اأو�سح االإخوة اليمنيون اأن العمالة اليمنية

�ست�ساهــــم يف )عودة( الثقافــــة العربية الأهل

اخلليــــج بعد اأن اأ�سعفتهــــا الثقافة االآ�سيوية!

وكان ردنا اأن االآ�سيويني يف الغالب ال يكونون

موؤدجلــــني بعك�س العمالة العربيــــة، والعمالة

االآ�سيويــــة مطواعة وتقبل باأية ظروف بعك�س

العربيــــة! اأمــــا مــــن ناحيــــة تاأثــــر جمتمعات

اخلليج بالثقافــــة االآ�سيوية؛ فاإن ذلك يحدث

يف نطاق حمدد -اخلــــدم وال�سائقني- ولكن

الطفــــل عندما يكرب ويدخــــل املدر�سة ين�سى

مــــا تلقاه من اخلادمــــة االآ�سيوية يف ال�سغر.

ولذا فــــل خوف علــــى الهويــــة اخلليجية من

العمالة االآ�سيوية العامة التي غالبا ما ت�سكن

يف مناطق معزولة وال تتداخل مع املواطنني.

ولكــــن يجب اأال يوؤخــــذ هذا املوقــــف على اأنه

موقــــف �سلبي جتاه العمالة اليمنية؛ بل -كما

اأ�سرنــــا- فالعمالة اليمنيــــة �سهلة و�سريعة يف

التجاوب واالندماج!

وكان راأينــــا اأن تن�ســــاأ معاهد تاأهيــــل للعمالة

العمالــــة مناف�ســــة ميكنهــــا التــــي املدربــــة،

العمــــل مقومــــات متتلــــك اأو - االآ�سيويــــة

االأ�سا�سية، ولعل اللغة االإجنليزية من �سروط

العمالة املتعلمة! وتلك املعاهد �ستخرج عماال

مهرة يناف�ســــون العمالة االآ�سيويــــة وير�سون

�ساحب العمل.

اأ�ســــاء الطريــــق نحــــو اإن املوؤمتــــر املذكــــور

ا�ستيعــــاب العمالــــة اليمنيــــة يف دول جمل�ــــس

التعــــاون، وتبقــــى االأهمية يف اإي�ســــال نتائج

البحــــوث اأو تو�سيــــات املوؤمتــــر اإىل اأ�سحاب

جمل�ــــس ودول اليمــــن مــــن كل يف القــــرار

التعاون.

عني على اليمن اليمن والعامل

اإن حماولـــة اغتيال ال�سفـــري الربيطاين يف

اليمن االأ�سبـــوع )االأخري من �سهر ني�سان/

اأبريل(، اإىل جانب �سريط الفيديو املفرت�س

للطالب النيجريي، الذي كان يعتزم تفجري

طائرة ليلة عيد ميلد امل�سيح، وهو يتدرب

مـــع فرع »القاعدة« يف اليمـــن، لفتا االنتباه

مـــن جديـــد اإىل احلاجـــة اإىل ا�سرتاتيجية

قوية ملحاربة االإرهاب يف هذا البلد.

ومعلـــوم اأن الواليات املتحـــدة رفعت ب�سكل

وا�سح من م�ساعدتها الع�سكرية لليمن بعد

اأن تبنى تنظيم »القاعدة« يف جزيرة العرب

امل�سئولية عن حماولة تفجري طائرة متجهة

اإىل مدينة ديرتويت يوم عيد ميلد امل�سيح.

كما قامـــت احلكومة اليمنية خلل االأ�سهر

االأخرية با�ستهـــداف الع�سرات من اأع�ساء

»القاعدة »يف جزيرة العـــرب عرب التعاون

والتن�سيق مع الواليات املتحدة يف كثري من

االأحيان، لكـــن بع�س اخلرباء يحذرون من

اأنـــه ما مل يقم اليمـــن بتنويع مقاربته، وهو

اأمـــر اأثبت جناحه يف ال�سعودية، فاإن زيادة

العمليـــات الع�سكريـــة اإ�سافـــة اإىل التعاون

العلني مـــع اأمريكا، ميكـــن اأن ياأتيا بنتائج

عك�سيـــة يف نهايـــة املطـــاف، حيـــث يقـــول

»جريجـــوري جون�سون«، اخلبري يف ال�سوؤون

اليمنية بجامعة برين�ستـــون يف نيوجر�سي:

»اإىل غايـــة عيـــد امليـــلد امل�سيحـــي، كانت

»القاعـــدة يف جزيـــرة العـــرب« اأكـــرث قـــوة

يف اليمـــن من اأي وقت اآخـــر، ولكنها تلقت

خـــلل االأ�سهر القليلـــة املا�سية �سل�سلة من

ال�سربـــات... لكـــن اأيا من تلـــك ال�سربات

كانت من النـــوع املزعزع الذي يق�سي على

التنظيم لفرتة طويلة«.

وترتكـــز اجلهود اليمنيـــة ملحاربة االإرهاب

تقـــوم التـــي الع�سكريـــة العمليـــات علـــى

بهـــا »وحـــدة حماربـــة االإرهـــاب« اليمنية،

مب�ساعدة اأمريكية وبريطانية ت�سمل التمويل

والتدريـــب واملعلومات اال�ستخباراتية. ففي

فرباير املا�سي، اأذن وزير الدفاع االأمريكي

ب�150 مليون دوالر مـــن امل�ساعدات االأمنية

لليمـــن عـــن ال�سنـــة املاليـــة 2010، ما ميثل

ارتفاعـــا مقارنة مع 67 مليـــون دوالر العام

املا�ســـي. وح�ســـب م�سئولـــني ا�ستجوبتهـــم

وكالة »رويـــرتز«، فاإن 38 مليـــون دوالر من

التمويل خم�س�ســـة لطائرة نقل ع�سكرية،

دوالر مليـــون 34 �ستخ�س�ـــس حـــني يف

لـ»امل�ساعـــدة التكتيكيـــة« لقـــوات العمليات

اخلا�سة اليمنية.

ن�سئـــت »وحـــدة مكافحـــة االإرهاب« وقـــد اأ

اليمنيـــة يف 2003، وتتكـــون من 200 جندي

يعي�ســـون يف ثكنة مبقر »القيـــادة املركزية«

يف �سنعاء ويتلقون ح�س�سا تدريبية خم�سة

اأيام يف االأ�سبوع مبيـــدان بدائي للتدريبات

الع�سكريـــة، يقـــع على بعـــد ثمانيـــة اأميال

من العا�سمة. غـــري اأن العمل عن قرب مع

الواليات املتحـــدة ميثل عملية توازن �سعبة

بالن�سبة للحكومة اليمنية، وميكن اأن تقوي

موقف »القاعدة يف جزيرة العرب«.

ويف هذا االإطار، يقول »جون�سون« من جامعة

برين�ستـــون: »اإن القاعـــدة ترغب يف تقدمي

اليمن على اأنه مثـــل العراق واأفغان�ستان...

علـــى اأنـــه حمتل مـــن قبـــل قـــوات اأجنبية،

الأنهـــا بقيامهـــا بذلـــك، تفتـــح البـــاب على

م�سراعيـــه اأمام جتنيد املقاتلني«. وي�سف

»جون�ســـون« ت�سريحـــات مل�سئولـــني مينيني

ت�سدد على اأنه ال وجود جلنود اأمريكيني يف

اليمن، باعتبارهـــا »نوعا من الت�سريحات

املدرو�ســـة ليقولوا لليمنيني اإن هوؤالء لي�سوا

جنـــودا، واإمنـــا جمـــرد م�ست�ساريـــن- واأن

الواليات املتحدة ال حتتل اليمن« .

وقـــد مت ت�سليط ال�سوء علـــى م�سكلة اليمن

اإىل اإيـــه« اآي. الـ«�ســـي. اأ�سافـــت عندمـــا

قائمـــة املطلوبني لديها املواطـــن االأمريكي

اأنـــور العولقـــي، وهو رجـــل ديـــن م�سلم له

علقة مبنفذ عملية اإطلق النار يف قاعدة

»فورت هـــود« الع�سكريـــة، وحماولة تفجري

الطائـــرة املتوجهـــة اإىل ديرتويـــت، ويعتقد

اليـــوم اأنه خمتبئ يف اليمـــن. ويف البداية،

قـــال وزيـــر اخلارجيـــة اأبو بكـــر القربي اإن

اليمـــن ينتظر اأدلة اأمريكيـــة على علقات

»العولقـــي« باالإرهـــاب قبـــل ملحقته، قبل

اأن يعـــدل ت�سريحه الحقـــا اإذ قال يف حوار

�سحفـــي« مبكتبـــه: »اإن ال�سلطـــات اليمنية

تنظـــر اإليه )العولقي( على اأنه على علقة

فاإنـــه مطلـــوب وبالتـــايل؛ القاعـــدة؛ مـــع

للحكومة اليمنية من اأجل اعتقاله ومتابعته

�ســارة توبــل

�سحيفة »كري�ستيان �ساين�ص مونيتور« الأمريكية

30 ني�سان/اأبريل 2010

ملاذا ميكن اأن توؤدي م�ضاعدة اليمن للواليات

اإىل القاعدة، تنظيم مواجهة يف املتحدة

نتائج عك�ضية؟

Page 34: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 66 67ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

يواجه اليمن الكثـــري من امل�ساكل االجتماعية

واالقت�ساديـــة والبيئيـــة املعقـــدة واملتداخلة،

وقد زاد مـــن تعقيد هذه التحديـــات العديدة

اإدمان ال�سعب اليمني على م�سغ اأوراق �سجرة

القـــات. فهناك ن�سب كبرية من فئات املجتمع

واالقت�ســـاد يف اليمن تنتظـــم حول ا�ستهلك

ه واإنتاجه. هذا املنبر

يتكـــون القات مـــن االأوراق والغ�سون الرقيقة

ل�سجـــرة “كاثا اإديول�ـــس”، والتي حتتوي على

مادتي الكاثينـــون واالأمفيتامـــني املن�سطتني.

ويجـــب البـــدء يف ا�ستهلك القـــات بعد مدة

ق�سرية من قطفه، الأن مـــادة الكاثينون تبداأ

يف التحلل بعد م�سي اأربعـــة وع�سرين �ساعة.

ب القات حالة من الن�سوة الن�سبية اأثناء وي�سبر

م�سغـــه، وغالبا مـــا يعقب ذلـــك اأرق. ويعترب

القات خمدرا من الدرجة االأوىل، وهو ممنوع

قانونيـــا يف الواليات املتحدة. وتـــزرع اأ�سجار

القـــات وت�ستهلـــك يف كل مـــن كينيـــا واأثيوبيا

واليمن. ومع اأن ال�سومال وجيبوتي هي اأي�سا

من البلدان امل�ستـــوردة وامل�ستهلكة للقات، اإال

اأن اليمن تعـــد امل�ستهلك ال�ســـايف االأكرب له،

حيـــث اأن اأكـــرث مـــن 70% من االأ�ســـر اليمنية

حتتـــوي، كما يقال، على متعـــاط واحد للقات

على االأقل.

وهناك الكثري من االأمناط والطقو�س املتكررة

يوميـــا فيما يتعلق بظاهرة م�سغ القات؛ فقبل

الغـــداء – والـــذي كلما مت تناولـــه مبكرا كان

اأف�ســـل - يتجـــه اليمنيون اإىل اأ�ســـواق القات

املنت�سرة يف البلد ل�ســـراء حزم القات، التي

يرتاوح �سعرهـــا من ثلثـــة اإىل �ستني دوالرا.

اليمنيـــون )خا�ســـة يتجمـــع الغـــداء، وبعـــد

الرجـــال منهـــم، اأما الن�ســـاء اللئي مي�سغن

القـــات فن�سبتهـــن اأقـــل بكثري مـــن الرجال(

يف منازلهـــم، ويبدءون يف جل�ســـة القات التي

غالبا ما متتد الأكرث من �ست �ساعات.

تغري العادات

يعـــود تقليد م�ســـغ القات يف اليمـــن اإىل 500

�سنة علـــى االأقل. وهناك بع�س ال�سك عما اإذا

كان اأ�ســـل اأ�سجار القات يعـــود اإىل اأثيوبيا اأم

اليمـــن. من الناحية التاريخية، كانت جل�سات

القـــات تتـــم يف يوم واحـــد يف االأ�سبـــوع، وكان

م�ســـغ القـــات مقت�ســـرا علـــى االأ�ســـر الغنية

وطبقـــات ال�سادة والق�ســـاة والنخبة املتعلمة.

لكـــن هذا النمط من اال�ستهلك بداأ يتغري مع

تو�سع االقت�ساد اليمني يف ال�سبعينيات. ومنذ

تلك الفرتة حتى حرب اخلليج االأوىل، ا�ستفاد

االقت�ســـاد اليمني من مليني الدوالرات التي

كانت جتنيها اليمن من احلواالت النقدية التي

تر�سلهـــا االأيـــدي العاملة اليمنيـــة يف اخلارج،

خا�سة من ال�سعودية؛ فاأدى االقت�ساد املتنامي

اإىل انت�ســـار م�سغ القات بـــني طبقات املجتمع

الدنيـــا واملتو�سطة، وازدادت كثـــريا - وب�سكل

مثـــري - رقعة االأرا�سي التي تزرع فيها اأ�سجار

القات. لكـــن عندما قرر نظام احلكم احلايل

بقيادة الرئي�س علي عبد اهلل �سالح عدم تاأييد

قوات التحالف التي قادتها الواليات املتحدة يف

حرب اخلليج االأوىل، قامـــت ال�سعودية باإلغاء

تاأ�سريات العمال اليمنيني؛ االأمر الذي ت�سبب

ق�سائيـــا«. كما اعتـــرب اأن م�سئولية القب�س

على العولقي �سلحية داخلية م�سيفا: »اإن

التدخل اخلارجي �سيخلـــق بالطبع م�ساكل

�سيا�سية للحكومة«.

بيــــد اأن دولــــة واحــــدة جنحــــت يف التوفيق

بني التعــــاون العلنــــي مع الواليــــات املتحدة

وحماربــــة »القاعدة«، هــــي ال�سعودية، التي

طبقت حملة داخلية ناجحــــة �سد التنظيم

ال�سعوديــــة القــــوات اأن 2003. �سحيــــح يف

تدريبــــات وتتلقــــى اأف�ســــل متويــــل لديهــــا

خارجيــــة منذ ال�سبعينيــــات، ولكن اخلرباء

يقولــــون اإن قــــدرة ال�سعودية علــــى الق�ساء

علــــى »القاعــــدة« مردهــــا اإىل تبنــــي حزمة

من املبــــادرات املتنوعة، وهو اأمر مل يقم به

اليمن.

ويف هذا ال�سياق، يقول »توما�س هيجهامر«،

الباحث مبوؤ�س�ســــة بحوث الدفاع الرنويجية

يكمــــن يف حقيقــــة االأمــــر »اإن اأو�سلــــو: يف

اأنهم قاموا باأ�سيــــاء كثرية؛ وهذا التنوع هو

بال�سبــــط مــــا يف�ســــر جزئيا النجــــاح الذي

حققــــوه، ذلــــك اأنهــــم مل يعولوا علــــى القوة

فقــــط«. فقــــد ا�ستعمــــل ال�سعوديون حملت

الربوباجندا، وقيدوا موارد املقاتلني املالية،

وحــــدوا مــــن قدرتهــــم على احل�ســــول على

االأ�سلحة، وعر�سوا عليهم العفو لت�سجيعهم

على التخلي عن القاعدة.

غري اأن املثري لل�ستغراب يف جناح املقاربة

ال�سعوديــــة يكمــــن يف حقيقــــة اأن املقاتلــــني

ال�سعوديــــني انتقلوا اإىل اليمــــن. ففي يناير

2009، اأي بعــــد �ســــت �سنــــوات علــــى تكثيف

ال�سعوديني حلملتهم �سد االإرهاب، حتالف

الفرعان ال�سعــــودي واليمني للقاعدة حتت

ا�سم جديد هو »القاعدة يف جزيرة العرب«،

واتخذوا من اليمن موقعا لهم. ومن جانبه،

يقــــول هيجهامــــر: »يف اليمــــن ... مازالــــت

القاعــــدة تنفــــذ عملياتها بوتــــرية ع�سرات

الهجمــــات يف ال�سنة، وهي مــــا زالت ن�سطة

بخ�سو�س اإنتــــاج الربوباجندا؛ ولذلك فاإن

)لدى اليمن( طريقا طويل ليقطعه«.

مايكل هورتون

تريوريزم مونيتور )مر�سد الإرهاب(، املجلد 8، العدد 15

موؤ�س�سة»جيم�ص تاون« البحثية الأمريكية

17 ني�سان/اأبريل 2010

اإدمان اليمن اخلطر على القات

عني على اليمن اليمن والعامل

بعودة ثمامنائة األف عامل ميني. وبالرغم من

خ�سارة اإيرادات احلواالت النقدية، والتدهور

االقت�سادي الذي اأعقب ذلك منذ الت�سعينيات

حتى يومنا هذا، فاإن ا�ستهلك القات وزراعته

ظل يف تزايد م�ستمر.

اآثار القات القت�سادية

مـــن ال�سعـــب احل�ســـول علـــى اإح�سائيـــات

اقت�ساديـــة دقيقـــة تتعلـــق بالقـــات، غـــري اأنه

يعتقـــد اأن اإنتـــاج القات وبيعـــه ي�سكلن %25

من االقت�ساد اليمنـــي، اإذ اأن 20% من حجم

العمالـــة الوطنية مرتبط باإنتاج القات وبيعه.

ويقـــدر اأحـــد التقاريـــر ال�سادر موؤخـــرا عن

وزارة الزراعـــة اليمنيـــة اأن اليمنيني ينفقون

علـــى القـــات 1.2 مليـــار دوالر �سنويـــا. ومنـــذ

مدة طويلة، حـــل القات، باعتبـــاره حم�سول

اليمـــن النقـــدي الرئي�سي، حمل الـــ�، الذي

تدهور اإنتاجه بثبات منـــذ ال�ستينيات )»مين

تـــودي«، 21 ت�سريـــن الثاين/نوفمـــرب 2009(.

اإ�سافـــة اإىل ذلـــك، اأ�سبحـــت اأ�سجـــار القات

تطغى على االأرا�سي التي كانت تزرع - ب�سكل

تقليدي - اأنـــواع احلبوب املقاومـــة للجفاف.

وتقدر وزارة الزراعة اليمنية اأن زراعة القات

تتو�ســـع مبعـــدل اأربعـــة اآالف اإىل �ستـــة اآالف

هكتار �سنويا. وباإمكان املزارعني اليمنيني اأن

ينتجوا القات مبعـــدل يبلغ خم�س مرات، وهو

معدل يفوق ما يتم اإنتاجه من حبوب. وتنظم

جتـــارة القـــات مـــن قبـــل جمعيـــات، ت�سرتي

القـــات مـــن املزارعني وتقـــوم بتوزيعـــه على

�سبكـــة من التجار وال�سما�ســـرة املنت�سرين يف

كل اأرجاء البلد. ونتيجة لذلك، اأ�سبح الربح

االقت�ســـادي احلقيقـــي يقت�سر علـــى قلة من

النا�س؛ ممن ميتلكون املـــوارد املالية لت�سويق

القات.

وتفر�ـــس املحافظات يف اليمـــن �سرائب على

القات )26 �سبتمرب نت، 14 اأيار/مايو(، حيث

يتم جمـــع ال�سرائب من التجار الذين ميرون

عرب نقاط التفتي�س، وهم يف طريقهم بكميات

القـــات اإىل ال�ســـوق. ومـــن امل�ستحيـــل تقريبا

احل�سول على اأرقام اإح�سائية عن ال�سرائب

املفرو�سة، واملبالغ التـــي يتم حت�سيلها، غري

اأن بع�ـــس امل�ســـادر احلكوميـــة تقـــدر املبلـــغ

ل من ال�سرائب يف اأنحاء البلد باأكرث املح�س

مـــن ع�سريـــن مليـــون دوالر؛ وتقـــول امل�سادر

نف�سهـــا اأن ن�سبـــة مئوية قليلة فقـــط من هذه

ال�سرائـــب تتجـــه اإىل ميزانية الدولـــة، بينما

ل مـــن ال�سرائب يذهب معظـــم املبلغ املح�س

اأدراج رياح الف�ساد املتف�سي.

اإ�سافـــة اإىل جتـــارة القـــات امل�سروعة، هناك

�سوق مربحة غري م�سروعة ت�سدر اأجود اأنواع

القـــات اإىل امل�سرتيـــن يف العربيـــة ال�سعودية.

ومع اأنه من غري امل�سموح بيع و�سراء القات يف

ال�سعودية، اإال اأن هناك طلب كبري على القات

ال�سامي الغايل والفعال، الذي ينمو مبحافظة

حجة اليمنية التي تقع على مقربة من احلدود

ال�سعوديـــة )وكالـــة االأنبـــاء اليمنيـــة )�سباأ(،

عـــرف كميـــة االأموال 20 اآذار/مار�ـــس(. وال ت

لة من جتارة القات عرب احلدود، لكن املح�س

بع�س امل�ســـادر يف �سنعاء تقـــدر اأن عائدات

القات املهرب تتجـــاوز ثلثني مليون دوالر يف

ال�سنة.

ال�سغوط البيئية

بالنظـــر اإىل كون القات من االأ�سجار املقاومة

للجفـــاف اإىل حد ما، فـــاإن حم�سولها يزداد

اإىل ثلثـــة اأو اأربعـــة اأ�سعـــاف اإذا ما مت ريها.

ونتيجـــة لهذا، فقد ازداد عدد االآبار املحفورة

ب�سكل كبـــري يف املناطـــق املرتفعـــة. ومن بني

ح���وايل 55.000 بئر عاملة، ال متتلك الدولة اأو

تقـــوم بتنظيم �سوى ن�سبـــة قليلة جدا من هذا

العـــدد. وقـــد اأدى ذلك، ف�سل عـــن ال�سغط

الناجـــم عن معـــدل النمو ال�ســـكاين املرتفع،

اإىل معانـــاة اليمن من نق�س �سديد يف املوارد

املائية )»مين اأوبزيرفر«، 16 �سباط/فرباير؛

»ميـــن بو�ســـت«، 28 حزيران/يونيـــو 2009(.

وطبقـــا لربنامـــج االأمم املتحـــدة االإمنائـــي،

�سيتجـــاوز عـــدد ال�ســـكان يف اليمـــن اأربعـــني

مليـــون بحلول عام 2025. ومـــع اأن اليمن تعد

من اأقل بلدان العامل وفرة يف املياه العذبة، اإال

اأن تقديرات وزارة الزراعة اليمنية ت�سري اإىل

اأن 30% مـــن املياه املتوفرة يف اليمن ي�ستخدم

لـــري اأ�سجار القات. وقـــدر م�سدر من داخل

الهيئـــة العامة للتنمية الريفيـــة اأن ن�سبة املياه

امل�ستخدمة لري اأ�سجار القات اأعلى بكثري من

التقديرات الر�سمية.

وتزداد حـــدة نق�س املياه ب�ســـورة خا�سة يف

�سنعاء، حيث ت�سري تقديـــرات برنامج االأمم

املتحـــدة االإمنائـــي اإىل اأن معـــدل ا�ستخـــراج

حو�ـــس امليـــاه اجلوفيـــة، الذي يـــزود �سنعاء

باملياه، يزيد بن�سبة 2.5 مرة على معدل تغذية

احلو�ـــس باملياه. كما تتوقـــع بع�س الدرا�سات

التـــي اأجريت موؤخرا اأن هذا احلو�س �سيجف

بحلـــول عـــام 2017. ونتيجـــة لنمـــو املراكـــز

احل�سرية يف �سنعاء وتعز وب�سورة اأقل مدينة

اإب، يـــزداد ال�سغط علـــى االأحزمة الزراعية

املهمة التـــي حتيط بهذه املدن الثلث. وتقوم

�ســـركات نقـــل امليـــاه اخلا�سة باالإغـــارة على

االآبار غري املنظمة الواقعة خارج املدن، حتى

تتمكن مـــن توفري املياه لزبائنهـــا من �ساكني

املـــدن. ويف �سنعاء، ميتلك كل منـــزل تقريبا

بئرا خا�سا به اأو خزان مياه. وقد اأدى ال�سغط

الواقـــع على املناطق الريفيـــة املحيطة باملدن

اإىل ن�سوب عدد من املواجهات العنيفة.

امل�ساكل الجتماعية

ت�سري التقاريـــر اإىل اأن متو�سط اإنفاق االأ�سرة

اليمنية على القات يرتاوح بني 10% اإىل %30

من دخلهـــا. وهـــذا بالطبع ي�ســـكل م�سكلة يف

اأي بلـــد، لكن تـــزداد حدة امل�سكلـــة يف اليمن

ب�ســـورة خا�ســـة نظـــرا الأن الدخـــل القومـــي

االإجمايل )للفرد( ال يتجـــاوز 900 دوالرا. ويف

Page 35: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 68 69ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

املجتمعـــات التقليدية كاملجتمـــع اليمني غالبا

ما يتـــوىل الرجال اإدارة دخـــل االأ�سرة، ويويل

الكثري منهـــم اأهمية اأكرب ل�ســـراء القات بدال

مـــن تلبية احتياجات االأ�سرة، وهو ما يوؤدي يف

النهاية اإىل خلفات اأ�سرية كثرية.

وتوؤثـــر �سلبا ن�سبة الوقـــت التي ت�سيع يف �سراء

القـــات وم�سغه يف معـــدل االإنتاجية يف البلد.

ففـــي ال�ستينيات من القـــرن املن�سرم، قدرت

احلكومـــة املارك�سية التي كانـــت حتكم اليمن

اجلنوبـــي اآنـــذاك باأن اأكـــرث من اأربعـــة مليار

�ساعة عمل ت�سيع نتيجة لظاهرة م�سغ القات.

ومـــن الوا�ســـح اأن هذا الرقـــم يف ذلك الوقت

كان عبارة عن دعايـــة اأكرث منه حقيقة، لكنه

قد ال يكون االآن اأمرا مبالغا فيه.

اأمـــا مدى تاأثري القـــات يف �سحة متعاطيه فهو

مو�سوع جدل. ويتفق الكثري من اخلرباء حول

حقيقة اأن القات ال ي�سبب االإدمان من الناحية

الف�سيولوجيـــة، لكـــن له بـــكل تاأكيـــد اأعرا�سا

االرتيـــاب، وجنـــون االأرق، منهـــا: جانبيـــة،

وارتفاع �سغط الدم، وله علقة طفيفة ببع�س

�سرطانـــات الفـــم. وهنـــاك قلـــق متنامـــي يف

اأو�ساط االأطباء اليمنيني جتاه انت�سار ظاهرة

م�سغ القـــات بني االأطفـــال، اإذ اأنه اأ�سبح من

غـــري النـــادر اأن تـــرى اأوالدا يف �ســـن احلادية

ع�سرة والثانية ع�سرة مي�سغون القات. ويعتقد

بع�س االأطباء اأن االآثار اجلانبية للقات تظهر

ب�سكل اأو�سح عند �سغار ال�سن.

تنظيم ظاهرة م�سغ القات واإنتاجه؟

مل تبـــذل احلكومـــة اليمنية اأي جهـــد حقيقي

لل�سيطرة على ظاهرة ا�ستهلك القات، �سوى

بع�ـــس اجلهود ملنعه اأو احلـــد منه يف �سفوف

القوات امل�سلحـــة واالأمن. وعلي اأية حال، فاإن

هـــذا اجلهد اقت�سر اإىل حـــد كبري على قوات

نخبة معينـــة. وقد قامت عـــدد من املنظمات

االأهلية باإطـــلق حملت �سد القـــات، لكنها

مل تلـــق �ســـوى جناحـــات حمـــدودة. اإن عدم

رغبـــة احلكومـــة يف مواجهـــة ق�سيـــة القـــات

ينبع مـــن حقيقة اأن القات ميثـــل جزءا مهما

مـــن االقت�ساد اليمني؛ فاإذا مـــا اأ�سبح م�سغ

القـــات عمـــل غـــري قانونيـــا، اأو حتـــى اإذا ما

مت تنظيمـــه ب�ســـورة كبـــرية، فـــاإن االقت�ساد

اليمنـــي - اله�ـــس يف االأ�ســـل - �سينهار، ولن

تدوم ال�سدمـــة ق�سرية املـــدى، ورمبا يندلع

متـــرد �سامل يف اأرجـــاء البـــلد. فالكثري من

القرى يف املرتفعات - التي هي موطن لبع�س

اأقـــوى القبائل اليمنيـــة - تعتمد اإىل حد كبري

على املكا�سب العائدة مـــن بيع القات، وتعمل

هـــذه القـــرى واملجتمعـــات املحليـــة كدويلت

ومتتلك تر�سانات ع�سكرية كتلك التي متتلكها

الدويلت.

وكما يبدو فاإن احلكومة لي�س لديها خطط على

املدى الق�سري اأو الطويل ملواجهة اال�ستهلك

واالإنتـــاج املتزايديـــن للقـــات. اأمـــا الربنامج

الـــذي نفذ موؤخرا للحد من تو�سع رقعة زراعة

اأ�سجار القات يف حمافظة ذمار، فلم يوؤدر اإىل

اأي تخفي�ســـات قابلة للقيا�ـــس يف اإنتاج القات

)»ميـــن اأوبزيرفر«، 16 �سباط/فرباير؛ »مين

تاميـــز«، 5 اآذار/مار�س(. كمـــا اأن قلة هطول

االأمطار عـــام 2009، وارتفـــاع تكاليف املياه،

قـــد زادا من ارتفاع اأ�سعار القات، االأمر الذي

�سجـــع املزارعـــني علـــى موا�سلـــة اإنتاجه، ويف

حاالت كثرية علـــى تو�سيع رقعة االأرا�سي التي

تزرع القات.

اخلامتة

تواجه حكومة اليمن كما وفريا من التحديات

اخلطرية على املديني الق�سري والطويل، ومن

غري املرجـــح اأنها �ستكـــون يف حلظة ما قادرة

على معاجلـــة اإدمان البلد للقات. كما يواجه

نظام الرئي�س �سالح حاليا حركات انف�سالية،

ف�ســـل عـــن التهديـــد الدائـــم الـــذي ي�سكلـــه

املتطرفون االإ�سلميـــون. ونظرا لل�سعبية التي

يحظى بها القات يف كل اأرجاء البلد، فاإن اأي

حماوالت لفر�س �سرائب عليه اأو ملنعه �ستوؤدي

اإىل املزيد مـــن امل�سكلت للنظـــام. ولكن من

املحتمل اأن احلاجة اإىل االأمن الغذائي واملائي

�ستوؤدي اإىل اتخاذ بع�ـــس االإجراءات البطيئة

واملتقطعـــة علـــى امل�ستـــوى املحلـــي ال�ستبدال

القات باملحا�سيل الغذائية، غري اأنه من املوؤكد

اأن الدافـــع وراء مثل تلك االإجـــراءات �ستكون

ال�سرورة ولي�س ال�سلطات احلكومية.

الفناء الداخلي ملقر املرور يف العا�سمة اليمنية

�سنعــــاء اأ�سبه ب�سوق يف الهــــواء الطلق، حيث

تــــرى يف ذلك الفناء املمتد �سائقني ي�ساومون

رجاال يرتدون ملب�س ر�سمية، واأيدي تتبادل

النقود مقابل وثائق ت�سجيل لوحات ال�سيارات

وتراخي�س القيــــادة. اأما املبنيــــان اللذان يف

تلــــك امل�ساحــــة فهما خم�س�ســــان لعمل اأكرث

تعقيدا، كاإ�ســــدار ال�سهادات التي ال ت�سرف

اإال مبوافقة مدير عام املقر.

ويف اأحد االأيام بعد الظهرية وقف رجل اأعمال

ميني على �سرفة البيت املطلة على فناء مقر

املرور، وقال يل: “هذه هي امل�سكلة. يجب اأن

اأر�سي رجال ال�سرطــــة اأكرث من خم�س مرات

لتحرير بلغ عن �سرقة �سيارتي. كل �سخ�س

�ساأنه �ساأن نف�سه.” ثم انطلق م�سرعا باجتاه

اأحــــد كبــــار ال�سبــــاط ويف حقيبتــــه قــــارورة

وي�سكي مهربة.

وتنت�ســــر يف العا�سمة الكثري من هذه املواقف

جيم�ص م. دور�سي

جملة »فورن اأفريز« الأمريكية

16 �سباط/فرباير 2010

ر�ضالة من �ضنعاء: العلقة بني احلوكمة

واالأمن يف اليمن

عني على اليمن اليمن والعامل

امل�سابهــــة التــــي تظهر غيــــاب �سلطــــة الدولة

وبنى ال�سلطة البديلة. ففي �سباح اأحد االأيام

زرت وزارة الداخليــــة وحتدثــــت مع اأحد كبار

ال�سباط الع�سكريني، وكان م�سغوال على خط

الهاتف حمــــاوال منع تفاقم نــــزاع على اأر�س

مبدينة عدن اأودى بحياة �سخ�سني من اأبناء

عمومتــــه، واأو�ســــح يل اأن ق�سيــــة النزاع على

االأر�ــــس تاأخذ جمراها يف املحكمة اأما ق�سية

القتلــــى فهــــي م�ساألــــة مــــرتوك حلهــــا لطريف

النــــزاع. وقــــد كان يحــــاول اإقنــــاع ال�سرطــــة

مب�ســــادرة االأ�سلحة التي متتلكهــــا االأ�سرتان

املتعاديتــــان، والتو�سل اإىل اتفاق يتم مبوجبه

تعوي�ــــس اأ�سرته عن القتيلــــني. وخاطبني بني

املكاملــــات الهاتفية التــــي كان يجريها، قائل:

جنون”. “هذا ويف خ�ســــم مثل هــــذا الو�سع الــــذي تتناف�س

فيــــه ال�سلطــــات ال�سيا�سية والقبليــــة ويحاول

�سلطاتهــــم نفــــوذ ا�ستخــــدام امل�سئولــــون

ال�سخ�سيــــة لدعــــم دخلهــــم الزهيــــد، تظهر

اجلماعــــات “املتم�سلحة” لتملأ الفراغات،

وحتــــاول ا�ستغــــلل الو�سع الــــذي ال ي�ستطيع

يف ظلــــه الرئي�س علي عبــــد اهلل �سالح فر�س

النظــــام والقانون على بع�ــــس املناطق اإال من

خــــلل اإنابــــة قــــادة القبائل املوالــــني للدولة.

وتقــــوم تلــــك اجلماعــــات ب�ســــراء والء بع�س

ال�سراعــــات يف وتتحكــــم ال�سعــــب، فئــــات

م�ساحلهــــا يف لت�ســــب املحليــــة الداخليــــة

االآنيــــة. فعلى �سبيل املثال، يرددون حقيقة اأن

القبائــــل التي ت�سكن املناطــــق الغنية باملوارد

ال حت�ســــل علــــى ن�سيبها مــــن الفوائــــد التي

تعود على البلد مــــن خمزون الغاز والنفط.

ويحاول فرع “القاعدة” االإقليمي - القاعدة

يف �سبه جزيرة العــــرب - ك�سب تاأييد النا�س

من خــــلل امل�ساعدة على حفــــر االآبار، ودفع

تكاليــــف العنايــــة ال�سحيــــة للمحتاجــــني من

فئــــات ال�سعــــب. وامل�ستفيــــد من تلــــك الهبات

ال�سخيــــة التــــي تقدمها التنظيمــــات هي عدد

من اجلماعــــات القبلية والدينية وال�سيا�سية،

ومنهــــا: تنظيــــم القاعــــدة يف �سبــــه جزيــــرة

العرب؛ واجلماعــــات ال�سلفيــــة املتزمتة غري

التــــي حتــــاول وهــــي اجلماعــــات امل�سي�ســــة،

االقتداء بخلفاء الر�سول االأوائل؛ واجلماعات

الوهابية، وهــــم اأن�سار املذهــــب الوهابي يف

ال�سعودية؛ والقبائل املحلية.

وال�ســــراع - الــــذي تر�ســــخ املظــــامل املحليــــة

جــــذوره - ال منا�ــــس منه، وقــــد اأ�سعل غياب

الدولــــة املتما�سكــــة يف اليمن حربــــا �سرو�سا

يف �سمــــال اليمن بني احلوثيــــني وقوات االأمن

التــــي تدعمهــــا ال�سعوديــــة، واأدى اإىل ت�سكيل

حــــراك انف�سايل يف جنوب اليمــــن، واأعطى

للقبائــــل مربرات للتحالف مــــع “القاعدة يف

�سبــــه جزيــــرة العــــرب”. كما ت�سبــــب انعدام

امل�سئوليــــة وتف�سي الف�ســــاد يف تبديد عائدات

البلد من املوارد النفطية واملائية املت�سائلة.

ونتيجــــة لكل ذلك، وبح�سب معلومات م�سروع

اإدارة مياه حو�ــــس �سنعاء الذي ميوله البنك

الــــدويل، تتجه �سنعاء خــــلل الع�سر �سنوات

املقبلــــة اإىل اأن ت�سبح اأول عا�سمة يف التاريخ

احلديــــث تن�ســــب مواردها املائيــــة عن بكرة

اأبيها.

وبعــــد املحاولــــة الفا�سلــــة لتفجــــري الطائــــرة

املتجهــــة اإىل “ديرتويــــت” ليلة عيــــد امليلد،

اأ�سبــــح اليمــــن حمور اجلهــــود الغربيــــة التي

تبــــذل ل�ســــرب العنا�ســــر اجلهاديــــة العاملية

كعنا�سر “القاعدة يف �سبه جزيرة العرب”.

وباعتبارهــــا من اأفقر بلدان العــــامل العربي،

فــــاإن اليمــــن خري مثــــال علــــى مــــدى �سعوبة

احتــــواء املقاتلــــني وقدراتهــــم علــــى ا�ستغلل

املظامل املجتمعية املنت�سرة، مبا فيها احلقوق

الثقافيــــة والتطلعــــات االقت�ساديــــة الكئيبــــة

توزيــــع حيــــال وال�ســــكاوى الف�ســــاد وتف�ســــي

ال�سلطة بطريقة غري مت�ساويــــة. واأي�سا تبني

حالة اليمــــن امل�سكلت الناجتــــة عن اعتماد

الغرب على حلفاء لهم �سيا�سات داخلية تثري

الت�ساوؤل، وهو االأمر الذي يجعل من ال�سعب،

يف الواقع، التاأكد من اأن االإعانات التي متنح

ــــن اأو�ساع للحكومــــة تذهــــب اإىل مــــا �سيح�سر

حيــــاة النا�س. ويف الوقت نف�سه، تتعقد عملية

معاجلة املظــــامل التي تتغــــذى عليها عنا�سر

املقاتلني، نظرا للم�ساعر املناه�سة الأمريكا،

وعدم الثقة يف تدخلت ال�سيا�سة الغربية.

ويبــــني الظهــــور اجلديــــد لفــــرع القاعــــدة يف

اليمــــن، بعــــد مرور �سبــــع �سنني منــــذ اأن ظن

الكثري اأن هــــذه اجلماعة قد تفرقت على اإثر

مقتل زعيمها اأبو علي احلارثي يف الغارة التي

نفذتهــــا طائرة من دون طيــــار تابعة للواليات

املتحــــدة، القدرات املحــــدودة للمنهجية التي

ي�ستحــــوذ عليهــــا الهاج�ــــس االأمنــــي الإحلــــاق

الهزمية بالعنا�سر املقاتلة، حيث اأن القاعدة

يف اليمن قد متكنت مــــن اإعادة بناء �سفوف

عنا�سرها كجماعة غري مركزية مطلعة على

املظــــامل املحلية. ولذلك ال يبدو اأن قطع راأ�س

االأفعى �سيحل امل�سكلة.

اأمــــا يف الواليــــات املتحــــدة واأوروبا فقــــد بداأ

يظهــــر اإجمــــاع على اأنــــه �سيكون لزامــــا على

بالنفــــط الغنيــــة اخلليــــج ودول ال�سعوديــــة

اإقنــــاع يف وماديــــا �سيا�سيــــا دورا تلعــــب اأن

حكومــــة �سالح على املبــــادرة بتنفيــــذ عملية

االإ�سلحــــات، وهــــو االأمر الــــذي يتطلب من

ال�سعودية ودول اخلليج تغيري �سيا�ساتها جتاه

اليمن، والتوقف عــــن التدخل يف ال�سراعات

الداخلية يف اليمن، وال�سعي بدال من هذا اإىل

حلها. ففــــي ال�سهور االأخــــرية ان�سمت قوات

�سعوديــــة اإىل حكومــــة �سالــــح ملحاربة التمرد

القبلــــي يف �سمال اليمن، الذي اأثارته املظامل

االجتماعية واالقت�ساديــــة والثقافية. كما اأن

هدنــــة وقف اإطلق النار مع ال�سعودية، والتي

اأعلن عنهــــا املتمردون وو�سفتها اململكة باأنها

انت�ســــار ع�سكــــري لقواتهــــا، قــــد تبخرت مع

جتدد القتال. وف�سلت قبل ذلك هدنة توقيف

اإطــــلق النار التــــي تو�سطت فيهــــا قطر عام

Page 36: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 70 71ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

2008، عندما رف�س �سالح تنفيذها بناء على

الن�سح الـــذي اأ�سدته له ال�سعودية. ولن تكتب

حيـــاة طويلة للهدنـــة املربمة موؤخـــرا الإيقاف

اإطـــلق النار بني القـــوات اليمنية واملتمردين

الثقافيـــة ال�ســـكاوى معاجلـــة تتـــم مل اإذا

واالقت�ساديـــة، وهـــو مـــا يتطلب التعـــاون من

اجلانب ال�سعودي.

وينبغـــي علـــى دول جمل�س التعـــاون اخلليجي

الغنيـــة بالنفـــط النظر يف ال�سمـــاح ل�سقيقتها

الفقـــرية باالن�سمـــام اإىل املجل�س. واحل�سول

على ع�سويـــة املجل�س حلم يـــراود اليمن منذ

زمن طويـــل، غري اأن �ســـروط حتقيقه �ستكون

يف غاية ال�سعوبة، وهو امل�سمار الذي يرف�س

جمل�ـــس التعاون اخلليجـــي اأن يخو�ـــس غمار

�سباقه. ويف الواقع، تفاقم الو�سع االقت�سادي

يف اليمـــن نتيجة طرد العمالـــة اليمنية خلل

ودول ال�سعوديـــة مـــن املا�سيـــني العقديـــن

اخلليـــج، التـــي تعتمـــد كثـــريا علـــى العمالـــة

االأجنبية. وميكن لدول جمل�س التعاون حتفيز

اليمـــن للقيام باالإ�سلحـــات االقت�سادية من

خـــلل اإبـــرام اتفاقيـــات عمـــل تنظـــم هجرة

االأيـــدي العاملـــة وتوقف عمليـــات الت�سلل غري

القانونيـــة عرب احلدود ال�سعوديـــة، التي يقوم

بها اليمنيون �سديـــدي احلاجة للح�سول على

فر�سة اقت�سادية.

اإن ح�ســـد اجلهـــود ال�سعوديـــة ودول اخلليـــج

للم�ساركة يف عمليـــة ا�ستقرار اليمن �سيتطلب

اأي�ســـا منها توقيف الدعم املادي الذي تقدمه

للجماعـــات القبليـــة داخـــل اليمـــن ل�سمـــان

والئهـــا، االأمـــر الذي ي�سعف الدولـــة املركزية

يف �سنعـــاء. كمـــا �سيحتم ذلك توقـــف رعاية

ال�سعودية لعمليات ك�ســـب االأن�سار التي تقوم

بهـــا الطوائف ال�سلفيـــة والوهابية - الطوائف

التي ال تتفـــق اأغلبيتها مع التطلعات اجلهادية

لعنا�ســـر “القاعدة يف �سبـــه جزيرة العرب”

ولكنهـــا ت�سهـــم يف خلـــق بيئـــة عـــدم الت�سامح

والتزمت العقائدي الديني. فالتعدي الوهابي

علـــى ال�سيعة يف �سمال اليمـــن هو من الدوافع

وراء التمرد يف ال�سمال.

وي�ســـل تاأثـــري املف�سرين للتعاليـــم االإ�سلمية

املت�سدديـــن اإىل امل�ساجـــد عـــرب البـــلد التـــي

يخطب فيهـــا اأئمة �سلفيون ووهابيون. واأحيانا

تقوم الدولة ببع�س االإجراءات لتوؤكد �سلطتها

ومتنـــع املت�سدديـــن الدينيـــني مـــن الت�سرف

ح�ســـب هواهـــم واأخـــذ حقوقهـــم باأنف�سهـــم.

فقـــد قامت ال�سنة املا�سيـــة، على �سبيل املثال،

باتخـــاذ اإجـــراءات �سارمـــة ب�ســـاأن حمـــلت

للتدليـــك ال�سينـــي يف �سنعـــاء بعـــد اأن حـــذر

اأحـــد اأع�ساء جمل�س النواب من اأن املت�سددين

االإ�سلميني �سي�ستهدفونها اإذا ما ف�سلت الدولة

يف اإغلقها. ومثل هذه اخلطوات توؤكد على اأن

املت�سدديـــن االإ�سلميني �سينا�سرون الدولة يف

جهودها للتغلب على االنف�ساليني يف اجلنوب.

ويبدو اأن خيار الدولة الإ�سراك املقاتلني ناجح،

حتـــى اأن ال�سيخ عبد املجيـــد الزنداين - الذي

اأدرجت وزارة اخلزانة االأمريكية ا�سمه �سمن

قائمـــة االإرهابيـــني العاملـــني - اأعلـــن دعمـــه

للرئي�ـــس علي عبد اهلل �سالـــح يف احلرب على

عنا�سر “القاعدة يف �سبه جزيرة العرب”.

غري اأن جل�سات القات واحلوارات مع اليمنيني

املتحررين، والق�س�س التـــي غالبا ما ي�سعب

التحقـــق مـــن �سحتهـــا، مليئـــة بالروايات عن

معتقداتهـــم يفر�ســـون ووهابيـــني �سلفيـــني

املت�ســـددة علـــى املجتمعـــات املحليـــة ويقيمون

العـــدل باأنف�سهـــم. وتقول الروايـــات اأن اإحدى

اجلماعـــات ال�سلفيـــة هدمت بنايـــة من ثلثة

طابـــق يف �سنعـــاء وهي ملـــك المـــراأة يف �سن

الثالثـــة وال�سبعـــني، بعـــد اتهامها بـــاإدارة بيت

دعـــارة. وعندمـــا مت تقـــدمي مرتكبي اجلرمية

ال�سلفيـــني للمحاكمة مل يتطـــوع �سوى حمامي

واحد للدفاع عن املراأة، لكنه ان�سحب بعد اأول

جل�سة، مدعيا اأن احلكم بالرباءة قد تقرر قبل

اأن ت�ســـري اإجـــراءات رفع الدعـــوى. ويف حادثة

اأخـــرى، قال �سحفي ميني اأنـــه تاأكد من ق�سة

قتـــل اأب وابنـــه التهامهمـــا بتوجيـــه �سحنهما

اللقـــط للبـــث الف�سائـــي باجتـــاه اأوروبا لكي

ي�ستقبلـــوا قنـــوات اإباحية. وبغ�ـــس النظر عن

مدى �سحـــة تلك الروايات، فـــاإن ق�س�سا من

هـــذا النوع تعك�س �ســـورة ملجتمـــع م�ستقطب

تكون فيـــه اجلماعات التي ت�سجـــع مبداأ عدم

الت�سامـــح هي �ساحبة اليـــد العليا، ودون رادع

لها.

وقبل حماولة التفجري ليلـــة عيد امليلد كانت

الواليـــات املتحـــدة وحلفائهـــا قـــد خ�س�ست

حـــوايل خم�ســـة مليـــار دوالر كاإعانـــة لليمن،

لكـــن عدم مقـــدرة اليمن علـــى ا�ستيعاب هذا

املبلغ وتفاقم درجـــة الف�ساد حرما البلد من

اال�ستفـــادة مـــن معظم املبلغ املر�ســـود. وهذا

يعنـــي اأن الدعم الكبـــري لليمن هو يف االأ�سا�س

دعـــم يتعلـــق بال�ســـوؤون الع�سكريـــة واالأمنيـــة

والقانونية، بينمـــا ال تتلقى الق�سايا الرئي�سية

علجـــا ناجعـــا. وغالبـــا مـــا يقيـــم موظفـــي

االإعانـــات الغربيـــة يف فندق “اإريبيـــا فيلك�س

)العربيـــة ال�سعيـــدة(” ب�سنعاء ملـــدة اأ�سابيع

لكي يقنعوا امل�سئولني مبنحهم وثائق الت�سجيل

يحتاجونهـــا. التـــي الر�سميـــة والرتاخي�ـــس

وتتعرقـــل عمليـــة االإجـــراءات يف الغالـــب الأن

املنظمـــات غـــري احلكوميـــة ال تقـــدم الر�سوة

الأحد، لكن اإ�سرارها عادة ينت�سر وي�سمح لها

بتنفيذ م�ساريعها على م�ستوى املجتمع املحلي.

وت�ستفيد هـــذه امل�ساريع، التـــي غالبا ما تعالج

املظامل التي تغـــذي “القاعدة يف �سبه جزيرة

العرب”، من الدعم املادي االإ�سايف.

ولقـــد تقرحـــت امل�ســـكلت التي تواجـــه اليمن

لعدد من ال�سنني، وحماولة معاجلتها لتجفيف

موارد اجلماعات املتطرفة من اأمثال “القاعدة

يف �سبـــه جزيـــرة العـــرب” هي مهمـــة معقدة

وطويلة االأمد وم�سنية جدا. واحتواء املقاتلني

واإ�سعال فتيـــل اخللف بينهم وبـــني حلفائهم

املحليـــني هي اأهـــم اخلطـــوات االأوىل، لكن يف

ظل انعدام وجود جهود ملمو�سة حلل م�سكلت

اليمن - كغياب اخلدمـــات االأ�سا�سية، واالآفاق

مـــوارد اإدارة و�ســـوء القامتـــة، االقت�ساديـــة

البـــلد، وتف�سي الف�ســـاد، واملحاباة الوظيفية،

وغيـــاب ال�سفافية - لـــن تتمكن تلك اخلطوات

من حتقيـــق جناحـــات ا�سرتاتيجيـــة. وقد هز

ال�سحفـــي اليمنـــي زيـــد علـــي العليـــان راأ�سه

بياأ�ـــس، قائـــل: “هنـــاك الكثري مـــن امل�ساكل،

وهـــي تت�ساعف با�ستمرار. ومن يدري عما اإذا

�ستتمكن اليمن من ال�سمود؟ واملبداأ اليوم هو

مـــا فيها يل؟” والنا�ــــس بحاجة للأمل. “كل وال بد من االنطلق من اأي نقطة.”

عني على اليمن اليمن والعامل

�ســـرح كل مـــن الرئي�ـــس بـــاراك اأوبامـــا،

املتحـــدة الواليـــات خارجيـــة ووزيـــرة

هيـــلري كلينتـــون، بـــاأن وجـــود مين قوي

وم�ستقـــر هـــو مـــن اأهـــم اأولويـــات االأمن

القومي )االأمريكي(. واأكد جمل�س ال�سيوخ

بوجـــود عنا�ســـر االأمريكـــي، م�ست�سهـــدا

تنظيـــم القاعـــدة، على ال�ســـيء نف�سه من

خـــلل اإ�سدار قرار. ولكـــن يبقى ال�سوؤال:

اأين الغذاء؟

لقـــد اأعلن برنامـــج الغذاء العاملـــي التابع

لـــلأمم املتحـــدة اأنـــه �سيتم تق�سيـــم املوؤن

250.000 علـــى ن�سفـــني اإىل الغذائيـــة

مواطن ميني نزحوا جراء ال�سراع القائم

بني قوات احلكومة واملتمردين. اأما برامج

االإعانـــات الغذائيـــة االأخرى فقـــد توقفت

منـــذ العـــام املا�سي. ملـــاذا؟ لقلـــة الدعم

املايل املقدم لربنامج الغذاء العاملي، وكل

هذا يحـــدث يف بلد يعاين به واحد من كل

ثلثة اأ�سخا�س من اجلوع املزمن.

ويقـــوم برنامـــج الغـــذاء العاملـــي بـــكل ما

ي�ستطيع مبخزونـــه الغذائي املحدود، لكن

اإذا مل يتـــم احل�سول علـــى م�سدر جديد

للدعم املايل ف�ســـوف تنهار برامج الغذاء

متامـــا يف نهايـــة مو�ســـم هـــذا ال�سيـــف.

وكما هـــو ل�سان احلـــال االآن، �سيكون على

اليمنيـــني االعتمـــاد علـــى املـــوؤن الغذائية

القليلة، االأمر الـــذي ترتتب عليه خماطر

�ســـوء التغذية للكثري مـــن املواطنني، مبن

فيهـــم االأطفـــال. وال ي�ستطيـــع اأحـــد بناء

اأ�سا�ـــس لل�سلم واال�ستقـــرار يف بلد يعاين

هـــذه املعاناة. وكما قال الرئي�س االأمريكي

هـــاري ترومان عـــام 1946، فاإنه »ال ميكن

بنـــاء نظام عاملـــي �سليم علـــى اأ�سا�س من

املعاناة الب�سرية«.

يف اأيام ترومان كان الغذاء عن�سرا هاما

يف ال�سيا�سة اخلارجية االأمريكية، عندما

كانــــت حتــــاول اإحيــــاء االقت�ســــاد العاملي

ومقاومــــة انت�ســــار ال�سيوعيــــة. وحماربــــة

اجلــــوع اليــــوم ال تقــــل اأهميــــة عــــن ذلك،

خا�سة واأن الواليــــات املتحدة حتاول خلق

اال�ستقــــرار يف اليمن وغريها من املناطق

االإرهــــاب حماربــــة اأجــــل مــــن االأخــــرى

والتطرف.

وميكن الئتلف من االأمم بقيادة الواليات

املتحــــدة التعامــــل مــــع االأزمــــة الغذائيــــة

الو�سيكــــة يف اليمــــن، وعليهم فعــــل �سيء

�سريع؛ فاجلوع و�ســــوء التغذية يف اأو�ساط

الكثريين لن تثمر عن �سيء �سوى االإ�سرار

بعمليــــة ال�ســــلم. يقــــول من�ســــق مكافحة

االإرهــــاب االأمريكــــي دانيــــال بينجامــــني:

اأكــــرث اليمــــن ت�سبــــح حكومــــة »عندمــــا

�سفافيــــة وجتاوبا مع مطالــــب مواطنيها،

فاإن بذور التطــــرف والعنف �ستجد اأر�سا

اأقل خ�سوبة.. «.

اليمنـــي ال�سعـــب مطالـــب واأهـــم واأول

االأ�سا�سيـــة هـــو توفـــري الغـــذاء وال�سراب

واملـــاأوى، فهـــم يريدون الفـــرار من براثن

الفقـــر قبـــل اإمكانيـــة ظهـــور ميـــن ينعـــم

بال�ســـلم واال�ستقرار وعـــدم العنف. ومن

اأهم املجاالت التي يتم جتاهلها حاليا هي

العناية الغذائية باالأطفال. فكيف يعقل اأن

تعـــاين برامج التغذية املدر�سيـــة للمواليد

من قلـــة الدعم املـــايل يف اأي بلد، ناهيك

عن بلد يعتـــرب اأولوية مـــن اأولويات االأمن

القومي؟

يف عـــام 1946 قـــال الرئي�ـــس ترومـــان يف

خطـــاب لـــه عـــرب االإذاعـــة عـــن املجاعة

العاملية: »ال ميكننا جتاهل �سراخ االأطفال

اجلائعـــني«. ولكن للأ�سف هـــذا ما جنده

اليوم يحدث، ووجود طفل يكافح من اأجل

احل�سول على ما يكفيه من الغذاء هو دليل

على وجود �سيا�سة خارجية فا�سلة. وميكن

ملبلـــغ يقارب 78 مليـــون دوالر من الواليات

املتحدة وحلفائها اأن يجدد برنامج الغذاء

العاملي يف اليمن خلل هذا العام.

وباالإ�سافـــة اإىل االحتياجـــات ال�سرورية،

مـــن املمكن اإطـــلق ا�سرتاتيجيـــة غذائية

�ساملة جتتث جـــذور االأ�سبـــاب االأ�سا�سية

وراء اجلـــوع والفقـــر، اللذيـــن يع�سفـــان

بالبلـــد. وهـــذا �سيت�سمـــن اإعـــادة وتعزيز

برنامـــج »الغذاء مقابـــل التعليم« اخلا�س

بالطفولة الذي مت تعليقـــه منذ حزيران/

يونيـــو املا�ســـي. وتعترب مبـــادرات التغذية

كالتغذيـــة املدر�سيـــة من الو�سائـــل القوية

ملحاربـــة اجلـــوع والفقـــر. ولكن مـــن دون

الدعـــم املـــايل مـــن املجتمـــع الـــدويل لن

تنه�س هذه املبادرات من االأر�س، و�سيظل

ال�سلم واال�ستقرار يف اليمن اأمرا مراوغا،

بل ومدمرا للجميع وباالأخ�س لنا نحن.

وليم لمربز

�سحيفة »اأمريكان كورنيكل« الأمريكية

3 اأيار/مايو 2010

اأزمة اجلوع يف اليمن متثل تهديدا للأمن

القومي االأمريكي

Page 37: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 72 73ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

ي�شل����ط �لق�شم �جلديد من »ع����ن على �ليمن« �ل�شوء عل����ى �أحدث �ملن�شور�ت

عن �ليم����ن، �شو�ء �أكانت يف �شكل كتب �أو تقاري����ر �أو �أور�ق بحثية وغريها من

�ملن�شور�ت. و�لقائمة �لتالية ق����د ل تكون �شاملة بال�رشورة، بل هي عينة خمتارة

و�نتقائية، �إذ ترك����ز على حديث �لإ�شد�ر�ت باللغتن �لعربية و�لإجنليزية ب�شكل

�أ�شا�شي.

»Regime and Periphery in Northern Yemen: The Huthi Phenomenon«

»النظام والهام�ص يف �سمال اليمن: ظاهرة احلوثي«

تاأليف: بارك �ساملوين، وبراي�ص لويدولت، ومادلن ويلز )موؤ�س�سة راند، 2010(

تـــرى هـــذه الدرا�سة املطولة )اأكـــرث من 400 �سفحة( لل�سراع امل�سلح الذي دار حتى وقت قريب يف حمافظة �سعـــدة ومنطقة حرف �سفيان، الواقعتني �سمايل

اليمن، بني ال�سلطات اليمنية واملتمردين احلوثيني، وهي درا�سة قام باإعدادها فريق من الباحثني يف موؤ�س�سة راند البحثية االأمريكية املقربة من وزارة الدفاع

)البنتاغون(، اأن هذا ال�سراع ي�سكل اأحد ركائز عدم اال�ستقرار يف اليمن. ويعتقد معدو الدرا�سة اأن اتفاق وقف اإطلق النار االأخري بني احلكومة واحلوثيني

ال ي�ســـري اإىل ح�ســـول نهاية لل�سراع اعتمادا علـــى ما اأثبتته جتارب اجلوالت ال�سابقة من املواجهات بني الطرفـــني. وتتعمق الدرا�سة يف بحث جميع اجلوانب

املتعلقة باحلرب يف �سمال اليمن وحتديدا ما يتعلق بظاهرة احلوثي، وت�ستقرئ تطور الظاهرة، وتبني تعقيداتها باحثة يف خلفياتها االإيديولوجية وال�سيا�سية،

وكيف حتولت اإىل حركة م�سلحة مثلت تهديدا خطريا ل�سرعية الدولة اليمنية. وتربز الدرا�سة التكتيكات الع�سكرية والدعائية التي جلاأ اإليها الطرفان خلل

جـــوالت القتـــال التـــي تعاقبت بينهما، وتتميـــز – اأي الدرا�سة - بعر�سها امل�سهب لتفا�سيل جوالت ال�سراع وتداعياتـــه من جميع النواحي، م�ستخدمة اجلداول

واخلرائط وال�سور التو�سيحية، االأمر الذي يجعلها الدرا�سة االأ�سمل واالأعمق واالأكرث اإحاطة بتف�سيلت هذا ال�سراع وتعقيداته حتى االآن.

Yemen: Dancing on the Heads of Snakes»اليمن: الرق�ص على روؤو�ص الثعابن«

تاأليف: فيكتوريا كالرك )ييل يونيفر�ستي بر�ص، 2010(.

يت�سمن هذا الكتاب الذي األفته فيكتوريا كلرك املرا�سلة ال�سحفية الربيطانية، ومديرة مكتب »االأوبزيرفر« بالعا�سمة الرو�سية مو�سكو، حماولة لر�سم �سورة

بانوراميـــة عـــن االأو�ساع يف اليمن، والذي مير حاليا بفرتة ع�سيبة من تاريخه املعا�سر احت�ســـدت فيها جمموعة من التحديات ملقية بظللها على م�ستقبله.

وت�ســـل املوؤلفـــة، بعد عر�س �سامل لتلك التحديات التي تواجه اليمن معتمدة يف ذلك على ع�ســـرات املقابلت مع �سيا�سيني، واأكادمييني، ووجهاء وم�سايخ، بل

وحتـــى مـــع بع�س امل�ستبـــه يف علقاتهم باالإرهاب وتنظيم »القاعدة«، ت�سل اإىل خل�سة تتمنى من �سا�سة الغـــرب اأن ي�سغوا اإليها عند تعاملهم مع هذا البلد،

وهي اأنهم لن يكونوا على �سواب اإطلقا اإذا ما حاولوا فر�س اأجندتهم على بلد معقد وعنيد كاليمن الذي مل ينجح الغزاة عرب التاريخ يف فر�س اإرادتهم عليه.

دون اأن يعنـــي ذلـــك اأن يتجاهلوه وما يحدث فيه من تطورات مقلقة، بـــل اأن يعملوا على منعه من التحول اإىل دولة فا�سلة اأخرى مثل اأفغان�ستان وال�سومال، اإذ

�ستكون لذلك عواقب اأوخم مبا ال يقا�س، جلهة املوقع اال�سرتاتيجي املهم لليمن يف جنوب اجلزيرة، ولقربه من منابع النفط، وحتكمه يف باب املندب يف الطرف

اجلنوبي للبحر االأحمر.

»What Comes Next in Yemen? Al-Qaeda, the Tribes, and State-Building«

»ماذا �سيحدث بعد يف اليمن؟ تنظيم القاعدة والقبائل وبناء الدولة«

تاأليف: �سارة فيليب�ص )�سل�سلة اأوراق كارنيغي، موؤ�س�سة كارنيغي لل�سالم العاملي، اآذار/مار�ص 2010(

تنطلـــق هـــذه الورقة التي اأعدتها باحثة اأ�سرتالية مهتمة بال�سوؤون اليمنية، من فر�سية مفادها اأن وا�سعي ال�سيا�سات يف الواليات املتحدة ويف الغرب يتدافعون

حاليـــا للـــرد بحزم على عدم اال�ستقرار يف اليمن، وذلك بعد ربط الهجوم الفا�ســـل يف عيد امليلد املا�سي على طائرة ركاب اأمريكية بتنظيم القاعدة يف �سبه

جزيـــرة العـــرب، والـــذي يتخذ من اليمن مقرا اإقليميا لن�ساطاته االإرهابيـــة. وتو�سح �سارة فيليب�س يف العدد االأول من �سل�سلـــة اأوراق �سرعت موؤ�س�سة كارنيغي

لل�ســـلم العاملـــي يف اإعدادها موؤخـــرا، وحتمل عنوانا عري�سا »اليمن: على �سفـــا الهاوية«، اأنه على الرغم من اأن بع�س املناطـــق يف اليمن يفتقر اإىل ال�سيطرة

الر�سميـــة للدولـــة، اإال اأن ذلك ال يعني اأن هذه املناطق غري خا�سعة للحكـــم، فثمة اآليات حملية حتافظ على قدر من النظام. وتعتقد اأن تنظيم القاعدة ي�سعى

اإىل تقـــدمي نف�ســـه كبديل للنظام، لكنه كلما ازداد قوة و�سعى اإىل فر�س �سيطرته على مزيد من االأرا�سي، خاطر بالدخول يف مناف�سة مع القبائل املحلية. كما

جتادل املوؤلفة باأن هناك حدودا ملا ميكن اأن ينجزه التدخل االأجنبي يف اليمن والهادف اإىل حماربة تنظيم القاعدة يف هذا البلد، م�سيفة اأن النظام ال�سيا�سي اليمني يف حاجة اإىل اأن ي�سبح

اأقل مركزية واأكرث �سموال لكي يتم التغلب على حتد متنام كالذي ي�سكله تنظيم القاعدة.

”The Battle for Yemen: Al-Qaeda and the Struggle for Stability«

املعركة من اأجل اليمن: »القاعدة« والكفاح من اأجل ال�ستقرار

تاأليف: جمموعة من الباحثن )جيم�ص تاون فاوندي�سن، 2010(

يعر�ـــس هـــذا الكتـــاب الذي األفـــه جمموعة من الباحثني واخلـــرباء الغربيني والعـــرب للتحديات التـــي واجهتها اليمـــن وال تزال، ال�سيما يف جمـــال االإرهاب

والتنظيمـــات االإ�سلميـــة املتطرفـــة. ويقـــدم الكتاب الذي يجمع بـــني دفتيه عددا كبريا مـــن التحليلت التي �سبـــق اأن ن�سرتها موؤ�س�سة جيم�ـــس تاون البحثية

االأمريكية �سمن �سل�سلتي »مر�سد االإرهاب« و»مراقبة االإرهاب« خلل ال�سنوات ال�ست املا�سية، اأي منذ عام 2004. وميثل هذا الكتاب اأداة بحثية حيوية وغاية

لني لل�سراع التي تخو�سه اليمن من اأجـــل حتقيق اال�ستقرار، وكذلك للحركات يف االأهميـــة الأولئـــك الذين ي�سعون للإحاطة بتحليل وتو�سيـــف معمقني ومف�س

املختلفـــة التـــي ت�سكل البيئة االأمنية يف هذا البلد، ف�سل عن ال�سخ�سيات الراديكالية التي ت�سعى لتقوي�س احلكومة اليمنية و�سراكتها مع الواليات املتحدة يف

اإطار احلرب على االإرهاب.

بني غلفيـن

Middle East Program

Number 107 March 2010

What Comes Next in Yemen? Al-Qaeda, the Tribes, and State-Building

Sarah Phillips

YEMEN: ON THE BRINKA Carnegie Paper Series

من�سور�ت حديثة حول �ليمن

عني على اليمن اليمن والعامل

العراق واآفاق ما بعد النتخابات الت�سريعية

فو�سى فـي مقدي�سو

ظل املر�سد الأعلى

ناظـم اجلا�سـور

عطية عي�سوي

بوزيدي يحيى

اأمرية حممد عبداحلليم

املحــورق�سيـــة العــدد

املراقب الإ�سرتاتيجي

�سيا�سات اليوم وم�سارات الغد

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

الوجه اجلديد ل�سيا�سة ليبيا اخلارجية

Page 38: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 74 75ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

وعليـــه، فاإن عملية العد اليدوي �سوف لـــن تربك العملية ال�سيا�سية

برمتها، واإمنا �ستوؤدي اإىل نتائج غري متوقعة على ال�ساحة ال�سيا�سية

وخ�سو�ســـا فيمـــا اإذا جاءت نتائج العد يف غـــري �سالح بع�س الكتل

الفائـــزة، اإ�سافة اإىل اأنها �ستوؤدي اإىل فـــراغ د�ستوري كبري يوؤثر يف

الو�سع االأمني الذي يعاين من تدهور وا�سح، على الرغم من اإعلن

اجلهات االأمنية الق�ساء على زعماء تنظيم القاعدة يف العراق بعد

مقتل اأبو اأيوب امل�سري واأبو عمر البغدادي، كما اأن فرتة الت�سديق

علـــى نتائـــج االنتخابات �ستاأخذ وقتـــا طويل، ممـــا �سينعك�س �سلبا

علـــى ال�ســـارع العراقـــي الذي يغلـــي على مرجـــل مـــن االحتقانات

والتخندقـــات املتنوعة. اإذ اأن قرار الهيئـــة التمييزية باإعادة الفرز

اأعاد امل�سهد ال�سيا�ســـي املعقد من جديد واأدخل البلد يف منعطف

حا�ســـم، وال�سيما اإذا جاءت نتيجة الفـــرز بغري ما هو حا�سل االآن،

و�ستدخل العملية ال�سيا�سية يف دوامة التجاذب والتناحر.

للإجـــراء تبنيـــه مت الـــذي االنتخابـــي النظـــام اأن الواقـــع، ويف

االنتخابـــات الت�سريعية العراقية يف ال�سابع من اآذار/مار�س 2010،

ومـــا رافقه من تعديلت جوهرية بعد نق�ســـه من قبل نواب رئا�سة

اجلمهورية، وكذلك اإقرار نظام توزيع املقاعد النيابية يف كل دائرة

انتخابيـــة على اأ�سا�س القا�سم االنتخابي، قـــد �سكل �سربا للعملية

الدميقراطية وم�سادرة حلرية الناخب العراقي يف اختيار من يراه

منا�سبا لع�سوية جمل�س النواب، وتهمي�سا كبريا للكيانات واالأحزاب

ال�سيا�سيـــة التـــي مل تبلـــغ عتبـــة القا�ســـم االنتخابي الـــذي فر�سته

املفو�سية العليا امل�ستقلة للنتخابات لتوزيع املقاعد الربملانية؛ هذا

القا�ســـم الذي يكون حا�سل تق�سيـــم االأوراق االنتخابية ال�سحيحة

يف الدائـــرة االنتخابيـــة الواحـــدة على عـــدد مقاعد هـــذه الدائرة

العراق واآفاق ما بعد

االنتخابات الت�ضريعية

نتائج م�ضطربة ونفق �ضيق

ناظـم اجلا�سـور

يف �لوقت �لذي �ن�سغلت فيه �لكتل �ل�سيا�سية �لعر�قية بجد�لها �ل�سيا�سي �لعقيم حول نتائج �لنتخابات

�مل�سطربـــة، و�أي �لكتـــل لها �لأحقيـــة بت�سكيل �حلكومة �ملقبلة، وتف�سري �ملـــادة 76 من �لد�ستور �لنافذ،

�أ�ســـدرت �لهيئـــة �لق�سائيـــة �لتمييزيـــة قـــر�ر� باإعادة فـــرز �لأ�سو�ت يدويـــا يف د�ئرة بغـــد�د �لنتخابية

�لتـــي خ�س�ـــض لها 70 مقعد�، حيث �أن نتائجها �أثـــارت �لكثري من �لطعون و�ل�سكاوي �لتي تقدمت بها

�لكيانات �لفائزة و�خلا�سرة على حد �سو�ء.

ناظـم اجلا�سـور عميد كلية العلوم ال�سيا�سية، جامعة امل�ستن�سرية - بغداد، العراق.

[email protected]

املراقب ال�سرتاتيجي

75 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

Page 39: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 76 77ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

املراقب ال�سرتاتيجي

)املحافظة(، االأمر الذي اأدى اإىل اأن ت�ستحوذ اأربع كتل اأو اأقل على

كل مقاعد الدائرة التي تناف�س على مقاعدها اأكرث من ثلثني كيان

وحزب �سيا�سي.

واإذا كانـــت االنتخابـــات الت�سريعيـــة التي جرت يف كانـــون الثاين/

يناير من عام 2005 قد جعلت من العراق منطقة انتخابية واحدة،

وا�ستنـــدت اإىل نظام التمثيل الن�سبـــي يف توزيع املقاعد، مما �سمح

بتمثيل وا�سع لكل اأطياف املجتمع العراق، فاإن انتخابات دي�سمرب/

كانـــون االأول من ال�سنة نف�سها قد التجـــاأت اإىل تق�سيم العراق اإىل

دوائـــر انتخابيـــة متعـــددة، وتفر�ـــس القا�سم االنتخابـــي لكي ت�سد

الطريق على منع االأحزاب والكتل الليربالية والعلمانية من الدخول

اإىل قبـــة الربملان اأو تتحالف مع االأحـــزاب الدينية الطائفية. وهذا

ما ح�ســـل اأي�سا يف انتخابـــات جمال�س املحافظـــات التي ا�سحبت

من ح�سة خم�ـــس كتل فقط، ومت ا�ستبعاد البقية التي ح�سلت على

اأ�ســـوات كان مـــن املمكن اأن متثـــل يف املجال�س فيما لـــو مت اعتماد

نظام التمثيل الن�سبي.

يف الواقع، اإذا كان االلتفاف على العلمية الدميقراطية وحرفها عن

م�سارهـــا ال�سحيح هو �سمة عامة تتميـــز بها االأنظمة ال�سيا�سية يف

العامل )الثالـــث(، رغم الن�سو�س الد�ستوريـــة التي تخالف الواقع

ال�سيا�ســـي، فـــاإن ما مت اإقـــراره يف النظام االنتخابـــي ونظام توزيع

املقاعـــد يف االنتخابـــات الت�سريعيـــة يف العـــراق، ي�ســـكلن تدمريا

للعمليـــة الدميقراطيـــة وم�ستقبـــل العمليـــة ال�سيا�سيـــة برمتها، اإذ

اأنهمـــا ي�ستبعدان من امل�ساركـــة ال�سيا�سية حـــوايل %65 من الذين

يحـــق لهم الت�سويت واختيار من ميثلهم يف ال�سلطة الت�سريعية، يف

الوقـــت الذي ال حت�سد فيه القوائم الفائزة على اأكرث من %35 من

االأ�سوات.

اإ�سافـــة اإىل ما �ساب هذه االنتخابات من حاالت التزوير والتلعب

باالأوراق االنتخابية من ال�سطب واالإ�سافة بغية عدها قوائم باطلة،

اأو الت�سويـــت عن االأ�سمـــاء الغائبة، اأو املتوفيـــة، الأن االعتماد على

االأرقـــام التي قدمتها البطاقة التموينيـــة كاأ�سا�س لعدد ال�سكان يف

كل حمافظـــة ال تبـــدو �سحيحـــة جدا، ال بـــل اأن بع�ـــس املحافظات

�سهـــدت منـــوا �سكانيا جتاوز الن�ســـف مليون ن�سمة عـــن انتخابات

جمال�ـــس املحافظـــات، وكان الهدف منه احل�ســـول على عدد اأكرب

مـــن املقاعد للمحافظة املعنيـــة على ح�ساب املحافظـــات االأخرى.

كما ح�ســـل يف نينوى، وال�سليمانية وغريها. وقـــد انعك�س كل ذلك

علـــى ظهور النتائـــج امل�سطربة، التي اأوجدت وغذت جـــوا �سيا�سيا

م�سحونـــا بالتطرف وعـــدم االتزان خ�سو�سا مـــن ناحية اخلطاب

ال�سيا�ســـي واالإعلمـــي، ممـــا اأثر ب�ســـكل �سلبي يف نف�سيـــة املواطن

العراقي وزاد من قلقـــه وعدم ثقته مبا هو اآت، وحتى من الت�سكيلة

احلكوميـــة القادمـــة التي ال تخـــرج من ان تكون ن�سخـــة معدلة عن

الت�سكيلت ال�سابقة.

فهـــذه احلكومة التي تواجـــه خما�سا ع�سريا دخلـــت يف منعطفات

حرجـــة جـــدا بعد اأن �سهـــد الو�ســـع االأمني تدهورا خطـــريا، حيث

اأن التيـــارات ال�سيا�سيـــة مل تعـــد تتفـــق حتى على احلـــد االأدنى من

ال�سراكـــة اأو التوافـــق الإنقاذ العـــراق من خطر التمـــزق واالنهيار،

واكتفت بالبحـــث عن املنا�سب والكرا�سي التي تـــدر عليها االأموال

اأكـــرث مـــن غريها. ال بـــل اإن االأمر و�ســـل اإىل اأن القـــرار ال�سيا�سي

العراقـــي اأ�سحـــى مرهونـــا مبوافقـــة دول اجلـــوار، حيـــث حتولت

الريا�ـــس وطهران واأنقرة اإىل منابر وغـــرف مظلمة لت�سوية ال�ساأن

العراقـــي وح�سب اأجنداتها اخلارجيـــة، يف الوقت الذي هم�ست كل

القوى اخلرية والدميقراطية التـــي ت�سعى اإىل بناء العراق واإ�ساعة

ال�سلم والتقدم االجتماعي.

ويف الواقـــع اأن قـــوى االحتلل اأدخلـــت البلد منـــذ غزوها، وحتى

االآن، يف نفق �سيق ال تف�سي نهايته اإىل اأي ا�ستقرار �سيا�سي واأمني،

واأم�سكت بكل خيوط اللعبة ال�سيا�سية حتركها بال�سورة التي تراها

منا�سبـــة مل�ساحلهـــا اال�سرتاتيجية لي�ـــس يف العراق وحـــده، واإمنا

يف املنطقـــة كلها. ف�ســـكل النظام ال�سيا�سي الـــذي مت ت�سكيله ال هو

بالرئا�سي وال هو نظام برملاين وال هو حتى نظام اجلمعية الوطنية،

اإنـــه خليط من كل هذه االأنـــواع، االأمر الذي عقد العملية ال�سيا�سية

برمتهـــا، ابتداء من ت�سكيـــل الربملان، واختيـــار رئي�س اجلمهورية،

اإىل اختيـــار رئي�ـــس الربملان وانتهـــاء باختيار رئي�س الـــوزراء الذي

ميثل احللقة االأخرية يف الت�سكيلة، اإال اأن م�ساألة ح�سم اختياره اأوال

اأ�سحـــت العقدة الكبرية التي يجب ح�سمهـــا قبل الدخول يف ح�سم

امل�سائـــل االأخرى، ممـــا اأدى اإىل اأن تبـــداأ امل�ساومـــات والتنازالت،

ورمبـــا ال�سفقـــات )املاليـــة( حل�ســـم هـــذه النقطة. ولذلـــك، فاإن

النظام االنتخابي، ونظام توزيع املقاعد اأعدا بال�سكل الذي تتقارب

كل القـــوى الكبرية الفائـــزة يف عدد املقاعـــد الربملانية، لكي يبقى

الو�ســـع ال�سيا�سي مرتبكا ومهزوزا، ويبقى املحتل هو امللذ االأخري

)املنقذ(، حلل العقد امل�ستع�سية، الأن هو الذي اأ�سعل النريان، وهو

القادر على اإطفاءها، ولكن بطريقته اخلا�سة.

اإن النظام النتخابي، ونظام توزيع املقاعد

يف العراق اأعــدا بال�سكل الذي تتقارب كل

القــوى الكبــرية الفائــزة يف عــدد املقاعد

الربملانيــة، لكــي يبقــى الو�ســع ال�سيا�ســي

مرتبكا ومهــزوزا، ويبقى املحتــل هو املالذ

الأخري )املنقذ(، حلل العقد امل�ستع�سية

االأ�ضلحة ال�ضغرية فـي اليمن

در��سة ميد�نية �جتماعية

عبدال�سلم الدار احلكيمي

ي�ضدر قريبا

�ضمن �ضل�ضلة درا�ضات اإ�ضرتاتيجية

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

Page 40: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 78 79ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

املراقب ال�سرتاتيجي

ظلاملر�ضد

االأعلىال�سراع على م�ستقبل اإيران من بوابة »ولية الفقيه«

خـــلل اأزمـــة االنتخابات الرئا�سيـــة االإيرانية االأخرية، بدا وا�سحـــا اأن املحافظني يركـــزون يف مواجهتهم للإ�سلحيني علـــى اتهام هوؤالء

االأخرييـــن مبحاولـــة التخطيـــط لقلـــب النظام واالنقـــلب على مر�ســـد الثورة االإ�سلميـــة علي خامنئـــي، متحججني بعـــدم اإميانهم – اأي

االإ�سلحيـــني - بوالية الفقيه، ما دفـــع الزعيمان االإ�سلحيان مري ح�سني مو�سوي ومهدي كروبي لنفي هذه االتهامات بتاأكيدهم على اأنهم

يعرت�ســـون فقـــط على نتائج االنتخابات ويريدون االإ�سلح داخل اأطر النظـــام، من خلل الن�ساطات التي ي�سمح بها الد�ستور. وبدوره �سدد

ها�سمي رف�سنجاين، رئي�س جممع ت�سخي�س م�سلحة النظام، على اأن حل االأزمة بيد الويل الفقيه املر�سد علي خامنئي.

وهـــذا يـــدل على اأن ال�سراع، يف احلقيقة، يجـــري على راأ�س النظام، وذلـــك الأن من�سب رئي�س اجلمهورية لي�س مهمـــا نظرا لل�سلحيات

املحـــدودة التي مينحهـــا الد�ستور االإيراين للرئي�س مقارنة مبا يوجد يف الد�ساتري العاملية االأخـــرى؛ ومهما كانت الن�سبة التي يح�سل عليها

الرئي�ـــس الفائـــز فاإنه يبقى دائما اأ�سري املر�سد االأعلى الذي ميلك حـــق تعيني رئي�س اجلمهورية واإقالته. وما يوؤكد هذه احلقيقة اأكرث، تاأييد

املر�ســـد علـــي خامنئي لنتائج االنتخابات االأخرية التي اأجريت منت�سف العام املا�ســـي 2009، ومباركته بفوز اأحمدي جناد قبل اإقراره من

طـــرف جمل�ـــس �سيانـــة الد�ستور، وا�سطفافه اإىل جانب جناد يف وقت مبكر من االأزمة. ف�سل عـــن �سكوته - الذي هو علمة الر�سا - عن

ممار�ســـات احلر�س الثـــوري والبا�سيج �سد املتظاهرين، بل اإن ت�سريحاته التي انتقد فيهـــا االإ�سلحيني اأكرث من مرة كانت مبثابة ال�سوء

االأخ�ســـر الإطلق العنان للحر�س الثوري لقمع االحتجاجات علـــى نتائج االنتخابات بكل الو�سائل، ولو اأن االأزمة كانت فقط من اأجل رئا�سة

اجلمهورية ما كلف خامنئي نف�سه كل هذه امل�ساكل، خا�سة واأن �سورته تاأثرت كثريا داخليا وخارجيا، وفقد هالة القدا�سة التي يفرت�س اأن

حتيط به كويل فقيه ونائب عن االإمام.

بوزيدي يحيى

بوزيدي يحيى باحث من اجلزائر.

[email protected]

Page 41: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 80 81ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

ومـــن الدالئل اأي�سا علـــى اأن ال�سراع كان يف حقيقتـــه يدور حول من�سب

املر�سد هـــو طريقة تعامل النظام مع جنازة املرجـــع الديني املعار�س اآية

اهلل ح�سني علي منتظـــري، واالحتياطات االأمنية التي اتخذها النظام يف

اأربعينيته، وانتقاد علي خامنئي له ب�سكل غري مبا�سر حني دعا له باملغفرة،

نظـــرا ملوقف اآية اهلل منتظري مـــن والية الفقيه عمومـــا وانتقاداته لقمع

املتظاهريـــن ووقوفه اإىل جانـــب االإ�سلحيني يف اأزمـــة االنتخابات، وهو

بهذا كان ميثل رمزية فكرية ومرجعية دينية ي�ستند اإليها االإ�سلحيني يف

مواجهتهم للمحافظني.

وقـــد اأثار خرب مر�س خامنئي الـــذي تناقلته العديد مـــن و�سائل االإعلم

ت�ساوؤالت عمن يخلفه، وت�ساربـــت بذلك التكهنات، وهذا الت�سارب له ما

ي�سوغـــه نظـــرا للآثار املرتتبة على التطورات يف النظـــام االإيراين داخليا

وخارجيـــا، يف ظل تـــاأزم العلقات االإيرانية - الغربيـــة وانعكا�ساتها على

الق�سايا االإقليمية يف ال�سرق االأو�سط.

ونظـــرا للآلية التي يتم مـــن خللها انتخاب املر�ســـد االأعلى )عن طريق

جمل�ـــس اخلرباء(، وال�سراع بني خمتلف اأجنحـــة النظام، وتعدد مراكز

�سنع القـــرار فيه، وارتباط ذلك مبوقف املرجعيـــات يف قم التي يعرت�س

البع�ـــس منهـــا - اأو الكثـــري بتعبـــري اأدق - علـــى نظرية واليـــة الفقيه من

االأ�سا�س، فاإن احلديث عن م�ستقبل والية الفقيه وبالتايل م�ستقبل النظام

االإيراين بعد خامنئي، هو من االأهمية وال�سعوبة يف نف�س الوقت مبكان.

فهم نظرية »ولية الفقيه« قام نظام اجلمهورية

االإ�سلميـــة االإيرانية اأ�سا�سا على نظريـــة والية الفقيه التي طورها االإمام

اآيـــة اهلل اخلميني، واأ�سبحت م�سدر �سرعية النظـــام. ومن يومها، تردد

الزمـــة »املـــوت لعدو واليـــة الفقيـــه« عند الهتـــاف ب�سعار »املـــوت الأمريكا

واملـــوت الإ�سرائيل«. من هنا، فاإنه يتوجب ت�سليط ال�سوء على نظرية والية

الفقيـــه، االأمـــر الذي من �ساأنـــه اأن ي�ساعدنا على فهـــم االجتاه الذي من

املمكـــن اأن يتجه اإليه النظـــام ال�سيا�سي االإيراين م�ستقبـــل. فعلى �سبيل

املثـــال، تختلـــف االآراء الفقهية حول النظرية بـــني معرت�س عليها مثل اآية

اهلل �سريعتمـــداري واخلوئي ومرع�سي جنفي وغريهـــم من اأبرز املراجع

ال�سيعية العربية واالإيرانية، اأو معرت�س على االأ�سا�س الذي بنيت عليه من

االأ�ســـل وهو جود االإمام الثاين ع�سر مثل املفكـــر ال�سيعي حممد الكاتب،

وموؤيد لها اإىل درجة رف�س انتخاب املر�سد )من طرف جمل�س اخلرباء(

واإمنا يتم اكت�سافه مثل اآية اهلل جنتي، اأو موؤمن بها ولكن على اأ�سا�س اأنها

من�سب �سريف ومن ثم احلد من �سلحيات املر�سد، اأو من يرى ب�سرورة

وجود جمل�ـــس يتكون من بع�ـــس املرجعيات )القيـــادة اجلماعية(. وهذا

االختلف املبدئي حول النظرية له عدة دالالت، من بينها:

- التنـــوع والتعـــدد يف االآراء يعك�س مرونة يف النظريـــة، وبالتايل اإمكانية

ا�ستمرارها ما دامت معظم االآراء لها مرجعية يف الفقه ال�سيعي.

- هـــذا االختـــلف الكبـــري يعك�ـــس ه�سا�ســـة االأ�س�ـــس الدينيـــة للنظرية،

وبالتايل فاإنه موؤ�سر على �سرعة نهايتها بنف�س الطريقة التي تاأ�س�ست بها

اجلمهورية االإ�سلمية.

اإ�سافـــة اإىل هذا، هناك العديد مـــن امللحظات على نظرية ونظام والية

الفقيه، جنملها فيما يلي:

- تقـــوم النظريـــة على اأ�سا�س نيابة الويل الفقيه عـــن االإمام الثاين ع�سر

)االإمـــام الغائب واملهدي املنتظر(، وبالتايل قيامـــه بكل ما هو من مهام

لت لقرون ب�سبب الغيبة عاد االإمام الغائب، وحتى �سلة اجلمعة التي عطر

اخلميني لي�ستاأنفهـــا، وهذا يدل على �سعوبة اأو ا�ستحالة اإجراء تعديلت

د�ستوريـــة لتو�سيع �سلحيـــات رئي�س اجلمهوريـــة، الأن اأي خطوة من هذا

القبيـــل - اإ�سافـــة اإىل كونها قد تكـــون بداية لتنـــازالت متتابعة تعزز من

قـــدرة االإ�سلحيني على املنـــاورة ال�سيا�سية، ومتكنهم مـــن التغلغل اأكرث

يف موؤ�س�ســـات �سنع القـــرار- �ستعترب انتقا�سا من مقـــام املر�سد االأعلى،

ومن ثم فقدان نظرية والية الفقيه للرابط االإلهي بني الويل الفقيه واهلل،

االأمر الذي من �ساأنه اأن يفتح املجال ل�سجال فقهي اآخر بني املراجع يكون

فيها املوؤيد للنظرية يف موقف ال�سعيف املدافع.

- تبقـــى واليـــة الفقيـــه بو�سفهـــا نيابة عن االإمـــام الغائـــب يف حاجة اإىل

املرجعية الدينية على راأ�س النظام. ورغم املخرج الذي اأنقذ به اخلميني

النظـــام، فاإن املر�ســـد �سيحاول دائمـــا افتكاك املرجعيـــة لتعزيز �سلطته

و�سرعنتهـــا كما ح�سل مـــع خامنئي، ما ينذر ب�ســـراع �سديد �سينعك�س -

مهما كانت نتائجه - �سلبا على النظرية.

- كان يتوقـــع يف االنتخابـــات الرئا�سيـــة التي اأجريت عـــام 2001 اأن يربز

تيـــار ثالث جديد ي�ســـم عقلء املحافظني واالإ�سلحيـــني، وت�سكيل تاآلف

�سيا�ســـي ي�سرتك يف �سرورة االإ�سلح واال�ستقرار، ويعمل من اأجل حلحلة

الو�ســـع القائم)1(، اإال اأن نتائج تلك االنتخابات اأ�سفرت عن جناح حممد

خامتي بعهدة ثانية، ووا�ســـل كل تيار التمرت�س خلف اأفكاره، مع موا�سلة

املحافظـــني الت�سييـــق علـــى خامتـــي واالإ�سلحيـــني عمومـــا يف خمتلـــف

املجاالت، وعادوا يف االأخري لي�سيطروا على الربملان ثم الرئا�سة ليحكموا

قب�ستهـــم على النظام، مـــا جعل ال�سباب يفقد االأمـــل يف التغيري، وذهب

البع�س اإىل احلديث عن »موت االإ�سلحات«)2(، اأو ذهاب م�سروع خامتي

اإىل »ذمة تاريخ اإيـــران«)3(. ومع ذلك، مل يكن الرتاجع االإ�سلحي �سوى

ا�سرتاحـــة مقاتل اأو وقفة اللتقاط االأنفا�س ليعود ب�سكل قوي يف انتخابات

2009 باملر�سح ذي التاريخ الكبري مري ح�سني مو�سوي، الذي يقود احلركة اخل�سراء بعد رف�سه لنتائـــج االنتخابات، وما زال م�ستمرا يف املعار�سة،

وال يبدو يف االأفق القريب واملتو�سط اأنه �سيتنازل عن مطالبه.

- اخلطـــاب ال�سيا�ســـي وطروحـــات التيـــار املحافـــظ هـــي رد فعـــل علـــى

الطروحـــات التـــي جاء بهـــا التيـــار االإ�سلحـــي، مـــا اأدى اإىل ا�ستنزاف

امل�ســـادر النظريـــة الإيديولوجيـــا املحافظـــني، ور�سخ القواعـــد النظرية

لطروحـــات االإ�سلحيني بو�سفها مبادئ وقيـــم معيارية للفكر واملمار�سة

ال�سيا�سية على امل�ستوى الوطني)4(.

- تتميز فتاوى املراجع الدينية يف اإيران، خا�سة منها التي ارتبطت باأحداث

تاريخية كبرية، بنوع من العموميـــة وال�سطحية وتوظيف م�سطلحات لها

اأثـــر عاطفي ووجداين على ال�سيعة، مثل فتـــوى ال�سريازي عن التبغ الذي

التيــار وطروحــات ال�سيا�ســي اخلطــاب

املحافظ هي رد فعــل على الطروحات التي

جــاء بهــا التيــار الإ�سالحــي، مــا اأدى اإىل

ا�ستنزاف امل�سادر النظرية لإيديولوجيا املحافظن،

ور�ســخ القواعد النظريــة لطروحــات الإ�سالحين

بو�سفهــا مبــادئ وقيــم معياريــة للفكــر واملمار�ســة

ال�سيا�سية على امل�ستوى الوطني

،،

املراقب ال�سرتاتيجي

حرمـــه لئل يكون حربا على اإمـــام الزمان، وفتوى كا�ساين يف اأزمة تاأميم

البـــرتول الذي اأفتى باأن »كل من يعار�س تاأميـــم النفط االإيراين هو عدو

للإ�سلم«، وفتـــوى اخلميني حول اال�ستفتاء عـــن اجلمهورية االإ�سلمية:

»كل �سوت بـ )ال( هو �سوت �سد االإ�سلم«. واأمام هذا النوع من الفتاوى،

ميكـــن اأن تدخل البلد يف حـــرب اأهلية اأو دوامة من العنـــف اإذا ما اأفتى

اأحد املراجـــع بفتوى من هذا القبيل، وقد �سبق اآيات اهلل الداعمني للتيار

املحافـــظ اأن اأ�ســـدروا فتاوى تكفـــر زعماء االإ�سلحيـــني وتطالب باإنزال

عقوبـــة االإعـــدام يف حقهـــم، واحلكم علـــى املتظاهرين باالإعـــدام بتهمة

احلرابة، االأمر الذي اعرت�س عليه الكثري من املراجع الدينية.

- اعرت�ـــس الكثرييـــن مـــن االأو�ســـاط ال�سيا�سيـــة مـــع بداية الثـــورة على

اجلمهوريـــة االإ�سلميـــة، ودار �ســـراع بـــني النخب ال�سيا�سيـــة حول هوية

اجلمهوريـــة وطابعهـــا االإ�سلمـــي، انطلقـــا مـــن خلفيـــات اأيديولوجيـــة

ي�ساريـــة اأو ليربالية. ويف االأزمة احلالية، يدور ال�ســـراع اأي�سا على هوية

اجلمهوريـــة االإ�سلمية وروحها؛ ورغـــم اأن االإ�سلحيني يوؤكدون اإميانهم

بواليـــة الفقيه، فاإنهـــم بذلك يناورون على هام�س �سلطـــة االأمة يف مقابل

�سلطة نائب االإمـــام الذي نظر له اخلميني وت�سمنته العديد من ن�سو�س

الد�ستور االإيراين، وبالتايل فـــاإن اجلدل الد�ستوري وال�سيا�سي حول فهم

د االأطروحة ال�سيا�سية اخلمينية)5( �سي�ساف اإىل اجلدل الفقهي، ما يعقر

املو�سوع اأكرث.

- �سهـــدت مرحلة حكم ال�ساه ر�سا بهلوي انزواء للموؤ�س�سة الدينية ب�سبب

ت�سديـــد النظام قب�سته على ال�سلطة، وهـــو �سلوك جلاأ اإليه فقهاء ال�سيعة

يف مراحـــل تاريخية �سابقـــة، ولكن النظام ال�سيا�ســـي االإيراين يف الوقت

احلا�ســـر ينطلـــق مـــن )ويرتكز علـــى( املوؤ�س�ســـة الدينية نف�سهـــا، وهذا

يعنـــي اأن املواجهـــة حتمية، واأنه ال جمـــال للنزواء والرتاجـــع خا�سة مع

حماوالت املر�سد احل�سول على املرجعية ومناف�ستها يف عقر دارها. وقد

عمـــد الكثري مـــن رجال الديـــن اإىل و�سف عملية اإعـــادة انتخاب اأحمدي

جناد بالعمليـــة غري ال�سرعية والطاغوتية)6(. ومـــن جهة اأخرى، ظهرت

اإىل العلن، وب�سكل م�ستمـــر، انتقادات لنظام والية الفقيه اأدىل بها بع�س

املراجـــع املح�سوبني على التيار االإ�سلحي، كما فعل مثل اآية اهلل �سانعي

يف انتقاداتـــه لبع�س اآيات اهلل املحافظني يف قم الذين يدعون اإيل حتويل

»اجلمهورية االإ�سلمية« يف اإيران، اإىل »حكومة اإ�سلمية«، خ�سو�سا بعد

انتخاب اأحمدي جناد رئي�سا الإيران)7(.

- نظـــام واليـــة الفقيـــه فر�س نف�ســـه بالقوة وال�سطـــوة ال�سيا�سيـــة ولي�س

بامل�سروعيـــة والنظرية واحلجة الفقهية، وذلك الأن معظم املراجع، والتي

تفـــوق اخلميني منزلـــة علمية، عار�ستـــه، بل حتى اأنـــه مل يكن هناك يف

امل�سودة االأوىل من الد�ستور التي وقعها اخلميني اأي ذكر لوالية الفقيه)8(.

وعليه، فـــاإن م�ستقبل نظام والية الفقيه �سيبقـــى مرتبطا بنف�س املعادلة،

غـــري اأن اإمكانية التغيري من داخل احلـــوزة العلمية تتطلب وجود مرجعية

تتمتـــع مبوا�سفـــات كاريزميـــة قادرة علـــى ح�سد اجلماهـــري اأو �سخ�سية

�سيا�سية مدعومة من املرجعيات الدينية.

- على عك�س معظم االأنظمة الثورية التي توؤ�س�س حزبا يرتبع على ال�سلطة

ويق�ســـي املعار�سني ال�سيا�سيـــني، اأقدم النظام االإيـــراين على حل حزب

اجلمهوريـــة االإ�سلمية ب�ســـكل تلقائي، وهذا يدل علـــى قابلية التغيري يف

النظام باجتاهات غري متوقعة.

- ا�ستطـــاع احلر�س الثـــوري االإيراين التغلغل ب�سكل كبـــري يف بنى النظام

وال�سيطـــرة علـــى العديد مـــن موؤ�س�ساته، اإىل درجـــة اأن قادتـــه اأ�سبحوا

يواجهـــون قيادات ال�ســـف االأول من الثـــورة اعتمادا علـــى دعم خامنئي

املطلـــق لهم، مـــا ينبئ بـــدور اأكـــرب للحر�س الثـــوري م�ستقبـــل مع وجود

�سلحيات د�ستورية تخوله احلق بالتدخل يف ال�سوؤون ال�سيا�سية الداخلية

)حمايـــة نظام والية الفقيه، واإحباط املوؤامـــرات �سده(. ويبدو اأن رف�س

هـــذا االأخري لعقد ت�سوية �سيا�سية مـــع االإ�سلحيني، وجلوئه اإىل القوة يف

حماولة الإنهاء االأزمة، يرجح اإمكانية ح�سول مواجهات عنيفة م�ستقبل.

وقـــد يقوم احلر�س باغتيال بع�س الرموز االإ�سلحية لردع التيار، وهناك

موؤ�ســـرات على ذلك اأبرزهـــا املحاوالت املتكررة الغتيـــال مهدي كروبي،

والتهديـــد باغتيـــال خامتـــي ومو�ســـوي واالعتـــداء علـــى هـــذا االأخري يف

التجمعات اجلماهريية، واأحكام االإعدام التي وجهت للقيادات الطلبية

بتهمـــة احلرابـــة، ويف كل هـــذه املحـــاوالت مل يتـــم اإيقـــاف املعتدين على

القيادات االإ�سلحية، ما يعني اأنها كانت مدبرة وخمطط لها م�سبقا من

طرف احلر�س الثوري، وم�سندة بفتوى �سرعية كما �سبق اأن اأ�سرنا.

- تخفيف �سروط الت�سدي ملن�سب املر�سد االأعلى من �سرورة توفره على

املرجعيـــة والتقليد التي كانت تتنا�سب مع االإمام اخلميني يف د�ستور �سنة

1979، وتوفر نائبه املعزول اآية اهلل ح�سني علي منتظري على اجلزء الكبري منها، اإىل التنازل عن �سرط املرجعية واالقت�سار على الكفاءة ال�سيا�سية

وما يليهـــا من �سروط)9(. ومن جهة اأخرى، حتدثـــت بع�س االأو�ساط عن

اآية اهلل منتظري ها�سمي رف�سنجاين

Page 42: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 82 83ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

اإمكانيـــة ت�سكيـــل جمل�س �سورى من عدة اآيات اهلل ولي�ـــس اآية اهلل واحدا،

اأي جمل�ـــس مـــن 3 اأو 5 اأ�سخا�ـــس، ليتوىل هو الواليـــة. ويف حالة مر�س اأو

ا�ستقالـــة خامنئي مثـــل)10( قد يفتـــح املجال لعدد اأكرب مـــن املتناف�سني

الطاحمني لل�سلطة، االأمر الذي �سيوؤدي اإىل اندالع �سراع �سديد على عدة

جبهات:

اأ. االأوىل، داخل التيار املحافظ نف�سه، ب�سبب التقارب العلمي وال�سيا�سي

بينهم، وعدم وجـــود �سخ�سية قوية ت�ستطيع ح�ســـم االأمور ب�سكل قطعي،

وكرثة عـــدد رجال الديـــن املحافظـــني يف املوؤ�س�سات، خا�ســـة اأن جمل�س

اخلرباء الذي يكلف بتعيني املر�سد ي�سم ثمانني عامل دين. ومن املوؤ�سرات

على انق�سام التيار املحافـــظ، انتقاد الكثري من رموزه ل�سيا�سات اأحمدي

جناد.

ب. اجلبهـــة الثانيـــة، بني املحافظـــني واالإ�سلحيـــني الذيـــن �سي�ستغلون

فر�سة ال�سراع بني املحافظني بالهجوم على املر�سحني للمن�سب اأو حتى

املر�ســـح الواحد اإذا ما ح�سل اإجماع وتوافـــق داخل التيار املحافظ، ومن

امل�ستبعد اأن يكون مرجعـــا دينيا كبريا، وهذا ما يدعم وجهة نظر الي�سار

االإ�سلحـــي العلماين الذي يطالب باإلغاء والية الفقيه. واإىل جانب ذلك،

ثمـــة من ينادي باإيجاد بع�ـــس القوانني يف الد�ستور تقيـــد �سلطات الويل

الفقيـــه باملوؤ�س�سات املنتخبـــة)11(، وقد ملح لهذا ها�سمـــي رف�سنجاين يف

لقاء مـــع اأئمة اجلمعة واأع�ساء جمل�س خـــرباء القيادة وجممع ت�سخي�س

م�سلحة النظـــام ونواب حاليني و�سابقني يف جمل�ـــس ال�سورى، باالإ�سافة

اإىل بع�ـــس النا�سطـــني ال�سيا�سيـــني يف اإيران وحمافظني ومـــدراء، وذلك

مبنا�سبة ال�سنة الفار�سية اجلديدة، بقوله: »اإن االإمام اخلميني كان يعترب

جمل�س ال�ســـورى االإ�سلمي اأ�سا�سا ل�سيادة ال�سعـــب يف النظام االإيراين«،

م�سيفا »اإن املجل�س �سلطة »قوية«، اإذ ا�ستطاع اأن ي�سن العديد من القوانني

»املهمة« يف البلد على اأ�سا�س اآراء االإمام والقيادة والد�ستور«)12(.

اإ�سافـــة اإىل ذلـــك، فـــاإن وجـــود رف�سنجـــاين علـــى راأ�ـــس املجل�ـــس يجعل

االإ�سلحيـــني يف مركـــز قـــوة، وقـــد �سبـــق اأن دعمه بع�ـــس املحافظني يف

انتخابـــات رئي�س جمل�ـــس اخلرباء على ح�ساب املر�ســـح املحافظ اآية اهلل

م�سباح يزدي، واأبرزهم تلميذه حجة االإ�سلم حم�سن غرفيان)13(. ويف

دولـــة ي�سار اإىل اأكرب انتماء �سيا�سي فيها با�سم »حزب الرياح« على �سبيل

الدعابة، فاإن اأن�سار خامنئي احلاليني ميكنهم اأن يتخلوا عنه ب�سرعة اإذا

�سعروا بهبوب رياح �سيا�سية اأقوى يف مكان اآخر)14(.

ج. اأمـــا اجلبهـــة الثالثة، فهي بـــني املحافظني واملرجعيـــات الدينية التي

قـــد ترفع غطاء ال�سرعية عـــن املر�سد املر�سح اأو املعني، وهناك من يتوقع

بـــاأن يكون املر�سد القادم مـــن طهران ولي�س من قـــم)15(، خا�سة اإذا ما

ترافـــق ذلك مع احتجاجات ومعار�ســـة �سعبية ومظاهرات يحركها التيار

االإ�سلحي، علما اأن طريق املر�سد علي خامنئي مل يكن �سهل، ومع خلفه

�سيكـــون اأكرث �سعوبة بالتاأكيد، وحتى رجـــال الدين املوجودين يف طهران

- رغـــم ن�ساأتهم يف قم - اإال اأنهم اأ�سبحـــوا مرتبطني بال�سيا�سة اأكرث من

الدين.

- تعامـــل النظـــام مع االإ�سلحيـــني ككل مركـــب وعدم ا�ستثنـــاء اأي تيار

منهـــم يف اأزمـــة االنتخابـــات الرئا�سيـــة، �ساعد على توحدهـــم وتكاتفهم

خا�ســـة مـــع ها�سمـــي رف�سنجاين الـــذي كان ي�سنف على اأنـــه ينتمي اإىل

التيار الرباغماتي، وقد �سكلوا بذلك جبهة قوية، ال�سيما بعد ان�سم اإليهم

العديد من رجال الدين يف قم من املوؤيدين للجمهورية االإ�سلمية والذين

لهـــم حتفظات على بع�س ممار�سات ال�سلطة فقـــط، ومع هذا مل ي�ستثنوا

اأي�سا من بط�س النظام مثل اآية اهلل حممد تقي خلجي)16(.

- يوؤثـــر الريـــع النفطـــي ب�ســـكل �سلبـــي يف �سيا�ســـات النظـــام االإيـــراين،

حيـــث تربـــط نظرية الدولـــة الريعية علقـــة مبا�سرة بني الريـــع النفطي

والديكتاتوريـــة؛ ذلـــك اأن الدولـــة عندمـــا ال ترغـــم املواطنـــني علـــى دفع

ال�سرائب، فاإنها يف احلقيقة ال تكون م�سطرة الإجراء ت�سويات مع خمتلف

الفئات االجتماعية مما ي�سجع على قيام نظام ديكتاتوري، وحتول و�سائل

الدولـــة القمعية ب�سكل خا�ـــس دون اأي انفتاح دميقراطـــي. كما اأن اإعادة

توزيـــع الريع النفطي �سجع قيـــام نظام ا�ستلزامي )زبائنـــي(، بحيث اأن

الدعـــم ال�سيا�سي الذي تقدمه فئة اجتماعية يتوقف جزئيا على املكا�سب

املالية التي جتنيها منه)17(.

الويل الفقيه وحدود الف�ساد ال�سيا�سي ين�سب

اإىل االإمـــام اخلمينـــي قولـــه »اإذا مـــررت مبعمـــم فا�سد فل تقـــل »معمم

فا�ســـد«، واإمنا قـــل »فا�سد تعمـــم««، ويف هذا اإقرار مـــن اخلميني بوجود

علمـــاء ديـــن فا�سدين، وهذا اأمـــر بديهي. كما اأنه يف عـــامل ال�سيا�سة من

امل�سلمـــات التـــي ت�سرعن يف بع�ـــس االأدبيـــات ال�سيا�سية حتـــت م�سميات

خمتلفـــة كامل�سلحة العليـــا، اأو امل�سلحة ال�سخ�سية اأو النفـــوذ ال�سيا�سي

وغريهـــا من امل�سطلحات. وعندمـــا ي�سيطر رجال الدين على ال�سلطة يف

اإيـــران، ويف ظـــل تعدد موؤ�س�سات �سنع القرار التـــي ي�سرف عليها اأو يكون

اأع�ســـاء فيها رجال الدين، فاإن حاالت الف�ساد تكون كثرية واآثارها كبرية

جـــدا وتنعك�س مبا�سرة على املجتمع؛ فهناك فرق كبري بني �سيا�سي فا�سد

وعامل دين فا�سد.

ومن بني اخل�سائ�ـــس التي متيز النظام ال�سيا�ســـي االإيراين، يف �سورته

احلالية، عن غريه من االأنظمة - اإ�سافة اإىل من�سب املر�سد واالزدواجية

املوؤ�س�ساتيـــة وغريهـــا من اخل�سائ�ـــس – اأن نظامـــه الق�سائي توجد به

حماكم خم�س�سة لرجال الدين بو�سفها فرع من فروع الق�ساء اخلا�س.

وقـــد اأن�سئت هـــذه املحكمة ملواجهـــة جتـــاوزات بع�س رجـــال الدين التي

هـــددت م�سداقية النظام االإيراين نف�سه، مثل جتـــاوزات اآية اهلل �سادق

خلخايل الذي اتهم بالر�ســـوة وانتهاك العدالة، حتى اأن التدقيق يف ملف

96 �سخ�ســـا من بني 98 �سخ�سا حكم عليهم خلخايل باالإعدام، قد اأ�سفر عـــن براءتهـــم، كما اأثبت اأن تهمـــة االثنني االأخرييـــن ال ت�ستوجب احلكم

عليهما بعقوبة االإعدام.

لت اأوىل هـــذه املحاكم يف بدايـــة الثورة برئا�سة اآيـــة اهلل اآذري، وقـــد �سكر

اإال اأن جتاوزاتهـــا جتـــاه املخالفني يف الـــراأي من داخـــل املوؤ�س�سة الدينية

ومـــن خارجهـــا حدت باآية اهلل منتظري على حلهـــا يف عام 1984، قبل اأن

يتمكـــن ري�سهري من اإبطال هذا احلـــل وال�سعي لدى الرئي�س – اآنذاك -

علي خامنئي ال�ست�سدار مر�ســـوم جديد من اخلميني يق�سي با�ستئنافها

العمـــل وتروؤ�سه )اأي ري�سهري( لها. وهكذا ارتبطت املحكمة منذ البداية

بخلفات بني عنا�سر النخبة احلاكمة، وتطورت على النحو نف�سه)18(.

وتتمثـــل اخت�سا�ســـات هـــذه املحكمة بالنظـــر يف املو�سوعـــات والق�سايا

التالية:

اأ. التاآمر �سد القيادة اأو توجيه االإهانات اإليها من قبل رجال الدين.

ب. كل الت�سرفات واالأعمال غري ال�سرعية التي يرتكبها رجال الدين.

ج. كافة املنازعات املحلية املخالفة للأمن العام التي يكون اأحد اخل�سوم

فيها من رجال الدين.

املراقب ال�سرتاتيجي

د. جميع الق�سايا التي تدعو القيادة اإىل النظر فيها.

وقد جعل القانون اأحكام هذه املحكمة نهائية اإال يف ثلثة ا�ستثناءات، كما

اأن املحكمة العليا للبلد ال متلك اأي نوع من االإ�سراف على حمكمة رجال

الديـــن. وتر�سح االأخرية للمتهمني حمامني يختارون من بينهم من يدافع

عنهـــم، ما جعل اخت�سا�سات املحكمـــة ف�سفا�سة والتي تثبت لها بتخويل

القيـــادة احلـــق يف اأن حتيل عليهـــا ما ت�ساء من ق�سايـــا، وهذا هو املدخل

الـــذي �سمح مبحاكمـــة ال�سحفيني اأمام حمكمة رجـــال الدين. وقد ف�سر

ل مكاتـــب االإدعاء اخلا�سة باملحكمة - لي�س البع�ـــس املادة )25( التي تخور

فقـــط احلق يف تعيني ق�ساة التحقيق، لكن كذلك تنفيذ اأحكام املحكمة -

بـــاأن للمحكمة قوات اأمنها اخلا�سة و�سجونهـــا امل�ستقلة. ووفق املادة )45(

ول من خزانة التـــي ت�سري اإىل امليزانية اخلا�سة للمحكمة يلحظ باأنها مت

الدولـــة. مع العلم باأن مداوالت املحكمة تتم يف �سرية تامة، وقد باءت كل

م�ساعي دجمها يف الق�ساء العام بالف�سل.

يرتبـــط رجال الدين من جانب اآخر بالبـــازار، الذي يعترب امل�سدر املايل

الـــذي ا�ستطاعـــت بف�سله احلوزة العلميـــة اال�ستمراريـــة واملحافظة على

ا�ستقلليتهـــا عـــن ال�سلطة ال�سيا�سية عـــرب التاريخ. وقـــد ارتبطت ثورتي

1905 و1979 ب�سكل كبري بعوامل اقت�سادية من اأهمها القرارات احلكومية التي كانت توؤثر �سلبا يف م�سالح البازار، وبالتايل احلوزة العلمية ) زكاة

اخلم�س(، لـــذا فقد وقف رجال الدين اإىل جانب البـــازار �سد القرارات

احلكوميـــة التي اأ�ســـرت مب�ساحلهـــم. وقد اأقـــرت بع�ـــس االأ�سوات من

داخـــل احلوزة بهـــذه العلقة، اإذ يقول اآية اهلل مطهـــري »اإذا اأردنا حوزة

نقية فلنقطـــع العلقة بني رجال الدين والبـــازار«)19(. والوا�سح اأن هذا

التداخـــل يف امل�سالح بني الطرفني يوؤكد اأي�ســـا على ا�ست�سراء الف�ساد يف

احلوزة العلمية.

كما اأن من بني خ�سائ�س النخبة ال�سيا�سية يف النظام االإيراين، خا�سية

العائلية والقرابة، اإذ ت�سيطر الكثري من ال�سخ�سيات من العائلة الواحدة

على موؤ�س�سات واأحزاب، وقد كانت هذه اخلا�سية اأحد االأ�سباب الرئي�سية

يف ا�ست�ســـراء الف�ســـاد ال�سيا�ســـي داخل اأبنيـــة النظام االإيـــراين اأجهزته

وموؤ�س�ساتـــه. واملعروف يف هـــذا االإطار، اأن االتهامـــات مل ت�ستثن موؤ�س�س

اجلمهورية االإ�سلمية )االإمام اخلميني( ب�سبب املمار�سات القمعية التي

كان يقوم بها موؤيدوه �سد خ�سومه ال�سيا�سيني الذين وقفوا اإىل جانبه يف

مواجهته مع ال�ساه حتى االإطاحة به، ليطلق بعدها العنان للحر�س الثوري

الذي قـــام باإعدام الكثري منهم يف املحاكم الثوريـــة اأو عن طريق جرائم

االغتيال ال�سيا�سي وهي – براأي البع�س – من اأ�سنع �سور الف�ساد. وهناك

العديد مـــن املراجع و تقارير حقوق االإن�سان التي حتدثت عن االنتهاكات

التـــي ميار�سها النظام يف اإيران منـــذ اأيامه االأوىل، وقد طالت االتهامات

حتى املر�سد احلايل للثورة االإ�سلمية على خامنئي، والذي حتدثت بع�س

التقاريـــر عند اإعلن نباأ تدهور �سحتـــه عن احتمال اأن يكون ابنه هو من

�سيخلفه يف من�سب املر�سد.

ويوؤكد املتابعون لل�ساأن االإيراين اأنه �سمن احللقة ال�سيقة التي حتكم اإيران

حاليـــا يوجد ابني املر�سد )جمتبي خامنئي واأحمد خامنئي( )20(. زيادة

علـــى ذلك، فقد كان ال�سبب يف عدم مثول هادي خامنئي، �سقيق املر�سد،

اأمـــام حمكمـــة رجال الدين، وذلك على عك�س عبـــد اهلل نوري الذي �سوؤل

عن �سبب مثوله اأمام حمكمة رجال الدين التي يطعن يف د�ستوريتها، فيما

رف�س خامنئي املثول اأمامها لل�سبب ذاته، فاأجاب بقوله »ذلك كان هادي

خامنئـــي، وا�سمـــي عبد اهلل نـــوري«)22(. وقد اتهم املعار�ـــس االإ�سلحي

مهدي كروبي يف ر�سالته االأوىل للمر�سد ابنه جمتبى خامنئي، بالتورط يف

�سبكة دعم اأحمدي جناد يف رئا�سيات 2005 وطالبه بفتح حتقيق يف االأمر،

يف حالــة مر�ــص اأو ا�ستقالــة خامنئي قــد يفتح املجال لعــدد اأكرب من املتناف�ســن الطاحمن لل�سلطــة، الأمر الذي

�سيــوؤدي اإىل اندلع �ســراع �سديد على عدة جبهــات:الأوىل، داخل التيار املحافظ نف�ســه؛ والثانية بن املحافظن

والإ�سالحيــن؛ اأمــا اجلبهة الثالثــة، فهي بن املحافظن واملرجعيــات الدينية التي قد ترفع غطــاء ال�سرعية عن

املر�سد املر�سح اأو املعن، وهناك من يتوقع باأن يكون املر�سد القادم من طهران ولي�ص من قم

Page 43: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 84 85ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

كمـــا طالبه يف ر�سالة مفتوحة اأخـــرى بالتدخل لوقف بع�س قوات احلر�س

الثوري وامل�سئولني مـــن التدخل غري القانوين يف االنتخابات)22(. اإ�سافة

اإىل ذلـــك، حتدثت بع�س التقارير عن وجـــود �سبهة موؤامرة يف ملب�سات

وفـــاة اأحمد خميني اأي�سا، والتي قيـــل اإنها جاءت نتيجة اأزمة قلبية، حتى

اأن اأحد التقارير ال�سحفية ذكر اأن هناك اأدلة على اأن اأحمد خميني مات

م�سموما، لكن طبيب اأحمد خميني قتل يف بيته قبل اأن ي�ستطيع املحققون

اال�ستمـــاع الأقواله. واأ�ســـارت ال�سحف االإيرانية اإىل اأنـــه مل يكن مرتاحا

.لقيادة املر�سد االأعلى علي خامنئي)23(

هذه النمـــاذج من الف�ساد ال�سيا�سي رمبا تكون فقط قمة اجلبل اجلليدي

ومـــا خفـــي كان اأعظم، وقد يكون مـــا تتداوله االأو�ســـاط ال�سيا�سية داخل

اأروقـــة احلكم اأكرب بكثري، وكل طرف بـــات يتحني الفر�سة لت�سويه �سورة

مناف�سه. وبالتاأكيد ال تخرج اتهامات اأحمدي جناد ورموز التيار املحافظ

لرف�سنجـــاين واأبنائـــه بالف�ســـاد ال�سيا�سي عن هـــذا ال�سيـــاق، ما ا�سطر

خامنئـــي للتدخل لنفي تلك التهم عنـــه دون اأن يعني ذلك اأن رف�سنجاين

بريء منها، ولكن الراجح اأن هذا االأخري قد يكون لديه – بدوره - ملفات

ف�ساد �سد خامنئي نف�سه؛ فهو رفيقه من قبل جناح الثورة، وكانا ع�سوين

معـــا يف املجل�س الثوري بعد جناحهـــا، وباقي تاريخهما ال�سيا�سي معروف

ودرجة قرب الرجلني من بع�سهما البع�س توؤكد ذلك.

علـــى اأنه رغم حماولة خامنئـــي هذه، اإال اأن الهجوم علـــى رف�سنجاين ما

زال م�ستمـــرا يف �سياق جتاذبات اأزمة االنتخابـــات االأخرية، حيث اأ�سدر

عبـــد الر�ســـا داوري، املديـــر العام لوكالـــة االأنبـــاء االإيرانيـــة الر�سمية،

تعليمـــات بفر�س قيود علـــى ن�سر اأخبار رئي�س جممـــع ت�سخي�س م�سلحة

النظـــام ها�سمي رف�سنجاين، واحلد من ن�سر �ســـوره اإىل اأن متنع نهائيا.

وكان داوري اأ�ســـدر اأوا�سط كانون االأول/دي�سمـــرب املا�سي تعليماته هذه

اإىل حمـــرري الوكالة، م�سيفـــا اإليها اأال مينح رف�سنجـــاين لقب »اآية اهلل«

واأن يذكر بدال مـــن ذلك ب�سفة »حجة االإ�سلم« فقط، واأال تذكر وظيفته

كرئي�س جمل�س اخلرباء املعنـــي بتعيني الويل الفقيه وعزله، وهو من�سب

ح�ســـل عليـــه عرب االنتخـــاب، واالكتفـــاء بذكـــر من�سبـــه كرئي�س جممع

ت�سخي�س م�سلحة النظـــام، وهو من�سب عينه فيه املر�سد علي خامنئي،

مـــا ي�ســـري اإىل وجـــود نوايـــا الإق�سائـــه تدريجيا مـــن املعادلـــة ال�سيا�سية

االإيرانيـــة بناء على تعليمات مبا�ســـرة من الرئي�س حممود اأحمدي جناد،

ويف �ســـوء تقريـــر اأعده وزيـــر اال�ستخبـــارات حيدر م�سلحـــي اقرتح فيه

التخل�ـــس من رف�سنجـــاين �سيا�سيا، بعد جتاوزه حمنـــة اإبعاده عن اإمامة

�ســـلة اجلمعة وعودته جمـــددا اإىل لعب دور الو�سيـــط املعتدل يف االأزمة

الداخلية املتفاقمة.

مـــن جانب اآخر، دعـــا رئي�س كتلة »الثورة االإ�سلميـــة« روح اهلل ح�سينيان

اإىل اأن ت�ستعني اإيران بال�سرطة الدولية )االنرتبول( العتقال مهدي جنل

ها�سمـــي رف�سنجـــاين وجلبه من لندن. وجاءت دعـــوة ح�سينيان، وهو من

املتهمـــني بال�سلـــوع يف قتـــل مثقفـــني و�سحافيني يف عهـــد الرئي�س حممد

خامتـــي عـــام 1999، بعد ثلثـــة اأيام من اإعـــلن رئي�س حماكـــم طهران

علـــي ر�سا اآوائـــي اأن املحكمة فتحـــت بالفعل ملفا لفائـــزة ومهدي جنلي

رف�سنجاين، واأكد اأنه �سيتم قريبا جدا ملحقتهما ق�سائيا بتهمة الف�ساد

والتحري�س علـــى اال�سطرابات التي اندلعت بعـــد االنتخابات الرئا�سية.

ويذكـــر بع�س املراقبني اأن رف�سنجـــاين واأ�سرته يتعر�سون لـ«حملة ت�سويه«

وا�سعـــة ومنظمة، بـــداأت قبل االنتخابـــات الرئا�سية عـــام 2005، و�سارك

فيهـــا قـــادة يف احلر�س الثـــوري والبا�سيج واأع�ساء مت�ســـددون يف جمل�س

اخلـــرباء، اإذ اعتـــربوه مف�ســـل ارتكاز يعتمـــد عليه زعمـــاء االإ�سلح يف

اإثارة »اال�سطرابات«، واتهموه بالتواطوؤ مع »روؤو�س الفتنة للنقلب على

النظام«)24(.

وال �ســـك يف اأن هذه الطريقة يف التعامل مـــع اخل�سوم ال�سيا�سيني لي�ست

جديـــدة، واأن رف�سنجاين لي�س اأول �سحاياهـــا؛ فقد �سبق اأن اأعفي ح�سني

علـــى منتظري مـــن قبل االإمام اخلميني بعد قيـــام الثلثي )رف�سنجاين،

خامنئي، واأحمد اخلميني( بالتاأثري فيه. وقد رف�س هذا االأخري منا�سدات

منتظري لـــه باإطلق �سراح �سهره الذي اتهـــم بالعمالة للواليات املتحدة

واأعـــدم، يف حـــني اأرجع منتظـــري االأ�سبـــاب احلقيقية لذلـــك اإىل ك�سف

مهدي ها�سمي عـــن زيارة مكفارلني م�ست�سار الرئي�ـــس االأمريكي االأ�سبق

رونالـــد ريجـــان لطهران عـــام 1986، والتـــي اأ�سفرت عن �سفقـــة »اإيران

غيـــت« التي ح�سلت اإيران مبوجبهـــا على اأ�سلحة اأمريكيـــة اأثناء احلرب

مـــع العراق. كما اأن الطريقة التي اأبعد بها منتظري عن ال�سلطة مور�ست

قبله مـــع حممد �سريعتمداري جنل اآية اهلل �سريعتمـــداري، ومع اأوالد اآية

اهلل طالقـــاين، وهو مـــا �ساهم يف حتييد هاتـــني ال�سخ�سيتني من احلياة

ال�سيا�سية)25(.

املراقب ال�سرتاتيجي

تعامل النظام مــع الإ�سالحين ككل مركب

اأزمــة يف منهــم تيــار اأي ا�ستثنــاء وعــدم

النتخابات الرئا�سية، �ساعد على توحدهم

وتكاتفهــم خا�سة مع ها�سمــي رف�سنجاين الذي كان

ي�سنــف على اأنه ينتمي اإىل التيار الرباغماتي، وقد

�سكلــوا بذلك جبهة قوية، ل�سيما بعــد ان�سم اإليهم

العديد من رجال الدين يف قم

،،

الهوامــ�ص والإحـــالت

)1( ح�سن امل�سطفى، »االنتخابات الرئا�سية االإيرانية:

قراءة يف الواقع وامل�ستقبـــل«، امل�ستقبل العربي، العدد

269، متوز/يوليو 2001، �س 19.

)2( طـــلل عرتي�سي، اجلمهوريـــة ال�سعبة: اإيران يف

حتوالتها الداخلية و�سيا�ساتها االإقليمية )بريوت: دار

ال�ساقي، 2006(، �س 193.

)3( م�سطفـــى اللباد، حدائق االأحـــزان: اإيران ووالية

الفقيه )القاهرة: دار ال�سروق، 2008(، �س 296.

)4( توفيـــق ال�سيف، »منـــوذج الدولـــة االإ�سلمية عند

التيـــار املحافـــظ يف اإيران«، جملة الكلمـــة، العدد 51،

.2006

)5( لتف�سيـــل اأكرث حول هذا املو�ســـوع، اأنظر: خمتار

االأ�ســـدي، اأزمـــة العقـــل ال�سيعـــي )بـــريوت: االنت�ســـار

العربي، 2009(، �س321.

)6( جمـــال عبد الكـــرمي اأيوب، »املحافظـــون واختيار

املر�سد االأعلى القادم«، القد�س العربي، 2010/3/4.

)7( حـــوار اآية اهلل �سانعي مع �سحيفة ال�سرق االأو�سط

اللندنية، 2007/3/17.

)8( حوار اإبراهيم يـــزدي مع �سحيفة ال�سرق االأو�سط

اللندنية، 2007/3/21.

)9( نيفـــني م�سعـــد، �سنع القرار يف اإيـــران والعلقات

العربية – االإيرانية )بـــريوت: مركز درا�سات الوحدة

العربية، 2005(، �س 80.

)10( حوار اإبراهيم يزدي مع �سحيفة ال�سرق االأو�سط

واحلقيقـــة اأن ق�سايـــا الف�ساد ال�سيا�ســـي باتت توؤثر يف النظـــام االإيراين

ب�ســـكل �سلبـــي، وقد تكون لهـــا انعكا�سات خطرية خ�سو�ســـا اإذا ما علمنا

اأن الف�ســـاد هو ال�سبب الرئي�ســـي يف زوال االأنظمة عرب التاريخ. ويف حالة

النظام االإيراين، �ستكون االنعكا�ســـات ماثلة يف ناحيتني: اأوالهما، تاأليب

الراأي العام �سد النظام وتو�سيع املعار�سة ال�سعبية له، خا�سة مع توا�سل

التدهور االقت�سادي واإمكانية فر�س عقوبات جديدة على طهران تلوح بها

اأمريكا واالإحتـــاد االأوروبي وال متانعها رو�سيا، وما ينجر عليها من �سعف

يف القـــدرة ال�سرائيـــة لدى املواطن االإيـــراين. اإ�سافـــة اإىل ذلك، طريقة

تعاطـــي النظام مـــع اأزمة االنتخابـــات الرئا�سية االأخرية، مـــا ير�سخ تلك

املواقف �ســـده، وحتى القاعدة الفقرية )اأربعـــون مليون مواطن اإيراين(

التي يغلب عليها التدين، والتي يتكئ عليها النظام وي�ستمد منها �سعبيته،

قد تنقلب عليه اإذا ما وقفت جل املراجع �سد النظام.

والناحيـــة الثانية تتبدى يف كرثة ق�سايا الف�ساد وامللفات التي ميتلكها كل

طرف �سيا�سي �سد خ�سمه، اإذ باإمكانها اأن توؤجج التناف�س غري ال�سريف

واحلـــرب االإعلمية بني املت�سارعني مـــن خلل ك�سف تلك امللفات للراأي

العـــام، بـــل اإن ال�سراع قـــد ي�سل اإىل درجـــة االغتيـــاالت ال�سيا�سية وهو

اأمـــر معهود يف ال�سيا�سة عمومـــا ويف االأنظمة العامل ثالثية خ�سو�سا، ويف

النظام ال�سيا�سي االإيراين ب�سكل اأكرث خ�سو�سية، نظرا لتاريخه احلافل

بها حتـــى اأن اأحمد عبد القـــادر ال�ساذيل األف كتابـــا عنوانه »االغتياالت

ال�سيا�سيـــة يف اإيـــران«، يتحـــدث يف الف�ســـل الرابع منه عـــن االغتياالت

ال�سيا�سية التي ح�سلت بعد الثورة االإ�سلمية، وملحقة جهاز املخابرات

االإيـــراين للمعار�سني ال�سيا�سيني يف اخلـــارج. ومع اأن املوؤلف يتوقف عند

منت�سف الت�سعينيات، فـــاإن م�سل�سل االغتياالت ا�ستمر يف الداخل ليطال

ال�سحفيـــني والكتاب واملفكريـــن واأ�ساتذة اجلامعات مـــن االإ�سلحيني،

وغريهم.

خال�ســة مل يبالـــغ م�سطفـــى اللبـــاد، اخلبـــري

امل�ســـري يف ال�سوؤون االإيرانيـــة، بقوله اإن الثابت االأكـــرب بالن�سبة للنظام

ال�سيا�ســـي احلـــايل يف اإيران هـــو �سرورة ا�ستقـــرار دولة »واليـــة الفقيه«

اإىل قيـــام ال�ساعة ويوم احل�ســـاب، اأو بتعبري اأدق اإىل غايـــة ظهور االإمام

الثاين ع�سر ليقيم دولة العدل وفق الت�سور ال�سيعي االثني ع�سري. لهذا،

فـــاإن املحافظني يف اإيـــران �سيميلون دائما اإىل القـــوة والرتهيب مبختلف

الو�سائل عند �سعورهم باخلطر الداهم على النظام، خا�سة مع ا�ستمرار

ال�سغوط الغربية عليه.

وعليـــه، فـــاإن م�ستقبل والية الفقيـــه ال يبدو مرتبطا باأفـــكار االإ�سلحيني

التغيرييـــة بقدر ما هو مرتبط بقدرة املحافظني على حتقيق اإجنازات يف

م�ستـــوى تطلعات املجتمع االإيراين، وهذا اأمر �سعب للغاية نظرا للم�ستوى

املعي�ســـي الـــذي يطمـــح اإليـــه ال�سبـــاب االإيراين علـــى وجـــه اخل�سو�س،

وحماولتهم جمـــاراة النمط املعي�سي الغربي؛ فاإيـــران لي�ست ا�ستثناء من

العامل، والعوملة مل تعد تعرف حدودا، وال يبدو يف االأفق القريب واملتو�سط

اأن املحافظـــني قادرين علـــى تلبية ذلك الطموح يف ظـــل اأو�ساع طبيعية،

اأمـــا اإذا اأ�سيف لها م�ساكل االقت�ســـاد االإيراين، واحتمال فر�س عقوبات

جديـــدة مهمـــا كانت ذكية علـــى اجلمهورية االإ�سلمية، فاإنهـــا �ستوؤثر يف

خمتلـــف فئـــات ال�سعـــب االإيراين ب�ســـكل كبـــري، الأن ا�ستهـــداف احلر�س

الثـــوري - الذي ي�سيطر علـــى ن�سبة كبرية من االقت�ساد االإيراين - معناه

ا�ستهداف ال�سعب باأكمله.

كما اأن موقف االأقليات يف اإيران من النظام هو نف�س املوقف الذي اتخذته

من نظام ال�ساه، وذلك الأن واقعها االجتماعي

بـــل تتح�ســـن مل ال�سيا�سيـــة وحقوقهـــا

ازدادت �ســـوءا. واإذا كان اال�سطهـــاد يف

املا�ســـي قـــد مت عـــزوه اإىل الديكتاتوريـــة

والتع�سب القومـــي والعلمانيـــة املت�سددة، فاإن

املمار�ســـات احلاليـــة متار�س با�ســـم الدين، مـــا يجعل املعار�ســـة لنظام

املـــليل اأ�سد من نظام ال�ســـاه. علوة على ذلك، ميكن القول اإن ال�سراع

القائم علـــى املرجعية �سينعك�س �سلبا على التجمعـــات ال�سيعية يف الوطن

العربـــي، خا�ســـة يف ظـــل املمار�ســـات ال�سيا�سيـــة التي يقوم بهـــا النظام

االإيـــراين، وارتفاع اأ�سوات من داخل احلـــوزة العربية تنتقد نظرية والية

الفقيه والنظام على حد �ســـواء، م�ستخدمة االأحداث ال�سيا�سية يف اإيران

لدعم وجهة نظرها.

ومع اأن جممل امللحظات ال�سابقة تبني مرونة النظام ال�سيا�سي يف اإيران

واإمكانيـــة التغيـــري الن�سبـــي، اإال اأن الراجـــح هو مراوحـــة االأزمة احلالية

مكانهـــا يف ظل والية املر�سد احلايل علـــي خامنئي، الذي �سيظل - بحكم

�سلطاتـــه املطلقة وكونه »ويل الفقيـــه« - هو من �سيحدد اجتاهات التغيري

يف اإيران، كما م�ستقبل البلد ال�سيا�سي.

م�ستقبــل وليــة الفقيــه ل يبــدو مرتبطا

باأفــكار الإ�سالحيــن التغيرييــة بقــدر مــا

هــو مرتبط بقدرة املحافظــن على حتقيق

اإجنــازات يف م�ستــوى تطلعــات املجتمــع الإيــراين،

وهذا اأمر �سعب للغاية نظرا للم�ستوى املعي�سي الذي

يطمح اإليه ال�سباب الإيــراين على وجه اخل�سو�ص،

وحماولتهم جماراة النمط املعي�سي الغربي

،،

اللندنية، 2007/3/21.

)11( قناة العربية، 2010/4/6.

)12( حجـــة االإ�ســـلم حم�ســـن غرفيان يف حـــوار مع

�سحيفة ال�سرق االأو�سط اللندنية، 2007/3/18.

)13( املرجع نف�سه.

)14( املرجع نف�سه.

)15( كـــرمي �سادجابور، »م�ستقبـــل خامنئى الغام�س:

طريـــق من الوحدة اأمـــام املر�سد االأعلـــى يف اإيران«،

املجلة، 2010/1/29.

)16( مهـــدي خلجي، »اآيـــة اهلل ذو تفكري ثوري: كيف

ذهـــب والدي مـــن �سجن ال�ساه اإىل �سجـــن خامنئي«،

معهـــد وا�سنطن ل�سيا�سات ال�ســـرق االأدنى، 19 كانون

الثاين/يناير 2010.

)17( تيـــريي كوفيـــل، اإيـــران الثورة اخلفيـــة، ترجمة

خليـــل اأحمد خليل )بـــريوت: دار الفارابـــي، 2008(،

�س323.

)18( نيفني م�سعد، مرجع �سبق ذكره، �س 125.

)19( املرجع نف�سه، �س 147.

)20( حـــوار حم�ســـن اله كديـــور مع �سحيفـــة ال�سرق

االأو�سط اللندنية، 2007/3/19.

)21( نيفني م�سعد، مرجع �سبق ذكره، �س184.

)22( ال�سرق االأو�سط، 2007/3/20.

)23( كاميليـــا انتخابـــي - فـــارد، »خامنئـــي �ســـوف

ي�سقط!«، العربية نت، 2009/12/27.

�لتايل

ديناميات �ل�سر�ع

�ل�سومايل وفر�س حلحلته

بقلم: عطية عي�شوي

Page 44: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 86 87ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

املراقب ال�سرتاتيجي

فو�ضى

يف مقدي�ضوديناميات ال�سراع ال�سومايل، وتداعياته، وفر�ص حلحلته

على العك�س من معظم ال�سعوب االأفريقية، ينتمي اأبناء ال�سعب ال�سومايل اإىل عرق واحد هو العرق ال�سومايل،

ودين واحد هو االإ�سلم، ومذهب واحد هو ال�سافعي، ومع ذلك عجزوا عن االتفاق الإنهاء احلرب االأهلية التي

راح �سحيتهـــا ن�ســـف مليون اإن�ســـان منذ االإطاحة بنظام حكـــم �سياد برى قبل نحو 19 عامـــا، اأو حتى تنفيذ

مـــا اتفقـــوا عليه. فكلما اتفقوا علـــى �سيء بعد مفاو�سات طويلة و�ساقة ال يلتزمـــون بتنفيذه، اأو على افرتا�س

ح�ســـن النيـــة مل ي�ستطيعوا التنفيذ. فقد اأبرمـــوا نحو 16 اتفاق م�ساحلة، و�سكلـــوا 14 حكومة انتقالية خلل

تلـــك الفرتة لكنهـــا انهارت اأو بقيت عاجزة عن اجناز الهدف منها، وهو وقـــف االقتتال وم�ساعدة امل�سردين

واللجئـــني للعودة اإىل ديارهم واإعادة بناء مرافق الدولة املنهارة بالتعاون مع اجلهات املانحة وقيادة البلد

نحو انتخابات حرة ونزيهة الختيار رئي�س وبرملان لدولة دميقراطية احتادية، تتقا�سم فيها احلكومة املركزية

ال�سلطـــة مع حكومات االأقاليم مع احلفاظ على تقاليد املجتمعات القبلية يف اإدارة �سوؤونها املحلية. اأبرز هذه

االتفاقيات: اأدي�س اأبابا 1993، والقاهرة 1997، وعرتا )جيبوتي( 2000، ونريوبي 2004.

ويبدو اأن ال�سوماليني ال يتعلمون الدر�س وي�سع الكثريون منهم م�ساحلهم ال�سخ�سية والقبلية فوق م�سلحة

الوطن. وهكذا يكرر التاريخ نف�سه؛ فمثلما رف�س اجلرنال فارح عيديد رئي�س املوؤمتر ال�سومايل املوحد

فو�ضى

يف مقدي�ضو

عطيه عي�سوي �سحفي م�سري متخ�س�س يف ال�سوؤون االأفريقية.

عطيه عي�سوي[email protected]

Page 45: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 88 89ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

)الربملـــان املوؤقت( تن�سيب غرميه التقليـــدي على مهدي رئي�سا انتقاليا

للدولـــة ملدة عامني بعد االإطاحـــة ب�سياد برى وهروبه من مقدي�سو يوم 27

كانـــون الثاين/ينايـــر 1990، برغم اأن مهدي وعيديـــد ينتميان اإىل قبيلة

واحـــدة هـــي )هويـــه(، واإن كان االأول ينتمي لفرع »اأبجـــال« والثاين لفرع

»هربجيـــدر«، فـــاأدى ذلـــك اإىل ا�ستئناف احلـــرب االأهليـــة. رف�س ح�سن

طاهر عوي�ـــس زعيم احلزب االإ�سلمي املعار�س تـــويل �سيخ �سريف �سيخ

اأحمد رئا�سة البلد، مع اأنهما كانا يقودان معا تنظيم املحاكم االإ�سلمية

قبـــل اأن يفرتقا يف اإريرتيا وينف�سل كل منهما بجناح من املحاكم، اندمج

اأحدهما فى احلكومة االنتقالية والثاين يف احلزب االإ�سلمي. وا�ستمرت

احلرب حتى بعد ان�سحاب القوات االإثيوبية فى كانون الثاين/يناير 2009

واكتفـــت اإثيوبيا بالتوغل الع�سكـــري يف االأرا�سي ال�سومالية من حني اإىل

اآخر قرب احلدود امل�سرتكة الإبعاد املتمردين املت�سددين ومنعهم من �سن

هجمـــات على اأرا�سيها اأو الت�سلل اإليها للقتال مع متمردي اإقليم اأوغادين

ذي االأغلبية ال�سومالية الذي اقتطعه امل�ستعمرون االإجنليز من ال�سومال

و�سموه اإىل اإثيوبيا العام 1945 مكافاأة لها على دعمهم يف �سراعهم على

النفوذ مـــع امل�ستعمرين الفرن�سيني وااليطاليني يف �ســـرق اأفريقيا وخليج

عدن.

حمركات ال�سراع ومغذياته الو�سع احلايل يف ال�سومال

ال يب�ســـر بخري قريب. فما زالت اأطراف االأزمـــة مت�سبثة مبطالبها لوقف

القتـــال والدخـــول فى مفاو�ســـات، ومعظمهـــا مطالب تعجيزيـــة ي�سعب

تلبيتهـــا، هذا اإذا كانت هناك نيـــة خال�سة اأ�سل للتو�سل اإىل حل. فقادة

حركـــة ال�سباب املجاهديـــن املت�سددة يتهمـــون الرئي�ـــس ال�سومايل باأنه

عميل للغرب وباع الق�سيـــة ويراأ�س حكومة ت�سم عملء الإثيوبيا مطلوبني

للمحاكمـــة عمـــا ارتكبوه يف حـــق ال�سعب مـــن جرائم على حـــد و�سفهم.

كما يطالبون بتطبيـــق اأحكام ال�سريعة االإ�سلمية وفقـــا لفهمهم املت�سدد

لهـــا واإقامة اإمـــارة اإ�سلمية، وطرد قـــوات حفظ ال�ســـلم االأفريقية قبل

اأن يوافقـــوا علـــى وقـــف القتال. ومـــع اأن الرجـــل اإ�سلمي حتـــى النخاع،

ووافـــق بالفعل علـــى تطبيق اأحكام ال�سريعة وتنقيـــة القوانني مما يخالف

اأحكامهـــا، اإال اأنهـــم وا�سلـــوا حماربته وعدم االعرتاف به، بـــل اإن ال�سيخ

طاهـــر عوي�س زعيم احلزب االإ�سلمي و�سفه باأنه خالف تعاليم االإ�سلم

من اأجل م�ساحله اخلا�سة.

امل�سكلـــة هنا هي اأنـــه اإذا وافق �سيخ �سريف على �سحب القوات االأفريقية

ف�ســـوف ت�سقط حكومتـــه، الأن القـــوات احلكومية ما زالـــت �سعيفة وغري

قادرة علـــى حماية نظامه، كما اأنه ال ياأمـــن اأال ينق�سوا عهدهم وينقلبوا

عليه بعد ان�سحابها. واإذا اأقام اإمارة اإ�سلمية وفقا ملفهومهم لها لن تقبل

بها دول اجلوار، خا�سة اإثيوبيا، وال الدول الكربى، ويف مقدمتها الواليات

املتحـــدة، خوفـــا من انتهاجهـــا �سيا�سة مت�سددة تزعـــزع االأو�ساع يف

الـــدول املجـــاورة اأو تـــوؤوي عنا�سر تنظيـــم القاعدة الفارين مـــن العراق

واأفغان�ستان، والذين �سبق اأن فجروا �سفارتي الواليات املتحدة يف تنزانيا

وكينيـــا يف وقـــت واحد العام 1998. كما �سبـــق اأن تعهد الرجل عقب توليه

ال�سلطة بالتعاون مع دول اجلوار والعي�س معها يف �سلم طاملا ال تتدخل يف

�سوؤون بلده، وهو ما اأحدث ارتياحا لديها وجعلها تعرتف به وت�ساعده يف

مواجهة خ�سومه باعتباره اأخف ال�سررين.

من عوامـــل )ديناميـــات( تغذية ال�ســـراع اأي�سا، تنظيـــم القاعدة الذي

حـــث املتمرديـــن علـــى موا�سلـــة »اجلهـــاد« �سد �سيـــخ �سريف بزعـــم اأنه

»انحرف عـــن مبادئ االإ�ســـلم«، وعلى عدم الوقـــوع يف م�سيدة املبادرة

املدعومـــة من »الغرب الكافر« للجلو�س اإىل مائدة التفاو�س مع احلكومة.

فهـــذا املوقف يجعـــل التو�سل اإىل اتفاق بـــني »املجاهدين« و»احلزب« من

ناحيـــة واحلكومة من ناحيـــة اأخرى �سبه م�ستحيل، خا�ســـة اأن »ال�سباب«

و»احلـــزب« يعلمـــان اأنهمـــا منبوذان مـــن االأنظمـــة العربيـــة واالإ�سلمية

التـــي تكره التطـــرف، ومن دول اجلوار التي تخ�ســـى اأن توؤدى م�ساركتهما

يف احلكـــم اإىل ت�ســـدد يف �سيا�سة مقدي�سو ي�ساهـــم يف زعزعة اال�ستقرار

اأكرث يف منطقة القـــرن االأفريقي اإذا ح�سل عنا�سر تنظيم القاعدة على

موطـــئ قدم موؤثـــر مب�ساعدة مت�سدديـــن يف ال�سلطـــة ال�سومالية. وطاملا

ا�ستمر دعـــم »القاعدة« ملتمـــردي ال�سومال باخلربة القتاليـــة واالأفراد،

حيث قـــدرت املخابرات االأمريكية عدد اأفراده الذيـــن ت�سللوا بالفعل اإىل

داخـــل ال�سومال مبا يرتاوح بـــني 250 - 300 عن�سر، فاإن ذلك ي�سجعهم

على التمادي يف متردهم والت�سدد يف مطالبهم، خا�سة اأن قادتهم �سيقو

االأفق وثقافتهم الدينية �سحلة وي�سهل قيادتهم وتوجيههم من »القاعدة«

بعـــد اأن اأعلنوا والءهـــم بالفعل الأ�سامـــة بن الدن زعيـــم التنظيم، ودعوا

اأتباعه اإىل القدوم اإىل ال�سومال.

ي�ســـاف اإىل العوامل املغذيـــة للأزمة، ال�سراع علـــى النفوذ والرثوة بني

»ال�سبـــاب« و«احلزب«، والذي ظهر جليا يف املعارك بينهما لل�سيطرة على

مينـــاء ومدينة كي�سمايو اال�سرتاتيجيـــة على بعد 500 كم اإىل اجلنوب من

مقدي�سو. فحتى لو حدثت معجزة وت�ساحلا مع احلكومة �سيظل اخللف

بينهما �سوكة فى خا�سرة ال�سومال. فميناء كي�سمايو يدر دخل كبريا ملن

ي�سيطر عليه من عائد اجلمارك وال�سرائب ويتيح فر�سة لدخول �سحنات

ال�سلح واملقاتلـــني االأجانب للقتال اإىل جانبه. وقـــد دفع ال�سراع امل�سلح

بينهمـــا بع�س املراقبني للقـــول اإن املطامع ال�سخ�سيـــة والقبلية هي التي

حتول دون اتفاقهما مع حكومة �سيخ �سريف واأن الكثريين من قادة احلزب

وال�سباب حتولوا اإىل اأمراء حرب جدد ال يختلفون كثريا عن اأمراء احلرب

ال�سابقـــني قبل اأن يق�سى عليهم تنظيم املحاكـــم االإ�سلمية العام 2006.

كمـــا و�سف مراقبون بع�س قادة هذيـــن الف�سيلني باأنهم انهاروا اأخلقيا

وات�سمـــوا باالأنانية، وتورط بع�سهم يف اأعمال ت�سبه اجلرمية املنظمة مثل

ا�ستباحة اأموال النا�س واعتبارها غنائم لهم، والقيام بت�سفية خ�سومهم

مـــن ال�سخ�سيات البارزة واملثقفني الأ�سباب قد تكـــون �سخ�سية اأو قبلية.

كمـــا اأدى اعتداء »ال�سباب« على حرمات وقبـــور م�سايخ الطرق ال�سوفية

اإىل ا�ستبـــاكات م�سلحـــة عنيفة مـــع »اأهل ال�سنـــة واجلماعـــة« ال�سوفية،

وان�سمام االأخرية اإىل احلكومة يف مواجهة اجلماعتني املت�سددتني �سمن

�سفقة القت�سام ال�سلطة.

املراقب ال�سرتاتيجي

الو�سع احلايل يف ال�سومال ل يب�سر بخري قريب. فما زالت

اأطــراف الأزمة مت�سبثة مبطالبها لوقف القتال والدخول

فى مفاو�سات، ومعظمها مطالب تعجيزية ي�سعب تلبيتها،

هذا اإذا كانت هناك نية خال�سة اأ�سال للتو�سل اإىل حل

وممـــا يرجح اأن تغيريا يف الو�ســـع القائم لن يحدث يف امل�ستقبل القريب

مـــا جاء يف تقرير ملجموعة املراقبة الدولية اخلا�سة بال�سومال يف اآذار/

مار����س 2010 اأن القـــوات احلكوميـــة ما زالـــت غري منظمة وغـــري فاعلة

وفا�ســـدة وتعانى مـــن ثقافـــة امليلي�سيات بالرغـــم من امل�ساعـــدة الدولية

لهـــا، واأكد اأن املـــاأزق الع�سكري ال يرجع اإىل قـــوة املعار�سة امل�سلحة بقدر

ما يعك�ـــس �سعف احلكومـــة الأن قواتهـــا امل�سلحة وال�سرطـــة مازالت غري

متجان�سة حيث تتكون مـــن ميلي�سيات منف�سلة موالية مل�سئولني حكوميني

اأو ع�سكريـــني ي�ستفيـــدون من اقت�ساد احلـــرب ويرف�سون االندماج حتت

قيـــادة واحدة. واأ�ساف التقريـــر اأن القوة االأفريقية هي التي ت�سمن بقاء

احلكومـــة واأن عدد اأفـــراد امليلي�سيات املتحالفة مـــع احلكومة يرتاوح بني

10 اآالف يف مقدي�ســـو واأن احلكومـــة مل تنجـــح يف ن�سر وحدة ع�سكرية - 5

واحـــدة بحجم فـــوج اأو لواء وما زال خط املواجهة على بعد 500 مرت فقط

مـــن ق�سر الرئا�سة. واأخريا، اأكد التقرير اأن الدعم االإريرتى للمتمردين

مل يتوقف، واإن كان قد قل منذ نهاية 2009.

تداعيــات حمليــة واإقليميــة ودوليــة داخليــا:

ا�ستمرار االأزمة يوؤدى اإىل مزيد من القتل والت�سريد واالغت�ساب والنهب

امل�سلـــح للمدنيني االأبرياء الذيـــن لقي 20 األفا منهـــم م�سرعهم، وت�سرد

500 األـــف منـــذ بداية 2007. كما خاطر 43 األفـــا باأرواحهم عابرين خليج

عدن على منت 860 قاربا اإىل اليمن هربا من جحيم احلرب، ولقي مئات

منهـــم م�سرعهم غرقا. حـــال القتال دون اإعادة بناء مـــا خربته احلرب

وتنامـــي الفكر ال�سلفـــي املت�سدد علـــى ح�ساب الفكر ال�ســـويف املت�سامح،

وتهياأت االأجواء لدخول مزيد من عنا�سر »القاعدة« ليزيدوا ال�سوماليني

رهقـــا بتحرمي الكثري مما اأحـــل اهلل وتطبيق اأحكام القتل واجللد يف غري

موا�سعهـــا. ومن املمكن اأن تعود ظاهرة اأمراء احلرب الذين تاجروا بكل

�ســـيء من املخـــدرات اإىل ال�سلح مـــرورا بغذاء الب�سطـــاء، وهيمنوا على

مقـــدرات البلد وموانيهـــا ومطاراتها، واأقاموا مناطـــق نفوذ خا�سة بهم

قبل اأن تهدم املحاكم االإ�سلمية معاقلهم بحلول منت�سف 2006.

اإقليميا: تبقى االأزمة ال�سومال بوؤرة توتر ورمبا ماأوى حمتمل »للقاعدة«

مما يثري قلق دول اجلوار، خا�سة اإثيوبيا، فتظل تتدخل ع�سكريا وبو�سائل

اأخـــرى يف �سوؤون ال�سومال خوفا من �سيطرة املت�سددين االإ�سلميني على

احلكـــم والعودة للمطالبة باإقليم اأوغاديـــن اأو دعم حركات التمرد فيه اأو

حركـــة حترير اأورومـــو االإثيوبية املتمردة. ال�سيء نف�ســـه ميكن اأن يحدث

مـــع كينيا الأنها تخ�ســـى اأن يطالب املت�سددون با�ستعـــادة االإقليم ال�سمايل

الغربـــي الكيني )اأنفـــدي( الذي اقتطعـــه امل�ستعمـــرون الربيطانيون من

ال�سومـــال و�سمـــوه لكينيا بعد احلـــرب العاملية الثانيـــة، اأو اإيواء عنا�سر

»القاعـــدة« ليتخذوا من االأر�س ال�سوماليـــة نقطة انطلق ل�سن هجمات

علـــى م�سالح غربية داخـــل اأرا�سيها مثل ن�ســـف ال�سفارتني االأمريكيتني

يف نريوبـــى ودار ال�سلم العام 1998. وكلما ا�ستمرت االأزمة كلما وا�سلت

اريرتيا ت�سفية ح�ساباتها مع اإثيوبيا على اأر�س ال�سومال ب�سبب اخللف

بينهما على احلدود والذي اأدى اإىل حرب دموية بينهما بني العامني 1998

و 2000. ومـــن غري امل�ستبعـــد اأن تتعر�س جيبوتي التي ت�ساند �سيخ �سريف

وت�ست�سيف قاعدة ع�سكرية فرن�سيـــة واأخرى اأمريكية، لهجمات انتقامية

توؤدى اإىل هجمات م�سادة واإطالة اأمد بقاء القاعدتني.

عامليا: ا�ستمرار عمليات القر�سنة يف خليج عدن واملحيط الهندي ب�سكل

يهدد10% من حجم التجارة العاملية و25% على االأقل من ا�ستهلك العامل

مـــن النفط تعـــرب هذه املنطقة على مـــنت 22 األف �سفينـــة جتارية �سنويا.

فطاملـــا مل يتم حل االأزمة االأم واإنهاء الفو�ســـى على الرب ال�سومايل فلن

تتـــم ال�سيطرة على القرا�سنـــة الذين ينطلقون مـــن ال�ساطئ ال�سومايل

ويعـــودون اإليه بال�سفن املخطوفة واحدة تلو االأخرى، خا�سة منطقة »اأيل«

يف بونتلنـــد انتظارا لدفـــع الفدية، وهي عملية مربحـــة بلغ عائدها نحو

100 مليـــون دوالر وفقا لبع�س التقديرات، وي�ستغل بها نحو 1000 �سخ�س

حاليـــا. وكان اأبـــرز عمليات اخلطف ناقلـــة النفط ال�سعوديـــة »�سرييو�س

�ستـــار« وعلى متنها 2 مليون برميل اأمـــام �سواحل كينيا، و�سفينة اأوكرانية

حتمـــل 33 دبابة ومعـــدات ع�سكرية ومل يتـــم االإفراج عنهمـــا اإال بعد دفع

الفديـــة. ي�ســـاف اإىل ذلك، احتمال حتـــول ال�سومال اإىل مـــاأوى لتنظيم

القاعـــدة مهددا امل�سالح الغربية يف �سرق

اأفريقيا ورمبـــا امل�سالح العربيـــة اأي�سا،

اإذا ا�ستطـــاع اإحـــكام قب�سته على جانبي

م�سيق باب املندب يف البحر االأحمر.

اخلروج من دوامة الفو�سى مما تقدم يت�سح اأن احلل

لي�س �سهل. فاملتمردون يرف�سون متاما وقف القتال والتفاو�س اإال ب�سروط

ي�سعب تنفيذها، والبد من موا�سلة التحرك على اأكرث من �سعيد يف وقت

واحـــد ع�سى اأن حتدث انفراجـــة ولو ب�سيطة ميكن البناء عليها. ال بد من

موا�سلـــة دعم حكومة �سيخ �سريف بال�ســـلح، وتدريب املزيد من القوات

الإعـــادة بناء اجلي�س تدريجيا، ودعمها بخرباء اأجانب وتقارير خمابرات

واال�ستطلعات اجلوية ملنع �سقوطها ولتمكينها من تو�سيع نطاق �سيطرتها،

الـــذي ينح�سر حاليا يف قطاع �سغري مـــن العا�سمة مقدي�سو. وفى الوقت

نف�سه، حماولـــة اخرتاق �سفوف املتمرديـــن، وا�ستغلل اخللفات بينهم

الإ�سعافهـــم، وجتنيد عملء من بينهـــم، واإحكام احل�سار على مناطقهم

ملنـــع دخول �سلح لهـــم اأو ت�سلل عنا�سر من »القاعـــدة« اإليهم، وملحقة

عنا�سرهم بكل الو�سائل حتى ينكم�س نفوذهم تدريجيا.

كمـــا يجب ال�سعي لدى زعماء الع�سائر، ولـــو باإغرائهم باملال لي�ستخدموا

نفوذهم لدى قادة التمرد ع�سى اأن يلقى بع�سهم ال�سلح وي�سعف موقف

االآخرين. واأخريا، التدخل لدى اإثيوبيا لتنفيذ حكم هيئة التحكيم الدولية

باإعـــادة بلدة »بادمـــي« احلدودية املتنازع عليهـــا اإىل اإريرتيا حتى تتوقف

االأخـــرية عن دعم املتمرديـــن نكاية فيها ويف اأمـــريكا، وقيام �سخ�سيات

ذات م�سداقية لدى قادة احلـــزب االإ�سلمي وحركة ال�سباب مثل ال�سيخ

يو�ســـف القر�ســـاوى ودول اإ�سلمية مثل تركيا مبحاولـــة جمعهم وممثلي

احلكومة على مائدة التفاو�س ع�سى اأن يخرج ال�سومال من عرثته.

ل بــد من موا�سلة دعم حكومة �سيخ �سريف بال�سالح، وتدريب

املزيــد مــن القــوات لإعــادة بنــاء اجلي�ــص تدريجيــا، ودعمها

بخرباء اأجانب وتقارير خمابرات وال�ستطالعات اجلوية ملنع

�سقوطها ولتمكينها من تو�سيع نطاق �سيطرتها

�لتايل

�لوجه �جلديد

للدبلوما�سية �لليبية

بقلم: �أمرية عبد�حلليم

Page 46: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 90 91ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

مــــن هنــــا كان مــــن ال�سروري لفهــــم توجهــــات ال�سيا�ســــة اخلارجية

الليبيــــة، وخا�سة منذ انتهاء احلرب الباردة على امل�ستويني االإقليمي

والــــدويل، التعرف على اأهم املحددات التى مار�ســــت دورا موؤثرا يف

حتديد توجهــــات ال�سيا�سة اخلارجية الليبية خــــلل هذه املرحلة بل

و�ساهمــــت فى ر�ســــم ملحمها، ودوائر احلركــــة التى مت من خللها

تنفيذ هذه ال�سيا�سة، وميكن تو�سيح ذلك كما يلي:

اأول: حمددات ال�سيا�سة اخلارجية الليبية

�سهــــدت ال�سيا�ســــة اخلارجيــــة الليبية منــــذ انتهاء احلــــرب الباردة

جمموعــــة من التحوالت التي ميكن و�سفهــــا بـ “الراديكالية”، مثلت

قطيعة ملا ات�سمت به هذه ال�سيا�سة خلل العقود ال�سابقة، ومنذ قيام

الثورة عام 1969، ودفعت هذه التغريات اإىل حماولة حتديد العوامل

واملحددات املوؤثرة يف هذه ال�سيا�سة، والتي من اأهمها ما يلي:

اأ. التطورات الدولية

مع جميء معمر القذايف اإىل ال�سلطة تبنت القيادة الليبية املنطلقات

الفكرية للنموذج امل�سري النا�سري فى التعامل مع الق�سايا العربية

والدولية؛ فعربيا، اأكدت على فكرة “الوحدة العربية”، ولتطبيق هذه

الفكــــرة تعددت حمــــاوالت حتقيق الوحدة بني ليبيــــا وبع�س االأقطار

العربيــــة، وبعد توقيع م�سر ملعاهدة كامــــب ديفيد ان�سمت ليبيا اإىل

املحور املناوئ مل�سر اإال اأنها ا�ستمرت فى تبني اأفكار الوحدة العربية

ودعم حركات التحرير. وبعد اأحداث لوكريبي وف�سل ليبيا فى تكوين

جبهة عربية م�ساندة لها فى هذه الق�سية، حتولت ليبيا اإىل الهجوم

على العرب والدعــــوة اإىل االن�سحاب من اجلامعة العربية، وطرحت

بديل جديدا لتوجهاتها اخلارجية متثل فى االجتاه �سوب اأفريقيا.

وعلــــى امل�ستــــوى الدويل، اتخــــذت ليبيا مواقف �سد الغــــرب وخا�سة

الوجه اجلديد

ل�ضيا�ضة ليبيا اخلارجية

حمددات التحول ودوائر احلركة

تعـــد �سيا�ســـة ليبيا اخلارجية من اأكرث ال�سيا�ســـات املثرية للجدل؛ فكثري من الباحثـــني ي�سعب عليهم فهم

توجهات هذه ال�سيا�سة نظرا لتاأرجحها بني قناعات اأيديولوجية وفكرية تبنتها القيادة الليبية منذ ال�سنوات

االأوىل للثـــورة، وبـــني حتـــوالت خارجية )اإقليمية ودوليـــة( تدفع يف اجتاهات ال تتفق فـــى كثري من االأحيان

مـــع هذه القناعـــات االأيديولوجية والفكريـــة، بل وجترب القيـــادة الليبية على الر�ســـوخ واالإذعان للمطالب

اخلارجية، مما يظهر ال�سيا�سة اخلارجية الليبية يف حالة م�سطربة تبدو معها غري وا�سحة املعامل، ويجعل

ثمة �سعوبة يف حتديد الثوابت واملتغريات والتوقعات امل�ستقبلية لهذه ال�سيا�سة.

املراقب ال�سرتاتيجي

اأمرية حممد عبداحلليم

اأمرية حممد عبداحلليم باحثة يف العلوم ال�سيا�سية، م�سر.

[email protected]

Page 47: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 92 93ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

الواليات املتحدة، وت�ساعدت املواقف بني اجلانبني حتى و�سلت اإىل

�سرب الطائرات االأمريكية لليبيا. وجاءت اأحداث احلادي ع�سر من

اأيلول/�سبتمرب 2001 وما �سبقها من اأفول للأيديولوجية اال�سرتاكية

يف العــــامل بعد انهيار االحتــــاد ال�سوفيتي، ف�سل عمــــا طرحته اأزمة

لوكريبــــي مــــن تداعيات �سلبيــــة على الواقــــع الليبي؛ لتمثــــل منا�سبة

دافعــــة اإىل التفكري فى اإعــــادة �سياغة ال�سيا�ســــة اخلارجية الليبية.

فقــــد راأت القيــــادة الليبيــــة اأن العامل حتــــول اإىل حموريــــن بارزين:

حمور تتزعمه الواليات املتحدة وحلفائها فى احلرب على االإرهاب،

اأمــــا املحور االآخر فهو املحــــور املناوئ لل�سيا�ســــة االأمريكية والغربية

ب�سفــــة عامة، وهذا املحــــور �سيتعر�س للنتقــــام الغربي واالأمريكي

و�سيدفــــع ثمن معار�سته لل�سيا�سات االأمريكيــــة اآجل اأم عاجل وفقا

ل�سعــــارات ودعوى هذه املرحلة، ومنها االتهام بامتلك اأ�سلحة دمار

�سامــــل اأو دعم املنظمات االإرهابية وغريها من االتهامات التى تفنن

الغــــرب والواليات املتحدة فى اإطلقها علــــى املنظمات والدول حمل

االنتقام.

وبالفعل بداأت القيادة الليبية تعيد ر�سم �سيا�ستها اخلارجية ب�سورة

ال تعر�سهــــا للنتقــــام الغربي االأمريكــــي، والتحول من تبنــــي اأفكار

اأيديولوجية معادية للغرب اإىل ا�ستخدام �سيا�سات برجماتية وخا�سة

بعد الغزو االأمريكي للعراق و�سقوط نظام �سدام ح�سني حتت دعوى

وحجــــج مماثلة للتهامات املوجهة للنظــــام الليبي، واأهمها امتلك

اأ�سلحــــة دمار �سامل، كما اأن ال�سفــــات التى كان يطلقها الغرب على

الرئي�ــــس العراقى �سدام ح�سني هي نف�سها التي اأطلقها على الزعيم

الليبي معمر القذايف.

وعلــــى الرغم مــــن م�سل�سل االأزمات الذى ات�سفــــت به العلقات بني

ليبيا والدول الغربية، والذي ت�سمن العديد من احلوادث التى قامت

بهــــا ليبيــــا لتهديد امل�سالــــح الغربيــــة، اإال اأن حماوالت ليبيــــا للعودة

اإىل املحيــــط الدويل وحت�ســــني العلقات مع القــــوى الغربية وخا�سة

الواليــــات املتحدة قد ت�سادفــــت مع �سعي غربي مماثــــل للتعامل مع

ليبيــــا ب�سورة خمتلفة عن باقى الدول املارقــــة، وكاأن الغرب اأراد اأن

يثبت للعــــامل اأن الديكتاتوريني لن يتم التعامل معهم باأ�سلوب واحد؛

فالدول الغربية وحتديدا الواليات املتحدة مل تر من احلكمة اأن تفتح

جبهة للحرب فى �سمال اأفريقيا يف ظل حالة الفو�سى التي ي�سهدها

العــــراق بعد الغــــزو االأمريكي، كما خ�سيت هــــذه القوى من تداعيات

اأى حتــــرك غربي جديد ومماثل ملا مت فى العراق على م�ساحلها فى

املنطقة العربية.

وبالفعــــل بــــادرت ليبيــــا باتخــــاذ جمموعة مــــن اخلطــــوات لتح�سني

العلقــــات مــــع الغــــرب، فاأعلنــــت م�سئوليتهــــا عن حــــادث لوكريبي،

واأعلنت ر�سميا امل�ساركة دوليا يف مكافحة االإرهاب يف اآب/اأغ�سط�س

2003، وتخليهــــا عن براجمهــــا الإنتاج اأ�سلحة الدمــــار ال�سامل، حيث

حاولــــت ليبيا من خلل هذه اخلطــــوات جتنب الوقوع يف ماأزق �سبيه

بالعــــراق. وتطــــورت العلقات اخلارجيــــة بني ليبيا والــــدول الغربية

ب�ســــكل جذرى من ذلــــك الوقت، وخا�سة يف ظــــل اهتمام هذه الدول

بتدعيــــم العلقــــات معها لتحقيــــق عدد مــــن امل�سالــــح احليوية فى

مقدمتها امل�سالح االقت�سادية وامل�سالح االأمنية، و�سارعت الواليات

املتحــــدة يف ظــــل هذا املناخ اإىل حــــذف ا�سم ليبيا مــــن قائمة الدول

غــــري املتعاونــــة فى مكافحــــة االإرهاب، و�ســــوال اإىل عــــودة العلقات

الدبلوما�سية معها وبناء �سفارة اأمريكية يف طرابل�س عام 2006.

ب. اخلطاب ال�سيا�سي

تعتــــرب اخلطــــب ال�سيا�سيــــة للزعيم الليبــــي معمر القــــذايف من اأهم

حمــــددات االأيديولوجية الر�سمية للدولة، ومــــن ثم من اأهم م�سادر

حتديــــد توجهات ال�سيا�ســــة اخلارجيــــة الليبية، حيــــث تت�سمن هذه

اخلطــــب ملمــــح مفهوم االأمــــن الوطني ومــــا يواجهه مــــن حتديات

علــــى امل�ستــــوى الداخلي واخلارجــــي، ومن ثمــــة اأدوات مواجهة هذه

التحديــــات. وقــــد األقت التحــــوالت الدولية التى �سهدهــــا العامل منذ

انتهــــاء احلرب البــــاردة بظللها على اخلطــــاب ال�سيا�سي للقذايف،

فلــــم يعد اخلطاب ال�سيا�سى ذو امل�سحة االأيديولوجية املعادية للغرب

منا�سبــــا لتحقيق االأمن الوطنــــي الليبي يف ظل انح�سار االأيديولوجية

وت�ساعــــد ال�سغــــوط الدولية علــــى ليبيا، لذلك �سهــــد هذا اخلطاب

تغريات على م�ستوى املفرادات والتوجهات.

فقد اعتمد اخلطاب ال�سيا�سي الليبي خلل ال�سبعينيات والثمانينيات

املراقب ال�سرتاتيجي

من القرن املا�سي على ا�ستخدام مفردات مت�سددة ومواجهة

للغــــرب، اإذ حــــدد هذا اخلطــــاب تهديــــدات االأمــــن الوطني

اخلارجيــــة يف عدد من امل�سادر: اأولهــــا ال�سهيونية والوجود

اال�سرائيلي فى العامل العربــــي، وثانيهما االمربيالية املتمثلة

فــــى منوذجها فى الــــدول الغربية وخا�سة الواليــــات املتحدة

وبريطانيــــا وفرن�سا، اإال اأن امل�سادر اخلارجية لتهديد االأمن

الوطنــــي يف اخلطــــاب ال�سيا�سي الليبي قد تغــــريت مع اأواخر

الت�سعينيات حيث تركــــزت هذه امل�سادر فى االإرهاب والتيار

االإ�سلمــــي املتطرف، والذي عرف يف خطب العقيد القذافى

بظاهرة الزندقة.

ج. القدرات الوطنية

تعتــــرب القــــدرات الوطنية مــــن اأهم املحــــددات التــــى تر�سم

ال�سيا�ســــة اخلارجية الي دولة وجماالت عمــــل هذه ال�سيا�سة

وتتميــــز الدولــــة الليبية مبجموعة مــــن املقومات

املوؤثــــرة يف حركــــة الدولــــة اخلارجيــــة، ومن هذه

املقومات ما يلي:

1. الــروة النفطية: لقد �ساهم ظهور

النفــــط فــــى االأرا�ســــي الليبية مــــع نهاية

املا�ســــي يف القــــرن مــــن اخلم�سينيــــات

اأحداث تغريات داخلية كثرية، ف�سل عن

االعتمــــاد عليه فى تنفيــــذ ودعم توجهات

ال�سيا�سة اخلارجيــــة الليبية. فقد اعتمدت

القيــــادة الليبية على عائداته يف دعم حركات

التحرر يف العامل، ومــــع تطبيع ليبيا لعلقاتها مع

الغرب �سمح لل�سركات الغربية واالأمريكية باحل�سول على

عقود للتنقيب عن النفط داخل ليبيا الذي ي�سل اإنتاجها اليومي منه

اإىل مليوين برميل وذلك من احتياطي قدره 41.5 بليون برميل. وتعد

ليبيــــا ثاين اأكرب منتج للنفط يف اأفريقيا بعد نيجرييا، باالإ�سافة اإىل

الغــــاز الطبيعي الذي يبلغ احتياطيــــه 52.7 تريليون قدم مكعب. كما

دفــــع التزايد الذى ت�سهده عائدات النفــــط الليبي فى ت�سجيع الدولة

علــــى تنفيذ �سيا�ستهــــا يف القارة االأفريقية بتقــــدمي امل�ساعدات التى

خلقت لليبيا زعامة اأفريقية كبرية.

2. املوقع اجلغرايف: كما يعد موقع ليبيا اجلغرافى من املحددات

املهمــــة ل�سيا�ستهــــا اخلارجية، حيــــث يتيح هذا املوقــــع املتميز فر�س

لتفعيل الدبلوما�سية الليبية يف مناطق كثرية من العامل، منها القارة

االأفريقية واملنطقة العربية والــــدول املتو�سطية باالإ�سافة اإىل الدول

االأوروبيــــة، اإال اأن هذا املوقع وما يطرحه من فر�س للتعاون بني ليبيا

وقــــوى اإقليمية ودولية خمتلفة ميثل فــــى الوقت ذاته نقطة �سعف يف

ظل اخلفة ال�سكانية وانخفا�س القدرات الع�سكرية للدولة، حيث تبلغ

م�ساحــــة ليبيا 1.670 مليون كم مربع فى حني ي�سل عدد ال�سكان اإىل

حــــواىل 6 مليون ن�سمة، مما يجعل الدولــــة مهددة بهجرات وغزوات

خارجيــــة وخا�سة القادمة مــــن اأفريقيا جنوب ال�سحــــراء. من هنا

تاأتــــى اأهمية ال�سيا�سة اخلارجيــــة فى حماية االأمــــن القومي الليبي،

�سواء ملنع تعر�س احلدود الليبية لهجرات خارجية، اأو حلماية الرثوة

النفطية التى متثل مطمعا للعديد من القوى اخلارجية.

ثانيا: دوائر احلركة الليبية اخلارجية

اعتمــــد حتديد دوائر حركــــة ال�سيا�سة اخلارجيــــة الليبية بعد انتهاء

احلــــرب الباردة على املزج بــــني االأهداف امل�سلحيــــة والربجماتية،

التــــي مل جتــــد الدولــــة الليبية مفــــرا من تبنيهــــا ومزجها مــــع بع�س

املبادئ واالأفكار االأيديولوجية والقيم االإن�سانية. وقد ا�ستملت دوائر

احلركة علــــى العديد مــــن مناطق العــــامل، حيث احتلت

دوائر حمددة اأولويــــة يف نطاق ال�سيا�سة اخلارجية

الليبية، واأهمها:

اأ. الدائــرة الأفريقيــة: حيــــث ن�سطــــت

الدبلوما�سيــــة الليبيــــة يف اأفريقيا بعد انتهاء

احلرب البــــاردة وخا�ســــة بعد الــــدور الذي

ال�سغــــوط تخفيــــف القــــارة يف دول لعبتــــه

الدوليــــة علــــى ليبيــــا نتيجة الأزمــــة لوكريبي،

حيــــث اتخذت الــــدول االأفريقية قــــرارا يف قمة

واجادوجــــو 1998 يق�سي بك�ســــر احلظر املفرو�س

من جمل�س االأمن علــــى ليبيا، ودفعت الواليات املتحدة

وبريطانيــــا لقبول ال�ســــروط الليبيــــة. ودعم التحــــرك االأفريقي

ملوؤازرة ليبيا توجهات القذايف نحو القارة، خا�سة يف ظل امل�ستجدات

الدوليــــة واالإقليمية التي دفعت يف اجتاه توحيد القارة. فعقب جتميد

االحتــــاد املغاربي بادر القــــذايف يف اأوائل عــــام 1998بتوجيه الدعوة

الإن�ســــاء جتمع اإقليمي جديــــد يكون خطوة اأوىل علــــى طريق االحتاد

االأفريقــــي ال�سامل وهو »جتمع دول ال�ساحــــل وال�سحراء«، وتبع هذه

املحاوالت تدعيم الوحدة االأفريقية من خلل تطوير منظمة الوحدة

االأفريقيــــة وحتويلهــــا اإىل االحتاد االأفريقي، حيــــث ولدت الفكرة يف

قمــــة �سرت يف 9/9 /1999 ومت االإعلن عن تاأ�سي�س االحتاد االأفريقي

يف قمــــة دربان عــــام 2002، حيث اأكد القــــذايف اأن الوحدة االأفريقية

هــــي اخليار الوحيد اأمام القارة ملواجهــــة خمتلف التحديات، واأعلن

رف�ســــه للم�ساعــــدات امل�سروطــــة التي متثــــل منفذا الخــــرتاق القوى

الغربيــــة واإ�سرائيل للقــــارة. كما ان�سمت ليبيــــا اإىل مبادرة ال�سراكة

بداأت القيادة الليبية تعيد

ر�سم �سيا�ستها اخلارجية ب�سورة

ل تعر�سها لالنتقام الغربي

والأمريكي، والتحول من تبني

اأفكار اأيديولوجية معادية

للغرب اإىل ا�ستخدام �سيا�سات

برجماتية وخا�سة بعد الغزو

الأمريكي للعراق و�سقوط

نظام �سدام ح�سن

Page 48: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 94 95ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

اجلديــــدة لتنمية اأفريقيــــا »النيباد«، ف�سل عــــن ان�سمامها لع�سوية

عــــدد من اللجان واملوؤ�س�ســــات االأفريقية. كما طــــرح العقيد القذايف

فكــــرة تاأ�سي�س امل�ســــروع االأفريقي اال�سرتاتيجــــي اجلديد للهتمام

بال�سبــــاب والطفل واملــــراأة االأفريقية الــــذي ي�سم 23 دولــــة اأفريقية

ومقره يف ليبيا.

وبذلك لعبت ليبيا دورا مهما يف القارة االأفريقية من خلل حمورين:

حمــــور امل�ساعدات، وحمور ت�سويــــة ال�سراعات الذي �سمل عددا من

دول القارة، كالكونغو الدميقراطية وال�سودان. وحاز العقيد القذايف

علــــى ثقــــة االأفارقة حتــــى اأطلقوا عليه لقــــب »ملك ملــــوك اأفريقيا«،

ويبدو اأن هذه الثقة �ستنمــــو فى ظل ا�ستمرار االهتمام الليبي بعمقه

االأفريقــــي، برغم االأزمات التي تظهر من حني الآخر مع بع�س الدول

االأفريقيــــة نتيجة لرف�س هذه الــــدول للمبادرات الليبية

لت�سويــــة ال�سراعات؛ فخلل ال�ســــراع الطائفى

الذى �سهدته نيجرييــــا موؤخرا اقرتح القذايف

يف ت�سريحاتــــه تق�سيــــم نيجرييــــا لت�سويــــة

هذا ال�سراع ممــــا اأثار اأزمــــة دبلوما�سية

بــــني البلدين، اإال اأن هــــذه التطورات متثل

م�سكلــــة عابــــرة وال تعرب عــــن تغري موقف

الــــدول االأفريقيــــة اأو اهتزاز ثقتهــــا بليبيا

اأو تراجــــع التاأييــــد والدعم الليبــــي للق�سايا

االأفريقية.

اأزمــــة انتهــــاء بعــــد ب. الدائــرة الأوروبيــة:

لوكريبــــي �سهدت العلقات الليبية - االأوروبية تقدما كبريا،

فــــكل طــــرف راأى اأن هناك �سرورة للتعاون مــــع االآخر، فليبيا حتتاج

اإىل ت�سديــــر منتجاتهــــا الزراعية وال�سمكية وح�ســــول رعاياها على

تاأ�سريات لل�سفــــر الأوروبا، واأوروبا تتطلع اإىل مزيد من النفط، حيث

تعــــد ليبيا مــــن اأهم مــــوردي النفط والغــــاز الأوروبا وتتميــــز بالقرب

اجلغــــرايف، ومتثل �سوقــــا مهمة لل�ســــادرات االأوروبية، كمــــا يتعاون

اجلانبــــني اأي�سا ملواجهة الق�سايا امل�سرتكة مثل ظاهرة الهجرة غري

ال�سرعية التي تن�سط عرب االأرا�سي الليبية، وانت�سار جتارة املخدرات

ومكافحــــة االإرهــــاب والتعــــاون االقت�سادي من خــــلل جمموعة من

االأطر مثل جمموعة 5+ 5، وال�سراكة االأوروبية املتو�سطية.

جـــ. املنطقــة العربية: متثــــل املنطقــــة العربية دائــــرة رئي�سية

و�سروريــــة لل�سيا�ســــة اخلارجيــــة الليبيــــة بحكــــم االنتمــــاء والــــدور

التاريخــــي الذي لعبتــــه اجلماهريية الليبية لدعــــم الق�سايا العربية

وفــــى مقدمتها الق�سية الفل�سطينية، اإال اأن ال�سنوات االأخرية �سهدت

كثريا من االنتقاد وعدم التجاوب العربي للأطروحات الليبية لت�سوية

امل�سكلت العربية، والتي ات�سمت بع�سها بالغرابة مثل اقرتاح اإن�ساء

دولة »اإ�سراطني« التي ت�سم اليهود والفل�سطينيني، ف�سل عن العجز

العربــــي عن ك�سر العزلــــة الدولية التي فر�ستهــــا اأزمة لوكريبي على

ليبيــــا، مما دفعهــــا اإىل حماولة احلفاظ على »�سعــــرة معاوية« بينها

وبــــني العامل العربي، فركــــزت �سيا�ستها اخلارجية يف اجتاه اأفريقيا

واأ�سبــــح تدخلهــــا يف ال�ســــوؤون العربية يتم وفقا الآليــــات تناأى بها عن

االنتقاد اأو اإثارة امل�سكلت.

واأخــــريا، ميكن القــــول اأن املحــــددات احلاكمة لل�سيا�ســــة اخلارجية

الليبية منذ انتهاء احلــــرب الباردة وفى مقدمتها التطورات الدولية

ومــــا ر�سمتــــه من دوائــــر للحركة اخلارجيــــة الليبية قــــد �ساهمت يف

تد�سني جمموعة من املبادئ التي متثل تغريا »راديكاليا« يف ال�سيا�سة

الليبيــــة. فمن ناحية، حر�ست القيــــادة الليبية على عدم العودة مرة

اأخرى اإىل حالة العزلة الدولية والعداء للغرب الأن ال�سعب

الليبــــي كان اخلا�سر االأكرب يف هذه ال�سيا�سة. ومن

ناحية اأخرى، تاأكدت القيــــادة الليبية اأن جزءا

مهمــــا من حماية االأمن الوطني الليبي يعتمد

علــــى اخلارج، مما يوؤكد على �سرورة اإقامة

علقات دبلوما�سية وتعاونية جيدة مع دول

العامل، وخا�سة الدول القريبة �سواء الدول

االأفريقية اأو الدول االأوروبية، وخا�سة يف ظل

اخلفة ال�سكانية وال�سعف الع�سكري للدولة.

اإال اأن القيادة الليبية مل ت�ستطع التخل�س الكامل

من منطلقاتها االأيديولوجية والفكرية ال�سابقة، والتي

تكر�س النظرة اإىل الدول الغربيــــة باعتبارها دوال ا�ستعمارية

ولديهــــا نظــــرة ا�ستعلئيــــة للــــدول العربيــــة واالأفريقيــــة، ف�سل عن

اأفكار الزعامة العربية واالأفريقيــــة للعقيد القذايف والتي تدفعه اإىل

طرح مبادرات غري منطقية. وتظهــــر امل�سحة االأيديولوجية والثورية

للقيادة الليبيــــة يف اأوقات االأزمات، فخلل االأزمة االأخرية بني ليبيا

و�سوي�سرا – مثل - اأعلن القذايف »اجلهاد �سد �سوي�سرا«.

اإال اأنــــه، وعلى الرغم مــــن اأن ت�سريحات القــــذايف تتخذ يف البداية

طابعــــا ت�سعيديا، لكنــــه �سرعان ما يتم ت�سويــــة االأزمة بتدخل بع�س

امل�سئولني الليبيني حتى تقبل القيادة الليبية ما تطرحه الدول الغربية

مــــن ت�سوية مثلما حــــدث يف اأزمة املمر�ســــات البلغاريات عام 2007.

كما اأن قدرة القيادة الليبية على امل�سي قدما يف تطبيع العلقات مع

الغــــرب، واحلفاظ على ما و�سلت اإليه من مكت�سبات خلل ال�سنوات

االأخــــرية �سيتوقف يف املقام االأول علــــى املرونة التي �ستتعامل بها مع

املطالــــب الغربيــــة التي ت�سمل بع�ــــس االإ�سلحــــات الداخلية، ومنها

حماية حقوق االإن�سان وامل�ساركة ال�سيا�سية.

املراقب ال�سرتاتيجي

مل يعد اخلطاب ال�سيا�سى

للقذايف ذو امل�سحة

الأيديولوجية املعادية

للغرب منا�سبا لتحقيق الأمن

الوطني الليبي يف ظل انح�سار

الأيديولوجية وت�ساعد

ال�سغوط الدولية على ليبيا،

لذلك �سهد هذا اخلطاب

تغريات على م�ستوى املفرادات

والتوجهات

املحـــور

ق�سيــــة العـــدد

اأنظمة التعليم و�سناعة التطرف يف اليمن

رات�ســل ولــ�س

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

Page 49: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 96 97ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

املحــــور

منذ زمن طويل، اأدرك اأ�سامة بن الدن الفر�سة التي ميكن اأن توفرها البيئة اجلغرافية وال�سيا�سية يف اليمن؛

فطاملـــا لعبـــت اليمـــن دورا مهما كم�ســـدر واأر�سية اإعـــداد لنمط االإرهـــاب الديني الذي يت�ســـف به بن الدن

منـــذ تاأ�سي�س تنظيـــم القاعدة. وكون اليمن من اأكرب م�سادر مقاتلي اجلهـــاد يف اأفغان�ستان واالآن يف العراق،

وباعتبارهـــا ملذا اآمنا للمتطرفني، وكانت اأر�سية اإعداد الأول هجـــوم قامت به القاعدة وحاليا موطنا ملوجة

�سر�سة من االإرهاب املحلي، فلي�س من املمكن جتاهل الدور الذي تلعبه اليمن يف تغذية االإرهاب الديني. ويثور

لدينـــا هنا �سوؤال: ملـــاذا تعترب اليمن م�ساهم كبري جدا يف تغذية االإرهـــاب الديني املحلي واخلارجي على حد

�ســـواء؟ ومبا اأن الهجمـــات االإرهابية على امل�سالح الغربية يف اليمن م�ستمـــرة دون انقطاع، فاإن اإيجاد اإجابة

لهذا ال�سوؤال يعد اأمرا يف غاية االأهمية.

بذور االإرهاباأنظمة التعليم والراديكالية

االإ�ضلمية فـي اليمن

رات�ســل ولــ�ص[email protected]

رات�ســـــل ولــ�س باحثـــة اأمريكية يف م�سروع االأمن وال�سلم الـــدويل، ق�سم نظم احلكم – كلية

وليـــم ومريي بفرجينيا. واملقـــال يف االأ�سل ترجمة للجزء اخلا�س باليمـــن يف درا�سة مقارنة

Education Systems and Islamic Radicalism in the Arabian Peninsula: Background”بعنوان

Brief” قدمت العام املا�سي 2009 يف كلية وليام وماري بفرجينيا، الواليات املتحدة.

منـــذ زمـــن طويـــل، اأدرك اأ�سامـــة بـــن الدن الفر�سة التـــي ميكن اأن

توفرها البيئة اجلغرافية وال�سيا�سية يف اليمن؛ فطاملا لعبت اليمن دورا

مهمـــا كم�سدر واأر�سية اإعداد لنمط االإرهـــاب الديني الذي يت�سف به

بـــن الدن منذ تاأ�سي�س تنظيـــم القاعدة. وكون اليمن مـــن اأكرب م�سادر

مقاتلـــي اجلهاد يف اأفغان�ستـــان واالآن يف العراق، وباعتبارها ملذا اآمنا

للمتطرفـــني، وكانت اأر�سية اإعداد الأول هجوم قامت به القاعدة وحاليا

موطنا ملوجة �سر�سة من االإرهاب املحلي، فلي�س من املمكن جتاهل الدور

الـــذي تلعبه اليمن يف تغذيـــة االإرهاب الديني. ويثور لدينـــا هنا �سوؤال:

ملاذا تعتـــرب اليمن م�ساهم كبري جدا يف تغذيـــة االإرهاب الديني املحلي

واخلارجي على حـــد �سواء؟ ومبا اأن الهجمـــات االإرهابية على امل�سالح

الغربية يف اليمن م�ستمـــرة دون انقطاع، فاإن اإيجاد اإجابة لهذا ال�سوؤال

يعد اأمرا يف غاية االأهمية.

اإن االأ�سبـــاب الكل�سيكيـــة للإرهـــاب لي�ســـت كافيـــة لتف�ســـري ظهور

االإرهـــاب الديني يف اليمن؛ فل ميكننا اأن نن�سب ذلك اإىل عامل الفقر،

وال اإىل عامـــل القمع احلكومي، وال اإىل عامل االحتلل اخلارجي اأي�سا.

فمنـــذ الت�سعينيـــات ويعك�س الو�ســـع االقت�سادي يف اليمـــن على الدوام

�ســـورة كئيبة، ولهذا ال ميكـــن اأن نعتربه العامل املف�ســـر لتنوع االإرهاب

املحلـــي يف اليمـــن. اأمـــا عامل القمـــع احلكومي يف اليمـــن، مبا يف ذلك

ال�سجـــن الع�سوائي والتعذيب واالإعدام واالختطاف، فهو اأقل بكثري مما

كان عليـــه خلل فرتة الت�سطـــري يف ال�سبعينيات والثمانينيات، ولكن مع

هـــذا تع�ســـف بالبلد حاليـــا موجة اإرهابيـــة عنيفـــة مل ي�سهدها اليمن

مـــن قبـــل. اأما عامل االحتلل فهـــو م�ستبعد، ولي�س هنـــاك ما يدل على

وجـــود احتلل خارجي؛ فل الواليات املتحدة وال غريها من قوى الغرب

قامـــت باإن�ســـاء قاعدة ع�سكريـــة دائمة جلنودها يف اليمـــن منذ حتقيق

الوحـــدة عام 1990، والوجود الع�سكري الغربي يف اليمن ال يتجاوز �سوى

ا�ستخدام املوانئ اليمنية كمحطات لتزويـــد ال�سفن الع�سكرية بالوقود،

وهـــذا تقليد دويل معروف ال ينـــم عن اأي احتلل خارجـــي. ويف الواقع

اأن املتغري املهم، الذي جتاهلته كثـــريا البحوث العلمية املتعلقة باليمن،

هو دور التعليـــم الديني يف تغذية التطرف، وهو التعليم الذي يدر�س يف

موؤ�س�سات التعليم اخلا�سة.

وقـــد اأ�ســـارت العديد من املقـــاالت التي تناولت ظاهـــرة التطرف يف

اليمن اإىل الدور املهم الذي تلعبه املوؤ�س�سات الدينية اخلا�سة يف تطرف

»)تعترب اليمن( من اأف�سل البلدان العربية واالإ�سلمية يف مت�سكها بتقاليدها

وعقيدتهـــا... وتتميـــز بت�ساري�سهـــا اجلبليـــة، و�سعبها �سعب قبلـــي م�سلح،

وي�سمح لل�سخ�س اأن يتنف�س هواء نقيا ال ي�سوبه الذل«

اأ�سامة بن الدن

Page 50: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 98 99ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

ال�سبـــاب اليمني، اإذ الحظت اإحدى هذه املقاالت اأن هناك »اإجماع على

اأن اأف�سل طريقة الإنقاذ �سباب اليمن من الوقوع يف قب�سة املتطرفني هي

تغيري مناهج التعليـــم، خا�سة يف املدار�س االإ�سلميـــة، وت�سجيعها على

تدري�ـــس العلوم واللغات واجلغرافيـــا لكي تزيد من الوعي وفهم العامل«.

ولكن، يف احلقيقة، ال توجد حتى االآن درا�سة مبنية على التجربة لتحليل

العلقة بني التعليم الديني اخلا�س وظاهرة التطرف.

ولهـــذا فاإننـــي يف درا�سة حالة اليمـــن هنا �سوف اأتنـــاول العلقة بني

التعليم وظاهرة التطرف يف اليمـــن، و�ساأقدم اأدلة لتدعيم حجتي التي

تقـــول باأن نظام التعليم العـــام املحدود وغري الكايف هو ما يدفع بالكثري

من ال�سباب اليمنـــي اإىل االلتحاق مبوؤ�س�سات التعليم الدينية املتطرفة،

وبالتايل يكـــون الطلب اأكرث عر�سة للتـــورط يف اأعمال التطرف داخل

الوطـــن وخارجـــه. ولهذا الغر�ـــس، �ساأ�ســـف يف الق�ســـم االأول من هذه

الدرا�سة كيف تطور التعليم يف اليمن مع مرور الزمن، وذلك ملا لل�سياق

م التعليم التاريخـــي للتعليم يف اليمن مـــن اأهمية، كونه يبني لنا كيف قدر

الدينـــي املتطرف وتطور يف اأوقات معينة تزامنـــت مع امل�ساركة اليمنية

يف اأعمال التطرف الديني املحلي واالأجنبي. و�ساأتناول يف الق�سم التايل

الو�سع احلايل للتعليم العام يف اليمن، مبينة مواطن �سعفه وقلة توفره

يف بع�س مناطق البلد، الآن عدم توفر التعليم العام يف�سح املجال اأمام

موؤ�س�ســـات التعليـــم الدينـــي لتنمو �سريعـــا. اأما االأق�سام التـــي تلي ذلك

ف�سوف اأخ�س�سها لو�سف االنت�ســـار االإقليمي للتعليم الديني، والتعرف

على اأهم املوؤ�س�سات الدينية املت�سددة، وفهم اآثار التعليم يف اليمن.

اأما االأق�ســـام املتبقية فقد خ�س�ستها لتو�سيح منط امل�ساركة اليمنية

يف اأعمـــال التطرف الداخلي واخلارجي. و�سنجـــد اأن هناك اأدلة توحي

بـــاأن اأغلبية املقاتلني االأجانـــب واملتطرفني املحليني ياأتـــون من املناطق

التـــي بها تعليم ديني مت�سدد، واأن جامعة االإميان ومدار�س دار احلديث

علـــى وجه اخل�سو�س قد خرجـــت عددا من اليمنيـــني ممن تورطوا يف

اأعمال االإرهاب داخل الوطن و�ساركوا يف القتال يف العراق.

التعليــم يف اليم��ن تعتـــرب اليمـــن اأفقـــر بلـــد يف

ال�ســـرق االأو�سط، وطبقـــا لتقديرات االأمم املتحدة حتتـــل اليمن املرتبة

153 من اأ�سل 177 دولة على موؤ�سر التنمية الب�سرية لعام 2005. اإ�سافة

اإىل هـــذا، اأكـــرث مـــن 75% من �سكان اليمـــن عمرهم مـــا دون 25 �سنة.

وهـــذا التقديرات تبني مـــدى حجم ال�سعوبات التـــي تواجهها اليمن يف

عمليـــة تقدمي نظام تعليم عام كايف لتلبية معدالت االإقبال على التعليم.

ففي �سنـــة 2005، بلغت ن�سبة االأمية 73% من الذكور و35% من الن�ساء،

بينمـــا و�سل املعـــدل العام للأمية ملـــن �سنهم 15 �سنة واأكـــرب اإىل %54.

وعلـــى �سبيل املقارنة، جند اأن متو�سط معدل االأمية بني البالغني يف اأقل

البلدان دخل ي�سل اإىل حوايل %62.

واحلال اأن نظام التعليـــم يف اليمن �سعيف، ونخر يف عظمه الف�ساد،

ويقلـــل من جودتـــه كرثة اأع�ســـاء هيئـــة التدري�س غري املوؤهلـــني ووجود

ف�ســـول درا�سية مكتظة بالطلب مع نق�س �سديـــد يف طاقم التدري�س.

يف مقابـــل ذلـــك، هناك التعليم البديل – التعليم الديني– الذي بداأ يف

اليمـــن منـــذ فرتة طويلة، بل و�سبـــق نظام التعليم العـــام احلديث الذي

مل يبـــداأ اإال يف ال�ستينيـــات، ووا�ســـل )اأي التعليم الدينـــي( تطوره جنبا

اإىل جنـــب مع التعليم العام منـــذ ال�سبعينيات. وينت�ســـر التعليم الديني

ب�ســـورة خا�ســـة يف املناطـــق الريفيـــة ذات الت�ساري�ـــس ال�سعبة، حيث

تفتقـــر الدولة املركزيـــة ل�سلطتهـــا الفعلية. اأما الطـــلب ب�سكل عام يف

كل نظامي التعليم، فاإننا جندهم يفتقرون اإىل املهارات التي يحتاجها

�ســـوق العمل، ويكون الطـــلب الذين يتلقون تعليما دينيـــا مت�سددا اأكرث

عر�سة لللتحاق بجماعات االإرهاب الديني.

التاريخ احلديث للتعليم يف اليمن عندما

ننظر اإىل تاريخ تطور التعليم يف اليمن يتبني لنا اأن نظام التعليم الديني

البديـــل منا اإىل جانب نظام التعليم العام، بل وازدهر كثريا يف املناطق

التـــي كان يغيب فيها التعليم العـــام اأو يكون �سعيفـــا. ويوؤكد لنا التطور

التاريخـــي للمعاهد الدينيـــة هذه اأ�سل االأيديولوجيـــات التي تتبناها يف

مناهجهـــا الدرا�سيـــة؛ فعلى �سبيـــل املثال متيـــل املدار�س التـــي اأ�س�سها

ومولها املجاهدون العائدون اإىل تبني اأيديولوجيتهم ال�سلفية اجلهادية،

التي ت�ســـدد على اأهمية اجلهاد وتت�سامح مـــع العنف �سد غري امل�سلمني

وامل�سلمـــني الذيـــن تربطهم علقات بغري امل�سلمـــني اأو ممن ينتمون اإىل

طوائف م�سلمة اأخرى.

تقليديا، كان التعليم يف اليمن مقت�سرا على املعاهد الدينية املرتبطة

بامل�ساجـــد اأو املدار�ـــس التـــي تاأ�س�ست عن طريق املبـــادرة املحلية. وظل

احلـــال على ذلـــك حتى عام 1962 عندما تولت احلكـــم يف �سمال اليمن

حكومـــة ع�سكريـــة بنظـــرة علمانيـــة، وبداأت يف بـــذل اجلهـــود لتاأ�سي�س

نظـــام تعليـــم علماين. ولكن رغم هـــذا مل يغري التمـــدن والعلمنة خلل

تلـــك الفرتة “الدور القوي جدا الذي لعبه الدين” يف ال�سمال، وال حتى

املفاهيم املحافظة، فقد ظلـــت املعاهد الدينية تعمل بن�ساط اإىل جانب

نظام التعليم العام العلماين.

ويف ال�سبعينيات والثمانينيـــات تو�سع التعليم العلماين ب�سكل ملحوظ

واأ�سبـــح �سهل املنال، اإذ ارتفعت ن�سبة طـــلب املدار�س كثريا بني 1970

و1980، مـــن 12% عام 1971 اإىل 50% عام 1981. لكن، حتى خلل هذه

املحــــور

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 98 ا�سرتاتيجية

الفـــرتة اأي�سا، تعرقـــل �سري تطـــور التعليم العام

ب�سبـــب اكتظـــاظ الف�سول الدرا�سيـــة بالطلب،

وقلـــة املدر�سني املوؤهلني، وترك كثري من الطلب

للدرا�سة.

رئي�ـــس ا�ستغـــل ال�سبعينيـــات فـــرتة وخـــلل

ال�سطر ال�سمـــايل اإبراهيم احلمدي فر�سة وجود

نة الذين در�سوا على اأيدي “االإخوان العلماء ال�س

امل�سلمني” يف القاهرة، وذلك ال�ستخدامهم كقوة

مناه�سة للتاأثـــريات اال�سرتاكية، وعني احلمدي

عبـــد املجيد الزنـــداين، الذي له “ميـــول وهابية

�سديدة”، للإ�سراف على تاأ�سي�س املعاهد الدينية

يف ال�سطـــر ال�سمـــايل. وكان الزنـــداين ي�سافـــر

با�ستمـــرار ما بني اليمـــن وال�سعودية خلل فرتة

ال�سبعينيـــات، وقـــام بتطعيم نظـــام التعليم يف اليمـــن بتعاليم اإ�سلمية

متحفظـــة ومتطرفة جـــدا اأكرث مما كانت عليه من قبل. وكانت هذه هي

نية املمولة من ال�سعودية الفـــرتة التي اأ�سبحت فيها املعاهد الدينية ال�س

)امل�سمـــاة اأي�ســـا باملعاهـــد العلميـــة( متثـــل البديـــل الفعلـــي للمدار�س

احلكومية الفقـــرية، وعرف عنها ن�سر مبداأ عـــدم الت�سامح مع العقائد

االإ�سلمية االأخرى، حتى اأن الزيود ال�سيعة اتهموها مبحاولة ا�ستئ�سال

املذهب الزيدي.

، وبرغم )1(

ويف عـــام 1983 مت تعيني الزنداين وزيرا للرتبية والتعليم

عـــدم بقائه طويل يف هذا املن�ســـب اإال اأن مدار�سه الدينية تكاثرت مع

الدعـــم الكبري الـــذي ح�سلت عليه من امليزانيـــة املخ�س�سة للتعليم يف

اليمن اإىل جانـــب الدعم املايل من ال�سعودية. وبحلـــول العام الدرا�سي

– 1987 و�سل عدد املعاهد الدينية تقريبا 1126 مدر�سة، ويف عام 1986

1988 كان عـــدد الطـــلب امل�سجلني يف هذه املدار�س قـــد و�سل 118000

طالبـــا، وكان 4600 طالبـــا من هذا العدد يتدربـــون كمدر�سني ليوا�سلوا

ن�ســـر التعليم الديني. وزادت ال�سغـــوط االإ�سلمية على نظام املدار�س،

واأدت اإىل عـــزل اجلن�ســـني عـــن بع�سهما يف املدار�ـــس، واأجربت جامعة

�سنعاء على فر�س قانون للحجاب االإ�سلمي بدال من اإلغائه، كما قامت

اجلامعـــة بطرد اأحد االأ�ساتذة عندما اأنكـــر ع�سمة الر�سول حممد من

ارتكاب اخلطاأ.

وبالن�سبة لليمن اجلنوبي، فاإنه كان بني الفرتة من 1839 وحتى 1967

يرزح حتـــت حكم اال�ستعمار الربيطـــاين، وكان التعليم الر�سمي اآنذاك

مقت�ســـر علـــى مدينة عدن ثـــم بداأ يتطـــور بعد االن�سحـــاب الربيطاين

عـــام 1967، وتبنى نف�س هيكلـــة نظام التعليم يف �سمـــال اليمن غري اأنه

ات�ســـع ب�ســـورة اأ�سرع خـــلل ال�سبعينيات مـــن اأجل ن�ســـر االأيديولوجية

اال�سرتاكيـــة. وعلـــى العك�ـــس مما كان عليـــه الو�سع يف ال�سمـــال، منعت

اجلماعات االإ�سلمية يف اجلنوب من ممار�سة اأن�سطتها قبل الوحدة.

وبعد حتقيق الوحدة اليمنية عام 1990 مت دمج

نظامـــي التعليـــم يف ال�سطريـــن، وحاولـــت الدولة

توحيـــد املناهـــج والن�سو�ـــس التعليميـــة واإ�سلح

البنيـــة املدر�سيـــة، وقـــد كان اإجـــراء مثـــل هـــذه

التغيريات �سعبا نظـــرا لعزلة اليمن الدولية اأثناء

– 1991، باالإ�سافة اإىل حرب اخلليـــج عـــام 1990

الفقـــر ال�سديد يف البـــلد. ويف اأواخر 1994 انهار

االقت�ســـاد اليمني متاما، نتيجـــة لتكاليف الوحدة

وخ�سارة احلـــواالت املالية على اإثر طرد ال�سعودية

للمغرتبـــني اليمنيـــني يف مطلع الت�سعينيـــات، وبداأ

نظـــام التعليـــم يف هذه الفرتة يعـــاين من ازدحام

�سديد يف القطـــاع الطلبي الأن حـــوايل 350.000

طالبـــا التحقوا بالتعليم يف اليمن عقب عودة اأكرث

مـــن مليون مغرتب مـــن ال�سعودية ودول اخلليج االأخـــرى على اإثر حرب

اخلليج يف 1990 – 1991.

ويف ظـــل الظـــروف االقت�ساديـــة املتدهـــورة، مل ي�ستطـــع الكثـــري من

االأهـــايل حتمـــل �سراء الكتـــب املدر�سيـــة املكلفة التي كانـــت مطلوبة يف

املدار�ـــس العمومية، فا�ستمر منـــو املعاهد ال�سلفية التـــي تعك�س التعليم

املت�ســـدد يف نظـــام التعليم ال�سعودي حتى و�سل عـــدد تلك املدار�س عام

1996 اإىل 400 مدر�ســـة علـــى م�ستـــوى التعليـــم الثانوي فقـــط. واأعلنت

املدار�ـــس ال�سلفية اأن عدد قطاعها الطلبي بلـــغ 330.000 طالبا، وكان

منهـــم 12.600 طالبـــا يتدربون كمدر�سني “لتعليـــم اجليل القادم”، يف

حني مل يكن عـــدد الطلب يف املدار�س احلكومية �سوى ربع عدد طلب

املدار�ـــس ال�سلفية. اأي�سا بذل االإ�سلميـــون جهودا حثيثة للح�سول على

االأرا�ســـي واملال مـــن اأجل بناء مدار�ـــس لهم يف املناطـــق الفقرية التي

كانت الزراعة فيها على نطاق حمدود مثل بع�س املناطق يف حمافظات

�سنعاء واإب وذمار.

البنيــة احلاليــة لنظــام التعليم العــام يف اليمن

ومدى توفره

يعاين نظام التعليم يف املدار�س احلكومية من قلة توفره،

ومـــن م�ستويات ح�ســـور طلبي متدنيـــة مقابل ارتفاع

معـــدالت ترك الدرا�سة، وهناك تباينات �سا�سعة بني

م�ستويـــات التعليـــم يف احل�سر والتعليـــم يف الريف،

وكذلـــك بني جـــودة التعليم املقدم الأبنـــاء االأغنياء

والتعليـــم املقدم الأبنـــاء الفقـــراء. وحتى يف حال

توفـــر التعليم للجميع فهو لي�ـــس على درجة عالية

من اجلـــودة. وكمـــا �سنو�سح بالتف�سيـــل الحقا،

كان التعليـــم الدينـــي بديـــل متوفـــرا اإىل جانب

عندما ننظر اإىل تاريخ

تطور التعليم يف اليمن

يتبن لنا اأن نظام التعليم

الديني البديل منا اإىل

جانب نظام التعليم العام،

بل وازدهر كثريا يف

املناطق التي كان يغيب

فيها التعليم العام

اأو يكون �سعيفا

99 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010

)1( تخلـــط الكاتبة هنـــا بني ال�سيخ عبداملجيد الزنداين و�سقيقه عبدالواحـــد الزنداين الذي عني – ال ال�سيخ

عبداملجيـــد - وزيـــرا للرتبية والتعليم عـــام 1983، يف احلكومة التي تراأ�سها عبدالعزيـــز عبدالغني ومل يبق يف

من�سبه – اأي عبدالواحد الزنداين - �سوى عام واحد فقط. )املحرر(

Page 51: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 100 101ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

نظـــام التعليم العام، ويلتحق بـــه كل من مل يجد فر�سة يف التعليم العام

اأو مل ترق لهم جودته.

ومـــع اأن القانون اليمني ين�س على التعليم العاملي االإجباري واملجاين

– 15 �سنـــة، اإال اأن الدولـــة ال تقـــوم بتنفيـــذ �سيا�ستهـــا للأطفـــال مـــن 6

التعليميـــة، اإذ جنـــد عددا كبريا مـــن االأطفال ال يذهبـــون اإىل املدار�س

مطلقـــا. ويف عـــام 2001، مل يكن ملتحقا بالتعليـــم االأ�سا�سي �سوى %75

مـــن ال�سكان ممن ي�سمح لهم �سنهم بالدرا�سة، و37% بالتعليم الثانوي.

كما اأن الكثريين يرتكون �سفوف الدرا�سة قبل اإمتام تعليمهم االأ�سا�سي،

وال ي�ســـل بنجـــاح اإىل ال�سف ال�ساد�س �سوى 48 طالبـــا من 100 طالب.

ومـــا يثبط همـــم الطلب اأكرث هـــو حقيقة اأن الكثري مـــن اخلريجني ال

ي�ستطيعون احل�سول على وظائف.

ويوؤثر بن�سب متفاوتة كل من قلة توفر التعليم، وتدين معدل االلتحاق

باملدار�س، وعدم موا�سلة الدرا�سة، ون�سبة االأمية املتزايدة، يف املواطنني

الفقراء والقاطنني يف الريـــف. كما اأن هناك حتديات اقت�سادية ملحة

وف�ساد م�ست�سر يف مفا�سل الدولـــة، وترتاجع �سلطة احلكومة با�ستمرار

اإىل املـــدن احل�سريـــة الكبرية، لهذا يرتكز التعليـــم العام اإىل حد كبري

يف تلـــك املناطق، ويتوفر التعليم االأ�سا�سي يف احل�سر بن�سبة عالية جدا

)91%( مما هو عليه احلال يف الريف )%78(.

ويف الوقـــت الذي يرتفع فيه م�ستوى التعليم تقل وفرة املدار�س، حيث

جنـــد اأن املدار�ـــس الثانوية املتوفرة ال ت�ستوعب �ســـوى 48% من اإجمايل

القطـــاع الطلبي بني �سن 6 و14 عاما، مع توفـــر التعليم الثانوي لن�سبة

ت�سل 84% من طلب املناطق احل�سرية و36% فقط من طلب املناطق

الريفيـــة حيث يعي�س اأغلبية ال�سعب اليمني. وعدم الذهاب اإىل املدار�س

ظاهـــرة ملحوظة متاما يف املناطـــق الريفية، حيث ي�ســـكل اأبناء الريف

88% مـــن اإجمايل الطلب غري الدار�سني مقابل 22% من اأبناء املناطق

احل�سريـــة. فبداأ النا�س بالهجرة من الريف اإىل املدن بحثا عن ظروف

اقت�سادية اأف�سل، مما يوؤثر اأي�سا يف معدل االلتحاق بالتعليم؛ فقد ترك

التعليم الكثري من ال�سباب عام 2007، وانتقلوا اإىل املدن للح�سول على

وظائف ليعيلوا اأ�سرهم عندما مل ي�ستطع االآباء فعل ذلك.

وهنـــاك فارق اآخـــر يف االلتحاق بالتعليم بـــني اأبناء االأغنيـــاء واأبناء

الفقـــراء يف اليمن، وهـــو فارق قليل ن�سبيا؛ 44% مـــن اأبناء الفقراء بني

– 14 �سنة مقابل 33% من اأبناء االأغنياء من نف�س الفئة العمرية. �سن 6

ووفقـــا لل�ستطـــلع الـــذي اأجري عـــن الفقـــر عـــام 1999، و�سل معدل

امللتحقـــني بالتعليم من اأبناء االأ�سر الفقـــرية اإىل 62.9% مقابل %70.2

مـــن اأبناء االأ�سر الغنيـــة، مع العلم اأن هذه االإح�ساءات مل تاأخذ يف عني

االعتبـــار معدل االن�سحاب العـــايل من التعليم بني اأبنـــاء الفقراء، وهو

االأمر الذي كان �سيو�سع الفجوة بني معدالت االلتحاق من اأبناء االأغنياء

والفقـــراء. ويف الغالب يجـــرب االأهايل الفقراء اأبنائهم علـــى الت�سول اأو

االلتحـــاق ب�ســـوق العمـــل، ومينعون اأبنائهـــم من احل�ســـور اإىل املدر�سة

نتيجة التكاليف )حوايل 10 دوالرات لكل طالب يف ال�سنة(.

وحتـــى عندمـــا يتاأتى الطـــلب للدرا�ســـة يف املدار�س العامـــة فهم ال

يجدون �سوى م�ستويات تعليم متدنية، حيث يت�سف نظام التعليم ال�سيئ

يف البلـــد ببنية حتتيـــة �سعيفة، ومن�ساآت مدر�سية ومـــواد تعليمية تفتقر

للجودة، ونق�س يف القاعات الدرا�سية واملدر�سني، واأع�ساء هيئة تدري�س

غـــري موؤهلني. وتقول اإحدى الدرا�سات التي اأجرتها احلكومة عام 2007

اأن التعليـــم يف اليمن يت�سف اأي�سا »بظاهرة الغ�س واملحاباة والر�سوة«.

كمـــا اأن التعليم يعاين اأي�سا من نق�س حاد يف املدر�سني املوؤهلني تاأهيل

علميا يف مواد الريا�سيات والعلوم واللغات؛ فن�سف املدر�سني مل يكملوا

املرحلة الثانوية، حيث يقول ا�ستطلع �سامل عن التعليم يف اليمن اأجرته

احلكومة خـــلل 1999 – 2000 اأن ن�سبة املدر�سني الذين اأكملوا التعليم

االأ�سا�سي مل تتجاوز 60% بينما 40% فقط اأكملوا التعليم الثانوي.

ومـــا يزيـــد الطـــني بلـــة اأن التعليـــم يف اليمـــن مـــا زال يعتمـــد علـــى

طريقـــة اال�ستظهـــار والتلقني، وكما يقـــول اأحد التقاريـــر ملمثل منظمة

“اليوني�سيـــف” يف اليمـــن فـــاإن »هنـــاك الكثـــري من املدر�ســـني مثبطي الهمـــم وغري مدربني يف اليمـــن يدفعون بالطلب اإىل تـــرك املدار�س«.

ووجدت درا�سة اأخرى اأجرتها احلكومة اليمنية عام 2007 اأن التعليم يف

اليمـــن يعتمد اإىل حد كبري “على احلفظ واالأ�ساليب العتيقة”. وميكننا

ملحظة تاأثري نظـــام التعليم املتدين يف اليمن بجلء من خلل الدليل

املروي عن اأحد االأ�ساتذة يف علم االقت�ساد بجامعة �سنعاء واأ�ستاذ زائر

بجامعة جورج تاون، مـــن اأن االأ�ساتذة يف اليمن يجدون خريجيهم غري

قادرين حتى على كتابة اأ�سمائهم.

التعليــم الدينــي يف اليمــن حاليــا منـــذ

زمن طويل والتعليـــم الديني موجود يف اليمن، وهو ي�سبق تاأ�سي�س نظام

التعليـــم احلديث مبراحل وما زال يف �سباق مواز مع التعليم العام. حتى

عـــام 2000، كانت املوؤ�س�سات الدينية تعمل خـــارج نطاق �سيطرة الدولة

متامـــا، لهـــذا تواجـــه احلكومة �سعوبـــات متوا�سلـــة يف مراقبـــة واإدارة

املعاهـــد الدينية التي ترتكز ب�سورة خا�سة يف املناطق الريفية والقبلية

التي تبتعـــد عن قب�سة احلكومة، ولعبت دورا مبا�سرا يف جتنيد عنا�سر

االإرهاب ال�سني املتطرف.

واجلديـــر بالذكر هنا اأن املعاهد الدينيـــة امل�ستقلة يف اليمن تربطها

علقـــات بعدد مـــن الطوائف ولكـــن لي�ـــس جميعها متـــورط يف ت�سجيع

املحــــور

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 100 ا�سرتاتيجية

التطرف والعنف الديني، فهناك مدار�س تعليمية

يف امل�ساجـــد وكانـــت لفـــرتة طويلة هـــي امل�سدر

الوحيد للتعليم يف اليمن قبل تطور نظام التعليم

احلديث، وما زال الكثري منها يعمل ولكن هدفها

االأ�سا�سي هـــو تقدمي التعليـــم االأ�سا�سي وتدري�س

دوافـــع اأي دون ال�سحيحـــة الدينيـــة التعاليـــم

�سيا�سية خفية. وهدف هذه الدرا�سة يف االأ�سا�س

لي�ـــس الرتكيـــز على مثل هـــذه املعاهـــد الدينية،

واإمنـــا على تلك املعاهد الدينية التي تهدف فقط

اإىل اإثارة الكراهية وعدم الت�سامح مع االآخرين،

ويتم ا�ستغللها لغايات �سيا�سية متطرفة. وتتلقى

اأغلبية هذه املدار�ـــس املتطرفة دعمها املادي اإما

مـــن ال�سعودية اأو مـــن املجاهديـــن العائدين من

القتـــال يف اخلارج، وهي موجهة لن�ســـر االأيديولوجية ال�سلفية اجلهادية

من خـــلل تبني مناهج تعليميـــة مماثلة لتلك التي تدر�ـــس يف املدار�س

ال�سعودية.

تقـــع الكثـــري مـــن املناطـــق النائيـــة يف اليمن خـــارج نطـــاق �سيطرة

احلكومة املركزية، وهذا ما تعك�ســـه معدالت االلتحاق املتدنية بالتعليم

العـــام، وجنـــد اأن املعاهد الدينيـــة هي اأكرث اأهمية واأكـــرث عددا يف هذه

املناطـــق )خا�ســـة يف �سمـــال اليمن(، حيـــث يوؤدي االنعـــزال اجلغرايف

اإىل �سيطـــرة حمـــدودة من قبـــل الدولة وعدم ثقـــة املجتمع يف احلكومة

املركزيـــة العلمانية. كما جند اأن هنـــاك معاهد دينية غري مرخ�س لها

وتتبنى اأيديولوجيات �سلفية ولها ميول متطرفة، كاملعاهد التي يف ماأرب

وح�سرمـــوت وذمار. وتوجد مثل هذه املعاهـــد الدينية يف كل امل�ستويات

التعليمية، االأ�سا�سية والثانوية واجلامعية.

وكمـــا اأ�سرنا �سابقـــا، فقد بذل االإ�سلميون ال�سلفيـــون جهودا خا�سة

لتاأ�سي�ـــس هـــذه املدار�ـــس يف املناطـــق الريفيـــة الفقـــرية خـــلل فـــرتة

الت�سعينيـــات، وتدريـــب كادرهـــم اخلا�س مـــن املدر�سني مـــن اأجل ن�سر

اأيديولوجيتهـــم وتعليمها للأجيـــال املقبلة. ومن اأ�سهر هـــذه املوؤ�س�سات

الدينية جامعة االإميان يف �سنعاء وجمموعة مدار�س دار احلديث، وهما

موؤ�س�ســـات اأ�س�سهـــا اأ�سخا�س مت�سددون: عبد املجيـــد الزنداين وال�سيخ

مقبل بن هادي الوادعي على التوايل.

تربـــط ال�سيخ عبد املجيـــد الزنداين، الذي �سبق وقلنـــا اأن له “ميوال

وهابية عميقـــة”، علقات قوية بال�سعودية منـــذ ال�سبعينيات. وقد قام

الزنـــداين يف الثمانينيـــات بتجنيـــد اآالف اليمنيـــني وال�سعوديني للقتال

�ســـد االحتـــاد ال�سوفيتي يف اأفغان�ستـــان وكان ميثـــل االأب الروحي لهم،

وكان اأي�ســـا يف نف�ـــس الفرتة اأحـــد “املعلمني الروحيـــني” التابعني البن

الدن ولكنـــه بعد ذلـــك اأبعد نف�سه علنا عن بن الدن. ويف احلرب االأهلية

يف اليمـــن عـــام 1994 �ساعد الزنـــداين الرئي�س �سالـــح يف قمع املحاولة

االنف�سالية التي قام بها اال�سرتاكيون يف اجلنوب

عن طريـــق ح�ســـد املقاتلني العـــرب العائدين من

اأفغان�ستان، ومنحته هذه امل�ساعدة حماية الرئي�س

�سالح �سد منتقديه من داخل اليمن وخارجها.

وقـــد اتهم الزنداين اأنه اأ�ســـدر فتاوى قام على

اأ�سا�سهـــا عنا�ســـر بتفجـــري املدمـــرة االأمريكيـــة

)كول( عـــام 2000 وقتل ثلثة مب�سرين م�سيحيني

عـــام 2002. ويف اأيلول/ �سبتمرب 2002 اأعلن اأن كل

بـــلد امل�سلمـــني اأ�سبحت »حتت �سيطـــرة الكفار«.

ويف عـــام 2003، دعـــى الزنـــداين مـــع عـــدد مـــن

ال�سخ�سيات اال�سلميـــة يف اليمن اإىل اجلهاد يف

العـــراق. ويف عام 2004 و�سفتـــه الواليات املتحدة

واالأمم املتحـــدة باأنـــه “اإرهـــاب عاملي مـــن طراز

خا�ـــس”. وميكننا القـــول اإن املعتقـــدات الدينية للزنـــداين موجودة يف

املنهج الدرا�سي جلامعة االإميان.

يف عـــام 1990، واإثـــر عودته من اأفغان�ستـــان، اأ�س�س الزنـــداين اأي�سا

احلـــزب ال�سيا�سي االإ�سلمي املحافظ املعـــروف با�سم “التجمع اليمني

للإ�ســـلح”، وهو احلزب الذي اأن�ساأ مدار�س خا�سة به يف الت�سعينيات،

وكان لـــه نظامه اخلا�س يف اإدارة معاهدة الدينية عام 2002. وقد �سمح

الرئي�ـــس اليمني لهـــذه املدار�س بالظهور، بل قدم لهـــا الدعم املادي يف

فـــرتة من الفرتات. وكان الزنـــداين هو من ي�سيطر علـــى اآالف املعاهد

الدينيـــة التـــي اأن�ساأها حـــزب االإ�سلح منـــذ 1990، وتعك�ـــس مناهجها

الفكـــر اجلهادي ال�سلفي للزنداين. وي�سف لنا اليمنيون الذين التحقوا

مبدار�س حزب “االإ�سلح” كيف مت تلقينهم اأن امل�سلمني الذين يتبعون

تعاليـــم الزنداين هم امل�سلمـــون “احلقيقيون”. وعندمـــا �سعر الرئي�س

�سالـــح باخلطر ال�سيا�سي الذي ت�سكله مدار�س االإ�سلح عام 2002 اأعد

خططا لدمج تلك املدار�س، التي بلغ عددها 1.300 مدر�سة وعدد طلبها

400.000 طالبا، مع نظام التعليم احلكومي ابتداء من عام 2003.

ويف عـــام 1993 اأ�س�ـــس الزنداين اأبـــرز جامعة دينيـــة يف اليمن، وهي

جامعـــة االإميـــان بالعا�سمـــة �سنعـــاء. واختـــار ال�سيـــخ موقـــع بناء

اجلامعـــة يف �ساحية فقرية على خـــط �سريع �سمال �سنعاء،

وهـــي وجهة للمهاجرين من الريف اإىل املدينة بحثا عن

فر�س اقت�سادية اأف�سل، كما اأنها املوقع الذي ازدهر

فيـــه االإ�سلم ال�سيا�سي. ومـــع اأن اجلامعة بنيت على

اأر�ـــس وهبتهـــا احلكومـــة اليمنيـــة، اإال اأنهـــا كانت

تتلقى الدعم املـــادي يف بادئ االأمر من ال�سعودية

اأنحـــاء االإ�سلميـــة يف مـــن اجلماعـــات وعـــدد

العامل االإ�سلمـــي. وبالتايل، فاإن اجلامعة تتبنى

االأيديولوجية ال�سلفية يف مناهجها الدرا�سية.

حتى عام 2000، كانت

املوؤ�س�سات الدينية تعمل

خارج نطاق �سيطرة الدولة

متاما، لهذا تواجه احلكومة

�سعوبات متوا�سلة يف

مراقبة واإدارة املعاهد

الدينية التي ترتكز ب�سورة

خا�سة يف املناطق الريفية

والقبلية التي تبتعد عن

قب�سة احلكومة

101 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010

Page 52: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 102 103ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

وقـــد وجهـــت جهات حمليـــة واأمريكيـــة اتهامات �سد اجلامعـــة باأنها

متتلك جناحا ع�سكريا، وهي اتهامات اأنكرها الزنداين مرارا وتكرارا.

وموؤخـــرا، اتهمـــت عدد مـــن ال�سحـــف اجلامعة باأنهـــا تديـــر مع�سكرا

للتدريب الع�سكري لكي تعد طلبا لل�سفر اإىل غزة والقتال هناك، ولكن

الزنـــداين اأنكـــر هذا االتهامـــات اأي�سا، مع اأن جون ووكـــر لند - الع�سو

االأمريكـــي يف حركة طالبان - كان طالبـــا يف جامعة االإميان قبل �سفره

اإىل اأفغان�ستان للقتال هناك.

ويف الوقـــت الذي كانـــت احلكومة اليمنيـــة تبذل اجلهـــود الإغلق اأو

توحيـــد موؤ�س�سات التعليم الديني اخلا�سة، كان الرئي�س �سالح يت�سدى

با�ستمـــرار للنتقادات املوجهـــة للجامعة، ومل تغلـــق اجلامعة اإال لفرتة

موؤقتـــة على اإثر هجمات احلادي ع�سر مـــن اأيلول/�سبتمرب 2001، وهذه

احلمايـــة �سبه امل�ستمـــرة التي حتظى بهـــا جامعة االإميان مـــن الرئي�س

�سالـــح هي مقابل امل�ساعدة التي قدمها الزنداين من خلل دعم �سالح

مبقاتلني م�سلحني اأجانب لقمع حماولة اجلنوب االنف�سالية عام 1994.

ويف متوز/يوليـــو 2008 بلـــغ عدد الطـــلب امل�سجلـــني يف جامعة االإميان

حوايل 6.000 طالب.

اأما فيما يتعلق مبعاهد دار احلديث فهي عبارة عن �سبكة من املعاهد

تقيـــم حلقات درا�سية مت�سددة ومنت�ســـرة يف اليمن، وقد مت تاأ�سي�س اأول

معهـــد يف منطقـــة دمـــاج مبحافظة �سعـــدة على يد رجـــل دين متطرف

يدعـــى ال�سيـــخ مقبل بـــن هادي الوادعـــي، ويعترب هذا املعهـــد من اأكرب

معاه���د “احلركة االإ�سلميـــة ال�سلفية” يف اليمن. وقـــد در�س الوادعي

علـــوم الدين يف ال�سعودية، حيث التحق باجلامعة االإ�سلمية يف املدينة.

ومنـــذ تاأ�سي�س اأول معهد تاأ�س�ست الكثـــري من مراكز دار احلديث داخل

وخارج اليمن. وبح�سب اأحد املواقع ال�سلفية، تنت�سر معاهد دار احلديث

يف �سبع مناطق مينية ويف م�سر وال�سومال واإندوني�سيا.

وتتلقى معاهد دار احلديث دعمها من متربعني �سلفيني يف ال�سعودية،

وهـــم اأي�ســـا من ي�سرف على �ســـري التعليم فيها. ويف عـــام 2002 اتهمت

اليمن هـــذه املعاهد بت�سجيـــع الفكر املتطرف، وقامـــت برتحيل �سبعني

طالبـــا اأجنبيا من طلب املعاهد بحجة اأن وثائق اإقامتهم غري قانونية.

ويف عـــام 2002 ذكرت و�سائل االإعلم املحلية اأن هناك اأكرث من ثمانني

معهـــد ديني لـــه علقة مبراكـــز دار احلديث يف اليمـــن، ويرتادها عدد

كبري من الطلب اليمنيني والعـــرب واالأجانب. وذكرت و�سائل االإعلم

املحليـــة اأي�سا اأن لـــدى الواليات املتحدة معلومـــات توؤكد اأن عنا�سر من

مقاتلـــي تنظيـــم القاعدة هـــم من طلب هـــذه املراكـــز يف اليمن. ويف

عـــام 2003 ذكـــرت م�سادر حملية اأن عـــدد املعاهد ال�سلفيـــة و�سل اإىل

100 معهـــد يرتادها اآالف الطلب مـــن داخل اليمن وخارجها. ويف عام

2004 و�ســـف حمللـــو قوات املهـــام امل�سرتكة ملكافحة االإرهـــاب التابعني

ملعتقل غوانتانامو، معهد دار احلديث مبنطقة دماج باأنه »مركز تدريب

اإرهابي معروف«.

ومع اأن املعاهد املذكورة اآنفا جت�سد اأهم االأمثلة على التعليم املتطرف

يف اليمـــن، اإال اأن هنـــاك الكثري من املعاهد الدينيـــة غري املرخ�س لها.

وذكـــر ال�سحفـــي اليمني حممد القا�سي يف مقالـــة افتتاحية يف جريدة

“ميـــن تاميـــز” اأن مناهج معظم املعاهد واجلامعات الدينية يف اليمن وتعتربهم امل�سلمني قتل غري ت�سجع على “التع�سب الديني”، و”جتيز

كفـــار”. ويف درا�ســـة اأجرتها وزارة االأوقاف واالإر�ســـاد عام 2004 تتوفر

معلومات عن توزيـــع املعاهد الدينية، وت�سري اإىل اأن هناك حوايل 1000

معهـــد، واأن معظمهـــا يعمـــل خارج نطـــاق ال�سيطـــرة املركزيـــة للدولة.

ومـــع اأن بع�س هـــذه املعاهد تلقت دعمها املايل من قبـــل رجال االأعمال

واالأحـــزاب ال�سيا�سية وجمعيـــات خريية بريئة، اإال اأن كثـــريا منها تلقى

الدعـــم املايل من جمعيات خرييـــة تربطها علقة باالإرهاب، فقد كانت

جمعيـــة احلرمـــني اخلرييـــة يف ال�سعودية اإحـــدى هـــذه اجلمعيات وقد

اأغلقتهـــا ال�سلطات ال�سعودية بعد اإدانتهـــا بجمع االأموال لدعم االأن�سطة

االإرهابية.

الرد احلكومي على التعليم الديني قبل

اأحداث احلادي ع�سر من اأيلول/�سبتمرب 2001 مل تكن احلكومة اليمنية

تتدخـــل يف االأنظمـــة التعليميـــة يف املعاهد الدينية، بـــل اإنها كانت تقدم

الكثـــري من الدعم املايل لهذه املعاهد، ولكن بعد اإغلق جامعة االإميان

لفـــرتة موؤقتـــة يف اأعقـــاب هجمـــات اأيلول/�سبتمـــرب وطـــرد 500 طالب

اأجنبي الأ�سباب تتعلق مبحاربة االإرهاب، تبنت احلكومة اليمنية �سيا�سة

للإ�سراف االإداري واملايل على املعاهد الدينية، وقامت عام 2002 بدمج

ميزانيات هذه املعاهد �سمن خم�س�سات وزارة الرتبية والتعليم.

ويف عـــام 2004 �ساعفـــت احلكومة اليمنية جهودهـــا الإغلق املعاهد

الدينيـــة، فاأعلنـــت يف حزيران/يونيـــو 2004 قرارهـــا باإغـــلق املعاهد

الدينيـــة »نظـــرا لوجود علقة بـــني التطرف والتع�ســـب وبع�س املناهج

الدرا�سيـــة التي ت�سجع اأيديولوجيات منحرفـــة وغريبة«. وتعهدت وزارة

الرتبيـــة والتعليـــم بالعمل علـــى اإ�ســـلح املناهج الدينيـــة خللق مناهج

حتتـــوي على تعاليم اإ�سلمية معتدلة، بينما اأعلنت احلكومة توقفها عن

تقـــدمي الدعم للمعاهد الطائفية، ومن �سمن هذا الدعم ما كان تقدمه

للمعاهد ال�سلفية املتطرفة.

وعلى الرغم من كل هذه اجلهود، اأعلنت احلكومة اليمنية عام 2005

اأنـــه ما زال هناك 330.000 طالب م�سجل يف معاهد دينية غري مرخ�س

املحــــور

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 102 ا�سرتاتيجية

لها. وبحلول عام 2008 اأغلقت احلكومة ما يقارب

4.500 معهد ديني غري مرخ�س، ورحلت الطلب

غـــري اليمنيني ممن كانـــوا يدر�سوا بتهمة اأن تلك

املعاهـــد تن�ســـر الفكر املتطـــرف والقتـــايل. ويف

اآب/اأغ�سط�ـــس من نف�س العـــام ذكرت ال�سحف

اليمنية اأن احلكومة اأغلقت حوايل 1.000 مع�سكر

�سيفـــي دينـــي يف 2008. ولكن مـــرة اأخرى �سدر

تقرير ر�سمي من وزارة االأوقاف يف كانون االأول/

دي�سمـــرب 2008 اأو�ســـح اأنه مـــا زال هناك حوايل

4.000 معهـــد يعمـــل يف اليمـــن، واأن 20% منها ال

تعرف اأي رقابة حكومية.

ويف كانـــون الثاين/ينايـــر 2009 ظلـــت هنـــاك

معاهد دينية غري قانونية تعمل دون رادع، فاأعلنت

احلكومـــة اليمنيـــة ا�ستئناف عملية اإغـــلق هذه املعاهد التـــي و�سفتها

امل�ســـادر احلكوميـــة باأنهـــا »اأماكن تفريـــخ للإرهابيـــني واملتع�سبني«.

اإ�سافـــة اإىل ذلـــك، اأعلنـــت احلكومة عـــن ا�سرتاتيجيـــة �ساملة ملعاجلة

“ثقافة التطرف والعنف”، وذلك من خلل تثقيف ال�سباب ون�سر »قيم الت�سامح واالعتدال يف العقيـــدة االإ�سلمية، التي ترف�س عدم الت�سامح

والتطرف«.

اآثــار التعليــم يف اليمــن اإن نظام التعليم العام

يف اليمـــن، وكذلـــك نظام التعليـــم الديني، ال يقومـــان باإعداد الطلب

وجتهيزهـــم بالقـــدرات واملهـــارات ال�سرورية لتاأمـــني وظائف لهم حال

تخرجهـــم، لهذا حتى لو مل يتلق الطـــلب تعليما دينيا متطرفا – الذي

يجعلهم اأكرث عر�سة للم�ساركة يف االإرهاب الديني– فاإن امل�سكلة تبقى،

كما قال عبد اهلل الفقيه، اأ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية بجامعة �سنعاء، يف اأن

»اآالفـــا من ال�سباب اليمني العاطلني عـــن العمل واليائ�سني، هدف �سهل

للجماعات املتطرفة املحلية منها والعابرة للحدود«.

وال يكـــون ال�سبـــاب ذوي امل�ستويـــات التعليميـــة املتدنيـــة قادرين على

�ســـي �سوى العمل يف وظائف باأجر زهيـــد، وينتهي بهم املطاف بالهجرة

للبحـــث عن فر�ـــس عمل اأف�سل. اأمـــا ال�سباب الذين لهـــم خلفية علمية

اأعلى فعليهم اأن يتناف�سوا ب�سدة للح�سول على وظائف يف القطاع العام.

وقد كانـــت احلكومة اليمنيـــة يف الت�سعينات متثل اأكـــرب قطاع ي�ستوعب

خريجي اجلامعات، لكنها اأ�سبحت يف منت�سف الت�سعينيات عاجزة عن

توظيف املزيد من اخلريجني، ومل تعد ت�ستوعب �سوى 10% من خريجي

كليات الزراعة والعلوم االإن�سانية وال�سريعة والقانون، و50% من خريجي

التخ�س�سات التجارية. واأ�سار اأحد اأ�ساتذة االقت�ساد يف جامعة �سنعاء،

واالأ�ستاذ الزائر بجامعة جورج تاون، يف مقالة له ن�سرها عام 2003 اإىل

اأن معـــدل البطالة يف اأو�ساط خريجـــي اجلامعات و�سل 50%، مع معدل

.%40 – بطالة وطنية بلغت 35

تطرف اليمنين

خـــلل العقـــود القليلـــة املا�سيـــة كانـــت اليمن

متثـــل م�ســـدرا لعنا�سر االإرهـــاب واأر�ـــس اإعداد

ملقاتليهـــم. وقد �سافـــر اآالف املتطوعـــني اليمنيني

يف الثمانينيات للم�ساركـــة يف اجلهاد �سد القوات

ال�سوفيتية يف اأفغان�ستان، ثم عادوا يف الت�سعينيات

وب�سحبتهم “جماهديـــن عرب” اآخرين، جالبني

معهـــم االأيديولوجية ال�سلفيـــة املتطرفة. ويف عام

1992 اأ�سبـــح اليمن اأر�سية اإعـــداد وانطلق الأول

هجمـــات لتنظيم القاعدة التـــي ا�ستهدفت جنودا

اأمريكيني كانـــوا يف طريقهم اإىل ال�سومال خلل

االأمل”. ا�ستعادة “عملية ويف الت�سعينيـــات ومطلع عـــام 2000 قامت جماعـــات اإرهابية حملية

تنتمـــي اإىل القاعدة بتنفيـــذ عدد من الهجمات، وقـــد متكنت احلكومة

اليمنية من تفكيك تلك اجلماعات بحلول 2003، لكن اليمنيني ا�ستمروا

يف ال�سفـــر اإىل اخلارج خلل تلك الفـــرتة، وكانوا ميثلون م�سدرا كبريا

للمقاتلـــني االأجانب يف العراق بعد الغـــزو االأمريكي عام 2003. ويف عام

2006 ت�سكلـــت جماعة اإرهابية جديدة حتت م�سمى “تنظيم القاعدة يف

اليمن”، ومنذ ذلك احلني وهي تقوم بتنفيذ هجمات عنيفة �سد اأهداف

غربية، من �سمنها الهجمات التي ا�ستهدفت ال�سفارة االأمريكية و�سياح

اأ�سبان واملجمع ال�سكني الغربي.

امل�ساركــة اليمنيــة يف اجلهــاد باأفغان�ستــان )الثمانينيــات

والت�سعينيات(

دعـــم اليمنيون بقوة اجلهود اجلهادية يف اخلـــارج منذ الثمانينيات،

وذلـــك عندمـــا �سافـــر اآالف منهـــم اإىل اأفغان�ستـــان لقتـــال ال�سوفيـــت،

حيـــث �ســـارك ثلثـــة اآالف مينـــي يف اجلهاد هنـــاك، واأ�سبحـــت اليمن

اأكـــرب م�ســـدر للمجاهدين بعد ال�سعوديـــة. وقد جاء هـــوؤالء املقاتلون

اأوال مـــن �سمـــال اليمـــن، الأن اليمن اجلنوبـــي اال�سرتاكي كان

ينا�ســـر ال�سوفيت ويبـــذل اجلهود ملنـــع املتطوعني اليمنيني

مـــن ال�سفـــر اإىل اأفغان�ستان لغر�س اجلهـــاد. و�سارك

عبد املجيد الزنـــداين يف جتنيد الكثري من اليمنيني

للجهاد هناك خلل الثمانينيـــات والت�سعينيات، اإذ

ح�ســـد خلل الفرتة 1984 – 1990، 5.000 اإىل 7.000

جماهد عربي، من بينهم عدد كبري من اليمنيني،

واأر�سلهم اإىل مع�سكـــرات القاعدة يف اأفغان�ستان

بغر�س التدريب الديني والع�سكري. وتقول بع�س

امل�سادر اأن اليمنيني �سكلوا ثلثي جمندي اأ�سامة

بن الدن يف مع�سكرات تدريبه باأفغان�ستان.

يف عام 2004 �ساعفت احلكومة

اليمنية جهودها لإغالق

املعاهد الدينية، فاأعلنت يف

حزيران/يونيو 2004 قرارها

باإغالق املعاهد الدينية »نظرا

لوجود عالقة بن التطرف

والتع�سب وبع�ص املناهج

الدرا�سية التي

ت�سجع اأيديولوجيات

منحرفة وغريبة«

103 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010

Page 53: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 104 105ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

وقد اأدرك اأ�سامة بـــن الدن اأنه �سيجد اأر�سا خ�سبة لتفريخ عنا�سره

يف اليمـــن؛ ف�سعى اإىل حت�سني علقاته بعدد من القبائل اليمنية و�ساعد

الزنـــداين يف تاأ�سي�س حزب االإ�سلح، كما �ساعـــد اليمنيني على ال�سفر

اإىل اأفغان�ستـــان ملحاربـــة القوات ال�سوفيتيـــة. وتقول بع�ـــس التقديرات

اأن عـــدد اليمنيني الذين حاربوا يف اأفغان�ستـــان اأو تدربوا يف مع�سكرات

القاعدة يرتاوح بني اآالف وع�سرات االآالف.

وميكن - اإىل حد ما - اإرجاع تف�سري ارتفاع عدد املتطوعني اليمنيني،

خا�ســـة من �سمال اليمـــن، اإىل تاأ�سي�س املعاهـــد ال�سلفية اجلهادية التي

دعمتهـــا ال�سعوديـــة حتـــت اإ�ســـراف الزنـــداين يف �سمـــال اليمن خلل

ال�سبعينيـــات. وكما ذكرنا اآنفا، فقد اأطلق رئي�س اليمن ال�سمايل العنان

للزنـــداين يف تاأ�سي�ـــس تلك املعاهـــد الدينية املتطرفة لكـــي يواجه تاأثري

النفـــوذ اال�سرتاكـــي يف اجلنـــوب، ومت تعيـــني الزنداين كوزيـــر للرتبية

عام 1983 وا�ستمر يف جتنيـــد اآالف اليمنيني للجهاد �سد )2(

والتعليـــم

ال�سوفيـــت يف الثمانينيـــات، وكان معظـــم املجنديـــن مـــن تلـــك املعاهد

الدينية.

الإرهاب املحلي يف اليمن )الت�سعينيات – 2003(

مل تعمل اليمن خلل هذه الفرتة الزمنية كملذ اآمن للمقاتلني العرب

العائديـــن من اأفغان�ستان فح�سب، بل اإنها كانـــت اأر�س اإعداد وانطلق

اأوىل هجمـــات القاعـــدة، والتي تلتهـــا العديد من الهجمـــات االإرهابية،

ا�ستهدفـــت م�سالح غربيـــة ومل تردعها اإال اإجـــراءات مكثفة ومناه�سة

للإرهاب عام 2002.

خلل فرتة الت�سعينيات، كان اليمن عامل جذب للمقاتلني يف احلرب

�ســـد ال�سوفيت، وقد وفر احلزب االإ�سلمي املعار�س – حزب االإ�سلح

– احلمايـــة للمقاتلـــني اليمنيـــني. وخلل تلك الفـــرتة رحبت احلكومة اليمنية بع�ســـرات االآالف من املقاتلني العرب العائديـــن من اأفغان�ستان

بعد احلـــرب �سد ال�سوفيت. وقـــد اكت�سب هوؤالء املقاتلـــني خربة قتالية

يف املعارك، ومت تلقينهـــم االأيديولوجية ال�سلفية التي جلبوها معهم اإىل

اليمن. كما �ساعـــد اآالف منهم الرئي�س �سالح يف حملته الع�سكرية التي

تغلـــب فيها على اليمن اجلنوبي اال�سرتاكـــي الذي حاول االنف�سال عام

1994. وبعـــد ذلـــك عا�س بع�سهم حيـــاة �سلم يف اليمـــن، بينما ا�ستمر

البع�س االآخر يف ت�سكيل اجلماعات التابعة للقاعدة.

وعندمـــا تلـــكاأت احلكومـــة يف تلبية مطالـــب بع�س املقاتلـــني االأفغان

)اأي بال�سمـــاح لهـــم بااللتحاق باجلي�ـــس اليمني، ومنحهـــم حرية اأكرث

يف اجلنـــوب �ســـد اال�سرتاكيني( اندلـــع القتال بـــني الطرفني يف متوز/

يولي���و 1994، وتغلـــب اجلانـــب احلكومي علـــى املقاتلني وطـــرد بع�سهم

مـــن اليمـــن وقب�س على البع�س االآخر. لكن هنـــاك من فر من املقاتلني

وقامـــوا بت�سكيل جي�س عدن اأبـــني االإ�سلمي، حيث قامت هذه اجلماعة

باإن�ساء مع�سكر تدريب لعنا�سرها يف حمافظة اأبني لكي تتمكن من طرد

الوجـــود االأمريكي والربيطاين من اليمن و�سبه اجلزيرة العربية. اأي�سا

ا�ستغـــل بن الدن اليمن كمـــاأوى لبع�س عنا�سره واأعمالـــه التجارية التي

ا�ستخدمها كم�سدر للدعم املـــايل واللوج�ستي، وكذلك لتزوير جوازات

ال�سفر. اإ�سافة اإىل هذا، كانت توجد هناك عدد من مع�سكرات التدريب

الكـــربى التابعة للقاعدة حتى متكنت احلكومـــة اليمنية من تفكيكها يف

نهايـــة الت�سعينيـــات. ويقدر املحللون بـــاأن اليمنيني ي�سكلـــون ثالث اأكرب

متثيل وطني يف تنظيم القاعدة، بعد امل�سريني واجلزائريني.

ويف كانـــون االأول/دي�سمـــرب 1992 قـــام مقاتلـــون ينت�سبـــون للقاعدة

بتنفيـــذ اأول هجوم �سد اأهداف اأمريكية، عندما فجروا فندق يف مدينة

عـــدن كان ي�ستخدمـــه اجلنود االأمريكيني كنقطة انتقـــال اإىل ال�سومال

اأثنـــاء »عمليـــة ا�ستعادة االأمـــل« التي متثل جزءا من اجلهـــود االأمريكية

حلل االأزمـــة االإن�سانية يف ال�سومال. وكان الهجـــوم، رغم ف�سله، نذيرا

بت�سكيـــل جي�س عدن اأبـــني االإ�سلمي التابع لتنظيـــم القاعدة يف اأواخر

الت�سعينيـــات. ويف 28 كانون االأول/دي�سمـــرب 1998 قام جي�س عدن اأبني

وفـــروع اأخرى للقاعـــدة باختطاف �ستة ع�سر �سائـــح غربي يف حمافظة

اأبـــني. ويف كانـــون الثاين/ينايـــر 2000، وبتاأييـــد من تنظيـــم القاعدة،

حـــاول عنا�سر جي�س عدن اأبني مهاجمة ال�سفينة االأمريكية »يو اإ�س اإ�س

�سوليفان«، لكن حماولتهم باءت بالف�سل.

وكان اأول هجوم ناجح نفذه جي�س عدن اأبني �سد الواليات املتحدة يف

12 ت�سريـــن االأول/اأكتوبر 2000 عندما قـــام انتحاريون يف زورق حممل

مبتفجـــرات من نوع C4 وتـــزن 270 كجم، مبهاجمـــة املدمرة االأمريكية

)كـــول( التي كانت تر�سو يف ميناء عدن. واأ�سدر الحقا جي�س عدن اأبني

بيانـــا اأعلن فيه م�سئوليته عن هذا الهجوم، الذي قتل �سبعة ع�سر بحارا

اأمريكيـــا وجـــرح ت�سعة وثلثـــني اآخرين. وقـــد كان 80% من اجلهاديني

الذيـــن ا�سرتكوا يف تنفيذ الهجوم �سعوديني مـــن اأ�سل ميني، من بينهم

العقل املدبر للهجوم عبد الرحيم النا�سري.

وتل ذلـــك الهجوم عدد مـــن املحـــاوالت الفا�سلة، ففـــي متوز/يوليو

2001 مت القب�ـــس على ثمانية مقاتلـــني مينيني، ممن �ساركوا يف اجلهاد

�ســـد ال�سوفيـــت، وهم يخططـــون للهجوم علـــى ال�سفـــارة االأمريكية يف

�سنعـــاء. ويف 6 ت�سريـــن االأول/اأكتوبـــر 2002 متـــت ثـــاين عملية جلي�س

عـــدن اأبني، وهـــو الهجوم �سد ناقلـــة النفط الفرن�سية “ملبـــورج” قبالة

ال�سواحـــل اليمنيـــة، وقتل فيه مـــدين واحد وجرح �سبعـــة ع�سر اآخرين.

ونتيجة لذلك، تعاونت احلكومة اليمنية مع الواليات املتحدة يف اجلهود

املبذولـــة ملكافحـــة االإرهـــاب، غري اأن جي�ـــس عدن اأبني وا�ســـل هجماته

املحــــور

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 104 ا�سرتاتيجية

)2( راجع ملحظة املحرر ب�ساأن ذلك، والتي اأوردها �سفحة 99 من هذا العدد.

على امل�سالح الغربية حيث حاول اإ�سقاط طائرة

مروحيـــة يف ت�سريـــن الثاين/نوفمرب 2002، وقتل

ثلثـــة مب�سرين اأمريكيني باأحـــد امل�ست�سفيات يف

كانون االأول/دي�سمرب من نف�س العام.

وخـــلل ال�سنـــوات التي تلت، قامـــت جماعات

تنتمـــي لتنظيـــم القاعـــدة بعـــدة هجمـــات �ســـد

امل�سالح الغربية يف اليمن، لكن عمليات مكافحة

االإرهـــاب ا�ستمـــرت وا�ستطاعـــت بفعالية احتواء

العنا�سر املقاتلة التـــي تنتمي للقاعدة، واعتقلت

ال�سرطـــة عددا كبريا مـــن اجلهاديني ثم اأطلقت

�ســـراح البع�س منهم يف مبادرة عفو عام �سريطة

اأن ال يقوموا باأي هجمات على االأرا�سي اليمنية.

وباالإ�سافة اإىل وجود اآالف املحاربني االأفغان،

ميكـــن عزو ظهـــور ظاهرة االإرهـــاب الداخلـــي يف اليمـــن اإىل عدد من

العوامـــل املهمـــة، وهي: تهديـــد االأهـــداف الع�سكرية الغربيـــة؛ والو�سع

االقت�ســـادي الداخلـــي املتفاقـــم؛ وانت�ســـار املدار�س واملعاهـــد الدينية

املتطرفة يف اليمن. ومع اأن املنطقة �سهدت عرب التاريخ وجودا ع�سكريا

قويـــا للواليـــات املتحـــدة، اإال اأن الدولة احلديثة يف اليمـــن مل ت�ست�سيف

اأي قاعـــدة ع�سكريـــة اأمريكيـــة دائمـــة علـــى اأرا�سيهـــا. وامللحـــظ اأن

القوات االأمريكيـــة وغريها من القوات الغربية ت�ستخدم املواين اليمنية

كمحطـــات للتزود بالوقود، االأمر الذي يعد ممار�سة دولية مثالية ال تنم

عن احتلل اأجنبي. ولكن رغم غياب احل�سور الع�سكري للقوى الغربية

ذت كانت ت�ستهدف يف اليمـــن اإال اأن معظم الهجمات ال�ساحقة التـــي نفر

اأهداف غربية.

وكنتيجـــة حلرب اخلليـــج 1990 – 1991 توتـــرت العلقات بني اليمن

والـــدول الغربية حتـــى منت�سف الت�سعينيات، عندما قـــرر الغرب اإعادة

العلقـــات مع اليمن و�سجع �سندوق النقد الـــدويل والبنك الدويل على

تقدمي الدعم املايل لليمن. ولكن ذلك مل يجد نفعا يف اإيقاف الهجمات

االإرهابيـــة الداخلية �سد امل�سالح الغربية يف اليمـــن. ففي 1992، وقبل

االإعـــلن عن اإعادة العلقـــات ح�سل اأول هجـــوم للقاعدة �سد اجلنود

االأمريكيني، الذين توقفوا يف عدن وهم يف طريقهم اإىل ال�سومال. كما

قامت عنا�سر جي�س عدن اأبني بتنفيذ اأول هجوم ناجح لها �سد البحرية

االأمريكيـــة. ففـــي عـــام 1999 بـــداأت الواليـــات املتحدة ت�ستخـــدم عدن

كمحطة للتـــزود بالوقود، ومنذ 1999 وحتى تفجري املدمرة “كول” عام

2000 توقفـــت ما يقـــارب 24 �سفينة حربية تابعـــة للبحرية االأمريكية يف

عـــدن لغر�س تعبئة الوقود، وبعد تفجري “كول” علقت الواليات املتحدة

عمليات التزود بالوقود يف اليمن.

ويف عـــام 2001 جـــددت الواليـــات املتحـــدة التزامها بتقـــدمي الدعم

املـــادي لليمـــن، وتعـــززت العلقـــات بـــني الدولتـــني اأكرث بعـــد اأحداث

احلـــادي ع�ســـر مـــن اأيلول/�سبتمـــرب 2001. ومنذ

ذلـــك احلني واليمن تتعاون مـــن الواليات املتحدة

يف اجلهـــود املبذولة ملكافحة االإرهاب، ويف املقابل

قدمـــت احلكومـــة االأمريكية امل�ساعـــدة الع�سكرية

والدبلوما�سيـــة واملالية لليمن. غري اأن هذا التعاون

ظـــل طي الكتمـــان حتى ال يثري الغ�ســـب الداخلي.

ويف عـــام 2002، وبدال من و�ســـع قواتها يف اليمن،

قامت الواليات املتحدة بنقل 800 جندي من قوات

العمليات اخلا�ســـة اإىل جيبوتي، حيث من املمكن

ن�سرهـــم ب�سرعة �سد عنا�ســـر تنظيم القاعدة يف

اليمن.

وعندمـــا تبنـــت اليمـــن موقفـــا موؤيـــدا للعـــراق

وعار�ست اأي تدخل غربي يف حرب اخلريج 1990

– 1991 قطعـــت ال�سعوديـــة والكويـــت علقاتها الدبلوما�سيـــة مع اليمن

والدعم املايل كذلك، وطـــردت ال�سعودية ما يقارب مليون عامل ميني،

وهـــو ما زاد من ال�سغط على االقت�ساد امل�سطرب اأ�سل وما زال يعاين

مـــن تكاليف الوحدة، فلم ت�ستطع احلكومة تقـــدمي الدعم املايل الكايف

للتعليم العام. ويف مقابل ذلك، ازدهرت املدار�س ال�سلفية املدعومة من

ال�سعودية خلل تلك الفرتة، وخا�سة يف املناطق الريفية الفقرية. فعلى

�سبيـــل املثال، تاأ�س�ســـت جامعة االإميان على يد الزنـــداين يف �سنة 1993

بتمويل �سعودي.

وكان مـــن اأهم ما ت�سمنتـــه اإ�سرتاتيجية مكافحـــة االإرهاب الناجحة

التـــي تبنتهـــا اليمن اإغـــلق مئـــات املعاهد الدينيـــة، وتطبيـــق برنامج

اإعـــادة التعليـــم اأيديولوجي من خلل احلوار مـــع العلماء امل�سلمني. ويف

مطلـــع 2002 طـــرد الرئي�ـــس �سالح اأكرث مـــن 100 معلم وطالـــب اأجنبي

يف املوؤ�س�ســـات الدينيـــة اخلا�سة ممن ال يحملـــون تاأ�سرية قانونية، ومن

�سمـــن هـــذه املوؤ�س�ســـات معاهـــد دار احلديـــث وجامعـــة االإميـــان. وقد

ا�ستهدفـــت الدولـــة هذه املدار�س علـــى وجه اخل�سو�ـــس، الأن عددا من

طلبهـــا تورطـــوا ب�سكل مبا�سر يف اأعمال اإرهابيـــة داخلية. فقد كان كل

مـــن علي جاراهلل وعابد عبد الرزاق كامـــل – العن�سران املن�سوبان

للقاعدة، وامل�سئـــوالن عن اغتيال اأحد ال�سيا�سيني املعار�سني

وثلث ممر�سات م�سيحيات يف اأواخر 2002 – من منتجات

جامعة االإميان.

املقاتلون اليمنيون يف العراق )2003 – حتى

الآن(

منـــذ عـــام 2003 وا�ســـل اليمنيـــون ال�سفر اإىل

اخلارج كمقاتلـــني اأجانب. وقد ذكـــرت التقارير

عـــام 2008 اأن املجاهديـــن اليمنيـــني يوجدون يف

ال�سعوديـــة واأفغان�ستـــان وال�سومـــال ولبنان، مع

ميكن - اإىل حد ما -

اإرجاع تف�سري ارتفاع عدد

املتطوعن اليمنين للجهاد

باأفغان�ستان، خا�سة من

�سمال اليمن، اإىل تاأ�سي�ص

املعاهد ال�سلفية اجلهادية

التي دعمتها ال�سعودية حتت

اإ�سراف الزنداين يف �سمال

اليمن خالل ال�سبعينيات

105 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010

Page 54: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 106 107ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

وجـــود اأكرب عـــدد منهـــم يف العراق، حيـــث ي�ساركون يف حركـــة التمرد

�ســـد القوات االأمريكيـــة يف العراق منذ االحتلل االأمريكـــي لهذا البلد

عـــام 2003. كمـــا ي�سكلون اأكـــرب ثالث م�سدر مـــن املقاتلـــني االأجانب،

وقامـــوا بتنفيذ عدد من الهجمات االنتحاريـــة. ويف عام 2006 اكت�سفت

درا�ســـة اأجراها مركـــز الدرا�سات اال�سرتاتيجيـــة والدولية اأن 17% من

املقاتلني االأجانب يف العراق يحملون اجلن�سية اليمنية، وذكرت �سحيفة

على يد مينيني. انتحاري هجوم ع�سرين تنفيذ مت “الثوري” اأنه وتختلف من �سنة اإىل اأخرى التقديرات عن عدد املقاتلني اليمنيني يف

العراق. ففي عام 2005 بلغ عدد املقاتلني اليمنيني الذين �سافروا للقتال

يف العـــراق 2.000 مقاتـــل، بح�سب و�سائل االإعلم املحليـــة. بينما يقول

تقدير م�سروع تقييم االأمن القومي لعام 2005 اأن عدد املقاتلني االأجانب

يف العـــراق و�سل ثلثة اآالف مقاتل، 17% منهم مينيني )اأي 500 مقاتل

مينـــي(. وبحلول 2007 ذكرت و�سائل االإعـــلم اليمنية اأن هناك حوايل

1.289 مقاتل ميني يف العراق، منهم 550 مقاتل من �سنعاء. وبعد ذلك

يف نف�س العام ذكرت و�سائل اإعلم مينية اأخرى اأن عدد اليمنيني الذين

�سافـــروا للقتال يف العراق خلل الفرتة 2003 – 2006 بلغ 1000 مقاتل.

ويف 2008 اأ�ســـدر كلنت وات�س تقريرا بناء على معلومات تتعلق باملقاتلني

االأجانب مـــن �سجـــلت “�سينجار”، ومعتقـــل غوانتانامـــو، وخمتطفي

الطائـــرات يف احلادي ع�سر من اأيلول/�سبتمرب، وقال التقرير اأن اليمن

تعترب اأكرب ثالث م�سدر للمقاتلني االأجانب كونها تقدم اأربعة اإىل ثمانية

اأ�سعـــاف املقاتلني الذين تقدمهم الدول الع�ســـرون االأخرى املذكورة يف

هذه الدرا�سة.

تو�ســـح املعلومـــات املتوفـــرة عـــن املقاتلـــني اليمنيـــني جمموعـــة من

االجتاهات، منها: اأن املقاتلني هم من فئة ال�سباب القادمني من �سنعاء،

ومـــن طلب موؤ�س�سات التعليم الدينـــي، ومعظمهم من جامعة االإميان.

وذكـــرت و�سائل االإعلم املحلية اأن معظـــم املجندين للجهاد يف العراق

هـــم دون �ســـن الع�سريـــن عاما. ويف عـــام 2007 ذكـــرت و�سائل االإعلم

اليمنيـــة اأي�ســـا اأن ما يقارب 50% من املقاتلـــني اليمنيني يف العراق هم

مـــن �سنعاء، خا�ســـة منطقة م�سيك املعروفة بتخريـــج متطرفني دينيا.

وتوؤكـــد درا�سة اأجريـــت عام 2008 اأن �سنعاء تنتـــج اأكرث بقليل من %50

من املقاتلـــني اليمنيني، مع اأنها ال ت�سكل �ســـوى 5% من ال�سعب اليمني.

واأ�سافـــت الدرا�ســـة اأن مدينة عـــدن تنتج 15% من املقاتلـــني اليمنيني،

وهـــي ال ت�سكل �سوى 2% من ال�سعب اليمنـــي. وت�سري هذه املعلومات اإىل

اأن التجنيـــد للقتال هـــي ظاهرة ح�سرية )اأي يف املـــدن(، واأن املقاتلني

االأجانـــب هم من ال�سباب املتمدنني موؤخرا. كما اأنها تتطابق مع حقيقة

اأن جامعة االإميان وفرع من معاهد دار احلديث موجودة يف �سنعاء.

ووجـــدت درا�ســـة اأخرى اأجريـــت عـــام 2008 اأنه باملقارنـــة مع الدول

االأخـــرى املنتجة للمقاتلني االأجانـــب، يت�سح اأن اأكـــرث اليمنيني �ساركوا

يف اجلهـــاد بدافع الديـــن. وقد و�سف عدد من القاتلـــني اأنف�سهم باأنهم

طلب متدينني، بينما قال اآخرون اأنه مت جتنيدهم عن طريق امل�ساجد.

وتو�سلـــت الدرا�سة اإىل اأن اأغلب اأولئـــك املجندين يف العراق اأما طلب

اأو عاطلني عن العمل، اأو اأنهم عمال عاديون. كما ذكرت بع�س التقارير

عـــام 2007 اأن عـــددا مـــن خريجـــي جامعة االإميـــان – وبع�سهـــم كانوا

م�سجلـــني �سابقني فيهـــا - �سافـــروا اإىل العراق كمقاتلـــني اأجانب، وهو

اأي�سا ما اأكدته اأجهزة االأمن الداخلية.

موجة الإرهاب احلالية يف اليمن )2006 - حتى الآن(

اإنه »كان قالت نادية ال�سقاف، رئي�سة حترير �سحيفة “مين تاميز”،

هناك اتفاق )مع اجلهاديني(، ولكن ذلك االتفاق مل يعد جمديا؛ فاالآن

لي�س هناك �سوى املت�سددين ممن يريدون اأن ت�ستخدمهم القاعدة، وهم

العائـــدون مـــن العراق اأو اأفغان�ستـــان وال ميتلكون اأي مهـــارات اأو خلفية

علمية، ومل يتم دجمهم يف املجتمع. كما اأنه مت غ�سل اأدمغتهم، فاجلهاد

هو كل ما يعرفون«.

وما يلحظ هو اأن االإرهاب الداخلي يف اليمن يزداد �سراوة منذ عام

2006 عندمـــا تاأ�س�س “تنظيـــم القاعدة يف اليمن” علـــى اأيدي الفارين

من اأحـــد ال�سجون اليمنية بعد اتهامهم بارتـــكاب اأعمال اإرهابية مطلع

عـــام 2000. وبالرغم من اأن الواليات املتحدة تقـــدم م�ساعدة ع�سكرية

لليمـــن منـــذ 2001، فاإنـــه مل تقم اأي قـــوى اأجنبية، اأمريكيـــة اأو غريها،

باإن�ســـاء قاعـــدة دائمة لهـــا يف اليمن. مـــع ذلك، فاإن معظـــم الهجمات

التـــي نفذتهـــا “القاعدة يف اليمن” كانت �ســـد اأهداف غربية، مبا فيها

�سياح و�سفارات. وال�سوؤال الذي يطرح نف�سه هنا هو: ما هو ال�سبب وراء

نهو�س االإرهاب الداخلي يف اليمن؟ هذا ال�سوؤال هو ما �ساأحاول االإجابة

عليه بعد ا�ستعرا�س و�سفي لنمط موجة االإرهاب احلالية يف اليمن.

يف �سباط/فربايـــر 2006 متكن ثلثة وع�سرون �سجني من الفرار من

�سجن االأمن ال�سيا�سي يف اليمن، وقام اثنان من الفارين باإن�ساء جماعة

اإرهابيـــة – “القاعـــدة يف اليمـــن” – م�ستلهمـــني اأيديولوجياتهـــا من

تنظيـــم القاعدة. وقد قامت بتنفيذ اأول هجماتها بعد �سنة من تكوينها.

وي�ســـار عادة اإىل جماعة القاعدة يف اليمـــن “باجليل االأ�سغر” ملقاتلي

القاعـــدة يف اليمن، وهم ممن حاربوا يف العراق واالآن يرف�سون احلوار

مـــع احلكومة اليمنية كما فعل املقاتلني من اجليل ال�سابق. ومن اأهداف

هـــذه اجلماعـــة، والتي حتـــدد اأيديولوجيتهـــا بو�سفها جهاديـــة �سلفية:

اإطلق �سراح عنا�ســـر القاعدة، ورفع القيود احلكومية على ال�سفر اإىل

العراق، وعـــدم تعاون الدولة مع اأعداء االإ�ســـلم )اأي الواليات املتحدة

املحــــور

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 106 ا�سرتاتيجية

وحلفائها(، والعودة اإىل ال�سريعة االإ�سلمية.

وتتبنى هذه اجلماعة عدة ت�سميات اأخرى اإىل

جانـــب “القاعدة يف اليمن”، من �سمنها “األوية

جنـــد اليمـــن” وحركـــة “اجلهـــاد االإ�سلمـــي”

و”القاعدة يف �سبه جزيرة العرب”. وبعد دجمها

مع فرع القاعـــدة يف ال�سعودية يف كانون الثاين/

ينايـــر 2009 تبنت ا�سم “تنظيـــم قاعدة اجلهاد

يف جزيـــرة العـــرب”. ويف املقابلة التـــي اأجرتها

اجلزيـــرة مـــع قائـــد التنظيـــم الوحي�ســـي يف 27

كانـــون الثاين/يناير، بـــرر الوحي�سي �سرب “كل

امل�سالح ال�سليبية” يف �سبه اجلزيرة، واأ�سار اإىل

اأن “احلـــروب ال�سليبية” �سد فل�سطني والعراق

واأفغان�ستان وال�سومال تنطلق من قواعد يف �سبه

اجلزيرة العربية.

وقـــد ا�ستهدفـــت العمليات التي قامت بها القاعـــدة يف اليمن من�ساآت

نفطية و�سياح اأجانب و�سفارات اأجنبية على وجه التحديد. ففي 15 اأيلول/

�سبتمرب 2006 كانـــت اأول حماولة هجوم للقاعدة يف اليمن، وا�ستهدفت

مينـــاء لت�سدير للنفط يف ح�سرموت وم�سفـــاة نفطية ومن�ساآت غاز يف

ماأرب، ولكن قوات االأمن متكنت من تفجري اأربع �سيارات مفخخة، وقتل

مهاجمان قبل و�سولهما للهدف. كما قامت القاعدة يف اليمن بعدد من

العمليـــات االأخرى �سد من�ســـاآت نفطية يف اليمن منذ ذلك احلني، ومن

اأهـــم تلـــك الهجمات الهجومني اللذيـــن ا�ستهدفا خطـــوط النفط الأحد

ال�ســـركات الفرن�سية وحقل نفط ل�سركة �سينية يف ني�سان/اأبريل 2008؛

وبعـــد هذا باأيـــام قلئل، زرعت قنبلتان بالقرب مـــن مقر �سركة النفط

الكندية “نك�سن” يف �سنعاء.

وا�ستهدفت القاعدة يف اليمن قبل هذين الهجومني ال�سفارة االأمريكية

ب�سنعـــاء يف اآذار/مار�س 2008 عن طريـــق �سربها باملدفع الهاون، لكن

القذيفـــة وقعت على “مدر�سة �سبعة يوليو للبنـــات” التي كانت بالقرب

مـــن ال�سفارة وجرحت ثلثة ع�سرة فتاة وخم�ســـة جنود. ويف اأيار/مايو

2008 �سربـــت القاعدة يف اليمن ال�سفارة االإيطالية بقذيفتي هاون. ويف

ال�سابـــع ع�سر من اأيلول/�سبتمرب 2008 تعر�ست ال�سفارة االأمريكية مرة

اأخرى لهجمات اإرهابية عن طريق ا�ستخدام �سيارتني مفخختني.

اأما الهجمات االإرهابية على ال�سياح االأجانب فقد بداأت يف متوز/يوليو

2007، عندما ا�ستخدمت القاعدة يف اليمن �سيارة مفخخة للهجوم على

�سيـــاح اأ�سبان قاموا بزيارة معبد بلقي�ـــس مبحافظة ماأرب، وراح �سحية

الهجـــوم ثمانية �سياح اأ�سبان ومينيني اثنني. ويف الثامن ع�سر من كانون

الثاين/ينايـــر 2008 حدثت عملية اإرهابية اأخرى �سد ال�سياح االأجانب،

عندما اأطلق اأربعـــة م�سلحني النار على �سائحتني بلجيكيتني و�سائقيهما

اليمنيـــني يف ح�سرموت، وقتلوا االأربعة معا وجرحوا اأثنني اآخرين. ومن

الهجمـــات االإرهابية االأخرى التي قامت بتنفيذها

القاعـــدة يف اليمـــن، الهجمـــات التـــي ا�ستهدفت

جممعـــات �سكنيـــة ي�سكنها اأجانب. ففـــي ني�سان/

اأبريـــل 2008 تعر�ـــس جممـــع �سكنـــي الأمريكيـــني

وغريهـــم من االأجانب يف �سنعاء، لهجوم بقذائف

املدفـــع الهاون، ولكـــن مل ي�سب اأحد بـــاأذى �سوى

تك�سر بع�س النوافذ.

واأحدث عملية تقوم بهـــا القاعدة يف اليمن )يف

العـــام املا�سي 2009( كانت يف اخلام�س من اآذار/

مار�س 2009 �سد جمموعة �سياح من كوريا اجلنوبية

كانوا يـــزوروا موقع �سياحي يف ح�سرموت، عندما

قام انتحاري مبهاجمتهم. وبعد ذلك بثلثة اأيام،

ذت عملية اإرهابية اأخرى فا�سلة ا�ستهدفت وفدا نفر

مل�سئولـــني كوريني وذوي �سحايـــا العملية ال�سابقة. وادعـــت القاعدة يف

اليمن اأن العملية ا�ستهدفت الكوريني اجلنوبيني نظرا للدور الذي تلعبه

كوريا اجلنوبية يف احلرب على االإرهاب، التي تقودها الواليات املتحدة

يف العراق واأفغان�ستان )وكان اجلنود الكوريني اجلنوبيني ي�سكلون ثالث

اأكـــرب عدد من اجلنـــود االأجانب يف العراق حتى كانـــون االأول/دي�سمرب

.)2008

اإن قـــادة القاعـــدة يف اليمن هم من ال�سجنـــاء الذين فروا من �سجن

االأمـــن ال�سيا�ســـي يف �سباط/فربايـــر 2006، اأما بقية معظـــم العنا�سر

فهـــم من ال�سبـــاب الذين ان�سمـــوا للقاعدة الحقا، ولـــدى الكثري منهم

خـــربة قتالية كبرية اكت�سبوها يف املعارك التـــي خا�سوها يف اأفغان�ستان

وال�سومـــال والعـــراق. واأي�ســـا ي�ســـكل اليمنيـــون االأغلبية مـــن عنا�سر

القاعـــدة مع وجود عدد من املقاتلـــني االأجانب، من بينهم عدد متنامي

مـــن املتطرفني ال�سعوديني. واجلدير بالذكـــر اأن الكثري من هوؤالء ولدوا

يف ال�سعوديـــة وهـــم من اأبناء املغرتبـــني اليمنيني، ورمبـــا تلقوا تعليمهم

هناك وجلبوه اإىل اليمن عند عودتهم.

ويف اأعقاب الهجـــوم االنتحاري على ال�سيـــاح الكوريني اجلنوبيني يف

اآذار/مار�ـــس 2009 ن�ســـرت احلكومـــة اليمنية قائمـــة باأ�سماء اثنا

ع�ســـر مينيـــا ممـــن قيل اأنهـــم »جنـــدوا وتدربوا علـــى اأيدي

عنا�ســـر القاعدة لكي يقوموا بتنفيـــذ عمليات انتحارية

يف الوطـــن«. ويـــرتاوح عمر هـــوؤالء بـــني الثامنة ع�سر

والت�سعـــة والع�سريـــن �سنة، وذكـــرت و�سائل االإعلم

املحلية يف اآذار/مار�س 2009 اأن القاعدة يف اليمن

جنـــدت ال�سبـــاب الذين حتـــت �ســـن الثامنة ع�سر

على وجـــه اخل�سو�ـــس، وذلـــك ال�ستخدامهم يف

عملياتهـــا االإرهابية االأخرية. وقـــال املتخ�س�س

بالتمرد يف اليمن غريغوري جون�سون، يف مقابلة

تو�سح املعلومات املتوفرة

عن املقاتلن اليمنين

يف العراق جمموعة من

الجتاهات، منها: اأن

املقاتلن هم من فئة ال�سباب

القادمن من �سنعاء، ومن

طالب موؤ�س�سات التعليم

الديني، ومعظمهم من

جامعة الإميان

107 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010

Page 55: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 108 109ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

له، اأن القاعـــدة يف اليمن فعل تتلقى دعما �سعبيا من الداخل، وخا�سة

مـــن ال�سباب ال�ساخط وفئات املجتمع االأخـــرى، وذكر اأن جملة “�سدى

امللحـــم” التـــي ت�سدرها هـــذه اجلماعة حتظى ب�سعبيـــة كبرية، حيث

يتـــم تنزيـــل ن�سخ منها عـــن طريق االنرتنـــت ومن ثم تطبـــع وتوزع على

كان. ال�س

وكما اأ�سرنا اآنفا يتلقى ال�سباب اليمني تعليمهم من عدد من امل�سادر

التي من �سمنها نظام التعليم العام املتدين واملدار�س واملعاهد الدينية،

غري اأن معظمهم ال يتعلم املهـــارات والقدرات التي يتطلبها �سوق العمل

ولهـــذا ال ي�ستطيعـــون احل�سول علـــى وظائف، وهو مـــا يرتكهم عر�سة

لعنا�سر االإرهاب الديني. ومع اأن احلكومة اليمنية تبذل اجلهود الإغلق

املعاهد الدينية غري املرخ�س لها منذ 2001، اإال اأن هناك درا�سة قامت

بهـــا احلكومة يف كانون االأول/دي�سمـــرب 2008 ووجدت اأنه ما زال هناك

مـــا يقارب 4.000 معهد ديني يف اليمـــن، 20% منها ال يخ�سع للإ�سراف

والرقابـــة من قبل الدولة. وبعد هجمات اآذار/مار�س 2009 �سد ال�سياح

الكوريـــني اجلنوبيني، قال وزير الداخلية اليمنـــي اأن عددا من املدار�س

واملعاهـــد الدينية التي “ت�سجع االإرهاب والعنف وقتل ال�سياح” ما زالت

تعمل يف اليمن، واأرجع اللوم عليها - اإىل حد ما - يف انت�سار االإرهاب.

ونظـــرا الأهميـــة وقيمـــة املهـــارات والقـــدرات القتالية التـــي اكت�سبها

املقاتلـــون يف اأفغان�ستـــان والعـــراق وال�سومال، قام تنظيـــم القاعدة يف

اليمـــن باإر�سال عدد من عنا�ســـره للتدريب هناك. وقد وجهت اتهامات

�سد تنظيم القاعـــدة يف اليمن باأنها قام اأكرث من مرة بتوجيه املقاتلني

للقتـــال يف العراق، بـــل و�سرح التنظيـــم نف�سه يف كانـــون الثاين/يناير

2009 باأنـــه اأر�سل اأكرث من 300 مقاتل ميني ينتمون اإىل تنظيم القاعدة

للجهاد يف العراق واأفغان�ستان وال�سومال عام 2008. كما اأن االنتحاري

الذي نفذ الهجوم على ال�سياح الكوريني كان يبلغ من العمر ثمانية ع�سر

�سنة، وقد مت تدريبه يف ال�سومال.

ومبـــا اأن عنا�ســـر فـــرع القاعدة يف ال�سعوديـــة ما زالـــوا يت�سللون اإىل

اليمن منـــذ منت�سف 2008، فاإنهـــم �سيجلبون معهـــم اأفكارهم الدينية

املتطرفة. وقد اأعلنت قوات االأمن يف اآذار/مار�س 2009 عن 116 م�ستبه

ومطلوب اأمنيا، من �سمنهم 50 �سعودي، لقيامهم باأعمال اإرهابية داخل

احلـــدود اليمنية. واجلدير بالذكر اأنـــه �سبق واأن �سم اأ�سماء الكثري من

هـــوؤالء املواطنـــني ال�سعوديني اإىل قائمة �سعوديـــة للمطلوبني بتهم تتعلق

باالإرهاب.

اخلامتة على الرغم من كرثة املقاالت التي اأ�سارت

اإىل اأهمية دور التعليم الديني يف ظهور ظاهرة التطرف ودعم االإرهاب،

فاإنـــه مل تكـــن هنـــاك درا�سة مبنية علـــى التجربة لفح�ـــس العلقة بني

التطرف وهيكلية التعليم ومدى توفره يف اليمن. وما تراه هذه الدرا�سة

اأن �سعـــف وحمدوديـــة التعليم العام مقابـــل انت�سار موؤ�س�ســـات التعليم

الديني املتطـــرف اأدى اإىل خمرجات ال متلك القـــدرات واملهارات التي

يتطلبها �سوق العمل، وبالتايل عدم القدرة على احل�سول على وظائف.

كمـــا اأن احلكومـــة املركزيـــة، وبالتـــايل التعليـــم العـــام، ال ي�سلن اإىل

املناطـــق النائيـــة الفقرية اأو ذات الت�ساري�س الوعـــرة؛ فل يتلقى �سباب

هذه املناطق التعليـــم اإال من خلل نظام التعليم الديني اخلا�س، الذي

اأي�ســـا ال يخفـــق يف تهيئة طلبه ل�سوق العمـــل. ويف حال املعاهد الدينية

املتطرفـــة، فاإن هذا التعليم يغذي الطلب باأيديولوجية متطرفة، االأمر

الذي يجعلهم لقمة �سائغة لعنا�سر االإرهاب الديني.

ومـــا جنده يف هذه الدرا�سة من اأدلـــة تدعم هذه النظرية. ففي فرتة

ال�سبعينيـــات تاأ�س�ست مدار�س ومعاهد دينيـــة متطرفة يف �سمال اليمن

بدعـــم من ال�سعوديـــة، وكانـــت النتيجة اأنـــه يف فـــرتة الثمانينيات كان

تقريبا معظم املتطوعني اليمنيـــني للجهاد �سد ال�سوفيت يف اأفغان�ستان

هـــم مـــن اأبناء ال�سمـــال. وقد كان عبـــد املجيد الزنـــداين، امل�سئول عن

تاأ�سي�ـــس هـــذه املدار�س، عامل جتنيـــد ومر�سد ديني لهـــوؤالء املتطوعني

اليمنيـــني يف اأفغان�ستان. وبعد انتهـــاء احلرب �سد ال�سوفيت عاد الكثري

مـــن املقاتلني العرب اإىل اليمن وهـــم يحملون معتقدات جهادية �سلفية.

ويف نف�ـــس الوقت، كانـــت املوؤ�س�سات الدينية تتكاثـــر، خا�سة يف املناطق

الريفيـــة الفقرية، بينما كان التعليم العـــام يعاين الكثري نظرا للظروف

االقت�سادية ال�سعبة التي كان مير بها البلد.

واأنتجت اإحدى هذه املوؤ�س�سات الدينية، التي تاأ�س�ست يف الت�سعينات،

اإرهابيـــني حمليـــني يف مطلـــع عـــام 2000 ومقاتلـــني اأجانب يف

العـــراق موؤخرا. ومع اأن احلكومـــة اليمنية متكنت من احلد

ب�ســـورة موؤقتة من ظاهرة االإرهاب عام 2003، عندما

قامـــت باإغلق عدد من هـــذه املدار�س من بني جهود

اأخـــرى، اإال اأن نظام التعليـــم الديني اخلا�س ا�ستمر

يف التطـــور حتى عام 2009. وتعزو احلكومة اليمنية

معظـــم موجة االإرهـــاب الداخلي حاليـــا اإىل بقاء

هذه املوؤ�س�سات الدينية املتطرفة، وا�ستمرارها يف

تعليم االأجيال.

املحــــور

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 108 ا�سرتاتيجية

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

جيوبوليتيك

نظرات فـي ق�سايا اجلغرافيا ال�سيا�سية املعا�سرة

ممرات ال�سيطان

هاج�ص املالذ الآمن

جيبوتي ال�سغرية:

ملاذا يحوم حولها الكبار؟

�سكوت �ستيوارت

اأحمد عبدالكرمي �سيف

�سقاف عمر ال�سقاف

Page 56: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 110 111ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

جيوبوليتيك

القابليــة للتهديــد يف درا�ســـة

ن�سرتهـــا موؤ�س�سة »راند« البحثية االأمريكيـــة، ذكرت عاملني ي�سهمان

يف جعـــل مناطق اأكرث مـــن غريها عر�سة لتهديـــد جماعات االإرهاب

لتمديـــدات النفط والغـــاز. العامل االأول؛ هو عدم قـــدرة الدولة على

ممار�ســـة م�سئولياتها و�سلحياتها على اإقليـــم خا�سع لها باالأ�سا�س،

وهذا العامل م�ستق من قـــدرة الدولة على اخرتاق املجتمع وتنظيمه،

ومـــدى احتكار الدولة ال�سرعي ال�ستخـــدام القوة، ومدى قدرة الدولة

على ال�سيطرة على حدودها. اأما العامل الثاين فيتمثل يف مدى توافر

الظـــروف امللئمـــة لوجود التمـــرد اأو االإرهـــاب. وهذا العامـــل اأي�سا

ي�ستند اإىل مـــدى توافر البنية التحتية، ومـــدى توافر م�سادر للدخل

ل�سكان املنطقة املعنية، وملئمة العامل الدميغرايف لعمليات اخلروج

على القانون.

وتو�سلـــت الدرا�سة اإىل اأن العامل الدميغرايف يعد العامل الرئي�سي

يف حتديـــد اإمكانية وجود اجلماعات االإرهابيـــة، باالإ�سافة اإىل وجود

قيـــم اجتماعية داعمة للتمرد على �سلطـــة الدولة. لكن، وعلى الرغم

من قرب املن�ســـاآت النفطية اجلغرايف يف دول كثرية من اأماكن وجود

اجلماعات االإرهابية، فـــاإن البنية االأ�سا�سية للنفط نادرا ما تعر�ست

للهجـــوم، نتيجة لعـــدة اأ�سبـــاب منها ان�سغـــال اجلماعـــات االإرهابية

با�ستهـــداف احلكومـــات املحلية، ف�ســـل عن اأن ا�ستهـــداف مثل تلك

املن�ســـاآت يتطلب م�ستوى من املهارات والتخطيط والدعم اللوجي�ستي

ممرات ال�ضيطانخطوط التقاء التهريب والنفط والإرهاب يف اليمن واجلزائر وو�سط اآ�سيا

اأحمد عبدالكرمي �سيف رئي�س التحرير، واملدير التنفيذي

ملركز �سباأ للدرا�سات االإ�سرتاتيجية.

اأحمد عبدالكرمي �سيف[email protected]

يف �حلياة �ملعا�سرة ويف �لتاريخ، ثمة �أحد�ث وظو�هر ت�سرتعي �لنتباه دون غريها، �إما لأهميتها ومدى تاأثريها

يف �مل�سالـــح �لدوليـــة، و�إمـــا لفر�دتها، �أو لكليهما. ولكن عندما ي�ستمر فعـــل �حلدث لفرتة ما، قد تطول، ويتكرر

منـــط �حلـــدث و�لفعـــل يف �أكر من بقعة جغر�فية عابـــرة للحدود ورمبا تتعا�سر هذه �لأمنـــاط، ن�سبح هنا �أمام

ظاهرة.

يتنـــاول هـــذ� �ملقـــال و�سفـــا وحتليـــال لظاهرة غريبة قد يقـــود �لبحث �ملعمـــق �إىل �كت�ساف �أبعاد �أخـــرى لها. هذه

�لظاهـــرة جتمـــع بـــني �أربعة �أمـــور: �لإرهـــاب، و�لتهريب، ومتديـــد�ت �لنفط و�لغـــاز، وطرق �لقو�فـــل يف �لع�سور

�لقدميـــة. بع�ـــض هذه �لعنا�سر مرت�بطة وميكـــن تف�سريها وبع�سها حتتاج �إىل بحث �أعمق. ما يجمع بينها �أنها

ت�ستخدم، يف بع�ض �لأحيان بتطابق كامل، نف�ض �لطرق و�ملمر�ت يف �لتمديد و�لنت�سار و�ل�ستخد�م. ما يجعلها

يهـــا يف �ليمن و�جلز�ئر وو�ســـط �آ�سيا، ورمبا ظاهـــرة، �أن هـــذ� �لتطابـــق �لن�سبـــي موجود يف ثـــالث حالت مت تق�س

جند حالت مماثلة �إن خ�سع �لأمر لبحث �أ�سمل. و�إذ� كان ��سم �ل�سيطان يوحي بكل ما هو �سر، ولي�ض �أكر �سر�

مـــن �لإرهـــاب و�لتهريب �للذين ين�سر�ن �خلر�ب و�لدمار يف �ملجتمعات، لذ� فـــاإن طرق �نت�سارهما و�ملمر�ت �لتي

ي�ستخدمانها ت�ستحق بجد�رة م�سمى “ممر�ت �ل�سيطان”.

الذي تفتقده العديد من اجلماعات اجلهادية العاملية.

وقـــد ت�ساعـــدت املخـــاوف الغربيـــة يف االآونة االأخـــرية من قيام

التنظيمات اجلهادية العامليـــة با�ستهداف اإمدادات الطاقة، خا�سة

مـــع التهديدات املتكـــررة التي اأطلقهـــا تنظيم القاعـــدة بقطع هذه

االإمدادات، وحماولته و�سع هذه التهديدات مو�سع التنفيذ يف بع�س

احلـــاالت مثـــل ا�ستهداف ناقلـــة النفط الفرن�سيـــة “ليمبورج” عام

2002، ومن�ساأة اأبقيق ال�سعودية للنفط يف 2006، والهجمات املتكررة

التي تعر�ست لهـــا خطوط النفط العراقية. وتعترب البنية االأ�سا�سية

للنفـــط والغـــاز م�سدر جـــذب كبري للقاعـــدة، لي�س ب�سبـــب قيمتها

احلقيقيـــة، بقدر ما يرجع اإىل التكلفة العاليـــة التي تتكبدها الدول

للدفاع عن هذه املن�ساآت، وبالتايل يرغب التنظيم يف ا�ستنزاف هذه

الدول عرب الهجوم على من�ساآتها وجعل تكلفة حمايتها م�ساعفة.

اإال اأن اأثر الهجمات االإرهابية على من�ساآت النفط ال يزال حمدودا،

ويكمن ال�سبب الرئي�سي وراء االأثر املحدود للهجمات االإرهابية على

اأ�سعـــار النفط العاملية، يف قـــدرة بع�س الدول على زيـــادة اإنتاجها،

االأمـــر الذي عو�س النق�ـــس الناجت عن الهجمـــات االإرهابية، حيث

متتلك “منظمة اأوبك”، وب�سكل خا�س ال�سعودية، القدرة على زيادة

اإنتاجهـــا لتعوي�ـــس النق�س يف االإمـــدادات العامليـــة، وبالتايل غياب

، ولكن يبدو )1(

تاأثـــري الأي تناق�س يف االإمدادات على االأ�سعار عامليا

اأن خ�سيـــة جماعات االإرهاب من تاأليـــب دول الغرب �سدها يجعلها

تتوخـــى احلذر قبل التفكري يف مهاجمـــة اأنابيب النفط والغاز ويبدو

)2(هذا وا�سحا يف حالة اجلزائر بعد 1992.

اليمن يقول املوؤرخ االإغريقي اأجاثرخيد�س

الـــذي عا�س يف القـــرن الثاين قبل امليلد »اإنه ال يبـــدو اأن ثمة �سعبا

اأغنـــى مـــن ال�سبئيني واأهل جرهـــاء. كانوا وكلء عـــن كل �سيء يقع

حتـــت ا�ســـم النقـــل بني اآ�سيـــا واأوروبـــا، وهـــم الذين جعلـــوا �سورية

البطلمية غنية، واأتاحوا للتجار الفينيقيني جتارة رابحة، واآالفا من

اأ�سياء اأخرى«. ويتحدث املوؤلف املجهول لكتاب »الطواف حول البحر

االإريرتي« الذي كتب يف القرن االأول امليلدي اأن العرب كانوا حينها

ي�سيطـــرون على �ساحل »عزانا«، وهـــو �ساحل �سرق اأفريقيا مما يلي

ال�سومال. وذكرت الكتب املقد�سة جتارة �سباأ، ففي القراآن الكرمي:

»وجعلنـــا بينهم وبني القرى التي باركنا فيها قـــرى ظاهرة، وقدرنا

فيهـــا ال�سري، �ســـريوا فيها ليايل واأيامـــا اآمنني« )�سبـــاأ: 18(. ويذكر

الرحالـــة ال�سيني »فاهيان« الذي زار �سيلن عـــام 414 للميلد اأن

التجار ال�سبئيـــني والعرب من عمان وح�سرمـــوت ي�سكنون يف بيوت

)3(فارهة يف م�ستوطناتهم هناك، وذكر اأنهم يتاجرون بالعود.

لقـــد كانت التجـــارة الربية متتد عرب الطريق الـــذي يبداأ من قنا

ب�سبوة، على امتداد وادي ميفعة ومنه اإىل �سبوة، ومن �سبوة يوا�سل

الطريـــق عرب ماأرب اإىل جنران. وقد �سيطـــرت مملكة قتبان لفرتة

علـــى هـــذا الطريق، وهي مملكـــة عربية قدمية قامـــت يف حمافظة

�سبوة يف حوايل الن�سف الثاين من االألفية االأوىل قبل امليلد وكانت

عا�سمتهـــا متنع. يعد نق�س الن�سر من اأقـــدم امل�سادر التي حتدثنا

عـــن مملكة قتبان، وفيه كانـــت قتبان �سريكا ململكـــة �سباأ يف حربها

�ســـد اأو�سان، والتي كان من نتائجهـــا �سقوط اأو�سان و�سيطرة قتبان

تدريجيـــا على معظم اأرا�سيها. وقد ظهرت قتبـــان يف اأول االأمر يف

وادي بيحان، وامتـــدت اأرا�سيها من وادي بيحان �سرقا واإىل البحر

االأحمـــر غربا، ومن اأنحـــاء مدينة ذمار �سمـــاال، اإىل البحر العربي

جنوبا.

كذلـــك يروي نق�س من عهد امللك �سهر هلل، ابن يدع اإب ذبيان

)�سنـــة 370 ق. م.(، ا�ستهـــار القتبانيون يف جمـــال العمارة وخا�سة

بناء املدن واملن�ساآت العامة ال�سيما الطرق، حيث يذكر اأحد النقو�س

مـــن القـــرن الثاين قبل امليـــلد اأن املكرب يدع اأب ذبيـــان �سق نقيل

)مبلقـــة(، وهو طريق جبلـــي �ساعد يربط مناطـــق قتبان باملناطق

ال�سبئيـــة وكان له دور كبري يف ت�سهيل �سري القوافل التجارية املحملة

بالب�سائـــع، وهو طريق القوافل القدمي ويف نف�س الوقت تنت�سر اليوم

خليا االإرهاب على امتداد هذا الطريق. كذلك يدل ما مت اكت�سافه

مـــن مبـــاين ومعابـــد العا�سمـــة متنع، علـــى مهارة فائقـــة يف جمال

البنـــاء. كمـــا اأبـــدع القتبانيون يف املجـــال احلريف وخا�ســـة �سناعة

التماثيل مبختلف اأنواعهـــا، و�سك العملت الف�سية والذهبية والتي

كانت حتمل ا�سم الق�سر امللكي )حريب( يف متنع.

واليـــوم تنت�سر خليا االإرهاب يف اليمـــن على حمور اأبني - �سبوة

- مـــاأرب - اجلـــوف، مع وجـــود خليا متناثرة ب�ســـكل غري موؤثر يف

مناطـــق اأخرى. ويلحظ اأن مناطق تركز القاعدة تتماهى مع طرق

القوافـــل القدمية التي �سيطرت عليهـــا املمالك القدمية؛ ففي اأبني،

حيـــث �سادت مملكة اأو�سان، تنت�سر فيها اليوم اجلماعات اجلهادية

مثـــل جي�ـــس عدن - اأبـــني. ويف �سبوة، حيـــث �سادت مملكتـــا اأو�سان

وقتبان، تنت�سر خليا القاعدة يف املحفد واملعجلة وحبان. ويف ماأرب

واجلوف، حيث �سادت مملكة �سباأ، تنت�سر خليا االإرهاب يف العرق

واحل�سون و�سرواح.

اأمـــا التهريب ونتيجـــة لقلة موارد اليمن و�سعـــف خفر ال�سواحل،

فقد تكونت نقاط عديدة ملمار�سته على ال�سواحل اليمنية، لعل اأهمها

املخـــا وذبـــاب على البحر االأحمـــر، وعلى بحر العـــرب قنا يف �سبوة

و�سقـــره يف اأبني واملنطقة ما بني قنا اإىل �ساحل اأمبح يف ح�سرموت،

مع وجود نقـــاط عديدة اأخرى منت�سرة على طول ال�سواحل اليمنية.

يتخـــذ طريقـــا التهريب مـــن قنا و�سقـــرة االجتاه �سمـــاال ليتحدا يف

111 العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 110 ا�سرتاتيجيةا�سرتاتيجية

Page 57: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 112 113ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

ميفعة ب�سبوة، ثم يوا�سل التهريب طريقه �سماال مارا ب�سبوة القدمية

حيـــث يتوحد مع طريق التهريب الرئي�سي القادم من ح�سرموت مارا

ب�سرقي ماأرب واجلوف اإىل ال�سعودية. بينما تتخذ طرق التهريب من

علـــى �سواحل ح�سرموت اجتاهات عديدة، منهـــا ما مير بثمود واآخر

مير بزمخ يف العرب ثم يوا�سلن �سماال باجتاه ال�سعودية و�سرقا باجتاه

اخلليـــج، بينما يتوحد طريق التهريـــب الرئي�سي يف ح�سرموت مبثيله

الرئي�سي القـــادم من �سبوة يف �سبوة القدميـــة، الذي يوا�سل اجتاهه

�سماال كما ورد ذكره اآنفا. وهذا الطريق هو اأي�سا نف�س طريق القوافل

القدمي ونف�س مواقع انت�سار خليا االإرهاب.

اأمـــا عن متديدات النفـــط والغاز، فنجدها وب�ســـكل ن�سبي تتقارب

يف كل مـــن �سبـــوة وح�سرموت وتتماهى مع طـــرق التهريب والتجارة

القدميـــة. فنجد خط الغـــاز الرئي�سي ميتد من �سافـــر مباأرب جنوبا

مـــارا بجنـــة والعقلة واأعيـــاد وميفعة ور�سوم ثم بلحـــاف يف قنا، وهو

نف�ـــس طريق القوافل القدميـــة ويتماهى مع طـــرق التهريب يف �سبوة

قربـــا وابتعادا. وباملثـــل، تنت�سر متديدات النفـــط يف ح�سرموت بدءا

من امل�سيلة بغيل بن ميني بح�سرموت الداخل جنوبا اإىل ميناء ال�سبة

بـــني ال�سحر والريان على بحر العرب بطـــول 95 كيلومرت ومير اخلط

مبنطقة اجلفـــف ثم العي�س ثم جول الربقاء ثم احلجلة ثم الرم�سة

ثم وادي الربح ثم معياذ ثم مير بزغفة واأخريا ميناء ال�سبة.

اجلزائــر �سجلـــت كتـــب الـــرتاث العربـــي

معلومـــات غزيرة عـــن هـــذه املنطقة، وقـــد ت�سمنت تلـــك املعلومات

االأن�سطـــة االقت�ساديـــة والثقافيـــة والعلقـــات االجتماعيـــة ل�ســـكان

املنطقـــة، واالأنظمة ال�سيا�سية التي �سادت فيها. ويعترب ابن حوقل من

اأ�سهر املوؤرخني الذين تناولوا م�سالك ال�سحراء، فرتك لنا معلومات

قيمـــة يف كتابه »�ســـورة االأر�س« الـــذي جمع مادتـــه يف اإفريقيا اأثناء

جتواله وا�ستغاله بالتجـــارة. فقد طاف يف بلد املغرب حتي درعة ما

بني عامي -336 340ه� /947 – 951م، ودخل ال�سحراء الكربى حتى

اأودغ�ست؛ فكان بذلك اأول جغرايف عربي ي�سل اإىل تلك املناطق.

يورد ابن حوقل اأن الن�ســـاط التجاري ربط املنطقة كلها ربطا تاما

ما بـــني �سجلما�سة واأودغ�ســـت غربا حتى زويلة �سرقـــا، وبني ارتباط

�سلع املنطقة بتجـــارة حو�س البحر املتو�سط. اأما االأدري�سي فقد اأورد

يف كتابـــه »�سفة املغرب واأر�س ال�ســـودان وم�سر واالأندل�س« معلومات

قيمة وتفا�سيل دقيقة عن ممالك اإفريقيا جنوب ال�سحراء واملراكز،

وامل�سافـــات بينهـــا يف االأقاليم ب�ســـورة وا�سحة ت�ساعـــد على حتديد

مواقعهـــا. وتناول الطرق ال�سحراوية عـــرب جميع مناطق ال�سحراء،

واأفا�س يف احلديث عن الن�ساط التجاري، وو�سف القوافل واأعدادها

وال�سلـــع التي تنقلها يف ذهابها واإيابهـــا بتف�سيل دقيق مل ي�سبقه اإليه

اأحد ممن و�سلتنا اأعمالهم.

اأمـــا التهريـــب فيحتـــل الوقـــود واملـــواد الغذائيـــة ذات اال�ستهلك

الوا�سع �سدارة املواد التـــي ا�ستد تهريبها عرب ال�سحراء الكربى من

اجلزائـــر اإىل النيجـــر بالدرجـــة االأوىل ومايل بالدرجـــة الثانية. اأما

التهريـــب االآتي من النيجـــر ومايل اإىل اجلزائـــر فيقت�سر على مواد

التجميـــل وال�سجائر االأجنبية التي تراجعت خلل ال�سنوات االأخرية.

وتعـــد احلـــدود اجلغرافية يف نظـــر املهربني، بتمرنا�ســـت وعني فزام

وعني �سالح، وهمية بحكـــم اعتبارات تاريخية كالقرابة الناجمة عن

امل�ساهـــرة وتداخـــل م�سالح ال�ســـكان عرب احلـــدود، وبحكم �سعف

االإح�سا�ـــس باالنتمـــاء للدولة الناجم عـــن حرمان املنطقـــة و�سعفها

اجتماعيا واقت�ساديا.

تعتـــرب مترنا�ست واحدة مـــن اأكرب الواليـــات ال�سحراوية م�ساحة،

وتبعـــد كل منطقـــة عن االأخـــرى مئـــات الكيلومرتات. وهـــذه واحدة

مـــن العوامل التي ظـــل املهربون ي�ستفيـــدون منها، ي�ستغلـــون املنافذ

والف�ســـاءات والعـــروق ال�سا�سعـــة التـــي مل ت�ستفـــد بعد مـــن التغطية

االأمنيـــة. حتول ال�سريط احلدودي ال�سحراوي، من منطقة فم زكيد

اإىل الطاو�س وحا�سي بي�سة، حتول اإىل منفذ تهريب بعيد عن املراقبة،

وتنامى ن�ساط التهريب يف ال�سحراء وال�ساحل، وحتولت املنطقة اإىل

�ساحـــة حرب بني القـــوات احلكومية ومقاتلي املهربـــني واالإرهابيني.

كما متتـــد م�سالك التهريب انطلقا مـــن ال�سواحل ال�سمالية وبحرية

مارتي�ســـكا، اإىل �سواحـــي الق�ســـر الكبـــري والعرائ�ـــس، اإىل املناطق

احلدودية املرتامية االأطراف باإقليم الر�سيدية.

اإ�سافـــة اإىل ذلـــك، اأ�سبـــح ال�سريـــط املمتـــد بـــني حا�ســـي بي�ســـة

والطاو�س مرورا مبحاميد الغزالن وفم زكيد بطاطا منفذا بريا اآخرا

للمهربني، وهي امل�سالك التي تقطعهـــا قوافل املخدرات قبل الو�سول

اإىل املنافذ احلدودية ومنهـــا اإىل خمتلف الدول املغاربية، لي�س فقط

اجلزائر بل اأي�سا ليبيا وتون�س ودول ال�ساحل، مبا فيها مايل والنيجري

وموريتانيـــا. وتلـــك مناطق توجد كلها على حافـــة ال�سريط احلدودي

واأغلبيـــة �ساكنيها من البدو الرحل وحيـــاة الكثري منهم تغريت بتغري

الن�ســـاط االقت�ســـادي يف املنطقة؛ فلـــم يعد يهم الكثـــري منهم رعي

االإبل وال املا�سية وال الفلحة، اإذ وفرت خربة اأولئك مب�سالك املنطقة

ال�سحراويـــة ومتعرجاتها م�سدر دخل لهـــم ال يقدر بثمن؛ فقدرتهم

على حتديد املواقع واأي�سا االإفلت من مراقبة حر�س احلدود بل اأي�سا

تتبع امل�سارات عن طريق النجوم، جتعلهم اأف�سل خرباء ي�ستعان بهم

لعبور املمرات الوعرة دون التيه بني كثبان الرمال.

كمـــا اأن علقـــات امل�ساهرة العابـــرة للحدود جعلـــت احلدود بل

معنى بني الدول. فل يجد �سكان اجلانبني فرقا بني مهرب واإرهابي؛

فاالأ�سياء بتمرنا�ست معقدة، من جانب اأن هناك من يقيم يف النيجر

ولـــه نف�س وثائق االإقامة يف مترنا�ست، حيـــث اأن هناك 90 باملائة من

�سكان بع�س املناطق مزدوجي اجلن�سية. واحلدود بالن�سبة للمهربني

جيوبوليتيك

هـــي حدود وهمية، اأي اأن هناك روابط عائلية

تاريخيـــة وم�سلحية جعلـــت كثري من املهربني

)4(

بـــل ومن املواطنـــني ال يعرتفـــون باحلدود.

والبع�س يقراأ التهريب على اأنه نتيجة منطقية

لو�ســـع احلرمـــان ال�سائد يف املنطقـــة الناجم

عن غيـــاب الدولة علـــى نحو جعـــل االإح�سا�س

باالنتمـــاء للدولة �سعيـــف، واأ�سبـــح التهريب

منط حياة طبيعي لل�سكان.

�سبـــكات متـــدد وبنف�ـــس

�سبـــكات تنت�ســـر التهريـــب،

عبـــداهلل يقـــول االإرهـــاب.

حفيظي، وهو باحث متخ�س�س

يف ال�ســـوؤون ال�سحراويـــة، اإن

تنظيـــم البولي�ساريو ن�سط يف

وال�سجائر املخـــدرات تهريب

اجلـــوار. دول اإىل واملوا�ســـي

بالقاعدة علقـــات وللتنظيم

والتمرد االإرهابية واحلركات

)5(

الكـــربى. ال�سحـــراء يف

يوفـــر الـــذي هـــو واالإرهـــاب

احلماية ملافيا التهريب العابر

للحدود طاملـــا اأن هناك تزاوج

للم�سالح بينهما، واأهم اجلماعات امل�سلحة ذات العلقة هنا »قاعدة

اجلهـــاد يف بـــلد املغـــرب االإ�سلمـــي«، و«اجلماعة ال�سلفيـــة للدعوة

والقتال«، و«اجلماعة االإ�سلمية امل�سلحة«.

وجند اأي�سا متديدات النفـــط والغاز يف اجلزائر، ويف دول املغرب

عمومـــا، تتماهى ن�سبيا مـــع �سبكات التهريب وخارطـــة انت�سار خليا

االإرهاب. فهناك اأنبوب ينقل النفط من عجيلة وجتونتورين واأوهانت

على مينـــاء بجاية، واآخر ينقل النفط مـــن عجيلة وجتونتورين وميتد

�سرقـــا اإىل مينـــاء ال�سخرية التون�ســـي، اأما اأنابيب الغـــاز فتمتد من

حا�ســـي م�سعـــود وحا�سي الرمـــال واأرزيـــو اىل ميناء وهـــران واأنبوب

ثـــاين اإىل تون�س وثالث اإىل املغرب، وجميعهـــا تعرب مئات االأميال من

)6(ال�سحارى املقفرة.

و�ســط اآ�سيــا لقـــد كانـــت ل�سناعـــة احلرير

مكانة مهمـــة يف حياة ال�سعوب منذ الع�ســـور القدمية. وكان احلرير

والبهـــارات القادمـــة من ال�ســـرق االأق�سى عامل فعـــاال يف العلقات

الدولية بني ال�سرق والغرب، ويف تعريف الغرب بالثقافة ال�سرقية. وقد

�ساهمـــت قوافل احلرير والبهارات يف اإن�ساء طرق جتارية من ال�سني

حتى اأوروبا. وكانت القوافـــل يف الع�سور الو�سطى تنطلق من ال�سني

مـــن مدينة زيان حاليا باجتاه مدينـــة قا�سغار يف اأوزبك�ستان، وهناك

تنق�ســـم اإىل طريقـــني االأول عرب وديان اأفغان�ستـــان اإىل بحر الهازار،

واالآخـــر عرب جبال قاراقـــوروم اإىل اإيران ومن هنـــاك اإىل االأنا�سول

وبعد ذلك اإما عن طريق البحر، اأو برا عن طريق تركيا اإىل اأوروبا.

وقد ا�ستفادت هذه احلركـــة التجارية التي تطورت من ال�سرق اإىل

الغرب من �سبكة الطـــرق التي كانت ت�ستخدم منذ الع�سور القدمية.

و�سميـــت طـــرق القوافل هـــذه، والتي تبلـــغ اآالف الكيلومـــرتات والتي

كانت ت�ساعد يف نقل احلرير والبور�سلني والورق والبهارات واالأحجار

الكرمية ب�سكل كثيف بني القارات، والتي �ساعدت يف تبادل الثقافات،

بـ »طريق احلرير«. فباالإ�سافة اإىل اأن طريق احلرير قد �سكل طريقا

جتاريا ربط بني اآ�سيا واأوروبا منذ اأكرث من األفي عام، فاإنه قد �ساعد

اأي�سا على متازج الثقافات واالأديان واالأجنا�س.

اإن اأكـــرث اأرا�سي هـــذه املنطقة عبارة عن �سهـــوب قاحلة، و�سديدة

الـــربد يف ال�ستـــاء، ويف�ســـر هـــذا االأمر انعـــزال �سعوبهـــا الطويل عن

التاأثـــريات اخلارجيـــة. وكانت الرثوات التي ترتاكـــم يف هذه املنطقة

بفعل نقل التجارة تتجمع عادة يف واحات يلتجئ اإليها النا�س، وكثريا

ما اأثارت غرية االآخرين وح�سدهم. وكانت بع�س اأ�سهر تلك الواحات

ممرات مهددة: خريطتان تو�سحان خطوط متديدات النفط

يف اجلزائر )ميني( وو�سط اآ�سيا و�سبه اجلزيرة العربية )ي�سار(

Page 58: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 114 115ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

مثـــل �سمرقند ومرو وبخارى حمطات علـــى طرق القوافل املمتدة من

ال�ســـني اإىل الغـــرب، والتي ت�سمـــى طريق احلرير. ونتيجـــة ل�سعوبة

جغرافيـــة املنطقة، جند اأن التهريب قد تنامـــى يف ال�سنوات االأخرية

ب�سكل ملحوظ و�سكل منط حياة عادي لل�سكان.

رغـــم ذلك، ت�ســـري التقديرات اإىل امتلك مناطـــق طريق احلرير

حـــول »بحر قزويـــن« الحتياطي موؤكد من النفط يـــرتاوح بني 18 و34

مليـــار برميل، واحتياطي حمتمل يبلـــغ نحو 200 مليار برميل. وتعادل

هـــذه التقديـــرات نحـــو ثلـــث احتياطي نفـــط ال�ســـرق االأو�ســـط. اأما

احتياطي الغاز املوؤكد فيـــدور حول 170 تريليون قدم مكعب، وتقرتب

اأرقـــام االحتياطي املحتمل من 250 تريليونا، حيث و�سعت الدرا�سات

الدقيقة للرثوات املكت�سفة املنطقة يف املرتبة الثانية بعد اخلليج.

ومبوقعـــه االأورو-اآ�سيـــوي الفا�ســـل بـــني القوقاز يف الغـــرب واآ�سيا

جغرافيـــة رقعـــة احلريـــر طريـــق يتو�ســـط ال�ســـرق، يف الو�سطـــى

تتقا�سمهـــا خم�س دول، هي رو�سيا واأذربيجان يف الغرب وكازاخ�ستان

وتركمان�ستان من ال�سمال وال�سرق، واإيران من اجلنوب. والأن حركات

االإ�سلم ال�سيا�سي ن�سطت بو�سوح - بعد انهيار ال�سيوعية- بني �سكان

هذه املناطق، يروق للباحثني ت�سمية املنطقة »بطريق الرثوة والدين«.

ففـــي عـــام 1995، كانت املنطقـــة تنتج فقـــط 870.000 برميل يف )7(

اليـــوم )44 مليون طن بال�سنـــة(. ويف عـــام 2010، زاد االإنتاج لي�سل

اإىل 4.5 مليـــون برميـــل باليوم، اأي بن�سبة زيادة اأكـــرث من 500 باملائة

ـــل املنطقة حوايل 5 باملائـــة من اإنتاج خـــلل 15 �سنـــة فقط. بهذا متثر

النفـــط العاملي، وحوايل 20 باملائة من النفط املنتج �سمن الدول غري

املن�سمة الأوبك.

لكن هناك م�سكلة اأ�سا�سية تبقى بحاجة حلل: كيف باالإمكان اإي�سال

م�ســـادر الطاقة ال�سخمة يف املنطقة اإىل االأ�سواق حيث احلاجة لها؟

احلـــل املطروح هو بنـــاء طريق »جديد« للحريـــر. اإن االأخطار كبرية،

هناك خيـــار الذهـــاب �سرقا عرب )8(

ولكـــن مردودهـــا املادي كبـــري.

ال�سني، ولكن هذا يعني بناء اأنبوب بطول اأكرث من 3000 كيلومرت اإىل

و�ســـط ال�سني، وهو اأمر غري عملـــي وم�ستبعد. هناك خيار اآخر، وهو

بنـــاء خط اأنابيـــب جنوبا من اآ�سيا الو�سطـــى اإىل املحيط الهندي. اإن

اأحد الطرق جنوبا �سيمر عرب اإيران. ولكن هذا اخليار غري وارد اأمام

ال�سركات االأمريكية ب�سبب الت�سريعات املتعلقة باملقاطعة من الواليات

املتحدة ودول الغرب. اخلط االآخر املمكن هو عرب اأفغان�ستان، والذي

ي�ســـكل حتديات خا�سة. اإن اأفغان�ستان تعـــاين من حروب مريرة منذ

ثلثـــة عقود، واملنطقة التـــي �سوف مير عربها خـــط االأنابيب تنت�سر

فيها حركات اجلهاد االإ�سلموية وطالبان والقاعدة. على الرغم من

على الرغم من قرب املن�ساآت النفطية اجلغرايف يف دول كثرية من اأماكن وجود اجلماعات الإرهابية، فاإن البنية الأ�سا�سية

للنفط نادرا ما تعر�ست للهجوم، نتيجة لعدة اأ�سباب منها ان�سغال اجلماعات الإرهابية با�ستهداف احلكومات املحلية، ف�سال

عــن اأن ا�ستهــداف مثل تلك املن�ساآت يتطلــب م�ستوى من املهــارات والتخطيط والدعم اللوجي�ستي الــذي تفتقده العديد من

اجلماعات اجلهادية العاملية

جيوبوليتيك

ذلك، فاإن طريقا عرب اأفغان�ستان يبدو اخليار االأف�سل مع العدد االأقل

من العوائق التقنية. اإنها اأق�سر طريق اإىل البحر ولديها ن�سبيا اأرا�س

منا�سبة ملد اخلط. واخلط عرب اأفغان�ستان �سوف ي�سمح باإي�سال نفط

اآ�سيـــا الو�سطى قريبا من اأ�ســـواق اآ�سيا، وبالتايل �سيكـــون االأقل كلفة

على �سعيد نقل النفط.

ويذكر عمـــار علي ح�سن اأن خطوط نقل النفـــط والغاز تتقاطع مع

م�سارات توزيـــع اجلماعات االإ�سلمويـــة الراديكالية يف مناطق اآ�سيا

فخط اأنابيب )9(

الو�سطى والقوقاز واأفغان�ستـــان وباك�ستان وال�سني.

اأترياو-�سامـــارا بطـــول 432 ميل ميتد من اأتـــرياو يف كازاخ�ستان اإىل

�سامـــارا يف رو�سيا، وخـــط كون�سرتيـــوم بحر قزوين بطـــول 990 ميل

يبـــداأ من حقل تينجيز بكازاخ�ستان اإىل ميناء نوفور�سي�سك الرو�سي،

وخـــط اآخر بطـــول 1040 ميل يبداأ من كازاخ�ستـــان ومير عرب كل من

تركمان�ستـــان واأفغان�ستـــان لي�ســـل اإىل جـــوادر يف باك�ستـــان، وخـــط

كازاخ�ستـــان - اإيـــران بطـــول 930 ميـــل يبـــداأ يف كازاخ�ستـــان مرورا

برتكمان�ستان اإىل جزيرة خـــرج االإيرانية، وخط غاز �سينتجاز بطول

1270 ميـــل يبـــداأ من دولت اأباد يف تركمان�ستـــان ليمر عرب حريات يف )10(

اأفغان�ستان اإىل مولتان بباك�ستان.

وتنت�ســـر جماعات اإ�سلمية عديدة حول خطـــوط اأنابيب نقل الغار

والنفـــط ال�سابقة، �ســـواء املوجودة اأو املخطط لها. فعـــدا عن انت�سار

حركـــة طالبـــان والقاعـــدة يف اأفغان�ستـــان و�سمال وغـــرب باك�ستان،

ينت�ســـر حـــزب النه�ســـة االإ�سلمـــي يف اأوزبكي�ستـــان وطاجيك�ستان،

وتنت�سر خليـــا حركة التوبة يف اأوزبكي�ستـــان وقريغيز�ستان، وكذلك

ترتكـــز حركـــة العدالـــة يف اأوزبكي�ستـــان وقريغيز�ستـــان، كمـــا توجد

حـــركات عديدة اأخـــرى مثل حركة االإ�ســـلم والدميقراطية واحلزب

اليمقراطـــي االإ�سلمـــي واحلركـــة ال�سعبيـــة االأوزبكية وحـــزب اآال�س

الكازاخي وجميعها متتد علـــى �سكل قو�س يف اآ�سيا الو�سطى والقوقاز

وتنتهـــج العنف. كما اأكد وزيـــر الداخلية الباك�ستـــاين االأ�سبق ن�سري

اهلل بابـــر، االأب الروحي خللق حركة طالبـــان، اأن اإ�سلم اأباد دفعت

بحركـــة طالبان واأو�سلتها للحكم بهدف تاأمـــني مرور خطوط اأنابيب

)11(نفط وغاز عرب اأفغان�ستان اإىل جنوب �سرق اآ�سيا.

وب�ســـكل عـــام، هنـــاك رابـــط بـــني حـــركات االإرهـــاب والتهريب.

فاالإنرتبـــول يربط بـــني القاعدة ومهربني باأمـــريكا اجلنوبية، اإذ اأكد

م�سئـــول يف جمال مكافحـــة التهريب والقر�سنة وجـــود �سلت تربط

تنظيـــم القاعـــدة ومهربني يف املنطقـــة احلدودية لكل مـــن الربازيل

وباراغـــواي واالأرجنتـــني. واأو�ســـح نف�س امل�سئـــول اأي�ســـا اأن ثمة اأدلة

موجودة منذ عام 2003، كمـــا حدد وجود �سلت اأخرى بني التهريب

واالإرهـــاب يف اإيرلنـــدا ال�سمالية وخ�س بالذكـــر جمموعات ع�سكرية

)12(فيها تخ�س�ست يف جتارة الفودكا املهربة.

وقبل ختام هذا املقال، ال بد من التنويه

ببع�ـــس امللحظـــات املهمـــة. اأوالهـــا، اأن

هـــذه االأفـــكار متثـــل نـــواة لتفكـــري وتاأمل

يف ظواهـــر الديناميكيـــة االجتماعيـــة، والتي

ت�ستحـــق بحثا اأعمق رمبا يو�سل لنتائـــج اأخرى ورمبا يظهر بطلنها.

ثانيـــا، يف املناطق الثلث املدرو�سة هنا مل يكـــن غريبا اأن يكون اأكرث

اأع�ساء القاعـــدة واملهربني من اأبناء هذه املناطق نف�سها. وهذا يقود

ال�ستنتـــاج اآخر هو اأن علقات القرابة وامل�ساهرة ت�ساعد على اإيجاد

احلماية والتغطية و�سهولة املرور للمهربني و�سهولة االختباء واحلماية

للإرهابيـــني. اأخريا، اإن �سعف وجود الدولة يف املناطق الطرفية خلق

اإح�سا�سا بعدم االنتماء لدى �سكان هذه املناطق، وبالتايل اأوجد منطا

مقبـــوال حمليا للحياة واالإنتاج يعتمد العنـــف والتهريب ك�سبل للبقاء،

والبـــد من التعامل معها من هذا املنظور واإيجـــاد بدائل اإنتاج للحياة

بديلة قبل الق�ساء عليها.

)1( انظر:

Michael Mihalka and David Anderson، “Is the Sky Falling? Energy

Security and Transnational Terrorism“، Strategic Insights، Volume

VII، Issue 3 )July 2008(. <http://www.nps.edu/Academics/centers/

<ccc/publications/OnlineJournal/2008/Jul/mihalkaJul08.html

)2( عمـــار علي ح�ســـن، ممرات غري اآمنـــة )دبي: مركز اخلليـــج للأبحاث،

2003(، �س 8.

http://en.wikipedia.org/wiki/Qataban :3( انظر(

)4( انظر:

http://elkhabar.com/dossiersp/?ida=202505&idc=46&cid=0&ei=Fj

HVRI_XC

)5( عبـــداهلل حفيظـــي، “االنف�ساليـــني ال�سحراويـــني: العلقـــات اخلفيـــة

واحلقيقة ال�سائعة”، على الرابط:

http://www.maghribouna.com/alakbar-almaghribia/3905.html

)6( عمار علي ح�سن، ممرات غري اآمنة، م�سدر �سبق ذكره، �س 58.

)7( �سريـــف �سعبـــان مـــربوك، “اإيـــران.. واحل�ســـار االأمريكـــي يف اآ�سيـــا

الو�سطى”، خمتارات اإيرانية، العدد 62، اأيلول/�سبتمرب 2005.

)8( ع�ســـام خـــوري، “ع�سكرة النفـــط وم�ســـروع ال�سرق الو�ســـط الكبري”،

http://www.ahewar. :احلـــوار املتمدن، العدد 1949، 2007. على الرابـــط

org/debat/show.art.asp?aid=99991

)9( عمار علي ح�سن، م�سدر �سبق ذكره، �س 38.

http//www.eia.doe.gov/ :10( امل�ســـدر ال�سابق، �س �س 41-39 نقل عن(

emeu/cabs/caspgraph.html

)11( يحيـــى غـــامن، “ال�سراع حول غاز و�سط اآ�سيـــا”، يف: اإبراهيم نافع، ما

الذي يجـــري يف اآ�سيا )القاهـــرة: مركز االأهرام للرتجمـــة والن�سر، الطبعة

االأوىل، 1998(، �ـــس 210؛ وانظـــر كذلك: عمار علي ح�ســـن، م�سدر �سابق،

�س 10.

)12( انظر:

http://www.aljazeera.net/News/archive/archive?ArchiveId=95509

الهوامــ�ص والإحـــالت

�لتايل

�حلركات �جلهادية

و�أهمية �ملكان

بقلم: �شكوت �شتيو�رت

Page 59: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 116 117ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

ومـــع اأن جغرافيـــة البلد املعني متثـــل اأهمية بالغـــة من منظور

اجلماعات املقاتلة، اإال اأن هناك اأي�سا عوامل اأخرى تلعب دورا يف

خلق املكان املنا�سب لبقـــاء هذه اجلماعات؛ فبينما توفر املناطق

الوا�سعة من الت�ساري�س الوعرة كاجلبال اأو االأدغال اأو امل�ستنقعات

ملذا اآمنا للجماعات املقاتلة وبالتايل تنفيذ عملياتها على نطاق

وا�ســـع اإال اأنه البد اأن تكون الدولة املركزية �سعيفة يف البلد الذي

تتخـــذ منه هذه اجلماعات وكرا لعنا�سرهـــا، اأو اأن تكون متعاونة

اأو علـــى االأقل تغ�ـــس الطرف عما تقـــوم به اجلماعـــات املقاتلة.

اإ�سافة اإىل ذلك، ميثل وجود �سعب متعاطف عامل هاما يف جعل

منطقتهم مـــلذا اآمنا لعنا�سر تلك اجلماعـــات. ويف حال غياب

هذا اخلليط مـــن العوامل املواتية متيل اجلماعـــات املقاتلة اأكرث

اإىل العمـــل كعنا�ســـر اإرهابيـــة يف خليا ح�سريـــة �سغرية. فعلى

�سبيل املثال، بالرغم من اأن م�سر كانت اأحد املهود االأيديولوجية

للجهـــاد اإال اأن اجلهاديني مل يتمكنوا من توطيد اأقدامهم يف هذا

البلد )مثلما فعلوا يف اجلزائر واليمن وباك�ستان(، وذلك الأن كل

مـــن الدولة وجغرافية البـــلد ال ميثلن عوامـــل مواتية للعنا�سر

اجلهادية حتى يف املناطق التي يوجد بها اأنا�س متعاطفون مع تلك

العنا�سر، فعندمـــا بداأت تن�سط عنا�سر التنظيمات اجلهادية يف

م�سر قامـــت الدولة مبلحقتهم. فاأ�سبح املقاتلون الذين ينجون

مـــن االعتقـــال اأو القتل يلوذون بالفرار اإىل خـــارج البلد وينتهي

بهم املطـــاف اإىل اأماكن كال�سودان والعـــراق وباك�ستان )واأحيانا

مدينة جري�سي االأمريكية(. ولكـــن خلل العقود الثلثة املا�سية

اأ�سبـــح الكثري من هوؤالء املقاتلـــني امل�سريني املتنقلني، مثل اأمين

الظواهـــري، يلعبـــون دورا يف ت�سكيـــل وتطويـــر تنظيـــم القاعدة،

التنظيم اجلهادي العابر للحدود.

وبالرغم مـــن اأن تنظيم القاعدة واحلركـــة اجلهادية الوا�سعة

التي يدعمها التنظيم هما منظمتان عابرتان للحدود، اإال اأنهما ما

زالتـــا تتاأثران بالعوامل الفريدة التي يتميز بها املكان، ومن املهم

درا�سة كيفية تاأثري مثل هذه العوامل على م�ستقبل احلركة.

املكان والتطور التاريخي للجهاد بداأت براعم عملية

التنقـــل احلديـــث لظاهـــرة اجلهاد التـــي انتهت بت�سكيـــل تنظيم

القاعـــدة تنمـــو يف املنطقـــة اجلبليـــة الوعرة على طـــول احلدود

امل�سرتكـــة بـــني اأفغان�ستـــان وباك�ستـــان، وهي اإقليـــم نائي مل يكن

ملـــيء باللجئني – واملقاتلـــني من اأنحاء العـــامل – فح�سب، بل

هاج�ض امللذ االآمن�سكوت �ستيوارتاحلركات اجلهادية واأهمية املكان

مـــن املقومات االأ�سا�سيـــة التي يعتمد عليهـــا النموذج التحليلي الـــذي و�سعته موؤ�س�ســـة »�سرتاتفور«

)البحثيـــة االأمريكيـــة( هو اأهمية املكان. فاجلغرافية الطبيعيـــة والثقافية الأي بلد حتتم على الدولة يف

ذلك البلد مواجهة نوع معني من االأمور االإ�سرتاتيجية امللحة مهما كان ال�سكل الذي تتخذه تلك الدولة.

فعلـــى �سبيل املثال، كان على رو�سيا االمربيالية واالحتـــاد ال�سوفيتي ورو�سيا ما بعد ال�سوفيت مواجهة

نف�س ال�سرورات االإ�سرتاتيجية. وعلى غرار ذلك يكون للمكان اأثر كبري يف ت�سكيل اجلماعات املقاتلة

وعملها، واإن مل يكن نف�س االأثر الذي يكون يف الدولة، وذلك الأن هذه اجلماعات، وخا�سة العابرة منها

للحدود، تتنقل من مكان اإىل اآخر.

جيوبوليتيك

�سكوت �ستيوارت باحـــث وحملل اأمريكي يف موؤ�س�سة »�سرتاتفور«. وموؤ�س�سة �سرتاتفور Stratfor هي موؤ�س�سة

بحثيـــة اأمريكيـــة متخ�س�سة يف حتليـــل ال�سوؤون الدوليـــة، برز دورها خـــلل ال�سنوات االأخـــرية كم�سدر

للمعلومات والتحليلت اال�ستخباراتية واال�سرتاتيجية. وقد ن�سر هذا املقال باالإجنليزية، بتاريخ 25 اآذار/

Jihadism and the“:مار�س 2010، يف موقع املوؤ�س�سة اخلا�س على �سبكة االإنرتنت، حتت عنوان

.”Importance of Place

»مالذ اآمن«:وفرت املنطقة الوعرة

والنائية يف �سرق و�سمال �سرق

اأفغان�ستان املحاذية للأرا�سي

الباك�ستانية اجلرداء مكانا مثاليا

الأن�سطة القاعدة، لبعدها كثريا عن

املحيط وعن قدرة الواليات املتحدة

االأمريكية الإظهار قوتها

Page 60: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 118 119ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

وتغمره كميات كبرية مـــن ال�سلح ويعج باجلوا�سي�س وتع�سف به

املوؤامرات والفكر االإ�سلمي املت�سدد، وقد اأثبتت هذه املنطقة اأنها

موطن مثايل لت�سكيل احلركة اجلهادية احلديثة عقب االن�سحاب

ال�سوفيتـــي من اأفغان�ستان عام 1989، لكنهـــا �سرعان ما ع�سفت

بها اأعمـــال العنف التي ن�سبت بني امل�سلمني. وبعد �سقوط النظام

ال�سيوعـــي يف العا�سمـــة االأفغانية كابول عـــام 1992 اأدت احلرب

االأهليـــة �سبه امل�ستمرة بـــني زعماء احلرب امل�سلمـــني املتناف�سني

اإىل تدمـــري البـــلد حتى تولـــت حركة طالبان زمـــام احلكم عام

1996، ولكـــن حتـــى بعد ذلك ظلـــت الدولة التـــي تقودها طالبان

تخو�ـــس حربا مع جماعات حتالف ال�سمـــال. ويف ظل هذه الفو�سى

بـــداأ تنظيـــم القاعدة عـــام 1992 بنقـــل عنا�ســـره اإىل ال�سودان،

البلـــد الذي انتهـــج نهجـــا اإ�سلميا مت�ســـددا بعد انقـــلب 1989

بقيـــادة اجلرنال عمر الب�سري، والذي تاأثـــر كثريا بح�سن الرتابي

وحزبـــه الوطني االإ�سلمي. وخلل هذه الفرتة ا�ستمرت القاعدة

يف اإن�ســـاء مع�سكـــرات تدريبيـــة يف اأفغان�ستـــان مثـــل مع�سكـــرات

اخلالدان والفاروق ودارونتـــا، وحافظت على بقاء �سبكة معاقلها

الباك�ستانيـــة يف بع�ـــس االأماكن مثل مدينتـــي كارات�سي وبي�ساور،

اللتـــني ا�ستخدمتهما لتوجيه عنا�سرها املجاهدة من اخلارج اإىل

مع�سكراتها التدريبية يف اأفغان�ستان.

ومن عدة نواحي كان ال�سودان هو املكان االأف�سل للقاعدة كونه

وفـــر ملذا بعيدا وي�سمح مع ذلـــك بتوا�سل اأكرب بكثري مع العامل

اخلارجـــي من املع�سكـــرات النائية يف اأفغان�ستـــان. ولكن يف نف�س

الوقـــت كان هذا امللذ ذو حدين، فقد وقع التنظيم حتت مراقبة

اأ�ســـد خلل فرتة اإقامته يف ال�سودان مما كان الو�سع عليه خلل

اإقامته يف اأفغان�ستـــان، اإذ كانت فرتة �سنواته يف ال�سودان )1992

– 1998( هـــي الفـــرتة التـــي اأ�سبح فيهـــا الكثري مـــن دول العامل

املناه�ســـة للإرهـــاب على علم بوجـــود القاعدة، كمـــا اأن معظم

النا�ـــس خارج جمتمع حماربة االإرهاب مل يكونوا يعرفوا �سيئا عن

هذا التنظيـــم حتى حدوث تفجريات ال�سفارة االأمريكية يف �سرق

اأفريقيـــا يف اآب/اأغ�سط�س عـــام 1998، ومن ثم اأ�سبحت القاعدة

فعل حديث كل بيت بعد اأحداث احلادي ع�سر من اأيلول/�سبتمرب.

وكان لهـــذه ال�سهرة ثمن غايل، فبعد حماولة االغتيال التي نفذت

يف حزيران/يونيـــو 1995 �سد الرئي�س امل�سري ح�سني مبارك يف

العا�سمة االأثيوبية )ن�سب الهجوم اإىل مقاتلني م�سريني وعنا�سر

من القاعدة( بداأ املجتمع الدويل – مبا يف ذلك م�سر والواليات

املتحـــدة – مبمار�سة �سغوط �سديدة على حكومـــة ال�سودان لكي

تقـــوم بفر�س �سيطرتها على اأ�سامة بـــن الدن وتنظيم القاعدة اأو

طردهما من البلد.

ويف اأيار/مايـــو 1996 قـــام بـــن الدن وجماعتـــه، الذين رف�سوا

اخل�ســـوع لل�سيطـــرة، ب�ســـد الرحـــال والعـــودة مـــرة اأخـــرى اإىل

اأفغان�ستـــان، وقد كان التوقيت ملئم للقاعدة التي ا�ستطاعت اأن

جتـــد لنف�سها ملذا اآمنا هناك حيث كانـــت طالبان ت�ستعد ل�سن

هجومها االأخري على كابول، حمققة اال�ستقرار يف معظم مناطق

البـــلد. وبالرغم اأن طالبـــان مل تكن منا�سرة البـــن الدن ب�سكل

كبري فاإنها على االأقل مل متانع وجوده يف اأفغان�ستان واأن�سطته التي

يقوم بها، وكانت ت�سعـــر اأنها ملزمة بحمايته ك�سيف حتت قانون

»با�ستونـــوايل« – القانون القدمي لل�سعب البا�ستوين. ومن جانبها

قامـــت القاعدة بكل دهاء بتزويـــج عنا�سرها من القبائل املحلية

املوؤثرة، وذلـــك كاإجراء اإ�ســـايف ل�سمان اآمان اأكـــرب لعنا�سرها.

وبعد عودتـــه اإىل اأفغان�ستان بفرتة وجيزة، �سعر بن الدن باالأمان

الكايف الإ�سدار اإعلن اآب/اأغ�سط�س 1996 باحلرب �سد الواليات

املتحدة.

وقـــد كانـــت املنطقة الوعـــرة والنائيـــة يف �سرق و�سمـــال �سرق

اأفغان�ستان املحاذية للأرا�ســـي الباك�ستانية اجلرداء توفر املكان

املثـــايل الأن�سطة القاعـــدة، لبعدها كثريا عـــن املحيط وعن قدرة

الواليات املتحدة االأمريكية الإظهار قوتها. ومع اأن هجوم �سواريخ

كروز االأمريكيـــة يف اآب/اأغ�سط�س 1998 عقب تفجريات ال�سفارة

االأمريكيـــة يف �ســـرق اأفريقيا، قد نغ�س قليـــل اإقامة القاعدة يف

اأفغان�ستـــان اإال اأنـــه مل يكن فعاال اإىل حد كبـــري، واأثبت حمدودية

قـــدرة الواليات املتحدة على الو�ســـول للتنظيم الذي ظل يعمل يف

اأفغان�ستان دون منغ�سات حتى غزو القوات االأمريكية الأفغان�ستان

يف ت�سريـــن االأول/اأكتوبـــر 2001. وخـــلل وجود تنظيـــم القاعدة

يف اأفغان�ستـــان عمـــل على تقدمي التدريبـــات الع�سكرية االأ�سا�سية

لع�ســـرات االآالف مـــن الرجـــال الذيـــن مـــروا عـــرب مع�سكراتـــه

التدريبية، والتي ا�ستطاعـــت اأن تقدم اأي�سا تدريبات متقدمة يف

مهنة االإرهاب لعدد قليل من الطلب املختارين.

علـــى اأن الغـــزو االأمريكـــي الأفغان�ستان غري نظـــرة املجاهدين

متامـــا جتاه اأفغان�ستان، حيث مل تعد القوات الع�سكرية االأمريكية

حم�ســـورة يف املحيـــط الهندي بـــل امتدت اإىل قلـــب اأفغان�ستان،

جيوبوليتيك

مناطق احلـــدود الباك�ستانية الوعرة مـــا زالت ت�سكل نقطة

ارتـــكاز بالن�سبـــة للمجاهدين، لكن ال�سغـــط املتزايد الذي

تفر�ســـه ال�سربات اجلوية االأمريكيـــة والعمليات الع�سكرية

الباك�ستانية يف بع�س املناطق مثل باجور و�سوات ووزير�ستان

اجلنوبيـــة اأجـــرب املجاهديـــن االأجانب على تـــرك باك�ستان

والبحث عن اأماكن اأكرث اأمانا

وبهـــذا حتولت البلد مـــرة اأخرى من ملذ ومـــكان للتدريب اإىل

�ساحة قتال ومت تدمري مع�سكرات التدريب اأو اإعادتها اإىل اجلانب

الباك�ستـــاين من احلدود، وفـــر بع�س املجاهديـــن اإىل مواطنهم

االأ�سليـــة، بينمـــا توجه اآخرون – كاأبي م�سعـــب الزرقاوي – اإىل

املناطـــق القاحلـــة �سمـــال العراق التـــي كانت جـــزءا من احلظر

االأمريكـــي على الطريان، وبالتايل كانت بعيدة عن متناول �سدام

ح�ســـني الـــذي، لكونـــه رئي�ســـا علمانيـــا، مل يبد �ســـوى القليل من

التعاطف االأيديولوجي مع ق�سية املجاهدين.

اأما طـــوق االإقليم البا�ستـــوين الوعر والنائـــي يف باك�ستان فقد

كان ميثـــل يف البدايـــة ملجاأ يرحب بعنا�ســـر املجاهدين، غري اأن

ال�سربات اجلوية االأمريكية حولته اإىل مكان خطر فت�ستت عنا�سر

القاعـــدة واأ�سبحوا مطاردين، وخ�ســـر التنظيم قيادات مهمة يف

اأفغان�ستان من اأمثال حممد عاطف، وت�ساعفت تلك اخل�سائر يف

باك�ستان حيث اأعتقل اأو قتل بع�س ال�سخ�سيات املهمة كخالد �سيخ

حممد، وحتت ال�سغط ال�سديـــد ا�سطرت القيادة العليا للتنظيم

اإىل االختباء حتت االأر�س للبقاء على قيد احلياة.

ويف اأعقاب الغزو االأمريكي للعراق يف اآذار/مار�س 2003 اأ�سبح

العراق مكانا منا�سبـــا للحركة اجلهادية. وعلى عك�س اأفغان�ستان

التـــي كان ينظر اإليها على اأنها بلد نائي وتقع على اأطراف العامل

االإ�سلمـــي، تقع العراق يف القلب حيث كانـــت بغداد موقع عر�س

االإمرباطوريـــة االإ�سلمية ملـــا يقارب خم�سة قـــرون. ويعترب غزو

2003 موؤيـــدا للرواية التي يطلقها اجلهاديـــون، والتي مفادها اأن

الغرب قد اأعلن احلرب �سد االإ�سلم، االأمر الذي قدم دعما قويا

للجهود التي تبذل جلمع املال والرجال لن�سرة ن�سال املجاهدين،

و�سرعـــان مـــا تدفقت جمـــوع املجاهدين االأجانب مـــن كل اأنحاء

العـــامل اإىل العراق، لي�س من ال�سعودية واجلزائر فح�سب بل حتى

من اأمريكا ال�سماليـــة ودول اأوروبا. و�سهدنا اأي�سا مطالبة تنظيم

القاعدة االأم اجلهـــادي العراقي/االأردين اأبي م�سعب الزرقاوي

بتقدمي الدعم املايل.

ومـــن العوامـــل التي جعلـــت العـــراق مكانـــا منا�سبـــا للعنا�سر

اجلهاديـــة، كرم �سيـــوخ ال�سنة يف املثلـــث ال�سني بالعـــراق الذين

قدمـــوا املـــاأوى للمقاتلني االأجانـــب وا�ستخدموهـــم كاأداة للقتال،

ولكـــن مـــا اإن جفـــت منابع �سخـــاء زعمـــاء القبائل حتـــى �سهدنا

حركة �سحوة االأنبـــار 2005 – 2006، واأ�سبح العراق اأكرث عدائية

للمجاهدين االأجانب، وزادت هذه العداوة �سراوة نتيجة لوح�سية

الزرقـــاوي وتهـــوره باالعتداء علـــى امل�سلمني االآخريـــن. فتغريت

طبيعـــة الت�ساري�ـــس الب�سرية يف ربـــوع املثلث ال�سنـــي حتى اأ�سبح

مـــكان خمتلفـــا، ثم قتل الزرقـــاوي يف يونيـــو 2006 وتعطلت �سبل

ت�سلل املجاهدين اإىل العراق.

ويف الوقت الذي اأ�سطر بع�س عنا�سر املجاهدين ممن حاربوا

يف العراق، اأو ممن كانوا يتطلعون لل�سفر اإىل هناك، اإىل الذهاب

اإىل باك�ستـــان بـــداأ غريهم مـــن املجاهدين بالرتكيـــز على فكرة

ال�سفـــر اإىل اأماكن اأخرى كاجلزائر واليمـــن. وبعد حركة �سحوة

االأنبـــار بفرتة وجيـــزة �سهدنا ت�سكيل تنظيـــم القاعدة يف املغرب

االإ�سلمي )AQIM( وجتديد ن�ســـاط املجاهدين يف اليمن الذين

اأ�سعفتهـــم كثريا ال�سربة ال�ساروخية االأمريكية يف نوفمرب 2002

و�سل�سلـــة االعتقاالت خـــلل الفـــرتة 2002 – 2003. وكغريها من

االأماكن االأخرى، اأ�سبحت ال�سومال وجهة يق�سدها املجاهدون

االأجانب لتلقي التدريب والقتال، خا�سة ممن لهم جذور �سومالية

اأو اأفريقية.

وكل هـــذا يقودنـــا اإىل احلا�ســـر الـــذي جنـــد فيـــه اأن مناطق

احلدود الباك�ستانية الوعرة ما زالت ت�سكل نقطة ارتكاز بالن�سبة

للمجاهدين، لكن ال�سغط املتزايد الذي تفر�سه ال�سربات اجلوية

االأمريكية والعمليات الع�سكرية الباك�ستانية يف بع�س املناطق مثل

باجور و�ســـوات ووزير�ستان اجلنوبية اأجـــرب املجاهدين االأجانب

علـــى تـــرك باك�ستـــان والبحث عن اأماكـــن اأكرث اأمانـــا. وجند اأن

القيـــادة املركزية لتنظيم القاعـــدة يف انهيار م�ستمر بينما بع�س

بعد عودته �إىل �أفغان�ستان يف منت�سف �لت�سعينيات،

�سعر �أ�سامة بن لدن بالأمان �لكايف لإ�سد�ر �إعالن

�آب/�أغ�سط�ض 1996 باحلرب �سد �لوليات �ملتحدة

Page 61: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 120 121ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

اجلماعـــات االأخرى مثل طالبان وتنظيم القاعدة يف �سبه جزيرة

العـــرب قد تولت قيادة اجلهاد يف �ساحة املعركة. وطاملا ا�ستمرت

اأيديولوجيـــة الفكـــر اجلهـــادي �سي�ستمـــر املجاهـــدون املتنقلـــون

والعابـــرون للحدود يف عملهـــم، و�سيتوقـــف متركزهم اجلغرايف

املقبل على عدد من العوامل.

العوامــل اجلغرافيــة عندمـــا ننظـــر يف

العقارات الثابتة االأ�سا�سية التي متتلكها العنا�سر اجلهادية جند

اأن من اأهم العوامل االأوىل )كما هو احلال يف اأي �سفقة عقارية(

هـــو موقـــع ذلـــك العقار، غـــري اأن العنا�ســـر اجلهاديـــة، بخلف

معظم م�سرتيـــي املنازل، ال يحبون امل�سكـــن القريب من االأماكن

العامة كموقف املرتو وموا�سلت نقل املوظفني الرئي�سية، لكنهم

يف�سلـــون املكان املنعـــزل واخلايل ن�سبيا مـــن ال�سلطة احلكومية،

وهـــذا هو �سبب جعـــل اأفغان�ستان واالإقليم احلـــدودي الباك�ستاين

وجزر اأرخبيل �سولو وال�سهل االأفريقي وال�سومال مناطق منا�سبة

ترتادها العنا�سر اجلهادية.

اأما العامـــل الثاين فهو املحيط الب�ســـري، فعنا�سر املجاهدين

كغريهـــا من اجلماعات املقاتلة واملتمردة حتتاج اإىل �سعب حملي

متعاطـــف معها اإذا مـــا اأرادت العمـــل باأعداد اأكـــرب من اخلليا

ال�سغـــرية، وهـــذا ينطبق ب�ســـكل خا�ـــس علـــى اإدارة املع�سكرات

التدريبيـــة التي ي�سعـــب اإخفائها. ومـــن دون الدعم املحلي تكون

العنا�سر اجلهادية معر�سة خلطر ت�سليمهم لل�سلطات اأو الو�ساية

بهم عند بع�س الـــدول كالواليات املتحدة، التي تبدي ا�ستعدادها

لتقـــدمي مبالغ طائلة مقابل العثور على القـــادة الرئي�سيني. اأي�سا

وجود �سعب م�سلم حمافـــظ يت�سم بالتقاليد القتالية ميثل علمة

اإيجابية كما هو ملحوظ يف باك�ستان واليمن. وبالفعل حاول )ولكن

عبثا( اأبو م�سعب ال�سوري، املخطط اجلهادي املعروف وال�سهري

اأي�ســـا باأنه »املخطط واملنفـــذ للجهاد العاملي«، اإقنـــاع اأ�سامة بن

الدن عـــام 1989 باالنتقال اإىل اليمـــن، وذلك نظرا لتوفر املحيط

الب�سري املواتي هناك.

وتت�ســـح جليـــا اأهمية العامـــل الب�سري يف حالة العـــراق امل�سار

اإليها اآنفـــا، حيث عمل التغيري يف موقـــف م�سايخ القبائل ب�سرعة

علـــى حتـــول املناطق التـــي كانت ذات مـــرة ترحـــب باملجاهدين

االأجانـــب اإىل مناطق معادية لهـــم وخطرية على حياتهم، ومتكن

املجاهدون العراقيـــون الذين كانوا قادرين على التعاي�س ب�سورة

اأف�ســـل مع املواطنـــني املحليني علـــى البقاء اأطـــول يف تلك البيئة

املعاديـــة من رفاقهم االأجانـــب. ويعترب مفهوم الدعم املحلي هذا

مـــن العوامل التي �ستحد من قـــدرة املجاهدين العرب على العمل

يف اأماكـــن بعيـــدة وم�سطربة كمناطق جنـــوب ال�سحراء الكربى

باأفريقيـــا اأو حتى يف الغابات اال�ستوائيـــة باأمريكا ال�سمالية، فهم

لي�ســـوا من ال�سكان االأ�سليني مثل عنا�سر القوات امل�سلحة الثورية

يف كولومبيـــا اأو �سينديرو لومينو�سو، كمـــا �ستقف االختلفات يف

الدين واحل�سارة عائقا يف طريـــق م�ساعيهم للزواج من القبائل

القوية مثلما فعلوا يف باك�ستان واليمن.

اإن الت�ساري�س اجلغرافيـــة والب�سرية عوامل م�ساعدة للعنا�سر

اجلهاديـــة ولكنها لي�ست العوامل الوحيدة، حيث من املمكن وبكل

�سهولـــة تدريب مقاتلـــني يف حقل مفتوح كاأدغـــال كثيفة االأ�سجار

اإذا مل تتدخـــل قوة خارجيـــة ملنع ذلك، وهذا هو ما يجعل من دور

الدولـــة عامـــل هاما اإىل جانب عامل املـــكان. اأي اأن من العوامل

املهمـــة اأي�ســـا لبقـــاء العنا�سر اجلهاديـــة وتطورها، وجـــود دولة

مركزيـــة �سعيفة تفتقر لل�سيطـــرة ال�سيا�سية واجلغرافية على اأي

منطقـــة من مناطقهـــا اأو وجود نظام حكم متعـــاون اأو على االأقل

ال يتدخـــل يف �ســـوؤون املجاهديـــن. وعندما ناأخـــذ الدولة يف عني

االعتبـــار، فـــاإن علينـــا اأن نركز على مقـــدرة الدولـــة املعنية على

امل�ستـــوى املحلـــي ورغبتها يف حماربة احلـــركات اجلهادية، حيث

جنـــد اأن عددا من البلـــدان �سمحت لوجود احلركة اجلهادية ومل

تعار�ســـه حكومات تلك البلدان طاملـــا اأن اجلهود اجلهادية تركز

اأعمالها خارج البلد.

لكن اال�ستمرار يف تبني هذه النظرة مل يعد اأمرا حكيما واأ�سبح

حمل �ســـك بعد اأحداث احلادي ع�سر من اأيلول/�سبتمرب، كما اأن

اجلماعات اجلهادية يف عـــدد من البلدان بداأت بتنفيذ عملياتها

يف البلـــدان حمل اإقامتهـــا مثلما حدث يف اإندوني�سيـــا وال�سعودية

واملغـــرب العربـــي وحتـــى يف �سينـــاء امل�سرية، عندمـــا ا�ستجابت

اجلماعات املقاتلة لدعوة القاعدة من اأجل اجلهاد العاملي. وكان

لهذا ثمن باهظ بالن�سبة لهذه اجلماعات، فقد اأجربت الهجمات

التي نفذتها اجلماعات االإرهابية – اإىل جانب ال�سغط االأمريكي

– بع�ـــس الـــدول على تغيـــري نظرتها جتاه عنا�ســـر اجلماعات اجلهادية، وبداأت تلـــك الدول بالرتكيز على تدمريها. ويف بع�س

جيوبوليتيك

مـــع جتفيف امل�ستنقعـــات املتوفرة لعنا�ســـر املجاهدين يف

بع�س االأماكن كاليمن وباك�ستـــان، �سيظل ال�سوؤال: ما هي

الوجهـــة التالية التـــي �سيق�سدهـــا املجاهديـــن؟ وما هي

نقطـــة االرتـــكاز التالية يف �ساعـــة املعركة؟ يبـــدو جليا اأن

اأحد االأماكن املمكنة هـــو ال�سومال، ولكن بالرغم من اأن

احلكومة هناك عاجزة اإال اأن البيئة هناك ال ت�ساعد على

اأن ت�سبح ال�سومال باك�ستان اأو مينا اآخر

البلدان كانت احلكومات تفتقر للقدرة على جمع املعلومات

ال�سرورية والقدرة التكتيكية، وا�ستغرقت الكثري من الوقت

واجلهد لبناء وتطوير مثل هذه القدرات ملكافحة للإرهاب.

اأما يف اأماكن اأخرى مثل ال�سومال فلم تكن هناك حكومات

قوية مبا فيه الكفاية للعتماد عليها.

ومنذ اأحداث احلـــادي ع�سر مـــن اأيلول/�سبتمرب اأخذت

الواليات املتحـــدة تهتم كثريا »بتجفيـــف امل�ستنقعات« التي

تتخذ منهـــا هذه اجلماعات ملذا ووكـــرا لتدريب عنا�سر

جديـــدة، حيث امتدت هذه اجلهـــود حول العامل من جنوب

الفلبـــني اإىل اآ�سيـــا الو�سطـــى ومـــن بنغلد�ـــس اإىل مـــايل

وموريتانيا. كما بداأت تثمر يف بع�س االأماكن كاليمن، حيث

اأ�سبحـــت بع�س القوات اخلا�ســـة مبحاربة االإرهاب متتلك

االكتفاء الذاتي وحتقـــق تقدما يف حماربة تنظيم القاعدة

يف �سبه جزيرة العرب. واإذا ا�ستمر اليمن يف اإبداء الرغبة

يف ملحقـــة عنا�سر القاعـــدة يف �سبه جزيرة العرب، واإذا

ا�ستمـــر املجتمـــع الـــدويل يف متكينه مـــن فعل ذلـــك، فاإنه

�سيكون قادرا على اأن يحذو حذو املغرب العربي وال�سعودية

واإندوني�سيـــا، وهـــي بلـــدان مل يتم فيهـــا ا�ستئ�ســـال �ساأفة

م�سكلـــة اجلهاد متامـــا ولكن مت ملحقـــة اجلماعـــات واإ�سعاف

قدراتهـــا التكتيكية. وهذا يعنـــي اأنه لن ينظر اإىل اليمن على اأنها

ت�ســـكل مـــلذا اآمنا اأو قاعـــدة تدريب لعنا�ســـر املجاهدين. ومن

اأوجه هذا امل�سعى املهـــم اأي�سا اإعادة ت�سكيل املحيط الب�سري من

خلل االإجراءات االأيديولوجية، التي منها رف�س الفكر اجلهادي

كاأيديولوجية، وتغيري املناهج الدرا�سية، واإعادة تاأهيل املقاتلني.

ومـــع جتفيف امل�ستنقعات املتوفرة لعنا�سر املجاهدين يف بع�س

االأماكن كاليمن وباك�ستان، �سيظل ال�سوؤال: ما هي الوجهة التالية

التـــي �سيق�سدها املجاهدين؟ وما هي نقطـــة االرتكاز التالية يف

�ساعـــة املعركة؟ يبدو جليا اأن اأحد االأماكن املمكنة هو ال�سومال،

ولكـــن بالرغـــم مـــن اأن احلكومة هنـــاك عاجـــزة وال ت�سيطر اإىل

على القلـــة القليلة من مقدي�سو اإال اأن البيئة هناك ال ت�ساعد على

اأن ت�سبـــح ال�سومـــال باك�ستـــان اأو مينا اآخر. اإ�سافـــة اإىل ذلك،

�ستعمـــل االنق�سامات القبلية وطبيعـــة املجتمع ال�سومايل املتفتتة

�سد حركة ال�سباب ونزعتها اجلهادية، فكثري من زعماء القبائل

وزعماء احلروب ينظـــرون اإىل املجاهدين كخطر يهدد �سلطتهم

ولهـــذا �سيحاربونهـــم، اأو �سيقومون بت�سريـــب املعلومات للواليات

املتحـــدة لتمكينها من �ســـرب عنا�سر املجاهديـــن الذين تراهم

م�ســـدر تهديد. كمـــا اأن العرب و�سعوب جنـــوب اآ�سيا مييلون اإىل

الظهـــور يف ال�سومـــال التي تغلـــب عليها �سمة العن�ســـر الب�سري

االأ�سود.

وعـــلوة على ذلك، متتلك ال�سومـــال، كما هو احلال بالن�سبة

لليمن، �سواحل �سا�سعـــة تطل على البحر، وهو ما ي�سمح للواليات

املتحـــدة اإىل حـــد مـــا بالو�ســـول املبا�ســـر اإىل البلـــد؛ فال�سواحل

ال�سوماليـــة الطويلـــة املطلـــة علـــى املحيط الهنـــدي وخليج عدن

ت�سهـــل مهمـــة ت�سلل الطريان، بل وحتى الفـــرق اخلا�سة من واإىل

االأرا�سي ال�سومالية. ويف ظل وجـــود قاعدة اأمريكية يف جيبوتي

فاإنـــه من ال�سهل اأي�سا اإبقاء مدارات طائرات دون طيار يف �سماء

ال�سومال.

اإن غربلـــة وتقلي�ـــس االأماكـــن التـــي

تلجـــاأ اإليها عنا�ســـر املجاهدين للتجمع

والتدريب باأعداد كبـــرية هو عبارة عن

توا�ســـل للعمليـــة الطويلـــة التـــي نتبعها

منـــذ �سنني عديدة. وهذا ميثل الفرتة االنتقالية لتهديد العنا�سر

اجلهاديـــة من تهديـــد يعتمد علـــى تنظيم القاعـــدة اأو حتى على

فروعها االإقليمية اإىل تهديد يعتمد على حركة اأو�سع نطاقا تتكون

مـــن خليا اأ�سا�سيـــة اأ�سغر وعنا�سر متيـــل اإىل العزلة. وبال�سعي

قدما �سيكون على طبيعة القتـــال �سد احلركة اجلهادي التاأقلم،

الأن التغـــريات يف نوعية التهديد �ستحتم تغيري الرتكيز من جمرد

حماولـــة جتفيـــف امل�ستنقعـــات الكـــربى لتفريـــخ اجلهاديني اإىل

تنظيـــف الربك ال�سغـــرية لتفريخ اجلهاديـــني املوجودة يف بع�س

االأماكـــن كلندن وبروكلني وكارات�سي وحتـــى الف�ساء االإلكرتوين.

وكمـــا اأ�سرنا يف نقا�س �سابـــق �ستربز لهذه املعركـــة جمموعة من

التحديات اخلا�سة بها.

خـــالل وجود تنظيم �لقاعدة يف �أفغان�ستان عمل على تقدمي

�لتدريبات �لع�سكرية �لأ�سا�سية لع�سر�ت �لآلف من �لرجال

�لذين مرو� عر مع�سكر�ته �لتدريبية

�لتايل

ملاذ� يحوم �لكبار

حول جيبوتي �ل�سغرية؟

بقلم: �شقاف عمر �ل�شقاف

Page 62: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 122 123ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

اإن اختيـــار جيبوتي دون �سواها من قبل القيادة االأمريكية للقيام

بهـــذه الوظيفة واإن�ساء القاعدة الع�سكريـــة فيها، مل ياأت من فراغ،

واإمنا يرجع اإىل جملـــة من العوامل اأهمها موقعها اجلغرايف؛ حيث

تقـــع جيبوتي يف جنوب غـــرب خليج عدن، وعلـــى ال�ساحل ال�سرقي

للقـــارة االأفريقية. يحدها من ال�سمال الغربي اإريرتيا، ومن الغرب

واجلنوب اإثيوبيا بحدود طولها 500 كيلومرت، ومن اجلنوب ال�سرقي

ال�سومـــال بحدود طولهـــا 100 كيلومرت، ومن ال�ســـرق باب املندب

وخليج عدن بحدود طولها 350 كيلومرت.

وجيبوتـــي اإىل جانب ثلث دول اأفريقية هي ال�سومال، واإثيوبيا،

واإريرتيـــا، ي�سكلـــون منطقة القـــرن االأفريقي مبفهومهـــا التقليدي

والتـــي تكت�ســـب اأهميـــة حيوية مـــن الناحية

اجليو�سرتاتيجيـــة، وذلـــك الأن دولهـــا تطـــل

على املحيـــط الهندي من ناحية، وتتحكم يف

املدخل اجلنوبي للبحـــر االأحمر عند م�سيق

باب املنـــدب من ناحية اأخـــرى. كما اأن دول

هذه املنطقة تتحكم نظريا يف طريق التجارة

العاملـــي، وخا�سة جتـــارة النفط القادمة من

منطقة اخلليج واملتوجهـــة اإىل الغرب، وهي

اأي�سا ممر ا�سرتاتيجـــي الأي حتركات ع�سكرية قادمة من الواليات

املتحـــدة اأو اأوربـــا �ســـوب املنطقة. ومتتـــاز جيبوتي اأي�ســـا باأهمية

ا�ستثنائيـــة كـــون �سواحلهـــا وموانئها متثل نقـــاط ارتـــكاز اأ�سا�سية

لعمليـــات النقل البحري واجلوي للقـــوات الدولية يف حتركاتها اإىل

منطقـــة التوتر االإقليمي يف ال�سرق االأو�سط والبحر االأحمر، و�سرق

اأفريقيـــا واملحيط الهندي و�سوال اإىل اآ�سيـــا. وهناك اإمكانية اإقامة

قواعد بحرية اأمام �سواحلها ويف اجلزر التابعة لها، واأهمها جزيرة

راأ�س الدمرية التي دخلت ب�سببها جيبوتي يف نزاع م�سلح مع اإريرتيا

اأكرث من مرة.

اأ�ســـف اإىل ذلـــك، اأن طـــول �ساحلهـــا اجلنوبي ووجـــود مينائي

جيبوتي ال�ضغرية..

عقـــب اأحداث احلـــادي ع�سر من اأيلول/ �سبتمـــرب 2001 اختارت الواليات املتحـــدة االأمريكية دولة جيبوتي

ال�سغـــرية التـــي ال تتعدى م�ساحتها الـ23200 كيلومرت مربع، وعدد �سكانها ال يتجاوز الـ800 األف ن�سمة، كمقر

م لقيادة التحالـــف الدويل املناه�س للإرهاب، تكـــون مهمته االأ�سا�سية منع ت�سلـــل اأع�ساء حمتملني يف متقـــدر

تنظيـــم القاعدة اإىل منطقة القرن االإفريقي، واإيجاد ملذ اآمن لهم هناك. ومنذ ذلك احلني يتمركز حوايل

1800 جندي اأمريكي يف قاعدة “لومنيه” بالقرب من العا�سمة جيبوتي، ومن املعروف اأن هذه القاعدة كانت

تابعة للجي�س الفرن�سي وقد اأعارها للقوات االأمريكية يف العام 2001 وذلك يف اإطار الرتتيبات اخلا�سة الإن�ساء

التحالف الدويل ملكافحة االإرهاب.

ملاذا يحوم حولها الكبار؟!

�سقاف عمر ال�سقاف [email protected]

جيوبوليتيك

Page 63: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 124 125ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

جيبوتـــي واأبوك، يعطيان ميزة ر�ســـو ال�سفن على اختلف حمولتها

واأنواعهـــا. كما اأن ا�سرتاك جيبوتـــي يف حدودها الدولية مع اإثيوبيا

وال�سومـــال واإريرتيا، وهي دول تعاين من م�ساكل واأزمات داخلية،

وا�سطرابـــات �سيا�سية خارجيـــة، قد عزز من مكانتهـــا االإقليمية،

خ�سو�ســـا واأنها تنعم ن�سبيـــا با�ستقرار �سيا�ســـي واأمني يكاد يكون

منعدما يف تلك املنطقة.

وانطلقـــا من موقعهـــا واأهميتها اال�سرتاتيجيـــة، اهتمت القوى

اال�ستعمارية التقليدية الكربى وقتها )بريطانيا وفرن�سا( بجيبوتي

منـــذ وقـــت مبكر، بل وتناف�ســـت للح�سول على موطـــئ قدم لها يف

هذه الرقعة اجلغرافية الهامة. ويف �سوء هذا التناف�س املحموم بني

هـــذه القوى اال�ستعمارية لل�سيطرة على اأهـــم املواقع اال�سرتاتيجية

واملمـــرات الدولية، احتلت بريطانيا عـــدن يف العام 1839؛ وهذا ما

ا�ستفـــز فرن�سا ودفعهـــا اإىل االهتمام بال�ساحـــل االإفريقي امل�سرف

علـــى خليـــج عدن، ولكن هـــذا االهتمام مل ياأخذ بعـــدا عمليا اإال يف

عـــام 1862، وذلـــك عندما قـــررت فرن�ســـا اأن تكون اأبـــوك الواقعة

علـــى مدخل خليج تاجورة ال�سمايل هي املركـــز الرئي�سي لن�ساطها

التجـــاري والع�سكري؛ فاتفقت مع اأحد م�سائخ الدين ويدعى اأحمد

اأبو بكر على اأن يتنازل لها عن ميناء اأبوك وال�سهل املمتد من راأ�س

علـــي يف اجلنـــوب اإىل الدمـــرية يف ال�سمـــال، ووقعـــت معاهدة بني

الطرفـــني يف اآذار/ مار�ـــس 1862 ومبوجبها تعهـــدت فرن�سا مقابل

هـــذا التنازل باأن تدفع لل�سيخ مبلغـــا من املال، و�سمي االإقليم الذي

�سيطرت عليه فرن�سا “ال�ساحل ال�سومايل الفرن�سي”.

وكان مـــن نتيجة هذه املعاهدة اأن اأخذت بريطانيا ترنو بنظرها

�ســـوب ال�سومـــال، ولكـــن االأمر الـــذي حفـــز فرن�ســـا اإىل احتلل

املنطقة امل�سمـــاة اليوم “جيبوتي” هو احتـــلل بريطانيا مل�سر يف

العـــام 1882 وتطلعهـــا اإىل تو�سيـــع نفوذهـــا يف ال�ســـودان وال�ساحل

االإفريقـــي. ويف العام 1887 اأقامت فرن�سا قاعـــدة يف جيبوتي التي

اأ�سبحـــت العا�سمة �سنة 1892، وجيبوتـــي املدينة اأكرث نفعا لفرن�سا

من اأبوك الأنها تطل على خليج عدن وت�سرف على املحيط الهندي.

كمـــا اأنها نقطة ابتـــداء ال�سكة احلديدية التي ت�سلهـــا باأدي�س اأبابا

عا�سمة اإثيوبيا.

ويف العـــام 1888 و�سعت بريطانيا وفرن�سا حدا خللفاتهما حول

مناطق النفـــوذ، وذلك باأن تركت بريطانيـــا لفرن�سا راأ�س جيبوتي

مقابل اإعلن بريطانيا حمايتها على بلد ال�سومال. واعترب اخلط

املمتد من جنوب جيبوتي اإىل حدود ال�سومال واإثيوبيا حدا فا�سل

بني ما متلكه فرن�سا وما ت�سيطر عليه بريطانيا.

ومنـــذ ذلك التاريخ ظلـــت جيبوتي حتت احلكـــم الفرن�سي رغم

ال�سعي امل�ستمر من قبل ال�سكان للتخل�س من اال�ستعمار الفرن�سي،

وكان العـــام 1960 نقطـــة حتول باجتاه التحرر وذلـــك عندما اأعلن

ا�ستقـــلل املنطقتـــني اللتـــني كانتـــا تابعتـــني لربيطانيـــا واإيطاليـــا

واحتادهمـــا حتت م�سمـــى “اجلمهورية ال�سوماليـــة”، ما اأدى اإىل

تاأجيـــج الـــروح الوطنية عنـــد اجليبوتيـــني وتزايـــد مطالبهم لنيل

اال�ستقلل. ولكن فرن�سا رف�ست منح جيبوتي التي اأ�سبحت ت�سمى

“اأفريقيـــا ال�سرقية الفرن�سيـــة” اال�ستقلل، فكان اأن نظم الكفاح ال�سعبـــي �سد احلكم الفرن�سي يف جيبوتـــي نف�سه و�سعد من اأعمال

املقاومة حتى انتهى االأمر باإعلن ا�ستقلل جيبوتي يف 27 حزيران/

يوني���و 1977 ولكن مع احتفـــاظ الفرن�سيني بقواعدهـــم الع�سكرية،

وبذلك اأ�سبحت جيبوتي الع�سو رقم 148 يف االأمم املتحدة والع�سو

49 يف منظمة الوحدة االأفريقية والـ 21 يف جامعة الدول العربية.

واليـــوم مـــع تزايـــد االهتمـــام الـــدويل بجيبوتي بحكـــم موقعها

اجلغـــرايف واأهميتها بالن�سبة للجهـــود الدولية يف مكافحة االإرهاب

والقر�سنـــة البحرية، مل تعد فرن�سا وحدهـــا املوجودة يف جيبوتي؛

فاإىل جانب القاعدة الع�سكرية االأمريكية الوحيدة يف اإفريقيا هناك

وجود ع�سكري بريطاين واأ�سباين، اإ�سافة اإىل اأ�سطول اأملاين �سغري

مكـــون من عـــدة فرقاطات بحريـــة واأربعة مراكـــب متوين وحوايل

األفـــي بحار، وجتـــوب هذه القطـــع البحرية خليج عـــدن وال�سواحل

ال�سومالية واليمنية، ويرجع البع�س هذا الوجود املكثف للأ�ساطيل

والبـــوارج احلربية يف خليج عدن واملحيـــط الهندي اإىل اأنه نوع من

التناف�ـــس اال�ستعماري اجلديد خ�سو�سا بـــني فرن�سا واأمريكا على

القـــارة االأفريقية، وذلك انطلقا من منطقة القرن االأفريقي. ويف

هذا االإطار، ميكن فهم ت�سريحـــات اجلرنال بيفار القائد ال�سابق

للقـــوات الفرن�سية بجيبوتي حني قال “ال اأحد يعرت�س على وجودنا

هنا، ال يف املا�سي وال يف احلا�سر وال يف امل�ستقبل. واالآخرون جمرد

عابرو �سبيل ب�سبب اأحداث ال�ساعة”.

جيوبوليتيك

تــدرك جيبوتي متامــا اأن اإمكانياتها كدولة �سغرية، وحمدودية قدرتها على

تغيري واقع جيو�سيا�سي تكر�ص عرب عقود من الزمن، اأرغمها على التكيف مع

الوجود الع�سكري الأجنبي على اأرا�سيها، بل وال�ستفادة منه

والواقـــع اأن هناك تخوف فرن�سي من تراجـــع نفوذها و�سطوتها

يف القـــارة االأفريقية ل�سالح الواليات املتحدة االأمريكية، اإذ مل يعد

وا�سحـــا مدى اأهمية انت�سار قواتها هنـــاك والدور الذي توؤديه. ويف

ت�سريح اآخر لوزيرة الدفـــاع الفرن�سي جلريدة “ال�سرق االأو�سط”

بتاريخ 28 ت�سريـــن االأول/ اأكتوبر 2008 جاء فيه اأن هدف الواليات

املتحـــدة هو اإقامـــة قاعدة خلفيـــة ملحاربة االإرهـــاب، واأ�سافت اأن

“الوجـــود الع�سكري االأمريكـــي لي�س دائما بل هو مرتبط مبحاربة االإرهـــاب بينما الوجود الفرن�سي دائم”. كمـــا جاء اإعلن الرئي�س

االأمريكـــي ال�سابق جورج بو�س يف ال�سابع من �سباط/ فرباير 2007

عـــن قراره باإن�ساء قيادة ع�سكرية موحدة جديدة للقارة يف اأفريقيا

)اأفريكـــوم( ليزيـــد مـــن حـــدة املخـــاوف الفرن�سية جتـــاه الدوافع

احلقيقيـــة الإن�ســـاء هـــذه القاعـــدة، خ�سو�ســـا واأن تقارير خمتلفة

حتدثـــت عـــن جيبوتـــي كموقـــع حمتمـــل ال�ست�سافة هـــذه القاعدة

الع�سكرية.

اإن االأمريكيـــني والفرن�سيني علـــى ال�سواء يدركـــون اأهمية املوقع

اجلغـــرايف الذي حتتله جيبوتـــي، خ�سو�ســـا واأن الدولتني تعر�ستا

لهجوميـــني اإرهابيني ح�ســـب و�سفهم يف املنطقـــة البحرية القريبة

مـــن جيبوتي، االأول ا�ستهدف املدمرة االأمريكية “يو اإ�س اإ�س كول”

يف خليج عدن العام 2000 والثاين ا�ستهدف ناقلة النفط الفرن�سية

“ليمبـــورج” يف العـــام 2002. وانطلقا من جيبوتي اأي�سا، متكنت الواليـــات املتحدة االأمريكيـــة بوا�سطة طائرة مـــن دون طيار تابعة

لوكالـــة اال�ستخبـــارات املركزية من اغتيال اأبو علـــي احلارثي اأحد

زعمـــاء تنظيم القاعدة، وذلك يف حمافظة مـــاأرب اليمنية. كما ال

نن�سى اأن �سواحل �سرق اأفريقيا ومن �سمنها ال�ساحل اجليبوتي هي

املناطـــق االأقرب الإ�سرائيـــل، حيث املداخل اجلنوبيـــة املوؤدية اإليها

ترتكـــز يف هـــذه املنطقة؛ لذا فـــاإن وجود قواعـــد ع�سكرية فيها من

�ساأنـــه طماأنـــة اإ�سرائيل. ويف نف�ـــس الوقت، �سمـــان الوجود الدائم

بالقرب من منابع النفط التقليدية واملحتملة يف اليمن واخلليج.

اإذا مـــن الوا�ســـح اأن جيبوتي حتولت اإىل نقطة ارتـــكاز اأ�سا�سية

ت�ستخدمهـــا القـــوى الكـــربى يف حربها على مـــا ي�سمـــى باالإرهاب

الـــدويل، واأي�سا من اأجل حماية م�ساحلها و�سمان تدفق اإمدادات

النفـــط اإليهـــا. واحلـــال اأن جيبوتـــي بحكـــم موقعهـــا يف منطقـــة

م�سطربـــة، ووجود هواج�س تاريخية لديها باأنها م�ستهدفة من قبل

جريانهـــا الكبـــار )اإثيوبيا وال�سومـــال(، باالإ�سافـــة اإىل حمدودية

مواردهـــا الذاتية؛ كل ذلـــك جعلها ال تعار�س - مـــن حيث املبداأ -

الوجـــود الع�سكـــري االأجنبي علـــى اأرا�سيها كنوع مـــن احلماية لها

يف مواجهـــة اأعداءهـــا املفرت�ســـني، ويف الوقت نف�ســـه تاأمني مبالغ

مالية كبرية تدعم االقت�ســـاد اجليبوتي جراء تاأجري تلك القواعد

واملقـــرات الع�سكرية للقـــوى الكربى. كما اأن جيبوتـــي تدرك متاما

اأن اإمكانياتهـــا كدولة �سغرية، وحمدوديـــة قدرتها على تغيري واقع

�سيا�ســـي تكر�س عـــرب عقود من الزمـــن، اأرغمها علـــى التكيف مع

الوجود الع�سكـــري االأجنبي على اأرا�سيها، بل واال�ستفادة منه، لذا

حتـــاول جيبوتي اليـــوم اإيجاد نوع مـــن التوازن الن�سبـــي يف جن�سية

القوات االأجنبية املوجودة يف اأرا�سيها، وحتر�س على خلق علقات

جيـــدة مع جريانها عـــل ذلك ي�سمن لها على املـــدى الطويل االأمن

واال�ستقرار يف منطقة مل تنعم بهما منذ اأمد طويل.

جيبوتي: دولة عربية تقع يف منطقة القرن االأفريقي، على حماذاة

ال�ساطئ الغربي مل�سيق باب املندب.

احلدود: حتدهـــا اإريرتيا من ال�سمال واإثيوبيا من الغرب واجلنوب،

وال�سومال من اجلنـــوب ال�سرقي فيما تطل �سرقا على البحر االأحمر

وخليـــج عـــدن، وعلى اجلانب املقابـــل لها عرب البحـــر االأحمر يف �سبه

اجلزيـــرة العربية، اليمن التـــي تبعد �سواحلها نحـــو 20 كيلومرتا عن

جيبوتي.

امل�ساحة: 23،200 كم.

عدد ال�سكان: 800،000 ن�سمة.

تاريــخ ال�ستقــالل: ا�ستقلـــت عـــن فرن�ســـا يف 27 حزيران/يونيو

.1977

تاريخ الن�سمام اإىل جامعة الدول العربية: 1977.

العا�سمة: جيبوتي.

اللغة الر�سمية: العربية والفرن�سية.

لغات حملية معرتف بها: العفرية وال�سومالية.

نظام احلكم: جمهوري ن�سف رئا�سي.

رئي�س الدولة: اإ�سماعيل عمر جيلة.

الناجت املحلي بح�سب تقديرات 2008: 982 مليون دوالر.

يعي�ـــس نحو خم�س �سكان البلـــد تقريبا حتت اخلط العاملي للفقر بنحو

1.25 دوالر يوميا.

معلومات اأ�سا�سية

Page 64: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 126 127ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

االآلية ال�ضرعية فـي مكافحة الف�ضاد

حممد غالب ال�سرعبي

�ضدر حديثا

فـي بوؤرة الهتمام

قراءات فـي ال�سيا�سة واالقت�ساد وال�سوؤون اجلارية

اأدمغة �سهيون املقاتلة

احلرب الهجينة

حممد �سيف حيدر

ريا�س قهوجي

طريق اخلليج للخروج

من ماأزق »تنمية ال�سياع«

علي خليفة الكواري

العدد الثاين، يناير/فرباير 2010 ا�سرتاتيجية

Page 65: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 128 129ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

اأدمغة �ضهيون املقاتلةحتقيق اأويل حول مراكز التفكري وامل�سورة يف اإ�سرائيل

يف غمـــار انهماكهم بــــ »البحث« عن �سيغة ما تنهي ق�سية ال�سراع العربـــي - االإ�سرائيلي، ين�سى العرب

- غالبـــا- اإ�سرائيـــل؛ فهـــي جمرد “كيان” بغي�س ال ي�ستحـــق حتى جمرد التفاتة اإليه، مـــا بالنا بدرا�سة

�سه عن قرب؛ فاالأمر ال ي�ستحق حتى جمـــرد جهد التفكري فيه)!( ه���ذا “الكيان حتمي الـــزوال” وتفح

لكـــن اإ�سرائيل، يف املقابل، ال تفعل؛ فهي تتذكر خ�سومهـــا دائما. وهي تعرف متاما اأن م�ساألة بقائها يف

هـــذا املحيـــط العدائي لن يتحقق اإال بتاأمـــني كل عنا�سر القوة املمكنة، بدءا من القـــوة الع�سكرية ولي�س

انتهـــاء باملعرفـــة العلمية وال�سيا�سيـــة. ثمة مقولة �سهـــرية لفرن�سي�س بيكون مفادهـــا اأن “املعرفة قوة”،

واالإ�سرائيليـــون يوؤمنون بهـــا حتى الثمالة. وعلى كل حال، فاإن جتربة الدولة العربية تثبت م�سامني ذلك

االإميان با�ستمرار، وال نحتاج اإىل كثري من االأدلة ال�ستي�ساح االأمر.

فـي بوؤرة الهتمام

حممد �سيف حيدر[email protected]

ويف حـــني ت�ســـرف معظم احلكومات يف املنطقـــة العربية جهودها

يف مطـــاردة املفكريـــن واإذالل الباحثـــني مـــن اأبناءهـــا ب�ستى الطرق

واالأ�ساليـــب )اإهمـــاال والمباالة اأو اعتقـــاال وت�سريـــدا وترويعا(، ومن

ثم دفعهـــم دفعا اإىل الفرار بـ “اأدمغتهـــم” وكرامتهم اإىل عامل اأكرث

رحابـــة، حيث تكون ال�ســـدور مفتوحـــة للعطاء والبـــذل العلمي بغري

حـــدود اأو قيود؛ فـــاإن الدولـــة ال�سهيونية ما فتئت حتتفـــي مبفكريها

واأدمغتهـــا املقاتلـــة يف �ســـريورة ال تهـــداأ وال تعرف الكلـــل اأو امللل منذ

حلظتها الوجودية االأوىل.

وبـــني كل ال�سبيلـــني واملنهجني )العربي والعـــربي اإن جاز القول(

هوة اأخذت تت�سع كل يوم وفراغ ياأبى اإال توغل ومكوثا، والنتيجة كارثة

بر�سم بلد متتد من اخلليج حتى املحيط، وهي كارثة ما انفكت تكرب

مـــع مرور الزمن ككرة ثلج متدحرجـــة مل تزل تندفع ب�سرعة ماحقة.

وللخيبـــة يف بلد العرب مذاق خمتلف؛ فهـــي ال تنال العلم التجريبي

وحده اأو مت�س �سمعة الكتل الب�سرية ال�سخمة القاطنة يف هذا املحيط

اجليو�سيا�ســـي البالـــغ االت�ساع واملو�سومة بـ “التخلـــف” على الدوام،

ناع القرار واإمنـــا ات�سع التداعي ليطال �سيا�سات الـــدول وتوجهات �س

واملتحكمني باأمن بلدانهم وم�ستقبلها على املدى املنظور.

ويف حني يتخبط ال�سا�سة العرب يف توجهاتهم االآنية واال�سرتاتيجية،

كنتيجـــة حتمية الفتقادهم موؤ�س�سات التفكري وامل�سورة، التي من اأهم

وظائفهـــا و�سع تو�سيفـــات وحتليلت دقيقة للواقـــع ور�سم “خرائط

طـــرق” كا�سفـــة ت�ساعد على اتخاذ قـــرارات ر�سيـــدة ومدرو�سة اإزاء

االأزمـــات ال�سيا�سيـــة املختلفـــة وايجـــاد حلـــول منا�سبـــة للم�ســـكلت

املجتمعيـــة القائمة وجتاوز )اأو احلد علـــى االأقل من( اآثارها ال�سلبية

املحتملة؛ جند، يف اجلهة االأخـــرى حيث ي�ستوطن االأعداء، درو�سا ال

تنتهي حول اأهمية العلم والعلماء، البحث العلمي والباحثني.

وال ي�سعنـــا هنـــا اأن نلـــم بـــكل �سيء يتعلـــق بهذا املو�ســـوع املرتامي

االأطـــراف، بل �سنق�ســـر جهودنا على ا�ستطـــلع دور مراكز البحوث

والدرا�سات وموؤ�س�سات التفكري وامل�سورة يف اإ�سرائيل، وعلى نحو اأويل

وموجـــز قد نتمكن - يف وقت الحـــق - من تطويره وتو�سيعه يف درا�سة

م�سهبـــة متى متكنا من ذلك. وبدايـــة ينبغي االإ�سارة اإىل اأن املق�سود

ب� “موؤ�س�سات التفكري وامل�سورة” هنا ال ين�سرف اإىل مراكز االأبحاث

االأكادمييـــة ذات التوجـــه التخ�س�سي الدقيـــق، واإن كانت اجلامعات

واملعاهـــد االإ�سرائيليـــة ت�سم عـــددا ال ي�ستهان به منهـــا. وهي تختلف

عن مراكـــز البحث والتطويـــر )Research & Development( العاملة

يف خدمـــة قطاع التكنولوجيا وال�سناعات الع�سكرية. ولئن كان هذان

النوعـــان االأخريان يعـــدان باملئات )ما ال يقل عـــن 700 مركز(، فاإن

عـــدد موؤ�س�سات التفكري وامل�سورة يف اإ�سرائيـــل ال يزيد عن الدزينتني

اإال بقليل )نحو 30 موؤ�س�سة ومركزا(.

ـــد، بكل و�ســـوح وفعالية، وميكـــن القـــول اأن هـــذه املوؤ�س�سات جت�سر

ظاهـــرة الـ advising، اأي تقدمي امل�ســـورة املهنية لل�سيا�سيني و�سانعي

القـــرارات. وهذه ظاهرة قدمية ال متيز ع�سرنا فقط، لكنها تطورت

ب�ســـكل الفت منذ الفرتة التي دارت فيها احلرب العاملية الثانية )واإن

ظهـــرت قبلها - وحتديدا يف الواليات املتحدة- بعقدين من الزمن(،

اإذ بـــداأت على هيئة “غـــرف اآمنة” يتناق�س فيهـــا كل من املخططني

الع�سكريـــني وعلماء اال�سرتاتيجيـــا والدفاع، وبعد هـــذه الفرتة - اأي

اأثناء احلرب الباردة يف خم�سينيات و�ستينيات القرن املا�سي- بداأت

مراكـــز التفكري وامل�سورة تتكاثر يف الواليـــات املتحدة واأوربا والعامل.

وي�سري املعدل الت�ساعدي لتاأ�سي�س مراكز التفكري حول العامل اإىل اأن

العقـــد ما بني 1990 و2000 كان الفـــرتة الذهبية التي ظهر فيها اأكرب

عـــدد من املراكز، اإذ و�سل عدد املراكـــز اجلديدة فيها اأكرث من 120

مركزا.

ومع مطلع القرن احلادي والع�سرين، اأخذت هذه املراكز واملوؤ�س�سات

يف التطـــور ب�سكل مت�سارع ونوعي يف بلـــدان خمتلفة من العامل ومنها

اإ�سرائيل كما تذهب الباحثة بريال اآيزنكنغ – كانه، وهي موؤلفة كتاب

�ســـدر حديثـــا يتناول هذا املو�ســـوع. وت�سيف »اأنه يعمـــل يف اإ�سرائيل

اليـــوم اأكرث من ع�سريـــن “موؤ�س�ســـة بحث وتفكري”، وهـــي “العبة”

معـــرتف بها يف امل�سهد ال�سيا�سي، واأنه يف حني مل يكن ممكنا اإطلقا

روؤيـــة وجودهـــا على اأنه “ظاهـــرة”، فقد اأقيم منـــذ اأوائل ت�سعينيات

القـــرن الع�سرين، ف�ساعـــدا، نحو خم�س ع�ســـرة موؤ�س�سة ومركزا يف

مقابـــل �سبع موؤ�س�ســـات فقط يف ال�سنوات الع�سريـــن ال�سابقة لذلك«.

وقـــد دفع هذا احلـــراك املت�ساعد اإ�سرائيـــل اإىل احتلل املرتبة رقم

23 علـــى امل�ستوى العاملي مـــن حيث عدد املراكز البحثيـــة وموؤ�س�سات

التفكـــري، وهي مرتبة متقدمـــة جدا بالن�سبة لدولـــة �سغرية، م�ساحة

وحجما و�سكانا.

ديناميكية ال�سخ�سية الإ�سرائيلية وقبل

احلديـــث عن مراكـــز وموؤ�س�ســـات التفكري هذه، ال بد مـــن التعريف،

اأوال، باملركب االأ�سا�س الفاعل داخل هذه املراكز/ املوؤ�س�سات باعتبار

اأن �سخ�سيـــة الفـــرد ومتيزه الثقـــايف واحل�ساري ينعك�ســـان - ب�سكل

اأو باآخـــر- على املكان الـــذي يعمل فيه ذلك الفـــرد وي�سعى لتطويره.

ال�سخ�سيـــة الفردية االإ�سرائيلية تت�سم بالفعـــل – كما الحظ البع�س

- بالديناميكية واحلركية، وهي كذلك �سخ�سية بنيوية مركبة تعتمد

يف تثبيت مواقفها مركبني اأ�سا�سيني وهما: املعرفة والقوة. ومنذ وقت

ـــر، تر�سخت لـــدى االإ�سرائيليني، حكاما وحمكومـــني، ومبا ي�سبه مبكر

العقيـــدة اأو االإيديولوجيـــا، فكـــرة �سرورة اجلمع بني القـــوة واملعرفة

مـــن اأجل حماية م�سروعهم الوجودي الذي متثل »الدولة ال�سهيونية«

حممد �سيف حيدر مدير حترير جملة »مدارات ا�سرتاتيجية«، وباحث يف مركز �سباأ

للدرا�سات االإ�سرتاتيجية.

Page 66: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 130 131ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

اإطـــاره االأ�سا�سي، واحلا�سنة الرئي�سيـــة للتقدم والرخاء الذي ين�سده

هوؤالء، ولي�س جمرد �سمان البقاء وح�سب.

ر الأهمية دور العلم وتتكئ هذه القناعة علـــى اإدراك اإ�سرائيلي مبكر

واملعرفـــة وحيويته الفائقة يف �سياغة حياة املجتمعات االإن�سانية، وهو

اإدراك نـــراه جليـــا يف اأقـــوال عدد من القـــادة االإ�سرائيليـــني اأبرزهم

حاييـــم وايزمـــان، اأول رئي�س الإ�سرائيل، اإذ يقـــول »العلم هو �سلحنا

وم�سدر قوتنا ودرعنـــا«، كذلك مقولة �سمعون برييز التي ت�سدد على

اأن »املعلومـــة اأقوى من املدفع«. ي�ســـاف اإىل ذلك، ما جاء على ل�سان

اإ�سحـــق نافون، الرئي�ـــس االإ�سرائيلي االأ�سبق، مـــن اأن »تبادل الثقافة

واملعرفة ال يقل اأهمية عن اأي ترتيبات ع�سكرية«.

ز بالقدرات واالإمكانيات اللزمة واحلال اأن هذا التفكري، الذي عزر

لل�ستمـــرار وامل�ســـي قدما نحو تاأمـــني الوجود يف بيئـــة جيو�سيا�سية

معقدة ترف�س وجود اإ�سرائيل ناهيك عن االعرتاف بها، قاد القيمني

على الدولة العربية - �سا�سة وع�سكر، مفكرين وباحثني- اإىل احلر�س

دومـــا على التعاطي مع م�ستجدات الواقع املحيط ومتغرياته العا�سفة

التـــي ال تهداأ ومبا ي�سمن احلفـــاظ على »كيانية« الدولة وقدرتها على

احلركـــة مبرونة والتعامل مـــع العرب املناه�سني لهـــا واملحيطني بها

مـــن كل اجتاه. ويف قلـــب هذا احلر�س، وذلك االهتمـــام، كان ملراكز

وموؤ�س�ســـات االأبحـــاث وامل�ســـورة مكانـــة خا�سة، وموقـــع مميز، ودور

خطري.

وال �ســـك اأن املكانـــة الرفيعـــة والتقديـــر العـــايل اللذيـــن حظيـــت

بهمـــا )وال تـــزال( مراكـــز وموؤ�س�ســـات التفكري وامل�ســـورة يف املجتمع

االإ�سرائيلـــي، يتلءمـــان مع الدور املهـــم الذي تقوم به هـــذه املراكز

يف �ســـوغ ال�سيا�ســـات العامة و�سناعة القـــرار يف اإ�سرائيل. باالإ�سافة

اإىل م�ساهمتهـــا الفاعلـــة يف تطويـــر االأداء االإ�سرائيلي العـــام، �سواء

علـــى م�ستوى الدولة اأو املجتمع، وذلك – كما �سبق واأن اأ�سار الباحث

الفل�سطيني كمـــال علي ح�سن - من خلل عملها »يف م�ستويات عدة،

منها:

1. تطويـــر احليـــاة املعرفيـــة يف اإ�سرائيل. فمراكز الفكـــر عادة ما ت�ستقطب اأهل اخلربة واملوؤهلني علميا واأكادمييا، لذلك فاإن ملوؤ�س�سات

البحـــث دور اأ�سا�سي يف تطوير احليـــاة املعرفية والفكرية والعملية يف

الو�ســـط االإ�سرائيلي العام، عـــن طريق اأن�سطتهـــا الثقافية ومنابرها

االإعلمية املختلفة.

2. اإقامـــة ج�ســـور العلقـــة والتوا�سل بـــني اأطراف متعـــددة متثل، مبجملها، اأقطـــاب اإدارة ال�سيا�سة العامة وتنفيذهـــا والتفاعل معها،

فهـــي تتو�ســـط العلقة بـــني احلكومـــة واملوؤ�س�ســـات االأكادميية. ومن

ن احلكومة من تليف اأخطائهـــا اأو حت�سني و�سائلها جهـــة اأخرى، متكر

و�سيا�ساتهـــا، مـــن خلل ما تتـــم ملحظته عـــرب الروؤيـــة االأكادميية

ومـــا تتمخ�س عنه عملية التطوير الفكريـــة واملناق�سات النقدية لتلك

االأفكار.

3. اإ�ساعـــة روح البحـــث العلمي والتعامل مـــع الق�سايا مبو�سوعية، وتعميـــم ثقافة البحـــث والتحـــري واال�ستدالل التي تقـــف بال�سد من

ثقافة الت�سطيح واخلرافة واالأحكام الع�سوائية، ورعاية املبدعني على

وجه اخل�سو�س وتوفري الفر�سة املنا�سبة للراغبني يف البحث والكتابة

والتاأليف واإبداء الراأي، واإقامة ج�سور التوا�سل بينهم واجلمهور«.

ومما عزز من اأهمية هذه املراكز واملوؤ�س�سات وقدرتها على التطور

ف، – كمـــا ونوعـــا-، حتـــول املجتمـــع االإ�سرائيلي من جمتمـــع متق�سركمـــا كان عليه احلـــال يف خم�سينيـــات القرن املن�ســـرم، اإىل جمتمع

وفـــرة ورفاه بدءا مـــن الت�سعينيات ومـــا اأ�سفر عنه ذلـــك من تل�سي

مفهـــوم امل�ستوطن الرائـــد )احلالوت�س( ل�سالح مفهـــوم اال�ستيطان

ر الراحل عبد الوهاب امل�سريي. ويف )الديلوك�س( ح�سب تعبـــري املفكر

�ســـوء هذا التحـــول، نفهم ملاذا حتتـــل اإ�سرائيل اليـــوم املرتبة االأوىل

عامليـــا يف ن�سبـــة االإنفاق علـــى البحوث والتطوير بالن�سبـــة اإىل الناجت

املحلـــي، االأمر الذي �ساهم كثـــريا يف ا�ستقرار االأو�ســـاع املالية جلل

املراكز واملوؤ�س�سات البحثية العاملة يف هذا البلد.

علـــى اأن املثـــري للهتمـــام اأكرث، الـــدور الفاعل واملحـــوري للجي�س

االإ�سرائيلي يف هـــذا االإطار والذي يعك�س بو�سوح االأهمية التي توليها

الدولة العربية لفكرة املـــزج بني املعرفة والقوة، اإذ لعب اجلي�س )وال

يزال( دورا حا�سنا النخراط اإ�سرائيل يف الثورة املعرفية. فعلى �سبيل

املثال، هنـــاك العديد من منت�سبي املوؤ�س�ســـات املتخ�س�سة يف جمال

االأمـــن واالت�ساالت اأم�سوا �سنـــوات يف مراكز اأبحاث وحدات النخبة

)ت�ساحال(.

واحلال اأن كل هذه االأمور جمتمعة، وغريها، اأخذت – ومنذ مطلع

العقـــد املا�سي حتديـــدا- يف دعـــم دور اإ�سرائيل االإقليمـــي ومكانتها

العامليـــة وتقويتهما على نحـــو ملحوظ، ال�سيمـــا اأن خ�سمائها العرب

يبـــدون – حتى اللحظة - المبـــاالة مريعة مبو�سوع املعرفة ال�سيا�سية

فـي بوؤرة الهتمام

يف حن يتخبط ال�سا�سة العرب يف توجهاتهم الآنية

لفتقادهــم حتميــة كنتيجــة وال�سرتاتيجيــة،

موؤ�س�سات التفكــري وامل�سورة، جند، يف اجلهة الأخرى

حيث ي�ستوطن الأعداء، درو�سا ل تنتهي

حول اأهمية العلم والعلماء،

البحث العلمي والباحثن

واال�سرتاتيجيـــة والعلميـــة على حد �ســـواء، بالرغم من اأنهـــا - والكل

يعلم ذلك ويقره- اأ�سحت اأحدى املدخلت واملكونات الرئي�سية للقوة

واملكانة يف ع�سرنا، ناهيك عن »ترفع« عدد كبري منهم جلهة معرفة

)واال�ستمـــرار يف االإحاطة بـ( التوجهات احلاكمـــة ل�سناع القرار يف

اإ�سرائيل، التي ينظرون اإليها بو�سفها »العدو االأول« للأمة العربية!

»العــرب« حتــت املجهــر بيـــد اأن هـــذا -

كمـــا اأ�سرنا يف بداية حديثنـــا- مل يدفع االإ�سرائيليني، يف املقابل، اإىل

»الرد باملثل«، فهو تكتيـــك غري ماأمون العواقب على االإطلق وال يليق

بدولة حتر�س على جتاوز هاج�س امل�سروعية املزمن الذي تعاين منه،

وحت�سني اأمنها القومي املهدد – رغم كل �سيء، حتى اتفاقيات ال�سلم

ومعاهداتـــه. ولهذا كان املحيط العربـــي، دوال وجمتمعات، والتي هي

يف حالة �سراع معلن مع امل�سروع ال�سهيوين يف املنطقة، حمل اهتمام

ودرا�ســـة من قبل العلمـــاء واملفكرين اليهـــود واالإ�سرائيليني منذ اأمد

بعيد ميتد اإىل ما قبل قيام اإ�سرائيل نف�سها على االأر�س الفل�سطينية.

فعلى �سبيـــل املثال، مت اإن�ساء »معهد الدرا�سات ال�سرقية« يف اجلامعة

العربيـــة بالقد�ـــس منذ �سنـــة 1926. وبعـــد تاأ�سي�س الدولـــة العربية،

ارتفعـــت وترية االهتمام االإ�سرائيلي بدرا�ســـة املنطقة العربية، وتاليا

تعاقبت املراكـــز واملوؤ�س�سات البحثية، التـــي كر�ست جهودها لدرا�سة

التطـــورات التـــي جتـــري يف العامل العربـــي، يف الظهـــور، مثل »معهد

فـــان لري« الـــذي تاأ�س�س يف القد�س يف �سنـــة 1959، و»موؤ�س�سة روؤوفني

�سيلـــواح« التي تاأ�س�ست يف ذات ال�سنـــة برعاية اجلمعية اال�ست�سراقية

يف اإ�سرائيل، والتي دجمت �سنة 1965 يف جامعة تل اأبيب.

لكـــن دور مراكـــز االأبحاث ال�سيا�سيـــة واال�سرتاتيجيـــة وموؤ�س�سات

التفكري وامل�سورة االإ�سرائيلية برز اأكرث، وتعمقت تاأثرياته يف توجهات

الدولة العربية، بعد حرب حزيران/ يونيو 1967 التي �سنتها اإ�سرائيل

على الدول العربيـــة املجاورة، اإذ واجهت االأوىل م�ساعفات االأرا�سي

املحتلـــة اجلديدة و«اخلطـــر الدميوغـــرايف« املاثل يف كثافـــة ال�سكان

العـــرب واملقاومة امل�سلحة وقرارات االأمم املتحدة، بالتوازي مع تعقد

م�سكلة اأمن الدولة وم�ستقبلها. وفيما بعد، اأ�سبحت الدرا�سات واالآراء

التي تقدمها مراكـــز االأبحاث ال�سيا�سيـــة واال�سرتاتيجية وموؤ�س�سات

التفكري وامل�سورة هي من ي�سوغ – اإىل حد كبري- ويبلور نظرة الراأي

العام االإ�سرائيلي نحو العرب.

ومـــن يتتبع خارطة مراكـــز االأبحاث يف اإ�سرائيل اليـــوم، �سيده�س

كثـــريا اأمام كرثة عـــدد مراكز البحث والدرا�ســـات االإ�سرائيلية التي

تتخ�س�ـــس يف درا�ســـة خمتلـــف الق�سايـــا يف العـــامل العربـــي، وهذه

املراكز ال ترتك �ساردة وال واردة يف املنطقة اإال وت�سبعها بحثا ودرا�سة

ومتحي�سا حتـــى تخل�س، يف النهاية، اإىل تقدمي ا�ستنتاجات ب�ساأنها،

يعقبهـــا عـــادة طـــرح ت�ســـورات وتو�سيـــات حمـــددة قد تفيـــد �سناع

ال�سيا�ســـة وخمططو اال�سرتاتيجيـــات يف وزارة الدفاع واأجهزة االأمن

واال�ستخبارات.

وبالتدريـــج، اأخذت هذه املراكز واملعاهـــد واملوؤ�س�سات يف االعتماد

علـــى نخبـــة مـــن املفكريـــن اليهـــود املتخ�س�سني يف جمـــاالت كثرية

ومتعددة، كما م�ست يف زيـــادة و�سائلها واأدواتها البحثية وتطويرها،

وتو�سعت مكتباتها وت�سخمت قاعدة معلوماتها، كما ت�ساعفت اأعداد

مطبوعاتهـــا ودرا�ساتهـــا وت�سعبـــت موا�سيعهـــا وحمـــاور اهتماماتها

املعرفية وال�سيا�سيـــة واالقت�سادية واال�سرتاتيجية. ويف الوقت نف�سه،

تعـــززت ارتباطاتها مع احلكومة وموؤ�س�ساتها باعتبار اأنها اأ�سبحت -

بال�ســـرورة- مراكز للدفاع عن املجتمع والدولـــة االإ�سرائيلية وتعزيز

اأدائهمـــا يف املجـــاالت كافـــة، وراحت تقيـــم الن�ساطـــات بالتعاون مع

املوؤ�س�سات امل�سابهة لها يف الغرب والواليات املتحدة االأمريكية خا�سة.

كمـــا با�ســـرت يف و�ســـع م�ساريـــع وحلقـــات نقا�سية واإعـــداد حتريات

ودرا�سات م�ستقبلية، عميقة ووا�سعة تتناول، بالتحليل واال�ست�سراف،

تركيبـــة الدول العربية ودينامياتها ال�سيا�سية واملجتمعية والدفاعية/

الع�سكرية وباالأخ�س الدول والقوى املحيطة باإ�سرائيل.

واإىل جانـــب العديد مـــن مراكز البحث املتخ�س�ســـة يف درا�سات

العـــامل العربـــي، فـــاإن كل جامعـــة يف اإ�سرائيل ت�سم اأكـــرث من مركز

اأبحـــاث متخ�س�ـــس يف درا�ســـة املنطقة العربية، ناهيـــك عن مراكز

البحـــث التابعـــة للأجهـــزة اال�ستخباريـــة االإ�سرائيلية؛ فمثـــل جهاز

االأمـــن الداخلي )ال�سني بيت( له مركز اأبحاث متخ�س�س يف درا�سة

التطـــورات التي ت�سهدها االأرا�سي الفل�سطينية من خمتلف النواحي،

و)ال�ســـني بيت( ال ي�ستغل العملء فقـــط يف احل�سول على املعلومات

اال�ستخبارية املتعلقة بن�سطاء الف�سائل الفل�سطينية الذين ي�ساهمون

يف اأن�سطة املقاومة، بل يحاول ا�ستثمار هوؤالء العملء و«اعت�سارهم«

حتـــى النهاية، اإن جاز القول، للح�ســـول على اأكرب قدر من املعلومات

واملعطيـــات حـــول م�سائل وق�سايـــا خمتلفة وتوفريهـــا ملركز االأبحاث

املكانة الرفيعة والتقدير العايل اللذين حظيت بهما

)ول تــزال( مراكــز وموؤ�س�سات التفكــري وامل�سورة يف

املجتمــع الإ�سرائيلي، يتالءمان مــع الدور املهم الذي

تقوم به هذه املراكز يف �سوغ ال�سيا�سات

العامة و�سناعة القرار يف اإ�سرائيل

Page 67: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 132 133ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

التابع لـ )ال�سني بيت( الذي يطرح اأ�سئلة حمددة، ويطلب من العملء

احل�سول على اإجابات عنها.

كمـــا اأن جهاز اال�ستخبارات اخلارجية )مو�ساد( ميلك، هو االآخر،

مركـــز اأبحاث �سخم يتوىل درا�سة التطورات يف العامل العربي، وهذا

املركـــز يقـــدم تو�سيـــات لدوائر �سنع القـــرار ال�سيا�سي حـــول طبيعة

العلقـــة مع العرب وم�ستقبلها ب�سورة م�ستمرة. يف نف�س الوقت، فاإن

جهاز اال�ستخبـــارات الع�سكرية املعروف بـ )اأمان( ي�سم بني اأق�سامه

مركز اأبحاث كبري متخ�س�س بدرا�سة املنطقة وق�ساياها املختلفة.

عبور احلدود لرتوي�ص العقول ومل

تقف حركة هـــذه املراكز واملوؤ�س�سات البحثيـــة االإ�سرائيلية عند حدود

العمـــل يف داخـــل )و�سمن( اأرا�ســـي الدولـــة العربيـــة، اإذ اأن بع�سها،

م�ستغـــل اأجواء ال�سلم والتطبيـــع واأحاديثهما التـــي راجت بعد توقيع

م�سر ال�سادات اتفاقية كامب ديفيد مع اإ�سرائيل وخلل العقد االأخري

مـــن القرن املن�سرم الـــذي �سهد انطلق »عمليـــة ال�سلم« بني العرب

واالإ�سرائيليـــني قبل جمودهـــا يف ال�سنوات االأخرية، عـــرب احلدود اإىل

عدد من الدول العربية، كاالأردن وم�سر.

ويف ظل دعـــوة »التطبيع الثقافى«، وحتت يافطتـــه العري�سة، قامت

هـــذه املراكـــز، واأبرزها »املركـــز االأكادميي االإ�سرائيلـــي« يف القاهرة،

بـــدور خطري يف اخـــرتاق العقل والوجـــدان العربيـــني لرتوي�سهما على

القبول بالدولة ال�سهيونية والتعاون معها على ح�ساب احلقوق والثوابت

العربيـــة، وطرح »ثقافة ال�سلم« كبديـــل لثقافة املقاومة التى كانت قد

اعتمدتهـــا منظمات املقاومـــة الفل�سطينية ودول عربيـــة اأعطت اأهمية

مركزية وحمورية للق�سية الفل�سطينية يف اأجندتها الوطنية.

و�سمن ا�سرتاتيجية اإ�سرائيلية �ساملة يف جمال اإر�ساء دعائم التطبيع

والتج�س�ـــس واإف�ساد النخب العلمية والثقافية العربية واإعادة توجيهها،

عمـــل »املركز االأكادميـــي االإ�سرائيلي« بـــداأب �سديد علـــى اإقامة اأو�سع

االت�ســـاالت والعلقات مع مراكز البحث العلمـــي يف م�سر )الر�سمية

منهـــا واالأهلية(، مع الرتكيز على م�ساألة جمـــع املعلومات الدقيقة عن

عنا�ســـر بنية املجتمع امل�سري، وحتويل تلك املعطيات والدرا�سات اإىل

جهـــاز اال�ستخبـــارات االإ�سرائيلية )املو�ســـاد( واإىل دوائر �سنع القرار

يف اإ�سرائيـــل. ويرتافق ذلك مع ا�ستدراج مئات مـــن النخب ال�سيا�سية

والثقافية، ب�سراء ذممهم باآالف الدوالرات ثمنا لبحث يتكون من عدة

�سفحات، ولي�س �سرطا يف بع�س االأحيان ما حتويه هذه ال�سفحات من

معلومـــات. ففي اأحوال عديدة، يبقى الهدف الرئي�س هو الربط الوثيق

للباحث بهـــذه الدوائر واإغراوؤه باملال واالمتيـــازات حتى ينتقل انتماوؤه

من التم�سك بلغة الوطن اإىل الدفاع عن لغة الدوالر.

وال بـــد مـــن القول، يف ال�سياق هـــذا، اأن التطبيع الثقـــايف ميثل، كما

ـــر، »الدعامة الرئي�سة للتغلغـــل االإ�سرائيلي الحـــظ البع�س بدقة وتب�س

يف املنطقـــة، الأنه اأعمـــق واأكرث ا�ستقرارا من اأي ترتيبـــات اأمنية، مثل:

املناطـــق منزوعة ال�سلح، وو�سع قوات دولية، واأجهزة اإنذار اإلكرتونية

وغريهـــا من الرتتيبـــات. فالتطبيع الثقايف يظـــل العامل احلا�سم على

املـــدى البعيـــد، الأن ال�ســـراع يرت�سخ يف وعـــي ال�سعـــوب وثقافاتها ويف

ذاكرتهـــا اجلمعية ووجدانها القومـــي، فت�سعب عملية هـــز القناعات

وتدمـــري مقومـــات الذاكـــرة الوطنيـــة، واخـــرتاق الثوابـــت التاريخية،

والدينية واحل�سارية دون اإقامة ج�سور للتوا�سل والتطبيع الثقايف.

ومن هنا، فقد قامت اال�سرتاتيجية االإ�سرائيلية وجتلياتها املعا�سرة

علـــى حماولة نـــزع العـــداء من الوجـــدان والعقـــل والذاكـــرة العربية،

ا�ستكماال لنـــزع االأ�سلحة املقاومة، وهي املهمة التي ت�سمنها االتفاقات

ال�سيا�سية واالأمنية، و�سرورة ا�سرتاتيجية انعقد حولها االإجماع الفكري

يف اإ�سرائيـــل ويلتـــف خلفها املخططـــون واملنفذون؛ فقامـــت بتاأ�سيلها

والتنظري لها مراكز بحوث عملية وجامعات ومعاهد وهيئات اأكادميية

اإ�سرائيليـــة كـ«املركـــز اليهودي العربـــي« و«معهد العلقـــات االإن�سانية«

و«معهد الدرا�سات العربية« وكلها تتبع جامعة حيفا، و«ق�سم الدرا�سات

االإ�سلمية وال�ســـرق اأو�سطية« يف اجلامعة العربية، و«مركز الدرا�سات

اال�سرتاتيجيـــة« يف جامعة تل اأبيب )الذي اأطلق عليه ا�سم »جايف« فيما

بعد(، و«املركز الدويل لل�سلم يف ال�سرق االأو�سط« و«املركز االأكادميي

االإ�سرائيلـــي« بالقاهـــرة وغريهـــا مـــن املراكـــز واملوؤ�س�ســـات البحثيـــة

املعروفة«.

عوملــة اإ�سرائيــل، �ســورة وخطابــا علـــى

اأن الـــدور الـــذي متار�سه هذه املراكـــز واملوؤ�س�سات يف خـــارج اإ�سرائيل

واملنطقـــة، يظل االأخطر ال�سيما واأنه يـــزداد زخما وكثافة بالتوازي مع

ات�ساع نطاق العوملة والتقـــارب املت�سارع بني االأمم وال�سعوب والثقافات

املختلفـــة. فقد ا�ستطاع كثـــري من مراكز البحـــوث وموؤ�س�سات التفكري

االإ�سرائيليـــة تطويـــر وجـــوده وارتباطاته يف اأماكـــن خمتلفة من العامل

فـي بوؤرة الهتمام

ا�ستطــاع كثري مــن مراكــز البحــوث الإ�سرائيلية تطوير

وجــوده وارتباطاته يف اأماكن خمتلفة من العامل ل�سيما

يف الغــرب، وبلغــت اإمكانيــات هــذه املراكــز وارتباطاتها

وتاأثرياتهــا هنــاك حــدا و�ســاأوا بعيديــن بحيــث غــدا

�سمين يف اأمريكا واأوربا وغريهم من الر

ال�سيا�سين يرددون املنطق الإ�سرائيلي

ذاته

ال�سيما يف الغرب، وبلغت اإمكانيات هذه املراكز وارتباطاتها وتاأثرياتها

�سميني يف اأمـــريكا واأوربا هنـــاك حدا و�ســـاأوا بعيديـــن بحيث غـــدا الر

وغريهم مـــن ال�سيا�سيني - ودون احلاجـــة اإىل اأمثلة الأنها ال حت�سى-

يـــرددون املنطـــق االإ�سرائيلـــي ذاتـــه، ويف اأوقـــات ومنا�سبـــات كثـــرية

ت�ستعـــار وت�ستن�سخ م�سطلحاته وتعبرياتـــه، يف مقوالتهم حول الق�سية

الفل�سطينيـــة وق�سايا العـــامل العربي وم�سكلتـــه القائمة االأخرى. ويف

الوقـــت نف�سه، جند اأن االإعلم االأمريكـــي خ�سو�سا، والغربي عموما،

يعتمد ب�سكل وا�سع على »خربة« هذه املراكز اال�سرائيلية ودرا�ساتها.

ومكمـــن اخلطورة يف ذلـــك، اأن هـــذه الدرا�سات، وتلـــك »اخلربة«،

عـــادة ما ت�ستغل من اأجل الرتويج لنمـــط معني من التفكري واخلطاب،

هو بالتحديد اخلطاب الر�سمي لل�سا�سة االإ�سرائيليني وفهمهم لق�سايا

املنطقـــة ويف مقدمتها ق�سية ال�سراع العربي - االإ�سرائيلي، باالإ�سافة

اإىل تكري�ـــس ون�سر نظريات واأفـــكار تتعلق بالعنـــف واالإرهاب ومعاداة

ال�ساميـــة وال�ســـرق االأو�ســـط اجلديد والتفـــوق اليهـــودي ودميقراطية

اإ�سرائيـــل والتهديـــدات التـــي تطـــال اأمنهـــا القومـــي مـــن قبـــل الدول

الديكتاتوريـــة يف املنطقـــة، ناهيك عن قولبة �ســـورة العرب وتنميطها

بحيـــث يل�سق بها كل ما هو �سائن و�سلبي. ومن ثم، العمل على توظيف

ذلك كله من اأجـــل تغيري املعادالت ال�سيا�سيـــة واملواقف اال�سرتاتيجية

مبا يخدم الطرف االإ�سرائيلي، وم�ساحله ح�سرا.

وعطفـــا على ما �سبق، يلحظ اأن جميـــع مراكز البحوث وموؤ�س�سات

التفكري االإ�سرائيلية، حتتـــوي على ق�سم خا�س بالعلقات واالت�ساالت

اخلارجيـــة. ويعك�س هذا، مـــن ناحية، حر�سها ال�سديـــد على احلفاظ

على روابطها وعلقاتها اخلارجية، وتنمية التعاون والتبادل املعلوماتي

والثقـــايف مـــع املراكز امل�سابهة يف الـــدول املتقدمة وخا�ســـة يف اأمريكا

ال�سماليـــة واأوربـــا، ف�سل عـــن ا�ستجـــلب الدعم املادي لهـــا من قبل

احلكومـــات االأمريكيـــة واالأوربية. ومن ناحية اأخـــرى، �سمان التوا�سل

مع اجلاليات اليهودية املنت�سرة يف العامل والتي ت�سكل حلقة الو�سل بني

هذه اخلزانات االإ�سرائيلية واليهود يف ال�ستات.

ومن املهم االإ�سارة اإىل اأن مراكز البحوث

وموؤ�س�ســـات التفكري وامل�ســـورة يف اإ�سرائيل

تتـــوزع على ثـــلث قطاعـــات اأ�سا�سية، هي

القطاع اجلامعـــي والقطاع اخلا�س اأو امل�ستقل

والقطـــاع احلكومـــي و�سبـــه احلكومي. علـــى اأن الدور الـــذي قامت به

اجلامعـــات االإ�سرائيلية، وال تزال تقوم بـــه )جامعة تل اأبيب خا�سة(،

يف اإن�ســـاء هذه املوؤ�س�ســـات واحت�سانها ورعايتها، و�سمـــان ا�ستمرارية

عملهـــا، يبقى االأبـــرز واالأكـــرث اأهمية. وتعـــد مراكز االأبحـــاث التابعة

للقطـــاع اجلامعي من اأن�سط واأقدم مراكز الفكر يف اإ�سرائيل اإذ تلزم

تاأ�سي�سهـــا مع اإن�ساء اجلامعـــات االإ�سرائيلية وكذلك اإنفتاحها وتعاونها

مـــع اجلامعات يف العامل وخا�سة اجلامعـــات يف دول الغرب، وحتديدا

اجلامعات االأمريكية والربيطانية والفرن�سية واالأملانية.

يعد مركز جايف للدرا�سات اال�سرتاتيجية )الذي

اأ�سبح ا�سمه االآن معهد درا�سات االأمن القومي(

التابع جلامعة تل اأبيب، ومعهد هاري �س. ترومان

للأبحاث وخدمة ال�سلم التابع للجامعة العربية

يف القد�س، من اأهم املراكز البحثية وموؤ�س�سات

التفكري وامل�سورة املرتبطة بالقطاع اجلامعي يف

اإ�سرائيل.

وباالإ�سافـــة اإىل هذين املركزيـــن/ املوؤ�س�ستني،

هنـــاك مراكز وموؤ�س�ســـات تفكري اأخـــرى رائدة

تنتمـــي اإىل القطاع اجلامعي، وكذلك القطاعني

يف احلكومـــي و�سبـــه واحلكومـــي اخلا�ـــس

اإ�سرائيل. ومن اأبرز هذه املراكز: املركز املتعدد

االخت�سا�ـــس هريت�سليـــا، ومعهـــد فلور�سهامير

لدرا�ســـات ال�سيا�ســـة، ومركـــز درا�ســـات االأمن

القومـــي يف جامعـــة حيفـــا. واإىل جانـــب مراكز

االأبحـــاث وموؤ�س�سات التفكري وامل�سورة هذه وهي

االأكـــرث ن�ساطا وتقدمـــا يف اإ�سرائيل، هناك عدد

من املراكـــز البحثيـــة االأخرى، ميكـــن ت�سميتها

على النحو التايل:

مركـــز مو�سيه دايـــان لدرا�سات ال�ســـرق االأو�سط

واأفريقيا.

مركـــز تاوب لدرا�ســـات ال�سيا�ســـة االجتماعية يف

اإ�سرائيل.

معهد القد�س للدرا�سات ال�سيا�سية.

مركز بيجن- ال�سادات للدرا�سات االإ�سرتاتيجية.

معهد فان لري يف القد�س.

معهد ليونارد ديفي�س للعلقات الدولية.

موؤ�س�ســـة الدرا�ســـات اال�سرتاتيجيـــة وال�سيا�سيـــة

املتقدمة.

مركز اأريئيل الأبحاث ال�سيا�سة.

املوؤ�س�سة االإ�سرائيلية للدميقراطية.

املركز اليهودي - العربي.

مركز اإ�سرائيل/فل�سطني للأبحاث واملعلومات.

مركز تامي �ستاينمت�س الأبحاث ال�سلم.

واملجتمـــع للإعـــلم هريت�ســـوغ حاييـــم معهـــد

وال�سيا�سة.

مركز برييز لل�سلم.

مركزيت�سحاق رابني لدرا�سات اإ�سرائيل.

معهـــد موري�ـــس فولـــك للأبحـــاث االقت�سادية يف

اإ�سرائيل.

موؤ�س�سة ريئوت )الروؤيا(.

االأو�ســـط ال�ســـرق لدرا�ســـات �سيـــلح مركـــز

واأفريقيا.

االقت�ساديـــة للبحـــوث اأ�سكـــول ليفـــي معهـــد

واالجتماعية وال�سيا�سية.

املركز االأكادميي االإ�سرائيلي يف القاهرة.

املركز الدويل لل�سلم يف ال�سرق االأو�سط.

معهد الدرا�سات االآ�سيوية واالأفريقية.

موؤ�س�سات يف خدمة »الكيان«

�لتايل

�حلرب �لهجينة

يف �لع�سر �لرقمي

بقلم: ريا�س قهوجي

Page 68: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 134 135ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

فـي بوؤرة الهتمام

احلـرب الهجينة

تطــور اأ�سالــيب حــرب الع�سـابــــات

واحلرب الثورية يف الع�سر الرقمي

منـــذ مطلـــع التاريخ وظهـــور اجليو�ـــس واحلـــروب �سكلت

احلرب غري النظاميـــة اأو ما يعرف اأي�سا بحرب الع�سابات

تهديـــدا حقيقيا للجيو�ـــس النظامية التي مل جتـــد يوما حل

�سهل لهـــا. ولطاملا نظر الكتاب الع�سكريني واال�سرتاتيجيني

الغربيـــني بازدراء حلـــرب الع�سابـــات ومن �ساركـــوا فيها.

ولقـــد اأطلقـــت العديد مـــن االأ�سمـــاء وال�سفـــات على رجال

حـــرب الع�سابات منها ما كان اإيجابـــي وغالبها كان �سلبيا.

ومرد ذلك يعود لكون الدول العظمى والغازية هي من يحبذ

اجليو�ـــس النظامية ويحتقر الفرق غري التقليدية التي كانت

ت�سكلهـــا عـــادة �سعوب الـــدول املحتلـــة. كانـــت اال�ستثناءات

الوحيـــدة عرب التاريخ احلديث خلل احلرب العاملية الثانية

)املقاتلـــني االأحـــرار يف فرن�سا ورو�سيـــا ودول اأخرى احتلتها

جيو�س قـــوات املحور( واملجاهدين االأفغـــان قبل االن�سحاب

ال�سوفياتـــي واملقاتلني ال�سي�ســـان. اإال اأن االأمور ازدات �سوءا

بعد هجمات 11 اأيلول/�سبتمرب 2001 حيث مل يعد هناك يف

العـــامل اأي �ســـيء )�سراع( يعرف على اأنهـــا حرب حترير اأو

ثورة �سرعية. كل قوة غـــري نظامية وت�ستخدم و�سائل العنف

لتحقيـــق اأهدافهـــا ال�سيا�سيـــة اأو غريها )بغ�ـــس النظر عن

اأحقيتها( باتت تعرف على اأنها اإرهابية.

لكـــن طبيعة ال�سراعات اليوم اأخـــذت اأ�سكاال اأكرث تعقيدا

ريا�ص قهوجي[email protected]

ريا�ـــس قهوجـــي الرئي�ـــس التنفيـــذي ملوؤ�س�ســـة ال�ســـرق االأدنـــى واخلليـــج للتحليل

الع�سكري- اأنيغما، دبي.

ممـــا كانت عليـــه نتيجة الثـــورات التكنولوجيـــة واملعلوماتية

التـــي اأوجـــدت و�سائل وجمـــاالت جديدة للمواجهـــة مل تكن

متوفـــرة �سابقـــا. فلقـــد وفر االنرتنـــت و�سيلة �سبـــه جمانية

لن�ســـر املعلومـــات والتوا�سل وجتيي�س الـــراأي العام واحلرب

املعلوماتية، يف حني وفر الهاتف اخلليوي و�سيلة ات�سال قوية

حمليـــا ودوليا. كمـــا اأدى التطور يف علوم الكيمياء اإىل ظهور

اأنـــواع متعددة من املتفجـــرات التي ي�سهـــل اإعدادها حمليا،

كما وفرت ال�سوق ال�سوداء املتنامية بفعل حت�سن املوا�سلت

واالت�ســـاالت اأ�سلحة متقدمة وفعالة �سد اجليو�س احلديثة.

وعليه، فاإن التطـــور التكنولوجي على االأ�سعدة كافة قد اأدى

اإىل ظهـــور جيـــل جديد مـــن القـــوى الثورية تعتمـــد اأ�ساليب

وتكتيكات وو�سائل جديدة مل تكن معروفة قبل نهاية احلرب

البـــاردة. ومبـــا اأن الواليات املتحدة االأمريكيـــة كانت الدولة

التـــي خرجـــت منت�سرة مـــن احلرب البـــاردة وباتـــت القوة

العظمـــة الوحيـــدة، ومبـــا اأن اأمريكا هـــي الدولـــة التي تقود

حتالفـــات دولية يف حـــروب منذ عـــام 1990، بع�سها ما زال

م�ستمـــرا يف اأفغان�ستان والعراق، فـــاإن الباحثني الع�سكريني

االأمريكيـــني كانـــوا اأول مـــن و�سع درا�سات عـــن تطور حرب

الع�سابـــات اأو احلرب الثورية التي باتت تعرف لديهم اليوم

با�سم “احلرب الهجينة”.

Page 69: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 136 137ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

تعريــف احلــرب الهجينــة بــــداأ تعبــــري “احلــــرب

الهجينة” يظهــــر يف كتابات ودرا�سات امل�سئولــــني االأمريكيني منذ انتهاء

حــــرب ال�سي�سان خــــلل العقد االأخري مــــن القرن الفائــــت. ولقد ظهرت

عــــدة تعريفات للحرب الهجينة. اأول من عرف بها كان املقدم يف اجلي�س

االأمريكــــي بيل نيميــــث اإذ و�سفها “بنموذج ع�سري حلــــرب الع�سابات،

حيــــث ي�ستخــــدم فيها الثــــوار التكنولوجيــــا احلديثة و�سبــــل حديثة حل�سد

الدعــــم املعنوي وال�سعبي”. ويق�سد هنــــا بالتكنولوجيا احلديثة االأ�سلحة

املتطــــورة، والتي ا�ستخدمــــت �سمن تكتيكات حــــرب الع�سابات ب�سكل مل

تعد اجليو�ــــس النظامية لدى الدول الكربى قادرة علــــى التمييز فيما اإذا

كانــــت تخو�س حــــرب تقليدية اأو غــــري تقليدية. فلقد ا�ستخــــدم املقاتلون

ال�سي�سان �سواريخ حديثة م�سادة للدروع والطائرات، اإمنا يف اطار حرب

الع�سابــــات ويف معــــارك جلاأ فيهــــا ال�سي�سانيــــون اإىل عمليــــات انتحارية

ون�سب كمائن مع هجمات مرتدة.

و�ســــع باحــــث اأمريكي اآخــــر، وهو نايثــــان فراير، الذي عمــــل يف مكتب

وزيــــر الدفاع، تعريفا اآخر للحرب الهجينة. وقال اإن احلرب الهجينة هي

عندما ت�ستخدم جمموعة م�سلحــــة اثنان اأو اأكرث من االأ�ساليب الهجومية

االأربع التالية: حرب تقليدية، حرب غري نظامية، اإرهاب كارثي، ا�ستغلل

التكنولوجيا لتهديد اال�ستقرار وتعطيل عمل الدول.

اأمــــا العقيــــد املتقاعــــد يف اجلي�س االأمريكــــي جاك ماكــــون فهو ي�سف

احلــــرب الهجينــــة بتلك التــــي ت�ســــن بوقت واحد علــــى ثلث جبهــــات اأو

حماور: داخل التجمع ال�سكاين يف منطقة ال�سراع، وداخل منطقة النزاع

االقليميــــة، وعلى م�ستوى املجتمــــع الدويل. اأي اأن ماكون ي�سدد على البعد

العقائدي والفكري كاأدوات اأ�سا�سية يف تعريف احلرب الهجينة.

اآخر من قــــدم تعريف للحرب الهجينة كان ال�سابط يف م�ساة البحرية

االأمريكية فرانك هوفمان، الذي و�سفها على ال�سكل التايل: “حني يقدم

خ�ســــم علــــى ا�ستخدام - وب�ســــكل متزامن ومتقن - مزيج مــــن االأ�سلحة

التقليديــــة والتكتيــــكات غــــري النظامية واالرهــــاب )مهاجمــــة مدنيني اأو

هجمات انتحارية( والت�سرف االجرامي يف جمال اأر�س املعركة مبجمله

)داخلــــي وخارجــــي( من اأجل حتقيــــق اأهدافــــه”. اأثار تعريــــف هوفمان

ت�ساوؤالت حول خ�سائ�س احلرب الهجينة؛ فهل يجب الرتكيز على ا�سلوب

القتال اأوالهيكلية التي ميتلكها اخل�سم، وهل التزامن با�ستخدام القدرات

ملزم اأم يجوز الت�سل�سل بتطبيقها، وهل املزج باالأ�ساليب يعني بال�سرورة

وجــــود قوى وجمموعات متعددت تعمل معا اأو ب�سكل متجان�س، وهل العمل

االجرامــــي اأحد اأ�ســــكال املواجهة اأم فقط لتاأمني مــــوارد مالية للخ�سم.

وال يوجــــد اأجوبة حمددة حتى االآن ب�سبــــب تعدد احلاالت وخ�سو�سية كل

منها، بالرغم من اأوجه ال�سبه يف اخل�سائ�س وال�سفات.

اأمثلة وحالت يعترب حزب اهلل من اأجنح االأمثلة

علــــى القوى التــــي طبقت احلــــرب الهجينة بنجــــاح، بــــل اأن اأ�سلوب عمل

احلزب وخ�سائ�سه باتت القدوة التــــي ت�سبوا اإىل تطبيقها قوى اأخرى.

ومتثــــل النجــــاح االأكرب حلــــزب اهلل يف حــــرب �سيف 2006، حــــني اعتمد

مقاتلــــوه تكتيكات حرب الع�سابات م�ستخدمــــني �سواريخ م�سادة للدروع

وال�سفن بنجاح مبهر، كمــــا متكنت �سواريخه من تهديد اجلبهة اخللفية

للعــــدو، وجنحت اأدواتــــه االعلمية من حتقيق ن�سر معنــــوي على العدو.

حتــــى اأن حزب اهلل متكن من اخــــرتاق اأجهزة ات�سال العــــدو والتج�س�س

علــــى حركته ومنعه من اخــــرتاق �سفوفه، مما اأوقع اجلي�ــــس اال�سرائيلي

بحــــال من ال�سياع الكبري اأدى اإىل هزميته ميدانيا. و�ساهدنا الحقا كيف

حاولت حما�ــــس اأن تعتمد اأ�سلوب حزب اهلل واإمنا ب�سكل م�سغر يف حرب

غزة.

يعترب تنظيــــم القاعدة اأو التنظيمات املرتبطه به ب�سكل مبا�سر اأو غري

مبا�سر من القــــوى التي تعتمد ما يعرف باحلرب الهجينة، واإمنا باأ�سكال

فـي بوؤرة الهتمام

اأو م�ستويــــات خمتلفة طبقا ملكان وجودها ونوعيــــة م�سرح العمليات. ففي

داخــــل الدول التي متلك حكومــــات واأنظمة قوية ومتما�سكــــة يقت�سر دور

القاعدة على عمليات انتحاريــــة وهجمات حمدودة �سد من�ساآت حكومية

وع�سكرية، كما هو احلال يف القاعدة يف بلد املغرب. اأما يف الدول التي ال

توجد فيها �سيطرة قوية للحكومة، مثل العراق فهي �سنت حرب ع�سابات

م�سحوبة بهجمات انتحارية واعتمــــدت اجلرمية املنظمة )خطف ونهب

بنــــوك( لتمويــــل عملياتهــــا، التــــي �سملت

وال�سواريــــخ باملدفعيــــة ق�سفــــا اأحيانــــا

الأهداف اأمريكية وعراقية. كما اعتمدت

و�سائل الكرتونية متقدمة للرتويج لفكرها

وح�سد �سفوف موؤيديها.

باأ�سلــــوب اليــــوم القاعــــدة وتعمــــل

نف�سها اأفــــرع متول اأي “الفران�سايــــز”، ق للفكــــر والعقيدة واالأهداف ولكنها ت�سو

فــــاإن وعليــــه، نف�سهــــا. اال�سرتاتيجيــــة

القاعــــدة متثل اأ�سلوبا ال مركزيا يف احلــــرب الهجينة على م�ستوى دويل،

لــــن تكون حماربتهــــا �سهلة يف حــــال اعتمدت و�سائــــل ع�سكرية فقط دون

�سواها من و�سائــــل فكرية واجتماعية و�سيا�سية واقت�سادية. هذا يف حني

ت�سعى القوى التي ت�ستخدم احلرب الهجينة ال�ستنزاف واإرهاق خ�سومها

الإرغامهــــم علــــى االن�سحاب مــــن اأرا�ــــس حمتلــــة اأو التخلي عــــن �سيا�سة

خارجية معينة، وهي ا�سرتاتيجية تكون اأكرث فعالية �سد الدول التي لديها

اأنظمــــة دميقراطية و�سديــــدة التاأثر بالراأي العــــام. ويف هذه احلال تكون

اأمــــريكا واأوروبا اأكرث تاأثرا باحلرب الهجينة من الدول التي متلك اأنظمة

ديكتاتورية اأو �سمولية.

احلــرب املركبــة اإن مــــزج اأ�ساليــــب القتــــال مــــن

حــــرب تقليدية وحرب غري نظامية لي�ــــس باالأمر اجلديد، اإذ اأن دوال عدة

ا�ستخدمــــت هذه العقيدة الع�سكرية �سمن �سيا�ستها الدفاعية. ولتفريقها

عــــن احلــــرب الهجينة، وعدم مقارنــــة نف�سها مع حــــركات حترر وحروب

ثورية اأخرى، عمد الكتاب الغربيون وخا�سة يف اأمريكا مثل توما�س هوبر،

اإىل اطــــلق ا�سم خا�س عليها وهو “احلــــرب املركبة”. وتقدم اأمثلة على

هــــذا النوع من احلــــروب: كالثورة االأمريكية �ســــد بريطانيا، حني �سكلت

فــــرق نظاميــــة اأمريكية مدعومة مــــن ميلي�سيات حمليــــة ملهاجمة اجلي�س

الربيطــــاين وطرده من الواليات املتحــــدة االأمريكية التي كانت قد اأعلنت

ا�ستقللهــــا عن اململكــــة املتحدة. ولقد ا�ستخدمــــت امليلي�سيات االأمريكية

حينهــــا تكتيــــكات �سبيهة اإىل حــــد بعيد بتكتيــــكات ا�ستخدمتهــــا حركات

ثوريــــة وحتررية اأخرى تعترب اليوم اإرهابية. ويقول املوؤرخون يف الغرب اإن

احلــــرب املركبة تعتمد من قبل دول يف حني اأن احلرب الهجينة ت�ستخدم

مــــن قبل العبني من خارج الــــدول، اأي منظمات ال تخ�ســــع لنظام الدولة

ح�سب التعريف الدويل للأمم.

يعتــــرب املثل ال�سوي�سري اليوم من اأجنــــح �سيا�سات الدفاع، حيث هناك

جي�ــــس نظامي وجي�س �سعبي يتم ا�ستنفارهمــــا وتعباأتهما ب�سرعة ملواجهة

اأي تهديــــد خارجي، كل هذا �سمن اأنظمة حمددة للمواجهة والتن�سيق مع

بع�سهــــا البع�س. وبذلك تكــــون القوى امل�سلحة ال�سوي�سريــــة مهياأة للقتال

باأ�سلــــوب تقليدي وبنهج حرب الع�سابــــات يف اآن واحد، ومنذ اليوم االأول

للحــــرب. وقبل ذلك، وحتديدا يف االحتــــاد ال�سوفيتي، لعب االأن�سار دورا

كبــــريا اإىل جانــــب اجلي�س ال�سوفياتــــي النظامي يف دحر القــــوات النازية

املحتلــــة وطردها. وال تعتــــرب ال�سيا�ســــة الدفاعية للجمهوريــــة االإ�سلمية

االإيرانية تطبيقا دقيقا للحرب املركبة، حيث اأن احلر�س الثوري االإيراين

بــــات م�سلحــــا اليوم ب�ســــكل اأقــــرب اإىل اجلي�س

النظامــــي منــــه اإىل ميلي�سيــــات تعتمــــد حــــرب

الع�سابات. كما اأن ميلي�سيا البا�سيج ت�ستخدم

ملهــــام حماية النظام مــــن التهديدات الداخلية

اأكــــرث منهــــا للخارجيــــة. وعليــــه، فــــاإن �سيا�سة

الدفــــاع االإيرانية فريدة من نوعها اإىل حد ما،

ولكنها ال تزال تعترب اأقرب للحرب املركبة.

اأظهــــرت احلــــروب االأخــــرية يف املنطقة اأن

الــــدول الكربى باتــــت متتلــــك تفوقــــا ع�سكريا

كبــــريا يف احلرب التقليدية اإىل حد باتت معه اأي حماولة من دولة عادية

ملواجهتهــــا ب�سكل تقليدي فا�سلة واأقرب للنتحــــار. وخري مثال على ذلك

عملية اجتياح الكويت، والتي متت ب�ساعات ب�سبب التفوق الع�سكري الكبري

للجي�س العراقي وغياب اأي ميلي�سيات منظمة يف الكويت يف حينه. ويتكرر

املثــــل ثانية يف الهجوم الرو�سي على جورجيا حيث كادت القوات الرو�سية

اأن حتتل اأرا�س جورجيا كافة يف اأيام قليلة لوال التدخل الدويل وال�سغوط

الدبلوما�سية. اإن اعتماد جورجيا على قواتها النظامية فقط لوقف جي�س

جــــرار بحجم اجلي�س الرو�سي دون اأي ميلي�سيــــات حتارب باأ�سلوب حرب

الع�سابات جعلها تخ�سر احلرب ب�سكل �سريع وخمز.

اخلامتة لقد اأثرت التطورات التكنولوجية ب�سكل كبري

يف �ســـكل احلروب والنزاعات وجعلتها اأكرث تعقيـــدا، خا�سة بالن�سبة الدول

الكـــربى التي ت�سعـــى اإىل حماية م�ساحلها وتاأمـــني �سيطرتها على ال�ساحة

الدوليـــة. فلم تعد م�ساألة ح�سم املعارك واحلروب واإخ�ساع الدول وال�سعوب

بال�سهولـــة التي كانت عليها. فمـــاذا يعترب هزمية

للقوى التي تعتمد احلرب الهجينة؟ هذا �سوؤال

ت�سعـــب االإجابـــة عليـــه، كـــون الطـــرف الذي

ينتهجهـــا ي�ستخـــدم اأ�ساليـــب ويحمـــل �سفات

ي�سعب ح�سمها ودحرها يف معركة واحدة اأو حتى

عـــدة معارك. �سيبقـــى البعد الفكري والعقائدي مـــن اأ�سعب االأهداف التي

علـــى الغرب حماولة هزميتها دون تغيـــري �سيا�ساته اخلارجية نحو املنطقة.

كمـــا اأن منع اخل�سم من تطوير تر�سانته مـــن االأ�سلحة احلديثة وا�ستخدام

اجلرمية املنظمة لتمويل ذاته �سيبقى حتديا �سعبا، اذ يتطلب حتقيقه تعاونا

ا�سرتاتيجيـــا ودوليا الأق�سى املجاالت. ويجب على الدول ال�سغرى اأن تعتمد

عقيدة احلـــرب املركبة �سمن �سيا�ساتها الدفاعية مـــن اأجل تعزيز قدرتها

علـــى مواجهة اأي هجـــوم اأو حماولة غزو من قبل دولة كربى الأرا�سيها، كما

اأن على الدول ال�سغرى ا�ستغلل مواردها الب�سرية والطبيعية واالقت�سادية

كافة للدفاع عن نف�سها.

اأثــرت التطــورات التكنولوجيــة ب�ســكل كبــري

يف �ســكل احلــروب والنزاعــات وجعلتهــا اأكــر

تعقيــدا، خا�سة بالن�سبة الــدول الكربى التي

ت�سعــى اإىل حماية م�ساحلها وتاأمن �سيطرتها

على ال�ساحة الدوليــة. فلم تعد م�ساألة ح�سم

املعــارك واحلــروب واإخ�ساع الــدول وال�سعوب

بال�سهولة التي كانت عليها

�لتايل

طريق دول �خلليج للخروج

من ماأزق »تنمية �ل�سياع«

بقلم: علي خليفة �لكو�ري

Page 70: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 138 139ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

اخلروج من ماأزق »تنمية ال�ضياع«

النفط والتنمية ومتطلبات االإ�ضلح

فـي اأقطـار جملـ�ض التعـاون اخلليجي

ممـــا يوؤ�سف له حقـــا اإن النفط يف الدول العربية ما زال خارج نطاق ال�سيطـــرة الوطنية، ومل يتم اإخ�ساعه العتبارات

التنمية احلميدة ومتطلبات اال�سلح، واإمنا كانت ردة الفعل ملا يح�سل يف اأ�سواقه وتقلبات اأ�سعاره ولي�س الفعل الواعي،

هـــي احلقيقـــة املرة املتكررة. هـــذا بالرغم من ال�سجيج االإعلمي لـــوزراء النفط وكرثة ترديـــد احلكومات ل�سعارات

التنميـــة واالإ�سلح عامة، وتنويع م�سادر الدخل وبناء قاعدة اقت�سادية بديلة للعتماد على �سادرات النفط خا�سة.

فمـــا زال النفـــط يف املنطقة بالرغم مـــن اأهميته وتاأثريه املركزي، يفتقـــد اإىل �سيا�سات نفطيـــة وطنية تخ�سع النفط

العتبارات التنمية. فهو املارد الذي يعيث ف�سادا بالب�سر واحلجر وين�سر االإف�ساد والف�ساد، ويقو�س املجتمعات، ومي�سخ

الهوية الوطنية، ويكر�س منوذج »تنمية ال�سياع« اأحيانا، وذلك دون عيب يف النفط واإمنا العيب فينا.

علي خليفة الكواري[email protected]

فـي بوؤرة الهتمام

علي خليفة �لكو�ري باحث قطري.

Page 71: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 140 141ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

ولعــــل اأحد املوؤ�سرات على غياب ال�سيا�ســــات النفطية الوطنية، يتمثل يف

التقلبــــات احلادة والطفرات النفطية املتكــــررة - والتي �سرنكز عليها يف

هــــذه املقالة - ومــــا توؤدي اإليه مــــن تو�سع يف االإنفاق العــــام غري الر�سيد،

وتفاقم اأوجه اخللل املزمنة واأخطرها اخللل ال�سكاين، وما يلي كل طفرة

وانح�سارهــــا من جمود اأو تراجع يف حجم اإنتــــاج النفط واأ�سعاره واأزمات

م�سطنعــــة، ما كان لها اأن حتدث لــــو اأن دول املنطقة كان لديها �سيا�سات

نفطية تخ�سع اإنتاج النفط وعائداته العتبارات التنمية. فال�سغل ال�ساغل

للحكومــــات - مــــع االأ�سف - تركز دائمــــا يف كيفية تدويــــر عوائد النفط

ب�ســــرف النظر عن جــــدوى االإنفاق العــــام يف زمن الطفــــرات. هذا من

ناحية، ومــــن ناحية اأخرى كيفية موازنة االإنفاق العام مع عائدات النفط

دون اإ�سلحه، يف وقت تراجع اأ�سعار النفط اأو تراجع اإنتاجه. االأمر الذي

اأدى اإىل تزايــــد ن�سيب النفقات ال�سرية يف امليزانيات العامة على ح�ساب

النفقات العلنية، وكان ال�سحايا يف كل تراجع وانح�سار للطفرات النفطية

هم اأ�سحاب الدخل املحدود وخدمات التعليم وال�سحة واال�سكان.

وبذلــــك ان�سرفــــت احلكومات عــــن االأمر املهم وامل�ســــريي وهو حتقيق

تنميــــة ذات وجــــه اإن�ساين ت�ستثمــــر عائدات النفط بدال مــــن ا�ستهلكها،

تنميــــة ترتكــــز علــــى �سيا�ســــة نفطيــــة تخ�ســــع اإنتــــاج النفــــط وت�سديــــره

الحتياجــــات التنمية االقت�سادية – االجتماعيــــة ال�ساملة. ولذلك تاأرجح

منط »التنمية النفطية« بني �سياع فر�س التنمية ومنط »تنمية ال�سياع« يف

الــــدول ال�سغرية، التي بداأت تفقد لغتها العربية وت�سيع هويتها العربية-

االإ�سلميــــة، ويتفاقم فيهــــا اخللل ال�سكاين، و�ســــوال اإىل ت�سجيع التوطني

مبوجب ربط االإقامة الدائمة مبجرد �سراء حق االنتفاع بعقار.

ويف هــــذه املقالــــة �ســــوف اأتوقــــف اأوال عند الطفــــرات النفطيــــة. وثانيا:

اأعــــود اإىل تناول مفهوم التنمية. وثالثا: اأتطــــرق اإىل اأوجه اخللل املزمنة

يف املنطقــــة ومتطلبات االإ�سلح اجلذري. و�ســــوف اأعتمد يف هذه املقالة

علــــى بحوثي ودرا�ساتــــي ال�سابقة، يف اإ�سارة منــــي اإىل اأن م�سار التغريات

االقت�ساديــــة واالجتماعيــــة امل�ساحبة للنفط، مل تكــــن تداعياته اخلطرة

بعيــــدة عن اهتمــــام الدار�ســــني يف املنطقة، واإمنا كانــــت عيونهم ب�سرية

واأياديهم ق�سرية.

اأول: عــن الطفــرات النفطيــة �سهــــدت

اأ�سعار النفط طفــــرات متكررة ب�سبب كبت اأ�سعار النفط ومنعها من بلوغ

م�ستويــــات التكاليف احلدية الإنتــــاج بدائل النفط. وهــــذه الطفرات التي

�ساهدناهــــا يف عام 1973 و1979 ومنــــذ عام 2002 حتى 2008 هي قفزات

تلقائيــــة مفاجئــــة، تبداأ يف االأ�سعــــار الفورية وتتاأكــــد يف االأ�سعار الر�سمية

للنفــــط، �سد الكبت الذي مار�ستــــه االأخوات ال�سبع طــــوال ال�سبعينيات،

ومار�ستــــه بعد ذلك الدول االأع�ساء يف وكالــــة الطاقة الدولية مبا�سرة يف

ثمانينيات وت�سعينيات القرن الع�سرين حتى بداأت الطفرة الثالثة.

وجديــــر بالتاأكيــــد اأن االأ�سبــــاب اجلوهريــــة للطفــــرات النفطيــــة ميكن

تلخي�سهــــا يف عاملني رئي�سيني اأولهما: ا�ستنفــــاذ الطاقة االإنتاجية للدول

امل�ســــدرة للنفط، وعجزها عن تلبية منو الطلب عليــــه. وثانيهما: ارتفاع

التكاليف احلدية لتطوير واإنتاج بدائل النفط والطاقة.

ا�ستنفــاذ الطاقة الإنتاجيــة: اأول االأ�سبــــاب اجلوهرية واملبا�سرة

للطفرات النفطية تعود بالدرجة االأوىل اإىل عجز عر�س النفط عن تلبية

احتياجــــات الطلب عليــــة ملدة معتــــربة، ب�سبب تل�سي الطاقــــة االإنتاجية

الفائ�سة يف الدول امل�سدرة للنفط. وهذا ال ينفي اأن تكون هناك اأ�سباب

معجلــــة اأو عوامل م�سجعة لطفرات االأ�سعار، مثل قــــرار املقاطعة العربية

يف عام 1973 والثــــورة االإيرانية يف 1979 وتداعياتهما. ورمبا توؤدي بع�س

هــــذه العوامــــل املعجلــــة اإىل ال�سعود بال�سعــــر اإىل م�ستويــــات ال تعرب عن

االأ�سباب اجلوهرية، فيتم تعديل ال�سعر اإىل م�ستوى املتطلبات اجلوهرية

الرتفاعــــه. ومثال ذلك الت�سحيح هو تراجــــع �سعر برميل النفط من 147

دوالر اأمريكــــي يف متوز/يوليــــو 2008 اإىل م�ستــــوى 70 دوالر اأمريكــــي بعد

�سهرين يف �سهر اأيلول/�سبتمرب 2008. فقد كان االرتفاع اإىل م�ستوى 147

دوالر اأمريكــــي للربميــــل ي�ساوي �سعف التكاليف احلديــــة لبدائل النفط.

وكان يعرب عــــن النزع االأخري للم�ساربات ال�سرهــــة التي �سبقت انك�ساف

االأزمــــة املاليــــة العاملية على نطــــاق وا�سع. اأما ما تلي ذلــــك من انخفا�س

حتــــت م�ستوى 70 دوالر اأمريكي فاإنــــه يعود اإىل تراجع الطلب العاملي على

النفــــط موؤقتا. وقد عاد �سعر النفط يف اأواخر 2009 اإىل حوايل 70 دوالرا

للربميل.

وغنــــي عــــن القول باأن ارتفاع اأ�سعــــار النفط منذ بدايــــة الطفرة الثالثة،

مل يكــــن مقت�ســــرا على ارتفاع اأ�سعــــار النفط، واإمنا �سمــــل كذلك اأ�سعار

م�ســــادر الطاقــــة االأخرى كلها اأي�سا، تعبريا عن عجــــز الطاقة االإنتاجية

القائمة الإنتاج م�سادر الطاقــــة املختلفة عن �سد حاجات الطلب املتزايد

علــــى الطاقة. فقد ارتفع ا�ستهلك العامل من م�سادر الطاقة االأولية من

9.3 بليــــون طــــن عــــام 2000 اإىل 10.65 بليون طن عــــام 2004 واىل 11.1

بليــــون طن عام 2007. ونتيجة لذلــــك ارتفع �سعر الفحم على �سبيل املثال

- وهــــو ثــــاين م�سدر )28.6 %( للطاقة بعد النفــــط - من 36 دوالرا للطن

يف عــــام 2000 اإىل 43 دوالرا للطــــن يف 2004 واىل 87 دوالرا للطن يف عام

.2007

ولعــــل اجلــــدول رقم )1( يو�ســــح لنا العلقة بني منو الطلــــب العاملي على

النفــــط والطفرات النفطية، وذلــــك عندما تكون اأ�سعــــاره متدنية. االأمر

الــــذي يوؤدي عند ا�ستمرار ذلك لفرتة طويلة، اإىل عجز الطاقة االإنتاجية

يف الــــدول االأع�ساء يف االأوبــــك عن مواجهة الطلب علــــى النفط. عندها

يطفر ال�سعــــر املكبوت اإىل م�ستويات التكاليــــف احلدية الإنتاج النفط من

مكامــــن وم�ســــادر بديلة. ويت�سح مــــن اجلدول اأن اأ�سعــــار النفط يف عام

1961 التــــي هبطــــت على اإثــــر تخفي�س �ســــركات النفــــط للأ�سعار مرتني

اأولهمــــا يف �سباط/فربايــــر 1959 وثانيها يف اآب/اأغ�سط�ــــس 1960، والتي

هبطــــت بال�سعــــر اإىل 1.90 دوالر اأمريكي للربميل، ا�ستمــــرت على حالها

تقريبا حتى عام 1970.

عندها طفرت االأ�سعار الفورية للنفط يف مطلع ال�سبعينيات قبل اأن توافق

�ســــركات النفط على تعديلت طفيفــــة يف االأ�سعار و�سلت اإىل 2.06 دوالر

للربميــــل عــــام 1971، و2.80 عام 1972، و3.10 دوالر عــــام 1973، قبل اأن

تقــــوم االأوبك منفردة بتحديد �سعر نفطها الأول مرة يف عام 1974وترفعه

اإىل 10.40 دوالر للربميــــل. وقد مت ذلك على اإثــــر ارتفاع االأ�سعار الفورية

فـي بوؤرة الهتمام

واملقاطعة النفطية التي التي عجلت بها حرب ت�سرين االأول/اأكتوبر 1973

تلتها. وبقيت االأ�سعار عند م�ستوى 13 دوالر اأمريكي للربميل، حتى حلقت

الطفــــرة الثانية بالطفرة االأوىل علــــى اإثر قيام الثــــورة االإيرانية وارتفاع

االأ�سعار الفورية، فبلغ �سعر الربميل 29.2 دوالر اأمريكي عام 1979 وو�سل

اأعلى م�ستوى له عام 1980 وهو 36 دوالر اأمريكي للربميل.

ويف تقديري اأن الطفرة الثانية هي ا�ستمرار للطفرة االأوىل التي مل تاأخذ

مداهــــا. ورمبا ذهبت الطفــــرة الثانية بال�سعر اإىل اأكــــرث مما يجب، ومبا

ال ي�سمــــح امل�ستهلكون به وال تقدر الدول االأع�ســــاء يف االأوبك على الدفاع

عنــــه كما �سبقت االإ�سارة، عندها انخف�ست �سادرات دول االأوبك يف عام

1985 اإىل الن�سف تقريبا، 15 مليون برميل بعد اأن كانت 28 مليون برميل

يف عــــام 1978، فانهارت اأ�سعار النفط نتيجة لذالك يف عام 1986 اإىل 13

دوالر للربميل وظلت دون الع�سرين دوالر اأمريكي حتى 1999.

بعد ذلــــك تراجعت اأ�سعــــار النفط حوايل 15عام، وعندمــــا بداأ ال�سغط

على اإنتاج االأوبك يتزايد مرة اأخرى وطاقتها االإنتاجية الفائ�سة تتل�سى،

ارتفــــع ال�سعــــر عام 2000 اإىل 27.60 وا�ستمــــر دون 30 دوالر اأمريكي حتى

عام 2004 حيث اأخذت الطفرة النفطية الثالثة تت�ساعد عندما بلغ اإنتاج

اأوبــــك اأكرث من 34 مليون برميل يوميا، فو�سل �سعر برميل النفط اإىل 36

دوالر اأمريكــــي وا�ستمر حتى بلغ متو�سط اأ�سعــــار �سلة نفط االأوبك 69.10

دوالر اأمريكي للربميل يف عام2007.

التكاليف احلديــة لإنتاج النفط من مكامن وم�سادر جديدة:

ال�سبــــب اجلوهري واالأعمق للطفــــرات النفطية يتمثل يف ارتفاع التكاليف

احلدية الإنتاج النفط من مكامن وم�سادر بديلة للنفط التقليدي. وارتفاع

�سعــــر النفط هنــــا ي�سبح �سرطــــا اقت�ساديــــا لقيام امل�ستثمريــــن بتطوير

املكامــــن وامل�ســــادر والتقنيات اجلديدة اللزمة ل�ســــد احتياجات الطلب

العاملي املتزايد على النفط من م�سادر جديدة غري تقليدية.

وجديــــر بالتاأكيد اأن م�ستوى اأ�سعار النفــــط عندما ت�سل م�سادر االإنتاج

التقليدية املنتجة للنفط اإىل طاقتها الق�سوى يف املديني املتو�سط والبعيد

ب�سبــــب الطبيعــــة النا�سبة للنفط، توقفــــت يف املا�سي و�ســــوف تتوقف يف

امل�ستقبــــل على التكاليــــف احلدية للمكامــــن وامل�سادر اجلديــــدة للطاقة

ب�سكل عام والنفط ب�سكل خا�س. وكما �سبقت االإ�سارة فاإن اأ�سعار م�سادر

الطاقــــة ب�سكل عام يف مطلع الطفرة الثالثــــة اأخذت تتزايد عاك�سة بذلك

ارتفــــاع التكاليــــف احلدية الإنتــــاج الطاقة من مكامن وم�ســــادر جديدة.

كمــــا اأن تزايــــد املحاذير البيئية قد اأدى اإىل ارتفــــاع تكاليف اإنتاج الفحم

والطاقــــة الذرية وامل�سادر اجلديدة البديلــــة للم�سادر التقليدية كلما مت

التو�سع يف اإنتاجه، هذا من ناحية.

مــــن ناحية اأخرى فــــاإن للنفط - الزيت والغــــاز - ا�ستخدامات خا�سة ال

تناف�سه فيها حتى االآن م�سادر الطاقة االأخرى. واأهم هذه اال�ستخدامات

جمــــاالن اأولهما: وقود �سائــــر و�سائــــل املوا�سلت وثانيهمــــا: ال�سناعات

البرتوكيماوية. واملناف�س للنفط من املكامن التقليدية يف هذين املجالني،

هــــو النفط نف�سه والذي ميكــــن احل�سول عليه وعلــــى م�ستقاته من اأربعة

م�ســــادر رئي�سية غــــري تقليديــــة، اأولها: اإنتاجــــه من املحيطــــات والبحار

العميقة. وثانيها: ا�ستخل�سه من زيت القار الرملي، وثالثها: ا�ستخراجه

من الزيت احلجري ورابعها: ت�سنيعه من الوقود احليوي.

وقــــد بلغــــت تكاليــــف اإنتاج النفط مــــن هذه املكامــــن وامل�ســــادر البديلة

الإنتــــاج النفط عند مطلع الطفرة النفطية الثالثة، بني 36-40 لزيت القار

الرملــــي يف والية الربتا يف كندا، و47.70 دوالر لت�سنيع الزيت من الوقود

احليــــوي يف الربازيل. اأما تكاليف االإنتــــاج املقدرة للم�ساريع املخطط لها

35 الإنتــــاج النفــــط من املحيطــــات واملياه العميقــــة، فاإنها تقدر بــــني 30 -

جدول )1( يو�سح العالقة بن منو الطلب على النفط وبن الطفرات النفطية

)الإنتاج: مليون برميل يوميا/ ال�سعر: دولر للربميل(

.)British Petroleum، Statistical Review )Annual Reportsامل�سدر:

اإنتاج العاملال�صنةاإنتاج الأوبك

مالحظاتال�سعر

الن�سبة %الكمية

19611970

2350

6 18

2636

1.902.00

فرتة هيمنة �سركات النفط

ا�ستمرار هيمنة �سركات النفط

1974197519781980

58556362

27 242824

46.5043.6044.4038.70

10.4111.6013.3035.69

الطفرة االأوىل

الطفرة النفطية الثانية

198519861998

576073

151829

26.3030.0039.70

27.5313.1012.10

ال�سغط على �سادرات االأوبك

انك�سار الطفرة الثانية

13 عام من االنك�سار 200220052007

748181

303435

40.3041.9043.20

23.7449.3568.19

بداية الطفرة الثالثة

الطفرة النفطية الثالثة

الطفرة النفطية الثالثة

Page 72: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 142 143ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

فـي بوؤرة الهتمام

ثانيا: »التنمية النفطية« ومفهوم التنمية احلميدة

»التنمية النفطية« اإن �سحت الت�سمية هي منط التنمية ال�سائد يف اأقطار

جمل�ــــس التعــــاون وهي منوذج ي�سعــــب ت�سميته تنمية، واإمنــــا هي حم�سلة

تلقائيــــة متقلبــــة للتغريات التــــي �ساحبت ع�ســــر النفــــط يف دول املنطقة

واأبعدتهــــا عن اأمناط التنمية احلميدة. فمــــا حم�سلة التغريات امل�ساحبة

للنفط يف اأقطار جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية؟

االإجابــــة املرة التي توؤكدها اأدبيات التنمية، ت�سري اإىل اأن تلك التغريات -

الفجائيــــة والع�سوائية - مل تكن عملية تنمية باملعنى املتعارف عليه ملفهوم

التنميــــة احلميــــدة. وبعد االإطلع علــــى عدد من التعريفــــات، تو�سلنا اإىل

تعريف خمت�سر يعترب »التنمية ال�ساملة عملية جمتمعية واعية وم�ستدامة،

موجهة وفق اإرادة وطنية من اأجل اإيجاد حتوالت هيكلية واإحداث تغيريات

�سيا�سية واجتماعية واقت�سادية وثقافية، ت�سمح بتحقيق ت�ساعد م�سطرد

لقدرات املجتمع املعني وحت�سني م�ستمر لنوعية احلياة فيه«.

ماهية التغريات امل�ساحبة للنفط يتبني

لنــــا اإذا، من حتديد معنى م�سطلح التنميــــة بكل م�سمياتها االإيجابية اأنها

مفهوم مركب. فالتنمية عملية Process، كما اأنها اآلية Mechanism، هذا

اإىل جانــــب كونها اأداة وو�سيلة لتحقيق اأهداف مرحلية �سمن اإطار غايات

اإن�سانية وح�سارية ذات اأبعاد جمتمعية. اأما موؤ�سراتها املتداخلة واملتكاملة

فهــــي اأربعة: اأولها: منو اقت�سادي مبعنى تزايد م�سطرد يف اإنتاجية الفرد

واإنتــــاج املجتمع. وثانيهــــا: حتوالت هيكلية تطال اأوجــــه التخلف ال�سيا�سية

واالإداريــــة واالقت�ساديــــة واالجتماعيــــة والثقافية

كافــــة، بهدف تنميــــة القدرات واإطــــلق الطاقات

اخلرية على امل�ستويني الفردي واجلماعي. وثالثها:

حت�سن م�سطرد وم�ستــــدام لنوعية احلياة املعنوية

واملادية الأفراد املجتمع وجماعاته. ورابعها: تكري�س

ن�ســــق اجتماعي يحافظ على ا�ستمــــرار املجتمع وال

يدمــــر هويته، يهدف اإىل تو�سيــــع اخليارات املتاحة

تعبــــريا وذلــــك املتعاقبــــة باأجيالهــــم للمواطنــــني

عــــن تبنــــي اإ�سرتاتيجيــــة جمتمعية وطنيــــة للتنمية

امل�ستدامة.

بــــني مفهــــوم اأجرينــــا مقارنــــة مو�سوعيــــة واإذا

التنمية الــــذي �سبقت االإ�سارة اإليه، وبني التغريات

االقت�ساديــــة واالجتماعية - الفجائية والع�سوائيــــة املتقلبة، التي �سهدتها

املنطقــــة يف ع�ســــر النفط، يتبني لنــــا مدى ابتعاد تلــــك التغريات عن نهج

التنميــــة، ويتاأكــــد لنــــا اأنها ال ترقــــي اإىل م�ســتــــوى عملية تنميــــة، باأي من

الت�سميات امل�ستحبــــة، حيث مل تهتد تلك التغريات بن�سق اجتماعي ي�سون

الهويــــة ويحافظ على امل�سالــــح العليا للمجتمــــع باعتبــــاره موؤ�س�سة دائمة

دوالر يف خليــــج املك�سيــــك، و40-45 دوالر يف بحر ال�سمــــال، و60-65 دوالر

– 75 يف اأعمــــاق البحار يف يف اأعمــــاق البحــــار يف �سواحــــل الربازيــــل، و65

غرب اأفريقيا.

وبالن�سبــــة للم�ســــادر االأخــــرى البديلة التــــي يجرى تطويرهــــا يف الوقت

الراهــــن، فهي حــــوايل 65 دوالر للربميل من زيت القــــار الرملي يف كندا،

واأكــــرث مــــن 70 دوالر الإنتــــاج النفط من �سواحــــل الواليات املتحــــدة وما ال

يقــــل عــــن 70 دوالر الإنتاج الزيت مــــن الوقود احليوي واأكــــرث من 70 دوالر

للربميل من الزيت ال�سخري. اأما اإنتاج الوقود احليوي من �سيقان ال�سجر

واحل�سائ�ــــس - اجليــــل الثاين - فــــاإن تكاليف اإنتاجها تقــــدر بني 159-105

.)1(

دوالر للربميل

وقفــة عنــد النعكا�ســات املاليــة للطفــرة الثالثــة

انعك�ست الطفرة النفطية الثالثة على قيمة �سادرات النفط والغاز امل�سال

LNG، واأدت اإىل زيادة قيمة �سادرات الدول ال�ست يف جمل�س التعاون اإىل

حــــوايل ثلثة اإ�سعــــاف ون�سف يف الفرتة من عــــام 2007-2002. كما اأدت

اإىل زيــــادة عائــــدات النفط التي مت توريدهــــا اإىل امليزانيات العامة للدول

ال�ســــت مــــن 91،1 بليون دوالر عــــام 2002 اىل 355 بليــــون دوالر عام 2007

)حــــوايل اأربعة اأ�سعاف(. وبذلك حققت الــــدول ال�ست فوائ�س كبريه من

امليزانيات العامة ت�ساعدت من 10.6 بليون دوالر)11،20%( عام 2002 اإىل

158.4 بليون دوالر )51.20%( عام 2007.

ونتــــج عن تلك الفوائ�ــــس زيادة يف حجم االأ�ســــول اخلارجية املالية لدول

املنطقــــة ال�ست، والتــــي مت تقديرها بحــــوايل 1.8 تريليــــون دوالر يف نهاية

عام 2007. وقد تعر�ست هــــذه االأ�سول اخلارجية اإىل

خ�سائــــر ب�سبب االأزمة العاملية، قــــدرت يف نهاية 2008

بحوايل ربع قيمتها. كمــــا �ساحب هذا التدفق الكبري

وال�سريــــع لعائدات النفط ت�سرب الإيــــرادات الدول من

�ســــادرات النفط. فقد كان هنــــاك فرق كبري بني قيمة

�ســــادرات النفــــط وبــــني مــــا مت توريــــده اإىل امليزانيات

العامــــة يف نف�س االأعوام. وقــــد لوحظ هذا الت�سرب يف

جميــــع دول جمل�س التعاون با�ستثنــــاء الكويت التي كان

مــــا ورد للميزانيــــة من قيمــــة �ســــادرات النفط يف عام

2007 يزيد بن�سبة 8.5% وهذا راجع اإىل ن�سر ح�سابات

ختاميــــة للميزانيــــة العامــــة يف الكويــــت يدققها ديوان

املحا�سبة التابــــع ملجل�س االأمة. اأما هذا الفرق يف بقية

الدول فقــــد بلغت ن�سبته النق�س فيه يف عــــام 2007: 17.3% يف االإمارات،

و27.4% يف العربية ال�سعودية، و50.4% يف قطر، وهذا ي�سري اإىل اأن هناك

مبالــــغ كبرية معتــــربة من عائدات النفــــط والغاز امل�ســــال LNG مل تدخل

امليزانيــــات العامة. بل تت�سرب منهــــا ل�سبب اأو الآخــــر. والت�سرب املق�سود

هنــــا هو ت�ســــرب عائدات النفط والغــــاز امل�سال ب�سكل خا�ــــس قبل دخولها

امليزانيــــات العامة، اأما الت�ســــرب من امليزانيات فذلك اأمر الحق وهو لي�س

اأقل اأهمية منه.)1( وتلـــح على فكـــرة ويراودين حلـــم بالن�سبة مل�ستقبل اجليل الثـــاين من الوقود

احليـــوي، ويتمثـــل ذلك يف اأن تكـــون �سحارينا يف اجلزيـــرة العربية هي املنطقة

املوؤهلة الإنتاج الوقود احليوي من �سيقان ال�سجر واحل�سائ�س. وهذا علميا ممكن

اإذا طورنا بحوث تهجني النباتات وجعلها تقبل املياه املاحلة الوفرية لدينا.

ان�سرفــت احلكومــات عــن الأمــر

املهم وامل�سريي وهو حتقيق تنمية

ذات وجه اإن�ساين ت�ستثمر عائدات

النفط بدل من ا�ستهالكها، تنمية

نفطيــة �سيا�ســة علــى ترتكــز

تخ�ســع اإنتــاج النفــط وت�سديره

لحتياجات التنمية القت�سادية

ال�ساملة – الجتماعية

تتعاقــــب عليهــــا االأجيــــال، واإمنا كانــــت تغــــريات منفلتة مــــن عقالها، مل

ت�سبطهــــا اإ�سرتاتيجية وطنيــــة حتقق تنمية ذات وجــــه اإن�ساين، وحتافظ

علــــى حقوق املواطنني وت�ســــون هويتهم عرب االأجيــــال. االأمر الذي حول

تلــــك التغريات – تدريجيــــا - يف دول املنطقة اإىل منط يرتاوح بني �سياع

فر�س التنمية وبني منط من »تنمية ال�سياع« يف الدول ال�سغرية.

�سيــاع فر�ــص التنميــة اأ�ساعــــت التغــــريات

الع�سوائية املتقلبة على املنطقة فر�س تنمية حمتملة، نتيجة لعدم اإ�سلح

اأوجه اخللل املزمنة بل تفاقمها، وعجز ال�سيا�سات احلكومية عن اإحداث

تغيــــريات هيكلية ت�سمح ببناء قاعــــدة اإنتاجية - موؤ�س�سية وب�سرية ومادية

- بديلــــة للنفــــط. وهذا العجــــز ال ينفي وجود حت�ســــن - مرهون ا�ستمرار

معظمه با�ستمرار تدفق ريع النفط على امليزانيات العامة لدول املنطقة -

يف جوانــــب من احلياة املادية مثل ارتفاع م�ستوى املعي�سة وارتفاع امل�ستوى

ال�سحــــي وانت�ســــار التعليم واالت�ســــال بالعامل. ولكن تبقــــى احلقيقة باأن

تلــــك التح�سينات متثل حالة �سمحت بها الوفــــرة النفطية، ولي�ست عملية

تعرب عن اجتاه م�ستمر يف التح�سن، يعك�س حتوالت يف البنية االقت�سادية

واالجتماعيــــة. ولذلك الحظنا باأن م�ستويات املعي�ســــة ترتاجع ب�سكل عام

وم�ستويات معي�سة ذوي الدخل املحدود ترتاجع ب�سكل خا�س كلما تاأرجحت

الطفــــرات النفطية بني املــــد واجلزر. وكذلك ميكــــن اأن ترتاجع خدمات

ال�سحــــة والتعليم واالإ�سكان وغريها حتت �سغط انخفا�س معدالت زيادة

االإنفاق العام كلما انح�سرت طفرت من طفرات اأ�سعار النفط.

اأمــــا اجلوانــــب املعنوية مــــن احلياة فلم ت�سهــــد حت�سنا يذكــــر، با�ستثناء

الكويــــت التي عا�ست فرتات متقطعة من احليــــاة الد�ستورية ومتتع بع�س

مواطنيهــــا بقدر مــــن االنتخاب، كما توفــــر فيها قدر مــــن حرية التنظيم

والتعبري وحكم القانون. ولذلك فاإن امل�ساركة ال�سيا�سية الفعالة و�سمانات

احلريــــات العامــــة و�سمانات حقوق املواطــــن واالإن�سان مل تتقــــدم، بل اإن

بع�ســــا من �سماناتها التقليدية قد تراجــــع نتيجة لرتاجع الدور ال�سيا�سي

للقبيلــــة العربيــــة، دون ا�ستبداله مبوؤ�س�سات جمتمع مــــدين حديث، االأمر

الــــذي اأخل مبتطلبــــات احلد االأدنى مــــن التوازن بني ال�سلطــــة واملجتمع،

وجعــــل االأفــــراد يقفون عاجزين اأمــــام اآلة ال�سلطة التــــي ت�سخمت بف�سل

امتلكهــــا لريــــع النفط وحتكمهــــا يف �سيا�سات اإعادة توزيعــــه اإ�سافة اإىل

تاأثــــري اخللل ال�سكاين واحلماية االأجنبيــــة، والتي اأدت جمتمعة اإىل ن�سوء

»�سلطــــة اأكرث من مطلقــــة وجمتمع اأكرث من عاجز« على حد تعبري الزميل

حممد غبا�س.

واىل جانب عدم حتقيــــق تقدم يذكر يف اجلوانب ال�سيا�سية من احلياة،

فــــاإن امل�ساركة بــــكل اأبعادها االأخرى قــــد تدنت ن�سبيا. كمــــا اأن التما�سك

االجتماعــــي قد تردى. وكذلك غابت عن التغــــريات التي �ساحبت ع�سر

النفــــط يف املنطقــــة اعتبارات امل�ستقبل والعدالة بــــني اجليل الواحد وبني

االأجيــــال املتعاقبــــة، ف�سل عن تزايد االنك�ساف علــــى اخلارج ب�سكل عام

واالنك�ساف االأمني ب�سكل خا�س، مما اأثر يف االإرادة الوطنية التي بدا اأن

دول املنطقة قد ا�سرتدتها عندما انتهاء عهد احلماية الربيطانية.

وال�ســــوؤال منــط »تنميــة ال�سيــاع«

املنطقــــي الذي يطرح نف�سه باإحلاح علــــى اأهل املنطقة واملعنيني مب�ستقبل

�سعوبهــــا - يف الوقــــت احلا�سر - يف �ســــوء املح�سلة ال�سلبيــــة التي اأ�سفر

عنهــــا امل�سار اخلاطئ يف املا�ســــي، هو اإىل اأين �سوف يوؤدي ا�ستمرار ذلك

امل�ســــار اخلطــــر مبجتمعات املنطقــــة و�سعوبهــــا يف امل�ستقبــــل؟ لقد فوتت

التوجهــــات اال�ستهلكية علــــى املنطقة فر�سة بناء قاعــــدة اإنتاجية بديلة

للنفــــط، و�سيعــــت بالتايل فر�سة بدء عملية تنميــــة م�ستدامة على كل من

دولهــــا. فهل تدفع اليوم التوجهــــات - التي ما زالت حتكم م�سار احلا�سر

Page 73: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 144 145ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

فـي بوؤرة الهتمام

- مبجتمعات املنطقة اإىل ال�سياع - ال قدر اهلل - بعد اأن �سيعت توجهات

املا�سي فر�سا ثمينة لبدء عملية تنمية م�ستدامة.

اإن املعطيات التي اأفرزتها التغريات امل�ساحبة لع�سر النفط، وا�ستمرار

اأوجه اخللــــل املزمنة، وتفاقــــم اخللل ال�سكاين واخللــــل االأمني على وجه

اخل�سو�ــــس، تدفــــع بــــدول املنطقــــة ب�سكل عــــام واحتاد االإمــــارات وقطر

والبحرين ب�سكل خا�س اإىل منط »تنمية ال�سياع« اإن جاز ت�سمية التغريات

الراهنــــة »تنمية«. ولعل تفاقم اخللل ال�ســــكاين وما �سيوؤدي اإليه من ن�سوء

مراكــــز دولية منقطعة ال�سلة باملجتمعات االأ�سليــــة فيها، بلغتها وهويتها

وم�ساحلها )منط �سنغافورة(، يظل احتماال واردا بالن�سبة للدول االأ�سغر

يف املنطقة. هذا اإذا ا�ستمر - ال قدر اهلل - اخللل ال�سكاين يف تداعياته،

ومل يتمكــــن املواطنون اأن يعيدوا الأنف�سهم اأهمية اجتماعية ويكت�سبوا حق

امل�ساركة ال�سيا�سية، اللتني ت�سمحان لهم باأن يقوموا بدور التيار الرئي�سي

يف املجتمــــع. ومــــن هنا فاإن احتمــــاالت ال�سياع ال يجــــوز التقليل منها، اإذ

اأن هناك خطرا ماثل يهــــدد بانزالق التغريات االقت�سادية واالجتماعية

الراهنــــة اإىل مــــاآزق ي�سعــــب اخلــــروج منه. هــــذا اإذا مل تكــــن بع�س دول

املنطقة قد انزلقت اإليها بالفعل.

ومــــن اأخطــــر هذه املزالق هو مــــا ت�سهده االإمارات وقطــــر والبحرين من

تفاقم اخللل ال�سكاين، والتوجه لتطوير بنية اأ�سا�سية اجتماعية وثقافية،

عمادهــــا اللغــــة االجنليزيــــة يف التعليــــم ويف االإدارة والرتفيهية، من اأجل

خدمة متطلبات �سيا�سات التو�سع العقاري لغري حاجة املواطنني والوافدين

للعمــــل، واإمنا بق�سد التوطــــني عن طريق ت�سجيع م�ســــرتي العقارات من

خمتلــــف القــــارات وعــــرب احل�ســــارات بتوفــــر بيئــــة

اجتماعيــــة وثقافية مف�سلة لديهم، ومبنحهم اإقامات

دائمــــة مع جميــــع اأفــــراد اآ�سرهــــم، ب�ســــرف النظر

عن حاجــــة العمل اإليهم يف الدولــــة املانحة للإقامات

الدائمة اأو اإمكانيات اندماجهم يف املجتمع الوطني.

وقد اأدت هذه ال�سيا�سات الغريبة عن املنطق الوطني

واالإن�ساين- طم�ــــس ثقافة جمتمعات قائمة واقتلعها

ل�سلح م�ستوطنــــني جدد- اإىل تــــدين ن�سبة املواطنني

يف اإجمــــايل ال�سكان يف عام 2007 اإىل حوايل الن�سف

يف �ستــــة اأعوام فقط. حيــــث اأ�سبحت ن�سبة املواطنني

10% يف االإمــــارات و16% يف قطــــر، واىل الن�سف يف

البحرين بعد اأن كانت قبل عام واحد ت�ساوي الثلثني.

هذا مقارنة بن�سبة 20% يف االإمارات، ون�سبة31% يف قطر عام 2001. اأما

م�ساهمة املواطنني يف اإجمايل قوة العمل فقد تدنت اإىل 5% يف االإمارات

و7% يف قطر و15% يف البحرين.

ثالثــا: متطلبــات الإ�ســالح اإ�ســــلح

اأوجه اخللل املزمنة يف املنطقة هو املدخل لبدء عملية تنمية حميدة طال

انتظارهــــا. كما اأن بــــدء عملية التنمية يف املنطقــــة يتطلب �سيا�سة نفطية

تخ�ســــع النفط العتبارات التنمية. فاالإ�سلح كما نفهمه يف اللغة العربية

قــــد ال يتطابق مع معنى كلمة Reform التي قد يكون الق�سد من اإطلقها

التفكيــــك واإعادة الت�سكيل التي طرحها الغرب واتبعتها احلكومات، الأنها

ال تغــــري من و�سع ال�سلطة القائمة واإمنا حت�سن �سورتها يف نظر ما ي�سمى

ب� “املجتمع الدويل”.

لذلــــك البد لكل دعوة جــــادة للإ�سلح اأن حتدد اأوجه اخللل التي ت�سعى

اإىل اإ�سلحها، وتعني االأهداف املرجو الو�سول اإليها من عملية االإ�سلح،

وتلتــــزم بال�سيا�سات التي حتقــــق ذلك. واأوجه اخللــــل املزمنة يف املنطقة

ميكــــن اإجمالها يف اأربعة اأوجه رئي�سة. منها اثنــــان متفق عليهما من قبل

احلكومات وال�سعوب وال تخلو اإ�سرتاتيجية للتنمية اأو خطة اإال واأكدت على

�سرورة مواجهتهما. اأولهما: اخللل ال�سكاين، وثانيهما: اخللل االإنتاجي-

االقت�ســــادي. واثنــــان اآخــــران م�سكــــوت عنهما علــــى امل�ستــــوى الر�سمي،

وي�سكلن عبئا وعائقا اأمام االإ�سلح على امل�ستوى االأهلي، اأولهما: اخللل

يف العلقــــة بني ال�سلطة واملجتمع وغيــــاب الدميقراطية يف معظم اأقطار

جمل�ــــس التعاون. وثانيهما: اخللل االأمني، واالعتماد على الغرب يف توفري

الدفاع عن دول املنطقة.

ومــــن هنــــا فاإن اأي اأجنــــدة للإ�سلح املن�ســــود يف املنطقة يجــــب اأن تبداأ

باإ�سلح اأوجه اخللل املزمنة الرئي�سة االأربعة املذكورة اأعله، اإ�سافة اإىل

حتديد اأهداف عمليــــة االإ�سلح و�سيا�ساته ومراحله. وجدير بالتاأكيد اأن

دواعي االإ�ســــلح واملطالبة به مل تتوقف يف املنطقة على امل�ستوى االأهلي،

وكذلك االإ�سارة اإىل احلاجة اإليه على امل�ستوى الر�سمي:

فعلــى امل�ستوى الر�سمي ومنذ قيام جمل�س التعاون اعرتف امل�سئولون

يف املجل�س بوجــــود م�سار خطر، وكتب االأ�ستاذ عبد

اهلل ب�سارة عام 1987، يف العدد ال�ساد�س من جملة

التعاون، موؤكدا وجــــود مطالب اإ�سلح، تغلق دونها

االأبــــواب. وقال: »هناك طرقــــات على اأبواب هادئة،

تقليدية )...( تاأتــــى بنداء عن التغيري يف القوانني،

واملواقف، وااللتزامــــات، ويف املوؤ�س�سات، واأهمها يف

الفل�سفــــات واملنطلقات«. واأ�ساف اأن »التحدي الذي

يواجــــه دول اخلليــــج، هــــو قدرتها مــــن عدمها على

التجاوب مع هذه الطرقات«.

اأي�سا، جند الزمن اأكرث من عقد من وبعد مرور

اأن »اإ�سرتاتيجية التنمية ال�ساملة بعيدة املدى لدول

اعتمدها والتي ،»)2025-2000( التعاون جمل�س

القادة يف اجتماع املجل�س االأعلى يف دورته التا�سعة ع�سرة يف كانون االأول/

تعي�سها التي التحديات اأبرز »من اأن توؤكد اأبو ظبي، 1998 يف دي�سمرب

م�سرية التنمية الوطنية بدرجة اأو باأخرى، ومل تتخل�س منها رغم مرور

املوارد ا�ستمرار هيمنة )هي( الدول، تنموية بهذه اأربعة عقود اأكرث من

االأحادية على م�سادر توليد الدخل، وهو ما يعمل على ت�سييق خيارات

التنمية وفر�س الك�سب...«. وت�سيف االإ�سرتاتيجية موؤكدة ارتباط كافة

من تت�سمنه مبا ال�سكانية، الرتكيبة يف بينة »اختلالت بـ التحديات

والوالء، املواطنة وبواعث االجتماعي التجان�س على �سلبية تــاأثــريات

االأجنبية، العمالة الكثيف على االعتماد وهي اختلالت قد جنمت عن

الع�سوائيــة التغــريات اأ�ساعــت

املتقلبــة على املنطقــة فر�ص تنمية

حمتملة، نتيجة لعــدم اإ�سالح اأوجه

اخللــل املزمنة بــل تفاقمهــا، وعجز

ال�سيا�ســات احلكوميــة عــن اإحــداث

ببنــاء ت�سمــح هيكليــة تغيــريات

قاعدة اإنتاجية - موؤ�س�سية وب�سرية

ومادية - بديلة للنفط

التعليم والتدريب ونظم الن�سبي لنظم العمل، والثبات واختلالت �سوق

التوظف واالأجور«.

وعلــى امل�ستــوى الأهلــي، ميثل »م�ســــروع االإطار العــــام الإ�سرتاتيجية

التنميــــة والتكامــــل« يف اأقطار جمل�ــــس التعاون، اأحد ت�ســــورات االإ�سلح

املطلوبــــة لت�سحيــــح م�سار التنمية يف املنطقة. مت اإعــــداد هذا الت�سور يف

عــــام 1983 من قبل فريق عمل بتكليف من االأمانة العامة ملجل�س التعاون.

وقد بداأ هذا امل�سروع باملنطلق والطموح الذي متثله املادة

الرابعــــة من النظام االأ�سا�سي للمجل�س، التي اعتربت اأن

املجل�ــــس جــــاء »ا�ستكماال ملــــا بداأتــــه )دول املنطقة( من

جهــــود يف خمتلــــف املجاالت احليويــــة التي تهــــم �سعوبها

وحتقــــق طموحاتهم نحو م�ستقبل اأف�سل و�سوال اإىل وحدة

دولها«.

وبعــــد ذكــــر الغايــــات بعيدة املــــدى للتنميــــة والتكامل يف

املنطقة، اأكد االإطار العام هذا على التحديات التي تواجه

املنطقــــة واالإمكانيات املتاحة لهــــا. وتوقف امل�سروع ب�سكل

خا�ــــس عند االأهــــداف االإ�سرتاتيجيــــة العاجلة، وحددها

يف التــــايل: اأوال، تخفي�س االعتمــــاد على النفط تدريجيا

واإخ�ساع اإنتاجه العتبــــارات التنمية. ثانيا، تخفي�س قوة

العمــــل الوافدة وتعديل تركيبها وحت�سني نوعيتها. ثالثا، اإخ�ساع النفقات

العامــــة ملعايري اجلــــدوى االقت�ساديــــة. رابعــــا، اإ�ســــلح االإدارة الراهنة

وتنميتهــــا )مبتدئني باالإدارة ال�سيا�سية(. خام�سا، بناء قاعدة اقت�سادية

بديلة. �ساد�سا، بناء قاعدة علمية - تقنية ذاتية متطورة. �سابعا، اإ�سلح

التعليــــم وربطــــه مبتطلبات التنميــــة. ثامنا، توفري البيئــــة امللئمة لتنمية

ثقافة اجتماعية م�ستمرة.

ويف اخلتــــام حدد م�سروع االإطار العام هذا، متطلبات تنفيذه يف ما يلي:

اأوال، جت�سيــــد الكيان ال�سيا�سي املوحد وتر�سيخ اأ�س�سه. ثانيا، اإيجاد اإدارة

اإقليميــــة الإدارة التنميــــة. ثالثا، تهيئة االإدارة املحليــــة وتوثيق ترابطها مع

اإدارة التنميــــة االإقليمية. وقد كان التاأكيــــد على متطلبات التنفيذ هذه –

مع االأ�سف - ال�سبب الرئي�سي لرف�س وزراء التخطيط للم�سروع، وجتاهله

باعتبــــار التنميــــة والتكامــــل لديهم جمــــرد م�سروعات م�سرتكــــة ولي�ست

اإ�سلحا �سيا�سيا واجتماعيا اإىل جانب االإ�سلح االقت�سادي.

نحو اإ�سالح جذري من الداخل وبالرغم

مــــن ال�سد الر�سمــــي العنيف املتوا�سل لكل مطالــــب االإ�سلح يف املنطقة

فاإن االإ�سلح اجلذري من الداخل ما زال مطلبا ملحا، كما كان االإ�سلح

دائمــــا مطلبــــا الأهل املنطقة يف الع�سر احلديث، منــــذ اأن انفردت النظم

الراهنــــة باحلكــــم يف اإطار معاهــــدات احلماية. فاملطالبــــة باالإ�سلح مل

تنقطــــع علــــى مدى قرن مــــن الزمان، ولكنهــــا مع االأ�ســــف اأجه�ست اأو مت

احتواوؤهــــا اأمنيــــا، ومل تتبلور يف الغالب وت�سبح حركــــة �سعبية م�ستدامة،

حتــــى تكلل بالو�سول اإىل توافق مع احلكومات، تتوفر له مقومات التطبيق

على اأر�س الواقع. وي�ستثنى من ذلك، املرحلتان الق�سريتان اللتان �سهدتا

و�ســــع د�ستــــور الكويت لعــــام 1962 ود�ستــــور البحرين لعــــام 1972، والتي

كان لظــــروف اللحظة الراهنــــة والعوامل اخلارجيــــة اإ�سافة اإىل احلركة

الوطنيــــة يف كل مــــن الكويت والبحريــــن، ف�سل يف خروج تلــــك الد�ساتري

كن�سو�س، ولكنها عطلت يف البحرين و مت جتاهل جوهرها عند التطبيق

يف الكويت.

وال يفوتنــــي اأن اأختم هذه املقالة باجلهود التــــي بذلها منتدى التنمية يف

املنطقة. ففي اللقــــاء اخلام�س والع�سرين ملنتــــدى التنمية، متت مراجعة

التو�سيــــات التــــي اأكدت عليها لقاءات املنتدى علــــى مدى 25 عاما، ومتت

درا�سة اأوجه اخللل املزمنة. كما مت التو�سل اإىل

م�سروع اأهلي للإ�سلح اجلذري من الداخل يف

اأقطار جمل�س التعــــاون. وقد حتددت اأجندته يف

ما يلي:

اأول: ت�سحيــــح العلقة بني ال�سلطة واملجتمع.

وذلــــك من خلل الف�سل بــــني الدولة باعتبارها

وبــــني املواطنــــني كل فيهــــا يت�ســــاوى موؤ�س�ســــة

�سخ�سيــــة احلاكــــم، وبالتايل الف�ســــل بني املال

العــــام فيهــــا وبــــني املــــال اخلا�ــــس، وتاأكيد حق

املواطنني جميعا يف تكافئ الفر�س يف املنا�سب

العامة، واإقامة نظام احلكم على اأ�سا�س �سرعية

د�ستور دميقراطي.

ثاني��ا: تاأ�سي�ـــس �سبكة اأمـــان اجتماعي. وذلـــك من اأجل تاأمـــني املواطنني

ب�ســـكل اإيجابي �سد تداعيـــات تقوي�س دور اأهل املنطقـــة؛ �سبكة اأمان وطني

�ســـد ظاهرة اأ�سكال البطالة املت�ساعـــدة وانخفا�س القدرة على املناف�سة مع

الوافديـــن، نتيجة لعدم تهيئة املواطنني للمناف�ســـة يف �سوق العمل ويف جمال

االأعمـــال، ب�سبـــب نظـــم احلوافـــز املغلوطة يف �سيا�ســـات التعليـــم والتوظيف

احلكومي. وكذلك �سمان حق التعليم والعلج وتاأمني م�ستوى معي�سي كرمي.

ثالثا: اإ�سلح اخللل ال�سكاين. وذلك كي ي�سبح املواطنون تدريجيا اأغلبية

مطلقة يف ال�سكان، ون�سبة ال تقل عن 50% من قوة العمل يف كل ن�ساط وكل

قطــــاع من قطاعات االإنتــــاج يف كل دولة. حتى ي�ســــرتد املواطنون دورهم

االإنتاجي وال�سيا�سي باعتبارهم التيار الرئي�سي يف املجتمع.

رابعــا: اإ�سلح اخللــــل االإنتاجي. وذلــــك باال�ستفادة من مــــوارد الزيت

والغاز الطبيعي يف اإطار كيان قابل للتنمية، وتوظيف ريعهما يف عملية بناء

قاعــــدة اقت�سادية متنوعة من حيث الن�ساطــــات والقطاعات، تكون بديلة

للنفــــط ميكنهــــا تدريجيا توفري فر�س عمــــل منتجة وم�ســــادر دخل بديلة

لعائــــدات النفط، وتنمية قدرة على توازن ميزان املدفوعات، وتلبية حاجة

اال�سترياد من عائدات �سادراتها.

خام�ص��ا: اإ�ســــلح اخللــــل االأمني يف اإطــــار جمل�س التعــــاون. وذلك من

خلل االندماج االإقليمي والتكامل العربي من اأجل تقليل احلاجة الوطنية

واالإقليمية والعربية الأي مظلة اأمن خارجي.

�ساد�سا: مطلــــب الدميقراطية وحقوق االإن�ســــان وتنمية املجتمع املدين،

باعتبــــار الدميقراطيــــة هدفــــا من االأهــــداف الوطنيــــة، واىل جانب ذلك

و�سيلة لتحقيق بقية االأهداف.

اإ�ســالح اأوجه اخللــل املزمنة

يف املنطقــة هو املدخــل لبدء

عمليــة تنميــة حميــدة طال

انتظارها. كما اأن بدء عملية

التنميــة يف املنطقــة يتطلــب

�سيا�سة نفطية تخ�سع النفط

لعتبارات التنمية

Page 74: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 146 147ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

�ضدر حديثا �ضمن

�ضل�ضلة ر�ضائل جامعية

�ضيا�ضة اليمن اخلارجية

جتاه دول القرن االإفريقي:

م�ضاهمة يف درا�ضة القرار ال�ضيا�ضي

حممد علي عمر احل�سرمي

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

مدار الأفكار

ب�سراحة �سجال اآراء

اإيران: ظاملة اأم مظلومة؟

توازن مفقود:

اخلليج العربي والبعد الثقايف كقوة

موؤثرة يف حتديد امل�سالح

�سلم الرب�سي

جدلية الإ�سالم والدميقراطية:

هل جتاوزها الإ�سالميون؟

نبيل البكريي

اأن تكون م�سلما »متييزيا«!

ي املاوري د الغن

عبري *

ني باكعلي ح�س

حوار مع الدكتور �سعد الدين العثماين

العدد الثاين، يناير/فرباير 2010 ا�سرتاتيجية

Page 75: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 148 149ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

ني باكري * عبد الغني املاوري علي ح�س

مدار الأفكار

جدلية الديني وال�سيا�سي، وتاليا جدلية الدولة الدينية والدولة املدنية، من الق�سايا الفكرية املعا�سرة الأكر

اإثارة لل�سخب يف اأو�ساط نخب امل�سهد ال�سيا�سي والفكري العربي مبختلف اأطيافه وتوجهاته من اإ�سالمييه اإىل علمانييه،

مــرورا ببقيــة �ســركاء امل�سهد من ليربالين وقوميــن وي�سارين. وقد و�سل هذا اجلــدل موؤخرا اإىل دائــرة الظاهرة الإ�سالمية،

مثــريا خالفــا واختالفا بن تياريــن اإ�سالمين، اأحدهما تقليدي م�سدود بحنينه اجلامح نحــو املا�سي، والآخر اأكر حداثة. ومن

ممثلــي هــذا التيار الأخري يربز ا�سم املفكر الإ�سالمي وال�سيا�سي املغربي الدكتور �سعد الدين العثماين، الذي ينظر اإليه باعتباره

اأحــد رواده الكبــار من خالل عدد من الكتب التــي األفها يف هذا اجلانب، وب�سفة خا�سة كتابيــه ال�سهريين “ت�سرفات النبي �سلى

اهلل عليه و�سلم يف الإمامة” و”الدين وال�سيا�سة .. متييز ل ف�سل”، اللذين اعتربا الأ�سا�ص الذي تقوم عليه روؤية تيار احلداثة

الإ�سالمــي لق�سايــا الدين والدولة والع�سر، ف�سال عــن كتابه “يف الفقه الدعوي: م�ساهمة يف التاأ�سيــل” وكتابه “فقه امل�ساركة

ال�سيا�سية عند �سيخ الإ�سالم بن تيمية”.

ولعــل اأكــر ما يلفت النظر تاأكيد العثماين ال�سمنــي على اأن هناك “علمانية يف الإ�ســالم” )واإن كان يف�سل ا�ستخدام تعبري

“الدميقراطية” الأكر برجماتية والأقل اإثارة للجدل(، واأن التمييز بن الديني وال�سيا�سي يف الإ�سالم حا�سر منذ بداياته.. كيــف ذلــك؟ هذا مــا نحاول ا�ستي�ساحه، اإىل جانب عدد مــن ق�سايا الفكر الإ�سالمي املعا�سر و�سواغلــه، عرب احلوار الذي اأجراه

نبيل البكريي مع الدكتور �سعد الدين العثماين، الذي �سغل حتى عهد قريب من�سب الأمن العام حلزب العدالة والتنمية

املغربي، وي�سغل حاليا من�سب رئي�ص املجل�ص الوطني وم�سئول العالقات اخلارجية يف احلزب نف�سه.

بو�ســوح

اأن تكون م�ضلما »متييزيا«!

بو�سوح مع �سعد الدين العثماين

اآراء�سجال

»الـــديـــن ـــك ـــت ـــس درا� يف ــــرت اأ�ــــس

اأن اإىل ف�سل« ل متييز وال�سيا�سة..

اخلالف بن الدين وال�سيا�سة خالف

فرعي ولي�ص خالفا جوهريا. اإىل اأي

مدى ميكن اأن ي�سكل هذا القول مدخال

الإ�سالمين بن التقارب من ملزيد

والعلمانين يف عاملنا العربي؟

اأظن اأن الفكر االإ�سلمي يف بداية النه�سة

العربية االإ�سلمية، وخ�سو�سا نهاية القرن

التا�سع ع�سر وبداية القرن الع�سرين، ت�سكل

كــــرد فعــــل علــــى هجمــــة الثقافــــة الغربية،

وبالتــــايل كان مــــن الطبيعــــي اأن جنــــد فيه

بع�ــــس النتــــوءات واملبالغــــات التــــي مل تكن

مبنيــــة على عمق نظــــري وا�ستقراء للموقف

ال�سرعــــي، ولكنهــــا تكونت يف اإطــــار دفاعي

يقــــوم على مبــــداأ احلفاظ علــــى الوجود يف

مقابل هجمات الفكــــر الغربي. ولهذا بقيت

عدد مــــن الق�سايا حمتفظــــة بغمو�سها اإىل

عهد قريب، ومن اأبرز هذه الق�سايا واأهمها

علقــــة الدين بالدولة، والدنيــــا، وال�سيا�سة

يف االإ�سلم.

ما هــي الإ�سكاليات التــي ا�ستدعت

هــذه املراجعــة مــن قبيــل هــذا املزج

والتماهي يف لغتكم، ثم اأمل ينتج هذا

التماهي اإ�سكاليات اأخرى على �سعيد

املزج بن الفتوى والراأي الب�سري؟

الفكــــر يتطور، وثمة حمــــاوالت ظهرت يف

�سيــــاق احل�سارة االإ�سلمية يف بداية القرن

املا�ســــي الإعــــادة �سمولية الديــــن اإىل العقل

االإ�سلمــــي املتاأثــــر بالفكر الغربــــي، والذي

بــــداأت تن�ساأ فيه مدار�س حتــــاول اأن جتاري

)الغربيني يف( الف�سل بــــني الدين والدولة،

والف�ســــل بــــني الدين وال�سيا�ســــة يف اأق�سى

درجاتــــه وجتلياته. وكنتيجــــة لذلك بولغ يف

التنظري مل�ساألة التماهي بني الدين والدولة،

وبــــني الديــــن وال�سيا�سة، االأمــــر الذي طرح

اإ�ســــكاالت اأخــــرى اأدت يف نهاية املطاف اإىل

خروج فكرة »التمييــــز«، التي قال بها كتاب

ومفكرون كرث.

هــل تعتــرب اأن حالــة الكهنوتية يف

املمار�ســة ال�سيا�سيــة هــي اإحدى هذه

الإ�سكاليات؟

لي�ست الكهنوتية كلها ولكنها حالة قريبة

منها، اإذ وجدت اإ�سكاالت مل ت�ستطع اأن جتد

حل يف هذا التماهــــي، ثم وقع اأي�سا انفتاح

علــــى النمــــوذج الغربــــي االأجنلو�ساك�ســــوين

مــــن الناحيــــة النظريــــة، الأن الــــذي �سيطر

يف الدرا�ســــات النظرية حــــول علقة الدين

بالدولــــة، والدين بال�سيا�سة، يف البداية هي

املدر�ســــة الفرن�سية )العلمانيــــة الفرن�سية(

�ســــة له ب�سكل املت�سددة �ســــد الدين اأو املهم

كبــــري، لكن بعد ذلك تبــــني حقيقة اأنه حتى

يف الفكر الغربــــي هناك مدار�س واجتاهات

متنوعــــة ومتباينــــة، واأن االجتــــاه العلمــــاين

االأكــــرث ت�سددا هــــو االجتاه امل�سيطــــر نظريا

لكن عمليا هناك توجهات اأخرى اأقرب اإىل

الفكــــرة االإ�سلمية مــــع �سيء مــــن التعديل

وبع�س االختلفات، ومــــن هنا جاءت فكرة

التمييز.

موؤدى كالمك اأن فكرة التمييز اأتت

نــا مــن ال�ستفــادة مــن عطاءات لتمك

جمــال يف الإن�سانيــة التجربــة

الإ�سالميــن لأن نظــرا ال�سيا�ســة،

رمبــا جتمــدت عندهم فكــرة التاريخ

اأن يعتقــدون واأ�سبحــوا الإ�سالمــي،

�سورة الدولة الإ�سالمية هي ال�سورة

التاريخية املاثلة يف اخلالفة..

هــــذا مــــن نتائــــج التماهــــي بــــني الديني

وال�سيا�ســــي يف الفكــــر االإ�سلمــــي املعا�سر،

فقد جعل ال�سيا�ســــي ينطبق عليه ما ينطبق

علــــى كثري من جوانــــب الدين مــــن الثبات،

وهذا جمد الفكر ودفع اأنا�س اإىل اأن ينحتوا

يف مقابل االأفكار الغربية اأفكارا م�ستقاة من

االألفــــاظ والن�سو�س الدينية مثل »ال�سورى«

مقابل »الدميقراطية« على اأ�سا�س الت�ساد،

ومثل »اخللفة« مقابل »الدولة املدنية« اأي�سا

علــــى اأ�سا�س الت�ساد.. وهكــــذا. لكن عندما

نتمعن يف امل�ساألة، جند اأن هذا الت�ساد - يف

احلقيقة - م�سطنــــع ومل يكن حقيقيا. اإننا

بحاجــــة اإىل تفكيك الق�سايــــا، الأن معاجلة

الق�سايا ب�سورة نظرية، وب�سيغة التعميم،

يغطي مــــا فيها مــــن �سواب اأو مــــا فيها من

اإيجابيــــات، ومــــا فيها مــــن خــــري، ويجعلها

كلهــــا يف �سلة واحدة وهذا ال يليق كمنهج يف

التحليل والنظر وتقييــــم اأي جتربة ب�سرية؛

فكل جتربــــة ب�سرية، وكل فكر ب�سري، يوؤخذ

منــــه ويرد، ي�ستفــــاد مــــن اإيجابياته وتطرح

�سلبياتــــه، ي�سلــــط عليــــه النقد ولكــــن اأي�سا

يوؤخــــذ مبا فيه من اإيجابــــي للإن�سان، وهذا

ال ميكــــن اأن يكــــون اإال عن طريــــق التفكيك،

اأمــــا النظر اإىل االأمور من خلل العموميات

واإ�ســــدار اأحــــكام مطلقة عليهــــا فاإنه ينايف

املنهج العلمي وينايف حتى املنهج االإ�سلمي

يف النظر اإىل االأمور.

يف هــذه النقطــة اأ�ســرت يف كتابك

يف )�ــص( النبــي »ت�سرفــات حــول

يف امل�سلــك هــذا اأن اإىل الإمامــة«

التمييز بن ت�سرفات النبي )�ص( يف

النبوة والإمامة يــوؤدي اإىل التاأ�سيل

لفكرة الف�سل بــن ال�سلطات واإي�ساح

اجلانب املــدين، واأن الدولــة تتاأ�س�ص

على قاعدة مدنية. كيف ذلك؟

هاتان فكرتــــان متمايزتــــان وخمتلفتان.

الفكرة االأوىل جاءت من التنظري الذي قام

بــــه االإمام �سهــــاب الدين القــــرايف يف بع�س

كتبــــه، وخا�سة يف كتابــــه املعروف »االإحكام

يف متييــــز الفتاوى عن االأحــــكام وت�سرفات

القا�ســــي واالإمام«. فعملية التمييز التي قام

بها القرايف هي اإبــــداع حقيقي، الأنها ت�سكل

الجتــاه العلمــاين الأكــر “

ت�ســددا هو الجتــاه امل�سيطر

نظريــا يف الغــرب لكــن عمليا

هناك توجهــات اأخرى اأقرب

اإىل الفكــرة الإ�سالميــة مــع

التعديــل وبع�ــص مــن �ســيء

الختالفات، ومن هنا جاءت

فكــرة التمييــز بــن الدينــي

وال�سيا�سي

Page 76: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 150 151ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

بــــذور جنينيــــة للتمييــــز النظــــري يف الفكر

ال�سيا�ســــي بني هذه ال�سلطات؛ فعندما مييز

بــــني القا�سي كقا�ســــي وبني رئي�ــــس الدولة

الذي يقــــوم بالوظيفــــة ال�سيا�سيــــة، ويعطي

لهذا �سمات الفعــــل الق�سائي ولذاك �سمات

العمــــل ال�سيا�سي، فاإن هــــذا اإبداع يف الفكر

الب�سري وهــــذا �سيء مهم، علــــى اأ�سا�س اأن

الت�سريع هو جوهر وظيفة الفقيه يف املجتمع

امل�سلــــم قدميا، باعتبــــار اأن الفقيه حينذاك

كان ي�ســــكل ال�سلطــــة العلمية وحتــــى �سلطة

ال�سورى، وذلك نتيجة وحدة املعرفة اآنذاك

وب�ساطتهــــا. وهــــذه يف احلقيقة هــــي بذور،

ولي�ست ف�سل حقيقيا بــــني ال�سلطات. اإنها

بذور لنظرية الف�سل بني ال�سلطات.

اإذا �ســح التو�سيح الــذي ذكرته يف

كتابــك يف م�ساألة تعريف ابن خلدون

لل�سلطــة ال�سيا�سيــة وواجباتها باأنها

�سلــى اهلل عليــه النبــي نائبــة عــن

و�سلــم يف اجلانــب ال�سيا�سي، هل ي�سح

هذا العتبــار يف ال�سلطة الت�سريعية

باعتبار اأن الفقيه هو نائب عن النبي

)�ص(؟

العلمــــاء ورثــــة االأنبياء من ناحيــــة العلم،

لكن يجــــب اأن ال ناأخــــذ تق�سيمــــات القرايف

كم�سلمــــة مطلقــــة خــــارج الزمــــان واملــــكان

وال�سياق، فكما قلــــت: »هي بذور، وهي فكر

ي�سلح لع�سره«. اأما ق�سية ابن خلدون فقد

حتدثت عنها يف �سياق مغاير. ال�سياق االآخر

يتعلــــق بال�سلطــــة ال�سيا�سيــــة مــــا دامت هي

تخلــــف النبي، لكن تخلفــــه يف ماذا؟ تخلفه

يف اجلانب ال�سيا�ســــي، وبالتايل فاإذا كانت

ت�سرفــــات النبــــي )�س( ال�سيا�سيــــة نف�سها

ت�سرفــــات مدنيــــة، وت�سرفــــات اإجتهادية،

وت�سرفــــات ب�سريــــة، فمــــن بــــاب اأوىل اأن ال

تخــــرج الت�سرفات ال�سيا�سية ملن جاء بعده،

عن هذا ال�سياق الب�سري االجتهادي.

ذكــرت اأي�ســا اأو بالأحــرى جعلــت

ولية الأمــر يف ال�سلطــة ال�سيا�سية،

غــري اأن هــذا كثــريا مــا اأدى ببع�ــص

الكتاب والباحثن اإىل اخللط يف هذه

النقطة بن العلماء واحلكام؟

ال. التمييــــز الــــذي اأتــــى به القــــرايف كان

واملق�ســــود باالإمامــــة« »الت�سرفــــات يف

الت�سرفــــات بال�سلطــــة ال�سيا�سيــــة، واالإمام

هنــــا معرف لــــدى القــــرايف وحمــــدد، فهذا

م�سطلــــح، وبالتايل يجب اأن يفهم التق�سيم

ه اإماما اأو يف اإطــــار امل�سطلح كما حدد؛ �سم

ه رئي�س دولــــة، االألفاظ يجب اأال حتجب �سم

املعــــاين بل املعــــاين هي التــــي لهــــا االأولوية

يف فهــــم االألفاظ، والدولة املدنيــــة تعني اأن

االجتهاد فيها ب�سري، واأن القرار ال�سيا�سي

فيهــــا ب�ســــري باملثــــل، وبالتايل فهــــي مدنية

لي�ست دينية.

هــل يعنــي هــذا اأنــه عندمــا تكون

الدولــة غــري دينيــة باملعنــى الغربي

فاإنهــا �ستكــون مدنية باملعنــى الغربي

اأي�سا؟

كل. اإن امل�سكل يف املعنى الغربي يكمن يف

الدين، الأن الديني يف احلقل الداليل الغربي

ي�ستح�سر املعنى الكن�سي، بعك�س املدين. وقد

قلت اأن هناك فرقا بني العلمانية الفرن�سية

وSecularism يف االأجنلو�ساك�سونيــــة،

والعلمانيــــة الفرن�سيــــة اأقــــرب اإىل اأن تكون

عقيــــدة ونحــــن ال ن�ستح�سرها هنــــا، وهذه

لي�ست مدنيــــة حقيقية الأن املدنية تقع خارج

اإطار اأي عقيدة. اإنهــــا ت�سيري وتدبري �سوؤون

الدولة و�ســــوؤون ال�سيا�سة بناء على النجاعة

وامل�سلحــــة، وبناء اأي�سا علــــى املاآالت، وهي

كلهــــا مفــــردات ت�ستخــــدم يف الفكر واحلقل

االإ�سلميني.

هــل ن�ستطيــع القــول اإذا اأنــه لي�ص

هنــاك اأي معنــى حقيقــي للعلمانيــة

الغربية؟

ال. الأنــــه عندما ن�ستدعي النموذج الغربي

فاإن غر�سنا هو اال�ستفــــادة واملقارنة ولي�س

التبني املطلق، فلي�س هناك اأي جتربة يف اأي

ثقافــــة اأو اأي ح�سارة اأو اأي جمتمع تبنى عن

طريق ن�ســــخ جتربة اأخرى. واأنــــا اأقول اأكرث

مــــن هذا: اإنــــه حتى يف العلقــــة بني الديني

وال�سيا�سي يف املجتمعــــات امل�سلمة لي�س من

ال�سروري اأن تكون على منط واحد؛ فيمكن

لــــكل جمتمــــع اأن يبنــــي جتربته مــــن �سياقه

التاريخــــي اخلا�س، وقد تكــــون خمتلفة عن

جتربــــة العلقة بــــني الدينــــي وال�سيا�سي يف

اأي جمتمع اآخر ولو كانا جمتمعني م�سلمني،

الأن هناك مــــا ي�سمح به واقــــع املجتمع فيما

يرتا�ســــي عليه النا�س، كمــــا اأن هناك اأبعاد

كثــــرية قد يختلــــف فيها جمتمــــع م�سلم عن

جمتمع م�سلم اآخر.

هل ميكننــا القول بناء على هذا اأن

جتربة اخلالفة الإ�سالمية الرا�سدة

مل تكــن جتربة دينيــة واإمنا جتربة

�سيا�سيــة بامتيــاز، وبالتــايل فاإنها ل

د ال�ســورة املثالية التي ل ميكن جت�س

اخلروج عنها يف ت�سكيل قالب الدولة

التي يريدها الفكر الإ�سالمي؟

نعم، هذا �سحيح. فــــاإذا كانت ت�سرفات

هــــي نف�سهــــا ال�سيا�سيــــة الر�ســــول )�ــــس(

ت�سرفــــات ب�سرية اجتهادية، فمن باب اأوىل

اأن تكون ت�سرفات خلفائه الرا�سدين ب�سرية

واجتهادية اأي�سا.

الر�ســول »ت�سرفــات اإذا فكتابيــك

وال�سيا�ســة.. و«الديــن بالإمامــة«

متييــز ل ف�ســل«، ينمــان عــن م�سروع

بو�ســـوح مدار الأفكار

النبي ت�سرفات كــانــت اإذا

ــلــم و�ــس ــه ــي ــل ع اهلل ــى ــل ــس �

ت�سرفات نف�سها ال�سيا�سية

مدنية، وت�سرفات اإجتهادية،

باب ب�سرية، فمن وت�سرفات

اأوىل اأن ل تخرج الت�سرفات

بعده، ــاء ج ملــن ال�سيا�سية

الب�سري ال�سياق هــذا عــن

الجتهادي

متكامــل يف اإطــار فكــرة حموريــة ما.

وال�ســوؤال هنــا: هــل ممكــن اأن تف�سي

هــذه املقاربــة الفكريــة اإىل تقــارب

بن الإ�سالمين والعلمانين ب�سكل من

الأ�سكال؟

نعــــم، هذا م�سروع م�ستمر. وممكن اأي�سا

االإ�سلميــــني بــــني تقــــارب اإىل يف�ســــي اأن

وف�سيــــل اأو ف�سائــــل من العلمانيــــني ولي�س

كلهــــم؛ الأن العلمانية اأنــــواع واأ�سكال، هناك

الت�ســــور اإىل تكــــون مــــا اأقــــرب علمانيــــة

يف مغرقــــة علمانيــــة وهنــــاك االإ�سلمــــي،

الت�سدد مثلما يوجد يف الفكر االإ�سلمي من

هــــم مت�ســــددون، ومن هم اأقل ت�ســــددا ومن

هم و�سطيون.

مــع تتفــق اأنــك هــذا يعنــي هــل

مقولة الدكتــور عبدالوهاب امل�سريي

وتق�سيمــه للعلمانيــة اإىل »علمانيــة

جزئية« و»علمانية �ساملة«؟

هذا ملحظ مهم عنــــد امل�سريي بقوله اإن

هناك »علمانية جزئية« و»علمانية �ساملة«،

على اأ�سا�س اأن العلمانية اجلزئية هي علمانية

على م�ستوى املوؤ�س�سات فقط، اأي اأنها متييز

بني الديني وال�سيا�ســــي على م�ستوى الدولة

واملوؤ�س�ســــات حتــــى ال تكــــون هنــــاك هيمنــــة

للديني علــــى القرار ال�سيا�ســــي. بينما متثل

»العلمانيــــة ال�ساملــــة« عقيــــدة يف املجتمــــع

وعقيــــدة يف املوؤ�س�سات، وهنــــاك متييز بني

امل�ستويني. لكن هذا لي�س معناه اأن العلمانية

اجلزئية هــــذه التي طبقــــت يف بع�س الدول

الغربيــــة هي نف�سها التي ندعــــي اأنها تعك�س

علقة الديني بال�سيا�سي يف االإ�سلم، فلكل

جتربة �سياقها وخ�سو�سياتها اأي�سا.

نفهــم من كالمــك اأنه مــن املمكن اأن

ن�ست�ســيء مالمح جتربــة علمانية ما

لال�ستفــادة منها يف واقــع جمتمعاتنا

الإ�سالمية؟

يعـــد الدكتـــور �سعـــد الديـــن العثمـــاين، املولود

ال�سيا�سيـــني اأبـــرز مـــن واحـــدا ،1956 �سنـــة يف

االإ�سلميـــني يف املغـــرب. فقد خا�ـــس غمار العمل

ال�سيا�ســـي منـــذ اأن كان نائبـــا برملانيـــا يف الوالية

الت�سريعيـــة 1997 - 2002، ويف الواليـــة الت�سريعية

– 2007 . كمـــا كان مديـــرا حلـــزب الثاني���ة 2002

»احلركـــة ال�سعبية الد�ستوريـــة الدميقراطية« من

كانـــون الثاين/ينايـــر 1998 اإىل ت�سريـــن الثاين/

نوفمـــرب 1999، وع�سوا موؤ�س�ســـا حلزب »التجديد

الوطني« )1992( الذي تعر�س للمنع من ال�سلطات

املغربيـــة. اإ�سافة اإىل اأنه كان نائبـــا للأمني العام

حلـــزب »العدالـــة والتنميـــة« منـــذ 1999، اإىل اأن

اأ�سبح اأمينه العام يف ن�سيان/اأبريل 2004.

تاريخـــه كان ال�سيا�سيـــة جتربتـــه وكحـــال

االأكادميي حافل؛ فهـــو يحمل الدكتوراه يف الطب

العـــام �سنـــة 1986، مـــن كليـــة الطـــب وال�سيدلة

بالـــدار البي�ســـاء، كما قرنها باإجـــازة يف ال�سريعة

االإ�سلميـــة �سنـــة 1983 مـــن كلية ال�سريعـــة باأيت

ملـــول. كمـــا نـــال دبلومـــا يف الدرا�ســـات العليا يف

الدرا�ســـات االإ�سلميـــة مـــن كليـــة االآداب والعلوم

الثاين/نوفمـــرب )ت�سريـــن بالربـــاط االإن�سانيـــة

1999(، حتـــت عنـــوان »ت�سرفـــات الر�سول �سلى

اهلل عليه باالإمامة وتطبيقاتها االأ�سولية«. وح�سل

على دبلوم اآخر يف الطـــب النف�سي �سنة 1994 من

املركز اجلامعي للطـــب النف�سي، بالدار البي�ساء.

كما حاز �سهادة الدرا�سات العليا يف الفقه واأ�سوله

�سنة 1987 من دار احلديث احل�سنية يف الرباط.

من �أبرز موؤلفاته:

يف الفقه الدعوي: م�ساهمة يف التاأ�سيل، �سدرت

طبعته االأوىل �سنة 1989.

يف فقه احلوار، �سدرت طبعته االأوىل �سنة 1993

عن من�سورات الفرقان، الرباط.

فقـــه امل�ساركـــة ال�سيا�سيـــة عنـــد �سيـــخ االإ�سلم

ابـــن تيمية، �سدرت طبعتـــه االأوىل �سنة 1997 عن

من�سورات الفرقان، الرباط.

�ســـدرت اال�ستبـــداد، ونف�سيـــة املـــراأة ق�سيـــة

طبعتـــه االأوىل �سنة 1998 عن من�سورات الفرقان،

الرباط.

طـــلق اخللع وا�سرتاط موافقـــة الزوج، �سدرت

طبعتـــه االأوىل �سنة 2002 عن من�سورات الفرقان،

الرباط.

ت�سرفـــات الر�ســـول �سلـــى اهلل عليـــه و�سلم يف

االإمامـــة: الدالالت املنهجيـــة والت�سريعية، �سدرت

طبعتـــه االأوىل �سنة 2003 عن من�ســـورات الزمن،

الرباط.

اأ�ســـول الفقه يف خدمة الدعـــوة، �سدرت طبعته

االأوىل �سنة 2006 عن من�سورات عكاظ، الرباط.

الديـــن وال�سيا�ســـة .. متييـــز ال ف�ســـل، �سدرت

طبعتـــه االأوىل �سنـــة 2009 عـــن املركـــز الثقـــايف

العربي، بريوت والدار البي�ساء.

�سعد الدين العثماين يف �سطور

الــــعــــالقــــة بـــــن الـــديـــنـــي

املجتمعات يف والــ�ــســيــا�ــســي

ال�سروري من لي�ص امل�سلمة

واحــد؛ منــط على تكون اأن

يبني اأن جمتمع لكل فيمكن

جتربته من �سياقه التاريخي

اخلا�ص

Page 77: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 152 153ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

ا�ستفــــاد فلطاملــــا �سحيــــح. هــــذا نعــــم،

امل�سلمــــون عــــرب القــــرون مــــن جتــــارب دول

كافرة؛ فعمــــر بن اخلطاب على �سبيل املثال

اأخذ نظــــام الدواوين من الفر�س، وكثري من

االأنظمة يف احل�سارة االإ�سلمية اأخذت من

ح�سارات اأخرى غري م�سلمة.

هنــا حتديدا حتدث الدكتور حممد

عابــد اجلابري - رحمــه اهلل- اأنه ل

يوجد علمانيــة يف املجتمع الإ�سالمي

لأنــه لي�ــص هنــاك كني�ســة، وبالتايل

فاإنــه لي�ــص بالإمــكان ال�ستفــادة من

اأي جتربــة علمانية. كيــف ترى هذا

الأمر؟

�سحيح. غــــري اأن اجلابري ي�ستح�سر هنا

التجربــــة الفرن�سية، فالنخب يف املغرب هي

نخــــب فرانكفونية، وقد نهلت مــــن الفل�سفة

الفرن�سية، ومن ثــــم فباإمكانهم القول اإنه ال

ميكن اأن تكون هنــــاك علمانية يف االإ�سلم.

لكننا ندعو، يف املقابــــل، لي�س اإىل العلمانية

ولكــــن اإىل الدميقراطية، ويف هــــذا نوع من

نقــــول ونحــــن الت�ســــرف. الربجماتيــــة يف

»لنحل هذا االإ�سكال«، اإذ اأن طرح العلمانية

)علنيــــة( يــــوؤدي اإىل ردود فعــــل �سلبية وقد

يوؤدي اإىل الرف�س التام، وبالتايل لنتخل عن

ها »دميقراطية«. ت�سمية »علمانية« ولن�سم

قبلكــم، مــن الطــرح هــذا ميثــل

كمنتمــن للتيــار الإ�سالمــي، جتديدا

وحتديثــا فكريــا قد ي�ساهــم يف احلد

من املواجهة وال�سدام مع نخب امل�سهد

ال�سيا�ســي والفكــري العربي الأخرى،

وغريهــم. والقوميــن كالي�ساريــن

لكــن هــل يوجــد حتديــث ومراجعــة

وخا�ســة الأخــرى، الأطــراف مــن

العلمانيــن، ت�ســب يف هــذا الجتــاه

)الت�ساحلي(؟

الر�ســــول ت�سرفــــات عــــن حديثنــــا اإن

يف االإمامــــة، وعــــن �سماتهــــا، وعــــن الدولــــة

املدنيــــة يف االإ�ســــلم، وعــــن التمييــــز بــــني

الدينــــي وال�سيا�ســــي، لي�ــــس هدفــــه التقرب

مـــن العلمانيني، فنحن بالفعـــل اإذا متعنا يف

التاريخ االإ�سلمي �سنجد اأن هذا التمييز قد

وجـــد با�ستمرار. وكما �سبق يل اأن اأو�سحت،

فقد ظهر يف الفكـــر االإ�سلمي املعا�سر منذ

بداية القرن املا�سي ويف �سياق رد الفعل على

التجربة العلمانية الغربيـــة، نوع من املبالغة

يف رف�ـــس التمييز بـــني الدينـــي وال�سيا�سي،

وبالتـــايل فمـــا قمت بـــه يعد ت�سحيحـــا، وال

يخـــرج عن ما قام به جيل من املفكرين ومن

العلمـــاء، جيل كامل من العلمـــاء نظروا اإىل

هـــذا االأمـــر تدريجيـــا، وهذا طبيعـــي يف اأي

فكر. اأمـــا بالن�سبـــة للجانب العلمـــاين، فاإن

هنـــاك كثري مـــن النا�س ممن كانـــوا يتبنون

العلمانية قد هذبـــوا روؤاهم وعدلوا يف بع�س

اأفكارهم واقرتبوا اأكرث من الفكر االإ�سلمي،

وهذا طبيعي.

اإىل اأي مــدى ميكــن اأن ينعك�ــص هذا

علــى ال�سيا�سة، نق�سد م�سروع الدولة،

لأن اأغلب حماور ال�سراع كانت يف هذا

اجلانب؟

اأن ال�ســـروري لي�ـــس مـــن اأنـــه راأيـــي يف

الأن الدولـــة، م�ســـروع علـــى هـــذا ينعك�ـــس

بـــني خمتلـــف تناف�ـــس هـــي الدميقراطيـــة

القوى، �سواء اأكانت علمانيـــة اأو اإ�سلمية اأو

غريها. فالدميقراطيـــة اأو�سع يف الوطن من

اأي طوائـــف اأو اأفـــكار، و»التمييز بني الديني

وال�سيا�سي« هي فكرة الإعادة بناء وقراءة هذه

العلقة يف الفكر االإ�سلمي بغ�س النظر عن

امل�ســـروع ال�سيا�سي. ومع ذلـــك، ميكن القول

اأن التمييـــز الـــذي نن�ســـده �سيجعـــل م�سروع

الدولة اأكرث واقعية واأكرث قبوال، كما �سيمكنه

من ا�ستيعاب معظـــم التطورات املوجودة يف

الفكر الب�سري ويف الواقع االإن�ساين.

لكــن اإذا كانــت العقيــدة ال�سيا�سيــة

تعــد قاعــدة �سمــن مدر�ســة الدولــة

الغربية، فاإن اجلميع يوؤ�س�ص على هذه

القاعــدة املوحــدة ت�سوراتهــم لفكرة

الدولــة ولوظيفتهــا، وبالتــايل فرغم

اختالف النا�ص يف امل�ساريع ال�سيا�سية

والربامــج النتخابيــة لكــن القاعدة

تظل واحــدة، بينمــا ل يوجد هذا يف

جمتمعاتنا..

هذا �سحيح، الأننا يف حالة انفعال باالآخر،

والأننـــا ل�سنـــا يف مرحلـــة البنـــاء املوؤ�س�ســـي

احلقيقـــي يف العمـــق. نحن منفعلـــون، وهذا

طبيعي الأن هناك ح�سارة مهيمنة وح�سارتنا

يف طور البناء والتاأثر.

العدالــة جتربــة تقيــم كيــف

والتنميــة الرتكــي على �ســوء نظرية

الف�ســل والتمييــز هــذه بــن الدينــي

وال�سيا�سي؟

اإن فكـــرة »التمييز« لي�ســـت نظرية مطلقة

ر للجميع. واحلقيقة اأن للتجربة ونحن ال ننظ

الرتكيـــة �سيـــاق خمتلف متاما علـــى م�ستوى

الدولـــة، وعلـــى م�ستـــوى ال�سيا�ســـة، وعلـــى

م�ستوى املجتمـــع، وبالتايل فاإن ماآل التجربة

وتطوراتها يظلن خمتلفني. فرتكيا - كدولة

حديثة - لي�ست كدولنا التي ت�سرب التقليدية

يف اأطنابهـــا، ونحن ما زلنا تلميذ يف جمال

الدميقراطيـــة ح�سب تقديري. وعلى م�ستوى

املجتمع الرتكي، هنـــاك حتديث. واملق�سود

بالتحديـــث هنـــا البعد عن التخلـــف، اأما يف

جمتمعاتنـــا فـــل زال هنـــاك تخلـــف وا�سع:

مليـــني من االأميـــني، وتخلف علـــى م�ستوى

البناء االجتماعي وعلـــى م�ستوى الت�سورات

وعلـــى م�ستوى الدين نف�سه، ومن ثم ال مكان

للمقارنة بني التجربتني.

يف اأو�ســع الدميقراطيــة

طوائــف اأي مــن الوطــن

اأو اأفــكار، و»التمييــز بــن

الدينــي وال�سيا�ســي« هــي

فكرة لإعادة بناء وقراءة

الفكــر يف العالقــة هــذه

النظــر بغ�ــص الإ�سالمــي

عن امل�سروع ال�سيا�سي

“بو�ســـوح مدار الأفكار

ظاملة اأم مظلومة؟بـــاأي عني نرى اإيران اليوم؟ يرتدد هذا ال�ســـوؤال م�ستبطنا اجلدل املحتدم

الدائر منذ فرتة حول جارة العرب و�سقيقتهم االأكرث طموحا وتوثبا ال�ستعادة

مكانتهـــا كقوة اإقليمية عظمـــى. وغالبا ما يتم النظر عربيـــا اإىل اإيران من

منطلق حتيزات فكرية و�سيا�سية تنق�سم معظم الروؤى على اإثرها بني لونني

وطرحني: اأ�سود )ناقـــم وم�ستاء( واآخر اأبي�س )معجب ورا�س( ، وقليل ما

جند من يف�سل اللون الرمادي، حيث التوفيق املعريف وحماولة الفهم.

وعلى اأية حال، يت�سمن »�سجال« هذا العدد من جملة »مدارات ا�سرتاتيجية«

الطرحـــني ذي اللونـــني احلديـــني النقي�ســـني، والهـــدف ب�ســـكل اأ�سا�سي اأن

نقـــف على حجج الطرفني )ولكل منهمـــا - يف احلقيقة - منطقه وبراهينه

ووجاهتـــه(، علنا نتمكن من ا�ستثارة فهم اأقـــل ا�ستقطابا - رمبا - ومن ثم

حماولة �ســـق طريق ثالث لفهم مركب واأقل تب�سيطـــا للم�ساألة االإيرانية كما

هـــي ال كما تبدو االآن: ظاملة يف عني هـــذا الفريق اأو مظلومة يف عني الفريق

ذاك!

�سجـال

اإيران

Page 78: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 154 155ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

فوقية، واحتالل، ونفوذ ل يطاق

منطلقات نزعة الهيمنة وال�سيطرة الإيرانية

يرى االإيرانيون اأنهــــم اأ�سحاب ح�سارة تعود اإىل اآالف ال�سنني

ملا قبل االإ�سلم، واأنهم كانوا اأول من اأ�س�س االإمرباطوريات وحكم

املنطقة، واأن هــــذا التاريخ يعطيهم احلق يف اأن ميار�سوا تفوقهم

الــــذي يعتقــــدون به لي�س علــــى م�ستوى املحيــــط االإقليمي ال�سيق،

واإمنا االأو�سع اإقليميا ودوليا.

هذه الفكرة مل يتخل عنها حكام اإيران على اختلف اأنظمتهم

مرورا بال�ساه وو�ســــوال اإىل املر�سد االأعلى. وهم يرتكزن دوما يف

�سعيهــــم لتحقيــــق هدفهم اإىل عامــــل التميز عــــن “االآخر” الذي

يجعلهــــم يعتقدون دوما اأنهم متفوقــــني “عليه” واأحق “منه” يف

القيــــادة والتزعم. ولذلك، جند اأن التميــــز االإيراين ينطلق دوما

مــــن العامل الثقــــايف، اإذ لطاملا عرفت اإيــــران نف�سها يف حميطها

ارتكازا اإىل عامل اللغة الفار�سية والثقافة الفار�سية. فاالإيرانيون

ينظــــرون اإىل اأنف�سهــــم على اأنهــــم متفوقني عرقيــــا وثقافيا على

ة على العرب. اأ�سيف اإىل هذا العن�سر ال�سعوب املجــــاورة وخا�س

فيمــــا بعد، البعــــد املذهبي ال�سيعي والذي اأ�سبــــح عامل اآخر من

عوامــــل التمايز الذي ت�سعى اإليه اإيــــران دائما لتكون خمتلفة عن

حميطهــــا، معتقــــدة اأنها متثل اخلــــط القومي يف االإ�ســــلم، علما

اأن املذهــــب ال�سيعــــي مل تعرفــــه اإيران ر�سميا اإال منــــذ زمن ال�ساه

اإ�سماعيل ال�سفوي.

لذلــــك، فاملتمعــــن يف االأدب االإيراين يرى فيــــه عن�سرية جتاه

العرب، اإذ ال تزال اأو�ساف وم�سطلحات مثل “همج” و”حفاة”

وبدائيــــني” و”اأكلة جراد” و”غزاة” م�ستخدمة على نطاق وا�سع

يف االأدب االإيــــراين لو�سف العرب، ولعــــل اأبرز دليل على ذلك ما

يعترب “اأقد�س” عمل اأدبي لدى االإيرانيني على االإطلق اإذا �سح

التعبري وهو “ال�سهنامة”.

وحتــــى على ال�سعيــــد الطائفي، فقد و�ســــع االإيرانيون روايات

اخرتعوهــــا لتنا�ســــب اأهواءهــــم القومية مطلقني العنــــان للنزعة

ال�سعوبيــــة، واأبرزها على االإطلق ما ي�ســــري اإليه الكاتب االإيراين

املعــــروف علــــي �سريعتي مــــن تفا�سيل حول الق�ســــة املفربكة عن

»زواج االإمــــام احل�سني من ابنة امللك الفار�سي يزدجر والتي كان

اخلليفــــة عمــــر ينوي قتلها -علــــى حد زعمهم- لكــــن االإمام علي

منعه من ذلك«، يف اإ�سارة خبيثة اإىل م�ساندة �سيدنا علي للفر�س

يف وجــــه قيادة عمر للعرب. وهو مثــــال على الكيفية التي كان وما

زال االإيرانيــــون ي�ستخدمــــون بهــــا الديــــن لتحقيق مــــاآرب قومية،

وي�ستغلون اأهل البيت للطعن يف العرب.

وتدفع هذه املرتكزات الثقافية والدينية اإيران اإىل ال�سعي دوما

للمحافظــــة علــــى هذا التميز عــــن املحيط، ونتيجة لهــــذا ال�سعور

ما الفرق بني اإيران واإ�ضرائيل؟

�كت�سبـــت �ل�سيا�سات �جليوبوليتكية �لإقليمية لإير�ن منذ ن�سوء �لإمر�طورية �لفار�سية و�ىل �ليوم

نزعـــة �لهيمنـــة و�ل�سيطـــرة حتى �أ�سبحت جزء� من �لهوية �لقومية للبـــالد. ومل ياأت ذلك عن عبث �أو

ب�ســـكل طـــارئ بطبيعة �حلـــال. فعر �لتاريـــخ كان �لإير�نيون )�لفر�ض( يعتقدون دومـــا �أنهم متفوقون

على غريهم من �ل�سعوب و�لثقافات، وقد قادهم هذ� �لتفكري �إىل �سيء من �لعن�سرية و�لفوقية جتاه

�لآخر، ودفعهم �إىل �ل�ستكبار و�لغطر�سة، فلم يعف �أحد� من �ل�سعوب و�لقوميات مبا فيها تلك �ملكونة

لإيـــر�ن وهـــو مـــا ن�ستطيـــع �أن نالحظه مـــن خالل �لتوزيـــع �جلغر�يف للقوميـــات غـــري �لفار�سية و�لتي

ترتكز يف �أطر�ف �إير�ن نتيجة لال�سطهاد �لذي عانته قدميا من �ل�سلطة �ملركزية.

علي ح�سن باكري

[email protected]

علي ح�سني باكري باحث يف العلقات الدولية.

مدار الأفكار

�سجال اآراءبو�ضـــوح

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية154

بالتفــــوق والتميز، يتولد لديها نزعــــة للتو�سع وال�سيطرة والهيمنة

مدفوعة مبنطق الفوقية واال�ستعلء.

مظاهر ال�سيطرة والهيمنة الإيرانية

تعتــــرب منطقة اخلليــــج العربــــي، منطقــــة حيويــــة ذات اأهمية

اإ�سرتاتيجيــــة كونها متثل دارة التما�ــــس االأوىل مع اإيران واملدخل

اإىل البعــــد االإقليمــــي ال�سيمــــا باجتــــاه الوطــــن العربــــي. ولذلــــك

ت�سعــــى اإيران لل�سيطرة على هذه البوابــــة �سواء بطريقة ع�سكرية

مبا�ســــرة اأو عرب نفوذها بطريقة غــــري مبا�سرة. ويعود ال�سبب يف

ذلــــك اأوال اإىل نزعة الهيمنة والتو�ســــع االإيرانية وثانيا اإىل �سعف

هــــذه املنطقة التي تعترب خا�سرة رخــــوة اإذا �سح التعبري. فالكتل

املحيطــــة باإيران حتــــد من طموحاتها نظرا ملوازاتهــــا يف القوة اأو

تفوقهــــا عليها يف كثري من االأحيان، كالكتلة الرتكية غربا والكتلة

الباك�ستانيــــة واالأفغانيــــة �سرقــــا والكتلــــة الرو�سية �سمــــاال، وعليه

فاملمــــر الوحيد ملمار�ســــة النفوذ االإيراين والنزعــــة التو�سعية يقع

دائما باجتــــاه العراق ومنطقة اخلليج العربــــي التي تعترب املجال

احليوي الإيران، ومن مظاهرها:

1. �حتـــالل �جلـــزر �لعربيـــة �لإمار�تيـــة: وهــــو مظهــــر مــــن

مظاهــــر ال�سيطرة املبا�ســــرة، وفيه احتلت اإيــــران اجلزر الثلث

علــــى مراحل زمنية وتعمل على تطبيــــق �سيا�سية االأمر الواقع من

ناحية طــــرد ال�ســــكان وا�ستبدالهم وتعزيز اال�ستيطــــان. يتجاهل

كثري من املتعاطفني مع اإيران من العرب هذه امل�ساألة، وهو موؤ�سر

خطــــري على خلــــل اأخلقي بنيوي لــــدى هــــوؤالء، فاالحتلل واحد

ولي�ــــس هناك احتلل جيد واآخر �سيء واحتلل مقبول واآخر غري

مقبــــول. كما اأن االحتلل ال يتعلق باحلجــــم، فمن يقبل باحتلل

مــــرت من اأرا�سيه يقبل باحتللها كلهــــا، ويف هذا ال تختلف اإيران

عن اإ�سرائيل كدولة حمتلة ومعتدية.

2. �حتـــالل �أر��ض عر�قية: اأطماع اإيران يف العراق ال متناهية

وهــــي تــــرى يف نفوذها امل�ستجــــد بعد احلــــرب االأمريكيــــة بدافع

اإ�سرائيلــــي علــــى العــــراق، نفــــوذا م�سروعــــا وم�ستحقا مــــن بوابة

التاريخ واجلغرافيا واملذهب. وقــــد قامت العام املا�سي باحتلل

جزيــــرة اأم الر�سا�س وطالبت ر�سميا ب�ســــم ميناء “خور العمية

العراقــــي” اإىل مياههــــا و�سيادتهــــا االإقليميــــة، اإ�سافــــة اإىل �سم

حوايل 100 دومن �سنويا من االأرا�سي العراقية يف �سط العرب اإىل

ال�سيادة االإيرانيــــة، م�ستغلة االنهيار العراقي وغياب الدولة، وهو

مــــا ج�سدته ر�سالة باحتلل منطقة بئر فكة قبل اأ�سهر مدعية اأن

االأمر جمرد نزاع حدودي.

3. �ملطالبـــة بالبحريـــن: ويلحــــظ يف هذا االإطــــار اأن النظام

االإ�سلمي ذهب يف التطرف القومي والنزعة التو�سعية اأبعد مما

ذهــــب اإليه نظام ال�ساه. بــــل اأن العديد مــــن امل�سئولني االإيرانيني

رفيعــــي امل�ستــــوى اعتــــربوا اأن ال�ســــاه خــــان اإيــــران بتنازلــــه عــــن

البحريــــن. وال يكف الر�سميــــون عن التذكري دوما بذلك بني فرتة

واأخرى، ومن هوؤالء ح�سني �سريعتمداري م�ست�سار املر�سد االأعلى

اآيــــة اهلل علي خامنئــــي، ومدير حتريــــر �سحيفة “كيهــــان” �سبه

الر�سمية، الذي يعترب »اأن البحرين جزء من االأرا�سي االإيرانية،

واأن املطلــــب االأ�سا�ســــي لل�سعــــب البحريني حاليا هــــو اإعادة هذه

املحافظــــة اإىل الوطن االأم واالأ�سلي« اأي اإيران االإ�سلمية!. ومثله

علــــي اأكرب ناطق نــــوري، ع�سو جممع ت�سخي�ــــس م�سلحة النظام

والرئي�س ال�سابق ملجل�س ال�سورى، الذي يرى »اأن مملكة البحرين

تابعة تاريخيا لبــــلد فار�س، واأنها الوالية 14 من اإيران«. وتعك�س

هذه املواقــــف الر�سمية املتكررة عقلية الهيمنــــة االإيرانية وعقدة

التاريــــخ ال�سبيهة بالعقدة االإ�سرائيلية التــــي تبني عليها مطالبها

التو�سعية دوما.

4. ت�سميـــة �خلليـــج بـ “�لفار�سي”: وميثــــل ذلك عقدة را�سخة

تظهر من خللها الغرائــــز القومية يف مقابل احل�س الديني لدى

اجلمهورية االإ�سلمية وقادتهــــا، لدرجة اأنه قد مت اقرتاح ت�سمية

اخلليج با�ســــم “اخلليج االإ�سلمــــي” لكن اإيــــران رف�ست اال�سم

م�ســــرة علــــى “الفار�سي”، حتــــى اأن الرئي�س جنــــاد ال يكف عن

تكرار اأن ت�سميته باخلليج العربي هو موؤامرة “�سهيونية”. ويجد

رغم ذلك من العرب من ي�سفق له!

لقد غــــريت دول اخلليــــج العربــــي ت�سمية التجمــــع الذي ي�سم

دولهــــا بهــــدوء ودون �سو�ساء اإعلميــــة لي�سبح اال�ســــم الر�سمي

حاليــــا “جمل�س التعاون لــــدول اخلليج العربيــــة”، يف اإ�سارة اإىل

عــــدم وجود ح�سا�سية عربيــــة جتاه ا�سم اخلليــــج على الرغم من

املطالبــــة بــــه. يف املقابل، ال تفوت اإيــــران فر�ســــة اإال وت�سدد على

فار�سية اخلليــــج، وقد �سنت لهذا الغر�س يومــــا وطنيا للحتفال

ب� “اخلليج الفار�ســــي”. وقدم جعفر حممدي، وهو رئي�س حترير

موقــــع “ع�سر اإيران” املت�سدد، اقرتاحا ملجل�س للربملان االإيراين

الإن�ساء اإقليم با�سم “اخلليج الفار�سي” يتكون من اجلزر االإيرانية

يف اخلليــــج، باالإ�سافة اإىل اجلــــزر االإماراتية الثلث املحتلة، ردا

على ما يقول اأنها “اأطماع اإماراتية” باجلزر االإيرانية.

5. �لتدخل يف �لدول �ملجاورة: وهو ياأتي من منطلقات النزعة

اإىل ال�سيطــــرة والهيمنــــة التي حتدثنا عنها، ويتجــــه دوما باجتاه

الكتلــــة ال�سعيفــــة اإقليميــــا واملتمثلــــة يف النطــــاق العربــــي. ويقوم

ذلــــك على اخرتاق هذه الدول من الناحيــــة ال�سيا�سية عن طريق

اال�ستثمــــار يف ال�سرخ العمودي بني ال�سعــــوب واالأنظمة من جهة،

ومــــن الناحيــــة املذهبية عن طريــــق اال�ستثمــــار يف ال�سرخ االأفقي

يف الفــــنت ال�سنية-ال�سيعيــــة بني ال�سعب الواحــــد من جهة اأخرى،

وذلك على الرغم من االدعاء الدائم بان هذه الفنت هي من �سنع

االآخــــر. لكن احلقيقة ت�سري اإىل اأن هذه الفنت مل تكن موجودة يف

الع�ســــر احلديث قبــــل والدة اجلمهورية االإ�سلميــــة. ومل تنج اأي

دولــــة عربية من التدخلت االإيرانية يف هــــذا النطاق من العراق

ودول جمل�ــــس التعــــاون واليمن، مــــرورا بلبنــــان وفل�سطني، ولي�س

انتهاء مب�سر واملغرب، و�سوال اإىل موريتانيا.

155 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

Page 79: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 156 157ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

طبيعة امل�سروع الإيراين يف املنطقة واأدوات

حتقيقه

امل�سروع االإيــــراين لي�س وهما نختلقه من عندنا وال ت�سخيما

ن�ستجلبــــه، واإمنا هو خطر واقعي تعك�ســــه الت�سرفات االإيرانية

م والتدخل والتفتيت والتفري�س. ول�سنا املتمثلة باالحتلل وال�س

نتخــــذ موقفا م�سبقا من اإيران، والدليــــل اأن عهد خامتي �سهد

اأف�ســــل العلقات على االإطلق بني العــــرب واإيران، لكن الذي

تغري هم االإيرانيــــون. فاملحافظون اجلدد يف اإيران ال يختلفون

مــــن ناحية التنظــــري االأيديولوجــــي عن املحافظــــني اجلدد يف

اأمريكا، واأمــــا روؤيتهم الدينية وتلك املتعلقة بالعلقات الدولية

بن “معنا اأو �سدنا” تكاد تكون متطابقة.

وميكــــن جت�سيد امل�ســــروع االإيراين بالطمــــوح الذي عرب عنه

االإمــــام اخلميني، وفق مــــا نقله عنه الرئي�ــــس االإيراين ال�سابق

اأبو احل�سن بني �سدر، الذي قال: »اأخربين اأنه كان يريد اإقامة

حــــزام �سيعي لل�سيطرة على �سفتي العامل االإ�سلمي. كان هذا

احلــــزام يتاألف من اإيــــران والعــــراق و�سوريا ولبنــــان، وعندما

ي�سبــــح �سيــــدا لهذا احلــــزام ي�ستخــــدم النفط وموقــــع اخلليج

الفار�سي لل�سيطرة على بقية العامل االإ�سلمي«.

مل يتخــــل االإيرانيــــون عــــرب القرون عــــن هــــذه املقاربة على

اختــــلف حكامهــــم واأنظمتهم مبــــا فيه النظــــام احلايل الذي

يقوده خامنئي، والنظرة اإىل اإيران بهذا املعنى

ال تختلف عن النظــــرة اإىل اإ�سرائيل اأو اإىل اأي

دولة اأخــــرى حتاول ب�سط �سيطرتهــــا ع�سكريا

واإيديولوجيا وب�سكل تخريبي.

وهــــذه املعطيــــات يعلمها االإيرانيــــون جيدا،

اإذ يقــــول مثــــل الباحث االإيــــراين واخلبري يف

ال�سيا�ســــة اخلارجيــــة االإيرانيــــة يف طهــــران،

فرزاد بيزي�سكبور، يف مقال له بعنوان “اإيران

وميزان القوى االإقليمي”: »اإن النظام العراقي

بقيــــادة �ســــدام ح�سني مل يعد موجــــودا اليوم،

اأمــــا النظــــام الثاين املعــــادي الإيــــران واملتمثل

بنظــــام طالبان االأفغــــاين فقــــد مت التخل�س منــــه. واليوم فاإن

القــــادة اجلدد للعــــراق واأفغان�ستــــان اأكرث قربا الإيــــران من اأي

طــــرف اآخر، وبــــدال من �ســــدام لدينا االآن رئي�ــــس عراقي غري

عربــــي وفخور مبعرفته واإتقانه اللغة الفار�سية، وعدد كبري من

اأع�ساء احلكومة العراقية والربملــــان العراقي كانوا قد ام�سوا

�سنوات طويلة يف اإيران واأجنبوا اأوالدا لهم هنا ودخلوا مدار�س

طهران وتعلموا بها. كذلك يحتل ال�سيعة اليوم يف العراق ولبنان

والبحرين مواقع مهمة داخل االأنظمة ال�سيا�سية لبلدانهم مما

يعطي اإيران كنتيجة لذلك اليد العليا يف املنطقة«.

ونظــــرا حل�سا�سية امل�ســــروع الذي يعترب الركيــــزة االأ�سا�سية

الرتقاء اإيران كقوة عظمى يف منطقة ال�سرق االأو�سط، اعتمدت

اإيــــران طريقتني خمتلفتني، االأوىل تتعلــــق مب�ساعب االخرتاق

العربي-ال�سنــــي، والثانيــــة تتعلــــق مب�سكلــــة النفــــوذ االأمريكي

باملنطقة.

بالن�سبــــة لل�ســــق االأول: فقــــد عمــــدت اإىل اخــــرتاق القاعدة

ال�سعبيــــة يف الوطــــن العربــــي، �سواء مــــن الناحيــــة املذهبية اأو

ال�سيا�سيــــة اأو االجتماعيــــة. ومــــن الطبيعــــي اأن الورقــــة االأوىل

واالأ�سا�سيــــة يف هذا االخرتاق – للأ�سف - هي الورقة ال�سيعية

العربيــــة )املبايعة للويل الفقيه بالدرجة االأوىل(. ولكن مبا اأن

هــــذه الورقة ال ت�ستطيــــع التاأثري على جممل القــــرار يف الوطن

العربــــي، فاإنه ال بد من اال�ستفادة من مكونات املجتمع االأخرى

االأكــــرث عــــددا وتاأثريا مــــن ال�سيعة يف الدائــــرة االأو�سع ومن ثم

ال�سنــــة، ويتم ذلك باللعب على اأوتار املقد�سات التي تلتغي عند

حدودها، بالن�سبة للمواطن العربي القومية اأو ال�سني املذهب،

التق�سيمــــات والت�ســــاوؤالت والت�سكيــــكات والتناق�سات بل وحتى

طعنات االأم�س وخدع اليوم.

ويرتكــــز التحرك االإيراين يف هذا االإطــــار على ثلث اآليات

هي:

1. �خلطـــاب �لأيديولوجـــي- �لدمياغوجـــي: وهــــو خطاب

�سعبــــوي يتمحور حول مهاجمة اإ�سرائيل وتعظيم �سان فل�سطني

دون اأن يعك�ــــس ذلــــك حقيقــــة االأمر، ذلــــك اأن

الغايــــة مــــن هــــذا اخلطــــاب حتريــــك ال�ســــارع

العربــــي وا�ستقطابــــه خللــــق بيئة مهيئــــة لتقبل

النفــــوذ االإيراين يف العــــامل العربي حتت �سعار

مقاومة اإ�سرائيل مــــن جهة، ولزعزعة االأنظمة

القائمة عرب �سرب العلقة بينها وبني �سعوبها

من جهة اأخرى.

يقــــول اأحد الكتــــاب االإيرانيني مــــن القومية

االأذرية »اأنا م�سلم �سيعــــي، ال اأ�ستطيع اأن اأفهم

كيف يحاول اأن يربر النظام دفاعه عن فل�سطني

من منطلق اإ�سلمي، يف حني اأنه ي�ساند اأرمينيا

امل�سيحية التي حتتل 20% من اأرا�سي اأذربيجان

)امل�سلمــــة(.. يف هذا نفــــاق وتعار�س مع االإ�ســــلم والطائفة..

وهو دليل على التلعب بالق�سية الفل�سطينية«.

وال �ســــك اأن مــــا عرب عنه هذا الكاتــــب ال ينطبق على احلالة

االأذريــــة فقط، بل وكذلك بالن�سبة لل�سي�سان يف رو�سيا واالألبان

يف كو�سوفــــو، بــــل ويف اأفغان�ستــــان والعراق؛ فاملحتــــل االأمريكي

واالإ�سرائيلــــي يبعد اأمتار قليلة فقط عن احلدود، فبماذا نف�سر

مباركة اإيران له يف العراق واأفغان�ستان ومعار�سته له يف اأماكن

اأخرى؟!

2. خلـــق �أذرع وحـــركات مو�ليـــة لهـــا: وياأتــــي ذلــــك يف اإطار

�سجــــال مدار الأفكار

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية156

لي�ص الإيــــراين املــ�ــســروع

وهما نختلقه ول ت�سخيما

ن�ستجلبه، واإمنا هو خطر

واقعي تعك�سه الت�سرفات

ــــة املــتــمــثــلــة ــــي ــــران الإي

ـــم بــــالحــــتــــالل والـــ�ـــس

ـــتـــدخـــل والــتــفــتــيــت وال

والتفري�س

تثبيت الزعزعة التي يحدثها اخلطاب االإيراين وترجمته واقعا

عمليا. ولذلك نلحظ اأنه يف البلدان واالأماكن التي يوجد فيها

نفوذ اإيراين، هناك حــــركات واأحزاب متثل هذا النفوذ ب�سكل

ة عندما تكــــون �سيعية ر�سمــــي وعلني وبتبعيــــة ع�سويــــة وخا�س

كحزب اهلل اللبنــــاين، الذي اأعلن اأمينه العام علنا باأنه يفتخر

اأن يكــــون فــــردا تابعا للــــويل الفقيه يف اإيران. اأامــــا يف البلدان

التي ال يوجد فيها ال�سيعة، فيتم التعويل على حركات اإ�سلمية

ذات توجه قريب اأو حتــــى امتطاء موجتها حتت �سعار املقاومة

ال�ستخدامهــــا كـــــ )Proxy( فيمــــا الهدف احلقيقــــي ا�ستغللها

للأجنــــدة االإيرانية القومية اخلا�سة. ومل يعد ذلك بخاف على

اأحد خلل ال�سنوات القليلة املا�سية، وال يحتاج اإىل اأي جهد يف

ظل ال�سواهد على االأر�س، �سواء يف لبنان اأو فل�سطني اأو اليمن

اأو غريها من الدول.

3. زيـــادة �لقـــوة �لع�سكريـــة: وهدفهــــا فر�س اإيــــران ككقوة

اإقليميــــة ذات ردع ا�سرتاتيجي، ولهذا نرى اأن النظام االإيراين

يعتمــــد تطويــــر قدراتــــه ال�ساروخيــــة وهي قــــدرات ذات طابع

هجومــــي، اإ�سافــــة اإىل نيتــــه تطويــــر قــــدرات نوويــــة ك�سامــــن

رادع لبقــــاء النظــــام ودعــــم االرتقــــاء االإقليمي الــــذي تقوم به

يف املنطقــــة. وهــــو على الرغــــم من ذلك ي�سعــــى اإىل التمدد يف

داخل الدول العربيــــة، وخا�سة جهازه اال�ستخباراتي عرب فيلق

القد�ــــس واحلر�س الثوري، الــــذي يحر�س على تعيني �سباط له

يف البعثــــات الديبلوما�سيــــة االإيرانية كال�سفري

االإيــــراين ال�سابــــق للعــــراق ح�ســــن كاظم قمي

وال�سفــــري اللحــــق اأي�سا ح�ســــن دانافار، وهما

اأن نن�ســــى �سابطــــان يف فيلــــق القد�ــــس. دون

اخلليا النائمة واملنت�سرة يف كل الدول العربية

واآخرهــــا مــــا ك�سفت عنــــه ال�سلطــــات الكويتية

ومثلها البحرينية قبل اأ�سابيع قليلة.

بالن�سبــــة لل�سق الثاين: الــــذي يتعلق مب�سكلة

النفــــوذ االأمريكــــي يف املنطقــــة. فتعمــــل اإيران

علــــى حــــل هــــذه املع�سلة مــــن خــــلل االإ�سرار

الدائم علــــى عقد “�سفقة كربى” مع الواليات

املتحــــدة تعطيها اليد الطــــوىل يف املنطقة وترجــــع اإليها الدور

الــــذي كانت حتظى به اأيــــام ال�ساه. وقد تناولنــــا تفا�سيل هذه

ال�سفقــــة مــــرارا وتكــــرارا عرب حتليــــل الوثيقــــة الر�سمية التي

بعثت بها اإيران اإىل اأمريكا يف بداية عهد بو�س االبن، وتت�سمن

تعهد ايران بـ:

- ا�ستخــــدام نفوذها يف العراق لـــــ »حتقيق االأمن و اال�ستقرار،

اإن�ساء موؤ�س�سات دميقراطية، وحكومة غري دينية«.

- �سفافيــــة كاملــــة لتوفــــري االطمئنــــان والتاأكيد باأنهــــا ال تطور

اأ�سلحة دمار �سامل، وااللتزام مبا تطلبه الوكالة الدولية للطاقة

الذرية ب�سكل كامل ودون قيود.

- اإيقــــاف دعم املجموعــــات الفل�سطينية املعار�ســــة، وال�سغط

عليهــــا الإيقــــاف عملياتها العنيفــــة �سد املدنيــــني االإ�سرائيليني

داخل حدود اإ�سرائيل العام 1967.

- حتويــــل حزب اهلل اللبناين اإىل حزب �سيا�سي منخرط ب�سكل

كامل يف االإطار اللبناين.

- قبول املبادرة العربية التي طرحت يف قمة بريوت عام 2002،

اأو مــــا ي�سمى “طرح الدولتني”، والتي تن�س على اإقامة دولتني

والقبول بعلقــــات طبيعية و�سلم مع اإ�سرائيل مقابل ان�سحاب

اإ�سرائيــــل اإىل ما بعد حــــدود 1967، ما يعنــــي االعرتاف عمليا

با�سرائيل.

كل ذلــــك مقابل االعرتاف لهــــا مبوقع قوة عظمــــى يف املنطقة

والتعهد بتفهم م�ساحلها.

ويف هــــذا االإطار، يعتقــــد رئي�س املجل�س الوطنــــي االإيراين-

االأمريكــــي، واأ�ستــــاذ العلقات الدوليــــة املولود يف اإيــــران تريتا

بار�ســــي )واملتهــــم االآن مــــن قبــــل املحافظني اجلدد باأنــــه راأ�س

حربــــة اإيــــران يف ت�سكل لوبي مــــوايل لها يف اأمــــريكا، ملجرد اأنه

يرف�ــــس م�ساألة العقوبات( اأن العلقة بــــني املثلث االإ�سرائيلي-

االإيــــراين – االأمريكــــي تقوم على امل�سالــــح والتناف�س االإقليمي

واخلطابــــات االأيديولوجيــــا علــــى ولي�ــــس واجليو�سرتاتيجــــي،

وال�سعــــارات التعبويــــة احلما�سيــــة الــــخ. فاملحــــرك االأ�سا�ســــي

ولي�ــــس “اجليو�سرتاتيجــــي” العامــــل يف يكمــــن للأحــــداث

اأو و�سيلة يعترب جمرد “االأيديولوجــــي” الذي رافعة.

ويف حتليــــل امل�سهــــد الثلثــــي لهــــذه الدول،

جند اأن اإ�سرائيل تعتمــــد يف نظرتها اإىل اإيران

علــــى “عقيدة الطرف” الــــذي يكون بعيدا عن

املحــــور، فيما تعتمــــد اإيران علــــى التاريخ حني

كانت الهيمنة “الطبيعية” الإيران متتد لتطال

اجلريان القريبني منها. وبني هذا وذاك، ياأتي

دور اللعــــب االأمريكــــي الــــذي يتلعــــب بهذا

امل�سهد ويتم التلعب بــــه اأي�سا خلل م�سريته

ة واملتغرية تباعا. للو�سول اإىل اأهدافه اخلا�س

ن�ستنتــــج باخت�سار �سديد، اأن اجلميع يتناف�س للح�سول على

ة مــــن امل�ساحة العربيــــة املمتدة من املحيــــط اإىل اخلليج، ح�س

وذلــــك باأ�سماء خمتلفة من م�سروع “ال�ســــرق االأو�سط الكبري”

اإىل “اإ�سرائيــــل الكربى” اإىل “ال�ســــرق االأو�سط االإ�سلمي” اأو

“اإيران الكربى”، والتي دعا االأمني العام حلزب اهلل االإيراين وع�ســــو جمل�ــــس �سيانــــة الد�ستور ال�سيــــد حممد باقــــر خرازي

اإىل ت�سكيلهــــا يف كلم لــــه منت�سف اأيار/مايــــو 2010 لتمتد من

اأفغان�ستان اإىل فل�سطني وحتكم ال�سرق االأو�سط واآ�سيا الو�سطى،

مبــــا يوؤدي اإىل تدمري اإ�سرائيل والدول املناف�سة املجاورة الإيران

)الدول العربية( وظهور املهدي املنتظر.

157 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

على اإيـــــــــران تــعــمــل

حـــل مــعــ�ــســلــة الــنــفــوذ

ــالل الأمــــريكــــي مـــن خ

الإ�ــســرار الــدائــم على

عــقــد »�ــســفــقــة كـــربى«

املتحدة الــوليــات مــع

تعطيها اليد الطوىل يف

املنطقة

Page 80: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 158 159ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

�سجــــال مدار الأفكار

متى نكف عن ممار�سة اخلداع علنا

مفارقة العدو وال�سديق

»اإيـــران واإ�سرائيل وجهان لعملة واحدة« هذه هي اإحدى هذه

املقـــوالت التي يتـــم ت�سويقها للـــراأي العام العربـــي، وينطلق

القائلـــون بوجـــود ت�سابه بني اإيران واإ�سرائيـــل من اأن كليهما

لديـــه اأطماع حقيقية، وينتهج �سيا�ســـة عدائية �سد امل�سالح

العربيـــة، ويوا�سل عمليـــات اخلرق لل�سيـــادة الوطنية للدول

العربيـــة من خـــلل اال�ستمـــرار يف احتلل اأرا�ســـي عربية،

وجتنيد عملء وجوا�سي�س، وكذا العمل على تفجري املجتمعات

العربية من خلل دعم اجلماعات اخلارجة على القانون.

ال �ســـك اأن هـــذا النـــوع من االأحـــكام، الذي يجعـــل اإيران

واإ�سرائيل يف مرتبة واحدة، ينطوي على قدر كبري من التهور

ويفتقـــر اإىل املنطق، اإذ اأنه يتجاهل حقائـــق عدة اأبرزها اأن

اإيـــران دولة طبيعية بعك�س اإ�سرائيل التي هي دولة م�سطنعة

بامتيـــاز؛ وفيما تعد اإيران اإحدى اأهم الدول االإ�سلمية، فاإن

اإ�سرائيـــل تقـــدم نف�سها بو�سفهـــا قاعدة متقدمـــة للم�سروع

الغربي اال�ستعماري.

اأمـــا فيما يتعلـــق مب�ساألة احتـــلل اأرا�سي عربيـــة، فاإنه ال

ميكن الت�سليم مببداأ امل�ســـاواة بني احتلل اجلزر االإماراتية

الثلث واحتـــلل فل�سطني، ذلك اأن ق�سية اجلزر االإماراتية

تت�سل بامل�ساألة احلدودية غري املثالية منذ رحيل االحتلالت

الغربيـــة عن املنطقة العربية، وهنـــاك اأمثلة م�سابهة للحالة

االإيرانيـــة- االإماراتيـــة فيمـــا بـــني الـــدول العربيـــة بع�سهـــا

البع�س، ومل يجروؤ اأحد على ا�ستخدام تعبري كالذي ا�ستخدم

�ســـد اإيران، فيما االحتلل االإ�سرائيلي لفل�سطني هو احتلل

ا�ستيطاين يرتكز على مبداأ �سلب االأر�س وطرد �سعب باأكمله

دون وجه حق.

وعلـــى الرغـــم من هـــذه الفـــروق اجلوهريـــة بـــني اإيران

واإ�سرائيل، اإال اأن هنـــاك من ي�سعى القناعنا بوجود علقات

�سريـــة بينهما بق�سد االإ�سرار بالعامل العربي، وهو اأمر يثري

لنبحث عن عدو اآخر غري اإيران

يف كل مــــرة ل ي�ستطيــــع �لعــــرب حتقيق �سيء ي�ستحق �لثناء، فاإنهــــم يلجئون �إىل �خرت�ع عدو.

وعلى �لرغم من �أن هذه �لعادة غري جديرة بالحرت�م، �إل �أنها �أكر �لعاد�ت �لعربية �زدهار�.

لقــــد كانــــت �إ�سر�ئيــــل على مدى �أكر من خم�ســــني عاما هي �ل�سماعة �لتــــي يتم على م�سجبها

تعليــــق كل �لإخفاقــــات و�لأخطــــاء، وحتــــى �لديكتاتوريــــة �لتي �ت�سمــــت بها �لأنظمــــة �لعربية -

و�لتــــي ل يجــــدر �أبد� �لدفاع عنها - �عترت يف وقت من �لأوقات خيار� �سائبا و�سرورة وطنية

ملو�جهة حماولت �إ�سر�ئيل �لر�مية للتو�سع ون�سر �لفو�سى يف �لدول �لعربية.

لكــــن �لتوجــــه �لعربــــي �لر�سمي لإقامــــة عالقات طبيعية مــــع �لدولة �لعرية فر�ــــض يف نهاية

�ملطاف �لبحث عن عدو جديد، وكان هذ� �لعدو - ل�سوء �حلظ – هو �جلارة �إير�ن. وقد �أظهر

�ملوؤيدون للنظرية �لتي تقول �أن �إير�ن خطر د�هم على �لأمن �لقومي �لعربي حما�سة مفرطة

يف تدعيم مو�قفهم من خالل تبني مقولت فاقعة، رمبا حان �لوقت لتفكيكها قبل �أن تتحول

�إىل حقائق مطلقة.

عبد الغني املاوري

[email protected]

عبدالغني املاوري �سحفي وكاتب من اليمن.العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية158

ال�سخريـــة. علـــى النقي�س من ذلـــك، تتوافر

اأدلـــة علـــى وجـــود حتالـــف غـــري معلـــن بني

اإ�سرائيـــل وبع�ـــس االأنظمة العربيـــة ملواجهة

مـــا ي�سمـــى بالتمـــدد االإيـــراين، واجلماعات

املرتبطة بـــه مثل حركة حما�ـــس وحزب اهلل

اللبناين.

وتك�ســـف بع�س الت�سريحـــات اال�سرائيلية

الر�سمية جانبـــا من هذه العلقة التي جتهد

العوا�ســـم العربيـــة الإخفائهـــا، فقـــد �ســـرح

رئي�ـــس الوزراء االإ�سرائيلـــي بينامني نتيناهو

اأمـــام جتمـــع اللوبـــي االإ�سرائيلـــي االأمريكي

اأقول الأول اأن »اأ�ستطيـــع “اأيبـــاك” قائـــل: مـــرة يف حياتي اأن العـــرب واالإ�سرائيليني يرون اليوم عدوهم

امل�ســـرتك« يف اإ�سارة منه الإيـــران، وكانت ت�سيبي ليفني وزيرة

اخلارجيـــة االإ�سرائيليـــة ال�سابقة قد دعـــت يف موؤمتر اأعمال

منتـــدى الدوحة للدميقراطية والتنميـــة والتجارة احلرة عام

2008 الإقامة حتالف ي�سم ا�سرائيل والعرب للت�سدي للخطر

االإيراين؛ »فمنع اإيران )مـــن احل�سول على ال�سلح النووي(

- ح�سب ليفني - م�سلحة م�سرتكة الإ�سرائيل والعامل العربي،

ويولـــد تفاهمـــا باأن اإ�سرائيـــل والدول االإ�سلميـــة يف املنطقة

تواجه تهديدا م�سرتكا«.

اإىل ذلـــك، كتب اإيليوت اأبرامز اأبرز االأ�سماء اليهودية التي

عملت يف اإدارة الرئي�س االأمريكي جورج بو�س االبن، مقاال يف

�سحيفة “وول �سرتيت جورنال” االأمريكية يو�سح فيه حقيقة

ال�سراع الدائر يف املنطقة بالقول »يوجد �سراع خطري اليوم

يف ال�سرق االأو�سط، لكنه لي�س بني االإ�سرائيليني والفل�سطينيني،

واإمنـــا هو �ســـراع املتحالفـــني معنـــا )اأي مع اأمـــريكا(، ومن

�سمنهم م�ســـر وال�سعودية وال�سلطـــة الفل�سطينية واإ�سرائيل

واالإمارات العربية املتحـــدة �سد اإيران وقطر و�سورية وحزب

اهلل واجلماعات الفل�سطينية االإق�سائية«.

لقـــد اأدى ال�سحن غري امل�سبوق الذي رعتـــه بع�س االأنظمة

العربية املرتبطة بعلقات وثيقة بالواليات املتحدة االأمريكية

اإىل اختلق وقائع غـــري موجودة. فعلى �سبيل املثال، اعتربت

غـــزة جيبـــا اإيرانيـــا، يف حني اأن هـــذه املزاعـــم مل تكن �سوى

ادعـــاءات اإ�سرائيلية يف االأ�سا�س، وقد اأ�ساف خ�سوم حما�س

مـــن العرب البعـــد املذهبي كنوع مـــن الت�سليـــل، اإذ ال�سقت

تهمة م�ساعدة اإيران يف ت�سييع املنطقة.

ال �سك اأن حركة حما�س غري منزهة عن ارتكاب االأخطاء،

لكـــن علقتهـــا باإيـــران ال ميكـــن اأن تعـــد خطـــاأ؛ فال�سمـــود

الـــذي تبديـــه حما�س اأمـــام االعتداءات

االإ�سرائيليـــة املتوا�سلـــة يعـــود يف جـــزء

منه للدعم االإيـــراين، لذلك يبدو بع�س

الدعوات العربيـــة حلما�س بقطع �سلتها

باإيران مبثابة طعنة يوجهها �سخ�س اإىل

ج�سده، وهذا جنون.

ال يعني هـــذا اأن حما�س قـــد ارتبطت

نهائيـــا بامل�ســـروع االإيـــراين، واإمنا يعني

اأن هناك حاجة »حم�ساوية« الإيران، ويف

حـــال متكنـــت حما�س من اإيجـــاد حليف

بديل يوفر لها الدعم املطلوب ال�ستمرار

علـــى حتر�ـــس لـــن فاإنهـــا �سيا�ستهـــا،

علقتها باإيران اأكرث مما ينبغي، هكذا االأمر بب�ساطة. ينبغي

التذكـــري اأن علقـــة حما�س باإيران مل تكن جيـــدة يف بدايات

الثورة االإ�سلميـــة االإيرانية، فقد كانـــت حما�س تعترب اإيران

دولـــة �سيعية مارقـــة. وللمفارقـــة، كانت حما�ـــس تتهم حركة

فتـــح باأنها جزء من م�سروع لت�سييع املنطقة، وقد دارت االيام

لتـــذوق من الكاأ�ـــس نف�سه. ال باأ�ـــس هنا مـــن اال�ستعانة براأي

اأحد اأبرز الكتاب واملحللني ال�سيا�سيني االأمريكيني، واأعني به

فريد زكريا رئي�س حتريـــر الطبعة الدولية ملجلة “نيوزويك”

االأمريكيـــة، الذي كتب مقاال مهما يف 20 كانون الثاين/ يناير

2009 يناق�ـــس فيه املزاعـــم االإ�سرائيلية والعربيـــة التي تتهم

حما�س باأنها تابعـــة لل�سيا�سة االإيرانية. يقول زكريا: »حما�س

لي�ســـت بيدقا يف يـــد اإيران. طوال عقود، كانـــت اإيران تف�سل

ومتول جمموعات فل�سطينيـــة اأخرى، هي اجلهاد االإ�سلمي.

يف االآونة االأخرية، بداأت حما�س بقبول االأموال واالأ�سلحة من

اإيران، لكن هذا ال يعني اأنها تتلقى اأوامر منها اأي�سا«.

اإن اتهـــام اإيـــران بال�سعـــي لتوريـــط العـــرب يف مواجهـــات

خا�ســـرة مـــع اإ�سرائيل من خـــلل دفع حـــركات املقاومة اإىل

التحر�س باالإ�سرائيليني فيه �سذاجة بالغة؛ فم�ستوى التن�سيق

بني االأنظمـــة العربية وا�سرائيل كفيل بالتاأكيـــد باإف�سال هذه

اخلطط يف حال وجدت.

مبالغات “الهيمنة الإيرانية”

مـــن ال�سعب ت�سديق كل ما يقـــال عن �سعي اإيران للهيمنة

على العامل العربي، فهناك مبالغات غري مفهومة لت�سوير اأي

حتـــرك اإيراين باإجتاه الـــدول العربية على اأنه حماولة لب�سط

النفـــوذ. ال يعنـــي هذا التخلي نهائيا عن ال�سعـــور بالقلق اإزاء

159 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

التوجه العربي الر�سمي

لإقــــــامــــــة عــــالقــــات

ــة ــدول ال مــع طبيعية

العربية فر�ص يف نهاية

املطاف البحث عن عدو

جديد، وكان هذا العدو

– هو لــ�ــســوء احلـــظ -

اجلارة اإيران

Page 81: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 160 161ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

بع�ـــس اخلطوات االإيرانيـــة التي ال ت�ساعد علـــى بناء الثقة.

على �سبيل املثال، ال يجـــب الت�ساهل جتاه الت�سريحات التي

اأطلقهـــا م�ست�سار مر�سد اجلمهورية علـــي اأكرب ناطق نوري،

والتـــي اعتـــربت اأن البحريـــن هـــي املحافظـــة الرابعة ع�سر

الإيـــران، اأو جتاه ما كتبه ح�ســـني �سريعتمداري رئي�س حترير

�سحيفة “كيهان” االإيرانية القريبة من املر�سد يف منت�سف

2007، مـــن اأن الطلب االأ�سا�ســـي لل�سعب البحريني حاليا هو

اإعـــادة هذه املحافظة التـــي مت ف�سلها عن اإيران اإىل الوطن

االأم واالأ�سلي، اأي اإيران االإ�سلمية.

لكـــن مثل هذه املواقـــف ال ينبغي اأن تـــوؤدي اإىل قطيعة مع

اإيران، خ�سو�سا واأنها ال تعرب عن راأي الدولة االإيرانية التي

تنفـــي با�ستمرار وجـــود اأي اأطماع لهـــا يف البحرين. �سحيح

اأن املناوئني الإيران لن يقبلوا مثل هذا التو�سيح، لكن ينبغي

التذكري دائما بوجود فروق جوهرية بني ال�سيا�سات الر�سمية

وال�سيا�ســـات ال�سعبوية؛ يف كل بلد هنـــاك من يتحدث وفق

منطق �سعبـــوي واأحيانا فو�ســـوي، والأن اإيران كانت يف وقت

مـــن االأوقات اإحدى اأهم االإمرباطوريات الكربى يف التاريخ،

فاإن هناك من يحلم باإعادة هذا املا�سي،

لكـــن حل�ســـن احلـــظ هـــوؤالء االأ�سخا�ـــس

الذين لديهم طموحات تو�سعية ال ميثلون

االأكرثية.

العـــراق، منـــوذج �ســـارخ علـــى “نوايا

الذيـــن بح�ســـب التو�سعيـــة” اإيـــران

االإيرانية، لل�سيا�ســـات بالعداء يجاهرون

فطاملـــا اتهم االإيرانيـــون بال�سعي لتفكيك

العراق من اأجـــل اال�ستيلء على اجلنوب

الغنـــي بالنفـــط، وغالبـــا ما يتـــم الربط

بـــني دعـــوات املجل�ـــس االأعلى بقيـــادة اآل

احلكيم الإقامة جنوب فيدرايل على غرار

كرد�ستـــان العراق، وبني التوجهـــات االإيرانية. يف الواقع، اإن

املغالطـــات يف هذا ال�ساأن اأكرث من اأن حت�سى؛ فال�سيا�سيون

يف ايـــران يدركون جيدا اأن جمرد التفكري يف االإ�ستيلء على

نفـــط العراق هو مبثابـــة اإعلن حرب مع الواليـــات املتحدة

االأمريكية، وهو خيار �سيعملون على جتنبه مهما كان الثمن.

من جهـــة اأخرى، اإن جنـــاح املجل�س االأعلـــى يف اإقامة اإقليم

يف اجلنـــوب- وهو اأمر م�ستبعد على االأقل يف الوقت املنظور

ب�سبـــب تراجع التاأييـــد ال�سعبي لهذه الفكـــرة – لن يتم الأن

اإيـــران توؤيد ذلك، ولكن الأن الد�ستور العراقي الذي اأ�سرفت

على ت�سميمه الواليات املتحدة هو من ي�سمح بتق�سيم العراق

اإىل اإقاليم فيدرالية.

لناأخـــذ مثاال اآخر ميكن من خللـــه تاأكيد اأو نفي التدخل

االإيـــراين يف ال�ســـوؤون الداخليـــة للدول العربيـــة، هذا املثال

هـــو اليمن. فقد اعتـــربت احلرب املمتدة منـــذ �ست �سنوات

بني اجلي�س اليمنـــي واملتمردين احلوثيني جزءا من موؤامرة

اإيرانيـــة تهدف لتحقيـــق جملة من االأهـــداف اال�سرتاتيجية

يف مقدمتهـــا حما�سرة اململكة العربيـــة ال�سعودية، وحماولة

زعزعة اأمنها وا�ستقرارها.

يف هذه الق�سية، تواجه اإيران بقائمة طويلة من االتهامات،

تبداأ بتمويل وتدريـــب احلوثيني وال تنتهي بالعمل على اإعادة

اأن اإال “احل�سور الفار�سي” اإىل اليمن واجلزيرة العربية، هـــذه االتهامات يف الواقع حتتوي علـــى مبالغات كثرية. فقد

اأثبتـــت احلـــرب ال�ساد�سة )اآب/ اأغ�سط�ـــس -2009 �سباط/

فربايـــر 2010( وجود تعاطف اإيـــراين مع احلوثيني وح�سب،

علـــى االأقـــل هـــذا مـــا ميكـــن اإثباتـــه دون عناء. وقـــد رف�س

امل�سوؤولـــون اليمنيون على اختـــلف م�ستوياتهم اتهام اإيران

مب�ساعـــدة احلوثيـــني، واكتفـــوا بلفت اجلانـــب االإيراين اإىل

قيـــام احلوازات واجلمعيـــات اخلريية يف

اإيـــران بدعـــم احلوثيـــني. وقـــد يكون من

املنا�سب القول اإن هذا النوع من الدعم ال

يقت�ســـر على اإيران، بل ي�سمل دوال عربية

عدة ومنها البحرين والكويت.

هناك �سبـــب اأخر يجعـــل احلديث عن

خطـــر اإيران اأمـــرا م�سكوكا فيـــه، فنظام

)املليل( و�سل لطريق م�سدود، اإذ يعاين

من م�سكلة بنيوية، فالدول التي تتنازعها

�سرعيتان ال �سك اأنها مر�سحة للدخول يف

اأتون �سراعات قاتلة.

اأ�سطورة »احلزام ال�سيعي«

خلفا للحقيقـــة، ي�سعى الذين ال يوؤيـــدون اإقامة علقات

طبيعيـــة مع اإيـــران الإيهامنا بـــاأن االإيرانيني ي�سعـــون الإن�ساء

“حزام �سيعي” يف املنطقة، فيما الوقائع ت�سري اإىل اأن اإيران هي اأكـــرب املت�سررين من ا�ستخدام ال�ســـلح الطائفي. لقد

قوبلـــت اجنازات حـــزب اهلل اللبناين يف مواجهـــة اإ�سرائيل

با�ستهجـــان البع�ـــس انطلقا من هذه الروؤيـــة ال�سيقة، وقد

و�ســـل االأمـــر اىل اعتبار حـــرب 2006 بـــني ا�سرائيل وحزب

اهلل اللبناين موؤامـــرة �سهيونية- �سيعية من اأجل خداع اأهل

ملــاذا ل تــالم الوليات

املتحــدة عنــد احلديث

عن وجود �سفقة ما مع

الوقــت يف الإيرانيــن

�سهــام توجــه الــذي

النقــد اإىل اإيران لذات

ال�سبــب؟ اإن مثــل هــذا

اأن ينبغــي النحــدار

يتوقف على الفور!

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية160

�سجــــال مدار الأفكار

ال�سنة)!(.

وعلى الرغم من �سذاجة هذا املنطق، فاإنه يجد رواجا لدى

البع�س. اأثناء احلرب العراقية- االإيرانية التي ا�ستمرت نحو

ثمـــان �سنوات مل يكن التق�سيم وت�سنيـــف االأ�سخا�س والدول

علـــى اأ�س�ـــس مذهبية يحظى بهـــذا االنت�سار، فقـــد كان نظام

�ســـدام ح�سني يهاجـــم اإيران بو�سفهـــا دولـــة فار�سية ت�سعى

لتفري�س العـــرب. يف ذلك الوقت، مل يكن اأحد يهتم بالتحقق

من �سحة هذه االتهامات. وقد ازدهرت يف تلك الفرتة الكتب

واملن�سورات التي تو�ســـح الطريقة اال�ستعلئية التي يفكر بها

االإيرانيـــون جتاه العرب، فيما مت جتاهـــل نظرة بع�س العرب

االإ�ستعلئية جتاه اإيران.

ودون اأن يبدو االأمر وكاأنه ا�ست�سلم لنظرية املوؤامرة، فاإن

االحتـــلل االأمريكي للعراق منذ �سبع �سنـــوات هو من اأعطى

هـــذا ال�ســـراع املذهبي كل هـــذا الزخم، وحولـــه اإىل تهديد

للمجتمعـــات العربية واالإ�سلميـــة. فالت�سيع يف نهاية املطاف

لي�ـــس منتجا اإيرانيا، واإمنا اأي�سا - وكان يف االأ�سا�س - منتجا

عربيـــا، لذلك فـــاإن الطريقـــة املثلى ملعاجلة

هـــذا امللف ال�سائك ال تكمن يف اتهام ال�سيعة

العـــرب بالـــوالء الإيـــران، واإمنـــا يف اإعطـــاء

ال�سيعة وال�سنة وغريهم من الطوائف حقوق

املواطنة املت�ساوية؛ فاخلطر احلقيقي هو يف

التمييز الذي تنتهجه بع�س االأنظمة العربية،

ولي�س اخلطر االإيراين املزعوم.

حديث ال�سفقة املزعومة

»ال �ســـك اأن اإيران ت�سعـــى لعقد �سفقة مع

الواليـــات املتحـــدة االأمريكيـــة علـــى ح�ساب

العرب«. هكذا يحاول مناه�سو اإيران، الذين

ي�سفـــون �سيا�ساتهـــا بامل�سرحيـــة ال�سمجـــة،

القول. ح�سنا، دعونا نتعرف مبزيد من ال�سرب على مربرات

هوؤالء: اإيران ترفع لواء الق�سية الفل�سطينية وتدعم جماعات

مثل حزب اهلل اللبناين واحلوثيني، وتقيم علقات مهمة مع

االأطراف الفاعلة يف العراق من اأجل اإرغام االأمريكيني على

التعاون معها.

ي�سيـــف الناقمـــون علـــى اإيـــران: ال�سيا�سيـــون االإيرانيون

�سديـــدو الـــذكاء، ولذلـــك فاإنهم �ســـوف يبيعـــون �سعاراتهم

القدميـــة ويوقفون �سيا�ستهم املعاديـــة الإ�سرائيل مبا يف ذلك

دعـــم حما�س واجلهـــاد االإ�سلمـــي وحـــزب اهلل اللبناين يف

حـــال �سمنت لهم اأمـــريكا دورا حموريـــا يف اخلليج العربي،

وكـــذا احل�سول على بع�س االمتيـــازات االقت�سادية. دعوين

ال اأ�سرت�ســـل كثريا يف ذكر مثل هـــذه الرباهني، حتى ال اأقتنع

فعل باأن هناك “�سفقة” �ستح�سل بني اأمريكا واإيران تكون

على ح�ساب امل�سالح العربية.

�سحيـــح اأن الواليات املتحدة االأمريكيـــة تاأمل يف ا�ستعادة

اإيران كحليف مـــرة اأخرى باعتبار ذلـــك م�سلحة اأمريكية،

اإال اأن هـــذا ال ميكـــن اأن يكـــون مقابل التخلي عـــن حلفاءها

االأ�سا�سيـــني. فامل�سالح االأمريكية احليوية موجودة يف الدول

العربية، وهي غري قابلة للم�ساومة، واأمن اإ�سرائيل ورغباتها

لي�ست حمـــل خلف بالن�سبـــة للم�سئولـــني االأمريكيني؛ فمن

املعـــروف اأن االهتمام االأمريكـــي بالربنامج النووي االإيراين

مل يكـــن لي�سبـــح بهـــذه االأهمية مـــن املتابعة لـــوال ال�سغوط

االإ�سرائيليـــة بح�ســـب ما يقـــرره، وبرباهـــني حا�سمة، خبريا

ال�سيا�سة االأمريكية جون مري�سمامير و�ستيفن والت.

لهذه االأ�سباب وغريها ال توجد �سفقة اأمريكية - اإيرانية،

اإال اإذا حـــدث �سيء غري منطقي ومتكن

االإيرانيون من اإقنـــاع االأمريكيني باأنهم

اأهـــم من اإ�سرائيل والعرب معا، وحينئذ

ينبغـــي توجيـــه اللـــوم الأمـــريكا ولي�ـــس

الإيـــران. ملاذا ال تـــلم الواليات املتحدة

عنـــد احلديـــث عن وجود �سفقـــة ما مع

االإيرانيني يف الوقت الـــذي توجه �سهام

النقد اإىل اإيـــران لذات ال�سبب؟ اإن مثل

هـــذا االنحـــدار ينبغـــي اأن يتوقـــف على

الفور!

اأخـــريا، ال يبـــدو اأن الت�سبـــث بفكـــرة

اخلطـــر االإيراين عمل عاقـــل، فاإيران

يف نهايـــة املطـــاف دولة ت�سعـــى لتحقيق

م�ساحلهـــا التي من اخلطاأ مقارنتها بامل�سالح االإ�سرائيلية.

وعلـــى كل، ميكن اأن يكون اجلـــدل امل�ستمر حول ما اإذا كانت

اإيـــران متثل خطرا على اأمـــن الدول العربيـــة اأم ال، منا�سبة

جيدة لفهم اإيران كما ينبغي، وبناء علقات جيدة وخمتلفة.

ولعـــل دعوة االأمني العـــام للجامعة العربية عمـــرو مو�سى يف

القمة العربية االأخرية التي عقدت اأواخر اآذار/ مار�س 2010

يف مدينة �سرت الليبية لفتح حوار مع االإيرانيني، خطوة مهمة

يف هـــذا االجتاه بالرغم من حتفظ بع�ـــس االأنظمة العربية،

التي ما تزال تنظر اإىل اإيران من املنظار االأمريكي. واإىل اأن

ياأتي اليوم الذي ميكن لهذه االأنظمة اأن ترى بعينها ال بعيون

ملعاجلة املثلى الطريقة

ل ال�سائك الت�سيع ملف

ال�سيعة اتهام يف تكمن

لإيــران، بالولء العرب

ال�سيعة اإعطاء يف واإمنا

والــ�ــســنــة وغـــريهـــم من

ـــــطـــــوائـــــف حـــقـــوق ال

املواطنة املت�ساوية

161 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

Page 82: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 162 163ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

للدول الكربى م�سالح ا�سرتاتيجية يف املنطقة، والعوامل القت�سادية والأمنية وال�سيا�سية هي

التــي حتدد ب�سكل اأ�سا�سي هذه امل�سالح، ولكن يجب عــدم اإغفال العوامل الثقافية كقوة موؤثرة

ودافعة لتلك امل�سالح، �سواء على �سعيد النظرة الثقافية للدول الكربى ملنطقة اخلليج )عالقة

الغرب بالإ�سالم(، اأو على �سعيد الواقع الثقايف لتلك املنطقة )الواقع الإ�سالمي(، والذي يعترب

عامال م�ساعدا للدول الكربى لتحقيق م�ساحلها.

اإن عامل اأو معيار البعد الثقايف يف حتليل واقع م�سالح الدول الكربى يف اخلليج ميكن مقاربته من

خالل �سقن: اأولهما العالقة بن الغرب والإ�سالم، وثانيهما العالقة بن التيارات الإ�سالمية.

ال�سق الأول: العالقة بن الغرب والإ�سالم

ال ميكن اعتبار االأيديولوجية واالقت�ساد وحدهما علمات اأ�سا�سية للتناف�س اأو ال�سراع فامل�سالح من اأهم علماتها االأ�سا�سية

واأ�سملها واأعمقها تاأثريا هو احلقل الثقايف، فكثري من النظريات توؤكد على اأن امل�سدر الرئي�سي لل�سراع يف عامل ما بعد احلرب

الباردة �سيكون م�سدرا ثقافيا ولي�س اأيديلوجيا اأو اقت�ساديا. فالثقافات هي االإطار امل�سيطرعلى العلقات الدولية وتاأكيدا على

هذا الواقع ميكن العودة اإىل ت�سريح الرئي�س الفرن�سي ال�سابق جاك �سرياك يف موؤمتر اليون�سكو عام 2001 حيث قال »القرن

التا�ســـع ع�سر �سهد �سراع القوميات والقرن الع�سرين �سهد �سراع االأيديلوجيات، اأما القرن احلادي والع�سرين ف�سي�سهد �سراع

الثقافـــات«. مـــن هذا املنطلق، فاإن التدخل االأمريكـــي يف العاملني االإ�سلمي والعربي واخلليج جزء منـــه لي�س م�سروعا اأمريكيا

فقـــط، بـــل يف احلقيقة ميكن اعتبـــاره ت�سور الدول الكربى – على الرغـــم من متايزها- لل�سيطرة علـــى املنطقة لعدة اأ�سباب

منطقية:

الإرهــاب: حماولـــة ل�سق االإرهـــاب باالإ�سلم واعتبار منطقـــة اخلليج هي م�سدر االإرهـــاب فكريا وماديـــا وبالتايل فالعامل

الثقـــايف هو الذي يحـــدد هذة الروؤية، وعندمـــا نتكلم عن االإرهاب والنمـــاذج التف�سريية لهذة الظاهرة مـــن ثقافية، �سيا�سية،

اأمنية، اقت�سادية، ا�سرتاتيجية. البد من االعرتاف بان كل تلك التفا�سري ت�سب بالدرجة االأوىل يف خانة امل�سالح.

اخلليج العربي والبعد الثقافـي

كقوة موؤثرة يف حتديد امل�سالح

�سلم الرب�سي باحث يف العلقات الدولية، االأردن.

توازن مفقود

العدد الثاين، يناير/فرباير 2010 ا�سرتاتيجية162

�ســالم الرب�ســـي[email protected]

مدار الأفكار

اآراء�سجالبو�ضــــوح

Page 83: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 164 165ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

الطاقــة: وهـــي اأ�سا�ـــس االعتمـــاد املتبادل بـــني دول العـــامل بابعاده

االقت�سادية واالأمنية والقومية.

م�سكلــة العــرب وامل�سلمن مع اإ�سرائيــل: وهذه امل�سكلـــة لها االأثر

الكبري على الغرب، وهي م�سطرة – اأي الدول الكربى- للتدخل فيها.

اجليو�س االأجنبية: ال ميكن بقاءها يف اخلليج للأبد فمن هذا املنطلق ال

بد لها من بنـــاء انظمة جديدة للأمن واالأمان وم�ساريع ال�سرق االأو�سط

منها – منوذج عن هذا الت�سور. جزء – واخلليج كمـــا اأن امل�سالـــح االإ�سرتاتيجيـــة االإ�سرائيليـــة يف املنطقة منـــذ ما بعد

احتـــلل العراق قائمة على كيفيـــة مواجهة التزايد يف قوة ونفوذ اإيران.

وامل�سالـــح االإيرانية قائمة على كيفية حماية م�ساحلها من اال�ستهداف

االأمريكـــي واالإ�سرائيلـــي. فاإيران واإ�سرائيـــل دولتـــان اإقليميتان تريدان

ة �سوف تكون تهمـــا يف االقت�ســـاد وال�سيا�سة العاملية، وهـــذه احل�س ح�س

يف ال�ســـرق االأو�ســـط حتديـــدا، وكلهما يحتـــاج اإىل �سمانـــات �سيا�سية

مانات لي�ست ببعيدة عن النفوذ واقت�ساديـــة واأمنية، وبالطبع هـــذه ال�س

يف املنطقة العربية وخ�سو�سا منطقة اخلليج العربي.

ال�سكـــوك واملخاوف وا�سحة للعيان عندمـــا يتم التكلم عن ت�سور الدول

الكـــربى للمنطقـــة باأكملها مبا فيها اخلليـــج العربـــي، وم�ساريع ال�سرق

االأو�ســـط باأ�سمائـــه املختلفة حتمل يف طياتها ت�ســـور كامل للمنطقة من

جغـــرايف، �سيا�سي، اقت�سادي، اأمني قائم علـــى حزمة من االإ�سلحات

املتعددة التي يراد تعميمها والتي حتمل يف م�سمونها ابعاد ثقافية، جتعل

مـــن هوية تلك املنطقـــة عابرة للأيدلوجيـــات والدين والهويـــة القومية

واحل�ساريـــة، وهذا ما يطلق عليه حروب الهويات بني الهلل االإ�سلمي

- من املغرب حتى اندوني�سيا - وبني امل�ساريع ال�سرق اأو�سطية.

اإذا كان التنـــازع بالدرجـــة االأوىل هو عبارة عن ت�سارب يف م�سالح تلك

الـــدول، ومن هـــذا املنطق االإ�سرتاتيجي ميكن الت�ســـاوؤل: هل من املمكن

اأن تتقاطـــع امل�سالـــح االإ�سرتاتيجيـــة بـــني االأطـــراف الثلثـــة: اأمريكا،

واإ�سرائيل، واإيران؟

هذا الطرح االإ�سرتاتيجي قد يكون واردا، فلعبة امل�سالح ال تقف عند اأي

حاجز يف علم ال�سيا�سة والعلقات الدولية. فالواليات املتحدة اأ�سبحت

مقتنعة واقعيا باأن املاأزق العراقي مير عرب بوابة اإيران و�سورية، والغطاء

الفكري ملثل هذا التقارب امل�ستقبلي قد يكون قائما على اقتناع الواليات

املتحـــدة باأن اخلطـــر االإرهابي ال�سنـــي اأ�سد وطاأة مـــن النفوذ االإيراين

حوة ال�سيعية هي ال�سد املنيع ال�سيعي يف املنطقة، وبالتايل قد تكون ال�س

املراد منـــه الوقوف يف مواجهة التطرف االإ�سلمي ال�سني العربي، ومن

هذا املنطلق ينظر اإىل اإيران كحليف اأو على االأقل كحالة يجب اإعطاءها

م�ساحة بحدها االأدنى.

ـــراع واملواجهة فيما بـــني اأمريكا هـــذه ال�سيا�ســـة ت�ساعد علـــى نقل ال�س

والغرب واالإ�سلم اإىل املواجهة فيما بني النفوذ ال�سيعي والنفوذ ال�سني.

وهـــذا ما ي�ستدل عليـــه من قـــراءة االإ�سرتاتيجية االأمريكيـــة يف منطقة

ال�سرق االأو�سط من خلل تعاملها الداخلي يف كل من العراق ولبنان.

ال�سق الثاين:العالقة بن التيارات الإ�سالمية

تكمـــن اخلطـــورة يف هـــذا ال�سق بـــاأن ت�ستطيـــع الدول الكـــربى حتقيق

م�ساحلها من خلله، فالواقع االإ�سلمي واخلليج منوذج عنه، تتجاذبه

وتت�ســـارع داخلـــه تيارات خمتلفة وواقع اخلليـــج العربي يعك�س كل تلك

املتناق�سات املتنوعة املختلفة واملت�ساربة:

اأ. فكريــا: االإ�سلحيـــني، التقليديني، االأ�سوليني.. الـــخ. فهناك من

ينادي باالإ�سلح الكامل والتحرر، وهناك من املفكريني الذين ينظرون

للتحـــوالت مبنظار تقليدي. وكذلك االأ�سوليـــني الذين يحاولوا اخلروج

عـــن كل ما هو ماألـــوف واإن�ســـاين اأي التطرف االأعمـــى، وهذا احلراك

ال�سيا�ســـي واالجتماعي يلقي بظلله على امكانيـــة الدول وقدرتها على

احلفـــاظ على كيانها من جهـــة وم�ساحلها من جهة اأخرى، ويف املقابل

ي�سمـــح للـــدول الكـــربى التدخل حتـــت غطـــاء ن�ســـر الدميقراطية تارة

وحقوق االإن�ســـان تارة اأخرى من اأجل حتقيق غايتـــني: االأوىل، ال�سغط

على تلـــك الدول لتحقيـــق م�ساحلها حتت �سعـــار اال�ستقرار واحلفاظ

على االنظمـــة. والثانية، ا�ستغلل هذا احلـــراك لبناء منوذج ح�ساري

ثقايف جديد يخدم م�ساحلها وتطلعاتها.

ب. مذهبيــا: �سني، �سيعي، علوي، وهابي، حوثـــي، اأ�سوري، ماروين،

قبطـــي... الخ. فاخللف املذهبي يف العـــامل االإ�سلمي دخل يف اأ�سول

القناعـــات الدينية بعد خروجه من عبـــاءة امل�سالح ال�سيا�سية، وهناك

�سعـــي نحو فرز وا�سطفـــاف يلعب فية املوروث الطائفـــي دورا حيويا يف

تثبيت ركائز ما هو قادم والعراق منوذج �سارخ لهذا الواقع. فمن نتائج

احتلل العراق يف عـــام 2003 اأحداث تغريات ا�سرتاتيجية يف املنطقة،

فبعـــد اأن كان الواقع قائما على مفهوم م�سالح الدول، االآن هذا الواقع

ورة وا�سحة املعامل فيه. اأمام نفق مل تعد ال�س

معطيـــات املنطقة وحتديدا منطقة اخلليـــج العربي ت�سري اىل اأننا اأمام

نظـــام جديد وخطري للغايـــة، ي�سبه واقع الـــدول االأوروبية ما قبل توقيع

معاهـــدة و�ستفاليـــا 1648، والرهان على الوقت قد ال ميكـــن اأن ي�ستمر

طويـــل يف ظل البيئـــة اال�سرتاتيجية اخلطرة التي تعـــاين منها املنطقة

يف ظـــل القوة امل�سيطرة على هذه البيئة وهي اأمريكا واإ�سرائيل، واإيران

وحـــركات املقاومـــة. وهذه املعطيـــات ميكن ا�ستغللهـــا والتلعب على

تناق�ساتها من قبل الدول الكربى على �سعيدين:

1. داخـــل كل دولـــة علـــى حـــدة، كاخللفـــات املذهبيـــة داخـــل اليمن،

البحرين، الكويت، ال�سعودية، اإيران، العراق، م�سر،..الخ.

2. بـــني الدول فيمـــا بينها: كالعلقات العربيـــة -االإيرانية اأو العربية -

العربية. وهذا ما كان عرب عنه اأكرث من زعيم عربي حول والء ال�سيعة

اأو حـــول »الهـــلل ال�سيعي« اأو ازدياد النفوذ االإيـــراين. وقد تكون القمة

العربية التي انعقدت يف ليبيا العام اجلاري 2010 تعرب عن هذا الواقع،

وخا�سة فيمـــا يتعلق بايجاد املقاربة اال�سرتاتيجية يف كيفية التعاون مع

اإيـــران. وهـــذه املعطيات ميكـــن مقاربتها من خلل طـــرح االإ�سكاليات

التاليـــة: هـــل ت�ستطيـــع الواليـــات املتحدة والغـــرب من ا�ستغـــلل هذه

اآراء مدار الأفكار

املخـــاوف القائمة علـــى ابعاد مذهبيـــة يف معاجلة ملف اإيـــران النووي

مـــن خـــلل دعم مـــا بـــات ي�سمـــى االنظمة املعتدلة ال�سنيـــة لها؟ وهل

يعقل ان ترتكـــز قاعدة وا�سرتاتيجية االأمن القومـــي العربي على ابعاد

مذهبية وطائفية؟

املنطقـــة اأمام تناق�س خطري جـــدا، عربيا اأ�سبح هنـــاك، وبلحظة ما،

راع يف ال�ســـرق االأو�سط من �ســـراع عربي - مـــن يرغـــب اأن ينقـــل ال�س

اإ�سرائيلـــي ا�سرتاتيجي، اإىل �سراع عربي - اإيراين مما يطرح ت�ساوؤالت

اإ�سرتاتيجية بامتيـــاز عن اأولويات حتديد االأخطـــار وكيفية مواجهتها.

ومن امل�ستغرب هذا التحول يف النظرة العربية للم�سالح االإ�سرتاتيجية

العربيـــة، ومـــا هي منطلقـــات ودوافع تلـــك امل�سالح غري املتفـــق عربيا

عليهـــا اأ�سل مـــن حيث غياب االجمـــاع العربي. ومن املوؤ�ســـف جدا اأن

تتخـــذ العلقـــات العربيـــة - االإيرانية طابعا مذهبيـــا، يف حني جند اأن

غوطـــات واملفاو�سات الدولية مع اإيـــران وحتديدا الواليات املتحدة ال�س

واالحتـــاد االأوروبـــي تخرج عن هـــذا االإطار املذهبـــي، بينما جندها يف

و�سع خمتلف داخل منطقة اخلليج العربي وال�سرق االأو�سط.

منذ احتـــلل العراق التـــوازن اال�سرتاتيجي يف منطقـــة اخلليج مفقود

وهـــذا التـــوازن يف االأ�سل حمكـــوم بعوامـــل خارجيـــة وداخليـــة، ولقـــد

اأ�سبحـــت منطقـــة اخلليج م�ســـدرا للقلـــق والتوتـــر وتواجـــه م�ستقبل

حمفوفـــا باملخاطر وملـــيء بالتوقعـــات، خا�سة يف ظل اأو�ســـاع العراق

ال�سعبة. كما اأننا اأمام تناق�س �سعب يف اخلليج، حيث املعادلة ال�سعبة

تلعـــب فيهـــا الدول الكـــربى دور اللعب االأ�سا�سي الـــذي يحارب اإيران

�سيا�سيـــا ويدعمها ا�سرتاتيجيـــا يف ذات الوقت. والتطورات يف اخلليج،

تلك املنطقة احل�سا�سة �ساحبة اخللل يف موازين القوى، بحاجة لر�سد

وبحث ومراقبة ملحاولة ايجاد مقاربة تعيد التوازن االإ�سرتاتيجي املفقود

يف منطقـــة حيوية من العامل العربـــي واالإ�سلمي. هذه املقاربة ال ميكن

اأن يكتب لها النجاح اإال يف حال كانت عملية اإعادة التوازن االإ�سرتاتيجي

قائمة اأقله على اأ�سا�س موازين تبادل امل�سالح ولي�س موازين القوة حتى

اإ�سعـــار اآخر؛ فاحلوار االإيراين - االأمريكـــي واالإيراين - االأوروبي حول

امللـــف النووي اأو الو�سع يف العراق قد يكـــون مبثابة �سورة عن م�ستقبل

تلك املنطقة؟

يبقـــى الت�ساوؤل مطـــروح: اأين العرب من هـــذا الواقع؟ وعلى اأية قاعدة

ميكـــن لنا بناء االأمن القومي: القاعـــدة املذهبية اأم قاعدة توازن القوة

املادي - املفقود حاليا - اأم قاعدة تبادل امل�سالح؟

حتديد تلك القاعدة قد ميكن التما�سه من خلل اإعادة النظر مبوروثنا

وواقعنا الثقايف.

تناق�ص خطري: اأ�سبح هناك من يرغب بنقل ال�سراع يف ال�سرق االأو�سط من �سراع عربي - اإ�سرائيلي ا�سرتاتيجي، اإىل �سراع عربي - اإيراين

Page 84: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 166 167ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

علــى مــدى ن�سف قــرن اأو اأكر مــن الزمن، طراأ تطــور فكــري و�سيا�سي كبري علــى خارطة الأفــكار والروؤى

والت�ســورات لــدى التيــار الإ�سالمــي، وهــو مــا نالحظــه جليــا من خــالل و�ســول البع�ــص منهم عــن طريق

الدميقراطيــة والنتخابــات اإىل �ســدة احلكــم وال�سلطة كما هو احلــال يف فل�سطن وتركيــا. لكن مثل هذه

النتيجــة مل تــاأت اإل بعــد �سوط طويل من اجلدل املحتدم على مدى ثلثي القــرن املا�سي وحتى اليوم حول

الدميقراطية والإ�سالم؛ حدود اللتقاء ونقاط الختالف.

نبيل البكريي

نبيل البكريي باحث يف احلركات االإ�سلمية، اليمن.

نبيل البكريي

[email protected]

مدار الأفكار

بو�ضــــوح

�سجال

اآراء

جدلية االإ�ضلم والدميقراطية..�سهد الن�سف الثاين من القرن املا�سي جدال فكريا حمتدما يف اأو�ساط

النخـــب العربيـــة واالإ�سلمية، مـــن اإ�سلميـــني وعلمانيـــني وليرباليني

وي�ساريني وغريهم، حول اإ�سكالية العلقة بني االإ�سلم والدميقراطية،

لكـــن النقا�س االأهم تركز ب�سكل اأكرب يف اأو�ساط النخب االإ�سلمية قبل

تبلور هـــذا امل�سطلح وحتوله اإىل م�سطلح االإ�سلميني تاليا، اإذ ت�سدر

هـــذا النقا�س عدد من كبار االأدباء والكتاب مـــن اأمثال املفكر امل�سري

الراحل عبا�ـــس حممود العقـــاد يف كتابه »الدميقراطيـــة يف االإ�سلم«،

وتـــله كتاب للكاتب واملفكـــر امل�سري املثري للجـــدل خالد حممد خالد

»الدميقراطية اأبدا« الذي اأ�سدر اأول طبعة منه عام 1953 وما تله بعد

ذلك من كتب تركزت جلها يف هذا املنحى.

وقد تباينت وجهات النظر حول الدميقراطية واالإ�سلم بني اأربعة تيارات

اأو مدار�س فكرية، بح�سب الباحث زكي اأحمد يف كتابه »الدميقراطيات

يف اخلطـــاب االإ�سلمي احلديث واملعا�سر«، الذي حاول فيه �سرب اأغوار

املوقـــف العام لنخب امل�سهد الفكري العربي مـــن الدميقراطية، والذي

تو�ســـل بـــه اإىل تباين هـــذا امل�سهد اإىل اأربعـــة تيارات رئي�سيـــة: فالتيار

االأول، وهـــو الذي حاول اأن يظهـــر اأن يف االإ�سلم ما يقابل دميقراطية

هل جتاوزها االإ�ضلميون؟

Page 85: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 168 169ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

الغرب، حيث ياأتي كتاب املفكر عبا�س حممود العقاد »الدميقراطية يف

االإ�ســـلم« يف طليعة هذه النخبة اإذ جاء �سدور كتاب املفكر االإ�سلمي

اجلزائري مالك بن نبي »حول الدميقراطية يف االإ�سلم« يف هذا االجتاه

حيـــث اأكد فيه على ال�سورى ودالالتهـــا ال�سيا�سية كبديل فكري وفل�سفي

ملفهـــوم الدميقراطية الغربية. اأما التيار الثاين فقد متثل بتلك املدر�سة

التـــي حاولت اأن تظهر نظرية ال�سورى يف االإ�سلم مقابل الدميقراطية

يف الغـــرب، واأبرزهـــا حماولـــة ح�ســـن الرتابـــي يف كتابـــه »نظـــرات يف

الفقـــه ال�سيا�سي«، وكتاب عبد احلميـــد االأن�ساري »ال�سورى واأثرها يف

الدميقراطيـــة«. ويف هذيـــن الكتابني قدم �ساحباهمـــا مقاربات فكرية

حـــاوال من خللهـــا اأن يثبتا اأن ال�ســـورى االإ�سلمية هـــي الدميقراطية

الغربيـــة اأو اأن الدميقراطية الغربية هي ال�سورى االإ�سلمية بعينها، مع

بع�ـــس االختلفات ال�سكلية الب�سيطة. ولعل اأبرز من ميثل هذه املدر�سة

هم تيار االإخوان امل�سلمون بكل تفرعاته ومدار�سه يف العامل االإ�سلمي،

كالعدالـــة والتنمية يف تركيـــا، واحلزب االإ�سلمـــي يف ماليزيا، وحزب

الرئي�ـــس واملفكر االإ�سلمـــي البو�سنـــي الراحل علي عـــزت بيجوفي�س،

موؤ�س�س حزب العمل الدميقراطي.

اأمـــا التيـــار اأو املدر�ســـة الثالثة، فقد حاولـــت الت�سكيـــك بالهجوم على

دميقراطيـــة الغـــرب، واأبرزهـــا حماولـــة خالـــد حممد خالـــد يف كتابه

»الدميقراطيـــة.. اأبـــدا » والذي حتـــدث فيه عن كون االإ�ســـلم هو اأول

دميقراطيـــة يف تاريـــخ الب�سريـــة، وكتاب حممد قطـــب »مذاهب فكرية

معا�ســـرة«، واإن كان يف هـــذا االأخـــري متييـــز وا�سح بـــني الدميقراطية

كمنظومة فكرية متكاملة واالنتخابات كاآلية اإجرائية، حاول من خلله

االأ�ستـــاذ حممـــد قطـــب االأخ االأكـــرب للمفكـــر االإ�سلمي اجلـــديل �سيد

قطب، اأن ي�سع مقاربـــة فكرية بني عليها الكثري من الفتاوى ال�سيا�سية

الأبرز رموز ال�سلفيـــة الوهابية كال�سيخ عبد العزيز بن باز وبن عثيمني،

اللذيـــن اأفتيا بجواز خو�س االنتخابات �سريطة التفريق بني االنتخابات

والدميقراطيـــة من خـــلل قبول االأوىل

ونبذ الثانية.

اأما التيـــار الرابع فهـــو املتمثل بتلك

املدر�سة التـــي رف�ست الدميقراطية

واعتربتهـــا فكـــرة ال متـــت للإ�سلم

ب�سلة، واأبرزها كتاب املفكر ال�سيعي

كاظم احلائـــري »اأ�سا�ـــس احلكومة

»حـــزب وكتابـــات االإ�سلميـــة«،

التحريـــر االإ�سلمـــي« الـــذي اأ�س�سه

القا�ســـي الفل�سطينـــي تقـــي الديـــن

النبهاين عـــام 1953، وهـــذه الروؤية

هي مـــا تتبناه مـــا يعـــرف بال�سلفية

اجلهاديـــة املعروفة اليوم بالقاعدة،

ف�سل عن ف�سيل ما يعرف بال�سلفية

اجلاميـــة، ن�سبة لل�سيخ حممد اأمان اجلامي، تلك الن�سخة ال�سلفية التي

تقد�ـــس النخب احلاكمة، وميثلهـــا اليوم يف اليمن تيـــار ال�سيخ الراحل

مقبل الوادعي وتلمذته، كمحمد االإمام واحلجوري ويف ال�سعودية ربيع

املدخلي وفالح احلربي وغريهما.

روؤية جامدة.. ولكن وعلى الرغم من هذا التباين

واجلدل املحتدم بني نخب امل�سهد االإ�سلمي وقف العلمانيون، مفكرون

ومثقفـــون، عند جدليـــة اأن االإ�سلم والدميقراطية �ســـدان ال يلتقيان،

والعجيـــب يف االأمـــر اأن هـــذا الراأي من قبـــل العلمانيني يحظـــى بتاأييد

�سريحـــة كبرية مـــن االإ�سلميني املت�سددين الذين يـــرون الدميقراطية

كفـــرا؛ الأنهـــا جتعـــل احلاكميـــة لل�سعب، يف حـــني ينبغـــي اأن تكون هذه

احلاكمية هلل.

وتبـــع هذيـــن الطرفـــني العلمـــاين وال�سلفـــي يف روؤيتهـــم بـــاأن االإ�سلم

والدميقراطيـــة �ســـدان ال يلتقيـــان، طـــرف اآخـــر هـــو ق�ســـم كبري من

م�ست�سرقـــي الغـــرب ومراكز الدرا�ســـات واالأبحاث فيـــه التي تنطلق يف

معظم اأحكامها من توجهات غري معرفية بل �سيا�سية بحتة.

ورغم ذلك فقـــد ظهرت توجهات غربية معرفيـــة مو�سوعية ومن�سفة

يف تناولتهـــا لق�سية الدميقراطية واالإ�ســـلم كالباحثني جون ا�سبوزيتو

وزميله جيم�س �سكاتوري، اللذان اأعدا بحثا مهما ن�سر لهما حتت عنوان

»االإ�ســـلم والدميقراطيـــة«. اإذ ذكـــرا يف البحث اأن بع�ـــس اجلماعات

االإ�سلميـــة �سجبت االأ�سلوب الغربـــي للدميقراطية ونظام احلكم الذي

اأدخله الربيطانيون يف بلدانهم، وكان رد فعلهم ال�سلبي هو - يف حقيقة

االأمـــر - تعبريا عن رف�س عـــام للنفوذ اال�ستعمـــاري االأوروبي، ودفاعا

عن االإ�سلم �سد زيادة االعتماد على الغرب، باأكرث منه رف�سا اإجماليا

للدميقراطية.

وهذه روؤية تقرتب كثريا من حقيقة اجلدلية القائمة يف اأو�ساط النخب

الفكريـــة واملثقفة يف ال�ساحة حـــول علقة االإ�ســـلم بالدميقراطية،

وحـــدود االلتقـــاء واالختـــلف معهـــا، واأن مظاهـــر عـــدم القابليـــة

للدميقراطية يف العـــامل العربي واالإ�سلمي ال تعود ب�سكل رئي�سي اإىل

مـــا يقال عن اأن »االإ�سلم خما�سم للدميقراطية وحمقر لها« بح�سب

الكاتب االأمريكي عمو�س برملوتر، بقدر مرد ذلك اإىل تراكمات العداء

التاريخـــي بني الغـــرب والعامل االإ�سلمي، وهو مـــا انعك�س رف�سا لكل

قادم من الغرب من االأفكار واملفاهيم.

اأيــن تكمــن امل�سكلــة؟ �سحيـــح اأن هنـــاك بع�س

االإ�سلميـــني يرى اأن االإ�سلم له ت�ســـوره اخلا�س للحريات. واأن هذا

الت�ســـور اأرقى من الت�سور الدميقراطي، بحيث ي�سري من قبيل ظلم

ال�سريعة واإحباط متيزها اأن نقول باأن االإ�سلم دميقراطي، اإال اأن هذا

الفريق ال يذهب يف القول اإىل تعار�س االإ�سلم مع الدميقراطية.

اآراء مدار الأفكار

هنــاك بع�ــص الإ�سالميــن

يرى اأن الإ�سالم له ت�سوره

اخلا�ص للحريات. واأن هذا

الت�ســور اأرقــى مــن الت�سور

الدميقراطي، بحيث ي�سري

مــن قبيــل ظلــم ال�سريعــة

واإحبــاط متيزهــا اأن نقول

باأن الإ�سالم دميقراطي، اإل

اأن هذا الفريق ل يذهب يف

القول اإىل تعار�ص الإ�سالم

مع الدميقراطية

وتكمن االإ�سكالية يف نظر امل�سلمني عموما، واالإ�سلميني خ�سو�سا،

فيمـــا الحظـــه االأكادميـــي الفل�سطيني عبـــد ال�ستار قا�ســـم من اأن

»�سريحة منهـــم ترى اأن االإ�سلم و�سع نطـــاق احلقوق واحلريات،

لكنـــه جعـــل احلريـــة م�سئولـــة ومرتبطـــة بحـــدود اهلل و�سرعتـــه،

وف�سيـــل اآخـــر من االإ�سلميني قـــال: اإنه ال قيد البتـــة يف االإ�سلم

علـــى احلريـــات؛ الأن كل اإن�ســـان مطالب بعر�ـــس حججه، وتقدمي

بيناتـــه، وعلـــى كل مكلف اأن يختار، حيـــث ال اإجبار على عقيدة يف

االإ�سلم«.

و قريـــب من هذه الروؤية حول علقة االإ�سلم بالدميقراطية، جاء

راأي ال�سيخ حممد الغـــزايل يف كتابه »د�ستور الوحدة الثقافية بني

امل�سلمـــني«، اإذ اأ�ســـار اإىل اأن »الدميقراطية لي�ســـت دينا يو�سع يف

�سف االإ�ســـلم، واإمنا هي تنظيم للعلقة بـــني احلاكم واملحكوم،

ننظـــر اإليه لنطالع كيف توفرت الكرامة الفردية للموؤيد واملعار�س

علـــى ال�سواء، وكيف �سيـــدت اأ�سوار قانونية ملنع الفـــرد اأن يطغى،

ولت�سجيـــع املخالـــف اأن يقول مبلء فمـــه: ال. اإن اال�ستبـــداد كان الغول

الـــذي اأكل ديننـــا ودنيانا، فهل يحرم على نا�ســـدي اخلري للم�سلمني اأن

يقتب�ســـوا بع�س االإجراءات التي فعلتهـــا االأمم االأخرى ملا بليت مبثل ما

ابتلينا به«.

اأمـــا مكفري الدميقراطية كال�سيخ حممد �سرور زين العابدين بن نايف

موؤ�س�س التيار ال�سروري، وعلي باحلـــاج نائب رئي�س اجلبهة االإ�سلمية

للإنقـــاذ اجلزائرية املحظـــورة وغريهم، فرغم تكفريهـــم وت�سفيههم

للدميقراطيـــة فـــاإن بع�سهـــم اليوم، كال�سيـــخ �سرور، يدعـــو اأتباعه اإىل

القبـــول بالدميقراطيـــة ولكن باعتبارها – �ســـرا ال بد منه – ومار�سها

بع�سهـــم بـــل خا�ســـوا جتربتهـــا كال�سيـــخ علي بلحـــاج الـــذي تر�سح يف

انتخابـــات اجلزائر ال�سهـــرية عام 1992، والتي األغيـــت حينها الكت�ساح

االإ�سلميـــني لها، حيـــث خا�سها ال�سيـــخ مع ما كان يكتبـــه من مقاالت

حينها حتت عنوان »االأدلة اجلليـــة يف كفر امللة الدميقراطية«، واأعتقد

اأن هذا اتخذ مبثابة مربر للإيعاز الغربي باإيقاف م�سرية الدميقراطية

اجلزائرية حينها، والـــذي اأ�سبح هاج�سا م�سيطرا على املخيال االأمني

الغربـــي يف تعاملـــه مع احلركات االإ�سلمية حتـــى اليوم، كما هو احلال

بالن�سبة حلركة حما�س الفل�سطينية وغريها من احلركات االإ�سلمية.

جتــاوز.. ولكــن ورغـــم جتـــاوز االإ�سلميـــني اليـــوم

للكثـــري مـــن العقبـــات يف طريق القبـــول بالدميقراطيـــة، اإال اأن ذلك ال

يعنـــي بال�سرورة اأن االنق�سام الكبري من قبـــل االإ�سلميني حول علقة

االإ�ســـلم بالدميقراطيـــة مل يح�ســـم ب�سكل تـــام حتى اللحظـــة، مع اأن

الغالبية العظمى هم اليـــوم من امل�سلمني بالدميقراطية بل والنا�سطني

يف الدعـــوة اإليها بعد اأن �سطروا كتبا ومقاالت يف نقدها والتحذير منها

والرد على القائلني بها.

اأو�ســـح مثـــال على ذلـــك، هـــو القيادي

امل�ســـري يف التيـــار ال�سلفـــي ال�سروري

جمـــال �سلطـــان، وكيـــل موؤ�س�سي حزب

التاأ�سي�س( امل�ســـري )حتـــت االإ�سلح

ونا�ســـر جملـــة »املنـــار اجلديـــد«، الذي

كان من اأكرث الكتاب نقدا للدميقراطية

فتـــوى علـــى ال�سهـــري رده وخا�ســـة يف

القائلـــة القر�ســـاوي يو�ســـف ال�سيـــخ

علـــى ن�ســـره والـــذي بالدميقراطيـــةن

اللندنيـــة »البيـــان« جملـــة �سفحـــات

يف »حـــوار عنـــوان حتـــت 1992 عـــام

الدميقراطيـــة«، والـــذي قال فيـــه: »اإن

والثيوقراطيـــة كلهمـــا الدميقراطيـــة

والتكويـــن الن�ســـاأة اأوروبـــي م�سطلـــح

اأمرهمـــا يعنينـــا وال والداللـــة، والتاريـــخ

كم�سلمني«.

ورغم هذا فقد حتولت نظرة جمال �سلطان للدميقراطية بعد ذلك كغريه

مـــن االإ�سلميني من مدر�سة االإخوان، مرورا بعبد الرحمن عبد اخلالق

�ساحـــب مدر�سة ال�سلفيـــة ال�سيا�سيـــة اأو العلمية كما ت�سمـــى يف اأو�ساط

ال�سلفيـــني، هذا عـــدا عن ال�سوط الكبـــري الذي كان قد قطعـــه االإخوان

يف هـــذا ال�سيـــاق. ومن هنـــا ن�ستطيع القـــول اإن جزءا كبريا مـــن التيار

االإ�سلمـــي جتاوز كثريا م�سكلـــة النظرة ال�سيقـــة للدميقراطية كالتيار

االإخـــواين مبدار�ســـه املختلفة، لكن االإ�سكالية التـــي ما زالت حتوم حول

قبـــول االإ�سلميني للدميقراطية تكمن يف م�ساألـــة الدولة املدنية وحدود

تطبيقاتهـــا املطلقة، كمفهـــوم عام للحرية الليرباليـــة واحلرية املحددة

التـــي تقيدهـــا ثوابت الدين بال�ســـرورة يف االإ�سلم، هـــذا عدا عما بات

يطلـــق عليها يف الكتابـــات الغربية عن احلـــركات االإ�سلمية بـ »املناطق

الرمادية« من قبيل حقـــوق املراأة وغري امل�سلم يف تويل املنا�سب الكربى

يف الدولة امل�سلمة اأو ما ت�سمى فقهيا بالواليات العامة، مع اأن هذه الروؤى

تنطلق يف املخيال الغربي من ت�سور و�سياق ثقايف مغاير لي�س بال�سرورة

اأن يوجد ما مياثله يف النطاق الثقايف واالجتماعي يف املجتمع امل�سلم.

ليبقـــى مع ذلك مفهوم الدميقراطية لدى االإ�سلميني مقبوال يف حدوده

االإجرائيـــة العامة التي ال ت�سادم معلوما من الدين بال�سرورة، وال تعني

بال�سرورة اأي�ســـا اأن الدميقراطية ال ميكن الو�سول اإليها اإال من املدخل

العلماين، ك�سرط اأ�سا�سي، خا�سة يف �سوء جتارب دميقراطية رائدة يف

املنطقة - با�ستثناء الدميقراطية الرتكية بن�سختها االأردوغانية االأخرية

- والدميقراطيـــة االإ�سرائيلية واالإيرانية، التـــي تعاي�س فيها الديني مع

الدنيـــوي جنبا اإىل جنـــب دون اأن يقال اأن غيـــاب اأحدهما �سرط لبقاء

االآخر، وهـــو نف�سه املتعارف عليه يف اأغلب �سيـــغ الدميقراطية الغربية

كالربيطانية واالأمريكية.

الإ�سالمين جتــاوز رغــم

العقبات للكثري من اليوم

ـــول ـــب ـــق ال طــــريــــق يف

اأن اإل بالدميقراطية،

بال�سرورة يعني ل ذلك

الكبري ــام ــس ــ� ــق الن اأن

ــن ــي ــالم ــس ــل الإ� ــب مـــن ق

ــالم ــس حـــول عــالقــة الإ�

بالدميقراطية مل يح�سم

ب�سكل تام حتى اللحظة

Page 86: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 170 171ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

اخل�ضائ�ض الدميغرافية لل�ضكان فـي اجلمهورية اليمنية

اأمني حممد حمي الدين اأحمد نعمان الربكاين

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

ي�ضدر قريبا

الفهر�ست

مراجعات للكتب وعرو�س موجزة

اأمريكا والطريق

اإىل»الدميقراطية

الإ�سالمية«

بالإ�سافة اإىل

عرو�ص موجزة

نوح فلدمان/ م. �س. ح

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

Page 87: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 172 173ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

ونـــوح فلدمان، ملن ال يعرفه، هو اأ�ستاذ القانون الد�ستوري بكلية القانون

بجامعـــة نيويورك. وقد ح�سل على درجة الدكتوراه يف الفكر االإ�سلمي

من جامعـــة اأك�سفورد الربيطانيـــة. وعقب الغزو االأمريكـــي للعراق وقع

االختيار عليه �سمن جمموعة من القانونيني ل�سياغة الد�ستور اجلديد

لهـــذا البلـــد. ومـــا مييـــز فلدمان اأنه نـــاأى – وينـــاأى - بنف�ســـه عن تيار

“املحافظني اجلدد” الذي اتخذ - وال يزال رغم انكفاءه الن�سبي موؤخرا - موقفـــا مت�سلبا من االإ�سلم، وتراه فئـــة منهم على اأنه العدو اجلديد

الـــذي حل حمل ال�سيوعية، والبد مـــن اال�ستباك معه حتى يكون م�سريه

هو م�سري ال�سيوعية )!(. وهو يعتقد ب�سورة حا�سمة اأن الطريق الوحيد

اأمام اأمريكا كـــي تتمكن من ك�سب االأ�سدقاء يف العامل االإ�سلمي يتمثل

يف اإثباتهـــا - وعلى نحو قاطع - اأنهـــا تريد م�ساعدتهم لتحقيق ما تنعم

بـــه من حرية ورخاء ونظام حكم يتيح لل�سعـــب امل�ساركة فيه، واأنها متى

متكنت من ذلك فاإن املت�سككني �سيبداأون �ساعتها - و�ساعتها فقط - يف

تغيري نظرتهم الأمريكا، والتعامل معها ب�سكل خمتلف، بناء واإيجابي.

يتاأ�س�س كتاب “ما بعد اجلهاد” على فكرة حمورية مفادها اأننا جتاوزنا

مرحلة اجلهاد، مبعنى تعبئة االإ�سلم الراديكايل يف حرب حتى النهاية

مـــع الواليات املتحـــدة زعيمة العـــامل الغربـــي، اإذ اأن االإ�سلم املتطرف

كمـــا يقـــول فلدمان يف اأفـــول �سريع، وقـــد اأجهد نف�سه وفقـــد قوة الدفع

ال ب�سبـــب املوقف االأمريكي منـــه، بل الأن جماهري امل�سلمـــني على ات�ساع

العامل االإ�سلمي وتنوعـــه ترف�س هذا النهج. وال يعنى ذلك اأننا ب�سدد

انتهـــاء االأعمال االإرهابية، ف�سوف ت�ستمر هذه االأعمال على نحو متفرق

ولكنهـــا �ستكـــون اأعماال يائ�سة حمبطة. حتى هجـــوم 11 اأيلول/ �سبتمرب

يـــراه فلدمان على اأنه ح�سرجة يائ�ســـة لتيار مهزوم. لقد وهن احلما�س

للجهاد الثوري. واأينما توجهت اأب�سارنا، ال نرى اإال هزائم لهذه القيادة

يف اأفغان�ستان وال�سودان واإيران.. لقد فقد اجلهاد الثوري بريقه.

اإن لب ما يذهب اإليه فلدمان، هو العك�س متاما مما ذهب اإليه فران�سي�س

فوكويامـــا يف كتابه “نهايـــة التاريخ وخامت الب�ســـر”، والراحل �سامويل

هنتنجتون يف كتابـــه “�سدام احل�سارات واإعادة بناء النظام العاملي”،

طريق اأمريكا اإىل

»الدميقراطية االإ�ضلمية«بالن�سبة الإدارة الرئي�س االأمريكي باراك اأوباما، والتي اأبدت حر�سها - كما اأعلنت يف اأكرث من منا�سبة - على التعامل مع العامل

ل كتاب نوح فلدمان »ما بعد اجلهاد: اأمريكا االإ�سلمي ب�سورة خمتلفة اأ�سا�سها »االحرتام املتبادل وامل�سالح امل�سرتكة«، قد ي�سك

والن�ســـال من اأجـــل الدميقراطية االإ�سلمية«، بطروحاته املغايـــرة واأفكاره العملية، اإطارا مهما للفهـــم وتوليد املبادرات ودافعا

للحركـــة ب�سكل اأكرث اإيجابيـــة يف�سي اإىل جتاوز القوالب النمطية اجلاهزة التي حددت - لفـــرتة طويلة، ال�سيما عقب اعتداءات

احلادي ع�سر من اأيلول/ �سبتمرب 2001 - �سكل وم�سار توجهات ال�سيا�سة اخلارجية االأمريكية اإزاء العامل االإ�سلمي.

�ســـدرت اأوىل طبعـــات كتاب »ما بعد اجلهاد« ربيع العام 2003، يف ظل حملة اأمريكية حممومة كان العراق هدفها املركزي، وكان

ال�ســـوؤال املطـــروح اأمام الكثريين وقتذاك: »هل ميكن اأن حتـــل الدميقراطية يف دولة يلعب فيها االإ�ســـلم دورا فاعل؟«، غري اأن

اأمريكا املهوو�سة - كما »حمافظيها اجلدد« – بالعراق مل تكن حتى ذلك احلني قد �سغلت نف�سها باالإجابة عنه. لكن نوح فلدمان

فعل، وجاء كتابه هذا نتيجة مبا�سرة لهذا االن�سغال الفكري العميق حول »الدميقراطية االإ�سلمية«. وبح�سب فلدمان فاإن املق�سود

بالدميقراطية االإ�سلمية »املزاوجة بني القيم االإ�سلمية كما ينظر اإليها امل�سلمون، والقيم املعرتف باأنها دميقراطية«.

عرو�ض موجزة مراجعات

الفهر�ست

وحتـــى ما يذهب اإليه م�ست�سرق ذائع ال�سيت كربنارد لوي�س يف اأكرث من

عمـــل له، اإذ يوؤمن فلدمان اأنه لي�س هناك تعار�س جوهري بني االإ�سلم

والدميقراطيـــة، واأن الوقـــت الراهن هو وقت واعـــد الإحداث تزاوج بني

االإ�سلم والدميقراطية. فكلهما يت�سمنان اأفكارا مرنة قابلة للنت�سار،

كمـــا اأن االإ�سلم لي�س بدعة بني االأديان ال�سماوية؛ فكني�سة اجنلرتا هي

الكني�سة الر�سمية، واملحكمـــة العليا يف اأمريكا ت�ستبعد امللحدين عندما

ت منذ زمن غري بعيد على اأننا �سعب متدين تعرتف موؤ�س�ساته بوجود ن�س

ف نف�سها باأنها “دولة يهودية دميقراطية”. وجميع اهلل، واإ�سرائيـــل تعر

امل�سلمـــني مت�ساوون اأمام اهلل، مثلمـــا تدعو الدميقراطية للم�ساواة، كما

اأن االإ�ســـلم منفتح على خمتلـــف الثقافات، بدليـــل اأن هناك اأمما من

�ســـرق االأر�س وغربها دخلت االإ�ســـلم واحتفظت يف نف�س الوقت بلغتها

ونظم حكمها.

ويرى فلدمان اأن العدالة واالأخلق واالأمل وااللتزام يف االإ�سلم مفاهيم

تت�ســـم بالعمق، وت�ســـكل يف الوقت ذاته قوة هائلة ميكـــن اأن ترثى العمل

ال�سيا�ســـي واالجتماعـــي. واملوؤكـــد اأن قوة االإ�سلم يف حيـــاة امل�سلمني ال

تتعار�ـــس مع اجتاه مئـــات املليني مـــن امل�سلمني الذيـــن يوؤمنون بحكم

اأنف�سهـــم باأنف�سهـــم. ولهـــذا ت�سهـــد احلقبـــة احلاليـــة،

حقبـــة ما بعـــد اجلهاد، ت�سهد تكثيفـــا يف منو احلركات

ال�سعبية االإ�سلمية التـــي توؤمن بنوع من الدميقراطية،

وهى دميقراطية تتطـــور با�ستمرار وتن�سد �سيا�سة حكم

ر�سيدة.

ويف ال�سيـــاق ذاته، يجـــادل فلدمان بـــاأن مفهوم اجلهاد

االأكـــرب، جهـــاد النف�ـــس، الـــذي ين�ســـب اإىل الر�سول هو

يف اأدق معانيـــه جهاد من اأجل العدالـــة. كما اأن ت�سارع

االأفـــكار ال ينبغـــي اأن يف�سي بال�ســـرورة اإىل �سراع. اإن

اخلطـــاب االإ�سلمـــي، يف جوهـــره، هو خطـــاب العدالة

و�سيادة القانـــون وال�سورى وامل�سئولية. ويرى اأن املع�سلة

االأ�سا�سيـــة للدميقراطيـــة يف العـــامل االإ�سلمـــي لي�ست

العقيدة االإ�سلمية ولكنها يف نظم احلكم الديكتاتورية واالأوتوقراطية،

واالنف�ســـام بني هذه النظم و�سعوبها. اإنها نظم ت�ستميت يف الدفاع عن

اأماكنها املغت�سبة يف احلكم واالقت�ساد واالأمن. ف�سل عن ذلك يعرتف

فلدمـــان بالتنـــوع ال�سديد بني البـــلد االإ�سلميـــة فيما يتعلـــق بالتقدم

نحـــو الدميقراطية والظـــروف االقت�سادية واالجتماعيـــة، ولكن النظم

الديكتاتورية تقف ب�سرا�سة �سد الدميقراطية احلقيقية.

وهنـــاك عقبـــة اأخـــرى كاأداء اأمـــام الدميقراطيـــة تتمثـــل يف تف�سيـــل

الواليات املتحـــدة للنظم االأوتوقراطية، واإن كانت هذه ال�سيا�سة تخ�سع

ملراجعـــة وا�سحة االآن. لقد قدمت هذه النظم نف�سها على اأنها احلامية

لل�ستقـــرار الذي يخـــدم امل�سالح االأمريكية �سد اخلطـــر الذي ي�سكله

االإ�سلميـــون. يف الوقت نف�سه اأخلت هـــذه النظم ال�ساحة ال�سيا�سية من

اأي قـــوى �سيا�سية فاعلـــة، حتى تبدو للأمريكيني باأنهـــا البديل الوحيد.

ويكرر الكاتب هذه النغمة من اأول الكتاب الآخره، وي�سدد عليها وين�سح

الواليات املتحـــدة بالتخلي عن هذه النظم. ويف خط مواز، يدعوها اإىل

تبنـــي خيار دعم و�ســـول االإ�سلميني اإىل ال�سلطة عـــرب انتخابات حرة ،

ويوؤكـــد اأنه مـــن اخلطاأ االعتقاد بـــاأن االإ�سلميني متعار�ســـون حتما مع

ما بعد �جلهاد:

�أمريكا و�لن�سال من

�أجل �لدميقر�طية

�لإ�سالمية

نوح فلدمان

ترجمة: عبد�لرحمن

عبد�هلل �ل�سيخ

د�ر �ملريخ للن�سر،

�لقاهرة

2004432 �سفحة.

بيانات الكتاب

غالف الطبعة العربية

نوح فلدمان

غالف الطبعة الإجنليزية

Page 88: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 174 175ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

امل�سالـــح االأمريكية . ولذا ينبغي على الواليات املتحـــدة اأن تدفع بخيار

االإ�سلميـــني املعتدلني، واأن ت�سمح للأحـــزاب ال�سيا�سية االإ�سلمية باأن

تخو�ـــس انتخابات حـــرة ، فتجربـــة الدميقراطية االإ�سلميـــة واملت�سمة

باحليويـــة والقابلية للتطبيق على اأر�س الواقع، ت�ستحق اأن تعطى فر�سة

بالفعل .

وعطفا على ما �سبق، يحذر فلدمان من تفويت فر�سة تر�سخ الدميقراطية

االإ�سلمية يف العاملني العربي واالإ�سلمي، موؤكدا اأن بديل الدميقراطية

�سيكون املزيـــد من االأوتوقراطية، وال خمرج من هـــذا الطريق امل�سدود

�ســـوى ت�سور نوع ما من الدميقراطيـــة االإ�سلمية. فلي�ست هناك حاجة

الأن تكـــون دميقراطيـــة امل�سلمـــني ذات امل�سمون االإ�سلمـــي هي نف�سها

دميقراطيـــة االإ�سلميني الذين ال يحكمون اإال وفق ال�سريعة االإ�سلمية،

بـــل اإن االأمـــر االأكـــرث احتماال هو اأنهـــا �ست�ستمد من قيـــم االإ�سلم، ويف

الوقـــت نف�ســـه، ت�ستوعب املبـــادئ الدميقراطيـــة، واحلمايـــة القانونية،

واملوؤ�س�سات. بل اإنه حتـــى دميقراطية االإ�سلميني - اإن اأمكن ت�سور اأن

يكـــون االإ�سلميون دميقراطيني- قد يكون فيها من املزايا اأكرث مما يف

االأوتوقراطيـــة. وي�سيف املوؤلف قائل: اإن اأحد االأ�ســـكال املمكنة للدولة

االإ�سلمية ميكن اأن ت�سمن لكل مواطنيها حقوقا مت�ساوية، ومنها حرية

االعتقـــاد اأو احلرية الدينيـــة للم�سلمني وغري امل�سلمني علـــى حد �سواء؛

اإذ ال يتعـــدى معنى اأن الدولة اإ�سلمية �سوى الن�س على اأن االإ�سلم هو

الديـــن الر�سمي للدولـــة. وثمة احتمال ثان وهـــو اأن تتخذ الدميقراطية

االإ�سلميـــة من ال�سريعـــة االإ�سلمية التقليدية م�ســـدرا لقوانني االأمة،

وهـــذا هو االقرتاح االأكرث �سيوعا، وقـــد تق�سر الدولة االإ�سلمية الثالثة

املحتملة يف نظامها الت�سريعي على ال�سريعة االإ�سلمية وحدها.

ويحـــاول فلدمان اأن يربهـــن لبلده وللغرب علـــى اأن اإيجاد دميقراطية

يف دولـــة م�سلمـــة اأمـــر ممكن من خـــلل النمـــوذج االإيـــراين والنموذج

الرتكـــي، فطبقـــا له متثل اجلمهوريـــة االإ�سلمية االإيرانيـــة االآن فر�سة

لظهـــور الدميقراطيـــة االإ�سلمية، وهي فر�سة ال نظـــري لها، فمثل هذه

الدميقراطيـــة االإ�سلميـــة �ستبداأ يف حـــل امل�ساكل التـــي تواجهها اإيران

اليـــوم دون عنف، واأكـــرث من هذا ف�ستكون منوذجـــا حتتذيه دول اأخرى

يف العـــامل االإ�سلمـــي. اأما تركيا فهي تقدم اليوم منظـــورا رائعا - على

حـــد قولـــه - الإمكانيـــة الدميقراطيـــة االإ�سلميـــة؛ فرتكيا لديهـــا اأكرث

الدميقراطيـــات فاعليـــة يف اأي دولة ذات غالبيـــة م�سلمة يف العامل، كما

اأنهـــا متثل حمكا حقيقيا الإمكان قيـــام دميقراطية اإ�سلمية. لقد اأظهر

االإ�ســـلم يف تركيا ما يتميـــز به من قابلية للتجدد والتكيف، على الرغم

مما تعر�س له من قمع وتهمي�س على مدى ثمانني عاما.

ومـــا يقال عـــن تركيا ميكـــن اأن يقال عن جتـــارب اإندوني�سيـــا وماليزيا

وباك�ستـــان. فعلى الرغم من تعرث التجربة الدميقراطية يف هذه البلدان

مـــا زالت هناك اإمكانيات ال باأ�س بها لقيام الدميقراطية. ويوؤكد املوؤلف

الظـــروف اخلا�ســـة الإندوني�سيـــا وماليزيـــا، اأوال لنوعيـــة االإ�سلم الذي

انت�ســـر هنـــاك، اإذ مل ينت�ســـر بالغـــزو بل باالإقنـــاع. ف�سل عـــن ف�سائل

الت�سامح الـــذي مييز ح�سارة هذه املناطـــق. ويف باك�ستان ي�سري املوؤلف

اإىل موقـــف ال�سفـــوة الباك�ستانية التي مل تتخل اأبدا عـــن مبداأ املواءمة

بـــني الدميقراطية واالإ�سلم، ناهيك عن جتربـــة الباك�ستانيني الطويلة

يف مداوالت العلقة بني االإ�سلم والدميقراطية.

وال يياأ�ـــس فلدمـــان من اإمكانية قيام دميقراطيـــة يف دول العامل العربي

علـــى ما بينها مـــن اختلفات وتنوعات، اإال اأنه يـــرى - كما راأى اآخرون

غـــريه - اأن الدميقراطية تواجه اأ�سعب امتحاناتها يف املنطقة العربية.

وممـــا مييـــز الدول العربيـــة امللكيـــة اأو الع�سكرية الفقـــرية اأو الغنية هو

احلكم الديكتاتوري، واإن اختلفت حدته يف �سورية وليبيا مثل من ناحية

وم�ســـر من ناحية اأخـــرى. فالدميقراطية يف هذه الـــدول تواجه حمنة

�سديدة تتمثل يف احلظر على تكوين االأحزاب ال�سيا�سية وعلى احلريات

وغيـــاب ال�سمانات القانونية، وهناك ال�سجون وتلفيق التهم للمعار�سة.

ومع ذلك فرياح التغيـــري بداأت تهب على املنطقة، حيث ن�سهد حتركات

طبقـــات االأر�س التحتيـــة ال�سابقة حلدوث الهـــزات االأر�سية، فرنى يف

ال�سعوديـــة انتخابات بلديـــة جديرة باالإ�سادة، وهنـــاك جتربة البحرين

املب�سرة باالأمل.

وعلـــى الرغـــم مـــن اأن الدميقراطية �ستحتـــاج حللفاء حمليـــني لتنجح

يف العـــامل االإ�سلمي، لكـــن اأحد االأفـــكار الرئي�سية التـــي يتحلق حولها

كتـــاب فلدمان هذا هـــو اأن م�سلمني كثرييـــن م�ستعـــدون بالفعل للأخذ

بالدميقراطية، بيد اأن حكوماتهم هي التي تعرت�س الطريق. ومع ذلك،

ثمة ما ي�سري اإىل اأن الدميقراطية �ستجد حلفاء لها من املجتمع املدين،

مـــن بني املعتدلني والعلمانيني، بـــل و�ستجد لها حلفاء اأي�سا - وهذا اأمر

جديـــر بامللحظة - بني االإ�سلميني الذين ق�سوا طوال كثري من اأعوام

العقـــد املا�سي يف بنـــاء موؤ�س�سات اجتماعية وخريية اأ�ســـار اإليها علماء

ال�سيا�ســـة بو�سفهـــا جمتمعـــا مدنيا. وبـــذا لن تكون اجلهـــود االأمريكية

لت�سجيـــع منـــو الدميقراطية يف العامل االإ�سلمي بـــذورا األقيت يف اأر�س

قاحلـــة، طاملا اأن االإ�سلم والدميقراطية ت�ساوقـــا ونتجت عنهما توليفة

ا�سمها “الدميقراطية االإ�سلمية”.

وق�سارى القول اإن امل�سلمني - على حد تعبري املوؤلف يف �سفحات الكتاب

االأخرية - مل تلدهم اأمهاتهم مربجمني �سد الدميقراطية اأو لقبول حجج

االإ�سلميني املتزمتني، هذا ما يثبته القرن الع�سرون. باإمكاننا اأن نعرف

�ســـدق هذه املقولة فقط عندما توجد حريـــة �سيا�سية حقيقية يف العامل

االإ�سلمـــي، وعندما ت�سبح االنتخابات حرة ونزيهة. فحتى االآن مل يتم

جتريب �سيا�سات اإ�سلمية حرة يف معظم الدول االإ�سلمية. واأخريا فاإن

املراقـــب لل�ساحة االإ�سلمية منذ اأحداث 11 اأيلـــول/ �سبتمرب امل�سئومة،

وعقـــب غزو كل مـــن اأفغان�ستان والعراق، ي�سهد �سباقـــا الهثا بعيدا عن

االأنظـــار على امتداد العامل االإ�سلمي يعاود النظر يف امل�سلمات، وينظر

يف كيفيـــة التاأقلم مع النظام اجلديـــد يف املنطقة ويف العامل. واإن كانت

ال�ســـورة العامة تبدو وكاأن االأمور جتري على ما تعودت اأن جتري عليه،

اإال اأن ال�سورة مل تعد كذلك حقا.

مراجعات الفهر�ست

م. �ص. ح

�سيا�سة اليمن اخلارجية جتاه دول القرن الإفريقي:

م�ساهمة يف درا�سة القرار ال�سيا�سي

حممد علي عمر احل�سرمي

مركز �سباأ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية )�سنعاء(، 2009

265 �سفحةي�سعـــى موؤلف هذا الكتاب اإىل تو�سيح االأ�س�س العامة

التي يرتكز عليها القرار ال�سيا�سي اخلارجي اليمني

يف �سكلـــه العام، وجتـــاه دول منطقة القرن االإفريقي

ب�سكل خا�س، اإذ تعاين دول هذه املنطقة من توترات

ونزاعات م�ستمرة وعـــدم ا�ستقرار، وما ي�سكله ذلك

مـــن تاأثـــري يف دول اجلـــوار، ومنهـــا اليمـــن. والأجل

حتقيـــق هذه الغاية، فـــاإن هذه الدرا�ســـة -كما يقول

�ساحبها- حتاول االإجابة علـــى بع�س اال�ستف�سارات

والت�ســـاوؤالت اأهمهـــا: كيف يتم �سنع قـــرار ال�سيا�سة

اخلارجيـــة اليمنيـــة؟ وما هو دور كل مـــن املوؤ�س�سات

الر�سميـــة وغري الر�سميـــة يف عملية �سنع القرار ال�سيا�سي اخلارجـــي؟ وما مدى تاأثري

البيئـــة اخلارجيـــة يف قـــرار ال�سيا�سة اخلارجيـــة اليمنية؟ وملـــاذا يهتم �سانـــع القرار

ال�سيا�سي اليمني يف �سيا�سته مبنطقة القرن االإفريقي؟

ويخل�س املوؤلف يف نهاية الدرا�سة اإىل جمموعة من اال�ستنتاجات اأهمها: اأن ال�سياغة

النهائيـــة للقـــرار ال�سيا�ســـي اخلارجـــي اليمني تنفرد بـــه موؤ�س�سة واحـــدة وهي رئا�سة

اجلمهوريـــة التي متتلك مبفردهـــا ال�سلطات واالمتيازات التـــي تخولها بطبع ال�سيا�سة

اخلارجيـــة اليمنية وفـــق فل�سفتها اخلا�سة؛ كمـــا اأن دور ال�سلطـــة الت�سريعية يف عملية

�سنـــع قـــرار ال�سيا�سة اخلارجيـــة اليمنية ما يـــزال �سعيفا كون ال�سلطـــة الت�سريعية يف

اليمن تعاين من �سعف يف بنيتها الوظيفية، وذلك حد من قدرتها على ممار�سة عملية

�سنع ال�سيا�سة يف �سكلها العام ومنها القرار ال�سيا�سي اخلارجي؛ واأن تاأثري اجلماعات

والقـــوى الفاعلـــة داخليا يف القـــرار ال�سيا�سي اخلارجي ما يـــزال دون امل�ستوى املاأمول

مقارنـــة بالو�سع يف الـــدول املتقدمة، فتاأثري تلك اجلماعات علـــى القرارات ال�سيا�سية

الداخليـــة، يكاد يكون اأكرب مـــن ق�سايا ال�سوؤون اخلارجيـــة؛ واأخريا يلحظ من خلل

تتبـــع القـــرار ال�سيا�سي اخلارجي اليمني جتاه دول منطقة القـــرن االأفريقي، اأن هناك

حترك اإيجابي ل�سانع القرار نحو ق�سايا دول املنطقة خا�سة امل�ساعي الرامية اإىل دعم

املبادرات التي تقوم بها جيبوتي وكينيا، ودورهما يف و�سع حد للأزمة ال�سومالية.

اليمن وجمل�ص التعاون لدول اخلليج العربية: البحث عن الندماج

حممد �سيف حيدر

مركز الإمارات للدرا�سات والبحوث ال�سرتاتيجية )اأبوظبي(، 2010

98 �سفحة يجـــادل الباحـــث اليمني حممـــد �سيف حيدر يف كتابـــه هذا، الذي ن�ســـر موؤخرا �سمن

�سل�سلـــة »درا�ســـات ا�سرتاتيجية« التي ي�سدرهـــا مركز االإمـــارات للدرا�سات والبحوث

اال�سرتاتيجيـــة، باأنـــه رغـــم اأن العلقـــات اليمنية

- اخلليجيـــة تبـــدو اليـــوم يف حالـــة »اأكـــرث مـــن

جيـــدة« مقارنـــة ب�سنوات العقد االأخـــري من القرن

الع�سريـــن، اإال اأن وردية امل�سهـــد اليمني اخلليجي

الظاهرة، تخفي يف احلقيقة بني ظللها تعقيدات

جمـــة وعوائق ي�سعـــب جتاوزها، مينيـــا وخليجيا،

دون دفع اأثمان باهظة ترهق طريف العلقة باأعباء

هائلـــة، ورمبا تتجاوز بكثري ما يح�سبان ح�سابه يف

الوقت الراهن. وهذا يعني اأن التقدم احلا�سل يف

العلقـــات اليمنية - اخلليجية عموما، ويف م�سرية

التكامـــل االإقليمـــي الذي يتيـــح لليمن نيـــل الع�سوية

الكاملة يف جمل�ـــس التعاون اخلليجي خ�سو�سا، يظل �سكليا وغري مثمر كثريا، وينتظر

دفعة اإ�سرتاتيجية اأقوى حترك مفا�سله املتثاقلة.

ويف �سوء ذلك، حتاول الدرا�سة ا�ستك�ساف اإمكانات اندماج اليمن يف منظومة جمل�س

التعـــاون لدول اخلليـــج العربية يف ظل املعطيات والتطـــورات االأخرية التي ي�سهدها كل

مـــن اليمن وحميطه االإقليمي، وذلك من خـــلل بحث وحتليل الثابت واملتغري يف دوافع

طريف العلقة من عملية االندماج وعوائقها وواقعها الراهن، و�سوال اإىل حماولة ر�سم

معامل م�ستقبل هذه العملية وماآالتها يف �سوء املتغريات واالأو�ساع امل�ستجدة يف املنطقة،

والتـــي اأخذت تفر�س نف�سها على �سنـــاع ال�سيا�سات يف اليمن ويف دول اخلليج على حد

�ســـواء، وتنبئ - كما يعتقـــد املوؤلف - باإمكانية دخول العلقة بـــني اليمن ودول جمل�س

التعـــاون منعطفا مهمـــا وحا�سما قد يوؤ�س�س ملرحلة جديدة يف تاريخ اليمن املعا�سر كما

يف م�سرية جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية التكاملية.

اأن تكون عربيا يف اأيامنا

عزمي ب�سارة

مركز درا�سات الوحدة العربية )بريوت(، 2009

239 �سفحةم املفكـــر العربـــي املعـــروف عزمـــي ب�ســـارة يقـــد

بـــني دفتـــي كتابه هـــذا جمموعـــة مـــن الدرا�سات

واملحا�ســـرات قدمها يف الفـــرتة من منت�سف عام

2007 حتـــى بدايـــة عـــام 2009، وفيهـــا ربط

م�ساألـــة النه�سة بالهويـــة العربية واحلداثة، وربط

م�سري القوميـــة العربية مبدى قدرتهـــا على تقبل

مهمـــات وحتديـــات املجتمـــع احلديـــث والع�ســـر

احلديث، ومواجهة هذه التحديات. يتاألف الكتاب

مـــن ثلثة اأق�ســـام رئي�سة هـــي: »ق�سايـــا عربية«،

و«املتغـــريات االأمريكيـــة يف نهايـــة مرحلـــة بو�س«،

و«فل�سطني والق�سية الفل�سطينية«.

الفهر�ست

عرو�ض موجزة

Page 89: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 176 177ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

وتتميــــز مو�سوعات هذا الكتاب باأمرين: اأولهما، براعة الباحث يف ربط م�ساألة النه�سة

بالهوية العربية واحلداثة، وربط م�سري القومية العربية مبدى قدرتها على تقبل مهمات

وحتديــــات املجتمع احلديــــث والع�سر احلديث، ومواجهة هــــذه التحديات مب�سروع. كما

يربــــط بــــني مهمة جتديد الفكر العربي مب�سروع بناء االأمــــة، وحتديد مطالب وبرامج يف

هــــذا االجتاه تكون مفهومة للنا�س، وميكــــن للنا�س ربطها مب�ساحلهم املادية واحلقوقية

كمواطنــــني. واالأمر الثــــاين: ما حتمله ف�سول الكتاب - وهي �ستة ع�سر ف�سل - من بعد

فكــــري جديــــد، واأ�سلوب ت�سخي�سي حتليلــــي، اإ�سافة اإىل ما جتلى فيهــــا من نب�س حيوي

ي�ســــري اإىل �ســــرورة جتديد الفكــــر، اإن كان ذلك يف الق�سية العربيــــة عموما، اأو الق�سية

الفل�سطينية.

ال�سيعة يف امل�سرق الإ�سالمي: تثوير املذهب وتفكيك اخلريطة

عاطف معتمد عبد احلميد

�سركة نه�سة م�سر للطباعة والن�سر والتوزيع )القاهرة(، 2008

227 �سفحةمن خـــلل قـــراءات كثرية وخـــربة ميدانيـــة وا�سعة

جمعهـــا يف كتابـــه »ال�سيعـــة يف امل�ســـرق االإ�سلمـــي:

تثويـــر املذهب وتفكيـــك اخلريطة« يحـــاول الدكتور

عاطف معتمـــد عبد احلميد االإجابـــة على جمموعة

مـــن االأ�سئلة التي اأثريت بعـــد �سقوط بغداد واحتلل

العـــراق من قبل اأمريكا يف العـــام 2003 حول �سعود

ال�سيعة يف العراق واملنطقة عموما. حيث اأغرى هذا

ال�سعـــود ال�سيعـــي املوؤلـــف بتتبع اخلريطـــة ال�سيعية

يف العـــامل االإ�سلمـــي وبقيـــة دول العـــامل؛ فبحث يف

ن�سبتهـــم االإجماليـــة من عـــدد ال�ســـكان، ويف وزنهم

ال�سيا�ســـي، وكيـــف مت�ســـي علقتهـــم االقت�ساديـــة

واالجتماعية باجلماعات الدينية واالأثنية االأخرى.

كمـــا حاول املوؤلف االإجابـــة على اأ�سئلة اأخرى من قبيل من الـــذي ر�سم ملمح ال�سورة

النمطيـــة التي نحملها عن ال�سيعة؟ هل هم م�ست�سرقـــون اأم �سلفيون؟ واإذا كان املفهوم

ال�سيعـــي يـــرى يف كل اأر�س كربلء ويف كل يـــوم عا�سوراء فما الذي يجمـــع �سيعة الهند

وباك�ستـــان ب�سيعة اخلليـــج ولبنان. وكيف مت�ســـي العلقات ال�سنيـــة – ال�سيعية �سمن

هـــذه اخلريطة املعقدة. كل هذه االأ�سئلة يجيب عليهـــا املوؤلف من خلل ف�سول الكتاب

اخلم�سة، حيث يعنى الف�سل االأول بتلم�س ما �سماه املوؤلف »بالقابلية للفتنة« وهو ف�سل

يقـــدم �سورة اإجمالية عن االأ�سباب التي وقفت خلـــف �سعود ال�سيعة ال�سيا�سي يف الربع

االأخري من القرن الع�سرين.

ويعالـــج الثاين �سورة ال�سيعـــة يف امل�سرق االإ�سلمي تلك ال�ســـورة التي ت�سكلت يف وعي

الكثرييـــن من خلل ما كتبه امل�ست�سرقون عن ال�سيعة، ف�سل عن ر�سم ملمح ال�سورة

التي يقدمها التيار ال�سلفي عن ال�سيعة يف امل�سرق االإ�سلمي. اأما الف�سل الثالث فيقرتب

مـــن �سيعـــة اخلليج واليمن معتنيا بالتطـــورات التي حدثت يف العقـــود الثلثة االأخرية.

ويلقي الف�سل الرابع ال�سوء على اأكرث مناطق ال�سيعة توترا يف لبنان وفل�سطني و�سوريا.

بينمـــا يطوف الف�سل اخلام�س على بع�ـــس معامل ال�سيعة يف الهند وباك�ستان مع اإعطاء

اإ�سارات حول ما ميكن ت�سميته باالإ�سلم ال�سعبي يف هذه املنطقة بالغة التنوع.

الإ�سالم واحلداثة: الن�سحاب الثاين من مواجهة الع�سر

جمموعة من الكتاب

الأهلية للن�سر والتوزيع ومنــرب احلرية، بال�سرتاك والتعاون مع موؤ�س�سة

2010 اأول” )عمان(، فور “ليربتي 204 �سفحات

يقـــدم هـــذا الكتاب قـــراءة ثريـــة ومهمة الإ�سكاليـــة االإ�ســـلم واحلداثة من حيـــث اأنها

تـــروم معاجلـــة ق�سايـــا مف�سليـــة يف هـــذا االإطار

ياأتـــي على راأ�سها: موقع العلمانيـــة والراأ�سمالية يف

املجتمعـــات االإ�سلمية من جهـــة، وعلقة االإ�سلم

بالدميقراطية من جهة ثانيـــة. وي�سم هذا الكتاب

�ستة اأوراق تندرج �سمـــن حموريني: اأولهما “جدل

االإ�سلميـــة املجتمعـــات يف والر�سملـــة العلمنـــة

املعا�ســـرة”، ويبـــداأ بورقـــة ملاأمـــون كيـــوان حـــول

دور العلمانيـــة يف املجتمعـــات العربيـــة املعا�ســـرة.

كمـــا ي�سمل اأي�ســـا ورقـــة مل�سطفى اأكيـــول بعنوان:

“الراأ�سماليـــة االإ�سلميـــة”، واأخريا يت�سمن هذا املحـــور ورقة اأعدها منعم اأ. �سري بعنوان: “�سراع

احل�سارات: �سوء تفاهم بني االإ�سلم والغرب”.

اأمـــا املحور الثاين فيت�سمن بـــدوره ثلثة اأوراق حتت عنـــوان “االإ�سلم والدميقراطية

اأيـــن يكمن اخللل؟!” الورقة االأوىل اأعدها �سوكيدي موليادي حول العجز الدميقراطي

يف العـــامل االإ�سلمي، ويف الورقـــة الثانية اهتم لطفي ال�ســـوكاين باالإجابة على ال�سوؤال

منا�سبا؟” مازال ال�سيا�سي الفقة التايل: “هل

واأخـــريا يت�سمن املحـــور ورقة ملار�سودي و. كي�س�سرو حتت عنـــوان: “دور االت�ساالت

واملعلوماتيـــة يف دمقرطـــة العامل االإ�سلمي”. ويخل�س الكتـــاب يف النهاية اإىل اأنه ال

يوجـــد ارتباط بني االإ�سلم وانت�سار تكنولوجيا االت�ساالت واملعلومات. واأن االرتباط

بـــني جممـــوع عدد امل�سلمـــني وانت�سار هـــذه التكنولوجيـــا �سعيف، اأمـــا االرتباط بني

الدميقراطيـــة وهذه التكنولوجيا فهو قوي ومرتفـــع، واأن �سبب �سعف م�ستوى انت�سار

هـــذه التكنولوجيـــا يف الدول االإ�سلمية يعود اإىل �سعف م�ستـــوى الدميقراطية فيها.

فعلـــى الرغـــم مما لهذه التكنولوجيا مـــن اآثار �سلبية، لكنها ميكـــن اأن ت�سكل تهديدا

للحكومات اال�ستبداديـــة، وت�سبح قناة مفتوحة لتطوير م�ساركة ال�سعب يف ال�سيا�سة

العامـــة ورفـــع وعي ال�سعب وفهمـــه حلقوقه وواجباتـــه ورفع كفاءة املـــوارد الب�سرية،

وذلك الأن تزايد الذكاء واالإبداع يوؤدي اإىل رفع امل�ستوى االقت�سادي وال�سيا�سي لكافة

اأفراد ال�سعب.

اأيديولوجيا الإ�سالم ال�سيا�سي وال�سيوعية

�سامح حممد اإ�سماعيل

دار ال�ساقي بال�ســرتاك مع موؤ�س�سة الدرا�سات الفكرية املعا�سرة )بريوت(،

2010238 �سفحة

يحــــاول الدكتور �سامح حممــــد اإ�سماعيل من خلل

كتــــاب »اأيديولوجيا االإ�ســــلم ال�سيا�سي وال�سيوعية«

حتليــــل م�سطلــــح االأيديولوجيا باإلقــــاء ال�سوء على

املواقــــف ال�سيا�سيــــة التــــي واكبــــت ظهــــور الدولــــة

االإ�سلميــــة والتنظــــريات االأيديولوجيــــة التي كانت

اأ�سا�س العمــــل ال�سيا�سي لل�سيوعيــــة. واالأيديولوجيا

كمــــا يقول املوؤلــــف ال ميكــــن حتقيقهــــا وتفعيلها اإال

بال�سعــــي الدائم وامل�ستمر لتقرير الفعل ال�س�سيا�سي

وحتديــــد طابــــع احليــــاة االجتماعيــــة واالقت�سادية

لتقييد الفرد داخل اجلماعة والتحكم يف �سلوكياته،

بــــل ونياته اأي�ســــا، بو�سفها غطاء مذهبيــــا عقائديا

ي�ســــكل روؤية الفرد لنف�ســــه وللآخر، مما يتطلب وجود ن�سق معريف م�سبق، فكري عقائدي

اأو فل�سفــــي، ميكن االإحالة الدائمة اإليه ثم ال�سعي نحو تطبيق هذا الن�سق عمليا وفق روؤية

القائــــم بتطبيقه. واالأيديولوجيا يف م�سعاها هذا غري قابلة للحوار، وتنطق دوما بدعاوى

طوباويــــة مثالية الأنها توؤمن باحلق الذي لديها، واأن مــــا تقوم به هو ر�سالة كونية ال يجوز

الــــرتدد حيال القيام به حتى لو ا�سطرت اإىل حتطيم املجتمعات، واإىل اإفناء املليني من

اأجل ر�سالتها.

عرو�س موجزة الفهر�ست

ويــــرى املوؤلف اأن ثمة ت�سابها ي�سل اأحيانــــا اإىل حد التطابق بني ممار�سات االإمرباطورية

واالإمرباطوريــــة )اأمويــــة، عبا�سيــــة، مملوكيــــة...( اأطوارهــــا االإ�سلميــــة يف خمتلــــف

ال�سوفياتيــــة، علــــى الرغم من اإميان االأوىل با هلل الواحد واإحلــــاد الثانية، وعلى مابينهما

من فارق زمني كبري. ويعزو املوؤلف هذه املفارقة اإىل النزوع االأيديولوجي للإ�سلم الذي

ظهــــر عقب وفاة النبي ونهايــــة العهد الرا�سدي، مبتعدا عن نهــــج النبي وتعاليم الر�سالة

االإ�سلمية ومفاهيمها االأخلقية واأن�ساقها القيمية.

اإن اأبرز وجوه الت�سابه بني املمار�ستني بح�سب املوؤلف: تقدي�س احلاكم وعبادة ال�سخ�سية؛

عنــــف الدولــــة وقمع كل اأ�سكال املعار�ســــة؛ تهمي�س الفرد وعدم احــــرتام احلياة واحلرية

االإن�سانية؛العن�سريــــة جتاه ال�سعوب املهم�سة وفقا لعن�سر احلكام؛ االإحالة على مرجعية

تاريخية قابلة للتاأويل والو�سع خدمة للحكم؛ التو�سع اخلارجي؛ اأدجلة االقت�ساد والثقافة

وجماالت االإبداع كافة.

عامل ما بعد اأمريكا

فريد زكريا

ترجمة: ب�سام �سيحا

الدار العربية للعلوم نا�سرون )بريوت(، 2009

245 �سفحةبعد اأن اأجنزت اأمريكا حتوالتها ال�سناعية، �سرعان

ما اأ�سبحــــت اأقوى دولة يف العــــامل منذ اإمرباطورية

رومــــا. ولهذا ظلت اأمريكا، على مدار معظم �سنوات

القــــرن الع�سريــــن متار�ــــس دور الهيمنة ب�ســــورة اأو

باأخــــرى على جماالت االقت�ســــاد وال�سيا�سة والعلوم

والثقافــــة بل مناف�س اأو منــــازع. وكانت تلك ظاهرة

غــــري م�سبوقة يف التاريخ احلديــــث. ويف هذا الكتاب

الذي األفه واحد من املحللني ال�سيا�سيني االأمريكيني

املرموقني، وهــــو فريد زكريا رئي�ــــس حترير الطبعة

الدولية ملجلة نيوزويك، يحاول املوؤلف اأن يجيب عن

جمموعــــة من االأ�سئلة حول التحــــوالت القادمة التي

بداأت معاملها تظهر يف عاملنا اليوم وعلى راأ�سها االأزمة املالية، والتي تتميز بح�سب زكريا

باأنهــــا »مل تن�ساأ يف بقعة متخلفة من العامل النامي، بل ن�ساأت من قلب الراأ�سمالية العاملية

- الواليــــات املتحدة االأمريكيــــة - و�سقت طريقها عرب �سرايني النظام املايل العاملي. ومع

اأنها ال تنذر بنهاية الراأ�سمالية اإال اأنها قد تعني اإىل حد كبري نهاية نوع حمدد من الهيمنة

العاملية بالن�سبة اإىل الواليات املتحدة«.

ويرى زكريا اأن التاأزم االقت�سادي احلايل ي�سرع االنتقال اإىل عامل ما بعد اأمريكا، ويت�سم

هذا العامل بالنهو�س االقت�سادي لدول اأخرى كال�سني والهند والربازيل وجنوب اأفريقيا

وغريهــــا، مما يوؤدي اإىل حتــــوالت �سيا�سية وع�سكرية وثقافيــــة، واإىل �سعور بالقوة والثقة

يرتجــــم بالقــــدرة على الت�سرف بحرية وفر�س الوجود، بحيــــث اأن هذه الدول الناه�سة،

حتــــى لو انخف�ست معــــدالت منوها، »لن تتخلى ب�سهولة وهدوء عــــن اأدوارها اجلديدة يف

النظام العاملي«.

ا�ستعادة رو�سيا مكانة القطب الدويل: اأزمة الفرتة النتقالية

عاطف معتمد عبد احلميد

مركــز اجلزيرة للدرا�ســات )الدوحة( والــدار العربية للعلــوم نا�سرون

)بريوت(، 2009

143 �سفحةيت�ســـاءل الباحث امل�ســـري عاطف معتمد عبد احلميد يف ثنايا هـــذا الكتاب: هل ما

تـــزال رو�سيـــا دولة عظمى تتمتع بالتو�ســـع اجلغرايف والتمـــدد اجليو�سيا�سي، وهل ال

تـــزال قـــادرة على التقـــدم اإىل مناطق اأكرث عمقـــا لت�سم داخـــل اأ�سوارها احلديدية

مئـــات امللـــل، ومئات اأخرى من االأل�ســـن واللغات. ومع اأنه يوؤكد باأنـــه ال توجد م�سكلة

جيو�سيا�سيـــة يف العـــامل اإال ولرو�سيـــا كلمة فيها؛

فرو�سيـــا تقابلنـــا حـــني نراجـــع االأزمـــة النوويـــة

االإيرانية اأو الكورية، كما جندها يف �سوق ال�سلح

ويف اأزمات البحـــر الكاريبي، ويف ت�سدير النفط

والغاز، ويف ال�سراع العربي - االإ�سرائيلي.. الخ.

اإال اأن املوؤلـــف ما ينفك يطرح عـــددا من االأ�سئلة

تـــدور حـــول رو�سيـــا ومكانتهـــا يف عـــامل متعـــدد

االأقطاب تتكاتف فيـــه الدول الكربى مثل اليابان

واأملانيـــا وال�ســـني والهنـــد واأملانيا وفرن�ســـا اأمام

املـــارد االأمريكي، م�سددا على اأنه ال توجد اأي قوة

ت�ستطيع اأن تناور على امل�ستوى اجليو�سيا�سي غري

رو�سيا، ولكن يف اأي طريق تناور وما هي اأدواتها واأي م�ستقبل لها؟

ي�سم الكتاب بـــني جنباته ف�سول ثلثة، اأولها يحمل عنوان »زمن جتميع احلجارة«،

ويعر�س للأ�سا�س اجلغرايف ال�سيا�سي للدولة الرو�سية. اأما الثاين فياأتي حتت عنوان

»العـــودة ل�ساحـــة املعارك«، ويبحـــث فيه املوؤلـــف مكانة اجلي�ـــس الرو�سي وحماوالت

اإ�سلحـــه ومناوراته يف اجتاهات خمتلفة، ف�سل عـــن دور النفط والغاز الرو�سي يف

عـــودة قوة رو�سيا كونهما و�سيلة للتحكـــم يف اأمن الطاقة يف مناطق نفوذها ال�سابقة.

فيمـــا يعالج الف�سل الثالث التناف�س الرو�سي االأمريكي فيما اأ�سماه الكاتب »مناورات

احلديقة اخللفية«.

عدو اجلميع: القر�سنة وقانون الأمم

The Enemy of All: Piracy and the Law of N -

tionsDaniel Heller-Roazen دانيال هيلر روزن

Zone Books )NY(، 2009 )زون بوك�ص )نيويورك

274 �سفحةميكـــن اعتبار كتـــاب »عدو اجلميع« تاريخـــا ثقافيا

للقانون، احلـــدود االإقليمية، الدولة، الذات واالآخر

كما تـــراه �سخ�سية القر�سان الـــذي ميكن تعريفه

علـــى اأنـــه �سخ�ـــس يقـــوم بعملياته خـــارج احلدود

واملجتمعات املعرتف بها. كما يعترب الكتاب درا�سة

حول كيفية تعريف القانون للقوى التي تن�سط خارج

حـــدود الدولة. يقول الكاتب اإن القر�سان هو العدو

االأ�سلي للجن�س الب�سري، وي�سري اإىل قناعته مبقولة

اإن هنـــاك اأعـــداء ميكـــن التفاو�ـــس معهـــم واإقامة

هدنـــة معهم اإذا �سمحت الظروف. لكن هناك عدو

ال جـــدوى من توقيع اأي اتفاقيـــة معه وتكون احلرب

معـــه م�ستمرة دائما. هـــذا العدو هو القر�سان الذي اعتربه رجال القانون االأوائل »عدو

اجلميع«.

يف هذا الكتاب، يعيد دانيال هيلر روزن بناء املكان املتغري للقر�سان يف الفكر القانوين

وال�سيا�سي بدءا من الع�سور القدمية اإىل الو�سطى فاحلديثة واملعا�سرة، ويلقي ال�سوء

علـــى االأ�ســـول الفل�سفية لعـــدو مميز. يقول دانيـــال هيلـــر روزن اإن القر�سان املعا�سر

هـــو �سخ�سية قانونيـــة و�سيا�سية لها خ�سو�سية معينة ي�سكـــن يف منطقة خارج احلدود

االإقليميـــة. وميكـــن للدول اأن ت�سن معارك غـــري عادية �سد مثل هـــذا العدو واأن تطبق

بحقه اإجراءات ع�سكرية مربرة حتت م�سمى احلرب واالأمن.

يعـــرف الكاتـــب القر�سنـــة على اأنهـــا حالة جتتمع فيهـــا اأربعة �ســـروط: منطقة خارج

احلدود االإقليمية للدولة؛ عملء ال ينتمون لدولة حمددة؛ انهيار التمييز بني الت�سنيف

ال�سيا�ســـي واجلنائـــي؛ وتغيري مفهوم احلـــرب. ويوؤكد الكاتب اأن منـــوذج القر�سنة ال

يـــزال �ساريـــا يف هذا الع�سر. ومـــع اأن الكثريين يعتقدون اأن مفهـــوم القر�سنة ينتمي

للع�سور القدمية والو�سطى، اإال اأن عدو اجلميع اأقرب اإلينا االآن مما نعتقد.

Page 90: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 178 179ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 ا�سرتاتيجية

تو�سك منظمة املوؤمتر االإ�سلمي على دخول مرحلة جديدة مهمة ذات دالالت خا�سة ومرام بعيدة، اإذ يعترب

بـــدء املنظمـــة يف عملية تاأ�سي�ـــس هيئة دائمة وم�ستقلة حلقـــوق االإن�سان حتت مظلة املنظمـــة حدثا جديدا يف

م�ســـرية املنظمـــة، وياأتي تنفيذا الأحد البنود الرئي�سية املن�سو�س عليهـــا يف املادة اخلام�سة ع�سرة من ميثاق

املنظمـــة اجلديد الذي اعتمد باالإجمـــاع ودخل حيز التنفيذ منذ انعقاد قمة دكار يف اآذار/مار�س 2008. كما

يعتـــرب تطبيقا ملا تن�س عليـــه بنود برنامج العمل الع�سري الذي اعتمدته القمة االإ�سلمية اال�ستثنائية الثالثة

املنعقدة يف مكة املكرمة يف كانون االأول/دي�سمرب 2005.

ويعـــد اإن�ساء هيئة دائمـــة وم�ستقلة حلقوق االإن�سان جت�سيدا للأهمية البالغـــة التي توليها الدول االأع�ساء يف

املنظمـــة لتعزيز حقوق االإن�سان وتطبيق مبادئها يف اإطار القيـــم االإ�سلمية وتلك املعرتف بها وامل�ستمدة من

القيم العاملية امل�سرتكة للعدالة وامل�ساواة والت�سامح وكرامة االإن�سان وحريته. ومما ال �سك فيه اأن هذه الهيئة

�ستكـــون ر�سيدا جديدا للمنظمة يف القيام مبهمتها الراميـــة اإىل االإرتقاء بنوعية حياة امل�سلمني داخل الدول

االأع�ساء يف املنظمة ويف اأو�ساط املجتمعات االإ�سلمية يف اخلارج.

كما ا�ستطاعت منظمة املوؤمتر االإ�سلمي تعزيز ح�سورها داخل جمل�س حقوق االإن�سان يف جنيف. و�ساهمت

ب�سورة اإيجابية وبناءة يف اإجناح موؤمتر ديربان الثاين ملكافحة العن�سرية والتمييز العرقي وكراهية االأجانب

وغريهـــا من اأ�سكال التع�ســـب، مربهنة بذلك على جديتها يف اال�سطلع بدور فعال �سمن منظومة علقات

دوليـــة تت�ســـم باالإن�سجام، وتقوم علـــى اأ�سا�س االحرتام املتبـــادل وعدم التمييز. علوة علـــى ذلك، فقد لقي

االإعـــلن عن اإقامة هيئة دائمـــة وم�ستقلة حلقوق االإن�سان ا�ستح�سان املجتمع الـــدويل وترحيبه، مبا يف ذلك

املفو�سية ال�سامية حلقوق االإن�سان التابعة للأمم املتحدة.

ا�ستنادا اإىل وثيقة اأعدتها االأمانة العامة للمنظمة ب�ساأن اإقامة هذه الهيئة، عقد فريق من اخلرباء احلكوميني

املخت�ســـني بتاأ�سي�س الهيئـــة اجتماعني خلل �سهـــر ني�سان/اأبريل 2009، بهدف و�سع �سيغـــة نهائية مل�سروع

النظـــام االأ�سا�ســـي للجهاز اجلديد التابـــع للمنظمة. بينما تعهـــد اجتماع لكبار

لي الدول االأع�ساء بت�سكيل الهيئة يف غ�سون عامني. امل�سئولني من ممثر

واإنني على يقني باأن هذه الهيئة امل�ستقلة �ستحدث تغريا نوعيا على م�ستوى

املنظمـــة على نحو تتناغم فيه حقوق االإن�ســـان العاملية واحلريات مع القيم

االإ�سلميـــة، وذلك مـــن اأجل توفري نظـــام حماية قوي يوؤمـــن التمتع الكامل

بجميع حقوق االإن�سان يف الدول االأع�ساء. كما اإنني موقن باأن عمل الهيئة �سيعني

علـــى تعزيـــز القيم العاملية حلقـــوق االإن�سان كجزء ال يتجـــزاأ من عملية م�ستمرة تبنتهـــا املنظمة منذ اعتماد

اإعلن القاهرة حلقوق االإن�سان.

اإن برنامـــج العمـــل الع�سري وامليثاق اجلديد ال يقت�ســـران على الدعوة اإىل اإن�ساء هيئـــة حقوق اإن�سان تابعة

ملنظمـــة املوؤمتر االإ�سلمي، بل اإنهما فتحا الباب الآفاق اأرحب اأمـــام عملية االإ�سلح ال�سيا�سي والفكري. كما

اأنهما يحثان الدول االأع�ساء على التعاون يف جمال تعزيز قيم الت�سامح واحلريات االأ�سا�سية واحلكم الر�سيد،

و�سيـــادة القانون، وامل�ساءلة، واالنفتاح، والتفاهم مع �سائر االأديـــان واحل�سارات، ونبذ التع�سب والتطرف،

وغر�س قيم االعتزاز بالهوية االإ�سلمية.

»املوؤمتر االإ�ضلمي« على اأعتاب عهد جديد

اأكمل الدين اإح�سان اأوغلي

�أكمل �لدين �إح�سان �أوغلي �أمني عام منظمة �ملوؤمتر �لإ�سالمي.

ـــق فـ�أ

ÊhεdE’G ™bƒŸG GƒëØ°üJ

á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôŸ

w w w . s h e b a c s s . c o m

+967 1 677879 :¢ùcÉa +967 1 682144 :∞JÉg 16822 :Ü.¢U

á«æª«dG ájQƒ¡ª÷G - AÉ©æ°U

www.Shebacss.com E-mail: [email protected]

Page 91: Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

العدد الثالث، مار�س/يونيو 2010 180 ا�سرتاتيجية

á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôe

Sheba Center for Strategic Studies

w w w . s h e b a c s s . c o m

Relating Policy to Knowledgeá````aô©ŸÉH á``````°SÉ«°ùdG ó``````aQ