جل���ة���ذه ا ه ش����ري تن�ث الت���لأبح���ا اش���حابها، ول تع���رن اآراء اأ����ر ع������ا تع اإي���ة.ء الإفت���اس ع���ن راأي دار اا�ش��� بالأ� تنبيه

هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

  • Upload
    others

  • View
    3

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

املجل���ة ه���ذه تن�ش����ر يف الت���ي الأبح���اث اإمن���ا تع���ر ع���ن اآراء اأ�ش���حابها، ول تع���ر بالأ�ش���ا�س ع���ن راأي دار الإفت���اء امل�رصي���ة.

تنبيه

Page 2: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

مجلة دار اإلفتاء المصرية:

مجلة فصلية علمية محكمة للبحوث الفقهية واألصولية

تصدر عن دار اإلفتاء المصرية

العدد السادس ) شوال 1431 هـ - أكتوبر 2010 م (

حقوق الطبع محفوظة لدار اإلفتاء المصرية

مطبعة دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة

رقم اإليداع بدار الكتب 18266 / 2009

االشتراكات : دار أخبار اليوم - 25806418 - 25806419 - 25806420

Page 3: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

كلمة العدد

العلم والعلماء بني اإلنبات واالفتياتبسم اهلل الرحمن الرحيم

احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على سيد األولني واآلخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعني إلى يوم الدين.وبعد...

ي�ص��در ه��ذا العدد من جمل��ة دار الإفتاء امل�رصية يف هذه املرحلة احلرجة التي متر بها اأمتنا؛ تغيريا واإ�ص��احا وبن��اء، ومع كرثة الدعاوى العري�ص��ة يف هذه الظ��روف وظهور كثري من اأدعياء العلم تتجل��ى حاجة النا�س اإلى اللتفاف حول املنهج الو�ص��طي الذي ميثله علماء الأزه��ر ال�رصيف عرب القرون؛ �رصيعة وعقيدة و�ص��لوكا، حيث جعلهم اهلل �ص��بحانه وتعالى منذ الع�ص��ور الأولى من��ارات يهتدى بها، فكانوا من خري ورثة الأنبياء الذين يتلم�س النا�س عن طريقهم طريقهم اإلى اهلل، ويهتدون بهديهم اإلى معرفة هداه، حيث قاموا يف الأمة مقام النبي عليه ال�ص��اة وال�ص��ام، مبا يبلغونه عن اهلل تعالى ور�صوله -�صلى اهلل عليه واآله و�صلم- من الأحكام ال�رصعية والفتاوى التي

هي بالن�صبة لعامة النا�س كن�صو�س ال�رصيعة بالن�صبة للمجتهدين.وقد �رصب النبي -�صلى اهلل عليه واآله و�صلم- املثل ملدى قابلية النا�س لاأخذ من مرياث النبوة وتفاوتهم يف ذلك، يف واحد من اأجمل الأمثلة التي تو�ص��ح �صفات املنهج الو�ص��طي يف فهم الدين ون�رصه؛ فروى البخاري وم�صلم يف �صحيحيهما عن اأبي مو�صى الأ�صعري ��اب -ر�ص��ي اهلل عنه- عن النبي -�ص��لى اهلل عليه واآله و�ص��لم- قال: »مثل ما بعثني اهلل به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثري اأ�صبوا كت املاء، فنفع اهلل بها النا�س، ف�رص ��ا، فكان منها نقية، قبلت املاء، فاأنبتت الكاأ والع�ص��ب الكثري، وكانت منها اأجادب، اأم�ص اأر�صاأ، فذلك مثل من فقه يف دين اهلل، ونفعه ما بعثني ك ماء ول تنبت ك ا هي قيعان ل مت�ص ن ابت منها طائفة اأخرى، اإ �ص و�صقوا وزرعوا، واأ

لت به«. اهلل به فعلم وعلم، ومثل من ل يرفع بذلك راأ�صا، ول يقبل هدى اهلل الذي اأر�ص

Page 4: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

واملتاأمل يف هذا احلديث ال�رصيف يرى روعة التمثيل النبوي ودقته؛ حيث و�صف النبي -�صلى اهلل عليه واآله و�صلم- الأر�س ال�صاحلة باأرفع الأو�ص��اف واأنفعها: فهي نقية يف اأ�ص��لها، وهي قابلة للماء، ولديها القاب�لية لاإنب��ات، ونتاجها كثري وانتفاع النا�س بها متنوع

وفري. وهذا هو احلال يف العلماء اأ�صحاب املنهج الو�صطي يف فهم الإ�صام الذين هم ورثة الأنبياء على احلقيقة:

ا، ل ا، وترى طلبه يف نف�صه فر�ص اأما نقاء اأ�ص��لهم: فهم اأمام غيث الوحي الإلهي اأ�ص��حاب فطرة �صافية نقية ت�صري يف طريق العلم حم�صلها ما ل حتتمله. لة تلوي فيها اأعناق الن�صو�س وحتم اأنها تعمد اإلى ن�صو�س ال�رصيعة فتقروؤها قراءات حمم

واأما قبولهم للغيث: فهم اأ�ص��حاب املنهج ال�ص��ديد يف التلقي والتثبت الذي اأح�ص��نوا من خاله القبول والأخذ عن اهلل تعالى ور�صوله ية: يف الرجوع اإلى م�صادر الت�رصيع، واأنه ل كام لأحد مع كام اهلل تعالى وكام ر�صوله -�ص��لى اهلل عليه واآله و�ص��لم- من جهة احلج-�صلى اهلل عليه واآله و�صلم-، ومن جهة الثبوت: يف علوم النقل والرواية التي نقلوا بها الوحيني الكتاب وال�صنة نقا ل تعرفه الب�رصية

لأي كتاب اأو دين عرب القرون.ل عليها يف متيزهم واأوليتهم على غريهم، واملق�شود بها يف هذا الت�شبيه واأما قابليتهم للإنبات: فذلك مناط خرييتهم، وهي ال�شفة املعوالتمثيلي: تاأهلهم و�صاحيتهم -مبا اأفنوا اأعمارهم وجهودهم يف تلقيه ودرا�صته وتعلمه- للتبليغ عن اهلل ور�صوله -�صلى اهلل عليه واآله

و�صلم-؛ لينتفع بهم النا�س بعد ذلك.وعملي��ة الإنب��ات هذه عملية مركبة معقدة، جتتمع عليها اأ�ص��باب متعددة، وتعتوره��ا عوامل خمتلفة، وتعوزها الرعاي��ة والعناية، بدءا من انتقاء البذرة، واحتياجها اإلى الدفن يف الأر�س، وتعاهد �ص��قيها باملاء، وتعري�ص��ها للهواء لتنف�س النبات، وال�ص��م�س لعملية التمثيل بها وترتبها على بع�صها- ال�ص��وئي، واإزالة الأجزاء ال�ص��ارة اأو تلك التي تعيق نو النبات، يف منظومة متكاملة متتابعة �ص��بيهة -يف ترك

باملنظومة التعليمية باأركانها اخلم�صة: الأ�صتاذ، واملنهج، والكتاب، والتلميذ، واجلو العلمي.��ا وتكاما- اأثره ال�صلبي اأو الإيجابي يف ترعرع النبات وكما اأن لكل �ص��بب من اأ�ص��باب هذه العملية اأو مرحلة من مراحلها -انتقا�ص

و�صاحه ون�صجه، فكذلك احلال يف طالب العلم ف�صا عن غريه:•فلي�س له اأن يهرف مبا ل يعرف، ول اأن يتكلم قبل اأن يتعلم، واإل �ص��ار كمن يتزبب قبل اأن يتح�رصم، اأي: ي�ص��ري زبيبا قبل اأن ي�ص��ري

ما. ح�رص•وعليه اأن يدفن نف�ص��ه يف اأر�س اخلمول، فيتوا�ص��ع ويعرف حمل نف�صه من العلم، فما نبت مما ل يدفن ل يتم نتاجه، كما يقول الإمام

العارف باهلل �صيدي ابن عطاء اهلل ال�صكندري -ر�صي اهلل عنه- يف »احلكم«.ا، متاما كما •كما اأن الغياب عن اجلو العلمي يوؤثر �ص��لبا على ا�ص��تيعاب العلم الذي ين�ص��ج بتاقح الأفكار وتقليب الأنظار اأخذا ورد

ين�صج النبات بتاقح زهوره.

Page 5: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

فاإذا تكاملت للنبات هذه املنظومة الطبعية اأينع وبدا �ص��احه، و�ص��ار جميا يف ظاهره ژ ۇ ۆ ۆ ۈ ۈ ٴۇژ ]الأنعام: 99[ و�صاحلا لاأكل والنتفاع به يف باطنه ژ ے ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ڭ ۇ ۇژ ]الأنعام: 141[، وكذلك طالب

العلم اإذا تكاملت له املنظومة العلمية علما واأدبا و�صلوكا �صلح ظاهره وباطنه ژ ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ پپ پ پ ڀ ڀ ڀ ڀٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿژ ]الأعراف: 58[.

وق يف »قواعد الت�ص��وف« يف القاعدة الثامنة والع�رصين: »لكل �ص��يء وجه؛ فطالب العلم يف يقول ال�ص��يخ الإمام العارف �ص��يدي زربدايته �رصطه: ال�صتماع والقبول، ثم الت�صور والتفهم، ثم التعليل وال�صتدلل، ثم العمل والن�رص.

حكة، وحم�صل دون ت�صوير ل عربة به، و�صورة ومتى قدم رتبة عن حملها حرم الو�صول حلقيقة العلم من وجهها، فعال بغري حت�صيل �صال يح�ش��نها الفهم ال يفيدها غريه، وعلم عري عن احلجة ال ين�رشح به ال�ش��در، وما مل ينتج فهو عقيم، واملذاكرة حياته، لكن ب�رشط

الإن�صاف والتوا�صع«.ويقول يف القاعدة الرابعة والثاثني: »املتكلم يف فن من فنون العلم، اإن ل يلحق فرعه باأ�صله، ويحقق اأ�صله من فرعه، وي�صل معقوله مبنقوله، وين�ش��ب منقوله ملعادنه، ويعر�ض ما فهم منه على ما علم من ا�ش��تنباط اأهله، ف�شكوته عنه اأولى من كلمه فيه؛ اإذ خطوؤه اأقرب من اإ�ص��ابته، و�ص��اله اأ�رصع من هدايته، اإل اأن يقت�رص على جمرد النقل املحرر من الإيهام والإبهام؛ فرب حامل فقه غري فقيه، في�صلم له

نقله ل قوله«.��ا ملنهج اال�ش��تنباط والفهم والتبليغ عن اهلل وكما ت�ش��ري عملية االإنبات يف هذا املثال النبوي اإلى منهج التعلم والتلقي فاإنها ت�ش��ري اأي�شتعالى ور�صوله -�صلى اهلل عليه واآله و�صلم-؛ فالأر�س الطيبة تاأخذ املاء فتخرج الثمر من خال عملية الإنبات املركبة، وكذلك العال والفقيه؛ ياأخذ الن�س املجرد لي�صتثمر منه احلكم ال�رصعي، بعد اأن يفهم �صياقه و�صباقه وحلاقه، منقحا مناطه، ويجمع اإليه بقية الن�صو�س التي تت�ص��ل مبو�ص��وعه، ظنيها وقطعيها، م�ص��تح�رصا قواعد ال�رصيعة الكلية وم�ص��الح اخللق املرعية، مدركا لواقعه اإدراكا بينا؛ لتخرج الثمرة يف النهاية وهي احلكم ال�رصعي، فاإن الأحكام ثمرات كما يقول حجة الإ�ص��ام الغزايل يف ))امل�صت�صفى، 1/ 7((، قال: »وكل ثمرة فلها �ص��فة وحقيقة يف نف�ص��ها، ولها مثمر وم�ص��تثمر، وطريق يف ال�ص��تثمار«، وهذا هو النتاج الذي ينفع النا�س على اختاف

حاجاتهم وتنوع مطالبهم.وبقدر ما ينتق�س من هذه املنظومة التعليمية اأو ال�صتنباطية بقدر ما يكون الفتيات على العلم والعلماء، فتطفو النباتات ال�صارة وتظهر

امل�صارب املتطرفة، ويت�صامع النا�س بالآراء الغريبة هنا وهناك، ويكون الفتيات على العلم واأهله.غري اأن احلق اأبلج، والباطل جللج، وقد ق�ص��ت �ص��نة اهلل تعالى يف الكون األ يبقى اإل الذي ينفع النا�س، قال اهلل تعالى: ژ ې ى

ى ائ ائەئ ەئ وئ وئ ۇئۇئ ۆئ ۆئ ۈئ ۈئ ېئ ېئ ېئىئ ىئ ىئ ی یژ ]الرعد: 17[.ن�صاأل اهلل تعالى اأن يعيد اإلى امل�صلمني عزهم وجمدهم العلمي، واأن يجمع الأمة على علمائها وورثة نبيها -�صلى اهلل عليه واآله و�صلم-

Page 6: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

الذين اأهلهم لفهم دينه وتبليغ �رصيعته، واأل يجعل لأ�ص��حاب امل�ص��ارب املت�ص��ددة اأو الأفكار املنحرفة كلمة يف امل�صلمني، واأن تذهب اأفكارهم اأيدي �صباأ، وتت�رصذم م�صاربهم �صذر مذر، واأن يثبت حب نبيه -�صلى اهلل عليه واآله و�صلم- يف قلوب امل�صلمني، ويجزيه عنا اأف�ش��ل اجلزاء، ويقر عينه -�ش��لى اهلل عليه واآله و�شلم- ب�ش��لح اأحوال اأمته ورد مقد�شاتها، واأن يوؤتيه من الو�شيلة والف�شيلة والدرجة

الرفيعة فوق اأمنيته.و�صلى اهلل على �صيدنا حممد وعلى اآله و�صحبه و�صلم.

الدكتور/ محمد وسام عباس خضرأمين الفتوى ومدير إدارة الفتاوى المكتوبة

بدار اإلفتاء المصرية

Page 7: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

ضوابط التقدم بالبحوث إلى المجلة:

جدة املوضوع واإلبداع فيـه.

التزام املنهج العلمي املتبع في كتابة البحوث.

العناية بتعميق املادة العلمية وتوثيقها في ذيل الصحيفة.

تنوع وتعدد املراجع واملصادر األصيلة واحلديثة، مع العناية بترتيب بيانات النشر كالتالي:

اسم الكتاب، الصفحة، اسم املؤلف، دار النشر، مكان النشر، زمان النشر.

ال يقل عدد صفحات البحث عن 25 صفحة، وال يزيد على 50 صفحة.

إقرار من الباحث بأن البحث لم يسبق نشره في جهة أخرى، وليس مستال من رسائل ومؤلفات

أخرى.

ــة، وتقوم دار اإلفتاء بعرض البحث ــق بالبحث ملخص واف ال يزيد عن ثلثي صحيف أن يلح

باللغة اإلجنليزية.

ــب اآللي مع نسخة CD قبل التحكيم، ونسخة ــخ باحلاس يقدم البحث مطبوعا من ثالث نس

مطبوعة مع CD بعد التعديل من احملكمني إن كان.

Page 8: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

12

د. محمد علي عكازمدرس الفقه

بكلية الشريعة والقانون بدمنهور.

الحبس االحتياطيفي ميزان الفقه اإلسالمي

»دراسة فقهية مقارنة«

78

د. عبد السالم عبد الفتاح عبد العظيم المدرس بقسم أصول الفقه

بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة.

األساس لالختالففي تعريف القياس

44

د. أحمد سعد علي البرعيمدرس الفقه المقارن

بكلية الدراسات اإلسالمية والعربيةبنين بالقاهرة.

نظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي

بين التأصيل والتطبيق

156ملخصات األبحاث باللغة

اإلنجليزية

110

د.جبريل بن محمد البصيليأستاذ أصول الفقه المشارك

ورئيس قسم أصول الفقهبكلية الشريعة وأصول الدين

جامعة الملك خالد

عمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما

بالمصلحة المحتويات

Page 9: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

األستاذ الدكتور/ محمد رأفت عثمانأستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون

جامعة األزهر بالقاهرة.

األستاذ الدكتور/ أسامة محمد العبدرئيس جامعة األزهر.

األستاذ الدكتور/ سعد الدين هاللي أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون

جامعة األزهر بالقاهرة.

الدكتور/ عبد اهلل ربيع عبد اهللأستاذ أصول الفقه المساعد بكلية الدراسات اإلسالمية والعربية

جامعة األزهر بالقاهرة.

األستاذ الدكتور/ علي جمعة رئيس مجلس اإلدارة

األستاذ الدكتور/ سامي عبد العزيز رئيس التحرير

الدكتور/ إبراهيم نجم مدير التحرير

األستاذ/ محمد فايد المدير اإلداري

األستاذ/ محمد فاروق المدير المالي

الدكتور/ أشرف فهمي المشرف اإلداري

العنوان: حديقة الخالدين - الدراسة - القاهرة - ص.ب: 11675تليفون: 25887013 - 25887026 / 202+

فاكس: 25899652 / 202+E-mail: [email protected] :البريد اإللكتروني

http://www.dar-alifta.org/magazine.aspx :العنوان اإللكتروني للمجلة

اللجنة االستشاريةهيئة التحرير

Page 10: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها
Page 11: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

األبحـــاث

Page 12: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

12

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

2345891516 1314 12 10111819202122 6723242526272829303132333637 3435383940424445464748

المقدمةاحلمد هلل رب العاملني، وال�ص��اة وال�ص��ام على اأ�ص�رف املر�صلني �ص��يدنا حممد وعلى اآله

و�صحبه اأجمعني. وبعد:

فاإن ال�رصيعة الإ�ص��امية ل تدع �ص��اأنا من �ص��وؤون الفرد واجلماعة اإل اأنارت فيه ال�ص��بيل، واأو�شحت النهج، وك�شفت عما فيه من �شلح وف�شاد، وخري و�رش؛ فكانت لذلك خامتة

ال�رصائع، واأبقاها على الدهر، واأ�صلحها لكل اأمة وزمان. ولقد قررت اأ�صمى املبادئ واأعدل النظم يف الجتماع، وال�صيا�صة، والثقافة، والقت�صاد، والت�رصيع: كالتجرمي والعقاب... وما اإلى ذلك مما يكفل لاأمة -اإذا هي ا�صتم�ص��كت بها واعت�ص��مت بهديها- القوة وال�صلطان، واحلياة امل�رصقة الرافهة التي ي�صودها التعاون على

الرب واخلري، ويظلها الأمن وال�صام.ولقد اخرتت مو�ص��وع »احلب�س الحتياطي« بالدرا�ص��ة الفقهية؛ نظرا ملا جنده ون�صاهده اليوم يف املحاكم امل�رصية، من اأن بع�س املتهمني يحب�صون يف ق�صايا قد يكون بع�صها خما بالآداب وال�ص���رف، ثم يتب�ني بع�د ق�ص���اء فرتة حب�س لي�ص���ت بالقلي�ل��ة اأنهم بريئ�ون مما

اأ�صن�د اإليهم.

احلبس االحتياطيفي ميزان الفقه اإلسالمي

)دراسة فقهية مقارنة(د. محمد علي عكاز

مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بدمنهور

Page 13: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

13

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

2345891516 1314 12 10111819202122 6723242526272829303132333637 3435383940424445464748

ف��اأردت اأن اأبني اأن الإ�ص��ام وفقهاءه قد احرتموا حرية الإن�ص��ان وكرامته؛ وذلك مبا و�ص��عوه من قواعد ومبادئ منها: مبداأ الرباءة الأ�ص��لية، ومنها �صوابط يجب على الق�صاة واأع�صاء النيابة العامة اأن يلتزم��وا بها عند اإ�ص��دار اأم��ر احلب�س الحتياط��ي، والتي من اأهمها ال�ص��واهد والأمارات التي تدل على انت�ص��اب هذه التهمة ا اأنه ل يجوز اأن تطول مدة احلب�س الحتياطي للمتهم، ومنها اأي�صع��ن يوم��ني اأو ثاثة، يتبني فيها اإما �ص��حة الته��ام واإما خطوؤه، واأم��ا اإذا وقع ال�رصر وا�ص��تمر احلب�س الحتياطي مل��دة طويلة، ثم ظهرت براءة املتهم، فاإن ال�ص���ريعة الإ�ص��امية تقرر حق تعوي�س

هذا امل�رصور من بيت مال امل�صلمني.فاإلى جميع ولة الأمور يف الباد الإ�صامية القائمني على حدود اهلل من امللوك والروؤ�صاء وذوي ال�صلطان، واإلى كل من يدعو اإلى اهلل على ب�صرية، واإلى كل م�صلم يف اأية بقعة من بقاع الأر�س اأهديه، داعي��ا اهلل اأن يوف��ق كا منهم اإلى القيام بواجب��ه نحو دينه وربه، ثم اأهديه اإلى الدنيا باأ�ص���رها والب�ص���رية جمعاء، ع�ص��ى اأن نوؤمن بكمال ما �ص�رع اخلالق، ونق�س ما انتهى اإليه املخلوق- جعله اهلل ا لوجهه واأعان على اإمتامه بف�صله، وينفع به منة وكرما عما خال�صمن��ه، فاإن الهدى ه��داه، ول حول ول قوة اإل باهلل العلي العظيم.

الفصل األولفي تعريف احلبس االحتياطي، وتاريخه، وأنواعه

ومشروعيته، وضوابطهاملبحث الأول: يف تعريف احلب�س، واحلب�س الحتياطي، وتاريخه.

املبحث الثاين: اأنواع احلب�س يف الفقه الإ�صامي.املبح��ث الثالث: م��دى م�رصوعي��ة احلب�س الحتياط��ي يف الفقه

الإ�صامي.املبحث الرابع: �ص��وابط موجب�ات احلب���س الحتياطي يف الفقه

الإ�صامي.

المبحث األولفي تعريف الحبس، والحبس االحتياطي، وتاريخه.

معنى احلب�س يف اللغة:بو�س وحبي�س، ��ه حب�ص��ا فهو حم ��ه يحب�ص احلب�س ماأخوذ من حب�ص

ه اأم�صكه عن وجهه، واحلب�س �صد التخلية. ه وحب�ص واحتب�صة... مت حب�ص واحلب�صة بال�صم: ال�ص��م من الحتبا�س يقال: ال�ص��ة ��ه اتخ��ذه حبي�ص��ا. واحلب�س واملحب�ص ��ه �ص��بطه واحتب�ص حب�ص

واملحب�س ا�صم املو�صع.بو�ص��ون وحب�س بو�س وحبي�س، وللجماعة: حم ويق��ال للرجل: حم��ة، وللجمع: حب��ائ��س، وملن يقع منه ب�ص��متني؛ وللمراأة: حبي�ص

احلب�س: حاب�س)1(. ويق�ش��د باحلب�ض يف اال�ش��طلح الفقهي: هو تعويق ال�ش��خ�ض ومنعه من الت�رصف بنف�ص��ه، واخلروج اإلى اأ�صغاله ومهماته الدينية

والجتماعية)2(.��جن -بفتح ال�ص��ني- م�ص��در ومن الألفاظ املرادفة للحب�س: ال�ص�صجن، اأما بك�رص ال�صني فهو مكان احلب�س، واجلمع �صجون، قال تعالى: ژڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک کک ژ)3( حيث قرئ بفتح ال�صني على امل�ص��در، وبك�رصها على املكان، ولكن الأ�صهر

هو الك�رص)4(.��ا العتق��ال، واحل�رص، يقال: ومن الألف��اظ املرادفة للحب�س اأي�صاعتقل��ت الرج��ل: حب�ص��ته، واعتقل ل�ص��انه اإذا حب���س ومنع من

الكام)5(. ��ا املنع واحلب���س، ومنه قوله تعال��ى: ژ ڀ ڀ واحل���رص اأي�ص

ڀ ڀ ژ)6( اأي �صجنا وحب�صا)7(.لس��ان العرب باب احلاء فصل الباء والسني، واملصباح املنير– مادة حبس )1/ )1(

.)42بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني احلنفي 7/ 174. )2(

سورة يوسف– جزء من اآلية 33. )3(تفسير الطبري 12/ 125. )4(

املصباح املنير– مادة عقل )1/ 188(. )5(سورة اإلسراء– جزء من اآلية 8. )6(

وقد استعمل الفقهاء اإلحصار في املنع عن املضي في أفعال احلج، سواء أكان )7(من العدو، أم باحلبس، أم باملرض– شرح فتح القدير 2/ 296.

Page 14: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

14

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

ويجتم��ع احل�رص واحلب���س يف اأنه يراد بهما املن��ع، ويفرتق احل�رص عن احلب�����س يف اأن املح�ص���ر قد يكون غري متمكن منه بخاف

املحبو�س)1(، فال�صلة بينهما العموم واخل�صو�س.واملق�صود باحلب�س االحتياطي:

ظي يتخذ قبل املتهم الذي ف يق�صد باحلب�س الحتياطي هو: اإجراء حتل تثبت اإدانته بعد، فاملحبو�س احتياطيا اأثناء التحقيق هو �ص��خ�س ل تثبت اإدانته، ويحتمل اأن تظهر براءته، واحلب�س بالن�صبة له لي�س عقوبة، واإنا جمرد و�صيلة احتياطية اأثناء التحقيق ملنعه من الهروب اأو ع��ن التاأثري على جمرى التحقيق؛ ولذلك فاإن املحبو�س احتياطا

يعامل يف ال�صجن معاملة تختلف عن املحكوم عليهم)2(. فوا احلب�س وبالرج��وع اإلى كتب املذاهب الفقهية جند اأنهم قد عرالحتياط��ي باملعنى الذي ذكرناه، و�ص��وف نذكر فيما يلي بع�س

اأقوال الفقهاء بتعريف احلب�س الحتياطي. قال ال�رصخ�ص��ي: »اإذا كان القا�صي ل يعرف عدالة ال�صهود، فاإنه يحب�صه -اأي املتهم- حتى ي�صاأل عن ال�صهود؛ وهذا لأنه لو خلى �ص��بيله هرب فا يظفر به بعد ذلك، وحب�صه هذا لأنه �صار متهما

بارتكاب الفاح�صة«)3(. وق��ال اب��ن عابدي��ن: »فاإن ل يع��رف القا�ص��ي عدالتهم��ا -اأي ال�ص��اهدين يف جرمية القذف- حب�س القا�ص��ي املتهم حتى ي�صاأل عنهم��ا، وكذا لو اأقام �ص��اهدا واحدا ع��دل، وادعى اأن الثاين يف امل�رص حب�ص��ه يومني اأو ثاثة، ولو زعم اأن له بينة يف امل�رص حب�ص��ه لني حقيقته، ويف اإلى اآخر املجل�س- قالوا: واملراد باحلب�س يف الأو

الثالث املازمة«)4(. ق ق وق��ال الباجي من املالكية: »احلب�س كعقوبة اإن��ا يكون بعد حتاحلكم عليه، اأما احلب�س الذي كان قبل ذلك ل�صترباء اأمره والنظر فيه، فلي�س من هذا اجلن�س يف �ص��يء، بل حكمه خمالف حلكمه ملا

الفروق في اللغة: العسكري، ص 107. )1(د/ أحمد فتحي بهنس��ي- العقوبة في الفقه اإلسالمي- ط. دار الشروق 1983م )2(

)ص 204( نقال عن اإلجراءات اجلنائية للدكتور: علي زكي العرابي.املبسوط للسرخسي )ج: 9/ 38( ط. دار املعرفة بيروت. )3(

حاشية ابن عابدين )4/ 45(. )4(

يخت�س به من التعيري وغريه«)1(.وقال الإمام امل��اوردي عند احلديث عن اأح��كام اجلرائم: »ولها عند التهمة حال ا�صترباء تقت�صيه ال�صيا�صة الدينية، ولها عند ثبوتها

و�صحتها حال ا�صتيفاء توجبه الأحكام ال�رصعية.فاأما حالها بعد التهمة وقبل ثبوتها و�ص��حتها فمعترب بحال النظر فيه��ا... ف��اإن كان الناظر الذي رفع اإليه ه��ذا املتهوم اأمريا كان له مع هذا املتهوم من اأ�ص��باب الك�ص��ف وال�ص��ترباء ما لي�س للق�صاة

واحلكام«)2(.وقال املرت�ص��ى: »ولو اأقام �صاهدين اأن فانا قذفه فللحاكم حب�س

القاذف حتى يعدل اإن التب�س حالهما«)3(. ف��وا احلب�س وم��ن هذه الن�ص��و�س يت�ص��ح لن��ا اأن الفقه��اء قد عرالحتياط��ي باملعنى الذي ذكرن��اه، واأن من احلب���س امل�رصوع اأن يحب�س املتهم حب�ص��ا احتياطيا؛ اختبارا حلاله، والتحقيق معه فيما

ين�صب اإليه من ال�رصقة والف�صاد.تاريخ احلب�س يف االإ�صالم:

ل يك��ن احلب�س اأو ال�ص��جن يف اأيام ر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل عليه ��ا يحب�س فيه و�ص��لم- وخافة اأب��ي بكر ال�ص��ديق مكان��ا خا�صاملتهم��ون قيد التحقيق حتى ي�ص��در ب�ص��اأنهم احلك��م، واإنا كان عى عليه يف مكان ما، اأو احلب�س هو اأن يلزم املدعي خ�صمه اأو املديحجزه يف م�ص��جد الر�صول -�صلى اهلل عليه و�صلم- حتى ي�صدر ب�ص��اأنه احلك��م يف الق�ص��ية، دل على هذا ما رواه اأب��و داود وابن ماجه عن الهرما�س بن حبيب عن اأبيه قال: »اأتيت النبي -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- بغرمي يل، فقال يل: الزمه، ثم قال: يا اأخا بني متيم ما تريد اأن تفعل باأ�صريك؟ -ويف رواية ابن ماجه-: ثم مر بي اآخر

النهار فقال: ما فعل اأ�صريك يا اأخا بني متيم؟«)4(. وهذا كان هو احلب�س على عهد النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- واأبي بكر ال�صديق -ر�صي اهلل عنه- ول يكن له حمب�س معد حلب�س اخل�صوم.

املنتقى للباجي )7/ 125(. )1(املاوردي- األحكام السلطانية والواليات الدينية- ط. دار ابن خلدون )ص: 227(. )2(

البحر الزخار )6/ 170(- مطبعة السنة احملمدية 1368ه�. )3(سنن أبي داود )3/ 86(، وسنن ابن ماجه )2/ 188(. )4(

Page 15: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

15

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

قال ابن قيم اجلوزية: »املق�صود باحلب�س ال�رصعي، لي�س احلب�س يف مكان �ص��يق، ولكنه تعويق ال�صخ�س ومنعه من الت�رصف بنف�صه، �صواء كان ذلك يف بيت اأم يف م�صجد اأم يف غريهما، واأن هذا كان هو احلب�س على عهد النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- واأبي بكر،

فلم يكن هناك حمب�س معد حلب�س اخل�صوم«)1(. ويف عهد الفاروق عمر بن اخلطاب و�ص��ع اأ�صا�صا لنظام ال�صجون

وتطويرها، متثل ذلك يف املدينة املنورة ومكة املكرمة. اأما يف املدينة املنورة، فاإننا جند اأن الفاروق حينما �ص��جن احلطيئة برقان بن بدر �صجنه يف مكان حمكم مظلم يختلف عما لهجائه الز

كانت عليه اأماكن ال�صجن قبل عمر -ر�صي اهلل عنه-. واأما يف مكة فقد كان اإ�شلح ال�شجون وتطويرها اأو�شح واأكرث، فاإن الفاروق -ر�صي اهلل عنه- ملا راأى تكاثر املجرمني والف�صاق، واأنه ل يكفي العتماد على ح�صن نوايا النا�س، ول ي�صلح الت�صاهل معه��م - قرر تنظيم ال�ص��جن يف مكة املكرمة، فا�ص��رتى له واليه على مكة اآن��ذاك -نافع بن عبد احلارث بن جبالة اخلزاعي- دارا لل�ص��جن من �ص��فوان بن اأمية باأربعة اآلف درهم، فكانت بذلك اأول دار تخ�ص���س يف الإ�صام لل�صجن العام، وكان الفاروق اأول من فع��ل ذلك، ول �ص��ك اأن الفاروق قد خ�ص���س له��ذا املرفق اجلديد موظفني خمت�ص��ني واأرزاقا لهم ولل�ص��جناء، ولو اأننا ل جند ��ا عليه يف م�صادر موثوقة، اإل اأنه ل يعقل اأن يكون ذلك من�صو�صمثل هذا املرفق بعيدا عن الإ�رصاف الدقيق؛ اإذ من يت�ص��لم ال�صجناء ويتعرف على مدد عقابهم يف ال�صجن؟ ومن ي�رصف على تنفيذ تلك املدد حت��ى تنتهي؟ ومن يتلقى الأوامر لإخراجهم فيخرجهم؟)2( وق��د وجدت اإ�ص��ارة اإلى ه��ذا التنظيم الدقي��ق يف كتاب اخلراج للقا�ص��ي اأبي يو�ص��ف حي��ث قال: »حدثن��ا بع�س �ص��يوخنا عن جعفر ب��ن برقان قال: كت��ب اإلينا عمر بن عبد العزي��ز: ل تدعن يف �ص��جونكم اأحدا من امل�ص��لمني يف وثاق ل ي�صتطيع اأن ي�صلي

م اجلوزية- الطرق احلكمية في السياسة الشرعية )ص: 101(. ابن قي )1(د/ غال��ب عبد القادر القرش��ي- أوليات الفاروق ف��ي اإلدارة والقضاء- الطبعة )2(

األولى 1410ه� - 1990م.

قائم��ا، ول تبيت يف قيد اإل رجا مطلوبا بدم، واأجروا عليهم من ال�ص��دقة ما ي�صلحهم يف طعامهم واأدمهم وال�صام، فمر بالتقدير ��ري ذل��ك دراهم جترى لهم م��ا يقوتهم يف طعامهم واأدمهم و�صعليهم يف كل �ص��هر يدفع ذل��ك اإليهم، فاإن��ك اإن اأجريت عليهم ام واجلاوزة، وول ذلك رجا اخلبز ذهب به ولة ال�صجن والقورى ن تج من اأهل اخلري وال�ش��لح يثبت اأ�ش��ماء من يف ال�ش��جن ممعليهم ال�صدقة، وتكون الأ�ص��ماء عنده، ويدفع ذلك اإليهم �صهرا ب�صهر، يقف ويدعو با�صم رجل يدفع ذلك اإليه يف يده، فمن كان منهم قد اأطلق وخلي �ص��بيله رد ما يجرى عليه.. وك�ص��وتهم يف ال�ص��تاء قمي�س وك�صاء، ويف ال�صيف قمي�س واإزار، ويجرى على الن�ص��اء مثل ذلك، وك�صوتهن يف ال�ص��تاء قمي�س ومقنعة وك�صاء، ويف ال�ص��يف قمي�س واإزار ومقنعة..، ث��م قال: اإن ابن اآدم ل يعر د اأمرهم ومر بالإجراء عليهم مثل ما ف�رصت لك، من الذنوب فتفقن من بيت ��ل وكف وم��ن مات منهم ول يكن له ويل ول قرابة غ�ص��لي علي��ه ودفن، فاإنه بلغني واأخربين ب��ه الثقات اأنه رمبا املال و�صمات منهم امليت الغريب فيمكث يف ال�صجن اليوم واليومني حتى ي�ص��تاأمر الوايل يف دفنه، وحتى يجمع اأهل ال�صجن من عندهم ما يت�ص��دقون، ويكرتون من يحمله اإلى املقابر فيدفن با غ�صيل ول كفن ول �صاة عليه، فما اأعظم هذا يف الإ�صام واأهله، ولو اأمرت اف الف�ص��اق واأهل الدعارة باإقام��ة احلدود لقل اأهل احلب�س، وخلوتناهوا عما هم عليه، واإنا يكرث اأهل احلب�س لقلة النظر يف اأمرهم، اإن��ا هو حب�س ولي�س فيه نظر، فمر ولت��ك جميعا بالنظر يف اأمر ب واأطلق، ومن د اأه��ل احلبو�س يف كل اأيام، فمن كان عليه اأدب اأ

ل يكن له خلي عنه)1(.

القاضي أبو يوسف- اخلراج- )ص: 150- 151(، وبعد أن ذكر أبو يوسف احلنفي– )1(ه��ذا التنظيم الدقيق للس��جون وإصالحه��ا، وجدنا الكثير م��ن فقهاء املذاهب يه منصب القضاء- النظر األخرى يذكرون أن أول عمل يبدؤه القاضي-حني تولفي السجون والبحث في أحوال احملبوسني، بل ذهب بعضهم إلى وجوب ذلك؛ م على ما س��واه، وقالوا: ال يحت��اج في تصفح أحوالهم ألن احلب��س عذاب فيقدإلى متظلم إليه؛ لعجز احملبوس��ني عن ذلك- جواهر اإلكليل للش��يخ صاحل عبد الس��ميع اآلب��ي )2/ 223(، وأدب القضاء البن أبي الدم )77(، والش��رح الكبير

للدردير )4/ 138(.

Page 16: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

16

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

وم��ن هذا اخلطاب يتبني لن��ا كيفية تنظيم ال�ص��جون وفق املبادئ الإ�صامية التي ترى اأن احلب�س عقوبة تعزيرية، الق�صد منها تهذيب املتمرد عن احلق واإرجاعه. فاإعاقته عن حرية احلركة والتنقل تتيح له فر�صة يحا�ص��ب نف�ص��ه فيها ويتوب اإلى اهلل وي�صتغفره، ويعيد احلقوق لأ�صحابها اإن كان خطوؤه اإنكار حق عنده، وتريح النا�س

من �رص يده ول�صانه اإن كان يوؤذيهم بذلك.

المبحث الثاني

أنواع الحبس في الفقه اإلسالمي

بتتبع كام الفقهاء عن احلب�س وجدناهم يق�صمونه اإلى ق�صمني: الق�ص��م االأول: احلب�س بق�ص��د العقوبة، وهذا الن��وع من احلب�س يكون بعد �ص��دور احلك��م النهائي من قبل اجلهة املخت�ص��ة على ا وحب�ص��ه املته��م، ومثلوا له��ذا النوع بجلد الزاين البكر مائة حد

�صنة تعزيرا للم�صلحة، وهذا ما ذكره فقهاء املالكية)1(. وذك��ر احلنفية مثاال له��ذا النوع بحب�ض من ج��رح غريه جراحة يتعذر يف مثلها الق�ص��ا�س، واحلكم عليه بالتعوي�س واحلب�س بدل ��ا حب�س القا�ص��ي املظاهر من زوجته حتى من الق�ص��ا�س، واأي�ص

ر عن ظهاره؛ دفعا لل�رصر عن الزوجة. يكفومثل ال�صافعية لهذا النوع بحب�س املمتنع من اأداء كفارة اليمني اأو

هار اأو ال�صيام حتى يوؤديها يف اأحد قويل الإمام ال�صافعي)2(. الظالق�صم الثاين: احلب�س لال�صتيثاق)3(:

وهذا النوع من احلب�س يكون قبل �صدور احلكم بالعقوبة، اأي اأنه حب���س يف مرحلة التحقيق وعمل التحري��ات الازمة عن املتهم،

وهو حمل بحثنا.

تبصرة احلكام )2/ 260(، ونيل األوطار )7/ 95(، وحاشية الدسوقي )4/ 355(. )1(حاش��ية ابن عابدين )3/ 469(، واخلراج ألبي يوس��ف )ص: 163(، واألش��باه )2(

والنظائر للسيوطي )ص: 491(. االس��تيثاق لغة هو: إحكام األمر وأخذه بالش��يء املوثوق به- الصحاح مادة: )3(

»وثق«.

ف باأن��ه: تعويق ال�ص��خ�س ومنعه م��ن الت�رصف وميك��ن اأن يع��ربنف�ص��ه بق�صد ال�صتيثاق، و�ص��مان عدم الهرب ل بق�صد التعزير

والعقوبة)1(. وبعد تتبع ما ذكره الفقهاء، ميكن تق�ص��يم ه��ذا النوع من احلب�س

اإلى ثاثة اأق�صام: 1( احلب�س للتهمة.

2( احلب�س لاحرتاز. 3( احلب�س لتنفيذ عقوبة اأخرى.

و�صوف نتكلم عن كل ق�صم من هذه الأق�صام تباعا.: احلب�س ب�سبب التهمة: اأولا

م يوجب عي عليه فعل حمر املتهم يف جممل كام الفقهاء: هو من ادعقوبته من ع��دوان، ويتعذر اإقامة البينة عليه يف غالب الأحوال، ل هذا العدوان جرمية موجبة للحد اأو ي�ص��توي يف ذلك اأن ي�ص��ك

للق�صا�س اأو التعزيز)2(. يبة عن الت�رصف بنف�صه واحلب�س ا�ص��تيثاقا بتهمة هو: تعويق ذي الرعي عليه من حق اهلل اأو الآدمي املعاقب عليه، حتى يبني اأمره فيما اد

ا: حب�س ال�صتظهار؛ ليكت�صف به ما وراءه)3(. ويقال له اأي�ص��ل �صيخ الإ�ص��ام ابن تيمية -ويوافقه تلميذه ابن القيم- اأن ويف�ص

الدعاوى ق�صمان: دعوى تهمة، ودعوى غري تهمة. فدعوى التهمة: هي دعوى اجلناية والأفعال املحرمة التي توجب عقوب��ة فاعلها، مث��ل: دعوى القت��ل، وقطع الطري��ق، وال�رصقة، والقذف، والعدوان على النا�س بال�رصب، وبغري ذلك من العدوان

الذي يتعذر اإقامة البينة عليه يف غالب الأوقات يف العادة. عي دعوى عق��د، كعقد بيع، اأو ودع��وى غري التهم��ة: هي اأن يدعي دعوى ل يكون فيها �صبب فعل حمرم، رهن، اأو �صمان، اأو يد

املوس��وعة الفقهية- وزارة األوقاف والش��ؤون اإلس��المية الكوي��ت- الطبعة )1(الثانية- 1409ه� )ص: 292(.

والف��رق بني املتهم واجلان��ي، أن اجلاني ال يطلق عليه ه��ذا اللفظ إال إذا كانت )2(اجلناي��ة ثابتة عليه، بخالف املتهم فيقال عنه: إن��ه متهم بدون أن تثبت التهمة

عليه، أي مبجرد نسبتها إليه.الطرق احلكمية )ص94(، وتفسير القرطبي )6/ 353(. )3(

Page 17: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

17

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

مثل دين ثابت يف الذمة، كثمن بيع، اأو قر�س، اأو مهر، اأو دية قتل خطاأ، اأو غري ذلك، فدعوى غري التهمة اإذن ت�ص��مل نوعني هما:

دعوى العقد، ودعوى فعل غري حمرم)1(.وم��ا يهمنا يف جمال بحثنا ه��و دعاوى التهم، وقد ق�ص��م الفقهاء عى عليه بالن�ص��بة اإليها اإلى ثاثة اأق�ص��ام: اإم��ا اأن يكون بريئا؛ املدواإما اأن يكون معروفا بالف�ص��ق والفج��ور، واإما اأن يكون جمهول

احلال.)اأ( املتهببم الببريء: وه��و م��ن ع��رف باأن��ه لي�س م��ن اأهل تلك التهم��ة املن�ص��وبة اإلي��ه، وذل��ك ب��اأن يك��ون رج��ا ا�ص��تهر بني النا���ض باأن��ه من اأه��ل التقوى وال�ش��لح اأو �ش��اع عنه و�ش��ف اخل��ري والنفور والبع��د عن مواطن ال�ص��بهات، وه��ذا النوع من املتهم��ني ل جت��وز معاقبت��ه ل ب�رصب ول بحب���س، ول بغريهما. فاإذا وجد يف يد رجل م�صهود له بالعدالة مال م�رصوق، وقال هذا الرجل العدل: ابتعته من ال�صوق ل اأدري من باعه، فا عقوبة على هذا العدل باتفاق العلماء، ثم قال فقهاء املالكية وغريهم: يحلف امل�ص��تحق اأنه ملكه ما خرج عن ملكه وياأخذه، وقرر هوؤلء اأنه ل

تطلب اليمني من هذا العدل)2(. )ب( املتهببم املجهول احلال: وهو ما ل يعرف برب اأو فجور، فهذا

يحب�س حتى ينك�صف حاله. قال ابن قيم اجلوزية: »الق�ص��م الثاين من الدعاوى اأن يكون املتهم جمهول احلال ل يعرف برب ول فجور، فهذا يحب�س حتى ينك�صف حاله عند عامة علماء الإ�ص��ام، واملن�صو�س عليه عند اأكرث الأئمة اأنه يحب�صه القا�صي والوايل، وهو من�صو�س الإمام اأحمد وحمققي اأ�صحابه وذكره اأ�صحاب اأبي حنيفة، وا�صتدلوا على ذلك باأن النبي

-�صلى اهلل عليه و�صلم- حب�س رجا يف تهمة يوما وليلة«)3(.

مجم��وع فتاوى ابن تيمي��ة، املجلد اخلام��س والثالث��ون )ص 389(- الطبعة )1(األولى.

د / محم��د رأفت عثمان- النظ��ام القضائي في الفقه اإلس��المي- دار البيان- )2(الطبعة الثانية )ص 282(.

س��نن الترمذي- كتاب الديات- باب ما جاء ف��ي احلبس في التهمة رقم احلديث )3()1417(، وقال الترمذي: حديث حسن، وزاد هو والنسائي »ثم خلى عنه«.

قال الإمام اأحمد: وذلك حتى يتبني للحاكم اأمره)1(. )ج( املتهم املعروف بالفجور: وهو من عرف بارتكاب املعا�صي، وبجراأته على املحرمات، وذلك مثل املتهم بقطع الطريق اإذا كان معروف��ا به، اأو املته��م بال�رصقة اإذا كان معروفا به��ا قبل ذلك، اأو ميكن اأن تق��ع منه مثل هذه اجلرائم، فهذا يجوز حب�ص��ه؛ لأنه اإذا

جاز حب�س جمهول احلال فاإن حب�س هذا يكون اأولى.ق��ال اب��ن تيمية: »م��ا علمت اأح��دا من اأئم��ة امل�ص��لمني يقول: اإن ه��ذا املدع��ى علي��ه به��ذه الدع��اوى »القتل وال�رصق��ة وقطع الطريق« وما اأ�ص��بهها يحلف وير�ص��ل با حب�س ول غريه، ولي�س حتليف��ه واإر�ص��اله مذهب��ا لأحد من الأئم��ة الأربع��ة ول غريهم، ول��و حلفن��ا كل واحد منه��م واأطلقناه وخلينا �ص��بيله م��ع العلم با�ص��تهاره بالف�ص��اد يف الأر�س وك��رثة �رصقاته وقلن��ا: ل نوؤاخذه اإل ب�ص��اهدي عدل كان الفعل خمالفا لل�صيا�صة ال�رصعية، ومن ظن اأن ال�رصع حتليفه واإر�ص��اله فقد غلط غلطا فاح�صا خمالفا لن�صو�س ر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل علي��ه و�ص��لم- ولإجم��اع الأم��ة«)2(.ويرى اأح��د الباحثني اأن الق�ص��د من هذا التق�ص��يم للمتهمني يف الفقه الإ�ص��امي، اأن يلتزم به ولة الأمور عند التحقيق معهم، فا يتعر�ص��ون ل�صخ�س بريء اأو غري م�ص��هود عنه ارتكاب اجلرائم، ة باحلرية ملجرد الدعاء عليه، واإنا باأي اإجراء من الإجراءات املا�صيتعني التحري والتاأكد من حقيقة التهمة املن�ص��وبة اإليه؛ وهذا يعد

من اأهم ال�صمانات التي قررها الإ�صام للمتهم)3(. ثانياا: احلب�س لالحرتاز:

الحرتاز لغة: التحفظ على ال�صيء توقيا)4(. ��ا للحب�س وبالبح��ث يف املراج��ع الفقهي��ة ل اأج��د تعريفا خا�ص

الحرتازي، مع كرثة ما ذكره الفقهاء له من وقائع عديدة. ويق�صد به: التحفظ للم�صلحة العامة على من يتوقع حدوث �رصر

الطرق احلكمية في السياسة الشرعية )ص 96(. )1(الطرق احلكمية البن قيم اجلوزية )ص: 112(. )2(

د/ أبو السعود عبد العزيز: ضمانات املتهم في الفقه اإلسالمي- رسالة دكتوراه )3(مقدمة إلى كلية الشريعة والقانون بالقاهرة، 1985م، )ص30(.

القاموس احمليط- مادة حرز )2/ 169(. )4(

Page 18: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

18

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

برتكه، ول ي�صتلزم وجود تهمة)1(. ومن الوقائ��ع والأمثلة التي ذكرها الفقه��اء للحب�س الحرتازي: حب�س ن�صاء البغاة و�صبيانهم حتفظا عليهم من امل�صاركة يف البغي،

مع اأنهم لي�صوا من اأهل القتال)2(. ا: حب�س العائن الذي ي�رص النا�س بعينه احرتازا من اأذاه)3(. واأي�ص

وقد مثل القا�ص��ي �رصيح لهذا النوع من احلب�س بفعله، فاإذا رفعت اإليه ق�ص��ية فيه��ا متهم ميتنع ع��ن اأداء احلق فاإنه يحب�ص��ه يف جمل�س الق�صاء، اأو يف امل�صجد الذي يكون فيه جمل�س الق�صاء موؤقتا اإلى اأن يقوم من جمل�ص��ه، فاإن اأدى احلق اإلى �صاحبه اأطلق �رصاحه، واإن ل

يعط احلق اأمر به اإلى ال�صجن)4(. ثالثاا: احلب�س بق�سد تنفيذ عقوبة اأخرى:

اإذا وجد عذر عار�س عن��د املتهم مينع تنفيذ العقوبة املحكوم بها عليه، كاملري�س الذي يرجى �صفاوؤه، اأو كانت املراأة املتهمة حاما اأو مر�ص��عا اأو نف�صاء فاإنه يوؤجل تنفيذ العقوبة ملا بعد زوال العذر،

فاإذا خيف هروب املتهم قبل تنفيذ العقوبة عليه جاز حب�صه)5(. والدليل على ذلك ما روي اأن امراأة زنت يف اأيام عمر -ر�صي اهلل عن��ه- فهم عمر برجمها وهي حامل، فقال له معاذ: اإن كان لك �صبيل عليها فلي�س لك �صبيل على حملها، فقال عمر: يعجز الن�صاء

اأن يلدن مثلك، ول يرجمها)6(. والوا�ص��ح اأن عم��ر ل ياأمر بحب�ص��ها نظ��را لقوة ال��وازع الديني عن��د املتهمني يف ع�رصه -ر�ص��ي اهلل عنه- ولأنها هي التي اأقرت

بنف�صها، في�صتبعد هروبها قبل تنفيذ العقوبة. اأم��ا لو خاف القا�ص��ي هروب املتهم، فاإنه يجوز له حب�ص��ه حتى

يزول العذر وتنفذ العقوبة. ا على اأن من اجتمعت عليه حدود لي�س فيها وقد اتفق الفقهاء اأي�ص

املوسوعة الفقهية الكويتية )16/ 295(. )1(بدائع الصنائع )7/ 141(، وأسنى املطالب )4/ 114(، والبحر الزخار )5/ 419(. )2(

الفروع البن مفلح )6/ 113(، وحاشية قليوبي وعميرة )4/ 162(. )3(املصنف لعبد الرزاق )8/ 306(. )4(

حاشية ابن عابدين )4/ 16(، واملدونة )5/ 206(. )5(مصنف ابن أبي شيبة )6/ 558(. )6(

الرجم فاإنه يحب�س فرتة بعد ا�صتيفاء كل حد حتى يرباأ، ليخف عليه ما بع��ده؛ لأن يف تنفيذ احلدود مرة واحدة اإهاكه، والغر�س من

احلد الزجر والتاأديب، ولي�س الإهاك)1(. ��ا على اأنه ينتظر جللد املعذور اعتدال هواء فا واتفق الفقهاء اأي�ص

يجلد يف برد وحر مفرطني خوف الهاك. ون�س ال�صادة احلنفية على حب�س املتهم اأثناء العذر.

واأما بالن�ص��بة للق�ص��ا�س، فقد ذهب جمهور الفقه��اء -احلنفية، وال�ص��افعية واحلنابل��ة- اإل��ى اأن القاتل يحب�س، ول ي�ص��توفى منه

الق�صا�س يف حالت منها: اأن القات��ل يحب���س اإذا كان اأحد الأولياء غائب��ا عن البلد، فيحب�س

القاتل حتى ياأمر القا�صي باإح�صار الويل الغائب.اأن القات��ل يحب�س اإذا كان يف الأولياء �ص��غري حتى يبلغ، اأو جمنون ا كالتربعات حتى يفيق؛ لأن العفو من الت�رصفات ال�صارة �رصرا حم�ص

فا ت�صح اإل من البالغ العاقل. �ض حتى يرباأ املج��روح اإن كان يف اجلرح بم اأن م��ن جرح اآخ��ر حج

ق�صا�س. ��ا حب�س مدة حتى ياأتي اأن من حكم عليه بالقتل اأو القطع ق�صا�صموعد تنفيذ احلكم الذي حدده القا�ص��ي، �صواء ثبت القتل بالبينة

اأو بالعرتاف)2(.

المبحث الثالث

مدى مشروعية الحبس االحتياطي في الفقه اإلسالمي

لق��د اختلف��ت وجهة نظ��ر الفقهاء يف م��دى م�رصوعي��ة احلب�س الحتياطي، وانق�صموا يف ذلك على راأيني:

املبسوط )24/ 32(، وحاشية ابن عابدين )5/ 622(. )1(معني احلكام للطرابلسي )ص: 197(، والفروق للقرافي )4/ 79(، ومغني احملتاج )2(

للشربيني )4/ 40(.

Page 19: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

19

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

الببراأي الأول: ذه��ب جمهور الفقه��اء -احلنفي��ة)1(، واملالكية، وجمهور ال�ص��افعية، واحلنابلة وال�ص��يعة الزيدي��ة والإمامية- اإلى م�رصوعية احلب�س الحتياطي كو�صيلة من �صمن الو�صائل التعزيرية

والتقديرية للقا�صي. ق له ق��ال الباج��ي: »وقد روى اب��ن حبيب عن مطرف: م��ن �رصمت��اع فاتهم من جريانه رجا غري مع��روف، اأو اتهم رجا غريبا اأنه يحب�س حتى يك�ص��ف ع��ن حاله ول يطال حب�ص��ه؛ لأن النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- حب�س رجا اتهمه امل�رصوق منه ب�رصقة

وقد �صحبه يف ال�صفر«)2(. وجاء يف املدونة »قلت: اأراأيت الرجل ي�ص��هد على الرجل ب�رصب ا على ذلك، اخلمر والزنا، فيقول للقا�صي: اأنا اآتيك بال�صهود اأي�ص

قال: اإن كان اأمرا قريبا يف احل�رص حب�صه القا�صي«)3(. وقال الإمام ال�ص��افعي: »وكل ق�ص��ا�س وجب ل�صبي اأو مغلوب على عقله فلي�س لأبي واحد منهما ول وليه... اأخذ الق�صا�س ول

عفوه، ويحب�س اجلاين حتى يبلغ ال�صبي اأو يفيق املعتوه«)4(.

وحتقيق مذهب احلنفية في هذه املس��ألة أن لهم ثالثة آراء أو ثالث روايات تعبر )1(عن مدى توافقهم أو اختالفهم مع اجلمهور، وسوف نذكرها فيما يلي:

الرواي��ة األولى: وهي املروية عن الصاحبني أبي يوس��ف ومحمد والتي أفادت أنه إذا قامت البينة عل��ى ارتكاب اجلرمية وبقيت بعض اإلجراءات األخرى، كما ا؛ ألن قول لو بقي الس��ؤال عن الشهود أو تعديلهم- فإن املتهم يحبس احتياطيالبينة يصلح حج��ة إلثبات احلق، وقبل إقامة البين��ة ال يحبس املتهم-الفتاوى

الهندية– )ج 3/ 414(. والرواي��ة الثانية: ومقتضى هذه الرواية عدم ج��واز احلبس احتياطا في احلدود والقصاص؛ إلمكان االس��تعاضة عن��ه بغيره وهو االس��تيثاق بالكفالة، وهذا ممكن س��واء ثبتت اجلرمية على املتهم ببينة كاملة ولم تزك بعد أو كانت البينة ش��اهدا واحدا –الهداية للميرغيناني– مطبوع مع ش��رح فت��ح القدير )7/ 178(،

وتبيني احلقائق )4/ 152(. الرواي��ة الثالثة: وهي رواية ذكره��ا الكمال بن الهم��ام ومقتضاها عدم جواز حبس املتهم في دعوى القذف والقصاص مطلقا، أي س��واء وجدت البينة وبقي تعديلها أو وجد ش��اهد عدل، ويتخذ بدال من احلبس إج��راء الكفالة واملقصود -وهو االستيثاق- يحصل بها. وبذلك يكون قد روي عن احلنفية روايتان: رواية يحبس وال يكفل، وفي أخرى يكف��ل وال يحبس، وقد جمع الكمال بني الروايتني ب��أن املراد بالرواية األولى أنه يحبس إن لم يقدر على كفيل، وبالثانية يكفل بال

حبس إن قدر على الكفيل- شرح فتح القدير )7/ 179(. املنتقى شرح موطأ اإلمام مالك )7/ 166(. )2(

املدونة الكبرى طبعة دار الفكر العربي )4/ 404(. )3(األم لإلمام الشافعي )6/ 53(. )4(

وق��ال اب��ن النجار: ومن اأقام بينة و�ص��األ حب�س خ�ص��مه، اأو اأقام �صاهدا و�صاأل حب�صه حتى يقيم الآخر اأجيب«)1(.

الببراأي الثبباين: ذهب بع���س احلنفية يف رواية عن ال�ص��احبني)2(، واأبو �صعيد الإ�ص��طخري -من ال�صافعية-، وابن حزم الظاهري، واجلعفرية من ال�ص��يعة اإلى اأنه ل يجوز حب�س املتهم اإل بعد ثبوت

احلجة الكاملة. وقال �ص��احب �رصائع الإ�ص��ام: »اإذا اتهم اأو التم�س الويل حب�صه حت��ى يح���رص بينة فف��ي اإجابت��ه تردد، وم�ص��تند اجل��واز ما رواه ال�ص��كوين عن اأبي عبد اهلل اأن النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- كان يحب�س يف تهمة الدم �ص��تة اأيام فاإن جاء اأولياء الدم ببينة ثبت، واإل

خلى �صبيله«)3(.الأدلة:

اأدلة الراأي الأول: ا�ص��تدل جمهور الفقه��اء القائل مب�ص���روعية احلب���س الحتياطي

بالقراآن وال�صنة واملعقول: : القراآن: اأولا

ٻ ٻ ٻ ٻ ٱ ژ تعال��ى: اهلل ق��ول ٺ ڀ ڀ ڀ پڀ پ پ پ

ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ژ)4(.وجه الدللة: اأمر اهلل �صبحانه وتعالى باإم�صاك الن�صاء يف البيوت اإذا فعلن الفاح�صة، والإم�صاك هو احلب�س يف البيوت، وكان يف �صدر ي فوتهم اتخذ لهن الإ�ص��ام قبل اأن يكرث اجلناة، فلما كرثوا وخ�ص�صجن، واملعنى: اأمر اهلل بحب�صهن يف البيوت حتى ي�مت اأو يجعل

اهلل لهن �صبيا«)5(. ق��ول اهلل تعال��ى: ژ ڇ ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ڈ گ گ گ ک ک ک ک ڑ ڑ ژ ژ ڈ

شرح منتهى اإلرادات )ج: 2/ 488(. )1(ش��رح فتح القدير )7/ 178(، وش��رح الكنز للعيني )2/ 70(، وقد أشرنا إلى نص )2(

هذه الرواية في الرأي األول.شرائع اإلسالم في مسائل احلالل واحلرام- طبعة 1389ه� )ج: 4/ 75(. )3(

سورة النساء- اآلية )15(. )4(تفسير الطبري )4/ 292(. )5(

Page 20: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

20

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

ں ں ڱ ڱڱ ڱ ڳ ڳ ڳ ڳ گ ڻژ )1(.

وجه الدللة بقوله تعال��ى: ژ ڱ ں ں ڻژ املراد بال�صاة �ص��اة الع�رص؛ لأن النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- حب�س يما اإلى ما بعد �ص��اة الع���رص حتى يحلفا؛ لأن العمل قد عديا ومتج��رى عليه، فكان التحليف فيه هو املع��روف، ولأنه هو الوقت ال��ذي يقعد فيه احلكام للف�ص��ل يف املظال والدع��اوى؛ اإذ يكون النا�س ق��د فرغوا من معظم اأعمال النه��ار- فدل هذا على جواز

احلب�س الحتياطي«)2(.قول اهلل تعالى: ژ چ چ چ ڇ ڇ ڇ ڇ ژ ژ ڈ ڈ ڎ ڎ ڌ ڌ ڍ ڍ

ڑ ڑ ک ک ک ک گ ژ )3(. وحمل ال�صاهد يف الآية ژ ک ک ک گژ ، اأي: ينفوا من بلد اإلى بلد، وي�ص��جنوا فيه حت��ى تظهر توبتهم، وقال اأبو حنيفة: يحب�س يف البلد بعينه، ومذهب مالك: اأن الإمام خمري يف املحارب بني ما تقدم، اإل اأنه قال: اإن كان قتل فا بد من قتله، واإن ل يقتل

فالأح�صن اأن يوؤخذ فيه باأي�رص العقاب)4(. قول اهلل تعال��ى: ژ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ۓ ۓ ۋ ٴۇ ۈ ۈ ۆ ۇۆ ۇ ڭ ڭ ڭ ڭ ائەئ ائ ى ى ې ې ې ې ۉ ۉ ۅ ۋۅ

ەئ وئوئ ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ژ)5(. وج��ه الدلل��ة: اأن القراآن الك��رمي حكى اأنه كان يف م�رص �ص��جن يدخل��ه من حامت حوله �ص��بهة مثل خادمي العزيز اللذين ا�ص��تبه فيهم��ا واتهمهما بد�س ال�ص��م له، مما يدل عل��ى م�رصوعية حب�س

سورة املائدة- جزء من اآلية )106(. )1(تفس��ير املراغي -للدكتور محم��د املراغي- طبعة دار إحي��اء التراث العربي- )2(

بيروت )7/ 50(.سورة املائدة- جزء من اآلية )33(. )3(

اب��ن عجيبة- البحر امل�ديد في تفس��ير القرآن املجي��د للع��المة أبي العب��اس )4(أحمد بن محمد املهدي بن عجيبة احلس��ني- ط دار الكتب العلمية- بيروت )2/ لبي القرشي- الطبعة األولى دار التدمرية 173(، وتفسير اإلمام الش��افعي للمط

)2/ 735(، والتفسير الكبير للفخر الرازي ط. دار التراث العربي )11/ 217(.سورة يوسف -عليه السالم- اآليتان )36-35(. )5(

التهمة، واإل ملا اأورده القراآن الكرمي)1(. ثانياا: من ال�سنة:

ا�صتدل جمهور الفقهاء على م�رصوعية حب�س التهمة مبا يلي: م��ا روي ع��ن اأب��ي هري��رة -ر�ص��ي اهلل عن��ه- اأنه ق��ال: »بعث ��د، فجاءت ر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- خي��ا قبل جنبرجل م��ن بني حنيفة يقال ل��ه: ثمامة بن اأثال، فربطوه ب�ص��ارية من �ص��واري امل�ص��جد، فخ��رج اإليه فق��ال: ما عندك ي��ا ثمامة؟ فق��ال: عندي خري ي��ا حممد، اإن تقتل تقت��ل ذا دم، واإن تنعم تنعم ��ل منه، فرتكه النبي -�صلى على �ص��اكر، واإن كنت تريد املال ف�صاهلل علي��ه و�ص��لم- حتى مرت ث��اث ليال يقول فيه��ا ما قال يف الأول��ى، ث��م اأمر النبي -�ص��لى اهلل علي��ه و�ص��لم- باإطاقه«)2(. وجه الدللة: اأن الر�ص��ول -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- حب�س ثمامة ثاث��ة اأي��ام، وقد قال ل��ه ثمام��ة يف الي��وم الأول: اإن قتلتني فمن ا لك عنده ثاأر، واإن تعف عني وتنعم علي حقك؛ لأنك تقتل عدووجدتني �صاكرا مقدرا للمعروف، واإن اأردت مال فداء يل، ف�صل منه ما �ص��ئت، فرتكه ر�صول اهلل -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- حمبو�صا لليوم الث��اين، واأعاد ثمام��ة نف�س اجلواب، فرتكه للي��وم الثالث،

فاأعاد عليه نف�س ال�صوؤال واأعاد ثمامة نف�س اجلواب. وهذا في��ه دليل -كما يقول القا�ص��ي عيا�س- عل��ى جواز ربط

الأ�صري وتقييده، وكذلك من عليه حق واألد به)3(. ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج اأخربين يحيى بن �صعيد الأن�صاري ع��ن عراك بن مالك قال: »اأقبل رجان م��ن بني غفار حتى نزل منزل ب�ص��جنان)4( من مياه املدينة وعندها نا�س من غطفان معهم

تفسير ابن كثير )2/ 216(، وتفسير القرطبي )9/ 187(. )1(صحيح البخ��اري- كتاب املغازي- باب وفد بني حنيف��ة رقم احلديث )4114(، )2(وصحيح مس��لم- كتاب اجلهاد والس��ير- باب ربط األسير وحبسه وجواز املن علي��ه )3/ 1386( رقم احلديث )1764(، والتوش��يح على اجلامع الصحيح لإلمام

السيوطي- ط دار الكتب العلمية )4/ 127(. إكمال املعلم بفوائد مس��لم للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض- )3(ط دار الوفاء )6/ 98( وفتح الباري بش��رح صحي��ح البخاري )8/ 88(، ط. دار املعرفة وفتح املنعم بشرح صحيح مسلم للدكتور موسى شاهني الشني- ط دار

الشروق )7/ 175(. ضجنان: جبل قيل: بتهامة، وقيل: على بعد بريد من مكة. )4(

Page 21: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

21

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

ظهر لهم، فاأ�صبح الغطفانيون قد اأ�صلوا بعريين من اإبلهم فاتهموا بهما الغفاريني، فاأقبلوا اإلى ر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- وذك��روا اأمرهم، فحب�س اأح��د الغفاريني، وق��ال لاآخر: اذهب فالتم�س، فلم يكن اإل ي�صريا حتى جاء بهما، فقال النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- لأحد الغفاريني -ح�صبت اأنه املحبو�س-: ا�صتغفر يل؟ فقال: غفر اهلل لك يا ر�صول اهلل، فقال ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه واآله و�صلم-: ولك، وقتلك يف �صبيله، قال: فقتل يوم اليمامة«)1(. م��ا روي من طريق عبد الرزاق عن معم��ر عن بهز بن حكيم عن اأبيه عن جده معاوية بن حيدة، قال: »اأخذ ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�ص��لم- نا�ص��ا من قومه يف تهمة فحب�ص��هم، فجاء رجل من قومي اإلى النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- وهو يخطب فقال: يا حممد، عام حتب�س جريتي؟ ف�صمت النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- فقال: اإن نا�صا يقولون: اإنك لتنهى عن ال�صيء وت�صتخلي به، فقال النبي -�صلى اهلل عليه و�ص��لم- ما يقول؟ يقول الراوي: فجعلت اأعر�س بينهما بكام خمافة اأن ي�صمعها فيدعو على قومي دعوة ل يفلحون بعدها... فلم اأزل على ذلك حتى قال النبي -�ص��لى اهلل

عليه و�صلم-: خلوا له عن جريانه«)2(. وجه الدللة: دل هذا احلديث -كما ذكر الفقهاء- على م�رصوعية ��ب لإي�صال احلب�س الحتياطي ولو بتهمة)3(، ولأن القا�ص��ي ن�صاحلقوق اإلى م�ص��تحقيها، فاإن امتنع املطلوب من اأداء حق الطالب ل يك��ن للقا�ص��ي بد من اأن يجربه عل��ى الأداء، ول خاف اأن ل

جرب بال�رصب فيكون باحلب�س اأولى)4(. م��ا رواه البخاري يف �ص��حيحه عن ابن عمر قال: »اأتى ر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- اأهل خيرب فقاتلهم حتى اأجلاأهم اإلى ق�رصهم، وغلبهم على الأر�س والزرع والنخيل، ف�ص��احلوه على اأن يجل��وا منها ولهم ما حملت ركابهم، ولر�ص��ول اهلل -�ص��لىمصنف عبد الرزاق )10/ 216( ط. املجلس العلمي بالهند، وحاشية الشلبي- مع )1(

تبيني احلقائق )4/ 152(. مسند اإلمام أحمد- ط. احللبي )5/ 2(، والسنن الكبرى للبيهقي )6/ 53(. )2(

س��نن الترمذي- باب ما جاء في احلبس في التهمة، رقم احلديث )1417(، وحتفة )3(األحوذي )4/ 677(.

شرح فتح القدير )7/ 277(، والعناية- بهامش شرح فتح القدير- )7/ 277، 278(. )4(

اهلل عليه و�ص��لم- ال�ص��فراء والبي�ص��اء واحللق��ة ويخرجون منها، وا�ص��رتطوا عليهم األ يكذبوا ول يغيبوا �ص��يئا، فاإن فعلوا فا ذمة له��م ول عه��د، فغيبوا م�ص��كا فيه مال حليي ب��ن اأخطب كان قد احتمله اإلى خيرب حني اأجلت الن�صري، فقال النبي -�صلى اهلل عليه : ما فعل م�صك -اأو كنز- حيي الذي جاء به من و�صلم- لعمي حييالن�ص��ري؟ فقال: اأذهبته النفقات واحلروب. فحب�صه النبي -�صلى اهلل عليه و�ص��لم- وق��ال: العهد قريب واملال اأك��رث من ذلك«)1(.

وجه الدللة: دل ه��ذا احلديث عل��ى م�رصوعية احلب�س الحتياطي، خا�ص��ة اإذا ظه��رت الأم��ارات والعامات التي ت�ص��توجب اإ�ص��دار احلكم باحلب���س، وظه��ر هذا من قول النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم-:

»العهد قريب واملال اأكرث من ذلك«.ثالثاا: الآثار املروية عن ال�سحابة:

فقد �ص��جن عمر بن اخلطاب -ر�ص��ي اهلل عن��ه- احلطيئة لهجائه الزبرقان بن بدر، �صجنه يف مكان حمكم مظلم يختلف عما كانت

عليه اأماكن ال�صجن قبل الفاروق)2(.ا �صبيغا على �ص��وؤاله عن الذاريات واملر�صات و�ص��جن عمر اأي�ص��ه يف ذلك، و�رصبه والنازعات، و�ص��بههن، واأم��ره للنا�س بالتفقمرة بعد م��رة، ونفاه اإلى العراق -وقيل اإل��ى الب�رصة- وكتب اأن ث: فلو جاءنا ونحن مائة لتفرقنا عنه، ل يجال�صه اأحد، قال املحدثم كتب اأبو مو�ص��ى اإلى عمر اأنه قد ح�ص��نت توبت��ه، فاأمره عمر

-ر�صي اهلل عنه- فخلى بينه وبني النا�س)3(. و�صجن عثمان بن عفان -ر�صي اهلل تعالى عنه- �صابئ بن حارث

وكان من ل�صو�س بني متيم وقتالهم حتى مات يف احلب�س. و�ص��جن علي بن اأبي طالب -ر�صي اهلل عنه- يف الكوفة متهمني ��ا يف حت��ى اأقروا، و�ص��جن عبد اهلل بن الزبري مبكة، و�ص��جن اأي�ص

�صجن عارم حممد ابن احلنفية اإذ امتنع من بيعته)4(.صحيح البخاري )6/ 128(. )1(

أوليات الفاروق في اإلدارة والقضاء مرجع سابق )ص: 211(. )2(تبصرة احلكام البن فرحون )2/ 216(. )3(

املرجع واملوضع السابقان. )4(

Page 22: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

22

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

ويف نح��و هذا كله يوؤك��ده قول عمر بن عبد العزي��ز: »اإذا وجد املت��اع م��ع الرج��ل املته��م فق��ال: ابتعته، فا�ص��دده يف ال�ص��جن ل��ه بكتاب اأحد حت��ى ياأتيه فيه اأم��ر اهلل تعالى«)1(. وثاق��ا، ول حتفه��ذه الآثار كلها تدل عل��ى م�رصوعية احلب���س الحتياطي، واأنه قد فعله �ص��حابة النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- وخا�صة اإذا اقرتن

بالتهمة قرائن تدل عليها. ومن هذه القرائن ما اإذا كان املتهم ب�رصقة �ص��يء ما كثري التطواف واملجيء والذهاب يف مكان ال�رصقة، اأو كان يف بدنه اآثار �رصب، ذ- منقب اأو �ش��لح، اأو كان��ت التهمة اأو كان مع��ه -ح��ن اأجخمملوظف يف الدولة، وجرت العادة اأن ل يتح�ص��ل ذلك املتاع ملثل هذا املتهم، فاإنه يف هذه احلالت تقوى التهمة ويجوز حب�صه)2(.

رابعاا: الإجماع: دل على هذا الإجماع ما ذهب اإليه جمهور الفقهاء من م�رصوعية احلب�س الحتياطي، واعتربوه من ال�صيا�صة العادلة اإذا تاأيدت التهمة بقرينة قوية، اأو ظهرت اأمارات الريبة على املتهم اأو عرف بالفجور.واعترب جمه��ور الفقهاء م�رصوعية احلب�س الحتياطي من �ص��من ال�صيا�ص��ة العادل��ة التي هي جزء م��ن اأجزاء ال�رصيع��ة ومكمل من مكماته��ا، ودل عل��ى هذا بع���س الفقهاء)3( حي��ث قال: »ول تقول: اإن ال�صيا�صة العادلة خمالفة لل�رصيعة الكاملة، بل هي جزء من اأجزائها، وباب من اأبوابها، وت�ص��ميتها ال�صيا�صة اأمر ا�صطاحي، فاإذا كانت عدل فهي من ال�رصع، فقد حب�س ر�ص��ول اهلل يف تهمة

ملا ظهرت اأمارات الريبة على املتهم«. وقال �صيخ الإ�صام ابن تيمية: »ما علمت اأحدا من اأئمة امل�صلمني عى عليه يف جميع هذه الدعاوى والق�صا�س واحلدود يقول: اإن املدوالتعازير يحلف وير�ص��ل ب��ا حب�س ول غ��ريه، فلي�س هذا على اإطاقه مذهبا لأحد من الأئمة الأربعة ول غريهم من الأئمة«)4(. وق��ال اأبو احل�ص��ن الت�ص��ويل: »اإن جمه��ول احلال عن��د احلاكم اأو

احمللى باآلثار البن حزم )12/ 24(. )1(املاوردي- األحكام السلطانية )ص277 وما بعدها(. )2(

ابن قيم اجلوزية- إعالم املوقعني )4/ 310(. )3(الطرق احلكمية في السياسة الشرعية )ص 112(. )4(

عي عليه امل�ص��هور بالف�ص��اد الذي ل يعرف برب ول فج��ور اإذا ادبتهم��ة، فاإن��ه يحب���س حت��ى يك�ص��ف حال��ه، هذا حكم��ه عند عامةعلم��اء الإ�ص��ام واملن�ص��و�س عليه عن��د اأك��رث الأئمة«)1(. وقال الإمام ال�ص��وكاين: »اإن احلب���س وقع يف زمن النبوة ويف اأيام ال�ص��حابة والتابع��ني فمن بعدهم اإل��ى الآن يف جميع الأع�ص��ار

والأم�صار من دون اإنكار، وفيه من امل�صالح ما ل يخفى«)2(.وبذل��ك اتفقت كلمة اأك��رث الفقهاء واأ�ص��حاب املذاهب الفقهية

الأربعة على م�رصوعية احلب�س الحتياطي مما يعد اإجماعا.ثانياا: اأدلة الراأي الثاين القائلني بعدم جواز احلب�س الحتياطي:

ا�صتدل اأ�صحاب هذا الراأي بالكتاب وال�صنة والأثر. : القراآن الكرمي: اأولا

قول اهلل تعالى: ژ ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پ پ ڀ ڀ ڀ ژ )3(.

وقوله -�صلى اهلل عليه و�صلم-: »مطل الغني ظلم«)4(. وج��ه الدللة من الآي��ة واحلدي��ث: اأن اهلل عز وجل اأم��ر بالقيام بالق�صط، ونهى ر�صوله -�صلى اهلل عليه و�صلم- عن املطل والظلم، فال�ص��جن مطل وظلم، ومنع ال��ذي له احلق من تعجيل حقه مطل وظلم، ثم ترك من �ص��ح اإفا�ص��ه ل يوؤاج��ر لغرمائه مطل وظلم، فا يجوز �ص��يء م��ن ذلك، وه��و مفرت�س عليه اإن�ص��اف غرمائه واإعطاوؤه��م حقهم، فاإن امتنع م��ن ذلك وهو قادر عليه بالإجارة

اأجرب على ذلك)5(. 2- ا�صتدلوا بقول اهلل تعالى: ژگ ڳ ڳ ڳ ڳ ڱژ)6(.

وجه الدللة: اأن ال�ص��جن من العقوبات البليغة؛ لأن اهلل �ص��بحانه قرنه بالعذاب الأليم، وقد وعد يو�صف عليه ال�صام النطاق من

البهجة في شرح التحفة )2/ 360( الطبعة الثانية. )1(نيل األوطار )8/ 254( - طبعة سنة 1348ه�. )2(

سورة النساء- جزء من اآلية )135(. )3(صحي��ح البخاري- كتاب االس��تقراض- ب��اب مطل الغني ظل��م- رقم احلديث )4()2270(، وصحيح مسلم- كتاب املساقاة- باب حترمي مطل الغني- رقم احلديث

.)1197 /3( )1564(احملل��ى باآلثار )9/ 212(، ود/ إبراهيم عطاي��ا- فردية العقوبة وأثرها في الفقه )5(

اإلسالمي، دار الفكر اجلامعي- اإلسكندرية )ص268(. سورة يوسف- جزء من اآلية )25(. )6(

Page 23: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

23

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

ال�صجن اإح�ص��انا اإليه، فقال تعالى على ل�صانه: ژ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ژ ، وقالوا: اإن ال�صجن الطويل عذاب، وحكى اهلل تعالى عن فرعون اإذ اأوعد مو�صى قائا: ژ ڻ ڻ ۀ ژ.

ثانياا: من ال�سنة: ا بحديث املراأة الغامدية التي قالت لر�صول ا�صتدلوا من ال�صنة اأي�صاهلل -�ص��لى اهلل علي��ه و�ص��لم-: »طهرين، ق��ال: ويحك ارجعي ين كما رددت فا�ص��تغفري اهلل وتوب��ي اإليه، ق��ال��ت: لعلك ت��ردم�اع���ز بن مالك، قال��ت: اإين حبلى من الزنا، ق��ال: اأثيب اأنت؟ قال��ت: نعم، قال: فا نرجمك حتى ت�ص��عي ما يف بطنك، قال: فكفلها رجل من الأن�ص��ار حتى و�ص��عت، فاأتى بها ر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- فقال: قد و�صعت الغامدية. قال: اإذا ل نرجمها وندع ولدها �ص��غريا لي�س له من ير�صعه. فقال رجل من

الأن�صار: اإيل اإر�صاعه، فرجمها«)1(. وج��ه الدللة كما قال اأبو حممد: اإن هذا احلديث فيه اأن الر�ص��ول -�صلى اهلل عليه و�صلم- ل ياأمر بحب�س املراأة ول ي�صجنها بالفعل،

واإنا �صمح لاأن�صاري بتويل اأمرها وحياطتها فقط)2(. وهذا ما ي�ص��هد لأ�ص��حاب هذا الراأي الذين ي��رون اأنه ل يحب�س املته��م، ولكن يعوق مبكان من الأمكنة، اأو يقيم عليه حافظا كما

حدث يف ق�صة املراأة الغامدية.اأم��ا الأثر فم��ا روي من ط�ري�ق عبد ال�رزاق ع��ن ابن جري�ج عن اإبراهيم بن خثيم، قال: �صمعت عبد اهلل بن اأبي ملكية يقول: اأخربين عبد اهلل بن اأبي عامر قال: انطلقت يف ركب حتى اإذا جئنا ذا املروة �رصقت عيبة يل، ومعنا رجل متهم، فقال اأ�صحابي: يا فان اردد عليه عيبته. فقال: ما اأخذتها، فرجعت اإلى عمر بن اخلطاب فاأخربته، فقال: من اأنتم؟ فعددتهم، فقال: اأظنها �صاحبها -للذي اتهم-، فقلت: لقد اأردت يا اأمري املوؤمنني اأن تاأتي به م�صفدا، فقال عمر: اأتاأتي به م�صفودا بغري بينة؟! ل اأكتب لك فيها، ول اأ�صاألك عنها، قي صحي��ح اإلمام مس��لم )3/ 1323(، ونصب الراية للزيلع��ي )3/ 332(، املت )1(الهندي: منتخب كنز العمال مطبوع مع مس��ند اإلمام أحمد )ج: 2/ 406( مطبعة

احللبي مبصر.احمللى باآلثار )12/ 25(. )2(

وغ�ص��ب وما كتب يل فيها، ول �ص��األ عنها، فاأنكر عمر-ر�صي اهلل عن��ه- اأن ي�ص��فد اأحد بغ��ري بينة)1(. وما روي ع��ن مروان بن احلكم ملا ا�صتخلف ابنه على بع�س املوا�صع اأو�صاه األ يعاقب حني يغ�صب، وح�صه على اأن ي�صجن حتى ي�صكن غ�صبه ثم يرى راأيه، وكان يقول: اإن اأول من اتخذ ال�صجن كان حليما، ول يرد مروان طول ال�صجن، واإنا اأراد ال�صجن اخلفيف حتى �صكن الغ�صب)2(.

وناق�س ابن ح��زم الظاهري اأدلة اجلمهور بجواز احلب�س احتياطيا باأن حديث عراك بن مالك مر�ص��ل، ثم لو �ص��ح لكان فيه الدليل على املنع من احلب�س؛ ل�صتغفار ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم- م��ن ذلك وقال: اإن الأحاديث املذكورة ل حجة يف �ص��يء منها؛

لأن اإبراهيم بن خثيم �صعيف، وبهز بن حكيم لي�س بالقوي)3(. وقال ابن حزم: فاإذ ل يبق ملن راأى ال�صجن حجة، فالواجب طلب الربهان على �صحة القول الآخر، فنظرنا يف ذلك فوجدنا من قال

ب�صجنه ل يخلو من اأحد وجهني: اإما اأن يكون متهما ل ي�ص��ح قبله �صيء، اأو يكون فت�صح قبله �صيء من ال�رص، فاإن كان متهما بقتل، اأو زنا، اأو �رصقة، اأو �رصب، اأو غري

ذلك: فا يحل �ص��جنه؛ لأن اهلل تعالى يقول: ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ ژ )4(.

وقال ر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم-: »اإياكم والظن، فاإن الظن اأكذب احلديث«)5(، وقد كان يف زمن ر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل علي��ه و�ص��لم- املتهمون بالكفر -وه��م املنافقون، فما حب�س

ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم- منهم اأحدا)6(. ويجاب على املناق�صات التي اأوردها ابن حزم مبا يلي:

: باأن ا�صتغفار النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- للمتهمني ل يعني اأولاعدم م�رصوعية احلب�س الحتياطي، واإنا يعني معنى اآخر، وهو جرب الآثار املرتتبة على حب�س املتهم احتياطا اإذا ما ثبت بعد ذلك براءة

مسند اإلمام الشافعي- مطبعة السعادة مبصر 1951م )ص87(. )1(ابن حزم الظاهري- احمللى باآلثار )12/ 24 وما بعدها(. )2(

تبصرة احلكام البن فرحون )2/ 215(. )3(سورة يونس- جزء من اآلية )36(. )4(

فتح الباري بشرح صحيح البخاري للعسقالني- املطبعة البهية 1348ه� )ج: 10/ 395(. )5(احمللى باآلثار )12/ 25(. )6(

Page 24: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

24

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

املتهم، واإل ما اأمر به الر�صول -�صلى اهلل عليه و�صلم- واأيده العقل واقت�ص��ته امل�صلحة العامة وهي م�ص��لحة التحقيق، ولو نظرنا اإلى هذه الواقعة جن��د اأن املتهمني فيما بعد باتا بجوار امل�رصوق منهم، ول يكن بجوارهم اأحد غريهما، وقد اأ�صبح القوم فاكت�صفوا �رصقة البعريين، وحينما حب�س الر�ص��ول -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- اأحد املتهم��ني واأطلق الآخر، فاإذا بالبعريين امل�رصوقني قد ظهرا باملكان الذي بات فيه اجلميع، وذلك حدث بعد اإطلق �رشاح املتهم االأول، ومع هذا فاإنهما قال للر�ص��ول -�صلى اهلل عليه و�صلم-: »واهلل يا ر�ص��ول اهلل اإن كنا لرباء«، ول يعرتف��ا بال�رصقة، ويف احلقيقة اأنهما بريئان؛ حيث ل يعرتفا بال�رصقة، ول تقم البينة عليهما بارتكابها، وكذلك وافقهما الر�صول على الرباءة وقال لهما: »ا�صتغفرا يل«. لهذا كله فاإن طلب الر�صول من املتهمني اأن ي�صتغفرا له ل يعني عدم م�رصوعي��ة احلب�س الحتياطي -كم��ا ادعى ابن حزم الظاهري-، واإن��ا يعني تعليم الر�ص��ول لن��ا باأنه ينبغي جرب الآث��ار املرتتبة على احلب���س الحتياطي اإذا ما �ص��در يف مواجهة املتهم الذي ظهرت

براءته فيما بعد)1(. ثانياببا: واأما طعن ابن حزم باأن بهز بن حكيم راوي احلديث الدال عل��ى احلب�س للتهم��ة لي�س بالقوي، فيج��اب عنه مبا قال��ه الإمام القرطب��ي اأن الإم��ام البخ��اري اأدخ��ل بهز بن حكي��م يف كتاب

الو�صوء مما يدل على اأنه قوي)2(. وهذا ف�ص��ا ع��ن اأن اأحادي��ث احلب�س للتهمة ق��د وردت بطرق

ا. ها بع�ص اأخرى يقوي بع�صثالثاا: ويجاب عن ا�ص��تدللهم بالآية الكرمية: ژڑ ڑ ک ک ک ک گ ژ ، وقول الر�ص��ول -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم-: »اإياكم

والظن، فاإن الظن اأكذب احلديث«. يجاب عنه باأن معنى الظن املحرم يف الآية واحلديث هو اأن يحكم يف دين اهلل تعالى مبجرد الظن دون اإعمال نظر ول ا�صتدلل بدليل،

د/ عبد العزيز رمضان مسك- احلبس للتهمة وضماناته في الفقه اإلس��المي- )1(طبعة أولى 2008م )ص 166 وما بعدها(.

أقضية رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم- للقرطبي )ص11(. )2(

وقال اهلل تعالى: ژ پ پ ڀ ڀژ)1()2(. فالآية تفيد اأن هناك بع�س الظن يفيد الإثم، وهذا يدل على اأن البع�س الآخر من الظن ل يفيد اإثما، وهو ما يتو�صل اإليه بالنظر والجتهاد يف حب�س التهمة.

الراأي الراجح: بعد عر�س الأدلة والأقوال واملناق�ص��ات يف هذه امل�صاألة يت�صح لنا اأن الراجح راأي جمهور الفقهاء من م�رصوعية احلب�س الحتياطي، ملا ثبت اأن النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- حب�س رجا يف تهمة، وذكر اخل�ص��اف »اأن نا�ص��ا من اأهل احلجاز اقتتل��وا فقتلوا بينهم قتيا، فبعث اإليهم ر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- حب�صهم ول يكن يف عهده -�صلى اهلل عليه و�صلم- واأبي بكر �صجن، واإنا كان يحب�س يف امل�ص��جد اأو الدهليز حتى ا�صرتى عمر -ر�صي اهلل

عنه- دارا مبكة باأربعة اآلف درهم واتخذه حمب�صا«. واإن��ا يعلل عدم اتخاذه -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- مكانا للحب�س بقلة املجرمني يف ع�رصه -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم-، وعدم تف�صي الإجرام، بدليل اأن اأمري املوؤمنني عمر بعد اأن ات�صعت رقعة الباد، وكرث املجرمون اأع��د مكانا للحب�س، وكذلك �ص��ار من بعده من

اخللفاء الرا�صدين. ��ب لإي�صال احلقوق اإلى م�صتحقيها، فاإن ا لأن القا�صي ن�ص واأي�صامتن��ع املطلوب م��ن اأداء حق الطالب ل يكن للقا�ص��ي بد من اأن ه على الأداء، ول خ��اف يف اأن ل ج��رب بال�رصب فيكون يج��رب

باحلب�س اأولى)3(.

المبحث الرابع

ضوابط موجبات الحبس االحتياطي في الفقه اإلسالمي

و�ص��ع الفقهاء �ص��وابط للحب���س الحتياطي يج��ب توافرها يف ال�ص��خ�س املته��م حت��ى يت�ص��من تنفيذ ه��ذا احلب�س م��ن جانب

سورة احلجرات- آية رقم )12(. )1(املنتقى للباجي )7/ 216(. )2(

العناية مع شرح فتح القدير )7/ 277( ط دار الفكر. )3(

Page 25: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

25

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

القا�ص��ي مب��ا يتفق مع اأح��كام ال�رصيعة الإ�ص��امية، وحتى يكون يف اأ�ص��يق احل��دود مب��ا يخ��دم العدال��ة يف املجتم��ع امل�ص��لم.

ومن اأهم هذه ال�صوابط ما يلي: 1- اأن تلحببق بال�سخ�ببس تهمة معينة: وهي قيام �ص��بب يوهم اأن احلق عنده، وكذل��ك احلال عند احتمال الأمرين -وجود التهمة

اأو عدمها- فاإن احلاكم يح�رصه با خاف. اأما اإذا كانت براءة املتهم ظاهرة، فهل يح�رصه احلاكم؟ هناك راأيان

يف امل�صاألة: راأي بالإيجاب وراأي بالنفي. وهذا ما ذكره العامة الطرابل�صي احلنفي عن القا�صي اأبي يو�صف: قال: »اإذا ادعى رجل على رجل دعوى واأراد اأن يعديه القا�صي، والقا�ص��ي ل يعلم اأهو حمق اأم مبطل فاإنه يعديه ويبحث من يح�رص

اخل�صم ا�صتح�صانا.وقيا�ص��ا: اأنه ل يعديه ملجرد الدع��وى، لأن الدعوى خرب حمتمل،

واملحتمل ل يكون حجة، فا يثبت به ولية الإعداء«)1(. ودليل ال�صتح�ص��ان ما روي عن اأن�س بن مالك -ر�صي اهلل عنه- »اأن يهوديا ر�س راأ�س جارية بني حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا؟ اأفان اأو فان؟ حتى �ص��مي اليهودي، فاأتي به النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم-، فلم يزل به حتى اأقر فر�س راأ�صه باحلجارة«)2(.

واحلديث وا�صح الدللة على اأن الر�صول -�صلى اهلل عليه و�صلم- اأمر بالقب�س على املتهم لوجود اإ�ص��ارات م��ن املجني عليها وهي

تفيد التهمة. وذهب القا�ص��ي �ص��حنون من املالكي��ة اإلى اأن القا�ص��ي ل ياأمر باإح�ص��ار اخل�صم املدعى عليه اأو حب�صه احتياطيا اإل بعد اأن ي�صهد

ى البينة. اأحد العدول وتزكواأم��ا قب��ل ظه��ور �ص��حة الدع��وى، ف��ا يج��وز للقا�ص��ي اأن جمل���س اإل��ى احل�ص��ور لأن املته��م ول حب�ص��ه؛ ياأمرباإح�ص��ار

مع��ني احلكام للطرابلس��ي )ص 98(، ووافق احلنابلة احلنفية في هذه املس��ألة )1(ف��روي عن اإلم��ام أحمد روايتان إحداهما: أنه ال ينبغ��ي إحضار اخلصم حتى يبني املدعي أن للدعوى أصال، والثانية: إحضار اخلصم مبجرد الدعوى. الطرق

احلكمية في السياسة الشرعية )ص 111(. سنن النسائي )7/ 35(. )2(

الق�ص��اء ي��زري ببع���س الن��ا�س، ف��ا يبعث ل��ه اإل بع��د التوثيق ت علي��ه كث��ريا م��ن م�ص��احله)1(. ف�ص��ا ع��ن اأن احل�ص��ور يف��و

واأرى اأن الراج��ح ما ذه��ب اإليه املالكية، لأن الأ�ص��ل براءة ذمة الفرد مما ين�ص��ب اإليه م��ن تهم، فا يجوز اأن تقي��د حريته بحب�س

احتياطي حتى تقوم البينة على اتهامه. 2- اأن تقببوم البينببة على ارتكاب اجلرمية، وتبقببى اإجراءات قبل اإ�سدار احلكم: اإن القا�ص��ي اإذا قامت عن��ده البينة على متهم ما، فق��د اتف��ق الفقهاء على اأنه يجوز للقا�ص��ي اأن يحب�ص��ه على ذمة

الق�صية اأو التحقيق حتى يتاأكد من �صدق البينة ويعدلها. وق��د ذه��ب جمهور الفقه��اء: اأبو يو�ص��ف وحممد م��ن احلنفية، وال�ص��افعي واأحم��د اإلى اأن من واجبات القا�ص��ي قبل احلكم يف الق�ص��ية اأن ي�ص��األ عن عدالة ال�صهود عن طريق املزكني، وهم من ��ني النا�س الذين يعرفون ال�ص��هود اأعوان القا�ص��ي، في�ص��األ املزكع��ن اأحوالهم؛ الأن معرفة العدالة �رشط يف قبول ال�ش��هادة بجميع

احلقوق)2(. ول �ص��ك اأن ه��ذه الأم��ور ت�ص��تغرق وقتا، فيتحف��ظ على املتهم باحلب�س الحتياطي حتى يتاأكد القا�ص��ي من عدالة البينة، وينتهي م��ن التحقيقات والإجراءات اخلا�ص��ة بالق�ص��ية حتى يت�ص��نى له

الو�صول اإلى العدالة التي يريدها الإ�صام. 3- القرائن الدالة على ارتكاب اجلرمية:

ومعن��ى القرينة هي الأمارة التي ا�ص��تنتجها القا�ص��ي من احلادثة وظروفها وما يكتنفها من اأحوال)3(.

وقد ذهب جمهور الفقهاء اإلى وجوب العمل بالقرائن مما ي�صتلزم جعلها �صابطا من �صوابط احلب�س الحتياطي)4(، ودلت على ذلك عبارات الفقهاء.قال الطرابل�ص��ي -احلنفي-: قال اأ�صحابنا: »اإذا دخل الرجل بامراأته واأرخى ال�صرت عليها ثم طلق، وقال: ل اأم�صها،

تهذيب الفروق- مطبوع مع الفروق للقرافي )4/ 132(. )1(املنتقى للباجي )5/ 195(، تكملة املجموعة )18/ 371(. )2(

الش��يخ فتح اهلل فت��ح اهلل زيد- حجية القرائن في القانون والش��ريعة- رس��الة )3(لألستاذية مقدمة إلى كلية الشريعة بالقاهرة عام 1355ه� - )ص70(.

تبيني احلقائق )3/ 229(، والشرح الصغير مع حاشية الصاوي )3/ 539(. )4(

Page 26: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

26

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

قت وكان عليه ال�ص��داق كاما«)1(. ��د وقال��ت: قد وطئني. �صوقال ابن العربي املالكي: »على الناظر -اأي القا�ص��ي- اأن يلحظ ى بجانب الأمارات والعامات اإذا تعار�صت، فما ترجح منها ق�صالرتجيح -وهو قوة التهمة-، ول خاف يف احلكم بها، وقد جاء

العمل يف م�صائل اتفقت عليها الطوائف الأربعة«)2(.ومن هذه امل�ص��ائل املتفق عليها ما ذكره �صاحب البهجة: »اإذا ل يكن باملدعي اأثر جرح وال �رشب، ففي العتبية عن ابن القا�شم اأنه ... وهذا ل يقبل قوله على فان اإل بالبينة على ذلك، اأو باأمر بني

ما عليه العمل وبه احلكم«)3(.4- متييز احلب�س احتياطيا على احلب�س يف اجلرائم:

ن���س جمهور الفقهاء على اأن��ه ل يجوز حب�س املحبو�س احتياطيا مع املحبو�صني يف اجلرائم، واأنه يجب اأن يكون املحبو�س احتياطيا يف حمب�س خا�س يتميز عن املحبو�ص��ني يف العقوبات، واأن يكون يف احلب���س الحتياط��ي جمي��ع الحتياج��ات التي يحت��اج اإليها

املحبو�س. وتظهر العلة يف ذلك باأن هذا احلب�س هو حب�س لا�صتيثاق، ولي�س للعقوبة، فيمك��ن اأن تظهر براءة املتهم بعد التحقيقات و�ص��ماع اأقوال ال�صهود يف الق�صية، وكان حر�س الفقهاء على اأن ل يجتمع املحبو�ص��ون احتياطيا مع املحبو�ص��ني يف اجلرائم يف حب�س واحد

خوفا من العدوى)4(. ق��ال اب��ن مازه البخ��اري احلنف��ي: »اأن القا�ص��ي اإذا خاف على املحبو�س اأن يفر من �ص��جنه، حق له اأن ينقله اإلى �صجن الل�صو�س اإذا كان ل يخ��اف عليه منه��م...، فاإن كان يخاف عليه من جهة الل�ص��و�س ملا اأن بينه وبني الل�ص��و�س عداوة وعرف اأنه لو حوله اإليه��م لق�ص��دوه، ل يحول��ه؛ لأن في��ه اإهاكه وما ا�ص��تحق عليه

الهاك«)5(. معني احلكام )ص167(. )1(

أحكام القرآن البن العربي )2/ 132(. )2(البهجة في شرح التحفة )2/ 373(. )3(

ش��رح أدب القاضي للخصاف )2/ 375(، والفتاوى الهندية )4/ 414(، وأس��نى )4(املطالب )4/ 306(.

احمليط البرهاني في الفقه النعماني )8/ 243(. )5(

وذكر القرايف)1( ثمانية �ص��وابط يف موجبات احلب�س الحتياطي، ون�ص��ب بع�ص��ها اإلى عز الدين بن عبد ال�ص��ام ال�ص��افعي، وهذه

الثمانية هي:الأول: حب�س اجلاين لغيبة املجني عليه حفظا ملحل الق�صا�س. الثاين: حب�س الآبق)2( �صنة حفظا للمالية رجاء اأن يعرف ربه.

الثالث: يحب�س املمتنع عن دفع احلق اإجلاء اإليه. الرابع: يحب�س من اأ�صكل اأمره يف الع�رص والي�رص اختبارا حلاله، فاإذا

ظهر حاله حكم مبوجبه ع�رصا اأو ي�رصا. اخلام�س: احلب�س للجاين تعزيرا وردعا عن معا�صي اهلل تعالى.

ال�ساد�س: يحب�س من امتنع من الت�رصف الواجب الذي ل تدخله النيابة كحب�س من اأ�صلم على اأختني اأو ع�رص ن�صوة اأو امراأة وابنتها

وامتنع من التعيني. ال�سابببع: م��ن اأقر مبجهول ع��ني اأو يف الذم��ة وامتنع م��ن تعيينه فيحب���س حتى يعينهما فيقول: العني هو هذا الثوب اأو هذه الدابة

ونحوهما اأو ال�صيء الذي اأقررت به هو دينار يف ذمتي. الثامن: حب�س املمتنع يف حق اهلل تعالى الذي ل تدخله النيابة عند

ال�صافعية وعندنا -اأي املالكية- يقتل كال�صاة. وزاد ال�صيخ حممد علي ح�صني املالكي �صببا اآخر، فقال:

والتا�سببع: م��ن يحب���س اختب��ارا مل��ا ين�ص��ب اإلي��ه م��ن ال�رصق��ة والف�صاد)3(.

وذكر الطرابل�صي احلنفي، وابن فرحون املالكي �صببا اآخر فقالوا: والعا�سبببر: حب���س املتداع��ي في��ه حلفظ��ه حت��ى تظه��ر نتيج��ة الدع��وى، كام��راأة ادع��ى رج��ان نكاحه��ا فتحب���س يف بيت عن��د امراأة �ص��احلة، واإل فف��ي حب����س الق���ا�ص��ي)4(.وذكر ابن جني��م -م��ن احلنفية- اأن م��ن ل يحب�س حب�ص��ا احتياطيا �ص��بعة:

الأول: الأ�صل يف دين فرعه.

انظر: الفروق ألبي العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي املشهور )1(بالقرافي- طبعة عالم الكتب بيروت )ج: 3/ 79( وما بعدها.

دا: أنيس الفقهاء )ص189(. اآلبق: هو مملوك فر من مالكه قصدا معن )2(تهذيب الفروق حملمد حسني املالكي- بهامش الفروق )4/ 134(. )3(

معني احلكام )ص199(، وتبصرة احلكام )2/ 339(. )4(

Page 27: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

27

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

الثبباين: املولى يف دين عبده املاأذون غري املديون، واإن كان مديونا ق الغرماء. يحب�س حل

الثالببث: العبد ل يحب�س بدين موله، واإطاق امل�صنف ظاهره اأنه حتى ولو كان مديونا.

الرابببع: املول��ى ل يحب�س بدي��ن مكاتبه اإن كان م��ن جن�س بدل ة، واإل يحب�س لتوقفها على الر�صا. الكتابة لوقوع املقا�ص

اخلام�س: ل يحب�س املكاتب بدين الكتابة، واإن كان دينا اآخر يحب�س ب��ه للمولى، ومنهم من منعه؛ لأنه يتمكن من اإ�ص��قاطه بالتعجيز. ال�ساد�ببس: ل يحب�س �ص��بي عل��ى دين ال�ص��تهاك -ولو له مال م��ن عرو���س وعقار- اإذا ل يكن له اأب ول و�ص��ي، والراأي اإلى القا�صي فياأذن يف بيع بع�س ماله لاإيفاء، واإن كان له اأب اأو و�صي فاإنه يحب�س اإذا امتنع من ق�صاء دينه من ماله، ول يحب�س ال�صبي اإل بطريق التاأديب حتى ل يتجا�رص اإلى مثله اإذا با�رص �ص��يئا من اأ�صباب

التعدي ق�صدا، اأما اإذا كان خطاأ فا.ال�سابع: اإذا كان للعاقلة عطاء ل يحب�ص��ون يف دية واأر�س ويوؤخذ

من العطاء، واإن ل يكن لهم عطاء يحب�صون)1(.مدى م�صروعية حب�س ال�صبي احتياطيا:

اإن ال�رصيعة الإ�ص��امية ل ت��رتك اأمرا اإل وذكرت ل��ه حكما، فقد و�ص��ع الفقه الإ�ص��امي قواعد مل�صوؤولية ال�ص��غار الذين يرتكبون م الفقه امل�صوؤولية اجلنائية املتعلقة بال�صبي جرائم قبل البلوغ، فق�ص

اإلى مرحلتني: املرحلببة الأولى: مرحلة انع��دام الإدراك والختيار، وهذا يكون بالن�صبة لل�ص��بي الذي يقل عمره عن �صبع �صنوات، وهذه املرحلة تنع��دم معها امل�ص��وؤولية اجلنائية، مما يدل عل��ى اأنه ل يجوز حب�س

ال�صبي احتياطيا يف هذه املرحلة. املرحلببة الثانيببة: وه��ي مرحل��ة الإدراك والختي��ار، وه��ي ما قب��ل بلوغ ال�ش��بي، ويف ه��ذه املرحلة يناط بال�ش��بي م�ش��وؤولية جنائي��ة ع��ن اأفعاله باتف��اق الفقه��اء، وبالتايل يجوز حب�ص��ه، اإل اأن الفقه��اء فرق��وا بني جواز حب�س ال�ص��بي يف املعام��ات املالية

البحر الرائق البن جنيم )6/ 486، 487(. )1(

ع��ن غريها من اجلرائم اجلنائية مما يقت�ص��ي التفري��ق بني الأمرين:: حب�س ال�سبي يف املعامالت املالية: اأولا

اختلف الفقهاء يف جواز حب�س ال�صبي املميز يف ق�صايا املعامات املالية اإلى قولني:

القول الأول: ذهب جمهور احلنفية اإلى اأن ال�ص��بي املميز يحب�س ين ونحوه تاأديبا ل عقوبة؛ لأنه موؤاخذ بحقوق العباد فيتحقق بالد

ظلمه، ولئا يعود اإلى مثل الفعل ويتعدى على اأموال النا�س. ق��ال اب��ن عابدين: »حب�س ال�ص��بي التاج��ر تاأديب��ا ل عقوبة لئا ب لينزجر ع��ن الأفعال مياط��ل حق��وق العباد، فاإن ال�ص��بي ي��وؤد

الذميمة«)1(.لكن هذا الراأي لي�ض على اإطلقه، فقد ا�شرتط بع�ض احلنفية للقول بجواز حب�س ال�ص��بي على وجود اأب اأو و�صي للحدث، لي�صجر في�ص��ارع اإلى ق�ص��اء الدين عنه، جاء يف الفتاوى الهندية ما ن�ص��ه »واأما ال�صبي احلر فبع�س امل�صايخ -رحمهم اهلل تعالى- مالوا اإلى احلب�س وجعلوه كالبالغ، وبع�صهم قالوا: اإذا كان له و�صي يحب�س ��جر الو�ص��ي فيت�ص��ارع اإلى ق�صاء تاأديبا؛ حتى ل يعود ملثله ولي�ص

الدين، واإن ل يكن له اأب اأو و�صي ل يحب�س«)2(. الراأي الثاين: ذهب املالكية وال�ص��افعية وبع�س احلنفية اإلى اأن غري البالغ اإذا مار�س التجارة اأو ا�صتهلك مال غريه فا يحب�س بدين يف

معاملته لعدم التكليف، ول مينع هذا من تاأديبه بغري احلب�س)3(. وذكر الإمام ال�رصخ�صي -من فقهاء احلنفية- راأيا ثالثا، وهو جواز حب�س ويل ال�صبي؛ لتق�صريه يف حفظ ولده، ولأنه املخاطب باأداء

املال عنه)4(.الراأي الراجح:

واأرى اأن الراج��ح هو الراأي الأول القائل بجواز حب�س ال�ص��بي، ولكن يكون ذلك ملدة معينة بقدر ال�رصورة التي يقت�صيها التحقيق، ومبا يتفق مع ما ا�صتندت اإليه ال�رصيعة الإ�صامية من حماية لل�صغار

حاشية ابن عابدين )8/ 137 وما بعدها(، والبحر الرائق )6/ 487(. )1(الفتاوى الهندية )3/ 413(، والبحر الرائق )6/ 487(. )2(

حاشية الدسوقي )3/ 280(، وأسنى املطالب وحاشية الرملي )4/ 306(. )3(املبسوط )20/ 91(، وحاشية ابن عابدين )8/ 138(. )4(

Page 28: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

28

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

ومن يف حكمهم. والأف�ص��ل اأن يودعه القا�ص��ي اإحدى دور التعليم والتهذيب ملدة

معينة. ثانياا: حب�س ال�سبي يف اجلرائم:

ذهب احلنفية اإلى جواز حب�س الفاجر غري البالغ على وجه التاأديب ل العقوبة، وبخا�صة اإذا كان احلب�س اأ�صلح له من اإر�صاله، وكان فيه تاأديبه وا�صت�صاحه، ومن اجلرائم التي ن�صوا على احلب�س فيها: الردة، فيحب�س ال�صبي املرتد حتى يتوب وهو قول اأبي حنيفة وحممد)1(. وك��ذا البغ��ي، فيحب���س �ص��بيان البغ��اة املقاتلون حتى تنق�ص��ي

احلرب)2(.

الفصل الثانيمدة احلبس االحتياطي، وحقوق احملبوس، واآلثار املترتبة على احلبس االحتياطي في الفقه اإلسالمي

وفيه ثالثة مباحث: املبح��ث الأول: م��دة احلب���س الحتياط��ي الت��ي يجيزه��ا الفقه

الإ�صامي.املبحث الثاين: حقوق املحبو�س احتياطيا يف الفقه الإ�صامي.

املبحث الثال��ث: الآثار املرتتبة على احلب���س الحتياطي يف الفقه الإ�صامي.

المبحث األول

مدة الحبس االحتياطي التي يجيزها الفقه اإلسالمي

ذهب جمهور الفقهاء اإلى اأنه ل حد لأقل مدة احلب�س الحتياطي، واإنا اإذا تبني براءة املتهم للنيابة، اأو للقا�صي، فينبغي اأن يخرج من

حمب�صه على الفور، حتى ولو ل يق�س يف احلب�س اإل ب�صع دقائق.حاشية ابن عابدين )8/ 138(. )1(

بدائع الصنائع )7/ 63(. )2(

واأم��ا اأكرث مدة احلب���س الحتياطي فقد اختلف فيه��ا الفقهاء بني من ينظر اإلى حال املتهم ثم يحدد املدة على ح�ص��ب حاله، وبني من يحدد مدة حمددة ل يتجاوزها القا�ص��ي بغ�س النظر عن حال املته��م، ومنهم من يفو���س تقدير املدة اإلى القا�ص��ي، وخافهم

ميكن ح�رصه يف ثاثة اأقوال: القول الأول: ذه��ب املالكية، واحلنابلة، وبع���س احلنفية اإلى اأن م��دة احلب�س الحتياطي ينظر فيها اإلى حال املتهم، فاإن كان املتهم ع��دل فاإنه ل يطال حب�ص��ه عن ي��وم اأو يومني اأو ثاث��ة، واأما اإذا كان املتهم جمه��ول احلال فاإنه يحب�س حتى ينك�ص��ف حاله، واأما اإذا كان املتهم معروفا بالف�ص��ق والفجور والف�ص��اد، فللقا�صي اأن يطيل حب�ص��ه بح�صب ما تق�ص��يه ظروف الق�صية وحتقيق العدالة، وبع�س الفقهاء يقول يف هذا النوع من املتهمني: اإنه يطال حب�ص��ه

حتى املوت. ون من وهذا منقول عن عمر بن عبد العزيز ومطرف وابن املاج�ص

فقهاء املالكية وغريهم)1(. ق��ال املاوردي وهو يتكلم عن التعزي��ر: »ثم يعدل مبن دون ذلك اإل��ى حب���س الذي يحب�ص��ون فيه على ح�ص��ب ذنبهم وبح�ص��ب هفواتهم، فمنهم من يحب�س يوما، ومنهم من يحب�س اأكرث منه اإلى

غاية مقدرة«)2(. القول الثاين: ذهب احلنفية يف املعتمد عندهم اإلى اأن اأق�ص��ى مدة للحب�س الحتياطي هو ما بني اأربعة اأ�ص��هر اإلى �صتة اأ�صهر، وذهب بع���س احلنفي��ة يف غري رواية احل�ص��ن اإلى اأن اأق�ص��ى مدة للحب�س الحتياطي هي �ص��هر واحد، وبع�س ال�صافعية يرى اأن اأق�صى مدة

للحب�س الحتياطي ما بني �صهر اإلى �صتة اأ�صهر. قال املريغين��اين والكمال بن الهمام: »ثم اإن��ا يحب�س مدة ليظهر مال��ه فيوؤدي ما عليه، فا بد اأن متتد تلك املدة ليفيد هذه الفائدة، روه ب�ص��هرين اأو ثاث��ة، وهو رواي��ة حممد عن اأب��ي حنيفة، فق��دويروى غري ذلك من التقدير ب�ص��هر وهو اختيار الطحاوي؛ لأن

معني احلكام للطرابلسي )ص176(، وفتاوى ابن تيمية )مجلد 15/ 3999(. )1(األحكام السلطانية للماوردي، ط دار ابن خلدون )ص243(. )2(

Page 29: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

29

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

ما زاد على ال�ص��هر يف حكم الآجل، وما دون ال�ص��هر يف حكم العاجل ف�صار اأدنى الأجل �صهرا والأق�صى ل غاية له فيقدر ب�صهر، وروي: اأو اأربعة اأ�ص��هر اإلى �صتة اأ�صهر، وهو رواية احل�صن عن اأبي

حنيفة«)1(.وج��اء يف الفت��اوى الهندي��ة: »وبع���س م�ص��ايخنا -رحمهم اهلل تعالى- قالوا: الق��ا�ص��ي ين��ظر اإل��ى املحب��و�س اإن راأى عليه زي الفقر وهو �صاحب عيال ت�صكو عياله اإلى القا�صي البوؤ�س و�صيق النفقة، وكان لينا عند جواب خ�صمه حب�صه �صهرا ثم ي�صاأل، واإن كان وقاحا عند جواب خ�ص��مه وعرف مت��رده وراأى عليه اأمارة الي�صار حب�ص��ه اأربعة اأ�صهر اإلى �صتة اأ�صهر ثم ي�صاأل، واإن كان فيما دون ذلك حب�ص��ه �صهرين اإلى ثاثة اأ�صهر ثم ي�صاأل، وبه كان يفتي ال�ص��يخ الإمام ظهري الدين املريغيناين وهو يحكي عن عمه �صم�س

.)2(» الأئمة الأوزجندي»وق��ال اأبو عبد اهلل الزبريي من اأ�ص��حاب ال�ص��افعي: تقدر غايته -اأي احلب�س- ب�صهر لا�ص��ترباء والك�صف، وب�صتة اأ�صهر للتاأديب والتقومي، ث��م يعدل مبن دون ذلك اإلى النف��ي والإبعاد اإذا تعدت

ذنوبه اإلى اجتذاب غريه اإليها وا�صت�رصاره بها«)3(. واإمنا ا�ش��رتط ال�شافعية اأن ال ي�شل احلب�ض اإلى �شنة، وجعلوا اأق�شى مدة له �ص��تة اأ�ص��هر؛ لأنهم يقي�ص��ونه على التغريب يف حد الزنا، والتغري��ب ل يزيد على عام، فوجب اأن يقل احلب�س عن عام حتى

ل يعاقب بحد يف غري حد. القول الثالث: ذهب احلنفية يف الأ�ص��ح عندهم، وال�ص��افعية يف الظاه��ر عندهم اإلى اأن مدة احلب�س الحتياطي مفو�ص��ة اإلى راأي القا�ص��ي، في��رتك لويل الأم��ر اأو القا�ص��ي تقدير ح��ده الأعلى. قال املريغيناين: »وال�ص��حة اأن التقدير مفو�س اإلى راأي القا�ص��ي

لختاف اأحوال الأ�صخا�س فيه«)4(. ��جر باحلب�س وزاد العيني يف �رصحه للهداية: »لأن بع�س النا�س ي�ص

الهداية مع شرح فتح القدير )7/ 282(، والبناية في شرح الهداية )9/ 31(. )1(الفتاوى الهندية )3/ 415(، واحمليط البرهاني )8/ 238(. )2(

األحكام السلطانية للماوردي )ص243(. )3(الهداية مع شرح فتح القدير )7/ 282(، والفتاوى الهندية )3/ 415(. )4(

جر اآخر يف مدة كثرية«)1(. يف مدة قليلة ما ل ي�صوق��ال امل��اوردي: »فالظاهر من مذه��ب ال�ص��افعي -اأن يقدر- احلب���س الحتياطي- مب��ا دون احلول ولو بيوم واحد لئا ي�ص��ري

م�صاويا لتعزير احلول يف الزنا«)2(. الراأي الراجح:

واأرى اأن ال��راأي الراجح ه��و الراأي الثال��ث بتفوي�س حتديد مدة احلب�س الحتياطي اإلى راأي القا�ص��ي؛ لأنه ثبت اأن النبي -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- تغري ق�صاوؤه يف حتديد املدة يف احلب�س الحتياطي

من متهم لآخر.من ذلك ما رواه عبد الرزاق عن بهز بن حكيم عن اأبيه عن جده اأن النبي -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- حب�س رجا يف تهمة �صاعة من

نهار ثم خلى عنه)3(. وطول املدة يف حديث اأبي هريرة »اأن النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم-

حب�س رجا يف تهمة يوما وليلة ا�صتظهارا واحتياطا«)4(. ولأن الق�ص��ايا تختلف من حيث اأهميتها وب�صاعتها وحال املتهم

مما يقت�صي تفوي�س الأمر اإلى �صلطة القا�صي.الق�صايا التي يجوز فيها احلب�س االحتياطي:

اختلف��ت وجه��ة نظر الفقه��اء بني م�ص��يق ومو�ص��ع يف اجلرائم والق�صايا التي يجوز فيها احلب�س الحتياطي.

فذهب احلنفية اإلى اأن اجلرائم التي يجوز فيها احلب�ض للحتياط من جرائم احلدود والق�ص��ا�س والدية، ول يجوز احلب�س الحتياطي يف اجلرائ��م التعزيري��ة ودع��اوى امل��ال كالدي��ون، ب��ل يتخذ يف مواجهةاملته��م اإجراء بديل عن احلب�ض للحتياط كاإجراء الكفالة. وعل��ة هذا القول عندهم هو اأن احلب�س ي�ص��لح تعزيرا يف نف�ص��ه، واحلب���س اأق�ص��ى عقوبة يف الأم��وال، فاإنه لو ثبت امل��ال بتعديل ال�صهود كان احلب�س متام موجب ما �صهدوا به، ولو حب�س قبله لزم

البناية في شرح الهداية )9/ 31(. )1(األحكام السلطانية )ص: 243(. )2(

ق��ي- طبعة البالغة بحلب )ج: 5/ 850(، والس��نن كنز العم��ال لعالء الدين املت )3(الكبرى )6/ 53(.

املستدرك على الصحيحني )ج: 4/ 102(. )4(

Page 30: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

30

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

اإعطاء حكم ال�صبب له قبل ثبوته بخاف احلد والق�صا�س)1(. ��ا اأو نحو وقال العامة اجل�ص��ا�س: »واإذا كان احلق دينا اأو قر�صذلك فاإن املدعى عليه ل يحب�س ب�ص��هادة الواحد واإن كان عدل؛

لأن هذه احلقوق ل توجب التهمة حتى يحب�س املتهم«)2(. وقد ذكر الإمام ال�رصخ�صي -من احلنفية- اأن املتهم يف جناية القتل به العمد �صواء، »وكان يحب�س للتهمة، والعمد يف ذلك واخلطاأ و�صينبغي يف القيا�س األ يحب�س يف اخلطاأ و�ص��به العمد؛ لأن الواجب فيهم��ا املال، ويف الديون التي هي غري املوؤجلة ل يحب�س ما ل تتم احلجة لظهور عدالة ال�صهود، ففيما يكون موؤجا اإلى العاقلة اأولى ولكنه ترك القيا�س ملا ذكرنا اأن املتهم بالدم يحب�س، فاإن القتل اأمر عظيم اإلى اأن يتبني موجبه؛ لظهور عذر القاتل، اأو انتفاء عذره«)3(. الببراأي الثبباين: ذهب جمه��ور الفقه��اء املالكي��ة، وال�ص��افعية، واحلنابل��ة، وال�ص��يعة الإمامية اإل��ى عدم التفرقة ب��ني اجلرائم فيما يتعلق باإ�ص��دار اأمر احلب�س الحتياطي، فللقا�صي اأن ي�صدر الأمر باحلب�س ب�صوابطه ال�صابقة �صواء كان التهام متعلقا بق�صايا احلدود

اأو الق�صا�س اأو التعزير اأو بدعاوى املال. ق��ال الإم��ام الع��ز ب��ن عب��د ال�ص��ام: »يحب���س املدع��ى علي��ه ببدن��ه يتعل��ق ب�ص��يء اأو ي��ن بالد م�ص��توران علي��ه �ص��هد اإذا البين��ة«)4(. ��ى تزك اأن اإل��ى والتعزي��ر... والق�ص��ا�س كاحل��د

الراأي الراجح: واأرى اأن ال��راأي الراج��ح هو راأي جمهور الفقه��اء بعدم التفرقة بني اجلرائم يف اإ�ص��دار اأمر احلب�س الحتياطي؛ وذلك لأن احلنفية فرقوا بني اجلرائم على اعتبار اأن احلب�س عقوبة، وهذا لي�س مب�صلم من كل الوجوه، كما اأن الن�ص��و�س ال��واردة يف م�رصوعية احلب�س للتهم��ة ل تخ���س جرائم بعينه��ا جلواز احلب�س للتهم��ة فيها دون

غريها، مما يبني لنا رجحان راأي اجلمهور. درر احلكام شرح غرر األحكام ملنال خسرو )ج: 2/ 298(، وتبيني احلقائق )3/ 165(. )1(

أدب القاضي للخصاف شرح اجلصاص )ص114(. )2(املبس��وط )26/ 106( وأس��تاذنا عب��د العزيز رمضان مس��ك- احلبس للتهمة )3(

وضماناته في الفقه اإلسالمي )ص189(. قواعد األحكام في مصاحل األنام )ج: 2/ 183(، وانظر كشاف القناع للبهوتي )6/ )4(352(، وتبصرة احلكام )2/ 330(، والبحر الزخار )6/ 170(، وشرائع اإلسالم )4/ 75(.

ا عن احلب�س يف اجلرائم: متييز احلب�س احتياطيمب��ا اأن احلب�س الحتياطي ل تثبت فيه اإدانة املتهم ب�ص��كل نهائي، فا بد واأن يتميز هذا احلب�س عن حب�س الل�ص��و�س؛ لأنه كما قلنا اإن ه��ذا احلب���س لي�س عقوبة، ومن جهة اأخ��رى ينبغي األ يجتمع املحبو�ص��ون احتياطيا مع املحبو�ص��ني يف اجلرائم حتى ل يف�صدوا

اأخاقهم، ودلت على ذلك ن�صو�س الفقهاء. ق��ال ابن مازه البخاري: »اإن القا�ص��ي اإذا خ��اف على املحبو�س اأن يفر من �ص��جنه، حوله اإلى �ص��جن الل�صو�س اإذا كان ل يخاف عليه منهم؛ لأن القا�ص��ي يحتاج اإلى حفظه، و�ص��جن الل�صو�س اأح�ص��ن والرقباء ثمة اأكرث فيحوله اإليه، ف��اإن كان يخاف عليه من جهة الل�ص��و�س؛ ملا اأن بينه وبني الل�صو�س عداوة، وعرف اأنه لو حوله اإليهم لق�ص��دوه ل يحوله، لأن فيه اإهاكه وما ا�صتحق عليه

الهاك«)1(. ين، ولق��د ميز الفقهاء يف احلب�س بني املحبو�س يف املعامات كالدوبني املحبو�س يف اجلرائم كال�رصقة، والتل�ص���س، والعتداء على الأبدان، وكانوا يحر�ص��ون عل��ى األ يجتمع ه��وؤلء باأولئك يف حب���س واح��د خوفا من العدوى، ف�ص��ا عن اأن لأ�ص��حاب كل

حب�س معاملة تنا�صب جريرة كل منهم)2(. ولذلك كتب عمر بن العزيز اإلى اأمراء الأجناد: »واإذا حب�صت قوما يف دين فا جتم��ع بينهم وبني اأهل الدعارات يف بيت واحد«)3(.

بل لقد �ص��نف بع�س الفقهاء نزلء �ص��جون اجلرائم اأنف�ص��هم اإلى ثاثة اأ�ص��ناف: اأهل الفجور -املفا�صد اخللقية-، واأهل التل�ص�س -ال�رصقات ونحوها-، واأهل اجلنايات -العتداء على الأبدان-، وجعل القا�ص��ي اأبو يو�ص��ف هذا التق�ص��يم عنوان ف�صل اأفرده يف

كتابه)4(.

احمليط البرهاني في الفقه النعماني )8/ 243(. )1(شرح أدب القاضي للخصاف )2/ 375(، والفتاوى الهندية )4/ 414(. )2(

الطبقات الكبرى البن سعد )ج: 5/ 357(. )3(انظر: اخلراج للقاضي أبي يوسف )ص161(. )4(

Page 31: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

31

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

المبحث الثاني

ا في الفقه اإلسالمي حقوق المحبوس احتياطي

اإن املحبو�س حب�ص��ا احتياطيا له يف فرتة احلب�س من احلقوق الكثري التي ل يغفلها الإ�ص��ام وفقهاوؤه؛ لأنه م��ا زال متمتعا مببداأ الرباءة الأ�ص��لية؛ اإذ اإنه ل تثبت اإدانته بعد، ومن ثم فا يجوز حمله على الع��رتاف ب���رصب اأو اإكراه، ول يجوز من��ع زوجته واأولده من زيارته، كما ل يجوز منعه م��ن مبا�رصة حقوقه الطبيعية من الأكل وال�رصب وال�صاة وغري ذلك، و�صوف نذكر اأقوال الفقهاء يف كل

حق من هذه احلقوق على حدة. : ال�صرب حلمل املحبو�س على االعرتاف: اأوالا

ذه��ب جمهور الفقهاء اإلى اأن��ه ل يجوز �رصب املتهم حلمله على العرتاف يف اأي ق�صية من الق�صايا، واإذا اعرتف املتهم حتت وطاأة

ال�رصب اأو التهديد فاإنه يكون اعرتافا باطا. قال اب��ن عابدين: »ولو اأكره ب�رصب اأو حب���س حتى يقر بحد اأو

ق�صا�س فهو باطل«)1(. وقال ابن مازه البخاري احلنفي: »ول ينبغي للقا�ص��ي اأن ي�رصب حمبو�صا يف دين، ول يقيده ول يقيمه، به ورد الأثر عن ابن م�صعود

-ر�صي اهلل عنه-«)2(. وقد �ص��ئل الإمام الغزايل: »ال�رصب بالتهمة لا�ص��تنطاق بال�رصقة م�ص��لحة، فهل تقولون بها؟ قلنا: ل نقول بها؛ لإبطال النظر اإلى

جن�س امل�صلحة«)3(. وقال الطرابل�ص��ي -من احلنفية-: »ل ينبغي للقا�ص��ي اأن ي�رصب حمبو�ص��ا يف دين ول غريه ول ي�صفد ول يقيد ول يغل ول ميد ول

يجرد ول يقيمه يف ال�صم�س«)4(. وبه��ذا اتفقت كلمة الفقه��اء على اأنه ل يجوز ���رصب املحبو�س احتياطيا حلمله على العرتاف، بل قرر �صاحب الفتاوى البزازية -م��ن احلنفية- اأنه اإذا اعتدي على املحبو�س بال�رصب وغريه، فاإن

حاشية ابن عابدين )8/ 137(. )1(الفتاوى البزازية- مطبوع مع الفتاوى الهندية )ج: 6/ 433(. )2(

املستصفى للغزالي )1/ 297(. )3(احمليط البرهاني في الفقه النعماني )8/ 243(. )4(

ذلك يعد جرمية ي�صاأل اجلاين عنها م�صوؤولية جنائية وت�صمينية)1(. ا: حق املحبو�س يف معا�صرة زوجته: ثانيا

اختل��ف الفقهاء يف متكني املحبو�س من معا���رصة زوجته واإعطائه هذا احلق على قولني:

القول الأول: ذهب احلنابلة، وجمهور احلنفية، وبع�س ال�صافعية اإلى اأن من حق املحبو�س معا�ص���رة زوجته اإن احتاج اإلى اجلماع، وال مينع من دخول زوجته عليه ب�رشط اأن يكون يف احلب�ض مو�شع

خا�س حيث ل يطلع عليه اأحد. ق��ال ابن عابدين: »اإذا احت��اج -اأي املحبو�س- للجماع دخلت

عليه زوجته اأو اأمته اإن كان فيه مو�صع �صرتة«)2(. وا�ص��تدل اأ�ص��حاب هذا الراأي باأن املحبو�س غري ممنوع من ق�صاء �ش��هوة البطن، فكذا �شهوة الفرج؛ اإذ ال موجب ل�شقوط حقه يف الوطء، وا�ش��رتط بع�شهم اأن ي�شلح املو�شع �ش��كنا ملثل الزوج اأو

الزوجة)3(. وبع���س احلنفي��ة، وبع���س املالكي��ة، ذه��ب الثبباين: القببول ال�ش��افعية اإل��ى اأن���ه مين���ع املحب���و���ض م��ن وطء زوجت��ه؛ الأن م��ن غايات احلب���س اإدخال ال�ص��يق وال�ص��جر على قلب��ه لردعه وزج��ره، ول ت�ص��ييق م��ع متكين��ه م��ن الل��ذة والتنع��م والرتفه، وال��وطء اإمنا ه��و لذلك، ولي�ض م��ن احلوائج االأ�ش��لية كالطعام.

الراأي الراجح: واأرى اأن الق��ول الراجح هو القول االأول وهو اأن وطء املحبو�ض لزوجت��ه حق م��ن حقوقه امل�رصوع��ة، ول مينع الزوج من��ه اإل اإذا اقت�ص��ت ذلك امل�ص��لحة، والتي يحددها القا�ص��ي نف�صه؛ وذلك لأن امل�ص��كلة اجلن�صية يف ال�ص��جون امل�رصية و�صلت اإلى حد كبري من انت�صار ال�صذوذ اجلن�صي بني املحبو�صني خا�صة لفرتات طويلة،

معني احلكام للطرابلسي )ص: 197(. )1(حاشية ابن عابدين )8/ 64(، والبناية للعيني )9/ 36(. )2(

املغني )7/ 34 - 35(، والهداية )3/ 231(، وحاش��ية ابن عابدين )3/ 432 و 5/ )3(378(، وش��رح أدب القاضي للخصاف )2/ 376 - 377(، وأسنى املطالب مع حاشية الرملي )2/ 188، 4/ 306(، وحاشية القليوبي )3/ 300(، وفتح القدير )5/ 471(، والفتاوى الهندية )3/ 418 و 5/ 63(، والفتاوى البزازية )5/ 225(، والبحر

الزخار )5/ 139(.

Page 32: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

32

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

وهذا ما حدا باململكة العربية ال�شعودية اإلى ال�شماح للمحبو�شن ذكورا اأو اإناثا، باللتقاء بزوجاتهم واأزواجهم على فرتات)1(.

ا: حق املحبو�س يف اخلروج ل�صالة اجلمعة والعيدين: ثالثااختلف الفقهاء يف خروج املحبو�س ل�صاة اجلمعة والعيدين على

قولني: القببول الأول: ذه��ب جمه��ور الفقه��اء: احلنفي��ة، واملالكي��ة، وال�ص��افعية اإلى اأن��ه مينع املحبو�س من اخلروج اإلى �ص��اة اجلمعة والعيدي��ن؛ لي�ص��جر قلب��ه وينزج��ر اإن راأى احلاكم امل�ص��لحة يف

ذلك)2(. قال ابن عابدين: »ول يخرج -اأي املحبو�س- جلمعة ول جماعة

ول حلج فر�س، ول حل�صور جنازة ولو بكفيل«)3(. وج��اء يف فت��اوى الربزيل: »وما ذكرت من ح�ص��ور اجلماعة فا اأعل��م خافا اأن��ه ل يح�رصها، ون���س ابن عبد احلك��م على عدم

ح�صوره للجمعة والعيدين«)4(.القببول الثاين: ذهب احلنابلة، وال�رصخ�ص��ي من احلنفية، والبغوي من ال�ص��افعية اإلى اأنه ل مينع املحبو�س من اخلروج ل�ص��اة اجلمعة

و�صاة العيدين لأهميتهما.الراأي الراجح:

واأرى اأنه اإذا توافرت �رشوط اجلمعة يف املحب�ض اخلا�ض بامل�شجونن واأمكن اأداوؤه��ا فيه، فاإنه يجب على ال�ص��جناء اأداوؤها، ويخطب فيهم من ي�ص��لح لذلك منه��م اإن وجد، واإن ل يوجد وجب على احلاكم اأن ين�ص��ب لهم من ي�صلح لذلك، وقد ن�س على ذلك ابن حزم الظاهري)5(، واإذا مل تتوافر يف املحب�ض �ش���روط اجلمعة، اأو كان املكان ل ي�صلح ل�ص��اة اجلماعة فاإنه يجب على املحبو�صني

د/ أحم��د األلفي: حقوق احملكوم عليه في مرحلة التنفيذ- املجلة العربية للدفاع )1(االجتماعي-العدد العاشر- أكتوبر 1979م- ص: 195.

الفتاوى الهندية )5/ 64(، واملنتقى ش��رح املوطأ )ج: 5/ 89(، وحاشية الصاوي )2(على الشرح الصغير )ج: 3/ 373(، وحاشية البجيرمي على املنهج )2/ 418(.

حاشية ابن عابدين )8/ 64(، والفتاوى الهندية )3/ 418(. )3(فتاوى البرزلي- جامع مس��ائل األحكام ملا نزل من القضايا باملفتني واحلكام، )4(تأليف أبي القاسم بن أحمد البلوي التونسي املعروف بالبرزلي- ط. دار الغرب

اإلسالمي- ط1- 2002م- )ج: 4/ 344(. احمللى باآلثار )3/ 253(. )5(

اأن ي�صلوا الظهر فرادى. ا: حق املحبو�س يف اطالعه على و�صائل االإعالم: رابعا

اإن ال�ص���ريعة الإ�ص��امية تقرر اأن من حق املحبو�س الطاع على و�ص��ائل الإعام املختلفة من �ص��ماع املذياع اأو روؤي��ة التليفزيون ونح��و ذل��ك متى وج��د، وغري ذل��ك من الو�ص��ائل الت��ي تعني عل��ى حتقيق الغاية م��ن احلب�س من خال برامج اإر�ص��ادية موجهة

وهادفة. اعه على ال�صحف املختلفة، وعلى كما اأن للمحبو�س احلق يف اط

الكتب واملراجع التي يرغب يف الطاع عليها. وهذا له اأ�ص��ا�س تاريخي جنده فيما فعله �صم�س الأئمة ال�ص�رخ�صي اأح��د كبار فقه��اء احلنفية حينما �ص��جنه بع�س الأم��راء يف القرن اخلام���س الهجري، وقد اأملى على اأ�ص��حابه وتاميذه من العلوم خم�ش��ة ع�رش جملدا، اأو كتابه املب�ش��وط يف العلوم ال�رشعية وغريها

وهو يف ال�صجن. ��ا ما فعله �ص��يخ الإ�ص��ام ابن تيمية حينما كتب يف امل�صائل واأي�صالفتاوى والواقعات التي كان يتعر�س لها وهو يف ال�صجن، وبعث

بها اإلى اأ�صحابه وزمائه خارج ال�صجن)1(.ا: حق املحبو�س يف العمل: خام�صا

اختل��ف الفقهاء يف متك��ني املحبو�س من العم��ل يف احلب�س على ثاثة اأقوال:

القببول الأول: ذه��ب ال�ص��افعية واحلنابل��ة وبع���س احلنفية اإلى ن م��ن ذلك؛ اأن��ه ل مين��ع املحبو���س من العم��ل يف حب�ص��ه وميكمل��ا في��ه م��ن اأ�ص��باب النفق��ة الواجب��ة ووف��اء الدي��ن ونح��وه. جاء يف الفتاوى الهندية: »وهل يرتك -اأي املحبو�س- ليكت�ص��ب يف ال�ص��جن، اختلف امل�ص��ايخ -رحمه��م اهلل تعال��ى- فيه، قال بع�ص��هم: ل مينع من الكت�صاب يف ال�ص��جن، وقال بع�صهم: مينع من ذلك وهو الأ�ص��ح واإليه اأ�ص��ار اخل�صاف، وقال القا�صي فخر

الدين: الفتوى اليوم على اأنه ل مينع من الكت�صاب«)2(.

الفوائد البهية في تراجم احلنفية- )ص: 158(، والبداية والنهاية البن كثير )14/ 43(. )1(الفتاوى الهندية )3/ 418(، وانظر أسنى املطالب مع حاشية الرملي )2/ 188(. )2(

Page 33: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

33

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

القول الثاين: ذهب احلنفية يف املعتمد عندهم اإلى اأنه مينع املحبو�س من العمل يف حب�صه ول ميكن منه؛ لئا يهون عليه احلب�س ولي�صجر

قلبه فينزجر، واإل �صار احلب�س له مبنزلة احلانوت. قال عب��د اهلل بن �ص��ليمان املع��روف بداماد اأفن��دي: »ول ميكن املحرتف من ا�صتغاله باحلرفة يف احلب�س، وهذا هو ال�صحيح«)1(. وقال ابن مازه البخاري: »وهل يرتك ليكت�صب يف ال�صجن؟ اختلف فيه امل�صايخ، قال بع�صهم: ل مينع من الكت�صاب يف ال�صجن؛ لأن في��ه نظرا من اجلانبني م��ن جانب املديون، لأنه ينفق على نف�ص��ه وعياله، ولرب الدين فاإنه اإذا ف�ص��ل منه ي���رصف ذلك اإليه، وقال بع�ص��هم: مينع عن ذلك وهو الأ�ص��ح واإليه اأ�ص��ار اخل�صاف«)2(. القببول الثالث: ذهب الزيدي��ة اإلى اأنه يرتك متك��ني املحبو�س من العمل يف حب�ص��ه لتقدير احلاكم واجتهاده، فاإن راأى اأن امل�صلحة

يف عمله اأذن له يف ذلك، واإل فا«)3(. الراأي الراجح:

واأرى اأن الأخ��ذ بال��راأي الثالث هو الأوف��ق اإذا روعي يف ذلك امل�صلحة العامة واخلا�صة)4(.

ا: حق املحبو�س يف اخلروج بكفيل الأداء واجبه يف �صاد�صاوفاة اأحد االأ�صول اأو الفروع:

قال ابن جنيم: »يخ��رج -اأي املحب�و�س- بكفيل جلنازة الوالدين والأج��داد واجل��دات والأولد، ويف غريه��م ل يخ��رج وعلي��ه

الفتوى«)5(. وج��اء يف الفتاوى الهندية: »اإذا مات للمحبو�س والد اأو ولد ول يكن بح�رصته اأحد للغ�صل والتكفني يخرجه القا�صي من ال�صجن وه��و ال�ص��حيح، اأما اإذا كان من يقوم بذلك ف��ا معنى لإخراجه من ال�صجن...، وقيل: يف الوالدين والأجداد واجلدات والولد ل باأ�س باإخراجه، اأما يف غريهم فا يخرج، والفتوى على اأنه يخرج

مجمع األنهر في شرح ملتقى األبحر )2/ 163(. )1(احمليط البرهاني في الفقه النعماني )8/ 243(. )2(

البحر الزخار )5/ 82(. )3(املوسوعة الفقهية الكويتية )16/ 322(. )4(

البحر الرائق )6/ 475(. )5(

يف قرابة الولد بكفيل«)1(. ومن خال هذه احلقوق التي ذكرناها يت�صح مدى حر�س الإ�صام وفقهائه على اإعطاء احلقوق لأ�صحابها حتى وهم قيد التحقيق اأو يف مرحلة احلب�س، كما يدل على مراعاة امل�صاعر الإن�صانية لهوؤلء

املتهمني ومعاملة الإ�صام لهم معاملة كرمية.

المبحث الثالثاآلثار المترتبة على الحبس االحتياطي

في الفقه اإلسالمي

وي�صتمل هذا املبحث على مطلبني: املطل��ب الأول: م��دى م�رصوعي��ة خ��روج املحبو���س احتياطي��ا

بكفالة)2(. املطل��ب الثاين: م��دى م�رصوعية احلق يف التعوي���س اإذا تبني خطاأ

النيابة العامة اأو القا�صي يف اإ�صدار اأمر احلب�س الحتياطي.

املطلب األول

ا بكفالة مدى مشروعية خروج احملبوس احتياطي

لكي نذك��ر احلكم الفقهي يف خروج املحبو�س بكفالة ل بد واأن نفرق بني ق�صايا الديون والأموال، وق�صايا احلدود والق�صا�س.

ففي ق�ص��ايا الأموال اتفق الفقهاء على �صحة كفالة النف�س بالنظر اإلى من عليه دين، وميثل لكفالة املحبو�س حقيقة بحق مايل مبا ن�س عليه الفقهاء من جواز خروج املحبو�س بدين من �ص��جنه حل�صور جنازة اأ�ش��وله وفروعه بكفالة نف�ض، وا�ش��رتط بع�ش��هم موافقة الدائ��ن، وكذا يخ��رج املحبو�س املو�رص بكفالة لإح�ص��ار ماله من

الفتاوى الهندية )3/ 418(. )1(الكفال��ة عرفت بتعريفات متع��ددة في فقه املذاهب املختلفة، لعل أنس��بها مما )2(يتصل ببحثنا هو تعري��ف: أن يلتزم الكفيل بإحضار بدن من يلزم حضوره في مجلس احلكم. حاش��ية الصاوي على الش��رح الصغير )3/ 430(، والفروع البن

مفلح )4/ 237(.

Page 34: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

34

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

بلد اآخر)1(. وقد اختل��ف الفقهاء فيما عدا ذلك مما يقت�ص��ي بيان كل مذهب

على حدة. فذهب احلنفية اإلى اأنه اإذا كانت الكفالة ببدن من عليه حد خال�س هلل تعال��ى -كحد الزنا و�رصب اخلم��ر اأو التعامل بالربا اأو الزواج باأك��رث من اأربع-، فا جتوز هذه الكفالة؛ لأن هذه احلدود تندرئ بال�ص��بهات، فا يليق بها ال�ص��تيثاق، �صواء طابت نف�س املطلوب بالكفالة اأو ل تطب، و�صواء كان ذلك قبل اإقامة البينة اأو بعدها.

واأم��ا اإذا كان��ت الكفالة يف حق م��ن حقوق العب��اد، اأو يف حق م�ص��رتك بني اهلل والعبد كح��د القذف اأو الق�ص��ا�س، فاإن طابت بها نف�س املطلوب، فاإنها ت�صح باتفاق احلنفية؛ لأنه اأمكن ترتيب موجبه عليه، وهو ت�صليم النف�س؛ لأن ت�صليم النف�س فيهما واجب

فيطالب به الكفيل، فيتحقق الظلم. واأما اإن ل تطب نف�س املطلوب باإعطاء الكفيل با جرب يف الق�صا�س وح��د القذف ف��ا جت��وز الكفالة عند اأب��ي حنيف��ة، اأي ل يجرب على اإعطاء كفيل بنف�ص��ه يح�رصه يف جمل�س الق�ص��اء لإثبات ادعاء خ�صمه عليه، وجتوز الكفالة بالبدن يف هذه احلالة عند ال�صاحبني اأبي يو�ص��ف وحممد، لوج��ود حق العب��د، فيليق ال�ص��تيثاق)2(.

وذهب املالكية اإلى التمييز بني نوعني من كفالة الوجه: النوع الأول: �صمان الوجه: وهو عبارة عن اإح�صار الغرمي وقت

احلاجة اإليه، واإنا يرباأ فيه ال�صامن بت�صليم امل�صمون. وبناء على ذلك ل ي�ص��ح �ص��مان الوجه فيمن يثبت عليه ق�صا�س

اأو حد اأو تعزير. النوع الثاين: ال�صمان بالطلب: وهو التزام طلب الغرمي، والتفتي�س عليه اإن تغيب، والدللة عليه دون اللتزام باإح�صاره، وقيل: يلتزم باإح�ص��اره، ولذا �ص��ح �ص��مان الطلب فيمن كان مطلوبا ب�صبب ح��ق مايل، اأو ب�ص��بب ق�ص��ا�س ونح��وه من احلق��وق البدنية من حدود وتعزي��رات متعلقة باآدمي، كاأن يق��ول الكفيل: اأنا حميل حاشية ابن عابدين )8/ 56(، والفتاوى الهندية )3/ 418(، وقليوبي وعميرة )2/ 292(. )1(تبيني احلقائق للزيلع��ي )4/ 152(، واجلوهرة النيرة )ج: 1/ 313(، والبحر الرائق )2(

)6/ 235(، والفتاوى الهندية )3/ 256(.

بطلبه، اأو ال اأ�ش��من اإال وجهه، اأو اأ�شمن وجهه ب�رشط عدم غرم املال اإن ل اأجده.

وقد �صئل الإمام مالك: اأراأيت احلدود، اأفيها كفالة؟ قال: ل كفالة يف احلدود، وقد روى ابن وهب واأخربين خمرمة عن اأبيه اأنه قال: ل تقبل حمالة -اأي كفالة- يف دم ول يف زنا ول يف �رصقة ول يف �رصب خمر ول يف �ص��يء من حدود اهلل تعالى، وتقبل فيما �صوى

ذلك«)1(. واأما عند ال�ص��افعية فحا�ص��ل مذهبهم اأنه يجوز الكفالة ببدن من علي��ه حق م��ايل لآدمي كمدي��ن واأجري وكفيل، وبب��دن من عليه عقوبة اآدمي كالق�صا�س وحد القذف يف ظاهر املذهب عندهم. وقيل: ل ت�ص��ح قطعا، ول ت�ص��ح الكفالة ببدن م��ن عليه حد هلل

تعالى كالزنا واخلمر، على ظاهر املذهب. قال الإمام ال�ص��افعي: »ول تلزم الكفالة بحد، ول ق�ص��ا�س، ول عقوب��ة، ل تل��زم الكفالة اإل بالأموال، ولو كف��ل له مبا لزم رجا يف ج��روح عمد، فاإن اأراد الق�ش��ا�ض فالكفالة باطل��ة، واإن اأراد اأر���ض اجلراح فه��و ل��ه والكفالة الزم��ة؛ الأنها كفالة مب��ال«)2(. وذهب احلنابلة اإلى �صحة الكفالة ببدن من عليه دين لزم، معلوما كان الدين للكفيل اأو جمهول، ول مينع من جوازها اأن يكون املكفول حمبو�صا عند احلاكم؛ اإذ املحبو�س عنده ميكن ت�صليمه باأمر احلاكم. ول ت�ص��ح الكفال��ة ببدن من عليه حد هلل -كح��د الزنا- اأو ببدن م��ن عليه حق لآدم��ي، كحد القذف، حلديث عمرو بن �ص��عيب ع��ن اأبيه عن ج��ده مرفوع��ا: »ل كفالة يف ح��د«)3(؛ ولأن مبناه على االإ�ش��قاط والدرء بال�ش��بهة، فل يدخله اال�شتيثاق، وال ميكن ا�صتيفاوؤه من غري اجلاين، ول ت�صح الكفالة ببدن من عليه ق�صا�س؛

لأنه مبنزلة احلد.املدون��ة الكبرى لإلمام مالك )4/ 116(، والفواكه الدواني )ج: 2/ 241(، وش��رح )1(

مختصر خليل للخرشي )6/ 26(. األم لإلمام الش��افعي )ج: 3/ 236(، وانظر مغني احملتاج للشربيني اخلطيب )ج: )2(

3/ 208(، وحاشيتي قليوبي وعميرة )ج: 2/ 410(.الس��نن الكبرى للبيهقي )ج: 6/ 77(، وقال ابن اجلوزي: هذا احلديث تفرد به أبو )3(محم��د عمر بن أبي عمر الكالعي الدمش��قي، وهو من مش��ايخ بقية املجهولني

ورواياته منكرة، التحقيق في أحاديث اخلالف- الطبعة األولى 1415ه�.

Page 35: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

35

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

ق��ال ابن قدامة: »ول ت�ص��ح الكفال��ة ببدن من عليه حد، �ص��واء ا هلل تعال��ى، كحد الزنا وال�رصقة، اأو لآدمي كحد القذف كان حقوالق�ص��ا�س، وهذا قول اأكرث اأهل العلم، واختلف قوله يف حدود الآدمي، فقال يف مو�ص��ع: ل كفال��ة يف حدود الآدمي ول لعان، وقال يف مو�ص��ع: جت��وز الكفالة مبن عليه ح��ق اأو حد؛ لأنه حق

ت الكفالة به، ك�صائر حقوق الآدميني)1(. ح لآدمي ف�ص

املطلب الثاني

مدى مشروعية احلق في تعويض املضرور

من احلبس االحتياطي

اإن النياب��ة العام��ة، اأو قا�ص��ي التحقيقات ميكن اأن ي�ص��دروا اأمرا باحلب�س الحتياطي، وبعد اأن مي�ص��ي املته��م فرتة يف احلب�س يتبني ب��راءة املتهم مما ن�ص��ب اإليه، واأن القا�ص��ي قد اأخط��اأ يف حكمه، فه��ل يق��ف الأمر عند ه��ذا احلد، ويغف��ل عن الأ�رصار النف�ص��ية والأدبي��ة واملادية التي حلقت باملتهم من جراء احلب�س الحتياطي؟وقد اأ�ص��ار اأحد الباحثني)2( اإلى مظاهر ق�ص��وة احلب�س الحتياطي الت��ي ظهرت من خال البحث امليداين الت��ي من اأهمها: انقطاع املورد املايل لاأ�ص�رة، احلرمان من احلرية، فقد العمل اأو انقطاعه، املعاملة التي حدثت له اأثناء احلب�س، الو�صمة التي تلحق املحبو�س،

الو�صمة التي تلحق اأ�ص�رته. ونتيجة ه��ذه الأ�رصار املادي��ة والأدبية التي اأ�ص��ابت املتهم، فاإنه يح��ق له املطالب��ة بالتعوي�س؛ اعتم��ادا على نظرية ال�ص��مان التي ا تف�صيل، وقد ذكرنا لها الفقهاء يف كتبهم اأمي اأقرها الإ�صام، وف�صاأن هناك �ص��وابط و�رصوطا لإ�ص��دار اأمر احلب���س الحتياطي من القا�ص��ي يرتتب على اإغفالها خطاأ القا�صي يف اإ�صدار اأمر احلب�س

املغني البن قدامة )4/ 359(، واإلنصاف للمرداوي )5/ 211(. )1(د/ أحمد األلفي »احلبس االحتياطي- دراس��ة إحصائية وبحث ميداني- املجلة )2(

اجلنائية القومية- العدد األول مارس 1966)ص: 446(.

الحتياط��ي مم��ا يوجب عليه �ص��مانه، وال�ص��مان اإم��ا اأن يكون على القا�ص��ي، اأو على الدولة والفقهاء، و�صوف نتناول الأ�صا�س

الت�رصيعي ل�صمان اأخطاء الق�صاة)1(. : االأ�صا�س الت�صريعي ل�صمان اأخطاء الق�صاة: اأوالا

لقد و�صع الفقهاء قاعدة: »خطاأ القا�صي يف بيت املال« ومعن��ى القاع��دة اأن احلاك��م اأو الإم��ام اأو القا�ص��ي اإذا اأخطاأ يف اجته��اده وترتب على خطئه �رصر للمحك��وم عليه، فاإن تعوي�س هذا ال�رصر اإنا يكون يف بيت املال؛ لأن الإمام واحلاكم والقا�صي نائ��ب عن اهلل تعال��ى يف اأحكامه واأفعاله، ف��كان اأر�س جنايته يف مال اهلل تعالى، ولأن احلاكم اإنا هو عامل للم�ص��لمني ل لنف�ص��ه، ولذلك ل يتحمل خطاأ اجتهاده ال�صحيح يف ماله، لأن احلاكم اأو القا�ص��ي يكرث خطوؤه يف اأحكامه املبنية عل��ى اجتهاده، فاإيجاب ما يج��ب عليه اأو على عاقلته يجحف بهم وب��ه، ويجعل العلماء ميتنعون عن احلكم والق�صاء فت�صيع احلقوق)2(. ويدل على ذلك ما روي اأنه -�صلى اهلل عليه و�صلم- قال: »اإذا حكم احلاكم فاجتهد ثم اأ�ص��اب فله اأجران، واإذا حكم فاجتهد ثم اأخطاأ فله اأجر«)3(.فقد دل هذا احلديث دللة �رصيحة على اأن احلاكم اأو القا�صي اإذا اأخط��اأ يف حكم فاإنه ياأخذ اأجرا نتيجة اجته��اده، وبالتايل فاإنه ل

يغرم بخطئه. وبعد هذا ال�تاأ�صيل ال�رصعي نذكر اآراء الفقهاء يف الأثر املرتتب يف

وجوب الدية اأو التعوي�س على راأيني: الراأي الأول: ذهب جمهور الفقهاء: الإمام اأبو حنيفة، ومالك، وال�ص��افعي يف ق��ول، والإمام اأحم��د يف رواية عنه اإل��ى اأن خطاأ القا�صي يف حكمه واجتهاده اإذا نتج عنه ما يوجب ال�صمان، فاإنه يكون يف بيت مال امل�صلمني؛ لأن القا�صي نائب عن اهلل عز وجل يف اأحكامه واأفعاله، فكان اأر�س جناياته و�ص��مان متلفاته يف مال

د/ أحمد األلفي »احلبس االحتياطي- دراس��ة إحصائية وبحث ميداني- املجلة )1(اجلنائية القومية- العدد األول مارس 1966)ص: 446(.

د/ محمد صدقي البورنو- موس��وعة القواع��د الفقهية، ط دار ابن حزم 2000م – )2()ج: 5/ 285(.

صحيح مسلم بشرح النووي )12/ 13( كتاب األقضية. )3(

Page 36: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

36

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

اهلل عز وجل فيوؤخذ من اهلل، وهو بيت مال امل�صلمني)1(. الببراأي الثبباين: ذه��ب الإمام ال�ص��افعي يف قول، والإم��ام اأحمد يف رواي��ة اإلى اأن خطاأ القا�ص��ي يتحمله من مال��ه، وتتحمله معه

عاقلته)2(. االأدلة:

ا�صتدل اأ�صحاب الراأي الأول بال�صنة واملعقول:: من ال�سنة: اأولا

م��ا رواه البخ��اري يف �ص��حيحه ع��ن عبد اهلل بن عمر -ر�ص��ي اهلل عن�هما- ق��ال: »بع�ث الن�ب���ي -�ص����لى اهلل عليه و�ص����لم- خ��ال���د ب��ن الوليد اإلى بن��ي خزمية فدعاه��م اإلى الإ�ص��ام، فلم يح�ص��نوا اأن يقولوا: اأ�ص��لمنا، فجعلوا يقولون: �ص��باأنا، �ص��باأنا، فجع��ل خالد يقتل منهم وياأ�رص، ودفع اإلى كل منا اأ�ص��ريه، فقلت: واهلل ل اأقتل اأ�ص��ريي، ول يقتل رجل من اأ�ص��حابي اأ�ص��ريه، حتى قدمنا اإلى النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- فذكرنا له، فرفع النبي -�صلى اهلل عليه و�ص��لم- يديه وقال: اللهم اإين اأبراأ اإليك مما �صنع خالد -مرتني-، ثم دعا ر�ص��ول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم- علي ب��ن اأبي طالب -ر�ص��ي اهلل عنه- فقال: اخ��رج اإلى هوؤلء القوم واجعل اأمر اجلاهلية حتت قدميك، فخرج علي -ر�صي اهلل عنه- حتى جاءهم ومعه مال اأعطاه له النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- فدف��ع له��م الدية ع��ن الدماء وما اأ�ص��يب لهم من الأم��وال«)3(. وجببه الدللة: دل هذا احلديث عل��ى اأن بيت املال يتحمل نتيجة ��ا يف معنى اخلط��اأ الذي يقع من اخلليفة اأو الوايل، والقا�ص��ي اأي�صذلك، وقد دفع النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- دية من قتلهم خالد

خطاأ من بيت مال امل�صلمني. م��ا رواه اأبو يو�ص��ف يف كتاب اخل��راج: اأن رج�ا اأت��ى اخلل��يفة عمر بن عبد العزيز، وقال له: يا اأمري املوؤمنني زرعت زرعا فمر به

بدائ��ع الصنائ��ع )7/ 16(، وموطأ مالك )ص: 764(، واملهذب للش��يرازي )2/ )1(213(، املغني البن قدامة )8/ 372(، وشرح منتهى اإلرادات )3/ 329(.

البيان في فقه اإلمام الشافعي للعمراني- ط. دار الكتب العلمية- الطبعة األولى )2()11/ 516(، واملغني )8/ 372(.

صحيح البخاري مع فتح الباري ط. احللبي )9/ 118(. )3(

جي�س من اأهل ال�ص��ام فاأتلفوه، قال: فعو�ص��ه ع�رصة اآلف درهم من بيت املال)1(.

م��ا فعله اأبو بكر ال�ص�����ديق -ر�ص��ي اهلل عنه- عندم��ا دف��ع دية م�الك ب��ن نويرة من بيت املال عندما قتله قائ��ده خالد بن الوليد

-ر�صي اهلل عنه- خطاأ. فهذه الآثار تدل على اأن بيت املال يتحمل نتيجة اخلطاأ الذي يقع

من الوايل اأو القا�صي. ثانياا: ا�ستدلوا باملعقول:

قالوا: اإن �ص��ورة الق�صاء يف هذه امل�ص��األة �صبهة مانعة من وجوب الق�ص��ا�س، ولك��ن جتب الدية يف بي��ت املال؛ لأن��ه القتل احلرام يف دار الإ�ص��ام ل يخل��و ع��ن عقوب��ة اأو غرام��ة، وق��د تع��ذر اإيج��اب العقوب��ة فتج��ب الغرامة، وتك��ون يف بيت امل��ال؛ لأن تع��ذر الإيج��اب على القا�ص��ي، لأن خطاأه مو�ص��وع عن��ه، اإما لأنه ماأم��ور باتباع الظاهر، وقد اتبع الظاه��ر، فقد اأتى باملاأمور، والإتي��ان باملاأم��ور به ين��ايف وجوب ال�ص��مان عل��ى املاأمور)2(.

اأدلة الراأي الثاين: وقد ا�صتدل اأ�صحاب الراأي الثاين القائل باأن التعوي�س يجب على

القا�صي وعاقلته مبا يلي: : م��ا رواه البيهق��ي ع��ن احل�ص��ن قال: ذكرت عن��د عمر بن اأولااخلطاب امراأة معينة ب�ص��وء فاأر�ص��ل اإليها عم��ر، فقال لها: اأجيبي عمر، فقالت: يا ويلها ما لها ولعمر، فبينما هي يف الطريق فزعت فاألقت ولدها ف�ش��اح �شيحتن ثم مات، فا�شت�شار عمر اأ�شحاب النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- فاأ�صار عليه بع�صهم: اأن لي�س عليك ، فاأقب��ل على علي �ص��يء، اإنا اأنت والد وموؤدب، و�ص��مت عليفقال: ما تقول؟ قال: اإن كانوا قالوا براأيهم فقد اأخطاأ راأيهم، واإن كانوا قالوا يف هواك فلم ين�ص��حوا لك، اأرى اأن ديته عليك فاإنك م عقله اأنت اأفزعتها واألقت ولدها يف �ص��بيلك، فاأمر عليا اأن يق�ص

اخلراج ألبي يوسف- املطبعة السلفية )ص: 129(. )1(احملي��ط البرهاني في الفقه النعماني حملمود ب��ن أحمد بن عبد العزيز البخاري )2(

احلنفي- ط. دار الكتب العلمية- بيروت )8/ 52(.

Page 37: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

37

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

على قري�س -يعني ياأخذ عقله من قري�س-؛ لأنه خطاأ)1(. وجه الدللة: الأثر وا�ص��ح الدللة على اأن الدية جتب على عاقلة احلاكم اأو القا�ص��ي؛ لأنها لو كانت يف بيت املال ل يق�صمها على

قومه. ثانياببا: قالوا: اإن ال�ص��مان نتيجة خط��اأ ارتكبه القا�ص��ي فتحمله كخطئه يف غري احلكومة، ويف هذه احلالة ل حتمل العاقلة اإل ثلث الدية ف�صاعدا، ول حتمل الكفارة؛ لأن العاقلة ل حتمل الكفارة يف حم��ل التفاق كذا هنا، وتكون الكفارة يف مال القا�ص��ي املخطئ

يف ق�صائه)2(. ونوق�س ذلك باأن خطاأ القا�ص��ي يكرث لكرثة ت�رصفاته وحكوماته، فاإيجاب �صمان ما يخطئ فيه على عاقلته اإجحاف بهم، فاقت�صى ذل��ك التخفيف عن��ه بجعله يف بيت املال، وله��ذا املعنى حملت

العاقلة دية القتل اخلطاأ عن القاتل)3(.الراأي الراجح:

واأرى اأن ال��راأي الراج��ح هو الراأي الأول القائ��ل باإيجاب الدية يف بيت املال؛ وذلك لأننا لو اأوجبنا على القا�ص��ي اأو على عاقلته �ص��مان خطئه؛ لتقاع��د النا�س عن اأمر الق�ص��اء حت��ى ل يلزمهم ال�ص��مان عند ظهور اخلطاأ الذي لي�س يف و�صع القا�صي الحرتاز عنه، فيوؤدي ذلك اإلى تعطي��ل الأحكام واأنه ل يجوز، واإذا تعذر اإيج��اب الغرامة عل��ى القا�ص��ي اأوجبناها على املق�ص��ي له؛ لأن القا�صي عامل له فكان عمل الق�صاء له فيكون الغرم عليه، ليكون

الغرم مبقابلة الغنم.

السنن الكبرى )9/ 78(، والبيان في فقه اإلمام الشافعي )11/ 516(. )1(أستاذنا د/ أحمد احلصري- علم القضاء- مكتبة الكليات األزهرية 1997م )ص )2(

.)478البيان في فقه اإلمام الشافعي )11/ 516(. )3(

Page 38: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

38

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

اخلامتة في أهم نتائج البحثبع��د هذا العر�س املتوا�ص��ع ملو�ص��وع »م��دى م�رصوعية احلب�س الحتياطي يف الفقه الإ�ص��امي- درا�ص��ة فقهي��ة مقارنة« اأحمد اهلل عز وجل على ما امت به علي من التي�ص��ري والت�صهيل والتوفيق يف هذا البحث، وبهذا اأكون قد و�ص��لت اإلى نهاية هذا البحث،

وميكنني اإجمال اأهم النتائج يف النقاط التالية: : اإن الفقه��اء القدام��ى قد عرف��وا معنى احلب���س الحتياطي اأولاظي يتخ��ذ قبل املتهم الذي ل تثب��ت اإدانته بعد، ف باأن��ه: اإجراء حتويحتمل اأن تظهر براءته، وعرف هذا من جمموع ن�صو�صهم التي

ذكرناها.ثانياا: اإن احلب�س الحتياطي يف زمن النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- عى عليه يف واأبي بكر ال�ص��ديق هو اأن يلزم املدعي خ�صمه اأو املدمكان ما، اإلى اأن جاء عهد الفاروق عمر بن اخلطاب الذي و�صع اأ�صا�ص��ا لنظام ال�ص��جون وتطويرها، متثل ذل��ك يف املدينة املنورة

ومكة املكرمة. ثالثاا: اإن احلب�س قبل �صدور احلكم بالعقوبة، اأو يف مرحلة التحقيق وعم��ل التحريات الازمة عن املتهم، -وهو حمل بحثنا- ينق�ص��م اإلى ثاثة اأق�ص��ام: احلب���س للتهمة، واحلب�س لاح��رتاز، واحلب�س

لتنفيذ عقوبة اأخرى.رابعاا: اإن الفقهاء قد ق�صموا املتهمني اإلى ثاثة اأق�صام: املتهم الربيء، واملتهم املجهول احلال، واملتهم املعروف بالفجور، وكان الق�صد من هذا التق�ص��يم هو اأن يلتزم الق�صاة بهذا التق�صيم عند التحقيق، فا يتعر�صون ل�صخ�س بريء اأو غري م�صهور عنه ارتكاب اجلرائم، باأي اإجراء من الإجراءات املا�صة باحلرية ملجرد الدعاء عليه، واإنا يتعني التحري والتاأكد من حقيقة التهمة املن�ص��وبة اإليه، وهذا يعد

من اأهم ال�صمانات التي قررها الإ�صام للمتهم. ا: اإن جمهور الفقهاء ذهبوا اإلى م�رصوعية احلب�س الحتياطي؛ خام�سالأنه اإجراء تقره ال�صيا�صة ال�رصعية وم�صلحة الأمة، وهذا ما اأيده �صيخ الإ�ص��ام ابن تيمية وذهب اإلى اأن اإجراء احلب�س احتياطا هو اإجراء

م�رصوع توؤيده الن�ص��و�س وتقت�ص��يه ال�صيا�صة وامل�ص��لحة العامة، وانتقد الإمام ب�ص��دة من ينكر م�رصوعي��ة احلب�س الحتياطي؛ لأن هذا الإنكار خمالف للن�ص��و�س ال�رصعية واإجماع الأمة، ول يتفق

مع ال�صيا�صة ال�رصعية وامل�صلحة العامة. ببا: اإن احلب�س الحتياطي لي�س م�رصوع��ا على اإطاقه، واإنا �ساد�ساو�ص��ع له الفقهاء �رصوطا و�ص��وابط يجب توافرها يف ال�ص��خ�س املتهم حتى يت�ص��من تنفيذ هذا احلب�س من جانب القا�صي مبا يتفق مع اأحكام ال�رصيعة الإ�ص��امية، وحتى يكون يف اأ�صيق احلدود مبا

يخدم العدالة يف املجتمع امل�صلم. ببا: اإن ال�رصيعة الإ�ص��امية اأج��ازت حب�س ال�ص��بي احتياطيا �سابعايف املعام��ات املالية يف حدود ال�رصورة التي يقت�ص��يها التحقيق، ��عت يف اإعطاء احلق للقا�ص��ي يف حب�س ال�صبي احتياطيا يف وو�ص

اجلرائم الأخرى غري املالية مثل: الردة و�صبيان البغاة. ثامناببا: ملا كان احلب���س الحتياطي اإجراء ا�ص��تثنائيا، فاإنه ينبغي األ يطال حب�ص��ه عن ثاثة اأيام اإذا كان معروفا بالعدالة، واأما اإذا كان املتهم جمهول احلال، اأو معروفا بالف�ص��ق والفج��ور، فاإنه يفو�س حتديد مدة حب�صه احتياطيا اإلى راأي القا�صي؛ لأن الق�صايا تختلف من حيث اأهميتها وب�ص��اعتها مما يقت�صي تفوي�س الأمر اإلى �صلطة

القا�صي. ببا: اإن الفقهاء قد ذكروا اأن احلب�س الحتياطي ينبغي اأن يتميز تا�سعاع��ن احلب�س يف اجلرائم، لأن الأخ��ري حب�س عقوبة، اأما الأول فلم تثبت فيه اإدانة املتهم ب�صكل نهائي، ومن وجهة اأخرى فاإنه ينبغي األ يجتمع املحبو�صون احتياطيا مع املحبو�صني يف اجلرائم حتى ل

يف�صدوا اأخاقهم. ا: اإن املحبو�س حب�ص��ا احتياطيا ل��ه يف فرتة احلب�س حقوق عا�سبراتعرفن��ا عليها م��ن خال البحث، ومن ثم ف��ا يجوز منع زوجته واأولده م��ن زيارت��ه، ول منعه م��ن مبا�رصة حقوق��ه الطبيعية من الأكل وال�رصب وال�ص��اة، مما يدل على مراعاة امل�صاعر الإن�صانية

لهوؤلء املتهمني ومعاملة الإ�صام لهم معاملة كرمية.

Page 39: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

39

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

حادي ع�سبر: اإن من الآث��ار املهمة للحب�س الحتياطي هو جواز خ��روج املحبو�س بكفالة اإذا كان الأم��ر متعلقا بحق من احلقوق املالي��ة، ول يجوز خروجه بكفالة اإذا كانت الق�ص��ية متعلقة بحد

اأو ق�صا�س.ثبباين ع�سبر: اإذا تب��ني خطاأ القا�ص��ي اأو النيابة العامة يف اإ�ص��دار اأم��ر احلب�س الحتياطي، وذلك بعد اأن ق�ص��ى املتهم مدة لي�ص��ت بالقليل��ة يف احلب�س، فاإنه يحق له املطالب��ة بالتعوي�س عن الأ�رصار النف�ص��ية واملادية التي حلقت به، ويجب عل��ى اخلزانة العامة دفع

هذا التعوي�س وحتمل هذا اخلطاأ. واآخر دعوانا اأن احلمد هلل رب العاملني

Page 40: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

40

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

فهرس املراجع

: القراآن وعلومه. اأوالاالبحر املديد يف تف�صري القراآن املجيد- اأبو العبا�س اأحمد بن 1 .حممد املهدي بن عجيبة احل�ش��ني- ط دار الكتب العلمية-

بريوت. لبي القر�صي- الطبعة القر�ص��ي- تف�صري الإمام ال�صافعي للمط 2 .

الأولى، دار التدمرية.اأح��كام القراآن- اأب��و بكر حممد بن عب��د اهلل املعروف بابن 3 .

العربي- طبعة دار الفكر العربي- 1378ه�- 1959م.تف�ص��ري القراآن العظيم- اإ�ص��ماعيل بن كثري القر�صي- النا�رص 4 .

مكتبة الرتاث الإ�صامي- �صوريا، حلب.التف�ص��ري الكب��ري ومفاتي��ح الغي��ب- فخر ال�دي��ن حممد بن 5 .ع��م��ر ب��ن احل�ص��ني - طبع��ة دار الفك��ر الطبع��ة الأول��ى

1401ه�- 1981م.اجلام��ع لأح��كام الق��راآن- حمم��د ب��ن اأحمد الأن�ص��اري 6 .

القرطبي- دار اإحياء الرتاث العربي- بريوت. تف�صري املراغي- الدكتور حممد م�صطفى املراغي- طبعة دار 7 .

اإحياء الرتاث العربي- بريوت.ا: من كتب ال�صنة النبوية: ثانيا

فت��ح الباري �ش���رح �ش��حيح البخاري- اأحم��د بن حجر 8 .الع�صقاين- املطبعة البهية- 1348ه�.

ال�ص��ن الكربى- اأحمد بن احل�صني بن علي البيهقي- طبعة 9 .ت�صوير بريوت- دار املعرفة- لبنان.

ائمي- ط دار �ش��ن الن�شائي- اأحمد بن �ش��عيب بن بحر الن�ش 10 .الكتب العلمية.

امل�صند- اأحمد بن حممد بن حنبل- طبعة املكتب الإ�صامي 11 .للطباعة والن�رص.

اإكمال املعلم بفوائد م�صلم- اأبو الف�صل عيا�س بن مو�صى بن 12 .عيا�ض- ط دار الوفاء.

ن�ص��ب الراية يف تخريج اأحاديث الهداية- جمال الدين اأبو 13 .حممد عبد اهلل يو�شف الزيلعي احلنفي- ط املكتب االإ�شلمي. التو�شيح على اجلامع ال�شحيح- جلل الدين ال�شيوطي- ط 14 .

دار الكتب العلمية. كن��ز العمال يف �ص��ن الأقوال والأفعال- ع��اء الدين علي 15 .املتقي بن ح�ص��ام الدين الهن��دي الربهاين- طبعة موؤ�ص�ص��ة

الر�صالة- 1399ه�- 1979م.امل�ص��نف- عبد الرزاق بن همام ال�ص��نعاين- حتقيق ال�ص��يخ 16 .حبي��ب الرحم��ن الأعظم��ي- توزيع املكتب الإ�ص��امي-

الطبعة الثانية 1403ه�- 1983م.م�ص��ند الإمام ال�ص��افعي- حممد بن اإدري�س ال�صافعي- طبعة 17 .

دار الكتب العلمية. اجلامع ال�ص��حيح- حممد بن اإ�صماعيل البخاري- طبعة دار 18 .

ال�صعب.امل�ص��تدرك على ال�ص��حيحني- حممد بن عب��د اهلل بن حممد 19 .

املعروف باحلاكم الني�صابوري- طبعة دار الفكر. اجلامع ال�ص��حيح وهو �ص��ن الرتمذي- حممد بن عي�صى بن 20 .

�صورة الرتمذي- طبعة عي�صى البابي احللبي.اجلامع ال�صحيح- م�ص��لم بن احلجاج بن م�صلم الق�صريي- 21 .

ط دار ال�شعب، ودار احلديث. ا: الفقه: ثالثا

)اأ( الفقه احلنفي:اخلراج- اأبو يو�ص��ف يعقوب ب��ن اإبراهيم- الطبع��ة الثانية 22 .

1352ه�. بدائ��ع ال�ص��نائع يف ترتيب ال�رصائ��ع- اأبو بكر بن م�ص��عود 23 .الكا�ص��اين- طبع��ة دار الكت��ب العلمية- ب��ريوت- لبنان،

الطبعة الثانية 1406ه�- 1986م.�رشح اأدب القا�شي- اأبو بكر اأحمد بن عمر اخل�شاف- دار 24 .

الكتب العلمية- بريوت- 1414ه�- 1994م.

Page 41: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

41

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

املحيط الربه��اين يف الفقه النعماين- بره��ان الدين بن مازه 25 .البخاري احلنفي- دار الكتب العلمية- بريوت.

البحر الرائق �رشح كنز الدقائق- زين الدين بن اإبراهيم امل�شهور 26 .بابن جنيم- طبعة دار املعرفة- بريوت- 1311ه�.

جمم��ع االأنهر يف �رشح ملتقى االأبحر- عبد اهلل بن �ش��ليمان 27 .املعروف بداماد اأفندي- طبعة دار اإحياء الرتاث العربي.

تبين احلقائق ���رشح كنز الدقائق- عثمان بن علي الزيلعي- 28 .طبعة دار املعرفة- بريوت، لبنان.

الهداية �رشح بداي��ة املبتدي، مطبوعة مع �رشح فتح القدير- 29 .علي بن اأبي بكر بن عبد اجلليل املريغيناين- طبعة دار الفكر.حا�ص��ية اب��ن عابدي��ن- حمم��د اأمني ب��ن عمر ال�ص��هري بابن 30 .

عابدين- طبعة دار املعرفة- بريوت. املب�ش��وط- حممد بن اأحمد ال�رشخ�شي- طبعة دار املعرفة- 31 .

بريوت- 1406ه�- 1986م.���رشح فتح القدي��ر- حممد بن عب��د الواحد املع��روف بابن 32 .

الهمام- طبعة دار الفكر- 1397ه�- 1977م.درر احلكام يف �رشح غرر االأحكام- حممد بن فراموز ال�شهري 33 .

مبناخ�رصو- طبعة �صنة 1330ه�. البناية يف ���رشح الهداية- حممود بن اأحم��د العيني- ط دار 34 .

الكتب العلمية- بريوت. الفتاوى الهندي��ة- العامة نظام وجماعة من علماء الهند- 35 .طبع��ة دار اإحي��اء ال��رتاث العربي- ب��ريوت- 1406ه�-

1986م.اجلوه��رة النرية ل�ش���رح خمت���رش القدوري- حمم��د بن علي 36 .

احلدادي العبادي- الطبعة الأولى- املطبعة اخلريية. )ب( الفقه املالكي:

الفواكه الدواين على ر�صالة ابن اأبي زيد القريواين- اأحمد بن 37 .غنيم بن �صال النفراوي املالكي- طبعة دار الفكر- بريوت.

تب�رصة احلكام يف اأ�صول الأق�صية ومناهج الأحكام- برهان 38 .الدين اأبو الوفاء اإبراهيم بن فرحون- طبعة دار الكتب العلمية

املطبعة العامرة ال�رصقية مب�رص املحمية �صنة 1301ه�. الف��روق- �ص��هاب الدين اأب��و العبا���س اأحمد ب��ن اإدري�س 39 .

القرايف- طبعة عال الكتب- بريوت. البهجة يف �رشح التحفة- اأبو احل�ش��ن علي بن عبد ال�ش��لم 40 .

الت�صويل- الطبعة الثانية- 1370ه�- 1951م.املدون��ة الكربى التي رواها الإمام �ص��حنون بن �ص��عيد عن 41 .الإم��ام عبد الرحمن بن القا�ص��م ع��ن اإم��ام دار اله��جرة-

م��الك بن اأن�س بن مالك. فتح العلي املال��ك يف الفتوى على مذه��ب الإمام م�الك- 42 .حمم��د بن اأحم��د بن حممد ب��ن علي�س- طبع��ة 1378ه�-

1958م.حا�ش��ية الد�ش��وقي عل��ى ال�رشح الكب��ري- حممد ب��ن عرفة 43 .

الد�صوقي- طبعة دار اإحياء الكتب العربية. مواه��ب اجلليل ل�رشح خمت�رش خليل- حممد بن حممد بن عبد 44 .

اهلل املعروف باحلطاب- طبعة دار الفكر. )ج( الفقه ال�سافعي:

التهذيب يف فقه الإمام ال�ص��افعي- احل�ص��ني بن م�صعود بن 45 .الفراء البغوي- طبعة دار الكتب العلمية.

حا�ش��ية عمرية على �رشح العلمة ج��لل الدين املحلي على 46 .منه��اج الطالبني- اأحمد الربل�ص��ي �ص��هاب الدين ال�ص��هري

بعمرية- ط عي�شى البابي احللبي. تكملة املجم��وع �رشح املهذب- طبع��ة دار الفكر للطباعة 47 .

والن�رص والتوزيع. احل��اوي الكب��ري يف فقه مذه��ب االإمام ال�ش��افعي �رشح خمت�رش 48 .املزين- علي ب��ن حممد بن حبيب امل��اوردي- طبعة دار الفكر والأحكام ال�صلطانية والوليات الدينية- طبعة دار ابن خلدون.

الأم- حممد بن اإدري�س ال�صافعي- طبعة دار الفكر. 49 .

Page 42: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

42

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

مغن��ي املحتاج اإلى معرف��ة األفاظ املنهاج- حمم��د ال�رصبيني 50 .اخلطيب- طبعة م�صطفى البابي احللبي.

)د( الفقه احلنبلي: جمم��وع الفتاوى- اأحمد ب��ن عبد احلليم ب��ن تيمية- طبعة 51 .

مكتبة ابن تيمية. الط��رق احلكمية يف ال�صيا�ص��ة ال�رصعية- حمم��د بن اأبي بكر 52 .الزرع��ي املع��روف باب��ن قي��م اجلوزي��ة- مطبع��ة املدين-

1381ه�. املغن��ي- موفق الدين اأبو حممد عبد اهلل بن اأحمد بن قدامة- 53 .

طبعة دار الكتاب العربي للن�رص والتوزيع. الفروع- حممد بن مفلح املعروف باملقد�صي- الطبعة الرابعة 54 .

1404ه�- 1984م. )هب ( الفقه الظاهري:

املحلى بالآثار- علي بن اأحمد بن �صعيد بن حزم الأندل�صي- 55 .املكتبة التجارية- م�صطفى اأحمد الباز.

)و( فقه الإمامية: �رصائ��ع الإ�ص��ام يف م�ص��ائل احل��ال واحل��رام- جعفر بن 56 .احل�ص��ن بن �ص��عيد الهنديل امللقب باحللب��ي- الطبعة الأولى

1389ه�. جواهر الكام يف �رصائع الإ�ص��ام- حممد ح�ص��ن النجفي- 57 .

حتقيق وتعليق ر�صا الأ�صتادي. )ز( فقه الزيدية:

البحر الزخ��ار اجلامع ملذاهب علماء الأم�ص��ار- اأحمد بن 58 .يحيى املرت�صى- طبعة دار الكتاب الإ�صامي- القاهرة.

و�صائل ال�صيعة اإلى حت�صيل م�صائل ال�رصيعة- حممد بن احل�صن 59 .احلر العاملي- طبعة دار اإحياء الرتاث العربي.

Page 43: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

43

العدد السادسالحبس االحتياطي في ميزان الفقه اإلسالمي

فهرس املوضوعاتاملقدمة.

الف�ص��ل االأول: يف تعري��ف احلب���س االحتياطي، وتاريخ��ه، واأنواعه، وم�صروعيته و�صوابطه.

املبحث االأول: يف تعريف احلب�س، واحلب�س االحتياطي، وتاريخه. معنى احلب�س فى اللغة.

املق�صود باحلب�س االحتياطي.تاريخ احلب�س فى االإ�صالم.

املبحث الثاين: اأنواع احلب�س يف الفقه االإ�صالمي. املبح��ث الثال��ث: م��دى م�ص��روعية احلب���س االحتياط��ي يف الفق��ه

االإ�صالمي. املبح��ث الراب��ع: �ص��وابط موجب��ات احلب���س االحتياط��ي يف الفقه

االإ�صالمي.ا. مدى م�صروعية حب�س ال�صبي احتياطي

الف�ص��ل الثاين: م��دة احلب�س االحتياط��ي، وحقوق املحبو���س، واالآثار املرتتبة على احلب�س االحتياطي يف الفقه االإ�صالمي.

املبحث االأول: مدة احلب�س االحتياطي التي يجيزها الفقه االإ�صالمي. الق�صايا التي يجوز فيها احلب�س االحتياطي.

متييز احلب�س احتياطيا عن احلب�س يف اجلرائم. املبحث الثاين: حقوق املحبو�س احتياطيا يف الفقه االإ�صالمي.

ال�صرب حلمل املحبو�س على االعرتاف. حق املحبو�س يف معا�صرة زوجته.

حق املحبو�س يف اخلروج ل�صالة اجلمعة والعيدين. حق املحبو�س يف اطالعه على و�صائل االإعالم.

حق املحبو�س يف العمل. ح��ق املحبو�س يف اخلروج بكفيل الأداء واجبه يف وفاة اأحد االأ�ص��ول اأو

الفروع.املبح��ث الثال��ث: االآث��ار املرتتبة عل��ى احلب���س االحتياط��ي يف الفقه

االإ�صالمي.ا بكفالة. املطلب االأول: مدى م�صروعية خروج املحبو�س احتياطي

املطلب الثاين: مدى م�ص��روعية احلق يف تعوي�س امل�ص��رور من احلب�س االحتياطي.

اخلامتة فى اأهم نتائج البحثفهر�س املراجع.

1213

131314141618

24

2728

28293031313132323233

33

3335

3840

Page 44: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

44

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

المقدمةر كل خطاب، وبذكره ي�صتاأن�س احلمد هلل الذي بحمده ي�صتفتح كل كتاب، وبا�صمه ي�صد

الأحباب.ل ماأموله، وبرحمته وجد كل واجد و�صوله، واأ�صهد اأن ل اإله اإل اهلل، با�صمه نال كل موؤم

وبعونه اأعطي كل �صائل �صوؤله.واأ�شهد اأن �شيدنا حممدا عبد اهلل ور�شوله، و�شفيه وحبيبه، مفتاح الرحمة املر�شلة و�شم�ض

دين الإ�صام.اللهم �ص��ل على �ص��يدنا حممد النب��ي، واأزواجه اأمهات املوؤمنني، وذريت��ه واأهل بيته، كما

�صليت على اآل اإبراهيم، اإنك حميد جميد. ثم اأما بعد..

فاإن اهلل تعالى قد قي�س لعلم الفقه رجال حملوا على مر الزمان �ص��عاره، ف�ص��يدوا اأ�ص�ص��ه وقواعده واأعلوا مناره؛ حتى انطوت م�صنفاتهم على قواعد نافعة هامة، ونظريات عامة، عوا عليها الفروع، وبنوا عليها امل�ص��ائل والأحكام، وكان لها اأكرب الأثر يف تطور الفقه فر

الإ�صامي، ويف بناء العقلية الفقهية من بعد.

نظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالميبني التأصيل والتطبيق

د. أحمد سعد علي البرعيمدرس الفقه المقارن بكلية الدراسات اإلسالمية والعربية - بنين بالقاهرة

Page 45: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

45

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

ولق��د حظيت بع���س نظريات الفق��ه يف الع���رص احلديث ببع�س الدرا�صات الفقهية امل�صتقلة وامل�صتفي�صة، كنظرية العقد، واللتزام،

وال�صبب، وغري ذلك.لكن بقي كثري من النظري��ات الفقهية ل حتظ بحقها من الهتمام والدرا�صة، مع ما لها من اأهمية ومكان�ة، فبقيت حبي�صة امل�صنفات يف �ص��ورة نتف واإ�ص��ارات، حتتاج اإلى جمع وترتيب، يف �صكل موؤ�شل، ومنهج م�ش��بوط؛ يعن على اال�شتفادة منها، واال�شتعانة بها م��ن قبل الق�ص��اة واملفتني، وير�ص��د اإل��ى كيفية ا�ص��تخدامها

وتطبيقاتها يف النوازل وامل�صتجدات.فمث��ا: نظرية كنظرية »التخريج الفقهي« التي كان لها اأبلغ الأثر يف نو الفقه الإ�صامي، والتي قدمت للفقه الإ�صامي »الأوجه«، و »الأقوال املخرجة« داخل كل مذهب، والتي اأوجد بها الفقهاء الأح��كام للعديد من النوازل وامل�ص��تجدات- ل جند من الفقهاء د القدامى ول املحدثني من يفردها بالبحث والتاأ�ص��يل، حتى يقعبط لنا اأحكامها، وير�صدنا اإلى كيفية تطبيقها يف لنا اأ�صولها، وي�ص

ة وامللجئة)1(. هذا الع�رص، مع ما يف ذلك من احلاجة امللحوكان من بني هذه النظريات املهمة: نظرية فقهية جديرة بالبحث والتاأ�ص��يل، وه��ي نظرية »تفري��ق الأحكام« اأو نظري��ة »تبعي�س

االأحكام« -ح�شب ا�شطلح البع�ض من الفقهاء-.وه��ذه الن���ظرية نظرية ه����ام����ة، فزع اإلي��ه��ا ف�ق���ه�اوؤنا عب�ر الع���صور -وعلى اختاف مذاهبهم-؛ لإيجاد احللول لكثري من امل�ص��اكل وامل�صتجدات التي ت�ص��تجد على امل�صلمني يف كل ع�رص

وزمان.نظرية طبقها الفقهاء حت��ى وجدنا اأثرها ممتدا يف الفقه كله، على اخت��اف كتب��ه، وتنوع م�ص��ائل�ه، وبنى عليها الفقه��اء كثريا من الأحكام، وفوق كل هذا فهي نظرية تفرد بها الفقه الإ�صامي عن غريه من القوانني والت�رصيعات، وهي نظرية تنبئ عن مدى العقلية التي متتع بها فقهاوؤنا -رحمهم اهلل-، ومع هذه الأهمية ل نر من فقهائنا القدامى ول املحدثني من اأفردها بالبحث والدرا�صة، فما

ومن ثم كانت هذا النظرية موضع بحثي لنيل درجة الدكتوراه. )1(

هي اإل اإ�ص��ارات تفرقت يف الكتب وامل�صنفات، حتتاج اإلى �صبط وتاأ�صيل، ومن ثم فاإين ا�صتخرت اهلل تعالى اأن تكون هذه النظرية مو�ص��ع هذا البحث، طالبا منه جل وعا العون واملدد وال�صداد؛

فاإنه اأكرم من �صئل، واأجود من اأعطى.وقد عنونت لهذا البحث با�صم: »نظرية تفريق الأحكام يف الفقه الإ�ص��امي بني التاأ�ص��يل والتطبيق«، وق�ص��دت من هذه الت�صمية الإ�ص��ارة اإلى منهجي���ة البحث التي �رصت عليه��ا يف كتابته؛ فاإين با اأردت اأن اأوؤ�ص��ل لهذه النظرية بذكر �ص��وابطها واأ�صولها، معق

كل اأ�صل بجملة من تطبيقاته يف املذاهب ومن كام الأئمة.وقد ق�صمت هذا البحث اإلى مقدمة واأربعة مباحث وخامتة:

اأما املقدمة: فقد ذكرت فيها اأهمية البحث وخطته.واأما املباحث: فقد اأتت على النحو التايل:

املبحث الأول: التعريف بتفريق الأحكام عند الفقهاء.املبحث الثاين: الأ�صل ال�رصعي لتفريق الأحكام.

املبح��ث الثال��ث: امل�ص��طلحات املعرب به��ا يف الفقه ع��ن تفريق الأحكام. وفيه مطلبان:

املطلب الأول: م�صطلح »تبعي�س الأحكام«..» املطلب الثاين: م�صطلح »احلكم بني حكمني

املبحث الرابع: اأ�صباب تفريق الأحكام عند الفقهاء. وفيه خم�صة مطالب:

املطلب الأول: تفري��ق الأحكام لختاف املدارك وتعار�س الأدلة.املطلب الثاين: تفريق الأحكام احتياطا لأمر معترب �رصعا.

املطلب الثالث: تفريق الأحكام تبعا لأ�صول املذهب وقواعده.املطلب الرابع: تفريق الأحكام دفعا للتهمة.

املطل��ب اخلام�س: تفري��ق الأحكام رفعا لل�رصر اأو جلبا مل�ص��لحة معتربة.

وبعد ذلك: جاءت خامتة البحث، وفيها اأهم النتائج والتو�صيات، والفهار�س.

واأ�ص��األ اهلل عز وجل اأن يجعله عما نافعا ومتقبا، واأن ي�صع فيه اخلري والقبول، اإنه �صبحانه خري م�صوؤول وماأمول.

Page 46: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

46

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

المبحث األول

التعريف بتفريق األحكام

تفريق الأحكام عند الفقهاء يق�ص��د به: اإعطاء ال�ص��يء حكما بني حكم��ني لختاف املدارك وتعار�س الأدلة، اأو ل�ص��بب اآخر من

الأ�صباب املعتربة عندهم يف هذا الباب.ف��اإذا دار الفرع الفقهي بني اأ�ص��لني �رصعيني مثا، وكان له �ص��به منهم��ا معا، اقت�ص��ى ال���رصع حينئذ اإحلاق��ه بكل واح��د منهما، ولكن قد ينظ��ر الفقهاء فيجدون اأنهم لو اأحلقوه باأحد الأ�ص��لني لأبطلوا حكم �ص��بهه بالأ�صل الآخر، فيلحقوه بكل واحد منهما من وجه، ويعط��وه اأحكاما خمتلفة باختاف الأ�ص��ول، دون اأن ميح�صوه لأحد الأ�صلني، وهذا ما يعرف عندهم بتفريق الأحكام

اأو تبعي�صها، وتطبيقاته يف الفقه كثرية ومتنوعة.ومن ذلك امل�صاألة التي يلغز بها يف فقه ال�صافعية، فيقال: »زوجان ل نق���س بينهم��ا يف الو�ص��وء«، اأو: »رج��ل تزوج اأخته و�ص��ح نكاحه«، وهي م�صاألة ]ما لو تزوج جمهولة الن�صب، ثم ا�صتلحقها

اأبوه ب�رصطه، ول ي�صدقه الزوج[.و�ص��ورة امل�صاألة: اأن يتزوج رجل امراأة ل يدري اإلى من تنت�صب؛ كلقيطة مث��ل، ثم ياأتي اأبو الزوج بعد عقد النكاح في�ش��تلحقها، عي اأنها ابنته، وحتقق معه �رشط اال�شتلحاق -وهو االإمكان-، ويدوت�ص��ديق البنت له، لكنه ل ميلك بينة على هذا ال�صتلحاق، ولو وج��دت حلكم بها وارتفع يف امل�ص��األة الكام، بل هو جمرد اإقرار

ودعوى.ب اأباه، وادعى اأن ويف املقابل: اأنكر الزوج هذا ال�صتلحاق وكذا قد تكرر منه اأب��اه اخرتع هذه الدعوى ليبطل بها نكاح ابن��ه؛ ملم

قبل ذلك اأنه قد ت�صبب يف تطليق من تزوجهن البن من قبل.عي ن�ص��ب بنت ميكن عق��ا و�رصع��ا اأن تكون ف��الأب ههن��ا يدابنت��ه، ول بينة له على دعواه، لكن ا�ص��تلحاقه واإقراره بالن�ص��ب املن�ص��و�س عليه��ا عن��د لتوف��ر �رصوط��ه ههن��ا معت��رب �رصع��ا؛

الفقهاء)1(، والزوج ينكر هذه الدعوى لل�صبهة التي ذكرها.فنظ��ر فقهاء ال�ص��افعية -رحمهم اهلل- يف هذه امل�ص��األة، فوجدوا اأنهم لو اعتربوا دعوى الن�ش��ب بالكلي��ة، الأبطلوا بذلك النكاح، ولأهملوا اإنكار الزوج ودعواه التي ادعاها على اأبيه، ولو اعتربوا اإن��كار ال��زوج وتكذيبه بالكلي��ة، لنف��وا بذلك الن�ص��ب واأثبتوا الن��كاح، والأهملوا دع��وى االأب، ولي�ض اإعمال اأح��د االأمرين

باأولى من الآخر.فجاءت هذه النظرية لتحل هذا الإ�صكال عن طريق اختيار الأمرين مع��ا -اعتبار ا�ص��تلحاق الأب واإثب��ات البنوة، مع اعتب��ار اإنكار ��ا-، فقال فقهاء ال�ص��افعية -رحمهم الزوج واإثبات الزوجية اأي�صاهلل-: »ملا تقرر اأن الإقرار حجة على املقر دون غريه، اعترب اإقرار الأب يف ح��ق نف�ص��ه، حتى اأثبتنا الن�ص��ب واألزمن��اه اأحكامه من الإرث ونحوه، ول نعتربه يف حق الزوج حتى ي�صتمر نكاحه ول ينف�ص��خ«، وهذا ما عرف عندهم با�صم: »تبعي�س الأحكام« اأو:

»تفريق الأحكام«.

وشروط االستلحاق التي اشترطها الفقهاء في اإلقرار بالنسب على نفسه ثالثة: )1(به احلس؛ كأن يكون أولها: كون االس��تلحاق ممكنا من جهة احلس، بحيث لو كذالولد املستلحق أكبر منه سنا، أو أصغر منه بسن ال يحتمل كونه ولده- لم يلحق.ثانيها: كون الولد املس��تلحق مجهول النس��ب، فلو كان نسبه معروفا لم يلحق

باستلحاقه.ثالثه�ا: أن يصدقه الولد املس��تلحق إن كان كبيرا، فلو كذبه، لم يلحق. )ينظر: تكملة البحر الرائق، للشيخ محمد بن حسني الطوري القادري شرح كنز الدقائق 7/ 255 ط. دار الكت��ب العلمي��ة- بيروت- الطبعة األولى س��نة 1418ه�، فتح العزيز للرافعي ش��رح الوجي��ز 11/ 187 على هامش املجم��وع للنووي ط. دار الفك��ر- بيروت- د. ت، روضة الطالبني وعم��دة املفتني، للنووي 4/ 61 ط. دار الكت��ب العلمية- بيروت- الطبعة األولى 1412ه���- 1992م، املغني البن قدامة ش��رح مختصر اخلرقي 6/ 672، 673 ط. دار احلديث- القاهرة- الطبعة األولى

1416ه�- 1996م، حتقيق: د. محمد شرف الدين خطاب(.

Page 47: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

47

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

وقد ج��رى على ذلك كثري من فقهاء ال�ص��افعية غري مرة، وقالوا: »لي�س لنا من يطاأ اأخته يف الإ�صام غري هذا« )1(.

قال ال�ص��يخ زكريا الأن�ص��اري -رحم��ه اهلل- )ت: 824ه�( يف �رصح��ه على »رو���س الطالب«: »)ف��رع(: تزوج ام��راأة جمهولة الن�شب، فا�شتلحقها اأبوه، يثبت ن�شبها، وال ينف�شخ النكاح، اأي: اإن ل ي�ص��دقه الزوج، ح��كاه املزين، ثم قال: وفيه وح�ص��ة، قال

القا�صي: ولي�س لنا من يطاأ اأخته يف الإ�صام اإل هذا« )2(. وعلق ال�صيخ �ص��هاب الدين الرملي -رحمه اهلل- )ت: 957ه�( على ذلك يف »حا�شيته على �رشح الرو�ض«، فقال: »قوله: »حكاه املزين« اأ�صار اإلى ت�صحيحه، وكتب عليه: لو مات الزوج ينبغي اأن ترث منه بالزوجي��ة ل بالأختية؛ لأن الزوجية ل حتجب بخاف

الأختية، فهي اأقوى ال�صببني«)3(.وك��ذا ذك��ر فقه��اء ال�ص��افعية -رحمه��م اهلل- هذه امل�ص��األة يف كامهم على انتقا�س الو�صوء بلم�س املراأة الأجنبية، وقالوا: »لو ا�ص��تلحق الأب زوجة ابنه املجهولة الن�ص��ب، ول ي�صدقه الزوج، فاإن الن�ص��ب يثبت ول ينف�ص��خ نكاحه، ول ينتق�س و�صووؤه على املعتم��د«، وعلق بع�س املتاأخرين على ذلك فق��ال: »ول بعد يف

تبعي�س الأحكام« )4(.أس��نى املطالب شرح روض الطالب، لشيخ اإلس��الم زكريا األنصاري 3/ 149 )1(ط. مطبع��ة البابي احللبي س��نة 1313ه���، نهاية احملتاج للرمل��ي الصغير 6/ 272 ط. دار الفك��ر- بيروت- س��نة 1404ه�- 1984م، غاية البيان ش��رح زبد ابن رس��الن، للرملي الصغير 1/ 252 ط. دار املعرفة- بيروت- د.ت، رس��الة ��به والريب عن حكم اإلقرار بأخوة الزوجة املعروفة النس��ب، للش��يخ رفع الشاب��ن حجر الهيتمي م��ع مجموع الفتاوى الكبرى الفقهية ل��ه 3/ 136 ط. مطبعة املشهد احلسيني- القاهرة- سنة 1392ه�، فتح املعني لشرح قرة العني مبهمات يباري بهامش إعانة الطالبني 3/ 283 ط. دار إحياء الكتب الدين، لزين الدين امللالعربية- مطبعة احللبي د.ت، حاش��ية الشيخ س��ليمان اجلمل على شرح منهج الطالب للش��يخ زكريا األنصاري 4/ 178 ط. دار الفكر- بيروت- د.ت، حاشية إعانة الطالبني على فتح املعني، للس��يد البكري شطا الدمياطي 3/ 283 ط. دار

إحياء الكتب العربية- د.ت. أسنى املطالب 3/ 149. )2(

حاشية الشيخ شهاب الدين الرملي على أسنى املطالب 3/ 149. )3(نهاية احملت��اج للرملي 1/ 118، مغني احملتاج إلى معرفة معاني ألفاظ املنهاج، )4(للخطيب الش��ربيني 1/ 35 ط. مصطفى احللبي سنة 1377ه�- 1958م، اإلقناع في حل ألفاظ أبي ش��جاع، للخطيب الشربيني 1/ 57 ط. دار املعرفة- بيروت- د.ت، حاش��ية اجلمل على ش��رح املنهج 1/ 71، حاشية الش��رواني على حتفة

احملتاج للهيتمي 1/ 139 ط. دار إحياء التراث العربي- بيروت- د.ت.

��ا يف رواية: ما ونظري هذه امل�ص��األة عند احلنفية وعند احلنابلة اأي�صلو اأقرت جمهولة الن�ص��ب بالرق لإن�صان، و�صدقها املقر له، وكان لها زوج واأولد منه، وكذبها زوجها فيما اأقرت به، قالوا: ي�صح الإقرار يف حقها خا�ص��ة، ل يف حق الزوج والأولد؛ ملا يلحقهم بذل��ك من ال�رصر، وعليه: فت�ص��ري اأمة للمقر ل��ه، لكن مع مراعاة حق ال��زوج، بحيث ل يبطل نكاحه منها، وحق الأولد؛ بحيث

يبقون اأحرارا؛ حل�صولهم قبل اإقرارها بالرق)1(. وهذا تفريق وا�ص��ح لاأح��كام، بحيث قبل��وا اإقرارها من جهة،

وه من جهة اأخرى. ورد��ا: م�صاألة ومن تطبيقات هذه النظرية يف فقه املذاهب الأربعة اأي�صما لو اأقر اأحد الورثة بن�ص��ب فيه حتميل عل��ى الغري مع اإنكار بقية الورث��ة ذل��ك؛ كاأن يقر اأحد البنني امل�ص��تغرقني للرتك��ة باأخ له، فيق��ول: ه��ذا اأخي ابن اأب��ي، وينكر الأخ الآخ��ر ذلك، فاحلكم ههن��ا: اأن الن�ش��ب ال يثبت باتفاق االأئم��ة؛ الأن من �رشوط اإحلاق الن�ص��ب بالغري عند احلنفية واملالكية: ا�ص��تكمال عدد ال�ص��هادة؛ لأن اإقرار الإن�صان على غريه �صهادة اأو دعوى، والدعوى املفردة لي�صت حجة، لذا ل يقبل اإقراره املفرد ههنا يف حق اإحلاق الن�صب

بغريه)2(.

الدر املختار للحصكفي ش��رح تنوير األبصار للنسفي، مع حاشية ابن عابدين )1(املس��ماة: رد احملتار على الدر املختار 6/ 179 ط. دار الفكر- س��نة 1415ه�، مجمع األنهر في شرح ملتقى األبحر، حملمد بن سليمان الشهير بداماد أفندي 3/ 307 ط. دار إحياء التراث العربي- بيروت- د.ت، الش��رح الكبير شرح مختصر اخلرق��ي، البن قدامة املقدس��ي 6/ 615 عل��ى ذيل املغني الب��ن قدامة ط. دار احلديث- القاه��رة- الطبعة األولى 1416ه�- 1996م، حتقيق: د. محمد ش��رف

الدين اخلطيب. بدائع الصنائع في ترتيب الش��رائع، لعالء الدين الكاس��اني 7/ 228، 230 ط. )2(دار الكتب العلمية- بي��روت- الطبعة الثانية 1406ه�- 1986م، الدر املنتقى في شرح امللتقى، للحصكفي 2/ 305 على هامش مجمع األنهر لداماد ط. دار إحياء التراث العربي- بيروت، د.ت، الذخيرة، لإلمام القرافي 9/ 311 ط. دار الغرب- بيروت- س��نة 1994م، حتقيق: محمد حجي، الشرح الكبير للشيخ الدردير على مختصر خليل، مع حاش��ية الدسوقي3/ 418، 419 ط. مطبعة صبيح بالقاهرة-

سنة 1353ه�- 1934م.

Page 48: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

48

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

ومن �رصوطه عند ال�صافعية واحلنابلة: اتفاق جميع الورثة احلائزين للرتكة على هذا الإقرار)1(، ول يح�صل التفاق ههنا.

وقد حكى ابن قدامة -رحمه اهلل- )ت: 630ه�( الإجماع على ع��دم ثبوت الن�ص��ب ههنا، فقال: »اأحد الوارث��ني اإذا اأقر بوارث ثالث م�ص��ارك لهما يف املرياث، ل يثبت الن�صب بالإجماع؛ لأن الن�ص��ب ل يتبع�س، فا ميكن اإثباته يف حق املقر دون املنكر، ول ميك��ن اإثباته يف حقهم��ا؛ لأن اأحدهما منكر، ول توجد �ص��هادة

يثبت بها الن�صب«)2(.��ا؛ وملا ل يثبت الن�ص��ب، كان م��ن املتوقع األ يثبت التوارث اأي�صالأنه فرع الن�ش��ب، والفرع ي�شقط ب�ش��قوط اأ�شله -كما هو ن�ض ال�ص��افعي رحمه اهلل ومذهبه يف هذه امل�ص��األة)3(-. لكن جمهور �ص��وا الإقرار، فاعتربوا الإقرار يف حق الفقهاء فرقوا الأحكام وبع��وا يف هذه امل�ص��األة الإرث، ول يعت��ربوه يف حق الن�ص��ب، وق�صبا�صتحقاقه املرياث وم�صاركته املقر يف ن�صيبه؛ موؤاخذة له باإقراره -على اخت��اف بينهم يف كيفي��ة توريثه-، والق��ول بتوريثه هو املذهب عند احلنفية واملالكية واحلنابلة، ووجه عند فقهاء ال�صافعية

مقابل ملن�صو�س املذهب)4(.ومثل ذلك التبعي�س جائز عندهم، ومعمول به بينهم من غري نكري، ومما يوؤيد ذلك عبارة الكا�ص��اين -رحمه اهلل- )ت: 587ه�( يف التعلي��ق على مثل ه��ذا؛ حيث قال: »وحكمه: اأنه ي�ص��اركه فيما يف يده من املرياث؛ لأن الإقرار بالأخوة اإقرار ب�ص��يئني: الن�صب، وا�ص��تحقاق املال، والإقرار بالن�صب اإقرار على غريه، وذلك غري األم، لإلمام الشافعي 6/ 273 ط. الهيئة املصرية العامة للكتاب، طبعة مصورة )1(عن طبعة املطبعة األميرية ببوالق سنة 1321ه�، فتح العزيز للرافعي 11/ 198،

روضة الطالبني للنووي 4/ 66، املغني البن قدامة 6/ 673. املغني 6/ 669. )2(

األم 6/ 200، 6/ 272، فتح العزيز 11/ 201. )3(بدائع الصنائع 7/ 229، 230، الذخي��رة للقرافي 9/ 310، بداية املجتهد ونهاية )4(املقتص��د، الب��ن رش��د 2/ 289، 290 ط. دار الفكر- بيروت- س��نة 1415ه�، الش��رح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي 3/ 418، 419، فتح العزيز 11/ 201، 202، روض��ة الطالبني 4/ 68، املغني الب��ن قدامة 6/ 669، 670، طرق اإلثبات الشرعية، ألحمد بك إبراهيم ص537 وما بعدها ط. دار اجلمهورية للصحافة-

القاهرة- الطبعة الرابعة سنة 2003م.

مقبول؛ لأنه دعوى يف احلقيقة اأو �ص��هادة، والإقرار با�ص��تحقاق امل��ال اإقرار على نف�ص��ه، واأنه مقبول، ومثل ه��ذا جائز اأن يكون الإق��رار الواحد مقب��ول بجهة، غري مقبول بجه��ة اأخرى؛ كمن ا�ص��رتى عبدا ثم اأقر اأن البائع كان اأعتقه قبل البيع، يقبل اإقراره يف ح��ق العتق، ول يقبل يف حق ولية الرج��وع بالثمن على البائع، فعلى ذلك ههنا جاز اأن يقبل الإقرار بوارث يف حق املرياث، ول

يقبل يف حق ثبات الن�صب« )1(.��ا: م�ص��األة زواج الرجل من ابنته ومن تطبيقات هذه النظرية اأي�صاملخلوق��ة من ماء زناه، فلو زنى رجل بام��راأة واأتت منه ببنت من الزنا، فقد ن�س الفقهاء على اأن ن�صبها ل يلحقه؛ عما بقول ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم-: »الولد للفرا�س وللعاهر احلجر« )2(، ومن ثم �ص��قطت جميع الأحكام املرتتبة على الن�صب، كالتوارث وغريه، وملا قطعوا الن�صب بينه وبينها، وجعلوها اأجنبية عنه، كان

من املتوقع اأن يجيزوا نكاحه بها، لكنهم قد اختلفوا يف ذلك:فذه��ب جمه��ور الفقه��اء من احلنفي��ة، واملالكي��ة -يف قول ابن القا�ص��م- وهو م�ص��هور املذهب عندهم، وال�ص��افعية -يف قول مقابل لل�ص��حيح-، وفقهاء احلنابلة اإلى الق��ول بحرمة نكاحها؛ لأنه��ا خملوقة من مائه يف احلقيقة، واإن ل تن�ص��ب اإليه يف ال�رصع،

فاأ�صبهت ابنته املن�صوبة اإليه يف كونها ب�صعة منه )3(.وه��ذا تفريق وتبعي�س ظاهر لاأحكام، ن�س عليه جمهور الفقهاء

بدائع الصنائع 7/ 230. )1(أخرجه البخاري من حديث عائشة في صحيحه، كتاب اخلصومات/ باب: دعوى )2(الصبي للميت، وأخرج��ه في كتاب العتق وفضله/ باب: أن الولد للفراش، وغير ي ذلك من مواضع، وأخرجه مسلم في كتاب: الرضاع/ باب: الولد للفراش وتوق

الشبهات. بدائع الصنائع 2/ 257، ش��رح فتح القدي��ر 3/ 118، التمهيد ملا في املوطأ من )3(املعاني واألس��انيد، البن عبد البر 8/ 191 ط. وزارة عموم األوقاف والش��ؤون اإلس��المية- املغرب-، حتقي��ق: مصطفى بن أحمد العل��وي، محمد عبد الكبير البكري، تفسير القرطبي املسمى: اجلامع ألحكام القرآن، ألبي عبد اهلل القرطبي 5/ 115، 116 ط. دار إحي��اء التراث العربي- بيروت- س��نة 1405ه�- 1985م، مواهب اجلليل لش��رح مختصر خليل، للحط��اب 5/ 109 ط. دار الكتب العلمية- بيروت- الطبعة األولى 1416ه�- 1995م، حتقيق: زكريا عميرات، الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي 2/ 250، روضة الطالبني، للنووي 5/ 448، املغني

البن قدامة 9/ 346.

Page 49: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

49

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

يف هذه امل�صاألة، حيث قطعوا الن�صب وق�صوا بكونها اأجنبية عنه، ومع ذلك حرموها عليه، وهذا م�صلك معترب عندهم.

ق��ال ابن قدامة -رحمه اهلل- يف »�رشح خمت�رش اخلرقي« م�ش��تدال ملذهب اجلمهور: »لأنها خملوقة من مائه، وهذه حقيقة ل تختلف ل واحلرمة، فاأ�ش��بهت املخلوقة من وطء ب�شبهة، والأنها ب�شعة باحلمل ل��ه؛ كبنته من النكاح، وتخل��فج بع�ض االأحكام ال من��ه، فلم حتم

ينفي كونها بنتا؛ كما لو تخلف لرق اأو اختاف دين« )1(.وخالف ابن املاج�ص��ون -من املالكية-، وال�صافعية -يف �صحيح مذهبهم-، ون�صوا على حل التزوج بها، فمنعوا تبعي�س الأحكام يف هذه امل�صاألة، وقالوا: اإنها ل يثبت لها توارث، ول تلزمه نفقتها، ول غري ذلك من اأحكام الن�صب، فلم حترم عليه ك�صائر الأجانب )2(.

قال اخلطيب ال�رصبيني -رحم��ه اهلل- )ت: 977ه�( يف »�رصحه على املنه��اج«: »)واملخلوقة من( ماء )زناه( �ص��واء اأكانت املزين بها مطاوعة اأم ل، �ص��واء حتقق اأنها من مائه اأم ل، )حتل له(؛ لأنها اأجنبية عنه؛ اإذ ل حرمة ملاء الزنا، بدليل انتفاء �صائر اأحكام الن�صب من اإرث وغريه عنها، فا تتبع�س الأحكام كما يقول به اخل�ص��م،

فاإن منع الإرث باإجماع كما قاله الرافعي« )3(. وق��د اأجاب ابن تيمية -رحمه اهلل- ع��ن ذلك بقوله: »واأما قول القائل: اإنه ل يثبت يف حقها املرياث ونحوه، فجوابه: اأن الن�صب تتبع�س اأحكامه، فقد تثبت بع�س اأحكام الن�صب دون بع�س؛ كما وافق اأكرث املنازعني -يق�ص��د ال�ص��افعية- يف ولد املاعنة على اأنه

يحرم على املاعن ول يرثه« )4(. وه��ذا يعن��ي اأن ابن تيمية -رحم��ه اهلل- األزمهم الق��ول بتبعي�س الأحكام يف هذه امل�ص��األة؛ كما بع�صوها يف م�صاألة بنت املاعنة، ف��اإن ن�ص��بها منه مقطوع، وم��ع ذلك قالوا بحرم��ة زواجه منها، وعليه ن�س النووي -رحمه اهلل- يف »الرو�صة«، فقال: »والبنت الت��ي نفاها باللعان، حت��رم عليه اإن كان دخل باأمه��ا، وكذا اإن ل

املغني 9/ 346. )1(املغني 7/ 119. )2(

مغني احملتاج، للخطيب الشربيني3/ 175. )3(الفتاوى الكبرى، البن تيمية 2/ 197 طبع ونشر مكتبة النور اإلسالمية، د.ت. )4(

يدخل على الأ�صح« )1(. لكن ال�ص��افعية فرقوا بني امل�ص��األتني، فقالوا: اإن ن�ص��ب بنت الزنا منفي عنه قطعا، اأما بنت املاعنة ل تنتفي عنه قطعا، بدليل حلوقها

به لو اأكذب نف�صه، ولأنها ربيبة يف املدخول بها، فافرتقا)2(.وباجلملة.. فاإن تطبيقات هذه النظرية يف الفقه الإ�صامي اأكرث من اأن حت�ص��ى، تفرقت يف اأبوب الفقه وكتب��ه، عبادات ومعامات، حتى عجز املقام عن تتبعها يف مثل هذا البحث الذي ق�صدت منه التاأ�ص��يل والتنظري، اأكرث من ق�صدي اإلى �رصد الفروع واجلزئيات، واإنا اكتفيت منها مبا يع�ص��د التاأ�ص��يل، ويقوي التنظري؛ اإذ باملثال

يت�صح املقال.هذا.. ومما ينبغي الإ�ص��ارة اإليه ههنا اأن ثمة قواعد كلية، و�صوابط فقهية، ن�س عليها الفقهاء يف م�صنفاتهم، جاءت جامعة جلملة من الفروع التي تعترب ن�صو�ص��ا يف هذا الب��اب، فمثا وجدنا الإمام ال�صيوطي -رحمه اهلل- )ت: 911ه�( قد خ�ص�س يف »قواعده« قاع��دة للكام عن مثل ذلك، وعنون له��ا بقوله: »من يقبل قوله يف �ص��يء دون �صيء«، وذكر حتتها جملة من الفروع الفقهية التي

تعترب من التطبيقات الوا�صحة لهذه النظرية.ومن جملة ما ذكره من فروع: »اأن املطلقة ثاثا اإذا نكحت زوجا وادع��ت اأنه اأ�ص��ابها، فاحلك��م: اأنه يقبل قوله��ا يف حلها للزوج الأول، ل يف ا�ص��تحقاق املهر على الزوج الثاين، ومنها: املتزوجة ب�رشط الب��كارة، فادعت زواله��ا بوطئه، واأنكر ال��زوج، فاأيهما ي�صدق؟ فن�س على اأنه يقبل قولها لدفع الف�صخ، ويقبل قوله لدفع كمال امله��ر..« اإلى اآخر م��ا ذكره -رحمه اهلل- م��ن فروع )3(.وكذا م�ص��تثنيات القاعدة الفقهية التي ن�صوا فيها على اأن »الفرع ي�ش��قط ب�ش��قوط اأ�ش��له«، كما اإذا برئ االأ�ش��يل، فينبغ��ي براءة ال�شامن؛ الأنه فرعه، والفرع ي�شقط ب�شقوط اأ�شله، لكنهم ا�شتثنوا من هذه القاعدة م�شائل، اأثبتوا فيها الفرع مع �شقوط اأ�شله، وهي

روضة الطالبني 5/ 448. )1(أسنى املطالب 3/ 149. )2(

األش��باه والنظائر، للس��يوطي ص777 ط. املكتبة التوفيقية- القاهرة- د.ت. )3(حتقيق: طه عبد الرؤوف سعد.

Page 50: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

50

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

��ا م�ص��ائل تعترب من تطبيقات القاعدة، ومنها: ما لو قال اأحد اأي�صالبنني لمراأة جمهولة الن�صب: هذه بنت اأبينا، واأنكر الآخر ذلك، فا يثبت الن�ص��ب، ومع ذلك ن�صوا يف املذهب على حرمتها على ��ر، فاأثبت��وا الفرع الذي ه��و حرمة النكاح، دون اأ�ش��له وهو املجقمالن�صب، وهو تبعي�س ظاهر لاأحكام، وهكذا كانت كل امل�صائل

التي ا�صتثنوها من هذه القاعدة )1(.وكذا ذكر ابن جنيم -رحمه اهلل- )ت:970ه�( هذه القاعدة يف »الأ�صباه«، وا�صتثنى منها فروعا عند احلنفية ميكن اندراجها حتت ��ا، كما ن�س علي��ه من اأنه لو ادعى الزوج اخللع، هذه النظرية اأي�صواأنكرت امل��راأة ذلك، فاحلكم اأنها تبني من��ه؛ عما باإقراره، ول ا، فثبت الفرع دون يثبت املال الذي هو الأ�صل؛ عما بقولها اأي�صاأ�صله، وهذا تفريق لاأحكام ظاهر، وكذا احلكم عند ال�صافعية يف

هذه امل�صاألة )2(. وك��ذا من ال�ص��وابط اجلامع��ة عند املالكي��ة التي تت�ص��ل بذلك: «، وهي م�ص��ائل م�ص��تثناة من »اجتم��اع حل��وق الولد مع احل��دق الن�صب، القاعدة التي ن�ص��وا عليها من اأنه: »كلما �صقط احلد حلومن يجحد ال يلحق به الن�ش��ب«، وذلك: اأن االأ�شل اأن كل نكاح فا�صد درئ فيه احلد، فاإن الن�صب يثبت فيه؛ كمن نكح ذات حمرم اأو ر�ص��اع دون اأن يعلم بها، فاإن الولد يلحقه ول حد عليه، فاإن ، فاإن الول��د ل يلحقه؛ لأنه زنا، اإل يف م�ص��ائل ل ي��دراأ في��ه احلدا�ص��تثنوها فاأثبتوا فيها الأمرين معا: احلد، والن�صب، وهي م�صائل

جمموعة حم�صورة ن�صوا عليها يف م�صنفاتهم.ومنها: من يتزوج املراأة ويقر اأنه طلقها ثاثا، وعلم اأنها ل حتل له

اإل بعد زوج اآخر، ووطئها واأولدها، فاإنه يحد ويلحق به الولد.ومنها: اأن يت��زوج املراأة ثم يقر اأنها خام�ص��ة، ويطوؤها وهو يعلم اأنه��ا ل حتل له، اأو يتزوج املراأة ويطوؤه��ا وهو يعلم اأنها ل حتل لهفتح العزيز 11/ 202، روضة الطالبني 4/ 68، املنثور في القواعد، للزركش��ي 3/ )1(23 ط. وزارة الش��ؤون واألوقاف اإلسالمية- الكويت- الطبعة الثانية 1405ه�،

حتقيق: د. تيسير فائق، األشباه والنظائر للسيوطي ص229. األش��باه والنظائر، البن جنيم، مع حاشية نزهة النواظر على األشباه والنظائر، )2(البن عابدين ص134 ط. دار الفكر- دمش��ق- الطبعة األولى 1403ه�- 1983م،

األشباه والنظائر للسيوطي ص229.

بن�صب اأو ر�ص��اع مع علمه بعدم حلية ذلك، فاإنه يحد ويلحق به الولد يف امل�صائل الثاث.

وقد نظم ذلك ال�ص��يخ عل��ي الزق��اق )1( )ت: 912ه�( -رحمه اهلل- فقال:

د لن يجتمعا ��ب واحل اإل بزوجات ثاث فا�صمعاون�ص��رم وحم ��ة خام�ص فاعل��ممبتوت��ة ت��ني حر واأمت��ني

قال ال�ص��يخ ميارة -رحم��ه اهلل- )ت: 1072ه�(: »فالزوجات الثاث من هذه، والأمتان احلرتان هما: من ي�ص��رتي اأمة ممن تعتق عليه ويولدها، ثم يقر اأنه وطئها عاملا بذلك، اأو من ي�ص��رتي الأمة

فيولدها، ثم يقر بحريتها و�رصائها مع علمه بحريتها« )2(. فهذه م�ص��ائل خم�س، زاد عليها بع�صهم م�صائل اأخرى؛ كالرجل يت��زوج باأم امراأته عاملا بذلك، فاإنه يح��د ويلحق به الولد.. وغري

ذلك مما ذكروه من م�صائل وفروع )3(.ا لهذه النظرية؛ اإذ وهي م�ص��ائل تعد من التطبيقات الوا�صحة اأي�صوج��وب احلد يفيد ثبوت الزنا، ول يثبت ن�ص��ب من زنا، لكنهم

اأثبتوه من قبيل تبعي�س الأحكام وتفريقها.

هو علي بن القاس��م بن محمد التجيبي املغربي، املعروف بالزقاق، فقيه مالكي )1(ناظم، مش��ارك في بعض العلوم، من أهل ف��اس، زار غرناطة وأخذ عن بعض علمائها، من آث��اره: »المية في علم القض��اء«، و »املنهج املنتخب إلى أصول عزيت في املذهب«، توفي س��نة 912ه� )هدية العارف��ني أمساء املؤلفني وآثار املصنفني، إمساعيل باش��ا البغ��دادي 1/ 740 ط. دار إحي��اء التراث العربي- بي��روت- د.ت، معجم املؤلفني، لعمر رضا كحالة 7/ 169 ط. دار إحياء التراث

العربي- بيروت- د.ت( شرح ميارة على منظومة ابن عاصم، ألبي عبد اهلل محمد بن أحمد ميارة الفاسي )2(1/ 275 ط. دار الكتب العلمية- بيروت- الطبعة األولى 1420ه�- 2000م، حتقيق:

عبد اللطيف حسن عبد الرحمن.الذخي��رة، للقرافي 12/ 68، مواهب اجلليل، للحطاب 7/ 267، 268، منح اجلليل )3(ش��رح مختصر خليل، للشيخ محمد عليش 6/ 502 ط. دار الفكر- بيروت- سنة

1409ه�- 1989م.

Page 51: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

51

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

المبحث الثاني

األصل الشرعي لنظرية تفريق األحكام

لق��د كان عمل الفقه��اء بهذه النظري��ة على هذا النح��و املذكور تفعيا ملنهجية ا�ص��تخدمها ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم- يف ق�صائه واأحكامه، ففي ال�صحيحني عن عائ�صة -ر�صي اهلل عنها- اأنها قالت: »كان عتبة بن اأبي وقا�س عهد اإلى اأخيه �ص��عد بن اأبي وقا���س اأن ابن وليدة زمعة مني، فاقب�ص��ه، قال��ت: فلما كان عام الفتح اأخذه �ص��عد بن اأب��ي وقا�س، وقال: ابن اأخ��ي قد عهد اإيل في��ه، فقام عبد ب��ن زمعة، فقال: اأخي وابن ولي��دة اأبي، ولد على فرا�ص��ه، فت�صاوقا اإلى النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- فقال �صعد: يا ر�ص��ول اهلل، اب��ن اأخي كان قد عهد اإيل في��ه، فقال عبد بن زمعة: اأخي وابن وليدة اأبي، ولد على فرا�ص��ه، فقال ر�ص��ول اهلل -�صلى اهلل علي��ه و�ص��لم-: هو لك يا عبد بن زمعة، ثم ق��ال النبي: الولد للفرا�س وللعاهر احلجر، ثم قال ل�ص��ودة بن��ت زمعة زوج النبي: احتجبي منه يا �صودة؛ ملا راأى من �صبهه بعتبة، فما راآها حتى لقي

اهلل« )1(.ومعنى هذا احلديث وق�ص��ته -كما قال �رصاحه من اأهل العلم- اأن اأه��ل اجلاهلية كانوا يقتنون الولئ��د، ويقررون عليهن ال�رصائب، فيكت�ص��ن بالفجور، وكانوا يلحقون الن�ص��ب بالزن��اة اإذا ادعوا الولد كما يف النكاح، فاإذا اأتت وليدة بولد، وقد ا�شتفر�شها ال�شيد ��ا، فاإن ا�صتلحقه اأحدهما اأحلق به ون�صب اإليه، وزنى بها غريه اأي�صواإن ا�ص��تحلقه كل واحد منهما وتنازع��ا فيه، عر�س على القافة، ب وكان عتبة قد �صنع هذا ال�صنع يف جاهليته بوليدة زمعة، وح�صاأن الولد له، فعهد اإلى اأخيه باأن ي�ص��مه اإلى نف�صه وين�صبه اإلى اأخيه حينما احت�رص، وكان كافرا، فلما كان عام الفتح اأزمع �ص��عد على اأن ينفذ و�ص��يته وينزعه، فاأب��ى ذلك عبد بن زمع��ة، وترافعا اإلى ر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل عليه و�صلم-، فقال �ص��عد: هو ابن اأخي هات، وبينهما مشب واحلرام بني أخرجه البخاري في كتاب البيوع/ باب: احلالل بني )1(واللف��ظ له، وأخرجه في اخلصومات/ ب��اب: دعوى الصبي للميت، وأخرجه في كت��اب العتق وفضله/ باب: أن الولد للف��راش، وغير ذلك من مواضع، وأخرجه

ي الشبهات. مسلم في كتاب: الرضاع/ باب: الولد للفراش وتوق

-على م��ا كان عليه الأمر يف اجلاهلية-، وق��ال عبد: هو اأخي-على ما ا�ص��تقر علي��ه الأمر يف الإ�ص��ام-، فاأبطل النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- حكم اجلاهلية واأحلق��ه بزمعة، وحكم اأن الولد لل�ص��يد الذي ولد على فرا�صه، ولي�س للزاين من فعله �صوى الوبال والنكال؛ اإبط��ال ملا كانوا عليه من جاهليتهم من اإثبات الن�ص��ب

للزاين)1(. وه��ذا احلديث ق��د اعتربه كثري م��ن الفقهاء �ص��ندا �رصعيا لتفريق الأحكام وتبعي�ص��ها؛ احتياطا وعما بالأ�ص��لني املتعار�صني قدر الإمكان؛ حيث اإن ر�ص��ول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم- ق�صى فيه بالظاهر وبالباطن معا، وراعى فيه الأ�ص��ول املتعار�صة جميعها، فاأثبت الن�ص��ب لزمعة؛ عما بالفرا�س، وكان الظاهر يقت�ص��ي األ حتتجب منه �ص��ودة -ر�ص��ي اهلل عنها-؛ لأنه اأحلق باأبيها، لكن ملا بعتبة، خ�صي راأى ر�ص��ول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم- �صبهه البنياأن يك��ون من مائه، فيكون اأجنبيا منها، فاأمرها -�ص��لى اهلل عليه و�ش��لم- باالحتجاب منه على �شبيل االحتياط والعمل مبا تقت�شيه جميع الأ�صول، وعلى هذا ن�س فقهاء املالكية وال�صافعية واحلنابلة

رحمهم اهلل )2(.االس��تذكار اجلامع ملذاهب فقهاء األمصار، ألبي عمر يوس��ف بن عبد البر 7/ )1(163، 164 ط. دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة األولى سنة 2000م، حتقيق: سالم محمد عطا، علي معوض، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر الدين العين��ي 11/ 196 ط. دار إحياء التراث العربي- بي��روت- د.ت، اإلعالم بفوائد عم��دة األحكام، البن امللقن 8/ 467، 468 ط. دار العاصمة- الرياض- الطبعة األول��ى 1417ه�- 1997م، حتقيق: عبد العزيز بن أحمد املش��يقح، فتح الباري شرح صحيح البخاري، البن حجر العسقالني 12/ 27 ط. دار املعرفة- بيروت- الطبعة الثانية د.ت، مرقاة املفاتيح ش��رح مش��كاة املصابي��ح، للمال علي بن سلطان القاري 6/ 429 ط. دار الكتب العلمية-بيروت- الطبعة األولى 1422ه�-

2001م، حتقيق: جمال عيتاني. التمهيد، البن عبد البر 8/ 186، إحكام األحكام شرح عمدة األحكام، البن دقيق )2(العيد 4/ 70 ط. دار الكتب العلمية - بيروت- د.ت، شرح الزرقاني على املوطأ، حملم��د بن عبد الباقي الزرقاني 4/ 30 ط. دار الكت��ب العلمية- بيروت- الطبعة األولى س��نة 1411ه�، ش��رح النووي على صحيح مسلم 10/ 39 ط. دار الكتاب العرب��ي- بيروت- الطبعة الثانية 1407ه�، اإلع��الم بفوائد عمدة األحكام البن امللق��ن 8/ 475، 476، طرح التثريب في ش��رح التقريب، للحافظ زين الدين أبي الفض��ل العراقي 7/ 120، 121 ط. دار الكتب العلمي��ة- بيروت- الطبعة األولى 2000م، حتقيق: عبد الق��ادر محمد علي، املغني البن قدامة 8/ 105، 106، إعالم املوقع��ني ع��ن رب العاملني، البن القي��م 4/ 356 ط. املكتبة األزهرية- س��نة

1400ه�- 1980م.

Page 52: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

52

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

فقال ابن دقيق العيد -رحمه اهلل- )ت: 702ه�( يف �رصحه لهذا احلديث:

»واحلديث اأ�ص��ل يف اإحلاق الولد �صاحب الفرا�س، واإن طراأ عليه وطء حمرم، وقد ا�شتدل به بع�ض املالكية على قاعدة من قواعدهم ، وذلك اأن واأ�صل من اأ�ص��ول املذهب، وهو احلكم بني حكمنييكون الفرع ياأخذ م�ص��ابهة من اأ�ص��ول متعددة، فيعطى اأحكاما خمتلفة، ول ميح�س لأحد الأ�صول، وبيانه من احلديث: اأن الفرا�س مقت�س لإحلاقه بزمعة، وال�ص��به البني مقت�س لإحلاقه بعتبة، فاأعطي الن�ص��ب مبقت�ص��ى الفرا�س واأحلق بزمعة، وروعي اأمر ال�ص��به باأمر �ص��ودة بالحتجاب منه، فاأعطي الفرع حكما بني حكمني، فلم ميح���س اأمر الفرا�س فتثبت املحرمية بينه وبني �ص��ودة، ول روعي اأمر ال�صبه مطلقا فيلتحق بعتبة، قالوا: وهذا اأولى التقديرات، فاإن الفرع اإذا دار بني اأ�ص��لني فاأحلق باأحدهما مطلقا فقد اأبطل �صبهه الثاين من كل وجه، وكذلك اإذا فعل بالثاين وحم�س اإحلاقه به، كان اإبطال حلكم �صبهه بالأول، فاإذا اأحلق بكل واحد منهما من وجه،

كان اأولى من اإلغاء اأحدهما من كل وجه«)1(. وعل��ق عليه النووي -رحمه اهلل- بقوله: »واأما قوله -�ص��لى اهلل عليه و�صلم-: »واحتجبي منه يا �صودة« فاأمرها به ندبا واحتياطا؛ لأنه يف ظاهر ال�رصع اأخوها؛ لأنه اأحلق باأبيها، لكن ملا راأى ال�صبه البني بعتبة بن اأبي وقا�س، خ�صي اأن يكون من مائه فيكون اأجنبيا

منها، فاأمرها بالحتجاب منه احتياطا«)2(.وذكره ال�صيوطي -رحمه اهلل- يف كتاب: »الباهر يف حكم النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- بالباطن والظاهر«، وقال: »حا�صله: اأنه ته عن جعله لعب��د بظاهر ال�رصع؛ لأن الولد للفرا���س، ونفى اأخو�ص��ودة؛ عما مبقت�ص��ى الباطن وما اطلع عليه م��ن احلقيقة، فهذا

حكم يف هذه الق�صية الواحدة بالظاهر والباطن معا« )3(.ا يف فهم وقد اجته فقهاء احلنابلة -رحمهم اهلل- هذه الوجهة اأي�ص

إحكام األحكام 2/ 70، 71. )1(شرح النووي على صحيح مسلم 10/ 39. )2(

الباهر في حكم النبي بالباطن والظاهر، للسيوطي ص51، 52 ط. مكتبة الرحمة )3(املهداة– املنصورة- الطبعة األولى 1429ه�- 2008م.

هذا احلديث، حتى �رشح بع�ش��هم بكونه اأ�ش��ل يف هذا الباب، اأعني باب تفريق الأحكام وتبعي�صها.

فذك��ر املرداوي -رحم��ه اهلل- )ت: 885ه�( يف »الإن�ص��اف« م�ص��األة: م��ا ل��و تعار���س ال�ص��به م��ع الفرا���س –كما يف ق�ص��ة احلدي��ث-، فقال: ل اأثر لل�ص��به مع الفرا���س -كما ذكره جماعة من الأ�ص��حاب-، ثم قال: »واختار ال�صيخ تقي الدين رحمه اهلل -يق�صد ابن تيمية- تبعي�س الأحكام؛ لقول ر�صول اهلل -�صلى اهلل

عليه و�صلم-: »واحتجبي منه يا �صودة« )1(.فاأفاد -رحمه اهلل- اأن ال�صيخ ابن تيمية -رحمه اهلل- قد اعترب هذا احلديث اأ�ص��ا يف الباب، وهذا �ص��واب، فاإن ابن تيمية -رحمه

اهلل- قد �رشح بذلك يف م�شنفاته يف اأكرث من مو�شع.فذك��ر -رحم��ه اهلل- يف »جمم��وع فتاوي��ه« يف كت��اب »الإميان الكبري«: اأن ال�صم الواحد ينفى ويثبت بح�صب الأحكام املتعلقة به، فا يجب اإذا اأثبت اأو نفي يف حكم اأن يكون كذلك يف �صائر الأحكام، ثم ذكر اأمثلة ذلك يف القراآن الكرمي، كاعتباره املنافقني

من املوؤمنني يف مو�ص��ع، كما يف قول��ه: ژچ چ ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍ ڌڌ ڎ ڎ ڈ ڈ ژژ)2(، وقول��ه يف مو�ص��ع اآخ��ر: ژک ک ک گ گژ، ث��م ق��ال -رحمه اهلل-: وكذلك الأن�صاب، مثل كون الإن�صان اأبا لآخر اأو اأخاه، يثبت يف بع�س الأحكام دون بع�س؛ فاإنه قد ثبت يف ال�ص��حيحني: »اأنه ملا اخت�ص��م اإلى النبي �ص��عد بن اأبي وقا�س وعبد بن زمعة بن الأ�صود يف ابن وليدة زمعة..« و�ص��اق احلديث، ثم قال: فقد جعله النبي -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- ابن زمعة؛ لأنه ولد على فرا�صه، وجعله اأخا لولده بقوله: »فهو لك يا عبد بن زمعة«، وقد �ص��ارت �صودة اأخته يرثها وترثه؛ لأنه ابن اأبيها زمعة، ولد على فرا�صه، ومع هذا فاأمرها النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- اأن حتتج��ب منه؛ ملا راأى من �ص��بهه البني بعتب��ة، فاإنه قام فيه دليان متعار�ص��ان: الفرا�س،

اإلنصاف في معرفة الراجح من اخلالف على مذهب اإلمام أحمد بن حنبل، لعلي )1(بن س��ليمان امل��رداوي 9/ 268، 269 ط. دار إحياء الت��راث العربي- بيروت-

د.ت، حتقيق: محمد حامد الفقي.سورة األحزاب: آية: 18. )2(

Page 53: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

53

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

وال�ص��به. والن�صب يف الظاهر ل�صاحب الفرا�س اأقوى، ولأنها اأمر ظاهر مباح، والفجور اأمر باطن ال يعلم ويجب �ش��رته ال اإظهاره، كما قال: »للعاهر احلجر«.. وملا كان احتجابها منه ممكنا من غري �رصر، اأمرها بالحتجاب؛ ملا ظهر من الدللة على اأنه لي�س اأخاها

يف الباطن.فتبني اأن ال�ص��م الواحد ينفى يف حكم ويثبت يف حكم، فهو اأخ يف امل��رياث، ولي�س ب��اأخ يف املحرمية، وكذلك ول��د الزنا -عند - لي�س بولد بع�س العلماء- وابن املاعنة -عند اجلميع اإل من �صذ

يف املرياث ونحوه، وهو ولد يف حترمي النكاح واملحرمية« )1(.��ا يف »فتاويه«، ملا تكلم على ون���س -رحمه اهلل- على ذلك اأي�صحرم��ة تزوج الرج��ل بابنته من الزنا، مع كونه��ا اأجنبية عنه، ول ��اق الأدلة عل��ى حرمة ذلك، ثم رد ن�ص��ب ول وراثة بينهما، ف�صعلى من اأجاز بحجة اأنها لي�صت بنتا له يف ال�رصع؛ بدليل اأنهما ل يتوارثان، ول يجب علي��ه نفقتها، ول يلي نكاحها، ونحو ذلك من الأحكام التي تتفرع على الن�ص��ب، فقال: »واأما قول القائل: اإنه ل يثبت يف حقها املرياث ونحوه، فجوابه: اأن الن�صب تتبع�س اأحكام��ه، فقد ثبت بع�س اأحكام الن�ص��ب دون بع�س، كما وافق اأكرث املنازع��ني )2( يف ولد املاعنة على اأنه يحرم على املاعن ول يرثه، واختلف العلماء يف ا�ص��تلحاق ولد الزنا اإذا ل يكن فرا�ص��ا على قولني، كما ثبت عن النبي -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- اأنه اأحلق ابن وليدة زمعة بن الأ�صود، وكان قد اأحبلها عتبة بن اأبي وقا�س، فاخت�صم فيه �ص��عد وعبد بن زمعة..، فقال النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم-: »هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفرا�س وللعاهر احلجر، احتجبي منه يا �صودة«؛ ملا راأى من �صبهه البني بعتبة، فجعله اأخاها

يف املرياث دون احلرمة« )3(. ه ا تلميذج وتبع ال�شيخ ابن تيمية -رحمه اهلل- يف هذا اال�شتنباط اأي�ش

مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية 7/ 420، 421 جمع وترتيب: عبد الرحمن بن )1(محمد بن قاسم العاصمي النجدي، ط. مطابع الرياض- الطبعة األولى 1381ه�.

يقصد القائلني بإباحة التزوج بها من الشافعية ومن وافقهم، وقد سبق بيان هذه )2(املسألة.

مجموع الفتاوى 32/ 136، 137، الفتاوى الكبرى، البن تيمية 2/ 197. )3(

اب��ن القيم -رحمه اهلل-، فذكر احلديث يف ف�ص��ل »فتاوى النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- يف ثبوت الن�صب« من اآخر كتاب »اإعام املوقعني«، ثم قال: »حكم النبي -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- واأفتى بالولد ل�ص��احب الفرا�س؛ عما مبوجب الفرا�س، واأمر �صودة اأن حتتجب منه؛ عما ب�ص��بهه بعتبة، وقال: »لي�س لك باأخ«؛ لل�صبه، وجعله اأخا يف املرياث، فت�ص��منت فتواه -�صلى اهلل عليه و�صلم- اأن الأم��ة فرا�س، واأن الأحكام تتبع���س يف العني الواحدة؛ عما بال�ص��تباه؛ كما تتبع�س يف الر�ص��اعة، وثبوته��ا يثبت بها احلرمة واملحرمية، دون املرياث والنفقة، وكما يف ولد الزنا، هو ولد يف التح��رمي، ولي�س ولدا يف املرياث، ونظائر ذلك اأكرث من اأن تذكر،

فيتعني الأخذ بهذا احلكم والفتوى« )1(. ومباحظ��ة كام ابن القيم ال�ص��الف الذكر يتبني لنا كيف رد هذه النظرية اإلى هذا احلديث النبوي ال�رصيف، وقد ذكر لها �ص��يئا من نظائرها، وحث على �رصورة العمل بها، والأخذ بها يف الفتاوى والأح��كام، فاإنها من اأح�ص��ن الأحكام -كما ه��و �رصيح عبارته ��ا رحمه اهلل- يف »زاد املعاد«، حيث �رشح فيه -رحمه اهلل- اأي�شباأن هذا احلديث »اأ�صل يف اأن اأحكام الن�صب تتبع�س، فتثبت من

وجه دون وجه« )2(. هذا.. وقد راأيت من فقهاء ال�صيعة الإمامية من اعترب هذا احلديث ا، و�رشح باأن هذه النظرية معمول بها اأ�ش��ل يف تلك النظرية اأي�ش

عندهم يف الفقه؛ اعتمادا على هذا احلديث.فاألف ال�ص��هيد الأول حممد بن مكي العاملي)3( م�ص��نفا جمع فيه قراب��ة الثاثمائة والثاثني قاعدة من القواعد الأ�ص��ولية والفقهية

إعالم املوقعني 4/ 356. )1(زاد املع��اد في هدي خير العباد، البن القي��م 4/ 158 وما بعدها ط. دار الريان )2(

للتراث- القاهرة- الطبعة األولى 1407ه�- 1987م.هو محمد بن مكي بن محمد بن حامد العاملي، امللقب بالشهيد األول، من فقهاء )3(الشيعة اإلمامية، ولد سنة 734ه�، وتوفي سنة 786ه�، أصله من النبطية )في بالد عامل(، س��كن )جزين( بلبنان، ورحل إلى العراق واحلجاز ومصر ودمشق وفلسطني، وأخذ عن علمائها، واتهم في أيام السلطان )برقوق( باحنالل العقيدة، فس��جن في قلعة دمشق سنة، ثم ضربت عنقه، فلقب بالشهيد األول، ومن كتبه في فقه اإلمامية )اللمعة الدمش��قية( وهو مطبوع ومتداول. )األعالم للزركلي 7/

109 ط. دار العلم للماليني- بيروت- الطبعة اخلامسة سنة 1980م(.

Page 54: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

54

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

ال�ص��ابطة واجلامعة ملذهب الإمامية، وخ�س القاعدة اخلام�صة بعد ع املائ��ة للحديث عن هذه النظرية، وعن �ص��ندها ال�رصعي، ثم فرا من الفروع عندهم، فقال: »العمل بالأ�صلني املتنافيني عليها بع�صواقع يف كثري من امل�ش��ائل«، واأ�شله: االأخذ باالحتياط غالبا، وما روي عن النبي -�ص��لى اهلل عليه واآله و�ص��لم- يف ق�ص��ية عبد بن زمع��ة: »هو لك يا عبد بن زمع��ة، الولد للفرا�س وللعاهر احلجر، واحتجبي منه يا �ص��ودة«. قيل: قال ذلك ملا راأى فيه �ص��بها بعتبة بن اأب��ي وقا�س، فاأتبعه للفرا�س باأخي �ص��ودة اأم املوؤمنني، واأمرها

بالحتجاب منه؛ لل�صك الطارئ على الفرا�س« )1(. ثم �صاق بعد ذلك جملة من الفروع املندرجة حتت هذه القاعدة، فقال: »منه��ا: املتحرية اإذا قلن��ا باالحتياط فهي تفر�ض بالن�ش��بة اإلى وجوب العبادة طاهرا، وبالن�ص��بة اإلى وجوب الق�صاء وحترمي

ا« )2(. الوطء وغريهما حائ�شومنها: ما لو طلق الرجل زوجته، ثم ادعى اأن عدتها قد انق�صت، لكنها اأنك��رت ذلك، وادعت اأنها ل تنق�س بع��د، فقالوا: يعمل بالأ�ص��لني معا، فيجب عليه الإنفاق؛ عم��ا بقولها، وله التزوج

باأختها اأو بخام�صة؛ عما بقوله )3(. قال ال�ص��يخ الطو�ص��ي -رحمه اهلل- )ت: 406ه�(- من م�صايخ الإمامية: »اإذا طلقها وذكر اأنها اأخربت بانق�صاء عدتها، فاأنكرت وقد م�ص��ى زمان ي�صح انق�ص��اء العدة فيه، فالقول قوله يف جواز العقد على اأختها، والقول قولها يف بقاء النفقة وال�صكنى. والف�صل بينهما: اأن جواز نكاح اأختها اأمر يتعلق بدينه واأمانته، فيقبل قوله

فيه، والنفقة وال�صكنى حق عليه، فا يقبل قوله عليها« )4(.ه��ذا.. وقد خال��ف فقهاء احلنفي��ة هذا اال�ش��تنباط من احلديث، وذهبوا اإلى القول بعدم ثبوت الن�ص��ب لزمعة، واأن النبي -�ص��لى

القواع��د والفوائد في الفقه واألصول والعربي��ة، حملمد بن مكي العاملي امللقب )1(بالشهيد األول 1/ 307، 308 ط. مكتبة املفيد- قم- د.ت، حتقيق: د. السيد عبد

الهادي احلكيم. املرجع السابق. )2(

القواعد والفوائد، للشهيد األول 1/ 308. )3(املبس��وط في فقه اإلمامية، للطوس��ي 4/ 268 ط. املطبعة احليدرية- طهران- )4(

الطبعة الثانية 1388ه�، حتقيق: محمد الباقر البهبودي.

اهلل علي��ه و�ص��لم- ل يلحقه به، بدليل اأنه اأمر �ص��ودة بالحتجاب منه، وما اأمرها بذلك اإل لكونه اأجنبيا عنها.

والداف��ع لهم على ذلك: اأن اإثبات الن�ص��ب لزمع��ة ههنا يخالف اأ�صولهم يف اأمرين:

الأمر الأول: ما �ص��بق اأن قررناه من اأن الإقرار بالن�صب على الغري ل يقبل عندهم يف حق الغري اإل ببينة، اأو ا�صتكمال عدد ال�صهادة، في�ص��مع حينئذ ويكون من باب ال�صهادة ل الإقرار، وال�صتلحاق

ههنا مت من عبد بن زمعة مبفرده، فا ي�صمع.الأمر الثاين: اأن الأمة ل ت�صبح فرا�صا عندهم يثبت به الن�صب مبجرد ها ولدها ويعرتف به، بحيث لو ي �ش��يدج عم ال��وطء، بل ال بد اأن يدع الولد ل يلحقه، و�ص��ار ملكا له، حت��ى ولو اأقر بوطئها، ل ي��دووافقه��م يف ذل��ك الث��وري والهادوية، خافا مل��ا عليه جمهور الفقهاء من املالكية وال�صافعية واحلنابلة والظاهرية -رحمهم اهلل-،

حيث �شريوها فرا�شا له بالوطء دون �رشط اعرتافه بالولد)1(.ع��ي الولد ويعرتف عل��ى كل ح��ال، فاإن زمع��ة مات قب��ل اأن يدب��ه، فمن ث��م ل يجوز اإحلاق الولد به، وبن��اء على هذا رد احلنفية ال�صتدلل بهذا احلديث وحاولوا تاأويله مبا يوافق مذهبهم. فقال الطحاوي -رحمه اهلل- )ت: 321ه���(: »فقد يجوز اأن يكون ق مالك عليه من اأراد بقول��ه: »هو لك«، اأي: هو ممل��وك لك؛ حلاليد، ول يحكم يف ن�ص��به ب�ص��يء، والدليل على ذلك: اأن ر�صول اهلل -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- قد اأمر �ص��ودة بنت زمعة باحلجاب من��ه، فلو كان النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- كان قد جعله ابن زمعة، اإذا ل حجب بنت زمعة منه؟! لأنه -�صلى اهلل عليه و�صلم- ��لتها، ومن �صلتها ل يكن ياأمر بقطع الأرحام، بل كان ياأمرها ب�ص

التزاور، فكيف يجوز اأن ياأمرها -وقد جعله اأخاها- باحلجابالهداية للمرغيناني مع ش��رح فتح القدير البن الهمام 4/ 330، التمهيد البن عبد )1(الب��ر 8/ 184، مختصر خالفيات البيهقي، ألحمد بن فرج اإلش��بيلي الش��افعي 4/ 270 ط. مكتبة الرش��د- الرياض- الطبعة األولى 1417ه�- 1997م، حتقيق: د. دي��اب عبد الكرمي عقل، طرح التثريب للعراق��ي 7/ 118، زاد املعاد 4/ 158، احمللى، البن حزم 10/ 321 ط. دار الفكر- بيروت- د.ت، حتقيق: الش��يخ أحمد شاكر، نيل األوطار ش��رح منتقى األخبار من أحاديث سيد األخيار، للشوكاني

6/ 670 ط. دار احلديث- القاهرة- الطبعة األولى 1421ه�- 2000م.

Page 55: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

55

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

منه؟!، هذا ل يجوز عليه �صلى اهلل عليه و�صلم.وكيف يجوز ذلك عليه، وهو ياأمر عائ�ص��ة -ر�صي اهلل عنها- اأن تاأذن لعمها من الر�ص��اعة عليها، ثم يحجب �ص��ودة ممن قد جعله

اأخاها وابن اأبيها؟!ولكن وجه ذلك عندنا -واهلل اأعلم- اأنه ل يكن حكم فيه ب�ص��يء غ��ري اليد، التي جعله بها لعبد بن زمعة، ول�ص��ائر ورثة زمعة دون

�صعد«)1(. وقد نح��ى املحقق ابن الهمام -رحم��ه اهلل- )ت: 681ه�( بناء على ذل��ك منحى بعيدا يف فه��م هذا احلديث وتف�ص��ريه، فقال: »واإذن قول��ه: »الولد للفرا�س« ينتفي به ن�ص��به عن �ص��عد باأنه ابن اأخي��ه، وعن عبد باأنه اأخوه، يعني: اأن الول��د للفرا�س، ول فرا�س لواح��د من عتبة وزمعة، فهو حينئ��ذ عبد لك يا عبد؛ مرياث لك

من اأبيك« )2(.وقد اأطال اجلمهور النف�س يف اجلواب عن فقهاء احلنفية -رحمهم اهلل- يف هذا، واأ�رشح ما يدفع تف�شريهم لقول ر�شول اهلل -�شلى اهلل عليه و�ص��لم- لعبد: »هو لك يا عب��د« باأنه حممول على امللك ل على الأخوة- ت�رصيح النبي -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- بالأخوة يف بع�س الروايات عند البخاري يف �صحيحه، حيث قال له النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم-: »هو اأخوك يا عبد« )3(، ول �ص��ك اأن تف�صري حديث ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم- بحديث ر�صول

اهلل ال�صحيح، اأولى من تف�صريه بفهم غريه من الب�رص.واأما قولهم: »كيف يثبت اأخوته ل�صودة، ويف الوقت نف�صه ياأمرها بالحتجاب منه؟! فهذا ل يجوز �صدوره عن النبي �صلى اهلل عليه

و�صلم. فقد اأجاب عنه اجلمهور باأجوبة عدة: فق��ال اب��ن ح��زم -رحم��ه اهلل-: »ولي�س اأم��ره -عليه ال�ص��اة وال�ش��لم- �ش��ودة اأم املوؤمنن باالحتجاب من��ه بكادح يف ذلك اأ�ص��ا، ول احتجاب الأخت عن اأخيها مببط��ل اأخوته لها األبتة؛ ش��رح معاني اآلثار للطح��اوي 3/ 115 ط. دار الكتب العلمي��ة- الطبعة الثالثة )1(

1416ه�- 1996م، حتقيق: محمد زهري النجار. شرح فتح القدير 4/ 331. )2(

أخرجها البخاري في صحيحه في كتاب املغازي/ باب: غزوة الفتح. )3(

ا على املراأة روؤية اأخيها لها، اإنا الفر�س عليها �صلة لأنه لي�س فر�صرحمه فقط، ول ياأمرها -عليه ال�ص��اة وال�صام- قط باأل ت�صله، ومن ادعى ذلك فقد كذب، وقد قال -عليه ال�ص��اة وال�صام-: »ه��و اأخوك يا عبد«، وه��ذا يكفي من له عق��ل، وقد قال بع�س م��ن ل يب��ايل مبا اأطلق به ل�ص��انه من الكذب يف الدي��ن: اإنا معنى قوله -عليه ال�صاة وال�صام-: »هو لك يا عبد«، اأي: هو عبدك، فقلن��ا: الثابت اأنه قال: »هو اأخوك« -كما اأوردنا-، ولو ق�ص��ى ب��ه عبدا، ل يلزمه��ا اأن حتتجب عن��ه بن�س الق��راآن )1(، فاعجبوا ا واحلمد هلل رب العاملني«. لهول هوؤلء القوم، فوجب ما قلنا ن�ص

اه�)2(. ورد اب��ن امللقن -رحمه اهلل- على من قال منهم: »حمال اأن يثبت ته لها، ثم ياأمرها بالحتجاب النبي -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- اأخومن��ه، فه��ذا ل يجوز منه -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- فقال: »لي�س

مبحال، بل له وجه �صتعلمه«)3(.ي�ص��ري -رحمه اهلل- بذلك اإلى قاعدة تفريق الأحكام؛ فاإنها وجه بديع من مفردات الت�رصيع الإ�ص��امي، وهذا م��ا اأملح اإليه العامة اب��ن القي��م -رحم��ه اهلل- يف جوابه عل��ى احلنفي��ة؛ حيث قال: »واأم��ا اأمره �ص��ودة بالحتج��اب منه: فاإما اأن يك��ون على طريق االحتياط والورع؛ ملكان ال�ش��بهة التي اأورثها ال�ش��به البن بعتبة. واإم��ا اأن يكون مراعاة لل�ص��بهني واإعمال للدليل��ني؛ فاإن الفرا�س دليل حلوق الن�ص��ب، وال�صبه بغري �ص��احبه دليل نفيه، فاأعمل اأمر عي؛ لقوته، واأعمل ال�ص��به بعتبة بالن�صبة الفرا�س بالن�ص��بة اإلى املداإلى ثبوت املحرمية بينه وبني �ص��ودة، وهذا من اأح�ص��ن الأحكام واأبينها واأو�ص��حها، ول مينع ثبوت الن�ص��ب من وجه دون وجه، فهذا الزاين يثبت الن�صب منه بينه وبني الولد يف التحرمي والبع�صية، دون املرياث والنفقة والولية وغريها، وقد يتخلف بع�س اأحكام الن�ص��ب عنه مع ثبوته ملانع، وهذا كث��ري يف ال�رصيعة، فا ينكر من يش��ير ابن حزم ههنا لقول اهلل تعال��ى: ژۀ ۀ ہ ہ ہژ إلى قوله )1(

تعالى: ژۋ ۋ ۅ ۅژ )سورة النور: آية 31(. لى 10/ 321، 322. احمل )2(

اإلعالم بفوائد عمدة األحكام 8/ 465. )3(

Page 56: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

56

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

تخلف املحرمية بني �صودة وبني هذا الغام ملانع ال�صبه بعتبة، وهل هذا اإل حم�س الفقه؟«)1(.

المبحث الثالث

المصطلحات التي يعبر بها الفقهاء عن تفريق األحكام

ا�ص��تخدم الفقهاء -رحمهم اهلل- يف م�صنفاتهم اأكرث من م�صطلح عربوا به عن ه��ذه النظرية، فكثريا ما عربوا عنها با�ص��م »تبعي�س ،» الأحكام«، وتارة ما يعربون عنها بقولهم: »حكم بني حكمنيوق��د يذكرون الف��رع الفقهي املبني على مثل ه��ذا التبعي�س دون اإ�ص��ارة منهم لذلك، ولكنه يفهم من كامهم، وقد كان هذا اأكرث

�صنيعهم.وقد عقدت هذا املبحث للحديث عن هذين امل�ص��طلحني، وعن التعري��ف بهما، وذكر بع���س تطبيقاتهما يف كتب الفقه، ومن ثم

وقع هذا املبحث يف مطلبني: املطلب الأول: م�صطلح: » تبعي�س الأحكام«.

.» املطلب الثاين: م�صطلح: »احلكم بني حكمني

املطلب األول

مصطلح: »تبعيض األحكام«

يعد م�صطلح: »تبعي�س الأحكام« من اأ�صهر امل�صطلحات التي عرب بها الفقهاء عن هذه النظرية، وقد �ص��اع ا�ص��تخدامه يف م�صنفات

الفقهاء ل �صيما عند ال�صافعية واحلنابلة رحمهم اهلل.وهو م�ص��طلح مركب من كلمتني، الكلم��ة الأولى: »تبعي�س«، ومعناها املق�ص��ود ههن��ا هو نف�س معناها اللغوي امل�ص��تخدم عند علماء اللغة، وهي تعني يف لغة العرب: التجزئة والتفريق، فيقال:

�س)2(. ته، فتبع اأ ا، اإذا جز يء تبعي�ص ت ال�ص �ص بعزاد املعاد 4/ 160. )1(

ت��اج اللغة وصحاح العربية، للجوه��ري 3/ 1066- مادة »بعض«، ط. دار العلم )2(للماليني- بيروت- الطبعة الرابعة 1407ه�- 1987م حتقيق: أحمد عبد الغفور عطا.

وم��ن ثم يكون م��راد الفقهاء م��ن قولهم: »تبعي���س الأحكام«: جتزئتها وتفريقها يف فرع واحد باإثبات بع�ص��ها دون البع�س، مع

تطلب الأ�صل اإثباتها جمتمعة.وهذا ظاهر م��ن الأمثلة التي ذكرناها �ص��ابقا، فرناهم مثا -كما �صبق ذكره- ينفون الن�صب يف م�صاألة ما، ويثبتون الإرث يف نف�س امل�ص��األة، مع اأن الإرث فرع الن�صب، ول توارث اإل به، والأ�صل ��ا يتطلب اإثبات الأحكام يف الفرع الواحد جمتمعة، اأو نفيها اأي�ص�ص��وها يف امل�ص��األة الواحدة، فاأثبتوا وؤوها وبع جمتمعة، لكنهم جزبع�ص��ها ونفوا بع�ص��ها، ومن ثم ا�ص��طلحوا على ت�صمية ذلك ب�:

»تبعي�س الأحكام«.وقد تردد هذا امل�ص��طلح كثريا عند املتاأخرين من فقهاء ال�ص��افعية واحلنابلة، وا�صتخدم يف فروع هذه النظرية كثريا، ومن اأمثلة ذلك

مثا:ما ورد عند ال�ص��يخ �ص��هاب الدي��ن الرملي -رحم��ه اهلل- )ت: 957ه���( يف »فتاويه«، عندما �ص��ئل عم��ن تزوج ام��راأة، وبينه م؛ لكونه ل يتيقن كونه خم�س ر�ص��عات، وبينها ر�ص��اع غري حمرفه��ل ينتق�س و�ص��وء كل منهما بلم�س الآخر، اأو ل؛ لل�ص��ك يف املحرمي��ة -كما هو ظاه��ر- ويتبع�س احلك��م يف ذلك؟ فاأجاب -رحم��ه اهلل- بقوله: »ل ينتق�س واحد منهما بلم�س الآخر؛ لأن الأ�ص��ل بقاوؤه، فا يرتفع بال�ص��ك ول بالظ��ن«. ثم قال -رحمه اهلل-: »ول بع��د يف تبعي�س الأح��كام، فقد قالوا: لو تزوج امراأة جمهولة الن�صب فا�ص��تلحقها اأبوه ول ي�صدقه الزوج، ثبت ن�صبها،

وال ينف�شخ النكاح، وله نظائر �شتى« )1(. ف�رشح -رحمه اهلل- بهذا امل�ش��طلح: »تبعي�ض االأحكام«، وباأنه

ل بعد فيه؛ ل�صتعماله عند الفقهاء يف كثري من النظائر يف الفقه.��ا عند فقهاء احلنابلة -رحمهم وكذا ا�ص��تخدم هذا امل�صطلح اأي�صاهلل-، ف��ورد م�رصحا به يف عب��ارة ابن تيمية -رحمه اهلل-، وكذا

يف عبارة ابن القيم، وقد �صبق بيان عبارتيهما يف ذلك.

فتاوى الرملي، لشهاب الدين الرملي 1/ 28 مطبوع على هامش الفتاوى الكبرى )1(الفقهية البن حجر الهيتمي، ط. مطبعة املشهد احلسيني- القاهرة- سنة 1392ه�.

Page 57: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

57

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

وقد كان ال�ش��يخ ابن تيمي��ة -رحمه اهلل- ي�رشح باأن��ه ال بجعد يف تبعي�س الأحكام، هكذا م�رصحا بهذا امل�صطلح، ويقول: »وعليه ن�صو�س الإمام اأحمد«)1(، اأي: اأن الإمام اأحمد -رحمه اهلل- قد

ا�صتخدم مثل ذلك يف بع�س امل�صائل والفروع التي نقلت عنه.وه��ذا �ص��حيح، فاإننا ل��و تتبعنا ن�ص��و�س الإم��ام -رحمه اهلل - املنقولة عنه، لراأينا ذلك وا�ص��حا يف بع�س اأقواله، كن�صه على اأن رما لأم امراأته يف حج الفري�ص��ة فقط، دون غريه ال��زوج يكون حممن الأ�ص��فار، وهذا من قبيل تبعي���س الأحكام؛ لأنه اإما اأن يكون ���س اأحكامه كما نرى، رم��ا له��ا بالكلية، اأو ل يكون، لكنه بع حمقال فقهاء احلنابلة: كاأنه ذهب اإلى اأنها ل تذكر يف قول اهلل تعالى: ژۀ ۀ ہ ہ ہژ)2(، فف��رق الأحكام من

اأجل هذا امللحظ)3(. ��ا عليه هكذا عند بع�س ��ا من�صو�ص وقد راأيت هذا امل�ص��طلح اأي�صى فقهاء الزيدي��ة -رحمهم اهلل-، كقاعدته��م يف املكاتب اإذا اأد

بع�س مال املكاتبة، فهل تثبت له احلرية يف مقدار ما اأداه؟فالقاعدة عندهم: »اأنه ي�ص��ري لقدره حكم احلرية فيما يتبع�س من الأحكام حيا وميتا: كالو�ص��ية واملرياث واحلد والأر�س، وفيما ل يتبع�ض: كالق��ود والرجم والوطء بامللك، له حكم العبيد« هكذا

ورد الن�س عندهم يف اأكرث من كتاب)4(.فبع�ص��وا اأحكامه يف هذه امل�صاألة خافا ملا عليه اجلمهور، واأثبتوا له احلرية بقدر ما اأدى يف بع�س الأحكام، وجعلوه كالعبد الكامل

يف البع�س الآخر، وهذا تبعي�س لاأحكام ظاهر.

اإلنصاف، للمرداوي 9/ 268، 269. )1(سورة النور: آية 31. )2(

الشرح الكبير البن قدامة 4/ 371، الفروع، ألبي عبد اهلل محمد بن مفلح 3/ 178 )3(ط. دار الكتب العلمية- بيروت- الطبعة األولى 1418ه�، حتقيق: حازم القاضي،

اإلنصاف للمرداوي 3/ 413. البح��ر الزخار اجلامع ملذاهب علماء األمصار، ألحمد بن يحيى بن املرتضى 4/ )4(230، 231 ط. دار احلكمة اليمانية- صنعاء- الطبعة األولى 1366ه�- 1947م، تصوير سنة 1409ه�- 1988م، املنتزع املختار من الغيث املدرار املفتح لكمائم األزه��ار في فقه األئمة األطهار، لإلمام أحمد ب��ن يحيى املرتضى، انتزعه ابن مفتاح الزيدي 3/ 601 ط. مكتبة غميضان- صنعاء- سنة 1400ه�، نيل األوطار

للشوكاني 6/ 455، 456.

ودليله��م على هذا التبعي�س: حديث علي -ر�ص��ي اهلل عنه- عن ي املكاتب بقدر ما النبي -�صلى اهلل عليه و�ص��لم- اأنه قال: »يوؤدى«)1(، وعن ابن عبا�س -ر�ص��ي اهلل عنهما- عن النبي -�صلى اأدى دية ي املكاتب بح�ص��ة م��ا اأد اهلل علي��ه و�ص��لم- اأنه قال: »يوؤد

احلر، وما بقي دية العبد«)2(. ق��ال ال�ص��وكاين -رحم��ه اهلل- )ت: 1250ه���(: »فق��د اأثبت ال�ص��ارع للمكات��ب التبعي�س يف هذا احلكم، فيلح��ق به غريه مما

ميكن تبعي�صه«)3(.

املطلب الثاني

» مين حكن م بين مصطلح: »احلكن

م��ن امل�ص��طلحات التي يع��رب بها الفقه��اء عن تفري��ق الأحكام، «، ووجه ا�ص��طاحهم على هذا م�ص��طلح »احلكم بني حكمنيامل�ص��طلح: اأنه ملا تردد الفرع الفقهي بني اأ�صلني، وكان كل اأ�صل يقت�ص��ي اإحلاق الفرع به، وقطع �ص��بهه بالأ�ص��ل الآخر، تو�ص��ط الفقهاء بني الأ�صلني، واأعطوا الفرع حكما بني حكمني؛ مراعاة

لاأ�صلني معا.وه قاعدة وهذا امل�ص��طلح ا�ص��تهر يف املذهب املالكي، حتى �صريم��ن قواعدهم، فقال ابن دقيق العيد -رحمه اهلل- يف �رصحه على »عمدة الأحكام«، يف الكام على حديث اخت�صام عبد بن زمعة و�ص��عد بن اأبي وقا�س يف ابن وليدة زمعة، الذي �صبق الكام عليه قال -رحمه اهلل-: »وقد ا�ص��تدل به بع�س املالكية على قاعدة من

أخرجه أحمد في مسند علي بن أبي طالب من مسنده 1/ 94. )1(أخرجه الترمذي في س��ننه من كتاب: البيوع/ باب: ما جاء في املكاتب إذا كان )2(عن��ده ما يؤدي. حديث رقم )1277( ، وأخرجه احلاكم في مس��تدركه من كتاب املكاتب/ باب: يؤدي املكاتب بقدر ما عتق منه بحساب احلر، وما رق فبحساب العبد 2/ 218 وقال: »صحيح على ش��رط البخاري ولم يخرجاه«، وأخرجه ابن

أبي شيبة في مصنفه في كتاب: الديات/ باب: املكاتب يقتل أو يقتل 6/ 418. الس��يل اجلرار املتدفق على حدائ��ق األزهار، للش��وكاني 3/ 391 ط. املجلس )3(األعلى للشؤون اإلس��المية- القاهرة - سنة 1415ه�- 1994م، حتقيق: محمود

إبراهيم أبو زيد، محمود أمني النواوي.

Page 58: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

58

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

،» قواعدهم، واأ�صل من اأ�صول املذهب، وهو »احلكم بني حكمنيوذلك اأن يكون الفرع ياأخذ م�ص��ابهة من اأ�صول متعددة، فيعطى اأحكاما خمتلفة، ول ميح�س لأحد الأ�صول، وبيانه من احلديث: اأن الفرا�س مقت�س لإحلاقه بزمعة، وال�ص��به البني مقت�س لإحلاقه بعتبة، فاأعطي الن�ص��ب مبقت�صى الفرا�س واأحلق بزمعة، وروعي اأمر ال�صبه باأمر �ص��ودة بالحتجاب منه، فاأعطي الفرع حكما بني حكمني، فلم ميح�س اأمر الفرا�س فتثبت املحرمية بينه وبني �صودة، ول روعي اأمر ال�صبه مطلقا فيلتحق بعتبة، قالوا: وهذا اأولى التقديرات؛ فاإن الفرع اإذا دار بني اأ�ص��لني فاأحلق باأحدهما مطلقا فقد اأبطل �صبهه الثاين من كل وجه، وكذلك اإذا فعل بالثاين وحم�س اإحلاقه به، كان اإبطال حلكم �صبهه بالأول، فاإذا اأحلق بكل واحد منهما من وجه،

كان اأولى من اإلغاء اأحدهما من كل وجه«)1(. ومن ذلك مث��ا، ما ن�س عليه املالكية يف باب »التيمم« -بعد اأن ا�ص��رتطوا اإيق��اع التيمم يف الوقت- من اأن الآي���س الذي علم اأنه ل يق��در على امل��اء، اأو غلب على ظنه ذلك، ي�ص��تحب له التيمم وال�ص��اة يف اأول الوقت؛ ليحوز ف�صيلة اأول الوقت بعد اأن فاتت

ف�صيلة املاء.ون�ص��وا عل��ى اأن الراجي وجود امل��اء الذي عل��م قدرته عليه يف ر الوق��ت، اأو غلب عل��ى ظنه ذلك، فوقت��ه اآخر الوق��ت، ويوؤخال�ص��اة اإلى اأن يدرك امل��اء يف اآخره؛ لأن ف�ص��يلة الوقت خمتلف فيها، وف�ص��يلة املاء متفق عليها، وف�صيلة اأول الوقت يجوز تركها

بغري �رصورة، وف�صيلة املاء ل يجوز تركها اإل ب�رصورة)2(. ث��م ن�ص��وا على اأن امل��رتدد وال�ص��اك يف وجود امل��اء، فتيمم�ه يف و�ص��ط الوقت، ووجه�ه عندهم: اأنه ملا كان مرتددا بني الق�ص��مني ال�ص��ابقني، فا هو راج ول هو اآي�س، فاأعطوه مرتبة و�ص��طى بني

املرتبتني، وحكما بني احلكمني، وقالوا: يتيمم و�صط الوقت.ق��ال اب��ن يون���س -رحم��ه اهلل-: »لأن��ه مل��ا كان��ا غ��ري موقنني ب��اإدراك امل��اء يف الوق��ت، ول اآي�ص��ني من��ه، كان له حك��م بي�ن

إحكام األحكام 4/ 70، 71. )1(مواهب اجلليل 1/ 521. )2(

.)1(» حكمني��ا عند املالكية ما ن�ص��وا عليه يف حكم من �ص��لى ومن ذلك اأي�صبتيم��م وهو نا�س للماء يف رحله، فاإن احلك��م فيه ينبغي اأن يكون واحدا من اأمرين: اإما اأن ت�ص��ح �ص��اته، بحيث ل يجب عليه اأن يعيده��ا، واإما األ ت�ص��ح ويج��ب عليه اأن يعيد، وهذا هو حم�ص��ل

اأقوال الفقهاء يف امل�صاألة:فاإن منهم من قال ب�ص��حة �ص��اته يف هذه احلالة، بحيث ل تلزمه اإعادتها، معتربين اأن الن�صيان ههنا عذر حال بينه وبني املاء، كعذر البعد اأو املر�س، وكما لو حال بينه وبني املاء �صبع، واإلى هذا ذهب اأب��و حنيفة وحممد -رحمهما اهلل-، وهو قول ال�ص��افعي -رحمه

اهلل- يف القدمي، وعليه ن�س ابن حزم رحمه اهلل)2(.ومن الفقهاء من اأبطل �ص��اته يف هذه احلالة واألزمه الإعادة؛ لأنه حل مو�ص��ع املاء غالبا، واج��د للماء مق�رص ب��رتك الطلب؛ لأن الرفكان الطلب واجبا، فالتحق ن�ص��يانه بالعدم، وعلى هذا ن�س اأبو يو�ص��ف -رحمه اهلل- من احلنفية، واإليه ذهب ال�صافعي -رحمه اهلل- يف اجلدي��د، وقط��ع به اأحمد -رحم��ه اهلل- بعد اأن كان قد

توقف فيه)3(. لكن املالكية -رحمهم اهلل- تو�صطوا بني القولني، فاأعطوه حكما بني حكمني، ول ميح�ص��وه لأحدهما، ون�صوا على اأنه جتب عليه الإع��ادة يف الوق��ت، فاإن علم بعد الوقت ف��ا اإعادة، وعليه ن�س مالك -رحمه اهلل- يف »املدونة« فقال: »واإن فرغ من �ص��اته، ث��م ذكر اأن امل��اء كان يف رحله فن�ص��يه اأو جهله اأعاد ال�ص��اة يف

الوقت« )4(. وهذا التو�ص��ط �صماه بع�س املالكية: »حكما بني حكمني«، فقال اب��ن يون�س -رحمه اهلل-: »وجه اإعادته يف الوقت: اأنه غري عادم

للماء، ول يوجب عليه الإعادة اأبدا؛ لقوله -عليه ال�صام-:التاج واإلكليل ملختصر خليل، ألبي عبد اهلل محمد بن يوس��ف بن أبي القاس��م )1(

العبدري 1/ 351 ط. دار الفكر- بيروت- الطبعة الثانية 1398ه�. ب بدائع الصنائع 1/ 49، البحر الرائق 1/ 278، حاشية ابن عابدين 1/ 269، املهذ )2(لى 2/ 122. للش��يرازي مع املجموع للنووي 2/ 264، فت��ح العزيز 2/ 257، احملبدائع الصنائع 1/ 49، البحر الرائق 1/ 278، فتح العزيز 2/ 256، 257، املغني )3(

.328 /1املدونة الكبرى، لإلمام مالك 1/ 46 ط. مطبعة السعادة- مصر- د.ت. )4(

Page 59: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

59

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

»رفع ع��ن اأمتي اخلطاأ والن�ص��يان«)1(، فجعل له به��ذا حكما بني حكمني، وذلك الإعادة يف الوقت«)2(.

ومن هذه امل�صاألة يت�صح لنا مدى العاقة بني »تبعي�س الأحكام«، وبني م�ص��طلح »الإع��ادة يف الوقت« الذي كرث ا�ص��تخدامه عند فقهاء املالكية -رحمهم اهلل-؛ لأن ال�صاة اإما اأن تقع �صحيحة من كل وجه فا تعاد، اأو تقع باطلة بالكلية فتعاد، لكنه ملا تعار�ص��ت عندهم الأ�ص��ول يف بع�س امل�صائل، واأرادوا اأن يتو�صطوا ويعملوا «، فدفعهم ذلك يف الأ�صلني معا، ن�صوا على »حكم بني حكمني

بع�س امل�صائل اإلى القول بالإعادة يف الوقت.وهذا اأ�صل كبري من اأ�صول املالكية عرف عندهم با�صم: »مراعاة اخل��اف«، وهو اأخذ بالدليلني معا من بع�س الوجوه، و�ص��ابطه يف املذه��ب: اأن��ه اإذا كان القول قوي الدليل راع��اه الإمام مالك -رحم��ه اهلل-؛ ككثري من الأنكحة الفا�ص��دة، يف�ص��خها بطاق و�ص��داق ويلحق الولد املتكون منها، واإذا كان �ص��عيف املدرك

جدا، ل يلتفت اإليه، كمن تزوج خام�صة)3(.

المبحث الرابع

أسباب تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي

��وها على �ص اإن فقهاءن��ا -رحمه��م اهلل- ملا فرق��وا الأحكام وبعالنحو ال�ص��ابق ذكره، ل يفرقوها هكذا بالهوى ول بالغر�س ول بالت�ص��هي، واإنا كانت عندهم اأ�ص��باب معتربة دفعتهم اإلى العمل

قال الزيلع��ي -رحمه اهلل- في »نصب الراية«: »ال يوج��د بهذا اللفظ، وإن كان )1(الفقه��اء كلهم ال يذكرونه إال بهذا اللفظ، وأق��رب ما وجدناه بلفظ: »رفع اهلل عن ه��ذه األمة ثالثا..« رواه اب��ن عدي في الكامل من حديث أب��ي بكرة، وأكثر ما ي��روى بلفظ: »إن اهلل جتاوز ألمتي عن اخلطأ والنس��يان«، هكذا روي من حديث اب��ن عباس وأبي ذر وثوب��ان وأبي الدرداء وابن عمر وأب��ي بكرة..إخل« )نصب الراية ألحاديث الهداية، للزيلعي 2/ 75 ط. دار احلديث- القاهرة- الطبعة األولى

1415ه�- 1995م(.التاج واإلكليل 1/ 358. )2(

الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي، حملمد بن احلسن احلجوي 1/ 385 ط. )3(املكتبة العلمية- املدينة املنورة- الطبعة األولى 1396ه�.

بهذه النظرية، وبع�س هذه الأ�ص��باب م�ص��تمد من ق�ص��اء ر�صول اهلل -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- يف ق�ص��ة ابن وليدة زمعة ال�ص��ابقة -كما �ص��نبينه-، وبع�صها راجع اإلى حتقيق م�صالح �رصعية معتربة، فوجدناهم -رحمهم اهلل- يفرقون الأحكام عند تعار�س الأ�صلني يف امل�صاألة؛ عما بهما معا، وكذا وجدناهم يفرقون الأحكام من اأج��ل الورع واالحتياط يف �ش��اأن اأمر معترب عند ال�ش��ارع، وتارة

يفرقونها تبعا لقواعد مذاهبهم، ومراعاة لأ�صولهم.وقد ا�ص��تقراأت يف هذا البحث جملة الأ�ص��باب التي فرق الفقهاء

بها الأحكام، فجاءت على النحو التايل: املطل��ب الأول: تفري��ق الأح��كام لختاف امل��دارك وتعار�س

الأدلة.املطلب الثاين: تفريق الأحكام احتياطا لأمر معترب �رصعا.

املطلب الثالث: تفريق الأحكام تبعا لقواعد املذهب.املطلب الرابع: تفريق الأحكام دفعا للتهمة.

املطل��ب اخلام�س: تفري��ق الأحكام رفعا لل�رصر اأو جلبا مل�ص��لحة معتربة.

املطلب األول

تفريق األحكام الختالف املدارك وتعارض األدلة

اإن من اأقوى الأ�ص��باب التي اعتمد عليه��ا الفقهاء يف العمل بهذه النظري���ة، ه�و اختاف املدارك، وتعار�س الأ�ص��ول يف امل�ص��األة الواح��دة، فاأرادوا -رحمهم اهلل- اأن يراعوا الأ�ص��لني، ويعملوا الدليلني، فكانت النتيجة هي تبعي�س الأحكام وتفريقها على هذا

النحو.واأ�صل العمل بهذا ال�ص��بب: ق�صاء النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- يف ق�ص��ة وليدة زمعة؛ فاإنه ملا تعار�صت الأ�ص��ول فيها، واقت�صى كل اأ�ص��ل حكما يغاير احلكم الذي يقت�صيه الأ�صل الآخر، جمع النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- بني الأ�ص��ول، وق�صى مبقت�صاها جميعها، وفرق الأحكام، فاأثبت الن�صب لزمعة؛ عما بالفرا�س،

Page 60: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

60

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

واأمر �ص��ودة -ر�ص��ي اهلل عنها- بالحتجاب منه؛ عما بال�صبه، كما �صبق بيانه.

قال ال�صيخ ابن دقيق العيد -رحمه اهلل-: »الفرا�س مقت�س لإحلاقه بزمعة، وال�صبه البني مقت�س لإحلاقه بعتبة، فاأعطي الن�صب مبقت�صى الفرا�س واأحلق بزمعة، وروعي اأمر ال�ص��به باأمر �صودة بالحتجاب ، فلم ميح�س اأمر الفرا�س منه، فاأعطي الفرع حكم��ا بني حكمنيفتثب��ت املحرمي��ة بينه وبني �ص��ودة، ول روعي اأمر ال�ص��به مطلقا فيلتح��ق بعتبة، قالوا: وهذا اأولى التقديرات؛ ف��اإن الفرع اإذا دار بني اأ�ص��لني فاأحلق باأحدهما مطلقا، فقد اأبطل �صبهه الثاين من كل وجه، وكذلك اإذا فعل بالثاين وحم�س اإحلاقه به، كان اإبطال حلكم �صبهه بالأول، فاإذا اأحلق بكل واحد منهما من وجه، كان اأولى من

اإلغاء اأحدهما من كل وجه«)1(.ومن ثم فقد اعتمد الفقهاء -رحمهم اهلل على اختاف مذاهبهم- هذا ال�ص��بب يف العمل به��ذه النظرية، وفرقوا ب��ه بني الأحكام، ون �ص حتى فقهاء ال�ص��يعة الإمامية -رحمهم اهلل-، وجدناهم يبعالأحكام يف فقههم يف كثري من امل�صائل؛ عما بهذا ال�صبب، وقد مر ذكر القاعدة عندهم يف ]العمل بالأ�صلني املتعار�صني[، وفيها اأن »العمل بالأ�ص��لني املتنافيني واقع يف كثري من امل�ص��ائل« ومنها مثا، ما لو طلق الرجل زوجته، ثم ادعى اأن عدتها قد انق�ص��ت، لكنها اأنك��رت ذلك، وادعت اأنها ل تنق�س بع��د، فقالوا: يعمل بالأ�ص��لني معا، فيجب عليه الإنفاق؛ عم��ا بقولها، وله التزوج

باأختها اأو بخام�صة؛ عما بقوله)2(. ����ا م��دى وق��د ات�ص��ح م��ن خ����ال الع��ر���س ال�ص�����ابق اأي�صاإع��م����ال املالكي�ة -رحمه�م اهلل- لاأ�ص��لني املتعار�ص��ني معا، حتى اعترب ذلك اأ�ص��ا من اأ�ص��ولهم، ا�صطلحوا على ت�صميته ب�: «، وبنوا عليه جملة »مراع��اة اخلاف«، اأو: »احلكم بني حكمنيمن الأحكام لي�صت بالقليلة، والتي اإن تتبعناها لوجدنا اأكرثها من

تطبيقات هذه النظرية، اأعني نظرية تفريق الأحكام.

إحكام األحكام 2/ 70، 71. )1(القواعد والفوائد، للشهيد األول 1/ 308. )2(

وا عليه يف م�صاألة امل�صبوق، واأن ما ومن اأمثلة ذلك عندهم: ما ن�صفاته من ال�صاة هل هو ق�صاء اأو اأداء؟ وهي م�صاألة خمتلف فيها بني فقهاء املذاهب -رحمهم اهلل-، و�ص��بب اخل��اف فيها: تعار�س الروايتني يف حديث اأبي هريرة - ر�صي اهلل عنه- عن النبي -�صلى اهلل عليه و�ص��لم- اأنه قال: »اإذا اأقيمت ال�صاة فا تاأتوها ت�صعون، واأتوها مت�ص��ون عليكم ال�ص��كينة، فما اأدركتم ف�صلوا، وما فاتكم فاأمت��وا«)1(، ويف رواية: اأنه -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- قال: »وما فاتكم فاق�ص��وا«)2(، والإمتام يقت�صي اأن يكون ما اأدرك مع الإمام هو اأول �صاته، والق�صاء يقت�صي اأن يكون ما اأدرك مع الإمام هو

اآخر �صاته)3(، ومن ثم اختلف الفقهاء يف العمل باأيهما:فتم�صك فقهاء ال�صافعية بقول النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم-: »وما فاتكم فاأمتوا«، وقالوا: اإن ما اأدركه امل�ص��بوق من �صاة اجلماعة، هو اأول �ص��اته فعا وحكم��ا، وما ياأتي به بعد ال�ص��ام هو اأداء لآخر �صاته، ل ق�صاء ملا فات، وعلى هذا ن�س جمع من ال�صلف، ك�صعيد بن امل�صيب، واحل�ص��ن الب���ص��ري، وعط���اء، وع�م�ر بن ، والأوزاعي، وهو رواية عن ه��ري عبد العزيز، ومكحول، والز

مالك واأحمد -رحمهما اهلل-، وعليه ن�س فقهاء الإمامية)4(. ووج��ه الدللة م��ن قوله: »ما فاتك��م فاأمتوا«: اأن اإمتام ال�ص��يء ل

يكون اإل بعد تقدم اأوله وبقية اآخره)5(. وذهب ال�ص��يخان من احلنفية -اأبو حنيفة واأبو يو�ص��ف رحمهما اهلل- اإلى القول اإن ما اأدركه امل�ص��بوق مع الإمام هو اآخر �ص��اته حكما، واإن كان اأولها حقيقة، وما ياأتي به بعد ال�ص��ام هو اأولها

أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب: األذان/ باب: ال يسعى إلى الصالة وليأت )1(بالسكينة والوقار، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الصالة/ باب: استحباب

إتيان الصالة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعيا، واللفظ ملسلم. أخرجها أحمد في مس��نده في مس��ند أبي هريرة 2/ 238، وأخرجه ابن خزمية )2(في صحيحه، كتاب: اإلمامة في الصالة/ باب: األمر بالس��كينة في املشي إلى الص��الة والنهي عن الس��عي إليها، حديث رقم )1505(، وقد اس��توعب الزيلعي

طرقه وذكرها في نصب الراية )نصب الراية: 2/ 242، 243(. بداية املجتهد 1/ 151. )3(

بداي��ة املجتهد 1/ 151، املجم��وع 4/ 220، مغني احملت��اج 1/ 260، املغني 3/ )4(160، اخلالف، للشيخ الطوسي 1/ 413 ط. مؤسسة النشر اإلسالمي- قم- سنة

1407ه�، حتقيق: سيد علي اخلراساني، وسيد جواد شهرستاني وآخرون.املجموع 4/ 221. )5(

Page 61: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

61

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

حكم��ا، واإن كان اآخرها حقيق��ة، واحتج ملذهب��ه برواية: »وما فاتكم فاق�صوا«.

ووج��ه الدلل��ة من ه��ذه الرواية: اأنه -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- ى من الفائت، والفائت اأمر بالق�ص��اء فيها، والق�صاء ا�ص��م ملا يوؤداأول ال�ص��اة، فكان ما يوؤديه امل�ص��بوق ق�ص��اء ملا فات��ه، وهو اأول

ال�صاة)1(.ا- عند املالكية، وظاهر املذهب عند وهذا القول هو رواية -اأي�ص

احلنابلة)2(. فالوا�ص��ح من هذين القولني اأن اأ�صحاب كل قول رجحوا العمل برواي��ة، وترك��وا العم��ل بالرواي��ة الأخرى، لرتجيحات ن�ص��وا

عليها.لك��ن فقه��اء املالكية -رحمهم اهلل- يف ال�ص��حيح امل�ص��هور من مذهبهم جمعوا يف هذه امل�ص��األة بني العمل بالأ�ص��لني معا -وفق ، ما تقت�صيه اأ�صولهم-، فذهبوا يف امل�صاألة اإلى حكم بني حكمنيوا على اأن ما اأدركه امل�صبوق هو �صوها، فن�ص وفرقوا الأحكام وبعاأول �ص��اته يف الأفع��ال، واآخرها يف الأق��وال -يعني القراءة-، فيقراأ يف الق�ص��اء بعد ال�صام بال�ص��ورة بعد الفاحتة التي ي�صتحب ، وهذا عمل بالأ�ص��لني مع��ا، حيث حملوا قراءته��ا يف الأوليني

الق�صاء على الأقوال، والأداء على الأفعال)3(.ول �ص��ك اأن هذا تفريق وا�ص��ح لاأحكام؛ حيث جعلوا ال�صاة

الواحدة بع�صها اأداء، وبع�صها الآخر ق�صاء، وهو عني التبعي�س.وهذا ما دفع ابن ر�ص��د -رحم��ه اهلل- )ت: 595ه�( اإلى القول بت�ص��عيف هذا القول، حي��ث قال: »ومن ذه��ب مذهب اجلمع جعل الق�صاء يف الأقوال، والأداء يف الأفعال، وهو �صعيف، اأعني

اأن يكون بع�س ال�صاة اأداء، وبع�صها ق�صاء«)4(. اأيا كان الأمر، وعلى اأي حال كان الرتجيح يف امل�صاألة، فاإننا ههنا

بدائع الصنائع 1/ 247 وما بعدها. )1(بداية املجتهد 1/ 151، املغني 3/ 160. )2(

التمهيد 20/ 234، بداية املجتهد 1/ 151، الفواكه 1/ 208، حاش��ية الدسوقي 1/ )3( .346

بداية املجتهد 1/ 151. )4(

ل�صنا ب�صدد ترجيح راأي على راأي، واإنا موطن ال�صاهد يف امل�صاألة هو بيان التفريق الواقع يف الأحكام، واإبراز �صببه.

قال ال�صيخ الد�ص��وقي -رحمه اهلل- )ت: 1230ه�( يف حا�صيته عل��ى »ال�رشح الكب��ري« يف التعليق على ال�ش��يخ الدردير -رحمه اهلل- )ت: 1201ه�( يف قوله: »وق�ص��ى القول وبنى الفعل« ما ن�ص��ه: »اأي: اأنه يفعل الفعل كفعل الباين امل�ص��لي وحده، وذهب اأبو حنيفة: اإلى اأنه يق�صي القول والفعل، وذهب ال�صافعي اإلى اأنه يبن��ي فيهما، ومن�ص��اأ اخلاف: خرب »اإذا اأتيتم ال�ص��اة فا تاأتوها واأنتم ت�ص��عون، واأتوها وعليكم ال�ص��كينة والوق��ار، فما اأدركتم ف�ص��لوا، وما فاتكم فاأمتوا«، وروي: »فاق�ص��وا«، فاأخذ ال�صافعي برواي��ة: »فاأمتوا«، واأخ��ذ اأبو حنيفة برواية: »فاق�ص��وا«، وعمل مالك بكليهما؛ لقاعدة الأ�صوليني واملحدثني: »اإذا اأمكن اجلمع ب��ني الدليل��ني جمع«، فحم��ل رواي��ة: »فاأمتوا«، عل��ى الأفعال، ورواية: »فاق�صوا« على الأقوال، فاإذا اأدرك اأخرية املغرب: فعلى مذهب ال�صافعي: ياأتي بركعة باأم القراآن و�صورة جهرا، ويجل�س، ث��م بركعة باأم القراآن فقط ويت�ص��هد، وعلى م��ا لأبي حنيفة: ياأتي بركعتني باأم القراآن، و�صورة جهرا، ول يجل�س بينهما؛ لأنه قا�س فيهم��ا قول وفع��ا، واأما على م��ا ملالك: ياأتي بركعت��ني بالفاحتة

و�صورة فيهما، ويجل�س بينهما«)1(. ��ا حممد بن احل�ص��ن -رحمه اهلل- يف رواية عنه وكذا وجدنا اأي�ص���س الأحكام فيه��ا من جهة يخالف ال�ص��يخني يف امل�ص��األة ويبعاأخ��رى، فبعد اأن ن�س ال�ص��يخان فيها على اأنه قا���س يف الأقوال والأفعال من كل وجه، خالف حممد فاعترب ما ي�صلي امل�صبوق مع الإمام هو اآخر �صاته يف القراءة والقنوت، واأول �صاته يف حكم القعدة، ون�س على اأن ما اأدرك امل�صبوق مع الإمام هو اأول �صاته حقيقة وحكما، وما يق�صي هو اآخر �صاته حقيقة وحكما، كما هو مذهب ال�ص��افعية، اإل يف حق ما يتحمل��ه الإمام عن املاأموم،

كالقراءة؛ فاإنه فيها يعترب اآخر �صاته)2(.

حاشية الدسوقي 1/ 346. )1(املبسوط 1/ 190، بدائع الصنائع 1/ 147، 148. )2(

Page 62: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

62

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

وفائ��دة اخل��اف بني حمم��د وال�ص��يخني تظهر يف ح��ق القنوت واال�شتفتاح:

فعلى قول ال�شافعية ومن وافقهم: ياأتي باال�شتفتاح عقيب تكبرية الإحرام مبا�رصة، ل فيما يق�ص��ي؛ لأن ذلك هو اأول �صاته حقيقة وحكم��ا، وكذا عن��د حممد -رحمه اهلل-؛ الأن اال�ش��تفتاح ما ال يتحمله الإم��ام عن املاأموم، فكانت الركعة املدركة مع الإمام هي

اأول �شلته يف حق اال�شتفتاح، فياأتي به هناك. واأما القنوت: فاإنه ياأتي به ثانيا يف اآخر ما يق�صي يف قول ال�صافعية؛ لأنه اآخر �صاته، وما اأتى به مع الإمام اأتى بطريق التبعية، واإن كان يف غ��ري حمله، فا ب��د واأن ياأتي به بعد ذل��ك يف حمله، وعلى قول ا، كما هو حممد: كان ينبغي اأن ياأتي به ثانيا يف اآخر ما يق�صي اأي�صمذهب ال�صافعية، ومع هذا قال: ل ياأتي به امل�صبوق ثانيا؛ لأنه اأتى به مرة مع الإمام -ولو اأتى به يف غري حمله-، فا ياأتي به ثانيا؛ لأنه ي��وؤدي اإلى تكرار القنوت، وهو غري م�رصوع يف �ص��اة واحدة، وهذا بخاف الت�ص��هد؛ حيث ياأتي به اإذا ق�صى ركعة -واإن كان اأتى به مع الإم��ام يف غري حمله-؛ لأنه واإن اأدى اإلى التكرار، لكن

التكرار يف الت�صهد م�رصوع يف �صاة واحدة.واأما على قول اأبي حنيفة واأبي يو�ش��ف: فاإنه ال ياأتي باال�ش��تفتاح فيما اأدرك مع الإمام، بل فيما يق�ص��ي؛ لأنها اأول �صاته حكما، ول ياأتي بالقنوت فيما يق�صي؛ لأنه اأتى به مع الإمام يف حمله؛ لأن ذاك اآخر �ص��اته حكما، وما يق�ص��ي اأول �صاته، وحمل القنوت

اآخر ال�صاة ل اأولها)1(.وال�صبب الذي من اأجله فرق حممد بن احل�صن بني الأحكام ههنا: هو تعار�س الأ�ص��ول يف امل�ص��األة، فاأراد -رحم��ه اهلل- اأن ياأخذ

باالحتياط فيها، فجمع يف العمل بن كل االأ�شول.قال ال�رصخ�ص��ي -رحم��ه اهلل- )ت: 483ه�( يف »املب�ش��وط«: »لكن حمم��دا -رحمه اهلل تعالى- جعله يف حك��م القراءة هكذا احتياط��ا؛ حتى تلزمه القراءة فيما يق�ص��ي؛ لأن القراءة مكررة يف �صاة واحدة، وكذلك يف حكم القنوت؛ لأنه ل يتكرر يف �صاة

بدائع الصنائع بتصرف 1/ 248. )1(

واحدة، فلو جعلنا ما يوؤديه مع الإمام اأول ال�صاة، للزمه القنوت فيما يق�صي، فيوؤدي اإلى تكرار القنوت يف �صاة واحدة، فاأما يف حكم القعدة: فتتم ال�ص��اة بقع��دة يف ركن، ولن يكون ذلك اإل بعد اأن يجعل ما يوؤديه مع الإمام اأول ال�صاة، فلهذا قعد اإذا �صلى

ركعة«)1(. ��ا عند احلنفية: م��ا ذهب اإليه حممد بن احل�ص��ن ونظ��ري ذلك اأي�ص-رحم��ه اهلل- يف م�ص��األة اإدراك اجلمعة، وهل ت��درك بركعة فما فوقه��ا، اأو يج��وز اأن ت��درك باأقل م��ن الركعة: اختل��ف الفقهاء

-رحمهم اهلل- يف ذلك؛ لتعار�س الأدلة يف امل�صاألة:فتم�ص��ك ال�ص��يخان من احلنفية بعموم قول النبي -�صلى اهلل عليه و�ص��لم-: »ما اأدركتم ف�ص��لوا، وما فاتكم فاق�ص��وا«، وقالوا: اإن �صاة اجلمعة تدرك باأي جزء مع الإمام، حتى لو اأدركه يف الت�صهد اأو يف �صجود ال�صهو، اأمتها جمعة، وعليه ن�س فقهاء الظاهرية)2(. ووجه الدللة من احلديث املذكور: اأنه -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- اأمره باأن ي�ص��لي مع الإمام ما اأدرك، وعم ر�ص��ول اهلل -�صلى اهلل عليه و�ص��لم -، ول يخ���س الإدراك بركعة كامل��ة اأو باأقل منها،

و�صماه يف جميع الأحوال مدركا ملا اأدرك من ال�صاة)3(.قالوا: ولأنه -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- اأمره بق�صاء ما فات، وهو ال��ذي �ص��اه الإمام قبل القتداء به ل �ص��اة اأخ��رى، فدل على

اإدراكه للجمعة باأي جزء اأدرك)4(. وذهب فقهاء املالكية وال�ص��افعية واحلنابل��ة والإمامية -رحمهم اهلل- اإلى القول اإن اجلمعة ل تدرك اإل بركعة فما فوقها، فلو اأدرك اإمامه يف رك��وع الثانية وركع معه، متت له جمعة، ويق�ص��ي بعد �صام اإمامه ركعة واحدة، اأما لو اأدركه بعد الركوع الثاين فما بعده، اأمتها ظهرا من كل وجه، ولزمه اأن ي�صلي بعد �صام اإمامه اأربعا)5(.

املبسوط 1/ 190. )1(املبس��وط 2/ 35، تبيني احلقائق ش��رح كنز الدقائق، للزيلع��ي 1/ 222 ط. دار )2(

الكتاب اإلسالمي- القاهرة- سنة 1313ه�، احمللى 5/ 73، 74. احمللى 5/ 74. )3(

تبيني احلقائق 1/ 222. )4(املدون��ة 1/ 147، األم 1/ 182، املجم��وع 4/ 555، املغني 3/ 26، 27، اخلالف )5(

للطوسي 1/ 622.

Page 63: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

63

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

واحتج اأ�ص��حاب هذا القول بحديث اأبي هريرة اأن النبي -�صلى اهلل علي��ه و�ص��لم- قال: »م��ن اأدرك ركعة من ال�ص��اة فقد اأدرك ال�صاة«)1(، ويف رواية: »من اأدرك ركعة من اجلمعة فلي�صل اإليها

اأخرى«)2(.قال ال�صافعي -رحمه اهلل-: »معناه: ل تفته تلك ال�صاة، ومن ل

تفته ال�صاة -اأي: اجلمعة- �صاها ركعتني«)3(. وقال ابن عبد الرب -رحمه اهلل- )ت: 463ه�(: »يف هذا احلديث ا: اأن من اأدرك ركعة من اجلمعة اأ�صاف اإليها اأخرى من الفقه اأي�صف�ص��لى ركعت��ني، ومن ل يدرك منها ركعة، �ص��لى اأربعا؛ لأن يف ق��ول��ه -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم-: »من اأدرك ركعة من ال�ص��اة فقد اأدرك ال�ص��اة«، دليا على اأن من ل ي��درك منها ركعة، فلم

يدركها، ومن ل يدرك اجلمعة �صلى اأربعا«)4(. وتو�ص��ط حممد بن احل�صن -رحمه اهلل- و�صلك م�صلك اجلمع بني الأدلة؛ احتياطا، كما هي عبارة الكا�صاين -رحمه اهلل- حيث قال: »ثم مع هذه االأدلة ي�ش��لك حممد -رحمه اهلل- م�شلك االحتياط؛ لتعار���س الأدلة«، فاأوجب على م��ن اأدرك الإمام يف اجلمعة بعد الرك��وع الثاين اأن يتمها اأربعا، وجع��ل ذلك جمعته، ول ميح�س ��ا، بل اعتربها ظهرا من وجه، وجمعة من هذه الأربعة ظهرا حم�صوجه اآخر، فبالنظر اإلى كونها ظهرا اأوجب اأربع ركعات، وبالنظر اإلى كونها جمعة اأوجب قراءة الفاحتة يف الأربع، حتى يف ال�ص��فع ب؛ لأن القراءة يف ال�صفع الثاين ا ل جت الثاين، ولو كانت ظهرا حم�ص��ا القعدة بعد من الرباعية عندهم لي�ص��ت واجبة)5(، واأوجب اأي�ص��ا الثنتني -كما يف رواية الطحاوي عنه-، ولو كانت ظهرا حم�صملا اأوجبها؛ لأن القعدة الأولى يف الرباعية لي�ص��ت بواجبة، ففرق

أخرج��ه البخاري في صحيحه، كت��اب: مواقيت الصالة/ ب��اب: من أدرك من )1(الصالة ركعة، ومس��لم في صحيحه، كتاب: الصالة/ باب: من أدرك ركعة من

الصالة. أخرجه أبو داود في س��ننه، كتاب: الصالة/ باب: م��ن أدرك من اجلمعة ركعة )2(حديث رقم )1121(، والترمذي في سننه، كتاب: أبواب اجلمعة/ باب: فيمن يدرك

من اجلمعة ركعة، حديث رقم )523( وقال: »حديث حسن صحيح«. األم 1/ 182، املجموع 4/ 556. )3(

التمهيد 7/ 70. )4(بدائع الصنائع 1/ 160. )5(

-رحمه اهلل- ههن��ا بني الأحكام؛ حيث اعت��رب الأربع ظهرا من وجه، وجمعة من وجه اآخر؛ احتياطا لتعار�س الأدلة)1(.

قال الكا�ص��اين -رحمه اهلل-: »فكاأن حممدا -رحمه اهلل- �صلك طريق��ة االحتياط؛ لتعار�ض االأدلة علي��ه، فاأوجب ما يخرجه عن

الفر�س بيقني، جمعة كان الفر�س اأو ظهرا«)2(. ��ا ما ن���س عليه فقهاء وم��ن تفريق الأح��كام لتعار�س الأدلة اأي�صال�ش��افعية -رحمهم اهلل- م��ن اأنه لو تزوج ام��راأة ب�رشط البكارة فوجده��ا ثيبا، فادعت اأنه ه��و الذي اأزالها بوطئ��ه، وادعى اأنها كانت ثيبا، فاإنه يعم��ل بادعائهما معا، بحيث يقبل قولها بيمينها يف حق دفع الف�ص��خ، ويقبل قوله بيمينه يف حق ت�ص��طري املهر اإذا

وقع ذلك قبل الوطء)3(. وهذا تبعي���س ظاهر لاأحكام، و�ص��ببه تعار�س الأ�ص��لني، ومنه ��ا عند ال�ص��افعية ما ن�ص��وا عليه من اأنه لو ادعت املطلقة ثاثا اأي�صاأن زوجها الثاين املحلل اأ�صابها وفارقها وانق�صت عدتها، واأنكر املحل��ل ذلك، فاإن��ه يعمل بقولهم��ا معا، فت�ص��دق بيمينها حللها لل��زوج االأول؛ الأنها موؤمتنة على العدة، وبينة الوطء متعذرة، وال ت�صدق يف حق ا�صتقرار املهر على املحلل؛ عما باإنكاره)4(، وهذا

تبعي�س لاأحكام كان ال�صبب فيه تعار�س الأ�صلني.

املطلب الثاني

تفريق األحكام احتياطا ألمر معتبر شرعا

اإن من اأبرز الأ�صباب التي دفعت الفقهاء -رحمهم اهلل- اإلى العمل بهذه النظرية، هو العمل بالورع واالأخذ باالحتياط، وال�ش��ند يف ��ا: ق�ص��اء النبي -�صلى اهلل عليه و�ص��لم- يف ابن وليدة ذلك اأي�صزمعة، فاإنه -�ش��لى اهلل عليه و�ش��لم- بعد اأن ن�شبه لزمعة، احتاط

املبسوط 2/ 35، بدائع الصنائع 1/ 267، مجمع األنهر 1/ 171. )1(بدائع الصنائع 1/ 267. )2(

روضة الطالبني 5/ 519، األشباه والنظائر للسيوطي ص467. )3(مغني احملتاج 3/ 206، األشباه والنظائر للسيوطي ص467. )4(

Page 64: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

64

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

فاأمر �صودة -ر�صي اهلل عنها- بالحتجاب منه؛ ملا راأى من �صبهه بعتبة، وال �شك اأن العمل باالحتياط اأمر معترب �رشعا.

ق��ال احلافظ زين الدين العراق��ي -رحمه اهلل- )ت: 806ه�( يف »�رشح التقريب«: »اأمرها بذلك على �ش��بيل االحتياط والتنزه عن ال�ص��بهة؛ لأنه يف ظاهر ال�رصع اأخوها؛ لأن��ه اأحلق باأبيها، لكن ملا راأى ال�ص��به البني بعتبة، خ�ص��ي اأن يكون من مائه، فيكون اأجنبيا

منها، فاأمرها بالحتجاب منه؛ احتياطا«)1(. وقال �ش��يخ االإ�ش��لم زكريا االأن�ش��اري -رحمه اهلل- يف »�رشح الرو���س«: »اإنا اأمر زوجته �ص��ودة بالحتجاب من��ه -واإن كان

اأخاها �رصعا- تورعا؛ لأجل �صبهه بعتبة«)2(. ا �صنيع الإمام البخاري -رحمه اهلل-؛ حيث ومما يوؤكد ذلك اأي�صذكر هذا احلديث يف اأكرث من مو�صع من ال�صحيح، ترجم لأحدها

بقوله: »باب: تف�صري امل�صبهات«، وذكر فيه حديث الباب)3(. ومن ثم فقد اعتمد الفقهاء -رحمهم اهلل- هذا ال�صبب يف تفريق الأح��كام، ووجدناهم -رحمهم اهلل- يفرقون الأحكام يف كثري

من امل�شائل بدافع االحتياط.ومن ذلك م�ص��األة »املتحرية«، وهي املراأة امل�صتحا�ص��ة التي تتابع ن��زول الدم عليها، مع كونها نا�ص��ية لعادتها ق��درا ووقتا لغفلة اأو ت ة«؛ لأنها حري ��ا »حمري اآفة اأو جنون اأو غري ذلك، وت�ص��مى اأي�ص

الفقهاء يف اأمرها.ومبنى اأحكامه��ا يف الفقه عند جمهور الفقه��اء على االحتياط؛ اإذ م��ا من زمان مي��ر عليها اإل ويحتمل احلي���س والطهر، فاأخذوا ��ا يف اأمور، ��وا اأحكامه��ا، واعتربوه��ا حائ�ش �شج باالحتي��اط وبعم�صتحا�ص��ة يف اأمور اأخرى، فاعتربوها يف حق ال�صاة املفرو�صة م�شتحا�شة، بحيث تب عليها ال�شلة، واعتربوها يف حق الوطء ��ا، بحي��ث يحرم على زوجه��ا جماعها، وعلى واجلماع حائ�صه��ذا ن�س جمه��ور الفقهاء من احلنفية وال�ص��افعية -يف م�ص��هور

طرح التثريب 7/ 121. )1(أسنى املطالب 2/ 322. )2(

ينظر: صحيح البخاري، كتاب: البيوع/ باب: تفسير املشبهات. )3(

مذهبهم- وفقهاء الإمامية -يف قول عندهم-)1(. وق��د اأ�ص��ار الإمام ال�ص��يوطي -رحم��ه اهلل- اإلى ذل��ك يف اأحد ال�صوابط املجموعة يف »الأ�صباه«، فقال: »حيث اأبيحت ال�صاة اأبي��ح الوطء، اإال يف املتحرية، والتي انقط��ع دمها ومل تد ماء وال

ترابا، ت�صلي ول توطاأ«)2(. ول يقت�رص تبعي�س اأحكام املتحرية عند منعها من اجلماع فح�صب، بل امتدت دائرة التبعي�س لت�ص��مل اأحكاما ع��دة، فاأوجبوا عليها ال�صاة املفرو�ص��ة، ومنعوها من النوافل يف قول، وحرموا عليها م�س امل�ص��حف، وق��راءة القراآن خ��ارج ال�ص��اة، ول يحرموها يف قراءة الفاحتة يف ال�ص��اة، واأوجبوا عليها �ص��يام �صهر رم�صان كاما، ويح�صب لها منه ع�رصة اأيام، وتطالب باإعادة ع�رصين يوما عند احلنفي��ة -على اعتبار اأن اأكرث احلي�س عندهم ع�رصة اأيام، وما زاد على الع�رصة فا�صتحا�ص��ة-، ويح�ص��ب له منها عند ال�ص��افعية خم�ص��ة ع�رص يوما -عل��ى اعتبار اأن اأكرث احلي�س عندهم خم�ص��ة

ع�رص يوما-.. اإلى غري ذلك من اأحكامها التي ن�صوا عليها)3(. ��ا -اأعني م�ش��لك االحتياط- �شار فقهاء وعلى هذا امل�ش��لك اأي�شاحلنابل��ة -رحمه��م اهلل- م��ع املبتداأة الت��ي بداأ به��ا احلي�س ول تكن حا�ص��ت قبله، فقال اخلرقي -رحم��ه اهلل- يف »خمت�رصه«: »واملبتداأة بها الدم حتتاط«)4(، فبنوا اأحكامها على االحتياط الأمر ��ا يف �صاأن اجلماع، م�صتحا�صة يف �صاأن العبادة، فاعتربوها حائ�صالعبادة املفرو�صة، فقالوا: جتل�س يوما وليلة وتغت�صل وتتو�صاأ لكل �صاة وت�صلي، فاإن انقطع دمها لأكرث احلي�س فما دون -اأي: يف خم�صة ع�رص يوما فما دونها- اغت�صلت غ�صا ثانيا عند انقطاعه، و�صنعت مثل ذلك يف ال�صهر الثاين والثالث، فاإن كانت اأيام الدم

البح��ر الرائ��ق 1/ 364 وما بعده��ا، املجموع مع امله��ذب 2/ 433 وما بعدها، )1(القواع��د والفوائد للش��هيد األول 1/ 308، نهاية اإلحكام ف��ي معرفة األحكام، للحلي 1/ 146، 147 ط. مؤسسة إمساعيليان- قم- الطبعة الثانية سنة 1410ه�،

حتقيق: السيد مهدي رجائي. األشباه والنظائر ص679. )2(

البحر الرائق 2/ 433 وما بعدها، فتح العزيز 2/ 491 وما بعدها، روضة الطالبني )3(1/ 265، األشباه والنظائر للسيوطي ص429، 430.

مختصر اخلرقي مع املغني 1/ 451. )4(

Page 65: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

65

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

يف الأ�ص��هر الثاثة مت�صاوية، �ص��ار ذلك عادة لها، وعرفت اأنها كانت حي�صا، فيجب عليها ق�صاء ما �صامت من الفر�س؛ لأنا تبينا ��امته يف زمن احلي�س، ومنهم من قال: جتل�س اأقل احلي�س، اأنها �صوقيل: غالبه، وقيل: اأكرثه، وقيل: عادة ن�ص��ائها)1(. هذا يف �ص��اأن العبادة، اأما يف �ص��اأن اجلماع، فق��د قال ابن قدامة -رحمه اهلل-: »ومتى اأجل�ص��ناها يوما وليلة، اأو �ص��تا اأو �ص��بعا اأو عادة ن�صائها، فراأت الدم اأكرث من ذلك، ل يحل لزوجها وطوؤها فيه حتى ينقطع ��ا احتمال اأو يتج��اوز اأكرث احلي���س؛ لأنه يحتمل اأن يكون حي�صظاهرا، واإنا اأمرناها بال�ص��وم فيه وال�صاة احتياطا؛ لرباءة ذمتها،

ا«)2(. فيجب ترك وطئها احتياطا اأي�صا عند الفقهاء ما ن�س عليه فقهاء ال�صافعية ومن تطبيقات ذلك اأي�صواحلنابلة -يف �ص��حيح املذهب عندهما- وبع�س فقهاء الإمامية على ج��واز ثبوت روؤية هال رم�ص��ان ب�ص��هادة الواحد، وعدم قبولها يف هال �ص��وال اإل من اثنني، وعل��ة تفريق الأحكام ههنا

هي االحتياط الأمر ال�شوم والعبادة)3(.قال النووي -رحمه اهلل- يف »املجموع« يف �صاأن هال رم�صان: »لأن��ه اإيجاب عبادة فقبل من واحد؛ احتياطا للفر�س«، وقال يف �ص��اأن هال �ص��وال: »ول يقبل يف هال الفطر اإل �صاهدان؛ لأنه

اإ�شقاط فر�ض، فاعترب فيه العدد؛ احتياطا للفر�ض«)4(.�س فقهاء ال�ص��افعية -رحمهم اهلل- ههن��ا الأحكام من جهة وبعاأخرى، فقالوا: اإن حمل ثبوت رم�ص��ان بعدل يف ال�صوم وتوابعه، ك�ص��اة الرتاويح والعتكاف والإحرام بالعمرة املعلقني بدخول رم�صان، ل يف غري ذلك كدين موؤجل ووقوع طاق معلق بدخول رم�صان، فا يقع اإذا ثبت ب�صهادة الواحد؛ لأن اإخبار العدل يفيد الظ��ن، ول يقوى على اإزالة اليقني، لكن قبل يف ال�ص��وم احتياطا

املغني452،451/1. )1(املغني 1/ 454. )2(

فت��ح العزي��ز 6/ 250، املجم��وع 6/ 275، املغني 4/ 240، 241، املعتبر ش��رح )3(املختصر، للحلي 2/ 686 ط. مؤسس��ة س��يد الش��هداء- قم- سنة 1364ه�، قواعد األحكام في معرفة احلالل واحلرام، للحلي 1/ 387 ط. مؤسس��ة النش��ر

اإلسالمي- قم- الطبعة األولى 1413ه�. املجموع 6/ 275. )4(

للعبادة)1(. واإل��ى ه��ذا التفريق ذه��ب اأبو حنيف��ة -رحم��ه اهلل- فن�س على قبول خرب الواحد يف هال رم�ص��ان اإذا كان بال�صماء علة من غيم ونحوه، ويف احلالة نف�صها ل يقبل خربه يف هال �صوال حتى ولو

كان بال�صماء علة)2(. وعل��ة هذا التفريق هي االحتياط الأمر العبادة -كما ذكرنا-، وقد ن�س على ذلك ال�رصخ�صي -رحمه اهلل-، فقال: »واأ�صار يف بع�س الن��وادر اإلى الفرق فقال: املتعلق بهال رم�ص��ان هو ال�رصوع يف العب��ادة، وخرب الواحد في��ه مقبول، كما لو اأخرب باإ�ص��ام رجل، واملتعل��ق بهال �ص��وال اخلروج م��ن العبادة، وذل��ك ل يثبت اإل

ب�صهادة رجلني، كما يف ال�صهادة على ردة امل�صلم.واأ�صار هنا اإلى فرق اآخر فقال: املتعلق بهال �صوال فيه منفعة للنا�س، وه��و الرتخ�س بالفط��ر، فيكون هذا نظري ال�ص��هادة على حقوق العباد، واملتعلق بهال رم�ص��ان حم�س حق ال�رصع، وهو ال�ص��وم ال��ذي هو عبادة يوؤخذ فيه��ا باالحتياط، فله��ذا يجكتفى فيه بخرب الواحد اإذا كان بال�ص��ماء علة، وهذا �صحيح على ما روى احل�صن عن اأبي حنيفة -رحمهما اهلل- اأنهم ي�صومون بخرب الواحد، ول يفط��رون اإذا ل يروا الهال واإن اأكمل��وا العدة ثاثني يوما بدون التيقن بان�ش��لخ رم�ش��ان؛ للأخ��ذ باالحتي��اط يف اجلانبن«)3(. وهذا امل�صلك الذي �صلكه احلنفية وال�صافعية ومن وافقهم ههنا من اإثبات هال بخرب واحد، وعدم اإثبات اآخر بنف�س اخلرب، ل يرت�صه ابن حزم -رحم��ه اهلل-، واعتربه من باب التناق�س يف الأحكام، فقال: »هذا تناق�س ظاه��ر«)4(؛ ومرد ذلك اإلى اأنه -رحمه اهلل- ل يتف��ق مع جمهور الفقهاء يف العمل بهذه النظرية؛ اعتمادا على

اأ�صول مذهبه. ��ا وجدن��ا الفقهاء يثبتون الن�ص��ب يف واإعمال لهذا ال�ص��بب اأي�صالنكاح الفا�ش��د، ويوجبون العدة على املراأة به؛ حمل له يف ذلك

مغني احملتاج 1/ 421، اإلقناع مع حاشية البجيرمي 2/ 325. )1(املبسوط 3/ 139، بدائع الصنائع 2/ 81. )2(

املبسوط 3/ 139. )3(احمللى 6/ 235. )4(

Page 66: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

66

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

على النكاح ال�ش��حيح، دون اأن يلحقوه بال�شحيح من كل وجه، فقطع��وا الت��وارث بينهما في��ه، ول يحلوا به امل��راأة للزوج الأول ال��ذي طلقها ثاث��ا، اإلى غري ذلك من الأح��كام التي يفارق فيها

الفا�صد ال�صحيح)1(. وا اأحكام النكاح الفا�شد، فاعتربوه كال�شحيح يف اأمور دون �شج فبعاأمور، وعلة هذا التبعي�ض هي االحتياط -كما �رشح به ابن قدامة

رحمه اهلل- يف قوله: »وكل ذلك احتياطا لها«)2(.ون�ض ال�رشخ�ش��ي -رحمه اهلل- يف »املب�ش��وط« يف »باب ادعاء الول��د« م��ن كت��اب »الدعاوى«-على عل��ة اإثبات الن�ص��ب يف النكاح الفا�ش��د، فقال: »الن�شب يثبت ب�ش��بهة النكاح اإذا ات�شل به الدخول، وهذه ال�ش��بهة تثبت بالنكاح الفا�ش��د تارة، وباإخبار املخرب اأنها امراأته تارة؛ لأن ال�ص��بهة تعم��ل عمل احلقيقة فيما هو

مبني على االحتياط، واأمر الن�شب مبني على االحتياط«)3(. وعلل املرغين��اين -رحمه اهلل- )ت: 593ه�( يف »الهداية« هذا التبعي�س بهذه العلة، فقال: »وعليها العدة اإحلاقا لل�صبهة باحلقيقة يف مو�ش��ع االحتياط، وحترزا عن ا�شتباه الن�شب.. ويثبت ن�شب ولدها؛ الأن الن�ش��ب يجحتاط يف اإثباته اإحي��اء للولد، فيرتتب على

الثابت من وجه«)4(.ومن م�شائل تفريق االأحكام للحتياط: ما ن�ض عليه فقهاء احلنفية من اأنه لو قال رجل لعبده: هذا ابني، وكان هذا اململوك ممن ي�صح اأن يكون ابنا له، باأن يت�ص��ور اأن يول��د مثله ملثله، وكان هذا العبد جمهول الن�ص��ب- فاإن الن�صب والعتق يثبتان معا، اأما اإن كان العبد معروف الن�ص��ب من الغري، فاإن الن�صب ل يثبت ل�صيده قطعا، لأن من �رشوط ثبوت الن�ش��ب يف اال�ش��تلحاق: اأن يكون امل�ش��تلحق جمهول الن�ص��ب، فلو كان معروفا ل يلح��ق. وملا ل يقبل قوله يف اإثبات الن�ص��ب، كان من املتوق��ع األ يقبل قوله يف العتق، فا يعتق عليه، لكن احلنفية -رحمه��م اهلل- اأجمعوا على تفريق الأحكام

بدائع الصنائع 2/ 335، املغني 9/ 152. )1(املغني 9/ 152. )2(

املبسوط 17/ 99، 100. )3(الهداية للمرغيناني مع شرح فتح القدير 3/ 245. )4(

ههنا، فن�ص��وا على اأن��ه يعتق عليه؛ احتياطا لأم��ر العتق الذي هو مندوب اإليه من ال�صارع)1(.

ونظ��ري ذلك عند ال�ص��افعية -رحمهم اهلل-: فقد ن�ص��وا على اأنه لو ا�ص��تلحق عبدا يف يده جمهول الن�ص��ب، وكان بالغا، و�ص��دقه العبد- فاإن العبد يلحقه ويعتق، اأما اإن كذبه العبد يف ا�ص��تلحاقه، مل يلحقه ومل يثبت ن�ش��به قوال واحدا؛ الأن من �رشوط اال�شتلحاق عندهم -كما �ص��بق ذكره- ت�صديق امل�ص��تلحق اإن كان بالغا، فلو كذب ل يح�ص��ل الإحلاق. وبع��د اأن قطعوا بعدم اللحوق، فرقوا الأحكام؛ احتياطا لأمر العتق؛ لأن ال�ص��ارع ندب اإليه، فقالوا يف

اأحد وجهني: يعتق العبد؛ موؤاخذة للمقر باإقراره)2(.

املطلب الثالث

تفريق األحكام تبعا ألصول املذهب وقواعده

لق��د كان من الأ�ص��باب التي دفعت الفقهاء للعم��ل بهذه النظرية ��ا مراعاته��م لأ�ص��ول وقواع��د مذاهبه��م، فتارة م��ا كانت اأي�صالأ�ص��ول والقواعد املذهبية تقت�ص��ي هذا التفريق، ففرق الفقهاء

الأحكام اتباعا لهذه القواعد والأ�صول.ومن اأبرز الأمثلة على ذلك: ما ذهب اإليه فقهاء احلنفية -رحمهم اهلل- يف »املفق��ود«؛ حي��ث بنوا احلكم فيه على ال�صت�ص��حاب، والقاعدة عندهم: اأن »ال�صت�ص��حاب معترب يف اإبقاء ما كان على م��ا كان، غري معت��رب يف اإثبات ما ل يكن ثابت��ا«، وعلى ذلك بنوا احلك��م يف املفق��ود؛ لأن ثب��وت حياته با�صت�ص��حاب احلال ما ل يظه��ر خاف ذلك، ومن ث��م: فاإن حكمه عنده��م: اأنه حي يف ��م ماله بني ورثته، ول تتزوج امراأته من حق نف�ص��ه، حتى ل يق�صغ��ريه، مي��ت يف حق غريه، حتى ل يرث هو م��ن قريبه اإذا مات، ففي المتناع من ق�ص��مة ماله بني ورثته، وتزويج امراأته من غريه،

البحر الرائق 4/ 380. )1(فتح العزيز 11/ 189. )2(

Page 67: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

67

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

اإبق��اء ما كان على ما كان، ويف توريثه من الغري اإثبات اأمر ل يكن ثابتا له، ومن ثم ل يثبت له)1(.

ه واأورد ال�رصخ�ص��ي -رحمه اهلل- �ص��ببا اآخر لهذا التفريق، ومردا اإلى القواعد والأ�صول- فقال: »ولأن حياته -اأي املفقود- اأي�صباعتبار الظاهر، والظاهر حجة لدفع ال�ص��تحقاق، ولي�س بحجة لا�ص��تحقاق، فا ي�ص��تحق به مرياث غريه، ويندفع به ا�صتحقاق

ورثته ملاله بهذا الظاهر«)2(.وهذا امل�ص��لك من احلنفي��ة تفريق ظاهر لاأح��كام؛ اإذ به اعتربوا املفقود حي��ا يف اأحكام، ميتا يف اأحكام اأخرى، ول ي�ص��لم ذلك

لهم اإل بهذه النظرية.قال الكا�صاين -رحمه اهلل-: »واأما حال املفقود: فعبارة م�صايخنا -رحمه��م اهلل- عن حاله: اأنه حي يف حق نف�ص��ه، ميت يف حق غريه، وال�ص��خ�س الواحد ل يكون حيا وميت��ا حقيقة؛ ملا فيه من ال�ص��تحالة، ولكن معن��ى هذه العب��ارة: اأنه جتري علي��ه اأحكام الأحي��اء فيما كان له، فا يورث مال��ه، ول تبني امراأته، كاأنه حي حقيق��ة، وجتري عليه اأحكام الأم��وات فيما ل يكن له، فا يرث

اأحدا كاأنه ميت حقيقة«)3(.��ا عند احلنفي��ة اختاف الأئم��ة الثاثة يف العمل وم��ن ذلك اأي�صب�صهادة القابلة على ا�صتهال الولد، ويف اأي �صيء تقبل �صهادتها، فكان اأب��و حنيفة -رحمه اهلل- يفرق اأحكامها، فيقبل �ص��هادتها على ال�ص��تهال يف اأم��ر دون اأمر، فمثا: لو ج��اءت املراأة بولد مي��ت، فقالت الورثة: ولدته ميت��ا، وقالت هي: كان حيا فمات، ثم جاءت القابلة و�صهدت على ال�صتهال- فعند ال�صاحبني اأبي يو�ص��ف وحممد -رحمهما اهلل-: يقبل قوله��ا يف حكم الإرث، وال�ص��اة عليه جميع��ا، واحتجا بحديث النبي -�ص��لى اهلل عليه

أصول السرخس��ي 2/ 225، 226 ط. دار الكتب العلمية- بيروت- سنة 1414ه� )1(حتقيق: أبو الوفاء األفغاني، املبسوط للسرخسي 11/ 34.

املبسوط 11/ 34، 35. )2(بدائع الصنائع 6/ 196. )3(

��لي عليه«)1(. قال: فقد و�صلم-: »اإذا ا�ص��تهل ال�صبي ورث و�صجمع له بني احلكمني، ثم اأحد احلكمني وهو ال�ص��اة عليه يثبت هن��ا ب�ص��هادة القابل��ة؛ لأن الرجال ل يطلعون عل��ى تلك احلالة،

فكذلك احلكم الآخر، جمعا بني احلكمني.وف��رق اأبو حنيفة -رحمه اهلل- الأحكام ههنا، فقال: يقبل قولها يف حق ال�ص��اة عليه فقط، ول يقبل يف حق الإرث، اإل ب�ص��هادة

رجلني اأو رجل وامراأتني.ومرد التفريق ههنا اإلى القواعد والأ�صول: لأن من اأ�صل اأبي حنيفة اأنه »ل تقبل �صهادة القابلة على ال�صتهال« اأ�صا؛ لأنه يكون بعد الولدة، فجاز اطاع الرجال عليه؛ اإذ هو �صوت ي�صمعه كل من ح�رص من الرجال، فا تكون �ص��هادة الن�صاء فيه حجة تامة، وكان الأ�ص��ل األ يتعلق ب�صهادتها عليه حكم اأ�ص��ل، لكن ال�صاة عليه م��ن اأمور الدين، وخ��رب الواحد حجة يف الديان��ات، اأما املرياث فهو من باب الأحكام، فا يثبت اإل بحجة كاملة، وذلك ب�صهادة

رجلني اأو رجل وامراأتني. وعندهم��ا: تقب��ل �ص��هادتها على ال�ص��تهال؛ لأن��ه يكون حال الولدة، فتعذر ح�ص��ور الرجال، فاأ�صبه الولدة، ومن ثم جمعوا

بني احلكمني)2(.وك��ذا من تفري��ق الأح��كام عند احلنفي��ة اعتمادا عل��ى القواعد والأ�ص��ول: التفريق الواقع يف كثري م��ن الفروع الفقهية املخرجة عل��ى قاعدة: »الإق��رار حجة قا���رصة على املق��ر ول يتعدى اإلى ج��وا عليه��ا كثريا من غ��ريه«، فهي قاع��دة مذهبي��ة عندهم خر

الفروع، منها:ما لو اأقرت جمهولة الن�صب بالرق لإن�صان، ولها زوج واأولد منه، وكذبها زوجها، فاإن اإقرارها يقبل يف حق نف�ص��ها خا�صة، فت�صري

أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: اجلنائز/ باب: ما جاء في الصالة على الطفل )1(حديث رق��م )1508(، وأخرجه احلاكم في املس��تدرك 4/ 348، 349 في كتاب: الفرائض/ باب: إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه، وقال: »هذا حديث صحيح على ش��رط الش��يخني ولم يخرجاه«، وللحديث طرق أخرى جمعها الزيلعي في

نصب الراية )2/ 328 وما بعدها(. أصول السرخسي 2/ 330، املبسوط 16/ 144، 17/ 166، 167، بدائع الصنائع )2(

1/ 302، البحر الرائق 2/ 330.

Page 68: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

68

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

اأمة لذلك الإن�ص��ان اإن �ص��دقها، ول يقبل يف حق الزوج بحيث ل يبطل نكاحه، ول يف حق الأولد، بحيث ل ي�ص��رتقون؛ عما

بهذا الأ�صل، وللقاعدة فروع اأخرى ذكروها)1(. ومن تفريق الأحكام عند ال�صافعية تبعا لأ�صول املذهب وقواعده ��ا- ما ن�س عليه ال�صافعية يف م�ص��األة: »ما لو اأقر اأخ ملجهول اأي�صالن�ص��ب اأن��ه ابن اأخيه امليت« ف��اإن قواعد املذهب عند ال�ص��افعية تقت�ش��ي اأنه ال يقبل اإقرار بن�شب فيه حتميل على الغري اإال ب�رشوط، منه��ا: اأن يك��ون امللحق به ميتا، ومنه��ا: اأن يك��ون املقر وارثا، فالأجنبي ل يثبت باإقراره ن�صب، حتى املحجوب، ومنها: اتفاق جمي��ع الورث��ة على ه��ذا الإقرار، اأو �ص��دوره م��ن وارث حائز

للرتكة)2(.وعلى �ص��وء ه��ذه القواعد والأ�ص��ول: فاإنه لو اأق��ر اأخ ملجهول الن�ش��ب اأنه ابن اأخيه امليت: فاإن الن�ش��ب يثبت؛ لتوافر ال�رشوط، لكن بقي اإ�صكال يف ا�صتحقاق املقر له لاإرث، فلو ورث حلجب املقر الذي هو عمه )اأخو اأبيه(، ولو �صار حمجوبا، ل يقبل اإقراره، ور، ومن ثم حل ال�صافعية هذا فيبطل الن�صب، فيف�صي ذلك اإلى الدالإ�ص��كال بتفريقهم لاأحكام، فقالوا: »يثبت ن�صبه ول حق له يف املرياث«، ففرقوا الأحكام حا لهذا الإ�ص��كال، وهذا هو القول ج وجها املن�صو�س عندهم، واإن كان ابن �رصيج -رحمه اهلل- خربثبوت الأمرين معا، املرياث مع الن�صب، جمعا بني الأحكام)3(.

��ا: وم��ن تفريق الأحكام عند ال�ص��افعية تبعا لقواعد املذهب اأي�صم��ا ن���س عليه الن��ووي -رحمه اهلل- يف »الرو�ص��ة« م��ن اأنه لو ادعى جمهول الن�ص��ب على اأخي امليت اأنه ابن امليت، فاأنكر الأخ ون��كل عن اليمني، فحل��ف املدعي اليمني املردودة- فاإن ن�ص��به يثب��ت بذلك، لكن بقي ا�ص��تحقاقه ل��اإرث وحجبه لأخي امليت كام يف املذه��ب مبني على اختافهم يف قاع��دة: »هل النكول

أصول الكرخي مع ذكر أمثلتها ونظائرها وشواهدها للنسفي ص369 مطبوع في )1(آخر كتاب أصول البزدوي ط. مطبعة جاويد- كراتشي- د.ت، األشباه والنظائر

البن جنيم ص302. روضة الطالبني 4/ 66. )2(

فتح العزيز 11/ 205، روضة الطالبني 4/ 68. )3(

ع��ن ميني الرد كالبين��ة اأو كالإقرار؟«، فاإن قيل: كالبينة، ا�ص��تحق الإرث وحجب الأخ، واإن قيل: كالإقرار، ففيه اخلاف ال�ص��ابق املذكور يف امل�صاألة ال�صابقة، م�صاألة اإقرار الأخ بابن للميت، وكان الأ�ص��ل اأن يثبت املرياث بثبوت الن�ص��ب، لكنهم فرقوا الأحكام

تبعا للقاعدة املذكورة)1(.

املطلب الرابع

تفريق األحكام دفعا للتهمة

وقد كان من الأ�صباب التي بها فرق الفقهاء الأحكام، دفع التهمة، كما هو م�ص��تفاد من تعلياتهم -رحمه��م اهلل- يف بع�س فروع

هذه النظرية.فمن ذل��ك -مثا- ما علل به الكا�ص��اين -رحم��ه اهلل- التفريق احلا�ص��ل يف ثبوت الهال بخرب الواحد، حيث اأجازوه يف هال رم�ص��ان اإن كان بال�صماء علة، ول يجيزوه يف هال �صوال، حتى ولو كان بال�ص��ماء علة، وقد �ص��بق بي��ان تعليل ال�رصخ�ص��ي لهذا التفري��ق باالحتياط الأم��ر العبادة، لكن الكا�ش��اين -رحمه اهلل- عل��ل ذلك يف »البدائع« بعلة مغاي��رة، فقال: »األ ترى اأنه ل يلزم ال�ص��اهد �صيء بهذه ال�صهادة -يعني ال�ص��هادة على الفطر- بل له فيه نفع، وهو اإ�شقاط ال�شوم عن نف�شه، فكان متهما، في�شرتط فيه العدد؛ نفيا للتهمة، بخاف هال رم�صان؛ فاإن هناك ل تهمة؛ اإذ

الإن�صان ل يتهم يف الإ�رصار بنف�صه بالتزام ال�صوم«)2(.ومن اأبرز امل�ص��ائل التطبيقية لهذا الأ�صل: م�صاألة »طاق الفار«، ا من وهي م�ص��األة: »الرج��ل اإذا اأبان زوجته يف مر���س موته فار��ا مر�س موت غلب علي��ه فيه الهاك، توريثه��ا«- فلو اأن مري�صاأبان امراأته طائعا خمتارا دون ر�ص��اها بذلك، ثم مات يف مر�ص��ه هذا، فاإن الأ�ص��ول تقت�صي اأنها ل ترثه؛ لأن �صبب التوارث وهو

روضة الطالبني 4/ 68، 69. )1(بدائع الصنائع 2/ 81. )2(

Page 69: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

69

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

الزوجي��ة قد انقطع بالطاق البائ��ن، ومن ثم فاإنه ل يرثها واحلالة ه��ذه اإذا ماتت قبله، فك��ذا ينبغي األ ترثه هي اإذا م��ات؛ لأنا اإذا اعتربن��ا الزوجية قائمة، فلتك��ن لهما جميع��ا، واإذا اعتربناها قد

انقطعت، فلنعتربها كذلك يف حقهما جميعا.وعل��ى هذا �ص��ار فقهاء ال�ص��افعية -رحمهم اهلل-، ون�ص��وا -يف

اجلديد- على انقطاع التوارث بينهما مطلقا)1(. �ص��وا ههن��ا الأحكام، لك��ن جمه��ور الفقهاء -رحمهم اهلل- بعفاأبان��وا الزوجة بهذا الطاق، لكنه��م اأثبتوا لها احلق يف املرياث؛ م��ع اأن املطلقة طاقا بائنا ل ترث، ولكنه��م حكموا بذلك دفعا ا من توريثها، فردوا للتهمة؛ فاإنه ملا طلق واحلال كذلك، اعترب فارعليه ق�ص��ده واأثبتوا لها املرياث؛ نفيا للتهمة كما هو م�ص��تفاد من

تعلياتهم -رحمهم اهلل- يف ذلك.لك��ن احلنفية اأوجبوا لها املرياث يف الع��دة فقط، بحيث لو مات بعد العدة، فا ترثه)2(، ومد احلنابلة الأمد اإلى اأن تتزوج)3(، وزاد املالكية -رحمهم اهلل- يف مد الأجل، فقالوا: ترث ولو تزوجت

ع�رصا بعده)4(. ا: ما ن�س عليه مالك -رحمه ومن تطبيقات ذلك عند املالكية اأي�صاهلل- م��ن اأنه لو نفى ولدا بلعان، ثم م��ات الولد عن مال، فرجع عاه، فينظ��ر: اإن كان للولد امليت ولد يرثه، قبل قول يف لعانه واداملاعن، فيلحقه الولد، وي�رصب احلد؛ لأنه اأكذب نف�صه، واأقر اأنه

كان قاذفا يف اللعان.واإن ل يكن للولد امليت ولد يرثه، فا عربة بقوله يف الن�صب؛ لأنه متهم يف طلب املرياث ف��ا يثبت رفعا للتهمة، واإنا يعترب يف حق

اإقامة احلد عليه.وه��ذا تفريق ظاهر لاأحكام مبناه ما ذكرناه من رفع التهمة، وقد

روضة الطالبني 6/ 67. )1(الهداية للمرغيناني مع شرح فتح القدير 4/ 2، 4. )2(

املغني 8/ 630، 631، كش��اف القناع للبهوتي ش��رح اإلقناع للش��يخ موس��ى )3(احلجاوي 4/ 579 ط. دار الكتب العلمية- بيروت- الطبعة األولى 1418ه�.

الش��رح الصغير لسيدي أحمد الدردير مع بلغة السالك ألقرب املسالك، للشيخ )4(أحم��د الصاوي 2/ 783 ط. الدار الس��ودانية للكتب- اخلرطوم- الطبعة األولى

1418ه�- 1998م.

عل��ل يف »املدونة« بذلك، ففيها: »ل��و اأن رجا اأنكر ولده فنفاه بلعان، ثم مات الولد عن مال فادعى املاعن الولد بعد ما مات- قال ابن القا�ص��م: ل اأدري اأ�صمعته من مالك �صماعا، اأو بلغني عن ب احل��د، وحلق به؛ لأن مال��ك اأنه ق��ال: اإن كان لولده ولد، �رصله ن�ص��با يلحق به. قال ابن القا�ص��م: واإن ل يكن له ولد، فا يقبل

قوله؛ لأنه يتهم بوراثته، ويجلد احلد ول يرثه«)1(.ا ما ذكره فقهاء املالكية -رحمهم اهلل- يف امل�صائل ومن ذلك اأي�صالت��ي يجتمع فيها حل��وق الولد مع احلد -وقد �ص��بقت الإ�ص��ارة اإليه��ا-، فن�ص��وا فيها على م�ص��األة ما لو كان عن��ده اأمة، فولدت من��ه، ثم اأقر بعد الولدة اأنه غ�ص��بها- فاإن احلك��م فيها: اأنه يقبل قوله يف حق احلد حتى يلزمه، ول يقبل يف حق دفع الن�صب؛ نفيا للتهم��ة؛ لأنه يتهم على قطع ن�ص��به ههنا، فيلح��ق الولد به؛ دفعا

لهذه التهمة)2(.

املطلب اخلامس

تفريق األحكام رفعا للضرر أو جلبا ملصلحة معتبرة

اإن من الأ�ص��ول التي جاءت بها ال�رصيعة الإ�صامية حتقيق امل�صالح للعباد ورفع الإ�رصار بهم، ومن ثم كان حتقيق هذا املق�صد ال�رصعي اأحد الدوافع التي اأجلاأت الفقهاء اإلى العمل بتفريق الأحكام، وقد

وردت عنهم -رحمهم اهلل- م�صائل ت�صري اإلى هذا املعنى.ومنه��ا: ما اعتمده فقهاء املالكية يف الفت��وى يف امراأة املفقود يف هل حياته وموت��ه، ول يعلم خ��ربه، فاأفتى بلد الإ�ص��ام ال��ذي جتاملالكي��ة فيها مبا يزيل عنها ال�رصر، بعد اأن اختلفت كلمة املذاهب

يف ذلك:فق��د ذهب فقهاء احلنفية، وال�ص��افعية -يف اجلدي��د والأظهر من مذهبهم- اإلى القول اإنه ل يق�صم ماله ول تبني زوجته منه اإل بعد

املدونة 3/ 116. )1(مواهب اجلليل 7/ 267. )2(

Page 70: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

70

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

تيقن موته، اأو م�ص��ي »مدة التعمري«، وهي مدة يغلب على الظن اأن��ه ل يبقى بعدها حيا، وق��د اختلفوا يف تقديرها، فاإذا ل يتحقق اأحد الأمرين، ل يجز لمراأته اأن تعتد منه اأو اأن تتزوج غريه، كما

اأنه ل يجوز اأن يق�صم ماله، وقالوا: »امراأة ابتليت فلت�صرب«)1(.ومبث��ل هذا ن�س فقهاء احلنابلة -رحمهم اهلل- يف املفقود الذي ل يغل��ب على حاله الهاك، كمن �ص��افر لتجارة اأو لطلب علم، ول

يعلم خربه)2(. وها، فاأجروا احلكم الواحد �ص فهوؤلء جمعوا بني اأحكامه ول يبع

على ماله وعلى زوجته.وا احلكم يف هذه امل�صاألة، �ص لكن فقهاء املالكية -رحمهم اهلل- بعون�ص��وا على اأن املفقود ببلد الإ�ص��ام ي�رصب لمراأت��ه اأجل اأربع �ص��نني من يوم ترفع اأمره��ا اإلى احلاكم، فاإذا انتهى الك�ص��ف عن حيات��ه اأو موته فجهل ذلك، �رصب لها احلاكم الأجل، فاإذا انتهى اعتدت عدة الوفاة اأربعة اأ�ص��هر وع���رصا، وحلت لاأزواج، لكن يبق��ى مال��ه ل يورث حتى مي�ص��ي عليه مدة التعم��ري املختلف يف

حتديدها يف املذهب)3(. والدافع لهذا التبعي�س هو رفع ال�رصر الواقع على الزوجة اإذا األزمت ال�صرب والنتظار، وقد اأ�صار اإلى ذلك ال�صيخ علي�س -رحمه اهلل- )ت: 1299ه���( يف »فتاويه«- فقال: »امل�ص��هور عن مالك: اأن ذلك -اأي: الرتب�س اأربع �ص��نني- يخت���س بالزوجة، ويبقى ماله اإلى انق�صاء اأمد تعمريه؛ اإذ ل �رصورة تدعو اإلى ق�صم ماله، ووجه احلكم بذلك: تغليب الغالب على الأ�صل؛ لأن الأ�صل يف املفقود احلي��اة، والغالب من حاله بعد التاأجيل والبحث عنه فلم يعرف له خ��رب اأنه مات، فرجح الغالب على الأ�ص��ل، وحكم مبوته، فكان ينبغ��ي احلكم بذل��ك مطلقا يف الزوج��ة واملرياث، لك��ن مالكا حك��م بذلك يف حق الزوجة لل�رصر الاحق لها، وبقي املال علىاملبسوط 11/ 35، حتفة الفقهاء 3/ 345، روضة الطالبني 6/ 377، مغني احملتاج )1(

.27 ،26 /3املغني 8/ 617. )2(

بداية املجتهد 2/ 42، الش��رح الكبير مع حاش��ية الدسوقي 2/ 479، فتح العلي )3(املال��ك في الفتوى على مذهب اإلمام مالك، للش��يخ محم��د عليش 2/ 21 ط.

مصطفى البابي احللبي- الطبعة األخيرة 1378ه�- 1958م.

الأ�صل«)1(.ويف املذهب عندهم قول مقابل للم�ص��هور، وه��و اأنه اإذا متت له الأربعة اأعوام، تعتد زوجته ويرثه ورثته اإذ ذاك، ويقت�صمون ماله، وهو مذه��ب احلنابلة يف املفقود الذي غالب حاله الهاك، كمن

فقد يف مهلكة اأو انك�رصت به �صفينة، ونحوه)2(.قال ال�صيخ علي�س -رحمه اهلل-: »ووجهه ظاهر لأن الأحكام ل تتبع���س، وكما حكم مبوته يف حق الزوج��ة، حكم مبوته مطلقا،

فورثه ورثته، وق�صم ماله، وترتب له اأحكام املوت كلها«)3(.

فتح العلي املالك 2/ 21. )1(فتح العلي املالك 2/ 21، املغني 8/ 616. )2(

فتح العلي املالك 2/ 21. )3(

Page 71: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

71

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

اخلامتة فى أهم نتائج البحثوبع��د.. فاإننا بعد ه��ذا العر�س نهي��ب بالقانونيني وامل�رصعني يف م�رص، اأن يولوا هذه النظرية اهتمامهم، واأن يحاولوا اإيجاد قنوات لها يف القوانني والت�رصيعات، كمحاولة جادة منهم لإعادة العمل مبا كان عليه �صلفنا الأوائل -رحمهم اهلل-، ل �صيما واأنه ميكن لنا من خال هذه النظرية اأن نوجد حلول مائمة لكثري من الق�ص��ايا ة، واأن جنمع بها بني مدارك الأحكام املختلفة، واأن الع�رصية امللحنوفق بها بني وجهات النظر املتباينة واملتناق�ص��ة اأحيانا، واأن ن�صل من خالها اإلى اأحكام و�ص��طية يف امل�صائل، جامعة للمدارك كلها م��ن غري اإفراط وال تفريط، من غ��ري اإ�رشار باأحد، كما كان احلال

عند فقهائنا رحمهم اهلل. جون العمل كذلك فاإنه من الأهمية مبكان اأن يراعي املفتون واملخربهذه النظرية يف تخريجاتهم الفقهية يف النوازل وامل�ص��تجدات؛ فاإن نظرية كهذه ينبغي األ تهمل اأبدا، اأو اأن ترتك حبي�ص��ة الكتب

وامل�صنفات. ��ا بع��د هذا العر�س اأن نعت��ز برتاثنا الفقهي كم��ا اأنه ينبغي لنا اأي�صالذي ا�ص��تمل على مثل هذه النظريات التي تنبئ عن مدى العقلية الت��ي كان يتمتع بها فقهاوؤنا -رحمه��م اهلل-، والتي توقفنا على مدى مرونة الفقه الإ�صامي، وات�صاعه، و�صاحيته كقانون ميكن

اأن نفزع اإليه ل�صتفادة حلول للم�صاكل وامل�صتجدات.به��ذه النظرية وباأمثالها ن�ص��تطيع اأن نربهن للجميع على اأن الفقه الإ�صامي ل يكن يف يوم من الأيام عقبة حتول دون م�صالح اأحد،

ولكنها امل�صلحة املعتربة التي اإن وجدت فثم �رصع اهلل.لقد ات�ص��ح ذلك جليا من خال عر�صنا لبع�س م�صائل وتطبيقات هذه النظرية، التي فرق الفقهاء الأحكام فيها جلبا مل�ص��الح النا�س املعتربة، واإزالة لل�رصر الواقع عليهم، وتوخيا للعدالة يف كل جانب قدر الإم��كان.. واإن وقع الختاف بينهم يف بع�س الفروع، اإل اأن الأ�ص��ل الع��ام للعمل بهذه النظري��ة كان يجمعهم، فمنهم من ق االأحكام يف م�ش��األة؛ النقداح اأن ال�ش��واب وامل�ش��لحة يف فر

ذهنه يف التفريق، ومنهم من مل يوافقه، النقداح اأن ال�ش��واب يف ذهنه عدم التفريق، ومع ذلك وجدناه يفرق الأحكام يف م�ص��األة اأخ��رى، والكل من اأجل حتقيق امل�ص��لحة، فعلى مثل هذا الدرب ينبغي اأن ن�ص��ري، ويف �ص��وء هذا النور ينبغي اأن نعمل، نحيي من تراثنا ما اندثر ومات، مدركني به جزءا مما انتق�س منا وما فات..

واهلل تعالى من وراء الق�صد.

Page 72: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

72

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

فهرس املراجع

القراآن الكرمي. 1 .كتب اللغة واملعاجم:

ت��اج اللغة و�ش��حاح العربي��ة، للجوه��ري، ط. دار العلم 2 .للمايني- ب��ريوت- الطبعة الرابع��ة 1407ه�- 1987م

حتقيق: اأحمد عبد الغفور عطا.كتب التف�صري:

اجلامع الأحكام القراآن، الأبي عبد اهلل القرطبي، ط. دار اإحياء 3 .الرتاث العربي- بريوت - �صنة 1405ه�- 1985م.

كتب احلديث و�صروحه:ط. اإحكام االأحكام �رشح عمدة االأحكام، البن دقيق العيد، . 4

دار الكتب العلمية - بريوت- د.ت.ال�صتذكار اجلامع ملذاهب فقهاء الأم�صار، لأبي عمر يو�صف 5 .ب��ن عبد ال��رب، ط.دار الكت��ب العلمية - ب��ريوت - الطبعة الأولى �صنة 2000م، حتقيق: �صال حممد عطا، علي معو�س.االإع��لم بفوائ��د عم��دة االأحكام، الب��ن امللق��ن، ط. دار 6 .العا�صمة- الريا�س- الطبعة الأولى 1417ه�- 1997م،

حتقيق: عبد العزيز بن اأحمد امل�صيقح.التمهي��د ملا يف املوطاأ من املعاين والأ�ص��انيد، لبن عبد الرب، 7 .ط. وزارة عموم االأوقاف وال�شوؤون االإ�شلمية- املغرب-، حتقيق: م�صطفى بن اأحمد العلوي، حممد عبد الكبري البكري.

اجلامع ال�ش��حيح، للرتمذي، ط. دار الفكر- بريوت- �شنة 8 .1403، حتقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف.

. 9 �ش��ن ابن ماجه، ط. دار الفكر- بريوت- د.ت.، حتقيق: حممد فوؤاد عبد الباقي.

�رشح الزرقاين على املوطاأ، ملحم��د بن عبد الباقي الزرقاين، 10 .ط. دار الكت��ب العلمي��ة- ب��ريوت- الطبع��ة االأولى �ش��نة

1411ه�.

�ش���رح معاين االآثار، للطح��اوي، ط. دار الكتب العلمية- 11 .الطبع��ة الثالثة 1416ه���- 1996م، حتقيق: حممد زهري

النجار. �ش��حيح البخاري، ط. دار الفكر- ع��ن طبعة دار الطباعة 12 .

العامرة باإ�صتانبول- �صنة 1401ه�- 1981م.�ش��حيح ابن خزمية، ط. املكتب االإ�ش��لمي- الطبعة الثانية 13 .

1412ه�، حتقيق: د. حممد م�صطفى الأعظمي.

�شحيح م�شلم، ط. دار الفكر- بريوت- د.ت. 14 .عمدة القاري �رشح �ش��حيح البخ��اري، لبدر الدين العيني، 15 .

ط. دار اإحياء الرتاث العربي- بريوت- د.ت.. 16 فتح الباري �رشح �شحيح البخاري، البن حجر الع�شقلين،

ط. دار املعرفة- بريوت- الطبعة الثانية- د.ت.مرقاة املفاتيح �رشح م�شكاة امل�شابيح، للمل علي بن �شلطان 17 .القاري، ط. دار الكت��ب العلمية-بريوت - الطبعة االأولى

1422ه�- 2001م، حتقيق: جمال عيتاين.امل�ش��تدرك عل��ى ال�ش��حيحن، للحاك��م، ط.دار املعرفة- 18 .بريوت- �ص��نة 1406ه�، حتقيق: د. يو�ص��ف عبد الرحمن

املرع�صلي.م�شند االإمام اأحمد بن حنبل، ط. دار �شادر- بريوت- د.ت. 19 .. 20 م�شنف ابن اأبي �شيبة يف االأحاديث واالآثار، ط. دار الفكر-

الطبعة الأولى 1409ه�، حتقيق: �صعيد حممد اللحام.. 21 ن�شب الراية الأحاديث الهداية، للزيلعي، ط. دار احلديث-

القاهرة- الطبعة الأولى- �صنة 1415ه�- 1995م.نيل االأوطار �رشح منتقى االأخبار من اأحاديث �شيد االأخيار، 22 .لل�ش��وكاين، ط. دار احلدي��ث- القاه��رة- الطبع��ة االأولى

1421ه�- 2000م. كتب الفقه املذهبي:

اأ( مذهب احلنفية:. 23 البح��ر الرائق، البن جنيم �رشح كنز الدقائق، ط. دار الكتب

العلمية- بريوت- الطبعة الأولى �صنة 1418ه�.

Page 73: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

73

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

بدائع ال�ص��نائع يف ترتيب ال�رصائع، لعاء الدين الكا�ص��اين، 24 .ط. دار الكتب العلمية- بريوت- الطبعة الثانية 1406ه�-

1986م.تبين احلقائق �رشح كن��ز الدقائق، للزيلعي، ط. دار الكتاب 25 .

الإ�صامي- القاهرة- �صنة 1313ه�.حتف��ة الفقه��اء، لعلء الدي��ن ال�ش��مرقندي، ط. دار الكتب 26 .

العلمية- بريوت- الطبعة الثانية 1414ه�- 1994م.تكمل��ة البح��ر الرائق، لل�ص��يخ حمم��د بن ح�ص��ني الطوري 27 .الق��ادري ���رشح كن��ز الدقائ��ق، ط. دار الكت��ب العلمية-

بريوت- الطبعة الأولى �صنة 1418ه�.حا�ص��ية ابن عابدين امل�ص��ماة: رد املحتار على الدر املختار، 28 .

البن عابدين، ط. دار الفكر- �شنة 1415ه�.ي �رشح تنوير االأب�ش��ار للن�شفي، مع ��كفم الدر املختار للح�ش 29 .

حا�شية ابن عابدين، ط. دار الفكر- �شنة 1415ه�.الدر املنتقى يف �رشح امللتقى، للح�شكفي، على هام�ض جممع 30 .االأنهر لداماد، ط. دار اإحياء الرتاث العربي- بريوت، د.ت.

���رشح فتح القدي��ر، البن الهم��ام، ط. دار الكتب العلمية- 31 .بريوت- عن املطبعة امليمنية مب�رص �صنة 1319ه�.

املب�ش��وط، ل�ش��م�ض الدي��ن ال�رشخ�ش��ي، ط. دار املعرف��ة- 32 .بريوت- �صنة 1406ه�.

جمم��ع االأنهر يف �رشح ملتق��ى االأبحر، ملحمد بن �ش��ليمان 33 .ال�ش��هري بدام��اد اأفن��دي، ط. دار اإحي��اء ال��رتاث العربي-

بريوت- د.ت.. 34 الهداي��ة �رشح البداي��ة، للمرغيناين، مطب��وع مع �رشح فتح القدي��ر البن الهمام، ط. دار الكتب العلمية- بريوت- عن

املطبعة امليمنية مب�رص �صنة 1319ه�.ب( مذهب املالكية:

بلغة ال�صالك لأقرب امل�ص��الك، لل�صيخ اأحمد ال�صاوي، مع 35 .ال�رشح ال�ش��غري ل�شيدي اأحمد الدردير، ط. الدار ال�شودانية

للكتب- اخلرطوم- الطبعة الأولى 1418ه�- 1998م.

التاج والإكليل ملخت�رص خليل، لأبي عبد اهلل حممد بن يو�صف 36 .بن اأبي القا�ش��م العبدري، ط. دار الفكر- بريوت- الطبعة

الثانية 1398ه�.الذخرية، للإم��ام القرايف، ط. دار الغرب- بريوت- �ش��نة 37 .

1994م، حتقيق: حممد حجي.ال�رشح الكبري لل�ش��يخ الدردير على خمت�رش خليل، مع حا�شية 38 .الد�ش��وقي، ط. مطبعة �ش��بيح بالقاهرة- �ش��نة 1353ه�-

1934م. ���رشح ميارة على منظومة ابن عا�ش��م، الأب��ي عبد اهلل حممد 39 .بن اأحمد ميارة الفا�شي، ط. دار الكتب العلمية- بريوت- الطبعة الأولى 1420ه���- 2000م، حتقيق: عبد اللطيف

ح�صن عبد الرحمن.املدون��ة الك��ربى، لاإم��ام مال��ك برواية �ص��حنون عن ابن 40 .

القا�شم، ط. مطبعة ال�شعادة- م�رش- د.ت.منح اجللي��ل �رشح على خمت�رش خليل، لل�ش��يخ حممد علي�ض، 41 .

ط. دار الفكر- بريوت- �شنة 1409ه�- 1989م.مواه��ب اجللي��ل ل�رشح خمت���رش خليل، للحط��اب، ط. دار 42 .الكت��ب العلمي��ة- ب��ريوت- الطبع��ة الأول��ى 1416ه�-

1995م، حتقيق: زكريا عمريات.جب( مذهب ال�سافعية:

اأ�ش��نى املطالب �رشح رو�ض الطالب، ل�ش��يخ االإ�ش��لم اأبي 43 .زكريا االأن�شاري، ط. مطبعة البابي احللبي �شنة 1313ه�.

االإقناع يف حل األفاظ اأبي �ش��جاع، للخطيب ال�رشبيني، ط. 44 .دار املعرفة- بريوت- د.ت.

االأم، للإمام ال�شافعي، ط. الهيئة امل�رشية العامة للكتاب، طبعة 45 .م�صورة عن طبعة املطبعة الأمريية ببولق �صنة 1321ه�.

حتفة املحتاج ب�رشح املنهاج، البن حجر الهيتمي، ط. مكتبة 46 .الثقافة الدينية- د.ت، حتقيق: د. حممد حممد تامر.

حا�ص��ية اإعانة الطالبني على فتح املعني، لل�صيد البكري �صطا 47 .الدمياطي، ط. دار اإحياء الكتب العربية- د.ت.

Page 74: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

74

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

حا�صية الرملي على اأ�صنى املطالب، ل�صهاب الدين الرملي، على 48 .هام�ض اأ�شنى املطالب، ط. مطبعة البابي احللبي �شنة 1313ه�.

حا�ص��ية البجريمي على الإقناع امل�صماة: »حتفة احلبيب على 49 .�رشح اخلطيب«، لل�ش��يخ �ش��ليمان البجريمي، ط. م�شطفى

احللبي- الطبعة الأخرية-�صنة 1370ه�- 1951م.حا�شية ال�شيخ �شليمان اجلمل على �رشح منهج الطلب لل�شيخ 50 .اأب��ي زكريا االأن�ش��اري، ط. دار الفكر- ب��ريوت- د.ت.

حا�ص��ية ال�رصواين، لل�ص��يخ عبد احلميد ال���رصواين على حتفة 51 .املحتاج للهيتم��ي، ط. دار اإحياء الرتاث العربي- بريوت-

د.ت.رو�ش��ة الطالبن وعمدة املفتن، للن��ووي، ط. دار الكتب 52 .

العلمية- بريوت- الطبعة الأولى 1412ه�- 1992م.غاية البي��ان �رشح زبد ابن ر�ش��لن، ل�ش��م�ض الدين الرملي 53 .

ال�شغري، ط. دار املعرفة- بريوت- د.ت.فت��ح العزيز للرافعي ���رشح الوجيز، عل��ى هام�ض املجموع 54 .

للنووي ط. دار الفكر- بريوت- د. ت. املع��ن ل�رشح قرة العن مبهمات الدين، لزين الدين املليباري 55 .بهام�ض حا�شية اإعانة الطالبن، ط. دار حياء الكتب العربية-

مطبعة احللبي د.ت.مغن��ي املحتاج اإلى معرف��ة معاين األفاظ املنه��اج، للخطيب 56 .

ال�رشبيني، ط. م�شطفى احللبي �شنة 1377ه�- 1958م.امله��ذب يف فق��ه ال�ص��افعية، لأبي اإ�ص��حاق ال�ص��ريازي مع 57 .

املجموع، ط. دار الفكر- بريوت-د.ت.نهاي��ة املحتاج اإلى ���رشح املنهاج، ل�ش��م�ض الدي��ن الرملي 58 .ال�شغري، ط. دار الفكر- بريوت- �شنة 1404ه�- 1984م.

د( مذهب احلنابلة:الإن�صاف يف معرفة الراجح من اخلاف على مذهب الإمام 59 .اأحمد بن حنبل، لعلي بن �ش��ليمان املرداوي، ط. دار اإحياء الرتاث العربي- بريوت- د.ت. حتقيق: حممد حامد الفقي.

ال�رشح الكبري �رشح خمت�رش اخلرقي، ل�شم�ض الدين ابن قدامة 60 .املقد�ش��ي، على ذي��ل املغني البن قدام��ة ط. دار احلديث- القاه��رة- الطبع��ة الأول��ى 1416ه���- 1996م، حتقيق:

د.حممد �رصف الدين اخلطيب.. 61 الف��روع، الأب��ي عبد اهلل حمم��د بن مفل��ح، ط. دار الكتب العلمية- ب��ريوت- الطبعة الأولى 1418ه�، حتقيق: حازم

القا�صي. . 62 ك�ش��اف القن��اع للبهوت��ي ���رشح االإقناع لل�ش��يخ مو�ش��ى احلجاوي، ط. دار الكتب العلمية- بريوت- الطبعة االأولى

1418ه�. هب( مذهب الظاهرية:

. 63 املحلى، البن ح��زم الظاه��ري، ط. دار الفكر- بريوت- د.ت، حتقيق: ال�صيخ اأحمد �صاكر.

و( مذهب الزيدية:البحر الزخار اجلامع ملذاهب علماء الأم�صار، لأحمد بن يحيى 64 .بن املرت�شى، ط. دار احلكمة اليمانية- �شنعاء- الطبعة االأولى 1366ه���- 1947م ت�ص��وير �ص��نة 1409ه���- 1988م.. 65 املنتزع املختار من الغيث املدرار املفتح لكمائم الأزهار يف فقه االأئم��ة االأطهار، انتزعه ابن مفت��اح الزيدي من الغيث امل��درار ���رشح االأزه��ار الأبي احل�ش��ن اأحمد ب��ن يحيى بن

املرت�شى، ط. مكتبة غمي�شان- �شنعاء- �شنة 1400ه�.. 66 ال�ص��يل اجلرار املتدفق عل��ى حدائق الأزهار، لل�ص��وكاين، ط. املجل�ض االأعلى لل�ش��وؤون االإ�ش��لمية - القاهرة - �شنة 1415ه���- 1994م، حتقي��ق: حمم��ود اإبراهي��م اأبو زيد،

حممود اأمني النواوي.ز( مذهب الإمامية:

اخللف، لل�ش��يخ الطو�ش��ي، ط. موؤ�ش�شة الن�رش االإ�شلمي- 67 .قم- �ص��نة 1407ه�، حتقيق: �ص��يد علي اخلرا�ص��اين، و�صيد

جواد �صهر�صتاين، واآخرون.

Page 75: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

75

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

. 68 قواع��د االأح��كام يف معرفة احللل واحل��رام، للحلي، ط. موؤ�ص�صة الن�رص الإ�صامي- قم- الطبعة الأولى 1413ه�.

. 69 املب�ش��وط يف فقه االإمامية، للطو�شي، ط. املطبعة احليدرية- طه��ران- الطبع��ة الثاني��ة 1388ه���، حتقيق: حمم��د الباقر

البهبودي.. 70 املعترب �رشح املخت�رش، للحلي، ط. موؤ�ش�ش��ة �شيد ال�شهداء-

قم- �صنة 1364ه�. . 71 نهاية االإح��كام يف معرفة االأحكام، للحلي، ط. موؤ�ش�ش��ة اإ�ص��ماعيليان- قم- الطبعة الثانية 1410ه� حتقيق: ال�ص��يد

مهدي الرجائي. كتب الفقه املقارن:

بداية املجتهد ونهاية املقت�ش��د، البن ر�شد، ط. دار الفكر- 72 .بريوت- �صنة 1415ه�.

املجم��وع �رشح املهذب، للإمام الن��ووي، ط. دار الفكر- 73 .بريوت- د.ت.

املغني ���رشح خمت�رش اخلرقي، ملوفق الدين ابن قدامة، ط. دار 74 .احلديث- القاهرة- الطبع��ة الأولى 1416ه�- 1996م،

حتقيق: د. حممد �رصف الدين خطاب.خمت���رص خافي��ات البيهق��ي، لأحم��د بن ف��رج الإ�ص��بيلي 75 .ال�ش��افعي، ط. مكتب��ة الر�ش��د- الريا�ض- الطبع��ة االأولى

1417ه�- 1997م، حتقيق: د. دياب عبد الكرمي عقل.كتب االأق�صية والفتاوى:

. 76 اإعلم املوقعن عن رب العاملن، البن قيم اجلوزية، ط.املكتبة الأزهرية- �صنة 1400ه�- 1980م.

. 77 ر�ص��الة رفع ال�صبه والريب عن حكم الإقرار باأخوة الزوجة املعروفة الن�ص��ب، لبن حجر الهيتم��ي مع جمموع الفتاوى الكربى الفقهية له، ط. مطبعة امل�ش��هد احل�شيني- القاهرة-

�صنة 1392ه�.

فت��ح العل��ي املالك يف الفت��وى على مذهب الإم��ام مالك، 78 .لل�ش��يخ حممد علي�ض، ط. م�ش��طفى البابي احللبي- الطبعة

الأخرية �صنة 1378ه�- 1958م.فتاوى الرملي، ل�صهاب الدين الرملي، مطبوع على هام�س 79 .الفت��اوى الكربى الفقهي��ة البن حجر الهيتم��ي ط. مطبعة

امل�صهد احل�صيني- القاهرة- �صنة 1392ه�.الفتاوى الكربى، ل�صيخ الإ�صام ابن تيمية، طبع ون�رص مكتبة 80 .

النور الإ�صامية، د.ت.جمموع فتاوى ابن تيمية، ل�ص��يخ الإ�ص��ام ابن تيمية، جمع 81 .وترتي��ب عب��د الرحم��ن ب��ن حمم��د النج��دي، ط. مطابع

الريا�س- الطبعة الأولى- �صنة 1381ه�.كتب القواعد:

االأ�شباه والنظائر، لل�شيوطي، ط. املكتبة التوفيقية- القاهرة- 82 .د.ت. حتقيق: طه عبد الروؤوف �صعد.

الأ�ص��باه والنظائر، لبن جنيم، مع حا�صية نزهة النواظر على 83 .االأ�ش��باه والنظائر، البن عابدين، ط. دار الفكر- دم�ش��ق-

الطبعة الأولى 1403ه�- 1983م.القواعد والفوائد يف الفقه والأ�صول والعربية، ملحمد بن مكي 84 .العاملي امللقب بال�شهيد االأول، ط. مكتبة املفيد- قم- د.ت، حتقيق: د. ال�ص��يد عب��د الهادي احلكي��م. )قواع��د الإمامية(. . 85 املنثور يف القواعد، للزرك�شي، ط. وزارة ال�شوؤون واالأوقاف الإ�صامية- الكويت- الطبعة الثانية �صنة 1405ه�، حتقيق:

د.تي�صري فائق.كتب اأ�صول الفقه:

اأ�ص��ول الكرخ��ي مع ذك��ر اأمثلته��ا ونظائرها و�ص��واهدها 86 .للن�شفي، مطبوع يف اآخر كتاب اأ�شول البزدوي ط. مطبعة

جاويد- كرات�صي- د.ت.اأ�ش��ول ال�رشخ�ش��ي، ط. دار الكت��ب العلمي��ة- بريوت- 87 .

�صنة1414ه� حتقيق: اأبو الوفاء الأفغاين.

Page 76: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

76

العدد السادسنظرية تفريق األحكام في الفقه اإلسالمي بين التأصيل والتطبيق

كتب عام�ة:. 88 الباه��ر يف حك��م النب��ي بالباط��ن والظاه��ر، لل�ص��يوطي، ط. مكتب��ة الرحم��ة املهداة – املن�ص��ورة - الطبع��ة الأولى

1429ه�- 2008م. . 89 زاد املع��اد يف هدي خ��ري العباد، البن القيم، ط. دار الريان

للرتاث- القاهرة- الطبعة الأولى 1407ه�- 1987م. . 90 ط��رق االإثب��ات ال�رشعي��ة، الأحمد ب��ك اإبراهي��م، ط. دار اجلمهوري��ة لل�ص��حافة- القاه��رة- الطبع��ة الرابع��ة �ص��نة

2003م.. 91 الفكر ال�صامي يف تاريخ الفقه الإ�صامي، ملحمد بن احل�صن احلج��وي، ط. املكتب��ة العلمي��ة- املدينة املن��ورة- الطبعة

الأولى 1396ه�. كتب الرتاجم: 92 .

. 93 االأع��لم، للزركل��ي، ط. دار العل��م للملي��ن- بريوت- الطبعة اخلام�صة �صنة 1980م.

. 94 معجم املوؤلفن، لعمر ر�ش��ا كحال��ة، ط. دار اإحياء الرتاث العربي- بريوت- د.ت.

. 95 هدية العارفني اأ�ص��ماء املوؤلفني واآثار امل�ص��نفني، لإ�صماعيل با�ش��ا البغ��دادي، ط. دار اإحياء ال��رتاث العربي- بريوت-

د.ت.

Page 77: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

77

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

فهرس املوضوعاتاملقدمة.

املبحث االأول: التعريف بتفريق االأحكام.املبحث الثاين: االأ�صل ال�صرعي لنظرية تفريق االأحكام.

املبحث الثالث: امل�صطلحات التي يعرب بها الفقهاء عن تفريق االأحكام.املطلب االأول: م�صطلح »تبعي�س االأحكام«.

.» مين حكن م بين املطلب الثاين: م�صطلح »احلكناملبحث الرابع: اأ�صباب تفريق االأحكام يف الفقه االإ�صالمي.

املطلب االأول: تفريق االأحكام الختالف املدارك وتعار�س االأدلة.ا الأمر معترب �صرعا. املطلب الثاين: تفريق االأحكام احتياطا

ا الأ�صول املذهب وقواعده. املطلب الثالث: تفريق االأحكام تبعاا للتهمة. املطلب الرابع: تفريق االأحكام دفعا

ا مل�صلحة معتربة. ا لل�صرر اأو جلبا املطلب اخلام�س: تفريق االأحكام رفعااخلامتة فى اأهم نتائج البحث.

فهر�س املراجع.

4446515656575959636668697172

Page 78: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

78

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

المقدمةاحلمد هلل رب العاملني، نحمده �ص��بحانه وتعالى ون�ص��تعينه ون�ص��تهديه ون�صتغفره، ونعوذ باهلل تعالى من �رصور اأنف�ص��نا، ومن �صيئات اأعمالنا، من يهده اهلل فا م�صل له، ومن ي�صلل فا هادي له، واأ�ص��هد اأن ل اإله اإل اهلل وحده ل �رصيك له، واأ�ص��هد اأن �ص��يدنا حممدا عبده ور�صوله، اللهم �صل و�صلم وبارك عليه وعلى اآله واأ�صحابه ومن تبعه باإح�صان اإلى يوم الدين.

اأما بعد:فاإن من اأ�رشف العلوم االإ�ش��لمية علم اأ�شول الفقه، الذي يجعرف به ا�شتنباط االأحكام التي

مييز بها بني احلال واحلرام؛ اإذ هو اأ�صا�س الجتهاد وعماده.وم��ن اأهم مب�احث هذا العلم مباحث القيا�س، وهو اأح��د الأدلة الأربعة املتفق عليها عند جمهور العلماء، والتي يطلق عليها يف ا�شطلح االأ�شولين االأدلة املتفق عليها اأو امل�شادر الأ�ص��لية، وم��ا وراءها من الأدل��ة فكثري العدد وخمتل��ف يف اعتباره، ويطل��ق عليه الأدلة

املختلف فيها اأو امل�صادر التبعية.

األساس لالختالف في تعريف القياس

د.عبد السالم عبد الفتاح عبد العظيم المدرس بقسم أصول الفقه

بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة

Page 79: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

79

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

والقيا�س بح�ص��ب الرتتيب العتباري ياأت��ي يف املنزلة الرابعة بعد القراآن وال�ص��نة والإجماع، وبح�ص��ب الواق��ع التاريخي ياأتي يف املرتبة الثالثة بعد القراآن وال�صنة وقبل الإجماع؛ لأن القيا�س �صابق عل��ى الإجماع يف الوجود؛ اإذ ل ينعق��د الإجماع يف حياة النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- يف حني اأنه قد ثبت اأن النبي امل�صطفى -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- ق��د ا�ص��تعمل القيا�س وب��ني كثريا من الأحكام يف �صورة قيا�س، بل واأقر اأقي�صة ذكرها اأ�صحابه ر�صوان

اهلل عليهم اأجمعني)1(.والقيا�ض مناط االجتهاد، واأ�شل الراأي، ومنه يت�شعب الفقه، وهو املف�ص��ي اإلى ال�ص��تقال بتفا�ص��يل اأحكام الوقائع، فاإن ن�صو�س الكتاب وال�ص��نة حم�ص��ورة ومواقع الإجماع مع��دودة، والوقائع الت��ي يتوقع وقوعها ل نهاية لها، والأ�ص��ل الذي ي�صرت�ص��ل على جمي��ع الوقائع القيا�س، فهو اإذا اأحق الأ�ص��ول بالعتناء، فاإن من عرف �ص��حيحه وفا�ص��ده، وماآخذه وتقا�ص��يمه، وما ي�ص��ح من

العرتا�صات عليها وما ل ي�صح، فقد حوى جمامع الفقه)2(.ومع هذه املرتبة العظيمة للقيا�س يجد الدار�س ملباحث القيا�س اأن الأ�ص��وليني قد اختلفوا يف تعريف القيا�س اختافا كبريا وتنوعت تعريفاتهم، وقل اأن ي�ص��لم منها تعريف، م��ع اأن البحث يف قبول القيا�س ورده، وبيان �صحيحه وفا�صده، وقطعيه وظنيه، مبني على

الإحاطة مباهية القيا�س اأول.وهذا البحث عبارة عن درا�ص��ة لاأ�صباب التي اأدت اإلى اختاف الأ�ص��وليني يف تعري��ف القيا�س، ث��م هو حماولة لإيج��اد تعريف

للقيا�س يكون حمل قبول عند علماء الأ�صول.

وهذه األقيس��ة الواردة في األحاديث النبوية الش��ريفة قد جمعها اإلمام ناصح )1(الدي��ن عبد الرحمن األنصاري، املعروف بابن احلنبلي، املتوفى س��نة 634ه�، في كتاب مساه »أقيس��ة النبي املصطفى محمد صلى اهلل عليه وس��لم«، وبلغت مائة وتس��عني حديثا، وقد طبع الكتاب بتحقيق أحمد جابر حسن، وعلي أحمد

اخلطيب، في مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1973م.ينظ��ر: البرهان في أصول الفقه إلمام احلرمني )2/ 485 فقرة رقم 676- 677(، )2(

حتقيق الدكتور عبد العظيم الديب، طبعة دار الوفاء، الطبعة األولى 1992م.

وقد ق�صمت البحث اإلى ثاثة مباحث:اأما املبحث الأول: فقد تناولت فيه تعريف القيا�س يف اللغة، مبينا املع��اين اللغوية للقيا�س، مع بيان املنا�ص��بة بني ه��ذه املعاين واملعنى

ال�صطاحي للقيا�س.واأم��ا املبح��ث الث��اين: فق��د تناول��ت في��ه تعري��ف القي�ا�س يف اال�ش��طلح، ومهدت له بتمهيد عن موق��ف العلماء من تعريف القيا�س، ثم جعلت لكل �ص��بب اأدى اإلى اختاف الأ�ص��وليني يف تعريف القيا�س مطلبا م�ص��تقا، فجعل��ت املطلب الأول: يف بيان

تعريف القيا�س، هل يكون باحلد اأو بالر�صم؟واملطل��ب الثاين: يف بيان ه��ل القيا�س فعل املجته��د اأو من جعل

ال�صارع؟واملطلب الثالث: يف بيان راأي امل�صوبة واملخطئة يف القيا�س، وما

يرتتب على ذلك من كون القيا�س مثبتا اأو مظهرا لاأحكام.واملطل��ب الرابع: يف بيان ما يكون من العلة واحلكم يف الأ�ص��ل

والفرع.واملطلب اخلام�س: يف بيان ما يعرب به عن املقي�س واملقي�س عليه.واملطلب ال�صاد�س: يف بيان العلة، هل تكون مطلقة اأو مقيدة؟

واملطلب ال�ص��ابع: يف بي��ان اعتبار نظر املجته��د قيدا يف تعريف القيا�س، وقد اأتبعت كل �ص��بب لاخت��اف ببيان اأثره يف تعريف

القيا�س.واأما املبحث الثالث: فقد جعلته للتعريف املختار للقيا�س و�رصحه،

وقد ا�صتمل على مطلبني:الأول: يف بيان التعريف املختار للقيا�س، و�رصحه.

والثاين: يف العرتا�صات التي قد ترد على هذا التعريف ودفعها.ث��م ختمت البحث بخامت��ة بينت فيها اأهم النتائج التي تو�ص��لت

اإليها.فجاءت خطة البحث على النحو التايل:

املقدمة.املبحث الأول: تعريف القيا�س يف اللغة.

املبحث الثاين: تعريف القيا�ض يف اال�شطلح.

Page 80: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

80

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

وي�صتمل على متهيد و�صبعة مطالب: املطلب الأول: تعريف القيا�س بني احلد والر�صم.

املطلب الثاين: القيا�س فعل املجتهد اأو من جعل ال�صارع. املطلب الثالث: القيا�س بني املخطئة وامل�صوبة.

املطلب الرابع: ما يكون من العلة واحلكم يف الأ�صل والفرع. املطلب اخلام�س: ما يعرب به عن املقي�س واملقي�س عليه.

املطلب ال�صاد�س: الإطاق والتقييد يف العلة. املطلب ال�صابع: اعتبار نظر املجتهد قيدا يف تعريف القيا�س.

املبحث الثالث: التعريف املختار للقيا�س.وفيه مطلبان:

املطلب الأول: التعريف املختار للقيا�س و�رصحه.املطلب الثاين: العرتا�صات التي قد ترد على هذا التعريف ودفعها.

اخلامتة: وت�صتمل على نتائج البحث.واهلل اأ�ص��األ اأن يوفقني فيما اأردت، واأن يجعل هذا العمل خال�صا لوجه��ه الكرمي، واأن يرزقه القبول عند كل من قراأه اأو اطلع عليه،

فاإنه ويل ذلك والقادر عليه.

المبحث األول

تعريف القياس في اللغة

القيا�س م�ص��در قا�س قيا�ص��ا، وهو-اأي الفعل الثاثي- وزن فعل �صماعي ل يطرد.

وقيل: م�ص��در قاي�س، يق��ال: قاي�س يقاي�س قيا�ص��ا؛ اإذ القيا�س يف قا�س القي�س، يقال: قا�س يقي�س قي�صا، وهو -اأي الفعل الرباعي-

وزن فعل قيا�صي مطرد.وفيه لغة اأخرى: ق�ص��ته اأقو�ص��ه قو�ص��ا وقيا�ص��ا، ول يقال: اأق�صته

بالألف.والقيا�س يف اللغة: مبعنى التقدير، يقال: ق�صت ال�صيء بغريه اأقي�صه

قي�صا وقيا�صا، فانقا�س اإذا قدرته على مثاله.

ومن ذلك ما روته اأم املوؤمنني عائ�ص��ة -ر�ص��ي اهلل عنها- قالت: قال ر�ص��ول اهلل �ص��لى اهلل عليه و�ص��لم: »من ظلم قي�س �ص��رب من

الأر�س طوقه من �صبع اأر�صني«)1(. اأي قدر �صرب.واملقيا�س: املقدار، وهو ما قي�س به؛ لأنه يقدر به.

والقي�س والقا�س: الق��در، يقال: بينهما قي�س رمح اأي قدر رمح، ويقال: هذه خ�ص��بة قي�س اأ�ص��بع اأي قدر اأ�صبع، ويقال: قاي�صت بني �ص��يئني اإذا ق��درت بينهم��ا، وقا�س الطبيب ال�ص��جة باملقيا�س اأي قدر غورها به، وا�ص��م الفاعل من��ه: ق�ائ�س، ومنه ما ورد عن ال�ص��عبي -رحمه اهلل تعالى- اأنه ق�ص��ى ب�ص��هادة القائ�س مع ميني امل�ص��جوج)2(، والقائ�س هو الذي يقي�س ال�ص��جة، ويتعرف على

غورها بامليل الذي يدخله فيها ليعتربها)3(.��ا: قاي�ص��ت فانا، اإذا جاريته يف القيا�س، وهو يقتا�س ويقال اأي�صال�صيء بغريه، اأي يقي�صه به، ويقتا�س باأبيه اقتيا�صا، اأي ي�صلك �صبيله

ويقتدي به)4(.وم��ادة القيا�س تتعدى بعل��ى وبالباء وباإلى، كما ق��ال الزخم�رصي وقيا�ص��ا قي�ص��ا واإلي��ه وعلي��ه ب��ه »قا�ص��ه تعال��ى: اهلل رحم��ه

احلديث بهذا اللفظ أخرجه أبو عوانة في مسنده )3/ 416 حديث رقم 5537( طبعة )1(دار املعرفة- بيروت- بدون تاريخ، وأخرجه مسلم بلفظ: »قيد شبر« بدل قيس، في كتاب: املس��اقاة، باب: حترمي الظلم وغصب األرض وغيرها )صحيح مسلم 3/ 1231 حدي��ث رق��م 1612( بتحقيق محمد فؤاد عبد الباق��ي، طبعة دار إحياء

التراث العربي- بيروت، بدون تاريخ.قال النووي رحمه اهلل تعالى: »قيد ش��بر من األرض، هو بكسر القاف وإسكان الياء، أي قدر ش��بر م��ن األرض، يقال: قيد وقاد وقي��س وقاس مبعنى واحد«. )ش��رح النووي على صحيح مس��لم 11/ 50(، طبعة دار إحي��اء التراث العربي-

بيروت، الطبعة الثانية سنة 1392ه�.فق��د روى حفص بن ميمون الثقفي قال: »خاصمت إلى الش��عبي في موضحة، )2(فشهد القائس أنها موضحة، فقال الشاج للشعبي: أتقبل علي شهادة رجل واحد؟ قال الشعبي: قد شهد القائس أنها موضحة، ويحلف املشجوج على مثل ذلك«. احلديث أخرجه البيهقي في الس��نن الكب��رى )10/ 174 حديث رقم 20469( طبعة مكتبة دار الباز- مكة املكرمة س��نة 1994م، بتحقي��ق: محمد عبد القادر عطا.

الفائ��ق في غريب احلديث للزمخش��ري )3/ 240( حتقيق عل��ي محمد البجاوي، )3(ومحمد أبو الفضل إبراهيم، طبعة دار املعرفة- بيروت، بدون تاريخ.

ينظر مادة )ق ي س( في: لسان العرب البن منظور )6/ 185( طبعة دار صادر– )4(بي��روت، الطبعة األولى، مخت��ار الصحاح ألبي بكر ال��رازي )ص: 559( طبعة جامعة فؤاد األول، الطبعة السادس��ة، أس��اس البالغة للزمخشري )2/ 288( طبع��ة الهيئة العامة لقصور الثقافة س��نة 2003، املصباح املنير للفيومي )ص:

199( طبعة مكتبة لبنان سنة 1990م.

Page 81: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

81

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

واقتا�صه«)1(، فا حاجة اإلى القول بت�صمينه معنى احلمل والبناء يف تعديته بعلى)2(.

وقد ذهب كثري من الأ�ص��وليني اإل��ى اأن القي���ا�س اللغوي يتعدى بالباء، كقولنا: ق�صت الأر�س بالق�صبة، اأما ال�رصعي فيتعدى بعلى ليت�ص��من معنى البناء واحلمل؛ ليدل على اأن القيا�س ال�رصعي للبناء

ل لاإثبات ابتداء)3(.وقد ذكر اأئمة الأ�صول معاين لغوية للقيا�س ل تذكرها كتب اللغة، وعدم ذكرها يف هذه الكتب ل يدل على اأنها لي�صت معاين لغوية، فقد ذكر الإمام تقي الدين ال�صبكي -رحمه اهلل تعالى- يف خطبة كتاب��ه »االإبه��اج يف �رشح املنهاج« اأن االأ�ش��ولين دققوا يف فهم اأ�ص��ياء من كام العرب ل ي�ص��ل اإليها اللغويون؛ لأن كام العرب

مت�صع جدا والنظر فيه مت�صعب)4(.ومن هذه املعاين التي ذكرها الأ�سوليون للقيا�س يف اللغة:

اأول: اأن معن��ى القيا�س لغة التقدير، وامل�ص��اواة م��ن لوازمه؛ لأن التقدير ن�ص��بة واإ�ص��افة بني �ص��يئني ين�ص��ب اأحدهما اإل��ى الآخر بامل�ص��اواة، وهذه امل�ص��اواة قد تكون ح�ص��ية مثل: ق�صت الثوب بالذراع، وق��د تكون معنوية مثل: ف��ان ل يق�ا�س باأبيه، فيكون ا�ص��تعمال القيا�س يف امل�صاواة اأو الت�ص��وية جمازا مر�صا، من باب اإطاق ا�ص��م امللزوم على الازم، ثم �ص��اع وا�ص��تهر حتى �ص��ار حقيقة عرفية يف امل�ص��اواة اأو الت�ص��وية بني ال�ص��يئني، وهذا ذكره

الآمدي والإ�صنوي رحمهما اهلل تعالى)5(.

أساس البالغة )2/ 288(. )1(نبراس العقول في حتقيق القياس عند علماء األصول للشيخ عيسى منون رحمه )2(اهلل تعال��ى )ص: 13( طبع��ة دار العدالة املصورة عن طبع��ة املطبعة املنيرية،

بدون تاريخ.ينظر: نهاية الس��ول في ش��رح منهاج األصول لإلسنوي بحاشية الشيخ بخيت )3(املطيعي )ج4/ ص: 2( طبعة دار الس��عادة، بدون تاريخ، كش��ف األسرار على أص��ول البزدوي لعبد العزي��ز البخاري )3/ 267( طبعة دار الكتاب اإلس��المي

القاهرة، بدون تاريخ.اإلبهاج في ش��رح املنهاج لتقي الدين السبكي وولده تاج الدين السبكي )2/ 15( )4(حتقي��ق الدكتور أحمد الزمزمي، والدكتور نور الدين صغيري، طبعة دار البحوث

للدراسات اإلسالمية وإحياء التراث– دبي، الطبعة األولى سنة 2004م.اإلحكام في أصول األحكام لس��يف الدين اآلمدي )3/ 167( طبعة احللبي بدون )5(

تاريخ، نهاية السول )4/ 2(.

ثانيببا: اأن معناه التقدير وامل�ص��اواة واملجموع املركب منهما على �صبيل ال�صرتاك اللفظي بني الثاثة.

وه��ذا املعنى ذكره القا�ص��ي الع�ص��د، والتفت��ازاين رحمهما اهلل تعالى، فقد مثل القا�ص��ي الع�ص��د -رحمه اهلل تعالى- للثاثة يف �رصحه على املخت�ص���ر، فقال: »يقال: ق�ص��ت النع��ل بالنعل، اأي قدرته به ف�صاواه، وق�ص��ت الثوب بالذراع، اأي قدرته به، وفان

ل يقا�س بفان، اأي ل ي�صاوى به«.قال �ص��عد الدين التفتازاين -رحمه اهلل تعالى- يف حا�ص��يته عليه: »متثيله بالأمثلة الثاثة م�ص��عر باأن املراد اأنه قد يكون بهما جميعا،

وقد يكون للتقدير فقط، اأو امل�صاواة فقط«)1(. ثالثا: اأن معناه التقدير، والتقدير كلي حتته فردان: ا�ص��تعام القدر اأي طل��ب معرفة املقدار، والت�ص��وية �ص��واء كانت ح�ص��ية نحو: ق��صت الث���وب بال�ذراع، اأو معنوية نحو: فان ل يقا�س بفان، فهو م�ص��رتك معنوي باعتبار �ص��مول معناه الذي هو التقدير لهما

و�صدقه عليهما.وهذا املعنى ذكره الكمال بن الهمام -رحمه اهلل تعالى-)2(.

رابعا: اأن معناه املماثلة.خام�سا: اأن معناه الإ�صابة.

وه��ذان املعنيان ذكرهما ابن ال�ص��معاين -رحم��ه اهلل تعالى- يف القواطع)3(، ونقلهما الزرك�صي عن املاوردي والروياين -رحمهما اهلل تعالى- فقال: »وقال املاوردي والروياين يف كتاب الق�ص��اء: القي���ا�س يف الل��غة ماأخوذ من املماثلة، يقال: هذا قيا�س هذا، اأي

مثله؛ لأن القيا�س اجلمع بني املتماثلني يف احلكم.وقيل: اإنه ماأخوذ من الإ�صابة، يقال: ق�صت ال�صيء، اإذا اأ�صبته؛ لأن

ش��رح العضد على مختص��ر ابن احلاجب ومعه حاش��ية التفتازاني رحمهم اهلل )1(جميعا )2/ 204( مبراجعة الدكتور شعبان محمد إمساعيل، طبعة مكتبة الكليات

األزهرية سنة 1983م.التحرير للكمال بن الهمام ومعه ش��رحه التقري��ر والتحبير البن أمير احلاج )3/ )2(117( طبعة دار الكتب العلمية بيروت سنة 1983م، املصورة عن طبعة املطبعة

األميرية الكبرى ببوالق- مصر، الطبعة األولى سنة 1316ه�.قواطع األدلة في األصول البن السمعاني )2/ 69( بتحقيق محمد حسن الشافعي، )3(

طبعة دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة األولى سنة 1999م.

Page 82: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

82

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

القيا�س ي�صاب به احلكم«)1(.�ساد�سا: اأن معناه العتبار.

وهذا املعنى ذكره اإمام احلرمني -رحمه اهلل تعالى-)2(.�سابعا: اأن معناه التمثيل والت�صبيه)3(.

واملتاأمل له��ذه املعاين التي نقلت عن الأ�ص��وليني للقيا�س يجدها متقارب��ة، ول ي��كاد يجد فرقا بينها، وتكاد تك��ون مبعنى واحد، فالعتبار، والت�ص��وية، والتمثيل، والت�صبيه، واملماثلة، تكاد تكون مبعن��ى واح��د)4(، والتقدي��ر والإ�ص��ابة معنى كل منهم��ا قريب من الآخ��ر، فتكاد املعاين ال�ص��بعة عند التاأمل ت��وؤول اإلى التقدير

والت�صوية. واملنا�ص��بة بني هذه املع��اين اللغوية واملعنى ال�ص��طاحي للقيا�س ظاهرة، وهو اأن التقدير ن�ص��بة واإ�صافة بني �صيئني ين�صب اأحدهما اإل��ى الآخر بامل�ص��اواة، فيكون ا�ص��تعمال القيا�س يف امل�ص��اواة اأو الت�ص��وية جمازا مر�صا، من باب اإطاق ا�ص��م امللزوم على الازم، ثم �صاع وا�صتهر حتى �صار لفظ القيا�س حقيقة عرفية يف امل�صاواة اأو الت�ص��وية بني ال�صيئني؛ ولهذا يعرب الأ�صوليون عن مطلوبهم من

الت�صوية بني الفرع والأ�صل يف العلة واحلكم بالقيا�س.ف�القي���ا�س يف الل��غ���ة يدل على معنى الت�ص��وي��ة على الع��موم، ويف اال�ش��طلح االأ�ش��ويل يدل على ت�شوية خا�ش��ة بن االأ�شل

والفرع)5(.

البح��ر احمليط في أصول الفقه للزركش��ي )4/ 4( حتقي��ق الدكتور/ محمد محمد )1(تامر، طبعة دار الكتب العلمية سنة 2000م.

البرهان )2/ 489 فقرة رقم 687(. )2(تنظر هذه املعاني في: البحر احمليط )4/ 4(، نبراس العقول )ص: 10- 11(. )3(

وألج��ل هذا التقارب في املعنى، يطلق أحده��ا على اآلخر مجازا، يقول الطوفي )4(رحمه اهلل تعالى: »فإذا أطلق لفظ الش��بيه على املثل، أو لفظ املثل على الشبيه، فهو مجاز باعتبار ما بينهما من القدر املش��ترك من األوصاف«. شرح مختصر الروضة للطوفي )3/ 424(، حتقيق دكتور/ عبد اهلل بن عبد احملسن التركي، طبعة

مؤسسة الرسالة دمشق، الطبعة الرابعة سنة 2003م.شرح مختصر الروضة )3/ 219(. )5(

المبحث الثاني

تعريف القياس في االصطالح

وي�صتمل على متهيد و�صبعة مطالب: اأما التمهيد: ففي بيان موقف العلماء من تعريف القيا�س.

واأما املطالب ال�صبعة فهي كالتايل: املطلب الأول: تعريف القيا�س بني احلد والر�صم.

املطلب الثاين: القيا�س فعل املجتهد اأو من جعل ال�صارع. املطلب الثالث: القيا�س بني املخطئة وامل�صوبة.

املطلب الرابع: ما يكون من العلة واحلكم يف الأ�صل والفرع. املطلب اخلام�س: ما يعرب به عن املقي�س واملقي�س عليه.

املطلب ال�صاد�س: الإطاق والتقييد يف العلة. املطلب ال�صابع: اعتبار نظر املجتهد قيدا يف تعريف القيا�س.

متهيدموقف العلماء من تعريف القيا�س

اختلفت اأنظار الأ�ص��وليني يف تعريف القيا�س ا�صطاحا، فمنهم من �ص��كت عن تعريف القيا�س فتكلم عنه ول يعرفه، ومن هوؤلء الإمام ال�صافعي -رحمه اهلل تعالى- يف كتابه الر�صالة)1(، و�صم�س الأئم��ة اأب��و بكر ال�رصخ�ص��ي -رحم��ه اهلل تعال��ى- يف كتابه يف الأ�ص��ول، حيث بداأ احلديث يف القيا�س بالكام على حجيته)2(، واخلبازي -رحمه اهلل تعالى- يف كتابه املغني يف اأ�صول الفقه فقد فه يف اللغة و�ص��كت عنه ا�صطاحا)3(، وكذلك فعل البزدوي عر-رحمه اهلل تعالى-)4(، ولعل هذا منهم اكتفاء بت�صوره مبا ورد عنالرس��الة لإلمام الش��افعي )ص: 476، وما بعدها( حتقيق أحمد محمد ش��اكر )1(

رحمه اهلل تعالى، طبعة دار التراث، الطبعة الثالثة 1979م.أصول السرخسي )2/ 118( حتقيق أبو الوفاء األفغاني، طبعة دار الكتب العلمية– )2(

بيروت، الطبعة األولى سنة 1993م.املغن��ي في أصول الفق��ه لإلمام جالل الدين عمر اخلب��ازي )ص: 285( حتقيق )3(الدكت��ور محمد مظهر بقا، طبعة مركز البحث العلمي وإحياء التراث اإلس��المي بجامعة أم القرى الكتاب التاسع عشر، مع أن اخلبازي عرف القياس في شرحه على املغني فقال: »وفي الش��رع عبارة عن رد الش��يء إلى نظيره«. ينظر: شرح املغن��ي للخبازي )2/ 90( حتقيق الدكتور محم��د مظهر بقا، طبعة املكتبة املكية

مبكة املكرمة، الطبعة األولى سنة 2005م. أصول البزدوي مع شرحها كشف األسرار لعبد العزيز البخاري )3/ 268(. )4(

Page 83: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

83

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

الر�صول �صلى اهلل عليه و�صلم و�صلفنا ال�صالح من اأقي�صة جزئية.وكث��ري م��ن الأ�ص��وليني ع��رف القيا�س، وه��وؤلء انق�ص��موا اإلى

فريقني:الفريق الأول: عرف القيا�س بعبارات غري مر�صية كما قال الآمدي -رحمه اهلل تعالى-)1(، وهذا النوع من التعريفات للقيا�س تناقلها العلماء ول ين�صبوها لقائليها، اإما لأنهم ل يعلمون اأ�صحابها، واإما لع��دم العتناء بها؛ لبعدها عن ال�ص��حة، وللدللة على �ص��عفها،

ولذلك ي�صدرونها ب�: »قيل«، ومن هذه التعريفات ما يلي:1- قيل: القيا�س عبارة عن اإ�سابة احلق)2(.

وه��ذا التعريف باطل؛ لأنه غري مانع، فاإن اإ�ص��ابة احلق اأي اإدراك احلكم من الن�س والإجماع ي�ص��دق عليه التعريف، وهو اإ�ص��ابة

احلق ولي�س قيا�صا)3(.واأي�ص��ا غري جامع؛ لأن��ه يخرج منه القيا�س الفا�ص��د؛ لأن القيا�س اأعم من اأن يكون �صحيحا اأو فا�صدا، ثم هو م�صعر بتقدم احلق فا

ي�صتقيم على مذهب امل�صوبة)4(.2- قيل: القيا�س بذل اجلهد يف ا�ستخراج احلق)5(.

وهذا التعريف مبعنى ما قبله، اإل اأن بذل اجلهد اأخ�س من الإ�صابة من وجه؛ لأن اإ�ص��ابة احلق ق��د تكون ببذل جهد وقد تكون بغري جهد، واأعم من الإ�صابة من وجه اآخر؛ لأنه ي�صمل بذل اجلهد مع

الإ�صابة وعدمها، فبينهما عموم وخ�صو�س وجهي. وه��ذا التعري��ف باطل؛ لأنه غري مانع، فاإن ب��ذل اجلهد يف اإدراك احلك��م من الن�س والإجماع ي�ص��دق عليه التعري��ف من اأنه لي�س

اإلحكام لآلمدي )3/ 167(. )1(املرجع السابق. )2(

ينظر: شرح الشيخ يوس��ف املرصفي على مباحث القياس من اإلحكام لآلمدي )3()ص: 5( نس��خة خاصة في مكتبة األس��تاذ الدكتور ج��الل الدين عبد الرحمن

رحمه اهلل تعالى، بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة.نهاي��ة الوصول في دراية األصول لصفي الدي��ن الهندي )7/ 3025(، حتقيق د/ )4(صاحل بن س��ليمان اليوس��ف، ود/ سعد بن سالم الس��ويح، طبعة مكتبة نزار

مصطفى الباز مبكة املكرمة 1996م. اإلحكام لآلمدي )3/ 168(، البحر احمليط )ج: 4/ ص: 5(. )5(

قيا�صا)1(.واأي�ص��ا غري جامع؛ لأنه ل يتناول القيا�س الفا�ص��د كما مر �صابقا، ولأن��ه يخرج منه القي�ا�س اجللي اأو القي��ا�س بالطريق الأولى، فاإنه

قيا�س مع اأنه لي�س فيه بذل جهد)2(.3- قيل: القيا�س هو الت�سبيه)3(.

لأن الت�ص��بيه معناه الدللة على م�ص��اركة اأمر لأمر يف معنى، وهو بعمومه ي�ص��مل القيا�س ال�رصعي؛ اإذ فيه دللة على م�صاركة الفرع

لاأ�صل يف علة حكمه، اأي م�صاواته له فيها)4(.وه��ذا التعري��ف باطل؛ لأنه غري مانع، فاإن ت�ص��بيه اأحد ال�ص��يئني بالآخ��ر يف املقدار -مثل اأن يقال: هو كاجلمل، اأي يف العظم، اأو يف بع�س �ص��فات الكيفيات كالألوان والطعوم- ي�صدق عليه اأنه

ت�صبيه، مع اأنه لي�س قيا�صا)5(.4- قيل: القيا�س هو الدليل املو�سل للحق)6(.

وه��ذا التعريف باطل؛ لأنه غري مانع؛ اإذ يدخل حتته جميع مدارك الأحكام كالن�س والإجماع والرباءة الأ�صلية)7(.

5- قيل: القيا�س هو العلم الواقع باملعلوم عن نظر)8(.وهذا التعريف باطل؛ لأنه غري مانع؛ اإذ يدخل فيه العلم احلا�ص��ل بالنظ��ر يف دللة الن�س اأو الإجماع، اأو القرائن احلالية اأو املقالية،

مع اأن هذا لي�س قيا�صا)9(.وغري هذا كثري من التعريفات التي اأبطلها العلماء.

ينظر: رفع احلاجب عن مختصر ابن احلاجب لتاج الدين ابن الس��بكي )4/ 149- )1(150( حتقي��ق علي محمد معوض، عادل أحمد عب��د املوجود، طبعة مكتبة عالم الكتب- بيروت، الطبعة األولى س��نة 1999م، ش��رح الش��يخ يوسف املرصفي

)ص: 6(.نهاية الوصول )7/ 3025(. )2(اإلحكام لآلمدي )3/ 168(. )3(

شرح الشيخ يوسف املرصفي )ص: 7- 8( )4(نهاية الوصول )7/ 3026(. )5(

املس��تصفى من علم األصول للغزالي )2/ 229( طبع��ة دار الفكر بدون تاريخ، )6(اإلحكام لآلمدي )3/ 168(.نهاية الوصول )7/ 3024(. )7(

املستصفى )2/ 229(، اإلحكام لآلمدي )3/ 168(. )8(نهاية الوصول )7/ 3024(. )9(

Page 84: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

84

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

ف القيا�س بعبارات فنية مر�ص��ية، وهذا النوع الفريببق الثاين: عرمن التعريفات للقيا�س تناقلها العلماء من�ص��وبة لأ�صحابها، غري اأن هوؤلء اختلف��وا يف تعريف القي�ا�س اختافا كبريا، وفيما يلي بيان لاأ�ص��باب التي اختلف��وا يف تعريف القيا�س من اأجلها، و�ص��وف اأجعل كل �ص��بب اأدى اإلى الختاف يف مطلب م�ص��تقل، فاأقول

وباهلل التوفيق:

املطلب األول

تعريف القياس بي احلد والرسم

اختلف الأ�صوليون يف اإمكانية حتديد القيا�س وبيان حقيقته وذلك على مذهبني:

املذهب الأول: اأنه يتعذر احلد احلقيقي)1( يف القيا�س، وما قيل يف

احلد احلقيقي: هو القول الدال على ماهية الشيء، وعند املناطقة عبارة عما مييز )1(الشيء عن غيره بذكر ذاتياته، وينقسم إلى تام وناقص:

فاحل��د التام: هو ما كان تعريفا للش��يء بذكر جميع ذاتيات��ه، إما مطابقة حنو جسم نام حس��اس مفكر بالقوة، أو تضمنا حنو حيوان ناطق، أي ما تركب من اجلنس والفصل القريبني، كتعريف اإلنس��ان باحليوان الناطق، فاحليوان جنس قريب لإلنس��ان، والناطق فصل قريب ل��ه أيضا، وأما كونه حدا؛ فألن احلد لغة املنع، وهو مانع من دخول الغير فيه، وأما كونه تاما؛ فلذكر جميع الذاتيات فيه

تضمنا، ويشترط في متام احلد تقدمي اجلنس على الفصل.واحلد الناقص: هو ما يكون بالفصل القريب وحده كتعريف اإلنس��ان بالناطق، أو به وباجلنس البعيد، كتعريف اإلنس��ان باجلسم الناطق، فاجلسم جنس بعيد لإلنس��ان، وأما كونه حدا؛ فألنه مانع من دخول الغير فيه، وأما كونه ناقصا؛

فلعدم ذكر جميع الذاتيات فيه ال مطابقة وال تضمنا.ينظر: ش��رح السلم للملوي مع حاشية الشيخ الصبان )ص: 82( طبعة مصطفى احللبي، الطبعة الثانية س��نة 1938م، التعريف��ات للجرجاني )ص: 112( حتقيق إبراهيم اإلبياري، طبعة دار الكتاب العربي– بيروت، الطبعة األولى سنة 1405ه�، املرشد الس��ليم في املنطق احلديث والقدمي لألستاذ الدكتور عوض اهلل حجازي

رحمه اهلل تعالى )ص: 82 - 83( الطبعة التاسعة سنة 1998م.

تعريفه فكلها ر�صوم)1(.وه��ذا ما ذهب اإليه اإمام احلرمن، واب��ن املنري من �رشاح الربهان،

وابن الأنباري رحمهم اهلل جميعا)2(. وعل��ل اإمام احلرمني ذلك: باأن الوفاء ب�رصائط احلدود �ص��ديد، بل احلد غري ممكن، خا�ص��ة فيما يرتكب من النفي والإثبات والقدمي واحلادث، فلي�ص��ت هذه الأ�ص��ياء جمموعة حتت خا�صية نوع ول

حتت حقيقة جن�س.والقي�ا���س ي�ص��تمل على حقائق خمتلفة كاحلك��م، فاإنه قدمي -كما ذه��ب اجلمهور- لأن��ه كام اهلل تعال��ى وكامه ق��دمي، والفرع والأ�ص��ل فاإنهما حادثان، وما ترك��ب من القدمي واحلادث يتعذر حتدي��ده وبيان حقيقته، واإنا املطلب الأق�ص��ى يف تعريف القيا�س

ر�صم يوؤن�س الناظر مبعنى املطلوب)3(. اأم��ا ابن املنري فقد علل تعذر حتديد القيا�س بكونه ن�ص��بة واإ�ص��افة وه��ي عدمية، والع��دم ل يرتكب من اجلن�س والف�ص��ل احلقيقيني

الوجوديني)4(.وعل��ى هذا املذهب فال�ص��بيل اإلى تعريف القيا�س اإنا هو بالر�ص��م

دون احلد. الرسم: هو اللفظ الشارح لش��يء بتعداد أوصافه الذاتية والالزمة حال كونهما )1(معا، أي ما كان بالذاتيات والعرضيات معا، أو بالعرضيات فقط، وهو ينقس��م

إلى تام وناقص:فالرس��م التام: هو ما تركب من اجلنس القريب واخلاصة الشاملة الالزمة حال كونهما معا، كتعريف اإلنسان باحليوان الضاحك، أو احليوان الكاتب، أما كونه رمسا؛ فألن الرسم لغة األثر واخلاصة من آثار احلقيقة الدالة عليها، وأما كونه تاما؛ فلمشابهته احلد التام من حيث إنه وضع فيه اجلنس القريب وقيد بأمر مختص به.والرس��م الناقص: ه��و ما يكون باخلاصة الش��املة الالزم��ة وحدها كتعريف اإلنسان بالضاحك، أو بها وباجلنس البعيد كتعريف اإلنسان باجلسم الضاحك، أو بعرضي��ات ختتص جملتها بحقيقة واحدة كتعريف اإلنس��ان بأنه ماش على قدميه، عريض األظفار، بادي البش��رة، مس��تقيم القامة، ضاحك بالطبع، أما كونه رمسا؛ فألن الرس��م لغة األثر واخلاصة من آثار احلقيقة الدالة عليها، وأما

كونه ناقصا؛ فلعدم ذكر جميع أجزاء الرسم التام ال مطابقة وال تضمنا. ينظر: شرح السلم للملوي مع حاشية الشيخ الصبان )ص: 82 – 83(، التعريفات

للجرجاني )ص: 148(، املرشد السليم )ص: 83 – 84(.البرهان )2/ 489 فقرة رقم 686(، البحر احمليط )4/ 4 - 5(. )2(

املرجع السابق. )3(البح��ر احملي��ط )4/ 4 - 5(، إرش��اد الفحول إلى حتقيق احل��ق من علم األصول )4(للشوكاني )2/ 578( حتقيق د/ شعبان محمد إمساعيل طبعة دار السالم– مصر،

الطبعة األولى سنة 1998م.

Page 85: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

85

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

املذهب الثاين: اأن القيا�س ميكن اأن يحد.وهذا ما ذهب اإليه جمهور الأ�صوليني)1(.

وعل��ل اجلمه��ور ذلك: ب��اأن القيا�س م��ن الأمور ال�ص��طاحية االعتبارية التي تكون حقائقها على ح�شب اال�شطلح واالعتبار، ا عند قوم ح�ص��ب ا�صطاحهم، يكون ر�صما عند فما يكون حد

اآخرين)2(. وه��ذا يبني اأن مراد اجلمه��ور من كون القيا�س ميك��ن حتديده اأنه ا ا�ص��ميا ا�ص��طاحيا، ول يحد باحل��د احلقيقي؛ ولذلك يحد حدميكن القول: اإن اخلاف بني املذهبني خاف لفظي؛ لأن كليهما يتفق على عدم اإمكانية حتدي��د القي�ا�س باحلد احلقيقي، واإنا يحد

بالر�صم وال�صم)3(.وعلى هذا فما �صياأتي من تعريفات للقيا�س اإنا هي ر�صوم اأو حدود

ا�صمية، ولي�صت حدودا حقيقة.

املطلب الثاني

القياس فعل اجملتهد أو من جعل الشارع

اختل��ف الأ�ص��وليون يف تعري��ف القي���ا�س، وكان من اأ�ص��ب�اب اختافهم اختاف اأنظارهم يف كون القيا�س فعل املجتهد وعمل امل�ص��تدل وفكرة امل�صتنبط، اأو هو من جعل ال�صارع وو�صعه �صواء نظر فيه املجتهد اأو ل ينظر، وقد اختلفوا يف ذلك على مذهبني:

املذهببب الأول: اأن القيا�س فعل املجتهد وعمل امل�ص��تدل وفكرة امل�صتنبط.

واإلى هذا ذهب اأكرث الأ�صوليني)4(.البحر احمليط )4/ 5(. )1(

نبراس العقول )ص: 13(. )2(ينظر: نبراس العقول )ص: 13 - 14(، بحوث في القياس لألستاذ الدكتور محمد )3(محم��ود فرغلي رحمه اهلل تعالى )ص: 53( طبع��ة دار الكتاب اجلامعي، الطبعة

األولى سنة 1983م.ينظر: نبراس العقول )ص: 31(، ش��رح الشيخ يوس��ف املرصفي على مباحث )4(

القياس من اإلحكام لآلمدي )ص: 20(.

ووجهة نظرهم: اأن القيا�س فعل القائ�س وعمل املجتهد، وجميع ا�ص��تعمالته تخرب بذلك، فيقال مثا: هذا قيا�س �ص��حيح، وذاك قيا�س فا�ص��د، فيقبل ويرد به��ذا العتبار، ويقال: ه��ذا قيا�س مع الف��ارق، وقيا�س مع نفي الفارق، اإلى غري ذلك من العبارات التي

ل تقال اإل على فعل املجتهد وعمل امل�صتدل)1(. واأي�ص��ا ف��اإن املجتهد هو ال��ذي يبحث يف املحل ال��ذي ل ين�س على حكمه حتى ي�ص��ل اإل��ى اجلامع بينه وب��ني املحل الذي ن�س على حكمه، فيحكم بالتماث��ل بينهما يف احلكم؛ لوجود اجلامع

بينهما. فون القيا�س باحلمل اأو التح�ص��يل اأو واأ�ص��حاب هذا املذهب يعرالإثبات اأو التعدية اأو الرد اأو ال�صتخراج، وما �صابه هذه العبارات،

وكل هذا من عمل املجتهد)2(، ومن هذه التعريفات:1- تعريف القا�صي اأبي بكر الباقاين رحمه اهلل تعالى: »القيا�س حمل اأحد املعلومني على الآخر، يف اإيجاب بع�س الأحكام لهما، اأو يف اإ�ص��قاطه عنهما، باأمر جمع بينهما من اإثبات �ص��فة وحكم

لهما، اأو نفي ذلك عنهما«)3(.2 - تعري��ف اأبي الولي��د الباجي رحمه اهلل تعال��ى: »حمل اأحد املعلوم��ني على الآخر يف اإيج��اب حكم اأو اإ�ص��قاطه باأمر يجمع بينهم��ا«)4(، ويكاد يكون هو تعريف الباقاين غري اأنه حذف منه

»من اإثبات �صفة وحكم لهما، اأو نفي ذلك عنهما«.3- تعريف اأبي اإ�ص��حاق ال�ص��ريازي رحم��ه اهلل تعالى: »القيا�س

حمل فرع على اأ�صل بعلة جامعة بينهما«)5(.

حاشية التفتازاني على شرح العضد ملختصر ابن احلاجب )2/ 205(. )1(نزهة املشتاق شرح اللمع ألبي إسحاق الشيرازي تأليف الشيخ محمد يحيى ابن )2(الش��يخ أمان رحمه اهلل تعالى )3/ 631( طبعة املكتبة العلمية مبكة املكرمة سنة

1951م.التلخيص في أصول الفقه للجويني )3/ 145( حتقيق عبد اهلل جولم النبالي وبشير )3(أحمد العمري، طبعة دار البش��ائر اإلس��المية – بيروت، س��نة 1996م، التقرير

والتحبير )3/ 119(. إح��كام الفصول في أحكام األصول للباجي )2/ 534 فقرة رقم 566( حتقيق عبد )4(

املجيد تركي طبعة دار الغرب اإلسالمي، الطبعة الثانية سنة 1995م.ش��رح اللمع للشيرازي )2/ 755 فقرة رقم 885( حتقيق عبد املجيد التركي طبعة )5(

دار الغرب اإلسالمي، الطبعة األولى سنة 1988م.

Page 86: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

86

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

4- تعريف حجة الإ�صام الغزايل رحمه اهلل تعالى: »حمل معلوم على معلوم يف اإثبات حكم لهما اأو نفيه عنهما باأمر جامع بينهما م��ن اإثبات حكم اأو �ص��فة اأو نفيهما عنهما«)1(، وهو قريب جدا

من تعريف الباقاين رحمه اهلل تعالى.5- تعري��ف ت��اج الدين ابن ال�ص��بكي رحم��ه اهلل تعالى: »حمل

معلوم على معلوم؛ مل�صاواته يف علة حكمه عند احلامل«)2(.6- تعريف اأبي احل�ص��ني الب�رصي -رحمه اهلل تعالى- فاإنه بعد اأن �صاق عدة تعاريف قال: » واأبني من هذا اأن يحد باأنه: حت�صيل حكم الأ�صل يف الفرع؛ ل�ص��تباههما يف علة احلكم عند املجتهد«)3(، ومبثله عرفه اأبو اخلطاب الكلوذاين احلنبلي اإل اأنه حذف منه لفظ:

»عند املجتهد«)4(.7- تعري��ف فخر الدين ال��رازي رحمه اهلل تعال��ى: »اإثبات مثل حك��م معلوم ملعلوم اآخ��ر؛ لأجل ا�ص��تباههما يف علة احلكم عند

املثبت«)5(. 8- تعريف القا�ص��ي البي�ص��اوي رحمه اهلل تعال��ى: »اإثبات مثل حك��م معل��وم يف معلوم اآخر؛ ل�ص��رتاكهما يف عل��ة احلكم عند

املثبت«)6(. وهو يف الأ�ص��ل تعريف الرازي اإل اأن البي�ص��اوي �ص��در املعلوم الآخ��ر بلفظ »يف« بدل »الام«، ثم ح��ذف منه كلمة »لأجل«،

واأتى بكلمة »ا�صرتاك« بدل كلمة »ا�صتباه«.9- تعريف �ص��در ال�رصيع��ة املحبوبي رحم��ه اهلل تعالى: »تعدية احلك��م من الأ�ص��ل اإل��ى الف��رع بعلة متح��دة ل ت��درك مبجرد

املستصفى )2/ 228(. )1(جمع اجلوامع البن الس��بكي مع شرحه جلالل الدين احمللي وحاشية البناني )2/ )2(

203( طبعة دار الفكر – بيروت سنة 1995م. املعتمد في أصول الفقه ألبي احلس��ني البص��ري )2/ 195( حتقيق خليل امليس، )3(

طبعة دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة األولى سنة 1403ه�.التمهي��د ف��ى أصول الفقه ألبي اخلط��اب )3/ 358(، حتقي��ق د/ مفيد محمد أبو )4(عمش��ة، د/ محمد بن علي بن إبراهيم، طبعة مؤسسة الريان، واملكتبة املكية،

الطبعة الثانية سنة 2000م.احملص��ول لل��رازي )5/ 11( حتقيق الدكتور طه جابر العلواني، طبعة مؤسس��ة )5(

الرسالة، الطبعة الثالثة سنة 1997م.املنهاج للبيضاوي مع شرحه نهاية السول لإلسنوي وحاشية الشيخ بخيت )2/4(. )6(

اللغة«)1(. 10- تعري��ف اأبي يعل��ى احلنبلي رحمه اهلل تعال��ى: »القيا�س رد

فرع اإلى اأ�صل بعلة جامعة بينهما«)2(.11- تعريف ال�ص��وكاين رحمه اهلل تعالى: »ا�صتخراج مثل حكم

املذكور ملا ل يذكر بجامع بينهما«)3(. املذهب الثاين: اأن القيا�س دليل ن�ص��به ال�صارع على احلكم، �صواء

نظر فيه املجتهد اأو ل ينظر.وهذا ما ذهب اإليه الأقلون من الأ�صوليني كالآمدي وابن احلاجب

والكمال بن الهمام رحمهم اهلل جميعا ومن حذا حذوهم.ووجهة نظرهم: اأن ال�ص��ارع هو الذي جعل الت�ص��وية بني الفرع والأ�ص��ل يف العلة دليا على الت�ص��وية بينهما يف احلكم، فو�ص��ع

ال�صارع العلة دليا على وجود حكم الأ�صل يف الفرع.فالقي�ا�س دليل ن�ص��به ال�ص��ارع؛ لي�ص��تنبط منه احلك��م كالكتاب وال�ص��نة، �صواء نظر فيه املجتهد اأو ل ينظر، فهو دليل موجود قبل

اجتهاد املجتهد)4(.واأ�ص��حاب ه��ذا املذهب يع��ربون عن جعل ال�ص��ارع وو�ص��عه بال�صتواء اأو امل�صاواة، وجاءت تعاريفهم للقيا�س على هذا النحو،

ومنها:1- تعريف الآمدي -رحمه اهلل تعالى- حيث قال: »املختار يف حد القيا�س اأن يقال: اإنه عبارة عن: ال�ص��تواء بني الفرع والأ�صل

يف العلة امل�صتنبطة من حكم الأ�صل«)5(. 2- تعريف ابن احلاجب رحمه اهلل تعالى: »م�ص��اواة فرع لأ�صل يف علة حكمه«)6(، وقد اختار هذا التعريف ال�صعد التفتازاين)7(،

التنقيح ومعه ش��رحه التوضيح لصدر الش��ريعة عبيد اهلل بن مسعود احملبوبي )1(ومعهما حاشية التلويح للتفتازاني )2/ 112(، حتقيق الشيخ زكريا عميرات، طبعة

دار الكتب العلمية - بيروت، سنة 1996م.العدة في أصول الفقه ألبي يعلى احلنبلي )1/ 107( حتقيق محمد عبد القادر أحمد )2(

عطا، طبعة دار الكتب العلمية –بيروت، الطبعة األولى سنة 2002م. إرشاد الفحول )2/ 578(. )3(نزهة املشتاق )3/ 631(. )4(

اإلحكام لآلمدي )3/ 174(. )5(مختصر املنتهى البن احلاجب مع شرحه للعضد )2/ 204(. )6(

التلويح على التوضيح للتفتازاني )2/ 112(. )7(

Page 87: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

87

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

وابن بدران الدم�صقي)1(. 3- تعري��ف الكمال بن الهمام رحمه اهلل تعالى: »م�ص��اواة حمل لآخ��ر يف عل��ة حك��م له �رصع��ي ل تدرك من ن�ص��ه مبج��رد فهم

اللغة«)2(. 4- تعري��ف حم��ب اهلل بن عب��د ال�ص��كور -رحم��ه اهلل تعالى- �صاحب م�ص��لم الثبوت: »م�صاواة امل�ص��كوت للمنطوق يف علة

احلكم«)3(. ف القيا�س بتعريف يحتمل املذهبني معا ومن وم��ن العلماء من عر

هوؤلء:1- اأبو من�صور املاتريدي -رحمه اهلل تعالى- حيث عرف القيا�س

باأنه: »اإبانة مثل حكم اأحد املذكورين مبثل علته يف الآخر«)4(. فاإن الإبانة يف التعريف ي�ص��ح حملها على اإبانة ال�صارع، فيكون التعري��ف جاريا على مذهب الأقلني، وي�ص��ح حمله��ا على اإبانة

املجتهد فيكون التعريف جاريا على مذهب الأكرثين.وق��د قال جمع م��ن احلنفية: اإن اأبا من�ص��ور املاتريدي اختار لفظ الإبان��ة؛ ليفيد اأن القيا�س مظهر للحكم ل مثبت له، بل املثبت هو

ال�صارع احلكيم)5(. ومقت�ص��ى هذا الق��ول اأن حتمل الإبانة على اإبان��ة املجتهد ل اإبانة ال�ص��ارع، فيك��ون التعريف جاري��ا على ما ذهب اإلي��ه الأكرثون

اأ�صحاب املذهب الأول.

املدخل إلى مذهب اإلمام أحمد لعبد القادر بن بدران الدمشقي )ص: 304( تعليق )1(الدكتور عبد اهلل بن عبد احملس��ن التركي، طبعة جامعة اإلمام محمد بن سعود

اإلسالمية، بدون تاريخ. التحرير مع شرحه التقرير والتحبير )3/ 117(، تيسير التحرير ألمير باد شاه )3/ )2(

264( طبعة دار الفكر، بدون تاريخ. مسلم الثبوت البن عبد الشكور مع شرحه فواحت الرحموت لعبد العلي األنصاري )3()2/ 246( طبعة دار الفكر مع كتاب املس��تصفى للغزالي رحمه اهلل تعالى، بدون

تاريخ.التقرير والتحبير )3/ 120 - 121(، تيس��ير التحرير )3/ 269(، مسلم الثبوت مع )4(

فواحت الرحموت )2/ 247(.ينظر: كشف األسرار على أصول البزدوي )3/ 268(، تيسير التحرير )3/ 269(، )5(ن��ور األنوار على املنار ملالجيون )2/ 197( مطبوع مع كتاب كش��ف األس��رار ش��رح املصنف على املنار ألبي البركات حافظ الدين النسفي، طبعة دار الكتب

العلمية– بيروت، الطبعة األولى سنة 1986ه�.

2- تعريف الن�صفي -رحمه اهلل تعالى- حيث قال: »تقدير فرع بالأ�صل يف احلكم والعلة«)1(.

فاإن التقدير يطلق لغة على الت�ص��وية اأو امل�ص��اواة كما مر يف املعنى اللغوي للقيا�س، وهما اأي الت�ص��وية اأو امل�صاواة فعل اهلل عز وجل، اأي ت�صويته تعالى حما باآخر، فيكون التعريف جاريا على مذهب

الأقلني من اأن القيا�س فعل ال�صارع)2(.ويحتمل اأي�ص��ا اأن يكون تقدير املجتهد، وهو الظاهر)3(، فيكون

جاريا على مذهب الأكرثين. وميكن اأن نقول: ل �ص��ك يف اأن القيا�س دليل �رصعي وحجة اإلهية مو�صوعة من ال�صارع ملعرفة اأحكامه؛ لأن ال�صارع هو الذي اعتربه

واأمر به، ولول اعتبار ال�صارع للقيا�س ما كان حجة اأ�صا.كما اأنه ال �ش��ك يف اأن ا�ش��تنباط حكم الف��رع بالقيا�ض، ومعرفة اأف��راد القيا���س، هو فعل املجته��د، وملا كانت معرف��ة القيا�س تتم بفع��ل املجتهد اأطلق القيا�س عل��ى فعله، وهذا ل ينايف كونه دليا ن�ص��به ال�ص��ارع كالإجماع، فاإنه من اأفعال املجتهدين وقد ن�صبه

ال�صارع دليا.وعلى هذا فالأولى اعتبار فعل املجتهد يف التعريف كما ذهب اإليه الأكرثون، واإن كان الدليل يف احلقيقة هو ال�صرتاك اأو امل�صاواة يف العلة؛ لأن جميع ا�صتعمالت القيا�س تنبئ عن كونه فعا للمجتهد حتى �ص��ار اإطاق ا�ص��م القيا�س على فعل املجتهد حقيقة عرفية؛ ولأن جمرد ال�صرتاك يف العلة اأو امل�صاواة من غري نظر املجتهد فيها

ل يرتتب عليها �صيء)4(.

كشف األسرار شرح املصنف على املنار ألبي البركات حافظ الدين النسفي )2/ )1( .)196

فتح الغفار بشرح املنار البن جنيم احلنفي )ص: 357( ومعه تعليقات الشيخ عبد )2(الرحمن البحراوي احلنفي، طبعة دار الكتب العلمية– بيروت، الطبعة األولى سنة

2001م. فواحت الرحموت )2/ 247(. )3(

ينظر: مس��لم الثبوت مع فواحت الرحموت )2/ 247(، حاش��ية الشيخ بخيت على )4(نهاية السول )4/ 2(، نبراس العقول )ص: 30(، بحوث في القياس )ص: 912(.

Page 88: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

88

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

املطلب الثالث

القياس بي اخملطئة واملصوبة

املخطئة: هم القائلون: لي�س كل جمتهد م�صيب بل امل�صيب واحد، ومن اأ�صلهم اأن احلق لي�س مبتعدد بل احلق واحد، واأنه لي�س هناك واقعة با حكم، فلله يف كل واقعة حكم معني، من اجتهد ووافقه

اأ�صاب ومن خالفه اأخطاأ وهو مثاب)1(.ومقت�ص��ى هذا الأ�ص��ل اأن القيا�س الذي يقوم ب��ه املجتهد مظهر

ئا له. للحكم ل مثبت له، وكا�صف عنه ولي�س من�صواأ�ص��حاب ه��ذا املذهب يتوافق معهم ما ذه��ب اإليه الأقلون من اأن القي��ا�س دليل �رصعي وحجة اإلهية �ص��واء نظر فيه املجتهد اأو ل ينظر، وهم املعرفون للقيا�س باأنه »م�ص��اواة«، وهم الآمدي وابن احلاجب وابن الهمام وابن عبد ال�صكور ومن حذا حذوهم؛ لأن املتبادر من لفظ امل�صاواة هي امل�صاواة احلقيقية اأي يف الواقع ونف�س

الأمر، وهي امل�صاواة عند اهلل تعالى)2(.كم��ا يتوافق معهم ما ذهب اإليه املاتريدي -رحمه اهلل تعالى- من اأن القيا�س »اإبانة«، وما ذهب اإليه الن�صفي من اأن القيا�س »تقدير«، اإن قلن��ا: اإن الإبان��ة هي اإبانة ال�ص��ارع، والتقدير هو الت�ص��وية اأو

. امل�صاواة من ال�صارع احلكيم كما مروامل�صوبة: هم القائلون: كل جمتهد م�صيب، ومن اأ�صلهم اأن احلق لي���س بواح��د بل متعدد، واأنه لي�س ل��كل واقعة حكم معني عند اهلل تعال��ى، بل احلكم فيه��ا يتبع ظن املجته��د)3(، والعمل بالظن واجب؛ لأن كل ما اأدى اإليه نظر املجتهد �ص��واب، حتى لو تبني غلطه ووجب الرجوع، فاإنه ال يقدح يف االأول، بل ذلك انقطاع

وه��ذا ما ذهب إليه عامة الس��لف، ونقله الكرخي ع��ن احلنفية جميعا، وبه أخذ )1(عام��ة احلنابلة، ينظر: التقرير والتحبير )3/ 306(، حاش��ية الش��يخ بخيت على نهاية الس��ول )4/ 560 - 561(، شرح مختصر الروضة )3/ 602(، املدخل البن

بدران )ص: 186(.التقرير والتحبير )3/ 117- 118(. )2(

وهذا القول نس��ب إلى األش��عري والقاض��ي الباقالني، بل نس��ب إلى جمهور )3(األشاعرة واملعتزلة، ينظر: نهاية السول بحاشية الشيخ بخيت )4/ 560(.

حلكمه لدليل �صحيح اآخر حدث، ولي�س اإبطال)1(.وه��ذا بخ��اف املخطئة فاإنه��م ل يرون ما ظه��ر غلطه ووجب الرج��وع عنه حمكوما ب�ص��حته اإلى زمان ظه��ور غلطه، بل كان

فا�صدا وتبني ف�صاده)2(.ومقت�ص��ى هذا الأ�ص��ل اأن القيا�س الذي يقوم ب��ه املجتهد مثبت

للحكم ل مظهر، ومن�صئ له ل كا�صف عنه.واأ�ص��حاب هذا املذهب يتوافق معهم ما ذهب اإليه الأكرثون من اأن القيا�س عمل املجتهد وعمل امل�ص��تدل وفكرة امل�ص��تنبط، وهم ف��ون للقيا�س باأنه »اإثب��ات« كالرازي ومن ح��ذا حذوه، اأو املعر»حت�صيل« على نحو ما فعل اأبو احل�صني الب�رصي ومن حذا حذوه

واإن كانوا من املخطئة.ف القيا�س باأنه »تعدية« وهو �صدر ال�رصيعة كما يتوافق مع من عر

املحبوبي؛ لأنه ف�رص التعدية بالإثبات.ف القيا�س باأنه »حم��ل« كالباقاين والباجي ويتواف��ق مع من عروال�ص��ريازي والغ��زايل وابن ال�ص��بكي ومن ح��ذا حذوهم؛ لأن

احلمل معناه الإثبات والإحلاق.قال ال�ص��يخ العط��ار رحمه اهلل تعالى: »امل��راد بحمل معلوم على

معلوم اإثبات حكمه له«)3(. وقال ابن ال�شبكي -رحمه اهلل تعالى- وهو ي�رشح تعريف الباقلين رحم��ه اهلل تعالى: »واملراد بحمل معلوم عل��ى معلوم: اإحلاقه به، وقول��ه: يف اإثبات حك��م... اإلى اآخره، بيان له��ذا الإحلاق، فاإن احلم��ل والإحلاق له جهات كثرية، فتبني اأنه يف هذه اجلهة؛ ولهذا

حذف بع�صهم اللفظ الأول وهو احلمل واكتفى بالثاين، فقال:القيا�س: اإثبات حكم معلوم ملعلوم«)4(.

ينظر: اآليات البينات البن قاس��م العبادي شرح جمع اجلوامع البن السبكي )ج: )1(4/ ص: 3( طبعة املطبعة األميرية س��نة 1289ه���، فواحت الرحموت )2/ 247(،

التقرير والتحبير )3/ 117(ينظر: ش��رح العضد على مختصر ابن احلاجب )2/ 205(، التحبير شرح التحرير )2(للمرداوي احلنبلي )7/ 3123( حتقيق الدكتور أحمد محمد الس��راح، طبعة مكتبة

الرشد– الرياض، الطبعة األولى سنة 2000م.حاشية العطار على شرح احمللي جلمع اجلوامع )2/ 240( طبعة دار الكتب العلمية– )3(

بيروت، الطبعة األولى سنة 1999م.رفع احلاجب عن مختصر ابن احلاجب )4/ 149- 150(. )4(

Page 89: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

89

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

كم��ا يتوافق معهم ما ذهب اإليه املاتريدي -رحمه اهلل تعالى- من اأن القيا�س »اإبانة«، وما ذهب اإليه الن�صفي من اأن القيا�س »تقدير«، اإن قلن��ا: اإن الإبان��ة هي اإبان��ة املجتهد، والتقدير هو الت�ص��وية اأو

. امل�صاواة من املجتهد كما مر

املطلب الرابع

ما يكون من العلة واحلكم في األصل والفرع

من اأ�ص��باب اختاف العلماء يف تعري��ف القي���ا�س اختافهم يف العل��ة واحلكم املوجودين يف الفرع، ه��ل هما عني العلة واحلكم املوجودي��ن يف الأ�ص��ل اأو مثلهم��ا؟ فذهب��وا يف ذل��ك اإلى ثاثة

مذاهب:املذهب األول: اأن العلة واحلكم املوجودين يف الفرع لي�ص��ا هما

عني العلة واحلكم املوجودين يف الأ�صل بل مثلهما.واإليه ذهب جماعة من الأ�ص��وليني منهم اأبو من�ص��ور املاتريدي،

وال�صمرقندي، والقا�صي ع�صد امللة والدين الإيجي)1(.وا�صتدلوا على ما ذهبوا اإليه مبا يلي:

اأول: باأن احلكم يت�صخ�س والعلة تتعني باملحل، فيت�صخ�س حكم الأ�صل وتتعني علته بالأ�صل، ويت�صخ�س حكم الفرع وتتعني علته بالفرع، فحكم الفرع لي�س هو عني حكم الأ�ص��ل بل مثله، وعلة الفرع لي�صت هي عني علة الأ�صل بل مثلها؛ لأن املعنى ال�صخ�صي

ل يقوم مبحلني)2(.يقول القا�صي ع�صد امللة والدين الإيجي يف �رصحه على خمت�رص ابن احلاجب: »فا بد اأن يعلم علة احلكم يف الأ�صل ويعلم ثبوت مثلها يف الف��رع؛ اإذ ثبوت عينها مما ل يت�ص��ور؛ لأن املعنى ال�صخ�ص��ي كشف األسرار على أصول البزدوي )3/ 268(، التقرير والتحبير )3/ 120- 121( )1(مي��زان األصول في نتائ��ج العقول لعالء الدين الس��مرقندي )ص: 554( حتقيق الدكتور محمد زكي عبد البر، طبعة مكتبة دار التراث، بدون تاريخ، شرح العضد على مختصر ابن احلاجب )2/ 205(، مس��لم الثبوت مع ش��رحه فواحت الرحموت

.)249 /2(التقرير والتحبير )3/ 121(، تيسير التحرير )3/ 268(. )2(

ل يق��وم بعين��ه مبحل��ني، وبذل��ك يح�ص��ل ظ��ن مث��ل احلكم يف الفرع«)1(.

ثاني��ا: اأن عني احلكم -من احل��ل واحلرمة والوجوب واجلواز-

وع��ني العلة و�ص��فان لاأ�ص��ل فا يت�ص��وران يف غ��ريه، فيكون املوجود يف الفرع مثلهما، واإل لزم القول بانتقال الأو�صاف)2(.

ويلزم اأ�صحاب هذا املذهب اأن ين�صوا يف تعريف القيا�س على املثلية، فيذكروا يف تعريفه: »مثل احلكم« و»مثل العلة«؛ احرتازا عن لزوم القول بانتقال الأو�ص��اف، فاإنه ل��و ل يذكر لفظ املثل يلزم ذلك.

ولذلك: 1- ع��رف اأبو من�ص��ور املاتري��دي -رحمه اهلل تعال��ى- القيا�س بقول��ه: »اإبانة مثل حكم اأحد املذكورين مبثل علته يف الآخر«)3(،

فن�س على املثلية يف احلكم والعلة.2- ومبثله متاما عرف ال�ص��مرقندي -رحم��ه اهلل تعالى- القيا�س فق��ال: »القي��ا�س اإبان��ة مثل حكم اأحد املذكوري��ن مبثل علته يف

الآخر«)4(. املذهب الثبباين: اأن العلة واحلكم املوجودي��ن يف الفرع هما عني

العلة واحلكم املوجودين يف الأ�صل.فعلة الفرع هي علة الأ�صل، وحكم الفرع هو حكم الأ�صل.

وهذا ما ذهب اإليه كثري من الأ�ص��وليني منهم الباجي، والآمدي، التحري��ر، و�ص��ارحا الهم��ام ب��ن والكم��ال احلاج��ب واب��ن

وغريهم)5(.وقد ا�صتدلوا على ما ذهبوا اإليه:

اأول: ب��اأن وحدة الذات ل متنع من تع��دد املتعلقات، فاحلكم يف كل من الأ�ص��ل والفرع واحد له اإ�ص��افتان، في�صاف اإلى الأ�صل

شرح العضد على مختصر ابن احلاجب )2/ 205( . )1(ينظر: ميزان األصول )ص: 554(، كش��ف األس��رار على أص��ول البزدوي )3/ )2(

.)268كشف األسرار )3/ 268(، تيسير التحرير )3/ 276(. )3(

ميزان األصول )ص: 554(. )4(إحكام الفصول في أحكام األصول للباجي )2/ 534 فقرة رقم 566(، اإلحكام لآلمدي )5()3/ 174(، مختصر املنتهى البن احلاجب مع ش��رحه للعضد )2/ 204(، التقرير والتحبير )3/ 121(، تيس��ير التحرير )3/ 268(، جمع اجلوامع مع شرحه للمحلي وحاش��ية البناني )2/ 203(، مسلم الثبوت مع شرحه فواحت الرحموت )2/ 249(.

Page 90: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

90

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

باعتبار تعلقه به، وبهذا العتبار ي�ص��مى حكم الأ�ص��ل، وي�صاف اإلى الفرع وي�ص��مى حكم الفرع، فاحلكم واحد ل يتعدد يف ذاته بتعدد املحل، بل هو واحد له تعلق بكثريين، كما اأن القدرة �صفة واح��دة قائمة بذات��ه تعالى ولها تعلقات بالن�ص��بة اإلى املقدورات

كلها، ول ت�صري اأ�صياء متعددة.ثانيا: اأن العلة الباعثة على احلكم يف الأ�صل هي بعينها العلة الباعثة عل��ى احلكم يف الفرع، فاإن الو�ش��ف املنوط ب��ه احلكم لي�ض هو الو�ص��ف اجلزئي -كاإ�ص��كار اخلمر مثا- بل هو الو�صف الكلي -مثل مطلق اإ�صكار- واإل لكان الو�صف قا�رصا ل يتعدى احلكم

به اإلى غري حمله.والو�ص��ف الكلي الذي ثبت به احلكم ثابت يف كل من الأ�ص��ل والف��رع باعتب��ار اأفراد كل منهم��ا؛ فاإن اخلمر مث��ا مفهوم حتته جزئيات ل حت�ص��ى وكذا النبيذ، فامل�ص��تمل على املف�صدة املنا�صبة للتح��رمي يف اخلم��ر مث��ا اإنا ه��و الو�ص��ف الكلي وه��و مطلق

الإ�صكار، وهو ثابت يف املحال كلها)1(.واأ�صحاب هذا املذهب ل ين�صون يف تعريف القيا�س على املثلية،

فا يذكرون فيه مثل احلكم ول مثل العلة؛ لذلك:1- عرف الآمدي -رحمه اهلل تعالى- القيا�س بقوله: »ال�ص��تواء

بني الفرع والأ�صل يف العلة امل�صتنبطة من حكم الأ�صل«)2(.2- وعرف��ه ابن احلاج��ب -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »م�ص��اواة

فرع لأ�صل يف علة حكمه«)3(.3- وعرفه الكمال بن الهمام -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »م�صاواة حمل لآخ��ر يف علة حكم له �رصعي ل تدرك من ن�ص��ه مبجرد فهم

اللغة«)4(.املذهب الثالث: اأن علة الفرع هي علة الأ�ص��ل بعينها، اأما حكم

الفرع فلي�س عني حكم الأ�صل بل هو مثله.وهذا ما ذه��ب اإليه الفخر ال��رازي واأتباعه، وال�ص��في الهندي،التقرير والتحبير )3/ 121(، تيسير التحرير )3/ 269(، نبراس العقول )ص: 23(. )1(

اإلحكام لآلمدي )3/ 174(. )2(مختصر املنتهى البن احلاجب مع شرحه للعضد )2/ 204(. )3(

التحرير مع شرحه التقرير والتحبير )3/ 117(، تيسير التحرير )3/ 264(. )4(

وال�صوكاين، وارت�صاه ال�صيخ عي�صى منون من املعا�رصين رحمهم اهلل جميعا)1(.

وقد ا�صتدل اأ�صحاب هذا املذهب على ما ذهبوا اإليه من كون علة الفرع هي بعينها علة الأ�ص��ل مبثل ما ا�صتدل به الكمال بن الهمام من اأ�ص��حاب املذهب الثاين من كون الو�صف الكلي الذي ثبت به احلكم ثابتا يف كل من الأ�صل والفرع باعتبار اأفراد كل منهما، واأن امل�ص��تمل على املف�صدة املنا�صبة للتحرمي يف اخلمر مثا اإنا هو الو�صف الكلي وهو مطلق الإ�صكار وهو ثابت يف املحال كلها.

ولذلك قال ال�ص��يخ عي�صى منون -رحمه اهلل تعالى- بعد اأن ذكر كام ابن الهمام ال�ص��ابق: »وهذا كام وجيه يرد على من قال يف

تعريف القيا�س: لوجود مثل علته فيه«)2(.اأما ك��ون حكم الفرع لي�س عني حكم الأ�ص��ل بل هو مثله، فقد ا�ص��تدلوا عليه مبثل ما ا�ص��تدل به اأ�ص��حاب املذه��ب الأول، من ا�صتحالة قيام امل�صخ�س املعني مبحلني، وقد ت�صخ�س احلكم وتعني

بالأ�صل فا يقوم بغريه، فيكون الثابت يف الفرع مثله)3(.ولذل��ك قال الإ�ص��نوي -رحم��ه اهلل تعالى- يف �رصح��ه لتعريف القا�ص��ي البي�ص��اوي للقيا�س عند قوله: »مثل«: »واأ�صار به اأي�صا اإلى اأن احلكم الثابت يف الفرع لي�س هو عني الثابت يف الأ�ص��ل،

فاإن ذلك م�صتحيل، بل الثابت مثله«)4(. واأ�صحاب هذا املذهب ين�صون يف تعريفهم للقيا�س على املثلية يف

احلكم دون العلة؛ لذلك:

احملصول للرازي )5/ 11(، املنهاج للبيضاوي مع شرحه نهاية السول لإلسنوي )1(وحاشية الشيخ بخيت )4/ 2(، نهاية الوصول للصفي الهندي )7/ 3035(، إرشاد

الفحول )2/ 578(، نبراس العقول )ص: 16- 17، 22- 23(.ينظر: نبراس العقول )ص: 23(. )2(

أصول الفقه للشيخ »أبو النور زهير« )4/ 9(. )3(نهاية السول بحاشية الشيخ بخيت )4/ 3(. )4(

ومثل ما قاله اإلسنوي قاله الصفي الهندي وهو يتحدث عن تعريف أبي احلسني البصري، حيث قال: »واعلم أنه ليس في حد أبي احلسني ما يقدح فيه سوى أنه ذكر فيه لف��ظ األصل والفرع، وقد عرفت ما فيه، وأنه جعله عبارة عن: حتصيل حك��م األصل في الفرع، وهو محال؛ فإن حكم األصل ال ميكن حتصيل عينه في الفرع، بل املمكن حتصيل مثله، فإذا أزيل عنه ذلك بقي احلد سليما عن القوادح، فاألولى أن يورد هكذا أنه: حتصيل مثل حكم معلوم ملعلوم آخر؛ الشتباههما في علة احلكم عند املثبت، وعند هذا ال يبقى فيه خلل ألبتة« )نهاية الوصول 7/ 3035(.

Page 91: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

91

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

1- عرف الرازي -رحمه اهلل تعالى- القيا�س فقال: »اإثبات مثل حك��م معلوم ملعلوم اآخ��ر؛ لأجل ا�ص��تباههما يف علة احلكم عند

املثبت«)1(، فذكر املثلية يف احلكم ول يذكرها يف العلة.2- وعرفه القا�صي البي�صاوي -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »اإثبات مثل حكم معلوم يف معلوم اآخر؛ ل�ص��رتاكهما يف علة احلكم عند

املثبت«)2(. 3- وعرفه ال�صوكاين -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »ا�صتخراج مثل

حكم املذكور ملا ل يذكر بجامع بينهما«)3(. واملتاأمل فيما �ص��بق يجد اأن القائلني ب��اأن حكم الفرع وعلته هما عني حكم الأ�صل وعلته، دليلهم اأقوى ومذهبهم اأرجح، وما قاله الذاهبون اإلى املثلية ل�صتحالة قيام امل�صخ�س املعني مبحلني مردود مب��ا قاله الكمال بن الهم��ام يف حتريره)4(، م��ن اأن هذا يتحقق يف العر�س ال�صخ�ص��ي كالبيا�س املخ�صو�س القائم بثوب خم�صو�س، فاإنه ي�ص��تحيل اأن يق��وم بعينه بج�ص��م اآخر، اأما ما نح��ن فيه فهو اإ�ص��افات، وتعدد الإ�صافة ل مينع ال�صخ�ص��ية، فالتحرمي امل�صاف

اإلى اخلمر هو بعينه امل�صاف اإلى النبيذ.فاحلكم وهو اخلطاب و�ص��ف متحقق يف اخلارج، قائم به تعالى، ويختل��ف بالإ�ص��افة والعتب��ار، في�ص��اف اإلى الأ�ص��ل، وبهذا العتبار ي�ص��مى حكم الأ�ص��ل، وهذا يك�ص��فه الن�س، وي�صاف اإل��ى الفرع، وبهذا العتبار ي�ص��مى حكم الفرع، وهذا يك�ص��فه

القيا�س، فاحلكم واحد �صخ�صي ل يتعدد يف ذاته بتعدد حماله.وكذا العلة الباعثة واحدة يف الأ�ص��ل والفرع، ول يلزم من ذلك قيام م�شخ�ض مبحلن؛ الأن الو�شف املنوط به احلكم هو الو�شف الكل��ي - كمطلق الإ�ص��كار مثا- وهو ثاب��ت يف املحال كلها، ولي�س هو الو�صف اجلزئي -كاإ�صكار اخلمر مثا- لأنه قا�رص على

اخلمر ميتنع تعديته؛ لمتناع تعدية العلة القا�رصة.والظاه��ر اأن ه��ذا اخل��اف لفظي؛ لأن م��ن راعى الإ�ص��افة يف

احملصول للرازي )5/ 11(. )1(املنهاج للبيضاوي مع شرحه نهاية السول لإلسنوي وحاشية الشيخ بخيت )4/ 2(. )2(

إرشاد الفحول )2/ 578(. )3(ينظر: التحرير ومعه شرحه التقرير والتحبير )3/ 121(. )4(

ت�ص��خي�س احلكم والعلة منع اأن يكون احلك��م والعلة بعينهما يف املحلني، ومن ل يراع ذلك ل مينع كونهما واحدا يف املحلني)1(.

املطلب اخلامس

ما يعبر به عن املقيس واملقيس عليه

م��ن الأ�ص��باب الت��ي اأدت اإلى اخت��اف الأ�ص��وليني يف تعريف القي���ا�س، اختافهم فيما يع��رب به عن املقي�س واملقي�س عليه، فقد

تعددت مذاهبهم يف التعبري عنهما على النحو التايل:املذهب الأول: التعبري عنهما ب� »املعلوم«.

وممن عرب بهذا التعبري القا�صي الباقاين، والغزايل، والرازي، وابن ال�صبكي -رحمهم اهلل جميعا- ومن حذا حذوهم)2(.

وف�ص���روا املعلوم باأنه املدرك املت�ص��ور، في�ص��مل العلم امل�صطلح علي��ه والعتقاد والظن، والفقهاء يطلق��ون لفظ املعلوم على هذه

الأمور)3(.وعللوا تعبريه��م عن املقي��س واملقي�س علي��ه باملعلوم، باأن املعلوم يتناول املوجود واملعدوم، �ص��واء كان املعدوم جائزا ممكنا -وهو كثري يف الفقه الفر�ص��ي- اأو حمال ممتنع��ا، كقيا�س عدم املكان هلل تعالى على عدم اجل�صمية يف وجوب اعتقاده بجامع اأن كا منهما فيه تنزيه هلل عن �صمات احلوادث؛ لأن القيا�س يجري يف املوجود واملعدوم بق�ص��ميه املمكن واملمتنع، كما اأن التعبري باملعلوم يتناول

النفي والإثبات)4(.واأ�صحاب هذا املذهب يف تعريفهم للقيا�س يذكرون هذا التعبري؛

بحوث في القياس )ص: 57(. )1(ينظ��ر: البرهان )2/ 487 ف 681(، املس��تصفى )2/ 228(، احملصول )5/ 11(، )2(جمع اجلوامع البن الس��بكي مع شرحه جلالل الدين احمللي وحاشية البناني )2/

203(، إحكام الفصول للباجي )2/ 534 فقرة رقم 566(، البحر احمليط )5/ 8(.ينظر: نهاية الس��ول بحاش��ية الش��يخ بخيت )4/ 3(، تش��نيف املسامع بجمع )3(اجلوامع للزركشي )2/ 29( حتقيق أبي عمرو احلسيني، طبعة دار الكتب العلمية،

بيروت، الطبعة األولى سنة 2000م. البره��ان )2/ 487 ف 681(، اإلح��كام لآلم��دي )2/ 170(، نهاية الوصول )7/ )4(

3027(، إرشاد الفحول )2/ 577(، نبراس العقول )ص: 20- 21(.

Page 92: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

92

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

ولذلك:1- عرف��ه الباق��اين -رحم��ه اهلل تعال��ى- بقول��ه: »حمل اأحد املعلوم��ني على الآخ��ر، يف اإيجاب بع�س الأح��كام لهما، اأو يف اإ�ص��قاطه عنهما، باأمر جمع بينهما من اإثبات �صفة وحكم لهما،

اأو نفي ذلك عنهما«)1(.2- وعرف��ه اأبو الوليد الباجي -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »حمل اأحد املعلومني على الآخر يف اإيجاب حكم اأو اإ�صقاطه باأمر يجمع

بينهما«)2(.3- وعرفه حجة الإ�ص��ام الغ��زايل -رحمه اهلل تعال��ى- بقوله: »حمل معلوم على معل��وم يف اإثبات حكم لهما، اأو نفيه عنهما، باأمر جامع بينهما من اإثبات حكم اأو �صفة اأو نفيهما عنهما«)3(.

4- وعرف��ه ال��رازي -رحم��ه اهلل تعال��ى- بقول��ه: »اإثبات مثل حك��م معل��وم ملعلوم اآخر لأجل ا�ص��تباههما يف عل��ة احلكم عند

املثبت«)4(. 5- وعرفه القا�صي البي�صاوي -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »اإثبات مث��ل حكم معلوم يف معلوم اآخر ل�ص��رتاكهما يف علة احلكم عند

املثبت«)5(. 6- وعرف��ه ت��اج الدي��ن اب��ن ال�ص��بكي -رحم��ه اهلل تعال��ى- بقول��ه: »حمل معلوم على معلوم مل�ص��اواته يف عل��ة حكمه عند

احلامل«)6(.املذهب الثاين: التعبري عنهما ب� »املذكور«.

وممن عرب به��ذا التعب��ري اأبو من�ص��ور املاتريدي، وال�ص��مرقندي، وال�صوكاين رحمهم اهلل جميعا)7(.

التلخيص في أصول الفقه للجويني )3/ 145(، التقرير والتحبير )3/ 119(. )1(إحكام الفصول للباجي )2/ 534 فقرة رقم 566(. )2(

املستصفى )2/ 228(. )3(احملصول للرازي )5/ 11(. )4(

املنهاج للبيضاوي مع شرحه نهاية السول لإلسنوي وحاشية الشيخ بخيت )4/ 2(. )5(جمع اجلوامع البن الس��بكي مع شرحه جلالل الدين احمللي وحاشية البناني )2/ )6(

.)203ينظر: التقرير والتحبير )3/ 120- 121(، كشف األسرار على أصول البزدوي )3/ )7(397(، مسلم الثبوت مع فواحت الرحموت )2/ 247(، ميزان األصول )ص: 554(،

إرشاد الفحول )2/ 578(.

وعلل اأ�ص��حاب هذا املذه��ب تعب��ي�رهم ع��ن املقي���س واملقي�س علي��ه باملذكورين باأن ذلك ي�ص��مل القيا�س ب��ني املوجودين وبني املعدومني؛ كقيا�س عدمي العقل ب�ص��بب اجلن��ون على عدمي العقل ب�ش��بب ال�شغر يف �شقوط اخلطاب عنه بالعجز عن فهم اخلطاب،

واأداء الواجب)1(.قال ال�ص��مرقندي رحم��ه اهلل تعالى: »واإنا ذكرن��ا »املذكورين« دون ال�ص��يئني ودون الأ�ص��ل والفرع؛ حتى يكون القيا�س �صاما للمع��دوم واملوج��ود؛ لأن املعدوم يذك��ر وي�ص��مى واإن ل يكن

�صيئا«)2(. وه��ذا التعلي��ل بعينه هو تعليل اأ�ص��حاب املذه��ب الأول، ولعل هذا التعليل اأي�ص��ا هو الذي جع��ل الكمال بن الهمام -رحمه اهلل تعال��ى- يعرب ع��ن املقي��س واملقي�س عليه باملحل فقال: »م�ص��اواة حمل لآخر... «)3(، وجعل ابن عبد ال�ص��كور -رحمه اهلل تعالى- يعرب عن املقي�س بامل�ص��كوت وعن املقي�س عليه باملن�صو�س فقال: »م�ص��اواة امل�صكوت للمن�صو�س... «)4( حيث ل يعلل اأي منهما

ملا عرب به.واأ�صحاب هذا املذهب يف تعريفهم للقيا�س يذكرون هذا التعبري؛

ولذلك:1- عرفه اأبو من�صور املاتريدي -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »اإبانة

مثل حكم اأحد املذكورين مبثل علته يف الآخر«)5(. 2- وعرفه ال�صمرقندي -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »القيا�س اإبانة

مثل حكم اأحد املذكورين مبثل علته يف الآخر«)6(.3- وعرفه ال�صوكاين -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »ا�صتخراج مثل

حكم املذكور ملا ل يذكر بجامع بينهما«)7(.املذهب الثالث: التعبري عن املقي�س ب� »الفرع«، وعن املقي�س عليه

كشف األسرار على أصول البزدوي )3/ 397(. )1(ميزان األصول )ص: 554(. )2(

التحرير مع شرحه التقرير والتحبير )3/ 117(. )3(مسلم الثبوت مع شرحه فواحت الرحموت )2/ 246(. )4(

التقرير والتحبير )3/ 120- 121(، التلويح على التوضيح )2/ 113(. )5(ميزان األصول )ص: 554(. )6(إرشاد الفحول )2/ 578(. )7(

Page 93: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

93

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

ب� »الأ�صل«.ومم��ن عرب بهذا التعبري اأبو احل�ص��ني الب�رصي، واأب��و يعلى احلنبلي، واأبو اإ�ص��حاق ال�صريازي، والآمدي، وابن احلاجب، والتفتازاين،

ومن حذا حذوهم)1(. وعلل اأ�ص��حاب هذا املذهب تعبريهم ع��ن املقي��س بالفرع وعن املقي�س عليه بالأ�صل باأن فيه فائدة وهي خروج ما لو كان اأحدهما لي�س اأ�ص��ا لاآخر فا يكون قيا�صا؛ كالرب وال�صعري املت�صاويني يف علة حرمة الربا، فاإن اأحدهما لي�س اأ�ص��ا لاآخر؛ لأن حرمة الربا

ثابتة فيهما بالن�س)2(.وميك��ن اأن يعرت�س على ه��ذا التعليل باأن مثل هذه ال�ص��ورة التي ذك��رمت خارجة عن تعريف القيا�س؛ لأن اإثبات حكم املقي�س عليه للمقي���س اإنا يكون لا�صرتاك يف علة احلكم، فا ي�صمل مثل هذه ال�صورة؛ لأن اإثبات احلكم فيها بالن�س ل بال�صرتاك يف العلة)3(.

واأ�صحاب هذا املذهب يف تعريفهم للقيا�س يذكرون هذا التعبري؛ ولذلك:

1- عرفه اأبو احل�ص��ني الب�رصي بقوله: »حت�صيل حكم الأ�صل يف الفرع ل�صتباههما يف علة احلكم عند املجتهد«)4(.

2- وعرفه اأبو يعلى -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »القيا�س رد فرع اإلى اأ�صل بعلة جامعة بينهما«)5(.

3- وعرفه اأبو اإ�ص��حاق ال�ص��ريازي -رحم��ه اهلل تعالى- بقوله: »القيا�س حمل فرع على اأ�صل بعلة جامعة بينهما«)6(.

4- وعرف��ه الآمدي -رحم��ه اهلل تعالى- بقوله: »ال�ص��تواء بني الفرع والأ�صل يف العلة امل�صتنبطة من حكم الأ�صل«)7(.

5- وعرف��ه ابن احلاج��ب -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »م�ص��اواةينظر: املعتمد )2/ 195(، العدة )1/ 107(، شرح اللمع للشيرازي )2/ 755 فقرة رقم )1(885(، اإلحكام لآلمدي )3/ 174(، املختصر مع شرحه للعضد )2/ 204(، التلويح على التوضيح للتفتازاني )2/ 112(، املدخل البن بدران الدمش��قي )ص: 304(.

تشنيف املسامع )2/ 29(. )2(ينظر: نبراس العقول )ص: 22(. )3(

املعتمد ألبي احلسني البصري )2/ 195(. )4(العدة )1/ 107(. )5(

شرح اللمع للشيرازي )2/ 755 فقرة رقم 885(. )6(اإلحكام لآلمدي )3/ 174( )7(

فرع لأ�صل يف علة حكمه«)1(.وق��د ورد على تعبريهم ع��ن املقي���س بالفرع وع��ن املقي�س عليه

بالأ�صل اعرتا�صات منها:اأول: اأن التعبري بالأ�صل والفرع يوهم الدور)2(؛ لأنه حينئذ يكون معنى الأ�ص��ل هو املقي�س عليه، ومعن��ى الفرع هو املقي�س، وهما -اأي املقي��س واملقي�س عليه م�ص��تقان من القيا�س، وت�صور امل�صتق يتوقف على ت�ص��ور امل�صتق منه، فيتوقف ت�صورهما على ت�صوره، ول��و اأخ��ذا يف تعريفه لتوقف ت�ص��وره على ت�ص��ورهما؛ لتوقف ت�صور املعرف على ت�صور اأجزاء تعريفه، فيكون ت�صور كل منهما

متوقفا على الآخر، وهذا هو حقيقة الدور)3(.وق��د ح��اول ال�ص��عد التفت��ازاين -رحم��ه اهلل تعال��ى- دفع هذا العرتا�س باأن املراد بالأ�ص��ل حمل احلكم املعلوم ثبوته فيه بالن�س اأو الإجم��اع، واملراد بالفرع حمل احلك��م املطلوب اإثباته فيه، فا دور؛ لأن املراد بهما ذات الأ�ص��ل والفرع، فمثا اإذا ق�صنا الذرة عل��ى الرب يف حرمة الربا، فالأ�ص��ل هو الرب، والف��رع هو الذرة؛ لبتنائه��ا عليه يف احلكم، واملوقوف على القيا�س و�ص��فا الفرعية والأ�ص��لية، فاجلهة منفكة وحينئذ ل يتحقق الدور، ف�صا عن اأن

املراد يدفع الإيراد)4(.وميك��ن اأن يرد عليه باأن هذا املراد خاف مقت�ص��ى ظاهر اللفظ؛ لأن املتبادر من اإطاق الو�صف -اأ�صل وفرع- اإرادة الذات مع ما ق��ام بها من ذلك املعنى، فاإرادة الذات جمردة عنه ملحوظة بعنوان اآخر خاف مقت�ص��اه، ثم هذه عناية ينبو عنها التعبري خا�ص��ة يف

مقام التعريف)5(.مختصر املنتهى البن احلاجب مع شرحه للعضد )2/ 204(. )1(

التعبي��ر بتوهم ال��دور دون لزومه؛ من أجل أن األصل قد ي��راد به في اإلطالق )2(اللغوي م��ا يبنى عليه غيره، وكذا الفرع قد يراد به م��ا بني على غيره، وحينئذ ال يك��ون ذكرهما في التعريف محققا للدور، ألن القياس يتوقف عليهما باملعنى االصطالح��ي، وهما ال يتوقفان عليه لعدم االش��تقاق منه. )ينظر: أصول الفقه

ألبي النور زهير4/ 12-11(.ينظر: رفع احلاجب )4/ 141(، نهاية الس��ول )4/ 3(، التقرير والتحبير )3/ 118(، )3(

تيسير التحرير )3/ 264(، نبراس العقول )ص 21 – 22(.حاشية التفتازاني على شرح العضد على مختصر ابن احلاجب )2/ 205(، التلويح )4(

على التوضيح )2/ 112(. ينظر: التقرير والتحبير )3/ 118(، تيسير التحرير )3/ 264(. )5(

Page 94: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

94

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

ثاني��ا: اأن التعبري بالأ�ص��ل والف��رع فيه اإيه��ام اأن املحلني ل بد اأن يكون��ا وجوديني؛ لأن الأ�ص��ل م��ا تولد منه ال�ص��يء، والفرع ما تولد عن ال�ص��يء، وال�ص��يء عب��ارة عن الثابت يف نف�ص��ه املتقرر، وهو خ�ص��و�س املوجود دون املعدوم عند الأ�صاعرة، وخ�صو�س املوج��ود واملعدوم املمكن عند املعتزلة، فا ي�ص��مل لفظ ال�ص��يء املعدوم املمتنع اتفاقا، ول ي�ص��مل املعدوم املمكن عند الأ�صاعرة، والقيا�س كما يجري يف املوجودات يجري يف املعدومات املمكنة

وامل�صتحيلة)1(.ولأجل هذه الأوهام فالأولى عدم ا�صتعمالهما؛ اإذ ينبغي اأن ت�صان

التعريفات عن الإيهام.املذهب الرابع: التعبري عنهما ب� »ال�صيء«.

وممن ع��رب بهذا التعبري القا�ص��ي عب��د اجلبار الهم��ذاين املعتزيل، والأ�ص��تاذ اأبو بك��ر بن فورك، واأبو ها�ص��م اجلبائ��ي رحمهم اهلل

تعالى)2(.واأ�صحاب هذا املذهب يف تعريفهم للقيا�س يذكرون هذا التعبري؛

ولذلك:1- عرفه القا�ص��ي عبد اجلبار -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »حمل

ال�صيء على ال�صيء يف بع�س اأحكامه ب�رصب من ال�صبه«)3(. 2- وعرف��ه اأبو بكر بن فورك -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »حمل

ال�صيء على ال�صيء لإثبات حكم بوجه �صبه«)4(.3- وعرفه اأبو ها�ص��م -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »حمل ال�ص��يء

على غريه باإجراء حكمه عليه«)5(.وي��رد على هذا التعب��ري عن املقي�س واملقي�س عليه ب� »ال�ص��يء« اأنه يجعل القيا�س خا�ص��ا باملوجود فقط عند الأ�صاعرة، اأو باملوجود

واملعدوم املمكن فقط عند املعتزلة؛ ملا تقدم اأن ال�صيء ا�صطاحاينظر: تش��نيف املس��امع )2/ 29(، نبراس العقول )ص: 22(، أصول الفقه ألبي )1(

النور زهير )4/ 11(، طبعة دار البصائر، القاهرة، الطبعة األولى سنة 2007م.ينظر: املعتمد )2/ 195(، البرهان )2/ 488 ف 684(، اإلحكام لآلمدي )3/ 169(، )2(

البحر احمليط )ج 4/ ص 5(، التحبير شرح التحرير )7/ 3124(.املعتمد )2/ 195(، اإلحكام لآلمدي )3/ 169(، البحر احمليط )ج 4/ ص 5(. )3(

البرهان )2/ 488 ف 684(. )4(املعتمد )2/ 195(، اإلحكام لآلمدي )3/ 169(، رفع احلاجب )4/ 148(. )5(

عب��ارة عن الثاب��ت املتقرر، وهو عند الأ�ص��اعرة خا�س باملوجود فا ي�ص��دق على املعدوم عندهم اأ�ص��ا، وعن��د املعتزلة -ومنهم القا�ص��ي عبد اجلبار واأبو ها�صم- خا�س باملمكن مطلقا موجودا اأو معدوم��ا، فا ي�ص��مل لفظ ال�ص��يء املعدوم املمتن��ع اتفاقا، ول ي�ص��مل املعدوم املمكن عند الأ�ص��اعرة، والقيا�س كما يجري يف

املوجودات يجري يف املعدومات املمكنة وامل�صتحيلة)1(.ف��اإن قيل: اإن املراد بال�ص��يء معناه اللغوي وهو م��ا ميكن اأن يعلم

ويخرب عنه)2(، وهو بهذا املعنى ي�صمل امل�صتحيل.قلنا: هذا خلف الظاهر؛ الأن الظاهر اأن اأهل اال�شطلح يراعون ا�ش��طلحهم يف تعاريفهم، وا�ش��طلح املعتزل��ة يف املعدوم هو املمكن ل امل�صتحيل، والعربة للمعنى ال�صطاحي ل اللغوي)3(. املذهببب اخلامب�س: التعبري عنهما بلفظهم��ا اأي: املقي�س واملقي�س

عليه.وممن عرب بهذا التعبري ال�رصيف املرت�صى رحمه اهلل تعالى)4(.

واأ�صحاب هذا املذهب يف تعريفهم للقيا�س يذكرون هذا التعبري؛ ولذلك:

1- عرفه ال�رصيف املرت�ص��ى -رحم��ه اهلل تعالى- بقوله: »اإثبات حكم املقي�س عليه للمقي�س«)5(.

وه��ذا التعبري ركيك كما قال الزرك�ص��ي -رحمه اهلل تعالى-)6(؛ ملا تقدم من اأن املقي�س واملقي�س عليه م�صتقان من القيا�س، وت�صور امل�ص��تق يتوقف على ت�صور امل�ص��تق منه، فيتوقف ت�صورهما على ت�ص��وره، ولو اأخذا يف تعريفه لتوقف ت�ص��وره على ت�ص��ورهما؛ لتوقف ت�ص��ور املعرف على ت�ص��ور اأجزاء تعريفه، فيكون ت�صور كل منهم��ا متوقفا على الآخر، فتعري��ف القيا�س بهما دور، وهو

باطل.ينظر: أصول الفقه ألبي النور زهير رحمه اهلل تعالى )4/ 11(. )1(

ينظر: مادة )ش ي أ( في لسان العرب )1/ 103(. )2(ينظر: شرح الشيخ يوس��ف املرصفي على مباحث القياس من اإلحكام لآلمدي )3(

)ص: 10(. البحر احمليط )4/ 5(. )4(

املرجع السابق. )5(

املرجع السابق. )6(

Page 95: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

95

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

وبعد عر�س املذاهب يف التعبري عن املقي�س واملقي�س عليه، يت�ص��ح جليا اأن التعبري عنهما باملعلوم كما ذهب اأ�صحاب املذهب الأول، هو الأرجح تعليا والأبعد عن الأوهام الفا�ص��دة التي طراأت على

غريه من التعابري.قال الآمدي -رحمه اهلل تعالى- يف �رصحه لتعريف الباقاين رحمه اهلل تعالى: »فكان ا�ص��تعمال لفظ املعل��وم اأجمع واأمنع واأبعد عن الوهم«)1(، فالتعبري باملعلوم اأجمع؛ لأنه ي�صمل املوجود واملعدوم

بق�صميه، واأمنع عن الأوهام الفا�صدة.

املطلب السادس

اإلطالق والتقييد في العلة

م��ن الأ�ص��باب الت��ي اأدت اإلى اخت��اف الأ�ص��وليني يف تعريف القي�ا�س، اختافه��م يف تقييد العلة اأو عدم تقييدها، وقد اختلفوا

يف ذلك على مذاهب:املذهب الأول: تقييد العلة بكونها م�صتنبطة.

وممن ذهب اإلى هذا الآمدي رحمه اهلل تعالى)2(.و�صبب زيادة هذا القيد اأن مذهب الآمدي -رحمه اهلل تعالى- اأنه اإذا كانت العلة من�صو�صة فا حاجة اإلى القيا�س، بل يكون احلكم ثابتا يف جميع موارد العلة بالن�س، فمثا اإذا قال ال�صارع: حرمت اخلمر لاإ�ص��كار، فكاأنه قال: حرمت كل م�صكر، فا حاجة اإلى

قيا�س النبيذ على اخلمر لإثبات حترميه)3(.ويرد عل��ى القيد اأنه يخ��رج القيا�س الذي ن�س عل��ى علته، وهو اأقوى اأنواع الأقي�ص��ة، وكذا القيا�س ال��ذي ثبتت علته بالإمياء مع

اأن ذلك قيا�س)4(.اإلحكام لآلمدي )3/ 170(. )1(اإلحكام لآلمدي )3/ 174(. )2(

شرح الشيخ يوسف املرصفي على مباحث القياس من اإلحكام لآلمدي )ص: 21(. )3(ينظر: البحر احمليط )4/ 5(، نهاية الوصول )7/ 3036(، شرح مختصر الروضة )4(

.)222 /3(

واأ�صحاب هذا املذهب يف تعريفهم للقيا�س يذكرون العلة مقيدة بهذا القيد؛ لذلك:

عرفه الآم��دي -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »ال�ص��تواء بني الفرع والأ�صل يف العلة امل�صتنبطة من حكم الأ�صل«)1(.

املذهب الثاين: تقييد العلة بكونها ل تدرك مبجرد فهم اللغة.اأي ل يفه��م تلك العلة من الن��س كل من يفهم معناه اللغوي، بل

يحتاج فهمها اإلى تاأمل واجتهاد.وممن ذهب اإلى هذا الكمال بن الهمام، و�صدر ال�رصيعة املحبوبي، وعبد العلي الأن�ص��اري �ص��احب فواحت الرحم��وت رحمهم اهلل

جميعا)2(.و�ص��بب زيادة هذا التقييد هو اإخراج دللة الن�س عند احلنفية -اأو مفه��وم املوافقة عند ال�ص��افعية- عن تعري��ف القي�ا�س؛ لأن دللة الن��س عندهم هي اإحلاق م�ص��كوت مبنطوق لعلة يفهمها كل من يع��رف اللغة، والقيا�س يحت��اج اإدراك العلة فيه اإل��ى اإعمال فكر وتاأمل، وقد اتف��ق العلماء على التفريق بني دللة الن�س والقيا�س، فيحتاجون اإلى هذا القيد لإخراج دللة الن�س؛ لأنها ل تفرتق عن

القيا�س اإل به)3(.واأ�صحاب هذا املذهب يف تعريفهم للقيا�س يذكرون العلة مقيدة

بهذا القيد؛ لذلك:1- عرفه �ص��در ال�رصيع��ة املحبوبي -رحم��ه اهلل تعالى- بقوله: »تعدية احلكم من الأ�ص��ل اإلى الفرع بعلة متحدة ل تدرك مبجرد

اللغة«)4(.2- وعرفه الكمال بن الهمام -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »م�صاواة حمل لآخ��ر يف علة حكم له �رصعي ل تدرك من ن�ص��ه مبجرد فهم

اللغة«)5(. اإلحكام لآلمدي )3/ 174(. )1(

التحرير مع التقرير والتحبير )3/ 117(، التنقيح ومعه شرحه التوضيح )2/ 112(، )2(فواحت الرحموت )2/ 247(.

ينظ��ر: التوضيح ومعه التلويح )2/ 112(، التحرير مع التقرير والتحبير )3/ 117– )3(118(، نبراس العقول )ص: 45(.

التنقيح ومعه شرحه التوضيح )2/ 112(. )4(التحرير مع التقرير والتحبير )3/ 117(، تيسير التحرير )3/ 264(. )5(

Page 96: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

96

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

املذهب الثالث: عدم تقييد العلة باأي قيد.وهذا ما ذهب اإليه جمهور املعرفني للقيا�س)1(.

واأ�صحاب هذا املذهب يف تعريفهم للقيا�س يذكرون العلة مطلقة عن اأي قيد؛ لذلك:

1- عرف��ه اأبو اإ�ص��حاق ال�ص��ريازي -رحمه اهلل تعال��ى- بقوله: »القيا�س حمل فرع على اأ�صل بعلة جامعة بينهما«)2(.

2- وعرف��ه ابن احلاج��ب -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »م�ص��اواة فرع لأ�صل يف علة حكمه«)3(.

3- وعرفه القا�صي البي�صاوي -رحمه اهلل تعالى- بقوله: »اإثبات مث��ل حكم معلوم يف معلوم اآخر ل�ص��رتاكهما يف علة احلكم عند

املثبت«)4(.وم��ا ذهب اإليه اجلمهور من عدم تقيي��د العلة باأي قيد هو الأولى بالقب��ول؛ لأنه يجعل التعريف مطردا، ي�ص��مل كل اأنواع القيا�س

�صواء اأكانت علته من�صو�صا عليها اأم م�صتنبطة اأم غري ذلك.

املطلب السابع

اعتبار نظر اجملتهد قيدا في تعريف القياس

من اأ�ص��باب اختاف الأ�ص��وليني يف تعري��ف القيا�س، اختافهم يف املق�ص��ود من امل�صاواة بني الفرع والأ�ص��ل يف العلة واحلكم، هل هي امل�ص��اواة يف نظر املجتهد اأو امل�صتدل فيعترب نظره قيدا يف التعريف، اأو امل�صاواة يف الواقع ونف�س الأمر اأي امل�صاواة احلقيقية عند اهلل تعالى؟ وهذا املعنى هو املتبادر اإلى الفهم عند اإطاق لفظ امل�صاواة)5(، فا يعترب نظر املجتهد قيدا يف التعريف. فقد اختلفوا

ينظر: البرهان )2/ 487 ف 681( العدة )1/ 107(، املستصفى )2/ 228(، تشنيف )1(املسامع )2/ 29(، البحر احمليط )4/ 4- 5(.

شرح اللمع للشيرازي )2/ 755 فقرة رقم 885(. )2(مختصر املنتهى البن احلاجب مع شرحه للعضد )2/ 204(. )3(

املنهاج للبيضاوي ومعه نهاية الس��ول لإلس��نوي وحاشية الشيخ بخيت )ج 4/ )4(ص 2(.

حاشية التفتازاني على شرح العضد على املختصر )2/ 205(. )5(

يف ذلك على مذهبني:املذهببب الأول: وهذا م��ا ذهب اإليه امل�ص��وبة القائلون باأن احلق

متعدد، واأن كل جمتهد م�صيب.وهوؤلء يرون اأن املراد بامل�ص��اواة هي امل�ص��اواة يف نظر املجتهد،

�صواء وافقت الواقع ونف�س الأمر اأو ل)1(.ف��اإن تعريفهم للقيا�س قائم على اأنه فعل للمجتهد، فامل�ص��اواة بني الفرع والأ�صل يف العلة واحلكم قائمة يف نظر املجتهد، وما ينتج عن اجتهاده هو قيا�س �صحيح، واإن تبني خطوؤه ووجب الرجوع فيه بعد ذلك فهو كالن�صخ، فا يكون ما اأدى اإليه النظر والجتهاد

الأول باطا.وهوؤلء -اأي امل�صوبة- يلزمهم اأن يزيدوا يف تعريفهم للقيا�س قيد »يف نظ��ر املجتهد اأو املثبت«؛ حتى يك��ون التعريف جامعا لكل ف اأي القيا�س الذي كانت امل�ص��اواة فيه مطابقة للواقع اأفراد املعرونف����س الأمر عند اهلل تعالى، والقيا�س الذي كانت امل�ص��اواة فيه متحقق��ة يف نظر املجته��د فقط؛ لأنه بدون ه��ذا القيد يتبادر من امل�صاواة عند الإطاق امل�صاواة يف الواقع ونف�س الأمر، فا ي�صدق ف، وهو ما كانت امل�ص��اواة فيه التعري��ف على فرد من اأفراد املعر

يف نظر املجتهد؛ فيكون غري جامع)2(.ولذل��ك فاإن ابن احلاجب -رحمه اهلل تعالى- بعد تعريفه القيا�س باأنه »م�ص��اواة فرع لأ�صل يف علة حكمه«، قال: »ويلزم امل�صوبة

زيادة: يف نظر املجتهد«، وكذلك قال الزرك�صي)3(.وقد حاول �ص��احب م�ص��لم الثبوت وغريه الرد على ما ذكره ابن احلاج��ب من اأنه يلزم امل�ص��وبة هذا القيد، فقال: »اإن ما يح�ص��ل بنظره –اأي املجتهد– فهو واقعي، ولي�س عندهم-اأي امل�صوبة-

مسلم الثبوت مع ش��رحه فواحت الرحموت )2/ 247(، حاشية الشيخ بخيت على )1(نهاية السول )4/ 4(، بحوث في القياس )ص: 64(.

رفع احلاجب )4/ 142(. )2(املختصر البن احلاجب مع شرحه للعضد )2/ 204(، البحر احمليط )ج 4/ ص: 5(. )3(

Page 97: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

97

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

م�صاواة واقعية قد يجدها املجتهد وقد يخطئ«)1(. كاأنه يريد اأن يقول: اإن املتبادر من امل�ص��اواة عند امل�صوبة امل�صاواة الواقع��ة يف نظر املجتهد، ل امل�ص��اواة يف نف��س الأمر، وما يتبادر

ي�صتغنى عن ذكره ول يلزم الت�رصيح به.وميك��ن اأن يج��اب على ما ذكره ابن عبد ال�ص��كور باأن العربة يف التبادر باأهل العرف العام ال باأ�ش��حاب اال�شطلح اخلا�ض، فاإن لفظ امل�ص��اواة اإذا اأطلق ل يفهم منه اأهل العرف العام اإل امل�ص��اواة يف الواق��ع ونف�س الأمر، اأي امل�ص��اواة عن��د اهلل تعالى، وعليه فا

عربة با�شطلح امل�شوبة؛ الأنه ا�شطلح خا�ض)2(.املذهببب الثاين: وهو ما ذهب اإليه املخطئة القائلون: احلق واحد، ولي�س كل جمتهد م�صيبا، بل امل�صيب واحد وهو من وافق اجتهاده

احلق، والكل مثاب بعد بذل اجلهد، فهم فريقان:الفريق الأول: ذهب اإلى اأن املراد بامل�ص��اواة هي امل�صاواة يف نظر

املجتهد، كما قال امل�صوبة.وقد ذهب اإلى هذا من يرى اإدخال القيا�س الفا�صد يف حد القيا�س، على اأ�صا�س ما �صاع وا�صتهر من اأن القيا�س اإما �صحيح واإما فا�صد، فون القيا�س على اأنه فع��ل للمجتهد، فهذا القيد اأي وه��م من يعر

»يف نظر املجتهد« يلزمهم اأي�صا)3(.ومن هوؤلء:

1- اأب��و احل�ص��ني الب�رصي -رحم��ه اهلل تعال��ى- ولذلك زاد يف تعريفه للقيا�س قيد »عند املجتهد«، فقال: »حت�صيل حكم الأ�صل

يف الفرع ل�صتباههما يف علة احلكم عند املجتهد«)4(.2- الإمام الرازي -رحمه اهلل تعالى- فقد زاد يف تعريفه للقيا�س قيد »عن��د املثبت«، فقال: »اإثبات مثل حك��م معلوم ملعلوم اآخر

مس��لم الثبوت مع ش��رحه فواحت الرحموت )2/ 247(، ووافقه فيما قاله الش��يخ )1(يوس��ف املرصفي -رحمه اهلل تعالى- في ش��رحه ملباحث القياس من اإلحكام لآلمدي )ص: 13(، والشيخ بخيت املطيعي في حاشيته على نهاية السول )4/ 4(.

ينظر: نبراس العقول )ص: 26( القياس حقيقته وحجيته ألستاذي اجلليل الدكتور )2(عل��ي مصطفى رمضان رحمه اهلل تعالى )ص: 19( طبعة دار الرس��ائل العلمية

–الزهراء- مبصر طبعة سنة 1995م.حاشية الشيخ بخيت على نهاية السول )4/ 4(. )3(

املعتمد )2/ 195(. )4(

لأجل ا�صتباههما يف علة احلكم عند املثبت«)1(. 3- القا�ص��ي البي�ص��اوي -رحمه اهلل تعالى- فقد زاد يف تعريفه قيد »عند املثبت«، فقال: »اإثبات مثل حكم معلوم يف معلوم اآخر

ل�صرتاكهما يف علة احلكم عند املثبت«)2(.4- ابن ال�صبكي -رحمه اهلل تعالى- فقد زاد يف تعريفه قيد »عند احلامل«، فقال: »حمل معلوم على معلوم مل�صاواته يف علة حكمه

عند احلامل«)3(. واإن كان الأول��ى -اإن قلنا بلزوم الزي��ادة- التعبري ب� »املثبت« اأو »احلام��ل«؛ لأن لف��ظ املجتهد اإذا اأطلق ان�ص���رف اإل��ى املجتهد املطلق، فا ي�صمل القيا�س الواقع من جمتهدي املذهب اأو جمتهدي

الفتوى، مع اأنه قيا�س �رصعي. الفريق الثاين: ذهب اإلى اأن املراد بامل�صاواة هي امل�صاواة يف الواقع ونف�س الأمر، وامل�صاواة الواقعية قد ينالها املجتهد فيكون م�صيبا،

وقد ل ينالها فيكون خمطئا)4(. وقد ذهب اإلى هذا من يرى عدم اإدخال القيا�س الفا�صد يف تعريف القي�ا�س، بناء عل��ى اأن اللفظ اإذا اأطلق ان�رصف اإلى الفرد الكامل، والقيا�س لفظ اإذا اأطلق ان�رصف اإلى القيا�س ال�صحيح دون الفا�صد، وامل�صاواة لفظ اإذا اأطلق ان�رصف اإلى امل�صاواة يف الواقع ونف�س الأمر دون نظر املجتهد، وهذا ما يتبادر من اللفظ، والتبادر اأمارة احلقيقة؛ ولذل��ك قال الآم��دي -رحمه اهلل تعال��ى- يف رده على من اأراد اإدخال القيا�س الفا�ص��د يف تعريف القي�ا�س حتى ي�ص��ح التعريف: »اإن املطلوب اإنا هو حتديد القي�ا�س ال�ص��حيح ال�رصعي، والفا�صد

لي�س من هذا القبيل، فخروجه عن احلد ل يكون مبطا له«)5(.وهوؤلء هم الأكرثون من املخطئة، ول يلزمهم زيادة قيد »يف نظر املجتهد« ونحوه من العبارات، ولذلك جاءت تعاريفهم للقيا�س

احملصول )5/ 11(. )1(املنهاج للبيضاوي مع شرحه نهاية السول لإلسنوي وحاشية الشيخ بخيت )4/ 2(. )2(

جمع اجلوامع مع شرحه للمحلي وحاشية البناني )2/ 203(. )3(مسلم الثبوت مع شرحه فواحت الرحموت )2/ 247(. )4(

اإلحكام لآلمدي )3/ 174(. )5(

Page 98: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

98

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

خالية عن هذا القيد، ومن هوؤلء:1- الآمدي -رحمه اهلل تعالى- فقد عرف القيا�س ول يذكر هذا القيد، فقال: »ال�صتواء بني الفرع والأ�صل يف العلة امل�صتنبطة من

حكم الأ�صل«)1(.2- ابن احلاجب -رحم��ه اهلل تعالى- فقد عرف القيا�س بقوله:

»م�صاواة فرع لأ�صل يف علة حكمه«)2(.3- اب��ن عبد ال�ص��كور -رحم��ه اهلل تعالى- فقد ع��رف القيا�س

بقوله: »م�صاواة امل�صكوت للمنطوق يف علة احلكم«)3(.والأولى اعتبار نظر املجتهد يف التعريف؛ لأن جميع ا�صتعمالت القي����ا�س ت��دل على اأنه فعل املجتهد، واأي�ص��ا فاإن اعتباره يجعل

التعريف جامعا لكل اأفراد املعرف.

المبحث الثالث

التعريف المختار للقياس

املطلب الأول: التعريف املختار للقيا�س و�رصحه.املطل��ب الث��اين: العرتا�ص��ات التي قد ت��رد على ه��ذا التعريف

ودفعها.

املطلب األول

التعريف اخملتار للقياس وشرحه

بعد ما تقدم يف املبحث الثاين مبطالبه ال�صبعة، يظهر لنا جليا اأن اأي تعريف �ص��نذكره للقيا�س هو تعريف ا�صطاحي بالر�صم ل باحلد احلقيق��ي؛ لأن اجلمي��ع متفقون على عدم اإمكاني��ة حتديد القيا�س باحلد احلقيقي، واإنا يحد بالر�ص��م وال�ص��م، كم��ا مر يف املطلب

الأول.املرجع السابق. )1(

مختصر املنتهى البن احلاجب مع ش��رحه للعض��د )2/ 204(، رفع احلاجب عن )2(مختصر ابن احلاجب )4/ 137(.

مسلم الثبوت البن عبد الشكور مع شرحه فواحت الرحموت )2/ 246(. )3(

واأن الأول��ى اعتب��ار فع��ل املجته��د يف التعريف كما ذه��ب اإليه الأكرثون، واإن كان الدليل يف احلقيقة هو ال�ص��رتاك اأو امل�ص��اواة يف العل��ة؛ لأن جمي��ع ا�ص��تعمالت القيا�س تنبئ ع��ن كونه فعا للمجته��د، كما م��ر يف املطلب الث��اين، ولذا فالأول��ى اأن نذكر يف التعري��ف ما يدل على اأن القيا�س فع��ل املجتهد، كقولنا مثا:

اإثبات.واأن حكم الأ�ص��ل وعلته هما بعينهما حك��م الفرع وعلته، كما ه��و الراجح يف املطلب الرابع؛ ولذل��ك فالأولى عدم الن�س على

املثلية يف التعريف.واأن التعب��ري عن املقي�س واملقي�س عليه باملعل��وم هو الأرجح؛ لأنه اأبعد عن الأوهام الفا�ص��دة كما م��ر يف املطلب اخلام�س، فالأولى

التعبري بهما يف التعريف املختار.واأن ع��دم تقيي��د العل��ة بقيد هو الأرج��ح؛ لأنه يجع��ل التعريف مطردا، كما مر يف املطلب ال�ص��اد�س، فعدم تقييدها يف التعريف

املختار هو الأولى. واأن اعتب��ار نظر املجته��د يف التعريف هو الأرج��ح؛ لأنه يجعل

التعريف جامعا لأفراد املعرف، كما مر يف املطلب ال�صابع.ومن اأجل ما تقدم ميكن القول:اإن التعريف املختار للقيا�س هو:

»اإثبات حكم معلوم يف معلوم اآخر ل�صرتاكهما يف علة احلكم«وهو يف الأ�ص��ل تعريف القا�ص��ي البي�صاوي -رحمه اهلل تعالى- اإل اأنن��ا حذفنا منه كلمة »مثل«؛ ملا تقدم من كون حكم الأ�ص��ل وعلت��ه هما بعينهما حكم الفرع وعلته وهو الراجح، كما حذفنا منه كلمة »عند املثبت«؛ ملا �صياأتي من كون كلمة »اإثبات« ت�صتلزم

مثبتا، واملثبت هو املجتهد.وفيما يلي �رشح الألفاظ هذا التعريف:

قولنا: »اإثبات«.الإثب��ات م�ص��در اأثبت، يق��ال: اأثبته اإثبات��ا، فثبت ثبوت��ا وثباتا، والإثبات يف الأ�ص��ل حت�ص��يل الثبوت، واملراد ب��ه اإدراك الثبوت واإظهاره والإخبار عنه قطعا اأو ظنا، وبهذا يت�صح اأن املراد بقولنا:

Page 99: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

99

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

»اإثب��ات حكم معلوم« هو اإظهار احلكم، ل اأن��ه مثبت له ابتداء، فيك��ون القيا�س مظهرا ل مثبتا؛ لأن املثب��ت للحكم هو الن�س اأو الإجم��اع -واإن كان يف احلقيق��ة- الأدلة كله��ا مظهرة للحكم ل مثبت��ة له؛ لأنها اإنا تظهر الثابت م��ن حكمه تعالى وهو املعنى

النف�صي القدمي)1(.والإثبات كاجلن�س)2( يف التعريف ي�ص��دق على كل اإثبات، �ص��واء اأكان اإثبات��ا ملثل حكم الأ�ص��ل يف الفرع، وه��و ما يعرف بقيا�س امل�صاواة، اأو اإثباتا لنقي�س حكم الأ�صل يف الفرع، وهو ما يعرف

بقيا�س العك�س.و�صواء اأكان اإثباتا قطعيا اأم ظنيا، في�صمل القيا�س القطعي والظني، كما ي�صمل القيا�س يف الإيجاب وال�صلب؛ لأن القيا�س يجري يف

جميع هذه الأحوال.فمث��ال القي�ا�س القطعي: قيا�س ���رصب الوالدين على التاأفيف يف احلرمة بجامع الإيذاء يف كل، فاإن الإيذاء يف ال�رصب اأ�صد، فيكون

ال�رصب اأولى بالتحرمي، ويكون القيا�س قطعيا. يف حترمي ربا التفا�شل ومثال القيا�ض الظني: قيا�ض التفاح على الربجفيهما بجامع الطعم يف كل، فاإن العلة وهي الطعم مظنون وجودها ، يف الفرع وهو التفاح، فاإن الطعم يف التفاح لي�ض كالطعم يف الربج

فيكون القيا�س مظنونا.ومث��ال القيا�س يف الإيجاب: قيا���س النبيذ على اخلمر يف التحرمي بجام��ع الإ�ص��كار يف كل، ف��اإن النتيجة هنا موجب��ة وهي ثبوت

التحرمي للنبيذ.ومث��ال القيا�س يف ال�ص��لب: قيا�س الكلب عل��ى اخلنزير يف عدم �ص��حة البيع بجامع النجا�ص��ة يف كل، فاإن النتيجة هنا �صالبة وهي

عدم �صحة بيع الكلب.وكلمة »اإثبات« ت�ص��تلزم مثبتا، واملثبت ه��و املجتهد؛ فهو الذي يثبت امل�ص��اواة ويظهرها بني الفرع والأ�ص��ل، ولوله ما ظهرت

ينظر: التقرير والتحبير )3/ 121(، نزهة املشتاق )3/ 631(. )1(كون اإلثبات كاجلنس في التعريف هو ما ذهب إليه اإلس��نوي رحمه اهلل تعالى، )2(ومقتضى كون��ه كاجلنس أنه عرض ع��ام، فيكون داخال ف��ي املاهية، ويكون

التعريف من باب الرسم ال احلد احلقيقي. )نهاية السول ج 4/ ص: 2(

حتى مع وجودها يف علم اهلل تعالى، فالعربة يف امل�ص��اواة اإنا هي مبا يراه املجتهد ويظهره.

ولأجل هذا املعنى -وهو ا�صتلزام الإثبات لوجود املثبت �رصورة- ل نذك��ر لفظ »عند املثبت« يف التعري��ف؛ حتى ل يكون تكرارا -واإن كان يف املعنى دون اللفظ-؛ اإذ التعريفات يجب اأن ت�ص��ان

عن التكرار)1(.وقولنا: »حكم«.

حك��م بك�رص امليم، وغري منونة، م�ص��افة اإلى ما بعدها وهي كلمة »معل��وم«)2(، واإنا قرئ »حكم« بالك�رص وغري منون م�ص��افا اإلى

معلوم لأمرين:الأول: اأن اإ�ص��افة حك��م اإل��ى معل��وم ت�ص��عر باأن معلوما �ص��فة ملو�ص��وف حمذوف تقديره حم��ل، وذلك املحل ه��و املقي�س عليه

وهو الركن الثاين من اأركان القيا�س.الثاين: ت�ص��حيح التثنية يف قولنا بعد ذلك: »ل�ص��رتاكهما«؛ لأن ال�ص��رتاك يف العلة اإنا يكون بني املعلوم الأول واملعلوم الثاين، ل بني حكم الأ�صل والفرع، ولو قرئ منونا ملا �صحت التثنية؛ لأنه

ل يوجد حينئذ اإل معلوم واحد وهو الفرع.وامل��راد باحلكم: مطل��ق حكم وهو الن�ص��بة بني اأمري��ن؛ لينتظم احلكم ال�رصعي، واحلكم العقلي، واحلكم اللغوي، اإيجابا كان اأو �ص��لبا، فاإن القيا�س يجري يف هذه الأحكام عند من يقول بجريان القيا�س يف اللغوي��ات، واإن كان القيا�س يف الأحكام ال�رصعية هو

ق�صد املجتهد، اإل اأن غريه يوؤخذ منه ويجري على �صننه.و»حك��م« قي��د يف التعريف يخرج م��ا لي�س بحك��م كالذوات

وال�صفات.و»حك��م« ه��و الرك��ن الأول م��ن اأركان القي�ا���س وهو: حكم

الأ�صل)3(.

ينظر: القياس ألستاذي اجلليل الدكتور صالح الدين زيدان )ص: 19، 34( الطبعة )1(الثالثة سنة 1998م، بدون دار نشر.

ينظر: بحوث في القياس للدكتور فرغلي )ص: 58(. )2(ينظر: نهاية الس��ول )4/ 3(، القياس حقيقته وحجيته ألس��تاذي اجلليل الدكتور )3(

علي مصطفى رمضان رحمه اهلل تعالى )ص: 34- 35(.

Page 100: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

100

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

وقولنا: »معلوم«.ر، �صواء حتقق ذلك الت�صور بالعلم -اأي املعلوم هو املدرك املت�ص��والإدراك اجل��ازم املطاب��ق للواقع- اأو بالظن وه��و اإدراك الطرف الراج��ح؛ لأن القيا�س يفيد الظن يف اأكرث الأح��وال، ويفيد العلم

واليقني يف بع�س الأحوال.و »معلوم« �ص��فة ملو�ص��وف حمذوف تقديره حمل اأو فعل معلوم، وهو الركن الثاين من اأركان القيا�س وهو املقي�س عليه اأو الأ�صل.

وقولنا: »يف معلوم اآخر«. اأي يف حمل اأو فعل معلوم اآخر، وهذا هو الركن الثالث من اأركان

القيا�س وهو املقي�س اأو الفرع.واإنا عربنا ب� »معلوم يف معلوم اآخر« لي�ص��مل جميع ما يجري فيه القيا�س �صواء اأكان موجودا اأم معدوما، و�صواء اأكان املعدوم ممكنا

اأم ممتنعا.فالتعب��ري بهما ع��ن املقي�س واملقي�س عليه، يجع��ل التعريف جامعا مانع��ا، كما قال الآمدي -رحمه اهلل تعال��ى- يف �رصحه لتعريف الباق��اين رحمه اهلل تعالى: »فكان ا�ص��تعمال لف��ظ املعلوم اأجمع واأمنع واأبعد عن الوهم«)1(، اأجمع؛ لأنه ي�صمل املوجود واملعدوم بق�صميه، واأمنع عن الإيهام بالدور، الذي يطراأ على التعريف فيما لو عربنا مثا بالأ�صل والفرع، اأو باملقي�س واملقي�س عليه، كما مر

بيانه يف املطلب اخلام�س.وقولنا: »ل�سرتاكهما«.

ج��ار وجمرور متعل��ق باإثبات وتعليل له؛ اأي هذا الإثبات ب�ص��بب اإل��ى العل��ة، وال�ص��مري يف »ا�ص��رتاكهما« عائ��د ال�ص��رتاك يف

املعلومني.ومعن��ى ا�ص��رتاكهما يف العل��ة اأي ا�ص��توائهما يف حقيق��ة العل��ة ووجوده��ا، ل يف قدره��ا وقوته��ا، فقد تكون العلة يف الأ�ص��ل اأقوى من الفرع وهو القيا�س الأدون، وقد تكون يف الفرع اأقوى من الأ�صل وهو القيا�س الأولوي، وقد تكون فيهما مت�صاوية وهو

القيا�س امل�صاوي. اإلحكام )3/ 170(. )1(

وتف�ص��ري ال�ص��رتاك بامل�ص��اواة يحقق املنا�ص��بة للمعنى اللغوي يف املعنى، واإن ل تتح�صل يف اللفظ.

والتعبري بال�ص��رتاك يف العلة اأولى من التعبري بامل�ص��اواة فيها؛ لأن لفظ امل�ص��اواة ق��د يوهم اأن القيا�س قا�رص على حالة الت�ص��اوي يف

العلة، دون حالتي الأولى والأدون)1(. وقولن��ا: »ل�ص��رتاكهما« قيد يخ��رج قيا�س العك�س وه��و اإثبات نقي���س حكم معل��وم يف معلوم اآخر؛ لوجود نقي���س علته فيه)2(،

ففي قيا�س العك�س يتنافى احلكمان؛ لتنايف العلتني يف املحلني.ومثال قيا�س العك�س: الوتر نفل في�صح اأداوؤه على الراحلة، و�صاة

ال�صبح فر�س فا ي�صح اأداوؤها على الراحلة.ف�صاة ال�صبح اأ�صل، واحلكم فيها عدم �صحة اأدائها على الراحلة، والعلة كونها فر�صا، و�صاة الوتر فرع، واحلكم فيها �صحة اأدائها

على الراحلة، والعلة كونها نفا.فاحلكمان يف الأ�صل والفرع متناق�صان لتناق�س العلتني فيهما.

وعلى هذا فت�ص��مية قي�ا�س العك�س قيا�ص��ا ت�ص��مية جمازية، لفوات خا�ص��ية القيا�س فيه وهي امل�صاواة يف علة احلكم وما ت�صتلزمه من

امل�صاواة يف احلكم.ولو �صلمنا اأنه ي�صمى قيا�صا حقيقة، واأن ا�صم القيا�س يتناوله كقيا�س امل�صاواة، على �ص��بيل ال�ص��رتاك اللفظي، فتحديد اأحد الق�صمني بخا�صية متيزه ل ينتق�س بالآخر املخالف له يف خا�صيته، واإن كان ت العني املب�رصة مثا بحد يخ�صها، م�ص��مى با�صمه، ولهذا لو حدفا ينتق���س بالعني اجلارية املخالفة لها يف احلد، واإن ا�ص��رتكا يف ال�صم، واملحدود هنا هو قيا�س امل�صاواة فا ينتق�س بالعك�س)3(.

ثم يف تعبرينا ب� »ل�ص��رتاكهما« بعد تعبرينا يف �ص��در التعريف ب� »اإثبات«، نكون ق��د عللنا الإثبات الذي هو فعل املجتهد وعمل امل�ص��تنبط، وذكرناه يف التعريف للدللة عليه، بال�صرتاك يف العلة التي هي الدليل احلقيقي على امل�صاواة يف احلكم، فنكون قد عرفنا القيا�س على اأنه فعل املجتهد واأبرزنا دوره، مع عدم اإغفالنا للدليل

ينظر: نبراس العقول )ص: 22– 24(، القياس للدكتور علي رمضان )ص: 38– 39(. )1(نهاية السول )4/ 5(. )2(

ينظر: اإلحكام لآلمدي )3/ 169(. )3(

Page 101: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

101

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

احلقيقي وهو ال�صرتاك يف العلة)1(.وقولنا: »يف علة احلكم«.

ح ف للحكم كما ذهب اجلمهور، �شواء �رشج اأي يف الو�شف املعرح مبا يدل عليه كما يف قيا�س الدللة، به كما يف قيا�ض العلة، اأو �رشج

فيكون التعريف �صاما لقيا�س العلة ولقيا�س الدللة.وقولنا: يف علة احلكم، هذا هو الركن الرابع للقيا�س وهو العلة.

وهو قيد يخرج اإثبات حكم معلوم يف معلوم اآخر، ل ل�صرتاكهما يف العلة؛ بل لن�س اأو اإجماع، فحينئذ ل ي�صمى قيا�صا؛ لأن احلكم

يف القيا�س مبني على ال�صرتاك يف علة احلكم.قال اأبو احل�ص��ني الب�رصي رحمه اهلل تعالى: »ولو اأثبت الإن�ص��ان حكم ال�صيء يف غريه ل ل�صبه بينهما، لكان مبتدئا باحلكم فيه غري

مراع حلكم الأ�صل«)2(. ومث��ال اإثبات حك��م معلوم يف معلوم اآخ��ر بالن�س، ثبوت حرمة

النبيذ بقوله �صلى اهلل عليه و�صلم: »كل م�صكر حرام«)3(.ومث��ال اإثبات حك��م معلوم يف معل��وم اآخر بالإجم��اع، ثبوت حج��ب الإخ��وة من امل��رياث بابن الب��ن، مثل ثب��وت حجبهم بالب��ن، فاحلكم يف املحل الثاين وهو ابن البن ثابت بالإجماع،

وهذا اجلمع ب��ني التعبيرين فعله البيضاوي وابن الس��بكي رحمهما اهلل تعالى، )1(هرة من وامتدحه الش��يخ عيس��ى منون -رحمه اهلل تعالى- حتى قال: »جتد املاألصوليني كاملصنف -أي البيض��اوي- وصاحب جمع اجلوامع قد جمعوا في تعريفه -أي القياس- ب��ني األمرين، فقال املصنف: هو إثبات مثل حكم معلوم في معلوم الشتراكهما في علة احلكم، وقال صاحب جمع اجلوامع: حمل معلوم على معلوم ملس��اواته له في علة احلكم، فتراهم يعللون اإلثبات أو احلمل مبا هو

الدليل في احلقيقة وهو املساواة في العلة«.ينظر: نب��راس العق��ول )ص: 31- 32(، املنهاج للبيضاوي مع نهاية الس��ول وحاش��ية الش��يخ بخيت )4/ 2(، جمع اجلوامع البن الس��بكي مع شرحه جلالل

الدين احمللي وحاشية البناني )2/ 203(.املعتمد )2/ 195(، ومبثله قال أبو اخلطاب احلنبلي، التمهيد )3/ 358(. )2(

احلديث أخرجه البخاري عن س��عيد بن أبي بردة ع��ن أبيه -رضي اهلل عنهما- )3(ولفظ��ه قال: »بعث النبي -صلى اهلل عليه وس��لم- جده أبا موس��ى ومعاذا إلى اليمن فقال: »يسرا وال تعسرا، وبشرا وال تنفرا، وتطاوعا«، فقال أبو موسى: يا نبي اهلل، إن أرضنا بها شراب من الشعير املزر وشراب من العسل البتع، فقال: »كل مس��كر حرام««. صحيح البخاري، كتاب املغازي، باب بعث أبي موس��ى ومع��اذ بن جبل -رضي اهلل عنهما- إلى اليمن قبل حجة الوداع، 4/ 1579حديث رق��م 4088( حتقيق: د. مصطفى ديب البغا، طبعة دار ابن كثير– بيروت، الطبعة

الثالثة سنة 1987م.

ق��ال اب��ن املنذر رحمه اهلل تعال��ى: »اأجمعوا عل��ى اأن بني البن، وبنات البن يقومون مقام البن��ني والبنات ذكورهم كذكورهم،

لبه«)1(. واإناثهم كاإناثهم، اإذا ل يكن للميت ولد ل�صواإن��ا اأطلقن��ا لف��ظ »العل��ة« ول نقيدها ب��اأي قيد لتتن��اول العلة املن�صو�صة، وامل�صتنبطة التي ل تدرك اإل بالتاأمل، واملفهومة مبجرد

فهم اللغة)2(.وبعد هذا ال�رشح املب�شط الألفاظ التعريف يت�شح اأن التعريف �شامل

لأركان القيا�س الأربعة: الأول: الأ�صل، وعرب عنه ب� »املعلوم«.

الثاين: الفرع، وعرب عنه ب� »يف معلوم اآخر«.الثالث: حكم الأ�صل، وعرب عنه ب� »حكم معلوم«.

الرابع: العلة، وعرب عنها ب� »ل�صرتاكهما يف علة احلكم«.

املطلب الثاني

االعتراضات التي قد ترد على هذا التعريف ودفعها

ال�سبهة الأولى:اأن ه��ذا التعري��ف يوؤدي اإلى ال��دور، والدور باط��ل؛ لأن اإثبات احلكم يف الفرع هو نتيجة القيا�س وثمرته، وثمرة القيا�س متوقفة علي��ه �رصورة، والقيا�س متوقف على الإثب��ات باعتباره من اأجزاء التعري��ف، فكل منهم��ا متوقف عل��ى الآخر، وه��ذا هو حقيقة

الدور)3(.واجلواب عن هذه ال�سبهة:

اأن التعريف ال�ص��ابق للقيا�س هو تعريف بالر�صم ل احلد، وما كان ف فيه متوقفا على ت�صور خا�صته، من هذا القبيل يكون اإدراك املعراإلجماع ألبي بك��ر محمد بن إبراهيم بن املنذر النيس��ابوري )ص: 69( حتقيق )1(فؤاد عبد املنعم أحمد، طبعة دار املس��لم للنشر والتوزيع، الطبعة األولى، سنة

2004م.ينظر: القياس للدكتور علي رمضان )ص: 38– 39(. )2(

ينظر: اإلحكام لآلمدي )3/ 172(. )3(

Page 102: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

102

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

ف، كما يف يف حني اأن اخلا�ص��ة يتوقف حتققه��ا على وجود املعرتعريفنا لاإن�ص��ان باأنه ال�صاحك، فاإن الإن�صان يت�صور بال�صحك،

مع اأن حتقق ال�صحك متوقف على وجود الإن�صان.ومثل��ه الإثب��ات املاأخ��وذ يف التعريف فاإنه خا�ص��ة م��ن خوا�س القي���ا�س، يتوق��ف يف وج��وده على القيا�س، يف حني اأن القيا�س يتوق��ف يف ت�ص��وره ل وج��وده عل��ى الإثبات، وحينئ��ذ ل دور

لنفكاك اجلهة)1(.ال�سبهة الثانية:

اأن ه��ذا التعريف غري جامع؛ لأنه ل ي�ص��مل قيا�س الدللة، مع اأنه قي���ا�س من الأقي���صة، وقي�ا�س الدللة: هو ما ل تذكر فيه العلة بل

يذكر و�صف مازم لها)2(. ومثاله: قيا�س املكره -بك�رص الراء- على املكره -بفتح الراء- يف

وجوب الق�صا�س بجامع الإثم يف كل.فاإن اجلامع املذكور وهو وجوب الإثم يف كل، لي�س هو العلة، بل

هو و�صف لزم للعلة التي هي احلفاظ على النف�س)3(.واجلواب عن هذه ال�سبهة:

اأول: اأن قي��ا�س الدللة غري مراد يف التعريف؛ لأننا ل نعني بلفظ القي���ا�س اإذا اأطلق��ناه اإل قي���ا�س العلة، ول نطلقه على قيا�س اآخر اإل مقيدا، فنقول مث��ا: قيا�س دللة، وقيا�س عك�س، وعلى ذلك

فالتعريف جامع لأفراد املعرف، وهو قيا�س العلة)4(.ثانيا: ل ن�ص��لم اأن التعريف ل ي�ص��مل قيا�س الدللة، بل هو داخل يف التعريف؛ الأن التعريف مل ي�ش��رتط امل�شاواة ال�رشيحة يف العلة، بل اأطلق لفظ ال�ص��رتاك يف العلة، فيدخل فيه امل�ص��اواة ال�رصيحة وال�ص��منية، وقيا�س الدللة امل�صاواة متحققة فيه �صمنا، ففي املثال املذك��ور تاأثيم املكره واملك��ره، دليل على حر�س ال�ص��ارع على حفظ النف�س، وحفظ النف�س هو العلة احلقيقية للتحرمي، فامل�صاواة

ينظر: حاش��ية التفتازاني على ش��رح العضد )2/ 208(، نهاية الس��ول )4/ 4(، )1(نبراس العقول )ص: 28، 30(.

حاشية التفتازاني على شرح العضد )2/ 205(. )2(ينظر: نبراس العقول )ص: 33(. )3(

ينظر: شرح العضد على مختصر ابن احلاجب )2/ 205(. )4(

يف التاأثيم دليل على امل�صاواة يف حفظ النف�س، فامل�صاواة ال�صمنية متحقق��ة، فيك��ون قي��ا�س الدلل��ة داخا يف التعري��ف، ويكون

التعريف جامعا لأفراد املعرف)1(.

ينظر: نبراس العقول )ص: 34(، القياس ألس��تاذي اجلليل الدكتور صالح الدين )1(زيدان )ص: 26(.

Page 103: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

103

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

اخلامتة في أهم نتائج البحثاحلمد هلل رب العاملني، الذي بف�صله تتم ال�صاحلات، وبعد:

فهذه اأهم النتائج التي تو�صلت اإليها يف هذا البحث:1- اأن القي���ا�س دليل �رصعي، وحجة اإلهية مو�صوعة من ال�صارع ملعرف��ة اأحكامه؛ لأن ال�ص��ارع ه��و الذي اعتربه واأم��ر به، ولول

اعتبار ال�صارع للقيا�س ما كان حجة اأ�صا.2- اأن اإطاق القيا�س على فعل املجتهد ل ينايف كونه دليا ن�صبه

ال�صارع.3- اأن اعتب��ار فعل املجته��د يف تعريف القي��ا�س هو الأولى؛ لأن

جميع ا�صتعمالت القيا�س تنبئ عن كونه فعا للمجتهد.4- اأن لفظ القي���ا�س حقي�قة عرفية يف امل�ص��اواة اأو الت�ص��وية بني ال�ص��يئني؛ ولهذا يعرب الأ�ص��وليون عن مطلوبهم من الت�ص��وية بني

الفرع والأ�صل يف العلة واحلكم بالقيا�س.5- اأن اأي تعريف للقيا�س هو تعريف ا�صطاحي بالر�صم ل باحلد

احلقيقي.6- اأن حكم الأ�صل وعلته هما بعينهما حكم الفرع وعلته.

7- اأن التعب��ري عن املقي�س واملقي�س عليه باملعلوم اأبعد عن الأوهام الفا�صدة.

8- اأن تعريف القيا�س باأن��ه: »اإثبات حكم معلوم يف معلوم اآخر ل�ص��رتاكهما يف عل��ة احلك��م«، ميك��ن اأن يكون حم��ل قبول عند ف، مانع من دخول غريها معها. العلماء؛ لأنه جامع لأفراد املعر

ه��ذا وما كان م��ن توفيق يف ه��ذا البحث، فم��ن اهلل تعالى، فله احلم��د يف الأول��ى والآخ��رة، وما كان من تق�ص��ري فمن نف�ص��ي املذنبة، واأ�ص��تغفر اهلل العظيم واأتوب اإليه، واأ�صاأله التوفيق ملا يحبه

وير�صاه.

Page 104: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

104

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

فهرس املراجع

اأوال: كتب احلديث و�صروحه:

�ص��ن الرتمذي: حمم��د بن عي�ص��ى، اأبو عي�ص��ى، الرتمذي، 1 .ال�ص��لمي، املتوفى �ص��نة 279ه�، حتقيق العامة اأحمد حممد

�صاكر واآخرين، طبعة دار اإحياء الرتاث العربي، بريوت.ال�ص��ن الكربى للبيهقي: اأبو بكر اأحمد بن احل�صني بن علي 2 .البيهقي، املتوفى �صنة 458ه�، حتقيق حممد عبد القادر عطا،

طبعة مكتبة دار الباز مبكة املكرمة 1414ه� – 1994م.�ش���رح النووي على �ش��حيح م�ش��لم: للإمام حمي��ي الدين 3 .يحيى بن �رصف بن مري ح�ص��ن بن ح�صني بن حزام النووي ال�ص��افعي، املتوفى �ص��نة 676ه���، طبعة دار اإحي��اء الرتاث

العربي- بريوت، الطبعة الثانية �صنة 1392ه�.�صحيح البخاري: الإمام احلافظ حممد بن اإ�صماعيل البخاري 4 .املتوفى �ص��نة 256ه�، حتقيق: د. م�صطفى ديب البغا، طبعة

دار ابن كثري– بريوت، الطبعة الثالثة �صنة 1987م.�ص��حيح م�صلم: الإمام احلافظ م�ص��لم بن احلجاج بن م�صلم 5 .الق�ص��ريي الني�ص��ابوري املتوفى �ص��نة 261ه�، حتقيق حممد فوؤاد عبد الباقي، طبع��ة دار اإحياء الرتاث العربي- بريوت،

بدون تاريخ.الف�ائ��ق يف غ�ريب احل���ديث للزخم�ص���ري: اأب�و الق��ا�ص��م 6 .حمم��ود بن عمر بن اأحم��د، الزخم�رصي جار اهلل، حتقيق علي حمم��د البج��اوي، وحمم��د اأبو الف�ص��ل اإبراهي��م، طبعة دار

املعرفة- بريوت، بدون تاريخ.م�ص��ند اأب��ي عوان��ة: الإمام اأب��و عوانة يعقوب بن اإ�ص��حاق 7 .الإ�ص��فراييني- �ص��نة الوف��اة 316ه���، طبع��ة دار املعرفة-

بريوت، بدون تاريخ.

ثانيا: كتب اأ�صول الفقه:

االإبهاج يف �رشح املنهاج: منهاج الو�شول اإلى علم االأ�شول 8 .للقا�صي البي�صاوي املتوفى �صنة 685ه�، لبن ال�صبكي: تقي الدين �صيخ الإ�ص��ام علي بن عبد الكايف ال�صبكي ال�صافعي املتوفى �ص��نة 756ه�، وولده: تاج الدي��ن عبد الوهاب بن علي بن عبد الكايف ال�صبكي ال�صافعي املتوفى �صنة 771ه�، حتقي��ق الدكت��ور اأحم��د الزمزم��ي، والدكتور ن��ور الدين �ص��غريي، طبعة دار البحوث للدرا�ص��ات الإ�صامية واإحياء

الرتاث– دبي، الطبعة الأولى �صنة 2004م.اإحكام الف�ص��ول يف اأحكام الأ�ص��ول للباج��ي: اأبو الوليد 9 .الباجي املتوفى �ص��نة 474ه�، حتقي��ق اأ/ عبد املجيد الرتكي طبع��ة دار الغ��رب الإ�ص��امي ب��ريوت، الطبعة الثانية �ص��نة

1415ه�/ 1995م.الإحكام يف اأ�صول الأحكام لاآمدي: �صيف الدين اأبو احل�صن، 10 .عل��ي بن اأب��ي علي بن حمم��د الآم��دي املتوفى �ص��نة 631ه�، طبع��ة موؤ�ص�ص��ة احللبي و�رصكائه �ص��نة 1387ه��� – 1967م.

اإر�صاد الفحول اإلى حتقيق احلق من علم الأ�صول لل�صوكاين: 11 .الإم��ام حمم��د بن عل��ي بن حمم��د ال�ص��وكاين املتوفى �ص��نة 1250ه���، حتقيق د/ �ص��عبان حمم��د اإ�ص��ماعيل، طبعة دار

ال�صام– م�رص، الطبعة الأولى �صنة 1418ه� – 1998م.اأ�ص��ول الفق��ه للدكت��ور حمم��د اأب��و النور زه��ري رحمه اهلل 12 .تعال��ى، طبعة دار الب�ص��ائر – القاهرة، الطبعة الأولى، �ص��نة

2007م. اأ�ص��ول ال�رصخ�ص��ي: الإمام اأبو بكر حممد بن اأحمد بن اأبي 13 .�ص��هل ال�رصخ�ص��ي املتوفى �ص��نة 490ه���، حتقيق اأب��و الوفا الأفغاين، طبعة دار الكتب العلمية– بريوت، الطبعة الأولى

�صنة 1993م.

Page 105: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

105

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

اأقي�ص��ة النبي امل�ص��طفى حممد �ص��لى اهلل عليه و�صلم: لاإمام 14 .نا�صح الدين عبد الرحمن الأن�صاري، املعروف بابن احلنبلي، املتوفى �صنة 634ه�، حتقيق اأحمد جابر ح�صن، وعلي اأحمد اخلطي��ب، طبعة مطبعة ال�ص��عادة بالقاهرة، �ص��نة 1973م. االآيات البينات على �رشح جمع اجلوامع: البن قا�شم العبادي 15 .

املتوفى �صنة 881ه�، طبعة املطبعة الأمريية �صنة 1289ه�.البحر املحيط يف اأ�صول الفقه للزرك�صي: بدر الدين حممد بن بهادر 16 .بن عبد اهلل املتوفى �صنة 794ه�، حتقيق الدكتور/ حممد حممد تامر،

طبعة دار الكتب العلمية �صنة 2000م.بح��وث يف القيا�س لاأ�ص��تاذ الدكتور حمم��د حممود فرغلي 17 .رحمه اهلل تعالى، طبعة دار الكتاب اجلامعي، الطبعة الأولى

�صنة 1983م.الربهان يف اأ�صول الفقه لإمام احلرمني: اأبو املعايل عبد امللك بن 18 .عبد اهلل بن يو�صف اجلويني املتوفى �صنة 478ه�، حتقيق دكتور/ عبد العظيم حممود الدي��ب، طبعة دار الوفاء، الطبعة الثالثة. التحبري �ش���رح التحرير للمرداوي: علء الدين اأبو احل�ش��ن 19 .علي بن �ص��ليمان املرداوي احلنبلي، املتوفى �ص��نة 885ه�، حتقي��ق عو�ض ب��ن حممد القرين، واأحمد ب��ن حممد ال�رشاح، وعب��د الرحم��ن بن عب��د اهلل اجلربين، طبعة مكتبة الر�ص��د،

الريا�س، الطبعة الأولى �صنة 2000م. ت�ص��نيف امل�ص���ام�ع بجم�ع اجل��وامع للزرك��صي: بدر الدين 20 .حممد بن بهادر بن عبد اهلل، املتوفى �صنة 794ه�، حتقيق اأبي عمرو احل�ص��يني بن عمر بن عب��د الرحيم، طبعة دار الكتب

العلمية، الطبعة الأولى 1420ه�/ 2000م. التقري��ر والتحبري لبن اأمري احلاج: �ص��م���س الدين حممد بن 21 .حممد بن حممد بن احل�صن احللبي، املتوفى �صنة 879ه�، على التحرير لبن الهمام: حممد بن عبد الواحد بن عبد احلميد بن م�صعود بن حميد الدين، املتوفى �صنة 861ه�، طبعة املطبعة

الكربى الأمريية مب�رص، الطبعة الأولى �صنة 1316ه�.

التلخي���س يف اأ�ص��ول الفق��ه لإم��ام احلرم��ني املتوفى �ص��نة 22 .478ه�، حتقيق دكتور/ عبد اهلل جول النيبايل و�ص��يد اأحمد العم��ري، طبعة دار الب�ص��ائر الإ�ص��امية، ب��ريوت، الطبعة

الأولى 1996م. التمهي��د يف اأ�ص����ول الف��ق��ه لأبي اخلط����اب: حمفوظ بن 23 .اأحمد بن احل�ص��ن، اأبي اخلطاب الكلوذاين احلنبلي، املتوفى �ص��ن��ة 510ه�، ت�حقي���ق د/ مف�ي��د حم��مد اأب�و عم��ص���ة، د/ حممد بن علي بن اإبراهيم، طبعة موؤ�ص�صة الريان، واملكتبة

املكية، الطبعة الثانية �صنة2000م. تي�ص��ري التحرير لأمري باد�ص��اه: العامة حممد اأمني احل�ص��يني 24 .اخلرا�ص��اين البخ��اري احلنفي، املتوفى تقريبا �ص��نة 987ه�،

طبعة دار الفكر. حا�ص��ية البناين: اأب��و يزيد عبد الرحمن بن ج��اد اهلل البناين، 25 .املتوفى �صنة 1197 اأو 1198ه�، على �رشح املحلي: جلل الدين حممد بن اأحمد بن حممد بن اإبراهيم املحلي ال�صافعي، املتوفى �ص��نة 864ه�، جلمع اجلوامع لبن ال�ص��بكي املتوفى �صنة 771ه�، مع تقريرات ال�ص��يخ ال�رصبيني: �صيخ الإ�صام عبد الرحمن ال�رصبيني ال�ص��افعي، املتوفى �ص��نة 1326ه�،

طبعة دار الفكر- بريوت، �صنة 1415ه�/ 1995م.حا�شية العطار: ال�شيخ ح�شن العطار، على �رشح املحلي على 26 .جمع اجلوامع، طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى �صنة

1999م.حا�ص��ية التفتازاين: �صعد الدين م�ص��عود بن عمر بن عبد اهلل 27 .التفتازاين احلنفي ثم ال�ص��افعي، املتوفى 791ه�، على �رشح الع�ص��د: الق�ا�ص��ي ع�ص��د امل��لة والدين عب��د الرحمن بن اأحمد بن عب��د الغفار بن اأحمد الإيجي ال�ص��افعي، املتوفى �صنة 756ه�، ملخت�رص ابن احلاجب، الطبعة الأولى، باملطبعة

الأمريية �صنة 1316ه�.

Page 106: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

106

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

الر�صالة لل�صافعي: الإمام حممد بن اإدري�س ال�صافعي، املتوفى 28 .�صنة 204ه�، طبعة دار الرتاث، الطبعة الثانية �صنة 1979م.رف��ع احلاجب عن خمت�رص ابن احلاجب لبن ال�ص��بكي: تاج 29 .الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكايف ال�صبكي، املتوفى �ص��نة 771ه�، حتقيق علي حممد معو�س، وعادل اأحمد عبد

املوجود، طبعة عال الكتب، الطبعة الأولى 1999م.�ش���رح اللمع لل�ش��ريازي: اأبو اإ�ش��حاق اإبراهيم ال�شريازي، 30 .املتوفى �ص��نة 476ه�، حتقيق عب��د املجيد الرتكي، طبعة دار

الغرب الإ�صامي بريوت، الطبعة الأولى 1988م.�ش���رح التلوي��ح للتفتازاين على التو�ش��يح والتنقيح ل�ش��در 31 .ال�رصيعة: عبيد اهلل بن م�ص��عود ب��ن حممود املحبوبي، املتوفى �صنة 747ه�، حتقيق ال�صيخ زكريا عمريات، طبعة دار الكتب

العلمية- بريوت �صنة 1996م.�ش���رح خمت�رش الرو�ش��ة للطويف: جنم الدين اأبو الربيع �شليمان بن 32 .عبد القوي بن عبد الكرمي بن �صعيد الطويف، املتوفى �صنة 716ه�، حتقي��ق دكتور/ عبد اهلل بن عبد املح�ص��ن الرتكي، طبعة موؤ�ص�ص��ة

الر�صالة دم�صق، الطبعة الرابعة �صنة 2003م.�ش���رح ال�ش��يخ يو�ش��ف بن مو�ش��ى املر�ش��في املتوفى �شنة 33 .1370ه�/ 1951م، على مباح��ث القي��ا�س من الإحكام لاآمدي ن�ص��خة خا�ص��ة يف مكتبة الأ�ص��تاذ الدكتور جال الدين عبد الرحمن رحمه اهلل تعالى، بكلية ال�رصيعة والقانون

بالقاهرة.�ش�رح املغني للخبازي، حتقيق الدكتور حممد مظهر بقا، طبعة 34 .

املكتبة املكية مبكة املكرمة، الطبعة الأولى �صنة 2005م. الع����دة يف اأ�ص��ول الف��قه لأبي يعلى: الق��ا�ص��ي اأبو يع�لى 35 .حممد بن احل�ص��ني الف��راء البغ��دادي احلنبلي، املتوفى �ص��نة 458ه���، حتقيق حمم��د عبد القادر عطا، طبع��ة دار الكتب

العلمية- بريوت، طبعة اأولى �صنة 1423ه�/ 2002م.

فتح الغفار ب�ش���رح املن��ار املعروف ب� »م�ش��كاة االأنوار يف 36 .اأ�ص��ول املن��ار« لبن جنيم: زي��ن الدين ب��ن اإبراهيم بن جنيم احلنفي، املتوفى �صنة 970ه�، وعليه بع�س حوا�صي املرحوم ال�ص��يخ/ عبد الرحمن البحراوي احلنفي امل�رصي، طبعة دار الكتب العلمية- بريوت، طبعة اأولى 1422ه�/ 2001م. فواحت الرحموت للعامة عبد العلي حممد بن نظام الدين حممد 37 .اللكنوي الأن�ص��اري، املتوفى �ص��نة 1180ه�، �رشح م�شلم الثبوت للعامة حمب اهلل بن عبد ال�ص��كور البهاري، املتوفى

�صنة 1119ه�، طبعة دار الفكر، املطبوع مع امل�صت�صفى.قواطع الأدلة لبن ال�ص��معاين: الإمام اأبو املظفر من�ص��ور بن 38 .حممد بن عبد اجلبار ال�ص��معاين، املتوفى �صنة 489ه�، حتقيق حممد ح�صن حممد ح�صن اإ�صماعيل ال�صافعي، طبعة دار الكتب العلمي��ة- بريوت، طبع��ة اأولى �ص��نة 1418ه�/ 1987م. القي��ا�س حقيقته وحجيته لاأ�ص��تاذ الدكتور/ علي م�صطفى 39 .م�ص��طفى رم�ص��ان، طبعة دار الر�ص��ائل العلمية- الزهراء،

القاهرة.القي���ا�ض للدكتور �ش���لح الدين زيدان، الطبعة الثالثة �شنة 40 .

1998م، بدون دار ن�رص.ك�شف االأ�رشار �رشح امل�شنف على املنار للن�شفي: اأبي الربكات عبد 41 .اهلل بن اأحمد املعروف بحافظ الدين الن�صفي، املتوفى �صنة 710ه�، ومعه �رشح نور االأنوار على املنار مللجيون بن اأبي �شعيد بن عبيد اهلل احلنفي، املتوفى �ص��نة 1130ه�، طبع��ة دار الكتب العلمية،

الطبعة الأولى �صنة 1986م.ك�ص��ف الأ�رصار لعاء الدين عبد العزي��ز بن اأحمد البخاري 42 .املتوفى �ص��نة 730ه�، على اأ�ص��ول فخر الإ�صام البزدوي: علي بن حممد بن احل�صني بن عبد الكرمي، اأبو الي�رص البزدوي، املتوفى �ص��نة 482ه�، طبعة �رصكة ال�ص��حافية العثمانية �صنة

1310ه�.

Page 107: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

107

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

املح�ص���ول يف علم الأ�ص����ول لل����رازي: ف�خ����ر ال��دين 43 .حم�مد بن عمر بن احل�ص��ني الرازي، املتوفى �ص��نة 606ه�، حتقيق دكت��ور/ طه جابر علواين، طبعة موؤ�ص�ص��ة الر�ص��الة،

الطبعة الثالثة 1997م. املدخ����ل اإل��ى مذه��ب الإم��ام اأحم��د لبن ب��دران: عبد 44 .الق��ادر بن بدران الدم�ص��قي، املتوفى �صنة 1346ه�، طبعة

جامعة الإمام حممد بن �صعود الإ�صامية.امل�صت�ص��فى حل��جة الإ�ص����ام الغزايل: اأب��و حامد حممد بن 45 .حممد بن حممد الطو�ص��ي ال�ص��افعي، املتوفى �ص��نة 505ه�،

طبعة دار الفكر.املعتم��د يف اأ�ص��ول الفقه لأبي احل�ص��ني حممد ب��ن علي بن 46 .الطيب الب�رصي املعتزيل، املتوفى �صنة 436ه�، حتقيق خليل املي���س، طبع��ة دار الكتب العلمية- بريوت، الطبعة الأولى

�صنة 1983م.املغني يف اأ�ص��ول الفقه لاإمام ج��ال الدين عمر اخلبازي، 47 .حتقي��ق الدكتور حممد مظهر بقا، طبعة مركز البحث العلمي واإحياء الرتاث الإ�ص��امي بجامعة اأم القرى الكتاب التا�صع

ع�ص�ر.ميزان الأ�ص��ول يف نتائج العقول لل�ص��مرقندي: عاء الدين 48 .�ص��م�س النظر اأبو بكر حممد بن اأحمد ال�صمرقندي احلنفي، املتوفى �ص��نة 539ه�، حتقيق الدكتور/ حممد زكي عبد الرب،

طبعة مكتبة دار الرتاث، الطبعة الثانية 1997م.نب�را�س العقول يف حتقيق القيا�س عند علماء الأ�صول لل�صيخ 49 .

عي�صى منون، طبعة دار العدالة �صنة 1345ه�. نزهة امل�ش��تاق �رشح اللمع الأبي اإ�ش��حاق ال�ش��ريازي تاأليف 50 .ال�ص��يخ حممد يحيى ابن ال�ص��يخ اأمان -رحم��ه اهلل تعالى-

طبعة املكتبة العلمية مبكة املكرمة �صنة 1951م.

نهاية الو�صول يف دراية الأ�صول للهندي: �صفي الدين حممد بن 51 .عبد الرحيم الأرموي الهندي ال�صافعي، املتوفى �صنة 715ه�، حتقيق د/ �ص��الح بن �ص��ليمان اليو�ص��ف، ود/ �صعد بن �صال ال�ص��ويح، مكتبة نزار م�صطفى الباز مبكة املكرمة 1996م.

نهاية ال�ص��ول لاإ�صنوي: جمال الدين اأبو حممد عبد الرحيم 52 .الإ�ص��نوي ال�ص��افعي، املتوفى �صنة 772ه�، �ش���رح منهاج الو�ص��ول للبي�صاوي، بحا�صية ال�صيخ بخيت املطيعي، طبعة

دار ال�صعادة بدون تاريخ.ا: كتب الفقه: ثالثا

ه�، حتقيق د/ فوؤاد الإجماع لبن املنذر، املتوفى �ص��نة 318. 53عبد املنعم اأحمد، طبعة دار امل�ص��لم للن�رص والتوزيع، الطبعة

الأولى �صنة 2004م.رابعا: كتب اللغة:

اأ�ص��ا�س الباغة للزخم�ص�ري: اأبو القا�ص��م حممود بن عمر بن 54 .اأحم��د، الزخم�ص���ري ج��ار اهلل، طبعة الهيئة العامة لق�ص��ور

الثقافة �صنة 2003م.التعريف��ات للجرج��اين: علي بن حممد ب��ن علي اجلرجاين، 55 .حتقيق اإبراهيم الإبياري، طبعة دار الكتاب العربي– بريوت،

الطبعة الأولى �صنة 1405ه�.خمت��ار ال�ش��حاح للرازي: حممد بن اأبي بك��ر بن عبد القادر 56 .الرازي، املتوفى بعد �صنة 666ه�، طبعة مطبعة فوؤاد الأول،

الطبعة ال�صاد�صة 1951م.امل�ش��باح املنري الأحم��د بن حممد بن علي املق��ري الفيومي، 57 .

املتوفى �صنة 770ه�، طبعة مكتبة لبنان �صنة 1990م.املعج��م الوجيز ملجم��ع اللغ��ة العربية، طبع��ة وزارة الرتبية 58 .

والتعليم �صنة 1994م.ل�صان العرب لبن منظور: حممد بن مكرم بن منظور الإفريقي 59 .

امل�رصي، طبعة دار �صادر– بريوت، الطبعة الأولى.

Page 108: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

108

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

خام�صا: كتب املنطق:�ش���رح ال�ش��لم للملوي مع حا�ش��ية ال�شيخ ال�ش��بان، طبعة 60 .

م�صطفى احللبي، الطبعة الثانية �صنة 1938م.املر�صد ال�ص��ليم يف املنطق احلديث والقدمي لاأ�صتاذ الدكتور 61 .عو�س اهلل حجازي رحمه اهلل تعالى، الطبعة التا�ص��عة �ص��نة

1998م.

Page 109: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

109

العدد السادساألساس لالختالف في تعريف القياس

فهرس املوضوعاتاملقدمة.

املبحث االأول: تعريف القيا�س يف اللغة.املبحث الثاين: تعريف القيا�س يف اال�صطالح.

متهيداملطلب االأول: تعريف القيا�س بي احلد والر�صم.

املطلب الثاين: القيا�س فعل املجتهد اأو من جعل ال�صارع.املطلب الثالث: القيا�س بي املخطئة وامل�صوبة.

املطلب الرابع: ما يكون من العلة واحلكم يف االأ�صل والفرع.املطلب اخلام�س: ما يعرب به عن املقي�س واملقي�س عليه.

املطلب ال�صاد�س: االإطالق والتقييد يف العلة.املطلب ال�صابع: اعتبار نظر املجتهد قيدا يف تعريف القيا�س.

املبحث الثالث: التعريف املختار للقيا�س.املطلب االأول: التعريف املختار للقيا�س و�صرحه.

املطلب الثاين: االعرتا�صات التي قد ترد على هذا التعريف ودفعها.اخلامتة يف اأهم نتائج البحث.

فهر�س املراجع.

78808282848588899195969898

101103104

Page 110: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

110

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

المقدمة احلمد هلل الذي علم بالقلم، علم الإن�ص��ان ما ل يعلم، وال�ص��اة وال�صام على من بعثه اهلل رحمة للعاملني، نبينا حممد وعلى اآله و�ص��حبه، منارات الهدى، وم�ص��ابيح الدجى، ومن

اتبعهم باإح�صان اإلى يوم الدين، وبعد:اأ- �صبب اختيار املو�صوع واأهميته:

نظرا ملا للم�ص��لحة من مكانة يف ال�رصيعة، فه��ي حمور الت�رصيع، وحمل اعتباره، تدور عليها ن�صو�ص��ه، وتتن��زل عليها اأحكامه، وتبنى عليها علله واأ�ص��بابه ...، ونظ��را ملا اأكرم اهلل به ال�صحابة -ر�ص��ي اهلل عنهم- وخا�صة اخللفاء الرا�ص��دين، واأخ�س ال�صيخني -ر�صي اهلل عنهما- من فهم ثاقب لل�رصيعة، ومعرفة تامة مبقا�صدها، واإحاطة �صاملة مبداركها، وتوفر الل�ص��ان الف�ص��يح، وجودة القرائح، مع ما خ�ص��هم اهلل به من �صحبة نبيه -�صلى اهلل عليه و�صلم-، وا�صطفائهم للقيام بحمل ال�رصيعة قول وعما من بعده، وتنويه ن�صو�س القراآن وال�ص��نة بف�ص��لهم وعلو منزلتهم، وو�ص��فها لهم باأنهم اأئمة يقتدى بهم، ويقتفى اأثرهم، واأمر النا�س باتباع �صننهم واأحكامهم، مما يجعل اأقوالهم وفتاواهم واأق�صيتهم حمل اعتبار،

عمل الشيخني أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما باملصلحة

د.جبريل بن محمد البصيليأستاذ أصول الفقه المشارك

ورئيس قسم أصول الفقه بكلية الشريعة وأصول الدين - جامعة الملك خالد

Page 111: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

111

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

حممولة على ال�صداد وال�صواب، فاأقوالهم فوق كل قول، واآراوؤهم ف��وق كل راأي، ومنهجه��م اأحمد من كل منهج، حتى �ص��ارت اأقواله��م واأفعالهم -ولو منف��ردة- حجة متبع��ة)1(، واإجماعهم

دليا معتربا حتى عند من يخالف يف حجية الإجماع)2(.ولأن قرنهم خري القرون، وع�رصهم خري الع�صور، ودولتهم كانت خري دول الإ�صام، ولأن لل�ص��يخني من الف�صل وال�صابقة واملنزلة م��ا لي�س لغريهم��ا، ولأن ع�رصهم��ا ع�رص التف��اق والجتماع، ووح��دة املنهج واملق�ص��د فكرا وتطبيقا، ولك��ون ظروف احلياة يف عهدهما تو�ص��عت، وق�صاياها تنوعت، ورقعة الدولة متددت، وحياة النا�س يف وقتهما تطورت، عما كان عليه الو�صع يف ع�رص النبوة من حيث كرثة الق�ص��ايا وتنوع امل�صكات وامل�صتجدات، ففي ع�رصهما تاأ�ص�س الجتهاد وجتلى العمل بامل�صلحة، مما يجعل ع�رصهما الع���رص الأمثل، والأنوذج الأكمل للم�ص��لمني يف هذا الع�رص، وهم ين�صدون اأن يعود لاإ�صام جمده، ولل�رصيعة مكانتها، وللم�ص��لمني دورهم يف هذا الع�رص قي��ادة وريادة، وهداية للنا�س

اأجمعني.ولأنني ل اأر -ح�ص��ب علمي- من اعتنى بهذا املو�ص��وع واأبرزه م�صتقا بعد جمع متفرقاته، ول �صتاته، وح�صد �صواهده وتطبيقاته، ليكون نربا�ص��ا ي�ص��يء الطريق لل�ص��الكني، ول �ص��يما وامل�صلحة قد ا�ص��طربت فيها اأق��وال العلماء كما هو مع��روف، فالبحوث والدرا�صات التي عنيت مبو�ص��وع امل�صلحة، در�صته ب�صكل عام،

وركز كثري منها على املذاهب الأربعة)3(.فراأي��ت احلاج��ة داعية اإلى اإفراد هذا البحث مبوؤلف م�ص��تقل يربز عمل ال�ص��يخني -ر�ص��ي اهلل عنهما- وموقفهما من هذا الأ�صل

القول بحجي��ة قول الصحابي هو مذهب جمهور العلم��اء. انظر في ذلك مبحثا )1(موسعا في كتاب القواعد األصولية املتعلقة باألدلة للباحث حتت الطبع.

كالظاهرية. انظر: اإلحكام في أصول األحكام البن حزم )4/ 147( ونصه: »قال )2(أبو محمد: قال أبو س��ليمان وكثير من أصحابنا: ال إجماع إال إجماع الصحابة رضي اهلل عنهم«، وفي ترجيح فتاواهم وأقضيتهم على أقضية من بعدهم، انظر:

إعالم املوقعني البن القيم )118/4 - 156(. انظر: نظري��ة املصلحة في الفقه اإلس��المي )606/44(، واملصلحة وجنم الدين )3(الطوفي ملصطفى زي��د، وضوابط املصلحة للبوطي، فجل ه��ذه الكتب في فقه

املذاهب األربعة إال عرضا غير مقصود لبعض الشواهد من فقه الصحابة.

املهم؛ ول �صيما يف ع�رصنا هذا الذي ثارت فيه امل�صائل وتفجرت فيه الق�شايا مبا يحتاج معه اإلى التجديد يف الفقه، وبعث الروح فيه ليواك��ب الع�رص، ومي�ار�س دوره، ويبعث لاأمة جمدها، ولتربز من خاله مكانتها، ولتقوم بدورها؛ لأنها خري اأمة اأخرجت للنا�س.

ول��ن يكون ذل��ك اإل بتوفر عوام��ل عديدة من اأهمها درا�ص��ات مو�ص��وعية لأ�ص��ول ال�رصيع��ة وكلياته��ا، تركز عل��ى الجتهاد وال�ص��تقال، والرجوع اإلى ينابيع ال�رصيعة الأ�ص��يلة، م�صتخدمة لأدوات الإدراك ال�ص��حيحة، واأهمها معرف��ة اللغة التي نزل بها الوحي، ومعرفة مقا�صد ال�رصيعة وغاياتها، والهتداء مبنهج حملة ال�رصيعة بعد نبيها -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- الذين كانوا م�صاحف مي�ص��ون على الأر���س، ول �ص��يما اخللفاء الرا�ص��دين، وخا�ص��ة

ال�صيخني -ر�صي اهلل عنهم- اأجمعني.علما باأنه بال�صتقراء والتتبع، فاإن اأقوى دليل على حجية امل�صلحة، بل لعله الدليل الوحيد الذي ي�ص��لم من املعار�صة، والذي يقطع به هو اإجماع ال�صحابة، الذي يربز ويتحقق من خال عمل اخللفاء الرا�ص��دين وخا�صة عمل ال�صيخني، لتوفر ال�صحابة يف ع�رصهما،

ولاتفاق والإجماع اللذين كانا يف ع�رصهما.قال الرازي م�صتدل على حجية امل�صالح املر�صلة: »واأما الإجماع فه��و: اأن من تتبع اأحوال مباحثات ال�ص��حابة علم قطعا، اأن هذه ال�رصائ��ط التي يعتربها فقهاء الزمان يف حترير الأقي�ص��ة، وال�رصائط املعت��ربة يف العل��ة والأ�ص��ل والفرع م��ا كانوا يلتفت��ون اإليها، بل كانوا يراعون امل�ص��الح؛ لعلمهم باأن املق�ص��د م��ن ال�رصائع رعاية

امل�صالح«)1(.وهكذا غريه من العلماء، ففي تقرير هذا الأ�ص��ل، وبناء الأحكام عليه يفزع ابن القيم رحمه اهلل اإلى عمل اخللفاء الرا�صدين -ر�صي اهلل عنهم-، ويخ�س عمر بق�ص��ط كبري، يق��ول رحمه اهلل: »فقد ج��رى من اخللفاء الرا�ص��دين ما ل يجحده عال بال�ص��ن، ولو ل يكن اإل حتريق عثمان امل�ص��احف، فاإنه كان راأيا اعتمدوا فيه على م�ص��لحة الأمة، وحتري��ق علي الزنادق��ة يف الأخاديد، ونفي عمر

احملصول للرازي )ج�2 / ق225/3(. )1(

Page 112: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

112

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

ن�رص بن حجاج ...«)1(.و�رصد رحمه اهلل ق�ص��ايا كثرية)2( ق�صى فيها عمر -ر�صي اهلل عنه- معتمدا على امل�صلحة اإلى اأن قال: »اإلى غري ذلك من ال�صيا�صة التي

�صا�س بها الأمة -ر�صي اهلل عنه-«)3(.لذلك كله اخرتت هذا املو�ص��وع للدرا�ص��ة راجي��ا اأن يحقق اهلل تعالى به الغر�س، ويو�صل به وباأمثاله من البحوث اإلى املق�صود.

ب- منهج البحث:ه��ذا البح��ث ا�ص��تقرائي، يقوم على جم��ع قدر كبري من اأق�ص��ية اخلليفتني الرا�صدين -ر�صي اهلل عنهما- وفتاواهما واجتهاداتهما، وا�ش��تنتاجي يق��وم عل��ى ا�ش��تنباط بناء ه��ذه الأق�ص��ية والفتاوى والجتهادات على امل�ص��لحة، وتقرير ذلك باأ�صلوب علمي، وقد

اقت�صى ذلك اخلطوات الآتية:1- تتبعت املجامع التي عنيت بفقه ال�صلف واآثارهم.

2- تتبعت كتب الأ�ص��ول والفقه التي عنيت باأ�ص��ول ال�صحابة وفقههم.

3- اأبرزت ال�صتدلل بامل�صلحة من خال امل�صائل التي جمعتها، وعر�ص��تها يف البح��ث، وبين��ت اأن متعل��ق اجتهادهما يف هذه

امل�صائل هو امل�صلحة.4- وثقت الآثار والأقوال وال�صواهد من امل�صادر الأ�صيلة.

جت الأحاديث والآثار من م�صادرها املعتربة. 5- خر6- عزوت الآيات اإلى ال�صور ورقمتها.

7- �رصحت امل�صطلحات والألفاظ الغريبة.8- و�صعت الفهار�س.

هذا وقد اقت�ص��ت طبيعة ه��ذا البحث اأن يكون ل��ه متهيد يف بناء ال�رصيعة على امل�صلحة، وحجية قول ال�صحابي، ثم يكون احلديث عن عمل اأبي بكر وعمر -ر�ص��ي اهلل عنهما- بامل�ص��لحة، فجاء

على النحو التايل. الط��رق احلكمي��ة )17(، وانظر: قواعد األحكام ل��ه )1/ 9( واملوافقات )2/ 7-6( )1(وتبصرة احلكام )2/ 104-109( وس��يأتي مزيد بيان الستدل العلماء على حجية

املصلحة بإجماع الصحابة. انظر: الطرق احلكمية )21-17(. )2(

الطرق احلكمية )21(. )3(

ج- خطة البحث:وت�صتمل على مقدمة ومتهيد وف�صلني وخامتة:

املقدمة: وت�ص��مل: اأ�ص��باب اختي��ار املو�ص��وع واأهميته وخط��ة البحث

ومنهجه.التمهيد: وفيه مبحثان:

املبحث الأول: بناء ال�رصيعة على امل�صلحة، وفيه مطالب: املطلب الأول: تعريف امل�صلحة لغة وا�صطاحا.

املطلب الثاين: اأدلة اعتبار امل�صلحة. املطلب الثالث: �صوابط العمل بامل�صلحة. املطلب الرابع: منزلة امل�صلحة يف ال�رصيعة.

املبحث الثاين: حجية قول ال�صحابي.الف�صل الأول: عمل اأبي بكر بامل�صلحة واأثر ذلك يف اجتهاده.

الف�صل الثاين: عمل عمر بامل�صلحة واأثر ذلك يف اجتهاده.اخلامتة: النتائج والتو�صيات.

Page 113: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

113

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

التمهيدوفيه مبحثان:

المبحث األول

بناء الشريعة على المصلحة

وفيه مطالب: املطلب الأول: تعريف امل�صلحة لغة وا�صطاحا.

املطلب الثاين: اأدلة اعتبار امل�صلحة. املطلب الثالث: �صوابط العمل بامل�صلحة. املطلب الرابع: منزلة امل�صلحة يف ال�رصيعة.

املطلب األول

تعريف املصلحة لغة واصطالحا

يب��دو من خال تتبع كام العلماء من لغويني واأ�ص��وليني وفقهاء، قبل ا�ص��تقرار ال�صطاحات وبعده، وقبل بروز املذاهب وبعده، يبدو من خال تتبع كامهم اأن: امل�ص��لحة م��ن الألفاظ الظاهرة التي ال حتتاج اإلى �رشح وتو�ش��يح، واأنه��م مل يتكلفوا يف معناها، ال يف اللغ��ة وال يف اال�ش��طلح، بل اكتف��وا بتحقيقها من خلل

الوقائع التي عر�صوا لها.فال�ص��حابة -ر�صي اهلل عنهم- كانوا اإذا اجتهدوا يف الوقائع التي عر�ص��ت لهم، عللوا الأحكام التي ا�صتنبطوها: باأنها خري، كقول عمر -ر�صي اهلل عنه- لأبي بكر -ر�صي اهلل عنه- يف ق�صة جمع الق��راآن: هو واهلل خ��ري؛ اأي �ش��لح للأمة اأو نف��ع ونحو ذلك، وكقول علي -ر�ص��ي اهلل عنه- ل ي�ص��لح النا�س اإل ذلك، ونحو

هذه العبارات.واللغويون �ص��اروا على ه��ذا املنهج يف عدم التكل��ف والتعمق، ففي »القامو�ض« : »ال�شلح �شد الف�شاد، واأ�شلحه �شد اأف�شده، وامل�ص��لحة واح��دة امل�ص��الح، وا�صت�ص��لح نقي�س ا�صتف�ص��د«)1(

القاموس احمليط باب احلاء فصل الصاد. )1(

وهكذا يف »خمتار ال�شحاح«)1(.ويف »امل�ش��باح املن��ري«: »واأ�ش��لح اأت��ى بال�ش��لح، وهو: اخلري

وال�صواب، ويف الأمر م�صلحة اأي خري، واجلمع امل�صالح«)2(.فامل�ص��لحة عن��د اأهل اللغ��ة اأمرها معل��وم، وحاله��ا ظاهر، فهي من الأم��ور اجللية الوا�ص��حة الت��ي يكتفى مبعرفته��ا عن �رصحها واإي�ص��احها، فهي كل ما فيه خري �ص��واء كان جل��ب نفع، اأو دفع

�رصر.وكذلك فقهاء املذاهب:

فالغزايل -رحمه اهلل- وهو من اأ�صهر من عني بامل�صلحة من فقهاء املذاهب فاإنه يكتفي بذكر مدلولها العام دون التفات اإلى �ص��ناعة احل��دود، فق��د جاء يف كامه: »امل�ص��لحة يف الأ�ص��ل عبارة عن جل��ب منفعة اأو دفع م�رصة، ... ثم ذكر اأنها عبارة عن: املحافظة على مق�ص��ود ال�رصع، واأن مق�ص��ود ال�رصع من اخللق خم�صة: اأن يحفظ عليهم دينهم، واأنف�ص��هم، وعقولهم، ون�ص��لهم، ومالهم، فكل ما يت�ص��من حفظ هذه الأ�صول اخلم�صة فهو م�صلحة، وكل

ما يفوت هذه الأ�صول فهو مف�صدة، ودفعها م�صلحة)3(.وكذا العز بن عبد ال�ص��ام -رحمه اهلل-؛ فقد عدل عن �ص��ناعة احل��دود اإلى قوله: »ويعرب عن امل�ص��الح واملفا�ص��د ب���: املحبوب واملك��روه، واحل�ص��نات وال�ص��يئات، والع��رف والنك��ر، واخلري

وال�رص، والنفع وال�رص، واحل�صن والقبيح«)4(.وك��ذا الط��ويف -رحم��ه اهلل- وهو يعد بع��د الغ��زايل يف العناية بامل�ص��لحة، واإن كان فاقه يف العتداد به��ا – فقد قرر اأنها عبارة

عن كل ما يوؤدي اإلى مق�صود ال�صارع)5(.فقد ظهر اأن امل�صلحة من الألفاظ امل�صهورة، التي يكتفى ب�صهرتها

عن اإي�صاحها و�رصحها.مختار الصحاح )367(. )1(

املصباح املنير )1/ 370(. )2(املستصفى )1/ 287-286(. )3(

مختصر الفوائد في أحكام املقاصد )116(. )4(انظر: رس��الة له في رعاية املصلحة مجردة من شرحه لألربعني النووية )25(، )5(ملحق برس��الة املصلحة في التشريع اإلس��المي وجنم الدين الطوفي ملصطفى

زيد )211(، وشرح مختصر الروضة )3/ 204(.

Page 114: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

114

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

املطلب الثاني

أدلة اعتبار املصلحة

اأدلة ال�رصيعة الأ�ص��لية كما هو معلوم الكتاب وال�صنة والإجماع. وهن��اك اأدل��ة تابع��ة لاأدل��ة الأ�ص��لية م��ن اأهمه��ا هن��ا مذهب

ال�صحابي.وبالنظر لاأدلة التبعية يجد املتاأمل اأن:

القيا�س: عبارة عن تو�صيع جمرى الن�س، فهو رد اإلى الن�س وا�صتدلل به، واأما العرف و�ص��د الذرائع فلهما عاقة كبرية بامل�صلحة، فيعد

ال�صتدلل بهما ا�صتدلل بامل�صلحة.وال�صتح�صان: عبارة عن ترجيح بني الأدلة، واأما ال�صت�صحاب:

فهو ا�صتدلل بدليل قائم.وعلى ذلك ف�صاأكتفي هنا بذكر رعاية الن�س والإجماع للم�صلحة، واأما قول ال�ص��حابي ف�صياأتي له تف�صيل يف �صلب البحث اإذ عليه م��داره، مع اأنه ميكن اندراج��ه يف الإجماع من حيث اإن اأقوالهم واأحكامهم وفتاواهم -ر�صي اهلل تعالى عنهم- املتعلقة بامل�صلحة ا�صتهرت وانت�رصت بني بقية ال�صحابة كلهم، ول يعرف لها خمالف

منهم فكانت اإجماعا.اأوال: رعاية امل�صلحة يف القراآن الكرمي.

القراآن الك��رمي كام رب العاملني، اأنزله اهلل تعالى رحمة للعاملني، وهدى و�ص��فاء ملا يف ال�ص��دور، كله من مفتتحه اإلى خمتتمه يدعو النا���س اإلى اخل��ري يف الدنيا والأخرى، ويزكيه��م، ويطهرهم من الذنوب وال�رصور، يحثهم على الف�ص��يلة، ويحذرهم من الرذيلة، ياأمره��م بكل معروف، وينهاهم عن كل منكر. وهذه املدلولت

وما يف معناها هي امل�صلحة. قال الطويف رحمه اهلل تعالى: »وباجلملة فما من اآية من كتاب اهلل

-عز وجل- اإل وهي ت�صتمل على م�صلحة اأو م�صالح«)1(.وق��ال العز بن عبد ال�ص��ام رحم��ه اهلل تعالى: »ومعظم مقا�ص��د القراآن الأمر باكت�صاب امل�ص��الح واأ�صبابها، والزجر عن اكت�صاب

رسالة له في رعاية املصلحة مجردة من شرحه لألربعني النووية )30(. )1(

املفا�صد واأ�صبابها«)1(.ويوؤكد اب��ن تيمية -رحمه اهلل تعالى- هذا املعنى فيقول: »يكفي املوؤمن اأن يعلم اأن ما اأمر اهلل به فهو مل�ص��لحة حم�ص��ة اأو غالبة، وما

نهى اهلل عنه فهو مف�صدة حم�صة اأو غالبة ...«)2(.وه��ذا املعنى مبداأ مقرر عند علماء امل�ص��لمني على مر الع�ص��ور، يقول ال�صيخ ال�ص��نقيطي-رحمه اهلل-: »وباجلملة فامل�صالح التي

عليها مدار ال�رصائع ثاث: الأولى: درء املفا�صد.

الثانية: جلب امل�صلحة. والثالثة: اجلري على مكارم الأخاق وحما�صن العادات.

وكل هذه امل�ص��الح الثاث هدى فيها القراآن العظيم للطريق التي هي اأقوم الطرق واأعدلها«)3(.

وميكن تق�صيم مراعاة القراآن العظيم للم�صلحة اإلى وجوه عدة:1- و�ص��ف اهلل تبارك وتعالى كتابه باأنه رحمة، و�صفاء، وهدى، ون��ور، وموعظة، وذكر حكي��م، واأنه ل ياأتيه الباطل من بني يديه

ول من خلفه، ويهدي اإلى احلق واإلى طريق م�صتقيم ...ق��ال اهلل تعال��ى: { ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈ گ گ گ ک ک ک ک ڑ ڑ ژ ژ

گ ڳ ڳ ڳ ڳ ڱ ڱ})4(.فق��د دلت هات��ان الآيتان على اأن القراآن راعى م�ص��الح العباد يف الدارين من وجوه عدة، اأو�ص��لها الطويف اإلى �ص��بعة قال-رحمه اهلل-: »فه��ذه �ص��بعة اأوجه من ه��ذه الآية الكرمية، ت��دل على اأن

ال�رصع راعى م�صلحة املكلفني واهتم بها«)5(.ويف معن��ى ه��ذه الآية قول��ه �ص��بحانه: { ک ک گ گ

گ گ })6(،قواعد األحكام )1/ 7( و )2/ 160(، مختصر الفوائد )130(. )1(

زيارة القبور واالس��تنجاد باملقب��ور )2/ 52( وقد ورد هذا املعنى كثيرا في كتب )2(ابن تيمية.

أضواء البيان )3/ 448(، وانظر: مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها )88(. )3(سورة يونس )58-57(. )4(

رسالة له في رعاية مصلحة مجردة من شرحه لألربعني النووية )27(. )5(سورة األنبياء )107(. )6(

Page 115: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

115

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

ٴۇ ۈ ۈ ۆ ۆ {ۇ �ص��بح����انه: وق��ول����ه ۋ})1(.

ج��اء يف »�ص��وابط امل�ص��لحة يف ال�رصيع��ة الإ�ص��امية«: »واإن��ا يكون اإر�ص��ال الر�صول -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- رحمة لهم اإذا كان��ت ال�رصيعة التي بع��ث بها اإليه��م وافية مب�ص��احلهم، متكفلة

باإ�صعادهم«)2(.2- تقري��ر القراآن للعدل بني النا�س، واأمره بحفظ احلقوق، واأداء الأمان��ات، و�رصعه للمناف��ع، واإذنه يف النتف��اع بها والرتفاق،

وحث��ه على فع��ل اخلري، واجتناب ال�ص���ر، قال تعال��ى: { چ چ ڌ ڌ ڍ ڍ ڇ ڇ ڇ ڇ چ ژڑ})3(، ژ ڈ ڎڈ ڎ وق���ال �ص��بح��انه: {ڱ ڱ})4(، وق���ال ع���ز وج��ل: {ۆ ۆ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ ۅ})5(، وق��ال جل وعا:

{ۆ وق��ال: ک})6(، ڑ ڑ ژ ژ }وق��ال: ڤ})8(، ڤ ٹ ٹ {ٹ وق��ال: ۈ})7(،

ڑ } وق��ال: ۇ})9(، ۇ ڭ ڭ ڭ ڭ }گ})10(، گ گ گ ک ک ک ک وق�������ال: ں})11(، ں ڱ ڱ {ڱ وق�������ال: ٿ})12(، ٿ ٿ ٿ ٺ ٺ {ٺ ٿٿ})13(، ٺ ٺ ٺ ٺ ڀ ڀ ڀ } وق��ال:

سورة اجلاثية )20(. )1(ضوابط املصلحة في الشريعة اإلسالمية )75(. )2(

سورة النحل )90(. )3(سورة احلج )77(. )4(

سورة النساء )58(. )5(سورة املائدة )1(. )6(

سورة اإلسراء )34(. )7(سورة البقرة )275(. )8(

سورة األعراف )56، 85(. )9(سورة هود )85(، وسورة الشعراء )183(. )10(

سورة البقرة )188(. )11(سورة املائدة )38(. )12(

سورة النور )2(. )13(

وقال: { ەئ ەئ وئ وئ ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ})1(.3- ربط القراآن لاأحكام بعللها وحكمها.

ں ڱ ڱ } تعال��ى: اهلل ق��ول ذل��ك م��ن ں})2(، وقول��ه �ص��بحانه: { ڻ ڻ ڻڻ ۀ ۀ ہ})3(، وقول��ه عز وج��ل: {ڭ ڭ ڭ ۇ ۇ ۆ ۆ ۈ ۈ})4(، وقول��ه ج��ل وع��ا: {ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦڄ ڄ ڄ ڄ ڃ })5(، وق��ول��ه تع���ال��ى: { ڱ ڱ ڱ ڱ ں ں ڻ})6(، وقول��ه تعالى يف اآي��ة ال�ص��تئذان: {ی ی ی جئ حئ })7( اإل��ى قوله:

{ ٺٺ ٿ ٿ ٿٿ })8(، وقول��ه تعالى يف ال�ص��اة: { ۉ ې ې ې ې ى})9(.

والآيات يف ذلك كثرية ل تكاد حت�صى حتى قال ابن القيم -رحمه اهلل تعالى-: »والقراآن وال�صنة مملوءان من تعليل الأحكام باحلكم وامل�ص��الح، وتعليل اخللق بهما، والتنبيه عل��ى وجوه احلكم التي لأجلها �رصعت تلك الأحكام، ولأجلهما خلق اهلل تلك الأعيان، ول��و كان هذا يف القراآن وال�ص��نة يف نحو مائة مو�ص��ع اأو مائتني

ل�صقناه، ولكنه يزيد على األف مو�صع بطرق متنوعة ...«)10(.

سورة البقرة )29(. )1(سورة احلج )77(. )2(

سورة البقرة )222(. )3(سورة البقرة )179(. )4(سورة املائدة )91(. )5(سورة التوبة )103(. )6(

سورة النور )27(. )7(سورة النور )28(. )8(

سورة العنكبوت )45(. )9(مفتاح دار الس��عادة )2/ 374( وانظر: ش��فاء الغليل )2/ 88( له وقد تضمن هذا )10(الكتاب بس��طا لعلل الش��ريعة وحكمها، وفي تعليل األحكام لشلبي أمثلة كثيرة

لذلك، انظر )14-23( منه، وانظر: إعالم املوقعني )1/ 200-197(.

Page 116: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

116

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

ا: رعاية ال�صنة للم�صلحة. ثانيال تختلف ال�ص��نة يف رعايتها للم�ص��لحة ع��ن القراآن، فهي وحي يوحى، وهي احلكمة اأوتيها ر�ص��ول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم- مع القراآن، مبينة ملا فيه من الأحكام، ومف�رصة ملا فيه من القواعد، ومقررة ملا فيه من املواعظ، وما اأن�ص��اأته من الأحكام مرتبط مبنهج القراآن يف مراعاة م�ش��الح االأنام، كتحرمي نكاح املراأة على عمتها اأو خالته��ا، من اأج��ل ما يقع بني ال�رصائر من ال�ص��غائن، فقد جاء يف بع���س طرق احلديث بع��د نهيه عن اجلمع بني امل��راأة وعمتها اأو خالته��ا: »... اإنك��ن اإذا فعل��ت ذلك قطع��ت اأرحامكن«)1(، وحت��رمي حلوم احلم��ر الأهلية، فقد ورد يف بع���س طرق احلديث: م ذبحه��ا)2(، ويف بع�س طرقه »فني��ت احلمر يا ر�ص��ول اهلل: فحر

علل التحرمي باأنها رج�س«)3(.وقد ت�ص��منت ال�صنة جميع ما ت�صمنه القراآن من الوجوه يف رعاية امل�ص��لحة، م��ن ذلك: الأحادي��ث التي منعت ال���رصر، والأذى، والظل��م، والغ���س، والتعدي، واأحادي��ث رفع احل��رج، والوفاء بالعق��ود والعه��ود، واأداء الأمانات ومكارم الأخاق، وحما�ص��ن

العادات ...«)4(.

أخرجه ابن حبان عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال: نهى رسول اهلل صلى اهلل )1(عليه وسلم أن تزوج املرأة على العمة واخلالة، قال: »إنكن إذا فعلنت ذلك قطعنت أرحامكن«، وقال الشيخ شعيب األرناؤوط وهو حديث حسن )صحيح ابن حبان

في كتاب النكاح، باب حرمة املناكحة 9/ 426 حديث رقم 4116(. انظ��ر: مجموع الروايات الواردة في ذلك في املنتق��ى من أخبار املصطفى )2/ )2(

862 – 863(، تلخيص احلبير )4/ 150(، إرواء الغليل )8/ 137 - 138(. منه��ا ما أخرج��ه البيهقي عن أنس ب��ن مالك رضي اهلل عنه ق��ال: جاء جائي )3(إلى رس��ول اهلل صلى اهلل عليه وسلم، فقال: أكلت احلمر، ثم جاء الثانية، فقال: أكلت احلمر، ثم جاء الثالثة، فقال: أفنيت احلمر، فأمر رس��ول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مناديا فنادى في الناس: أن اهلل ورسوله ينهيانكم عن احلمر األهلية فإنها رجس، قال: فكفئت القدور وإنها لتفور باللحم.) معرفة الس��نن واآلثار للبيهقي

7/ 268 حديث رقم 5738(وانظ��ر مجموع الروايات الواردة في ذلك ف��ي املنتقى من أخبار املصطفى )2/

862 – 863(، تلخيص احلبير )4/ 150(، إرواء الغليل )8/ 137 - 138(. كتب الس��نة مليئة بهذه األحادي��ث وأمثالها، كبلوغ امل��رام، ومنتقى األخبار، )4(وري��اض الصاحلني، واملتجر الراب��ح، والترغيب والترهي��ب، وهي مبثوثة في

األصول كالصحيحني والسنن األربع ومسند أحمد وغيرها.

ق��ال الط��ويف -وق��د ذكر بع���س الأحادي��ث الدالة عل��ى رعاية امل�ص��لحة-: »وهذا ونحوه يف ال�ص��نة كثري؛ لأنها بيان الكتاب،

والبيان وفق املبني«)1(.وقال ال�ص��اطبي: »وقد كملت قواعد ال�رصيعة يف القراآن وال�صنة، فلم يتخلف عنها �ص��يء، وال�ص��تقراء يبني ذلك، وي�صهل على من

هو عال بالكتاب وال�صنة«)2(.ال�رصوري��ات واحلاجي��ات والتح�ص��ينات وق��ال -وق��د ذك��ر ومكماته��ا واأن امل�ص��الح ل تعدو هذه الأق�ص��ام الثاثة-: »... واإذا نظرنا اإلى ال�ص��نة وجدناها ل تزيد عل��ى تقرير هذه الأمور، فالكتاب اأتى بها اأ�صول يرجع اإليها، وال�صنة اأتت بها تفريعا على الكت��اب، وبيان��ا ملا فيه منه��ا، فا جتد يف ال�ص��نة اإل ما هو راجع اإلى تلك الأق�صام؛ فال�رصوريات اخلم�س كما تاأ�صلت يف الكتاب

تف�صلت يف ال�صنة...«)3(.و�رشح ذلك، ثم ذكر اأن احلاجيات والتح�شينات كذلك)4(.

ا: االإجماع على رعاية امل�صلحة. ثالثااأجمع امل�صلمون على اأن اهلل تعالى �رصع الأحكام لت�صلح بها حياة

النا�س، وت�صتقيم اأمورهم، وي�صعدون يف الدنيا والأخرى.ق��ال ال�ص��اطبي: »فقد اتفق��ت الأمة عل��ى اأن ال�رصيعة و�ص��عت للمحافظ��ة عل��ى ال�رصوري��ات اخلم���س ... وعلمه��ا عند الأمة

كال�رصوري«)5(.وقال العز بن عبد ال�صام: »وال�رصيعة كلها م�صالح«)6(.

وهذه قاعدة كلية قطعية عند العلماء)7(.

رس��الة له في رعاية املصلحة مجردة من ش��رحه لألربعني النووية )30(، وقد )1(حقق هذا املعنى أكمل حتقيق الشاطبي في املوافقات )4/ 12 - 55(.

املوافقات )4/ 29(. )2(املوافقات )4/ 27(. )3(

املوافقات )4/ 27 - 39(. )4(املوافقات )1/ 38( وانظر )2/ 6 - 7( منها فقد اس��تدل على اعتبارها بأدلة كلية )5(

قاطعة. قواعد األحكام في مصاحل األنام )1/ 9(. )6(

ينظ��ر: مجموع الفتاوى )20/ 48(، إعالم املوقعني )3/ 14 - 15( وش��فاء الغليل )7()2/ 164 - 165(، مفت��اح دار الس��عادة )1/ 44( وما بعدها، رس��الة الطوفي في

املصلحة املجردة من شرح األربعني النووية )23 – 33(.

Page 117: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

117

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

ل من احلق. رعاية م�صالح اخللق تف�صرعاية ال�رصع مل�ص��الح اخللق تف�صل من احلق، ل يجب عليه خللقه اإل ما اأوجبه اهلل �ص��بحانه على نف�صه تف�صا منه ورحمة، ل ي�صاأل عما يفعل وهم ي�ص��األون، ل معقب حلكمه، كل يوم هو يف �صاأن، وهو القاهر فوق عباده، ول ي�ص��ذ عن ذا الأ�صل اإل املعتزلة، فقد قالوا بوج��وب رعاية م�ص��الح اخللق عقا عل��ى اهلل تعالى، وقد بن��وا قولهم هذا على اأ�ص��ل باطل هو القول بالتح�ص��ني والتقبيح

العقليني)1(.

املطلب الثالث

ضوابط العمل باملصلحة

للعمل بامل�صلحة �صوابط عند العلماء فيما ياأتي بيانها:1- اندراجها يف قواعد ال�صريعة الكلية ومالءمتها ملقا�صدها.امل�ص��لحة اإم��ا اأن ي��دل عليها ن�س مع��ني اأو ل، ف��اإن دلت عليها

ا اأو ا�صتنباطا)2(، فاعتبارها ظاهر. الن�صو�س اخلا�صة باأعيانها ن�صواإن ل ي��دل عليه��ا ن�س معني؛ فاإن اندرج��ت يف قواعد ال�رصيعة الكلية ولءمت مقا�ص��دها فهي املعروفة عند العلماء ب� »امل�صالح املر�صلة«، وهي املق�صودة يف هذا البحث، والغالب عند الإطاق

اأن تكون هي املرادة؛ لأن املن�صو�صة قد اأغنت عنها الن�صو�س. وم��ن املعل��وم اأن الن�ص��و�س اجلزئي��ة متناهي��ة، واأن الوقائع غري ��ى امل�ص��تجدات اإل بالرج��وع اإل��ى قواع��د متناهي��ة، ف��ا تغطال�رصيع��ة ومقا�ص��دها، وه��و املع��روف ب� »امل�ص��الح املر�ص��لة« وتك��ون فيما ل يوجد في��ه ن�س معني، ول ميكن قيا�ص��ه عليه)3(.

ينظر: مجموع الفتاوى )8/ 428 - 429(، اإلرش��اد إلى قواطع األدلة )227( وما )1(بعدها، بحث الطوفي في املصلحة ملحق برس��الة »املصلحة في التشريع وجنم

الدين الطوفي)213(، شفاء الغليل )204(. املراد به القياس. )2(

انظر: املصلحة في التشريع ملصطفى زيد )28(. )3(

2- اأن يكون جم��ال العمل بها فيما عقل معناه، وظهرت منا�ص��بته، بحي��ث لو عر�س عل��ى العقول تلقت��ه بالقبول، فا

مدخل لها يف التعبدات)1(؛ لأنها ل يعقل معناها.قال الطويف: »واإنا اعتربنا امل�ص��لحة يف املعامات ونحوها دون العبادات و�صبهها؛ لأن العبادات حق لل�رصع خا�س به، ول ميكن ا وكيفا وزمانا ومكان��ا اإل من جهته، .... وهذا معرف��ة حقه كمبخاف حقوق املكلفني فاإن اأحكامها �صيا�ص��ية �رصعية و�ص��عت

مل�صاحلهم، فكانت هي املعتربة وعلى حت�صيلها املعول ...«)2(. وقد قرر ال�ص��اطبي هذا الأ�صل اأح�ص��ن تقرير وا�صتدل عليه باأدلة

كلية)3(، وهو قول جمهور العلماء القائلني بالتعليل)4(.والقول باأن العبادات ل مدخل فيها للتعليل واللتفات اإلى املعنى اإن��ا هو بح�ص��ب الغال��ب، ل يف كل جزئية، كم��ا اأن القول باأن الأ�ص��ل يف العادات التعليل واملعاين اإنا هو على الغالب كذلك،

واملو�شوع مب�شوط يف حمله)5(.ا؛ فاإن خالفته، فينظر ا �صحيحا ا �ص��ريحا 3- اأن ال تخالف ن�صفيها ويف الن�س ال�رصيح على �ص��بيل الرتجي��ح، فريجح بينهما بناء ا فاإنه يخ�ص�س بامل�صلحة على قواعد الرتجيح، فاإن كان الن�س عاماملندرجة يف القواعد الكلية ...، و�ص��ياأتي يف اأثناء البحث ما يدل

عليه)6(.

وتدخل فيها املقدرات. )1(رس��الة الطوفي في املصلح��ة )47(، ملحق برس��الة املصلحة في التش��ريع )2(

اإلسالمي )240(.انظر: املوافقات )2/ 300 - 323(، االعتصام )2/ 129 - 133(. )3(

القواعد للمقري )1/ 296 – 297( و )2/ 527(، وختريج الفروع على األصول )38 – )4(46(، تعليل األحكام )97 – 111(، إعالم املوقعني )2/ 55 - 160(، حجة اهلل البالغة

)1/ 6 -7(، شفاء الغليل )190 – 203(. انظ��ر: املوافقات )2/ 300 - 323(، نظرية املقاصد عند الش��اطبي للريس��وني )5()185 – 232(، مقاصد الش��ريعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة )79 – 104(، شفاء

الغليل )190 – 203(. وهو مذهب جمهور العلماء من فقهاء املذاهب األربعة. انظر: أحكام القرآن البن )6(العرب��ي )2/ 754 - 755(، اجلام��ع ألحكام القرآن للقرطب��ي )3/ 172 - 173(، املوافق��ات )1/ 40( و )4/ 205 - 211(، االعتصام )2/ 141 - 145(، املس��تصفى )1/ 298 - 299(، ش��فاء الغليل )260-266(، شرح مختصر الروضة )3/ 216(، رس��الة الطوفي )23-24( وبهامشها نقل يفيد أن احلنفية كبقية املذاهب األربعة

يخصصون العام باملصلحة.

Page 118: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

118

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

��ا فينظر، فاإن كانت امل�ص��لحة التي روؤيت واإن كان الن���س خا�صمعار�ص��تها له كلية قطعية، كان النظر بينها وبينه على �صبيل النظر بني القطعي والظني، وهكذا ما دامت مندرجة يف قواعد ال�رصع الكلية، راجعة اإلى اأ�صوله العامة، مائمة لت�رصفاته ومقا�صده)1(. كما يك��ون النظر بينها وبينه بناء على قواع��د الرتجيح؛ لأنه نظر ب��ني اأدل��ة معتربة؛ فكل منهم��ا معترب يف حال النف��راد فينظر يف

الأقوى منهما عند الجتماع)2(.ول ميكن اأن يك��ون التعار�س من كل وجه عند التحقيق كما هو

ا)3(. معلوم يف مو�صعه؛ لأن ال�رصع ل يعار�س بع�صه بع�صقال ابن القيم-رحمه اهلل تعالى- بعد ذكره لإم�صاء عمر -ر�صي اهلل عن��ه- الطاق الثاث بف��م واحد ثاثا، لكونهم ا�ص��تعجلوا يف ذلك، ونهيه عن التمتع يف اأ�ص��هر احلج ليبقى امل�ص��جد احلرام مق�صودا يف جميع اأيام العام، قال بعد ذكره لذلك وغريه من اأق�صية ال�ص��حابة -ر�صي اهلل عنهم-: »واملق�صود اأن هذا واأمثاله �صيا�صة

جزئية بح�صب امل�صلحة، تختلف باختاف الأزمنة ...«)4(.وراأى ابن القيم اأن هذه ال�صيا�ص��ة من اخللفاء الرا�ص��دين �صحيحة موافق��ة للكتاب وال�ص��نة، ق��ال: »وهذه ال�صيا�ص��ة التي �صا�ص��وا -يريد اخللفاء الرا�ص��دين- بها الأمة واأ�ص��عافها هي تاأويل القراآن

وال�صنة«)5(.ويف اإع��ام املوقعني يق��ول: »وهي م�ص��تقة من اأ�ص��ول ال�رصيعة

وقواعدها«)6(.وتاأمل اأيها القارئ ما �صاأعر�ص��ه عليك لراعي املقا�ص��د يف ع�رصه اأبي اإ�صحاق ال�صاطبي-رحمه اهلل تعالى- فقد جاء يف »املوافقات«

والغالب عليها أن تكون قطعية. انظر: املوافقات )1/ 39 - 41(، املستصفى )1/ 293 )1(- 311(، شفاء الغليل )212( وما بعدها، شرح مختصر الروضة )3/ 204 - 217(

كسائر األدلة. )2(هذا مقرر عند العلماء جميعهم. )3(

الطرق احلكمية )24(. )4(املصدر نفسه. )5(

إعالم املوقعني )4/ 374(. )6(

يف وجوب اجلمع بني الن�ص���و�س اخلا�صة والقواعد الكلية العامة عند الجتهاد، ومراعاتها معا، وا�صتح�ص��ارها، ورد اجلزئي منها اإل��ى الكلي، واأن ل يهم��ل واحد منها ... جاء فيه��ا: »ملا انبنت ال�رصيعة على ق�صد املحافظة على املراتب الثاث من ال�رصوريات واحلاجيات والتح�صينيات، وكانت هذه الوجوه مبثوثة يف اأبواب ال�رصيعة واأدلتها غري خمت�ص��ة مبح��ل دون حمل، ول باب دون باب ا ل يخت���س بجزئية دون ��ا عام ... كان النظ��ر ال�رصعي فيها اأي�ص

اأخرى؛ لأنها كليات تق�صي على كل جزئي حتتها ...واإذا كان كذل��ك وكانت اجلزئيات م�ص��تمدة من تلك الأ�ص��ول الكلي��ة، فمن الواجب اعتبار تلك اجلزئي��ات بهذه الكليات عند اإجراء الأدلة اخلا�ص��ة من الكتاب وال�صنة والإجماع والقيا�س؛ اإذ حم��ال اأن تكون اجلزئيات م�ص��تغنية عن كلياته��ا، فمن اأخذ بن�س

ا عن كليه فقد اأخطاأ. مثا يف جزئي معر�صا عن كليه فهو خمطئ؛ كذلك من وكما اأن من اأخذ باجلزئي معر�ص��ا عن جزئيه ... فا بد من اعتبارهما يف كل اأخذ بالكلي معر�ص

م�صاألة«)1(.ويبني ال�صاطبي ويقرر اأن اجلمع بني اجلزئي والكلي والنظر فيهما مع��ا، وماحظ��ة كل واحد منهما عند النظ��ر يف الآخر هو الفقه الكام��ل، وهو ال�ص��واب، وبه يظه��ر كمال ال�رصيع��ة وجمالها، وتتحقق مقا�ص��دها وغاياتها، فيقول-رحمه اهلل-: »فا ي�ص��ح اإهم��ال النظر يف هذه الأطراف، فاإن فيها جملة الفقه، ومن عدم اللتف��ات اإليها اأخطاأ من اأخطاأ، وحقيقته نظر مطلق يف مقا�ص��د ال�ص��ارع، واأن تتبع ن�صو�ص��ه مطلقة ومقيدة اأمر واجب؛ فبذلك ي�صح تنزيل امل�صائل على مقت�ص��ى قواعد ال�رصيعة، ويح�صل منها

�صور �صحيحة العتبار«)2(.وق�صم ال�صاطبي الأدلة اإلى قطعي وظني، وقرر رجوع الظني اإلى القطعي وارتباطه به، وعن��د التعار�س يقدم القطعي على الظني،

املوافقات )3/ 5 - 15(. )1(املوافقات )3/ 15(. )2(

Page 119: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

119

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

و�رصب لذلك اأمثلة من فقه ال�ص��لف، ال�ص��حابة ومن بعدهم من الأئمة، وقرر اأن هذا الأ�صل معترب عندهم جميعا ...«)1(.

ويوؤكد ال�ص��اطبي هذا الأ�ص��ل م��رة اأخرى، ويقرر اأن امل�ص��الح املر�ص��لة تندرج فيه؛ لأنها ترجع اإلى اأ�ص��ل كل��ي، واإذا كان ذلك الأ�ص��ل قطعيا فقد ي�صاوي الأ�ص��ل املعني، وقد يزيد عليه ح�صب قوة الأ�ص��ل املعني و�ص��عفه، فيقول-رحمه اهلل-: »اإن كل اأ�صل �رصع��ي ل ي�ص��هد له ن�س مع��ني، وكان مائم��ا لت�رصفات ال�رصع وماأخوذا معناه من اأدلته فهو �ص��حيح يبن��ى عليه، ويرجع اإليه اإذا كان ذلك الأ�صل قد �صار مبجموع اأدلته مقطوعا به ...، ويدخل حتت هذا �رصب ال�صتدلل املر�صل، فاإنه واإن ل ي�صهد للفرع اأ�صل معني فقد �ص��هد له اأ�صل كلي؛ والأ�ص��ل الكلي اإذا كان قطعيا قد ي�صاوي الأ�ص��ل املعني، وقد يربو عليه بح�صب قوة الأ�صل املعني

و�صعفه...«)2(.والرتجي��ح بني الظني والقطعي معترب عن��د العلماء ومنقول عنهم

قدميا وحديثا)3(.

املطلب الرابع

منزلة املصلحة في الشريعة

لعل ما �صبق عر�صه من مباحث وم�صائل قد دل دللة ظاهرة على علو منزلة امل�صلحة يف ال�رصيعة، ولكن ا�صتكمال لعنا�رص املو�صوع

اأورد هنا كلمة خمت�رصة عن منزلة امل�صلحة يف ال�رصيعة.

انظر: املوافقات )2/ 15 - 26(. )1(املوافقات )1/ 39 - 40(. )2(

انظ��ر: املوافق��ات )3/ 17 - 24( و )4/ 23 - 24(، االنتقاء البن عبد البر )149(، )3(املس��تصفى )1/ 298 - 299( و )311 – 312(، نظري��ة املقاصد عند الش��اطبي )342 – 347(، مقاصد الش��ريعة البن عاش��ور )27 – 39(، مقاصد الش��ريعة وعالقته��ا باألدلة )499 – 512(، القواعد األصولية املتعلقة باألدلة للمؤلف )492 – 517(، االستصالح للزرقاء )87 – 97(، املناهج األصولية في االجتهاد بالرأي

..)634 - 619(

فاأق��ول: ال�رصيعة كلها م�ص��الح، وكلها ع��دل ورحمة، وخري يف الدني��ا والآخرة، ومدار ال�رصيعة على م�ص��الح اخللق يف الدارين، بل الكون كله ونظامه، والقدر وال�ص���رع كله مبني على م�صلحة اخللق، فالأحكام التكليفية اخلم�ص��ة وال�صحة والف�صاد وغريهما م��ن اأن�واع احل�كم الو�ص��عي، والأدل�ة والن�ص����و�س والق��واعد والرتجيح والجتهاد باأنواعه، كل ذلك مرتبط بامل�ص��لحة ومبني

عليها، ويدور معها.فالن�س مبعناه ال�ص��طاحي اخل��ا�س يت�صمن م�صلحة اإما خال�صة واإما راجحة، واخلا�س يت�ص��من م�ص��لحة راجحة على امل�صلحة التي يت�صمنها العام، واملقيد يت�صمن م�صلحة راجحة على امل�صلحة التي ت�ص��منها املطلق، وامل�صلحة التي يت�صمنها القطعي اأرجح من امل�ص��لحة التي يت�ص��منها الظني، وهك��ذا يف جانب الرتجيح بني

العلل والأقي�صة والقواعد والأدلة يبتنى كل ذلك على امل�صلحة.وكذا يف الأحكام، ف�صيجد الناظر اأن اأي واجب اأو فر�س اأو حمرم اأو مندوب اأو مكروه اأو مانع ومقت�س اإنا يقدم لرجحان امل�صلحة

التي يت�صمنها، وهكذا. فهي حمل نظ��ر املجتهدين والفقهاء والعلم��اء، وحمط رحالهم يف اجتهاداتهم وفتاواهم واأق�ص��يتهم وم�صنفاتهم وموؤلفاتهم، وهي مدار نظر اأئمة امل�صلمني وولة اأمورهم، واأهل احلل والعقد فيهم.بل هي م��دار حي��اة الن��ا�س اأجمع��ني، يبنون عليه��ا ت�رصفاتهم،

ويحكمون بها اأقوالهم واأفعالهم و�صائر ت�رصفاتهم.

المبحث الثاني

حجية مذهب الصحابي

امل��راد بال�ص��حابي هنا من له فق��ه وعلم، ورويت عن��ه فتاوى اأو اأق�صية اأو اأحكام)1(.

انظر تعريفا موسعا بالصحابي في: مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف )1()34 – 77(، القواعد األصولية املتعلقة باألدلة )1558 – 1564( للمؤلف.

Page 120: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

120

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

وجمه��ور العلماء عل��ى اأن قول ال�ص��حابي وفعل��ه حجة واجبة التباع، وا�صتدلوا على ذلك بالأدلة املعتربة من كتاب اهلل تعالى،

و�صنة ر�صوله -�صلى اهلل عليه و�صلم- ، وعمل الأمة، واملعقول.ونظرا لكون القول بحجية قول ال�ص��حابي يعد اأ�ص��ا ملو�صوع البح��ث هنا، فاإنني اأرى األ اأخلي ه��ذا البحث من كلمة خمت�رصة

عن حجية قوله، وبيان مرتبته ومكانته، والتعويل عليها. لوا ومبا اأن العلماء قد اأفا�صوا يف الحتجاج بقول ال�صحابي، وف�صالقول فيه، وجمعوا فيه الكتب امل�ص��تقلة)1(، ناهيك عن تعر�صهم

له يف اأثناء بحثهم يف الأدلة �صمن جماميعهم الأ�صولية)2(.نظ��را لذل��ك ف�ص��اأكتفي هنا باإي��راد جمل��ة خمت�رصة م��ن اأقوالهم

وا�صتدللتهم.جاء يف »املوافقات«: »�ص��نة ال�ص��حابة -ر�ص��ي اهلل عنهم- �صنة يعمل عليها، ويرجع اإليها ...«)3(، وا�ص��تدل على ذلك باأدلة من املنقول واملعقول، وب�ص��ط ال�ص��تدلل)4( اإلى اأن قال: »... ومن

كان بهذه املثابة حقيق اأن يتخذ قدوة، وجتعل �صريته قبلة«)5(.وقال ابن القيم وهو يرجح اأقوال ال�ص��حابة ويقدمها على غريها، ويوجب اتباعها، وين�ص��ب ذلك جلمهور امل�صلمني: »وقد كانت ال�صحابة -ر�صي اهلل عنهم- اأفهم الأمة ملراد نبيها، واأتبع له، واإنا

كانوا يدندنون حول معرفة مراده، ومق�صوده...«)6(.وا�ص��تدل على وجوب اتباع قول ال�ص��حابي، وتقدميه على غريه باأكرث من �ص��تة واأربعني وجها)7(، قال يف اآخرها: »اإنه ل يزل اأهل العل��م يف كل ع�رص وم�رص يحتجون بفتاوى ال�ص��حابة واأقوالهم، ول ينك��ره منك��ر منه��م، وت�ص��انيف العلم��اء بذلك �ص��اهدة،

من ذلك كتاب إجمال اإلصابة في أقوال الصحابة للعالئي. )1(ا في ذلك. وانظر: انظر: إعالم املوقعني )4/ 118 - 156( فقد أورد بحثا موس��ع )2(أث��ر األدلة املختل��ف فيها في الفق��ه )340 - 352(، والقواعد األصولية املتعلقة

باألدلة )1558 – 1806(. املوافقات )4/ 74(. )3(

انظر: املوافقات )4/ 74 - 80(. )4(املوافق��ات )4/ 80( وقد أثبت ذلك من فقه الس��لف واخللف م��ن التابعني ومن )5(

بعدهم من األئمة، انظر )4/ 77(. إعالم املوقعني )1/ 265 - 266(. )6(

انظر: إعالم املوقعني )4/ 118 - 156(. )7(

بعمومه��م وروؤيتهم له��م، فقولهم يف ال�ص��يخني وتزكيتهم لهما واقتداوؤهم بهم��ا واتباعهم لأقوالهما واأفعالهما، وروؤيتهم لذلك �صنة وهديا مبحل ل يخفى، ومبنزلة ل يتطرق اإليها اأدنى احتمال.

وذل��ك لتزكيتهما يف الكتاب وال�ص��نة اأكرث م��ن غريهما من بقية ال�ص��حابة -ر�ص��ي اهلل عنهم-؛ ولأنهما واجها مبا�رصة بعد وفاة النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- وانقطاع الوحي م�صتجدات، ويف عهدهما تاأ�ص���س الجتهاد وجتلى العمل بامل�صلحة وفهم مقا�صد

ال�رصيعة.

الفصل األولعمل أبي بكر -رضي اهلل عنه- باملصلحة

وأثر ذلك في اجتهاده

م��ن املعل��وم اأن العمل بامل�ص��لحة قد برز وجتل��ى يف عهد اخللفاء الرا�ص��دين -ر�ص��ي اهلل عنهم-؛ ذلك لأنهم حكام الأمة، ورعاة م�صاحلها، والقائمون على �ص��وؤونها، وال�صا�صة لها، فقد واجهوا يف حياتهم م�صتجدات من الق�صايا والوقائع ل تكن يف عهد النبي

-�صلى اهلل عليه و�صلم-.اإذ يف عهده��م ات�ص��عت رقعة الدولة الإ�ص��امية ودخلت اأمم يف الإ�صام لها ثقافاتها وعاداتها واأ�صاليب حياتها، خا�صة ال�صيخني اأبا بكر وعمر فهما موؤ�ص�صا الدولة الرا�صدة بعد وفاة النبي -�صلى

اهلل عليه و�صلم-.ف��كان لذلك اأثر وا�ص��ح وكب��ري يف ظهور احلكم بامل�ص��لحة يف عهدهم��ا ورعايتهم لها وبروزها على اأيديهم��ا اأكرث من غريهما

من بقية ال�صحابة ومن جاء بعدهم من علماء الأمة.وفيم��ا ياأتي وقائع ت��دل على مراعاة اأبي بكر -ر�ص��ي اهلل عنه-

للم�صلحة وعمله بها.

Page 121: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

121

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

الفرع االأول: جمع القراآن.مل��ا وقعت معرك��ة اليمامة، وقتل فيها عدد كب��ري من القراء، وهم حفاظ القراآن من ال�ص��حابة -ر�ص��ي اهلل عنه��م- هرع عمر اإلى خليفة امل�ص��لمني اأبي بكر -ر�صي اهلل عنهما- يقول له: اإن القتل قد ا�ص��تحر -يعني: ا�ص��تد- وكرث بالقراء، واإين اأخ�ص��ى اأن يتتابع فيهم القتل يف مواقع اأخ��رى، فيذهب كثري من القراآن بذهابهم،

فاجمع القراآن يف م�صاحف. فقال له م�ص��تنكرا: كيف اأفعل ما ل يفعله ر�ص��ول اهلل -�صلى اهلل

عليه و�صلم-؟!ا بذلك، منبها اإلى اأن هذا املطلب خري و�ش��لح فاأجاب عمر مقرللم�ص��لمني، تر�ص��اه ال�رصيعة، فقال: هو واهلل خري، ول يزل يبني وج��ه اخلريي��ة يف هذا الطلب حت��ى �رشح اهلل له �ش��در اأبي بكر، فاأر�ص��ل اإلى زيد بن ثابت -ر�ص��ي اهلل عنه- ليكلفه بهذه املهمة، فكان راأيه كراأي اأبي بكر يف البداية، كيف تفعلون �ص��يئا ل يفعله ر�ص��ول اهلل -�صلى اهلل عليه و�ص��لم- ؟ فاأجابه اأبو بكر: هو واهلل

خري، اأي نفع و�شلح، ومل يزل يراجعه حتى �رشح اهلل �شدره.فق��د كان م�ص��تند عمر واأبي بكر وزيد ب��ن ثابت يف هذه احلادثة امل�صلحة التي ل ي�صهد لها ن�س معني، واإنا هي مندرجة يف قواعد ال�رصيع��ة، مائم��ة لت�رصفها، حمققة ملقا�ص��دها، كما هو وا�ص��ح

وجلي من ال�صياق.فل��و كان هن��اك ن�س معني ي�ص��هد له��ذه الواقعة مل��ا كانت هذه

املراجعة، ول ذلك التعليل »هو واهلل خري«.ل لبع�س الرواف�س اأن يتوجه ��و ج��اء يف »فتح الباري« : »وقد ت�صبالعت�را�س على اأبي بكر مبا فعله من جمع القراآن يف امل�ص��حف فقال: كيف جاز اأن يفعل �صيئا ل يفعله ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم-، واجلواب: اأنه ل يفعل ذلك اإل بطريق الجتهاد ال�صائغ، النا�ص��ئ عن الن�ص��ح منه هلل ولر�ص��وله ولكتابه ولأئمة امل�ص��لمني وعامتهم...، ولي�ض ذلك من الزيادة على احتياط الر�شول -�شلى اهلل عليه و�ص��لم- »)1(، بل هو م�ص��تمد من القواع��د التي مهدها

فتح الباري )9/ 13 - 14(. )1(

ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم-.وج��اء يف »�ش���رح تنقي��ح الف�ش��ول«: »ومل يتق��دم في��ه اأمر وال

نظري«)1(. ول يق��ال: دلي��ل هذه الواقع��ة الإجماع؛ لأن الإجم��اع اإنا اأتى لحقا بعد امل�ص��اورة واملراجعة بني الثاثة -ر�ص��ي اهلل عنهم-، وبعد ال�ص���روع يف العمل وانت�ص��اره يف ال�صحابة، اإذ هو اإجماع �ص��كوتي ل يتحقق اإل بانت�ص��ار العمل و�ص��هرته فيهم، وهذا اإنا

يكون متاأخرا لحقا ل متقدما �صابقا.اأ�ص��ف اأن الإجماع نظريا وعمليا اإنا ينعقد م�صتندا اإلى دليل كما

هو مقرر عند الأ�صوليني)2(.فهذا الإجماع الذي ح�صل متاأخرا كان م�صتندا اإلى دليل اخلريية،

التي اأناط الفاروق وال�شديق احلكم بها. قال ابن حجر: »ثم تابعهما زيد بن ثابت و�ص��ائر ال�ص��حابة على

ت�صويب ذلك«)3(.ول يقال: لعلهم ا�ص��تندوا اإلى اإذن النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- بكتابة القراآن؛ لأن هذا لي�س جمرد كتابة، اإذ هو مكتوب، واإنا هو

جمع ملتفرقه يف م�صحف واحد)4(. لأنه ل��و كان مكتوبا على الوجه الذي جمعوه عليه ملا ح�ص��لت

تلك املراجعة، ول ذلك التعليل)5(.روا به الأمثلة التي �صاقوها وقد ا�صتهر عند العلماء هذا املثال، و�صدلا�صت�ص��هاد على عمل ال�ص��حابة -ر�ص��ي اهلل عنهم- بامل�صلحة

ورعايتهم لها)6(.

شرح تنقيح الفصول )446(. )1(وه��و رأي جمهور العلماء القائل��ني باإلجماع. انظر: ش��رح الكوكب املنير )2/ )2(259(، سالس��ل الذه��ب )356(، البحر احمليط )4/ 450( وق��د حكى اآلمدي فيه

االتفاق. اإلحكام في أصول األحكام )1/ 374(. فتح الباري )9/ 14(. )3(

انظر: فتح الباري )9/ 11(. )4(انظر: تعليل األحكام )64(. )5(

فق��د أورده الش��اطبي وغيره من العلم��اء في صور األمثلة التي س��اقوها لهذا )6(الغرض. انظر: االعتصام )2/ 115 - 117(، ش��رح تنقيح الفصول )446(، نفائس األصول )9/ 4087(، املصلحة في التش��ريع اإلسالمي )29(، ضوابط املصلحة

)353 – 356(، تعليل األحكام )64(.

Page 122: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

122

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

واإليك اأيها القارئ ن�س الق�صة:��ي ال�ل��ه عنه، قال روى البخ��اري ب�ص��نده اأن زيد بن ثابت، ر�صاب عنده ط بو بكر مقتل اأه��ل اليمامة فاإذا عمر بن اخل اأر�ص��ل اإيل اأن القتل قد ��ي الل�ه عنه-: اإن عمر اأتاين فقال: اإ قال اأبو بكر -ر�صن ي�ص��تحر القتل ��ى اأ اء القراآن، واإين اأخ�ص ا�ص��تحر يوم اليمامة بقراء باملواطن فيذهب كثري من القراآن، واإين اأرى اأن تاأمر بجمع بالقرالقراآن، قلت لعمر: كيف تفعل �صيئا ل يفعله ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�ص��لم-؟ قال عمر: هذا والل�ه خري، فلم يزل عمر يراجعني ، مرج ي راأى عج ك الذم ك، وراأيتج يفم ذلم ذلم ي لم درم حتى �رشح الل�هج �شقال زيد: قال اأبو بكر: اإنك رجل �ص��اب عاق��ل ل نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- فتتبع بال ما كان الق��راآن فاجمع��ه، فوالل�ه لو كلفوين نقل جب��ل من اجلاأثقل علي مما اأمرين من جمع القراآن، قلت: كيف تفعلون �ص��يئا ل يفعله ر�ص��ول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم-؟! قال: هو والل�ه خري، ي �رشح لذم ي لم ��درم ي حتى �رشح الل�هج �ش نم عج بجو بك��ر يجراجم فل��م يزل اأ��ي الل�ه عنهم��ا-، فتتبعت القراآن ��در اأبي بكر وعمر -ر�ص له �ص

. جال ...«)1( دور الر ب واللخاف و�ص اأجمعه من الع�صالفرع الثاين: حتريق اأبي بكر -ر�صي الله عنه- للوطية.

��د بن املنكدر، اأن خالد ب��ن الوليد، كتب م روى البيهق��ي عن حمواحي العرب نه وجد رجا يف بع�س �ص يق، اأ ��د اإلى اأبي بكر ال�ص��حاب �ص باملدين��ة ينكح كما تنكح املراأة، فجمع لذلك اأبو بكر اأر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- فيهم: علي بن اأبي طالب، ة واحدة، ففعل اهلل ة اإل اأم : »اإن هذا ذنب ل يعمل به اأم فقال علي��حاب رقه بالنار«، فاجتمع راأي اأ�ص بهم ما قد علمتم، اأرى اأن حتر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم- اأن يحرق بالنار، فاأمر اأبو بكر

اأن يحرق بالنار)2(.صحيح البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن )4/ 1907 حديث رقم )1(

.)4701ش��عب اإلميان للبيهقي )7/ 281 حديث رقم 5005(، وروى هذه القصة ابن حزم )2(

بأسانيد يقوي بعضها بعضا احمللى )11/ 380 -381(

ق��ال ابن حزم-رحمه اهلل-: ثم حرقهما اب��ن الزبري، ثم حرقهما ه�صام بن عبد امللك، ثم حرقهما الق�رصي)1(.

ووج��ه اإيراد ه��ذه الواقعة �ص��من الأمثلة وال�ص��واهد على عمل اأبي بكر ومن معه من ال�ص��حابة -ر�ص��ي اهلل عنهم- بامل�ص��لحة املر�ص��لة، اأن عقوب��ة الائط يف ال�رصيعة لي�س فيه��ا ن�س بعينه، ول حد مق��در ل يزاد عليه ول ينق��س منه، اإذ لو كان فيه ن�س معني، وحد مقدر، ملا ح�صل الت�صاور من ال�صحابة ول جمعهم ال�صديق لذلك، وملا كتب خالد اأ�ص��ا ي�صت�ص��ري فيه، ول��و فر�س اأن خفي الن��س على اآحادهم- وذلك بعيد؛ لأن هذه الق�ص��ية مما يعلم من الدي��ن حكمها، ومما تتوفر الطباع على معرفتها وعلم ما فيها ...

في�صتحيل �رصعا وعقا وعادة اأن يخفى عليهم جميعا«.ول يق��ال ه��ذه الواقعة من احل��دود فكيف جتري فيها ال�صيا�ص��ة

ال�رصعية املبنية على النظر والجتهاد املعللة بامل�صلحة؟لأنا نقول هذه الواقعة لي�ص��ت من احل��دود املقدرة، واإنا هي من اجلنايات على الأع��را�س والن�ص��ل، فهي مم��ا يعقل معناه، ولهذا

جرى فيها نظر ال�صحابة -ر�صي اهلل عنهم-.وه��ي معدودة عند كثري من العلماء من م�ص��ائل التعزيرات ل من احلدود واملق��درات؛ فقد اأوردها يف باب ال�صيا�ص��ة ال�رصعية ابن

القيم وغريه، ومنهم بع�س علماء احلنفية)2(.��ا، اختافه��م يف عقوبة هذه اجلناية، فا ومما يدل على ذلك اأي�ص

يخلو مذهب من املذاهب اإل وفيه قولن اأو اأكرث)3(.ول يقال: اإن ال�صحابة -ر�صي اهلل عنهم- اعتمدوا على ق�صة قوم

لوط وما عاقبهم اهلل تعالى به.ا؛ ملا احتاجوا لأنا نقول لو اأن ال�صحابة اعتمدوا عليها وراأوها ن�صاإلى امل�ص��اورة والجتماع، وملا ذهبوا اإل��ى غريها من العقوبات؛

احمللى )11/ 380 -381( . )1(انظر: الطرق احلكمية )20(، إعالم املوقعني )4/ 374- 378(، رد احملتار )4/ 15(. )2(

انظر أقوال العلماء في هذه املس��ألة في: احمللى )11/ 380 - 382(، املغني )8/ )3(187 - 188(، األحكام السلطانية للماوردي )368(، الزواجر عن اقتراف الكبائر

)2/ 142(، السياسة الشرعية البن تيمية )84(.

Page 123: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

123

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

والأن عقوبة قوم لوط لي�ش��ت خا�ش��ة باللواط، ب��ل كانوا كفارا مكذبني لر�صولهم)1(.

فظهر من كل ما �صبق اأن ما ذهب اإليه اأبو بكر ومعه بقية ال�صحابة -ر�صي اهلل عنهم- من حتريق الائطني اإنا هو �صيا�صة �رصعية مبنية على امل�ص��لحة املر�صلة حتقيقا ملق�ص��د ال�صارع يف حفظ الأعرا�س والن�صل، ومبالغة يف الزجر والردع، كما فعلوا -على ما �صياأتي- يف �صارب اخلمر ردعا وزجرا وقطعا لتتابع النا�س يف ال�رصب، وقد

عد العلماء ذلك منهم �صيا�صة �رصعية مبناها امل�صلحة املر�صلة)2(.الف��رع الثالث: عه��د اأبي بكر باخلالفة لعمر -ر�ص��ي الله

عنهما-.روى املوؤرخون واأ�ص��حاب ال�ص��ري اأن اأبا بكر -ر�صي اهلل عنه- عندما �ص��عر بدنو اأجله، وذلك يف مر�ص��ه ال��ذي تويف فيه كتب

كتابا عهد فيه باخلافة اإلى عمر -ر�صي اهلل عنه-.ون�س ما جاء يف هذا الكتاب:

» ب�صم اهلل الرحمن الرحيم، هذا ما عهد اأبو بكر بن اأبي قحافة يف اآخر عه��ده بالدنيا خارجا منها، وعند اأول عهده بالآخرة داخا فيها، حيث يوؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، وي�ص��دق الكاذب، اإين ا�ص��تخلفت عليكم بعدي عمر بن اخلطاب فا�صمعوا له واأطيعوا، واإين ل اآل اهلل، ور�ص��وله، ودينه، ونف�صي واإياكم خريا، فاإن عدل فذل��ك ظني به وعلمي في��ه، واإن بدل فلكل امرئ ما اكت�ص��ب،

واخلري اأردت ول اأعلم الغيب ...«)3(.ووج��ه اإيراد هذه الواقعة �ص��من ال�ص��واهد على عم��ل اأبي بكر وال�صحابة -ر�ص��ي اهلل عنهم- بامل�صالح املر�صلة، ورعايتهم لها، واإجماعه��م عليه��ا، اأن هذا املو�ص��وع لي�س في��ه ن��س معني من ال�ص��ارع، يدل على احلكم بخ�صو�صه، ول نظري له بحيث يقا�س عليه، ويلحق به، واإنا هو مرتوك لجتهاد ال�ص��حابة -ر�صي اهلل

انظر: احمللى )11/ 380 - 385(. )1(ينظر: ش��فاء الغليل )212 – 216(، الطرق احلكمية )19(، السياسة الشرعية البن )2(

تيمية )85(، ضوابط املصلحة )357 – 360(.تاريخ اخللفاء الراش��دين مجردا من تاريخ اإلسالم للذهبي )48(، تاريخ الطبري )3(

.)431 - 428 /3(

عنه��م، اإذ ل��و كان فيه ن�س معني ملا ح�ص��ل منهم اإث��ر وفاة النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- اجتماع ول م�صاورة)1(.

واأم��ا ع��دم وجود النظ��ري فلم تتحق��ق واقعة عهد فيها ال�ص��ارع بالولي��ة العامة اإلى اأحد بعينه حت��ى يقا�س عليها ويلحق بها، فلم يعهد النبي -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- باخلافة لأحد من بعده، ول

يرد عنه ن�س بجواز العهد بالولية، كما اأنه ل ينه عن ذلك)2(.ف��كان امل�ص��تند الوحي��د لأبي بكر-ر�ص��ي اهلل عن��ه- يف عهده بالولية من بعده، النظر للم�ص��لمني ورعاية م�ص��لحتهم؛ ليكون اأمره��م جمتمع��ا، وم�ص��لكهم منتظما، حتى ل تع�ص��ف بهم ريح الف��ت، والفرق��ة، والخت��اف، باأك��رث واأخطر مم��ا ظهرت بعد وفاة النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- مما يفرق �ص��ملهم، وي�صتت جمعهم، ويطمع فيهم عدوهم، تاأمل تعليله باخلريية التي ينيطون

بها الأحكام فيما يعر�س لهم من ق�صايا)3(.ومم��ا يوؤكد اأن م�ص��تند هذه امل�ص��األة امل�ص��لحة املر�ص��لة، اأن عمر -ر�ص��ي اهلل عنه- الذي قبل العهد باخلافة اإليه ل يعهد بها لأحد بعينه، بل جعلها �صورى يف �صتة نفر)4(، ذهابا منه اإلى اأن ذلك هو الأ�صلح للم�صلمني يف ذلك الزمن؛ اإذ كان اأمر امل�صلمني قد ا�صتقر يف اآخر عهده، فاأ�ص��بحت امل�صلحة تقت�صي اأن يختاروا باأنف�صهم

اأمريهم)5(.وقد ا�صتهر عند العلماء جعل ما فعله اأبو بكر هنا من �صواهد العمل بامل�صلحة املر�صلة يف عهد اخللفاء الرا�صدين وال�صحابة -ر�صي اهلل

فقد اجتمعوا في س��قيفة بني ساعدة وتشاوروا حتى استقر رأيهم على أبي بكر )1(رضي اهلل عنه.

انظر: غياث األمم )19 – 45(، منهاج الس��نة البن تيمية )1/ 180 - 190(، األحكام السلطانية للماوردي )33 – 44(.

انظر: املصادر نفسها. )2(انظر: ضوابط املصلحة في الش��ريعة اإلسالمية )355(، املصلحة في التشريع )3(

اإلسالمي )31(.انظر: تاريخ األمم وامللوك للطبري )4/ 277 - 239(، تاريخ اخللفاء الراش��دين )4(

مجردا من تاريخ اإلسالم )116 – 117(. انظر: املصلحة في التشريع اإلسالمي وجنم الدين الطوفي )31(. )5(

Page 124: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

124

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

عنهم- ورعايتهم لها، واإجماعهم عليها)1(. وق��د ع��د الق��رايف وغ��ريه ما فعل��ه عم��ر -ر�ص��ي اهلل عنه- يف جع��ل اخلافة �ص��ورى يف �ص��تة نفر من ب��اب العمل بامل�ص��لحة املر�ص��لة، املائمة ملقا�ص��د ال�رصع، التي ل ترجع اإلى �صاهد معني

بالعتبار)2(.

الفصل الثانيعمل عمر -رضي اهلل عنه- باملصلحة وأثر ذلك في

اجتهاده

يعترب عهد اخلليفة الفاروق -ر�صي اهلل عنه- من اأظهر عهود اخللفاء الرا�صدين -ف�صا عن عهود غريهم- واأبرزها يف العمل بامل�صلحة املر�ش��لة وغريها من اأدلة النظ��ر واالجتهاد وا�ش��تنباط االأحكام، لكرثة ما وقع فيه من فتوحات وتو�صع للدولة الإ�صامية، ودخول الأمم اأ�صحاب احل�ص��ارات واملدنيات يف الإ�صام، وان�صهارهم يف املجتمع امل�ص��لم، وما تبع ذلك من ق�ص��ايا وم�ص��تجدات، لزم عليها كرثة االجتهاد يف ع�رشه، وا�شتنباط االأحكام بناء على �شعة

ال�رصيعة و�صمولها، و�صاحها للنا�س يف كل زمان ومكان ... كم��ا يعد ع�رصه -ر�ص��ي اهلل عنه- من اأبرز الع�ص��ور واأو�ص��عها واأظهرها يف تنظيم �ص��وؤون الدولة الإ�ص��امية يف اأبواب ال�صيا�صة واملال والق�ص��اء والدواوين وغريها، مما جعل ع�رصه من اأخ�صب

الع�شور واأوفرها يف ميدان اال�شت�شلح.ومم��ا ينبه عليه اأن اجتهادات الفاروق لي�ص��ت كاجتهادات غريه، فه��و امللهم، واملح��دث، والعبقري الذي ل يف��ر اأحد من خلفاء

فقد نص القرافي على ذلك، وصدر بهذا املثال األمثلة التي استشهد بها على عمل )1(الصحابة -رضي اهلل عنهم- باملصلحة املرس��لة. انظر: ش��رح تنقيح الفصول )446(، نفائس األصول )9/ 4087(، واستش��هد به كذلك صاحب املصلحة في التش��ريع اإلس��المي وجنم الدين الطوفي )31(، وصاحب ضوابط املصلحة في

الشريعة اإلسالمية )355 – 356(. انظر: نفائس األصول )9/ 4087 - 4088(، شرح القواعد الفقهية للزرق )228(. )2(

امل�ص��لمني فريه، حتى ترك الن�ا�س بعطن)1(، وقد زكى ر�ص��ول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم- عمر وو�صفه باإ�صابة احلق واإدراكه، وقد نزل القراآن موافقا لجتهاده يف اأكرث من مو�صع، فعمله بامل�صلحة املر�صلة- وهو كثري- حجة �رصعية ودليل على اعتبار ال�رصع لها)2(.وفيما ياأتي ذكر جلملة من ال�شيا�شة واال�شت�شلح يف عهده -ر�شي

اهلل عنه- ت�صهد ملا قدمت عنه.الفرع االأول: عقوبة �صارب اخلمر.

روى اأ�ص��حاب ال�ص��ن وامل�ص��انيد عن ابن وب��رة الكلب��ي قال: تيته ومعه ي الل�ه عنه-، فاأ اأر�ص��لني خالد بن الوليد اإلى عمر -ر�ص��ي الل�ه عنهما- حمن بن عوف -ر�ص ان وعبد الر عثم��ان بن عفي الل�ه عنهم-، وهم معه متكئون يف بري -ر�ص وعلي وطلحة والزن خالد بن الوليد اأر�ص��لني اإليك، وهو يقراأ ال�م�ص��جد، فقلت: اإاقروا ام، ويقول: اإن النا�س قد انهمكوا يف ال�خمر وحت عليك ال�ص��ي الل�ه عنه-: هم ه��وؤلء عندك العقوب��ة فيه، فق��ال عمر -ر�صذا ��ي الل�ه عنه-: نراه اإذا �صكر هذى واإ لهم، فقال علي -ر�ص ف�ص��ي هذى افرتى، وعلى ال�مفرتي ثمانون، قال: فقال عمر -ر�صي الل�ه ��احبك ما قال، قال: فجلد خالد -ر�ص الل�ه عنه-: اأبلغ �صي الل�ه عنه- ثمانني، قال: وكان عنه- ثمانني، وجلد عمر -ر�صعيف الذي كانت منه جل ال�ص ي الل�ه عنه- اإذا اأتي بالر عمر -ر�ص��ا ��ي الل�ه عنه- اأي�ص به اأربعني، قال: وجلد عثمان -ر�ص لة �رص الز

. ثمانني واأربعني)3(

واملراد ما حتقق في خالفته من الفتوحات، وتوسع رقعة الدولة اإلسالمية، وقوة )1(اإلسالم واملسلمني.

حت��دث كثي��ر عن عمر -رض��ي اهلل عنه- وع��ن مكانته في اإلس��الم وخالفته )2(وسياس��ته، وأعجب بش��خصيته القريب والبعيد، والصديق والعدو، وقد زكته أحاديث كثيرة في الصحيحني وغيرهما. انظر جملة منها في كتاب: مناقب عمر البن اجلوزي، تاريخ اخللفاء للذهبي )95 – 108( البداية والنهاية )7/ 159-150(.

وانظر: السياسة القضائية في عهد عمر للدكتور محمد األغبش.أخرج��ه احلاكم في املس��تدرك )4/ 417 حديث رق��م 8131( وصححه ووافقه )3(الذهبي، ورواه الطحاوي في ش��رح معاني اآلث��ار )3/ 152 - 158( والدارقطني

)3/ 157 – 158( والبيهقي في الكبرى )8/ 320(.وقد جمع طرقه وألفاظه، واآلثار التي وردت في عقوبة ش��ارب اخلمر ابن حجر ف��ي تلخيص احلبي��ر )4/ 75 -77(، وفتح الب��اري )12/ 65 - 75(. انظر: إرواء

الغليل )8/ 45 - 49(.

Page 125: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

125

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

ن نبي الل�ه -�ص��لى اهلل عليه وروى م�ص��لم عن اأن��س ب��ن مالك اأري��د والنع��ال، ثم جل��د اأبو بكر و�ص��لم- جل��د يف ال�خمر باجليف والقرى، قال: ما ا كان عمر ودنا النا�س م��ن الر اأربع��ني، فلمحمن بن ع��وف: اأرى اأن ت��رون يف جلد ال�خم��ر؟ فقال عبد الر

علها كاأخف ال�حدود، قال: فجلد عمر ثمانني)1(. جتفلم يثبت يف �رصب اخلمر حد مقدر ل يف الكتاب ول يف ال�ص��نة، فقد �ص��ح اأن �ص��ارب اخلمر يوؤتى به على عهد ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم- في�رصب باجلريد والنعال والأيدي، فلما كان عهد ر ذلك باأربعني جلدة)2(، وم�ص��ى عليه احلال ى فقد اأبي بكر توخدرا من خافة عمر، فلما تتابع النا�س يف ال�رصب جمع ال�صحابة �ص

وا�صت�صارهم؛ فاأ�صاروا باأن يجلد ثمانني، فجلد ثمانني)3(.قال الطحاوي بعد ذكره لأثر علي » اإذا �ص��كر هذى ...«: »ولو كان عنده يف ذلك �صيء موؤقت عن النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- ��ا عن النبي لأغناه عن ذلك، ولو كان عند اأ�ص��حابه يف ذلك اأي�ص-�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- �ص��يء اإذا لأنكروا عليه اأخذ ذلك من جهة اال�شتنباط و�رشب االأمثال، فدل ذلك منه ومنهم اأنه مل يكن عندهم يف ذلك عن ر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- �صيء

.)4(»...و�ص��واء قيل: اإن عقوب��ة اخلمر ل يكن فيها ح��د مقدر على عهد ا مقدرا)5(، ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم-، اأو قيل اإن فيها حدفق��د ثب��ت اأن ال�ص��حابة -ر�ص��ي اهلل عنهم- ملا تتاب��ع النا�س يف ���رصب اخلمر وحتاق��روا العقوبة القائمة فيه، وك��رث منهم الجرتاء والف�صق، وكان ذلك يف اأواخر اأيام عمر -ر�صي اهلل عنه- لطول

صحيح مسلم في كتاب احلدود، باب حد اخلمر )3/ 1330حديث رقم 1706(. )1(ره علي وغيره. انظ��ر: احمللى )11/ 364 - 365(، ش��رح النووي على وك��ذا قد )2(صحيح مسلم )4/ 291(، فتح الباري )12/ 66 - 75(، سنن الدارقطني )3/ 157(، ش��رح معاني اآلثار )3/ 154(، غياث األمم )167 - 168(، السياس��ة الش��رعية

.)85(املصادر السابقة نفسها. )3(

شرح معاني اآلثار )3/ 154(. )4(م��ن قال ذلك لم مينع من االجتهاد في زي��ادة العقوبة تعزيزا للمصلحة الداعية )5(للزجر. انظر: ش��رح النووي على صحيح مس��لم )4/ 291(، املغني )12/ 498 -

.)499

املدة، وتو�صع الباد، وكرثة الداخلني يف الإ�صام، ولرغد العي�س والتب�صط يف الدنيا.

ملا ح�ص��ل ذلك اجتهد ال�ص��حابة -ر�ص��ي اهلل عنهم- يف اإيجاد عقوب��ة حتول اأو تخفف من غ�ل��واء الن��ا�س وهجومهم على هذه املع�صية املف�ص��دة للع�قل والأخاق، والأع���را�س وال��دين، ول متعلق لهم اإل امل�صلحة املر�صلة التي ل ترجع اإلى ن�س بعينه، لكنها مائمة ملقا�ص��د ال�ص��ارع، حمققة لها، تندرج يف كليات ال�رصيعة،

وقواعدها العامة، ل تخالف �صيئا منها ول تنافره.وه��ذا املثال م��ن اأعظم ال�ص��واهد -عند العلم��اء)1(- على عمل ال�صحابة بامل�ص��لحة املر�ص��لة، ورعايتهم لها، واإجماعهم عليها، واأنه��ا مناط اجتهاده��م، ومتعلق اأنظارهم، ال يلوون على �ش��يء �صواها، ول يلتفتون اإلى ما عداها، اإذ امل�صلحة عندهم -كما هي

عند غريهم- قاعدة ال�رصيعة واأ�صا�صها، ومبتداأها ومنتهاها.ول يقال: اإن ال�ص��حابة يف م�ص��اوراتهم يف عقوبة �صارب اخلمر قد التفتوا اإل��ى القي�ا�س، وعولوا عليه، وبنوا حكمهم م�ص��تندين اإليه، فعبد الرحمن بن عوف قال لعمر -ر�صي اهلل عنه-: اأرى اأن جتعلها كاأخف احلدود، وقال علي، -ر�صي اهلل عنه-: »اإذا �صكر

هذى، واإذا هذى افرتى«)2(.لأن��ا نقول اإن القيا�س يحتاج اإلى اأ�ص��ل وف��رع وعلة جامعة، ول يتحقق ذلك يف م�ص��اوراتهم وحماوراته��م، فالقيا�س تعدية حكم بعينه م��ن الواقعة املن�صو�ص��ة اإلى واقعة ل ن�س فيه��ا لعلة جامعة بينهما، وهذا غري متحقق يف اجتهاد ال�ص��حابة يف هذه امل�ص��األة؛ اإذ غ��ري متحق��ق اأن يقال: وجب ح��د القذف لعلة ك��ذا، وهذه العل��ة بعينها موجودة يف �رصب اخلم��ر، فيجب فيه ثمانون جلدة كالقذف؛ لأن القذف جناية على العر�س، ولي�س يف �رصب اخلمرانظر: ش��فاء الغلي��ل )212 – 218(، االعتصام )2/ 118(، غي��اث األمم )167 – )1(168(، الطرق احلكمية )21(، السياسة الشرعية )85(، تعليل األحكام )59 – 62(، املصلحة في التش��ريع والطوفي )30(، ضوابط املصلحة في الش��ريعة )357 –

360(، أصول التشريع لعلي حسب اهلل )177(. قد عد هذا قياس��ا جملة من العلماء. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم )4/ )2(290(، إعالم املوقعني )1/ 211( / فتح الباري )12/ 71(، بداية املجتهد )2/ 444(.

وقد أشار ابن حجر إلى بناء احلكم في هذه املسألة على االستصالح.

Page 126: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

126

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

وو�صوله اإلى احللق ذلك)1(.فاإن قيل: فبماذا يو�صف ما ذهب اإليه علي وعبد الرحمن -ر�صي

اهلل عنهما-؟فاجل��واب: اإنه التف��ات اإلى احلكم��ة ومعهود ال�ص��ارع يف اإقامة املظان مقام احلقائق، والأ�صباب مقام امل�صببات، وهذا لي�س قيا�صا مبعناه اخل�ا�ض اال�ش��طلحي، واإمنا هو ا�شت�ش��لح ملئم ملق�شود ال�صارع، وما عهد من ت�رصفاته، وهو ما يعرف عند بع�س العلماء بالقي���ا�س امل�ص���لحي، اأي اأنه اإحلاق للفرع -الواقعة التي ل ن�س

فيها- بكليات ال�رصيعة واأ�صولها العامة ومقا�صدها.وقد اأورد الغزايل -رحمه اهلل- هذا العرتا�س واأجاب عنه فقال: » ف��اإن قي��ل: فريجع النظر اإلى رد فرع اإلى اأ�ص��ل مبعنى منا�ص��ب

جامع، ولي�س ذلك ا�صتدلل مر�صا.قلنا: كل م�ص��لحة مائمة، فيت�صور اإيرادها يف قالب قيا�س بجمع متكلف، يعتمد الت�ص��وية يف ق�ص��ية عامة ل تتعر�س لعني احلكم، ف��اإن اأراد ال�ص��ائل - يعني املعرت�س- مبا ذكره م��ن رد الفرع اإلى الأ�ص��ل مبعنى منا�ص��ب هذا القدر فهو الذي نريده بال�ص��تدلل املر�ص��ل، وكيف ل ينتظم هذا ال�صكل؟! وما من م�صاألة اإل وميكن اأن يق��ال: هذه م�ص��لحة على وجه كذا، فينبغي اأن تراعى قيا�ص��ا على م�ص��األة كذا؛ وامل�ص��لحة عبارة ت�صمل ق�صايا خمتلفة، فيندرج

حتتها املتباعدات ...«)2(.الفرع الثاين: قتل اجلماعة بالواحد.

ا، اأن روى مالك وال�ص��افعي وغريهما باأ�صانيد يقوي بع�صها بع�صعمر -ر�صي اهلل عنه- قتل نفرا خم�صة اأو �صبعة برجل واحد قتلوه

نعاء لقتلتهم به جميعا)3(. غيلة، وقال: لو متالأ عليه اأهل �صوعن علي -ر�صي اهلل عنه- اأنه قتل ثاثة قتلوا رجا.

وعن اب��ن عبا�س -ر�ص��ي اهلل عنهما- اأنه قال: ل��و اأن مائة قتلواانظر: شفاء الغليل )218(، ضوابط املصلحة في الشريعة اإلسالمية )359(. )1(

شفاء الغليل )217 – 218(. )2(رواه مالك في املوطأ )2/ 871(، ومن طريقه الشافعي في األم )6/ 22(، والبيهقي )3(في معرفة السنن واآلثار )12/ 44( وقد صححه العلماء انظر: تلخيص احلبير )4/ 20(، فت��ح الب��اري )12/ 227 - 228(، نصب الراية )4/ 353(، إرواء الغليل )7/

.)261 - 259

رجا قتلوا به)1(.ه��ذا ه��و راأي اخلليفت��ني الرا�ص��دين وح��رب الأمة، ومعه��م بقية

ال�صحابة، وقد حكاه بع�س العلماء اإجماعا منهم.فما م�ص��تند هذا العمل من ال�ص��حابة -ر�صي اهلل عنهم-، وعلى

ماذا بنوا اإجماعهم هذا؟واجلواب: اأن امل�صلحة املر�صلة املائمة لت�رصفات ال�رصع، املحققة مل�ص��احله يف حفظ النفو�س، وزجر املعتدين عليها، هي م�صتندهم ومتعل��ق حكمه��م، ومناط نظره��م، ودليل اإجماعه��م يف هذه

الق�صية.ووجه ذل��ك: اأن املتقرر يف الن�ص��و�س ال�ص��اهدة بالعتبار، قتل النف��س بالنف�س، واأما قتل النفو�س بالنف�س فم�ص��كوت عنه، واإذا انتفى ما يدل على حكم امل�صاألة من الن�صو�س املعينة ل يبق اإل النظر

يف املاآلت والكليات واحلكم املرتتبات، وهو نظر م�صلحي.وقد �ص��اع وا�ص��تهر بني علماء اجلمه��ور القائلني بقت��ل اجلماعة

بالواحد، اأن م�صتند ذلك، القول بامل�صلحة املر�صلة.ج��اء يف »�ص��فاء الغلي��ل«: »... فما م�ص��تندكم يف قت��ل النفو�س

بالنف�س الواحدة؟ اأهو امل�صلحة اأم الن�س اأم الإجماع؟قلن��ا: ل ينقل فيه ن�س عن ال�ص��ارع، واإنا املاأث��ور عن عمر)2( ... فدل اأن كل واحد من ال�ص��افعي ومالك �ص��لك م�صلك امل�صلحة، وه��و الذي راآه عمر -ر�ص��ي اهلل عنه-، وذل��ك يدل على اتفاق

م�صالك العلماء - القائ�صني)3(- يف اتباع امل�صالح املر�صلة.ووجه امل�صلحة: اأن القتيل مع�صوم، وقد قتل عمدا، واإهداره داع اإلى خرم مق�ص��ود الق�ص��ا�س واتخاذ الظلمة ال�صتعانة ذريعة اإلى

بغيتهم يف �صفك الدماء، وقتل الأعداء«)4(.ثم نفى الغزايل حتقق القيا�س مبعناه اخلا�س يف هذه امل�صاألة)5(.

وذكر ال�ص��اطبي نحو ما ذك��ر الغزايل من اأن م�ص��تند هذا احلكمأخرج هذه اآلثار وغيرها مجتمعة ابن أبي ش��يبة في املصنف )9/ 347 – 348( )1(

وانظر املصادر السابقة. وذكر قتله جلماعة بصنعاء بواحد، وقد سبق. )2(

يريد الذين يذهبون إلى القول بالتعليل في الشريعة، فيخرج الظاهريون. )3(شفاء الغليل )249 – 252(. )4(

انظر:شفاء الغليل )252 – 254(. )5(

Page 127: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

127

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

امل�صلحة املر�صلة، ونفى اأن يكون هناك ن�س معني �صاهد بالعتبار اأو قيا�س خا�س)1(.

والقول باأن م�ص��تند هذه امل�ص��األة هو امل�ص��لحة املر�صلة �صائع عند العلماء قدميا وحديثا)2(.

��ا معينة متنع من هذا وقد راأى جماعة من العلماء اأن هناك ن�صو�صقت��ل اجلماعة بالواحد، فعلى الت�ص��ليم بذلك، م��ا توجيه اجتهاد

ال�صحابة وذهابهم اإلى ما يلزم عليه خمالفة تلك الن�صو�س)3(؟!وللج��واب عن هذا ال�ص��وؤال ميك��ن الق��ول: اإن الظاهر من حال ال�ص��حابة اأنهم ل يروا الن�صو�س دالة على خاف اجتهادهم، اإذ كي��ف يظن بهم -وهم اأعلى قدرا واأعظم اإميانا واأعمق علما- اأن

يخالفوا الن�صو�س؟! ثم لو �ص��لم اأنهم راأوا الن�ص��و�س اخلا�ص��ة مانعة من قتل اجلماعة بالواحد، فما ذهبوا اإليه يكون من باب ال�صيا�صة ال�رصعية الراجعة اإل��ى كليات ال�رصيعة وقواعدها ومقا�ص��دها، ومث��ل ذلك ل يعد م�خالفة للن�ص����و�س، ب��ل يعد توفيقا بني دلئ��ل ال�رصيعة وعما

مبقت�صاها، وهو متعني عند العلماء.قال ابن القيم وقد ذكر جملة من ال�صيا�صات التي �صا�س بها اخللفاء الرا�ص��دون رعيتهم، ويف بع�ص��ها م��ا يظهر اأن��ه معار�س لبع�س

الن�صو�س:»... اإلى اأ�ص��ناف ذلك من ال�صيا�ص��ات العادلة التي �صا�ص��وا بها الأمة، وهي م�ص��تقة من اأ�ص��ول ال�رصيعة وقواعده��ا«)4(، ويوؤكد

ذلك فينعتها بقوله: »وهي تاأويل القراآن وال�صنة«)5(.

انظر: االعتصام )2/ 125(. )1(ينظر: بداية املجتهد )2/ 400(، ختريج الفروع على األصول )321(، املبسوط )26/ )2(126 - 127(، املغني )7/ 672(، املصلحة في التش��ريع والطوفي )32(، أصول التشريع )177(، ضوابط املصلحة )147 – 150، 357(، أثر األدلة املختلف فيها

.)92 – 89(من ذلك قوله تعالى: { گ گ} ) سورة البقرة من اآلية رقم 178(، وقوله: { ے )3(

ے ۓ ۓ ڭ ڭ} )سورة املائدة من اآلية 45(. انظر املصادر السابقة.إعالم املوقعني )4/ 374(. )4(

الطرق احلكمية )24(. )5(

ا، واأنه اأربعون، ونقل النووي عن ال�صافعي اأنه يرى اأن يف اخلمر حدز الزيادة عليه تعزيرا للزجر والردع وتغليظا)1(. واأنه جو

بقي اأن اأنبه اإلى اأن بع�س العلماء قد ذهب اإلى اأن هذه الن�ص��و�س بعينه��ا تدل على قتل اجلماعة بالواح��د، وعليه فهل يبقى اجتهاد ال�ص��حابة م�ص��تندا اإلى امل�ص��لحة املر�ص��لة، اأو ي�صري م�ص��تندا اإلى

الن�صو�س؟واجل��واب: اأن عم��ر وعليا واب��ن عبا�س ومن تابعه��م، يظهر من �ص��نيعهم اأنه��م ل يروا هذه الن�ص��و�س دال��ة باأعيانه��ا على قتل اجلماعة بالواحد؛ اإذ لو راأوها كذلك ملا �ص��كتوا عن ال�ص��تدلل بها، ول�رصحوا به، ول�صتهر ذلك بني ال�صحابة حتى ل يقع بينهم اخت��اف فيه، ول يحتج عامل عم��ر على اليمن اأن يكتب بذلك

اإليه.هذا وقد نقل بع�س العلماء اإجماع ال�ص��حابة على ذلك)2(، ونقل بع�صهم خافا منه لبع�س العلماء)3(، والتوفيق اأن من نقل الإجماع لعله ل يعتد بذلك اخلاف لكونه م�صبوقا بالإجماع، ومن خالفه لعله ل يتحقق لديه هذا الإجماع، علما باأن قتل اجلماعة بالواحد

هو قول جماهري العلماء من الأئمة الأربعة وغريهم)4(.الفرع الثالث: ت�صمي ال�صناع.

روي ع��ن عمر وعلي -ر�ص��ي اهلل عنهما- اأنهما كانا ي�ص��منان ال�صناع من ال�صباغني وال�صواغني ونحوهم من اأ�صحاب احلرف، ��ال ن الغ�ص ��م م��ن ذلك ما رواه البيهقي اأن علي بن اأبي طالب �صلح النا�س اإل ذلك، قال ويروى عن عمر ��باغ، وقال: ل ي�ص وال�ص

ناع«)5(. مني بع�س ال�ص ت�ص��ا ب� »ت�ص��مني الأجري امل�صرتك«، وهو وتعرف هذه امل�ص��األة اأي�صال��ذي يتقبل اأعمال يف وقت واحد بحيث ل ي�ص��تحق واحد من

انظر: شرح النووي على صحيح مسلم )4/ 291(. )1(منهم ابن قدامة في املغني )7/ 671(، والكاساني في بدائع الصنائع )7/ 239(، )2(

واخلطيب الشربيني في مغني احملتاج )4/ 20(. انظر: املغني )7/ 670 - 671(، فتح الباري )12/ 227(. )3(

انظر: املصادر السابقة. )4(السنن الكبرى )6/ 122 - 123(، روي ذلك عنهما من وجوه ال يخلو بعضها من )5(مقال. انظر: األم )4/ 40(، احمللى )8/ 202(، كنز العمال )2/ 191 - 192(، نصب

الراية )4/ 141(، تلخيص احلبير )3/ 61(.

Page 128: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

128

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

اأ�ش��حاب االأعم��ال جميع منفعت��ه كاخلياط واحلم��ال والطبيب والكحال والغ�صال ونحوهم)1(.

ووجه اإيراد هذه امل�ص��األة �ص��من �ص��واهد عمل اخللفاء الرا�صدين وبقي��ة ال�ص��حابة -ر�ص��وان اهلل عليهم- بامل�ص��لحة املر�ص��لة اأن ال�صناع ونحوهم من الأجراء الذين يتقبلون اأعمال النا�س ويجري العقد معهم على العمل، هم اأمناء على ما يتولون من اأعمال؛ لأن ماكها قد اأذنوا لهم يف قب�ص��ها، فتكون اأمانة يف اأيديهم كغريهم ��ا، وهو الذي تكون منفعته م��ن الأمناء، كما لو كان اأجريا خا�ص

كاملة ل�صاحب العمل)2(.لك��ن ملا كانوا يغيبون ما قب�ص��وا، وقد عرف عنهم -يف اجلملة- الت�ص��اهل يف احلف��ظ، والتفريط فيه، و�ص��عف الأمان��ة، والنا�س يحتاج��ون اإل��ى اأعماله��م ول ي�ص��تغنون عنهم، فلو ل ي�ص��منوا للحق النا�س حرج �ص��ديد، اإما بكرثة �ص��ياع اأموالهم، واإما برتك

ال�صت�صناع، وكليهما يلحق �رصرا بالنا�س وحرجا)3(.ولي��س يف ت�صمينهم ن�س ل من كتاب ول من �صنة، ول قيا�س)4(، فت�ش��مينهم حينئ��ذ يكون من باب اال�شت�ش��لح ال��ذي ال يرجع اإلى �ص��اهد معني بالعتبار، واإن��ا يعود اإلى اأدل��ة ال�رصيعة العامة،

وقواعدها الكلية، ويحقق مقا�صدها يف حفظ الأموال.وقد اتفقت كلمة العلماء على اأن امل�صتند الوحيد للقول بال�صمان

يف هذه امل�صاألة هو امل�صلحة املر�صلة)5(.قال ابن ر�صد احلفيد: »ومن �صمنه فا دليل له اإل النظر اإلى امل�صلحة

و�صد الذريعة«)6(، وبنحو هذا علل بقية فقهاء املالكية)7(.وعل��ل فقه��اء احلنفية القول بال�ص��مان يف مذهبهم)8( بامل�ص��لحة

انظر: املغني )5/ 524(، والدر املختار وعليه حاشية ابن عابدين )6/ 264(. )1(انظر: املهذب )1/ 408(، والكافي في فقه احلنابلة )2/ 328 - 329(. )2(

انظ��ر: االعتص��ام )2/ 119(، ومال��ك ألبي زه��رة )335(، وضوابط املصلحة )3( .)356(

انظر: األم )4/ 40(، واحمللى )8/ 203(. )4(وعمل الصحابة هنا ال ينفي ذلك؛ ألن مستندهم هو املصلحة. )5(

بداية املجتهد )2/ 232(. )6(انظر: املدونة )4/ 452(، جواهر اإلكليل )2/ 191(. )7(

له��م قوالن: قول ألبي حنيفة: ال ضمان، وقول أبي يوس��ف ومحمد بالضمان، )8(وبه يفتى عندهم. انظر: حاشية ابن عابدين )6/ 65(.

املر�صلة التي عمل بها اخلليفتان.ق��ال ابن عابدي��ن: »وبقولهما)1( يفت��ى لتغري اأح��ول النا�س، وبه حت�ص��ل �ص��يانة اأموالهم؛ لأنه اإذا علم اأنه ل ي�ص��من رمبا يدعي اأنه

ق اأو �صاع«)2(. �رصواأك��د هذا املعنى فقال: »وقولهم��ا)3( قول عمر وعلي، وبه يفتى

احت�صاما لعمر وعلي و�صيانة لأموال النا�س«)4(.ويوؤك��د الكا�ص��اين اأن م�ص��تند اأبي يو�ص��ف وحممد هو امل�ص��لحة املر�ص��لة، واأنهما خ�ص�ص��ا بها الأ�ص��ل العام وهو عدم ال�صمان،

فيقول: »اأما على اأ�صلهما؛ فاأن وجوب ال�صمان يف الأجري امل�صرتك ثبت

ا�صتح�صانا �صيانة لأموال النا�س«)5(.وبع�س العلماء ا�صتدل للقول بال�صمان بالقيا�س، فقد قا�س بع�صهم الأجري امل�ص��رتك على املودع باأجر؛ فاإنه ي�صمن مع اأن العني عنده اأمانة)6(. وبع�ص��هم قا�ص��ه على امل�ص��تعري؛ لأنه قب���س العني ملنفعة

كامل�صتعري)7(. وهو قيا�س م�صلحي.وهذا املثال من الأمثلة امل�ص��هورة عند العلم��اء على عمل اخللفاء الرا�صدين وبقية ال�صحابة والفقهاء من اأ�صحاب املذاهب الأربعة

بامل�صلحة املر�صلة)8(.الف��رع الرابع: نفي اأهل املعا�ص��ي -مم��ن مل يثبت نفيهم

بالن�س- ومن يخ�صى منهم ال�صرر.ب عمر -ر�صي يب، قال: غر روى الن�ص��ائي عن �صعيد بن ال�م�ص، ، فلحق بهرقل فتن�رص اهلل عنه- ربيعة بن اأمية يف ال�خمر اإلى خيرب

يريد أبا يوسف ومحمدا. )1(حاشية ابن عابدين )6/ 65(. )2(

يريد أبا يوسف ومحمدا. )3(املصدر نفسه. )4(

بدائع الصنائع )4/ 211(. )5(انظر: الهداية وشروحها )7/ 200 - 205(. )6(

انظر: الكافي في فقه احلنابلة )2/ 328 - 329(، وكشاف القناع )4/ 34(. )7(ينظر: االعتصام )2/ 119(، مالك ألبي زهرة )335(، تعليل األحكام )59(، أصول )8(التش��ريع )178(، نظرية املصلحة )127 – 138(، ضوابط املصلحة )356(، أثر

األدلة املختلف فيها في الفقه )73-71(.

Page 129: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

129

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

ب بعده م�صلما)1(. ي الل�ه عنه-: ل اأغر فقال عمر -ر�صوثبت اأن عمر كان يف بع�س الليايل يع�س يف املدينة، ف�ص��مع امراأة ت�ص��بب بن�رص ب��ن حجاج، فا�ص��تدعاه فاإذا هو من اأح�ص��ن النا�س وجها، واأجملهم منظرا، فنفاه اإلى الب�رصة بعد اأن حلق راأ�صه واأمر

له مبا ي�صلحه)2(.فف��ي هذين الأثرين نفى عمر -ر�ص��ي اهلل عنه- يف اأولهما رجا �رصب اخلمر بعد اأن جلده ثمانني؛ لكونه �رصبه يف رم�صان، فهو منه تعزير وتغليظ لعظ��م اجلرمية واملبالغة يف هتك احلرمة، اإذ ل يثبت النفي يف �رصب اخلمر عن ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم-، ول هو يف كتاب اهلل، ول يتحقق فيه اإجماع، ول نظري له يقا�س عليه، اإذ التغريب اإنا ثبت بال�صنة يف حد الزاين البكر، وبالقراآن يف حد

احلرابة، وهما خمتلفان عن �رصب اخلمر)3(.ويف الأثر الثاين نفى ن�ص���ر بن حجاج من غري مع�ص��ية ارتكبها، حفظا للن�ص��اء وخ�ص��ية عليهن؛ ملا �صمع من ت�ص��بيب بع�صهن به. وهذا ت�رصف من اأمري املوؤمنني واإمام امل�ص��لمني �ص��نده امل�ص��لحة املر�صلة، اإذ ل ن�س معني ي�صهد لذلك ول قيا�س ول اإجماع، واإنا هي امل�ص��لحة التي تن��درج يف قواعد ال�رصيع��ة، وتائم ت�رصفها،

وحتقق مقا�صدها.وقد ا�صتهر عند العلماء اإيراد هذين املثالني �صمن �صواهد امل�صلحة

املر�صلة وعمل اخللفاء و�صائر ال�صحابة بها)4(.

سنن النس��ائي )املجتبى( في كتاب األشربة باب تغريب شارب اخلمر )8/ 319 )1(حديث رقم 5676(.

انظ��ر: ابن حزم في احمللى )11/ 365(، نصب الراية )3/ 331(، تلخيص احلبير .)61 /4(

أورده ابن س��عد في الطبقات )3/ 85(، وابن حجر في اإلصابة )3/ 579(، وفتح )2(الباري )12/ 159 - 160( وصحح سنده وعزاه إلى ابن سعد واخلرائطي، وأورده ابن القيم في إعالم املوقعني )4/ 374(، والطرق احلكمية )21(، وانظر: احلس��بة

في اإلسالم )53( ق��ال ابن حزم في احملل��ى )11/ 181(: » النفي ثبت بالق��رآن في احلرابة، وثبت )3(

بالسنة في الزنا، وأضاف بعضهم اخلمر والسرقة والردة. انظ��ر: بدائع الصنائع )7/ 39(، الهداية وش��روحها )5/ 243 - 244(، حاش��ية )4(اب��ن عابدين )4/ 14 - 15(، إعالم املوقعني )4/ 374(، الطرق احلكمية )17، 21(، املصلحة في التش��ريع والطوفي )57(، أصول التش��ريع )178(، نظرية اإلباحة

عند األصوليني )353(، احلسبة في اإلسالم )53(.

جاء يف حا�ص��ية ابن عابدين: »وال�صيا�صة والتعزير مرتادفان؛ ولذا عطف��وا اأحدهما على الآخر لبيان التف�ص��ري ...، والتعزير تاأديب دون احلد، من العزر مبعنى الرد والردع، ويكون بال�رصب وغريه، ول يلزم اأن يكون مبقابلة مع�صية؛ ولذا ي�رصب ابن ع�رص �صنني على ال�ص��اة، وكذلك ال�صيا�ص��ة كما يف نفي عم��ر لن�رص بن حجاج، فاإن��ه ورد اأنه قال لعمر: ما ذنبي يا اأم��ري املوؤمنني؟ فقال: ل ذنب لك ...، فقد نفاه لفتنان الن�ص��اء به واإن ل يكن ب�صنعه، فهو فعل

مل�صلحة وهي قطع الفتنان ب�صببه)1(.ه��ذا وقد عد بع�س الباحثني ت�رصف عمر -ر�ص��ي اهلل عنه- هذا

تقييدا للمباح مل�شلحة اقت�شت ذلك)2(.ووجه ذلك اأن لاإن�ص��ان اأن يقي��م يف بلده، واأن هذا حق له ما دام ل يح�صل منه جرم يقت�صي معاقبته بالنفي وغريه، فلما األزم عمر -ر�صي اهلل عنه- ن�رصا باخلروج من بلده اإلى بلد حمدد مل�صلحة راآها ويل الأمر دون اإث��م منه وال ج��رم، كان ذلك منه تقييدا للمباح بامل�ش��لحة)3(.

ومن النفي �صيا�صة وم�صلحة كذلك نفيه -ر�صي اهلل عنه- ل�صبيغ بن ع�صل ملا تتبع املت�صابه من القراآن، وق�صته معروفة)4(.

الفرع اخلام�س: اإل��زام عمر للن�ا�س بالطالق الثالث بلفظ واحد.

اق على عهد ر�ص��ول الل�ه روي ع��ن اب��ن عبا�س ق��ال: كان الط-�صلى اهلل عليه و�صلم- واأبي بكر و�صنتني من خافة عمر طاق اب: اإن النا�س قد ا�ص��تعجلوا الثاث واحدة، فقال عمر بن ال�خط��اه ��يناه عليهم، فاأم�ص يف اأم��ر قد كان��ت لهم فيه اأن��اة، فلو اأم�ص

عليهم.«)5(.فف��ي هذا احلديث -كما يدل عليه ظاهره- اأن عمر -ر�ص��ي اهلل عنه- اجتهد بعد م�ص��ي مدة من خافته فاأم�ص��ى على النا�س اإذا طلق��وا ثاثا بلفظ واحد اأو يف جمل�س واحد، اأن يكون ثاثا، واأن

حاشية ابن عابدين )4/ 15( وانظر: احلسبة في اإلسالم )53(. )1(انظر: نظرية اإلباحة عند األصوليني )252(. )2(

انظر: املصدر نفسه. )3(انظر: احلسبة في اإلسالم )53(، إعالم املوقعني )4/ 374(. )4(

أخرجه مسلم في كتاب الطالق، باب طالق الثالث )2/ 1099حديث رقم 1472(. )5(

Page 130: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

130

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

ذل��ك خاف ما كان عليه احلال يف عهد النبوة، وخافة اأبي بكر -ر�صي اهلل عنه- ومدة من خافته.

وق��د اأ�ص��كل احلال عل��ى كثري من العلم��اء، وتع��ددت اأجوبتهم وتوجيهاتهم لفعل عمر هذا.

وال��ذي رجحه املحققان ابن تيمية وابن القيم -وهو ما يدل عليه ظاهر اللفظ- اأن عمر -ر�صي اهلل عنه- فعل ذلك �صيا�صة مل�صلحة راآها معتربة، وقد وافقه ال�ص��حابة -ر�صي اهلل عنهم- على ذلك،

ف�صار اتفاقا منهم على هذا احلكم امل�صلحي.ووجه ذلك: اأن عمر راأى اأن النا�س قد اختلفوا عما كانوا عليه يف عهد النبوة وما بعده اإلى م�صي مدة من خافته، راآهم اختلفوا عما كانوا عليه من الدين والورع والتحفظ عن ال�صرت�صال يف الطاق -وهو اأبغ�س احلال اإلى اهلل- والتاعب بكتاب اهلل تعالى و�ص��نة نبيه -�صلى اهلل عليه و�صلم- يف كون الطاق مرتبا مرة بعد مرة،

فيطلق مرة ثم يراجعها اإن �صاء، ثم يطلقها بعد ذلك.مل��ا راآهم كذل��ك اأراد اأن يزجرهم عن ذل��ك، ويردعهم عن هذا ال�ص��ت�ر�صال وال�صتعج�ال، فجعل طاق الثاث بلفظ واحد اأو

متتابعات يف جمل�س واحد ثاثا م�صلحة و�صيا�صة.وق��د حاول بع�س الباحثني اأن يوفق بني فع��ل عمر وما كان عليه الو�ص��ع يف العهد النبوي؛ بحيث ي�ص��ري فعل عمر متفقا متاما مع

الن�صو�س من الكتاب وال�صنة)1(.وقد و�صف بع�س العلماء هذه املحاولة باأنها تكلف.

جاء يف »�صبل ال�صام«: »والأقرب اأن هذا راأي من عمر ترجح له كما منع من متعة احلج وغريها ... والتكلفات يف الأجوبة ليوافق

ما ثبت يف ع�رص النبوة ل يليق)2(«.وع��د بع�ص��هم فعل عمر هذا خمالفا لن�ص��و�س الكتاب وال�ص��نة، وا�صتخ�ل�س منه ومن ق�ص��ايا مماثلة اأن امل�صلحة املر�صلة تقدم علىانظر: شرح النووي على مسلم )3/ 668 - 669(، وفتح الباري )9/ 363 - 365(، )1(وس��بل الس��الم )4/ 171 - 173(، ونيل األوط��ار )6/ 233 - 234(، وضوابط املصلحة في الشريعة )151 – 160(، والسياسة الشرعية في األحوال الشخصية

.)156 – 150(سبل السالم )4/ 171 - 173(، وانظر: إعالم املوقعني )3/ 44 - 47(، السياسة )2(

الشرعية في األحوال الشخصية )152 – 157(.

الظواهر اإذا عار�صتها)1(، واأن لويل االأمر اأن يقيد املباح اإذا اقت�شت امل�صلحة ذلك)2(.

ووج��ه تقييده للمباح هنا اأن للإن�ش��ان اأن يطلق ثلثا بلفظ واحد ويراجع، فمنعه عمر من ذلك واأم�شاه عليهم ثلثا بحيث ال تباح

لهم الرجعة)3(.وال��ذي يظهر يل اأن فعل عمر ل يتع�ار�س مع ظواهر الن�ص��و�س، ول هو عني ما دلت عليه، واإنا هو �صيا�صة �رصعية اقت�صتها امل�صلحة املعتربة املندرجة يف قواعد ال�رصيعة، املائمة ملقا�صدها، ومثل هذا ل يعار�س ظواهر ال�رصع، فما فعله، اإنا فعله عقوبة تعزيرية عندما راأى احلاجة داعية اإلى ذلك، والتعزير من اأبواب ال�صيا�صة ال�رصعية لاإمام عندما يرى امل�ص��لحة املعتربة داعي��ة اإلى ذلك، وهذا جائز عن��د العلماء، كما جوز الزيادة على الأربعني يف عقوبة اخلمر من

يرى اأن احلد فيه اأربعون جلدة.فقد اأراد عمر اأن يزجرهم عن ال�صتعجال يف الطاق، واأن يردهم اإلى طاق ال�صنة، وتطبيق الكتاب وال�صنة بالتورع فيه، وا�صتعماله

على مقت�صاهما مرة بعد مرة)4(.وقد راأى بع�س العلماء اأن هذا احلكم الذي ق�ص��ى به عمر �صيا�صة وا�صت�صاحا مما يتغري بتغري الزمان واحلال، وهو راأي املحققني ابن

تيمية وابن القيم، وقد اأخذ به بع�س املعا�رصين)5(.الفرع ال�صاد�س: منع عمر نكاح الكتابيات.

اأباح اهلل �ش��بحانه وتعالى نكاح الن�ش��اء الكتابي��ات -اليهوديات والن�رصانيات- قال تعالى:{ۆ ۈ ۈ ٴۇۋ ۋ ۅ ۅ ەئ ائ ائ ى ېى ې ې ې ۉ ۉ

ەئ وئ وئ ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ۈئ ۈئ ...})6(.

انظر: تعليل األحكام )56 – 59(، املصلحة في التشريع والطوفي )31 – 32(. )1(انظر: تعليل األحكام )58 – 59(، ونظرية اإلباحة )352(. )2(

انظر: املصدرين نفسيهما. )3(انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية )33/ 94 - 98( وانظر )87( وما بعدها، والطرق )4(احلكمية )21 – 22(، وإعالم املوقعني )3/ 41 - 62(، والسياسة الشرعية )143 – 161(، واملصلحة في التشريع والطوفي )31(، ونظرية املصلحة في الفقه )232 – 233(.

انظر: املصادر نفسها. )5(سورة املائدة من اآلية رقم )5(. )6(

Page 131: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

131

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

وقد اأخذ بظاهر الآية جمهور امل�ص��لمني من ال�ص��حابة والتابعني والأئمة الأربعة والظاهرية)1(.

ومم��ن اأخذ بها اأمري املوؤمنني عمر بن اخلطاب -ر�ص��ي اهلل عنه-، لكنه منع ال�صحابة �صيا�ص��ة منه مبناها امل�صلحة املائمة لت�رصفات ال�ص���رع، املحققة ملقا�ص��ده، فقد خ�ص��ي اأن يتتابع امل�صلمون يف ن��كاح الكتابيات، فتت�رشر امل�ش��لمات بالرغبة عنهن وتكرث فيهن العنو�ص��ة، ويتعر�صن للمفا�صد ب�ص��بب ذلك. كما اأنه نظر اإلى ما ميكن اأن يكون لهن اأو لبع�ص��هن من اأثر عل��ى اأزواجهن من قادة واأم��راء لاأجن��اد، ومن لهم اأثر يف حياة الأمة؛ فهو من قبيل �ص��د

الذرائع، والنظر يف املاآلت.كذلك علل بخ�ص��ية الوقوع يف العاه��رات منهن، ويف ذلك من الف�ش��اد ما ال يخف��ى، من اختلط االأن�ش��اب، و�ش��ياع االأوالد

باإف�صاد اأخاقهم ودينهم.كل هذه التوجيهات قد وردت يف تعلياته التي علل بها اجتهاده

ذلك.فقد ورد اأن عمر -ر�صي اهلل عنه- اأمر طلحة بن عبيد اهلل وحذيفة بن اليمان -ر�صي اهلل عنهما- اأن يفارقا كتابيتني، فقيل له: اأحرام؟

.)2( ات منهن فقال: ل، ولكني اأخاف اأن تعاطوا ال�موم�صويف رواية: اإن يف ن�ص��اء الأعاجم خابة وخداعا، واإين لأخ�ص��ى

عليكم منهن.ويف رواية: فاإين اأخاف اأن يقتدي بكم امل�ص��لمون فيختاروا ن�صاء

اأهل الذمة جلمالهن، وكفى بذلك فتنة لن�صاء امل�صلمني)3(.فلعل الفاروق نظر اإلى اأن اإباحة نكاح الكتابيات معلل مب�ش��لحة تاأليفهن واإزالة الوح�صة عنهن وعن اأوليائهن، حينما تتزوج برجل

م�صلم يكرمها ويعلمها �صماحة الإ�صام وح�صن تعاليمه.انظ��ر: اجلامع ألحكام القرآن )3/ 67 - 68(، وتفس��ير القرآن العظيم )1/ 20 - )1(21(، وفت��ح القدي��ر )2/ 15 - 16(، وفتح الب��اري )9/ 416 - 417(، واملغني )6/

589 - 590(، وبداية املجتهد )2/ 44(، واحمللى )9/ 445 - 449(. أخرج هذه الرواية البيهقي في السنن الكبرى )7/ 172 حديث رقم 1372(. )2(

انظر ه��ذه الروايات في: أحكام القرآن للجص��اص )2/ 324(، واجلامع ألحكام )3(الق��رآن )3/ 67 - 69(، وتاري��خ الطب��ري )6/ 147(، واملغني )6/ 589 - 590(،

واحمللى )9/ 445 - 449(.

فراأى اأن هذه العلة قد تتبدل في�صري لهن اأثر على الأزواج وحتويل لأخاقهم، مما يخ�ص��ى معه اأن يقلد ال��زوج زوجته متاأثرا بها يف

عاداتها ومعتقدها و�صلوكها ونحو ذلك)1(.ق��ال ابن قدامة بعد اأن بن اأن ال�ش��لف واخللف على اإباحة نكاح الكتابيات: »اإذا ثبت هذا، فالأولى اأن ل يتزوج كتابية؛ لأن عمر قال للذين تزوجوا من ن�ص��اء اأهل الكت��اب: طلقوهن ...، ولأنه

رمبا مال اإليها قلبه فتفتنه، ورمبا كان بينهما ولد فيميل اإليها«)2(.وراأى بع���س الب��احثي�ن اأن هذا الت��رصف من اأمري املوؤمن��ني يعترب تقييدا للمباح مبا راآه من م�ش��لحة و�شيا�شة يقت�شيها احلال. وذلك

ظاهر)3(.وقد عمل باجتهاد عم��ر يف هذا الع�رص، فبع�س الدول متنع بع�س ا لذريعة امل�صا�س مب�صالح الدولة الفئات من الزواج بالأجنبيات �صدالعام��ة اأو اخلا�ص��ة، وذلك كمنع رجال ال�ص��لك الدبلوما�ص��ي،

واجلند ونحوهم)4(. الفرع ال�ص��ابع: منع عمر -ر�ص��ي الله عنه- بيع اأمهات

االأوالد.��ي الل�ه عنه-، روى احلاكم عن عبد اهلل بن بريدة، عن اأبيه -ر�ص��ي الل�ه عنه-، اب -ر�ص ط ق��ال: كنت جال�ص��ا عند عمر ب��ن اخل��وت؟ فانطلق ��ائحة، فقال: يا يرفاأ، انظر ما هذا ال�ص اإذ �ص��مع �صه��ا، قال: فقال فنظ��ر، ثم جاء فقال: جاري��ة من قري�س تب��اع اأم��ار، قال: فلم ن�ص عم��ر: ادع يل اأو قال: عل��ي بال�مهاجرين والأار وال�حجرة، قال: فحمد الل�ه ت الد ميكث اإل �ص��اعة حتى امتاأا بعد فهل تعلمون��ه كان مما جاء به عم��ر واأثنى عليه، ثم ق��ال: اأمد -�صلى اهلل عليه و�صلم- القطيعة؟! قالوا: ل، قال: فاإنها قد م حم

ية، ثم قراأ: {ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍ بحت فيكم فا�ص اأ�صڌ ڌ ڎ ڎ }، ث��م ق��ال: واأي قطيع��ة اأقط��ع م��ن

انظر: السياسة الشرعية )53 – 55(، تعليل األحكام )43 – 45(. )1(املغني )6/ 590(. )2(

انظر: نظرية اإلباحة عند األصوليني )348(، وفتح الباري )9/ 417( فقد قال ابن )3(حج��ر بعد ذكره لكراهة نكاحهن عن بعض الس��لف: »وهذا ظاهر في أنه خص

اإلباحة بحال دون حال«، وانظر: نظرية املصلحة في الفقه )229 – 230(. انظر: نظرية املصلحة )229(. )4(

Page 132: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

132

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

نع ما بدا اأن تباع اأم امرئ فيكم، وقد اأو�صع الل�ه لكم؟ قالوا: فا�ص، فاإنها قطيعة، واإنه ل��ك، قال: فكتب يف الآفاق اأن ل تباع اأم حر

.)1( ل يحلهات وثبت عن جابر بن عبد اهلل -ر�صي اهلل عنهما- قال: بعنا اأمي الأولد على عهد النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- واأبي بكر -ر�ص

ي الل�ه عنه- نهانا فانتهينا«)2(. ا كان عمر -ر�ص الل�ه عنه-، فلمفق��د ظهر من اأثر بري��دة وحديث جابر -ر�ص��ي اهلل عنهما- اأن عمر -ر�ص��ي اهلل عنه- اجتهد فحكم �صيا�صة وم�صلحة بعدم بيع اأمه��ات الأولد؛ ملا يف ذلك من مف�ص��دة قطيعة الرحم التي نهى عنها ال�رصع، ولي�س عنده ول عند غريه من ال�صحابة ن�س يف منع البي��ع، ول يتحقق اإجماع -ولو قدر ح�ص��وله يف عهده)3(- فهو

م�صتند اإلى امل�صلحة وال�صيا�صة.اإذ ل��و كان عن��ده ن�س مبن��ع البيع مل��ا احتاج اإلى جمع ال�ص��حابة ا، وم�ص��اورتهم وال�ص��تدلل بكليات ال�رصيعة، وذلك ظاهر جدوق��د �رشح ب��ه علي -ر�ش��ي اهلل عنه- فقد عزم عل��ى بيعهن يف خافته، وقال: »اجتمع راأيي وراأي عمر يف اأمهات الأولد اأن ل

يبعن، ثم راأيت بعد ذلك اأن يبعن«)4(.ب��ل املحف��وظ عنده��م ج��واز بيعه��ن يف عه��د النب��وة وخافة

ال�صديق.وال�صت�صهاد بفعل عمر هذا على جواز ا�صتناد ال�صحابة -ر�صوان اهلل عليهم- اإلى امل�شلحة املر�شلة وال�شيا�شة ال�رشعية، وتقييد املباح

أخرجه احلاكم في املستدرك )2/ 496حديث رقم 3708( وقال:هذا حديث صحيح )1(اإلسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، ورواه البيهقي في السنن )10/ 348(، وابن

أبي شيبة في مصنف )6/ 439(. رواه أب��و داود في كتاب العتق، باب ف��ي عتق أمهات األوالد )4/ 46 حديث رقم )2(3954(، واحلاكم في املس��تدرك )2/ 22 حديث رق��م 2189(، وقال: هذا حديث

صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. لم يحصل إجماع باملعنى االصطالحي املش��هور، بدليل مخالفة علي بعد ذلك )3(وغيره كابن عباس وابن الزبير. انظر احمللى )9/ 217 - 219(، نيل األوطار )6/

.)99 - 98أخرجه ابن أبي شيبة في املصنف )6/ 436(، وسعيد بن منصور في سننه )ق2 )4(ج3/ 60(، والبيهق��ي في الكبرى )10/ 343( وابن حزم في احمللى )9/ 217(، وقد

صححه احلفاظ، انظر: تلخيص احلبير )4/ 219(.

بهما، م�صهور عند العلماء)1(.جاء يف »�ص��بل ال�ص��ام« يف نف��ي اعتماد عمر عل��ى ن�س يف منع بيعه��ن: »ولي�س يف من��ع بيعها -يري��د اأم الول��د- اإل راأي عمر -ر�ص��ي اهلل عن��ه- ل غ��ري، ومن �ص��اوره من ال�ص��حابة، ولي�س باإجم��اع ...، على اأنه لو كان يف امل�ص��األة ن�س)2( ملا احتاج عمر

وال�صحابة اإلى الراأي«)3(.وقد ق�ص��ى بعدم بيعهن عثمان -ر�صي اهلل عنه- يف خافته، كما ورد يف بع�س األفاظ اأثر علي -ر�صي اهلل عنه- فقد جاء يف بع�س ��ي الل�ه عنهما- ��ى بها عمر حياته وعثمان -ر�ص األفاظه: »فق�ص

.)4(» رقهن ا وليت اأنا راأيت اأن اأ بعده فلمالفرع الثامن: منع عمر من التمتع يف احلج.

ثبت اأن عمر -ر�صي اهلل عنه- نهى عن متعة احلج، وهو اأن يعتمر يف اأ�ص��هر احلج ثم يحج يف عامه ذاك، وبني �صبب نهيه عنه فقال: حابه، »قد علمت اأن النبي -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- قد فعله واأ�صني)5( بهن -اأي بالن�صاء- يف الأراك، ولكن كرهت اأن يظلوا معر�ص

ج تقطر روؤو�صهم«)6(. ثم يروحون يف احلق��ال ابن حجر-رحم��ه اهلل-: »وكان من راأي عم��ر عدم الرتفه للحج بكل طريق، فكره لهم قرب عهدهم بالن�ص��اء لئا ي�ص��تمر

امليل اإلى ذلك بخاف من بعد عهده به، ومن يفطم ينفطم«)7(.��ا عن عثمان -ر�صي وهكذا ثبت النهي عن التمتع يف احلج اأي�ص

اهلل عنه-)8(.

انظر: الطرق احلكمية )23(، إعالم املوقعني )4/ 374(، أصول التش��ريع )177(، )1(نظرية اإلباحة )347(.

يعني بتحرمي بيعهن. انظر: الطرق احلكمية )23(. )2(سبل السالم )3/ 13(، وفي تاريخ األمم وامللوك )4/ 225( قال عمر: » أحلقت حرمة )3(بحرم��ة، وما أردت إال اخلير«، فلو كان عنده نص لبينه في معرض احلاجة إليه.

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى )10/ 343 حديث رقم 21555(. )4(بإس��كان العني وختفي��ف الراء. انظر: ش��رح النووي على صحيح مس��لم )3/ )5(

.)360احلديث أخرجه مس��لم في كتاب احلج، باب في نسخ التحلل من اإلحرام واألمر )6(

بالتمام )2/ 896 حديث رقم 1222(.فتح الباري )3/ 418(. )7(

وروى ذلك عنه مس��لم في كتاب احلج، باب في نسخ التحلل من اإلحرام واألمر )8(بالتمام )2/ 896 حديث رقم 1223(.

Page 133: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

133

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

ففي اأثر عمر ت�رصيح باأنه قد علم اأن النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- جوز التمتع يف احلج، كما اأن عثمان -ر�ص��ي اهلل عنه- ل تخف

عليه ال�صنة يف ذلك، ولكن لعله كان يرى ما راآه عمر)1(.فنهي عمر وعثمان عن التمتع يف احلج كان منهما نظرا م�صلحيا، و�صيا�ص��ة �رصعية راجعة اإلى كتاب اهلل تعالى و�ص��نة ر�صوله -�صلى اهلل عليه و�ص��لم- فقد فهما -ر�ص��ي اهلل عنهما- اأن من مقا�ص��د احلج ترك الرتفه وعدم التو�ص��ع فيه، كما اأن من مقا�ص��د الكتاب وال�صنة كرثة الرتدد على البيت احلرام طوال العام، وجعله مق�صودا يف جميع اأيام ال�ص��نة غري مهجور، وهذا مما يتحقق باإفراد العمرة

عن احلج.ا لذريع��ة الرتف��ه، واملي��ل اإل��ى ال�ص��هوات، والنغما�س يف ف�ص��دامللذات، والرغبة عن الطاعات، وحت�ص��يا ملق�ص��د ال�ص��ارع يف ب اخلليفتان عمر ق�صد البيت احلرام، وتكثري زياراته وق�صده، رغوعثم��ان -ر�ص��ي اهلل عنهما- امل�ص��لمني يف اأف�ص��لية اإفراد احلج ب�ص��فر والعمرة ب�ص��فر اآخر، ول �ص��يما وقد اختلف زمانهما عن زمان النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- من حيث ما و�صع اهلل به على امل�صلمني وي�رص اأمورهم، فراأيا اأن الإحرام بالعمرة واحلج يف �صفر واحد وزمان متقارب اإنا هو رخ�صة، والرخ�صة ترتبط باأ�صبابها،

ويقدم عليها ما هو اأف�صل منها حت�صيا ملقا�صد ال�رصع.ول ينهيا -ر�ص��ي اهلل عنهما- ع��ن التمتع بالعمرة اإلى احلج على التاأبيد ول على الإلزام، وقد �رصحا بذلك واأنهما ن�صحا لاأمة مبا راأيا اأنه خري لهما يف ذلك الوقت، ولي�س ذلك منهما على �ص��بيل

الإلزام والتاأبيد)2(.ج��اء يف »الط��رق احلكمية«: »ومن ذل��ك -يعني من ال�صيا�ص��ة ال�رصعية- اختياره -يريد عم��ر- للن�ا�س الإفراد باحلج؛ ليعتمروا

يف غري اأ�صهر احلج، فا يزال البيت احلرام مق�صودا«.قال ابن القيم: »واملق�ص��ود اأن هذا واأمثاله �صيا�صة جزئية بح�صب ذكر العلماء وجوها من األجوبة واالعتذارات لهما. انظر: فتح الباري )3/ 418 – )1(

419، 425(، شرح النووي على صحيح مسلم )3/ 359 - 363(. انظ��ر: فت��ح الباري )3/ 425(، وش��رح النووي على صحيح مس��لم )3/ 361(، )2(

وتاريخ األمم وامللوك )4/ 225(.

امل�صلحة، تختلف باختاف الأزمنة، فظنها من ظنها �رصائع عامة لزمة لاأمة اإلى يوم القيامة«)1(.

وق��ال الن��ووي -رحم��ه اهلل-: »ف��كان عم��ر وعثم��ان ياأمران بالإفراد؛ لأنه اأف�ص��ل، وينهيان ع��ن التمتع نهي تنزيه؛ لأنه ماأمور -اأي االإمام- ب�شلح رعيته، وكان يرى االأمر باالإفراد من جملة

�صاحهم«)2(.الف��رع التا�ص��ع: ع��دم قب��ول عمر ل�ص��هادة املر�ص��عة

الواحدة.اأخرج اأبو عبيد ب�صنده اأن رجا من بني عامر تزوج امراأة من قومه، فدخل��ت عليها امراأة، فقالت: احلمد هلل، واهلل لقد اأر�ص��عتكما، واإنكما لبناي)3(، فانقب�س كل واحد منهما عن �صاحبه، فخرج الرجل حتى اأتى املغرية بن �ص��عبة، فاأخربه بقول املراأة، فكتب فيه اإلى عمر، فكتب عمر: اأن ادع الرجل واملراأة، فاإن كانت لها بينة على ما ذكرت ففرق بينهما، واإن ل يكن لها بينة فخل بني الرجل وبني امراأته)4(، اإل اأن يتنزها، ولو فتحنا هذا الباب للنا�س ل ت�ص��اأ

امراأة اأن تفرق بني اثنني اإل فعلت)5(«.وروي ع��دم قبول �ص��هادة الواحدة يف الر�ص��اع ع��ن علي وابن

عبا�س واملغرية بن �صعبة -ر�صي اهلل عنهم-)6(.فف��ي هذه الآثار ق�ص��ى عمر وم��ن معه من ال�ص��حابة بعدم قبول �ص��هادة املراأة الواحدة يف الر�ص��اع، وظاهره �صواء �صهدت على

فعل نف�صها اأم على فعل غريها.وقد علل الفاروق ق�ص��اءه ب�ص��د الذريعة والنظر يف املاآل، وهو ما عرب عنه بقوله: »ولو فتحنا هذا الباب للنا�س ل ت�صاأ امراأة اأن تفرق بني اثنني اإل فعلت«، وهذا منه ا�ص��تناد اإلى امل�ص��لحة دون ا�صتناد

الطرق احلكمية )23 – 24(. )1(شرح النووي على مسلم )3/ 361(، وانظر: سبل السالم )4/ 173(. )2(

هكذا في الطرق احلكمية )113( و)82( والصواب: ولداي. )3(هكذا والصواب: بني الرجل وامرأته. )4(

فت��ح الب��اري )5/ 269(، الطرق احلكمية )82( و)113(، ني��ل األوطار )6/ 319(، )5(احمللى البن حزم )9/ 403(.

انظر: الطرق احلكمية )155 -156(، احمللى )9/ 403( فقد بسط ابن حزم القول في )6(شهادة املرأة على الرضاع وغيره )9/ 395 - 405(.

Page 134: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

134

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

اإلى �صاهد معني بالعتبار.فقد خ�صي -ر�صي اهلل عنه- من الفتنة وال�رصر على الأمة، وتو�صع الأمر على �ص��ورة ي�صهل معها ادعاء الر�ص��اعة مبا يلزم عليه كرثة التفريق بني الأزواج وت�ص��تيت الأ�رص، وتدم��ري كيانها، وتقوي�س

احلياة الزوجية، وما يتبع ذلك من مفا�صد.فما اأن تريد امراأة ملقا�صد �صيئة، واأغرا�س فا�صدة، وحقد وح�صد، ولأتفه الأ�ص��باب، واأب�صط �ص��ور العداوة، ورغبة يف الت�صفي اإل وتبادر اإلى دعوى الر�ص��اعة متظاهرة باحلق، واحلر�س على براءة

الذمة، واإبعاد النا�س عن الوقوع يف املحرم)1(.والذي يظهر من �صياق اأثر عمر واأثر علي ومن معهما من ال�صحابة -ر�صي اهلل عنهم- اأنه ل يخف عليهم حديث ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�ص��لم- وقد ذكر له رجل اأن امراأة ادعت اأنها اأر�ص��عته وزوجت��ه، واأن الرجل اأنكر هذه الر�ص��اعة وك��ذب املراأة، فقال ر�ص��ول -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- : »كيف وقد زعمت؟! دعها

عنك«)2(، ويف رواية: »ل خري لك فيها«)3(.الظاهر اأنه ل يخف عليهم هذا، واإنا حملوه على التنزه والإر�صاد ا ق�ص��اء وحكما بدليل اأن قولهما -ر�ص��ي اهلل عنهما- بعد اأن رد

�صهادة املراأة الواحدة، قال: »اإل اأن يتنزها«.بذة)4( وغريها)5(. الفرع العا�صر: حمى عمر للر

��ي الل�ه روى البخ�اري واأح�مد وغريهما عن ابن عب���ا�س -ر�صعب بن جثامة قال: اإن ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه عنهما- اأن ال�ص

انظر: السياسة الشرعية في األحوال الشخصية )84 - 85(. )1(جت امرأة، ارث ولفظه: »ق��ال: تزو احلدي��ث أخرجه البخاري عن عقبة ب��ن احل )2(بي صلى اهلل عليه وس��لم، ي قد أرضعتكما، فأتيت الن فج��اءت امرأة، فقالت: إنفقال: وكيف وقد قيل؟! دعها عنك« ) البخاري في كتاب الشهادات باب شهادة

املرضعة )2/ 941 حديث رقم 2517(. أخرجها البيهقي في الس��نن الكب��رى )7/ 145حديث رق��م 13602( وانظر: نيل )3(

األوطار )6/ 319(. وق��د ذهب إلى األخذ بظاهر هذا احلديث وحمله على وجوب الفرقة كثير من أهل العل��م. انظر: فتح الباري )5/ 28 – 269(، نيل األوطار )6/ 319 – 320(، املغني

.)559 - 558 /7(بفتح الراء والباء،انظر: فتح الباري )5/ 45(. )4(

منها »الشرف« مواطن حول املدينة. انظر: فتح الباري )5/ 45(. )5(

و�صلم- قال: »ل حمى اإل لل�ه ولر�صوله«)1(.اب ط وروى البخ��اري ع��ن اأ�ص��لم مولى عم��ر: اأن عمر ب��ن اخلمى، ��ي الل�ه عنه- ا�ص��تعمل مول��ى له يدعى هني��ا على احل -ر�صمم جناحك عن ال�م�صلمني، واتق دعوة املظلوم، فقال: يا هني ا�صمية ورب الغنيمة فاإن دعوة املظلوم م�ص��تجابة، واأدخ��ل رب ال�رصيتهما ان فاإنهما اإن تهلك ما�ص واإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفمية ورب الغنيمة اإن تهلك يرجع��ا اإلى نخل وزرع، واإن رب ال�رص��يتهما ياأتني ببنيه)2(، فيقول: يا اأم��ري ال�موؤمنني، اأفتاركهم اأنا ما�صهب والورق، -ل اأب��ا لك-؟! فال�م��اء والكاأ اأي�رص علي م��ن الذون اأين ق��د ظلمتهم، اإنها لبادهم، فقاتلوا عليها وامي اهلل اإنهم لري��ي بيده يف ال�جاهلية، واأ�ص��لموا عليها يف الإ�ص��ام، والذي نف�صل��ول ال�مال الذي اأحمل عليه يف �ص��بيل اهلل ما حميت عليهم من

ربا«)3(. بادهم �صق��ال اب��ن حجر نق��ا ع��ن ال�ص��افعي يف معنى »ل حم��ى اإل هلل

ولر�صوله«: »يحتمل معنى احلديث �صيئني: اأحدهم��ا: لي��س لأحد اأن يحمي للم�ص��لمني اإل م��ا حماه النبي

-�صلى اهلل عليه و�صلم-. والآخر: اإل على مثل ما حماه النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم-.

فعل��ى الأول: لي�س لأحد من الولة بعده اأن يحمي، وعلى الثاين: يخت���س احلمى مبن قام مقام ر�ص��ول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم-

وهو اخلليفة خا�صة«.قال ابن حجر: والأول اأقرب اإلى ظاهر اللفظ)4(.اه�

وهو قول لل�ص��افعي، وعلى ه��ذا التاأويل يتاأتى الق��ول: باأن فعلرواه البخاري في كتاب املس��اقاة، باب ال حمى إال هلل ولرس��وله صلى اهلل عليه )1(

وسلم )2/ 835 حديث رقم 2241( وأحمد )4/ 38، 71، 73(. واحلمى بكس��ر احلاء وختفيف امليم املفتوحة: مكان يحمى من الناس واملاشية ليكثر فيه الكأل. انظر: األحكام السلطانية للماوردي )185(، األحكام السلطانية

ألبي يعلى )222(، األموال ألبي عبيدة )372(. عل��ى تقدير أحدهما، وفي رواية: وإن هذا املس��كني إن هلكت م�اش��يته ج�اء )2(

يصرخ ...صحيح البخاري في كتاب اجلهاد والس��ير، باب قول النبي صلى اهلل عليه وسلم )3(

لليهود )أسلموا تسلموا( )3/ 1113 حديث رقم 2894(. فتح الباري )5/ 44(. )4(

Page 135: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

135

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

عمر -ر�صي اهلل عنه- يكون م�ص��تندا اإلى ال�صيا�صة ال�رصعية، بناء على امل�صلحة العامة للم�صلمني، وهو ما �رصطه اجلمهور يف جواز

احلمى)1(.ووجه ذلك اأن احلديث على هذا التاأويل قد دل على اأنه ل يحمي اأحد بعد ر�ص��ول اهلل -�صلى اهلل عليه و�ص��لم- مطلقا)2(، فيكون فع��ل عم��ر حينئذ ل م�ص��تند له اإل امل�ص��لحة املائم��ة لت�رصفات

ال�رصع، املحققة ملقا�صده، املندرجة يف قواعده.هذا وقد حمى عثمان -ر�ص��ي اهلل عنه- كما حمى عمر وتو�صع فيه، ملا اقت�ص��ته احلاج��ة يف ع�رصه، فقد كرثت اأم��وال بيت املال م��ن الأنع��ام، من اإبل ال�ص��دقات، وم��ن خيل اجلهاد، و�ص��وال

امل�صلمني.قال ابن العربي يف »العوا�صم من القوا�صم« : »واأما احلمى فكان قدمي��ا، فيقال: اإن عثم��ان زاد فيه ملا زادت الراعي��ة)3(، واإذا جاز

اأ�صله للحاجة جازت الزيادة لزيادة احلاجة«)4(.وقد ا�صت�ص��هد بع�س الباحث��ني بفعل عمر هذا عل��ى جواز تقييد االإمام للمباح اإذا راأى امل�ش��لحة تقت�ش��ي ذلك)5(. وهو ا�صت�صهاد

ظاهر.حيث اإن الرعي والكاأ وموارد املاء ومنابت ال�صجر من املباحات جلمي��ع النا�س، ف��اإذا حمى الإمام جزءا من ذل��ك فقد قيد ما كان

مباحا.ومم��ا ينبغي اأن ينبه اإليه اأن عمر -ر�ص��ي اهلل عنه- اأو�ص��ى عامله على احلمى اأن ي�ص��م جناحه عن �ص��عفاء امل�صلمني وفقرائهم من اأ�صحاب املا�ص��ية القليلة، واأن ميكنهم من الرعي يف احلمى، واإنا

انظر: معالم الس��نن )3/ 50(، وفتح الباري )5/ 44(، واملغني )5/ 581 - 582(، )1(وني��ل األوطار )5/ 309(، واإلفص��اح عن معاني الصح��اح )2/ 50(، واألحكام

السلطانية للماوردي )318- 319(. قد اس��تدل بعموم »ال حمى إال هلل ورس��وله« القائلون بع��دم جواز احلمى ألحد )2(بعد رس��ول اهلل -صلى اهلل عليه وس��لم- وخصصوه بإجم��اع الصحابة على ج��واز احلمى للحاجة. انظر: املغني )5/ 581 - 582( وعليه فيكون الصحابة قد خصصوا هذا احلديث على هذا الوجه باملصلحة املرس��لة مس��تند اجتهاد عمر

-رضي اهلل عنه-.يريد البهائم التابعة لبيت املال. )3(

العواصم من القواصم )72 -73(. )4(انظر: نظرية اإلباحة عند األصوليني )348 – 349(. )5(

ي مم مينع االأغنياء اأ�ش��حاب املوا�ش��ي الكثرية، و�رشح باأن��ه اإمنا حجللحاجة، ولول ذلك ما حمى �صربا يف �صرب، واأن الأر�س لأهلها. وكل ه��ذه الروؤى من عمر -ر�ص��ي اهلل عنه- ت��دل على اأنه يرى اأن حمى ر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل عليه و�صلم- خا�س به ل يلحق به غريه، وهو ما يوؤيد اأن فعله مبناه امل�ص��لحة املر�ص��لة وال�صيا�ص��ة

ال�رصعية.الفرع احلادي ع�صر: حتديد عمر لل�صعر.

روى مالك يف »املوطاأ« عن �ص��عيد بن امل�ص��يب قال: مر عمر بن بي بلتعة وهو يبيع ��ي الل�ه عنه- عل��ى حاطب بن اأ اب -ر�ص ط اخلا اأن تزيد يف ي الل�ه عنه-: اإم وق، فقال له عمر -ر�ص زبيبا له بال�ص

ا اأن ترفع من �صوقنا)1(. عر، واإم ال�صلى وبني يديه ��وق ال�م�ص ويف بع��س الروايات اأنه مر بحاطب ب�صين لكل ر له مد ع ��عرهما، ف�ص له عن �ص ��اأ غرارتان فيهما زبيب، ف�صث��ت بعري مقبلة ��ي الل�ه عنه- قد حد دره��م، فقال له عمر -ر�صا اأن ترفع يف ��عرك، فاإم مل زبيبا، وهم يعتربون ب�ص ائف حت من ال�طا رجع ئت، فلم ا اأن تدخل زبيبك البيت فتبيعه كيف �ص عر، واإم ال�صه، ثم اأتى حاطبا يف داره فقال له: اإن الذي قلت عمر حا�صب نف�صهل ردت ب��ه ال�خري لأ ا هو �ص��يء اأ ��اء، اإن لي�س بعزمة منى ول ق�ص

ئت فبع)2(. ئت فبع، وكيف �ص البلد، فحيث �صفف��ي هذين الأثري��ن اأن عمر -ر�ص��ي اهلل عنه- قد األ��زم حاطبا بالت�ص��عري، وهو يف حكمه هذا م�ص��تند اإلى امل�صلحة املر�صلة التي تائم ت�رصفات ال�ص���رع وحتقق مقا�صده، وترجع اإلى كلياته؛ فاإن هذا احلكم ل يرجع اإلى ن��س معني ي�ص��هد له بالعتبار، ول نظري

له يقا�س عليه ويلحق به.فالأ�صل اأن الإن�صان م�صلط على ماله وما ميلك، يت�رصف فيه كيف �ص��اء، لكن مل��ا راأى اأمري املوؤمن��ني واإمام امل�ص��لمني اأن يف ت�رصف حاط��ب يف ملكه �رصرا بغريه من اأهل ال�ص��وق، ردعه عن ذلك،

واألزمه يف ملكه باأن يت�رصف على وجه ل ي�رص بغريه.

املوطأ )2/ 651(. )1(أورد هذه الرواية البيهقي في السنن الكبرى )6/ 29 حديث رقم 2894(. )2(

Page 136: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

136

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

اأم��ا رجوعه اإلى حاطب -كما يف الأثر الذي �ص��بق- واإذنه له اأن يبيع كيف �صاء ويف اأي موقع �صاء، فهذا ل ينايف اأ�صل احلكم، واإنا هو ا�ش��تمرار من عمر يف ال�شيا�ش��ة ال�رشعية وا�شت�ش��لح الرعية، فحيث راأى امل�صلحة تقت�صي الت�صعري فعل، وحيث راأى امل�صلحة تقت�ص��ي التو�ص��عة على املاك بعدم الت�صعري حيث ل �رصر يتحقق

من ت�رصفهم اأذن لهم اأن يبيعوا مبا يرونه من الثمن.تاأمل قوله: »اإنا هو �صيء اأردت به اخلري لأهل البلد)1(«.

ه��ذا وقد ثبت اأن النبي -�ص��لى اهلل عليه و�ص��لم- ل ي�ص��عر على الن��ا�س، فقد ج�اءه رج�ل ي�ص�األ اأن ي�صعر فامتنع النبي -�صلى اهلل

عليه و�صلم- عن ذلك)2(.ول تع��ار�س بني فع�ل عمر وفعل النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم-، فيمك��ن اأن ينزل فعل عمر على اأنه راأى احلاجة داعية، وال�رصورة ملحة، وامل�صلحة مقت�صية، وتنزل �صنة ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه

و�صلم- على اأن احلاجة ل تكن داعية اإلى ذلك)3(.وقد حمله ابن تيمية وابن القيم على اأنه ق�صية عني ل تعم)4(.

هذا وقد ا�صتهر عند العلماء اأن م�صائل الت�صعري من امل�صالح املر�صلة، وال�صيا�صة ال�ص�رعية، واأن فعل عمر من هذا الباب)5(.

الف��رع الثاين ع�ص��ر: تنظي��م عم��ر للدواوين واإن�ص��اوؤه لل�صجون.

ثبت اأن عامل عمر على مكة ا�صرتى دارا من �صفوان بن اأمية باأمرانظر: احلس��بة )37 -38(، والطرق احلكمية )336 – 339(، وتعليل األحكام )64 )1(

.)65 –عر على عهد رسول اهلل صلى اهلل رواه أبو داود عن أنس بن مالك، قال: غال الس )2(�ه هو ر لنا، فقال: إن الل ر فسع ��ع م، فقالوا: يا رسول اهلل، قد غال الس عليه وس��لي وليس أحد يطلبني ي ألرجو أن ألقى رب ازق، إن ر، القابض، الباسط، الر س��ع املظلمة في دم وال مال )س��نن أبي داود في كتاب اإلجارة باب التسعير 3/ 286 مبحدي��ث رق��م 3453(، وقد صححه احلفاظ. انظر: تلخي��ص احلبير )3/ 14(، نيل

األوطار )5/ 219(.فهو ترك للتس��عير م��ع عدم قيام املقتضي له. وهذا ال ي��دل على عدم الصحة )3(مطلقا، وقد نقل جواز هذا التسعير عن مالك، وحكي املنع عن غيره. انظر: نيل األوطار )2/ 219 – 220(، الطرق احلكمية )336 – 343(، املغني )4/ 239 -240(،

األحكام السلطانية للماوردي )410(، وألبي يعلى )303(. انظر: احلسبة )40(، والطرق احلكمية )341(. )4(

انظر: احلس��بة )23 – 42(، والطرق احلكمية )335 – 342(، وتعليل األحكام )64 – )5(65(، ونظرية املصلحة )177 - 178( و)234 – 236(.

عمر وجعلها �ص��جنا)1(، وكان قبل ذلك يف عهد النبي -�صلى اهلل عليه و�ص��لم- واأبي بك��ر ومدة من خافته -ر�ص��ي اهلل عنهما- يحب���س يف البي�ت اأو يف امل�ص��جد اأو يف اخليمة ونحو ذلك، ول يتخذ موقع خا�س لل�صجن، فلما انت�رصت الرعية يف زمن عمر بن

اخلطاب ا�صرتى دارا مبكة وجعلها �صجنا)2(.وق��د عد العلماء فعل عم��ر هذا من ال�صيا�ص��ة ال�رصعية املبنية على امل�صلحة املرعية، التي ل ي�صهد لها ن�س معني بالعتبار، ول نظري له��ا فتق�ا�س عليه وتلحق به، لكنها تندرج يف كليات ال�ص���ريعة،

وتائم ت�رصفات ال�صارع، وحتقق مقا�صده)3(.ووجه ذلك اأن الرعية ملا انت�رصت يف عهد عمر، وتغريت اأ�صاليب حياتها، ودخل كثري من اأمم الأر�س يف الإ�صام، واأثروا يف حياة امل�ص��لمني، وتتاب��ع الن�ا�س يف الوقوع يف املخالف��ات، ولزم على ذلك ت�ص��ييع كثري من احلقوق والتعدي عليها، و�ص��عف الوازع الدين��ي، وك��رث النكث بالعه��ود، ونق�س العق��ود والوعود ...، اقت�ص��ت امل�ص��لحة اإقامة اأماكن خا�ص��ة لل�ص��جون تكون حمكمة البناء، معدة لذلك، تتنا�صب مع حال املجرمني؛ حفظا للحقوق،

وردعا وزجرا للف�صاق واملف�صدين.ا �صجنا وقد ورد اأن عثمان وعليا -ر�ص��ي اهلل عنهما- اتخذا اأي�ص

ا كما فعل عمر -ر�صي اهلل عنه-)4(. خا�صوبفع��ل عمر وعثمان وعلي اأخذ جمهور العلماء، فجوزوا اتخاذ دار لل�ص��جن يحب�س فيها، وهو دليل على عمل الفقهاء بامل�ص��الح املر�ص��لة، اتباعا ملنهج ال�ص��حابة -ر�ص��ي اهلل عنهم- ول �ص��يما

اخللفاء منهم)5(.ة من ك ��جن مب ارث دارا للس رواه البخ��اري ولفظه »واش��ترى نافع ب��ن عبد احل )1(ة على أن عمر إن رضي فالبيع بيعه، وإن لم يرض عمر فلصفوان صفوان بن أمي��ة«، )صحيح البخاري في كتاب اخلصومات، ك بير مب أربعمائة، وس��جن ابن الزرم 2/ 853(. وانظر: احمللى )8/ 171(، املجموع )9/ بس في احل بط واحل ب��اب الر

247 - 249(، املغني )4/ 257(. انظر: مجموع الفتاوى )35/ 398(، الطرق احلكمية )141(. )2(

انظر: شرح تنقيح الفصول )446(، ومجموع الفتاوى )35/ 398(، والطرق احلكمية )3()140(، وتبصرة احلكام )2/ 215 - 216(، ونيل األوطار )7/ 151(، وشرح القواعد

الفقهية للزرقا )210، 228(. انظر: مصادر الهامش )1(. )4(

انظر: املصادر السابقة في هامش )3(. )5(

Page 137: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

137

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

اأم��ا عن تنظيم عم��ر للدواوين فقد اأثبت ذلك اأ�ص��حاب ال�ص��ري والرتاج��م، وجعلوا ذلك من مناقب عمر واأعماله التي �ص��نها ملن بعده، وعد العلماء ذلك من عمله بامل�صالح املر�صلة التي ي�صهد لها ال�رصع بكلياته ومقا�صده، واإن ل ي�صهد لها بن�صو�صه اخلا�صة، ملا يف ذلك من �ص��بط احلقوق، ومعرفة امل�صتحقني، واإعطاء كل ذي ح��ق حقه، وقد كانت احلاجة يف عه��د عمر داعية لذلك؛ لكرثة

الرعية وانت�صارها وتباعد اأقطارها)1(.ر عمر على كبار ال�ص��حابة يف الفرع الثالث ع�ص��ر: حجن

املدينة ومنعهم من اخلروج منها.ذكر العلماء من املوؤرخني واأ�ص��حاب ال�ص��ري اأن عمر -ر�صي اهلل عنه- حجر على كبار ال�صحابة وفقهائهم من املهاجرين والأن�صار يف املدين��ة، ومنعهم من التفرق يف البلدان مل�ص��لحة معتربة راآها، فقد خ�ص��ي عليهم اإن تفرق��وا يف البلدان، واختلط��وا بالنا�س اأن

يفتتنوا بزخارف الدنيا، وين�صغلوا بها، هذا من وجه.وم��ن وجه اآخر، فقد راأى يف تفرقهم يف البلدان ترك ثغرة كبرية، وفراغ عظيم، يف ا�ش��تنباط االأحكام للوقائع امل�شتجدة، ومعاونته يف ذلك ويف القيام باأعباء الدولة، فقد كانوا جمل�س �صوراه، وكانوا

وزراءه.وهذا منه -ر�ص��ي اهلل عنه- �صيا�ص��ة �رصعية بناها على امل�ص��لحة املر�ص��لة، تائم ت�رصفات ال�ص�رع، وحتقق مقا�صده، حيث ل ن�س يف امل�ص��األة ي�ص��هد لها بالعتبار، ول نظري له��ا تق�ا�س عليه، ول اإجماع ت�ص��تند اإليه، واإنا هي اجتهاد من اخلليفة مبناه امل�ص��لحة،

و�صيا�صة اقت�صاها احلال يف ع�رصه.��ا اأن اخلليفة عثمان -ر�ص��ي اهلل عنه- ملا ومما يدل على ذلك اأي�صتول��ى بعده اأذن لهم يف التفرق يف البل��دان، خمالفا بذلك اجتهاد عمر؛ لتغري الظروف والأحوال يف نظره، فاقت�ص��ت امل�ص��لحة ما

ذهب اإليه يف ع�رصه)2(.انظر: شرح تنقيح الفصول )446(، شرح القواعد الفقهية )228(. )1(

وفي قصة تدوي��ن عمر للدواوين انظر: تاريخ األمم واملل��وك )4/ 209 - 210(، واملوارد املالية في اإلسالم )238 – 247(، وكتاب األموال )285 – 290(.

انظر: نظرية اإلباحة عند األصوليني )347(. )2(

ولو كان فعل عمر يرجع اإلى ن�س اأو اإجماع ملا خالفه ذو النورين -ر�صي اهلل عنه-، واهلل اأعلم.

وقد اأورد الدكتور مدكور هذا املثال من �ص��واهد العمل بال�صيا�صة ال�رشعية، وتقييد ويل االأمر للمباح اإذا اقت�ش��ت امل�شلحة الراجحة

ذلك)1(.وه��و اإيراد ظاهر، حيث اإن من حق الإن�ص��ان اأن يقيم اأو ي�ص��افر كيف �صاء، ما دام ل يقع منه ما يقت�صي منعه، كما اأن له اأن ي�صكن

يف اأي بلد اأحب من بلدان الولية التي يتبعها.الفرع الرابع ع�ص��ر: اإل��زام عمر لل�ص��حابة اأن يقلوا من

رواية احلديث.روى ال�ص��عبي عن قرظة)2( بن كعب، قال: خرجنا نريد العراق، اأ ثم قال: اأتدرون ار، فتو�ص اب اإلى �رص ط ��ى معنا عمر بن اخل فم�صحاب ر�صول اهلل -�صلى �ص ��يت معكم؟ قالوا: نعم، نحن اأ ل م�صتون اأه��ل قرية لهم ��يت معنا، قال: اإنكم تاأ اهلل عليه و�ص��لم- م�صدوي بالقراآن كدوي النحل فا تبدونهم بالأحاديث في�صغلونكم، واية عن ر�ص��ول اهلل -�ص��لى اهلل عليه دوا الق��راآن، واأقلوا الر ج��رثنا، ا قدم قرظة قالوا: حد يككم، فلم ��وا واأنا �رص و�ص��لم-، وام�ص

اب)3(. ط قال: نهانا ابن اخلويف رواي��ة: اأت��درون ل خرجت معكم؟ قلنا: اأردت اأن ت�ص��يعنا وتكرمنا، قال: اإن مع ذلك حلاجة خرجت لها، اإنكم تاأتون بلدة

لأهلها دوي ...)4(. وقد عرف هذا املنهج عن عمر وا�صتهر بني اأفراد رعيته، فقد روي عن اأبي هريرة -ر�ص��ي اهلل عنه- اأنه قال: لقد حدثتكم باأحاديث

لو حدثت بها زمن عمر بن اخلطاب ل�رصبني بالدرة)5(.

املصدر نفسه. )1(بفتح القاف والراء، كذا ضبطه ابن حجر في اإلصابة )3/ 231(. )2(

أخرج��ه احلاكم في املس��تدرك )1/ 183 حديث رقم 347 ( وق��ال: هذا حديث )3(صحي��ح اإلس��ناد ووافقه الذهبي. وانظ��ر: ابن عبد البر في جام��ع بيان العلم

وفضله )2/ 120(، وابن حزم في اإلحكام في أصول األحكام )2/ 138(. انظر املصدرين نفسيهما، وقد صحح هذا األثر ابن عبد البر وضعفه ابن حزم. )4(

أورد ه��ذا األثر اب��ن عبد البر في جامع بيان العل��م )2/ 121(. وأورد العزي في )5(كتابه »دفاع عن أبي هريرة« ص )122( رواية قريبة من هذه وضعفها.

Page 138: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

138

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

وق��د حمل العلماء فعل عمر هذا على اأحوال خا�ص��ة، وظروف معينة، م�ص��لحة و�صيا�ص��ة، فقد حمله بع�ص��هم على اأنه اإنا حذر من حتديث قوم ل يكونوا قد اأتقنوا حفظ القراآن الكرمي، فخ�ص��ي عليه��م اأن ي�ص��تغلوا بغريه عنه، وحمله بع�ص��هم عل��ى التثبت يف احلدي��ث واالحتي��اط يف الرواية، فمن اأكرث م��ن احلديث وقع يف الغلط وال�صهو واخلطاأ على ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم)1(.قال ابن القيم يف اأثناء عر�صه �صيا�صات عمر -ر�صي اهلل عنه-:

»واألزم ال�صحابة اأن يقلوا احلديث عن ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم- ملا ا�صتغلوا به عن القراآن �صيا�صة منه«)2(.

ه��ذا وقد ذك��ر بع��س الباحثني اأن عمر -ر�ص��ي اهلل عنه- حب�س بع���س ال�ص��حابة على اإكثارهم م��ن الرواية، فاإن �ص��ح ذلك عنه فه��و من باب الزجر عن الإكث��ار من الرواية الذي يوقع يف الغلط وال�ص��هو واخلطاأ، واحلث على التثبت يف الإ�ص��ناد اإلى ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�ص��لم- فيكون من باب ال�صيا�صة ال�رصعية املبنية

على امل�صلحة.لكن احلفاظ النقاد �صعفوا ما روي يف هذا ال�صاأن)3(.

الفرع اخلام�س ع�ص��ر: تخفيف الع�ص��ور عن التجار غري امل�ص��لمي ممن يتجرون اإلى املدينة بالزيت والطعام دون

غريهما.روى اأبو يو�ص��ف يف »اخلراج« ب�صنده اأن عمر -ر�صي اهلل عنه- اأخذ من جتار اأهل الذمة ن�صف الع�رص، ومن اأهل احلرب ممن دخل باد امل�ص��لمني الع�رص، وقد �صاور يف ذلك ال�صحابة فاأ�صاروا عليه

به، فكان اأول من ع�رص)4(.وذك��ر العلماء اأنه -ر�ص��ي اهلل عنه- خفف ع��ن الذين يتجرون يف الزي��ت واحلنطة اإلى املدينة، فاأخذ منهم ن�ص��ف ما ياأخذه منانظ��ر: جامع بي��ان العلم )2/ 120 -125(، الس��نة ومكانتها في التش��ريع )62 )1(

.)64-الطرق احلكمية )21(. )2(

انظر: اإلحكام في أصول األحكام البن حزم )2/ 139 - 142(، والسنة ومكانتها )3(في التش��ريع )64 – 66(، ودفاع عن أبي هريرة للعزي )122 -123(، والعواصم

من القواصم )76(. اخلراج )135(، وانظر: األموال )641(، واملوارد املالية في اإلسالم )207(. )4(

غريه��م ممن يتجرون يف غريهما؛ تو�ص��عة على اأهل املدينة، ليكرث حمل هذه الأقوات ال�رصورية اإليها)1(.

فهذه �صيا�ص��ة �رصعية مبناها امل�صلحة املر�ص��لة، فقد و�صع الع�صور كم���ا ورد يف بع���س الرواي�ات -يف الأ�ص��ل- ع�لى جت��ار اأهل احلرب، مقابلة لهم باملثل)2(، ثم تو�ص��ع فيه للم�ص��لحة، فو�ص��عه على اأهل الذمة، ثم نظر مرة اأخرى نظرا م�صلحيا فخفف الع�صور عن بع�س ال�ص��لع مما يع��د قوتا �رصوريا لأه��ل املدينة، تلك البلدة الآهلة بال�صكان؛ ليكرث حمل هذه ال�صلع ال�رصورية اإليها، فيكون يف ذلك تو�صعة على اأهلها برخ�س الأ�صعار، وتوفر ال�صلع التي لو

قلت لغا �صعرها وارتفع، مما ي�صيق احلال معه على النا�س)3(.وقد عد القرايف هذا الت�رصف من الفاروق من �ص��واهد امل�ص��لحة املر�ص��لة، واأدل��ة عمل ال�ص��حابة به��ا، واإجماعه��م عليها، فقال ر -رحمه اهلل-: »ومنها ق�ص��ى عمر -ر�صي اهلل عنه- باأن من اجتمن اأهل الذمة)4( بالزيت والطعام اإلى املدينة يخفف عنه، بخاف ما يتجر به من غريهما؛ تو�صعة على اأهل املدينة يف الطعام، وترغبة

لأهل الذمة يف حمله«)5(.وق��د ذكر بع��س الباحثني اأن الدول يف ه��ذا الع�رص اأخذت بهذه ال�صيا�ص��ة العمرية، ف�ص��جعت ا�ص��ترياد املواد ال�رصورية بتخفيف

ر�صم الوارد عليها)6(.الفرع ال�صاد�س ع�صر: تقييد عمر اأكل اللحم.

ذكر بع�س الباحثني يف �ص��رية عمر -ر�صي اهلل عنه- اأنه كان ياأتي اإلى جمزرة املدينة املعروفة مبجزرة الزبري بن العوام، وهي الوحيدة يف املدينة، فاإذا راأى الرجل ي�ص��رتي اللح��م يومني متتاليني �رصبه

بالدرة وقال: »األ طويت بطنك يومني«)7(.

انظر: املصادر نفسها. )1(انظر: املصادر السابقة. )2(

انظر: األموال )641(، املوارد املالية في اإلسالم )208(. )3(في النص »املدينة« وهو تصحيف. )4(

نفائس األصول )9/ 4088(. )5(انظر: املوارد املالية في اإلسالم )208(. )6(

أورده ابن اجلوزي في مناقب عمر )156(، وانظر: نظرية اإلباحة عند األصوليني )7()345(، وجريدة البالد السعودية عدد )15749( تاريخ 22/ 5/ 1420 ه�.

Page 139: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

139

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

ففي هذا الأثر يقيد عمر -ر�ص��ي اهلل عنه- اأمرا مباحا �صيا�صة منه مبنية على امل�صلحة املعتربة املندرجة يف قواعد ال�رصع وكلياته.

ووج��ه ذلك اأن اهلل تعالى اأباح اأكل اللحم مطلقا بقوله �ش��بحانه: { ڇ ڇ ڍ ڍ ڌ})1(، وقول��ه -عز وجل-: { ک ک گ گ})2(. فق��د اأباح��ت هذه الن���ص���و�س وما يف معناه��ا اأكل اللح��م من غري تقيي��د بزمن، وكان امل�ص��لمون على ذلك اإلى عهد عمر، فراأى -ر�ص��ي اهلل عنه- اأن يحد من التب�صط يف الدني��ا، والتو�ص��ع يف ملذاتها، مما يورث �ص��احبه الوقوع يف ال�ص��هوات، واخللود اإليها، والقعود عن حياة اجلد والتحمل التي ر�صيها الإ�صام لأتباعه، وطلبها -بعموم ال�رصيعة وقواعدها- من

امل�صلمني)3(.اأ�صف اإلى ذلك اأن يف املداومة على �رصاء اللحم ا�صتنفادا وا�صتهاكا للبهائم، مما يت�صبب يف فنائها، وغاء اأ�صعارها، في�صيق احلال على كثري من النا�س، ممن الغالب على حالهم اأنهم من متو�صطي احلال،

فا ي�صتطيعون �رصاء اللحم.فهذا الت�رصف من الفاروق مبناه امل�ص��لحة وال�صيا�ص��ة، ولي�س فيه

ن�س بعينه �صاهد له بالعتبار، واهلل اأعلم.الفرع ال�صابع ع�صر: تعزيره باملال.

ورد عن عمر -ر�صي اهلل عنه- اأنه عاقب باملال تعزيرا، فقد ثبت عنه اأن��ه اأحرق احلانوت الذي بيع فيه اخلم��ر، واأحرق قرية يباع اخلمر فيها، واأحرق ق�رص �صعد بن اأبي وقا�س -ر�صي اهلل عنه- ملا �ص��كته الرعية اأن��ه كان يحتجب فيه عنه��م)4(، واأراق اللن الذي

�صابه �صاحبه باملاء ليبيعه على النا�س مغ�صو�صا)5(.ق��ال ابن تيمي��ة -رحمه اهلل- بع��د ذكره لهذه الق�ص��ايا: »وهذه

سورة البقرة من اآلية رقم )172(. )1(سورة املائدة من اآلية رقم )1(. )2(

انظ��ر: اجلامع ألحكام القرآن )7/ 127(، قال القرطبي -رحمه اهلل- بعد ذكره ملا )3(روي ع��ن عمر: »إياكم واللحم فإن له ض��راوة كضراوة اخلمر« قال: خرج ذلك على من خش��ي منه إيثار التنعم في الدنيا واملداومة على الش��هوات، ونسيان

اآلخرة، واإلقبال على الدنيا ...«.في قضية إحراق عمر لقصر سعد بن أبي وقاص. انظر: احمللى )9/ 370(. )4(

انظر: احلس��بة في اإلس��الم )57 – 60(، وإعالم املوقع��ني )4/ 374(، والطرق )5(احلكمية ) 21-20(.

الق�صايا كلها �ص��حيحة معروفة عند اأهل العلم بذلك، ونظائرها متعددة ...«)1(.

وق��د اأخذ مالك واأحم��د وغريهما بهذه الق�ص��ايا، فعاقبوا باملال تعزي��را، قال اب��ن تيمي��ة: »وعامة هذه ال�ص��ور من�صو�ص��ة عند اأحمد ومالك، وبع�ص��ها قول عند ال�ص��افعي باعتب��ار ما بلغه من

احلديث«)2(.وهو اأ�صل منقول عن اخللفاء الرا�صدين وغريهم من ال�صحابة)3(.

وهذا اجتهاد منهم -ر�صي اهلل عنهم- مبني على امل�صلحة املائمة لت�رصفات ال�رصع املندرجة يف قواعده وكلياته بحفظ ال�رصوريات بالزجر عن انتهاكها، وهو ما يعرف عند العلماء بامل�صلحة املر�صلة،

وذلك ظاهر؛ لأن التعزير ل يكون اإل فيما ل ن�س فيه. الفرع الثامن ع�صر: حكم عمر ومعه نفر من ال�صحابة يف

زوجة املفقود.املفقود هو: م��ن جهلت اأحواله، وانقطعت اأخب��اره، فا يدرى اأح��ي هو اأو ميت؟ �ص��واء كان �ص��بب ذلك �ص��فره، اأو ح�ص��وره قتال، اأو انك�ص��ار �ص��فينة، اأو اأ�رصه يف اأيدي اأهل احلرب، اأو غري

ذلك)4(.ق�صاء ال�صحابة يف زوجة املفقود:

روى اأ�ص��حاب الآثار اأن رجا ا�صتهوته اجلن، فغاب عن امراأته، فاأتت عمر -ر�ص��ي اهلل عن��ه- فاأمرها اأن متكث اأربع �ص��نني، ثم

اأمرها اأن تعتد، ثم تتزوج)5(.

احلسبة في اإلسالم )58(. )1(احلسبة في اإلسالم )58(، وانظر: الطرق احلكمية )351 – 371(، وتبصرة احلكام )2()5/ 13( وما بعدها، واألحكام السلطانية للماوردي )404(، واألحكام السلطانية

ألبي يعلى )294(. توس��ع ابن القيم في هذا األصل. انظر: الطرق احلكمية )351 – 371(، واحلسبة )3(

في اإلسالم )53 – 63(.انظر: العذب الفائض )1/ 79(، وحاش��ية ابن عابدي��ن )3/ 328(، والتحقيقات )4(

املرضية )227(. أخرجه مالك املوطأ )2/ 575(، والشافعي في األم )4/ 74(، وسعيد بن منصور )5(في س��ننه )ق1 ج3/ 400(، والبيهقي ف��ي الكبرى )7/ 445 -447(، وابن حزم في احمللى )10/ 134 - 137(، وعبد الرزاق في مصنفه )7/ 87(، وابن أبي شيبة في مصنفه )4/ 237 - 242(، والدارقطني في س��ننه )3/ 311 - 313(، وهو صحيح

عندهم. انظر: تلخيص احلبير )3/ 235(، ونصب الراية )3/ 471 - 473(.

Page 140: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

140

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

ورووا ذل��ك عن عثمان وعلي وابن م�ص��عود واب��ن عبا�س وابن الزبري وابن عمر)1(.

وق�ص��اء هوؤلء ال�صحابة -ر�ص��ي اهلل عنهم- مبني على امل�صلحة املر�صلة التي حتقق مقا�صد ال�رصيعة، وترجع اإلى اأ�صولها.

ووجه ذلك: اأن زوجة املفقود لو حكم ببقاء زوجيتها مطلقا حتى يتيقن موت زوجها، لكان يف ذلك �رصر بالغ عليها، وحرمان لها من حقها يف احلي��اة الزوجية، وحرج كبري عليها، وذلك مرفوع

�رصعا. ولو حكم بف�ص��خ نكاحها مبجرد غيبة الزوج لكان يف ذلك �رصر وف�ص��اد عليه باإبطال حق زوجيته، و�صياع ماله، وفوات حقوقه،

وكل ذلك اأبطلته ال�رصيعة.فجاء اجتهاد ال�ص��حابة -ر�ص��ي اهلل عنهم- بجع��ل مدة الرتب�س اأربع �ص��نني، اجتهادا و�صطا يحقق امل�صلحة لكا الطرفني، ويدفع

املف�صدة عنهما جميعا، وهو ما تقره ال�رصيعة.وهذا الجتهاد ل �صند له اإل امل�صلحة، اإذ لي�س يف هذه امل�صاألة ن�س ل من الكتاب ول من ال�ص��نة ال�صحيحة، ول نظري لها فتلحق به، ول يتحق��ق فيه اإجماع من قبل، بل ل تعر�س قبل عمر، فهي من الوقائع امل�ص��تجدات يف ع�رصه، عاجلها بحكم��ة وفقه، بناه على مقا�صد ال�رصيعة يف جلب املنفعة ودفع امل�رصة، وهو املعروف عن

فقهه؛ فقد ا�صتهر اأن فقه عمر فقه املقا�صد.وقد �ص��اع بني العلماء اأن من م�ص��تند من قال من العلماء بف�ص��خ نكاح زوجة املفقود مب�شي مدة ح�شب اجتهاد احلاكم هو القيا�ض

املر�صل املعروف ب� »امل�صلحة املر�صلة«)2(.هذا والظاهر اأن املدة التي قدرها ال�ص��حابة و�رصبوها لتلك احلالة التي ح�ص��لت يف ع�رصهم لي�صت تعبدية، مبعنى ل يزاد عليها ول ينق��س منها، بل �رصبوها باجتهادهم حلالة راأوا اأن امل�صلحة لكا ��ا اإلى الطرف��ني حتققت فيه��ا، وعليه فيك��ون حتديد املدة مفو�ص

املصادر السابقة نفسها. )1(انظر: شفاء الغليل )260 - 261(، واملستصفى )1/ 306 - 309(، وبداية املجتهد )2(

)2/ 53(، واملغني )7/ 497 - 498(، والسياسة الشرعية )223 – 224(.

اجته��اد احلاكم بح�ص��ب ما يراه، وهو ما ذه��ب اإليه جماعة من الفقهاء عما باجتهاد ال�صحابة امل�صلحي)1(.

عل��ى اأن هذه امل�ص��األة حمل نظر للفقه��اء، ولهم فيه��ا اجتهادات وتف�ص��يات وا�ص��عة، اكتفيت مبا ذكرته لتحقيق��ه للغر�س الذي

�صقتها لأجله هنا)2(.الفرع التا�صع ع�صر: حتديد عمر الأكرث املهر.

ذكر ال��رواة اأن عمر -ر�ص��ي اهلل عنه- خط��ب الن�ا�س، فاأمرهم بتخفيف املهور، وحثهم على القت�صار على مهور زوجات النبي

-�صلى اهلل عليه و�صلم- وبناته.روى اأ�صحاب ال�صن عن اأبي العجفاء -رحمه اهلل- قال: �صمعت عمر -ر�ص��ي اهلل عنه- يقول: »عن اأبي العجفاء، قال: قال عمر ��اء، فاإنه لو كان مكرمة يف ��دق الن�ص اب: األ ل تغلوا �ص بن ال�خط، كان اأولكم به النبي -�ص��لى نيا، اأو تقوى عند اهلل عز وجل الددق ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم- اهلل عليه و�ص��لم- ، ما اأ�صة من بناته، اأكرث من ثنتي ع�رصة دقت امراأ ائه، ول اأ�ص امراأة من ن�ص

اأوقية«)3(.��عبي قال: خطب وق��د جاء يف بع��س الروايات الأخرى عن ال�صي الل�ه عنه- النا�س فحمد الل�ه تعالى واأثنى اب -ر�ص ط عمر بن اخلاء فاإنه ل يبلغني عن اأحد داق الن�ص عليه، وقال: األ ل تغالوا يف �ص�صاق اأكرث من �صيء �ص��اقه ر�صول الل�ه -�صلى اهلل عليه و�صلم- اأو ت له ل ذلك يف بيت املال، ثم نزل فعر�ص ل جعلت ف�ص يق اإليه اإ �صكتاب الل�ه تعالى اأحق امراأة من قري�س، فقالت: يا اأمري ال�موؤمنني اأو قولك؟ قال: ب��ل كتاب الل�ه تعالى، فما ذاك؟ فقالت: اأن يتب��ع اأ��اء، والل�ه تعالى يقول ��داق الن�ص نهيت النا�س اآنفا اأن يغالوا يف �صيف كتاب��ه: { پ پ پ ڀ ڀ ڀ ڀ}،

وق��د بنى القائلون بأن زوجة املفقود ال ينفس��خ نكاحها من��ه حتى يتبني موته )1(قولهم على االستصحاب.

انظر املصادر السابقة نفسها.قد فصلت القول في هذه املسألة في القواعد األصولية )1359 – 1374(. )2(

أخرجه النسائي في كتاب النكاح، باب القسط في األصدقة )6/ 117-118حديث )3(رقم 3349(، وأحمد في املسند )1/ 40 حديث رقم 285(.

Page 141: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

141

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

و تني اأ ��ي الل�ه عن��ه: كل اأحد اأفقه من عم��ر -مر فق��ال عمر ر�صثاث��ا-، ثم رجع اإلى ال�من��رب فقال للنا�س: اإين كن��ت نهيتكم اأن

اء األ فليفعل رجل يف ماله ما بدا له«)1(. داق الن�ص تغالوا يف �صووجه بناء اجتهاد عمر هذا على امل�ص��لحة املر�ص��لة ظاهر، حيث اإن ال�ص��داق ل يثب��ت يف حتدي��د اأكرثه ن�س �رصي��ح ول اإجماع، ول نظري له يقا�س عليه، وكل ما فيه اإ�ص��ارة على اإباحة كونه كثريا عالي��ا، وهو قول��ه �ص��بحانه: { پ پ پ}، فقد ���ر القنطار باملال العظيم)2(، واإذا كان ل يثبت يف حتديد اأكرثه ف�صعل��ى وجه الإلزام ن�س، فقد كان اجتهاد عمر -ر�ص��ي اهلل عنه- مبناه امل�صلحة املر�صلة، من جهة النظر للنا�س فاإن املغالة يف املهور �ص��بب لعجز كثري من الرجال عن الزواج، لعجزهم عن دفع املهر

الكثري؛ لأن الفقر هو الأكرث، والأغلب على اأحوال النا�س.قال ال�صوكاين -رحمه اهلل-: »اإن الزواج مبهر قليل مندوب اإليه، الأن امله��ر اإذا كان قليل مل ي�شت�ش��عب النكاح م��ن يريده، فيكرث ال��زواج املرغب في��ه، ويقدر علي��ه الفقراء، ويكرث الن�ص��ل الذي ه��و اأهم مطالب النكاح، بخلف م��ا اإذا كان املهر كثريا؛ فاإنه ال يتمك��ن منه اإل اأرباب الأموال، فيكون الفق��راء الذين هم الأكرث يف الغالب غري مزوجني، فا حت�صل املكاثرة التي اأر�صد اإليها النبي

-�صلى اهلل عليه و�صلم-)3(«.فهو نظ��ر م�ص��لحي للن��ا�س، يحقق مقا�ص��د ال�رصيعة، وي�ص��تند اإليها، ويتفق مع اأ�ص��ولها العامة يف مراعاة م�صالح النا�س وحفظ

ال�رصوريات.فق�صة عمر هذه دليل على عمله بامل�صلحة املر�صلة، وبنائه لاأحكام عليها، والتفاته اإليها، �ص��واء قيل بعدم �ص��حة معار�صة املراأة له اأم

قيل ب�صحتها.

أخرج هذه الرواية البيهقي في الس��نن الكبرى )7/ 233 حديث رقم 14114( وقال )1(عنها: هذا منقطع. وانظر: اجلامع ألحكام القرآن )5/ 99(، وتفسير القرآن العظيم )1/ 467(، وقد قال ابن كثير في بعض طرقه: إس��نادها جيد قوي، وفتح القدير

)1/ 443(، وفتح الباري البن حجر )9/ 204(، ونيل األوطار )6/ 169-168(. وفي حتديده أقوال كثيرة. انظر: أحكام القرآن البن العربي )1/ 366(. )2(

نيل األوطار )6/ 190(. )3(

ووجه ذلك:اأما على القول بعدم �ص��حة ق�صة املراأة ومراجعتها لعمر ورجوعه

اإلى قولها -وهو قول كثري من احلفاظ- فظاهر.واأم��ا عل��ى القول ب�ص��حة ه��ذه الق�ص��ة -وهو ما نف��اه كثري من ��ا- باأن عمر -ر�صي اهلل عنه- عمل احلفاظ- فال�صتدلل- اأي�صبامل�ص��لحة املر�صلة، واأخذ بال�صيا�صة ال�رصعية ل ينفى، ووجه ذلك اأنه نهى النا�س عن املغالة يف املهور، وبني اأن ذلك لي�س من هدي النبي -�صلى اهلل عليه و�صلم- يف �صداقه لزوجاته، ول يف �صداق بنات��ه، ورجوعه يدل على الإباحة، فبقي ال�ص��تدلل بامل�ص��لحة

املر�صلة.فاإن قيل: ما دام عمر قد ا�ص��تدل على الندب وال�ص��تحباب بفعل دق ن�صائه وبناته، فكيف ر�صول اهلل -�صلى اهلل عليه و�صلم- يف �ص

يقال: اإنه ا�صتدلل بامل�صلحة وال�صيا�صة ال�رصعية؟ فاجلواب: اأن ال�ص��داق لي�س من ب��اب التعبدات، اإنا هو من باب املعاو�ص��ات، ولعل يف ق��ول عمر: »مكرمة يف الدني��ا اأو تقوى ��ا يف يف الآخ��رة« ما يدل على اأنه راآه مرتددا بينهما ولي�س خال�ص

التعبدات.واإذا تقرر اأنه من املعاو�ص��ات �ص��ح ال�ص��تدلل به على امل�صلحة

املر�صلة وال�صيا�صة ال�رصعية.هذا والعلماء يذهبون اإلى ا�ص��تحباب تقليل امله��ر)1(، كما ذهبوا اإلى اأن تكثريه يجوز)2(، لكن فقههم -وهو فقه الكتاب وال�صنة- ل يرف���س اأن يحدد اأكث��ره اإذا خ��ص��ي)3( من املغ�الة فيه الف�صاد بكرثة العنو�ص��ة والعزوبة، وعدم حت�صني الفروج، وتقليل الن�صل،

والوقوع فيما ي�صاد العفة واحل�صانة.ل يرف�س فقههم ذلك؛ لأنه فقه الكتاب وال�صنة التامني الكاملني، اللذين جاءا بكل خري، وحذرا من كل �ص�ر، حثا على كل م�صلحة،

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى )32/ 192(: »السنة ختفيف الصداق، وأال يزيد )1(على نساء النبي -صلى اهلل عليه وسلم- وبناته«. وقد سبق في نص الشوكاني

ما يدل على ذلك.انظر: تفسير املنار )4/ 462(، السياسة الشرعية في األحوال الشخصية )71( )2(

املراد أن يغلب على الظن أو يتحقق وقوع املفاسد. )3(

Page 142: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

142

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

وح��ذرا م��ن كل مف�ص��دة، و�ص��دق اهلل تعالى اإذ يق��ول: { ک { ائ ەئ تعال��ى: ويق��ول ،)1({ ک گ گ گ ەئ وئ وئ ۇئ ۇئ })2(. وهو فقه �ص��د الذرائع املف�صية اإلى

املفا�صد، والقول بتحديد املهر من ذلك.يق��ول العام��ة ال�ص��اطبي -رحم��ه اهلل-: »ال�رصيع��ة مبنية على االحتي��اط، واالأخ��ذ باحلزم، والتحرز ما ع�ش��ى اأن يكون طريقا اإلى مف�ص��دة، فاإن كان هذا معلوما على اجلملة والتف�صيل، فلي�س

العمل عليه ببدع يف ال�رصيعة بل هو اأ�صل من اأ�صولها«)3(.وعل��ى ذلك فالظاهر ج��واز حتديد اأكرث امله��ر، اإذا دعت احلاجة

اإليه، حتقيقا ملقا�صد ال�رصيعة)4(. واهلل تعالى اأعلم.

سورة األنبياء )107(. )1(سورة طه من اآلية رقم )123(. )2(

املوافقات )2/ 364(. )3(وما نقل من أن اإلجماع منعقد على أنه ال حد ألكثره ال مينع من القول بالتحديد )4(

عند احلاجة؛ ألن اإلجماع منعقد على أنه ال نص في حتديد أكثره.

Page 143: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

143

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

اخلامتة: النتائج والتوصيات. اأ- النتائج:

من خال معاي�ص��ة هذا املو�ص��وع وتتبع جزئياته، وجمع �صتاته، وحتليل م�صائله و�صواهده ظهر يل ما ياأتي:

القطع باأن اأبا بكر وعمر -ر�ص��ي اهلل عنهما- احتجا بامل�ص��لحة احلقيقية بنوعيها املعتربة واملر�صلة، وبنوا عليها اجتهاداتهم.

تاأثر بهما من معهما من ال�ص��حابة -ر�ص��ي اهلل عنهم- ومن جاء بعدهم من اأئمة امل�ص��لمني وفقهائهم، واقتدوا بهما يف ذلك، فقد

حذا فقهاء االأم�شار حذوهما يف طرق اال�شتنباط واالجتهاد. يتف��ق فق��ه اأبي بكر وعمر -ر�ص��ي اهلل عنهم��ا- ومن معهم من ال�صحابة -ر�صي اهلل عنهم- مع ي�رص ال�رصيعة ورفع احلرج وامل�صقة

عن املكلفني، ويحقق الو�صطية؛ تلك ال�صمة العظيمة لاإ�صام. امل�ص��لحة -ب�ص��وابطها املعروف��ة- م�ص��در ث��راء للفق��ه، ووفاء

مبتطلبات حياة امل�صلمني وم�صتجداتهم على مر الع�صور. اجتهاد اأبي بكر وعمر -ر�ص��ي اهلل عنهما- متفق مع ن�ص��و�س ال�رصيع��ة وقواعدها، ومن�ص��بط ب�ص��وابطها، بعيد ع��ن التكلف

والإغراق يف العلل واجلزئيات. اأهمية درا�ص��ة فق��ه اأبي بكر وعم��ر -ر�ص��ي اهلل عنهما- وبقية ال�ص��حابة -ر�ص��ي اهلل عنه��م- ومعرف��ة طرقه��م يف الجتهاد وا�ش��تنباط االأحكام للتاأ�ش��ي واالقتداء بهم، ملكانتهم العظيمة يف الإ�ص��ام، واأثرهم الكبري يف حفظ ال�رصيع��ة، واإظهارها وكمالها وجاله��ا ووفائه��ا بحاج��ات الأمة والع��ال جميعه، ول�ص��امة

منهجهم يف ذلك. يعد ع�رص اخللفاء الرا�ص��دين -ر�صي اهلل عنهم- النموذج الأمثل لع�رصنا هذا، حيث انت�رصت رقعة الدولة الإ�ص��امية يف ع�رصهم، ودخلت اأمم جديدة يف الإ�ص��ام، لها عاداتها واأ�ص��اليب حياتها املختلفة عما األفه العرب، فا�صتجدت الق�صايا كما هو حال ع�رصنا اليوم، من حيث تداخل العال بكل عاداته واأحواله، و�ص��ار قريبا

من املجتمع الواحد بكل عاداته واأحواله.

اجتهاد اأبي بكر وعمر -ر�صي اهلل عنهما- يقبل القول بتخ�صي�س عم��وم ال�رصيع��ة، وتقيي��د مطلقه��ا بامل�ص��لحة بنوعيه��ا، املعتربة

واملر�صلة. اأن للم�ص��لحة مكان��ة يف ال�رصيع��ة، اإذ ه��ي حموره��ا، وعليه��ا

مدارها.10- اإجم��اع ال�ص��حابة -ر�ص��ي اهلل عنهم- عل��ى الحتجاج

بامل�صلحة. 11- اأن اأب��ا بك��ر وعم��ر -ر�ص��ي اهلل عنهم��ا- ومعهم��ا بقية ال�صحابة ل يطلبون يف تعليل الأحكام والإحلاق القيا�س الأ�صويل املعروف وما فيه من �رشوط ا�شرتطها االأ�شوليون من بعد ع�رشهم

-ر�صي اهلل عنهم-. 12- اأن اأب��ا بك��ر وعم��ر -ر�ص��ي اهلل عنهم��ا- ومعهم��ا بقية ال�ش��حابة يقيدون املباح بامل�ش��لحة من باب ال�شيا�ش��ة ال�رشعية، وه��ي امل�ش��األة املعروفة عند العلم��اء بحق االإم��ام يف تقييد املباح

م�صلحة و�صيا�صة. 13- �ص��عة ال�صيا�ص��ة ال�ص���رعية والنظ��ر امل�ص��لحي واأنهم��ا ل يحتاجان اإلى القيا�س الأ�ص��ويل مبعناه اخلا�س، بل ينظر فيهما اإلى �ش��لح االأمة ورعاية االأ�شلح لها، واإن مل ي�شهد للقول بهما ن�ض

خم�صو�س اأو �صاهد معني بالعتبار.ب- التو�صيات:

1- اأو�ص��ي بدرا�ص��ة فقه اأبي بك��ر وعمر وبقية فقهاء ال�ص��حابة وجمتهديه��م -ر�ص��ي اهلل عنه��م-، وك��ذا درا�ص��ة منهجهم يف االجتهاد واال�ش��تنباط من قبل الدار�شن والباحثن يف اجلامعات ومراك��ز البحث يف العال الإ�ص��امي؛ ملا يحققه ذلك من نه�ص��ة بالفقه الإ�ص��امي، ووفائه بحاجات الع�رص، وملا فيه من ربط اآخر االأمة باأولها، وذلك �شلح لها، والأن منهجهم وطرق ا�شتنباطهم واجتهادهم اأ�ص��لم ممن جاء بعده��م ملا لهم من التزكية يف الكتاب

وال�صنة.2- اأو�ص��ي بالعناية بدرا�ص��ة امل�ص��لحة وحترير �صوابطها وحتقيق منزلته��ا يف ال�رصيع��ة ومكانتها بني الأدلة، مل��ا يحققه ذلك للفقه

Page 144: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

144

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

الإ�ص��امي من الرثاء والوفاء بحاجات الأمة وحتقيق نه�ص��تها يف احلياة كلها، وملا يظهره من �ص��عة ال�رصيعة و�صاحيتها لكل زمان ومكان، وملا يوفره من حفظ لها والتزام بها، وعدم التجاوز على ن�صو�ص��ها، فاإن التق�ص��ري يف هذه الدرا�ص��ة يوقع ول بد يف اأحد الأمرين؛ اإما ق�ص��ور ال�رصيعة –وحا�ص��اها- ع��ن الوفاء مبتطلبات

الع�رص وحاجات النا�س، واإما التجاوز على ن�صو�صها.وقد �ص��جل ابن القيم -رحمه اهلل- قبل اأكرث من �ص��تمائة عام اأثر هذا التق�ص��ري يف فهم امل�صلحة و�ص��بطها واإنزالها منزلتها الائقة به��ا، ومعرفة مكانتها يف ال�رشيعة و�ش��عوبته وخط��ر االإفراط فيه اأو التفريط فقال: »وهذا مو�ص��ع مزلة اأقدام، وم�صلة اأفهام، وهو مقام �ش��نك، ومعرتك �ش��عب، فرط فيه طائفة، فعطلوا احلدود، و�ص��يعوا احلقوق، وجروؤوا اأهل الفجور على الف�ص��اد، وجعلوا ال�رصيعة قا�رصة ل تقوم مب�ص��الح العباد، حمتاجة اإلى غريها، و�صدوا على نفو�ص��هم طرقا �ص��حيحة من طرق معرفة احلق والتنفيذ له، وعطلوه��ا، مع علمهم ... ظنا منهم منافاتها لقواعد ال�رصع ...، فلم��ا راأى ولة الأم�ور ذلك، واأن الن��ا�س ل ي�ص��تقيم لهم اأمرهم اإل باأم��ر وراء ما فهمه هوؤلء من ال�ص���ريعة، اأحدثوا من اأو�ص��اع �صيا�ص��اتهم �رصا طوي��ا ...، واأفرطت طائفة اأخ��رى قابلت هذه

الطائفة، ف�صوغت من ذلك ما ينايف حكم اهلل ور�صوله«)1(.

الطرق احلكمية )ص16(. )1(

Page 145: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

145

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

فهرس املراجع

اأوال: كتب التف�صري.اأحكام القراآن للج�ص��ا�س )اأبي بكر اأحمد بن علي الرازي 1 .املعروف اجل�ص��ا�س املتوفى �ص��نة 370ه�( طبعة دار الفكر

للطباعة والن�رص. اأح��كام الق��راآن لب��ن العربي )اأب��ي بكر حممد ب��ن عبد اهلل 2 .

املعروف بابن العربي( طبعة دار املعرفة للطباعة والن�رص.اأ�ش��واء البيان يف اإي�شاح القراآن بالقراآن لل�شيخ حممد االأمن 3 .ال�صنقيطي، طبعة �صنة 1403ه� باملطابع الأهلية بالريا�س.

تف�ص��ري القراآن العظيم للحافظ اإ�ص��ماعيل بن كثري القر�ص��ي 4 .الدم�صقي املتوفى �صنة 774ه�، طبعة دار املعرفة بريوت.تف�صري املنار لل�صيخ حممد ر�صيد ر�صا، طبعة مطبعة املنار. 5 .

اجلامع لأحكام القراآن للقرطبي )حممد بن اأحمد الأن�صاري 6 .القرطبي( طبعة دار ال�صعب، الطبعة الثالثة.

فتح القدير اجلامع بني فني الرواية والدراية من علم التف�ص��ري 7 .ملحمد بن علي ال�ص��وكاين املتوفى �صنة 1250ه�، طبعة دار

املعرفة بريوت.

ثانيا: كتب احلديث. اإرواء الغليل يف تخريج اأحاديث منار ال�ص��بيل، تاأليف حممد 8 .

بن نا�رص الدين الألباين، الطبعة الأولى �صنة 1399ه�.الرتغي��ب والرتهيب للمن��ذري، طبعة دار الإميان دم�ص��ق، 9 .

الطبعة الثالثة �صنة 1388ه�. تلخي�س احلبري يف تخري��ج اأحاديث الرافعي الكبري للحافظ 10 .ابن حجر الع�صقاين، عني بت�صحيحه عبد اهلل ها�صم اليماين،

طبع باملدينة �صنة 1384ه�.�شبل ال�شلم �رشح بلوغ املرام ملحمد بن اإ�شماعيل ال�شنعاين، 11 .طبع��ة جامع��ة الإمام حمم��د بن �ص��عود الإ�ص��امية، الطبعة

الثالثة.

�ص��ن الدارقطن��ي )علي ب��ن عم��ر الدارقطني املتوفى �ص��نة 12 .385ه�( حتقيق ال�صيد عبد اهلل ها�صم مياين، طبعة دار املعرفة

� بريوت، �صنة 1966م.ال�ص��ن الكربى للبيهقي )اأبو بكر اأحمد بن احل�صني بن علي 13 .

البيهقي املتوفى �صنة 458 ه�( طبعة دار املعرفة بريوت.�ص��ن الن�ص��ائي )اأحمد بن �ص��عيب بن علي الن�صائي املتوفى 14 .�صنة 303 ه�( طبعة مكتب املطبوعات الإ�صامية - حلب،

الطبعة الثانية �صنة 1406 ه�.�صن �ص��عيد بن من�صور )احلافظ �ص��عيد بن من�صور بن �صعبة 15 .اخلرا�صاين( طبعة دار الكتب العلمية بريوت، الطبعة الأولى

�صنة 1405ه�. �ص��ن اأبي داود )احلافظ �ص��ليمان بن الأ�ص��عث ال�صج�صتاين 16 .الأزدي املتوفى �ص��نة 275 ه�( طبع��ة دار الكتاب العربي �

بريوت.�ص��ن ابن ماجه )احلافظ اأبو عبد اهلل حممد بن يزيد القزويني 17 .ب��ن ماجه املتوف��ى �ص��نة 275 ه�( طبع��ة دار الدعوة �ص��نة

1401ه�.ه�. امل�صند لاإمام اأحمد طبعة دار الدعوة �صنة 1401. 18

�رشح مع��اين االآثار للطح��اوي )اأبو جعف��ر اأحمد بن حممد 19 .بن �ص��امة بن عبد امللك الطحاوي املتوفى �ص��نة 321 ه�( حتقي��ق/ حممد زه��ري النجار، طبع��ة دار الكت��ب العلمية،

بريوت، الطبعة الأولى �صنة 1399 ه�.���رشح النووي على �ش��حيح م�ش��لم، طبعة مطبعة ال�ش��عب 20 .

القاهرة.�رشح املوطاأ للزرقاين طبعة دار الكتب العلمية. 21 .

�صعب الإميان للبيهقي ) اأحمد بن احل�صني بن علي بن مو�صى 22 .اخل�رصوجردي اخلرا�صاين، اأبو بكر البيهقي املتوفى 458ه�( حتقي��ق الدكتور عبد العلي عبد احلمي��د حامد، طبعة مكتبة الر�ص��د للن�رص والتوزيع بالريا�س بالتعاون مع الدار ال�ص��لفية

ببومباي بالهند، الطبعة الأولى �صنة 1423 ه�.

Page 146: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

146

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

�صحيح البخاري )الإمام احلافظ حممد بن اإ�صماعيل البخاري 23 .املتوفى �صنة 256 ه�(، حتقيق: د. م�صطفى ديب البغا، طبعة

دار ابن كثري- بريوت، الطبعة الثالثة �صنة 1987م. �ص��حيح م�صلم )الإمام احلافظ م�ص��لم بن احلجاج بن م�صلم 24 .الق�صريي الني�ص��ابوري املتوفى �صنة 261 ه�( بتحقيق حممد فوؤاد عب��د الباقي، طبعة دار اإحياء الرتاث العربي - بريوت،

بدون تاريخ. �ص��حيح ابن حب��ان )حممد بن حب��ان بن اأحم��د، اأبو حامت 25 .التميم��ي الب�ص��تي املتوف��ى �ص��نة 354 ه���( حتقيق �ص��عيب االأرناوؤوط، طبعة موؤ�ش�ش��ة الر�ش��الة ب��ريوت الطبعة الثانية

1414 ه�.فتح الباري ب�رشح �ش��حيح البخاري البن حجر الع�شقلين 26 .

املتوفى �صنة 852ه�، طبعة دار املعرفة بريوت. كنز العمال للمتقي الهندي، طبعة موؤ�ص�صة الر�صالة. 27 .

امل�ص��تدرك على ال�ص��حيحني للحاك��م )الإم��ام احلافظ اأبو 28 .عبد اهلل احلاكم الني�ص��ابوري املتوفى �ص��نة 405 ه�( وبذيله التلخي���س للح��افظ الذه�بي املتوفى �ص��نة 748 ه�، حتقيق م�ص��طفى عبد الق��ادر عطا، طبع��ة دار الكت��ب العلمية -

بريوت، الطبعة الأولى �صنة 1411 ه�.امل�صنف يف الأحاديث والآثار لبن اأبي �صيبة )الإمام اأبو بكر 29 .عبد اهلل بن حممد بن اأبي �صيبة الكويف املتوفى �صنة 235 ه�(

طبعة دار التاج ، بريوت، الطبعة الأولى �صنة 1989م.امل�ص��نف لعب��د ال��رزاق )احلافظ اأب��و بكر عبد ال��رزاق بن 30 .همام ال�ص��نعاين املتوفى �صنة 211 ه�( ت/ حبيب الرحمن الأعظمي، طبعة من�صورات املجل�س العلمي، الطبعة الأولى

�صنة 1972 ه�.معرفة ال�ص��ن والآثار لأبي بكر البيهقي، الطبعة الأولى �صنة 31 .

1411ه�.معال ال�ص��ن للخطابي، طبعة املكتبة العلمية، الطبعة الثالثة 32 .

�صنة 1401ه�.

املنتقى من اأخبار امل�صطفى ملجد الدين ابن تيمية، طبع ون�رص 33 .رئا�صة اإدارة البحوث العلمية بال�صعودية.

ه�. املوطاأ لاإمام مالك، طبعة دار الدعوة �صنة 1401. 34ن�ص��ب الراية يف تخريج اأحاديث الهداية للزيلعي، طبعة دار 35 .

املعرفة بريوت. نيل االأوطار �رشح منتقى االأخبار ملحمد بن علي ال�شوكاين، 36 .طبع��ة دار الكت��ب العلمي��ة ب��ريوت، الطبع��ة الأولى �ص��نة

1403ه�.

ا: كتب اأ�صول الفقه. ثالثااأثر الأدلة املختلف فيها يف الفقه الإ�صامي للدكتور م�صطفى 37 .

ديب البغا، طبعة دار الإمام البخاري دم�صق.الإحكام يف اأ�ص��ول الأح��كام لاآمدي )�ص��يف الدين اأبي 38 .احل�ص��ن علي بن اأب��ي علي بن حمم��د الآمدي املتوفى �ص��نة 631ه�(، طبعة دار الكتب العلمية، بريوت �صنة 1400 ه�. الإحكام يف اأ�ص��ول الأحكام لبن حزم )اأبي حممد علي بن 39 .اأحمد بن �ص��عيد بن حزم الظاهري املتوفى �ص��نة 456 ه�(، من�ص��ورات دار الآفاق احلديثة بريوت، الطبعة الأولى �ص��نة

1400ه�. العت�صام لأبي اإ�ص��حاق ال�صاطبي، طبعة دار املعرفة بريوت 40 .

�صنة 1405ه�.اإعام املوقعني عن رب العاملني لبن قيم اجلوزية املتوفى �صنة 41 .

751 ه�، طبعة دار الفكر بريوت.اأ�ص��ول الت�رصي��ع الإ�ص��امي لعل��ي ح�ص��ب اهلل، طبعة دار 42 .

املعارف مب�رص، الطبعة اخلام�صة �صنة 1396ه�.البحر املحيط يف اأ�ص��ول الفقه للزرك�ص��ي )بدر الدين حممد 43 .ب��ن بهادر بن عبد اهلل املتوفى �ص��نة 794 ه�( حتقيق ال�ص��يخ عبد القادر عبد اهلل العاين، وراجعه د/ عمر �صليمان الأ�صقر، طبع��ة وزارة الأوقاف وال�ص��ئون الإ�ص��امية، الطبعة الثانية

1413 ه�- 1992م.

Page 147: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

147

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

تخري��ج الفروع على الأ�ص��ول ملحمود ب��ن اأحمد الزجناين 44 .اأبي املناقب، حتقيق: د. حممد اأديب �ص��الح، طبعة موؤ�ص�ص��ة

الر�صالة - بريوت، الطبعة الثانية، 1398 تعليل الأحكام ملحمد م�ص��طفى �ص��لبي، طبعة دار النه�ص��ة 45 .

العربية القاهرة.ر�صالة يف رعاية امل�صلحة جمردة من �رصحه لاأربعني النووية، 46 .ملحق بر�ص��الة امل�صلحة يف الت�رصيع الإ�ص��امي لنجم الدين

الطويف رفع احلرج يف ال�رصيعة الإ�ص��امية للدكتور يعقوب بن عبد 47 .الوهاب الباح�ص��ني، طبعة دار الن�رص ال��دويل، الطبعة الثانية

�صنة 1396ه�.�صا�ص��ل الذهب للزرك�ص��ي )بدر الدين حممد بن بهادر بن 48 .عبد اهلل املتوفى �ص��نة 794 ه�( حتقيق حممد املختار بن حممد الأمني ال�ص��نقيطي، طبعة مكتبة ابن تيمي��ة القاهرة، الطبعة

الأولى �صنة 1411ه�.ال�ص��نة ومكانتها يف الت�رصيع للدكتور م�ص��طفى ال�ص��باعي، 49 .

طبعة دار الفكر دم�صق.�ش���رح تنقيح الف�ش��ول للقرايف )�ش��هاب الدين اأبي العبا�ض 50 .اأحمد بن اإدري��س القرايف �ص��نة 684 ه�(، طبعة دار الفكر،

الطبعة الأولى �صنة 1393ه�.�ش���رح الكوكب املنري البن النجار الفتوحي حتقيق د/ حممد 51 .الزحيلي ود/ نزيه حماد طبعة مكتبة العبيكان، الطبعة الثانية

1997م.�ش�رح خمت��ش�ر الرو�شة للطويف )جنم الدين اأبو الربيع �شليمان 52 .بن عبد القوي بن عبد الكرمي بن �ص��عيد الطويف املتوفى �صنة 716 ه���( حتقيق دكتور/ عبد اهلل بن عبد املح�ص��ن الرتكي، طبعة موؤ�ص�صة الر�صالة دم�صق، الطبعة الرابعة �صنة 2003م.

�ص��فاء الغليل يف م�ص��الك التعليل لأبي حامد الغزايل، طبعة 53 .مطبعة الإر�صاد ببغداد �صنة 1390ه�.

�صوابط امل�صلحة يف ال�رصيعة الإ�صامية للدكتور حممد �صعيد 54 .البوطي، طبعة دار الفكر، دم�صق.

قواعد االأحكام يف اإ�شلح االأنام للعز بن عبد ال�شلم، طبعة 55 .دار الفكر، بريوت.

القواعد الأ�ص��ولية املتعلقة بالأدلة، درا�صة تاأ�صيلية تطبيقية، 56 .للموؤلف، حتت الطبع.

املح�ص��ول يف عل��م الأ�ص��ول لل��رازي )فخ��ر الدين حممد 57 .بن عمر بن احل�ص��ني ال��رازي املتوفى �ص��نة 606 ه�( حتقيق دكتور/ طه جابر علواين، طبعة جامعة الإمام حممد بن �صعود

الإ�صامية، الريا�س، الطبعة الأولى، 1400ه�.خمالفة ال�ص��حابي للحدي��ث النبوي ال�رصي��ف للدكتور عبد 58 .الك��رمي النمل��ة، طبع��ة مكتب��ة الر�ص��د، الطبعة الثانية �ص��نة

1420ه�. امل�صت�ص��فى حلجة الإ�صام الغزايل )اأبي حامد حممد بن حممد 59 .بن حممد الطو�صي ال�صافعي املتوفى �صنة 505 ه�(، طبعة دار

الفكر.امل�صلحة يف الت�رصيع وجنم الدين الطويف مل�صطفى زيد، طبعة 60 .

القاهرة.م�ص��ادر الت�رصي��ع فيم��ا ل ن�س في��ه للخاف لل�ص��يخ عبد 61 .الوهاب خاف، طبع��ة دار القلم، الكويت، الطبعة الرابعة

�صنة 1398ه�. مقا�ص��د ال�رصيعة الإ�صامية ومكارمها لعال الفا�صي، طبعة 62 .

دار الغرب الإ�صامي، الطبعة اخلام�صة �صنة 1993ه�.مقا�صد ال�رصيعة الإ�ص��امية وعاقتها بالأدلة للدكتور حممد 63 .�ص��عيد اليوبي، طبعة دار الهج��رة للن�رص والتوزي��ع، الطبعة

الأولى �صنة 1418ه�.مقا�صد ال�رصيعة للطاهر ابن عا�صور، طبعة ال�رصكة التون�صية، 64 .

الطبعة الأولى �صنة 1387ه�. املناه��ج الأ�ص��ولية يف الجته��اد بال��راأي للدكت��ور فتحي 65 .

الدريني، طبعة دار الر�صيد، دم�صق.

Page 148: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

148

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

املنخول يف تعليقات الأ�صول حلجة الإ�صام الغزايل املتوفى 66 .�ص��نة 505 ه�، حتقيق: حممد ح�صن هيتو، طبعة دار الفكر،

بريوت، الطبعة الثالثة 1998م.املوافقات يف اأ�ص��ول ال�رصيعة لاإمام ال�صاطبي )اأبي اإ�صحاق 67 .اإبراهي��م بن مو�ص��ى اللخم��ي الغرناطي ال�ص��اطبي املتوفى 790ه� ( مع تعليقات ال�ص��يخ عبد اهلل دراز، طبعة دار الباز

للن�رص والتوزيع.نظرية املقا�ص��د عند ال�ص��اطبي للدكتور اأحمد الري�ص��وين، 68 .

طبعة دار الغرب الإ�صامي. نظرية الإباحة عند الأ�صوليني للدكتور حممد �صام مدكور، 69 .

طبعة دار النه�صة العربية، القاهرة.نظرية امل�ص��لحة يف الفقه الإ�ص��امي للدكتور ح�صني حامد 70 .

ح�صان، طبعة مكتبة املتنبي، القاهرة �صنة 1981م.نفائ�ض االأ�ش��ول يف �رشح املح�شول للقرايف )�شهاب الدين 71 .اأبو العبا�س اأحمد بن اإدري�س القرايف املتوفى �ص��نة 684ه�( حتقي��ق علي حممد معو�س، عادل اأحمد عبد املوجود، طبعة املكتبة الع�رصية، بريوت، الطبعة الثالثة 1420ه� /1999م.

ا: الفقه وقواعده. رابعاالأح��كام ال�ص��لطانية للماوردي اأبي احل�ص��ن علي بن حممد 72 .بن حممد ب��ن حبيب الب�رصي البغدادي، ال�ص��هري باملاوردي )املتوفى: 450ه�(، ن�رص وتوزيع الرئا�صة العامة لهيئات الأمر

باملعروف والنهي عن املنكر باململكة العربية ال�صعودية.الأح��كام ال�ص��لطانية لأبي يعلى حممد بن احل�ص��ني بن حممد 73 .بن خلف ابن الفراء )املتوفى: 458ه�( ن�رص وتوزيع الرئا�صة العام��ة لهيئات الأمر باملع��روف والنهي عن املنكر باململكة

العربية ال�صعودية.االإف�ش��اح ع��ن معاين ال�ش��حاح للوزير يحيي ب��ن حممد بن 74 .

هبرية احلنبلي، طبعة املوؤ�ص�صة ال�صعيدية بالريا�س.

الأم لاإم��ام حممد بن اإدري���س ال�ص��افعي، طبع��ة دار املعرفة 75 .بريوت، الطبعة الثانية �صنة 1393ه�.

الأموال لأبي عبيد القا�صم بن �صام، طبعة دار الفكر، الطبعة 76 .الثانية �صنة 1395ه�.

بداية املجتهد ونهاية املقت�ص��د لبن ر�ص��د )اأبو الوليد حممد 77 .بن اأحمد بن حممد بن اأحمد بن ر�ص��د القرطبي الأندل�ص��ي ال�ص��هري بابن ر�ص��د احلفيد املتوفى �صنة 595 ه�(، طبعة دار

املعرفة بريوت، الطبعة الرابعة �صنة 1398ه�. بدائع ال�ص��نائع يف ترتي��ب ال�رصائع للكا�ص��اين )اأبو بكر بن 78 .م�ص��عود الكا�ص��اين احلنفي امللقب مبلك العلماء املتوفى �صنة 587 ه�( طبعة دار الكت��ب العلمية، بريوت، الطبعة الثانية

1406ه�/ 1986م. التحقيقات املر�ص��ية يف املباحث الفر�ص��ية لل�ص��يخ �صالح 79 .الف��وزان، طبع��ة مطابع جامعة الإم��ام، الطبعة الثانية �ص��نة

1400ه�.التمهيد البن عبد الرب، مطبوع �شمن مو�شوعة �رشوح املوطاأ، 80 .طبعة مركز هجر للبحوث والدرا�صات العربية والإ�صامية.

تب���رصة احلكام لب��ن فرحون، طبع��ة دار الكت��ب العلمية، 81 .بريوت.

جوه��ر االإكليل �رشح خمت�رش خليل للآب��ي االأزهري، توزيع 82 .دار الفكر، بريوت.

حا�ص��ية الد�ص��وقي ) �ص��م�س الدين حممد بن اأحمد بن عرفة 83 .الد�ص��وقي امل���رصي املتوف��ى �ص��نة 1230ه�( عل��ى ال�رشح الكبري للدردير )اأبو الربكات اأحمد بن ال�صيخ حممد العدوي املتوفى �ص��نة 1201ه�( ملت �صيدي خليل )اأبو ال�صياء خليل بن اإ�صحاق الكردي امل�رصي املتوفى �صنة 776ه�( طبعة دار

اإحياء الكتب العربية.حجة اهلل البالغة ل�ص��اه ويل اهلل الدهلوي، طبعة دار الرتاث، 84 .

القاهرة.

Page 149: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

149

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

احل�صبة يف الإ�ص��ام ل�صيخ الإ�ص��ام اأحمد ابن تيمية، طبعة 85 .مكتبة الريا�س احلديثة.

اخلراج لأبي يو�ص��ف، ن���رص دار املعرفة بريوت، طبعة �ص��نة 86 .1399ه�.

رد املحتار على الدر املختار لبن عابدين، طبعة دار الفكر، 87 .الطبعة الرابعة �صنة 1399 ه�.

الزواج��ر عن اقرتاف الكبائر لبن حجر الهيتمي، طبعة دار 88 .الفكر للطباعة والن�رص.

ال�شيا�ش��ة ال�رشعية يف اإ�شلح الراعي والرعية ل�شيخ االإ�شلم 89 .اأحمد ابن تيمية.

ال�صيا�ص��ة الق�ص��ائية يف عهد عمر و�ص��لتها بواقعنا املعا�رص 90 .للدكتور حممد الر�ص��ا عبد الرحم��ن الأغب��س، طبعة مكتبة

الزهراء القاهرة، الطبعة الأولى �صنة 1411ه�.ال�شيا�شة ال�رشعية يف االأحوال ال�شخ�شية للدكتور عبد الفتاح 91 .

عمرو، طبعة دار النفائ�س، الطبعة الأولى �صنة 1418ه�.�رشح القواعد الفقهية لل�ش��يخ اأحمد الزرقا، طبعة دار الفكر 92 .

دم�صق.الطرق احلكمية يف ال�صيا�صة ال�رصعية لبن قيم اجلوزية، طبعة 93 .

دار الفكر، بريوت.العذب الفائ�ض ���رشح عمدة الفرائ��ض الإبراهيم بن عبد اهلل 94 .

الفر�صي، طبعة دار الفكر، الطبعة الثانية �صنة 1394ه�. غي��اث الأم��م يف التياث الظل��م لإمام احلرم��ني، طبعة دار 95 .

الدعوة م�رص. القواعد لأبي عبد اهلل حممد بن اأحمد املقري، حتقيق الدكتور 96 .اأحمد بن حميد، طبعة مركز اإحياء الرتاث الإ�ص��امي مبكة

املكرمة. ال��كايف يف فقه احلنابلة لبن قدامة املقد�ص��ي، طبعة املكتب 97 .ك�ص��اف القناع عن مت الإقناع ملن�صور بن يون�س البهوتي،

طبعة مكتبة الريا�س احلديثة.

املب�شوط لل�رشخ�شي )اأبي بكر حممد بن اأحمد بن اأبي �شهل 98 .ال�رصخ�صي املتوفى �صنة 490ه�(، طبعة دار املعرفة.

املجموع �رشح املهذب للإمام النووي املتوفى �ش��نة 676. 99 ه�، طبعة دار الفكر.

جمم��وع الفتاوى ل�ص��يخ الإ�ص��ام اأحمد اب��ن تيمية، ن�رص 100 .وتوزيع وزارة ال�صوؤون الإ�صامية بال�صعودية.

املحل��ى لبن ح��زم ) علي ب��ن اأحمد بن �ص��عيد بن حزم 101 .الظاهري املتوفى �صنة 456 ه�(، طبعة دار الفكر.

املدون��ة الك��ربى لاإم��ام مالك رواي��ة �ص��حنون عن ابن 102 .القا�صم، طبعة مطبعة ال�صعادة، القاهرة.

مغني املحتاج اإلى معرفة األفاظ املنهاج لل�رصبيني )�ص��م�س 103 .الدين حممد بن حممد اخلطيب ال�رصبيني( طبعة دار الكتب

العلمية بريوت، الطبعة الأولى 1415ه�/ 1994ماملغني لبن قدامة )اأبي حممد عبد اهلل بن اأحمد بن حممد بن 104 .قدامة املقد�صي املتوفى �صنة 620 ه�(، حتقيق الدكتور عبد

اهلل بن عبد املح�صن الرتكي، طبعة دار هجر.املهذب يف فقه الإمام ال�ص��افعي لأبي اإ�صحاق اإبراهيم بن 105 .

علي بن يو�صف ال�صريازي، طبعة دار الفكر. امل��وارد املالية يف الإ�ص��ام للدكتور اإبراهيم ف��وؤاد اأحمد 106 .علي، طبعة دار الحتاد العربي بالقاهرة، الطبعة الثالثة �صنة

1972م.ه�، ن�رص الهداية �رشح البداية للمرغيناين املتوفى �شنة 593. 107

املكتبة الإ�صامية، الطبعة الأخرية.

ا: اللغة. خام�صاالقام��و�س امل�ح�ي�ط للف�ي���روز اآبادي، طبعة دار الكتاب 108 .

العربي.امل�ش��باح املنري يف غريب ال�رشح الكب��ري الأحمد بن حممد 109 .

الفيومي، طبعة دار الفكر.

Page 150: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

150

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

ا: كتب التاريخ والرتاجم: �صاد�صاحجر الع�صقاين، طبعة الإ�ص��ابة يف متييز ال�ص��حابة لبن . 110دار العل��وم احلديث��ة، م�ص��ورة ع��ن الطبعة الأولى �ص��نة

1328ه�. عبد النتقاء يف معرفة ف�ص��ائل الأئمة الثاثة الفقهاء لبن . 111

الرب طبعة دار الفكر.من تاريخ الإ�صام للحافظ تاريخ اخللفاء الرا�ص��دين جمردا . 112الذهب��ي، طبعة دار الكت��ب العلمية، الطبعة الأولى �ص��نة

1408ه�.الطربي، تاري��خ الأمم واملل��وك للحافظ حممد بن جري��ر . 113

طبعة دار الكتب العلمية.الفكر العربي القاهرة. مالك لأبي زهرة، طبعة دار . 114

العلمية. مناقب عمر لبن اجلوزي، طبعة دار الكتب . 115الطبقات ملحمد بن �صعد، طبعة دار �صادر بريوت. 116 .

ا: كتب العقيدة: �صابعاالإر�ص��اد اإلى قواطع الأدلة لأبي املعايل عبد. 117 امللك اجلويني اإم��ام احلرمني، طبعة موؤ�ص�ص��ة الكت��ب الثقافي��ة، الطبعة

الأولى �صنة 1405ه�.زيارة القبور وال�ص��تنجاد باملقبور ل�ص��يخ الإ�صام اأحمد 118 .ابن تيمي��ة، طبع��ة دار طيب��ة، الري�ا�س، اململك��ة العربية

ال�صعودية.مفتاح دار. 119 ال�صعادة ومن�صور ولية العلم والإرادة لبن قيم اجلوزي��ة، طبعة دار احلديث القاهرة، الطبعة الأولى �ص��نة

1414ه�.منهاج ال�صنة ل�صيخ الإ�صام. 120 اأحمد ابن تيمية، طبعة مكتبة

الريا�س احلديثة.

ا: كتب ال�صنة: ثامناوتوزيع العوا�صم من القوا�صم لأبي بكر بن العربي، طبع . 121

وزارة ال�صوؤون الإ�صامية بال�صعودية.

عبد الرب، طبع��ة دار الباز جام��ع بيان العلم وف�ص��له لبن . 122للن�رص والتوزيع.

هريرة لعبد املنعم �ص��الح العزي، طبعة دار دف��اع عن اأبي . 123القلم بريوت، الطبعة الثانية �صنة 1981م.

Page 151: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

151

العدد السادسعمل الشيخين أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما بالمصلحة

فهرس املوضوعاتاملقدمة.

التمهيد وفيه مبحثان:املبحث االأول: بناء ال�صريعة على امل�صلحة.

ا. املطلب االأول: تعريف امل�صلحة لغة وا�صطالحااملطلب الثاين: اأدلة اعتبار امل�صلحة.

املطلب الثالث: �صوابط العمل بامل�صلحة.املطلب الرابع: منزلة امل�صلحة يف ال�صريعة.

املبحث الثاين: حجية مذهب ال�صحابيالف�ص��ل االأول: عمل اأبي بكر -ر�ص��ي الله عنه- بامل�ص��لحة واأثر ذلك يف

اجتهاده.الفرع االأول: جمع القراآن.

الفرع الثاين: حتريق اأبي بكر -ر�صي الله عنه- للوطية.الفرع الثالث: عهد اأبي بكر باخلالفة لعمر -ر�صي الله عنهما-.

الف�ص��ل الثاين: عمل عمر -ر�ص��ي الل��ه عنه- بامل�ص��لحة واأثر ذلك يف اجتهاده.

الفرع االأول: عقوبة �صارب اخلمر.الفرع الثاين: قتل اجلماعة بالواحد.

الفرع الثالث: ت�صمي ال�صناع.الف��رع الرابع: نفي اأهل املعا�ص��ي -ممن مل يثبت نفيه��م بالن�س- ومن

�صى منهم ال�صرر. يخنالفرع اخلام�س: اإلزام عمر للنا�س بالطالق الثالث بلفظ واحد.

الفرع ال�صاد�س: منع عمر نكاح الكتابيات.الفرع ال�صابع: منع عمر -ر�صي الله عنه- بيع اأمهات االأوالد.

الفرع الثامن: منع عمر من التمتع يف احلج.الفرع التا�صع: عدم قبول عمر ل�صهادة املر�صعة الواحدة.

بذة وغريها. الفرع العا�صر: حمى عمر للرالفرع احلادي ع�صر: حتديد عمر لل�صعر.

الفرع الثاين ع�صر: تنظيم عمر للدواوين واإن�صاوؤه لل�صجون.ر عمر على كبار ال�صحابة يف املدينة ومنعهم الفرع الثالث ع�ص��ر: حجن

من اخلروج منها.الفرع الرابع ع�صر: اإلزام عمر لل�صحابة اأن يقلوا من رواية احلديث.

الفرع اخلام�س ع�ص��ر: تخفيف الع�ص��ور عن التجار غري امل�صلمي ممن يتجرون اإلى املدينة بالزيت والطعام دون غريهما.

الفرع ال�صاد�س ع�صر: تقييد عمر اأكل اللحم. الفرع ال�صابع ع�صر: تعزيره باملال.

الفرع الثامن ع�صر: حكم عمر ومعه نفر من ال�صحابة يف زوجة املفقود.

الفرع التا�صع ع�صر: حتديد عمر الأكرث املهر. اخلامتة: النتائج والتو�صيات.

فهر�س املراجع.

110113113113114117119119120

121122123124

124126127128

129130131132133134135136137

137138

138139

139140143145

Page 152: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

ABSTRACTSIssue 6

Abstract 4Abu Bakr and Umar: basing their rulings

on public interest

Written By: Dr. Gebril bn Mohammad Al Bosely,

This research comprises an introduction, a preface, two chapters and a conclusion.

The introduction discusses the reasons for selecting this research topic, its importance, the research plan and methodology followed.

The preface deals with two topics:

Basing Islamic law on public interest and taking it into 1. account when applying Islamic law;

The authority of the companions› opinions and 1. actions.

Abu Bakr›s actions based on common interest are later presented while his exercise of ijtihad, based on the dictates of public interest, is presented in another chapter, demonstrating that the Companions (may Allah be pleased with them) accepted the actions and ijtihad of the two caliphs, Abu Bakr and Umar. This is therefore tantamount to a consensus on the validity of deriving rulings based on common interest through ijtihad and is among the strongest evidences pointing to its validity. It furthermore constitutes a methodology for those who followed Abu Bakr.

The conclusion comprises results and recommendations. The research employs scientific methodology in presenting, documenting and phrasing, all the while relying on authentic sources, in an attempt to achieve the desired goal, benefit the reader and contribute—even in small measure—to the Islamic library.

First and foremost, praise be to Allah.

iv

Page 153: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

ABSTRACTSIssue 6

Abstract 3Foundations of differences of opinion regarding over

definition of qiyas

Written By: Abd-el Salaam Abd-el Fatah Abd-el Aazim,

This research paper is a study of the reasons that have led to differences of opinion between legal theorists concerning the definition of qiyas [analogical reasoning]. It concludes with an attempt to offer a definition acceptable to scholars of jurisprudence.

It is divided into three chapters:

The lexical definition of qiyas. An elucidation of its lexical meanings and their relation to its technical meaning.

The technical definition of qiyas, consisting of an introduction outlining the various scholarly stances. Thereafter, a separate section is devoted to each factor leading to a difference of opinions with regards to the definition of qiyas:

-The first section discusses whether the definition of qiyas is available through a formal logical definition, or a description.

-The second discusses whether qiyas is an action of the mujtahid or the creation of the Legislator.

-The third outlines the opinions of the musawwiba (those who believe all instances of ijtihad are correct) and mukhatti`a (those who believe that some instances of ijtihad may be incorrect).

-The fourth outlines the ratio legis and the ruling for theoretical and substantive legal issues.

-The fifth elucidates what is expressed by the subject and object of qiyas.

-The sixth expounds whether the ratio legis is absolute or restricted.

-The seventh takes into consideration whether the mujtahid›s point of view is restricted to the definition of qiyas.

Each reason has been followed up with an exposition of its effects in relation to the definition of qiyas.

The definition of qiyas selected by the author, and its explication are further divided into two sections comprising:

-The definition selected and its elucidation.

-The objections that may be levelled against this definition, and the refutation of those objections.

The conclusion re-states the most important results reached.

iii

Page 154: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

ABSTRACTSIssue 6

ii

Abstract 2Theory of tafriq al-ahkam in Islamic law: founding

principles and application

Written By: Ahmad Saad Ali El Borai,

Over the centuries, Allah the Almighty has bestowed the study of Islamic law with certain men who have, throughout the passage of time, carried its standard, set down its foundations and principles and constructed a beacon of light. Their books contain important and beneficial principles, general theories, from which they derived substantive rulings. These principles and theories had the greatest impact on the development of Islamic jurisprudence and on the later formulation of a juristic mindset. One example of such a theory is «tafriq al-ahkam» or «tab›id al-ahkam» as some jurists prefer to call it. Scholars from the different legal schools have, over the years, drawn upon this theory to find answers to many unprecedented [legal] questions which arose in each era. It is a theory that jurists have applied to such an extent that it permeated the entire corpus of jurisprudence, resulting in a variety of books and a great diversity of questions; jurists have likewise based many rulings on it. More importantly, it is a theory unique to Islamic jurisprudence, differentiating it from codified laws and regulations. Further, it reveals the mindset of the Muslim jurists—may Allah have mercy on them.

The Theory: A jurist or judge may encounter a legal question for which he has conflicting evidences, each producing a ruling conflicting with the ruling resultant from one of the other evidences. In such an instance, the mujtahid or judge would practice caution and attempt to reconcile between the two evidences, recommending a course action which accounts for both evidences at once without giving precedence to one over the other. This is what jurists have referred to as «tab›id al-ahkam».

Furthermore, a jurist may adopt this method to mitigate harm which may befall an inquirer in accordance with the following scenario: on a particular point of law, a given evidence entails a certain ruling, which carries with it a host of attendant issues. It may be that some of those

attendant issues cause the inquirer undue harm. As such, those problematic issues are precluded from the ruling, and so the ruling is established but not all of its attending matters. This too is considered «tab›id al-ahkam».

In summary, this paper attempts to depict the various aspects of this theory and the motivations behind its implementation so that, when dealing with novel issues, we may follow the footsteps of those jurists who have expounded it.

Page 155: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

ABSTRACTSIssue 6

Abstract 1Provisional detention and Islamic legal theory

Written By: Dr. Mohammad Ali Okaz,

This paper presents a definition of incarceration and outlines its history from the early period of Islam to the caliphate of ‹Umar Ibn al-Khattab during whose time, the system of incarceration evolved and governing principles and criteria were laid down.

Provisional detention is not a penalty but merely holding the defendant in custody until acquittal or conviction.

The paper outlines the types of provisional detention according to the nature of the accused:

The innocent suspect.1.

The suspect whose innocence or guilt is unknown.2.

The suspect who is known for his corruption. The 3. period of detention is based on this categorization; as such the detention of a person known for his corruption may be longer than that of other detainees.

The paper then discusses the extent of the permissibility of provisional detention in Islamic legal theory, concluding that it is permissible according to the opinion of the majority of scholars.

Because provisional detention contravenes the principle of absolution, the paper specifies the criteria to which the judges and members of prosecution must adhere. It also mentions the necessity of differentiating provisional detention from incarceration for crimes. This is because the latter is penal but in the former, the defendant›s guilt has not been conclusively established.

The paper then discusses the rights of the detained during his provisional detention. It is not permissible to prevent his wife and children from visiting him, nor to hinder him from practicing his natural rights such as those relating to food and drink and prayers.

The paper then examines the effects of provisional detention, the most important of which is the permissibility of bail if the matter under the court›s consideration is of

a financial nature. Moreover, since the decision to detain another is made by a human, there is a possibility of error; therefore, the paper mentions the defendant›s right to compensation for psychological and material damages. The compensation is to be paid from the treasury, for it carries the burden of the error.

i

Page 156: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

ABSTRACTS

Page 157: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

understand His religion and convey His law. We ask Allah to deprive radicals with deviant opinions of any authority over Muslims; and to be completely disunited from one another; and to establish our love for His Messenger.

Firmly in our hearts. Moreover, we ask Allah to please Prophet Mohammed.

With the conditions of his community and the return of its sanctuaries, and to grant him a high rank in paradise and virtue that surpasses his hopes.

Peace and blessings be upon our master, Mohammed and upon his family and Companions.

Dr. Mohammed Wesam Abbas KhidrMember of the Fatwa Council and director of the written

fatwa department at Dar al-Ifta al-Misriyyah

Page 158: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

Similarly, knowledge, ethics and attitude will produce scholars whose outward and inner disposition reflect a healthy attitude. Allah the Almighty says,

From the land that is clean and good, by the will of its Cherisher, springs up produce, (rich) after its kind: But from the land that is bad, springs up nothing but that which is scanty thus do We explain the signs by various (symbols) to those who are grateful. [Al-A’raf, 58]

Imam Sidi Zarruq wrote in Qawa’id Al-Tassawuf in the 28th principle, “There is a precept to everything. The student of religion, at the inception of his quest for knowledge, must acquire the following [skills]: listening and reception; understanding and formulation; elucidation and derivation, work and promulgation. Undertaking one before another, prevents the seeker of knowledge from arriving at truth—a scholar without knowledge is a farce and a person who attains knowledge without the ability to formulate, is of no consequence; formulation without comprehension does not benefit; and knowledge that lacks evidence does not satisfy the heart. Anything that does not bear fruit is impotent. Study is the life of the seeker of knowledge provided he is just and modest.”

The Imam continues in the 34th principle and says, “A person who discusses one of the fields of knowledge and does not subsume its subsidiary issues under its primary issues, relates the rationale of the text to its wordings, attributes the texts to their sources and considers it in light of what the specialized in the field have deduced, then it’s better for him not to probe into it, since in that case he is more vulnerable to mistake and go astray. One may in such cases confine himself to just conveying the text, a conveying that precludes ambiguity, for a bearer of knowledge is not always a knowledgeable. One here will be faithful in hisconveyance not his statement.”

The Prophet’s analogy which refers to the methodology of learning and reception likewise refers to the methodology of derivation, comprehension and conveying the rulings of Allah, the Almighty, and His Messenger.

Good land absorbs water and bears rich harvest. In a similar manner, the scholar undertakes a text to derive a legal ruling after taking into consideration and understanding its context, what comes before and after it, defining its cause, and bringing together relevant texts—the definitive and speculative—taking into consideration the principles of Islamic law and the interests of the people, while being cognizant of the reality of the times so that the end result i.e. the issuance of a legal ruling is brought to fruition. Imam Al-Ghazali maintains in his book Al-Mustasfa (71/): “Each fruit in itself has a truth and an attribute; there are those who reap its benefits, those who invest in it and a particular method for this investment.” This is the end result which fulfills the people’s various needs and demands.

Falsifying religion and telling lies against scholars occurs to the extent that a scholar omits the requisites of this integrated system. In such conditions, malignant elements and radicals emerge and eccentric opinions circulate, exploiting religion and slandering scholars. But truth is manifest while falsity falters. It has been the way of Allah the Almighty to suppress everything except that which is of benefit to others. He says,

Thus doth Allah (by parables) show truth from falsehood. For the scum disappears like froth cast out; while that which is for the good of mankind remains on the earth. Thus doth Allah set forth parables. [Ar-Ra’d, 17]

We ask Allah the Almighty to restore the firm will of Muslims and their scholastic efforts; to unite their word under the instruction of the community’s scholars, the heirs of its Prophet, whom Allah qualified to

Page 159: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

Purity: Scholars are engaged in Divine revelation. They are those with a pure disposition to unadulterated knowledge and who consider seeking knowledge an obligation. They do not set about to misinterpret the primary texts nor contrive their meanings.

Retaining knowledge: Scholars follow a sound methodology with regards to the revealed word of Allah and His Messenger.

By referring to the undisputable sources of law, the Quran and sunnah, for evidence and by applying the sciences developed to convey and preserve the immutability of these sources in a superior manner, unsurpassed at any time or by any religion.

Their benefit: This is the characteristic upon which the beneficence of scholars rests; it is the characteristic that sets them apart from others. It is the quality that qualifies them for conveying the rulings of Allah and His Messenger.

The vocation for which they have spent their life and efforts through studying and instruction, in an attempt to benefit others through them.

Development: The comparison to plant germination is complex at the very least. Just like the cultivation of plants, producing scholars with a moderate approach to religion involves a number of factors and rests upon a number of prerequisites. The successful cultivation involves a comprehensive system for their development and growth, starting with the careful selection of seeds, their plantation in soil, irrigation, surrounding them with the necessary ventilation and sunshine, and removing any damaging elements hindering growth. Similarly, the [Islamic] didactic system involves five pillars: ascription, methodology, texts, students, and the [appropriate] educational atmosphere.

Just as each of the above measures or stages affect plant growth and development, either positively or negatively, so it is with the seeker of religious knowledge. There are certain measures he must take which include:

- Refraining from that which he does not know before gaining maturity in knowledge lest he be like those who harvest unripe fruit.

- Wearing the robe of humility and knowing his true [humble] status in the realm of religious knowledge. Imam Ibn ‘Ata`ullah as-Sakandari (may Allah have mercy on him) wrote in Al-Hikam that a seed which is not planted in soil will never grow to produce fruit.

- Abstention from scholarly atmosphere has a negative effect on understanding knowledge which develops through cross fertilization of ideas in the same way as plants grow by pollinating flowers.

When the system required for plant growth and development is complete, it bears fruit and its beauty becomes manifest. Allah the Almighty says,

Feast your eyes with the fruit and the ripeness thereof. [Al-An’am, 99]

The plants are good for consumption and beneficial, attested to by the words of Allah Who says,

Eat of their fruit in their season, but render the dues that are proper on the day that the harvest is gathered. [Al-An’am, 141]

Page 160: هيبنت - Dar Al-Iftadar-alifta.org/Magazine/Issu6/6.pdf · ددعلا ةملك تايتفلااو تابنلإا ينب ءاملعلاو ملعلا ميحرلا نمحرلا للها

The Editorial

Knowledge and scholars: constructive scholarly paradigmagainst self claimed authority

In the name of Allah, most Gracious, most Merciful

Praise be to Allah and peace and blessings be upon our master Mohammed, the Messenger of Allah, and upon his family, Companions and those who follow him...

This issue comes to you at a time when our community is facing a critical time of change, reform and building. And with the incessant claims during these circumstances and the emergence of many pseudo-scholars, the need to cling to a moderate methodology, represented by the ethos,paradigm and code of conduct of the Azhari scholars becomes manifest since Allah the Almighty made them, since the early centuries of Islam, a beacon of light, guiding the people to truth. They comprise the best of the Messenger’s heirs through whom people find their way to Allah and are guided to truth by their knowledge. They represent the Prophet through the knowledge they impart, conveying the rulings of Allah and His Messenger and edicts which are to the masses as what the primary texts are to the scholars.

The Prophet expressed the extent of the people’s capacity and disparity in benefitting from the Prophetic legacy by one of the most beautiful examples, outlining the characteristics of the moderate methodology in understanding religion and its propagation. Abu Musa al-Ash’ari (may Allah be pleased with him) reported that the Prophet said, “The similitude of guidance and knowledge with which Allah has sent me, is like heavy rain on the ground: the fertile part of the land absorbs the rain and sprouts dense grass and another part retains the water, benefitting those who drink from it and give others to drink and use it for irrigation. Still, some of the rain falls on another portion of the land which neither retains water nor produces herbage. The comparison of the above is like the man who understands the religion of Allah and benefits from what Allah has sent me with and thereby learns it and teaches it to others and the man who neither benefits from it nor accepts the guidance of Allah with which I have been sent” [Bukhari and Muslim].

Pondering on this hadith, one will realize the beauty and precision of the Prophet’s analogy by which he describes good soil, depicting its superior characteristics and benefits. This analogy demonstrates the purity of the soil and its ability to retain water and produce herbage. Its product is abundant and people benefit from it in a variety of ways. The same can be said of scholars who adopt a moderate approach to religion and who are in fact the heirs of prophets. The following elucidates the Prophet’s analogy: