-١-

دونعر ابن زيش

قراءة جديدة هـ٤٦٣ - هـ ٣٩٤

-٢-

اإلدارة جملس رئيس مشوح لبانة الدكتورة الثقافة ةوزير

املسؤول واملدير العام املشرف اخلطيب وضاح .د للكتاب السورية العامة للهيئة العام املدير

رئيس التحرير جهاد بكفلوني. د

-٣-

للكتاب السورية العامة اهليئة منشورات م٢٠١٤ دمشــق - الثقـافة وزارة

-٤-

:دمـشق -.وهب رومية/قراءة جديدة : شعر ابن زيدون ص؛ ٢٠٨ -.م٢٠١٤ للكتـاب، السورية العامة اهليئة .سم ٢٠

)١٢٠ ثقافية؛ آفاق(

ز ي د ش ٨١١,٦ -٢ ر و م ش ٨١١,٦٠٠٩ -١ السلسلة-٦ ابن زيدون -٥ رومية -٤ العنوان -٣

األسد مكتبة

فيــةآفـــاق ثقا )١٢٠(العــدد م٢٠١٤

-٥-

إضاءة

وبدأ الفتح حين قاد . هـ٩٢ العرب األندلس عام فتح« قوة صغيرة من العرب نزل بها على شاطئ األندلس، »طريف«

أمير »رموسى بن نصي«وشجعت هذه المحاولة الناجحة لهذه »طارق بن زياد«المغرب على فتح األندلس، فاختار

، »لذريق«وقد ألحق طارق هزيمة بملك القوط . المهمة الجليلة عاصمة ملكه، ثم لحق موسى بن نصير »طليطلة«واحتل

.)١(»بمواله طارق، وأتما معا فتح األندلس-هـ ٩٢(لعرب في األندلس ثمانية قرون دامت دولة ا

عصر الوالة، عصر : شهدت ستة عصور متتالية) ـه٨٩٧الدولة األموية، عصر ملوك الطوائف، عصر المرابطين، عصر الموحدين، عصر غرناطة الذي مثل النهاية الحزينة للوجود

وانتهى هذا العصر بعد حصار . العربي في تلك البالد واستسالمها، وبسقوطها سقط آخر معقل من معاقل »غرناطة«

في الجزيرة اإليبيرية، وكان ذلك في الثاني من شهر العرب يومها دخل ملكا . هـ٨٩٧ -م١٤٩٢كانون الثاني / يناير

.الدكتور شاكر الفحام .مختارات من شعر األندلس )١(

-٦-

غرناطة تزدهيهما - فرناندو وإيزابيال– »قشتالة وآراجون« آخر ملوك »أبو عبد اهللا الصغير«خيالء النصر بعد أن سلمهما

با عبد اهللا أ«ويذكر المؤرخون أن . بني األحمر مفاتيح المدينة وقف بعد خروجه من قصر الحمراء على تل صغير »الصغير

فألقى نظرات ،»تل زفرة العربي األخيرة«عرف بعدئذ باسم حزينة زائغة على مملكته التي ضيعها، وبكى حتى بللت دموعه

: وخاطبته قائلة»عائشة الحر«لحيته، فنظرت إليه أمه ابك مثل النساء ملكا مضاعا

لم تحافظ عليه مثل الرجـال

هـ ٣٩٤ المخزومي القرشي بقرطبة سنة ولد ابن زيدون في بيت من بيوت علمائها وأعيانها، فأبوه فقيه جليل، وجده

توفي والده وهو في الحادية . ألمه صاحب األحكام بقرطبةعشرة من العمر، فكفله جده ألمه، وفتح أمامه طريق العلم

بن زيدون غمار السياسة في عصره، خاض ا. والمعرفةفأصاب نصيبا واسعا من مجدها وجاهها، واكتوى بنارها

في قرطبة، »جهور«ودسائسها، وحظي بمقام رفيع لدى بني ، ولدى غير هؤالء »إشبيلية«ولدى المعتضد وابنه المعتمد في

: ربه بدار هجرتهوقبض إلى . وأولئك من ملوك الطوائف .هـ٤٦٣إشبيلية سنة

الذي »المستكفي« ابنة الخليفة »والدة«أحب ابن زيدون ولي الخالفة سبعة عشر شهرا، فذاق من رحيق الحب وحنظله

-٧-

ما ذاق، وشاقه الهجر والصدود، وقتلته الغيرة القاتلة، وظل حب .والدة يضرم النار بين جوانحه اقترب منها أو ابتعد عنها

ستبدادا مطلقا، فملكت عليه ثالثة أمور استبدت بابن زيدون ا

السياسة وشهوته الجبارة للسلطة، وحبه : قلبه وعقله ونفسهالعنيف لوالدة، وشعره ونثره اللذان وقفهما على األمرين

وحظيت تجربة الحب االرستقراطية بمكانة جليلة في . السابقينالوجدان الشعبي العربي، قديمه وحديثه، حتى أوشكت أن تنسخ

لقد نقى الوجدان الشعبي صورة العاشق ! ياته األخرىمعالم حاألرستقراطي الشاعر من كل شائبة حتى غدت نقية كمرآة

!!ولم يعد من اليسير تصحيح هذه الصورة. الغريبة أو بحتري المغرب، -»بن زيدون«ومما وال ريب فيه أن

شاعر وجداني من طراز رفيع؛ ومما ال ريب فيه - كما لقبوه يمثل النموذج الشعري - في معظمه- أن شعرهأيضا

عباسية األولى، ولكن ذلك كله الكالسيكي الذي أبدعته العصور اليجوز أن يجعل من هذا الشاعر تاريخ، واليغير حقائق ال ال

.أسطورة يكتنفها و يلتبس بها ما يكتنف األساطير ويلتبس بهاظلت رسالة ، و»كيمافنانا وح« لقد كان الشاعر العربي القديم

ظل الشعر يرة واحدة تستعصي على التجزئة، وفنيته ضفالشعر و على امتداد عصوره عابقا بقضايا - في معظمه -العربي

وليس . اإلنسان وهمومه وأشواقه الموصولة بقضايا المجتمع

-٨-

من الصواب أو الحكمة تجريد الشعر من وظيفته االجتماعية ذا القول ألن ابن زيدون انحرف برسالة وإنما أقول ه. النبيلة

فها على مصالحه الذاتية الشعر غير الوجداني انحرافا شديدا، فوق ولقد أنكر علي هذا الرأي منكرون بعضهم من .الضيقة

التي انعقدت »ابن زيدون«األصدقاء حين جهرت به في دورة م، و أسر لي بعضهم أنت تهاجم شاعرا ٢٠٠٤في قرطبة عام

ربما أنكر و، فكأنه أنكر علي عدم المجاملةنعقد الدورة باسمه، تعبد الرحمن سوار «وأذكر يومها أن المشير . أمورا أخرى

طلب الكالم، - الرئيس السوداني السابق المعروف - »الذهبوأود أن أشكر الباحثين، ثم أن أركز على المقدمة ..... «:فقال

كتور وهب رومية من خالل سرده المتميزة التي تفضل بها الدلنظرة الشمولية هي التاريخي لذلك العهد، وهي كيف أن غياب ا

ن ثم األندلس مدويالت و زوال الخالفة ثم الالتي أدت إلىنتعظ به، بد لنا من أن نستقرئ التاريخ و حقيقة ال. بكاملها

. وكيف يمكننا أن نسقط تلك الفترة التاريخية على واقعنا اليومما تماثل ما حدث في هذا الواقع الذي يكاد يكون صورة لحد

لذلك .................ما آل إليه مصير األندلساألندلس، ون في بيان نداءأرجو في البيان الختامي أن نرسل بيانا أو نضم

إلى األمة العربية، وإلى حكامها بأن تتعظ بما جرى في در خاليا من هذا النداء على لكن البيان الختامي ص .)١(»األندلس

.٣٥٠:ص .٤دورة ابن زيدون ج )١(

-٩-

جاللة موقع من طلبه من نفوس القائمين على الدورة !!ما أشبه الليلة بالبارحة!! وحاضريها

متداد لموقف الناقد االجتماعي، ليس النقد لعبا لغويا، و لكنه ا . فلسفته فيهاو لرؤيته للحياة،و

من ، ورجعت حامال عددا »ابن زيدون«انتهت أعمال دورة الكتب، أحدها كتب بمناسبة انعقاد الدورة، وبناء على طلب

للدكتور جمعة »عصر ابن زيدون«القائمين عليها، وهو كتاب :شيخة، فلنقرأ فيه ما يلي

إن نفسية ابن زيدون لم تكن بعيدة عن نفسية أغلب «الوزراء في بالطات دول الطوائف، وهي نفسية ال ترى مانعا

ألم يقل فيه صاحب . اع لمن يقف أمام أطماعهامن الدس واإليق ممن ال يرجى خيره، وال يؤمن - سامحه اهللا- كان: الذخيرة

:، ويضيف)١(»شره؟فقد ..........لقد انشغل قلبه بهواه، واحتار عقله في محنته«

أخرس لسانه، وأسكت ضميره، وأغمض عينيه عن قضية ضياع الوطن تدريجيا وطنه، فال سقوط المدن أفزعه، وال

حيره، وال ما كان يدور بين أمراء الطوائف من نزاع أقلقه، إذ لقد ظل طيلة حياته يبحث عن . لم نجد أي أثر لذلك في شعره

منصب يتبوؤه، وحبيب يلتقي به، وروضة يتغنى بها، وكأس

.٢٦٩:عصر ابن زيدون ص )١(

-١٠-

، ومنافس يسخر منه؛ ويدرأ خطره عنه، وعدو )كذا(يشربه .)١(»قاع به، ويثأر لنفسه منهيسعى إلى اإلي

أليس حريا بنا بعد هذا كله أن نعيد النظر في صورة ابن زيدون المستقرة في الوجدان العربي؟ أال ينبغي أن نكسر حدة

الوالء للمذهب النقلي، ونشكك في صدق هذه الصورة؟أنا أعلم أن أناسا سيمطون شفاههم، ويقطبون عابسين، وربما

لن أنكر . صعروا خدودهم حين يقرؤون هذا الكالمازوروا وعليهم ذلك، ولن أفرض عليهم رأيا من خارج النص، فال قيمة

هو - في هذه القضية- ودليلنا. ألي حكم بال سند أو دليلوهذا ما تحاول . الشعر نفسه ال األخبار التي نسلطها على النص

ة في شعر هذا إنها نظرة مستانف. الصحف القادمة أن تنهض بهفإذا أصبت فما أحسن ما . الشاعر تحاول أن تقدم رؤية جديدة له

:يكون، وإن كانت األخرى رددت قول القائل في سـعيه رب ساع مبصر

ـ اأخطأ التوفيق في مـا طلب

.٣٣٠:المرجع السابق ص )١(

-١١-

عصر الطوائفمدخل إىل تاريخ

-١٢-

-١٣-

طلبت من إن إسبانيا عند نشأة العالم:تقول أسطورة إسبانيةبة، وبحرا جميال، صافيةالخالق أن يمنحها سماءوفواكه طي ،

وبعد حصولها على ذلك كله طلبت أن تكون لها .ونساء فاتنات : وقد رفض الخالق طلبها قائال.حكومة صالحة

وتصبح به إسبانيا جنة ، فإن هذا يكون أكثر مما ينبغي،ال .أرضية

يكاد سطورة اختالفا شاسعا الريف األويختلف الباحثون في تعولكن كثيرا منهم يرى أن األسطورة تمثل الفطرة ،يقف عند حد

ولعلها تمثل المرحلة األولى من شوق البشر ،اإلنسانية الصافية فهل .»التعليل«ب المعرفة الحتوائها على بذرة وسعيهم إلى اكتسا

،رة وصفائهاكانت هذه األسطورة اإلسبانية تعبر عن عمق الفطرق حجب الغيب فإذا نحن في عصر وتنطق باسم القدر الذي يخت

األول من في القرن الخامس الهجري والثلث »ملوك الطوائف«أليست ! ؟)م١١٤١/ هـ٥٣٦ -م ١٠١٢/هـ٤٠٣(القرن الذي يليه

! ؟تعبر تعبيرا دقيقا عن واقع األندلس في عصر هؤالء الملوككان استقاللهم في حقيقته « فيقول ،إحسان عباس/ يحدثنا د وصاروا للفنش : أو كما قال أحد المؤرخين،تبعية مقنعة

وال ،عماال يجبون له األموال ال يخالف أمره أحد) لفونسأ(

-١٤-

غدت مشكلة الحدود الداخلية « ويقول أيضا .)١(»يتجاوز له الحدا إلى بل لعلهم ذهبو... .أهم مشكلة وأبرزها بين أولئك األمراء

أبعد من ذلك حين كانوا يحتكمون إلى صاحب الروم في ما هووفيما كانوا يتقاتلون على تحقيق أطماعهم ... .خالفاتهم الداخلية

.)٢(»الفردية الصغيرة وقعوا فريسة ألطماع خارجيةأبو بكر بن عمار (وفي ذلك العصر نفسه حدثنا أحد الشعراء

البقاء الرندي، على اختالف في أو ابن رشيق القيرواني أو أبو : فقال،عن هؤالء الملوك) نسبة البيت

مما يزهدني في أرض أنـدلس

ألقاب معتضد فيها ومعتــمد ألقاب مملكة في غير موضعها

كالهر يحكي انتفاخا صولة األسد

منذ زمن بعيد قصيدته الرائعة »أدونيس«وألمر ما كتب

! »فمقدمة لملوك الطوائ«: شوقي ضيف/ ومما يدعو إلى االستغراب والعجب قول د

لعهد ملوك الطوائف نظاما شبيها «عرف العرب في األندلسأترى كيف تغيب النظرة الشمولية !! )٣(»بالنظام الجمهوري

وتتوارى حين يقع الباحث أسيرا في قبضة النظرات الجزئية

.١٧ص) عصر الطوائف و المرابطين (تاريخ األدب األندلسي )١( .٨ص :المرجع السابق )٢( .٧ص: ابن زيدون )٣(

-١٥-

غيب النظرة حين ت»الحدس « وانظر كيف تغيب قوة؟الضيقة وهل تستطيع هذه اإلمارات أو الممالك الهشة .الشمولية

وهل يصح ! ؟ وتحفظ تماسكها،المتناحرة أن تصون وحدة األمة؟ حقا» ممالك« أو »دول«أن توصف بما يوقع في الوهم أنها وحين تنهار األمم يغدو ،إنها اآلية الكبرى على انهيار األمة

.عسيراالحديث عن شظاياها شائكا وإحسان عباس عن الحيرة التي استبدت بالعقول / ويحدثنا د

،»التكثر« إلى »بالوحدة«في أعقاب الفتنة البربرية التي انقلبت والحق أن سياق األحداث « يقول .وعن ظهور دول الطوائف

سواء أكان ،بعيد الفتنة مباشرة كان محيرا لذي الوعي المتيقظ أما الفقيه .شاعرا] كذا[مؤرخا أو ] كذا [الرجل الواعي فقيها أو فقد أقضت مضجعه الحال ، مثل ابن حزم،الذي نقدر فيه الوعي

وظل يحس أنه بعيد عن ،التي صارت إليها األندلس دون إمامة إال أنه لم يلبث أن انصرف ،التعاطف مع تلك اإلمارات المتنابذة ....إلى حومة الفقه والمطارحات الجدلية

فأصابه الذهول لما ) ابن حيان( الواعي الذي يمثله وأما المؤرخمن ) عاصمة الخالفة( وما دهم قرطبة ،أصاب البالد من تفكك

- ولكنه بعد وقت غير طويل أمسك بالقلم ثانية ليكتب ،تخريب .. الممالك نفسهام تاريخ تلك-نزوال على األمر الواقع

وتحسر على ، قرطبة قليال وأما الشاعر الواعي فإنه بكى وتلدد في تيه الضياع زمنا يفتش عن الحامي الذي يرتزق ،فات ما

-١٦-

وما لبثت األمور أن عادت تجري ، وينفق لديه سلعته،من عطاياه .... وإذ كل أمير لدى كل شاعر هو أعظم الناس،مجراها

بل ،وأصبح الشاعر كالفقيه الصنيعة والمؤرخ المحدود األفق »التسوير« وفي ،هما في توسيع الهوة بين الحاضر والماضيفاق

... .،حول أميره بسياج من الثناء الطويل العريض وقصر نظر عن التمرس ،وذلك ترسيخ لمعنى الفرقة

ولوال أثارة من شكوى سوء الحال يومئذ لكان .بالمشكلة العامة .)١(»الشعر األندلسي مغلقا على المتطلبات الصغيرة

كل إنسان . والمصالح الفردية الضيقة، الوعي:ا هما أمرانوإذ فإذا غدا ، بهذا الوعي يرى العالم، وبه يحدد موقفه منه،أسير وعيه

هذا الوعي نفسه لسبب ما أسيرا للمصلحة الفردية بغض النظر عن المصير «مواءمتها أو مناقضتها للمصلحة العامة أصبح البحث عن

»المصير المشترك«صبح أ و،لمطلب والغاية وحده هو ا»الفردي .فكرة ذهنية قلما يعبأ بها، أو يلتفت إليها

فال يخرج منها إال بمقدار ،وحين يدخل كل فرد قوقعته ،حاجته الخاصة إلى الخروج تنتفي النظرة الشاملة العميقة

وتتوارى قوة الحدس القادرة على اختراق الراهن والجزئي اذ إلى جوهر اللحظة التاريخية المخبوءة تحت واليومي، والنف

.ركام هائل من الجزئيات المتناثرة المتباينة

. وما بعدها١٠ص: »عصر الطوائف والمرابطين«تاريخ األدب األندلسي ) ١(

-١٧-

كما صوره -هل أخطئ إذا قلت لقد كان عصر ملوك الطوائف وانحراف الوعي ، تعبيرا دقيقا عن الضياع الفكري-إحسان / د

وهل أبلغ في الداللة على ؟ وضمور الشأن العام في النفوس،وزيفه يمثل في »المعتمد«لقد كان أفول نجم «إحسان / ذلك كله من قول د

نفوس طائفة كبيرة من الناس حقيقة المأساة أكثر مما تمثله النكبات وزعزعت السيادة العربية ،المتالحقة التي تخطفت المدن

أي إن النكبة الجماعية لم تكن ذات تأثير عميق كالنكبة ....عامة فإنها ،- إن وجدت - كن القيمة الرمزية للمعتمد ومها ت.)١(»الفردية

وهل أبلغ في الداللة أيضا .ينبغي أال تفوق أو تضارع رمزية الوطنمن تواطؤ الحكام واألمراء والتجار والفقهاء وذهابهم بالثروة التي جاوزت حد التخيل في الوقت عينه الذي يعاني فيه سواد الناس

ثير من مؤرخي هذا النحو الذي يصوره كحرمانا عسيرا شامال على في الداللة من اتصاف – مرة ثالثة -؟ وهل أبلغ العصر ودارسيه

التعصب و االستبداد من :بصفتين متناقضتين هما«هذا العصر جودت / كما الحظ د)٢(» والتساهل والحرية من ناحية أخرى،ناحية

و قل اختلت أ،؟ لقد تزعزعت منظومة القيم االجتماعيةالركابي وشملت عددا كبيرا من ، فشاعت الروح االنتهازية،اختالال شديدا

وتفاقم ، فاستعر التعصب الديني، وحطبوا بحبل الملوك،الفقهاء ولم ينج من نيران هذا التعصب وهذا االستبداد بعض ،االستبداد

.١٨٨ص :»عصر الطوائف والمرابطين«تاريخ األدب األندلسي )١( .٤٧ص: في األدب األندلسي )٢(

-١٨-

لمحنة سياسية حين اتهم « »ابن حزم« فقد تعرض ،الفقهاء أنفسهم وتعرض لمحنة أخرى علمية حين ،مل على إعادة الدولة األمويةبالع

محمد رضوان / بتعبير د)١(»أحرق المعتضد بن عباد كتبه عالنيةوألجم « ، لقد ضاقت حرية التعبير في عصور ملوك الطوائف.الداية

.... .الخوف الناقمين والمتذمرين عن اإلفصاح بما كانوا يحسونهلبة بالناس في ظل الحكومات المتعاقبة على وقد جرت األحوال المتق

سمة من سمات ،استجداء رضى القائمين الجدد والشماتة بالذاهبين ،النفاق في الحياة السياسية تومئ إلى نقصان في الشجاعة النفسية

)٢(» وأمثالها في الحديث والقديم كثيرة.وإلى أزمة عميقة في األخالقء الحكام والفقهاء أنفسهم ما ولكن هؤال.إحسان عباس/ بتعبير د

وكانوا جزءا –كانوا يرون ضيرا في موجة الملذات والترف العالية ين ما دامت مصالحهم في ولو وقعت في حد من حدود الد–منها

ابن «ولهذه األسباب حملهم مؤرخ األندلس القديم !! حرز حريزولم تزل «ب فكت،إحسان/ مسؤولية تضييع البالد كما الحظ د»حيان

، األمراء والفقهاء:آفة الناس منذ خلقوا في صنفين هم كالملح فيهم فقد ، بصالحهم يصلحون وبفسادهم يفسدون،قلما تتنافر أشكالهم

بما ،خص اهللا هذا القرن الذي نحن فيه من اعوجاج صنفيهم لدينا فاألمراء القاسطون قد نكبوا بهم عن ،كفاية له وال مخلص منه ال

والفقهاء أئمتهم ، وجريا إلى الفرقة، الطريق ذيادا عن الجماعةنهج

.١٢٧ص: وبحوث أخرى ،أندلسيات شامية )١( .١٤٩ص: »مرابطينعصر الطوائف وال«تاريخ األدب األندلسي )٢(

-١٩-

قد ، صدوف عما أكده اهللا تعالى عليهم من التبيين لهم،صموت عنهم وبين مستشعر ، وخابط في أهوائهم،أصبحوا بين آكل من حلوائهم

أرأيت كيف انقلبت الحياة .)١(» آخذ في التقية في صدقهم،مخافتهم لقد خبت جذوة اليقين الكبير في ؟ضطربوا أيما اضطراب فا،بالناس واستبدلت بها مرآة الذات الدميمة ، ففقدت الروح بوصلتها،النفوس

في هذا الجو المتقلب المتموج برزت شخصية الرجل « و.المخادعةالقلق الذي يتجول من بلد إلى بلد عارضا مهارته على من يقدرها

ا مختلف ذوي المهارات المطلوبة من يستوي في هذ،حق قدرها .)٢(»جندي وكاتب وشاعر ومعماري وصاحب أي حرفة أخرى

في . إال هذا الرجل القلق المغامر الطموح»ابن زيدون«ولم يكن هذا المناخ السياسي العاصف نشأ وترعرع وشب واكتهل وقبض

في فترتين من تاريخ «، فحياته تمتد )هـ٤٦٣-٣٩٤(إلى ربه ثم ، فسقوطها، عصر الفتنة واضطراب الخالفة األموية:ساألندل

.فترة دول الطوائفأما والدته وتكوينه الثقافي فقد كانا في ظالل الحكم المرواني

.الذي تداعى بسرعة هائلة في الربع األول من القرن الخامس ،وأما نشاطه السياسي واألدبي فكان في مدة دول الطوائف

دولة بني جهور، ودولة بني عباد في كل في – أساسا -وتركز

.٣٧ص: »عصر الطوائف والمرابطين«تاريخ األدب األندلسي )١( .٣٤المرجع السابق ص )٢(

-٢٠-

من قرطبة وإشبيلية أشهر مدينتين في األندلس لذلك العهد من وقد اصطبغت حياته كلها وتلونت برغبته العارمة «.،)١(»الزمان

ا . )٢(»في المشاركة السياسية واإلدارية لقد كان مغامرا وصولييجمع نفسه و،انتهازيا يرى العالم كله من خالل مرآة ذاته

غير عابئ بالعالم الذي ،ويسوقها في سبيل هذه الذات وحدها لقد كان .يمور من حوله ويضطرب إال بمقدار ما يلبي طموحه

كما وصف نفسه في كتابه الذي أرسله –من حصفاء العبيد وحقا لم تكن هذه الحصافة أو ما استتبعها - )٣(إلى المعتضد

لبا للجاه كما الحظ للمال بل طمن مديح للمعتضد وغيره طلبا ا « ولكن التاريخ يعلمنا أن الجاه والمال أخيان الركابي،/ د كان

وقد . فما من جاه إال والمال يسير في ركابه،»أرضعا بلبانا »ابن زيدون«يكون وصف بالوصولية واالنتهازية أمرا قاسي

، العاشق »ابن زيدون «على النفوس التي وقرت فيها صورة ، وليس في ذلك ما ينكر أو يريب.فانعقدت عليها واكتفت بها

فالنفس اإلنسانية نزاعة إلى أن تنقي صورة من تحب من وتحتفظ بها نقية صافية ولو كان ذلك على حساب ،الشوائب

.الحقيقة التاريخية

. وما بعدها١٣٩ص: أندلسيات شامية )١( .١٤٢المرجع السابق ص )٢(الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة البن بسام، القسم األول، المجلد ) ٣(

٤٠٥ص: األول

-٢١-

واستقرت في وجدانهم ،»ابن زيدون «ولقد أحب العرب ولكنني أردت أن أضيف إلى هذه .اصورة العاشق المتيم وحده

ولعل هذا أن ،الصورة بعض مالمحها التاريخية المسكوت عنها .يكون ضربا من اإلنصاف والموضوعية

،ولست أريد بما قدمت أن أحرف هذا البحث عن قصده، بل أريد أن أعقد الصلة »ابن زيدون «فأتحدث عن شخصية

ه ومجتمعه من جهة بين شعر هذا الشاعر من جهة وبين شخصيتأخرى دون أن أنزلق إلى انعكاسية مرآوية بعيدة عن روح

إن الظاهرة الشعرية بنية مستقلة استقالال : أريد أن أقول.الشعر وبذلك ، ولكنها في الوقت نفسه عنصر في بنية محيطة،نسبيا

تنعقد الصلة بينها وبين الظواهر االجتماعية األخرى التي .معها في سياق تاريخي اجتماعي واحدتعاصرها وتشترك

،فإذا رددنا أطراف هذا الحديث بعضها إلى بعضها اآلخر ودون أن نقره ، دون أن نصادر رأي أحد،وسقناه نحو مقصده

كيف نقوم شعر ابن : صار لزاما علينا أن نسأل،عليه إال بتعليل ؟ ما المعايير التي نروز بها هذا الشعر؟زيدون

ولكن ، هذا السؤال يثير قضايا نظرية شائكةولقد أعلم أنالبحث ال يقتضيها جميعا، بل يقتضي منها ما يقع من صاحب

.البحث موقع القبول والرضالقد فهم العرب على امتداد تاريخهم الشعر بوصفه وجها بارزا من وجوه النشاط البشري، وقرنوه بالسيف كما قرنوا الشاعر

-٢٢-

في التفاتة بارعة على قول، اهللا الطيبعبد/ وقد وقف د.بالفارسوإنما الشأن في إقامة الوزن « في سياق حديثه عن الشعر»الجاحظ«

وتخير اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء وفي صحة الطبع وجودة السبك فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من

.فوأصل تشبيهه مأخوذ من صناعة عمل السيو « فقال،»التصويروما أراه قصد إلى السيف إال أنه كان يذكر مع القلم ويذكر

. وصاحب الشعر على زمان الجاحظ كان صاحب قلم،القلم معهوالسيف يختار حديده ويطبع الطبع الجيد الصحيح حتى ال يكون

ثم متى تم صقله كان .كهاما ويسبك السبك األصيل وهلم جرا تنعت بشبه الماء وبشبه كثير الماء ظاهر الرونق والسيوف مما

: قال الشنفرى،النار إذا فزعوا طارت بأبيض صارم

ورامت بما في جفرها ثم سلت

حسام كلون الملح صاف حديـده

جراز كأقطاع الغدير المنعت )١(» ..... .وقال مزرد بن ضرار

يحتاج إلى وإن كان كالمه ال –ومما يؤكد ما ذهب إليه الطيب – والشعر ذروة الكالم – أن العرب قرنت فعل الكلمة –تأكيد

، والكلوم هي الجروح، أي يجرح»يكلم « فكالهما،بفعل السيفإشارة »وجرح اللسان كجرح اليد «: »طرفة بن العبد «وفي قول

.صريحة إلى هذا المعنى

ص وما بعدها٤/٧٩: العرب المرشد إلى فهم أشعار )١(

-٢٣-

وألمر ما كانت القبائل العربية تحتفل بظهور الشاعر أو فهذا ، في العمدة »ابن رشيق «س فيها على نحو ما يذكرالفار

وما أكثر ما كان . وذاك يذود عنها بسيفه،يذب عنها بلسانهالشاعر سفير قومه يحاول أن يحقق بالشعر ما عجزت عن تحقيقه السيوف كما نعرف من أمور شعراء الجاهلية كالنابغة

قومه كما أو يحاول أن يضم شعره إلى سيوف،الذبياني وغيره .نعرف من أمور الشعراء العرب على امتداد تاريخهم

والذي أريد أن أخلص إليه هو أن الشعر العربي كان منذ وأن وظيفته لم تنفك عنه في يوم ،نشأته مرتبطا بحياة المجتمع

وإن كان يعتري هذه الوظيفة في أوقات مختلفة انحراف ،قط فما الوظيفة التي .هما عن قصدها الذي ينبغي أن تقصد إلي

، وليس الشعر خطابا تصوريا؟نهض بها شعر ابن زيدون وتأسيسا على ذلك فإن الشاعر ال يواجه .ولكنه خطاب تخييلي

أو ،»التشكيل « بل يواجه مشكلة »التوصيل واإلبالغ «مشكلة إن الشاعر يواجه طبيعة «عبد المنعم تليمة/ قل بعبارة د

للغة مواجهة تزلزل تلك الطبيعة وذلك ومنطقه في ا»التوصيل«تراث التشكيل اللغوي «وهو يواجه تحديا آخر هو. )١(»المنطق

،ويتضمن هذا التراث أصول عمل الشاعر «،»في شعر أمته ولكي يتم لعمل ،لكنه يتضمن في ذات الوقت تحديا يعطل تفرده

.١٠٥ص : مداخل إلى علم الجمال األدبي)١(

-٢٤-

الشاعر تفرده في التاريخ الشعري فإنه يزلزل التراث من التشكيل اللغوي الشعري زلزلة تضيف جديدا إلى حقائق ذلك

وإذا إن تفرد القصيدة.)١(» وتعدل من تقاليده ومقرراته،التراث .)٢(» وتراث التشكيل في آن، مرهون بزلزلة منطق التوصيل«

بل إن معنى هذا التفرد «ولكن هذا التفرد ليس تفردا مجردا وهي : لغوية–عالقات جديدة هو نجاح الشاعر في أن ينشئ

وهي في الفن محكومة بنظم ،محكومة بمقررات وقوانين ، تقيم بنية شعرية تامة تزلزل هيكل التاريخ الشعري–وتقاليد

.)٣(»وتعدل التقاليد الشعرية :وفي ضوء ما تقدم تتحدد األسئلة على النحو التالي

و التوصيل أ «إلى أي مدى زلزل شعر ابن زيدون منطق أو قل بعبارة ؟»يالتشكيل الفن « وارتقى إلى مستوى،»التبليغ إلى أي مدى انحرف التشكيل اللغوي في شعره عن :أخرى فنهضت اللغة بسبب هذا االنحراف بجملة ،»التوصيل «منطق

وإلى أي مدى ؟»التبليغ «من الوظائف،ولم تقتصر على وظيفة فإذا ضممنا إلى ؟استطاع أن يعدل التقاليد الشعرية الموروثة

هذه األسئلة السؤال السابق عن الوظيفة التي نهض بها شعر

.١٠٥ص : مداخل إلى علم الجمال األدبي)١( . الصفحة نفسها، المرجع السابق)٢( .١٠٨ص: المرجع السابق )٣(

-٢٥-

،ابن زيدون لم يبق أمامنا سوى البحث عن إجابات لهذه األسئلةوفي ضوء هذه اإلجابات تتحدد قيمة شعر هذا الشاعر في

.ميزان النقدبيد أنني أود قبل أن أشرع في البحث عن هذه اإلجابات أن

تتصل أوالهما بالموقف القديم من التجاوز أو ،تينأقدم مالحظ . وتتصل ثانيتهما بديوان الشاعر،االنحراف

] العدول،االنحراف[ »المجاوزة «يقول جون كوين إذا كانتهي الشرط الضروري لكل شعر، فإنه من المؤكد أن المفهوم

ففي ،الجمالي للكالسيكية لم يكن شديد التحمس الستغاللها ،نا تعد األصالة والتفرد قيمة جمالية في ذاتهاعصر كعصر

المستوى العام كان .وفي العصر الكالسيكي كان العكس صحيحا والمجاوزة لم يكن مسموحا بها إال في حدود »القيمة «هو

.)١(» وجرأة اللغة كانت تقمع بحدة،ضيقة معترف بها من التقاليدعر الغربي الذي أعتقد أن هذه المالحظة تصدق على الش وال

أكثر مما تصدق على الشعر العربي »كوين «يتحدث عنه وليس في تاريخ هذا الشعر معركة أشهر وأكثر دويا من .القديم

،المعركة التي شب أوارها بين مذهب الطبع ومذهب الصنعة ، بين أنصار عمود الشعر وأصحاب البديع– كما اشتهرت - أو

مدي أطرافا واسعة منها في كتابه وهي المعركة التي سجل اآل

.٣١ص :أحمد درويش/ ترجمة د . ر بناء لغة الشع )١(

-٢٦-

في – ولم تكن هذه المعركة . »الموازنة بين الطائيين «النقدي فالمحافظون ،»مفهوم الشعر « سوى معركة حول–حقيقتها

يريدون ترسيخ هذا المفهوم كما انتهى إليهم من العصور وانظر في كتاب. والمجددون يطمحون إلى تعديله،السابقة

وهو أهم مصدر نقدي أندلسي في ،بن بسام ال»الذخيرة«عصره تحس إحساسا قويا سيطرة الموروث وسطوته على هذا

فالفكرة التي قام عليها كتاب الذخيرة هي إفهام «،الناقداألندلسيين أن لديهم موروثا يستحق أن يعتزوا به ويفاخروا

ألنهم وألول مرة نسمع ناقدا أندلسيا يندد بأهل بلده،سواهموقد وقع ابن بسام في .....ينظرون إلى المشرق نظرة تقليد

أولهما أنه بعد أن عاب التقليد في أهل بلده عاد في :خطأينأثناء كتابه يعرض أشعارهم وأساليبهم ومعانيهم في نثرهم على أشعار المشارقة وكتاباتهم ليدل على األخذ والمحاكاة فكان

يما هو يحاول أن يبرز ما لديهم من يثبت لديهم مظاهر التقليد ف .)١(»....طارف جديد

أال نسرف في الظن، فنتوهم – والحال هذه –أفال يحسن بنا ؟كانت عميقة وشاملة في شعر ابن زيدون »المجاوزة «أن

ابن «وقد رجعت في أثناء إعداد هذا البحث إلى ديوان ، بطبعتيه اللتين حقق أوالهما محمد سيد كيالني»زيدون

.٩٩ص :»ابطينعصر الطوائف والمر«تاريخ الشعر األندلسي )١(

-٢٧-

وبعضه أهون ، وفي الشر خيار.وحقق ثانيتهما كرم البستاني وقد اخترت الطبعة التي حققها محمد سيد كيالني ،من بعض

ألنني وجدتها تفضل أختها فضال عظيما على الرغم مما ومن هذه النواقص عدم ترتيب ،عراها من النواقص والعيوب

تطور مسيرة قصائد الديوان ترتيبا تاريخيا يساعد على رصد وليس هذا العيب وقفا على هذا الديوان .الشاعر الشعرية

ولكن فشو . بل هو عيب يعم الدواوين العربية القديمة،وحده فعلى من ينصب ،يعني قبوله والنزول عليه هذا العيب ال

نفسه لتحقيق الشعر أن يحاول قدر استطاعته مراعاة تعاقب ن الشعراء الذين نعرف أخبار والسيما دواوي،القصائد تاريخيا

شوقي ضيف / ولقد دفع هذا العيب د.أصحابها معرفة واسعةوهذا هو السبب في أننا إذا قرأنا لشاعر ديوانه «:إلى القول

فالغالب ،لم نجد شعره يختلف من حيث الجودة والرداءة ألنه في حقيقة ،المعتاد أن نجده يطرد في مستوى فني واحد

روعي فيها أن تعبر أقوى تعبير عن مدى األمر منتخبات .)١( »إحسانه وتفوقه في فنه

بوصفه »ابن زيدون «لقد درج الباحثون على دراسة شعر فتحدثوا عن غزله ومدحه ورثائه وسوى ذلك من ،أغراضا

وعلى الرغم مما يقدمه هذا النهج من .األغراض المعروفة

.٣٠ص : ابن زيدون)١(

-٢٨-

لفة لمنطق الدرس من معلومات جزئية غزيرة فإن فيه مخا فليست األغراض هي التي تصنع القصيدة ،األشياء ونواميسها

وليس مجموع خصائص أغراض القصيدة الواحدة ،بل اللغةوتؤكد النظرة العلمية الحديثة أن «،يساوي خصائص القصيدة

الواحد تختلف اختالفا واضحا عن مجموع »الكل «خصائصشئ الشاعر قصيدته وحين ين. )١(»خصائص األجزاء المكونة له

بل ينشئها وحدة ،ال ينشئها أغراضا ثم يلفقها لتكون قصيدة .مكتملة تحت وطأة مشاعر متجانسة غامضة أو شبه غامضة

بوصفه قصائد »ابن زيدون «ووفقا لهذه النظرة سأنظر في شعر ، وسأتخير لذلك أبرز قصائده وأشهرها.بوصفه أغراضا ال

الذاتية التي تضم ة والقصيد، الرثاء وقصيدة،وهي قصيدة المدح وقصائد الغربة ،تحت جناحيها قصائد الغزل وقصائد الشكوى

.والحنين

* * *

.٩ص :»قصيدة المدح حتى نهاية العصر األموي«انظر كتابي )١(

-٢٩-

-آ-

دحـقصيدة امل

-٣٠-

-٣١-

وأوسعها ،تعد هذه القصيدة أشهر قصائد الشعر العربي القديم . فهي تسيطر على أرجاء واسعة من مملكة هذا الشعر،انتشارا

– ٢١٣ »ابن قتيبة «ن النموذج العام لهذه القصيدة الذي نقلهولك كان قد ، وحاول تقنينه، وأقره،هـ عن بعض أهل العلم٢٧٦

فقد أخذت تعروه تغيرات ، لبعض التصدع»ابن قتيبة «تعرض قبلملحوظة منذ العصر األموي على أيدي الشعراء اإلحيائيين

، وتغيرات )القطامي ونالفرزدق وجرير وأعشى همدا(المعتدلين ،عبد اهللا بن قيس الرقيات(ع وأعمق على أيدي شعراء الحجاز أوس

وحين .)١() وإسماعيل بن يسار النسائي،واألحوص األنصاري حاضرة الدولة وعاصمة الثقافة مضى الشعراء »بغداد «غدت

فأحدثوا فيه ،العباسيون في تعديل هذا النموذج العام وتطويره ولعل من أبرز هذه التغيرات غياب هذا ،ة وأقروهاتغيرات ضخم

،التقليد البدوي العريق المتمثل في تصوير الناقة ومشهد الصيد .وهو تقليد درامي ذاخر بالصراع

وليس النموذج –وهذا النموذج العام لقصيدة المدح العباسية هو وحاولوا ، الذي نصبه شعراء األندلس أمام أعينهم–البدوي القديم

، »إحيائيون معتدلون «:الباب الثالث، الفصل األول: بقالمرجع السا )١(

قصيدة المدح األموية الجديدة: والفصل الثاني

-٣٢-

فكيف تبدو قصيدة المدح في شعر ابن . والتفوق عليه،مضارعته وعدد ، وما مكانتها من شعره من حيث عددها؟زيدون بنية وموقفا

وهل ثمة عالقة علية بين هذا العدد وشخصية الشاعر الذي ؟أبياتها ؟وصفناه بالمغامر االنتهازي الوصولي

لرثاء بإحصاء عدد قصائد المدح وقصائد اتملقد قوأغفلت المقطعات ، شبه دقيقوالقصائد الذاتية إحصاء

ثالث وثالثون »٣٣ « فتبين لي أن عدد قصائد المدح،واأللغاز وأن عدد قصائد ،قصيدة يخالط الرثاء المديح في اثنتين منها

ية تسع قصائد وأن عدد القصائد الذات،الرثاء خمس قصائد ،)خمس قصائد(نين والح،)ثالث قصائد(موزعة على الغزل

ووقفت على قصيدة واحدة له في ). قصيدة واحدة(والشكوى واثنتين أقرب إلى ، وأخرى في الشفاعة،التهديد والعتاب

.اإلخوانيات منهما إلى أي أمر آخر وأبيات الرثاء، بيتا»١٣١٦ «وبلغت أبيات قصائد المدح

غ عدد وبل، بيتا»٣٢٠ « بيتا وأبيات القصائد الذاتية»٢٣٠«ولعل نظرة سريعة إلى . بيتا»١٥٨ «أبيات القصائد األخرى

فقد ذهبت ،هذه األرقام تبين لنا أننا أمام شاعر مداح محترف فإذا قدرنا ما أغفلناه من مقطعات ،قصائد المدح بثلثي شعره

وإذا هو في .وألغاز قلنا ذهبت قصائد المدح بنصف شعره العرب المداحين على امتداد تاريخ الصفوف األولى من الشعراء

وهو أحد أولئك الشعراء الجوالين الذين ،الشعر العربي القديم

-٣٣-

يجوبون األرجاء يعرضون بضاعتهم من المديح العريض لمن لقد نصب سوقا للمديح في كل أرض وطئتها قدماه في .يشتريهاوقد راجت بضاعته في .. . وفي بطليوس، وفي إشبيلية،قرطبةوكان . وربح منها السلطة والجاه العريض، األسواق جميعاتلك

لعله :ولعل قائال يقول. الفضة والذهب– بال ريب –من خدمهما في ذلك كان متأثرا بالمتنبي فهو يقص آثاره إلى األمراء

ولقد كان هذا القول يكون .والملوك يحلم بسحر السلطة وفتونهاتعبر عن موقف من القضايا صحيحا لو أن مدائح ابن زيدون

أو تكشف عن قوة الحدس العميقة ،العامة التي تواجه األمة ولكن ،والنظرة الثاقبة التي نراها في كثير من مدائح المتنبي

إن من أراد أن يلحقه بالمتنبي لم يزد على !! هيهات ذلك مطلبا : أو بتعبير أبي الطيب نفسه،أن يلهو به

أحمـق إذا شاء أن يلهو بلحية

أراه غباري ثم قال له الحق ،لقد كان ابن زيدون مغلقا على نفسه في هذه المدائح جميعا

ويعقد أصابع ،يحدق في مرايا ذاته التي تحيط به من كل صوب ومهما تفتش في هذه المدائح ،يديه كلتيهما على مصالحه الذاتية

والتي ،افلن تجد فيها سوى صورة الذات الشاعرة السافرة حين لقد .تنعكس على مرآتها صور الممدوحين في أغلب األحيان

وبحثه ، وكان انكفاؤه على نفسه، أسير وعيه »ابن زيدون «كان ، وغياب قوة الحدس ونظراته الجزئية،،عن مصيره الفردي

فهو ابن تلك ،دليال على مناخ عام في عصر ملوك الطوائف

-٣٤-

وحل محله وعي زائف ،امالمرحلة التي انهار فيها الوعي العضيق منغلق على مطالبه ومطامحه الصغيرة إال من عصم

. وقليل ما هم،ربك من »ابن زيدون «ولست أريد مما تقدم أن أجرد مدائح

ولكنني ، وأن أقصرها على الداللة التاريخية،الداللة اإلنسانيةدا حتى أريد أن أقول إن داللتها اإلنسانية شاحبة شحوبا شدي

وإن داللتها . فليس فيها إال بقية من ذماء،توشك أن تنطفئ وما ،التاريخية داللة غامضة النقطاعها عن الحياة من حولها

!! داث إال في أقل من النادر اليسيرتفور به وتغلي من األحولم تكن قصائد المديح في يوم مضى عشواء ال تبصر إال ما

بل كانت !! ي شعر ابن زيدونا كظلها كما هي فهو قريب منه واقرأ ،تموج بالحياة وأحداثها التي تتدافع من حولها كالسيول

في مدائح المتنبي وأبي تمام والبحتري وكبار شعراء العصر العباسي التي احتفل بها األندلسيون أيما احتفال تجد صدق ما

بل إن مدائح هذا الشاعر أوشكت أن تقطع صلتها .أحدثك بهللطبيعة من مكانة رفيعة في الشعر على ما–عة بالطبي

فلست تجد فيها سوى لمح خاطفة يوظفها الشاعر –األندلسي أن يزور – في ظني – وليس من مصلحة الشعر ،في صوره

عن الطبيعة كل هذا االزورار الذي يوشك أن يكون هجرا أو ولست أبحث في الشعر عن حقائق الواقع الخارجي . قطيعة فأنا ، أو عن حقائق الواقع التاريخي االجتماعي،يائهوأش

-٣٥-

،أعرف أن حقائق الشعر هي حقائق فنية بال زيادة أو نقصان أن هذه الحقائق الفنية هي – في الوقت عينه –ولكنني أعرف

إدراك فني لحقائق الحياة وأشيائها وناسها وحيوانها وطيرها ،ه األمور جميعا والشاعر الحق هو الذي ينفعل بهذ.وأحداثها

ويكشف عن صداها العميق في نفسه، وفي نفوس أبناء قومه والتالعب ،أما التفنن في المعاني. الذين يشاركهم الحياة

ومضاهاة اآلخرين بال انفعال حار عميق فأمور تنأى ،باأللفاظ .بالشعر عن جوهره الحق

وتنطوي على ،هذه هي مأساة الذات حين تدخل قوقعتها إنها .تتجاوز هذه القوقعة ،وتتوهم أن حدود العالم النفسها

فإذا أحس خطرا ،كالقنفذ الذي ينتقل من مكان إلى آخر وحيدا .داهما ضم جلده عليه وتكور ناشرا أشواكه دفعا لهذا الخطر

فكأنما ضربت عليه »ابن زيدون «وكل ذلك تراه في مدائح وليست ،ن زيدون األم ولعل هذه هي محنة اب.األرض باألسداد

محنه األخرى كالسجن واإلخفاق في الحب واالغتراب سوى هل أسرف إذا قلت إنها محنة .بعض ذرية هذه األم العمياء عصر من عصور التاريخ العربي المثقفين المغامرين في كل

»ابن زيدون « ما قرأت مدائح؟في عصر الطوائف وحده ال بتعبير المتنبي، أو أنها »بحسن مجلو «مرة إال أحسست أنها

.رياحين صناعية في آنية من زجاج على حد تصوير شوقيهل أود أن أقول إن مدائح المشرقيين كحسناوات البدو أو

-٣٦-

كجميالت المدن »ابن زيدون « وإن مدائح،رياحين الفضاءاللواتي تثقلهن أصباغ الزينة أو كالرياحين الصناعية منتفعا

ببقول أبي الطي: حسن الحضارة مجلوب بتطريـة

وفي البداوة حسن غير مجلـوب

:»لى العامرية لي «وقول شوقي على لسان ونحن الرياحين ملء الفضاء

وهن الرياحين فـي اآلنيـه

؟ فإذا نظرنا في بنية هذه المدائح وجدناها جميعا ذات بنية

:ين فكل واحدة منها مكونة من تقليدين كبير،خارجية واحدة . وآخر عنصر مدحي صرف،أحدهما عنصر تقليدي هو المقدمة

في صدور هذه المدائح انتشارا واسعا »الغزل «وتنتشر مقدمة فيها محل »الحكمة «حتى تكاد تستغرقها ما عدا ثالثا منها حلت

وقد أخرجت . على نحو يذكرنا تذكيرا قويا بالمتنبي»الغزل« ألنها قصائد »أبي الحزم بن جهور« من هذه المدائح ما قاله في

– على نحو ما هو شائع معروف – وقصيدة االعتذار ،اعتذارية وتتكون قصيدة .شعبة من قصيدة المدح ذات طعم خاص متميز

أولها عنصر تقليدي صرف هو:االعتذار من ثالثة تقاليد ،»عنصر الشكوى « وثانيها، أو تصوير األشواق»الغزل«

.اري مدحي صرفوثالثها عنصر اعتذ

-٣٧-

فإذا استأنفنا النظر في هذه القصائد رغبة في الكشف عن أسرار الصناعة الفنية فيها لم يكن أمامنا مناص من التخير واالصطفاء

.فيهما من تعميم يكدر صفو اليقين على ما الفائية في»ابن زيدون «شوقي ضيف أن قصيدة/ يرى

:قصيدته التي مطلعها يريد .)١( خير مدائحه جميعا»المعتضد« أما في نسيم الريح عـرف معـرف

لنا، هل لذات الوقف بالجزع موقف؟ من أبدع ما « فيقول إنها،وال يلبث أن يزيد في إطرائها

ويستطيع القارئ ،نظمه شعراء األندلس في عصورهم المختلفةأن يعود إليها في النماذج المنتخبة ليرى أنها مثل رفيع من أمثلة

: قد قال»ابن بسام «وكان .)٢(»النسج المتماسك والسبك الرائع كثير االهتدام في وأبو الوليد ابن زيدون على كثير إحسانه «

، وحين وقف على هذه القصيدة شرع ينص )٣(»النثار والنظام فنص على أبيات ،- على حد تعبيره –على ما فيها من اهتدام

يأخذ معانيهم جملة ،ى غيرهمنها كان فيها ابن زيدون عالة علبيت ألبي [ ويقلبها حينا آخر ،]بيت البن دراج القسطلي[حينا ،]بيت ألبي تمام[نسخها وينقص عنها حينا ثالثا وي،]الطيب

.٣٨ وص٢٤ص: ابن زيدون)١( .٤٠ص :المرجع السابق )٢( .٣٥٥ص: المجلد األول / القسم األول : خيرة الذ )٣(

-٣٨-

وصلنا « بل إن قوله، في أكثر من بيت»البحتري «ويحتذي حذو على »لفظ بيت البحتري ومعناه «هو »..فقبلنا الندى منك في يد

.)١( »ابن بسام «حد قولضيف موقع الرضا أو / من نفس د»ابن بسام «ولم يقع كالم

وهذه االستعارات كلها تدل على أن ابن زيدون لم « فقال،القبول بل كان يتصرف تصرفا على ،يكن ينقل عن سابقيه طبق األصل

، واستأنف دفاعه عنه )٢(»وهذا من حقه ،هيئات وصور مختلفةلن يضيره بحال أن يكون استعار فيها معنيين أو ثالثة و «ثانية فقال

والمسألة ... . فذلك شأن الشعراء جميعا من قبله،أو أربعة من غيرهوهو حس نجده ،في رأينا كانت مسألة حس دقيق للعرب بالماضي

.)٣(»في اآلداب جميعاضيف أيضا أن مطالع مدائح ابن زيدون في / ويرى د

فروحها هي « أو بعبارته،)والدة( في المعتضد والمعتمد هي .)٤(»التي يناجيها في مطالع قصائده للمعتضد والمعتمد

جودت الركابي أن مدائح ابن زيدون في المعتضد / ويرى دإلى ذروة كمالها الفني، وتعبر عن صادق عواطفه «والمعتمد ترتفع

.٣٧٩–٣٧٦ ص:المجلد األول/ القسم األول : ة الذخير )١( .٣٩ص : ابن زيدون)٢( .٤٠ص : المرجع السابق)٣( .٢٩ص: المرجع السابق )٤(

-٣٩-

.)١(»حسنا رعايته وبوآه أرفع المناصبنحو هذين الملكين اللذين أولعلها من خير «الركابي هذه القصيدة يقول/ وحين يذكر د

وال يقتصر الشاعر في هذه القصيدة «، وال يعتم أن يقول»مدائحهعلى مدح المعتضد بل يبتدئها بمطلع غزلي رأى فيه ابن خاقان في

ونحن إذا ما تدبرنا هذا المطلع الغزلي لم ،قالئده أنه حنين لوالدة وهو في جملته غزل .علنا نعتقد بأنه قيل في والدةنجد فيه ما يج

تقليدي تفتتح به عادة قصائد المدح على الرغم مما يشيع فيه من .)٢(»هأصداء خافتة لشاعر عرف العشق واكتوى بنار

ولم أرد بهذه االقتباسات الكثيرة إال أمرا واحدا هو إعطاء لعلها تكشف نماذج من تلقي القدماء والمعاصرين لهذه القصيدة

.عن فروق واضحة في سوسيولوجيا الذوق ولن يكون ،وأحسب أنه قد آن لي أن أنظر في هذه القصيدة

هذا النظر سديدا إذا لم أقرنه بالنظر في عدد من مدائحه . والسيما مدائحه في المعتضد،األخرى

ويلفت نظرنا فيه ،»الغزل «تبدأ القصيدة بعنصر تقليدي هو مضفور من عنصرين جوهريين في -ال أو– فهو،أمران

طويل أو – ثانيا -وهو ،»الحب والفروسية «الشخصية العربية هما :يقول. فقد استوفى سبعة وعشرين بيتا،مسرف في الطول

.١٩٦في األدب األندلسي ص )١( .١٨٥المرجع السابق ص )٢(

-٤٠-

أما في نسيم الريح عـرف معـرف

لنا، هل لذات الوقف بالجزع موقف؟

فنقضي أوطار المنـى مـن زيـارة

ــا ك ــف منلن ــا بل ــا نته ــم فكل

ــم ــاض ــزار ودونه ــا أن ت ان علين

رقاق الظبـا والـسمهري المثقـف

وقوم عدا يبـدون عـن صـفحاتهم

وأزهرها من ظلمـة الحقـد أكلـف

يودون لـو يثنـي الوعيـد زماعنـا

وهيهات ريح الشوق من ذاك أعصف

لدى المشتاق في جانب الهـوى يسير

فنــوى غربــة أو مجهــل متعــس

..........................

لجاج تمادي الحب في المعشر العـدا

وأم الهوى األفق الذي فيـه نـشنف ــإنني ــا ف ــال ال تلوم ــي مه خليل

فؤادي أليف البث والجـسم مـدنف وإنــي ليــستهويني البــرق صــبوة

إلى برق ثغر إن بـدا كـاد يخطـف

-٤١-

ــ ــالراح إال ت ــي ب ــا ولع وهموم

ــف ــالراح لــو يترش ــم بــه ك لظل

ــه ــرن جمان ــد الم ــذكرني العق وت

مرنات ورق في ذرا األيـك تهتـف

فما قبل من أهوى طوى البدر هودج

)١(والصان ريم القفر خدر مـسجف

قد أضفى على هذا الغزل أبهة »الطويل «وال ريب في أن وزن عبد اهللا الطيب/ كما يقول د»لالطوي « فحقيقة،وفخامة وجالال

ولو قلنا إنه بحر العمق الستغنينا ،أنه بحر الجاللة والنبالة والجد«لذلك فإنك ال تجد قصائد الطويل الغرر ... .بهذه الكلمة عن غيرها

١٠٩: ص. ق: الديوان )١(

: الوقف. من عرف بمعنى دل: عرفم. رائحة طيبة: عرف. الولع: الكلف. حاجات: أوطار. منعطف الوادي: الجزع. السوار: السمهري. جمع ظبة، وهي حد السيف: الظبا. نتجشم: نتكلفمن الكلف، وهو : أكلف. أبيض: أزهر. المقوم: المثقف. الرمح

: المتعسف. العزم على الشيء: الزماع. سواد مشرب بالصفرة: أم الهوى. خصومة: لجاج. لمكان يخبط فيه على غير هدايةا

من أرن : المرن. ماء األسنان: الظلم. نكره ونبغض: نشنف. قصده :ذرا. ج ورقاء، وهي الحمامة: ورق. اللؤلؤ: الجمان. أي صوت

. أيكة، وهي الشجر الملتف. جاأليك. ج ذروة، وهي أعلى الشيءما كان عليه : المسجف. ستر: خدر. ياضالظبي الخالص الب: الريم

.ستران مشقوق بينهما

-٤٢-

وهدوء ، بها نحو الفخامة واألبهة من حيث شرف اللفظإال منحوا .)١(» واستثارة الخيال وتخير المعاني،النفس

وهو حرف شامس عسير كما تشهد – »الفاء «ولعل روي . بالجد والجاللاإلحساس قد عزز –بذلك دواوين الشعر القديم

وأي أمر أوغل في الجد والجالل من مغامرة يترصدها القتل في ظالل السيوف والرماح وأعداء انعقدت ظلمة الحقد بوجوههم

؟رفانقلبت زهرتها إلى سواد يقانيه اصفراما كان أروع ابن زيدون لو كان ابتدع هذا الضرب من

ولكن أنى له أن يبتدع وهو يرسف في أغالل التراث ! الغزل ولعمري إني ألعجب للعرب «عبد اهللا الطيب/ يقول د؟الذهبية

. عاديةاألقدمين ال يكادون يشببون بامرأة إال أن تكون من قبيلة م سما لك :لى رائيته البديعةيشير إ[هذا امرؤ القيس كما ترى

يشبب بامرأة من كنانة وقد كانوا أعداءه لقرابتهم لبني ..] .شوقد يشبب بامرأة من يب وهذا ل.أسد بن خزيمة الذين قتلوا حجرا

وهذا .مرة وقد كان بين عامر وبني ذبيان ما كان يوم الرقم علقتها :يشير إلى قوله[ترة يزعم أنه يقتل رهط محبوبته عن

وهذا عامر بن الطفيل يشبب بأسماء ....].عرضا وأقتل قومها وهذا الحارث بن حلزة يسكن حبيبته في ديار بني .الفزارية

.ولم يكن بين تميم وبكر إال السيف.. .تميم

١/٤٦٧:المرشد إلى فهم أشعار العرب )١(

-٤٣-

فحسب ،وقد وهم الدكتور طه حسين في حديث األربعاء شيئا .)١(»نأن التشبيب بنساء األعداء أمر ابتدعه شعراء المسلمي

ويذلل ، هاهو ذا المتنبي يوطئ أكناف هذا الغزل:ولعلي أضيفأجد ويستحضر فيه بداوة الصحراء ومثاليتها حتى ال،دروبه

:غلطا في النص على نزعته البدوية أو العربية العريقة فيهــ ــب نم ــي زي األعاري ــآذر ف الج

حمر الحلـى والمطايـا والجالبيـب

................................. ــا ــارت هوادجه ــا س ــوائر ربم س

منيعــة بــين مطعــون ومــضروب وربما وخـدت أيـدي المطـي بهـا

على نجيع من الفرسـان مـصبوب كم زورة لك فـي األعـراب خافيـة

أدهى وقد رقدوا مـن زورة الـذيب أزورهم وسواد الليـل يـشفع لـي

وأنثني وبياض الصبح يغـري بـي ــ ــوتهم ف ــي بي ــب ف ــل مح ؤاد ك

)٢(ومال كل أخيـذ المـال محـروب

. وما بعدها١/٤٦٨ : المرشد إلى فهم أشعار العرب)١( .١/٢٨٨: شرح ديوان المتنبي للبرقوقي )٢(

-٤٤-

:أو يقولــذكرا ــاء إال ت ــرقي بالم ــا ش وم

ــزول ــب ن ــل الحبي ــه أه ــاء ب لمــه ــنة فوق ــع األس ــه لم يحرم

)١(فليـس لظمـآن إليـه وصــول المغامرة ذات «الطيب هذا الضرب من الغزل/ ويسمي د

.)٢(»المجازفة البطولية وقد استمر في الشعر مع . وهو قديم موغل في القدم «لويقو

وأخذ عناصر منه اإلفرنج من طريق . استمرار عصوره ومذاهبهوحقا نحن . )٣(»لتي في شعر الطروبدوريينإسبانيا واألندلس وهي ا

وفي معلقة ،نجد أصول هذا الشعر في قصيدة امرئ القيس المعلقة وفي شعر ،عة الغرامية وفي مغامرات عمر بن أبي ربي،عنترة

ويمزج ابن زيدون هذا الضرب .الفرزدق و شعر آخرين سواهم كما يظهر في أبيات » وصف المحاسن «بضرب غزلي آخر هو .من هذه المقدمة لم أثبتها

أبي الوليد « له في مدح»المية «وأرجو أن تقف معي على وأن تنظر في ما سأسوقه لك من مقدمتها ،»محمد بن جهور

: قال.غزليةال

٣/٢١٩: المتنبي للبرقوقيشرح ديوان )١( . ٤/٤٤٧: المرشد إلى فهم أشعار العرب)٢( .المرجع السابق ، الصفحة نفسها )٣(

-٤٥-

ــل ــسالح خمائ ــث ال ــرادهم حي م ــل ــدماء مناه ــث ال ومــوردهم حي

ودون المنى فـيهم جيـاد صـوافن ــل ــمر عوام ومــأثورة بــيض وس

ــا ــاد كأنم ــي النج ــد ف ــل نجي لك تناط بمـتن الـرمح منـه الحمائـل

ــه مــن حفيظــة ــا ليل ــل علين طويــل ــوس طوائ ــبابات النف ــأن ص ك

نه الـشرى فـي محلـة كناس دنا م بها الليـث يعـدو والغـزال يغـازل

أمحجوبة ليلى ولـم تخـضب القنـا )١(وال حجبت شمس الضحاء القساطل

ال أرتاب في أن هذه النغمات المنبعثة من هذا الغزل ليست ابن « فقد كنت تسمعها منذ قليل منبعثة من عزف،غريبة عليك

.٤٤: ص . ق : الديوان)١(

.مكان الورود للشرب وغيره: المورد. مكان ارتيادهم:مرادهم. لى ثالث قوائم، ويثني الرابعة، وهو الذي يقوم عج صافن: الصوافن

.الرماح : العوامل. السيوف: المأثورةرقة : الصبابة. ة والغضبالحمي: الحفيظة. الرجل الشجاع: النجيد

. ج طائلة، وهي العداوة والترة: الطوائل. الشوق وحرارته . مأسدة : الشرى. بيت الظباء: الكناس

.غبار الحرب: قساطلال. الرماح:القنا

-٤٦-

أعني وتري الحب ،لقيثارة العريبة على أبرز وترين في ا»زيدون عينها »المغامرة ذات المجازفة البطولية « أو قل هي،والفروسية

في كلتا . وإن تقدم السرد ههنا على اإلنشاء،في القصيدة السابقة وجياد ، وسمر عوامل،القصيدتين حبيبة بدوية دونها رقاق الظبا

،د الدماء وفرسان أشداء ال يعرفون منهال سوى موار،صوافن! الدم النجيع جريرة ال يغسلها إالغير يرون في صبابة العاشق

،وفي كلتيهما عاشق مغامر ال يعطفه عما عزم عليه خوف ! عنه موت يترصده في كل درب ومنعطفيرده وال

قف قليال فإن في ؟أهذه صناعة متقنة أم تدفق عاطفي ساحرلسمع معا إليه في ولنرهف ا. هذا الوادي ما يستحق النظر

:القصيدتين كلتيهما وفي السيراء الرقم وسط قبـابهم - بعيد منـاط القـرط أحـور أوطـف

ــد ــب لموع ــا الكثي ــة وافين وليل سرى األيم لم يعلم لمسراه مزحـف

قعيدك أنى زرت نـورك واضـح ــف ــك مرج ــام وحلي ــرك نم وعط

يك هاجع هبيك اغتررت الحي واش وفرعك غربيـب وليلـك أغـضف

وأنى اعتسفت الهول خطوك مدمج وردفك رجراج وخـصرك مخطـف

-٤٧-

لجاج تمادي الحب في المعشر العـدا وأم الهوى األفق الذي فيـه نـشنف

ــإنني ــا ف ــال ال تلوم ــي مه خليل )١(فؤادي أليف البث والجسم مـدنف مر وسط عـرينهم لعمر القباب الح - لقد قصرت فيها الـسروب العقائـل

ــد ــب لموع ــا الكثي ــة وافتن وليل كما ريع وسـنان العـشيات خـاذل

تهادى انسياب األيم يعفو إثارهـا من الوشي مرقوم العطـافين ذائـل

قعيدك أنى زرت ضـوءك سـاطع ــادل ــك ه ــاح وحلي ــك نف وطيب

جعهبيك اغتررت الحي واشيك ها ــل ــك الئ ــب وليل ــك غربي وفرع

.١٠٩:ص. الديوان ق )١(

: أوطف. ما يعلق به الحلق: مناط القرط. البرود المخططة: السيراء الرقم: قعيدك. موضع الزحف: مزحف. الحية: األيم. أهداب العينينطويل شعر

. شديد السواد: غربيب. من غر بمعنى خدع: اغتررت. سألت اهللا تعميركداخل : مدمج. سار على غير هداية: اعتسف الطريق. مظلم أسود: أغضف

نكره : نشنف. قصد: أم. ضامر: مخطف. بعضه في بعضه اآلخر .الحزن: البث. ونبغض

-٤٨-

فأنى اعتسفت الهول خطوك مدمج ــل ــك مائ ــراج وعطف وردفــك رج

خليلي مالي كلمـا رمـت سـلوة ــل ــك حائ ــوق دون ذل تعــرض ش

ضالال تمادى الحب في المعشر العـدا )١(ولج الهوى في حيث تخشى الغوائل

كان »ابن زيدون «نهل يساورك رسيس من الشك اآلن في أ إنه يصدر عن ؟ ولم يكن عاشقا ملتاعايصنع هذا الغزل صناعة،

شعور واحد في القصيدتين هو شعور الرضا والطمأنينة والسرور »الالمية « فقد قال،على الرغم من التباعد الزمني بين القصيدتين

وهو يتفيأ »الفائية « وأنشأ، في قرطبة»أبي الوليد «وهو في ظالل ويحدثنا التاريخ أن ابن زيدون قد . في إشبيلية»المعتضد «لظال

. وأالن له عطفيه في ظالل هذين الملكين،بسط له الدهر كفهوعلى الرغم من التشابه وأحيانا التطابق بين صور النصين

. ٤٤:الديوان ق ص )١(

، وهو الجماعة ج سرب: السروب. حبست: قصرتمأوى األسد : العرين وهي الكريمة المخدرة ،ج عقيلة: العقائل. ظباء والطيرمن النساء وال

اذل الخ. من الوسن، وهو النعاس: الوسنان. فزع: ريع. من النساء: يعفو. لحيةا: األيم. تتهادى: تهادى. الظبية المتخلفة عن صواحبها

شديد : الئل. ذو الذيل: الذائل. زارأراد اإل: مرقوم العطافين. يمحو .الدواهي: الغوائل. الجانب. العطف. ظالمال

-٤٩-

ومعانيهما وصياغتهما اللغوية فقد استطاع هذا الشاعر أن يوفر ، ذلك العناصر البدوية الغزيرةلهما طاقة غنائية عالية تسعفه في

»الطويل « ووزن، وعذوبة السرد،وكثرة التقسيم،وروح المغامرة ولذا،»المتقاربي « لطيف النغم بسبب أصله،ألنه بحر طلق العنان

شعر بمعناه ولفظه يلجان إلى وإنما ت،ال تكاد تحس له بوزن« .الطيب/ د على حد تعبير)١(»قلبك

»المعتضد «ي صدر قصيدته فيولقد أشاع ابن زيدون فجوا من الحنين والشجن بما أضافه إليها من العناصر العذرية

أو قل بهذه ،ذات الرصيد العاطفي الضخم في الوجدان العربيالرموز التي تشيع جوا من الغموض العاطفي الكثيف المحبب

:إلى النفس وإنــي ليــستهويني البــرق صــبوة

كـاد يخطـف إلى برق ثغر إن بـدا ــه ــرن جمان ــد الم ــذكرني العق وت

مرنات ورق في ذرا األيـك تهتـف فما قبل من أهوى طوى البدر هودج

)٢(وال صان ريم القفر خدر مـسجف

.١/٤٤٥: المرشد إلى فهم أشعار العرب )١( . ١٠٩: ص. الديوان ق)٢(

الحمائم: الورق. اللؤلؤ: الجمان. المحدث رنينا: المرن.

-٥٠-

والبروق في الشعر العربي القديم مرتبطة أبدا باألشواق كي الغامضة على نحو ما يرتبط الحمام بمعاني الفقد والوفاء كما تح

ولعل الهوادج وآرام القفر والخدور تمنح النص .األسطورة العربية ويعمق من ،مذاقا بدويا صحراويا يشكل حاضنا للرمزين السابقين

على نحو ما تعزز ظاهرة النفي المتكرر في البيت ،دالالتهما .األخير مشاعر االفتقاد وما ينجم عنها من الشوق والحنين

وإلى »ابن خاقان « التي أوحت إلىولعل هذه العناصر هي بهذا »والدة «شوقي ضيف بأن ابن زيدون كان يناجي روح/ د

.الغزل على نحو ما قدمنا من هذه القصيدة رأيت »المدح «فإذا نظرت في وحدة

ضروبا من الصناعة المتقنة فيها من العقل أضعاف ما فيها من ،الصفات وتراكم ، وتكرار النسق،العاطفة كتكرار النفي

والدوران حول المعنى الواحد وعرضه في ، والمقابلة،والتقسيمكل ذلك في سياق سردي ... ..معارض شتى بغية استيفاء الداللة

تكاد تحرفه عن مجراه جملة إنشائية واحدة إال بين ممتد ال :الوقت والوقت

مجلـس اد حوى البحـروال قبل عب

وال حمـل الطـود المعظـم رفــرف

هو الملك الجعد الـذي فـي ظاللـه

تكف صروف الحادثـات وتـصرف

-٥١-

همـام يــزين الـدهر منــه وأهلــه

ــسف ــب متفل ــه كات ــك فقي ملي

ــر ــرير ومنب ــاه س ــه بمرق يتي

ويحمد مـسعاه حـسام ومـصحف

ــة ــادث اإلد لحظ ــي الح ــه ف رويت

وتوقيعه الجالي دجى الخطب أحـرف

ــشب ــيه ي ــيم لعاص ــودهجح وق

ــف ــين تزل ــدن للمطيع ــة ع وجن

سجايا لمـن وااله كـاألري تجتنـى

)١(تعود لمن عاداه كالـشري ينقـف

– بيتا ٥٨ –فإذا فتشت هذا المدح وفليته لم تجد فيه على طوله شيئا من أمور الحياة التي يضطرب فيها الناس إال ما قد يكون من

أو ما يمت بسبب وثيق إلى الممدوح ،إشارة غامضة إلى األعداء إنه مديح مغلق على مجموعة .كتهنئته بالعيد ثم ال شيء وراء ذلك

بل قل ،من القيم المجردة التي ال نجد لها تجسيدا في الواقع

:ة نفسها الديوان، القصيد)١(، الشديد األسر: الجعد. الفراش والبسط: الرفرف. الجبل العظيم: الطود

العظيم، يصفه : اإلد. لخلق، وقيل إنه هنا بمعنى الكريمالمجتمع ابد ، والالحنظل: الشري. العسل: األري. تقرب: تزلف. بسرعة التفكير

.لناقف الحنظل من أن تدمع عيناه

-٥٢-

وما .نسمع لها أصداء في الحياة التي تلهو بالناس أو يلهون بها ال وعيش ،ل ممدود أال يكفيه ما هو فيه من ظ؟البن زيدون وللناس

؟ وتقلب بين الملذات،خفيض لك الخير أنى لي بـشكرك نهـضة؟

وكيف أؤدي فرض ما أنت مـسلف؟ ــرة ــي غ ــال من ــيم الح ــدت به أف

يقابلهـا طــرف الجمــوح فيطــرف ــة ــاك دار مقامـ ــه دنيـ وبوأتـ

ــف ــل مقط ــل وذل ــا ظ ــث دن بحيــية ــستها سندس ــة ألب ــم نعم وك

ها فـي كـل حـين وألحـف أسربل ــا ــدين كأنم ــاض الي ــب في مواه

من المزن تمرى أو من البحر تغرف ــه ــدا قــد تملكــت رق فــإن أك عب

)١(فأرفع أحـوالي وأثنـى وأشـرف ، السابقة»الدالية « في»المدح «وإذا نظرت في وحدة

وعقدت لها الجفون انكشف لك من أمرها ما انكشف من أمر

: قة ، القصيدة الساب الديوان)١(البياض في جبهة الفرس، وقد : الغرة. الحال السوداء: بهيم الحال

.تستدر: تمرى. سهل وهان: ذلل مقطف. استعارها للحال

-٥٣-

وإدبار قاس عن ، وجفاف عاطفي، صناعة متقنة:بقةأختها السا وذات ال ترى على صفحة مرآتها سوى ،أحداث الحياة وناسها

،ظاللها وظالل الممدوح التي تستطيل وتتعاظم حتى تسد األفق :وتحجب الرؤية

أغر إذا شمنا سحائب جوده

تهلل وجه واستهلت أنامـل لديه رياض للسجايا أنيقـة

ها للعطايـا جـداول تغلغل في

أتي فما تلك السماحة نهـزة

وفي فما تلك الحبال حبائـل زعيم الدهاء أن تصيب من العـدا

مكايده ما ال تصيب الجحافل

فما سيف ذاك العزم فيهم بمعـضد

وال سهم ذاك الرأي أفوق ناصـل .....................

ألمنتني الخطب الذي أنا خائف

وبلغتني الحظ الذي أنا آمـل وما الشعر مما أدعيه فضيلة

تزين ولكن أنطقتني الفواضل

بقيت كما تبقى معاليك إنهـا

)١(خوالد حين العيش كالظل زائـل وأحسب أنه من العسير أن نجد في هذا المديح وسابقه

، فهو يسرف في االتكاء على الموروث الشعري،طرافة

٤٤:ص . الديوان ق )١(. السيل: األتي. الخالئق والطبائع: السجايا. اشتد انصبابه: استهل المطر

ج حبالة، وهي : لحبائلا. أراد حبال العهد والذمة: الحبال. فرصة: نهزة: ناصل. مكسور: قوفأ. ج جحفل، حديدة كالمنجل: الجحافل. المصيدة

.مجرد من النصل

-٥٤-

ويعيد صياغتها صياغة ،عاني والصور واأللفاظفينقب عن المال تكاد تختلف عن صياغة ذلك الموروث من حيث الجزالة

كان يقصد إلى ذلك حين وصفه »ابن بسام «ولعل. والرصانة .»كثرة االهتدام «بـ

بيد أنني أود أن أقف على أمرين آخرين قبل أن أطوي فهل ، ناثرا»ونابن زيد «لقد كان. الحديث عن هاتين القصيدتين

نستطيع أن نعد هذه الهيمنة العقلية على قصائده في المديح أثرا .هذا هو األمر األول؟من آثار روح الناثر

فهو ، في كلتا القصيدتين»الوحدة النفسية «وأما األمر الثاني فهوفي كل منهما يصدر في الغزل والمدح عن إحساس عميق بالرضا

قته بمكانته في هذين البالطين فانعقدت فقد تعززت ث،والطمأنينة فطفق يخوض دنياه الوارفة ، وهبت عليه الريح رخاء،نفسه عليها

. ال يحذر أن يكون منها على جناح خوف،الظالل بتعبير حازم – في مدائح هذا الشاعر المركبة »الوحدة النفسية«و

ري يج فما أكثر ما، حقيقة تكاد تنعقد عليها األصابع–القرطاجني واقرأ إذا . أو يكون معادال عاطفيا للمدح،فيها الغزل مجرى الرمز

واستمع إلى ، بالحكم»أبا الوليد « التي يهنئ فيها»كافيته «شئت إن لم يكنه وما فيها من ترنم يشبه أن يكون غناء»الكامل «موسيقا

وانظر مدى مواءمة هذه الغنائية العالية للتعبير عن العواطف ،حقا :بسيطة غير المعقدة كالحبور والمرح والتغنيال

-٥٥-

ــاك ــديرها عين ــدام ت ماللم

فيميل في سكر الصبا عطفاك هال مزجت لعاشقيك سالفها

ببرود ظلمك أو بعذب لمـاك

بل ما عليك وقد محضت لـك الهـوى

في أن أفوز بحظوة المسواك ناهيك ظلما أن أضر بي الـصدى

عـود أراك برحا ونال البرء

واها لعطفك والزمان كأنمـا

صبغت غضارته ببرد صباك والليل مهما طال قصر طوله

هاتي وقد غفل الرقيب وهاك

ولطالما اعتل النسيم فخلتـه

شكواي رقت فاقتضت شـكواك ...........................

أما منى نفسي فأنت جميعها

ياليتني أصبحت بعض مناك يدنو بوصلك حين شط مزاره

وهم أكاد بـه أقبـل فـاك

للجهوري أبي الوليد خالئق

ـاكي ـام الب )١(كالروض أضحكه الغم

الطيب ما كان أعمق إحساسه بالشعر وأشد /وهللا در دلقد وقف على ! ان أقدره على تذوقه تذوقا حارا وماك،رهافته

خاص من الموسيقا وفيه لون « ثم قال»الكامل «قصائد من

. ٤١: ص. الديوان ق)١(. ماء األسنان، وهو غير الريق: بفتح الظاءالظلم. الخمر: السالف

. حسبك: ناهيك. أخلصت: محضت. سمرة في الشفة: اللمى. بارد: برود: الغضارة. رضرب من الشج: األراك. الشدة: البرح .العطش: الصدى

.النعمة والسعة والخصب

-٥٦-

،يجعله إن أريد به الجد فخما جليال مع عنصر ترنمي ظاهرويجعله إن أريد به إلى الغزل وما بمجراه من أبواب اللين

ونوع من األبهة ،والرقة حلوا مع صلصلة كصلصلة األجراس واستأنف في موطن ،)١(» يكون نزقا أو خفيفا شهوانيايمنعه أن .)٢(»ر كأنما خلق للتغني المحضوهو بح«آخر قائال

أو –ولو تأملت قليال هذه األبيات لرأيت فيها من قوة اإلنشاء فنونا شتى تقوي التعبير عن –قوة الخطابة بتعبير الدكتور الطيب

، والتحضيض )١:ب(مرح الشاعر وحبوره كاالستفهام اإلنكاري شاء والخبر الذي يجري مجرى اإلن،)٣:ب( واإلضراب ،)٢:ب( ورد ،)٦:ب( والتكرار اللفظي ،)٥:ب( والتعجب والحنين ،)٤:ب(

والتمني ورد العجز على الصدر ،)٧:ب(العجز على ما قبله والمفارقة الجميلة التي ،)٩:ب( وقوة التخيل أو الوهم ،)٨:ب(

). ١٠:ب(تداخل حدا المقابلة فيها فكان أحدهما علة واآلخر معلوال غزل تلك الظاهرة األسلوبية الفاشية في وأنت ال تجد في هذا ال

ولعل غياب هذه الظاهرة . أعني تكرار النسق،مدائح هذا الشاعرأبين في الداللة على عواطف الشاعر وتحررها من سطوة العقل

إن غيابها هو تعبير عن انتصار – إذا شئت – أو قل .وهيمنته .الشاعر على الناثر في شخصية ابن زيدون

.١/٣٠٢: المرشد إلى فهم أشعار العرب )١( .١/٣٠٣: المرجع السابق )٢(

-٥٧-

،آلن طبيعة هذا المدح الذي يلحق بهذا الغناءولعلك تحزر ا ،فهو مدح رائق يصدر عن هذه النفس التي مأل جنباتها الرضا

ولكن الشاعر سيتحول من صعيد عاطفي ريان إلى صعيد عقلي وسوف ترى فيه رمادا .ليس فيه من العاطفة سوى سؤر قليل

ولكنه ،ثقافيا مجلوبا من الخنساء والنابغة وأبي نواس وغيرهم مهما تشق – ولن ترى فيه . ويمهره باسمه،يتقن إعادة إنتاجه

سوى ما رأيته في مدحه الذي مر بنا من ازورار –على نفسك وانصراف قاس عن ، وصمم عن أصدائها،عن الهموم الكبرى

تيار الحياة المتدفق من حوله إلى العناية الفائقة بتضخيم صورة المصلحة الفردية الضيقة الممدوح وصورة الذات حتى لكأن

:ألقت بينه وبين الحياة من حوله حجابا صفيقا ملك يسوس الدهر منه مهذب

تدبيره للملـك خيـر مـالك

جارى أباه بعد ما فات المدى

فتاله بين الفـوت واإلدراك شمس النهار وبدره ونجومه

أبناؤه مـن فرقـد وسـماك

يستوضح السارون زهر كواكـب

م تنير غياهب األحـالك منه إذا سمعت بواحد جمعت له ،

فرق المحاسن في األنام فذاك

صمصام بادرة وطود سكينة

وجواد غايات وجذل حكـاك نادى مساعيه الزمان منافسا

أحرزت كل فـضيلة فكفـاك

ماالورد في مجناه سامره الندى

متحليــا إال بــبعض حــالك

-٥٨-

م أريجه كال وال المسك النمو

ــاك ــم ثن ــرا إال بوس متعط ياأيها القمر الـذي لـسنائه

وسناه تعنو السبع في األفالك

قلدني الرأي الجميـل فإنـه

)١(حسبي ليومي زينة وعـراك وأنت تالحظ أنه منذ أخذ في المدح انحرف عن الخطابة أو

فأضعف بذلك التعبير عن ، وصار إلى الخبر والسرد،اإلنشاء استمع إلى القسم األول »عمر بن الخطاب « ويحكى أن.واطفالع

أمن المنون وريبها « العينية»أبي ذؤيب الهذلي «من مرثية ثم لما سمع أبياته من القصيدة نفسها ، فاستحسنه جدا»....؟تتوجع

–.... . وفي حمار الوحش،في الثور الوحشي وما كان من أمره –وهو منهج قائم على التأمل ،وهذا منهج شعراء هذيل في الرثاء

وإذا أنت رجعت إلى هذه القصيدة وجدت .»سال أبو ذئيب «قال ، وأن السرد يهيمن على بقيتها،اإلنشاء متالحقا في أبياتها األولى

فكأنما كان قسمها األول للتعبير عن عاطفة الحزن وما يشتجر فيها كان قسمها وكأنما. فكان اإلنشاء أليق بهذا القسم،من األحاسيس

وكأنما .الثاني للتأمل والتفكير وإعمال العقل فكان السرد أجدر به »السلو « وكيف يكون، بقوة طبعه وخبرته ذلك كله»عمر «أحس

. ٤١: ص . الديوان ق )١(

. السائرون ليال: السارون. نجمان: الفرقد والسماك. قوامه: مالك األمر: البادرة. حلك، وهو الظالم الدامسج : األحالك. الظلمات: الغياهب .مجرب خبير: جذل حكاك. الجبل العظيم: الطود. الحدة

-٥٩-

؟ وانصرافا إلى التأمل والتفكيرن لم يكن تخففا من مشاعر الحزن،إولعل من مظاهر العقل هذه المعاني التي يدور حولها ليزيدها

صمصام «ظاهرة تكرار النسق التي أشرنا إليها سابقا و،جالء وهي أنساق ذات ،».....متعطرا إال ....متحليا إال« و»....بادرة

.سياق عقلي صرفولست أريد أن أقف على كل ما في هذه القصيدة من أسرار

فيها » وحدة الغزل « بل أريد أن ألفت النظر إلى أن،الصناعة وأن كلتا الوحدتين ، لوحدة المدحليست سوى مكافئ عاطفي

أو قل هما تجليان مختلفان،صادرة عن موقف نفسي واحد . لهذا الموقف النفسي الواحد »عاطفي وعقلي «

وكان – »المعتمد « التي أنشدها في »الميمية «وفي قصيدته ما في -المعتمد قد رد الوشاة والحاسدين عن شاعره ردا قاسيا

ووحدة ،تقان الصناعةإا السابقات من أخواتها بل ضرائرهوهو يستهلها استهالال يذكر تذكيرا قويا بمطالع . الموقف النفسي

: يقول.المتنبي الحكمية ودورانها حول الدهر الدهر إن أملى فصيح أعجم

يعطي اعتباري ما جهلت فأعلم

إن الذي قدر الحوادث قدرها

ساوى لديه الشهد منها العلقـم ولقد نظرت فال اغترار يقتضي

كدر المآل وال توق يعـصم

يحظى فتعجب حاله كم قاعد

من جاهد يصل الدؤوب فيحرم وأرى المساعي كالسيوف تبادرت

شأو المضاء فمنثن ومصمم

-٦٠-

ولكم تسامى بالرفيع نـصابه

خطر فناصبه الوضيع األألم وأشد فاجعة الدواهي محسن

ى ليعلقه الجريمة مجرم يسع

ـا تلقى الحسود أصم عن جـرس الوف

ولقد يصيخ إلى الرقاة األرقم قل للبغاة المنبضين قـسيهم

سترون من تصميه تلك األسـهم

وعبأتم للفسق ظفر سـعاية

)١(لم يعدكم أن رد وهو مقلم

ولست تبعد عن .مطلع جليل فخم تجلجل فيه سطوة الدهر ،ب إذا زعمت أن القصيدة كلها تنبثق من هذا المطلعالصوا

ورؤية قدرية مدوية تذكر بقدرية سلفه القديم.وتدور حولههل ما علمت وما استودعت « في ميميته الرائعة»علقمة الفحل«

ومن . الدهر يملي فال تجد الدنيا أمامها إال اإلذعان.»....مكتومقائقها في نفسه ولو راز الحوادث وقدرها حق قدرها تساوت ح

، أو قل تماهت مع الدهر.تباينت أو تناقضت مظاهرهاهذه هي . وأصبحت صورة منه فهي فصيحة عجماء في آن

رؤية الرجل الحكيم، وال يلبث الشاعر أن يتقمص شخصية هذا وكان قد رشح لها في البيت األول فعلم من ،الرجل الحكيم

.١٦٢ :ص. الديوان ق )١(

. الماضي إلى غايته: المصمم. المرتد دون غايته: المنثني. الغاية: الشأو. يستمع: يصيخ. يلصقها به: يعلقه الجريمة. عاداه: ناصبه. أصله: نصابهمن أنبض القوس أي جذب : المنبضون. يصنعون الرقى للعالجالذي : الرقاة

.كناية عن الذل والضعف: الظفر المقلم. تصيبه: تصميه. وترها لتصوت

-٦١-

هذا العلم للنظر أو وقد رشحه ،حقائق الحياة ما كان يجهل ، لقد نظر بقوة العقل والحدس معا،»ولقد نظرت «التأمل العميق

، وقاده هذا التأمل إلى مواقع الحكمة،ولم ينظر بقوة العين وعن هذه الشخصية ،فتقمص شخصية الحكيم أو تماهى معها

وهذا هو سر هذا ، ويذيع في الناس رؤيته،الحكيمة شرع يصدر وسر هذه ، في أعقاب هذا التقمص»الحكم« السيل المتدفق من

.»المعتمد « ولما ردهم به،الرؤية الواضحة لما أرجف حاسدوه وثقف ، وعقل منطق الدهر،لقد أدرك هذا الشاعر أسرار الحكمة

فإذا الحياة كلها أقدار مقدورة ال يد لإلنسان في ،نواميس القدرتوشك المفارقة وإذا هي مألى بالمفارقات حتى ل،دفعها أو قبولها

.أن تشكل لحمتها وسداهاوإنه لمما يلفت النظر حتى يكاد يهز المرء من كتفيه ما نراه من

على »فصيح أعجم «التي في مطلع القصيدة »التضاد «سيطرة بنية ، الشهد والعلقم،الجهل والعلم «تجليات القدر أو حكمة الشاعر

،ن ومصمم منث، قاعد يحظى وجاهد يحرم،االغترار والتوقي .» الصمم واإلصاخة، المحسن والمسيء المجرم،الرفيع والوضيع

بل تستمر هذه البنية في الظهور في كثير من أبيات القصيدة: وانظر األبيات، اإلسرار والظهور،الظفر المحدد والظفر المقلم«

فكأن الدهر،»....،٤٠ ،٣٦،٣٨،٣٩، ٢٨ ،٢٧ ،٢٠ ،١٩ ،١٤ليها فرض بنية صفته اللغوية أو أمالها الذي يفرض مشيئته أو يم

وإذا هي سطوة الدهر أو القدر .على كثير من األبيات المتالحقة

-٦٢-

وعلى المستوى اللغوي ،التي ال راد لها على المستوى المعنوي . الذي يجسد المستوى السابق في تكافؤ وتكامل واضحين

وأنت تستطيع أن تصرف شطرا واسعا من هذه الحكمة إلى .»األعداء والحساد « وتصرف شطرها اآلخر إلى، »الشاعر«

وليست بقية القصيدة سوى حديث عن هذين الطرفين في نطاق من المدح المتقن العريض تتبوأ فيه قيم العقل واإللهام والعلم

جرى مجراها من االتصال الوثيق بموقف وصدق الرعاية وما .المعتمد من الشاعر وأعدائه مكانة عالية

وقد يقول قائل هاهو ذا ابن زيدون يرهف السمع لألحداث من فأقول ؟ فهل ما تزال ترى في قصائد مدحه ما كنت رأيت،حوله

ولذا ،إنه ال يتحدث عن الحياة من حوله بل عن حدث وقع له . ويثير الغبار في وجه الخطر الذي دهمه،رأيناه ينشر أشواكه

قصيدتهولست أعرف سببا النصراف الباحثين عن صاحب»المظفر سيف الدولة « التي قالها في مدح»الالمية« زاهدون فيها في ما وقفت عليه ، فهم مزورون عنها،»بطليوس«

يفتتح الشاعر هذه القصيدة بالغزل جريا .من الدراسات األندلسية : يقول.على عادته في كثير من مدائحه المركبة

هي الشمس مغربها في الكلل-١

ها من جيوب الحلل ومطلع وغصن ترشف ماء الشباب -٢

ثراه الهوى وجناه األمـل

تهادى لطيفة طي الوشـاح -٣

وترنو ضعيفة كر المقـل

-٦٣-

وتبرز خلف حجاب العفـاف -٤

وتسفر تحت نقاب الخجل بدت في لدات كزهر النجوم -٥

حسان التحلي مالح العطل

مشين يهادين روض الربـا -٦

بيانع روض الصبا المقتبل فمن قـضب تتثنـى بـريح -٧

ومن قضب تتثنـى بـدل

ومن زهرات تندى بمـسك -٨

ومن زهرات تندى بطـل تعاهد صوب العهاد الحمـى -٩

وال زال مربعها في ملـل

مراد من الحب غض الجنى-١٠

لديه من الوصل ورد علل ك يهدي السرور ليالي ما انف-١١

حبيب سرى ورقيب غفل

١٢- كأن الفتى المسلمي زمان

)١(تكنفه عدلـه فاعتـدل

ليس في هذا النص على طوله جملة إنشائية واحدة ما عدا التي تكشف عن رغبة »وال زال مربعها في ملل «جملة الدعاء

وإذا لم يقصد ابن .الشاعر في أن يظل المطر يصوب هذا الربع

٢١٤:ص . الديوان ق )١(. رقيق يتوقى به من البعوض وأشباهه، وهي ستر ج كلة: الكلل

ج حلة، وهي: الحلل. ج جيب، وهو مدخل الرأس من الثوب: الجيوبأديم : الوشاح. تسير في رفق وتمهل: تهادى. امتص : ترشف. الرداء

. رجع: كر. تشده المرأة بين عاتقيها وكشحهاعريض يرصع بالجواهر . نزول المطر: صوب العهاد. لمتساويات في العمر، مفردها لدةا: اللدات

.شرب بعد شرب: العلل. مكان االرتياد: مراد

-٦٤-

النعت « بل قصد إلى،يدون إلى التعبير عن عواطفه ومشاعرهز وما قد يتراءى وراءه من اإلحساس العميق »أو الوصف

. وهو مذهب شائع في الشعر القديم،بالجمال واإلعجاب به فقد أكثر من القول ، صناجة العرب»األعشى «وألمر ما لقب

أو قل ، وأحسن حتى ال يشق له غبار فيه»المتقارب «في وزنلقد أفسد األعشى بحر المتقارب على من «الطيب/ بعبارة د

.)١(»بعده طبلي ، منساب، مطرد التفاعيل،بحر بسيط النغم «والمتقارب

وتلذذ بجرس ، ويصلح لكل ما فيه تعداد للصفات،الموسيقا فالناظم فيه ال يستطيع . وسرد لألحداث في نسق مستمر،األلفاظ

وكثير من ... .فهي أظهر شيء فيهأن يتغافل عن دندنته عا وراء النغم كما الشعراء الفحول يتحامونه ألنه يتطلب اندفا

.)٢(»يندفع التيارفإذا رددت النظر في هذا الغزل أدركت صدق ما ذهب إليه

فهو غزل رشيق حشد له ابن زيدون فنونا من الصناعة ،الطيب /د ،ه، وقصر تفعيالته بصفائ»المتقارب « ومن هذه الفنون وزن.شتى

، وبصالحيته أو مواءمته لتعداد الصفات،وتدفقها المتالحق السريع ومنها هذه القافية المقيدة التي .وسرد األحداث في نسق مستمر

.١/٤٠٢: ر العرب المرشد على فهم أشعا )١( .١/٣٨٣:المرجع السابق )٢(

-٦٥-

ولعل أبرز . وضروب من التكرار شتى،تسمح لإليقاع أن يمتد ال ،هذه الضروب هو تكرار أنساق لغوية كثيرة مع تنويع واسع فيها

وتارة أخرى .)٣،٤:ب(تارة يكرر النسق في البيت نفسهفهو وهو تارة ثالثة يكرره .)٢،٥،١١:ب(يكرره في شطر من البيت

.)٨ ،٧:ب(في بيتين متالحقين ماعدا ومن ضروب التكرار أيضا تكرار ألفاظ النسق كلها

»الموازنة« و»الجناس «ومنها تكرار ،)٧،٨:ب(الكلمة األخيرة .)٤:ب(وتكرار المعنى أو قسيمه ، )٨، ٧ ،٦:ب(

إن هذه الضروب الواسعة من التكرار ليست في الحقيقة سوى تماثلة عن تعبر بطريقة م « وكل متوالية منها،متواليات نمطية

القة بين الشكل الخارجي ع « أي إن ثمة،)١(»مفاهيم عالقية متماثلةلمتواليات فما هذه العالقة القائمة بين أشكال هذه ا.)٢(»والداللة – وأنا ال أتحدث ؟ ما وظيفة هذا التوازي: بعبارة أخرى؟ودالالتها

بل عن ، عن بنية التوازي التي يفرضها الوزن–كما هو واضح أو في هذه الضروب من ،بنية التوازي في هذه المتواليات النمطية

إن وظيفة هذه البنية هي إكساب األبيات المترابطة بسببها .التكرار وإبراز حدة ،)٣(»ا وتنوعا كبيرا في الوقت نفسهما واضحانسجا«

.٦٣ص : قضايا الشعرية: رومان ياكبسون)١( .١٠٦ص: المرجع السابق )٢( .المرجع السابق ، الصفحة نفسها )٣(

-٦٦-

وعلينا أن نتذكر دائما . وإثراء موسيقا النص،اإلحساس وتقويتها ألم أقل .)١(»جزء ال ينفصل من سياق المعنى «أن عنصر الموسيقا

وما قد يتراءى وراءه »النعت «منذ قليل إن ابن زيدون قصد إلى إنه ينعت عالما من ؟مال واإلعجاب بهمن اإلحساس العميق بالج

فهل نستكثر عليه أن يتقن ،الجمال والصبا يضج بالفتنة الساحرة وقف قليال على هذه الموازنة التي أقامها بين الطبيعة ؟هذا النعت تجد أنه لم يزاوج بين - ؟ لم ال أقول على هذه المنافسة–والمرأة

، الطبيعة مجلى لجمال المرأة فيتخذ من،عالم المرأة وعالم الطبيعة وأنه لم يوحد هذين ،وهذا من مالوف ما درج عليه الشعراء في »ابن الرومي «العالمين فتتالشى الحدود بينهما كما فعل

أجنت لك الوجد أغصان وأفنان فيهن «قصيدته التي على النون » تفاح ورمان:نوعان

،لجمال فاحتفل بضروب ا،ولكنه اعتسف بينهما سبيال أخرى :ووصفها وصفا محايدا في لوحة فاتنة ينافس فيها الحسن أخاه

بدت في لدات كزهر النجوم

حسان التحلي مالح العطـل مشين يهادين روض الربـا

بيانع روض الصبا المقتبـل

فمن قـضب تتثنـى بـريح

ومن قـضب تتثنـى بـدل ومن زهرات تندى بمـسك

ومن زهرات تنـدى بطـل

.٤٥ص: بناء لغة الشعر: جان كوهين )١(

-٦٧-

ليس يليق بهذا التثني وصواحبه إال هذا اإليقاع الرشيق و ويكفي أن تعيد النظر في معجم هذا الغزل .الخفيف الراقص

لتذوق ما فيه من حالوة الحياة حين تقبل وقد غفل الدهر :عنها

مراد من الحب غض الجنى

ـ ع لديه من الوصل ورد لل ليالي يهدي السرور ما انفك

رقيـب غفـل حبيب سرى و

لقد ارتبطت صورة الرقباء والعذال والوشاة في الغزل وغفلتهم هي رمز لغفلة المجتمع ، فهم رموزه،العربي بالمجتمع

ال يطوف ،عن العشاق الذين يتبادلون كؤوس السرور مترعة هل . وال يكدر صفوهم رقبة من عذول،بهم طائف من خوف

؟ صورة الدهرأسرف إذا ظننت أن صورتهم قد تتماهى مع ؟وكيف يمكن أن تصفو الحياة لهؤالء العشاق إذا جمح الزمان

ولعل هذه األحاسيس هي التي كانت تساور الشاعر بدليل قوله :»غفلة الرقيب «بعد

زمان كأن الفتى المـسلمي

ــدل ــه فاعت ــه عدل تكنف فكأن ،فهو يقرن على نحو واضح بين هذه الغفلة والزمان

. فلة الدهر أو اعتدالهغفلة الرقيب هي غومن حق الشعر أن نعجب بهذا التخلص من الغزل إلى

فرده ، لقد تغير مزاج الزمان، غيره عدل هذا الممدوح.المدح

-٦٨-

فصفت لياليه فهي ما تنفك ترعى ،من الجموح إلى االعتدال .سرور هؤالء العشاق

فهل تشك بعد هذا كله في طبيعة المدح الذي سيعقب هذا أو قل إن هذا ، إنه صورة منه بهجة وإشراقا وحبورا؟الغزل

ولست تجد شيئا في هذا .الغزل هو المعادل العاطفي لذاك المديح ومن اإلحساس العميق بالحياة ،الغزل من جمال الصنعة ودقتها

ومن فيض الداللة من جمال ، ومن الرضا والطمأنينة،وجمالهالقد برع . هذا المديحالنعت أو التصوير إال وأنت واجده في

ومضى طلقأ في هذا ،الشاعر في تخلصه من الغزل إلى المدح وراز نفسه فيه أشواطا منذ زمن بعيد، ،المضمار الذي راضه

:فإذا هو يبدي من فنون الصنعة ما يمأل العين ويوضح رسم التقى إذ عفـا

ويطلع نجم الهـدى إذ أفـل

أشف الورى فى النهى رتبة

هم في المعالي مثـل وأشهر وأحرى األنام بـأمر ونهـي

وأدرى الملوك بعقـد وحـل

فما وعـد الظـن إال وفـى

وال قالت الـنفس إال فعـل فلقــى مناوئــه مــا اتقــى

وأعطى مؤملـه مـا سـأل

غمام يظل وشـمس تنيـر

وبحر يفيض وسـيف يـسل قسيم المحيا ضحوك السماح

للطيف الحوار أديب الجـد

ــالي ــزوده للمع ــإن ت ف

ــل وإن تأهبــــه لألجــ

-٦٩-

سواك إذا قلد األمـر جـار

وغيرك إن ملك الفيء غـل فأنت الجريء إذا الـشبل هـاب

)١(وأنت الدليل إذا النجم ضل

بل هو ،ليس في هذا النص على طوله جملة إنشائية واحدة ن إظهار سرد متدفق سبيله النعت أو الوصف رغبة في البعد ع

وأعد قراءة . وإيهاما بالموضوعية والحياد،العواطف مباشرة ولست .هذه األبيات تر سيطرة ضروب من األنساق اللغوية

تجد ضربا منها إال وجدت موازاة داللية له فكأن صورة النسق وقد تكون هذه الموازاة أحيانا نادرة . وتدل عليه،تجسد المعنى :موازاة ضدية

اوئــه مــا اتقــىفلقــى من

وأعطى مؤملـه مـا سـأل غمام يظل وشـمس تنيـر

وبحر يفيض وسـيف يـسل

بل تعمد ، في النفس»وحدة األثر «ولكن هذه الموازاة ال تبدد وتزيد من قوة ،إلى المالءمة بين األقسام، فتؤدي وظيفة تكميلية

. وأثره في نفس المتلقي،النصقسيم (»التقسيم «هرةوتجد داخل األنساق المتكررة ظا

أو تجد طباقا أو أكثر .التي تثري موسيقا النص) ....المحيا

٢١٤: ص . الديوان ق )١(. لخصما: المناوئ. الخلق: الورى. أعلى: أشف. درس وزال: عفا

جميل: قسيم

-٧٠-

وقد تروقك الصورة . وتوشك أن تتلمظ شفتاك،فتذوق حالوة ومن .الكنائية فوق ما تروقك صور قديمة أعاد ضربها من جديد

:هذه الكنايات قوله ونيطت حمائلـه الوافيـات

ــل ــه فاحتم ــان تمائم مك

ت البرد تلـك الـدمو وما بل

)١(ع إال وفي البرد ليث أبل فنهل من ،»ابن زيدون «لقد غفلت عين الرقيب أو الدهر عن : وحق له أن يقول،صفو الحياة وعل في ظالل المظفر

فلو صافح التبر خدي لهـان

ولو كاثر القطر شكري لقـل الوحدة « وإذا نحن أمام قصيدة متقنة الصنع تحققت فيها

فليس إلى الزهادة ،»وحدة أسلويبة « وآزرتها وجسدتها،»النفسية .فيها من سبيل

وجمعت منه ما انتشر تبين لنا أن،فإذا ضممت أطراف الكالم ،من الشعر حرفة اتخذ، أحد شعراء المدح الجوالين»ابن زيدون«

فطفق يجوب أرجاء األندلس بحثا ،وجعل في كفالتها مآربه جميعا تحصبه . وينقاد له آخر، الجاه العريض الذي يعاسره حيناعن

وتصرفه رياح ، وتلوي به ريح الطموح حينا،ريح الخالف حينا

:، القصيدة السابقةالديوان )١(شديد : أبل. ج حمالة، وهي ما يحمل فيه السيف: حمائله. علقت: نيطت

.الخصومة

-٧١-

لقد جعل دبر أذنيه كل .المغامرة واألنانية والوصولية كل حين وأغمض عينيه عن كل هم إال همومه ،صوت إال صوت ذاته

جر الحصيف الذي يعرف وتقلب في البالد تقلب التا،الشخصية . وكيف تروج البضاعة،أين ينبغي أن تنصب السوق

فهو يبنيها بناء،وتظهر حصافة هذا الشاعر في قصائد المديح ويلتزم من أمرها ما يلتزمه التاجر الحصيف ،محكما أو شبه محكم

فإذا ،من شروط السلعة الجيدة مراعيا المعايير المعتمدة في عصره فيتخذ ،جودت الركابي / كما الحظ بحق د»البالط «هو يمثل شاعر

واللجوء إلى ،ركوب البحور الطويلة«ه العدة الالزمة من لمدائح ، ومن التقديم لهذا المدح بالغزل غالبا.)١(»النظم الرصين الجزل

ومن إيثار اإلطناب والتفصيل والتطويل والمبالغة في تصوير نمطية يتعاورها العقم شخصية الممدوح حتى غدت هذه الشخصية

وما ذلك إال النقطاعها عن الحياة المتجددة من ،والجمود والتكرار بل لعله تدرب عليها منذ ،يخضع لصفات شاعر القصر « إنه.حولهاورأيناه يطلب ... .ذابت شخصيته في مدح الملوك « ولقد،)٢(»نشأته

فة كانت ولكن العاط،عون بالغته ولغته وفنه فيأتيه طائعا منقاداا وإنم،إذ ال شأن للعاطفة في هذا المضمار.. .تعوزه على الغالب

.)٣(»الشأن للبالغة والمقدرة الفنية

.١٩٧ص : في األدب األندلسي)١( .٢٠٠ص: المرجع السابق)٢( .٢٠١ص : المرجع السابق)٣(

-٧٢-

أن يحقق – على الرغم مما تقدم -ولكن ابن زيدون استطاع وأن ، أكاد أقول دائما»وحدتها النفسية «لقصيدة المدح األندلسية

وأن ينحو بغزلها ، كثيرة في أحيان»وحدتها األسلوبية «يحقق لها وقد تجمع . فيجعل منه مكافئا عاطفيا لوحدة المدح،»الرمز «منحى

في مدائحه رماد ثقافي كثير استطاع أن يعيد إنتاجه ببراعة وسطوة التقاليد األدبية ، ولكن روح العصر،واضحة وصنعة متقنة

حالت ، وانحرافه الشديد إلى نفسه، واتخاذه الشعر حرفة،وعراقتهابينه وبين خلخلة التقاليد الشعرية الموروثة أو تعديلها، وانحرفت به

فظل خياله الشعري في مدائحه ،عن تجديد لغة الشعر وبنائها الفني .أسيرا مقصوص الجناحين إال في مواطن نادرة

عبد القادر هني عن التجديد في / ولقد قرأت بإمعان ما كتبه دت طويال معياره المضموني الذي راز به ، وتأمل)١(الشعر األندلسي ولكن الظنون ساورتني حول ، فلم أنكر ما قرأت،ما قرأه من شعر

ولست أرتاب في .مدى مواءمة هذا المعيار للحكم على الشعر هذا وعن روح،ضرورة تعبير الشعر عن الناهض في الحياة

ةأرتاب أيضا في ضرور ولكنني العن تجلياته فحسب، النهوض الأن يكون هذا التعبير إدراكا فنيا لهذه الروح الناهضة ال إدراكا

ولم أجد في مدائح ابن زيدون طرفا من هذا التجديد .ذهنيا صرفا . وال من غيره إال ما ألمعت إليه،هني/الذي تحدث عنه د

.»وط قرطبةمظاهر التجديد في الشعر األندلسي قبل سق«انظر كتابه )١(

-٧٣-

وصرنا إلى ،فإذا طوينا ما كنا فيه من أمر قصيدة المدحشعبة من قصيدة المدح كما قلت وهي –قصيدة االعتذار

ويقصر تقصيرا شديدا يعض ، رأينا هذا الشاعر يكدي–سابقا .منه على اإلبهام

باب االعتذار في ما وصل إلينا »عمرو بن قميئة «لقد فتح ولكن الذي أرسى أصول قصيدة ،من شعر أهل الجاهلية

ا في تاريخ ورعاها حتى بلغ بها أعلى ذروة فنية بلغته،االعتذار »النابغة الذبياني «الشعر العربي القديم هو شاعر الجاهلية الكبير

لقد أفسد هذه القصيدة على شعراء :حتى يصح أن نقول فيه .العصور الالحقة

ينص على – في ما وقفت عليه –ولم أر أحدا من الدارسين بل هم يضمونها إلى ،وجود هذه القصيدة في ديوان ابن زيدون

وعلى الرغم مما بين القصيدتين من وجوه االتفاق .د المديحقصائواعتذاريات ابن زيدون هي قصائده .)١(فإن بينهما فروقا ال تخفى

، يستعطفه»أبي الحزم بن جهور «التي أرسلها من سجنه إلى وأكثرها . ويعتذر عما رماه به الوشاة األعداء،ويشكو إليه حاله

ومن عنصري ،»الغزل «هوقصائد مركبة من عنصر تقليدي وليس يأتي تقصير هذا الشاعر من .المدح واالعتذار ممتزجين

.»االعتذار «حديث الغزل أو المدح، بل من حديثه عن عناصر

.، الباب األول»قصيدة المدح حتى نهاية العصر األموي«انظر كتابي )١(

-٧٤-

ولعلها أن تكون أوفرها ،وسأتخير مثال لهذه االعتذاريات أطولها : وهي قصيدته الرائية،من الفن حظا

ماجال بعدك لحظي في سـنا القمـر

ــاألثر ــرى العــين ب إال ذكرتــك ذك

بيتا من هذه القصيدة التي يبلغ عدد »١٤ «يستغرق الغزل »الفقد « وهو غزل تسري في عروقه نغمة. بيتا»٥٦ «أبياتها

ويجري مجرى . الضرير»القنوط« و، الممض»الحنين«القاسي، و :رمزيا يخطف البصر

ما جال بعدك لحظي في سنا القمـر

ذكرى العين بـاألثر إال ذكرتك الليل مـن أسـف اءمذوال استطلت

إال على ليلة سرت مع القصر

في نشوة من سنات الوصل موهمة

أن ال مسافة بين الوهن والسحر ناهيك من سهر بـرح تألفـه

شوق إلى ما انقضى من ذلـك الـسمر

فليت ذاك السواد الجون متـصل

لبـصر لو استعار سواد القلب وا ـننأما الضنى فجنته لحظة ع

كأنها والردى جاءا على قـدر

................................

حسن أفانين لم تستوف أعيننا

غاياته بأفـانين مـن النظـر

واها لثغرك ثغرا بات يكلـؤه

غيران تسري عواليه إلى الثغـر يقظان لم يكتحل غمضا مراقبة

لجأش مقدام على الغـرر لرابط ا

ال لهو أيامه الخالي بمرتجـع

ــر ــه بمنتظ ــيم ليالي وال نع

-٧٥-

إذ ال التحية إيمـاء مخالـسة

وال الزيارة إلمام على خطـر منى كأن لم يكن إال تـذكرها

)١(إن الغرام لمعتاد مع الـذكر

،من هذه الحسناء التي تقترن بالقمر في نفس ابن زيدون هو بل ليس القمر سوى أثارها فهي العين و؟رآه رآهافكلما ؟ على األبيات الخمسة األولىمخيوما هذا الليل الذي ي!! األثر

»ليالن « إنه؟وما سر تميز بعض هذا الليل من بعضه اآلخر أحدهما طويل يتكنفه األسف والسهر المبرح الذي ،عند التحقيق

،ر ناصب يقاسيه ابن زيدون فهو ليل ساه،انعقد به الشوق وقاناه وفي لججه المظلمة المتراكبة يرى القمر فيذكره ،ويشكو تطاوله

.!! الحسناء كما يذكر األثر بالعينبتلك وكان ليال انعقد السرور ،وثاني الليلين ليل مضى وانقضى

وأرجت فيه خمرة النشوة فعاد قصيرا شديد القصر ،بأرجائهعلى بعض فما من مسافة بين حتى كأن أبعاضه طوي بعضها

!!الوهن والسحر

٧: ص . الديوان ق )١(نصف : الوهن. ج سنة، وهي شدة النوم أو أوله: سنات. بقيته: ذماء الليل

من األضداد، وهي هنا : الجون. الشدة: البرح. قبيل الصبح: السحر. الليلكلمة : واها. عارضة: عنن. المرض المزمن: نىالض. بمعنى السوادج ثغرة، وأراد : الثغر. الرماح: العوالي. يحفظه: يكلؤه. تعجب وتلهف .بها حدود البالد

-٧٦-

من رحيق السرور وأريج ) ابن زيدون(لقد فرغ وطاب ، فطفق يعالج غربة الفقد القاسية، وعاسره الدهر العسير،النشوة

. ويقتات خبز الذكريات المر،وأشواق الحنين القانط وما أكثر ،ما أكثر ما وصف الشعراء زمن الصفو بالقصر

، زمن الضيق والشدة طويال مسرفا في الطولما صوروافهل تخالجك الظنون بعد ! بالليل – أكاد أقول دائما –وقرنوه

هذا كله في أن ثاني الليلين هو تعبير عن حياته الماضية الوارفة الظالل قبل أن تنقلب به األيام، وفي أن أولهما هو تعبير عن

ناء رمز أليام الصفو وفي أن هذه الحس،واقعه في غيابة السجن وإذا ليس عجبا أن ؟ وأن القمر رمز لذكرى تلك األيام،الغابرة

يعلن ابن زيدون حسرته على ما انقضى من سمر ذلك الليل ويتمنى لو أن ذلك الليل امتد واتصل حتى لو استعار ،البهيج

.سواده من سويداء قلبه وسواد بصره فليت ذاك السواد الجون متصل

عار سواد القلب والبصر لو است

؟فهل رأيت أمنية أو بيعة وكس أسوأ مما تسمع وأغرب ،ويمضي ابن زيدون دون إيغال في ترميزه الغزلي الشفاف

فيحدثنا عن مرضه المزمن العضال الذي سببته نظرة عارضة – أو قل . فكانا قدرا مقدورا ال مناص منه،اقترن بها الردى

وصرت إلى جفاف القول وحدة ، وأوصابهإذا تركت دنيا الحب وإلقائه ،»أبي الحزم « يحدثنا عن وقوعه في قبضة–مباشرته

-٧٧-

وما سببه إال صبوة ، وعن سبب ذلك،في غياهب السجنجامحة إلى مطامح سياسية عريضة أوردته مورد الموت

.الزؤام المحقق أما الضنى فجنته لحظة عنن

كأنها والردى جاءا على قدر

ويعلن في ،وينعطف ابن زيدون إلى الماضي مرة أخرى حسرة ظاهرة أن عينيه لم تستوفيا كل أفانين حسن ذلك

أو قل إن مباهج تلك األيام الغوابر كانت أكبر من ،الماضي ويقوم الخبر الذي أريد به اإلنشاء .قدرته على احتوائها جميعا

:بتعميق معاني الحسرة في النفس تستوف أعينناحسن أفانين لم

غاياته بأفانين مـن النظـر

وكأنه يمهد بمفارقته هذا الحسن لهذه الجملة اإلنـشائية المثقلـة :بالتلهف والحنين

واها لثغرك ثغرا بات يكلـؤه

غيران تسري عواليه إلى الثغـر يقظان لم يكتحل غمضا مراقبة

لرابط الجأش مقدام على الغرر

، زيدون تعبيرا رمزيا مركزا عن حقيقة الحـال لقد عبر ابن

حتى ألوشك أن أزعم أن أبرز حقائق هذا الغزل النفسية مخبوءة شخص جسور – في ما يزعم – إنه .تحت جناحي هذين البيتين

، قناص للفرص يترصد غفلـة الرقيـب ،ال يعرف قلبه الخوف النـوم ولكن هذا الرقيب فارس غيور ال تعرف عيناه الغفلـة أو

-٧٨-

، ال شيء سوى هذا التلهف ؟ فما الذي يقوى على فعله ،»يقظان« وهذه الحسرة التي يزدردها لكأنني أسمع اصطكاك ،وهذا الحنين

، وصار إلى مواقع العجـز ، لقد ظفر به اليأس والقنوط .أسنانه : فخرج إلى البوح والتصريح

ال لهو أيامه الخالي بمرتجع

ــر ــه بمنتظ ــيم ليالي وال نع فأقفرت ،قد طوت يد المغامرة ما كان من لهوه العريضل

سوى الرمز / ولم يبق له من حبيبته ، وتبددت أحالمه،حياته .رماد الذكرى

وتأملته لرأيت كيف تنمو ،ولو أعدت النظر في هذا الغزلأسف « فتتحول الذكرى الحزينة إلى،مشاعر الفقد وتتعزز

رض عضال ثم يتحول األسف والحسرة إلى م،»وحسرة ويتحول المرض العضال إلى تربص وتهديد ،»الضنى«

ويتحوالن أخيرا إلى يأس ،»الفارس الغيور اليقظان «بالقتل .مطلق

هكذا يبدو هذا الغزل وهاجا بالمعاني العاطفية التي ترمز .فيها من روح المغامرة والجموح لواقع الشاعر وحياته بما

د في فتنة قرطبة التي شغب وأغلب الظن أنه كان البن زيدون ي فزج به في السجن ،هـ٤٣١ سنة »أبي الحزم «فيها الناس على

.هـ٤٣٢في أعقاب هذه الفتنة سنة

-٧٩-

وأغلب الظن أيضا أن ابن زيدون هو الذي أوقد نار الطمع ، وأمدها بالحطب الجزل،»المعتمد «وحب التوسع في نفس

. هـ٤٦٢نة وتم له ذلك س،فشجعه على االستيالء عليها التي وصفنا بها »المغامر «ولعل هذين الموقفين يعززان صفة

.هذا الشاعر أو ينعطف ،وحين يتحول ابن زيدون من الغزل إلى الشكوى

من الرمز والتلميح إلى المباشرة والتصريح ال يغادر مداره فهو يبدأ هذا التصريح بالمعنى عينه الذي نراه ،النفسي قيد أنملة

العين « وبالصورة نفسها مقلوبة: وأكاد أقول،ستهاللفي بيت اال :»العيان والخبر/واألثر

من يسأل الناس عن حالي فـشاهدها

محض العيان الذي يغني عن الخبـر

مطلعان متوازيان – بيت االستهالل وهذا البيت –إنهما وال يلبث . واآلخر من وادي الشكوى،أحدهما من وادي الغزل

فيلجأ إلى مغالطة النفس ومخادعتها أو ما ،ن يتجلدالشاعر أ :»يلحسن التعل «يسميه البالغيون

هل الريـاح بـنجم األرض عاصـفة

أم الكسوف لغير الـشمس والقمـر؟

إن طال في السجن إيداعي فال عجب

قد يودع الجفن حد الـصارم الـذكر

-٨٠-

الغبار وعال واتسع ،فإذا صار ابن زيدون إلى االعتذار أكدىبينه وبين شاعر كالنابغة، فهو يلم بمقومات االعتذار المعروفة

: فإذا تلبث عند بعضها كان كأنه في العثار،إلماما خاطفا ما للـذنوب التـي جـاني كبائرهـا

غيــري يحملنــي أوزارهــا وزري؟ من لم أزل مـن تأنيـه علـى ثقـة

ولم أبت مـن تجنيـه علـى حـذر نت أحسبني والنجم فـي قـرن قد ك

ففيم أصبحت منحطـا إلـى العفـر؟ يا بهجة الدهر حيا وهـو إن فنيـت

ــسير ــار وال ــة اآلث ــه زين حيات لي في اعتمادك في التأميـل سـابقة

وهجرة في الهوى أولى من الهجـر ففيم غضت همومي من عال هممـي

؟وحاص بي مطلبي عن وجهة الظفر هل من سبيل فماء العتب لـي أسـن

إلى العذوبة من عتبـاك والخـصر؟ ال تله عنـي فلـم أسـألك معتـسفا

رد الصبا بعد إيفـاء علـى الكبـر

-٨١-

هبني جهلـت فكـان العلـق سـيئة

)١(ال عذر منها سوى أني من البشر

وأين ،ع بل قل أين الغرب من النب؟أين هذا من اعتذار النابغة الخرب من الصقر؟ وكيف استقام البن زيدون وهو يشكو

وانظر إليه ؟ بالموت»أبا الحزم «ويستعطف ويعتذر أن يذكروهو يمضغ المعاني القديمة ويلوكها تسمع لها جرسا قبيحا فكأنها

. ولج بها النفور والصدود،فارك شمست عليه لقد ظفر ؟دونأهو صراع الناثر والشاعر في شخصية ابن زي

فإذا هو يقرر المعاني ، فنسخ روحه إال قليال،الناثر بالشاعر لقد أخفق ابن : أريد أن أقول. ويسوقها عارية جرداء،تقريرا

ويحولها إلى معان ،زيدون في أن يغير طبيعة هذه المعاني .عاطفية بليلة الجناح

ر وحقا لقد استطاع هذا الشاعر أن يحقق لقصيدة االعتذا فجعل الغزل معادال عاطفيا لوحدة المدح ،وحدتها النفسية

،»الرسالة « وطبع قصيدته بطابع مميز فاتخذت شكل،واالعتذارحادثتان «: فقال،إحسان عباس قد الحظ ذلك منذ زمن/ وكان د

: الديوان، القصيدة السابقة)١(

ل، يريد أنهما مقترنان في الحب: القرن. الملجأ: الوزر. الذنوب: األوزارير طعمه الذي تغ: األسن. ومالحاد : حاص. التراب: العفر .العلو .البارد: الخصر .رضاك: عتباك. ولونه

-٨٢-

إذا تشابهتا في أن فرضتا على ابن زيدون مسلكا واحدا هما تيهما نرى ابن زيدون وفي كل،حادثة الحب وحادثة السجن

،محتجبا وراء المسافة يكتب رسائل محددة المعالم مرتبة األفكار مزودة بقوة االنتقاء اللفظي ،متراوحة بين االعتدال والثورة

.وحالوة الجرس الموسيقي تبين لك »عمله الديواني «فإذا أضفت إلى هاتين الحادثتين

ك لو أطلقت على حتى إن... . في كل حالة»كاتبا «ابن زيدون لما كنت بعيدا عن »رسائل ابن زيدون «عظم ديوانه اسم

ثارا آ »الكاتب « لقد تركت صفة: ولعلي أضيف.)١(»الصواب وحرفته في مواطن غير يسيرة إلى دروب النثر ،قوية في شعره

.المكشوفة الجرداء

* * *

١٦٦ص. »عصر الطوائف والمرابطين«تاريخ األدب األندلسي ) ١(

.وما بعدها

-٨٣-

-ب- الرثاءقصيدة

-٨٤-

-٨٥-

ء أطرافا مما عرفته أختها قصيدة لقد عرفت قصيدة الرثا وكان للشعراء منذ العصر الجاهلي ،المدح من االهتمام والرعاية

ولم تزل الشعراء ترعى هذه المذاهب .مذاهب معروفة فيها وفي ضوء هذه المذاهب سوف .وتنميها حتى نضج التعبير عنها

فيها من فنقف على ما،نروز هذه القصيدة في شعر ابن زيدون . وعلى ما عراها من الضعف أو الجدة والتجاوز،ف وتليدطار

فإن التفتوا فهي ،وقلما يلتفت الباحثون إلى مراثي ابن زيدون فإذا فتشت عن .االلتفاتة العجلى كأنما يصيح بهم صائح الرحيل

قلة :سر هذا العزوف عنها أو الزهادة فيها انكشف لك أمران وتقصير .ابع اليد الواحدة فهي تكاد تعد على أص،هذه المراثي

ولعلهم لم يستملحوا أن يكدروا . وخمول ذكرها،هذا الشاعر فيها ،نقاء صورة هذا الشاعر وصفاءها في وجدان القارئ العربي

. صورة االرستقراطي العاشق– كما قدمت –وهي ،يصلح للمراثي كاد يغلبني الظن أن ابن زيدون الوي ولها؟ إن الرثاء يقتضي اإلحساس وماله،يطيق الصبر عليها وال

والتفكير في الموت وما يخالطه من ، ولوعة الحزن،بالفجيعة والتماس العزاء من مظاهر ،ضرب األمثال، وسوق األخبار

والحكمة وما ، وعمق التأمل في الفناء،الطبيعة وأحداث الدهر وسوى ذلك مما هو من رسوم ،يالبسها من حزن شخصي عميق

-٨٦-

وما لهذا كله والبن ..... .التي ذكرتها ومن آياتهاهذه المذاهب وهما يضربان في ، إنه سجين وعيه ومصالحه الضيقة؟زيدون

ولعل عنصر الرثاء . وجهة أخرى غير وجهة الرثاء وما يقتضيه لما »التأبين «الوحيد الذي يتردد صداه في دنيا هذا الشاعر هو

. من أسباب»المدح «بينه وبينأبي بكر «لى صدر مرثيته في الوزير القاضيلنقف قليال ع

:»بن ذكوانـال اعجب لحال السرو حين تح

ولدولة العلياء كيـف تـدال

ال تفسحن للنفس في شأو المنـى

إن اغترارك بالمنى لـضالل ما أمتع اآلمال لـوال أنهـا

تعتاق دون بلوغها اآلجـال

من سر لما عاش قل متاعه

السرور خيال فالعيش نوم و في كل يوم ننتحـى برزيـة

)١(لألرض من برحائها زلزال

؟ألم أقل منذ قليل إن ابن زيدون ال يطيق الصبر على الرثاء ال يكاد يمس معنى حتى ،انظر إليه كيف يقفز بين المعاني

ولقد كان له في ما عجب منه مجال رحب ،يصير إلى غيره وانظر إلى هذه .ى ذلك صبراللتأمل والنظر لو كان يقوى عل

ثم انظر إلى البيت .المعاني تجدها عزيزة على التجانس إال رتقا

٨١: ص . الديوان ق )١(. الغاية: الشأو. تدور وتتغير: تدال. تتغير: تحال. الشرف: السرو .شدةال: البرحاء. نقصد: ننتحى

-٨٧-

هويل دون أدنى ترشيح لهما من األخير وما فيه من مبالغة وت –ولعل هذا الزلزال الذي يذكره أن يكون أصاب النص !! قبل

ويمضي ابن زيدون في حشد .... . فدمره تدميرا-ال األرض من العاطفة خاليا ويقررها تقريرا صلدا باردا،غاتالمبال

: يقول، فكأنه يكتب إحدى رسائله الديوانية،والبيان ولى أبو بكر فراع له الورى

هول تقاصر دونه األهـوال

السرير يقلـه يلق قد قلت إذ

هل للسرير بقدره اسـتقالل ــه اآلن بــين للعقــول زوال

ـ صارهن زوال أن الجبال ق

أم هكذا يكون ؟أهكذا يكون التعبير عن الجزع واألسى

لقد أسرف على نفسه ! ؟ واستخالص الحكمة»الموت «التأمل في .»ما هكذا يا سعد تورد اإلبل «.وعلى الشعر معا

بعض اإلحسان لما بينه » التأبين «ولكن هذا الشاعر يحسنوالدة « فهو في رثاء،وبين المدح من أسباب كما ذكرت من قبل

يتخير رويا مر الطعم كما يشهد بذلك عدد من عيون »المعتضد وهو يبدأ رثاءه بالتأبين يخلطه بنزر يسير من .المراثي العربية

ويصرفه في تعداد مناقبها على نحو ، ثم يخلص القول له،التأمل : يقول.ما كان يفعل في المدح

أن هـوى منار من اإليمان لم يعـد

وحبل من التقـوى وهـى فتقطعـا

-٨٨-

وشمس هدى أمسى لها الترب مغربا

وكان لها المحراب في الخدر مطلعـا

ــدة ــامى فقي ــامى واليت ــك األي لتب

هي المزن أحيا صـوبه ثـم أقـشعا

ــضحى ــة ال ــاء قانت ــسبحة اآلن م

ثوت فثـوى مغنـى التـأوه بلقعـا

لحـشا تبيت مع اإلخبـات مـسعرة ا

تقية من يخـشى إلـى اهللا مرجعـا

إذا ما هي استوفت من البـر غايـة

)١(تأتت ألخرى ال ترى تلـك مقنعـا

فهي جميعا من ،ولعلك الحظت أن هذه المناقب متجانسة ولعلها بسبب ذلك تترك ،صعيد طيب واحد هو الصعيد الديني

أن هذه الصور وال ريب في .أثرا موحدا وقويا في النفس قد زادت هذا ، وما فيها من عروق بدوية صحراوية،المتالحقة

ولكن هذا الشاعر ال يعتم أن ينعطف إلى . التأبين قوة وجماال !!يح الطويل العريضالمدح الصر

١٢٣:ص . الديوان ق )١(

: صوبه. السحاب: المزن. ج أيم، وهي التي مات عنها زوجها: األيامىثوى . ماتت: ثوت. مصلية داعية هللا: قانتة. األوقات: اآلناء. مطره

.الخوف: التقية. الخشوع: اإلخبات. أصبح بعدها قفرا: بلقعا

-٨٩-

ألم أقل غير مرة إن ابن زيدون ال يطيق على جمر الرثاء فسد طعم ولعل انحراف هذا الشاعر إلى المدح قد أ؟اصطبارا

.هذا الروي المر بعض الفساد وعجيبه أنه قال مرثية في»ابن زيدون «ومن غريب أمر

، ثم تقاذفته حوادث األيام،»والدة أبي الوليد محمد بن جهور« »المعتضد « وصار إلى،واستدار العام بعد العام سنين عددا

إلى»والد المعتضد « فلما قبض.يتفيأ دوحته ويخوض ظاللها رثاه ابن زيدون بقصيدة طويلة فإذا صدر هذه القصيدة ،ربه

أبيات !! »والدة أبي الوليد «هو صدر مرثيته عينه في رثاءن مرثيته األولى ينقلها م– بيتا »١٣ «– جدا متعاقبة ةكثير

»١٠ «ينقل بعدئذ و!!يكاد يخرم منها حرفا إلى الثانية اليير إال ما قد يكون من استبدال أبيات متفرقة دون أن يمسها تغ

.فتأمل )١ (!!لفظ بهمرادف للقد كان صدر هذا الشاعر يضيق بالرثاء ال تكاد تنعقد نفسه

وقد يكون الخداع وجها من وجوه – وكان تاجرا حصيفا .عليه فإذا هو ، فيعز عليه أال يبيع،يرى السوق منصوبة –الحصافة

ثم يبيعه ،إليه بعضا جديدا ويضيف ،يسرق بعض بيعه القديم !! مرة أخرى

.١٥٢: ص. ق ، والقصيدة٣٨: ص. الديوان القصيدة ق)١(

-٩٠-

كان أحس في نفسه أن التوفيق حالفه »ابن زيدون «ولعل وعرف من حقيقة أمره أنه لن يقوى ،في بعض رثائه القديم

ولم يكن له مناص من ،على تجاوز ما قال أو مضارعتهعلى كاذب من وعدها ضوء « فطفق يلفق قصيدة،الرثاء .»صادق

في هذه المرثية التي أحدثك عنها منذ حين عرفت فإذا نظرت فهو يستهلها .أن ابن زيدون كان يحس في نفسه ما قلته لك

فليس من ، ويقرنه بالصبر في تجانس بديع،بالحديث عن الدهر :مكافئ للدهر سوى الصبر على صروفه

هو الدهر فاصبر للذي أحدث الـدهر

فمن شيم األبرار في مثلهـا الـصبر

ستصبر صبر اليأس أو صبر حـسبة

فال تؤثر الوجه الذي معـه الـوزر

فكأن ثمة ،مطلع بارع مثقل بالذهول واإلحساس بالعجز سؤاال عاما ضخما يتلجلج في النفوس عن رزء كوني عرفه

،»هو الدهر « فكان الجواب، وحاروا في تفسيره،الناس جميعاد انتدب الصبر لق،»دهرفاصبر للذي أحدث ال «واستأنف فقال

وقد سكت عن ذكر ! لمقارعة الدهر، وأحسن به من مساعف مكتفيا بهذا التعبير الغامض المبهم العام،الموت أو الفاجعة

، وقد أحسن أيما إحسان حين انصرف عن اإلضمار.»الذي«

-٩١-

، وعزز بذلك »أحدث الدهر «وجنح إلى هذا اإلظهار البديع فاستدعى ذلك ،فداحة الرزء و،اإلحساس بسطوة الدهر

االستعانة بالصبر من جديد، فإذا نحن أمام هذا االصطفاف صبر ، صبر اليأس، ستصبر، الصبر،فاصبر(الواسع له

»انحراف « أو قل إنه،وهو اصطفاف غير مألوف ،..)حسبة والتخفيف من ،وظيفته األولى الرغبة في إبراز مكافئ للدهر

وسكت الشاعر مرة .اج النفسي وتعديل المز،وقع الفاجعة فجنح إلى الغموض ،أخرى عن ذكر الموت أو تحديد المصاب

فاجعة . »في مثلها « فقال،واإلبهام كأنه يحاذر أن يواجهه ويعبر عنها ، ويومئ إليها،»ابن زيدون «كبرى يدور حولها

،تعبيرا غامضا ملتويا، ولكنه ال يقوى على نسيانها أو تركها فليجأ إلى االلتواء والمواربة ،لى مواجهتهاوال يقوى ع

يقهر يلقي في روعه الجزع وخصم عنيد ال.والغموض ، فيبحث عن المساعف والنصير،والذهول واإلحساس بالعجز

ويفرض له حضورا ، فيمسك به بكلتا يديه،فال يجد إال الصبر .نصيا قويا لعله يقوى على المواجهة

وهل عرفت لماذا حرص ابن ؟أرأيت كيف يكون الشعر ؟زيدون على افتتاح مرثيته الجديدة بشطر واسع من رثائه القديم

ليس له في الرثاء ما يستحق النظر سوى أبيات معدودة وهذه ولم !! جزءا من قصيدتين في اجتراء عجيباألبيات التي جعلها

-٩٢-

وضعف القدرة على ،يلجئ ابن زيدون إلى ذلك قصر النفس مقتدر على ، غزير المعجم،و شاعر طويل النفس فه،النظم ومعرفة هذه ، ولكن الذي ألجأه هو معاصاة الرثاء له.النظم

.الحقيقة من نفسه يقينا فيخرج إلى ، في مراوغته ومداورته»ابن زيدون «ويستمر

، وطرف من التأمل في نواميس الحياة،طرف من الحكمةه يرشح ترشيحا وهو في ذلك كل،وطرف من التماس العزاء

ولكنه ال يعلن ذلك إال في ،قويا إلعالن خبر موت المعتضد فإذا كررت النظر في هذا الترشيح رأيت .البيت الرابع عشر

أن نغمة الفقد تتعالى فيه وتقترب من الموت رويدا رويدا ، الموت، المصاب، الثكل، الرزء،الذي أحدث الدهر، مثلها«

وهذه هي المرة األولى التي يظهر - هلو غير القضاء يروم أأنفس نفس في الورى - فيها ضمير يومئ إلى المعتضد

:، ثم»أقصد الردى أعباد يا خير الملوك لقد عدا

عليك زمان من سجيته الغدر

ولقد أريد بهذا الترشيح الذي جاء في سياق الحكمة المجردة

إن . الحكمةتهيئة النفوس الستقبال أمر هو من معدن هذه وانتقاء ألفاظ ، وعرضها في معارض شتى،اإلكثار من الحكمة

إنما قصد بها إشاعة جو نفسي من الفقد العام ،الفقد وتدرجها

-٩٣-

وألمر ... .يغدو فيه استقبال الفقد الشخصي أهون وقعا في النفس :ما قالت الخنساء

ولوال كثرة البـاكين حـولي

على إخوانهم لقتلت نفـسي وداللته على القرب النفسي، إلى هذا النداء القريبوانظر

قد عدا ل... « وإلى اإلحساس بالعجز ووعيه في آن،»أعباد« وانظر إلى تصوير هذا .»عليك زمان من سجيته الغدر

فكأن ، وتمل جماله متمثال في تكرار النفي وعطفه،اإلحساسد مظاهر وكأن العطف يوح،التكرار ينفي القدرة على المواجهة

: وينمي اإلحساس بها حتى يغدو وعيا،العجز غشيت فلم تغـش الطـراد سـوابح

مردت بيض، وال أشرعت سروال ج ــة ــك جالل ــذور عن ــت المح وال ثن

)١(وال غرر ثبـت، وال نائـل غمـر

وليس أمام هذا اإلحساس العميق بالعجز ووعيه إال ولذلك .... والنزول عليه،لواقع واالعتراف با،االستسالم

أعقب البيتين السابقين مباشرة هذا االعتراف اليائس الحزين

:١٥٢: ص. ق: الديوان)١(: النائل الغمر. الرماح: السمر. السيوف: البيض. الخيل: السوابح

. العطاء الكثير

-٩٤-

بحديها »المقابلة «بما فيه من انقالب الحال الذي تجسده بنية وليس بعد . وهذا الخبر الذي يراد به اإلنشاء،المتناقضين

وقد ساقه الشاعر مساق ،»الدعاء «اإلقرار واالعتراف إال وقوى ، ولكنه أراد به اإلنشاء أي التعبير عن العواطف،برالخ

:هذا المطلب التصوير والمقابلة لئن كان بطن األرض هيـئ أنـسه

بأنك ثاويـه لقـد أوحـش الظهـر لعمر البرود البيض في ذلـك الثـرى

لقد أدرجت أثناءها الـنعم الخـضر ــة ــسالم تحي ــن اهللا ال ــك م علي

ـ ران ريحانهـا النـضر ينسمك الغف وعاهــد ذاك اللحــد عقــد ســحائب

)١(إذا استعبرت في تربه ابتسم الزهر ولعل ما في هذه األبيات من قوة التعبير ودقة الصناعة هو

على تكرارها في القصيدتين وقد »ابن زيدون «سر حرص .مسها تحوير طفيف

: الديوان، القصيدة السابقة)١( .بكت: استعبرت. وضعت في طيها: أدرجت

-٩٥-

ا وهو يحسنه كم– »التأبين « إلى»ابن زيدون «وينعطف ويعزز مشاعر ، فيؤبنه تأبينا جميال يستكمل به جو الفقد،-قدمت وهي ، وقد علت نغمة الفقد حتى أوشكت أن تصم اآلذان–األسى

»التعداد «تنبعث من طبيعة الظاهرة األسلوبية القائمة على .»التكرار« و»العطف« و»النفي«و

ما هو ولئن أشاع التعداد جوا من النوح الجماعي على بتعزيز »النفي « لقد نهض،معروف في عدد من األقطار العربية

، المتالحق بتوحيد هذه المشاعر»العطف «نهض و،مشاعر الفقد في إضفاء طابع الرزانة »النفي والعطف «ونجح تكرار نسق . فإذا نحن في مأتم جليل،على المشهد كله

كأن لم تسر حمـر المطايـا تظلهـا

ألقتـال راياتـه الحمـر إلى منهج ا

ولم يحم من أن يستباح حمى الهـدى

فلـم يرضــه إال أن ارتجـع الثغــر

ــت ــون فأقبل ــه المعتف ــم ينتجع ول

عطايا كمـا والـى شـآبيبه القطـر

ــف ــم تكتنـ ــةهراءآولـ ألمعيـ

الغيب فـي رأيهـا جهـر كأن نجي

-٩٦-

ــا ــور مجلي ــشذر لألم ــم يت ول

)١( جلى من المرقب الصقر إليها كما

يفرغ من هذا المأتم الكوني الجليل »ابن زيدون «وال يكاد حتى يفيء إلى نفسه فيتأملها، ويصور أثر الفاجعة فيها فيقيم مأتما شخصيا كأن المأتم الكبير لم يستنفد التعبير عن مواجعه

، فهو يخاطبه كأنه حي، فيحسن التصوير والتعبير،وأحزانه فيبدع في ذلك أيما إبداع ألنه ينقل »هجرا «سمي موتهوي

»الحب «العالقة بينهما من موقف السيد والمسود إلى موقف أريد أن . ويكونان على صعيد واحد،الذي يتكافأ فيه طرفاه

في سياق ) الوصل والهجر( إن استخدام معجم الغزل :أقولالعالقة بين ويكشف عن عمق ،»تحوال أسلوبيا «الرثاء يشكل

وتتظاهر األخبار التاريخية على إثبات .الشاعر والمعتضد وإذا ليس بمستغرب بعد هذا التحول أن .عمق هذه العالقة حقا

»المعتضد « فيغادي قصر، في التوهم»ابن زيدون «يسرف أو يرفع ، فال أحد يسمع صوته،مستأنفا ديدنه في إلقاء السالم

وتتناهبه األسئلة ،ل ما هو فيه فيحار في تعلي،الستر دونه

: السابقة، القصيدة الديوان)١(: المعتفون. لبا للعطاءيقصده ط: بنتجعه. ج قتل، وهو العدو: األقتال

: يتشذر. الذكاء: األلمعية. دفعات المطر: الشآبيب. طالب المعروف .يسرع وينشط

-٩٧-

وال يكاد يهتدي .واالفتراضات الحائرة معبرة عن قوة عواطفهإلى هذا التعليل حتى تتدفق األسئلة كرة أخرى كاشفة عن تدفق

:العواطف وتشعثها أال أيها المولى الوصول عبيـده

لقد رابنا أن يتلو الصلة الهجـر

نغاديك داعينا السالم كعهدنا

فما يسمع الداعي وال يرفع الستر أعتب علينا ذاد عن ذلـك الرضـا

فنعتب أم بالمسمع المعتلـي وقـر

أما إنه شغل فراغـك بعـده

سينصات إال أن موعده الحشر أأنساك لما ينأ عهد ولو نأى

سجيس الليالي لم يرم نفـسي الـذكر

وكيف بنسيان وقد مألت يـدي

)١(جسام أياد منك أيسرها الـوفر وهذا هو سر ،أسئلة متالحقة كأنها موجهة إلى صديق أو حبيب

. وسر عدم انتظارها الجواب وسر خروجها إلى االستنكار،تالحقها إن وظيفتها هي التعبير عن العواطف واألحاسيس ال معرفة :أو قل

.أمر مجهول دق العاطفة نحو كان صا»ابن زيدون «ال ريب في أن

، وإال فكيف استقام له هذا التصوير الطويل العريض»المعتضد« !؟وهذا التعبير الحي الدقيق عما هو فيه

. الديوان، القصيدة السابقة)١(

سجيس . يقبل: ينصات. الثقل: الوقر. الذي يكثر العطاء: الوصول .لم يفارق: لم يرم. أبد الدهر: الليالي

-٩٨-

وليس لما تطوي «،»المعتضد «لقد طوى الموت ما بينه وبين فلييمم شطر مليكه الجديد نافضا عن منكبيه وثيابه ،»المنية ناشر

حياته المعقودة بالسرور في ظالله مستأنفا،وقلبه غبار األحزانبها وسن أم هز «حتى إنه يشك فال يكاد يثبت أأيام دهره الجديد

وقد أحسن التخلص من .- على حد قوله - ؟»أعطافها السكر : يقول.الرثاء إلى المديح إحسانا يعز نظيره

لك الخير إن الرزء كان غيابة

طلعت لنا فيها كما يطلع البدر قرت عيون كان أسخنها البكاف

وقرت قلوب كان زلزلها الذعر

وقرت لغة الشعر أيضا؟ وماذا تقول في طلوع :هل أقول ألم يخرج الناس بعد طلوعه من ؟هذا البدر؟ أليس رمزا للهداية

ظلمة الذهول والحزن والذعر واالضطراب إلى نور الطمأنينة ما فيه من إتقان الصناعة واالستقرار؟ وتأمل البيت األخير و

،من تكرار النسق اللغوي أو توازيه في الشطرين توازيا مطلقا ومن نهوض كل من شطري التقسيم على ،ومن جمال التقسيم

ولكنه تضاد ال يحدث قلقا أو صراعا بل يشير ،»التضاد «بنية لقد أصبح. فنسخه وحل محله،إلى زمنين أعقب أحدهما اآلخر

، ملكا فاستقرت األيام بالناس بعد اضطراب»المعتمد« وعن هذا االستقرار وهذه الطمأنينة ،واطمأنوا بها بعد جزع

وعنهما أيضا صدر،صدر هذا النسق اللغوي الهادئ المطمئن »المعتمد « في بقية القصيدة التي أخلصها لمدح»ابن زيدون«

-٩٩-

كأنه وطرزه بدعاء جميل،فقال فيه ما قاله في مدائحه عامة وما أكثر ما جعله –يقص في بنيته اللغوية ومعناه أثر المتنبي

: يقول–! نصب عينيه فالتهض الدنيا جناحك بعدها

فمنك لمن هاضت نوائبها جبر

وال زلت موفور العديد بقرة

لعينيك مشدودا بهم ذلك األرز الرثاء لقد كانت قصيدة: إلى القول، بعدما قدمت،ولعلي أخلص

– على قلتها – وكانت ،»ابن زيدون «قليلة االنتشار في شعر ولعل السبب في قلتها وتفاوت نسجها .متفاوتة النسج تفاوتا شاسعا

فإذا حمل عليها عاسرته ،راجع إلى شخصيته ومفهومه للشعر . ولم تستقد له إال في مواقف نادرة جدا،معاسرة شديدة

* * *

-١٠٠-

-١٠١-

-ج- القصيدة الذاتية

-١٠٢-

-١٠٣-

أهم شاعر وجداني »ابن زيدون «شوقي ضيف أن /يرى دمن شعراء عهد «جودت الركابي أنه/ ويرى د.)١(ظهر في األندلس

، وهو الطور الذي أخذ فيه الشعراء يصدرون عن نفوسهم،التحرر .)٢(» التقليدويمثلون البيئة ومظاهرها دون أن يتخلوا مع هذا عن

على أنه من الخير لنا أال نبحث عن عبقرية ابن «تأنف قائالويس وعما ،زيدون إال في شعره الذاتي الذي عبر فيه عن هواجس قلبه

جاش فيه من لواعج الحب واأللم، ففي هذا الشعر خضع لشرطه ثم جاءته ،األوحد أال وهو اإلصغاء لحديث النفس وهمسات الفؤاد

.)٣(» عفو البديهة والخاطر،دون كداأللفاظ واألوزان والصور مقنعة على نحو »ذاتية « في الشعر هي»الغيرية «ولقد أعرف أن

بما فيها من صدق »الذاتية « وأن.ما ظهر في الصحف الماضيةعبد القادر القط / ولمساتها المتميزة كما هي لدى د،التجربة وحرارتها

.)٤(ألهوانيعبد العزيز ا/ كما هي لدى د»األصالة «ترادف

.٤٣ابن زيدون ص )١( . وما بعدها١٩١ص: دب األندلسي في األ )٢( .٢٠٠ص : المرجع السابق)٣(االتجاه الوجداني في الشعر العربي «عبد القادر القط /انظر كتاب د )٤(

ابن سناء الملك «عبد العزيز األهواني / وكتاب د»٢٥المعاصر ص .٧٨ ص »ومشكلة العقم واالبتكار في الشعر

-١٠٤-

إال أن ما أعنيه بالقصيدة الذاتية هو القصائد التي قالها في الشكوى والحنين والغزل بصرف النظر عن مدى تحقيقها

ومما ال ريب فيه أن هذه .لمعايير الذاتية أو األصالة السابقة ولكن ، والمشاعر الذاتية،القصائد تعبر عن التجربة الفردية

،كفي لكتابة قصيدة ذاتية رفيعة المستوىي هذا التعبير وحده البل ال بد له من شروط أخرى قد نعرض لها أو لعدد منها في

.درج الحديث وأكثرها ،»الشكوى « في»ابن زيدون «ولعل أشهر قصائد

سيرورة هي قصيدته السينية التي بعث بها من السجن إلى وقد وقف .»أبي حفص بن برد «صديقه الوزير الكاتب

فوصفها بأنها بديعة النسج ،وقي ضيف على هذه القصيدةش /دومن هذه النغمة األولى الصافية النقية « ثم قال،دون أي تعليل

فليس في موسيقاه وألحانه أي ،تنصب بقية النغمات في الديوان ولذلك كانوا يشبهونه ، إنما فيهما الخفة والرشاقة،شائبة

لسالسة شعره »لمغرببحتري ا « بل كانوا يلقبونه،بالبحتريالركابي أن ابن / وذكر د.)١(»وانسيابه كأنه الماء السلسبيل

قد نظم أثناء سجنه عدة قصائد جميلة تغلب علها رنة «زيدونومنها هذه القصيدة الشهيرة ... .االستعطاف والحنين والعتاب

الفياضة باأللم واللوعة والحزن التي بعث بها إلى صديقه الوزير

. وما بعدها٣٧ص : ابن زيدون )١(

-١٠٥-

والتي « وذكرها مرة أخرى فقال.)١(»بي حفص بن بردالكاتب أ .)٢(»كانت درة في نسجها ونغمتها الصافية الهادئة المتألمة

والحق أن الفلسفة التي « فقال،رضوان الداية/ وتحدث عنها دة التي قدمها إلى صديقه أبي حفص بن برد تظهر في السيني

نظره الجديدة التي من وجهة- ولكنها تبين ،تصور فلسفته ال فلسفة الناس ومنطلقاتهم، فالوصولية واالنتهازية –تعلمها

.)٣(»ة ألدنى شبهة لم تكن من أخالقهوالتنصل من الصحب وهو من هو في –الداية / وإنه ليعز علي حقا أن أخالف د

في ما ذهب إليه من أخالق ابن زيدون -الدراسات األندلسية ه قد صدق ما رواه الرواة في سبب سجنه وأكاد أظن أن.وصفاته

وهي رواية يدفعها ابن زيدون ،من استغالله إرث بعض السادة ثم هي ،»أبي بكر بن مسلم «نفسه في رسالة أرسلها إلى أستاذه فالسبب هو سبب سياسي ،رواية ليست عند التحقيق بشيء

.موصول بروح المغامرة واالنتهازية والطموحهذه المالحظات التي سجلها هؤالء ومهما يكن من أمر

وانطباعات صادقة ،العلماء األجالء فإنها مالحظات جزئية . ولكنها ليست دراسة لهذه القصيدة،وعميقة

. وما بعدها١٧٦ص: في األدب األندلسي )١( .١٩٧ص : السابقالمرجع )٢( .١٤٦ص: أندلسيات شامية )٣(

-١٠٦-

إحسان عباس عن أثر تجربة / لقد نقلت سابقا كالم د ففي كلتيهما نراه، وتجربة السجن في شعر ابن زيدون،الحب

وال ريب . »....تبة األفكاريكتب رسائل محددة المعالم مر« إنها رسالة .»الرسائل «في أن هذه القصيدة واحدة من هذه

، وعرض لموضوع الرسالة،شكوى وعتاب تتألف من مقدمة وتتغلغل فيها روح ، وتشيع فيها نبرة عقلية عالية.وخاتمة

: يقول.ماهرة صناع ما على ظني بـاس -١

يجرح الدهر وياسو ر ربما أشرف بـالم -٢

ء على اآلمال ياس

ولقد ينجيك إغفـا -٣

ل ويرديك احتراس والمحــاذير ســهام-٤

والمقــادير قيــاس

ولكم أجدى قعـود -٥

ولكم أكدى التماس وكذا الدهر إذا مـا -٦

عز ناس ذل نـاس

وبنو األيـام أخيـا -٧

سراة وخساس : ف نلبس الدنيا ولكـن -٨

)١(لباسمتعة ذاك ال

تلك هي نغمات الرمل ،نغمات صافية خفيفة جدا تصلح للترنم ، وقافية مطلقة شديد االلتحام بما قبلها ال واغلة وال نفورا.القصير

٦٥: ص. الديوان، ق)١(

: أخياف. السعي في سبيل الرزق: االلتماس. يخفق: يكدي. ينفع: يجدي .حقراء دنيئون: خساس. أشراف: سراة. مختلفون

-١٠٧-

ولعل أول ما يلفت النظر بعد .وضروب من الصنعة المتقنة شتى هو هذه – وهو جزء أصيل من سياق المعنى –المستوى الصوتي

المستسلمة ألحكام الدهر شأن العاجزين عن الفعل الرؤية القدرية وتصور للدهر ، وحيرة سابغة قانطة،ساعة اإلحساس بالعجز ووعيه

ويبطله ، فقد يكر الفعل على ما قبله:»حدي التناقض «يقوم على وتبطلها ، وقد تكر الجملة على سابقتها،) يجرح وياسو:الطباق( ،٦:ب(ر الحدان على تناقضهما وقد يتجاو،)٥: و ب٣: ب:المقابلة(

وقد يولد النقيض من ،) سراة وخساس٧: و ب،عز ناس ذل ناسومصائر الناس أقدار مقدورة يصرفها الدهر كيف ). ٢:ب(نقيضه وليست هذه القسي وسهامها إال عتاد هذا الصياد المخاتل ،يشاء

وما أكثر ما صور الشعراء القدماء الدهر راميا يرمي،)٤:ب( ،ويسوق ابن زيدون هذا النص كله سياقا خبريا! لمقاتلفيصيب ا

!!فسه ال يساوره فيه رسيس من الشكفكأنه مستقر في ن هو محور – مقابلة كان أو طباقا –إن هذا التضاد أو التناقض

وهو لذلك يعبر عن إحساس حاد ،المعاني والصور الشعرية .القصيدة ملمحا ذاتيا أصيال ويمنح ، وبمفارقات الحياة،بالواقع يتأملها مليا ، يتحدث عن أحداث الحياة»ابن زيدون «إن

فينسبها إلى ، ويحار في تفسيرها وفهمها،فيراها تعج بالمفارقات ويستسلم لهذه الرؤية ،»الدهر «هذا الصياد الماكر المخاتل

ولقد ظل الشعراء العرب .الضاربة في أعماق الوجدان العربي

-١٠٨-

نظرون إلى الدهر هذه النظرة على الرغم من موقف اإلسالم ي واقرأ ميمية علقمة الفحل المشهورة من .المعروف من الدهر

من »التالميذ ومصاير األيام « وقصيدة شوقي،شعرنا القديمشعرنا الحديث تجد خطا شعريا متصال من الجاهلية إلى العصر

.ة المستسلمةالراهن يدور في فلك هذه الرؤية القدريوليس أمام ابن زيدون في هذه الظلمات من الحيرة وااللتباس

والنور –إال أن يقبس من نور صاحبه قبسا لعله يهتدي به والنار وكل ما يصدر ضياء رموز للهداية في كثير من الشعر

إذا شئت – بل هو ، »غسق الخطب «إنه كما يقول في. -القديم فكأن، فهي واضحة ملتبسة،يه األمور حيران تشتبه عل–الدقة

فازداد األمر انبهاما ، قد تداخال»حدي التناقض أو التضاد« !!ر نفسه في الوقت عينه واضح ملتبس فاألم،واستغالقا

يا أبا حفص وما سـا

واك في فهـم إيـاس من سنا رأيك لي في

غسق الخطب اقتباس

ــص ــك ن وودادي ل

ــاس ــه قي ــم يخالف ل )١(ـر وضوح والتباس............ حيران ولألمـأنا

: الديوان، القصيدة السابقة)١(

قيف التو: النص. أول ظلمة الليل: الغسق. وء رأيكض: سنا رأيك .التقدير: القياس. والتعيين على شيء ما

-١٠٩-

فهل ، وهو كالل البصيرة،إنه العجز عن الرؤية الواضحةل من جناح عليه إذا عبر عن قوة وعيه بهذا العجز وهذا الكال

!؟....)أنا حيران(هذا التعبير المباشر الصارم وقد زاد هذا ،لقد بدأ ابن زيدون بموقف نفسي مشعث حائر

وهذا ملمح آخر من المالمح ،قف تشعثا وحيرة واضطراباالمو .الذاتية األصيلة في هذه القصيدة

قد »أبي حفص «ويبدو أن هذا القبس الذي قبسه من سنا رأي فإذا هو يرى أصدقاءه رؤية ،بدد هذه الظلمة العقلية التي غشيته

:واضحة ال اشتباه فيها ماترى في معشر حـا

اسوالوا عن العهد وخ

ــامريا ــي س ورأون

يتقى منـه المـساس أذؤب هامت بلحمـي

ــاس ــاش وانته فانته

كلهم يسأل عـن حـا

)١(لي وللذئب اعتساس

إن أمر أصدقائه ؟هل من ريب في تبدد تلك الحيرة من عقلهفإذا أمعنت النظر في هؤالء . القدامى واضح ال التباس فيه

:القصيدة السابقة : الديوان)١(

الذي عبد العجل، وهو عظيم من : السامري. غدروا ونكثوا: خاسواأخذ الشيء : االنتهاس. أخذ الشيء باألضراس: االنتهاش .بني إسرائيل

الطواف ليال: عتساساال. بأطراف األسنان

-١١٠-

بل رأيت لهم ،صورة ثابتة أو هوية واحدةاألصدقاء لم تر لهم وكلما تحورت الصورة تغيرت ماهيتهم بعض ،صورا متحورة

ولم يزل هذا التغير ينمو ويطرد حتى اعترى صورهم .التغير لقد عرضهم ابن زيدون في ثالثة .وما هياتهم انقالب كامل

حيواني ، إنساني ديني، إنساني اجتماعي:سياقات متتابعة .فجردهم في السياق األول من قيم مجتمعية نبيلة.مفترس

فكشف ،وجردهم في السياق الثاني من الروح الديني الصادق ثم حصرهم .عن مراوغتهم وخداعهم وتضليلهم وزيف تدينهم

وهذا هو ،وألقى بهم في سياق من الوحشية والغدر واالفتراسنسانية خلوا وهو سياق يخلو من المالمح اإل،السياق الثالث

،هكذا عراهم شيئا فشيئا حتى جردهم من القيم... .مطلقا .وأخرجهم من الجنس اإلنساني

،ولقد برع هذا الشاعر في تحويل أفكاره إلى أحاسيس ومشاعر إلى رمز منبوذ يتحاماه »السامري «واستقام له ذلك حين حول

حين «كوهين أو قل بعبارة جان ، ويحاذرون االقتراب منه،الناس ،)١(»قطع العالقة الراسخة بين الدال والفكرة ليحل محلها العاطفة

يشير إلى مرجعيته التاريخية بل غدا رمزا »السامري «فلم يعد لفظفالدال «، وهذا هو جوهر الشعر،محمال بالمشاعر واألحاسيس

.٤٢٩ص: بناء لغة الشعر)١(

-١١١-

يريد )١(»ي وقت واحد إلى مدلولين يتطاردانيمكن أن يشير ف ال . المعنى اإلدراكي والمعنى العاطفيبذلك

وحول ابن زيدون أفكاره إلى مشاعر حين زج بهؤالء فإذا هم ذئاب غادرة إذا رأت ،األصدقاء في سياق حيواني

.بأحدها دما شدت عليه وآن له أن ، فاستراح قليال، ما بصدره»ابن زيدون «لقد نفث

ائنات في ضوء وتأمل نواميس الكون والك،يعود إلى تأمل ذاتهوثمة أمران يختلف بهما .ذلك القبس الذي ما يزال يستضيء به أولهما أن التأمل األول .هذا التأمل عن التأمل في صدر القصيدة

أما التأمل ،كان تأمال عاما موضوعه مفارقات الكون ونواميسه وتأتي نواميس ، فهي موضوعه،الثاني فتأمل مركز على الذات

وثانيهما أن التأمل األول .نات خادمة لهذه الذاتالكون والكائ أما التأمل الثاني ففيه ،غلبت عليه روح قدرية مستسلمة لعجزها

وما .. .وميض من األمل يستمده من طبائع األشياء والكائناتأظن أن هذا الضرب من التأمل كان ممكنا لوال نور ذلك

في سياق »تأمل «بل إن الشاعر نفسه يستخدم لفظ.القبس ولعل هذا السياق يدل داللة قاطعة .يتنازعه التجريد والتجسيد

بل هو تأمل عقل ، ليس تأمال بصريا »التأمل «على أن هذا

.٤٢٩ص: بناء لغة الشعر)١(

-١١٢-

ولم نر في صدر هذه القصيدة هذا اللفظ أو أحد . وتدبر وفطنة .مشتقاته أو مرادفاته

إن قسا الدهر فللمـا

ء من الصخر انبجاس ولئن أمسيت محبـو

سا فللمـاء احتبـاس

يلبد الـورد الـسبنتى

ــه بعــد افتــراس ول فتأمل كيـف يغـشى

مقلة المجد النعـاس

ويفت المسك في التر

)١(ب فيوطا ويـداس

ولكنها غير ،وحقا ال تخلو هذه األبيات من روح قدرية فتجعلها ، أو قل إنها ال تطغى على رؤية الشاعر طغيانا،مهيمنة : عمياء حتى لكأن األعشى عناه بقولهقاتمة

وليــل يقــول القــوم مــن ظلماتــه

سواء صحيحات العيـون وعورهـا

وأوشك أن يصالح ،لقد أدرك ابن زيدون حقائق الحياة من حوله التي ترتبط »الحكمة « فجنح إلى، والدهر فيه شراسة وليان،دهره

أو ترتبط ،يبالبنية الشرطية في كثير من نصوص الشعر العرب ولكنها في الحالتين جميعا حكمة تصويرية ،بالتأمل أو التبصر

:٦٥: ص. الديوان، ق)١(

.األسد الجريء: السبنتىالورد . يالزم عرينه: يلبد. تفجر: انبجاس . أي يوطأ ، يداس باألرجل: يوطأ

-١١٣-

، وحقا ال يوغل ابن زيدون في تخيله وتصويره.فياضة بالمشاعريكاد يختلف في ولكنه ال.بل يظل قريبا من األرض يدف بجناحيه

.ذلك كثيرا عن أسالفه المشرقيين إذا استثنينا أصحاب مذهب البديع ينفر من ، العبارة»منطقي «العربي القديم في جملته «لشعرفا

وإقامة عالقات موغلة في الغرابة أو ،الخيال الجامح والمجاز البعيد . عبد القادر القط / بتعبير د)١(»ين األشياءالجدة ب

بنية « في خاتمة رسالته أو قصيدته إلى»ابن زيدون «ويرجعبنية الزمني ليس الماضي أو ولكن سياق هذه ال، من جديد»التضاد

، بل هو المستقبل،الحاضر كما كان في المقدمة وعرض الموضوعأو بالتمني ) نهي أريد به الرجاء(ا يأتي السياق محمال بالرجاء ولذ

ويعترض سياق هذا التضاد بطرف من الحكمة يكشف عن .والتوقع : ويتجانس معه في توجهه نحو المستقبل،خبرة بالحياة

ال يكن عهـدك وردا

ــك آس إن عهــدي لــا ــري كأس وأدر ذك

ما امتطت كفك كـاس

واغتنم صفو الليـالي

إنما العيش اخـتالس )٢(ر فقد طال الشماس....... وعسى أن يسمح الدهـ

.٤٠٨ص . االتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر )١( ٦٥: ص. ، ق الديوان)٢(

. شبه العهد بالورد في سرعة الذبول، وباآلس في الدوام: الورد واآلس .االمتناع: الشماس

-١١٤-

وهل ؟أرأيت كيف يبدع هذا الشاعر حين يصدر عن ذاتهن يجرف هذه لفت نظرك سيل الخطابة أو اإلنشاء الذي يوشك أ

فانطلق يعبر عن ،الخاتمة فكأن نشوة ما قد استخفت الشاعر وكل واحدة ،مشاعره وأحاسيسه بهذه الجمل اإلنشائية المتالحقة هذا هو مذاق ؟منها تحتضن جملة خبرية وتطويها في جوفها

وهي تجربة فنية ،التجربة الفردية كما عاشها ابن زيدونجميعا من حياة هذا الشاعر بيد أن موادها الغفل ،صرف

أي إن لهذه المواد مرجعيتين هما المرجعية ،وموروثه ولم يكن من همنا الحديث عن . والمرجعية اللغوية،االجتماعية »النص « بل كان همنا مصروفا إلى الحديث عن،أية منهما

.الذي أنتجه ابن زيدون من عدد منها في الذروة،والبن زيدون مخمسات في الحنين

. وقصيدتان أخريان تضارع الواحدة أختها فتنة وجماال،الفنولك أن تعجب من انصراف الباحثين عن هذا الشعر، فلم أقف على أي حديث لهم فيه إال ما قد يكون جملة شاردة في درج

فإذا أردنا أن نقف على أطراف من .الحديث ال تسترعي النظرختيار على ما في االختيار هذا الشعر لم يكن لنا مناص من اال

: يقول.من وعورة ومعاسرة تنشق من عرف الـصبا مـا تنـشقا

ــشوقا ــصبا فت ــر ال ــاوده ذك وع

-١١٥-

ومـا زال لمــع البــرق لمــا تألقــا

يهيب بـدمع العـين حتـى تـدفقا

)١(وهــل يملــك الــدمع المــشوق المــصبأ؟ لعرب من الشوق جعل الشعراء ا «عبد اهللا الطيب/يقول د

وتنساق ،والحنين أصال من أصول التعبير، له رموز تشير إليه .)٢(منه إلى غيره مما يالبسه من المعاني

وهو رمز .. .ومن رموز الشوق الكبرى البرق «ويضيف وذلك أن فيه معنى النار يرمز إلى . شديد العمق،بعيد الغور

.)٣(»..يا كما أن فيه معنى السحابة والسق،خصوبة األنثىومن الرموز المتفرعة عن البرق ومعاني «ثم يستأنف

ئم والخزامى السقيا أصناف ما يذكرونه من الرياح والنسا .)٤(»والحنوة وهلم جرا

وهي دنيا نضج التعبير عنها ،هذه هي دنيا الحنين واألشواق وال أنجد ، وإذا لم يعتسف ابن زيدون الدروب.في شعرنا القديم

فما أكثر ما طويت ونشرت هذه المعاني ، بال دليلأو أتهم

. ٢٠٠: ص. الديوان ق)١( .الذي به صبوة: المصبأ. يدعو: يهيب. الرائحة: العرف

.١٤١/ ٣: المرشد إلى فهم أشعار العرب )٢( .٣/١٤٤: المرجع السابق )٣( ٣/١٤٨ : المرجع السابق )٤(

-١١٦-

حتى نوشك أن نزعم أنها أبدا بين طي ونشر بعبارة ! والرموزأخرى إنه يعيد إنتاج هذه المعاني والرموز في حدود من الحرية بعد أن يضيف إليها ما يقوى على إضافته من عناصر ذاتية

،التميز والتفرد وتحقق لها ،أصيلة تمنح التجربة حرارة وعمقا .وتكسبها مذاقا ذاتيا خاصا

،إن مطلع القصيدة يستدعي استدعاء قويا حالة إنسانية سابقة له ، فنحس إحساسا عميقا أن ثمة إنسانا يكاد يختنق،حالة غير نصية

فإذا هو يتنشق تنشقا عميقا قدر ما تسعفه الطاقة فكأنه يقاوم خروج وإن لم يكن !! ردادها وقد آذنت بالخروج أو يحاول است،الروح

األمر كذلك فلماذا هذا المطلع الذي يزاوج فيه الشاعر بين الحركة وهل هذا االستنشاق العميق إال تعبير ؟المادية والحركة النفسية ؟ تفوح منها روائح الحصار واالختناقةمادي عن مكابدة نفسي

ا عجبا، فهو فعل وسياقه تجد أمور»تنشق «وتأمل هذا الفعلمضعف مزيد خرجت به الزيادة والتضعيف إلى داللة القصد

فخرج به التكرار إلى تقوية ، وهو فعل تكرر.واإللحاح فيه وكان تكراره ردا آلخر الشطر . وبالداللة السابقة،اإلحساس به

. فخرج به ذلك إلى الترنم وسخاء الموسيقا،على أوله إنها رائحة،لمحاصر المحزونوتأمل ماذا تنشق هذا ا

فال عجب أن يتنشقها كل ، أرق رياح الجزيرة وأعذبها»الصبا« وال غرابة في أن تخفف من ضراوة ،»ما تنشقا «هذا التنشق

فتوقظ بين ، وترد عليه غوابر الشوق القديم،مشاعره القاتمة

-١١٧-

وعاوده ذكر الصبا «األخضر الجميل »الصبا «جوانحه ذكرى من تقارب »الصبا« و»الصبا «ولعلك تلحظ ما بين. »فتشوقا »الصبا « فذكر، وما أدى إليه من اقتراب داللي،»جناس «لفظي

أو قل هو . العذبة الرقيقة»الصبا «الجميل اقترن بتنشق رائحة .جناس لغوي نجم عنه واقترن به فيض داللي متجانس

وال ريب في أنك .ويتألق »البرق «وفي غمرة هذه األشواق يلمعالطيب عن رمزية البرق وعمقها /تذكر ما نقلناه منذ قليل من كالم د

وال تكاد ترى البروق في الشعر العربي القديم إال .وبعد غورهاوانظر أنى . والمشاعر الكثيفة المختلطة،مقترنة باألشواق الغامضة

م أن ثمة موقفا شئت في أرجاء هذا الشعر فإذا شمت برقا يلمع فاعل وما زال هذا البرق يلح .إنسانيا تثقله العواطف المختلطة الغامضة

أو طاف ، ويوقظ من أشواقه ما أغفى،على هذا المحزون المشوق : حتى تدفقت دموعه ساخنة غزارا،به طائف من نعاس

وما زال لمع البرق لما تألقا

يهيب بدمع العين حتى تدفقا دمع المشوق المصبأ؟ وهل يملك ال

هل تطفئ ؟ما وظيفة الدموع في سياق األشواق واألحزان إنها أخت األشواق وقرينتها ؟ هل تغسل أحزان القلب؟نار الشوق

ما كان أصدق أبا تمام وهو .على امتداد تاريخ الشعر العربي :يسعف الشوق بالدموع فتزيده ضراما

دعا شوقه يا ناصر الشوق دعـوة

اه طل الدمع يجري ووابله فلب

-١١٨-

وهل يملك «وانظر إلى تعليق ابن زيدون على هذا الموقف ؟»الدمع المشوق المصبأ

ألست ترى ما في هذا التساؤل الحزين من االستسالم والوهن ثم ؟ ومن االعتراف بالعجز والنزول على مقاديره،واإلنكار

زال يدفع وما ،ألست ترى أن السرد قد هيمن على هذا المخمس رغبة عميقة – لو تأملته - وفي هذا السرد؟به حتى بلله بالدموع

في اإلنشاء فكأنما أريد به التعبير عن العواطف ال وصفها وصفا .موضوعيا محايدا

، تقرير الواقع– لو تأملته – »اإلنشاء «وفي هذا التساؤل أريد أن أقول إن ابن . والنزول على حكمه،واالعتراف به

يدون قد عبث بوظيفتي الخبر واإلنشاء األصليتين، وحورهما، ز .أو انحرف بهما إلى وظيفة شعرية

وليس في هذا المخمس اهتمام بالصورة البالغية أو رعاية على ما للصورة من –لها كما هي الحال في شعر الحنين قاطبة

ولكن الشاعر الحق يعوض العنصر . –أهمية في الشعر محمد / أو قل بعبارة د،ئب بعناصر شعرية مختلفةالشعري الغاإن طبيعة العناصر المغذية لمفهوم الشعرية تتكئ «فتوح أحمد

والتعويض الدائم بين كل مستوى وآخر ،على التكامل المتبادل ولعل ما رأيته في هذا المخمس .)١(»من مستويات البنية الشعرية

.٣ص: التعويض في عناصر الشعرية)١(

-١١٩-

سيقا وغير ذلك قد من التكرار والجناس والرمز والسخاء والمو .عوض من غياب الصورة

من هو هذا :وقد يكون من تمام الحديث وكماله أن نسأل ، فعاوده ذكر الصبا،المحاصر الحزين الذي تنشق عرف الصبا

على ما صور أبو فراس –وكادت تضيء النار بين جوانحه ولعله ارتفق له– وطفق يرقب لمعان البرق وتألقه ،-الحمداني

لقد ؟ حتى انهمرت دموعه انهمارا–كما كان يزعم الشعراء وعبر عنه بضمير الغائب ،سكت الشاعر عن البوح باسمه

أال ؟ أليس في هذا ما يجاوز التجريد البالغي المعروف.مرارايدل داللة حاسمة على انشطار الذات تحت وطأة المشاعر

سه بإلقاء شطر واألحاسيس فإذا بالشاعر يحاول التفريج عن نف ثم أليس في ؟من هذه األحاسيس والمشاعر على شخصية غائبة

إرجاء الكشف عن شخصية هذا المحزون كل هذا اإلرجاء أليس هذا مسلكا أسلوبيا ؟ وحفز لقواه النفسية،تشويق للمتلقي الذي ذكره ابن زيدون »المشوق المصبأ « إنه؟جديرا بالتقدير

بل ،ى وراءه ال ليعمي على المتلقي واختف،في آخر المخمس ولعل من براعة .ليوقع في نفسه موقع اليقين أنه هو المقصود

هذا الشاعر اكتفاءه بصفات هذه الشخصية بدال من تحديدها ألن وهو يريد تعريف ،التحديد ههنا يحيل إلى مجموعة من الصفات

كائن فكأنه ،»بأالمشوق المص «نفسه بهاتين الصفتين وحدهما .عاطفي صرف

-١٢٠-

ولكن ألم يكن جديرا بهذا البرق أن يحرر الشاعر من أسر لقد كان ذلك ممكنا ؟ ويهديه سبيال قاصدة،الغموض واالختالط

وهيهات ، ولكن العاطفة أزاحته بعيدا،لوكان للعقل مجال ههنا !!ضيء العاطفة الجياشة بغير نفسهاأن تست

قدم إذا علمنا أن الشاعر قد قال ولعلنا ال نستغرب شيئا مما ت .هذه القصيدة وهو في السجن

على هذا النحو البديع في هذه »ابن زيدون «ويمضي ولنستمع إليه في . فيخص قرطبة بعدد منها،المخمسات

:المخمس الرابع أقرطبة الغراء هل فيك مطمـع؟

وهل كبد حرى لبينك تنقـع؟

؟وهل للياليك الحميدة مرجـع

إذ الحسن مرأى فيك واللهو مـسمع )١(وإذ كنف الـدنيا لـديك موطـأ

وأكثر ،لقد قلت غير مرة إن للعين حين تأتي رويا مذاقا مرا والقصائد التي تتحدث عن الفراق ،ما يكون ذلك في المراثي

ولعلك تشعر في . وما يجري هذا المجرى،وانشعاب األرحام ومن ثم كان هذا الروي ، الفراق ومرارتههذا المخمس بلذعة

وقوى هذا .بمذاقه المر صالحا له، وجعل منه أشبه بالنواح

. ٢٠٠: ص. الديوان ق)١( .ميسر مذلل: موطأ. جانب : كنف. الفراق: البين

-١٢١-

في »التأبين « التي نراها في موقف»التعداد «الملمح فيه ظاهرة كما قواه هذا النداء الحميم بأداته الدالة على القرب،المراثي

، هذا القرب قرب نفسي وال ريب في أن.»....أقرطبة الغراء« .فقد حال بينه وبين قرب المكان جدران وأغالل

لقد أيقظ السجن بين جوانحه اإلحساس بجمال الحياة فإذا هو ، وأشرقت قرطبة في نفسه وردة من الحنين،وغضارتها

يناديها هذا النداء الحميم القريب من القلب متبوعا بهذه الصفة .البالد الجواد األغر بين الخيل فكأنها بين »الغراء «البديعة

وانظر إلى ما أعقب هذا النداء من أسئلة متالحقة قصد بها ولم يقصد بها إلى معرفة أمور ،إلى التعبير عن العاطفة

وكشفت عن جيشان ، فتالحقت ال تنتظر جوابا،مجهولة ومع تكرار األسئلة .عاطفي يكاد صوته يسمع باآلذان

ة االستفهام مشفوعة بحرف ربط أو وتالحقها تكررت أدا، فنهض هذا التكرار بجمع األحاسيس »...وهل «عطف

والمشاعر وتوحيدها فتدفقت قوية على نحو ما ترى في هذه ولعلك الحظت .الفياضة بالشجن والشوق والقنوط »المناجاة«

الحميم القريب»المنادى «أن هذه األسئلة جميعا تدور حولسياق عاطفي كثيف يحاول الشاعر ....علقوبه تت ،»قرطبة«

. ويفرج عن نفسه،بهذه المناجاة الشجية أن يبدد من كثافته !؟وكيف يكون الحنين إن لم يكن كذلك

-١٢٢-

وفيه ،وفي هذا المخمس ما في سابقه من الزهد في التصويرما في سابقه أيضا من عناصر بنائية كثيرة عوضت من غياب

،نهضت بوظيفتها كالتكرار وتالحق األسئلة و،الصورة البالغيةبل فيه ما هو أهم من هذا كله ... وسخاء الموسيقا وتدفقها و

وبين ، أعني هذا المعجم اللغوي بما فيه من طمع يائس،وأجمل وال سبيل إلى نقع غلتها أو ، وكبد حرى يكاد يقتلها الظمأ،صارم

الذي وقنوط مر من رجوع ليالي الصفو،مرارة عطشهاأريد أن !! دفق تدفقا من وادي الغزل العذريفكأنه يت ....غبر

ههنا قد تضافرت مع »التحول األسلوبي «أقول إن ظاهرة فعوضت من غياب ،العناصر البنائية التي ذكرتها منذ قليل

.الصورة البالغية ،وانظر إلى هذا السياق الخبري الذي جاء في خاتمة المخمس

بل اجتمت الدنيا فكانت موطأة ،لحسن واللهووقد اجتمع فيه ا !!»قرطبة «األكناف لـ

وتتبع حركة الضمائر ،وأعد النظر قليال في هذا المخمس قد »ابن زيدون « تجد أن- والضمائر أعصاب الشعر –فيه

ثم ، ونعتها هذا النعت الجميل،نادى قرطبة هذا النداء الحميما يسيطر على فإذا بضميره ،صار إلى اإلضمار بعد اإلظهار

.) لديك، فيك، لياليك، لبينك،فيك!! (المخمس سيطرة مطلقة !وما أحسن ما قال

-١٢٣-

فاقرأ المخمس الخامس ،فإذا ساورك الظن في ما سمعته مني :عشر

أإخواننا للـواردين مـصادر

ــر ــيتلوه آخ وال أول إال س وإني إلعتاب الزمان لنـاظر

والجد دعاثر فقد يستقيل الج

)١(وتحمد عقبى األمر مازال يشنأ

على الرغم مما –وقف على هذا المنادى القريب الحميم ثم .»أإخواننا «–يحجز بينه وبين الشاعر من السجن وكبوله

وما فيه من صرامة القول واقتضابه، وتقلبه ،تأمل سياق النداءالحكمة هي التي ولعل روح . وغلبة الحكمة عليه،بين النقيضين

هيأت السياق للنظر العقلي الذي هيمن على المخمس هيمنة ولو تدبرت هذا السياق ألدركت أن أحد النقيضين حقيقة .مطلقة . ترمز لحال الشاعر، وهي حقيقة مرة الذعة المرارة،واقعة

أو قل هو ،وأن النقيض الثاني مخبوء تحت جناح الغيب القادم ولئن كان سياق .يرمز آلمال الشاعر وهو ،على كف عفريت

إنه في أواخره ،الحكمة في أوائله يحيل إلى اإلطالق والتعميم وليس من سبب الختالف اإلحالتين.يحيل إلى االحتمال والتوقع

سوى اعتراض ) عمن اإلطالق والتعميم إلى االحتمال والتوق(

:الديوان ، القصيدة السابقة )١(يكره : يشنأ. الحظ: الجد. ينهض: يستقيل. إرضاء العاتب: اإلعتاب .ويبغض

-١٢٤-

وإني «الشاعر للسياق وحرفه عن مساره العام إلى مسار خاص فإذا هو قبل هذا االعتراض يستمد ،»إلعتاب الزمان لناظر

وإذا هو بعد االعتراض يستمد ،نظره العقلي من الحياة وحقائقها وخالجه شك قاس ، ولذا اهتز يقينه،النظر من واقعه الشخصي

فتحول من صالبة اليقين وإطالقه إلى مدخول اإليمان ،عسير ،تنازعه اليقين والشك فجنح إلى ضرب من التعبير ي،وزيفه

.»....وتحمد ...فقد يستقيل «وتعبث به المخاوف واآلمال وغاله الحزن إال ،لقد ظفر اليأس بابن زيدون إال قليال

فإذا هو ينادي ، وقيده العجز في منازله الضيقة،رمق اليائس أريد – »لعل أبا المغوار منه قريب «ويرفع الصوت جهرة

بل ،ن ابن زيدون يريد أن يطمئن أصدقاءهولم يك. - إخوانه! ود قديم وهى حبله حتى كاد ينقطعكان يقصد إلى استثارة

وما من ريب في أنه كان يريد أن يطمئن نفسه ولو مخادعة وكيف تكون مخادعة الذات وتعليلها إن لم يكونا .للذات

وكل وارد ، فلكل أول آخر،بااللتجاء إلى نواميس الحياة؟ ولكن هل نسي أن الزمن قد يتراخى ويمتد ...وماسيصدر ي

كان ما ؟ وصدور الوراد،حتى ينقطع األمل قبل آخر األمر : لكأنه عناه بقوله،أعظم المتنبي

الحزن يقلق والتجمل يـردع

والدمع بينهما عصي طيـع يتنازعان دموع عين مسهد

هذا يجيء بها وهذا يرجـع

-١٢٥-

ة الترقب منتظرا انقالب الزمان ها هو ذا مصلوب على خشب معتمدا على مفارقات الحياة، فقد ينهض الحظ العاثر ،ورضاه

وال ريب في أن !! وتحمد عواقب األمر المشنوء،من عثرته ولكن أال يمكن ،فكرة مفارقات الحياة فكرة جليلة تستحق النظر

. بل هي كذلك أغلب األحيان؟أن تكون هذه المفارقات سلبية ، فأقصاه عن فردوسه األرضي،عثر الحظ بابن زيدونلقد

ولم يجد أمامه ، وأيام صفوه الغابر»قرطبة «فلج به الحنين إلى فاعتلى صهوته لعله يخلق له واقعا ،سوى جواد الشعر األصيل

.شعريا يعوضه من دمامة الواقع وقبحهولقد يعاصيني القول لو صرفته إلى طرف آخر من شعر هذا

عر دون أن أتلبث قليال، فأقف وقوفا خاطفا على قصيدة الشا :أخرى في الحنين

على الثغب الشهدي مني تحية

زكت وعلى وادي العقيق سالم والزال نور في الرصافة ضـاحك

بأرجائها يبكي عليه غمـام

ـا معاهد لهو لم تزل في ظالله

)١(تدار علينا للمجون مـدام أرأيت كيف استهل ابن .من اجتزاء القول وطيه ال مناص

ويهز ،زيدون هذه القصيدة بانحراف يكاد يأخذ بمجامع الصدر

.٢٠٧: ص. الديوان ق)١( . ظل جبل ال تصيبه الشمس فيبرد ماؤهالغدير في: الثغب

-١٢٦-

إنه انحراف أو عدول عن قيد فني من أعرق ؟القارئ هزا عنيفا الذي »التصريع «قيود القصيدة العربية القديمة وأشهرها هو قيد

؟ أو ما سببه؟هذا االنحراف فما داللة .قلما تخلو منه قصيدة قديمةلعل السبب هو هذا التدفق الوجداني الفياض بالعاطفة على نحو ما

فليس يكتمل المعنى الذي بدأ ،يتجلى عجبا في هذا المطلع الجميل والمعنيان في الشطرين .به الشاعر إال في الشطر الثاني

عل ول. بل هما معنى واحد تجلى تجليين متجانسين،متجانسانتقديم الجار والمجرور في كال الشطرين زاد هذا المطلع حسنا

ولقد . وتقديمها أجمل وأكمل، فهما موطن الهوى والحنين،وبهاء وهو الغدير في ظل جبل ال تصيبه –الثغب «فقد هذان المكانان

وولجا مجاال وظيفيا ، صفتهما التحديدية» ووادي العقيق–الشمس ولذا كان ،ن فيض من المشاعر واألشواقجديدا هو التعبير ع

لقد غدا كالهما . وكان وصف هذا الغدير بأنه من الشهد،تقديمهما .)١( وهذا انحراف آخر،رمزا فياض الداللة

فكأنه ، ويعقب هذا المطلع سياق الدعاء الندي الضاحك بخروجها من »الرصافة «وتعمق. امتداد عاطفي صرف للمطلع

جغرافي إلى فيض الداللة العاطفية هذا الطابع أسر التحديد ال ثم تأتي هذه المقابلة العجيبة التي . وتزيده غنى وكثافة،العاطفي

وحدها ، فإذا أحد حديها علة،انقلبت تعطلت وظيفتها البالغية أو

.١٨٨ ص – ١٨٤ ص»بناء لغة الشعر«انظر جان كوهين )١(

-١٢٧-

، فبكاء الغمام علة النور الضاحك، وسر وجوده.اآلخر معلول . فيزيدان السياق ريا وإشراقا،فهي إذا مقابلة يتكامل طرفاها

وانظر بعدئذ إلى ما في هذا السياق من تشخيص يوحد العناصر ! من جنس واحد– على المستوى الشعري – فإذا هي ،المختلفة

في استرجاع أيام صفوه وسروره »ابن زيدون « ويمضي ، ويذكر الحبيب،الغابرة في تلك المعاهد استرجاعا هادئا عذبا

: ثم يقول،ان من سالف ودهوما ك فمن أجله أدعو لقرطبة المنى

)١(بسقيا ضعيف الطل وهو رهـام

وأرجو أن تتأمل قليال هذه اإلضافة البديعة في سياق الدعاء ألم أقل إن األماكن تلج مجاال وظيفيا جديدا في .»قرطبة المنى«

، بل »ىمن « بل غدت،بلدا»قرطبة « لم تعد؟شعر هذا الشاعر . قل غدت رمزا عاطفيا يفيض بالداللة الوجدانية.»المنى «كل

وهل ؟ بالسقيا- ألمنياته أو لقرطبة - فهل من عجب إذا دعا لها فخصها بهذا المطر الخفيف ،من عجب إذا احترس في دعائه :الدائم لئال يفسدها كما قال اآلخر

فسقى ديارك غير مفـسدها

تهمـي صوب الغمام وديمة ؟

: الديوان، القصيدة السابقة)١(

.المطر الضعيف الدائم: الرهام

-١٢٨-

: بل يضيف،وليس يكتفي بكل ما قال محل غنينا بالتصابي خاللـه

ــام فأســعدنا والحادثــات ني

وأي غنى أجمل وأسعد من غنى ؟أرأيت إلى هذا الغنى ؟الشباب أو الصبا

يا للشباب المرح التـصابي

روائح الجنة فـي الـشباب وجعله في حرز مكين ،وانظر كيف صان ذلك التصابي

.»والحادثات نيام «تناله يد الدهر ال - كما قلت في الصحف الماضية - لقد ظل الشعراء العرب

ويعقب ، يخاتل ويرمي فيصيب»صيادا «يتصورون الدهرفإذا بابن زيدون يصون ماضيه الجميل من ختلة ،صالحا بفساد

ويسلط عليه سلطان النوم ،هذا الصياد الماكر فيزيحه من السياق ليفرغ هو لتصابيه ومرحه وحبوره دون أن ،ال يقاومالذي

فهل من حرج عليه إذا لج .يطوف به طائف من خوف أو حذروهل من عجب إذا عبر عن هذا الحنين ! ؟وأسرف في الحنين

! ؟تعبيرا يضارعه رقة وعذوبة وبهاءويكاد يذهب الحديث عن غزل ابن زيدون بالحديث عن جل

من الباحثين تحدث عن هذا الشاعر ولست أعرف أحدا.شعره ولكنه في الحالين ،إال تحدث عن غزله حديثا يطول أو يقصر

فألسنتهم ،جميعا حديث رائق عذب كأنما ينقعون به غلة الصادي .أبدا رطاب

-١٢٩-

وهم ال يفرقون في هذا الحديث بين غزله الذي رأيناه في لقصيدة أو وغزله الذي وقف ا،صدور مدائحه واعتذارياته

وهذا نهج في الدرس األدبي مختلف عما أخذت ،المقطعة عليه .نفسي به في هذا البحث

،وأول ما يلفت النظر في هذا الغزل هو غلبة المقطعات عليهفهي تكثر فيه كثرة مفرطة حتى تكاد تطوي في لجتها القصائد التي

فوجدتها ولقد عددت هذه المقطعات.تعد على أصابع اليد الواحدة وعددت أبياتها فوجدتها تزيد على،تربو على ستين مقطعة

،ولم أر أحدا من الباحثين يتلبث عند هذه الظاهرة!! بيتا»٣٢٠« تنتشر في شعر هذا »المقطعات «والحق أن ظاهرة!! أو يومئ إليها

الشاعر جميعا إال إذا أخذ في الجد والرصانة على نحو ما نرى في وال مما يقبل ، وليس من اليسير.مدح واالعتذار والرثاءمواقف ال

فهي تحتاج إلى دراسة متأنية ،العلم أن نرتجل تفسيرا لهذه الظاهرة . وحسبي أن أنص عليها،يضيق عنها هذا المقام

وال ريب في أن حب ابن زيدون كان أحد العوامل التي ضارع ولكنه ال ي، وفتحت أمامه أبواب القول،وجهت أدبه

إحسان عباس / يقول د.طموحه السياسي وما جره عليهفشخصية والدة هي التي رسمت الطريق لغزل ابن زيدون «

ومن قوة الحادثة نفسها استمد غزله القوة ،بتقلبها وشدة غيرتها ، وبخاصة بعد أن وقع في حال هي بين األمل واليأس،والجيشان

وية من الحرارة في ففي تلك الفترة أطلق الشاعر شحنة ق

-١٣٠-

سببا فإن في شخصية ابن زيدون نفسه... .............قصائده نرجسيا في نظرته ، إذا كان شابا مغرورا بجماله وفتوته،آخر ولذا كان ، وكان مبتلى بمثل الغيرة التي لدى صاحبته،لذاته

.استمرار العالقة بينهما أمرا عسيرا أن يتغلب على –ابه بنفسه رغم إعج–ولم يستطع ابن زيدون

وأعلى ،شعوره بالنقص تجاه والدة من حيث أنها أشرف نسبا شعر ابن زيدون ذا لون واقعي وأصبح «ويستأنف قائال. )١(»مقاما

وبذلك يمثل صفحة جديدة فيها ،يدور حول عالقة حية غير مبهمةبر من حداثة الصورة ما يجعلها متميزة في النفوس ال ألنها تع

فحسب عن اللقاء في المستوى العاطفي بل ألنها تمثل المستوى وشيئا من التقارب في الصعيد الفكري، وتتصل بقوة،االجتماعي

فليس من سمات فارقة في طبيعة الغزل بمقدار ، نفسها »القصة« وسبق للدكتور .)٢(»نالك من سمات جذابة في قصة الحبما ه

الحب وحادثة السجن والعمل عباس أن أشار إلى أثر حادثة . أو قالبها»الرسالة «الديواني في اتخاذ شعر ابن زيدون شكل

شعر ابن زيدون الغزلي يكاد «جودت الركابي أن /ورأى د وأن كثرة غزله،)٣(»يكون النغمة التي تظهر فيها أصالة الشاعر

.١٦٤ص: »عصر الطوائف والمرابطين«تاريخ األدب األندلسي )١( .١٦٧ص: المرجع السابق )٢( .١٩٢في األدب األندلسي ص )٣(

-١٣١-

فهو شعر شكوى ،بوالدة قد قاله بعد أن ساءت العالقة بينهما« .)١( »وذكرىوألم

ولكن من الذي ،الركابي قويم سديد /عباس ود/وكل ما قاله د والعصر ،»والدة «يقطع بأن هذه المقطوعة أو القصيدة قيلت في

؟ والشاعر إنسان مقبل على اللذات،عصر ترف ومجون لقد يعز علينا أن نفعله كل ،ولئن استطعنا أن نفعل ذلك أحيانا

داد أن نحكم أمورا غير نصية في ثم أليس من غير الس.حين ؟، وإن كنت ال أنكر العالقة بينهما »الغزل «أمر نصي هو

ولقد عد القدماء والمعاصرون قصيدة ابن زيدون التي على وهذه القصيدة « فوصفها ابن بسام بقوله،النون من خير شعره

.)٢(» وقد عارضه فيها جماعة قصروا عنه،بجملتها فريدةإنها قصيدة «:»قالئد العقيان «ح بن خاقان فيوقال الفت

، وطلعت في كل خاطر ووهم،ضربت في اإلبداع بسهم وقد رآها .)٣(»ونزعت منزعا قصر عنه حبيب وابن الجهم

،تفيض بالحنين والحب والوالء مع الجفاء «شوقي ضيف/دجودت / ووقف عليها د.)٤(»وكأنما يصب فيها زفراته

١٧٢ص. في األدب األندلسي )١( .٣٦٢ص. الذخيرة ، المجلد األول ، القسم األول )٢( .٢١٢ص: الركابي/ د» في األدب األندلسي«نقال عن )٣( .٤١ص: ابن زيدون)٤(

-١٣٢-

فقال ،ة يتذوقها، ويكشف عن أسرار جمالهاالركابي وقفة متأني ولست أقصد إلى أن أجمع ما قيل في هذه .)١(فيها قوال طيبا

بل قصدت إلى أن أبين مكانتها لدى ،القصيدة قديما وحديثا ولقد كان يكون في هذه األحكام ما .مؤرخي األدب ودارسيه

إلى يغني عن شقاء النظر فيها من جديد لوال منازعة النفس .ما ترد عنه

، لن أدرس هذه القصيدة درسا تحليليا تفصيليا- إذا –وأنا . بل سأنظر فيها نظرة مستأنفة

يفتتح الشاعر قصيدته أو رسالته الغرامية بوثبة عاطفية كما تختم – ويختمها ،تضعنا في قلب تجربته الوجدانية مباشرة

لصواب إذا زعمنا أن ولسنا نبعد عن ا. بالسالم–الرسائل عادة . التي تنبثق القصيدة كلها منها »النواة «بيت االستهالل هو

وليس تزيد األبيات الكثيرة على أن تكون تفصيال وتكرارا لبيت والسيما – وال أكاد أرى غرابة في ذلك فالشعر .االستهالل

. تكرار معنوي–الوجداني منه أضحى التنائي بديال من تدانينا

عن طيب لقيانا تجافينا وناب

ومنها ،فعل حدي هذه الثنائية الضدية تنهض القصيدة

التجافي بدال من طيب / ني التنائي بدال من التدا «تنبثق

.٢١٥ ص – ٢١٢ص : في األدب األندلسي)١(

-١٣٣-

، وهما يحددان بدقة سبيل القول الشعري ووجهته.»اللقاء وهو بناء أليق بالرسالة ،فكأننا أمام بناء منطقي عاطفي بآن

يدة الوجدانية التي يعروها كثير من المحكمة منه بالقص وإذا .التشعث والتداخل والعبث بالحدود المستقرة المألوفة

غرابة من وجهة نظر منطقية أن يتم التركيز على صور ال وعلى صور ،التنائي والتجافي التي تعبر عن الحاضر

وأن يضيف الشاعر .التداني والتالقي التي تعبر عن الماضيالمجموعتين السابقتين عناصر غرامية مألوفة في إلى كلتا

الغزل العربي شريطة أن تتجانس هذه العناصر مع العنصر . في كل مجموعة »النواة«

من مبلغ الملبسنا بـانتزاحهم

ـا حزنا مع الدهر ال يبلـى ويبلين أن الزمان الذي مازال يـضحكنا

أنسا بقربهم قد عـاد يبكينـا

فدعوا تساقينا الهوىغيط العدا من

بأن نغص فقال الدهر آمينـا فانحل ما كان معقودا بأنفسنا

وانبت ماكان موصوال بأيـدينا

وقد نكون وما يخشى تفرقنـا

ـا )١(فاليوم نحن وما يرجى تالقينولعلك الحظت كيف انبثقت من التنائي والجفاء عناصر

وانبتات حبل ،البكاء والغصصغرامية قاتمة كالحزن و

. ١٦٥: ص. ، ق الديوان)١(بالماء أي وقف في حلقه، أو ش: نغص انقطع: انبت. رق بهيقال غص.

-١٣٤-

وهي جميعا عناصر . وانقطاع الرجاء من التالقي،المودة وكيف انبثقت من التداني واللقاء .متجانسة من معدن واحد

، وتساقي الهوى،عناصر غرامية مشرقة كالضحك واألنس وهي جميعا عناصر . وعدم خشية الفراق،واالطمئنان

. متجانسة من معدن واحدتاب في أنك قد استرعى انتباهك ما في هذه األبيات وال أر

، ومن تسلط الدهر على هذه العالقة،من الطباق والمقابلة .واالنقالب بها إلى نقيضها

وكلما مضى الشاعر في بناء قصيدته ازداد التمايز بين وغلب على إحداهما مسلك أسلوبي مغاير ،مجموعتي الصور

.خرىللمسلك األسلوبي الغالب على األ حالت لفقدكم أيامنا فغـدت -

سودا وكانت بكم بيضا ليالينـا ـا إذ جانب العيش طلق من تألفن

ومربع اللهو صاف من تـصافينا

وإذ هصرنا فنون الوصل دانية

قطافها فجنينا منـه ماشـينا ـا ليسق عهدكم عهد السرور فم

كنــتم ألرواحنــا إال رياحينــا

جنت لواحظنـا يا روضة طالما أ -

وردا جناه الصبا غضا ونـسرينا ويا حيـاة تملينـا بزهرتهـا

منى ضروبا ولـذات أفانينـا

ويا نعيما خطرنا من غضارته

في وشي نعمى سحبنا ذيله حينا يا جنة الخلد أبدلنا بـسدرتها

والكوثر العذب زقوما وغسلينا

-١٣٥-

ثنـا كأننا لم نبت والوصـل ثال

والسعد قد غض من أجفان واشـينا ـا سران في خاطر الظلماء يكتمن

)١(حتى يكاد لسان الصبح يفشينا

وهل رأيت ؟ كيف يتحدث ابن زيدون عن أيام حبه الخواليأرأيت

لقد نمت نواة اللقاء ؟كيف تتجانس عناصر الحديث تجانسا بديعا : كل ما يسر ويعجب وغدت شجرة فينانة فيها وحولها،والتداني

وفنون الوصل ، واللهو الصافي، واأللفة،العيش الطلق والورد غضا ، والسرور والرياحين، والجنى المشتهى،الدانية

، وغضارة النعيم، وأفانين اللذات، وضروب المنى،ونسرينا !! فهي زهرة الحياة وجنة الخلد،ووشي النعمى

واإلقبال العذب على ،نلوحة مشرقة وضاءة فيها الجمال الفتاوتشكل الطبيعة عناصر بنائية أساسية . واللهو العريض،الحياة

وابن زيدون ال يفرد قطعا أو قصائد لوصف ،في هذه اللوحة ولكنه يوظف ،الطبيعة على خالف ما شاع في الشعر األندلسي

.العناصر الطبيعية توظيفا فنيا راقيا

:القصيدة السابقة/ الديوان،)١(: لواحظناأجنت . قريبة : دانية. أغصان: فنون. جذبنا وثنينا: هصرنا

: تملينا. ورد أبيض عطري الرائحة: النسرين. جعلتها تجني أي تقطف. الزينة: الوشي. السعة والخصب: الغضارة. أنواع: أفانين. تمتعنا

ة النتهى، وهي شجرة عن يمين العرش في السماء أراد سدر: السدرةشجرة في جهنم منها طعام : الزقوم. نهر في الجنة: الكوثر. السابعة

.مايسيل من جلود أهل النار: الغسلين. أهل النار

-١٣٦-

،الذي طغى على هذه األبياتولعلك الحظت المسلك األسلوبي فتزاحمت الصور ،فقد جنح ابن زيدون جنوحا قويا إلى التصوير

وكأني بابن زيدون يستروح .تزاحما شديدا لكأنها تتدافع بالمناكب فيبث مشاعره في عناصر طبيعية ،حين يتذوق طعم الحب الغابر

.تصويرية قادرة على اإليحاء بكثافة المشاعر ووضاءتها وكيف يبعث روح ،أمل قليال هذا النداء المتكرر المتالحقوت

الشجن في هذه المناجاة، ويرشح بذلك للعودة إلى الموازنة بين :الماضي والحاضر

يا جنة الخلد أبدلنا بسدرتها

والكوثر العذب زقوقا وغـسلينا ال تستطيع أن »التضاد «ولكن هذه النفحة القرآنية القائمة على

فيعود إليه الشاعر من ،لسياق العاطفي المتدفق عن مسارهتحرف اوتأمل هذه الكناية . في سلسلة من الصور البديعة المتالحقة،جديد

وهذا التعبير ،»كأننا لم نبت والوصل ثالثنا «البديعة عن الخلوة وما فيه من ،»سران في خاطر الظلماء يكتمنا «الفني الناضج

وجعله يكتم ،ى معنوي ثم شخص المادي فقد حول المادي إل،براعة .هذين السرين في سياق من األمن والطمأنينة والحبور

وحين يتحدث ابن زيدون عن حاضره المحزون يستكمل بناء، ويزاوج بين التصوير والتقرير مزاوجة »المفارقة التصويرية«

فنحس أن التقرير يفرض نفسه على السياق ،بعيدة عن االعتدال : يجففهحتى يكاد

-١٣٧-

ال غرو في أن ذكرنا الحزن حين نهت

عنه النهى وتركنـا الـصبر ناسـينا

ـ الإنا قرأنا األسى يـوم وى سـورا ن

ــا ــصبر تلقين ــذنا ال ــة وأخ مكتوب

ــه ــدل بمنهل ــم نع ــواك فل ــا ه أم

شـربا وإن كــان يروينــا فيظمينــا

لم نجف أفـق جمـال أنـت كوكبـه

قالينـا سالينا عنـه ولـم نهجـره

ــب ــن كث ــاه ع ــارا تجنبن وال اختي

لكن عـدتنا علـى كـره عوادينـا

نأسـى عليــك إذا حثــت مشعــشعة

ــا ــا مغنين ــشمول وغنان ــا ال فين

ال أكؤس الراح تبدي مـن شـمائلنا

)١(سيما ارتياح وال األوتـار تلهينـا

وهل رأيت كيف يتحدث هذا الشاعر عن حاضره الضيق فإذا هي شجرة ، نمت نواة التنائي والتجافي لقد؟الكئيب

: الديوان، القصيدة السابقة)١(: العوادي. صرفتنا: عدتنا. من قاله أي أبغضه: قالينا. العقول: النهى

.عالمة: سيما. الخمر: الشمول. ممزوجة: مشعشعة. رصروف الده

-١٣٨-

والصبر ،جرداء ال يحيط بها سوى الحزن واألسى والنوىوصروف الزمان ، والهجر القاسي،العسير، والظمأ المر

!! الصعبلوحة نفسية قاتمة استمكل بها الشاعر بناء مفارقته

، أو قل إن الطباق في مطلع القصيدة قد نما نصيا،التصويرية .وغدا مفارقة تصويرية

،وتأمل قليال هذه اللوحة مرة أخرى تجد غلبة التقرير عليهافكأن ابن زيدون ال يحس رغبة في التصوير بمقدار ما يشعر

.برغبة عميقة في إبالغ الحبيبة مضمون رسالته الحزينبل إن هذا السياق الحزين يتسلط على السياق الالهي بما فيه

ويكفها ،عطل دالالت هذا السياق المعهودة في،من خمرة وغناء !!عن الفاعلية

في هذه القصيدة عناصر غزلية مشرقية كمخاطبة ونحن نرى ، ومخاطبة الصبا وتحميلها التحية للحبيب، وطلب السقيا،البرق

ترتبط – على نحو ما ذكرنا في مواطن سابقة –وهي كلها فإذا تذكرنا أن .مختلطة والمشاعر الكثيفة ال،باألشواق الغامضة

ابن زيدون قال هذه القصيدة وهو في إشبيلية عندما رحل إليها هـ أدركنا »٤٣٣ «أول مرة بعد فراره من السجن، أي بعد سنة

التي »الفقد « وأدركنا سر روح.سر هذه األشواق والمشاعر .تسري في أرجاء هذه القصيدة

-١٣٩-

وتصاغر ،»والدة «وفي هذه القصيدة نعت واسع لجمال .إحسان عباس/وشعور بالنقص أمامها على نحو ما الحظ بحق د

ولست أدري كيف يكون هذا الشعور من وادي الغزل؟ فجعل منها، قصيدته بناء منطقيا محكما»ابن زيدون «لقد بنى

فتحققت ، ووجهها منذ البداية وجهة لم تحد عنها، حقا»رسالة« وأشاع فيها عنصرا .نفسية ووحدتها ال،لها وحدتها الموضوعية

ولكنه عنصر متزن ال يعرف الجموح والتشعث، ،عاطفيا قويافهي ال تصدر عن روح هائمة عاشقة ذاهلة بمقدار ما تصدر عن شخصية متزنة أخفقت في تجربة حب أرستقراطية كانت تراها

فشعرت ،تحقق لها طموحها وتميزها على المستوى العاطفي ولم تجرفها ، ولكنها لم تفقد تماسكها،وفقد قاس ،بخسارة فادحة

بل ظلت رصينة متزنة ، وال استحكم الصراع في نفسها،العاطفة . ومراعاة الحدود، والمقابلة بينها،قادرة على توليد المعاني

نحن إذا أمام قصيدة هي تعبير عن العقل الذي شعر بخسارة مما هي تعبير عن القلب أكثر ، فتأثرت عواطفه تأثرا قويا،فادحة

في شخصية ابن »الكاتب « إن صفة: هل أقول.الذي فقد الحبيب ؟ على امتداد القصيدة»الشاعر «زيدون كانت تناوش صفة

الذائعة الصيت أن تكون أدنى إلى »القافية «ولعل قصيدته وقد قال . وأمس رحما به من القصيدة السابقة،روح الشعر الحق

عاطفة : عاطفتانإنها قصيدة تموج فيها «لسيد نوف /عنها د

-١٤٠-

،الماضي الجميل تكسبه الطبيعة الحلوة مزيدا من الحسنوعاطفة الحاضر المحروم يكسو الطبيعة ثوبا من القتامة

وبذلك يبدو اشتباك الطبيعة مع عواطف الشاعر ...... .والكآبةمن األسى التي يذكيها جو الذكرى باعثا في النفوس لحنا

.)١(»اإلشفاق والصدى العميقووواضح ما تموج « فقال،شوقي ضيف/ وتحدث عنها د

فهو ،به هذه المناجاة من مختلف المشاعر ومتنوع الخواطر وهو ينظر في الطبيعة حوله ،محب قلق بين اليأس والرجاء

. فيشعر كأن كل شيء يشاركه في همومه،ومباهج الربيعتجربة نفسية ] !كذا [وعة إذا قلنا إن هذه المقطوال نبالغ

نفسه من خالل الطبيعة فالشاعر يعطينا .... .كاملة للشاعر .)٢(»التي يصفهاإحسان عباس عن دخول الطبيعة بقوة في هذه /وتحدث د

فهذا التوازي بين منظر الطبيعة الضاحك « فقال،القصيدةالمشرق وحال الشاعر الحزين قد زاد في عمق المفارقة، ولم

إثارة الطبيعة للعطف على حاله حين ذكر اعتالل ينجح في ، وتخيل بكاء الزهر بماء الندى إشفاقا ومشاركة له،النسيم

في األدب «، نقال عن كتاب ٢٦٧ص: الطبيعة في األدب العربيشعر )١(

.٢١٨ و ص٢١٧ ص »األندلسي .٤١ص : ابن زيدون)٢(

-١٤١-

ألنه أمعن في تصوير االستبشار والنمو والتفتح في جنبات غير أنه وفق حين جعل من هذا المنظر الفريد .الطبيعة

يوم كأيام لذات لنا (وبة صورة للماضي في ظل المحبفكفل بذلك تحقيق المقارنة بين الماضي الذي جاء ) صرمتان

والحاضر الذي جاء أيضا بكل شيء جميل ،بكل شيء جميل :لوال غيابها

لو كان وفى المنى في جمعنـا بكـم

)١(»لكان من أطيـب األيـام أخالقـا

واألسى ،الحاضر المحروم «سيد نوفل على /ولئن نص دعباس / إن د،»القلق والهموم« ضيف على/ ونص د،»واإلشفاق لكنه لم يلبث أن كر على هذا ،»حال الشاعر الحزين «قد ذكر

قد جاء – كالماضي – فذكر أن الحاضر ،كاد الحزن فأبطله أوقاله هذا وأكاد أزعم أن ما.بكل شيء جميل لوال غياب الحبيبة

.الناقد المرموق يستحق أن يقيد في الصدور فاعلم أن غاية ما ، النظر في هذه القصيدةفإذا رأيتني أستأنف

أقصد إليه هو أن أنفي الحزن عن هذه القصيدة إال ظال يحسه . ولكن العين ال تكاد تحققه،القلب

٢٠٢ص: »عصر الطوائف والمرابطين«تاريخ األدب األندلسي )١(

.٢٠٣صو

-١٤٢-

إني ذكرتك بـالزهراء مـشتاقا -١

واألفق طلق ومرأى األرض قد راقـا

وللنسيم اعـتالل فـي أصـائله -٢

ــل إ ــي فاعت ــه رق ل ــفاقاكأن ش

٣- مبتسم والروض عن مائه الفضي

كما شـققت عـن اللبـات أطواقـا

نلهو بما يستميل العين من زهر -٤

جال الندى فيه حتـى مـال أعناقـا

كأن أعينـه إذ عاينـت أرقـي -٥

بكت لما بي فجـال الـدمع رقراقـا

ورد تألق فـي ضـاحي منابتـه -٦

ى في العين إشراقا فازداد منه الضح

ســرى ينافحــه نيلــوفر عبــق-٧

وسنان نبـه منـه الـصبح أحـداقا

كل يهيج لنـا ذكـرى تـشوقنا -٨

إليك لم يعد عنها الـصدر أن ضـاقا

ال سكن اهللا قلبـا عـق ذكـركم -٩

فلم يطـر بجنـاح الـشوق خفاقـا

-١٤٣-

لو شاء حملي نسيم الريح حين سرى -١٠

ــاكم بفتــى أضــناه مــا القــى واف

يوم كأيام لذات لنـا انـصرمت -١١

بتنا لها حـين نـام الـدهر سـراقا

١٢- لو كان وفى المنى في جمعنا بكم

)١(لكان مـن أكـرم األيـام أخالقـا

هذا غناء رائق عذب يتجلى فيه صفاء الموسيقا وتدفقها فيكاد يستولي على ،تىكما تتجلى فيه فنون من الصناعة ش

فإذا تحررت من . ويصرف الوجوه عن كل أمر سواه،القلب وأعدت النظر فيه استوقفك أمر غريب هو تداخل آناء ،أسره

فتارة يتحدث ابن زيدون عن داخال شديدا،النهار والليل ت وتارة ثالثة عن،»الضحى « وتارة عن،»األصيل «وقت

ألن األرق ال يكون »ليلال « وأستطيع أن أضيف.»الصباح« فكيف استقام له جمع هذه اآلناء جميعا في موقف .إال فيهقد يقول قائل إنك تطلب من الشاعر أن يقيس شعره ! واحد؟

، هذا اعتراض وجيه. وما هذا من طبيعة الشعر،على الواقع

١٧١: ص. الديوان ق )١(ما يحيط : األطواق. الدة من الصدر، وهي موضع القج لبة: اللبات

: عق ذكركم. الظاهر البارز للشمس: الضاحي. بالعنق من الثوب .استخف به

-١٤٤-

وماذا يعني ؟ولكن ماذا يعني العبث بالزمن على هذا النحولد فيه الرقة والجمال من العلة هذا التشخيص الذي تتو

وهذا البكاء الذي يصير الجمال عينه ؟)٢:ب(واإلشفاق ؟)٥:ب(

هذا حشد ألمور متضاربة في سياق :أريد أن أقول فإذا ؟ فكيف ذاب التضارب والتناقض في هذا السياق،عاطفي

أعدت النظر في البيتين الثاني والخامس رأيت أن ابن زيدون فهل ،در إنسانية الطبيعة في هذه القصيدةهو نفسه أحد مصا

يعني هذا أنه كان معنيا بنفسه أكثر من عنايته بالزهراء التي إن الشعر تعبير عن عالقة الذات : ستقول أيضا؟يصورها

هذا اعتراض . وليس تصويرا للموضوع،الشاعرة بموضوعها عليال – في ما يزعم – بيد أن هذا الشاعر كان .وجيه آخر

فهل تعبر هذه ،مؤرقا مضنى شفه النحول من أوصاب الحب إن سياق ؟القصيدة عن هذه المشاعر المحزونة القاتمة

فهو سياق عامر باللهو القصيدة يطرد هذه المشاعر وينفيها، ووجه األرض ،واالستمتاع العميق بالجمال من األفق الطلق

، الماء والروض المبتسم عن فضة، والنسيم العليل،الرائق ومن ورد يتألق ،والزهر الذي جال فيه الندى فاستهوى العين

ومن نيلوفر وسنان نبهه الصباح ،فيزداد به الضحى إشراقا وأجدر بهذا السياق العامر بالبهاء والحبور أن يوقظ .الجميل

-١٤٥-

فيحيل وميضه ، وينفخ في رماد الذكرى،بين الجوانح األشواقذكرى األحباب انفتح الشاعر فإذا توهجت .شررا ساطعا

، فندت عنه هذه الصراحة يتقاسمها هذا الدعاء الجميل،عليها :وهذه الصورة البديعة

ال سكن اهللا قلبا عق ذكـركم

ـ افلم يطر بجناح الشوق خفاق وبهذه ، بهذا الغناء الرائق العذب»ابن زيدون «لقد مكر بنا

فأوهمنا أنه ،امتدادا مفتوحا »الغنائية «القافية المطلقة التي تمنح وساعد على هذا الوهم وقواه .كان يشكو تباريح هوى ممض

وبالظروف ،أمور غير نصية تتصل بقوة حادثة الحب نفسها كما ،»وهو متوار خائف « فقد قالها،التي البست قول القصيدة

للشعر – ولكنه على غرابته شائع –تتصل بوطأة تصور غريب . »وحدة البيت «علىالقديم قائم

ويشرق في أرجائها ،إنها قصيدة تسري البهجة في عروقها وفي أحالم ، قصير»حلم يقظة « أغلب ظني أنها تمثل.الحبور

وتجد النفس مجاال مفتوحا ،اليقظة تتداخل حدود الزمنللحركة المرنة بين آناء النهار والليل جيئة وذهابا في غفلة

وفيها تتماهى أو تختلط المتناقضات .من قيود العقل المنطقية ويستولي على النفس انطباع عام غامض أو ،في لمح البصر

أحاسيس ومشاعر متجانسة على الرغم من تباين العناصر فيعلق ، ويحيله يقينا، ولعل النص يعزز هذا الظن.التي ولدتها

-١٤٦-

الشاعر على موقفه السابق كله تعليقا عاما موحدا فيه إجمال :وغموض

يوم كأيام لذات لنا انـصرمت

بتنا لها حين نام الـدهر سـراقا والكناية عن االستمتاع بأوقات الوصال بالسرقة كناية لطيفة

ولكن ابن زيدون يسوقها في سياق عجيب نرى فيه الدهر ،شائعة وتتالشى الحدود بين ، وحين ينام الدهر تتغير طبيعة الزمن.نائما

لقد سلط الشاعر .بين صباح وضحى وأصيل وليلآنائه فال فرق ،- ال فرق – أو تسلط النوم على الشاعر ،النوم على الدهر

وطفق في غفلة من الدهر أو في غفلته عن الدهر يلهو ويستمتع فهل تساورك الظنون بعد هذا كله في .ويعب من رحيق السرور

جميل »حلم يقظة « صدر في هذه القصيدة عن»ابن زيدون «أن وليست تزيد األبيات ؟ فعبر عنه تعبيرا جميال مقتضبا،قصير

الثالثة األخيرة من القصيدة على أن تكون تعليقا واعيا بعيدا عن ويذكر ما كان ، ويمحضها الود، فإذا هو يناجي حبيبته،األحالم

. وما صارا إليه،من أمرهما على –عر ونظرا لكثرة مقطعات الغزل في ديوان هذا الشا

: سأقف على واحدة منها–نحو ما ذكرت سابقا ودع الــصبر محــب ودعــك

ذائع من سره ما اسـتودعك

يقرع السن على أن لم يكـن

زاد في تلك الخطا إذ شـيعك

-١٤٧-

يا أخا البـدر سـناء وسـنا

ــك ــا أطلع ــظ اهللا زمان حف إن يطل بعـدك ليلـي فلكـم

)١(بت أشكو قصر الليل معـك

وفي الرمل «. خفيفة رشيقة منسابة،»الرمل «هذه موسيقا » ولذلك أكثر منه الغزلون،رقة وعذوبة مع ما فيه من األسى

.)٢(عبد اهللا الطيب/كما يقول دوهذا مطلع عاطفي صرف تتزاحم في سياقه الكلمات العاطفية االنفعالية ذات الرصيد الضخم في الوجدان العربي

بل هذه ذروة ....) ذيوع السر، ودع، المحب، الصبر،ودع( فيبوح بما يجيش بين ،االنفعال يصدر عنها ابن زيدون

»ودع « ويعزز تكرار كلمة.جوانحه بوحا عذبا رقيقا أسيان وما ،»الصبر « ثم يأتي تشخيص.اإلحساس بعاطفية السياق

نجم عن وداعه من ذهول أفضى بصاحبه إلى العجز عن رار قلبه ما رجا الحبيب أن يذيع من أس فإذا هو ،الكتمانوهكذا يتدفق في هذا السياق فيض من العواطف !! يحفظه

ولهذا السبب كان الشطر الثاني .والمشاعر يدفع بعضها بعضامن المطلع نتيجة حتمية للشطر األول بمقدار ما كان تفريعا

.منه واستكماال له

.١٨٣: ص. الديوان ق)١( .١/١٦٥: المرشد إلى فهم أشعار العرب)٢(

-١٤٨-

فتصب فيه ،ويقوى جيشان هذا السياق العاطفي ويتصاعد وأرجو أن تتأمل جمال الكناية وما فيها من –مشاعر الندم المر

مزاوجة بين التصوير الحسي وما يدل عليه ويقترن به من ألنه لم ؟ ولماذا كل هذا الندم– »....يقرع السن «مشاعر الندم

وكأن تلك،يرافق الحبيب بضع خطوات أخرى حين ودعه !! فالخطا كانت ستغير طبيعة الموق

بل ،ستراتيجية التفكيرإإنه قلب العاشق الذي ال يقوى على .يغرق في اللحظة العاطفية التي تحاصره من جهاته جميعا

وما فيه من اقتران ،وانظر إلى هذا النداء الحميمالمحبوب بالبدر جماال وسموا في سياق بديع من الدعاء بأن

ب في أنه من وال ري- »أطلعه « الذي»الزمان «يحفظ اهللا مالمح »أطلعك «وانظر كيف تشتجر في كلمة - نادر الدعاء

.الحبيب ومالمح القمر وأرجو أن تقف قليال على ضمير الغائب في البيتين األولين

، زاد، لم يكن، استودعك، يقرع على أن،ودعك، عهده« أراد بها الشاعر »ضمير الغائب «سلسلة متالحقة من. »شيعكلشائع المألوف أن يتالحق ضمير الغائب كل هذا هل من ا.نفسه

؟ أال يعد هذا انحرافا عن مألوف األساليب وشائعها؟التالحق فإنه يؤكد داللة – أعددته انحرافا أم لم تعده -مهما يكن

فكأن الشاعر يتحدث عن شخص آخر ، وفقدان الصبر،الذهول

-١٤٩-

لمشاعر هل كان ابن زيدون يريد أن يخفف من وطأة ا.غائب فجنح إلى إلقاء شطر منها على شخص آخر اشتقه ،على روحه إنه انشطار الذات ؟ عنه– مخادعة للذات – وفصله ،من نفسه

.أمام هذا الفيض العاطفي الثقيل الرازح على الروح وما ،وانظر كيف تحول الضمير بعد سياق النداء والدعاء

،»لمتكلمضمير ا «فيه من ضوء وهداية ورعاية إلهية إلى وفاء إلى ،فكأن الشاعر استرد روحه من قبضة الذهول والندم

فأخذ يتحدث عن نفسه حديثا مباشرا واضحا ،عقله ونفسه ويتجسد هذا .تتمايز فيه الحدود بين الماضي والحاضر

ال لتعبر عن طرفين متناقضين »المقابلة «الموقف في بنية : نفسيين متناقضين هما بل لتعبر عن موقفين،حسيا أو عقليا

وموقف اللقاء والصفو ،موقف الفراق والحزن والضيق .والسرور في كنايتين لطيفتين شائعتين

فإذا أعدت النظر في هذا النص كرة أخرى تبينت أن . ودار حولها، التي انبثق منها النص»البؤرة « هو»الحبيب«

- ه فنحن ال نكاد نعرف شيئا عن،ولكنه حبيب حاضر غائب ولكننا نعرف أنه هو الذي أفقد الشاعر ،- وهذا هو غيابه

– وقذف في قلبه الندم، وصرف أموره في كل صوب ،صبره وهو في ، ومحرك النص، إنه ملهم الشاعر.–وهذا هو حضوره

ذلك يقترب من صورة الحبيبة في الغزل العذري الذي استفاض .في بادية الحجاز ونجد زمن األمويين

-١٥٠-

وبعد قديمة ،فقد كنت أمني النفس أن أجد أحكاما نقدية كثيرة

فأدرسها دراسة تحليلية ، تدور حول شعر ابن زيدون،وحديثة وعن اختالف ، هذا الشعر»تلقي «تكشف عن كيفية

، واألزمان المتغايرة،سوسيولوجيا الذوق في البيئات المختلفة أجد مناصا ولم. وأخلفتني الظنون،ولكن األماني عاسرتني

محاوال معرفته وروزه ،من أن أقرأ هذا الشعر مرات عددا ولست .وفق ما استقر في نفسي من مفهوم الشعر ومعاييره

، فأدعي أن هذه القراءة وافية تامة الوفاء،زعم مزعما بعيداأا . فمثل ذلك ال يصح في الدراسات اإلنسانية ولكنني أظن ظن

ومبلغ نفس «،ت في قراءته وأخلصتيقينا أنني قد اجتهد .»عذرها مثل منجح

* * *

-١٥١-

اراتــخمت

ابن زيدونمن شعر

هذه المختارات مأخوذة من نسخة الديوان التي حققها

.علي عبد العظيم، وراجعها الدكتور إحسان النص الدكتور

-١٥٢-

-١٥٣-

مواكب الذكريات

ماتنـشقا – من عـرف الـصبا –تنشق وعــاوده ذكــر الــصبا فتــشوقا

ــرق ــع الب ــازال لم ــا–وم ــا تألق لمــدفقا ــى ت ــين حت ــدمع الع ــب ب يهي

)١(وهل يملك الدمع المـشوق المـصبأ؟ * * *

ــذرالع ــحضإن أجــزع فقــد و خليلــي وإن أستطع صبرا فمن شـيمتي الـصبر

ـ ه الـدهر وإن يك رزءا مـا أصـاب ب ففـي يومنـا خمـر، وفـي غـده أمـر

ــرزأ ــريم مـ ــب، إن الكـ )٢(والعجـ* * *

الذي ثارت : المصبأدعا، : ريح الشمال، أهاب: الطيب، الصبا: العرف )١(

.به الصبوةمثل قاله امرؤ القيس حينما بلغه مصرع أبيه، وكان في ) اليوم خمر وغدا أمر() ٢(

).ال صحو اليوم، وال سكر غدا: (مجلس لهو وشراب، ويروى أنه قال أيضا

-١٥٤-

ـــوائب رمتني الليالي عـن قـسي النــصائب ــالت الم ــأتني مرس ــا أخط فمـي نهـاري باألمـاني الكـواذب ـض أقــب ــيء الكواك ــل بط ــى لي وآوي إل

ــأل ــات يك ــب ب ــار كوك ــأ س )١(وأبط* * *

اءالغــر ـبة هل فيـك مطمـع؟ !أقرطـع؟ ـقــ ـك تـن ــ ــد حــرى لبين وهــل كبـلـيالـيك الحــميدة مـرجـع؟ وهل ل

مرأى فيك –إذ الحسن –عـم واللهو مـســأ– لــديك –وإذ كنــف الــدنيا )٢( موط

* * * النـوى بـك؟ أليس عجيبـا أن تـشـط

ــك ــش نفــح جناب ــأن لــم أن فأحيــا ك

.طويل، يشير إلى قول النابغة: ليل بطيء الكواكب )١( كـلـيـني لهم يا أميـمة ناصـب

وليــل أقاســيه بطــيء الكواكــب .رعاه وأطال مراقبته: كب كال الكو

: موطأحرزه وستره ورحمته، : وكنف اهللالناحية أو الظل، : الكنف )٢( .ممهد ومهيأ

-١٥٥-

ــ ــئم ش ــم يلت ــول ــعابكعبي خ الل شــي بــ ــك خلق ــكولــم ي ــن تراب دؤه م

)١( منـشأ – من نواحيـك –ولم يكتنفني * * *

ــاح، ولي ك وضــار ــحيان نه ــك ض ل نك نـشوانــص وتربك مـصبوح، وغ ريـانك عجـو وأرضك تكـسى، حـين يحـــانللنفـــوس ور وحـــاك روري ــأ تفيــك الم ــاني ظل ــسب األم )٢(وح * * *

ــا ــسى زمان ــاب(أأن ــال؟) بالعق مغفــاف ــشا بأكن ــافة(وعي ــال؟) الرص دغف ــى ــة( إزاء –ومغن عفريال-)الجــب أقــدوال ــا وج ــس روض ــراد األن ــنعم م ل

: الفناء، الشعب: الرائحة الزكية، الجناب: لم أشم،النفح: لم أنش )١(األحياء :اذا اجتمعوا بعد تفرق، الشعاب: الصدع، والتأم شعبهم

. الجبالالعظيمة أو مسايل المياه أو مابينبارز للشمس، ومعنى ليلك : مضيء مشرق، ضحيان: نهارك وضاح)٢(

.مسقى في الصباح: أي وضاء، مصبوح: ضحيان

-١٥٦-

ــصبوة ال ــم محــل ال أونعتبــو١(م( * * *

ــى ــارب مله ــالعقيق(وي ــس) ب ومجل لـدى ترعــة، ترنـو بأحــداق نــرجس بطاح هـواء مطمـع الخـال مـؤنس

مـشمس – ولكن من سنا الراح –مغيم )٢( تـتألأل – فـي كأسـها –إذا مابدت

* * * شهد م –) عين شهدة ( من –وقد ضمنا

ــد ــود أحم ــه، والع ــدنا في ــدأنا وع ب

:السعة من العيش ومنه قول الشاعر: بفتح العين والفاء الغفل )١( إذا نحن في غفل، وأكثر همنا

صرف النـوى وفراقنـا الجيرانـا الهادئ الناعم، ومنه غفالت : المغفلان المستور، ومعنى الزم: والغفل

.واسع مخصب: عيش دغفلالعيش، . مكان الجيئة والذهاب: المراد بفتح الميم

مسايل : فوهة الجدول، أو الروضة في مكان مرتفع، البطاح: الترعة )٢(أي ) مطاح هواء(ممرات هواء، وقد تكون : المياه، وبطاح هواءمطر فيه، ي ال يخلف مطره أو الالسحاب الذ: مساقط هواء، الخال

مساقط هواء عليل، يطمع في المطر لرقته ويؤنس منه : والمعنى . شعة الخمرلجفافه، والجو مقنع بالغيوم ولكنه مضيء من أ

-١٥٧-

ــد أغي ــور ــو أح ــروس الله ــزف ع يــورد، ــد م ــذب، وخ ــسم ع ــه مب لــف ــدام –وك ــاء الم ــأ– بحن )١( تقن * * *

على الجـسر – مصعدين –وكائن عدونا بين الربا العفـر ) الجوسق النصري (إلى ورحنا إلى الوعساء من شـاطئ النهـر بحيث هبـوب الـريح عـاطرة النـشر ــ ــي تكف ار، فهــو ــضب الن ــى ق )٢(أعل * * *

ــام بأي ــسن ــون–وأح ــوالح- خل ص )ناصـح (أو قـصر ) بمصنعة الـدوالب ( - أثنـاء تلـك األبــاطح –تهـز الـصبا ــفيحة سلــ ــائح ص ــوارد س سال الم

.تصبغ باللون األحمر المنبعث من أشعة المدام: تقنأ )١(تدة القنطرة المم: كم جرينا، الجسر بفتح الجيم وكسرها: كائن عدونا) ٢(

الرمال البيضاء أو : القصر، العفر: الجوسقعلى مجرى الماء، . رابية من الرمل الندي تنبت أحرار البقول: الوعساءالحمراء،

.تتمايل: تكفأ

-١٥٨-

)١(ترى الشمس تجلو نصلها حين يـصدأ * * *

ــذا وياحب)ــراء ــر) الزه ــة منظ بهجــوهر ة جــح ــاس، وص ــة أنف ورقــضر حــال وم ــن مبــدا جم وناهيــك مــوثر ــك وكـ ــدن تطبيـ ــة عـ وجنـ

مرالع ٢( وينـسأ - طيبـا -بمرأى يزيد( * * *

ــصرما ــد تـ ــا لعهـ ــد أبكيهـ معاهـ أغض– نـيمـا - مـن الـورد الجوأنع

ــا ــرا منمنم ــا حبي ــصبا فيه ــسنا ال لب جيـشا عرمرمـا – إلى اللـذات –وقدنا

ــأ ــضارة مرب ــن ردء، والغ ــه األم )٣(ل* * *

الحوض المتسع لجمع الماء، الدوالب آلة للري، مصنعة : المصنعة )١(

.مسايل المياه: األباطحالدوالب مكان وافر المياه، وهو هنا علم، .يؤخر: تدعوك، ينسأ: تطيبكناهيك حسبك، )٢(، ردء )حريرا(الثوب الناعم الموشى، وفي ب، ت، ز : الحبير المنمنم )٣(

السعة والنعمة والخصب، وفي األصل : ظهير ومعين، الغضارة .مكان المراقبة: ، المربأ)الغداوة(

-١٥٩-

كساها الربيـع الطلـق وشـي الخمائـل احت لهـا مرضـى الريـاح البالئـل ور وغادى بنوهـا العـيش حلـو الـشمائل ــائل ــضحى واألصـ ــا بالـ والزال منـ أ – على تلـك الميـادين –سالمقـر١( ي( * * *

مـــصادر أإخواننـــا للـــواردين ــيتلوه آخـــــر وال أول إال ســـــي ــان –وإن ــاب الزم ــاظر– إلعت لن - والجـد عـاثر –قيل الجـد فقـد يـست )٢(نأوتحمد عقبـى األمـر مـازال يـش * * *

نظعــي ــى ف ــر يجف ــان الح ــت وك ظعن وأصبحت أسـلو باألسـى حـين أحـزن على اليـأس –وقر – ـوطنالم الفـؤاد

.خفت وطابت: راحت )١(: ض من عثاره، يشنأينه: إرضاء وصفح، يستقيل الجد: إعتاب) ٢(

.يبغض

-١٦٠-

نــت فيهــا ألهـــونبــالدا ه وإن ــي بالدن ــن رام مثل ــأ وم ــة أدن ١(ي( * * *

وال يغبط األعـداء كـوني فـي الـسجن فإني رأيت الـشـمس تحـضن بالـدجن وما كنت إال الصارم العضب فـي جفـن أو الليث في غاب، أو الصقر فـي وكـن )٢(أو العلق يخفى في الـصوان ويخبـأ * **

ــذهبي ــصبابة م ــأنواع ال ــضيق ب ي إلى كـل رحـب الـصدر مـنكم مهـذب مفـــضض ألالء األســـارير مـــذهب ــب ــرة كوك ــدر غ ــه الب ــافس من ين

رحلت، األسى بكسر الهمزة وضمها جمع أسوة بالكسر : ظعنت )١( .يتعزى به الحزين ما: والضم

السيف القاطع، : العضبالغيم، الصارم : الدجنتحبس وتمنع، : تحضن )٢(وعاء : الصوان والصيانالتحفة الثمينة، : العلقعش، :وكنغمد، : جفن

.وهو وعاء المسك): الصوار(الصون والحفظ وفي نسخة

-١٦١-

ــوأ ــناء وأض ــى س ــا أبه )١(درى أنه* * *

ــل أســفت، فمــا أرتــاح، والــراح تعمــي وه ،ــار ــعف األوت ــلوال أس ستر

وال أرعوي عـن زفـرة، حـين أعـذل متعلــل –وال لــي مــذ فــارقتكم

)٢( يطـرأ – على النأي –سوى خبر منكم * * *

ــا ــين خالله ــام ل ــن األي ــدتم م حم وســرتكم الــدنيا بحــسن داللهــا ــا ــا وماللهـ ــن عتبهـ ــة مـ مؤمنـ

ــنك ــا والزال م ــن ظالله ــس م م الب )٣(يــسوغ أبكــار المنــى ويهنــأ

* * *

جمع أسرار، وهي جمع سرر بكسر السين وفتح الراء، : األسارير )١(

أن وجهه : والمعنى الخطوط الظاهرة في الجبهة أو الكف،: واألسارير .مضيء مشرق متأللئ

أنه يأسف لفراقهم، فال يطرب للخمر حين يسرع دبيبها في الجسم، : المعنى) ٢(ن تأسر ألحانها القلوب، وال يعدل عن الزفرات حين وال يهتز لألوتار حي

).من زفرة(يالم، وال يتعلل إال بتسقط أخبارهم، وفي ت .وسوغه اهللا النعمى يسرها وسهلها. يهنأ: يسوغ )٣(

-١٦٢-

جمايل الزهراء

عاد الشاعر مستخفيا إلى الزهراء بعد فراره من قرطبة، « .ومنها أرسل هذه القصيدة إلى حبيبته

والزهراء ضاحية من ضواحي قرطبة، أنشأها الخليفة كرى حظية له، وسماها الناصر بسفح جبل العروس تخليدا لذ

كانت تلك الجباية ،باسمها، ورصد لتشييدها ثلث جباية الدولةألف ألف دينار، واستمر في بنائها عشرات األعوام ٤٠تناهز

وجلب إليها الرخام ومهرة الصناع من القسنطينية، فجاءت آية .»من آيات العمارة في القرون الوسطى

مـشتاقا ) بـالزهراء (إني ذكرتـك

)١(واألفق طلق، ومرأى األرض قد راقا

- فـي أصـائله –وللنسيم اعـتالل

)٢(كأنـه رق لــي، فاعتـل إشــفاقا

، وفي القالئد وبعض نسخ الذخيرة ....)والجو طلق(في تمام المتون )١(

..)..وماء الروض(وفي سرح العيون ....) ووجه األرض( ......)كأنما رق لي(في بعض نسخ الذخيرة والنفخ )٢(

-١٦٣-

وضي –والرعن مائه الفض – ،مبتـسم

ــققت ــا ش ــات –كم ــن اللب – ع

ــا نلهو بما يستميل العين مـن زهـر )١(أطواقـــــــــــــ

مـال أعناقـا جال الندى فيه، حتى

أعينـه إذ عاينـت أرقـي –كأن -

بكت لما بي، فجال الـدمع رقراقـا

ــه ــاحي منابت ــي ض ــألق ف ورد ت

فازداد منه الضحى في العين إشراقا

ــق ــوفر عب ــه نيل ــرى ينافح س

)٢(وسنان، نبه منه الـصبح أحـداقا

كــل يهــيج لنــا ذكــرى تــشوقنا

)٣(إليك، لم يعد عنها الصدر أن ضاقا

: لبةواللبات جمع ...) كما حللت(في القالئد وبعض نسخ الذخيرة )١( .وهي أعلى الصدر أو موضع القالدة منه

زهر كبير ينبت في المياه الراكدة تنطبق أوراقه في اليل : النيلوفر )٢( .وتتفتح في النهار

الي الطبيعة تهيج فينا الذكريات الماضية فتتوافد وتحتشد أن مج: المعنى )٣( .حتى يضيق الصدر عن استيعابها

-١٦٤-

ــركم ــن ذك ــا، ع ــكن اهللا قلب ال س

)١(فلم يطر بجنـاح الـشوق خفاقـا

- حـين سـرى –لوشاء حملي نسيم الصبح

)٢(وأفاكم بفتـى أضـناه مـا القـى

يوم، كأيـام لـذات لنـا انـصرمت

سـراقا –لدهر حين نام ا –بتنا لها

– في جمعنا بكم –لو كان وفى المنى

ــا ــام أخالق ــرم األي لكــان مــن أك

* * *

عرض، وفي : بمعنى جحد ذكراكم، عن...) عق ذكركم(في الذخيرة )١(

...)ولم يطر(تمام المتون ...)حين هفا(في تمام المتون )٢(

-١٦٥-

)١(ال أهل وال وطن

حل العيد فأنس كل إلى أهله، وسعد بوطنه، ونظر الشاعر فرأى .نفسه نازحا عن وطنه، فناجاهم على البعد بهذه األبيات

رون غريبا عـاده شـجن هل تذك ذكركم ؟ –منـنس٢( وجفا أجفانه الو(

هوالـشوق يفـضح هخفي لواعجي السر والعلن – لديه –فقد تساوى

ــه ــى فــي جوانح ياويلتــاه، أيبق فؤاده، وهو بـاألطالل مـرتهن؟

ق العينعاكفـة –وأر والظلماء – )٣( حـزن – إذ شفني –ورقاء، قد شفها

فبت أشكو وتـشكو فـوق أيكتهـا ن٤(وبات يهفو ارتياحا بيننا الغص(

* * *

.لم ترد هذه القصيدة بالديوان، وقد أثبتناها عن المعجب )١( .النوم: الحزن، الوسن: الشجن )٢( .أضعفها وأنحلها: حمامة، شفها الحزن: ورقاء )٣( .يتحرك ويتمايل: الشجرة الضخمة، أو األجمة بجوار المياه، يهفو: األيكة) ٤(

-١٦٦-

يا أهل أجـالس أقوامـا أحـبهم؟ )١( فقد ظعنـوا – على عهد –كنا وكانوا

ــيعها هــودا ال أضتحفظــون ع أو )٢( تمـتحن – بحفظ العهد –إن الكرام

:ومنها فتـى بفـر ،عيـد كمكان عاد إن

بالشوق قد عاده– من ذكركم – نـزح ــه ــن أحبتت ــالي م ــه اللي وأفردت

: مما جنى الـزمن –فبات ينشدها ! وال وطـن !بم التعلل؟ ال أهـل « وال نديم!٣(»!وال سكن! وال كأس(

* * *

.رحلوا: ظعنوا )١( .تختبر: تمتحن )٢(التسلي : اقتبس الشاعر هذا البيت من مطلع قصيدة للمتنبي، والتعلل )٣(

ما يسكن إليه اإلنسان من أهل ومال وغير ذلك، : العزاء، السكنو .ويطلق في الغالب على الزوجة أو الحبيبة

-١٦٧-

مرارة الوداع

ــكعود حــبم برالــص عود كعدـتوه مـا اسمن سر ١(ذائع(

لـم يكـن علـى أن نالـس يقرع عكزاد فـي تلــك الخطـا إذ شــي

ــ وس ــناء ــدر س ــا الب ــا أخ ناي ــك ــا أطلع ــه زمان ــظ الل )٢(حف

ــم ــي فلك ــدك ليل ــل بع إن يط الليـل معـك ربـت أشـكو قـص

* * *

ودع (آثرنا رواية الذخيرة والقالئد والخريدة والمغرب وفي الديوان )١(

....)ضائع من عهده ........الحسن ).رحم اهللا(في بعض نسخ الذخيرة )٢(

-١٦٨-

السر الذائع

ا رضـاك فعلـق مـا لـه ثمـنأم

نمـله الـزص١(لو كان سامحني في و(

تبكي فراقك عـين أنـت ناظرهـا

قد لج ن٢( في هجرها عن هجرك الوس( نالذي عهدي بـه حـس الزمان إن

نسك الح٣(قد حال مذ غاب عني وجه( أنت الحياة، فإن يقدر فراقـك لـي

ر الكفــنـضأو فليح رفر القبحفلي

، وفي )فشيء(لذخيرة ومسالك األبصار وتمام المتون النفيس، وفي ا: العلق) ١(سامخني في (وفي الذخريرة )لو كان ساعفني في ملكه(مسالك االبصار

).ملكك(وفي تمام المتون ) ملكه ).من هجرك(سواد العين وفي تمام المتون : الناظر )٢( .تغير: حال )٣(

-١٦٩-

والله ما ساءني أني خفيت ضـنى

)١(بالضنى علن بل ساءني أن سري بيـدي – في كتم الهوى –لو كان أمري

ماكان يعلم– مافي قلبي – ـدنالب

* * *

نسخ ، وفي بعض)أن سرى بالهوي(في الذخيرة وتمام المتون ) ١(

).العلن(الذخيرة

-١٧٠-

)١(طبائع النفوس

أرسل الشاعر هذه النفثة الحارة من سجنه إلى صديقه أبي « :»حفص بن برد األصغر

ما على ظنـي بـاس

)٢(يجرح الدهر وياسو أشــرف بــالمرربمـا

٣(ء على اآلمال يـاس(

ــا ــك إغف ــد ينجي ولق

احتـراس رديك٤(ل وي( ســهام والمحــاذير

ــاس ــادير قي )٥(والمق

وردت هذه القصيدة في الذخيرة والقالئد مع حذف بعض هذه األبيات )١(

.واختالف في ترتيب الباقي منها، وقد التزمنا رواية أصل الديوانال بأس علي إن : بأس سهلت همزته، ياسو أي يداوي، والمعنى: باس )٢(

.احأصابني الدهر، فمن شيمته أن يجرح ثم يداوي الجروشبيه به . قد يفتح اليأس أبواب الرجاء، فإذا اشتد الخطب هان: المعنى )٣(

:قول الشاعر ويبتلي اهللا بعض القوم بالنعم قد ينعم اهللا بالبلوى وإن عظمت

قد يكون : ، والمعنى»ويؤذيك احتراس«في الذخيرة والقالئد وتمام المتون ) ٤( .احتراسه سببا في هالكهقعود المرء سببا في نجاته، وقد يكون

جمع قوس، : األمور المخيفة المفزعة، قياس: البيت زيادة من الذخيرة، المحاذير) ٥( .والمعنى إن المقادير هي التي تسبب النكبات كما ترسل األقواس السهام

-١٧١-

ــود ــدى قع ــم أج )١(ولكم أكدى التمـاس ولك )٢(عز ناس ذل نـاس وكـذا الـدهر، إذا مـا ــا ــام أخي ــو األي )٣(اسسراة وخـس : ف وبن الـدنيا، ولكـن سنلب ــاس ــة ذاك اللب )٤(متع

* * * )٥(واك في فهم إيـاس يا أبا حفص وما سـا من سنا رأيك لي فـي

٦(غسق الخطب اقتبـاس(

ما نفع القعود ..رب: قل خيره أو قطع عطاءه، والمعنى: أكدى الرجل )١(

.ار بيد اهللا يصرفها كيف يشاءوربما ضر السعي، فاألقدمن شيمة الدهر أن يرفع : والمعنى»كذا الحكم«في القالئد والخريدة و )٢(

:أقواما ليذل آخرين، وقد نظر في هذا إلى قول البحتري بنـات زمـان أرصـدت لبنيـه إذا ما نسبت الحادثات وجـدتها

ــ اهـة خامـل متى أرت الدنيا نب هفـال ترتقــب إال خمـول نبيكانت أمهم واحدة واآلباء شتى، إذا: أخيافمختلفون، وإخوة :أخياف )٣(

على –سراة جمع سري وهو الماجد السخي، والمعنى طباع الناس . متباينة، فمنهم األشراف، ومنهم السفلة واألوغاد–تشابههم في الخلقة

.نلبس الدنيا ولكن إلى حين، فهي متعة إلى زوال: المعنى )٤(ياس بن معاوية تولى قضاء البصرة في زمن عمر بن عبد العزيز إ )٥(

وكان مضرب المثل في الذكاء، وقد عناه أبو تمام في قصيدته التي :مدح بها أحمد بن المعتصم بقوله في حلم أحنف في ذكاء إيـاس إقدام عمرو في سـماحة حـاتم

.»خطبظلم ال«ظالم، وفي بعض نسخ الذخيرة : غسقضوء، : سناء) ٦(

-١٧٢-

القيـاس وودادي لــك نــص ١(لم يخالفـه( ـ ـر وضوح والتبـاس أنا حيران، ولألمــ

)٢(لوا عن العهد وخاسوا معشر حـا ما ترى في )٣(يتقى منه المـساس ورأونـــي ســـامرياــي ــت بلحم )٤(فانتهاش وانتهـاس أذؤب هام )٥(لي، ولللذئب اعتساس كلهم يسأل عـن حـا

* * *

القول المحكم من قرآن كريم أو حديث شريف، وال مجال : النص )١(للرأي معه، فإذا لم يوجد نص قاطع استعمل الفقهاء القياس، وهو أن يقيسوا المشكلة الحاضرة إلى مثيالتها مما ورد فيها نص صريح،

وقد آثرنا رواية . حبي لك توافرت عليه األدلة النقلية والعقلية: والمعنى .»قياس«لذخيرة والقالئد والخريدة وفي األصول ا

.غدر ونكث: خاس )٢(أحد زعماء بني اسرائيل، لما ذهب موسى عليه السالم : السامري )٣(

لمناجاة ربه أضل السامري بني إسرائيل ودعاهم إلى الشرك باهللا، ، فعاقبه اهللا بالوحشة واالنفراد فال يمس إنسانا إال أدركتهما الحمى معا

، وفي هذا إشارة إلى »المساس«فكان يتحاشى الناس ويناديهم إذا رآهم فاذهب فإن لك في ﴿: قوله تعالى على لسان سيدنا موسى عليه السالم

.﴾الحياة أن تقول المساس وإن لك موعدا لن تخلفه »فانتهاب«، وفي القالئد والخريدة »فالتهام وانتهاس«الذخيرة في )٤(

. باألضراس، االنتهاس القضم بأطراف األسنانالقضم: االنتهاشإن الناس ذئاب تحاول أن تفترسني : تسلل في الظالم، والمعنى: اعتساس) ٥(

.وتتسلل لتنتهز فرصة اللتهامي كما ينسل الذئب لفريسته في الظالم

-١٧٣-

إن قسا الـدهر فللمـا

١(ء من الـصخـر انبجـاس( ـ أم سيت محبـو ولئن

٢(سا، فللغيث احتباس(

يلبد الـورد الـسبنتى

افتـراس ـدع٣(وله ب( * * *

ــشى ــل كيــف يغ فتأم

قلة المجـد النعـاسم ويفت المسك في التـر

ــداس ــا وي )٤(ب فيوط

* * *

إذا قسا الدهر فقد ينجم عن قسوته النعيم كما : تفجر، والمعنى: انبجس )١( .ر الماء الزاللينفجر من الصخ

ال عجب إن كنت مطروحا : والمعنى»...إن أكن أمسيت«في الذخيرة )٢(يلبث، أن يهطل في السجن، فالغيث قد يحتبس حينا عن السقوط، ثم ال

.فيسقي النباتاألسد أو : السبنتىمن أسماء األسد، : يبرحه، الورد يقيم بمكانه ال: يلبد )٣(

يسكن األسد حينا ثم يثب على فريسته، :النمر أو الجريء، والمعنى :ومثله قول ابن الرومي

سكنت سكونا كان رهنا لوثبـة

عماس، كذاك الليث للوثب يلبـد

انظر كيف أغلق الدهر عين المجد بالنعاس؟ وكيف : معنى البيتين )٤(

أصبح المسك مطروحا في التراب تحت النعال؟ وكيف هان مثلي بعد شهور بسرعة الذبول، واآلس مشهور بطول احتماله، إعزاز؟ الورد م

أرجو أن يكون ودك ثابتا دائما مثل ودي، ومثل هذا قول : والمعنى :العباس بن األحنف

ال تجعلي ودنا كالورد حين مضى

ـ اآلسذا طلعة، وأديمي الود ك

-١٧٤-

ــدك وردا ــن عه ال يك

آس ــك ــدي ل إن عه ــا وأدر ــري كأس ذك

كاس ١(ما امتطت كفك(

واغتنم صـفو الليـالي

إنما العـيش اخـتالس ـ وعسى أن يسمح الده

فقد طال الشماس ٢(ـر(

* * *

.ابتذكرني كلما صفت لك الحياة، وطاب لك الشر: المعنى )١(الجماح : الشماساتصف بالجود والسهولة واليسر، : سمح الرجل وأسمح )٢(

.»فعسى أن يسمح«والعصيان، وفي الذخيرة والقالئد

-١٧٥-

شكر جزيل

اتصل الشاعر بالمظفر بن األفطس أمير بطليموس، ولقي منه :حفاوة وتقديرا، فصاغ فيه هذه القصيدة

مس مغربهـا فـي الكلـل ي الش ه

ـ ومطلعها مـن ج )١(وب الحلـل ي

وغــصن ترشــف مــاء الــشباب

ـ )٢(وى، وجنـاه األمـل ثـراه اله

جمع كلة وهي ستارة رقيقة تسدل على السرير لوقاية : الكلل) ١(جمع جيب وهو طوق : الجيوب، )ناموسية(النائم من الحشرات

وأدخل نا موسى عليه السالم ﴿القميص ونحوه، قال تعالى لسيدهذه الحبيبة : ﴾، والمعنىيدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء

شمس مشرقة ولكنها تبزغ من أطواق الحلل، وتغرب فوق .األسرة داخل الكلل

وهي غصن : الثمر الغض اليانع، والمعنى: الجنىامتص، : ترشف) ٢(ثمر أعذب نضير ارتوى من ماء الشباب ونبت في مغرس الحب فأ

.اآلمال

-١٧٦-

ــ ــي الوش ــة ط ــادى لطيف احته

ــعيف ــو ض ــر الموترن ــلة ك )١(قــ ــافوتب ــاب العف ــف حج رز خل

)٢(جـل وتـسفر تحـت نقـاب الخ * * *

–جـوم كزهر الن –دات بدت في ل

ـ ح )٣(لسان التحلـي مـالح العط

وسام مرصع : الوشاحتتهادى أي تتثنى في تؤدة ودالل، : تهادى) ١(تديم النظر : ترنوبالجواهر تضعه المرأة بين عاتقيها وكشحيها،

بطرف ساكن، والمعنى تتمايل في مشيتها وتتثنى في رشاقة ودالل فقد ضم وشاحها غصنا ميادا رقيقا، وتنظر في فتور واسترخاء أو

]:النابغة الذبياني[كما قال الشاعر نظرت إليك بحاجة لم تقـضها

نظر السقيم إلى وجوه العـود

تظهر لألبصار ولكنها في حجاب من عفافها يقيها فضول : المعنى )٢(

الناظرين، وتكشف عن وجهها فيصبغه الخجل بلثام من الحياء، وفي ).تحت النقاب(األصول

برزت هذه الفتاة الرائعة بين : المشابهة، والمعنىجمع لدة وهي: لدات )٣(أتراب حسناوات وضاءات كالنجوم المتأللئة، فاتنات سواء كن حاليات

.أو عاطالت من الزينة والحلى

-١٧٧-

ـ ـ اهمـشــين يب اين روض الرب

با المقتب١(لبيــانع روض الص(

ــضب تتثنــ ــن ق ــريح فم ى ب

ــ ـــى ب ــضب تتثن ــن ق )٢(دلوم

ــ ــوم هــسكن ز ــدى بم رات تن

ــو ــم ــدى بط ــرات تن ه٣(لن ز(

* * * ــ ــاد الحم ــوب العه ــد ص ىتعاه

ــ ــلوال ح ــي مل ــا ف )٤(ل مربعه

: جمع ربوة وهي المرتفع من األرض، والمعنى: الربايفاخرن، : يباهين) ١( الغض النضيرتهادين في مشيتهن مفاخرات للورود اليانعة بشبابهن.

هؤالء الفتيات يخطرن بين أشجار الحديقة فيلوح لنا : المعنى) ٢(منظر عجب يضم أغصانا رطيبة يحركها الهواء وقدودا مياسة

.يرنحها الداللوفي هذا المنظر المونق زهرات ترصعها قطرات الندى : المعنى )٣(

.وزهرات من الفتيات المتعطرات بالمسك الفواحتفقد الشيء : تعاهدولعل الصواب ما أثبتناه، » وال مل مربعها«ول في األص) ٤(

منزل القوم في الربيع، : المربعهطول المطر، : العهادلتحسينه، صوب أسأل اهللا أن يظل حمى هؤالء الفتيات معمورا : السآمة، والمعنى: الملل

. خصيبا ترويه السحب الهاطالت فتنضره في غير سآمة أو مالل

-١٧٨-

رادم– الجنـى، – من الحب غض ـ –ل ن الوص م–لديه )١(ل ورد عل

رورليالي ما انفـك يهـدي الـس ـ )٢(لحبيب سـرى، ورقيـب غف

ــان ــأن الفزم ــسل ك ــى الم ميتــ ــه فاعتـ ــه عدلـ )٣(دلتكنفـ

ــه أن يعيــ ــن حكم م ــارك دتبــ ين أيــد ــزة ال ــه ع )٤(ام ذلب

سر وضحال وي ـ م ـ –ى تق -ا إذ عف )٥(لويطلــع نجــم الهــدى إذ أفــ

* * *

: الجنىمكان االرتياد والنجعة، أو موضع الجيئة والذهاب، غض : ادالمر) ١(تحل هؤالء الفتيات في : منهل مطروق، والمعنى: ورد علليانع الثمار،

.منزل محفوف بالحب الفتي الذي يترشف أعذب كؤوس الوصالكانت لنا في هذا الحمى ليالت حافالت باألنس واللذات يسري : المعنى )٢(

.لحبيب ويغفل عنا فيها الرقيبإلينا فيها اأحاط به، والمعنى طاب الزمان لنا ورق كأنه : اكتنفه وكنفه وتكنفه )٣(

.استمد طيبه واعتداله من عدل األميرتبارك اهللا في حكمته : القضاء أو المعرفة والحكمة، والمعنى: الحكم )٤(

.وقضائه أن يعيد الدين عزيزا بعد إذالل على يد األمير العظيموأعاد : غاب أو غرب، والمعنى: أفلبلي أو امحى، : عفااألثر، : الرسم) ٥(

.اهللا به معالم الدين جديدة بعد دثورها، وأطلع به نجم الهدايبة بعد أفوله

-١٧٩-

ــ ــ«دنا حم ــ»رالمظف ا رأى لم )١(ل ســيرة فامتثــ»ورنالمنــص«

ــ ــه غـ ــى لـ ــك تجلـ رةمليـ ـــ تأمتبة تهــر ــا غـ )٢(للهـ

ة، رتب –هى في الن –ورى أشف ال )٣(ل مث – في المعالي –رهم وأشه

ــأمر ونهــ ــام ب ــرى األن يوأح ــ ــد وح ــوك بعق )٤(لوأدرى المل

احتذى المظفر سيرة أبيه المنصور في المجد : احتذى، والمعنى: امتثل )١(

.والمكرمات فحمدنا له متابعته إياهض الجبهة ويكنون بها عن التهلل والكرم أو السيادة بيا: الغرة )٢(

رجل أغر أي شريف أو أبيض وفالن غرة قومه أي : والشرف، يقالأوله وأكرمه، أو خيار المتاع أو طلعة الهالل : سيدهم، وغرة كل شيء

إن األمير تتجلى : تنتهز، والمعنى :تهتبلأو أنفس شيء يملك وأفضله، دته وكرمه، فنجد في النظر إليها نعيما غرته البيضاء فتنبئ عن سيا .ننتهزه وغنما ثمينا نظفر به

زاد أو نقص ضد، وفضل ونقص ضد أيضا، والمراد هنا الزيادة : شف) ٣(األمير أفضل الجميع : جمع نهية وهي العقل، والمعنى: النهيأو الفضل،

منزلة في عقله وأشهر الناس مثال في نيل المعالي، وفي نسخة ت .»أشف الورى في السهى«

وهو أجدر الناس بتدبير أمور الرعية من أمر : أجدر، والمعنى: أحرى )٤( .ونهي، وهو أعلم الملوك بشؤون السياسة من نقض وإبرام

-١٨٠-

ــنهم ــن بي ــاج م ــه الت ــان ل يم

)١(األول» التبعـون « بمـا أورث

نامعـالي الـذرا - من المجد –س

)٢(يظل العدا منـه تحـت األظـل

والمعنى يرجع نسب األمير إلى . ملوك اليمن مفرده تبع: التبابعة )١(ن من ينتسبون إلى التبابعة ملوك اليمن قبل اإلسالم، وقد انفرد بالتاج بي

:اليمن من معاصريه، ونالحظ هنا مالحظتينجعل الشاعر المظفر منفردا دون الملوك بالتاج الذي ورثه عن : أوال

التبابعة من ملوك اليمن األقدمين، مع أن بني عباد ملوك اشبيلية المعاصرين ينتمون إلى لخم القبيلة اليمنية، وقد ملك

.ال في الجاهليةأجدادهم الحيرة زمنا طويليس المظفر من أصل يمني كما يذكر الشاعر، ولكنه من أصل : ثانيا

بربري كما يؤيد ثقاة المؤرخين، وفي هذا يقول ابن حيان ومن الغريب انتماؤه في : المؤرخ الكبير المعاصر للمظفر

تجيب، وفي هذه النسبة مدحته الشعراء آخر وقته إذ يقول ابن :شرف القيرواني

به» تجيب « ملكا أمست يا«

.»تحسد قحطانه عليها نـزار وتجيب بطن من كندة تنتمي (، ١٨٢ ص٣راجع أعمال األعالم ج

).إلى قحطان اليمنيةاألمير قمة عالية من قمم المجد : باطن خف البعير، والمعنى: األظل )٢(

.يطأ أعداءه بقدمه فيلصقهم بالرغام

-١٨١-

ظـل اللـواء – المهد -تقيل في

)١(وسيم النهـوض بـه فاسـتقل

ونيطـــت حمائلـــه الوافيـــات ــه - ــان تمائم ــل– مك تم٢( فاح(

ــت ــدمو ومابل ــك ال ــرد تل الب )٣(ع إال وفــي البــرد ليــث أبــل

ــاني ــه مع ــارم في ــدنا المك عهــل مــا الج ــه منه ــشرنا في )٤(فب

استظل األمير : كلف، والمعنى: سيم أشبهه، :وتقيل أباهاستظل، : تقيل )١(

في مهده بلواء القيادة وكلف بحمله فاستطاع أن ينهض به ويقود .الجيوش وهو مازال في المهد صبيا

: التمائمما تشد به إلى وسط الفارس جمع حمالة، : حمائل السيف )٢(العوذات التي تعلق على الصبي لتقيه من الحسد جمع تميمة، قال أبو

: ذؤيب الهذلي واذا المنية أنـشبت أظفارهـا

ألفيــت كــل نميمــة التنفــع

األلد الجدل أو الشديد اللوم، : واألبلغلب وامتنع، والبل : أبل وأبل )٣(

ما كادت دموع األمير وهو طفل رضيع تبل ثيابه حتى : والمعنى .لمهداستوى فيها أسدا غالبا، أي أن شجاعة األمير ظهرت وهو في ا

حساب طالع اإلنسان : الجمل والجملجمع جملة، وهي الكالم المفيد، و: الجمل) ٤(عهدنا المكارم في : بحروف اسمه واسم أمه للنظر في مستقبله، والمعنى

معاني كامنة فيه بشرتنا بها مظاهره وسماته كما تدل – وهو طفل –األمير .تقبله حساب طالعه الفلكيالجمل على المعاني واألفكار أو بشرنا بمس

-١٨٢-

ـد بـشر يريـك الغمـامتـرى بع ــتهل ــه فاسـ ــل بارقـ )١(تهلـ

ــدثتنا ــا ح ــصدق م ــسى«ي »ع )٢(»لعـل «به عنـه، أو أنبأتنـا

ــد ــا وع ــى فم ــن إال وف الظــل ــنفس إال فع ــت ال )٣(وال قال

فلقــى مناوئــه مــا اتقــى ــأل ــا س ــه م ــى مؤمل )٤(وأعط

* * *

اشتد انصبابه، والمعنى يتهلل وجه : استهل المطر وهل وانهل) ١(األمير فنتوقع مكارمه فيصدق ما توقعناه، كما نتوقع المطر عند

.لمعان البروقلقد صدق األمير ما ترقبناه منه، وتحققت آمالنا فيه، :المعنى )٢(

. من أدوات الرجاء»لعل« و»عسى«وما ظننا فيه خيرا إال تحقق ما ظنناه، وال خطرت في نفوسنا : المعنى )٣(

مكرمة إال فعلها، فكأنه ملهم بأهواء النفوس أو هو مستوف لجميع .المكرمات

﴾ أي يلقى إليك وإنك لتلقى القرآن﴿ :ألقاه إليه، قال تعالى: لقاه الشيء )٤(خاف : تقىاالمعادي المحارب، : المناوئ: وحيا من اهللا تعالىأصاب األمير أعداءه بما كانوا يحذرون أن : واحترس، والمعنى

يصيبهم منه، وأعطى آمليه ما سألوه إياه من هبات، فأوقع باألعداء .وأحسن إلى األولياء

-١٨٣-

ــاؤه ــشكر نعم ــتوفت ال ــم اس ك

ــل ــن ذي قب ــنعم م ــل ي )١(فأقب

،ــر ــمس تني ــل، وش ــام يظ غم

)٢(وبحر يفـيض، وسـيف يـسل محيا، ضـحوك الـسماح، قسيم ال

)٣(لطيف الحـوار، أديـب الجـدل ــه ــة أقالمـ ــي البالغـ توشـ

)٤(إذا مـا الــضمير عليهـا أمــل

في ما يستجد من المستقبل ويشاهد : من ذي قبل ومن ذي قبل) ١(عطاء من والمعنى كلما استوفت عطاياه شكرنا استأنف ال. فيه

.جديد المعنى استوفى األمير مناقب المجد والشرف فهو كريم كالغمام، )٢(

.وضيء كالشمس فياض كالبحر ماض كالحسامجميل الوجه، : المحياالحسن وقسيم : القسامة والقسمة والقسام) ٣(

األمير جميل : الجواب والمراجعة، والمعنى: والحوارالحوار حي في سماحته، لطيف في إجابته، الوجه متهلل في طلعته، أري

.مهذب في مناقشتهتدبج أقالمه فنون : أماله، والمعنى: الكتاب أمل عليهتزين، : توشي )٤(

.الكالم البليغ إذا أمالها وجدانه المرهف وذكاؤه اللماح

-١٨٤-

ــين ــان يبـ ــسامعيـ–بيـ للـ

ل–ــنستحر ما يحمن الس ١( أن( أال هل سـبيل إلـى العيـب فيـه؟

له –فكم عينـل – من قب٢( ما كم( * * *

لئن لـبس الملـك رحـب المـال

ــل ــذيل رف ــه ب ــال من )٣(ء فاخت

فـــإن تـــزوده للمعـــالي

)٤(وإن تأهبـــــه لألجـــــل

هو بيان األمير الرائع يظهر لكل سامع أن من السحر ما: المعنى )١(

إن من البيان لسحرا، وإن «حديث الشريف حالل، نظر في هذا إلى ال .»من الشعر لحكمة

أال سبيل إلى وجود عيب فيه : أصيب بالعين أي الحسد، المعنى: عين )٢( .نقيه حسد العيون؟ فإن الكمال مجلبة للحساد

جمع مالءة وهي رداء من قطعة واحدة أو كل ثوب لين رقيق، : المالء )٣(إذا كان األمير قد ولي : بخترا، والمعنىأطالها وجرها مت: رفل في ثيابه

جواب (الملك وهو فتى يختال في ردائه الرقيق ويسحب ذيل التيه ).الشرط في البيت التالي

إذا كان األمير قد تولى الملك فتيا يتيه في صباه، فإنه كان منذ : المعنى )٤( .نشأته يتهيأ للمعالي ويتأهب لألمور الخطيرة التي نيطت به

-١٨٥-

ــور ــذي األم ــواس ه س رــأخب ف

ول –وناسك١( أرباب هـذي الـد(

* * * أن ــد ــم تع ــور، فل ــت الثغ ولي

)٢( الثـأى وسـددت الخلـل رأبت ــواك ــار–س ــر ج ــد األم إذا قل

كوغير– ءلك الفي٣( غل – إن م(

واألمير أكبر الساسة وأخبرهم بتدبير شؤون الملك، وهو إلى : المعنى )١( .هذا تقي ورع نعده أزهد النساك في هذه الدول

جمع ثغر وهو البلد أو المكان القائم على الحدود ويخاف أن : الثغور )٢(اإلفساد أو الجراح : الثأي والثأى أصلحه،: رأب الصدعتحمه األعداء، يق

: الفرجة بين شيئين أو الفساد في األمور، و المعنى: الخللأو القتل، فيها من ضعف، وسددت ما بها فحصنت ما توليت الدفاع عن الثغور

.من نقص، وأصلحت ما فيها من فساد)٣( ما ربحه المسلمون من عدوهم بال قتل إما بالجالء أو الصلح، : الفي

.ما نالوه من عدوهم عنوة: والغنيمةخان أو هو : غل وأغله الغازي زيادة عن سهمه، والنفل ما أخذ

وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما ﴿ :خاص بالفيء، قال تعالىغيرك من الملوك يجور في حكمه : ﴾، والمعنى غل يوم القيامة

.ويخون في أمانته

-١٨٦-

اليــزال لمــن حلــه حمــى

)١(مـن عـدم، أو وجـل : أمانان

دـــعأس ـــرهمده مفـــأنج

)٢(وشمس زمـانهم فـي الحمـل

* * * ديـث، لـو اسـمع أحا »أبا بكر «

ــل ــل أب ــسمع علي ــث ب ٣(تب( ــي ــك أعليتنـ ــكر أنـ سأشـ

)٤(بـأحظى مكــان وأدنــى محــل

مملكة األمير أصبحت حمى : الخوف والمعنى: الوجلالفقر، : العدم )١( .ون ويأمن فيه الخائفونيغتني فيه المعدم

عشرة نجوم مميزة هي سعد الذابح وسعد السعود وسعد : سعود النجوم )٢(لقيت : الخ، والحمل برج من أبراج السماء الربيعية، والمعنى...مطر

الرعية في حماه السعادة والنعيم، فزمانهم طيب، وطوالعهم سعيدة، .وأيامهم حاليات كأيام الربيع

أرجو أن تستمع أيها األمير إلي : عوفي من مرضه، والمعنى: بل وأبل )٣( .فسأفضي إليك بأحاديث تبرئ العليل وتشفي السقيم

سأشكر لك أيها األمير حفاوتك بي، وأنك أنزلتني أكرم منزل : المعنى )٤( .ومنحتني منك أقرب مكان

-١٨٧-

ــي إن زرت لــم تحتجــب وأن

)١(وإن طال بي مجلسي لـم تمـل

ــاد ــت الوس ــم ثني ــسمت ث تب

)٢(فحسبي مـن خطـر مـا أجـل

ي لهـانخـد فلو صافح التـرب

ـطر شـكري لقـل ولو كاث )٣(ر الق

ــريم ــسترق الكـ ــا يـ بأمثالهـ

ــل ــسواه أخ ـــطمع ب )٤(إذا م

* * *

ا وسأقدر لك أنك لم تحتجب عني إذا زرتك، ولم تمل مجلسي إذ: المعنى) ١( .أطلت الجلوس إليك

القدر : الخطرالمتكأ أو المخدة، ) بفتح الواو وكسرها وضمها (الوساد) ٢(حينما أشرف : ما أعظم، والمعنى: ما أجل، الخطير والمنزلة الرفيعة

بزيارتك تلقاني متهلل الوجه بسام الثغر وتعد لي متكأ مريحا دانيا منك، . ني تحت ظلكما أكرم مكا!! فما أعظم منزلتي بقربك

لو حاولت مجازاة األمير على إحسانه إلي : المطر، والمعنى: القطر )٣(فوضعت خدي في التراب لكان هينا بالنسبة ألفضاله علي، ولو حاولت شكره فأكثرت الثناء عليه كما يكثر اإلغداق لقل شكري عن الوفاء بما

.أسداه إلي من تبجيل وتكريم لمعنى يستعبد األمير أولياءه، بأمثال هذه الحفاوة يستعبد، وا :يسترق )٤(

واإلكرام، على حين يطمع غيره من الملوك في الرعية، فيهدمون .أركان الحكم، ويضعفون السلطان

-١٨٨-

ــي ــساعي الت ــدمنك الم ــال تع ف

ــل بــا اله ــك فيه )١(ألم المناوي

ل هـابإذا الـشب ،فأنت الجريء

)٢(وأنت الـدليل إذا الـنجم ضـل ــال ــك إال ج ــا ابن ــونوم ء العي

إذا نـاظر– ٣( اكتحـل – بـسواه(

:الثكل، ومنه قول الشاعر: الهبلالمعادي أو المناضل، : المناوئ )١( والناس من يلق خيرا قـائلون لـه

الهبـل ما يشتهي، وألم المخطـئ يقال هبلته أمه أي ثكلته، هذا هو األصل، ويستعمل كثيرا في معنى

عشت : المدح واإلعجاب، يعني ما أعلمه وما أصوب رايه، والمعنىأيها األمير للمكرمات تسديها ولألمجاد تعليها، أما من ينازعك في

.مجدك فإنه حري بأن تثكله أمه ولعل »السيل«، وفي األصول ولد األسد إذا أدرك الصيد: الشبل )٢(

إنك جريء في مواقف الهول التي تشعر : الصواب ما أثبتاه، والمعنىاألسود الفتية فيها بالخوف، وأنت الدليل الهادي في المشكالت إذا ضل

.النجم الهادي طريقه في الظلماتإن ابنك يسر العيون بمنظره، على حين ان غيره يقذي العيون : المعنى )٣(

. ألبصارويؤذي

-١٨٩-

- فـي حجرهـا –ربيب الـسيادة

ــل ــديها إذ حف ــه ث ــدر ل )١(ت تمكن يتلوك في الصالحات

ــل ــا ين ولم ،ـته ــ ــا تف ٢(فلم( * * *

ربب الصبي وهو أبلغ من رباه، ومنه حديث : المربى، يقال: الربيب )١(امتأل، : حفل، »أسد تربب في الغيضات أشباال«ابن ذي يزن

شب األمير في حجر السيادة والمجد ورضع لبانها صغيرا : والمعنى .حتى ارتوى، فال عجب إذا بلغ الكمال

من السيادة، وسار يقتفي خطواتك تمكن ابنك في مكانه : المعنى) ٢(في المعالي، فلم تسبقه ولم يلحقك، أي كان قريبا منك وأنت منه

.قريب

-١٩٠-

عليها سالم ا

الوليد بن جهور نظم الشاعر هذه القصيدة معزيا األمير أبا :في أمه

فاصبر للذي أحدث الـدهر !! هو الدهر )١( الـصبر - في مثلها –فمن شيم األبرار

ستصبر صبر اليأس أو صبر حـسبة )٢(فال ترض بالصبر الذي معه الوزر

صبرا لما اصابكم به الدهر، فإن الصبر الجميل من شيمة : المعنى )١(

.األحراراألجر، قال ابن الزيات في رثاء زوجه : ، الحسبة)معه وزر(في أ، ب )٢(

:اواصفا حالة طفله بعده ضعيف القوى، ال يطلـب األجـر حـسبة

ــدثان ــي الح ــاس ف ــسي بالن وال يأتالبد للحزين من الصبر إما يأسا وإما طلبا للثواب، فأرجو أن : والمعنى

تابى صبر القنوط الذي تكثر به الذنوب وتحبط به الحسنات، وقريب :من هذا قول المتنبي

ــه ــن زفرات ــروب م ــد المك وللواجــزاء ــكون ع ــوب س ــكون لغ أو س

-١٩١-

تنـة حذارك من أن يعقـب الـرزء ف )١( العـذر - عن مثل أخالقـك -يضيق لها

ــشفه ــب ف ــل اللبي ــف الثك إذا آس )٢(رأى أبرح الثكلين أن يحبط األجر

مصاب الـذي يأسـى بميـت ثوابـه ال الميت الذي أحرز القبر ،رح٣(هو الب(

ـعيهإلى المـوت م حياة الورى نهج ـر )٤(لهم فيه إيضاع كما يوضع الـسف

أرجو أال تساق مع الحزن إلى غايته حتى ال تنجم عن : المعنى )١(

المصاب فتنة يضيق عنها العذر، وبخاصة لمن يتسم بمثل أخالقك .الكريمة وشمائلك العذاب

إذا برح الحزن بالعاقل : هزله، أبرح األلم، أشده، المعنى: شفه الحزن) ٢(ر للثواب، فإن أكبر نكبة أن يجمع الحكيم وأنحل بدنه لجأ إلى الصب

.اإلنسان بين المصاب العظيم والجزع المميت الذي يحبط الحسناتالشدة والشر، ولقي منه البرحين أي الدواهي والشدائد، : البرح) ٣(

إن أشد المصائب أن يفقد اإلنسان إيمانه باهللا تعالى وثقته : والمعنى هذا ألنه مصير كل فيه وتسليمه أموره إليه، فالموت أهون من

.إنسانإسراع، قوم : إيضاعبين واضح، : مهيعالطريق الواضح، : النهج) ٤(

حياة الورى طريق واضح موصل إلى : مسافرون، والمعنى: سفرالموت يسرع فيه األحياء كأنهم مسرعون في السفر إلى هدف

.منشود

-١٩٢-

هـاج جـرت فإنمـا فيا هـادي المن )١(هو الفجر يهديك الصراط أو البجر

عبـرة غيـر أننـا – في سوانا –لنا ــر ــاني فنغت ــاع األم ــر بأطم )٢(نغ

إذا الموت أضـحى قـصر كـل معمـر

)٣(فإن سواء طال أو قـصر العمـر

هــار ــع ذم ــدين ري ــر أن ال ــم ت أل ي فـر فلموال و عديـد ٤(غن أنـصار(

ب، يقال لقيت منه الشر او األمر العظيم أو العج: البجرالطريق، : المنهاج) ١(

ا «البجارى أو األباجر أي الدواهي، وفي حديث أبي بكر رضي اهللا عنه ي أي ان انتظرت حتى »هادي الطريق جرت، إنما هو واهللا الفجر أو البجر

يضيء الفجر أبصرت الطريق، وإن خبطت في الظلماء أفضت بك إلى بالبحر لتحير أهلها المكروه ويروى البحر، يريد به غمرات الدنيا تشبيها لها

لقد جرت على نفسك وعلى : أيها الهادي إلى الطريق السوي: فيها، والمعنىإما أن تتلمس الضوء لتسير على هداه، : من تهديهم، فليس أمامك إال طريقان

.وإما أن تتخبط في الظلماء فتتردى في الهاوية وتهوي في قرار سحيقي عبرة، ولكن األماني الخداعة إن في موت غيرنا عبرة لنا أ: المعنى )٢(

.تحملنا على مطايا الغرورإذا : جهدك وغايتك والمعنى: قصرك أن تفعل كذا وقصارك وقصاراك )٣(

.كان الموت نهاية كل حي فإن طول العمر وقصره سيانما يلزمك حفظه وحياطته والدفاع عنه، أو الحرم أو األهل أو : الذمار )٤(

ح حمى الدين مباحا بعد فقدك، فلم ينفعه وفره لقد أصب: المال، والمعنى .وال أنصاره العديدون

-١٩٣-

بحيث اسـتقل الملـك ثـاني عطفـه جـرالم ر من أذياله العـسكر١(وجر(

القـضاء يرومـه لو غيـر يمهو الض الـوعر ـسلكعب والمالـص ٢(شآه المرام(

إذا عثرت جرد الـسوابح فـي القنـا ـ ه فج٣(ربليل عجاج ليس يـصدع(

ارتفع، ومنه قول : كان ضابطا ألمره، واستقل الطائر: استقل بنفسه )١(

:عمر بن أبي ربيعةــا ــا وريقته ــم ثناياه ــب طع ــا طي ي

ــدال ــصبح فاعت ــود ال ــتقل عم إذا اس يجادل في اهللا بغير ومن الناس من﴿: تاه وتكبر، قال تعالى: ثنى عطفه

العسكر .﴾علم وال هدى وال كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل اهللافقدك الدين، فلم يغنه عن فقدك : الجيش العظيم، والمعنى: المجر

األنصار العديدون الذين ارتفع بهم شأن الملك فتمايل مفتخرا تياها، .وجر بهم الجيش العظيم ذيول المجد والفخار

لقد نكبنا الموت فيك، ولو رامك غير القضاء : سبقه أو حزنه، والمعنى: شآه) ٢( .المحتوم لرده عن هدفه المسلك الشائك، وثناه عن غايته المطلب العسير

خيل ال رجالة فيها، أو الخيل القصيرة شعر الجلد، وهو من : الجرد )٣( :األوصاف المحمودة في الخيل، قال أبو المناصف

ـ عر الجلــد والفــرس القــصير شـــرد ــل جـ ــرد نجـ ــة أجـ برقـ

: الخيل السريعة الجري كأنها تسبح في الهواء، والعجاج: السوابحلو نالك غير القضاء : يشقه، والمعنى: الدخان أو الغبار، يصدعه

المحتوم لثارت الحروب الطاحنة التي تتعثر فيها الخيول بالرماح في .لبهيم الذي ال يشق له صباحمواقع عنيفة يثور فيها الغبار كالليل ا

-١٩٤-

ــدعوة ــا ب ــاعي علين ــر الن لقــد بك تنا لهـا لوعـة بكـر١(عوان أمض(

* * * أقـصد الـردى؟ – فـي الـورى –أأنفس نفس

)٢( أهلك الدهر– للهدى –وأخطر علق دــد جم ــس ــبطن األرض أن هنيئــا ل

٣(بثاوية حلته فاسـتوحش الظهـر(

النصف في سنها من كل شيء، والحرب العوان هي التي يستعر : العوان) ١(فيها القتال مرة بعد أخرى كأنهم جعلوا األولى بكرا والحرب العوان هي أشد الحروب، والمعنى لقد طالعنا الناعي بالنعي مرارا لبعض األعزاء،

حنا حزنا ممضا لم نشعر له من قبل ولكنه في هذه المرة أثار في جوان :بنظير، وشبيه بهذا القول قول أشجع بن عمرو السلمي كأن لـم يمـت حـي سـواك ولـم تقـم

علـــى أحـــد إال عليـــك النـــوائح طعنه فلم يخطئه أو أصابه فأماته مكانه، وأقصدت الحية : أقصد فالنا )٢(

:لدغته فقتلته، قال أبو حية النميري: فالناــدرمــي ن فأقــصدن القلــوب، ولــم تج

.دمــا مــائرا إال جــوى فــي الحيــازم هل طوى الموت أنفس روح بـين األنـام، : النفيس، والمعنى : العلق

.وهل أهلك الدهر أغلى في الحياة

هنيئا لألرض أن هذه السيدة الوقورة حلت ببطنها فآنسته : المعنى )٣( .وأوحش ظاهر األرض بعد رحيلها عنه

-١٩٥-

ــضحىبطــا ــواب، قانتــة ال هرة األث

هـا الخـدرحة اآلناء، محراب١(مسب(

نثــت فـالنفس أنثــى نفيــسة فـإذا أ )٢(إذ الجسم ال يسمو لتـذكيره ذكـر

حصان، إن التقوى استبدت بـسرها ـال يـستوضح الجهـر )٣(فمن صالح األعم

ذل له أو أطاعه أو دعاه، أو قام : نقية من الدنس، قنت هللا: طاهرة األثواب) ١(جمع إنو أو إني أو : اآلناء﴾، وقوموا هللا قانتين ﴿ :في الصالة، قال تعالى

لقد : أنى أو إنى، وهو أي ساعة من ساعات الليل وقيل وهن منه، والمعنىدة في الضحى أنس بطن األرض بسيدة صالحة طاهرة نقية تقوم للعبا .وتسبح اهللا أثناء الليل، فقد جعلت من خدرها مسجدا ومحرابا

إذا كانت الفقيدة أنثى فلن تقلل : المعنى»اليسمو بتذكيره«في الذخيرة )٢(أنوثتها من خطرها، فالنفس مؤنثة، والجسم مذكر، مع أن قيمة اإلنسان

:بنفسه ال بجسمه، وشبيه بهذا قول المتنبيــان ال ــو ك ــدنا ول ــن فق ــساء كم ن

لفــضلت النــساء علــى الرجــال ــب ــشمس عي ــم ال ــث الس ــا التأني وم

ـــالل ــر للهــ ــذكير فخـ وال التـ

عفيفة : امرأة حصان وحاصن وحصناء) استبدت بذكرها(في الذخيرة )٣(

إن الفقيدة طاهرة عفيفة تعمر خشية اهللا قلبها : أو متزوجة، والمعنى .صالحاتفتنم على تقواها أعمالها ال

-١٩٦-

ابهـا يطأطأ ستر الصون دون حج ـا –فيرفع )١( الـستر – عن مثنـى نوافله

* * * لعمر البرود البيض في ذلك الثرى

)٢( الـنعم الخـضر – أثناءهـا –لقد أ درجـت ـ ةعليها سـالم اللـه تتـرى تحي

حانها النـضرير )٣(ينسمها الغفران امـة وعاهد تلك األرض عهـد غم

هـرالز تـسمـا اب )٤(إذا استعبرت في تربه* * *

: جمع نافلة وهي عطية التطوع ومنه نافلة الصالة، والمعنى: النوافل )١(

ستارا من الصون والعفاف يسدل عليها - دون ستر حجابها–إن لها .فيرتفع مظهرا عطاياها العديدة

إن الدنيا حلوة خضرة مضرة « :الطيبة المحبوبة، وفي الحديث: النعم الخضر) ٢(وحق الثياب البيضاء المودعة في : والمعنى: » له فيهافمن أخذ بحقها بورك

.الثرى لقد ضمت في ثناياها نعما طيبة محبوبة ال جثمانا مدفونا في الترابأصلها وترى يقال جاءوا تترى بمعنى متواترين أي متتابعين، : تترى )٣(

.إلى مفعولين مع أنه فعل الزم) نسم(وقد عدى الشاعر هنا الفعل عليها سالم متتابع من اهللا تحية لها مشفوعة بالغفران لما :والمعنى

.قدمته من صالح األعمال، وما عطرت به حياتها من أطيب اآلثارأسأل اهللا أن : الوفاء والضمان، والمعنى: العهدعاقد وحالف، : عاهد )٤(

.ينضر ثراها بمطر دائم كلما سال عليها تبسم زهرها ضاحكا

-١٩٧-

فديناك إن الـرزء كـان غمامـة )١(طلعت لنا فيها كمـا يطلـع البـدر

ـادث –ألست الذي – إن ضاق ذرع بح

)٢(تبلج منه الوجه واتـسع الـصدر

بحواء الخلق نسلها التي –تعـز-

)٣(فمن دونها، في العـصر يتبعـه العـصر

نساء النبـي المـصطفى أمهاتنـا ن، فمغناهني٤( قفـر – مذ حقـب –ثو(

ك أيها الملك العظيم، إن المصاب الذي أصابنا نحن فداؤ: المعنى) ١(بفقد والدتك أظلم علينا إظالم السحاب، ولكنك بددت ظلمته كما يبدد

.القمر الظالملم يطقه ولم يقو عليه، كأنه مد يده : وضاق به ذرعابسط اليد، : الذرع )٢(

كلما ألمت بنا : أضاء أوضحك وهش، والمعنى: إليه فلم ينله، تبلجث وضقنا بها ذرعا فرجتها عنا بوجهك المشرق البسام وصدرك الحواد

.الواسع الحليملك أيها الملك العظيم عزاء في أم البشر حواء ومن تالها من : المعنى )٣(

.عظيمات النساءالدهر وجمعه أحقاب، : الحقب: الدار التي بها أهلها: المغنى) ٤(

ت أمهات المؤمنين لقد مات: السنون جمع حقبة، والمعنى: والحقبزوجات النبي صلى اهللا عليه وسلم، وأقفرت منهن دارهن فهي

.خواء منذ عصور سحيقة

-١٩٨-

وجازيتها الحـسنى، فـأم شـفيقة )١(تحفى بها ابـن كـل أفعالـه بـر

تمنت وفاة في حياتـك، بعـد مـا )٢( آمالهـا النثـر – كنظم العقد –لت توا

كأن الردى نـذر عليهــا مؤكـد عفت بالحظ فيـك وفـى النـذرأس ٣(فإن(

تولت فأبقت من مجـاب دعائهـا )٤(نفائس ذخر ما يقـاس بـه ذخـر

تتم به النعمـى، وتتـسق المنـى ــستقبل ــوى، وي ــستدفع البل ــصبروت )٥( ال

لقد كنت بارا بأمك تبادلها إحسانا بإحسان فهي أم شفيقة : المعنى )١(

.رؤوم، يعنى بها ابن كريم جميع أفعاله تتسم بالبر والوفاءأنت حي، فأجاب اهللا رجاءها تمنت الفقيدة أن تذوق الردى و: المعنى )٢(

.كما حقق لها جميع أمانيها، فوافت متوالية كالعقد النظيمكأن الفقيدة قد نذرت نذرا مؤكدا هللا أن تقابل المنية فرحة : المعنى )٣(

متهللة إذا حقق اهللا جميع آمالها فيك، فلم تم حظها بك وفت بنذرها .واستقبلت الردى في بهجة وسرور

لقد طواها الردى، ولكن دعواتها الصالحة المجابة ظلت باقية : المعنى )٤( .بعدها معدودة من أثمن الذخائر الخالدات

إن دعواتها الصالحة وسيلة إلى أن يتمم اهللا عليك النعم، وأن يحقق : المعنى) ٥( .لك اآلمال، ويدفع عنك البالء، ويلهمك الصبر في البأساء والضراء

-١٩٩-

ـض الدنيا جناحك بعـدها فال ته ـا –فمنك )١( جبـر – لمن هاضـت نوائبه

ــرة ــد بق ــور العدي ــت موف والزل

)٢(لعينيك مـشدود بهـم ذلـك األزر

* * * أنتم سماء رياسـة »جهور«بني

كمهـر – في أفقها –مناقبز م٣( أنج( إن يبطش فمنكم يمينه : ى الدهر تر نيا فأنتم لهـا ثغـر٤(وإن تضحك الد(

)١( الجناح أدعو اهللا أال تصدمك الدنيا في الفقيدة : ، والمعنىكسره: هاض

الكريمة، فإنك صالح لكل من تطحنه النوائب أو تصدمه الكوارث أو .تتجهم له الحياة

أعطاه : ضد سخنت وأقر اهللا عينه: وقرت عينهسرورها : قرة العين )٢(حتى تقر فال تطمح إلى من هو فوقه، ويقال حتى تبرد وال تسخن،

المعونة والنصر، : دمعة باردة، وللحزن دمعة حارة، األزرفللسرور اسأل اهللا أن يزيد عددك ببنيك ويجعلهم قرة لعينيك، وأن يشد : والمعنى

.أزرك ويتم لك بهم النصر والتأييدلعافيكم «آثرنا رواية الذخيرة والخريدة والمطرب، وفي أصول الديوان )٣(

لقد : يا بني جهور: ، والمعنىالمفاخر: المناقب، »في أفقها أنجم زهرعلوتم في أمجادكم حتى أصبحتم في رياستكم سماء، تشرق فيها

.مفاخركم كاألنجم الزهراءالدهر إذا بطش فأنتم يده : ، والمعنى»وإن تبسم الدنيا«في تمام المتون )٤(

.الباطشة، وإن الدنيا إذا تبسمت فأنتم ثغرها البسام

-٢٠٠-

ماح كأنـهلكم كل رقـراق الـس )١( أثـر - من طالقتـه -حسام عليه

سحائب نعمـى أبرقـت وتـدفقت )٢(فصيبها الجدوى، وبارقها البـشر

اللكـم إذا ما ذكرتم، واستـشفت خ ـار، واستمجــد الخبـر )٣(تضوعت األخب

: األثر واإلثرمنه، وكذلك كل شيء له ألألء، ما تألأل : رقراق السماح )١(فيكم كل فتى سمح متهلل كريم كأنه : فرند السيف ورونقه، والمعنى

سيف صقيل يبهر النظر بما فيه من لمعان وألالء، وفي تمام المتون .»من طالقته بشر«

سحائب : العطية، والمعنى: الجدوى الهاطل، السحاب: الصيب) ٢(ها وتدفق مطرها ففاضت بالهبات وتهللت أفضالكم قد لمع برق

.بالبشر والحبور: استمجدتصوغ فاحت رائحته، : نظر ما وراءه: استشف الشيء )٣(

»في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار «استكثر، وفي المثلكأنهما أخذا من النار ما هو حسبهما فصلحا لالقتداح بهما، قال

:األعشىــو ــاد الملـ ــر زنـ ــدك خيـ وزنـ

ــارا ــرخ عف ــنهن م ــادف م ك، صإذا روى أنباءكم المتحدثون تعطرت : العلم بالشيء، والمعنى: الخبر

بها األفواه، واذا رآكم المتطلعون وجدوا مظاهركم مطابقة ألخباركم .في السؤدد والكمال

-٢٠١-

رضـى كميطريقتكم مثلـى، وهـد )١(ومـذهبكم قـصد، ونـائلكم غمــر

أجبته – بالغيب عنكم –وكم سائل )٢(هناك األيادي الـشفع، والـسودد الـوتر

وال هـوى كـموح وال من عطـاء )٣(وحلم وال عجـز وعـز وال كبـر

قد استوفت النعماء فـيكم تمامهـا

)٤(علينا، فمنـا الحمـد هللا والـشكر

* * *

: النائلالفضلى، : المثلى، »ونائلكم قصد ومذهبكم غمر«في نسخة ز )١(

لقد جمعتم الفضائل كلها، فطريقتكم : ير، والمعنىالكث: الغمرالعطاء، أفضل الطرق، وقيادتكم أحب القيادات، ومذهبكم معتدل مقبول،

.وكرمكم فياض عميمكم سائل متطلع : والمعنى»وكم سائل بالغيب عنهم«في الخريدة )٢(

إن مكارمهم متتالية مزدوجة، وإن مجدهم منفرد : ألخبارهم أجبته .معدوم النظير

إن عطاءهم ال يكدر صفوه المن، وحكمهم ال يميل به الهوى، : المعنى )٣( .وحلمهم ال يتبعه العجز، وعزهم ال تشوبه الكبرياء

لقد أتمت السعادة بكم نعماءها علينا، فلله منا أطيب الحمد : المعنى )٤( .وأعذب الثناء

-٢٠٢-

-٢٠٣-

املصادر واملراجع

.٢ط .عبد القادر القط/ د .االتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر -١ . م١٩٨١/هـ ١٤٠١بيروت / دار النهضة العربية

دار الفكر .محمد رضوان الداية/د . وبحوث أخرى،أندلسيات شامية -٢ .م٢٠٠٠ ودار الفكر سوريا ،بيروت /المعاصر

دار المعارف ٣أحمد درويش ط/ ترجمة د. جان كوين.بناء لغة الشعر -٣ .م١٩٩٣

إحسان / د . »عصر الطوائف والمرابطين «تاريخ األدب األندلسي -٤ . م١٩٧٨بيروت / دار الثقافة ٥عباس ط

بحث مقدم في .محمد فتوح أحمد /د .التعويض في عناصر الشعرية -٥ .أحد المؤتمرات

.م٢٠٠٦ الجزء الرابع، الكويت .دورة ابن زيدون -٦ مطبعة ٣ ط.محمد سيد كيالني/ شرح وتحقيق .ديوان ابن زيدون -٧

. م١٩٦٥/ هـ ١٣٨٥مصطفى البابي الحلبي وأوالده بمصر تأليف أبي الحسن علي بن بسام .الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة -٨

دار .إحسان عباس/ تحقيق د.المجلد األول/ القسم األول .الشنزيني . م١٩٧٩ - هـ ١٣٩٩بيروت /الثقافة

دار ١٢شوقي ضيف ط/ د. ابن زيدون سلسلة نوابغ الفكر العربي -٩ .مصر بال تاريخ/المعارف

-٢٠٤-

عبد العزيز /د . ومشكلة العقم واالبتكار في الشعر،سناء الملكابن -١٠ .م١٩٦٢مكتبة األنجلو المصرية . انياألهو

دار الكتاب. وضعه عبد الرحمن البرقوقي.شرح ديوان المتنبي -١١ .م١٩٨٦ - هـ ١٤٠٧بيروت /اللبناني

.مصر/ دار المعارف .٢ط .جودت الركابي/د .في األدب األندلسي -١٢ .تاريخبال

.م٢٠٠٤الكويت . جمعة شيخة/د. عصر ابن زيدون -١٣ منشورات .وهب رومية/ د.قصيدة المدح حتى نهاية العصر األموي -١٤

. م١٩٨١دمشق /وزارة الثقافة محمد الولي ومبارك : ترجمة. رومان ياكبسون.قضايا الشعرية -١٥

.م١٩٨٨المغرب / الدار البيضاء .دار توبقال للنشر .١ط .حنون .م١٩٧٩/هـ١٣٩٩دمشق . شاكر الفحام/د. مختارات من شعر األندلس -١٦/ دار الثقافة.عبد المنعم تليمة/ د .مداخل إلى علم الجمال األدبي -١٧

.١٩٧٨القاهرة ٢: و١:ج .عبد اهللا الطيب/ د .المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها -١٨

-هـ ١٤١٠ الكويت ٤: وج.م١٩٨٩ - هـ ١٤٠٩ الكويت ٣:و . م١٩٩٠

عبد القادر /د .مظاهر التجديد في الشعر األندلسي قبل سقوط قرطبة -١٩بال تاريخ.الجزائر/ تيزي أوزو / دار األمل .هني .

-٢٠٥-

فهرس املوضوعات

الصفحة

٥ ................................................ إضاءة- ١١ ..................... مدخل إلى تاريخ عصر الطوائف- ٢٩ ......................................... قصيدة المدح - ٨٣ ......................................... قصيدة الرثاء - ١٠١ ........................................صيدة الذاتية الق- ١٥١ ........................ ابن زيدون مختارات من شعر -

١٥٣ ....................................مواكب الذكريات - ١٦٢ ..................................... مجالي الزهراء - ١٦٥ .................................... ال أهل وال وطن - ١٦٧ ....................................... مرارة الوداع - ١٦٨ ......................................... السر الذائع - ١٧٠ ....................................... طبائع النفوس - ١٧٥ ......................................... شكر جزيل - ١٩٠ ...................................... عليها سالم اهللا -

٢٠٣ ................................... المصادر والمراجع -

-٢٠٦-

-٢٠٧-

تور وهب روميــةالدك

.أستاذ في جامعة دمشقدكتوراه في اآلداب من جامعة القاهرة بمرتبة الشرف األولى مع

.التوصية بطبع الرسالة وتبادلها مع الجامعات .عميد كلية اآلداب بجامعة دمشق سابقا

:كتب أخرى للمؤلف . مؤسسة الرسالة، بيروت٣الرحلة في القصيدة الجاهلية، ط -المدح حتى نهاية العصر األموي بين األصول واإلحياء قصيدة -

.والتجديد، وزارة الثقافة السورية .بنية القصيدة العربية حتى نهاية العصر األموي، دار سعد الدين، دمشق - .شعرنا القديم والنقد الجديد، سلسلة عالم المعرفة الكويتية -از هذا الكتاب من ح(الشعر والناقد، سلسلة عالم المعرفة الكويتية -

اآلداب والفنون «مؤسسة الكويت للتقدم العلمي جائزة أفضل كتاب في ). في معرض الكتاب الثاني والثالثين في الكويت» واإلنسانيةموالعلو

.وزارة الثقافة/ من قضايا الثقافة، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب - منشورة في الدوريات مجموعة مقاالت في األدب القديم والمعاصر -

.العربية المختلفة

-٢٠٨-

م٢٠١٤/ الطبعة األوىل نسخة٦٠٠عدد الطبع