- ٢ -

الالــاجلماجلم

..

- ٣ -

- ٣ -........................................................فهرس

- ٤ -........................................................مقدمة

األول الفصل - ٨ -....................وطبيعته الجمال على للتعرف مدخل

:الثاني الفصل - ١٩ -.........)س والمقدالجميل( الجمال والتجربة الدينية

:الثالث الفصل

- ٤١ -.... .)االستطيقا الفرق بين فلسفة الجمال وعلم الجمال

: الرابع الفصل - ٨٦ -.....................الخبرة الجمالية في تذوق الفنون

: اخلامس الفصل - ١٠٣ -...)عـلم الجمال البيئي(الجـمـال والـبـيـئة

- ١٢٤ -...........تجاهات الجمالية في الفكر العربي المعاصراال: خاتمة

- ٤ -

مقدمة مة مقد

يتناول هذا الكتاب موضوع الجمال بوصفه خبرة يومية،

ض اإلنسان ألشكال مختلفة من الجمال في الحيـاة حيث يتعر

ويدرك الجمال في الطبيعة، ويحاول هذا الكتاب تنمية هـذه

الخبرة اليومية في اإلحساس بالجمال مـن خـالل الـوعي

بها إدراك الجمال، وتقديم فكـرة تاريخيـة لكيفية التي يتم با

عن فلسفة الجمال وعلم الجمال بشكل سـهل يتـيح تعميـق

الخبرة الجمالية لإلنسان غير المتخصص من خالل المفـاتيح

د القارئ بهاالعلمية التي يمكن لهذا الكتاب أن يزو .

ل، شعرت فت بتقديم هذا الكتاب التعريفي بالجما لحين ك

ـ ة أنه ال بد أن ينقل للقارئ العام وللشباب بشكل خاص محب

؛ه، وأحسست بثقل المهمة على عـاتقي الجمال في كل صور

سألت نفسي ماذا يمكن أن أضيف فـي هـذا المجـال ألنني

م تعريفـا وهناك كثير من الكتب العربية التي حاولت أن تقد

ال وعلم الجمال من للجمال ومدخال له، السيما أن فلسفة الجم

س في الجامعات المصرية منـذ درالمقررات الدراسية التي ت

وقت طويل فـي كليـة اآلداب والفنـون وأقسـام العمـارة

- ٥ -

في كليات الهندسة، رغم أنه من الضروري تدريسه في كـل

ألن الجمال في الفنـون والطبيعـة ينطـوي ؛أقسام الهندسة

فكـل ؛عـين واألذن سي ورياضي ال تخطئه ال هند على بعد

عمل فنـي يـدخل السـرور منظر طبيعي نطرب له وكل

ناتـه تجعـل إلى قلوبنا ينطوي على تناسق هندسي بين مكو

العين واألذن ترتاح له، حتى الموسـيقى والشـعر ينطـوي

على تناسق عددي في تكرار األصوات والنغمـات تجعلنـا

ع نشعر باالنسجام مع الموسـيقى والشـعر، وهـذا اإليقـا

ويتم تنميته وصقله ،الرياضي هو شيء فطري لدى اإلنسان

ر فيثاغورث عن هذا المعنى حين بالتعليم والتدريب، وقد عب

ألن الجمال فيها ينشـأ ؛ كونية ىوصف الطبيعة بأنها موسيق

ناتهـا التـي من إحساسنا بالتوافق والتناغم العددي بين مكو

لـدينا مشـاعر د ندركها بالحواس، وهذا اإلدراك الحسي يول

ز قيم اإلبداع والتواصـل مـع الكـون والحيـاة، أصيلة تحف

؛قة مع كل ما يحـيط بتجربـة اإلنسـان د عالقة خال كما يول

ـ مت دولذلك فقد استفدت من كل الدراسات السـابقة التـي ق

مها أسـاتذتي وزمالئـي، وحاولـت في هذا المجال التي قد

قديم رؤية مبسـطة للجمـال دون موه في ت أن أستفيد مما قد

- ٦ -

وال تجعلــه حكــرا ، بشــروط الكتابــة العلميــةأن تخــل

على المتخصصين في مجاالت الفلسفة والقيم واألدب والفنون

فحسب، وإنما خبرة متاحة يمكن أن يستفيد منها كل ميريد ن

ا كان موقعه فـي سـلم الحيـاة ق معرفته بالجم أن يعم؛ال أي

ر للجمـال مـن خـالل خبراتـه وثقافتـه ألن الشاب ينظ

عن الجمال، ومهما كان عمله أيضا الذي قد يبدو لنا قريبـا

أو بعيدا عن الجمال، ومهما كان عمله أيضا الذي قـد يبـدو

ألن كل ممارسة للحياة تتضمن ؛أو بعيدا عن الجمال لنا قريبا

صـول في داخلها فهما معينا للجمال، فكما سيتبين لنا فـي ف

الكتاب بعـد أن نسـتعرض مفـاهيم الجمـال أن الجمـال

أو مجموعـة مـن الخصـائص قد ال يكون فكرة فحسـب

صف بها شيء مـا فنطلـق عليـه صـفة والصفات التي يت

الجمال، وإنما الجمال هو تلك العالقة اإليجابية التي يتفاعـل

ولـذلك ؛ه إليهـا بها اإلنسان مع كل الموضوعات التي توج

في جوهره تعميق تجربة الوجود لإلنسان وإضاءتها فالجمال

ق ويزيح اغترابه عـن نفسـه، بكل ما يساهم في نموه الخال

ه نحو موضوع ما دون حساب ألن الشعور الجمالي هو توج

ألن اللذة الجمالية هي لذة من نوع خاص ال ترتبط ؛للمصلحة

- ٧ -

ل ة األكل بعـد الجـوع، وتـزو بإشباع حاجة مباشرة مثل لذ

ة الجمالية وتتعمق في وجـدان بزوال الحاجة، وإنما تبقى اللذ

ن نوع خاص هي أقرب للشعور المرء، ويشعر فيها بسعادة م

ه ف يرى أن اهللا هو الجمال فيتوج ولهذا نجد المتصو ؛بالرضا

ـ ر له بكل كيانه ويسعى من خالل كل سلوك جميـل أن يعب

ب، ولذلك فإن موضوع د الجمال في الح عن محبته له، فيتوح

الجمال ليس زائدا عن الحاجة فكل منـا يمـارس الجمـال

في حياته وممارساته اليومية سواء هـذا بـوعي كان يـتم

أو بدون وعي، فاإلنسان مـا دامـت لديـه هـذه القـدرة

كه في الحياة فإنه يفهم الجمـال على تكوين صورة لذاته تحر

. على نحو معين

- ٨ -

الفصل األول الفصل األول אא

- ٩ -

ف على الجمال في الثقافة العربيـة البـد أن لكي نتعر

فقد ورد فـي لسـان ؛ لمعاني الجمال في اللغة العربية نشير

مصدر الجميـل، والفعـل : الجمال"العرب البن منظور أن

ل، وقوله عزموجلج : ـ تريح ـال حـينما جفيه لكمو ون

ونحرتس حينو) ال الحسـن .. أي بهاء، ) ٦: النحلموالج

وقد جمل الرجل، بالضـم، جمـاال، . يكون في الفعل والخلق

. فهو جميل وجمال، بالتخفيف؛ وجمال، األخيرة ال تكسر

أجمل من الجميـل، وجملـه : والجمال، بالضم والتشديد

. أي زينه

مميلة : لوالتجالء وجمميل، وامرأة جوهـو : تكلف الج

: أحد ما جاء من فعالء ال أفعل لها؛ وقال الشعر

- ١٠ -

الءمر طالعفهي جكبد

ت الخلق جميعا بالجمال بذ

ثم عرضت له امرأة حسناء جمالء : وفي حديث اإلسراء

هطـالء، أي جميلة مليحة، وال أفعل لها من لفظها كديمـة

: قـال ابـن األثيـر . الءجاء بناقة حسناء جم : وفي الحديث

: والجمال يقع علـى الصـور والمعـاني؛ ومنـه الحـديث

أي حسـن األفعـال كامـل )إن اهللا جميل يحب الجمـال (

وما الحـق : األوصاف؛ وقوله أنشده ثعلب لعبيد اهللا بن عتبة

.، إذا ما كان لـيس بأجمـل أن تهوى فتشغف بالذي هويت

يجوز أن يكون أجمل فيـه بمعنـى جميـل، : قال ابن سيده

وقد يجوز أن يكون أراد ليس بأجمل من غيره، كما قالوا اهللا

. أكبر، يريدون من كل شيء

لذي المجامل ا : اءالفرقال المعاملة بالجميل، : والمجاملة

يقدر على جوابك فيتركه إبقاء تك على مدامل. وجالذي : والم

: ال يقدر على جوابك فيتركه ويحقد عليك إلى وقت ما؛ يريد

الزم تجملك وحياءك وال تجزع جزعا قبيحا، وجامل الرجـل

: سحه بالجميل، وقال الليحـاني لم يصفه اإلخاء وما : مجاملة

: إنه لجميل : واجمل إن كنت جامال، فإذا ذهبوا إلى الحال قال أ

وجمالك أن ال تفعل كذا وكذا أي ال تفعلـه، والـزم األمـر

- ١١ -

ملت الصنيع عند فالن وأجمـل فـي صـنيعه وأج ،األجمل

الرزق : رط؛ قال ل فلم يف اتأد واعتد : وأجمل في طلب الشيء

وجملـت . مقسوم فأجمل في الطلب وقد أجملت في الطلـب

: ال للشحم المذاب جميل؛ وجمـل الشـيء الشيء تجميال ويق

: الشحم يذاب ثم يجمل أي يجمـع، وقيـل : جمعه، والجميل

ما قطر وكف على الخبز ثـم أعيـد؛ الجميل الشحم يذاب فكل

هنه، وجمل أذابه واستخرج د . جمال وأجمله وقد جمله يجمله

اهللا اليهـود حرمـت لعـن : وفي الحديث . أفصح من أجمل

علــيهم الشــحوم فجملوهــا وباعوهــا وأكلــوا أثمانهــا،

.يأتوننا بالسقاء يجملون فيه الودك: وفي الحديث

أكل الجميل، وهو الشحم المذاب، وقالت امرأة : وتجمل

تجملي وتعففي أي كلي الجميل واشـربي : من العرب البنتها

. لبن في الضرع، على تحويل التضعيفالعفافة، وهو باقي ال

المرأة التي تذيب الشحم، وقالت امرأة لرجل : والجمول

ـ : تدعو عليه ذاب الشحم؛ فإنه فسلك اهللا أي أذابك كما يمر ج

: الجمول بأنه الشحمة المذابة، أي قالت هذه المـرأة ألختهـا

قـك؛ قـال أبشري بهذه الشحمة المجمولة التي تذوب في حل

ؤمل كان مستحيال، ذا ت إوهذا التفسير ليس بقوي و : سيده ابن

- ١٢ -

ول المرأة السمينة، وال : ةوقال مرمنتول المرأة المهزولة الج .

اإلهالة المذابة، واسـم ذلـك الـذائب الجمالـة، : والجميل

أن تشـوي لحمـا : االدهان به، واالجتمال أيضا : واالجتمال

: ا وكفت إهالته استودقته على خبز ثم أعدتـه، الفـراء مفكل

أجملتـه : أذبته، ويقال اجملت الشحم أجمله جمال واجتملته إذ

. مـل واحـدة الج : وجملت أجود واجتمل الرجل؛ والجملـة

جمعه عن تفرقـة؛ : جمل الشيء أو. جماعي الشيء : والجملة

جماعة كل شيء بكمالـه : والجملة. وأجمل له الحساب كذلك

قـال أجملت له الحساب والكالم؛ : من الحساب وغيره، يقال

؛ لوال نـزل عليـه القـرآن جملـة واحـدة : اهللا تعالى

: وفي حديث القدر . وقد أجملت الحساب إذا رددته إلى الجملة

ى آخرهم فال يزاد كتاب فيه أسماء أهل الجنة والنار أجمل عل

نقفيهم وال يلت الحساب إذا جمعت آحاده وكملـت صم؛ وأج

. صنقحصوا وجمعوا فال يزاد فيهم وال يأفراده، أي أ

الحـروف المقطعـة : وحساب الجمل، بتشـديد المـيم

هو : ال أحسبه عربيا، وقال بعضهم : على أبجد، قال ابن دريد

ولست منه على ثقة، : ال ابن سيده حساب الجمل، بالتخفيف؛ ق

- ١٣ -

. اسم بنت أبـي مسـافر : وجمال. اسم امرأة : وجمل وجومل

. اسمان: وجميل وجميل

من شعراء العرب؛ حكاه ابـن األعرابـي، : والجماالن

أحدهما إسالمي وهو الجمال بن سلمة العبدي، واآلخر : وقال

مادة جمـل . (م موضع اس: جاهلي لم ينسبه إلى أب، وجمال

في لسان العرب البن منظور، وقد أوردتها مع بعض الحذف

). لما فيها من فائدة

ويتبين لنا مما أوردنـاه مـن معجـم لسـان العـرب

ـ البن منظور أن لفظ الجمـال فـي اللغـة العربيـة ي قطل

على المناظر الحسـنة، ويصـف أيضـا األفعـال الحسـنة

المنحى قد ورد في القرآن الكريم وهذا ،في السلوك اإلنساني

أيضا، وهذا يعني أن الجمال قد يكـون حسـيا أو معنويـا،

وهو أعلى مراتب ؛والحسن وهو الجميل مشتق من اإلحسان

. اإليمان في اإلسالم

: : الجمال الطبيعي والجمال الفنيالجمال الطبيعي والجمال الفني إن اإلنسان يتذو ق الجمال ق الجمال في الطبيعة كما يتذو

ح في البدايـة، هناك فرق بينهما؟ البد أن نوض في الفن، فهل

- ١٤ -

أن ما يدرك مباشرة من خالل الحواس هو الجمالي فحسـب،

فاألصوات واأللوان، والملمس وما يتعلق بها من موضوعات

هي وحدها التي يمكن أن نطلق عليهـا موضـوعات الحس

الطبيعة والفن مـن خـالل جمالية، ونحن ندرك الجمال في

عمـل فنـي، ما ندرك لونا في الطبيعة أو في الحواس، فعند

ه ينحصر في الطريقة التي يبدو لنا عليه فحسب، فإن معناه كل

فليس له معنى وراء ذاته، وال حاجة إلى تفكيـر أو نشـاط

عقلي من أجل االستمتاع به جماليا، بل كل ما نحتاج إليه هو

به مباشرةأن نحس .

لإلنسـان الشـعور وإذا كان الجمال هو الذي يجلـب

بالرضا واللذة، فإن الطبيعة زاخرة بأمثلة اللـذة أو الرضـا

على المسـتوى األول وهـو المسـتوى الحسـي المسـتمد

من إدراك التركيبات المادية واأللوان واألصوات، فتركيـب

زهرة، أو صـورة شـاطئ البحـر، أو قطعـة ودقة تكوين

ـ من الجراني ياء التـي ت المصقول كالزجاج، وألـوان األش

ال حصر لها في الطبيعة، كل هـذه األمثلـة تقـف أنـدادا

لنظائرها في األعمال الفنية من حيث القيم الحسية، والطبيعة

تحفل بالقيم الشكلية، وهي القيم الناشئة عن إدراك شتى أنواع

- ١٥ -

العالقات، والجمال هو إدراك للعالقات المريحة التي يستجيب

ـ كانـت متـوافرة ر سـواء لها اإلنسان في شـتى العناص

في الطبيعة أي من صنع الخالق األعظم، أو كـان اإلنسـان

الفنان هو الذي صاغها في قوالب مختلفة من الفن التشـكيلي

والعمارة والموسيقى والشعر والرقص والغنـاء، والجمـال

قد يكون صفة للشيء، وهذا ما نجده في االتجاه الموضوعي

ء جميال هو توافر مجموعـة الذي يرى أن الذي يجعل الشي

من الخصائص، وهناك اتجاه آخر يرى الجمال فـي الـذات

ل في االتجاه الذاتي أو المثالي، وهناك المدركة، وهو ما يتمث

وجهة نظر ثالثة ترى الجمال في هذا التفاعل بـين الـذات

. والشيء المرئي

وإذا تساءلنا ما الجمال؟ فإن تـاريخ الفكـر يعـرض

االتجاه الذي يرى أن الجمال ال يمكـن أن : لهماأوإجابتين،

يقد ألنه قيمة في ذاته، وهو االتجـاه الـذي ؛راتم في تصو

االتجاه الذي يـرى : وثانيهمايرى الجمال عبارة عن فكرة،

الجمال ليس شيئا في ذاته، وأن له طابعـا عينيـا وواقعيـا،

ـ ل هذا االتجاه هيجل الذي ويمث ن ط معـي يرى أن الجمال نم

لتمثيل الحقيقة وإظهارها في طابع حسي، وهناك وجهة نظر

- ١٦ -

أخرى ترى أن الكمال ليس صفة لألشياء الماديـة أو فكـرة

ق ينشأ من العالقـة التـي فحسب وإنما الجمال هو فعل خال

ـ ه إليـه، فعالقـة تنشأ بين اإلنسان والموضوع الذي يتوج

حه نمو الكون وتفت ت إلى اإلنسان بالكون تكون جميلة متى أد

لإلبداع دون أن يجور على الكونبحيث يكون فضاء .

وشعور اإلنسان تجاه الجمال الطبيعي الذي خلقه اهللا هو

ـ ز بالخشـوع والغمـوض شعور بالجالل، وهو شعور يتمي

ألن خلق ؛ة استشعار عظمة قدرته وبديع صنعه والرهبة نتيج

مثـال سـابق، اهللا للطبيعة هو خلق من عدم وعلـى غيـر

وال يمكن مقارنته بما يصنعه اإلنسان من أعمال فنية مهمـا

من خاللها اإلنسان عمله اختلفت المادة الوسيطة التي يصوغ

؛عر، والصوت في الموسيقى الفني مثل الكلمة في القصة والش

ألن عمل اإلنسان هو عبارة عن تأليف بين ممكنـات ألنـه

لها العمل الفنـي، وإنمـا ال يخلق المادة التي يصوغ من خال

الموجودة من قبل، ويشترك معه أفراد كثيرون (ب المادة يرك

في استخدام هذه المادة مثل اللغة التي يسـتخدمها الشـاعر

ـ ) في صياغة قصائده ر ويعيد بناءها في صورة مختلفـة تعب

عن تجربته وإحساسه الداخلي والخارجي، وشعور اإلنسـان

- ١٧ -

سان من أعمـال فنيـة هـو مـا نطلـق مه اإلن تجاه ما يقد

عليه الشعور بالجميل، وهو إحساس خـاص مـن السـرور

ر عن حاجـة غير المرتبطة بمتعة مباشرة، وإنما تعب والمتعة

أسمى من تلبية االحتياجات المباشرة مثل الجوع والعطـش،

لوحة ال يروي العطش، ولكنه يروي في ذلك أن منظر الماء

النسجام بين عالقات العمـل الفنـي، ش إلدراك ا هذا التعط

هـو وتفاعل اإلنسان مع العمل الفني وفق المنظـور الحـر

، وأول شرط من شروط هذه التجربة الجمالية ما نطلق عليه

ا من خالل مـادة وسـيطة التجربة وجود العمل الفني مجسد

تجعل إدراكه من خالل الحواس متاحا وممكنا، فـال يصـح

دة فـي داخلـه لكنـه ن لديه أجمل قصـي إا أن يقول فنان م

لم يخرجها لنا في صورة ألفـاظ بحيـث يمكـن سـماعها

. أو إدراكها مكتوبة في ديوان من خالل حاسة البصر

ن الشـعور بـالجالل هـو أقـرب إولذلك يمكن القول

للتجربة الدينية من الشعور بالجمال الذي هـو عبـارة عـن

المتلقي بإعادة بناء ما يتلقاه تجربة جمالية يقوم بها القارئ أو

اله التفاعلي، وهـذا من العمل الفني وفق خبراته وثقافته وخي

الفن وأهميته في اكتشـاف الـذات للمبـدع من دواعي ثراء

- ١٨ -

والمتلقي، فمثال حين يشاهد مجموعة متباينة الثقافة والمستوى

علـى التعليمي والعمر فيلما فإن كل فرد منهم ال يفهم الفيلم

والسبب ؛ منهم يستخلص رسالة ما من الفيلم واحد، وكل نحو

في ذلك أن الفيلم أو العمل الفني هو عبارة عن مجموعة من

المثيرات الناقصة التي تكتمل من خالل المشاهد أو المتلقـي،

وبدونه تنقص التجربة الجمالية ركنا هاما من أركانها وهـو

ـ قدرة العمل الفني على التواصل، والرؤيـة ال ل تـي يتوص

إليها المتلقي هي إبداع من نوع خاص يغلـب عليـه طـابع

؛ إبداع الفنان يغلب عليه اإلرسـال استقبال العمل الفني، بينما

فني ما لم يكن الفنان واعيا ولذلك قد يكتشف القارئ في عمل

ل إضافة حقيقية له، ولذلك كل عصر يفهم األعمـال به، ويمث

ختلفا عن فهم عصر آخر، فـنحن الفنية على نحو قد يكون م

نفهم الشعر األموي أو العباسي على ضوء ما نعرفه عن هذا

العصر، وعلى ضوء مدى قربنا أو بعـدنا عـن الخبـرات

مها هذه النصوص الشعريةاإلنسانية التي تقد .

- ١٩ -

الفصل الثاني الفصل الثاني א א אא א א

))אאאא((

- ٢٠ -

؛ينية على مفهوم الجمال بشكل أساسـي تقوم التجربة الد

ألنها تهدف إلى تنمية اإلنسان ليكون في أفضل صورة ممكنة

ونجد في القرآن الكريم حديثا وتعبيرا عن الجمال في صور

الجمال وجميل : مختلفة وألفاظ متعددة، فقد وردت عبر ألفاظ

وزينة وحسن وزخرف وبديع، فمثال نجد أنه قد وردت كلمة

: لوصف الخيل، فيقول اهللا تعالى) الالجم(

افيه لكمالومج ونحـرتس حـينو ـونتريح حين

).٦: النحل(

اهللا تعالى في عدة مواضـع لووردت كلمة جميل فيقو

: لوصف السلوك اإلنساني

ـولت لكـمـل سم كذب قال بلى قميصه بدوا عاءجو

أنفس ربا فصرأم ميلكمج ا تصـفونلى مع انتعساهللا المو

).١٨: يوسف(

- ٢١ -

ربا فصرأم كمأنفس ولت لكمل سميلقال بى اهللا جسع

كيمالح ليمالع وه ا إنهميعج ني بهمأتيأن ي) ٨٣: يوسف .(

: الجميلمة ووردت كل

قا إال بـالحمنهيا بمو ضاألرات واوا خلقنا السممو

فح الصفحة فاصة آلتيإن الساعميلوالج) ٨٥: الحجر.(

، هـو الرضـا الجميـل فاصفح الصـفح : في قوله

وهـو صـبر جميال فاصبر صبرا : بال عتاب، وفي قوله

. ال شكوى معه

: في ست مواضعزينةووردت كلمة

رمح نـات زينةقل مبالطيـاده ولعب جاهللا التي أخر

موة يا خالصنياة الدينوا في الحآم للذين ق قل هيزالر من

). ٣٢: األعراف (صل اآليات لقوم يعلمونالقيامة كذلك نف

بنا إنى روسقال مـأل ومو نـوعت فرآتي زينـة ه ك

بنا اطمسر بيلكن سضلوا عبنا ليا رنياة الدياال في الحوأمو

وبهم فال يؤمنوا حتـى يـروا على أموالهم واشدد على قل

األليم ذابالع) ٨٨: يونس.(

- ٢٢ -

ضلى األرا علنا معـم زينةإنا جهأي مهلـوـا لنبله

).٧: الكهف (أحسن عمال

شالعاة وم بالغدبهر ونعدي الذين عم كنفس براصو ي

تريد منهع ناكيع دال تعو ههجو ونريدا زينةينياة الـديالح

هـرأم كانو اهوه عاتبن ذكرنا وع هأغفلنا قلب نم ال تطعو

).٢٨: الكهف (فرطا

نونالبال وزينةالم نياة الديات الحات الصالحاقيالبا و

).٤٦: الكهف (خير عند ربك ثوابا وخير أمال

اارزلنـا أوملكنـا حلكنا وبم كعدوا أخلفنا مقالوا م

.)٨٧: طه (القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامريزينة نم

: مرة واحدةالزينةووردت كلمة

موي كمعدوينةقال مى الزـحض النـاس شرحأن يو

).٥٩: طه(

: ثالث مرات هيحسنووردت كلمة

نـينالبـاء والنس ات مـنوالشـه بللناس ح نيز

الذه ة منقنطرالقناطير المة وـومسـل المالخيالفضة وب و

- ٢٣ -

هاهللا عنـدا ونياة الديالح تاعم ث ذلكرالحام واألنعو ـنسح

).١٤: آل عمران (المآب

اتاا نبتهأنبن وسول حا بقبهبا رلهنافتقبسـا حكفلهو

كريا كلمقا قال زا رزهعند دجو ابركريا المحا زهليخل عا د

يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عنـد اهللا إن اهللا يـرزق

. ١٩٥: آل عمران (من يشاء بغير حساب

: مرتين بديعووردت كلمة

ديعا بات واوقـول السما يا فإنمرى أمإذا قضض وألر

كونفي كن له) ١١٧: البقرة.(

ديعتكـن ب لمو لدو له كونض أنى ياألرات واوالسم

ه صاحبة وخلق كل شـيء وهـو بكـل شـيء علـيم ل

). ١٠١: األنعام(

: مرتينزخرفة ووردت كلم

الجـناإلنـس و اطينا شيودع لنا لكل نبيعج كذلكو

غرورا ولو شاء ربك بعض زخرف القول يوحي بعضهم إلى

ونفترا يمو مهفذر لوها فعم) ١١٢: األنعام.(

- ٢٤ -

لك كوني أويف بخرن زلن ت ماء وقى في السمتر أو

نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربـي

).٩٣: اإلسراء (هل كنت إال بشرا رسوال

: الجاللولم يرد لفظ الجليل، ولكن ورد مصدره

هجقى وبيذو و كبالل رامالجاإلكرو ) ٢٧: الرحمن.(

ذي كبر ماس كاراللتبامالجاإلكرو ) ٧٨: الرحمن.(

وقد ورد في تفسير القرطبي عن معنـى الجمـال فـي

. سنالح: والجمال. نل به ويتزي تجمالجمال ما ي : القرآن قوله

الزم : ال فهو جميل، بمعنىوقد جمل الرجل ـ بالضم ـ جما

ـا تجما قبيحفالجمـال يكـون .. لك وحياءك وال تجزع جزع

في الصورة وتركيب الخلقة، ويكون في األخـالق الباطنـة،

ا جمال الخلقة فهو أمر يدركه البصر فأم ؛ويكون في األفعال

ويلقيه إلى القلب متالئما، فتتعلق به النفس من غير معرفـة

ا جمـال األخـالق نسبته ألحد من البشر، وأم بوجه ذلك وال

فكونها على الصفات المحمودة من العلم والحكمـة والعـدل

ـ . والعفة، وكظم الغيظ وإرادة الخير لكل أحـد ا جمـال وأم

األفعال فهو وجودها مالئمة لمصالح الخلق وقاضية لجلـب

عنهم المنافع فيهم وصرف الشر . واب وجمال األنعـام والـد

- ٢٥ -

مال الخلقة، وهو مرئي باألبصار موافـق للبصـائر، من ج

ومن جمالها كثرتها وقول الناس إذا رأوها هذه نعـم فـالن،

قت القلـوب وألنها إذا راحت توفر حسنها وعظم شأنها وتعل

بها؛ ألنها إذ ذاك أعظم ما تكون أسمنة وضـروعا؛ ولهـذا

المعنى قد النفس ها وسرور م الرواح على السراح لتكامل در

. بها إذ ذاك

ي ومعنوي، وقد اختلف الفكـر حس: والجمال له جانبان

الجمـال لألخـالق اإلنساني في الحضارة اليونانية في رد ،

واعتباره تعبيرا عن الخير على النحـو الـذي نجـده عنـد

سقراط، أو مستخلصا من أذواق البشر في مجتمع معين على

.النحو الذي ذهب إليه السفسطائيون

الذكر الحكيم الذي ال يأتيه الباطل من بـين يديـه لكن

، يتناول هذه القيمة تناوال محكما، سديدا، راشدا، هوال من خلف

حقيـق يجعلها تسهم في سمو المجتمع البشري، ودفعه إلى ت

في ثمـاني " جمال"و" جميل" ولقد ورد لفظ ،رسالته الكريمة

احـد عـن الجمـال آيات من القرآن الكريم، منها موضع و

ث في المواضع السبعة الباقيـة عـن الجمـال الحسي، وتحد

.المعنوي والخلقي

- ٢٦ -

مخلوق متناسق، ال عـوج ي ظاهر في كل الجمال الحس

ه، واهللا تبـارك وتعـالى يو تش في خلقه، وال اضطراب، وال

خلق الكون بما فيه ومكمل صـورة، وأجملهـا، فيه على أ ن

تبارك وتعالى ظواهر هذا الكون الجميـل م اهللا وأسماها، وقد

في الكتاب العزيز شواهد على قدرته، يقول تبارك وتعـالى

: في الحديث عن األنعام ومـا فيهـا مـن جمـال ومتـاع

ونحـرتس حـينو ـونتريح ـال حـينما جفيه لكمو

م صورة للجمال عنـدما تحـس ، وهذه اآلية تقد )٦: النحل(

وهذه هـي ة، نسانية فيمأل جوانبها سعادة ومسر ه النفس اإل ب

اآلية الوحيدة التي تتحد ي بلفظ الجمـال ث عن الجمال الحس

ث عن الجمال في الكـون وهناك آيات أخرى تتحد ،الصريح

باستخدام ألفاظ أخرى مثل الحسـن والزينـة، والزخـرف،

ومن ذلـك والجميل وغيرها من األلفاظ الدالة على الجمال،

إذ قـال تعـالى ؛يث القرآن الكريم عن خلـق اإلنسـان حد

بهـا اإلنسـان بعد أن وصف مراحل الخلـق التـي مـر :

الخـالقين ـنساهللا أح كـارفتب خلقـا آخـر ثم أنشأناه

في أن مخلوقا ألحسن الخـالقين ، وال شك )١٤: المؤمنون(

. من الجمال واإلتقانيكون على أرفع مستوى

- ٢٧ -

الجمال في خلق وهناك آيات أخرى تكشف عن ظواهر

لقد خلقنا اإلنسان فـي أحسـن : وعال اإلنسان، فيقول جل

). ٤: التين (تقويم

وفي حديث عن الجمال في السماوات واألرض يقـول

، )١٠١: األنعـام (بـديع السـماوات واألرض : سبحانه

. ومعنى هذا تأكيد جوانب اإلبداع في أنحاء الكون الكبير

ا بديعة مـن جمـال وفي موطن آخر يقدم القرآن صور

أفلـم ينظـروا : الكون، برهانا على البعث، فيقول تعـالى

إلى السماء فـوقهم كيـف بنيناهـا وزيناهـا ومـا لهـا

واألرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها *من فروج

ونزلنـا *تبصرة وذكرى لكل عبد منيـب *من كل زوج بهيج

مــن الســماء مــاء مباركــا فأنبتنــا بــه جنــات وحــب

رزقا للعباد وأحيينا *قات لها طلع نضيد والنخل باس *الحصيد

وجالخر تا كذلكة ميلدبه ب) ١١ ـ ٦: ق.(

: فنلمح من مظاهر الجمال التي أبرزتها اآليـات كلمـة

)ا يجعل ال) ناهازيزينة ـ وهـي مـن أبـرز عناصـر مم

وما لهـا وله تعال في بناء الكون، وكذا قـ عنصراالجمال

.ساق والتكامل من مظاهر الجمال، واالتمن فروج

- ٢٨ -

ور الجمالية في الكون العظيم تردة وهذه الصدت في عد

الذي خلق سبع سماوات طباقا مـا : آيات، منها قوله تعالى

صجع البت فارن من تفاومى في خلق الرحى ترـل تـره ر

ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسـئا *من فطور

سيرح وهـا *ولناهعجو ـابيحصا بمنيالد اءينا السمز لقدو

). ٥ ـ ٣الملك (رجوما للشياطين

العيـب، مظهـر أصـيل فتناسق الخلق، والتنائي عن

للجمال، وتزيين السماء بالنجوم يجعل الجمـال هـدفا فـي

الخلق، أشارت إليه اآليات من سورة ق، وأوضحته اآليـات

إنـا زينـا : من سورة الملك، كما ذكرته أيضا هذه اآليـة

ن مـارد وحفظا من كل شيطا *السماء الدنيا بزينة الكواكب

).٦، ٧: الصافات(

جمال الحياة الثيـاب؛ يلبسـها اإلنسـان فتسـتره نوم

له، يقول تعالى وتجم : ـااسلب كملـيلنا عأنز قد مني آدا بي

ـرخي ى ذلـكالتقـو ـاسلبريشـا وو اتكمءواري سوي

.٢٦: األعراف(

لنظـرة اإلسـالمية بمـا يؤكـد ا تختم هذه اآلية اذوهك

مال، وهي أنـ للج ل فـي الجمال المعنوي والنفسـي المتمث

- ٢٩ -

االستمساك بمنهج الدين أولى باالعتبار، وأجـدر بـالحرص

.عليه واألخذ به

المنهج اإلسالمي يؤثر الجمال المعنوي، وجمال ومع أن

اإلنسان ومطالبه الغالبـة الحياة الباقية، لكنه يراعي حاجات

في الد ـب نيا، بل يغريه بقضائها إغراءا في إطـار الطيلحم

يا بني آدم خذوا : والحالل الذي يزيد الجميل جماال؛ فيقول

ـرفوا إنـهال تسوا وباشـرجد وكلوا وسكل م عند زينتكم

رفينسالم حبزين *ال ي رمح نـاده قل ملعب جة اهللا التي أخر

والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحيـاة الـدنيا

البيـان إن). ٣١، ٣٢: األعـراف (...خالصة يوم القيامة

القرآني يعرض الجمال عنصرا أساسيا فـي بنـاء الكـون،

ين الحق وشريعته السمحة، والـنفس الد ودعامة من دعامات

اإلنسانية الكاملة بإيمانها الصحيح ترى الجمال صفة جوهرية

. فيها، تنطلق منها إلى آفاق السمو والكمال البشري

ر ما قاله القرآن الكريم فـي مجـال تدب وهذا يدفعنا إلى

الجمال المعنوي، لقد جاء الجمال المعنوي في القرآن الكريم

! ا بأنماط شتى من السلوك البشري، وقد تعجب لبعضها مقرون

إنها من ألوان السلوك غيـر ! ما لها وللجمال حتى تقترن به؟

- ٣٠ -

ومن أنواع الحالل البغيض عند اهللا الذي شـرعه المستحب ،

ر أسباب الجمال للحياة، لقد اقترن الجمـال بالصـبر، تيسلي

لزوجيـة، عصمة ا واقترن بالصفح واقترن بسراح المرأة من

الصبر من أعظم الصفات التـي تـزداد إن ،واقترن بالهجر

بها النفس جماال وكماال، والصبر الجميل هو الـذي تـزدان

جـاء النفس فيه باليقين والثقة، وتمتلئ باألمل، ويغمرها بالر

،في اهللا، وتكون بمنأى عن الجزع والسخط علـى القضـاء

ضـعين، كالهمـا وجاء الحديث عن الصبر الجميل فـي مو

، وقد جاءه على لسان يعقوب : أولهمافي سورة يوسف،

يوسف أكله الذئب، وبرهنوا على قـولهم أبناؤه يخبرونه بأن

بدم كذب على قميصه، وبرغم الفاجعة الرهيبة علـى قلـب

اة بالغة، وثقة عظيمـة، جعلتـه األب المؤمن واجه األمر بأن

يحس ر أب أن األمر على غير ما صو ع بالصـبر ناؤه، وتذر

قال بل سولت لكم أنفسكم : الجميل، يقول تعالى على لسانه

ـا تصـفونلـى مع انـتعساهللا المميـل وج ربا فصرأم

).١٨: يوسف(

أيضا، عندما جاءه نبأ على لسان يعقوب : وثانيهمـا

بمصر، وبـرغم تتـابع احتجاز ابنه الثاني في سجن العزيز

- ٣١ -

المحنة، وعمقها في وجدان الشيخ الرسول، لكن مـا يـزال

قال بل سـولت : للصبر الجميل الغلبة على مشاعره، فقال

لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى اهللا أن يأتيني بهم جميعا

كيمالح ليمالع وه إنه )٨٣: يوسف.(

إذ هو ؛جمال بالصفح، وهو من أسمى الصفات ويقترن ال

د طلبه اهللا تبـارك يعني التغاضي عن إساءات اآلخرين، وق

كذ وتعالى من نبيعرضين المبين من قومـه، ه في مواجهة الم

بيـ م تها الهداية، وعقاب الضهمالين نا له أنه صاحب رسالة م

مين، والسـاعة آتيـة ال ريـب فيهـا، العـال مرجعه لرب

وما خلقنا السـماوات واألرض ومـا بينهمـا : فقال تعالى

إال بالحق وإن الساعة آلتيـة فاصـفح الصـفح الجميـل

).٨٥: الحجر(

صـف بالجمـال والصفح في حد ذاته جميل، وعندما يت

فحا لوجه اهللا، ال يجعله صاحبه حديثا يذكر به بـين يكون ص

.الناس

لجمال في الصبر والصفح قـد يكـون اا إن: وقد نقول

ما لكن ماذا نقول في جمال الهجر وجمال الفراق، وه . لوفاأم

القرآن بهذا يعطـي بعـدا جديـدا إن! لونان من المقاطعة؟

- ٣٢ -

مرغـوب حتـى للسلوك اإلنساني، وأن الجمال مطلـوب و

. في السلوك الذي ال يخلو من ألم ومعاناة

لقد أساء المشركون إلى الرسـول الكـريم، وأمـر اهللا

في معاملتهم بالهجر مع الصبر، لكن الهجر الذي أمر اهللا به

ه الهجر الج نبي شعر المهجور بسـوء تصـرفـه، ميل الذي ي

وضالل سعيه مع استبقاء البر ل تعـالى لـه، فقـا به والود :

مـيالا جـرجه مهـرجاهو قولـونـا يلى مع براصو

)١٠: لالمزم.(

من رابطة الزوجيـة، أن تكون في حل : وسراح المرأة

فهو الطالق، وهو أبغض الحالل إلى اهللا، لكنه مـع وقعـه

األليم على النفس عندما يقترن بالجمال نحصل على ثمراته،

ته، ويجمل السراح عندما تفارق المرأة بيت وننأى عن سوءا

الزوجية من غير غبن، أو قهر، أو انتقاص للحقوق، بعيـدا

. عن البغي والعدوان

وذكر السراح الجميل مرتين في محكم التنزيل، وكلتاهما

في تخيير النبي لزوجاته عندما : أوالهمافي سورة األحزاب،

يا أيهـا : رب العالمين لنبيه ه التوسعة في النفقة، فقال لنسأ

النبي قل ألزواجك إن كنتن تردن الحيـاة الـدنيا وزينتهـا

- ٣٣ -

). ٢٨: األحزاب (فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميال

قـون الزوجـات قبـل مطالبة األزواج الذين يطل : وثانيتهما

عوا الزوجات، والمتعة كسوة مالئمة لمكانـة لدخول، بأن يمت ا

السراح الجميـل دون بغـي المرأة ومستواها االجتماعي، ثم

يا أيها الـذين : ب باإلساءة، فقال تعالى على الحقوق، وتعق

آمنوا إذا نكحـتم المؤمنـات ثـم طلقتمـوهن مـن قبـل

تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتـدونها فمتعـوهن أن

أوردت هنـا ). [ ٤٩: األحزاب (وسرحوهن سراحا جميال

قيمة الجمال فـي القـرآن : ما ذكره صفاء الدين محمد أحمد

الكريم، موقع لهـا أون اليـن، شـبكة اإلنترنـت بتـاريخ

]. ميالدي٢٠٠٢/ ١٠/ ١٥ الموافق ، هجري١٤٢٣/ ٨/ ٩

ويتبي ن لنا مما سبق ذكره أن م الجمال القرآن الكريم يقد

كصفة للسلوك اإلنساني المرتبط بـالخير المـؤدي لتنميـة

اإلنسان وتصويب اتجاهه نحو الفطرة والتـآلف والمحبـة،

ويمكن أن نالحظ أن إنتاج اإلنسان للعمل الفني هـو أيضـا

التـي يركبهـا وفـق قوانينهـا تجاه المادة الوسيطة سلوك

ألنـه فعـل أيضـا، فتنقـل رسـالته وإحساسـه ؛الخاصة

يهدي اإلنسان للخير ويبعد إلى المتلقي، واإلسالم مع كل فن

- ٣٤ -

والرذيلة، ولعل هذا واضح في قضـية موقـف به عن الشر

كل الشعر، ولكنه ضد هذا اإلسالم من الشعر، فهو ليس ضد

ح الفطرة اإلنسانية ونموها تجاه الخيـر، نوع الذي يعوق تفت ال

يرفض اإلسالم عدم التوافق بـين القـول والفعـل، ويـرى

أن الجمال هو االنسجام بين القول والفعل، فحين ذاك يبعـد

عاء والكذب والرياء، ويكون نفسه، وليس تلك المرء عن االد

. الصورة التي يريد تقديمها لآلخرين

ة النبوية أحاديث عن الجمال نـورد نردت في الس وقد و

:بعضها منها

: : الجمال في األحاديث النبويةالجمال في األحاديث النبوية

: : ما ورد في سنن الدارميما ورد في سنن الدارمي

أخبرنا صدقة بن الفضل أخبرنا يحيى بن سعيد ٢٠٧٦

عن عبيد اهللا عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة

قال تنكح النساء ألربع للدين والجمال والمـال بي عن الن

اكت يدبين تربذات الد كليب فعسوالح. ـنب ـدمحنا مرأخب

عيينة عن علي بن مسهر عن عبد الملك عن عطاء عن جابر

النبي نعديثذا الحبه .

- ٣٥ -

: : وورد أيضا في تأويل الرؤياوورد أيضا في تأويل الرؤيا

أخبرنا الحكم بن المبارك أخبرنا الوليـد حـدثنا ٢٠٦١

اب النبيحأص ضعثني بدس حقي نب دمحثني مابر حدج ناب

والخ نزل حماة والجفينة نجة والسالفطر نة قال اللبـرض

رالجنة والمرأة خي .

٢٧١ ريـزثنا حـدجيـد حد المبع ناهللا ب ديبنا عرأخب

عن حبيب بن عبيد قال كان يقال تعلموا العلم وانتفعـوا بـه

ـرمع طـال بكـم إن وشـكي لوا به فإنهلتتجم وهلموال تع

تهأنة ببزل ذو البزمتجا يل ذو العلم بعلمه كممتجي .

أخبرنا الحسن بن علي حدثنا أبو أسامة عن جعفـر ١٢

ي عثمان النهدي أن رسـول اهللا ببن ميمون التميمي عن أ

مس ناب هعاء ومطحإلى الب جوخط خر هدود فأقعه خطـأ ععلي

ثم قال ال تبرحن فإنه سينتهي إليك رجال فال تكلمهم فـإنهم

حيث أراد ثم جعلوا ينتهون لن يكلموك فمضى رسول اهللا

إلى النبي ونردصي ثم اوزونهجإلى الخط لما ي تـى إذا ح

إذا نام نفـخ كان كانفخذي و دسفتو إلي اءل جآخر اللي من

متوسد فخذي راقد إذ أتاني في النوم نفخا فبينا رسول اهللا

مـا بهـم لـماهللا أع بيض ابثي همال عليالجم مال كأنهرج

- ٣٦ -

تى قعال حممن الج عند مأسه وطائفة منهر عند مطائفة منه د

هذا النبي ا أوتيمثل م ا أوتيدنا عبا رأيم مينهه فقالوا بليرج

دمثال سـي ربوا لهاض قظانلي هقلب ان وإنه لتنامنييع إن

فدعا الناس إلى طعامـه وشـرابه بنى قصرا ثم جعل مأدبة

عند ذلك فقال لي أتـدري ثم ارتفعوا واستيقظ رسول اهللا

لموله أعسؤالء قلت اهللا وره نالمالئكة .م مل . قال هقال وه

وهبرا المثل الذي ضري متد. أعلـم ولهسقـال . قلت اهللا ور

محن الرنى الجب ن نفم هادا عبها إليعة فد نتـهخـل جد هأجاب

".ومن لم يجبه عاقبه وعذبه

: : وورد في مسند اإلمام أحمد الحديث رقموورد في مسند اإلمام أحمد الحديث رقم

١٦٧٢٩ بـن رثنا شهدميد حالح دبثنا عدح اشمثنا هحد

ال يجت رمعشب قال سوح معن عامر أنه سة بقبع نث عدح

يقول ما من رجل يموت حين يموت وفي قلبه رسول اهللا

مثقال حبة من خردل من كبر تحل له الجنة أن يريح ريحها

ـ .وال يراها ة واهللا فقال رجل من قريش يقال له أبـو ريحان

يا رسول اهللا إني ألحب الجمال وأشتهيه حتى إنـي ألحبـه

لـيس قال رسول اهللا .في عالقة سوطي وفي شراك نعلي

- ٣٧ -

كبـر ذاك الكبر إن اهللا عز وجل جميل يحب الجمال ولكن ال

ضق وغمفه الحس نه النمنيياس بع .

: : الجميل من أسماء اهللا الحسنىالجميل من أسماء اهللا الحسنى أن اهللا جميل يحب الجمال، وإذا أردنا ه نا ورد ع مفك

ة النبوية بوصفها تحقيقا أن نتحدث عن فلسفة الجمال في السن

ة النبويـة مكن اإلنساني للجمال في القرآن، فجمال السـن ملل

رحمـة والمحبـة، م الممكن البشري للجمال في ال في أنها تقد

أن يصل إلى هذه المرتبـة وال يمكن ألحد غير الرسول

من الجمال في سلوكه وأفعاله مع كل مخلوقات اهللا، وحتـى

) ٤: القلـم (وإنك لعلـى خلـق عظـيم أن القرآن يصفه

وفي مواضع أخرى يصفه بالرحمة والنـور، وهـذا يبـين

مال الروح التـي تتنـاغم أن الجمال هنا هو جمال الخلق وج

ن في أحاديثه تبي مع كل شيء في الكون، وبالغة الرسول

م لنا ما يريد قوله عبر لغة موجزة وكلمـات قليلـة، كيف قد

ا اكان صمته كالمينصت إليه صحابته، فالجمال ليس مقتصر

مه اإلنسان مـن كلمـات أو رسـائل لآلخـرين على ما يقد

من قبل اآلخرين ولكـن فـي كـل من خالل وسائط مدركة

- ٣٨ -

ح اإلنسـاني، سلوك إنساني يضيء الحياة ويفتح آفاقا للتفـت

. ويحاصر القبح

ا مفهوم الجمال في الفقه والشـريعة وعلـم الكـالم أم

والفلسفة اإلسالمية، فنجد أن مشكلة حسن األفعـال وقبحهـا

من الكتاب والسنة فهي مـن القضـايا التي لم يرد فيها نص

ز بها ي ناقشها علم الكالم حين تساءل عن الكيفية التي تمي الت

ن األفعال وقبحها، وهل تعرف بالعقـل أم بالشـرع، بين حس

ويرى الشيخ محمد عبده في رسالة التوحيد أن إدراك الحسن

ق بين العقل يفر ألن ؛في األشياء إنما يكون بالعقل من القبح

ا و النافع والضار ويعداألول خير ا، وأن هـذا يعدالثاني شر

هو أصل التمييز بين الفضيلة والرذيلة، وال خالف في ذلـك

ن يهتدي اإلنسـان أناس وإن اختلفت عقائدهم، فاألصل بين ال

، ما ال يجده فـي القـرآن باهللا بما ورد عن سيدنا محمد

. عليهوالسنة فإنه يستدل

جربـة ولذلك يلجأ الصوفية إلى تفسير الجمال بوصفه ت

ـ حياة ووجود، ال يحتكرها الفن فحسب، وإنمـا يـتم ة محب

ألنهـا أوامـر ؛الجمال اإللهي من خالل اتبـاع الشـريعة

المحبوب، ولذلك ال يمكن أن نصدق مإ يقول ن اهللا نه يحـب

- ٣٩ -

إلـى تزكيـة ي وهي فطرة اهللا تعالى تؤد ،ويعصى أوامره

الجمال هو ير صورة، والحقيقة أن اإلنسان وبها يكون في خ

ألنهم يتحررون به من كل شـيء ؛محور التجربة الصوفية

واكتشافهم لهذا الجمال يجعلهم منجذبين ،ر صفاء نفوسهم يعك

إليه بشوق عظيم، وهذا الجمـال الـذي يعيشـه الصـوفي

ة اهللا هو خبرة خاصة وذات طابع فردي وال يمكـن في محب

نـا مـن الجمـال نقلها للغير، حتى أشعار الصوفية ال تنقل ل

ما تستطيع الكلمات أن تنقله، ونحن نفهمه علـى ضـوء إال

خبراتنا المحدودة بالصور التي تحيط بنا ومخيلتنا وتجاربنـا

الروحية، وإذا كان الفن في جوهره تجاوز لما هو قائم وفتح

أسره بالخيـال وتركيـب الصـور آفاق جديدة لإلنسان تفك

ي تنفتح أمامه هـذه اآلفـاق في عالقات جديدة، فإن الصوف

الجميلة حين يخرج نفسه من عبادة البشر واألشياء والسـلطة

ذاتـه التـي والمال، فيرى العالم كما لم يره من قبل ويسترد

س من خالل اقترابـه استعبدتها األشياء، هنا يقترب من المقد

من الجمال، وتمتلئ روحه بهذا الصفاء والتسامح، ويصـبح

. ض ولكن من أجل الجمال والمحبةعطاؤه بال غر

في كـل ذا التناول للجمال ومعايشته نجده والحقيقة أن ه

- ٤٠ -

ناول موضوع عالقـة الفـن ت ولقد تم ،الحضارات واألديان

:بالدين في الفكر الجمالي القديم تحت عناوين أخـرى مثـل

فـالفن ؛س الدينية، وعالقة الفن باألخالق عالقة الفن بالطقو

يس معـزوال عـن الحضـارة والمجتمـع كنشاط إنساني ل

والتاريخ، ولذلك فإن هناك كثير من األفكـار التـي تـدعو

إلى استخدام الفن في الدعوة للمبـادئ األخالقيـة والدينيـة

وبالتالي ؛قدرة على التأثير في األفراد على أساس ما للفن من

يقنعهم باالستجابة لهذه المبادئ، ولذلك نجد أفالطـون يـرى

النـاس علـى فعـل الخيـر شعر رسالة سامية تحـث أن لل

والفضيلة، فإن تجاوز فن الشعر هدف الخير إلى إحداث اللذة

والطرب فيكون مفسدة للناس، وهذا يعني أنه كان هناك وعي

مبكر بالفن وأهميته على المستوى األيديولوجي في التـرويج

راسته كايم في د م األخالقية والدينية، وأشار دور ألنساق القي

عن األشكال األو وكان ، كان مرتبطا بالدين لية للدين أن الفن

سيما في األشكال البدائية للدين، حيـث كانـت متحدا معه ال

وس الدينيـة، قالرسوم الجدارية على الكهوف جزءا من الط

ولعل هذا هو السبب الذي جعل أرنست فيشر يربط بين الفن

. ى عند اإلنسان البدائيوالدين والسحر في الصورة األول

- ٤١ -

الفصل الثالث الفصل الثالث א אא א

))אא((אא

- ٤٢ -

ن لنا من خالل الفصول السابقة أن فلسفة الجمال هي تبي

أقدم من علم الجمال وهي أوسع من حيث المفهـوم وحيـث

ألن فلسـفة الجمـال ؛الموضوعات التي يدرسها كل منهمـا

منه والمعنـوي، والجمـال ل بشكل عام الحسي تدرس الجما

بالجمـال ) أو االستطيقا (في الطبيعة، وبينما يهتم علم الجمال

الفني الذي ينتجه اإلنسان خصوصا كما هو يظهر في الفـن

ـ بأشكاله المختلفة، وبتقييمه من وجهة نظر الفالسـفة والن اد ق

:عادمن خالل ثالثة أبوعلماء الجمال في الغرب،

دراسة المفاهيم وأنمـاط الحـوار : ن البعد األول يتضم

، )قـة بظـاهرة الفـن والمتعل(المستخدمة في مناقشة الجمال

.وتحليل األسئلة

ن البعد الثاني ويبي :أن م دراسة فلسـفية علم الجمال يقد

فـي الخبـرة وعقلية لبعض المفاهيم والمواقف التي تتضم ن

ومن أفضـل ،ل توضيحات معنى ظاهرة الجمال مث. الجمالية

- ٤٣ -

راسات الجمالية من خالل المنهج الفينومينولوجي ما قدمه الد

ميكيل دوفرين من تحليل فينومينولـوجي للخبـرة الجماليـة

. ١٩٣١. ورومان إنجاردين؛ في علم الجمال األدبي١٩٥٣

ية لتصنيف الفنـون دراسة فلسف : البعد الثالث نويتضم

ن بصورة رئيسية أعمال الفنـون الجميلـة، لة ويتضم الجمي

والفرق بين العمل الفني والعمل الصناعي والقـيم الجماليـة

في كل فـن وكيـف تتجسـد عبـر الوسـائط الجماليـة،

ـ ووجـه ةوموضوعات الجمال الفني مثل المنـاظر الطبيعي

اإلنسان وجسمه التي سيطرت على الفن التشكيلي فترة طويلة

الهدف األساسـي لعلـم ب وهذا البعد الثالث يهتم ،نمن الزما

هو التركيز على موضـوعات الخبـرة والوصـف والجمال

وفقا لـذلك ؛مات المميزة للملكة الجمالية الجمالي وتحديد الس

فإن علم جمال قابل لإلدراك في نظرية الفـن الـذي يحـدد

قعـه رنا للفن ومو لنا األسس والمبادئ التي يقوم عليها تصو

. من الحياة اإلنسانية

وهناك فروع جديدة من علم الجمـال تهـتم بجوانـب

ى هذه سمتطبيقية معينة مثل كيفية إدراك اإلنسان لأللوان، وت

علم الجمال التجريبي، فقد اكتشف العلمـاء كيفيـة . الفروع

- ٤٤ -

ـا مـا تعرف المخ على األلوان وهو اكتشاف قد يساعد يوم

قرود المكاك ظهر لباحثي كلية الطب فاقدي البصر، وبدراسة

بجامعة تكساس في هيوستون كيف تترتب مجموعـات مـن

نة من المـخ في منطقة معي " الشرائط الرفيعة "ى سمالخاليا ت

ف على األلوانوكيف تتعر .

م يقد"وقال دانييل فيليمان أستاذ علم األعصاب والتشريح

على المجموعـة ف هذا الكشف أول أساس فسيولوجي للتعر

وقام فيليمان وفريقه برسم خريطة لمواضع ". الكاملة لأللوان

ر في تدفق الدم على امتداد هذه الشرائط في مخ القرود التغي

ـ بينما كانوا يعرضون أمامها مجموعة من األلوان، ون ت رش

. نتائج البحث في دورية نيتشر العلمية

ـ ا كانت القرود تنظر إلى األلوان ال موبين رت مختلفة تغي

أجـزاء بانتظام مواضع ذروة تدفق الدم في أمخاخهـا فـي

وكانت المنطقة التي بلغ تـدفق ،محددة من الشرائط الرفيعة

الدم ذروته عند رؤية القرود للون األحمر مجاورة لمنطقـة

وهكذا.. األصفرالذروة للون البرتقالي ثم.

ستخدم شـفرة ي المخ نعتقد أن "وأضاف فيليمان في بيان

موقع ذروة النشاط في هذه تربط المواضع باأللوان بمعنى أن

- ٤٥ -

ورغـم أن البحـث ،"ط اللونية يحدد اللون الذي نراه الخرائ

ي على قرود المكاك فإن العلمـاء يعتقـدون أن آليـات جرأ

وأن هـذه النتـائج ،في مخ اإلنسان ستعمل بطريقة مماثلـة

. لمساعدة فاقدي البصراتم في ابتكار معدخدستقد ت

وإذا تأملنا تاريخ الفكر الجمالي سنجد في الفكر اليوناني

ا بين المبدأين األساسيين اللذين قام عليهما تصور الفن صراع

المبدأ الحسي االستطيقي والمبدأ العقلي األخالقـي، : فيما بعد

ى السوفسطائيون المبدأ األول وذلك حين جعلوا فـنهم وقد تبن

الخطابة وبراعتهم في البالغة وسيلة غايتها سحر النفوس في

والتأثير على مشاعر الناس، وإقناعهم بقدرة الفن في التـأثير

توجيـه السـلوك على العواطف والمشاعر البشرية إلى حد

ر عن هذا الـرأي وإثارة البهجة وتحقيق اللذة الجمالية، ويعب

لفـن ، وقد عرض أفالطـون نظريتـه عـن ا "جياسرجو"

ن أن السوفسـطائيين حيـث بـي " جورجيـاس "في محاورته

تحقيق اللـذة وإثـارة حـواس ال يهدفون من وراء فنهم إال

الجمهور، وأنهم أشاعوا بذلك نزعة حسـية لـدى الشـعراء

ه أفالطـون نقـده لهـذا والفنانين الذين تأثروا بهم، وقد وج

فسـطائيين هـم السو حيث ات " الجمهورية"االتجاه في محاورة

- ٤٦ -

بهدم المثل العليا والتقاليد األخالقية المتوارثة، وهـم بـذلك

مون النفوس بل يقضون علـى اتزانهـا وتماسـكها، ال يقو

د بين الجمال واللـذة الحسـية، وعارض نظرياتهم التي توح

ولهذا ؛هم على إثارة الوهم وخداع الحواس واعتمدوا في فنون

من الزهور ن وضع إكليال طرد الشعراء من الجمهورية بعد أ

حول أعناقهم، ولم يكن يبغي أفالطون من ذلك طرد جميـع

الشعراء من مدينته، وإنما كان يهاجم أنواعا معينة من الشعر

اس مدينته الفاضلة، رأى فيها الخطر األخالقي على تربية حر

ويقصد به الشعر الذي يحاكي مـا هـو مرئـي محسـوس

ب أفالطون بالشاعر الذي ية، ويرح وال يحاكي المثل األخالق

ألنه ال يضلل الجمهـور ؛يحاكي الجمال في صورته المثالية

بها من العالم العقلي أو مـن عـالم وال يؤذي النفس بل يقر

ما من موقف وهذا الموقف من الشعر يقترب إلى حد (المثل،

اإلسالم من الشعر، فاإلسالم ال يحر م هذا م الشعر، وإنما يحر

النوع من الشعر الذي انحرف عن الحـق وأسـاء للغيـر،

ب بالشعر فنا يدعو للخير والحـق والجمـال، وهـذا ويرح

بحثهـا الموقف يبين أن قضية الفن وعالقتها باألخالق قد تم

).في وقت مبكر في الحضارة اإلسالمية

- ٤٧ -

والمبدأ األخالقي للفن يتمثل في فكر سقراط الـذي رأى

الخيال في أن الفن أداة لتحقيق ما ينفع الفن تابع للخير، وأن

اإلنسان ويرقى بنفسه ويطهرهـا، ويعتبـر سـقراط بـذلك

بمبادئ األخالق، وبمراعـاة الصـدق من رواد التزام الفن

والخير على النحو الـذي نجـده لـدى أفالطـون، ولـدى

م أفالطـون االتجاهات الجمالية ذات الطابع األخالقي، وقد قد

ن حيـث بـي " هيبيـاس الكبـرى " سقراط في محاورة رأي

أن ف الجمال بأنه جمال هادف غايتـه تحقيـق سقراط يعر

الخير، ويوح دت آراء سـقراط د بين الخير والجمال، وقد مه

وفيثاغورث لتفسير أفالطون للجمال الذي يرى أن كل ما هو

ل جميل ليس سوى محاكاة للجمال المثالي المعقول أو الجمـا

. في ذاته

هنـاك دراسـات وإذا انتقلنا للفكر المعاصر سنجد أن

عديدة عن العالقة بين الفـن واأليـديولوجيا فـي الفلسـفة

واالستطيقا وعلم االجتماع األدبي واألنثروبولوجيـا الثقافيـة

والنقد الفني وعلوم التأويل والتفسير وغيرها من العلوم التي

ذلـك ألن ؛ واجتماعيـة ن بوصفه ظاهرة إنسـانية تدرس الف

ـ ـ األيديولوجيا مفهوم اجتماعي وثقافي يتغي ر ر معنـاه بتغي

- ٤٨ -

ا لمراحل التاريخ االجتماعي الذي تمـربـه الحضارة وتبع

رت الدراسـات ذات الطـابع المجتمعات البشرية، وقد تطو

األيديولوجي للفن من مجرد تحديـد عالقـة الفـن بـالواقع

ت النوعية للفن مثل الشكل الفني االجتماعي إلى دراسة السما

؛الكشف عن الطابع األيديولوجي لهـا واللغة الخاصة بالفن و

ولذلك فإن الكشف عن طبيعة العالقة بين الفن واأليديولوجيا

وعات ولوجيا واتساعه ليشمل وض ير مفهوم األيد مرتبط بتطو

في موقع الفـن مـن الحيـاة عديدة لم تكن موجودة من قبل

الت المختلفـة التـي ر بهذه التحو قد تأث الفن ن أل ؛المعاصرة

ر اإلنسان لذاته وللعالم مـن حولـه، فقـد طرأت على تصو

أصبح متأثرا بعملية اإلنتاج الفني التي تتطلب شروطا لم تكن

موجودة من قبل، وقد أوضح هذا بيبر ماشيري فـي كتابـه

فنـي يخضـع ن أن العمل ال حيث بي " نظرية اإلنتاج األدبي "

لشروط اإلنتاج مثل أي عملية إنتاج أخرى، وقد أصبح الفـن

ر أدوات االتصال مرتبطا بعملية االتصال في المجتمع، وتغي

ـا مها قد أث وتقدر على طبيعة الفن ذاته، فلم يعد الفـن نخبوي

أو مرتبطا بالصفوة وإنما أصبح الفن جماهيريا بفعـل أدوات

لعمل الفني لقطاعات واسعة من البشـر االتصال التي تتيح ا

- ٤٩ -

مثل أجهزة التليفزيون واإلنترنت، وهذه األداة األخيرة التـي

ا رت من طبيعة التلق غيي للعمل الفني، فلم يعد المتلقي سـلبي

في استقبال العمل الفني وإنما يمكنـه التعليـق والمشـاركة

نهما موالحوار مع الكاتب فلم يعد كل من الفنان والمتلقي كل

عن اآلخر وإنما أصبح هناك تواصل فيما بينهمـا، منفصال

ففي الماضي قبل مرحلة اإلنترنت كان الفنان ال يعرف ردود

أفعال المتلقي المباشرة عن العمل الفني ولكـن اآلن يمكنـه

أن يعرف رأي المتلقي ويقرأ تعليقاته من الجمهور الذي يرى

ـ دة، وهـذا يعنـي عمله الفني عبر وسائل االتصـال الجدي

أن التكنولوجيا قد ساهمت في صياغة أيديولوجية جديدة ليس

فحسب وإنما للمجتمع بأسرهللفن .

إن ممارسة مشروطة بزمانها وبفضاء اجتمـاعي الفن

معين، ويساهم الخيال وهو عنصر جوهري في الفن في جعل

كن الفن يحتفظ باستقالل نسبي عن الواقع، بمعنى أن الفنان يم

أن يعيد بناء عناصر الواقع المادي بهدف إبـراز عناصـر

فيه أو نقده أو الحلم بعالم جديد، وهذا الطابع الخـاص للفـن

. يجعله متمايزا عن األيديولوجيا وإن كان ال ينفي تأثره بها

- ٥٠ -

ألن الطبيعة النوعية ؛ أكثر رحابة من األيديولوجيا والفن

واقـع، وأكثـر قـدرة للعمل الفني تجعله مسـتقال عـن ال

على التحرر من أسره وشروطه، بينما األيديولوجيا مرتبطة

بالسلوك في وسط اجتماعي معين، وقد أوضح هـذه النقطـة

الفيلسوف األلماني برجين هابرماس حين أوضـح أن الفـرد

ك في الواقع االجتماعي وفقا لمصلحته ولـيس وفـق يتحر

نا الفرق بين األيـديولوجيا د ل وبذلك حد ؛ما يمليه عليه وعيه

والوعي، فالوعي يمكن أن يكون متحررا من أسـر الواقـع

وشروطه فيمكن علـى مسـتوى الـوعي أن ننـاقش كـل

الموضوعات حتى تلك التي تتناقض مـع الواقـع أو تنكـر

واقـع خصائصه الجوهرية، بينما في سلوكنا نلتزم بشروط ال

عيش فـي وسـط ألن الفرد ي ؛والمصلحة الفردية والجماعية

اجتماعي وغير معزول عن العالم الواقعي، وهـذا السـلوك

الذي يرتبط بالمصلحة فـي صـورتها النفعيـة المباشـرة

؛ر عن األيديولوجيا أو المصلحة السياسية الحزبية هو ما يعب

لذلك يستخدم اإلنسان اللغة بشكل مختلف في حياته اليوميـة

لفن تتاح للفنـان الفرصـة د األيديولوجيا بينما في ا التي تجس

مها في عالقات جديـدة، لكي يتأمل اللغة التي يستخدمها ويقد

- ٥١ -

وإذا كانت حدود األيديولوجيا تتمثل في حدود الممكن الواقعي

والسياسي الذي تمليه المصلحة المباشرة وغير المباشرة، فإن

ل في حدود وممكنات المادة الوسـيطة التـي حدود الفن تتمث

ما كان الفنـان الفنان في إنتاج عمله الفني، التي كل يستخدمها

على علم بقوانين المـادة الوسـيطة وخفاياهـا كـان أقـدر

على التعبير عن موضوعات يصعب التعبير عنها من خالل

طابع المستقل للغة العمل الفني هـو هذا الوسيط المادي، وال

ريبـة ما يساهم في حرية الفنان، فاللغة الفنية مهما كانـت ق

من العالم الواقعي فهي ال تتطابق معه وليست بـديال عنـه،

وهي تؤدي مهمة أخرى ذات طابع مستقل، والمثال على ذلك

في االستخدام اليومي بوصفها فاكهـة تؤكـل، " البرتقالة"أن

وهذا االختالف في اللغة بين الفن والحياة اليومية يبين طبيعة

.االختالف بين الفن واأليديولوجيا

هـي المـدخل " مسألة التكنولوجيا "تعتبر دراسة هيدجر

؛القة بين االسـتطيقا والتكنولوجيـا الطبيعي للحديث عن الع

ألنه يبين فيها أن انفتاح الوجـود اإلنسـاني علـى ماهيـة

التكنولوجيا هو فعل جمالي، ونمـط مـن أنمـاط الكشـف

)Techne(ة مـن ألن كلمة التكنولوجيا مستمد ؛عن الحقيقة

- ٥٢ -

باليونانية وهي كلمة ال تشير إلى عمل الحرفي وفنه فحسب،

بل تشير إلى الفن بالمعنى الرفيع للكلمة والفنـون الجميلـة،

ل التكنولوجيا جزءا من اإلنتاج، واإلنتاج هو استحضار وتشك

الشيء من حالة االحتجاب إلى حالـة االنكشـاف، ويشـير

ارتبطـت تى عصر أفالطـون هيدجر إلى أن كلمة تقنية ح

هذا يعني أن التكنولوجيـا تشـير إلـى طريقـة ؛بكلمة علم

ـ في المعرفة، واإلنسان يتعر ز ف إلى ذاته في الشيء، ويمي

أرسطو بين العلم والتقنية وذلك بالنظر إلى ما يكشـف كـل

لكشـف لمنهما وأسلوب كشفه، والتقنية هي أسلوب إظهـار،

لتكنولوجيـا تشـير هذا يعني أن ا "عما ال ينتج ذاته بذاته، و

إلى الفن الذي يكشف عن الحقيقة فيما يتجلى، وإحداث الحق

ن أن التكنولوجيا في جوهرها عمل فني ، وهذا يبي "في الجميل

. وأنطولوجي

دة الوسـيطة ترتبط االستطيقا بالتكنولوجيا من خالل الما

ألن االستطيقا تهتم بتحليـل الطبيعـة ؛التي يستخدمها الفنان

للمادة الوسيطة ودورها في تشكيل العمـل الفنـي، النوعية

م لنا األدوات التي تجعل المادة الوسيطة أكثر والتكنولوجيا تقد

علم الجمال بتحليل طبيعة الوسيط طواعية في يد الفنان، اهتم

- ٥٣ -

الجمالي في كل فن على حـدة، فـاهتم بتحليـل الصـوت

يعة العالقة في الموسيقى، وتحليل اللغة في األدب، وتحليل طب

بين الكتلة والفراغ في فن العمارة، ومن الذين اهتموا بدراسة

المادة ودورها في اإلبداع اللغوي وربط في دراسته بين الفن

ن أن الشـاعر حيـث بـي " ميخائيـل بـاختين "والتكنولوجيا

أو القاص يكسب المادة الصبغة الجمالية من خـالل التقنيـة

الفني، وهو يرى أن الطبيعـة التي يستخدمها في بناء عمله

العلمية الخالصة للمادة ال تدخل فـي الموضـوع الجمـالي،

وما يدخل في العمل الفني هو تقنية المادة وعالقاتها الداخلية

وليس طبيعتها الخارجية التي تكتسب طبيعة خاصة بها داخل

العمل الفني، ويقصد باختين بالتقنية في العمـل الفنـي كـل

إلنشاء العمل الفني في معطياتـه العلميـة ما هو ضروري

والطبيعية بحيث يثير االنطباع الفني، ويمكـن أن نضـرب

ا هن أن مثاال على ذلك فنبيا جماليال يمكن أن تترك فينا انطباع

دناها من النسق النحوي والصرفي والداللي، واكتفينـا إذا جر

عمـل بتأملها بوصفها مجرد خطوط بصرية، فالمادة فـي ال

الفني ال تكتسب حضورها من تحليلهـا الفيزيـائي، ولكـن

- ٥٤ -

من خالل الشكل الفني وعالقاتها الداخلية التـي تثيـر فينـا

. معاني ومشاعر جمالية

مت التكنولوجيا للفن أشـياء عديـدة، فقـد سـاهمت قد

ر عمليات الطباعة والنسخ للشرائط الموسيقية عن طريق تطو

ن جماهيريا، ولم يعد نخبويا مقتصرا والسينمائية أن أصبح الف

همت على فئة قليلة من أفراد المجتمع اإلنسـاني، وقـد سـا

سـاهمت : أولهمـا : مـرين أالتكنولوجيا في ذلك عن طريق

ـ ب عليـه التكنولوجيا في رفع مستوى المعيشـة ممـا ترت

من إيجاد فائض من الوقت والمال الستخدامهما في اإلقبـال

ألن النــاس ال يقبلــون ؛ة وتــذوقهاعمــال الفنيــعلــى األ

بعد الوفـاء بمتطلبـاتهم األساسـية، على األعمال الفنية إال

أن يجدوا الوقت الكافي لالهتمـام بالهوايـات الفنيـة بعد و

ى هذا لزيادة نسخ العمل الفنـي وانتشـاره والثقافية، وقد أد

من خالل انتشار أدوات العرض واالستماع، وزيـادة عـدد

ض من الكتب واللوحات وغيرها من األعمال الفنيـة المعرو

بفكرة استنسـاخ بأثمان يمكن أن يقبل عليها الناس، وقد اهتم

وهو أحـد " والتر بنيامين "العمل الفني واآلثار المترتبة عليه

: وثانيهما ،علماء الجمال الذي ينتمي إلى مدرسة فرانكفورت

- ٥٥ -

يدة كوسائط جماليـة، المواد الجد بدت التكنولوجيا الفنانين زو

وقد أصبح الفنان يعتمد على التكنولوجيا في الحصول علـى

. األصباغ والمواد التي كان يقوم بصناعتها بنفسه

ونتيجة لهذا ظهرت بعض االتجاهات الفنية التي تجمـع

ــاو هــاوس ــا والفــن مثــل حركــة الب ــين التكنولوجي ب

The bau haus movement التـي بـدأت فـي ألمانيـا

هدفت الجمع بـين الفـن والتكنولوجيـا بقصـد إنتـاج واست

موضوعات وظيفية وجميلة للحياة المعاصرة، ويظهر هـذا

االتجاه في كثير من األعمال الفنية في العمارة وفي المنتجات

،المستخدمة في الحياة اليومية مثل صناعة األثاث والنسـيج

وأصبحت هناك عناصر جمالية في صميم التكنولوجيا ذاتهـا

وجمعت كثير من المنتجات التكنولوجية بين قـيم التناسـب

والتنوع والحركة واإليقاع، وبدأت تظهر كثيـر مـن اآلالت

. تصميمها على مراعاة أبعاد الجمالالتي يدل

إذا كانت التكنولوجيا المعاصرة قد أضـافت إمكانيـات

جديدة لإلنسان لم تكن موجودة مـن قبـل، ممـا ضـاعف

جديـدة ا على اإلبداع الفني، وأضافت فنون من قدرة اإلنسان

لم تكن موجودة من قبل مثل فن السينما الذي يعتبر من إنتاج

- ٥٦ -

جديدة لعرض األعمال الفنيـة وأضافت أجهزة ،التكنولوجيا

يفزيون والحاسب اآللي، وساهمت األدوات الجديـدة لالتمثل

ى هـذا في اكتشاف صور وأشكال مـن الجمـال بـل وأد

قيم جمالية جديدة لم تكن موجودة في الحضـارات الستحداث

. القديمة والعصور السابقة

ر الفن من كافة القيـود المتوارثـة وساهم هذا في تحر

ى هذا إلى ظهـور رؤى وأد ؛عن التراث الكالسيكي السابق

ر الفن بالعلم الحديث والتكنولوجيا جديدة للواقع والحياة، وتأث

ره للمكان مما في تصور من طبيعة الفنون المكانية بعـد غي

إضافة الزمان كبعد رابع للمكان، فأصـبح المكـان يفـيض

ى هـذا لظهـور وأد،بالحركة وينطلق بالقوى واإلمكانيـات

النحت الفضائي الذي يعتمد على أهمية الفراغ فـي تشـكيل

. عالقات مختلفة مع الكتلة، وأضيفت مواد جديدة

اهتمـت بالبحـث التي وظهرت بعض المدارس الفنية

" الباو هـاوس "عن العالقة القوية بين التكنولوجيا والفن مثل

Bouhaus اعتبار أي منـتج صـناعي التي ذهبت إلى حد

عن سائر منتجـات الفنـون يمكن أن يكون عمال فنيا ال يقل

قة تشبه نت أن التكنولوجيا ذاتها هي محاولة خال الجميلة، وبي

- ٥٧ -

ويتضح هذا في األدوات ،والموسيقار واألديب محاولة الفنان

التي يستخدمها اإلنسان لمتعتـه الشخصـية، والتكنولوجيـا

في تصميمها لآلالت تعتمد على الخيال والقـدرة اإلبداعيـة

والحساسية والمهارة، ويستخدم التكنولوجي مواد وسيطة مثل

الزجاج والخرسانة والدوائر الكهربية مثلما يسـتخدم الفنـان

نت هذه المدرسة أيضا لتعبير بالكلمات والصوت واللون، وبي ا

حاجة الصناعة إلى التصميم الجمالي، وساهمت هذه المدرسة

نية مثل الحركـة المسـتقبلية فالفنية وغيرها من المدارس ال

اعتبار اآللة هي أداة مستخدمة في الفن مثل الفرشاة لدى في

و ؛رالمصوج اآللي في الفن له نفـس ى هذا العتبار اإلنتا أد

النظر إلى اآللة على أنهـا القيمة لإلنتاج اليدوي، وأصبح يتم

النظر للحاسب اآللي على أنـه امتداد لليد اإلنسانية مثلما يتم

ى هذا إلى تقدير القيم الجمالية امتداد للوعي اإلنساني، وقد أد

التـي للمنتجات الصناعية، وال يتم استبعاد األعمال الفنيـة

ى هـذا وقـد أد ،يستخدم الفنان الحاسب اآللي في إنتاجهـا

لظهور فروع جديدة من علم الجمـال أو االسـتطيقا مثـل

بدراسـة الذي يهـتمaesthetics machine استطيقا اآللة

. جماليات اآللة

- ٥٨ -

ظهرت بعـض القـيم الجماليـة الجديـدة المرتبطـة

ــة ــل الدق ــة مث ــياprecisionبالتكنولوجي بية واالنس

flawlessness ــاطة ــاد Simplicity والبسـ واالقتصـ

economy رت من بعض القيم الجمالية مثل االنسـجام وغي

والتوازن والتناسب، وجعلت من الممكن صياغة أعمال فنية

تعتمد على خلق صور جديدة تقوم على الطابع السلبي لهـذه

القيم مثل التعارض والتنافر وعدم وجود مركز واحد للعمـل

لفني، كما تظهر في فن ما بعد الحداثة التي ترتكز إلى قـيم ا

ما بعد "مغايرة للقيم التقليدية، وقد أشار إيهاب حسن في كتابه

. ز فنون ما بعد الحداثةإلى السمات التي تمي" الحداثة

ت القيم الجماليـة الجديـدة ألن التكنولوجيـا لدخوقد أ

دت وسيطة فمثال جـر ساهمت في تغيير النظرة إلى المادة ال

المادة من القيم العاطفية واالقتصادية التي ليست لها عالقـة

فـي نبالشكل الجمالي، وأصبح البرونز والحديد يسـتخدما

صنعها من خالل معـدن إنتاج أشكال لم يكن متاحا من قبل

ولهذا ساهمت في تركيز االهتمام بالمـادة الوسـيطة ؛الذهب

جتماعية لها، ونالحـظ هـذا فـي دون االهتمام بالداللة اال

استخدام مواد رخيصة وعادية في صناعة أدوات الزينة التي

- ٥٩ -

ى هـذا كانت تستخدم فيها المواد النادرة والغالية الثمن، وأد

إلى إدراك حقيقة أن الشكل المناسب جماليا حتى فـي أدوات

زينة الجسد اإلنساني ليس له عالقة بالندرة أو الكلفة ولكـن

. باللون والشكل والخط والنسيج والرمزيرتبط

بين اتجاهين وقد ساهمت التكنولوجيا في وجود صراع

ـا جماليين، أحدهما يرى في التفرد والنـدرة والـذوق أسس

لإلنتاج الجمالي لآللة، واآلخر يـرى أن األشـكال الجديـدة

ا جمالية ال تعتمد على التفـرالنـدرة والـذوق و دتعكس قيم

لة من البشر، وإنمـا تعتمـد علـى اإلنتـاج لمجموعة ضئي

الجماعي، وقد انتصر االتجاه الجمالي الثاني في إنتاج مالبس

فا قر بقيم جمالية لمجموع البشر وليست و بسيطة وعملية وتبش

تجاه أن المغاالة في المالبس على طبقة معينة، ويبين هذا اال

ا هو غائب بثقة متزايدة على م مة على سبيل المثال يدل الفخ

. أكثر من جذب االهتمام لما هو حاضر في اإلنسان

ساهمت التكنولوجيا أيضا في تعمـيم اإلنتـاج وعـدم

ارتباطه بفئة معينة، وأصبحت النتيجة أننـا ال نسـتطيع أن

نتقبل فكريا الفوائد العملية لآللـة دون أن نتقبـل أوامرهـا

يات اإلنسانية، األخالقية وأشكالها الجمالية ما دامت تحقق الغا

- ٦٠ -

وأصبح التمييز بين العمل الفني والعمل الصناعي يرجع إلى

ذلك ألن التداخل ؛نظرتنا نحن له، وقدرتنا على التفرقة بينها

بينهما أصبح كبيرا بفضل التكنولوجيا التي تسعى إلى إطالق

اإلمكانات العضوية لإلنسان، مما ساهم في تشـكيل طـرق

ودة من قبل مثل الجرافيك وغيرها جديدة للتعبير لم تكن موج

وسـاهمت ،ر التكنولوجيـا من الفنـون المرتبطـة بتطـو

ة جديـدة مـن خـالل تكنولوجيـا التكنولوجيا في إيجاد بيئ

ى إلى ظاهرة اسـتحواذ مما أد ؛وات االتصال دالمعلومات وأ

ااألشياء على الناس حتى بمعزل عن أدائها العملي، ألن كثير

ميل إلى ذلك اإلحساس بالموازنـة بـين من األدوات اآلن ت

وتقترب اآللة بـذلك مـن ،الحافز الداخلي والبيئة الخارجية

سمات العمل الفني، لقـد تغلغلـت األدوات التـي تنتجهـا

التكنولوجيا في حياتنا إلى درجة أنها أصبحت تمثل األسـاس

للفن، فالفنان المعاصر محاط بهذه المنتجات مثلما كان الفنان

وأصبحت األدوات تعكـس مفـاهيم ،محاطا بالطبيعة القديم

اإلنسان ومشاعره وحلت مكـان الطبيعـة الخارجيـة فـي

العصور القديمة، وتقترب التكنولوجيا بـذلك مـن الجمـال

الحيوي وذلك من خالل التأكيد علـى االسـتيعاب الجمـالي

- ٦١ -

اإلنساني لآللة، ليس ألنها مجرد أداة للفعل العملي وإنما ألنها

. أسلوبا في الحياةتمثل

ث عن التغيير الجوهري الذي أحدثتـه ال يمكن أن نتحد

ألن كـل فـن يحتـاج ؛نولوجيا في الفنون المختلفة كلها التك

دراسة خاصة، وسنكتفي هنا بالحديث عن أثـر التكنولوجيـا

على األدب، رغم أن األدب قد يبـدو أبعـد الفنـون تـأثرا

أنه ر التكنولوجي، إال بالتطو ى قـد تـأثر بشـكل كبيـر أد

إلى ظهور الـنص ع المتعـدد المسـتويات أو الـذي يتفـر

قطلإلى فروع عديدة وي عليه الـنص ع المفـرHypertext

الفائق أو النص ، وي قصد به النص تقديمـه عبـر الذي يـتم

،أدوات االتصال المعاصرة مثل الحاسب اآللـي واإلنترنـت

تقديم ويتم من خالل الوسائط المتعددة مثـل الصـوت النص

ـ رت والصورة ومختلف التأثيرات السمعية والبصـرية، وغي

طبيعة النص الجديد من طبيعة المرجعية في األدب فأصـبح

األديب يتحدث عن واقع افتراضي ويتجه إلى قارئ من نوع

خاص، وتعتبر دراسة الدكتور حسام الخطيب هي الدراسـة

حاولت دراسة العالقة بين األدب والتكنولوجيـا الرائدة التي

- ٦٢ -

من خالل تحليل ظاهرة النص ث وجوده حدستع الذي ا المفر

. مع الثورة التكنولوجية والمعلوماتية

سـيما علـى رت التكنولوجيا على األدب، وال كيف أث

ي التكنولوجيا إلـى عملية الكتابة ذاتها؟ وكيف يمكن أن تؤد

ل فيه، األدبية وبنيتها وشكلها المادي الذي تتمث ر الظاهرة تغي

وهو الكتابة؟

إن إدخال التكنولوجيا على عمليـة الكتابـة، وظهـور

ما يسم ى بالكتاب اإللكتروني، الذي يقد مـن خـالل م النص

وسائط مصاحبة، جعلت بعض األدباء يقد الـذي مون النص

الـذي أي الـنص يعتمد في تلقيه على الوسائط المتعـددة،

يتضم التكـويني ن الكتابة والصورة والحركة، وهو الـنص

ع، وهذا ال يعني مجرد تغيير في األداة التي يستخدمها المفر

ر من طبيعة األدب ذاته، فلـم تعـد ب، وإنما يغي حساألديب ف

اللغة هي أداته فحسب وإنما أضيفت إليها تجسيدات ومؤثرات

ي هذا إلى عمليـة مما قد يؤد ؛باألدبجديدة لم تكن مرتبطة

تثوير جذرية لإلنتاج األدبي مـن ناحيـة الدراسـة والنقـد

. واإلبداع أيضا

- ٦٣ -

علـى بالتكنولوجيـا " االستطيقا"و" ة الجمال فلسف"ترتبط

ر الجمال وصـورة الفـن ألن تصو ؛نحو يثير قضايا كثيرة

ريخيـة في مجتمع ما مرتبط بأسلوب الحياة السائد في فترة تا

د في األدوات التكنولوجية التـي ما، ألن أسلوب الحياة يتجس

ولـذلك فـإن األحكـام ؛يستخدمها اإلنسان في إنتاج حياته

الجمالية واألخالقية واالجتماعية تصبح ذات عالقة متبادلـة

ت بدراسـة العالقـة فيما بينها، وهناك دراسات عديدة اهتم

وار الفـن وأدوار نشـأة رات الجمال وأط المتبادلة بين تصو

المجتمعات ضمن االهتمـام بدراسـة العالقـة بـين الفـن

والمجتمع، أو الفن والثقافة، ونجد هذه الدراسات فـي علـم

االجتماع، والفلسفة، والنقد األدبـي، ونظريـات االتصـال،

والتداولية، وعلوم التأويل، والدراسات المسـتقبلية وغيرهـا

سة الفن والتكنولوجيا بوصـفهما ت بدرا من العلوم التي اهتم

يرى أن تأريخ الفـن " بيوجين"تعبيرا عن تاريخ العالم، فنجد

المعماري هو تأريخ العالم على أساس أن العمارة تجمع بين

الفن والتكنولوجيا، وبالغ في ربطه بين العمـارة وأسـلوب

د أن إحياء أسلوب معين يـرتبط بإحيـاء الحياة حتى أنه أك

؛اة الذي انبثق منـه األسـلوب أصـال لوب الحي الشعور وأس

- ٦٤ -

فـي مرحلـة نسـتخدما وهكذا أصبح الفن والتكنولوجيـا ي

من المراحل للحكم على نوع المجتمع الذي أفرز ذلك الفـن

وتلك التكنولوجيا، ولكن اآلن تغير الوضع وأصبحت السيادة

ر على مختلـف نـواحي الحيـاة وأصبحت تؤث ،للتكنولوجيا

ن لنا ذلك من البحثكما سيتبي .

لوجيـا وويهدف هذا البحث إلى دراسة العالقة بين التكن

فالعالقة بينهما ليست ؛رت عبر التاريخ واالستطيقا، والتي تغي

رت عبـر مراحـل التـاريخ الحضـاري وإنما تطو ،مطلقة

من العالقة بين الجمال والتكنولوجيا إلى تـأثير التكنولوجيـا

ة التـي يسـتخدمها اإلنسـان إلـى أن على الوسائط الجمالي

أصبحت التكنولوجيا ليست أداة فحسب وإنما موضوع للعمل

الفني، وحدثت ثورة في طبيعة التلقي الجمالي حتى أصـبح

هناك ما يمكن تسميته بعلم الجمال التكنولوجي أو االسـتطيقا

بدراسة أثر التكنولوجيا على الفن وعلـى العمليـة التي تهتم

ى هذا إلى تجـاوز دراسـات عديـدة ذاتها، وقد أد اإلبداعية

تتناول العالقة بينهما بشكل عام ومطلق وثابـت بينمـا فـي

حقيقة األمر تعتبر هذه الدراسات الكالسـيكية هـي دراسـة

ر الوعي الجمالي وتجلياته في ميادين شتى، وقد سـاهم لتطو

- ٦٥ -

ألمر في سيادة هذه النظرة أن اليونانيين لم يفرقوا في بداية ا

وكانت تطلـق كلمـة فـن ،بين الفنون والصناعات الحرفية

"Ars " باليونانية على كـل األعمـال ذات الطـابع اليـدوي

بـين الفـن والصناعي، ففي البداية كـان هنـاك تـداخل

ستوالتكنولوجيا، وكان المصطلح الذي يم للتعبير عن ذلك خد

وهو مصطلح يوناني يربط الجمـال " Kalokagathia"هو

فيزيائي بالجمال المعنـوي، قـد أشـار إليـه أفالطـون ال

الكبرى، حيث حاول أفالطون تعريـف "هيبياس"في محاورة

، وربط هادف غايته تحقيق النفع أو الخير الجمال بأنه جمال

بين الجمال والخير بينما دعا السفسطائيون إلى المبدأ الحسي

ذة الحسية دوا بين الجمال وبين الل في فلسفة الجمال حيث وح

واعتمدوا في فنونهم على إثارة الخيـال وخـداع الحـواس،

السفسـطائية قد استفاد الفنان المعاصر مـن وجهـة نظـر

في اعتماده على ما تثيره المادة الوسيطة التـي يسـتخدمها،

بينما نجد الفيثاغوريين قد ربطوا بين الفـن والعلـم كنسـق

لجمال الفني رياضي حيث ذهب الفيثاغوريون في تفسيرهم ل

على أساس الصيغ الرياضية، والنسب الهندسـية المفسـرة

لطبيعة الموجودات، وكـان لفـن الموسـيقى علـى وجـه

- ٦٦ -

ألنهـم ؛ألهمية البالغة فـي توضـيح النظريـة الخصوص ا

اعتمدوا على الرياضيات في تفسـيرهم للـنغم الموسـيقي،

تلفة وتنبهنا النظرية الفيثاغورية إلى أن عالقة الفن بالعلم مخ

ي كتابه عن عالقة الفن بالتكنولوجيا، وقد أشار توماس كون ف

لى التشابه بين العلم والفن من حيـث إ" بنية الثورات العلمية "

ل كل منهما نسقا قائما بذاته، ال يهدف إلى تحقيق منـافع يشك

ولهذا ال بـد ؛ في الواقع الفعلي الذي نحيا فيه عملية مباشرة

ين دراسة العالقة بين الفن والتكنولوجيا، أن ننبه إلى الخلط ب

ودراسة العالقة بين الفن والعلم، فكل منهما دراسة منفصـلة

عن األخرى، وعلى الرغم من استفادة التكنولوجيا من العلـم

ز عنه، وهناك نقطة أخرى ينبغي اإلشـارة فإنها نشاط متمي

إليها وهي أن مصطلح التكنولوجيا ليست له داللـة واحـدة

ت التكنولوجيـا طوال التاريخ الحضاري للبشرية، فقد مـر

ـ بمراحل أو موجات من التطو رت معهـا طبيعتهـا، ر تغي

والتكنولوجيا في العصور القديمة مختلفة عـن التكنولوجيـا

ناعي والعصر الحالي الـذي شـهد ثـورة في العصر الص

بالمعنى الحقيقي وليس المجازي فـي مجـال التكنولوجيـا،

بفلسـفة ةأيضا إلى أن فلسفة الجمال مرتبط وال بد أن نشير

- ٦٧ -

الحضارة اإلنسانية، بينما االستطيقا كمبحث فلسـفي يـدرس

الجمال الفني الذي يمكن إدراكه من خالل الحـواس، وهـي

. دولوجيا من فلسفة الجمال بمفهومه المجربذلك أقرب للتكن

ترتبط التكنولوجيا بمختلف مجاالت النشـاط اإلنسـاني

ذلك ألن األدوات التي تنتجها التكنولوجيا هـي ؛بما فيها الفن

ر من خاللها في تأديـة وإشـباع الحاجـات األداة التي نفك

اإلنسانية، ويعكس تطو ي، ال ر التفكير اإلنسان ر األدوات تطو

سيما في عصرنا الحالي حيث تحتل األدوات مكانة مركزيـة

ل الطب المعاصر مثال بدون في الحياة اليومية، فال يمكن تخي

األدوات التكنولوجية الحديثـة التـي تتـيح قـدرات أكبـر

وكذلك فإن الحاسوب لم يعد مجـرد ،في التشخيص والعالج

وأداة للبحـث للـوعي اإلنسـاني اأداة، لكن يعتبر امتـداد

في الممكنات المحتملة عند دراسة موضـوع مـا، ويمكـن

أن نطلق حكما عاما إن اإلنسان في عصرنا الحـالي يفكـر

ـ م هـذه األدوات من خالل األدوات، ويصل األمر إلى تحك

في صياغة صورة الحياة وتشكيل الوجـود اإلنسـاني، فقـد

وات االتصـال رت طبيعة التواصل اإلنساني من خالل أد تغي

صت من التواصـل بت األماكن البعيدة بين البشر وقل التي قر

- ٦٨ -

وقد ربط كثير مـن البـاحثين فـي العلـوم ،الحي المباشر

اإلنسانية واالجتماعية بين التكنولوجيا والمجتمع، ويظهر هذا

ألنها تعكـس العالقـة ؛بشكل واضح في الفن أو االستطيقا

. ثقافةالمتبادلة بين التكنولوجيا وال

وإذا تساءلنا عن العالقة بين التكنولوجيـا ومـا تنتجـه

من آالت والجمال الفني وهو موضوع االستطيقا فهذا يقتضي

أن نقد من هذه العالقـة التـي م تعريفا للجمال الفني مستمد

تطو ألن هناك تعريفات عديدة ؛ر التكنولوجيا رت نتيجة لتطو

ة األجسام الخارجية، سـواء للجمال، فالجمال قد يكون صور

كانت هذه الصورة موجودة في حجر أو زهـرة أو حيـوان

فـي صـورته المثاليـة م الجمـال أو إنسان وهـي تقـد ،

آخر للجمال وهو صفة تطلق علـى األشـياء وهناك تعريف

التي تشيع البهجة والراحة في حياة اإلنسان وهو ما ي ى سـم

يسكنه هـو ن البهجة فيم الجمال الحيوي، فالمسكن الذي يشع

تجسيد للعمارة التي تعكس الجمال الحيـوي، والتكنولوجيـا

ـا، ار باتجاه الجم كانت تطول المثالي في تصميم العـالم فني

البهجة فـي حيـاة وأضيف إليه الجمال الحيوي الذي يشيع

ولذلك اتخذت التكنولوجيا من معيار الكمال ؛اإلنسان الشاملة

- ٦٩ -

مثل الحرص على قيم التناسـب (ل الفنية المطلق في األعما

ومعالم البهجة والكمـال عنـد ) والتوازن واالنسجام واإليقاع

ولهـذا فـإن فكـرة ؛ن مثال أعلى لإلنتاج التكنولوجي اإلنسا

الجمال أو الصدق أصبحت تحتل مكانة هامة فـي التفكيـر

التكنولوجي، ويرتبط النقد الفني والنقد االجتماعي لما تنتجـه

ر من اآلخر، نولوجيا بروابط أساسية ألن أحدهما ال يتحر التك

وألن كليهما يعتبر تطبيقا عمليا الرتباط الفـن والتكنولوجيـا

. بالمجتمع اإلنساني

وتوجد دراسات عديدة عن التكنولوجيا وعالقاتها بعلـم

ع منها مباحث جديدة مثل االسـتطيقا الطبيـة الجمال، وتتفر

Aesthetic medicine،ــتطيقا اآلالت Aesthetic واس

machine وغيرها من التطبيقات التي تربط بـين الجمـال

. ومختلف أدوات التكنولوجيا

ـ ب علـى وتعتبر التكعيبية هي أول مدرسة فنيـة تتغل

ن التكعيبيون الترابط الشائع بين القبيح وما هو ميكانيكي، وبي

قضـوا بالتـالي و ؛لجمال يمكن تقديمه من خالل اآللـة أن ا

على االستقالل الذي كان يفصل بـين الفـن والتكنولوجيـا،

. وأصبحت اآلالت الميكانيكية رمزا وشكال في األعمال الفنية

- ٧٠ -

ومن أبرز من بدراسة العالقـة بـين االسـتطيقا اهتم

، فـدرس Lewis Mum Ford دمم فوروالتكنولوجيا لويس

: ماعية مثـل هذه العالقة واستقصى جذورها الفلسفية واالجت

من خالل ) ١٩٣٨(وثقافة المدن ) ١٩٣٦(التقنية والحضارة

تحليل الداللة الثقافية لألساليب المعمارية، والفـن والتقنيـة

فـورد ويـرى مـم ). ١٩٦٧(وأسطورة اآللـة ) ١٩٥٢(

أن السبب الرئيس لكل اآلفات االجتماعية المعاصـرة هـو

بشري التي تهـدد الفجوة المتزايدة بين التكنولوجيا والجنس ال

بالعبودية لآلليـة ذات الطـابع البشرية في المستقبل القريب

ن التكنولوجيا بصـورتها الراهنـة تـؤدي إالإلنساني، أي

ف العقالنيـة إلى صـياغة التركيـب االجتمـاعي المتطـر

ب ذلك بإمكانيـة اتحـاد والتكنوقراطية، ويرى أنه يمكن تجن

ة، ويـرى أن الفـن يمكـن ر بين الفن وتكنولوجيا اآلل متطو

أن يثري اآللة، واآللة يمكن أن تتخذ طابعا إنسانيا من خالل

الفن، وفي كتابه الفن والحضـارة يرصـد ثـالث مراحـل

والتقنيـة ،للتكنولوجيا هي فجر التقنيـة، والتقنيـة القديمـة

ويشير إلى مرحلة رابعـة هـي التقنيـة الحيويـة ،الحديثة

Biotech ادتها فـي المرحلـة الحاليـة ، والتي يتنبـأ بسـي

- ٧١ -

فورد في السيطرة على اإلنتـاج التكنولـوجي وفيها يأمل مم

بواسطة التخطيط االجتماعي واإلنساني، ووصـول العلـوم

. البيولوجية واالجتماعية إلى النضج

ويبي ن أن االستيعاب الجمالي لآللة قد مر ة مراحل، بعد

ذي كان سائدا في كل وهذه المراحل مرتبطة بمفهوم الجمال ال

تها مرحة ثقافية، فاآللة هي أداة أو وسيلة وليست غاية في ذا

ع فهـي تتميـز بـالتنو ؛كما هو الحال في العمـل الفنـي

فيمكن أن تستخدم اآللـة لتزييـف ،واالحتماالت المتضاربة

أشكال فنية قديمة، ويمكن أيضا أن تستخدم بحكـم مزاياهـا

نسـانية اإلل جديدة في التجربة الخاصة لتركيز وتكثيف أشكا

والتعبير عنها، فاآللة امتداد لحـواس اإلنسـان، وال يمكـن

يكـون أن تقوم مقام الحواس، فالميكروسكوب اإللكترونـي

ولهذا فإن المعدات الميكانيكيـة ؛عديم األهمية لفاقدي البصر

تعتمد في نجاحها على مدى تناسبها مع إمكانـات اإلنسـان

ة التي تكمـن وراء اسـتخدامها، واآللـة العضوية والوظيف

، التجربـة العضـوية لإلنســان ال يمكـن أن تحـل محـل

اآلالت الموسيقية المعاصرة ذات وعلى سبيل المثال نجد أن

القدرات التكنولوجية العالية ال يمكن أن تكـون لهـا قيمـة

- ٧٢ -

ما لم يستطع اإلنسان توظيفها في إنتاج ألحان جميلة وتقـديم

محـل ة فريدة، والتكنولوجيا في الفنون ال تحـل تجارب فني

اإلنسان، كما يحدث في التقنية الصناعية، حيث يـتم إنتـاج

األدوات والمنتجات المختلفة وفق برنـامج خـاص يضـعه

ـ ى اإلنسان مما يجعـل اآلالت تعمـل بشـكل ذاتـي وتتخل

عن الحضور اإلنساني، بينما في الفن نجد اآللة توس ق ع وتعم

ظائف وقدرات اإلنسان مثلما نجـد أن اسـتخدام الكـاميرا و

د تساعد الفنان في الكشف عن الجوانب الخفيـة امتعددة األبع

في الطبيعة، ولكن إذا ترك اإلنسان اآللة تعمل دون توجيـه

ألنـه ال يمكـن ؛واختيار وإبداع، فإنها تقوده إلى االنحطاط

تلغـي وظيفـة ر وحدها عن التجربة الجمالية، أي ال أن تعب

تلغـي الفنان في اإلبداع الفني مثلما نريد مـن السـيارة إال

من اإلنسان إحدى وظائفه األساسية وهي القدرة على المشي،

ويمكن لآلالت ،رغم أنها قادرة على نقله من مكان إلى آخر

أن تنتج فنا نمطيا، ويمكن التغلب على هذه العقبة باسـتيعاب

، وذلـك بتقلـيص قـدرتها الشـاملة واعاآللة جماليا بشكل

فال يكون إنتاج العمل الفني في جوهره آليا فحسـب، وإنمـا

د بين التكنولوجيا والفـن فـي وحـدة يحاول الفنان أن يوح

- ٧٣ -

إيقاعية أكثر سموا، وذلك من خالل التهذيب الواعي لفنـون

ألنه ال بد للفـن ؛ االنتخاب المتزايد في استخدامها اآللة ومن

يعتبر اآللة وسيلة لتقديم التجربة العميقة واآلنيـة للحيـاة أن

نفسها، فاآللة يمكن أن تكون وسيلة لتعميق الرؤية والشـعور

ح الحواس على العالم من خالل تكثيف األشكال الجديـدة وتفت

في التجربة اإلنسانية، ويمكن أن نالحظ هـذا بشـكل جيـد

ر الضـوء صـو في فن السينما حين يستخدم الفنـان أو الم

ا يجعـل في التعبير عن مشاعر تبلغ من الدقة والرهافة حـد

من الصورة السينمائية نوعا من الموسيقى، واآللـة وحـدها

؛حقيقية بدون استخدام اإلنسان لهـا م إضافة ال يمكن أن تقد

ربطهـا بثـراء بقدر ما ن فهي جامدة وخرساء وتضيف إلينا

ــة ــانية والوظيف ــة اإلنس ــوم التجرب ــن أن تق ــي يمك الت

والتكنولوجيا في جوهر نشأتها كانت مرتبطة بالوظيفـة ،بها

يها وهذا ما يجسد إسهامها الثقافي حيث كان ما هـو التي تؤد

. جميل يرتبط بما هو ضروري

ن وإذا استعرضنا تاريخ تصميم اآلالت التكنولوجية نتبي

ـ آلالت أنها تدريجيا تقترب من الجمال، فالصور األولـى ل

كانت تضع االعتبارات العمليـة والوظيفيـة الهـدف األول

- ٧٤ -

وكان يتم إقصاء الجانب اإلنسـاني واللمسـة ،من التصميم

المشاكل األوليـة حل الجمالية في تصميم اآللة، وبعد أن تم

التفكير في شكل اآللة لتشغيل اآللة للقيام بالوظيفة، أصبح يتم

االهتمـام باإلنسـان ووقـع وصورتها الجمالية، وأصبح يتم

تصميم اآللة على وجدانه وشعوره ونجد هذا واضحا إذا قمنا

بالمقارنة بين الصور األولى لتصـميم السـيارة والصـورة

بالشـكل الجمـالي الحالية سنجد أن الصورة الحالية تهـتم

إلى جانب االهتمام بالوظيفة، وفي بداية االهتمـام بالشـكل

زخرفة على جسـم اآللـة بعـد ال مقحنت ت الجمالي لآللة، كا

من صنعها، وتضيف أثرا مـن الخيـال اإلنسـاني االنتهاء

لنباتـات وطيـور اعليها ونجد على اآلالت األولى رسـوم

وحيوانات، وكانت تلك محاولة ألنسنة اآللة وإضـافة طـابع

زهاآخر غير الطابع الجامد الذي يمي، ر إنتـاج اآللـة وتطو

ع بين الوظيفة والشكل الجمالي، ففي التكنولوجيا وأصبح يجم

القديمة كانت الزخرفة مقحةم ض إصـرار على اآللة لتعـو

وفـي هـذه ،منتج اآللة على الوظيفة التي تؤديها فحسـب

المرحلة بالغ البعض في الزينـة مثـل زخـارف الـورود

على آالت الطباعة، والرسوم على آالت الخياطة، والمرحلة

- ٧٥ -

ة في تصميم اآللة كانت تتضمن حال وسطا بين وظيفـة الثاني

اآللة ومنظرها الجمالي ولكن المصـمم لآللـة كـان مقيـدا

بتصميم ال يضعف الكفاءة الميكانيكية لآللة، وفـي المرحلـة

ا متكامال يجمـع الثالثة حاول منتج التكنولوجيا أن يقدم تركيب

ونجد ،اني لآللة بين الفن والوظيفة بحيث يظهر الطابع اإلنس

هذا في المنتجات اليدوية التي أصبحت تميل إلـى الزخرفـة

وظهر هذا في صياغة الزجاج في أشكال جديـدة لـم تكـن

مألوفة من قبل، وفي كل مرحلة تاريخية كان الصانع يميـل

المـوروث الـديني واالجتمـاعي وإلى اسـتخدام الثقافـة

لتي يسـتخدمها في صياغة التصميم الجمالي لآللة واألدوات ا

ولهذا نجد بعض المفردات الشعبية علـى مـداخل ؛اإلنسان

ر االجتمـاعي أصـبحت البيوت والمعابد الدينية وبعد التطو

بعض المنتجات اليدوية منفصلة عن المحـيط االجتمـاعي،

فأصبحت بعض أدوات المائدة عالمة على الثراء االجتماعي

ها من المعادن وغالى الحرفيون في تجميل األدوات وصناعت

نالنفيسة التي تجعلها غير عملية في أداء الوظيفة التي صت ع

من أجلها وال يمكن انتشارها بين جميع الطبقات االجتماعية،

ف العالي في إقامة حاجز وقد ساهمت هذه األدوات ذات التكل

- ٧٦ -

عصناجتماعي، واألدوات المصنوعة من الذهب والفضة ال ت

من الحديـد جنت بها اآلالت التي ت عصن ت بنفس الطريقة التي

ر االجتماعي في القرن الثامن عشر ب على التطو وترت ؛مثال

العمل اآللي أن تراجع دور الحرف اليدوية في اإلنتاج وحل

الحرف اليدوية، وأصـبح العمـل اليـدوي مرتبطـا محل

د بالتخصص والتكثيف بينما العمل اآللي يميل إلى االقتصـا

مت اآللة في المرحلة الثالثة نوعا من التصميم وقد ،والبساطة

لة ال تمارس دورها علـى المـادة فالمخي ؛ال جديدا ل تحو يمث

الميكانيكية لآللة بعد انتهاء التصميم الفعلي كما كان في الحال

في المرحلة القديمة، وإنما أصبح الخيال منغمسا في تصـميم

ر أن العقـل كل مرحلة من مراحل التطو ونالحظ في ،اآللة

اإلنساني الذي يقوم بتصميم اآللة كان مقيدا بشـروط ثقافـة

وقـد ،المجتمع والتي تفرض نفسها عليه في تصميم اآللـة

ا لآللة أن تقوم بتأديـة تطورت النظرة إلى اآللة فلم يعد كافي

الوظيفة وإنما ال بد أن تكون ممتعـة جماليـا بالضـرورة،

ب اإلنسان على إدراك الجمال فيهـا مثلمـا مكن أن يتدر وي

؛ت حواسنا على إدراك الجمال في الطبيعة والفن ترب ى وقد أد

هذا إلى أن الخيال أصبح يقوم بدور رئيسي في تصميم اآللة

- ٧٧ -

بحيث يتم المزاوجة بين الجمال والكفاءة الوظيفية التي تقـوم

الضرورية التـي يمكـن ل للعقل الشروط بها اآللة التي تمث

ونجد هذا واضحا في تصـميم ،أن يتحقق الجمال من خاللها

ة، الطائرة على هيئة طائر النورس الذي يعكس التوازن والقو

ـ وأصبح الشكل يتبع الوظيفة ويؤك حها ويجعلهـا دها ويوض

. واقعية بالنسبة للعين

في المرحلة الحاليـة تجعـل ن أن التكنولوجيا وهذا يبي

مرتبطا بالتصميم في مراحله األولى وال يتم إقحامـه الجمال

ا تشـير على اآللة ويتمالنظر لآللة بوصفها شـكال ورمـز

إلى الحضارة والوضع اإلنساني، ولم تعد مهمة المهندس هي

تقليد أشكال الطبيعة وإنما ابتكار أشكال جديدة لم تكن مألوفة

لتصـوير مـا بعـد فن فـي ا ونجد أثر في هذا ال ،من قبل

تلك المدرسة الفنية التـي كـان لهـا إسـهامها ؛االنطباعية

الرئيسي في تطوير أشكال اآلالت، ألنها ساهمت في تحرير

ق الفن من القيم التقليدية التي كانت سائدة من خالل إلغاء التعل

امالمفرط بأشياء الطبيعة باعتبارها األساس في اهتمام الرس،

المدرسة الفنية إلى الكشف عن الجوانـب وقادت أعمال هذه

وقادت مـن جانـب ،الذاتية للمصمم في ابتكار أشكال جديدة

- ٧٨ -

وهـذا ؛آخر إلى إدراك اآللة بوصفها شـكال ورمـزا معـا

ما نجده في كثير من األعمال الفنية التي تساهم فـي تقـديم

تفسير حديث لآللة من خالل إعادة تشكيل المبـدأ الجمـالي

،و مبدأ االقتصاد في استخدام المـادة الوسـيطة الرئيسي وه

وقد قام كثير من الفنانين بالتقاط المـواد المتنوعـة البعيـدة

ولهذا نجـد ؛حظة، من خالل وجودها في كل مكان عن المال

كثيرا من األعمال الفنية عبـارة عـن ترتيـب مجموعـة

والنتيجـة بواسـطة ؛من المواد الرخيصة والجاهزة الصنع

وجذب االنتباه إلى مدى سـالمتها وكفايتهـا جماليـا ،اآللة

؛من خالل التبشير بجمالية جديدة لم تكن موجودة مـن قبـل

وهي الجمالية الحيوية أو العضوية التي ترتبط بحياة اإلنسان

هذا نتيجة للتأثر بحركة مـا بعـد ومجاله العضوي، وقد تم

ـ ا االنطباعية واكتشاف اآللة بوصفها شـكال جماليا ورمـز

ولذلك نالحظ أن التكنولوجيا المعاصرة ؛للحضارة المعاصرة

قد دمجت اآللة مع الحاجات والرغبات اإلنسـانية، والعقبـة

التي تقف أمام التطوير األكمل لآللة هو االستغالل التجـاري

ألن االسـتغالل ؛الذي يقوم بتخريب اإلبداع والذوق الجمالي

رد في إنتاج اآللة ويريد إنتـاج وع والتف التجاري يحارب التن

- ٧٩ -

ماليين القطع المتشابهة في أسـرع وقـت ممكـن، فاآللـة

د قدم قيما جمالية مختلفة عن قيم التفر في صورتها التجارية ت

نمطيـة مـن المـادة، تعمـل ا ألنها تنتج صـور ؛والندرة

ـ ،على الترسيخ لذوق جديد مختلف عن الذوق القديم ز وترك

تج ومدى صالحيته لإلنسان واستحدثت بذلك على وظيفة المن

مفهوما إيجابيا للمادة بأنه من الممكن أن تكون هنـاك مـواد

؛من مواد نادرة لم يحسن اسـتخدامها رخيصة الثمن وأفضل

وبذلك فإن التكنولوجيا قد ساهمت في تقليل الفجوة بين الفقر

. والغنى من خالل إنتاج سلع تكون في متناول األغلبية

تبر ليوناردو دافنشي من الفنانين الذين ربطـوا بـين يع

حيث أشار ؛ا بين الفن والعلم التكنولوجيا والفن وربطوا أيض

إلى أهمية العلم بالمواد وطبيعتها " نظرية التصوير "في كتابه

م وعالقتها بفن التصوير، ودرس النحـت والميكانيكـا وقـد

. تصميمات لبعض اآلالت

لية فـي دراسـة العالقـة بـين بدأت الدراسات الجما

االستطيقا والتكنولوجيا من خالل التفرقـة بـين الموضـوع

االستعمالي أو االستهالكي جمالي والموضوع الصناعي أو ال

على أساس التمييز بين شكلين من اإلنتـاج البشـري همـا

- ٨٠ -

لغايـة مـن إنتـاج ألن ا ؛تاج الصـناعي اإلنتاج الفني واإلن

اية مـن إنتـاج األدوات بينما الغ الجمال األعمال الفنية هي

مشكالت في الواقـع المباشـر، المنفعة وحل الصناعية هي

؛ على نحو خاص لتأدية وظائف معينة تصميمها فاألدوات يتم

ولذلك فإن جوهر الموضوع الصناعي يكمن في االسـتعمال

الذي يحدد وظيفته، وعلى الرغم من أن الموضوع الصناعي

أن لم يرد منه التعبير عن الشـعور له طابعه الحضاري إال

نفعي ن أن الموضوع ال أن يبي " جويو"أو العاطفة، وقد حرص

وبالتالي فكل منهما يسـتفيد ؛أو الصناعي ال يخلو من جمال

م أدوات من اآلخر، ألن صـناعة األدوات حاولـت أن تقـد

مريحة وسهلة االستعمال وتكون جميلة أيضا علـى الـرغم

وضوع الجمالي يدعونا إلى أن نتأملـه ونتذوقـه من أن الم

في حين أن الموضوع الصناعي يـدعونا إلـى اسـتخدامه

في أداء الوظيفة المطلوب منه تأديتها، وفي السابق كان يـتم

التفرقة بـين الموضـوع الفنـي والموضـوع الصـناعي

ر على أساس الوظيفة التي يقوم بها كل منهما، ولكن مع التغي

للتكنولوجيا المعاصرة ضاقت الفجوة فيمـا بينهمـا، النوعي

ز بين ثالث مواقف تجاه العالقـة بـين الفـن ويمكن أن نمي

- ٨١ -

ق بينهما تماما على أسـاس يفر الموقف األول : والتكنولوجيا

الغاية أو الوظيفة التي يقوم بها كل منهما في الحياة اليومية،

نهمـا يـرى أنـه لـيس هنـاك فـرق بي والموقف الثاني

ألن الصناعة أو التكنولوجيا هي بداية للفن، هي مبدأ الجمال،

دون بين الجميل والنـافع، وذلك عند علماء الجمال الذين يوح

للون على ذلك بأن اإلنسان يبدي إعجابه الفنـي بكثيـر ويد

من اآلالت التي صنعها اإلنسان مثـل الطـائرة والسـيارة،

ولذلك فإن ؛يم موريس ء جويو، وتين سوري، وول ومن هؤال

فق مع التوحيد بين العمل الفني م تعريفا للجمال يت سوريو يقد

فيقرر أن الجمال هو عبارة عن التكيـف " والعمل الصناعي

يـرى والموقـف الثالـث ،"الكامل للموضوع مع وظيفتـه

أن العالقة بينهما ذات طابع ثقافي ليست ثابتة وإنمـا تتغيـر

ر الفن والتمع تطور الحضارة اإلنسانيةكنولوجيا عبر تطو .

وهذا االتجاه األخير يرى أننا حين نتأمل أي موضـوع

استعمالي، فإن إدراكنا لفوائده العملية تمتزج بمعناه وداللتـه

د هذا بشكل مباشر في العمارة التي تـربط المنفعـة ويتجس

بالجمال في التصميم، وهو أقرب الفنـون إلـى الصـناعة

. نفعيةوأكثرها

- ٨٢ -

وإذا نظرنا للعالقة بين العمل الفني والعمل الصـناعي

ـ ر عـن التجربـة سنجد أن كليهما من صنع اإلنسـان ويعب

م ن كل منهما قـدرة اإلنسـان علـى الـتحك اإلنسانية، ويبي

مها في إنتاج ما يريد، من خـالل تـأليف استخدفي المادة وا

ذلك فإن الفنان ول ؛شكال ممكنة تتيحها قوانين المادة صور وأ

والصانع ال بد أن يكون كل منهما على علم بقوانين المـادة

الوسيطة التي يستخدمها، حتى يستطيع اسـتنطاقها بأقصـى

مه، وقد حرص علماء الجمال المعاصـرون ما يمكن أن تقد

ل في التقنية على إبراز الجانب الصناعي في الفن، الذي يتمث

المادة الوسيطة، واألدوات التي التي يستخدمها الفنان لتطويع

يستخدمها في نقل عمله للمتلقي، وألن العمل الفني هو عمـل

إجرائي يستلزم الكثير من الجهد ويقتضي من الفنان التدريب

فالشاعر يدرس موسـيقى ؛والدراسة لقوانين المادة الوسيطة

والنحات يدرس قوانين الثقل والميكانيكا حتى يـنجح ،الشعر

مله الفني، وإبراز الجانـب الفنـي فـي العمـل في أداء ع

الصناعي، ألن أي أداة أو عمل صناعي ال تخلو من صـبغة

مـا جمالية، والصانع ال يكتفي بالطابع النفعي لـألدوات وإن

ن العمل إ ولذلك يمكن القول ؛يضفي على عمله طابعا جماليا

- ٨٣ -

بمعنى أنه يؤدي ؛رضلفني هو جمالي بالجوهر ونفعي بالع ا

وجي ة غير مباشرة بينما الموضوع الصناعي أو التكنول منفع

ألن الصـانع ال يقصـد ؛هو نفعي بالجوهر وفني بالعرض

أن يكون عمله جماليا في المقام األول، يمكن أن ينطبق هـذا

على فن العمارة ألنه يقدم لنا أبنية تقوم بوظيفة في الواقـع،

ـ وهي أعمال فنية رائعة، ولهذا فإن بول فاليري ي ز بـين مي

ويقصد بها األبنية العمارة الصامتة : ثالثة أشكال من العمارة

التي تقام لتأدية وظيفة محددة دون أن توحي بطبيعة المكان،

وهي تشبه المساكن التي تقام اليوم حيث تشبه علب الكبريت

الخرسانية، وهي تؤدي وظيفة المسكن دون أن تقيم عالقـة

لمعماري الذي يحـيط بـه، عضوية بين اإلنسان والمحيط ا

يجيد لغة فن العمـارة نث إلى م التي تتحد والعمارة الناطقة

بوصفه فن الفراغ الذي يتيح لإلنسان أن يسكنه، مثل أبنيـة

المحاكم ال بد أن توحي للناس بمعاني العدالـة والمسـاواة،

م لنا عبـر تصـميماتها موسـيقى التي تقد والعمارة الغنائية

يتأملها، ونشعر أننا أمام لوحـة نيشعر بها م بصرية صافية

فنـدرك أبعـاده ؛داخلهك في فنية حين نستعمل البناء ونتحر

. المختلفة

- ٨٤ -

مادة ويمكن أن نرصد فارقا جوهريا آخر في استخدام ال

فالفنان يحرص علـى إبـراز ؛الوسيطة بين الفنان والصانع

يحـرص خصائص المادة الوسيطة في تكوين العالقات مثلما

الشاعر مثال على إبراز الطابع الموسـيقي للكلمـات بينمـا

في الحياة اليومية نستخدم الكلمـات بوصـفها أداة للتعبيـر

عن احتياجات فعلية وتؤدي وظيفة وال نلتفت إلى خصـائص

كذلك الصانع يستخدم المادة ،الكلمات من النواحي الموسيقية

على العمل الفني هو لتأدية وظيفة، وذلك ألن الطابع الغالب

؛دالتفر ـ م لنا عمال بمعنى أن الشاعر أو المعماري يقد ا فردي

ـ من إنتاجه وال يمكن ل ه ه تكراره ألنه لو حاول تكـرار عمل

الفني سيجيء عمال فنيا جديدا، بينما يغلب على عمل الصانع

قدرته على تصميم عمل يمكنه مـن خاللـه أن ينـتج آالف

لنماذج من خالل مرحلة اإلنتاج االقتصـادي النسخ، وتكرار ا

.لألعمال الصناعية

ر عـن روح وتبقى لألعمال الفنية خصوصية فريدة تعب

ينقله إلينا مـن خـالل الفنان وإحساسه بالعالم الذي يريد أن

ل الفنان من خططـه أثنـاء ولهذا كثيرا ما يعد ؛عمله الفني

ستخدم خطة علميـة تعامله مع األداة الوسيطة بينما الصانع ي

- ٨٥ -

إذا محددة أهدافها بشكل مسبق وال يقوم بتعديل خططـه إال

وهذا الفرق يبرز لنا الفرق بين عمل الفنان ؛رت األهداف تغي

. والصانع

- ٨٦ -

الفصل الرابع الفصل الرابع א אא אאא

- ٨٧ -

د الوسائط الجمالية التـي يسـتخدمها تتعدد الفنون بتعد

فالعمليـة ؛بير عن رسالته للقارئ أو المتلقـي ي التع الفنان ف

الفنان ـ العمل الفني (اإلبداعية تتكون من ثالثة أطراف هي

. )ـ المتلقي

والخبرة الجمالية هي مشتركة بين األطـراف الثالثـة،

علم الجمال بتحليل الخبـرة الجماليـة لـدى الفنـان ويهتم

ـ يم الجماليـة والمتلقي، ويشرح خصائص العمل الفنـي والق

السائدة، فيه، وعلم الجمال ال يفرض قيما معينة على العمـل

حليل األعمال الفنية فـي عصـر الفني، وإنما يستنبطها من ت

ألن لكل عصر خصائصه وقيمه الجمالية التي تسـود ؛معين

ذلك العصر نتيجة للثقافة السائدة، فنالحظ أن الفن اإلسالمي

للتجريد ألن التوحيـد الـذي جه كان يبعد عن التشخيص ويت

في النتاج الحضـاري تقوم عليه الثقافة اإلسالمية كان يظهر

- ٨٨ -

ولذلك تبدو أعمال الزخرفة في الحضـارة ؛ومن ضمنه الفن

اإلسالمية وتكرار الوحدات كأنها نوع من التسبيح هللا يمارسه

ن الفنان المسلم من خالل إنتاجه لعمله الفني، وإذا أردنا أن نبي

ث كن أن نتحـد ل علم الجمال فنا من الفنون فـيم تناوكيف ي

ألنه أسبق الفنون فـي الظهـور، ألن أول ؛عن فن العمارة

ما بدأ اإلنسان البحث عنه هو وجود مأوى يسكن إليه ويحميه

من أخطار المناخ، ثم حاول بعد ذلك أن يقوم بتجميل المأوى

أن العمـارة سـنجد ف وإذا تأملنا تاريخ العمارة ،الذي يسكنه

الكالسيكية تجمع بين خدمة أغراض اإلنسـان فـي إقامـة

محراب لتماثيل اإلله، يكون مكانا الجتماع الناس للعبادة وبين

م فـي العمـارة إقامة عمل فني جميل، بمعنى أن اإلنسان يقد

ستخدمه في محيطـه الكالسيكية عمال فنيا وفي نفس الوقت ي

الكالسيكية عن العمارة الرمزية ولهذا تتميز العمارة ؛المباشر

ذات الطابع المستقل عن المنفعة، ولذلك فإن الفنان المعماري

الكالسيكي ال يسمح بإطالق العنان لخياله، كما هـو الحـال

في العمارة الرمزية والرومانتيكية، وإنما يحـرص الفنـان

عند تصميمه لمبنـى هدف محدد، ويراعي ف مع على التكي

من أجله، ولقد كـان ن مالئما للهدف الذي بني ن أن يكو معي

- ٨٩ -

عامـة الشاغل األول للعمارة اإلغريقية هـو بنـاء مبـان

ه، وكانـت وأماكن لإلقامة والتنزPillars من معابد وأعمدة

المساكن الخاصة في غاية البساطة، وهـي نمـط أساسـي

ية أكثر حرية في العمارة الكالسيكية، وتبدو العمارة الكالسيك

ألن العمارة الرمزية تستعير أشـكالها ؛من العمارة الرمزية

من الطبيعة العضوية، وأكثر حرية أيضا من النحـت الـذي

ولذلك تجـد العمـارة ؛د بالشروط العامة للشكل البشري يتقي

ز مضمونها في أهداف روحيـة، وتعطيـه الكالسيكية يترك

ـ ن كـل شكال تبتكره ملكة الفهم البشري، بصرف النظر ع

نموذج مباشر وبصورة مستقلة عنه، ولكن الحرية هنا نسبية

والسـمات ، في مجال محـدود وليست مطلقة وال تتحرك إال

األساسية للعمارة الكالسيكية تظهر في بناء المنزل، فتتضـح

في طول البناء وعرضه وارتفاعه، وفي النسب بين ارتفـاع

Columnsعمدة األعمدة وسمكها، وكذلك فيما يتعلق بعدد األ

فيمـا بينهـا، وبطبيعـة الزخرفـة Intervalsوالفواصل

Decoration أشار هيجل إلى معنى عها أو بساطتها، وتنو

، لكي يربط بين "رةموسيقى متحج "ن العمارة أعبارة شليخل

قات التـي تقبـل العمارة والموسيقى على أساس تناغم العال

- ٩٠ -

إدراكهـا وفهمهـا وبالتالي مـن السـهل ؛ها على أعمدة رد

فمثال يشبه هيجل قاعدة العمود، وتاجه ،في سماتها األساسية

ببداية العمل الموسيقي ونهايته، وقد استخدم شلنج هذه العبارة

. أيضا في محاضراته في فلسفة الفن

وقد عرف القدماء كيف يهتـدون إلـى هـذه النسـب

عماريـة وتتحدد األشـكال الم ،واالنسجام فيما بينها بالغريزة

الكالسيكية في المعبد والمنزل وأشكالها الخاصة التي تعتمـد

ن مـن الناحيـة الميكانيكيـة ألن المنزل يتكو ؛على األعمدة

Masses carrying loadالصــرف مــن كتــل حاملــة

ة لهذين م هيجل دراسة هندسي ، ويقدCarried وكتل محمولة

ـ لكي يبي ؛الجانبين ز العمـارة ن السمات العامـة التـي تمي

ـ الكالسيكية، وتعتبر الكتل الحاملة هي أهم ز البنـاء ما يمي

ه األول بناء ركائز يعطيهـا شـكل الكالسيكي، الذي كان هم

األعمدة، ويرتكز السقف على األعمدة، ويضغط عليها ضغطا

قائمة أو بزاوية حادة متماثال، ويمكن للسقف أن يكون بزاوية

د الحارة التي ال ينزل فيها المطر يكون فرجة، ففي البال أو من

في البالد الممطرة، السطح مستقيما، بينما يكون السطح مائال

ن مـن سـطحين، القديمة تستخدم السقف الذي يتكو والمعابد

- ٩١ -

هما زاوية منفرجة، ومثل هذا اإلنجـاز يسـتجيب حدأل يشك

ذا ح يشعرنا أن ه ألن السقف المسط ؛ لمقتضيات الجمال تماما

البناء يمكن البناء عليه، مهما كان عـالي االرتفـاع، بينمـا

على أن البناء قد انتهى، ولعل هـذا هـو السقف المائل يدل

. السبب أيضا في إعجابنا باألهرامات بوصفها أسطحا مائلة

ـا ـ أمأربعـة ا البناء البدائي فكان يسـتخدم ـ أساس

وقـد (نصاف أعمـدة ا تقام فيه أ أعمدة، والجزء الخالي بينه

: وهيـرت فـي كتابـه Vitruviusأوضح هذا فيتروفيوس

) ١٨٠٨مبــادئ فــن العمــارة لــدى اإلغريــق، بــرلين

Architecture on Greek principles ر جوتـه وقد حذ

) ١٧٧٣(في مقال لـه بعنـوان حـول العمـارة األلمانيـة

On German architecture من اإلسراف فـي اسـتخدام

ولـذلك كـان ينكـر ؛غم أنه لم ينكـر جمالـه األعمدة، ر

على عمارة القرون الوسطى واألزمنة الحديثة أنها لم تستخدم

من خالل امقالعمود في بناء المساكن، ألن البيوت أصبحت ت

أركان أربعة وليس من خالل األعمدة، وقد أخذ هيجل وجهة

، بأننا إذا أصررنا على قيـام العمـود Goetheنظر جوته

ذلـك و بد أن يكون مستقال عن الحائط، وأن يكون أمامه، فال

- ٩٢ -

مثل العمود الرابع الذي تستخدمه العمارة الحديثـة، ونجـد

وهو عبارة عـن بنـاء ،hallفي العمارة اإلغريقية الرواق

، من األعمدة األربعة، مكشوف دون أن يكون لـه جـدران

السـيكية ولذلك فـإن العمـارة الك ؛ى فيه التماثيل بنتوكانت

ال حاجة بها إلى الجدران كركائز، وإنما تعتمد على األعمدة،

عتويبالتنـاغم معبد الكالسيكي صورة جماليـة تراعـي ال ر

في العالقات والنسب االرتفاع والعرض واالرتفاع، بحيـث

ولهذا ؛ اآلخر يبدو كل عنصر من العناصر السابقة متسقا مع

الدقيقـة التـي يمكـن كان اإلغريق يبعدون عن الزخرفـة

أن تطمس الوحدة الكلية المشتركة للبناء ككل مثل معبد أثينـا

Athene نرى األعمدة الثمانية في أثينا، ومعبـد زيـونس

، وتتيح األعمدة أن يكون الناس Olympian Zeusاألولمبي

في مواجهة الهواء الطلق مباشرة، وحتى المباني التي كـان

رص على أن تكون العـين منفتحـة الح بها جدار، كان يتم

على الخارج، وهكذا تتبدى المعابد فـي بسـاطتها محببـة

ي من أجل حركة دائبة وانتقـال ن ألن البناء قد ب ؛إلى النفس

وبحيث ال يكون مكانا ينعزل فيه النـاس عـن العـالم حر ،

الخارجي ولهذا فإن األساليب المختلفة للعمـارة الكالسـيكية

- ٩٣ -

وق األساسـية القائمـة بـين كـل أسـلوب تظهر في الفر

. في استخدام األعمدة

واألساليب المعروفة فـي العمـارة الكالسـيكية هـي

والكـورنثي Doris والـدوري Ionicاألسلوب األيـوني

Corinthian عت، ويباألسلوب الدوري هو أقرب األساليب ر

إلى العمارة البدائية الخشبية، ولهذا يتميز بالثقـل، اسـتخدم

هيجل األلفاظ والمصطلحات اليونانية الخاصة بالعمارة لـدى

اإلغريق في وصف المعبد، في كتابه محاضرات في الفنون

) فـاوس (الجميلة في حديثه عن العمارة، فالحجرة الرئيسية

Vaos برونـــادس(، والـــدهليز (Povaos والخلفيـــة

والثبات والمتانـة التـابعين في األشكال، ) أوبيسثرمونوس(

ولذلك نجد األعمدة، في األسلوب الدوري ـ أعرض ؛نللوز

وأخفض من االرتفاع، وفي أقدم عهدها كان ارتفاع العمود ال

يتجاوز ستة أضعاف القطر السفلي للعمـود، ويظهـر هـذا

وفي زمـن الحـق، Paestumاألسلوب في معابد باستوم

أصبحوا يزيدون من ارتفاع األعمدة طوليا إلى سبعة أضعاف

ـ القطر، ا والمسافة بين األعمدة تبلغ ضعف سمك العمود، أم

سـم بمزيـد مـن المرونـة فهو يت Ionicاألسلوب األيوني

- ٩٤ -

ى عن البساطة، وارتفاع األعمـدة ـ والرشاقة، دون أن يتخل

في هذا األسلوب ـ يبدأ من سبعة إلى عشرة أضعاف القطر

أقطار، ثة السفلي للعمود، وإذا كانت المسافة بين األعمدة ثال

ا معادال ثمانية أقطار، ويتميز العمود فال بد أن يكون ارتفاعه

األيوني بأنه ال يرتكز مباشرة على أساس البناء، بل تكـون

ـ ،ة أجـزاء له قاعـدة ذات عـد ا العمـارة الكورنثيـة أم

Corinthian فهي تقوم على نفس األساس الذي تقوم عليـه

ا بالزخرفة، ويزيد العمود العمارة األيونية، ولكنها تتميز عنه

.رنثي في االرتفاع عن العمود األيونيوالك

ويتناول هيجل ـ بعد ذلك ـ العمارة اليونانية بوصفها

تشغل موقعا وسطا بين العمارة اإلغريقية والعمارة المسيحية

، يقـال Vaultsوالعقد . Archفي استخدام القوس المنحرف

في البناء هـو Arch and Vaultإن المبتكر للعقد والقوس

، )م. ق٣٧٠ ـ ٤٦٠نحو (لسوف اإلغريقي ديموقريطس الفي

وقد ذكر هذا سنيكا فـي الرسـالة التسـعين مـن رسـائله

). بعد الميالد٦٥م ـ . ق٤(

ـا وبين أن الطابع العام للعمارة الرومانية يختلـف تمام

وذلك ألن اإلغريق كـانوا ينشـدون ؛ن العمارة اإلغريقية ع

- ٩٥ -

ا نفعية في أبنيتهم، وكانوا يسعون إلى الكمال الفني الذي أهداف

ـ ا الرومـان فكـانوا يتحقق في بساطة البنـاء وخفتـه، أم

على العكس من ذلك، يسبغون علـى أبنيـتهم قـدرا أكبـر

ولـذلك كانـت ؛والزخرفة، وقدرا أقل من الرشاقة من البذخ

خاصـة، تظهر الزخرفة المبالغ فيها في مبانيهم العامـة وال

د اإليطاليون والفرنسيون في بنـائهم نمـط العمـارة وقد قل

ا يحتذالرومانية واعتبروها نموذج ا األلمان فاعتبروا ى به، أم

. العمارة اإلغريقية هي النموذج الذي ينبغي تقليده

: : العمارة الرومانتيكيةالعمارة الرومانتيكيةتشمل العمارة الرومانتيكيـة فـي الكنـائس القوطيـة

Gothic وفي الب ، ر عـن يت المعزول عن الخارج، الذي يعب

الكنيسـة الذي ينطوي على ذاته، ولذلك نجد الروح المسيحي

الجماعة المسـيحية فـي شمل القوطية عبارة عن نطاق يلم

داخله لتخلو إلى ذاتها، وتستغرق في التأمل وتتسامى فـوق

هو الذي يسبغ على بيت Elevationالتماهي، وهذا التسامي

مدلول يبعد بها عما هـو بعه الحقيقي، ويصبح للعمارة اهللا طا

ده المعمار القوطي ولذلك فإن الشعور الذي يول ؛نفعي محض

ر مـن الطبيعـة هو االنفصال عن العالم الخارجي، والتحر

- ٩٦ -

الخارجية، ولذلك ال يصل أي شيء إلى الداخل، حتى أشـعة

. لملـون عبر الزجاج ا بعد أن تمر الشمس التي ال تصل إال

وعلى العكس من هذا نجد العمارة اإلغريقية التي تحـرص

على التواصل مع الطبيعة الخارجية، ولذلك ال نجد الجدران

التي تفصل الداخل عن الخارج وإنما نجد األعمدة فقط، التي

على هذا فـإن وبناء ؛تجعل من الداخل منفتحا على الخارج

ء بالنفس، والتسـامي ر عن االختال ية يعب شكل العمارة القوط

ف ر من الخارج، وتؤل بها من خالل العبادة، ومن خالل التحر

ل التشكيل الخارجي األكثر استقالال، وتمث Towersاألبراج

Belfriesأعلى ذرى المبنى، وتسـتخدم األبـراج كقبـاب

ـ ف جـزءا لألجراس، على اعتبار أن رنين األجـراس يؤل

فهـذه األصـوات البسـيطة، . سـيح اس الم دأساسيا من الق

ل نـداء احتفاليـا، موجهـا إلـى الـنفس والالمحدودة تشك

ؤ لالختالء الحقيقي الذي من الخارج، وكأنما يدعوها إلى التهي

؛في العمارة القوطية دورا كبيـرا وتلعب الزخرفة ،ينتظرها

فهي تضفي على األجزاء حجما يبدو أكبر مما هـو عليـه،

اال تنزع نحو األعلى، مثل األقواس المنحرفـة وتستخدم أشك

Pointed Arches والدعائم، والمثلثات المتساوية السـاقين ،

- ٩٧ -

ونتيجة لهذا تتحطم الوحدة البسيطة للكتل الكبيـرة، وتتجـزأ

ز هيجل إلى عدد كبير من التفاصيل الخاصة والمتناهية ويمي

ـ بين العمارة القوطية التي تطو ث عشـر، رت في القرن الثال

أي العمارة التي جاءت مباشرة ؛وبين العمارة ما قبل القوطية

بعد العمارة الرومانية، واستقت منهـا مصـدرها، وتـأثرت

. بالعمارة الكالسيكية والرومانية

لـة فـي ر العمـارة الدينيـة المتمث وبالتوازي مع تطو

ا العمارة الدنيوية التي أخذت طـابع الكنائس، وتطورت أيض

لت فيها بحيث تتكيف مع أهدافها حاكاة لألبنية الدينية، وعد الم

الخاصة، وفيما عدا االنسجام العام بين األشـكال والنسـب،

اقتصر دوره على زخرفة الواجهـات، واألبـواب فإن الفن

والمداخل واألبراج، وحافظ على مبدأ النفعية الذي كان المبدأ

كان الـنمط الرئيسـي العام للبناء كله، وفي العصر الوسيط

نة المبنية عند سـفح للمسكن المدني هو نمط المساكن المحص

أو على قمة جبل، فالبيوت كانت تتميز بالمتانة واألمـان، تل

. وكان دور الفن يقتصر على الزخرفة فقط

وقد أشار هيجل إلى العالقة التي قد تبدو ظـاهرة بـين

نه يـرى أن هنـاك أل ؛ارة اإلسالمية، والعمارة القوطية العم

- ٩٨ -

تنتسـب العمـارة القوطيـة حيـث فروقا جوهرية تفصـل

إلى الشعب القوطي الذي ينقسم إلى فـرعين كبيـرين همـا

األوستروقوط والفيزيقوط، واألوستروقوط شعب جرمـاني،

زحف من موطنه على ضفاف الدانوب إلى إيطاليـا، وأقـام

ـ ٥٥٢رها جوستنيانوس سنة مملكة دم ون م، ويطلق الدارس

على هذه العمارة األلمانية أو الجرمانية، وتوجد آثار قديمـة

. لهذه العمارة في أسبانيا

ـ ؛وهناك اختالف كبير بينهما ز العمـارة ألن مـا يمي

العربية في العصر الوسيط، ليس القوس المنحـرف، وإنمـا

أن إالHorse shoe archالشكل المسمى حدوة الحصـان

ر المسـيحي سة لعبادة مغايرة للتصورالمباني العربية ـ المك

الزخـارف المقتبسـة سم بغنى وبذخ شرقيين، وتستمد ـ تت

من عالم النبات، والزخرفة التي تجمع بين األشـكال أشكالها

والحقيقة أن مالحظة هيجل عن ،الرومانية والقرون الوسطى

ألن العمارة اإلسـالمية ؛مية ليست في محلها العمارة اإلسال

ـ كان ر ت تتميز بوحدة الطابع، والبساطة في البناء بحيث يعب

العمارة اإلسالمية هي الفـن " ولقد كانت ،عن روح اإلسالم

الجامع لجميع الفنون اإلسالمية، فالمسجد بأشـكاله المختلفـة

- ٩٩ -

وقد تـأثرت "ر عن عنصر التوحيد في اإلبداع اإلسالمي يعب ،

فـإذا كـان الصـحن العمارة اإلسالمية بالبيئة المحيطة بها،

مطرة، فإن المسلمين المكشوف للمسجد يناسب البالد غير الم

ـ استفادوا من العمارة البيزنطية والقوطية، ـ في عمارتهم

فحين شاء المسلمون أن يضـيفوا "لكنهم لم ينقلوها كما هي،

سقفا إلى المسجد جعلوه في شكل القبة رمزا للسماء، فأقاموا

ام القبلة مباشرة غيـر أن المعمـاريين على الجزء الواقع أم

المسلمين لجاءوا إلى القبة الساسانية ذات الخناصر المعقـودة

إلى أعلى، وهناك أوجه تشابه بين الكنيسة القوطية والمسجد

اإلسالمي، فمثال تمتلـئ الكنـائس مـن الـداخل باألقبيـة

األسطوانية المتتالية التي تحاكي قمـم األشـجار، ويحـاكي

بأعمدته صوار النخيل، فيبـدو فـي غايـة متفتحـة الجامع

وال غموض، وهذا يبين أن تصميم الجامع هو ال يكتنفها سر

ر بوضوح عن جـوهر عقيـدة األسـالف النموذج الذي يعب

. بوصفه دينا أصيال له شخصيته المتميزة

فإنه يشير إشارة " فن العمارة "وبعد أن ينتهي هيجل من

الذي يخلق الـروح Horticultureق سريعة إلى فن الحدائ

محيطا طبيعيا، ويحاول تحويل المنظر الطبيعي بحيث يخضع

- ١٠٠ -

لتناول معماري بحيث يكون متناغما مع سائر البناء، ومثـال

وال بـد أن نميـز Sans Sauceذلك حديقة سان سوسـي

، )شـكيلي الت(ـ في فن الحدائق ـ بين العنصر التصويري

ة ليست إبداعا معماريا بمعنـى لحديق فا ؛والعنصر المعماري

مشيدا بأشياء طبيعية، وإنما هـي نتـاج بناء تالكلمة، وليس

مجهود تصويري، يدع األشياء في حالتها الطبيعية الكبيـرة

ا متكامال يبهجنا، ولقد حقق ة، بحيث يؤل والحرف منها منظر

فن الحدائق الكمال لدى الصينيين والمغول والفرس، بوصفه

المعماري في فن الحـدائق محاكاة للطبيعة، ولقد تحقق المبدأ

ألن الحدائق الفرنسية المنظمة تتألف من ممـرات ؛الفرنسي

. ها األشجار من الجانبين، تحفRegularityطويلة منتظمة

هذا عن فن العمارة، ونجد الجمال كذلك فـي الفنـون

ا والمسرح المختلفة مثل النحت والموسيقى والتصوير والسينم

. والشعر واألدب، واألدب هو أكثر الفنون شيوعا لدينا

همـل بية بحيث ال ن كيف ندرس الجمال في التجربة األد

م خصوصيتها وهي تجربة ذات طابع شخصي، واألديب يقـد

رلنا القضايا الكلية من خالل تجربة فردية لشخص ما، ويعب

ينـة، من خالل األشخاص عن مواقف متنوعـة ورؤى متبا

- ١٠١ -

وإذا تأملنا تاريخ الحضارة العربية اإلسالمية، سنجد أن الفن

واألدب العربي يقد ر عن أيديولوجية م مواقف متنوعة ال تعب

ر عن أيديولوجية الطبقـة واحدة، فإذا كان نجيب محفوظ يعب

ا مثل المتوسطة وطموحاتها، ويجسد قيمها وأحالمها، فإن كاتب

م أدبا من المنظـور اإلسـالمي ن يقد نجيب الكيالني حاول أ

ر في كتاباته النظرية، والحقيقية أن أيديولوجية الكاتب كما يعب

ال يمكن أن تختفي وإنما تظهر في كـل االختيـارات التـي

مها على مستوى اللغـة أو الشـكل الفنـي، أو التيمـات يقد

بـة ويمكن إدراك الجمال في التجر ، عليها والقضايا التي يلح

ألن القارئ حين يقرأ نصا ؛األدبية بوصفه معايشة واكتشاف

أدبيا فإنه يعيد فهمه من خالل تجربته وثقافته، ولذلك يمكـن

. للقارئ اكتشاف رموز الجمال في التجربة األدبية

وداللته واستخدام الكاتب للغة والوقـع في معنى النص

عنـى الذاتي لجرس األلفاظ على إحساسـه الموسـيقي، والم

ل فـي األثـر الـذي الخاص للجمال في التجربة األدبية يتمث

ل انفعـاال األدبي في قارئه، ذلك األثر الذي يمث فه النص يخل

ألنه من إبداع القارئ ويعكس تجربته الخاصة ؛جماليا خالصا

ويمكن تحليل نصوص بعـض ، وال يلزمه أحد به مع النص

- ١٠٢ -

) ربـة األدبيـة والشـعرية التي تعكس أنـواع التج (األدباء

عن الجمال، ومدى وعيهم به على المسـتوى األنطولـوجي

ـ د ممكنـات واللغوي، مثل أعمال نجيب محفوظ التـي تجس

اإلنسان في فهم واقعه السياسـي واالجتمـاعي، واختيـاره

ـ د ألفعاله على ضوء هذا الفهم، وهناك أعمال أخـرى تجس

به، والبعض اآلخـر ألمه من األحداث المحيطة ووحدة الفرد

يهتم بتفاصيل بأسئلة كلية عن الوجود ومعناه، والبعض يهتم

ا، وكل هذا يبين تعدد صور الجمـال الحياة وتسجيلها تاريخي

بإبراز ألن كل أديب يهتم ؛لياته في التجربة األدبية وآفاقه وتج

ضح من خالل تجربتـه، ولـيس صورة معينة للجمال كما يت

. بين هذه الصور، ولكنها تتكامل فيما بينهاهناك تعارض

- ١٠٣ -

الفصل اخلامس الفصل اخلامس אאאאא(( אא ))א

- ١٠٤ -

، بوصـفه "ق الجمـالي التذو"هناك دراسات عديدة عن

، وهـو المبحـث "الخبرة الجمالية"موضوعا من موضوعات

ي ، الـذ Aestheticsالرئيسي من علم الجمال أو االستطيقا

يدرس خبرة اإلبداع لدى الفنان عند إنتاجه للعمـل الفنـي،

ق وخبرة التلقي لدى جمهور العمل الفني، وموضـوع التـذو

هو موضوع مشترك بين حقول " Aesthetic taste"الجمالي

سـيكولوجية " علم الـنفس بدراسـة معرفية عديدة، فقد اهتم

ـ ، واهتم "التذوق الفني ـ علم االجتماع بدراسـة آلي ي ات التلق

ـ ت االجتماعي عند االستجابة لألعمال الفنية، وكـذلك اهتم

ق الجمالي وكيفية تنميتـه عنـد التربية الفنية، بدراسة التذو

األطفال، ووس ق ليشمل تـدريب الطفـل عت من مفهوم التذو

. على تنمية قدراته ومواهبه

ق الفنـي وهذه الدراسة تحاول أن تربط بين مجال التذو

مجال البيئة، ولم يلتفت كثير مـن بـاحثي علـم الجمـال و

- ١٠٥ -

إلى العالقة بين هذين المجالين، الذي يبدو كل منهما منفصال

عن اآلخر، بينما ـ فـي الحقيقـة ـ يـؤدي كـل منهمـا

هـو تفاعـل اإلنسـان " ق الجمالي التذو" ذلك أن ؛إلى اآلخر

نـت وقد بي مع العمل الفني بوصفه منتجا له، أو مستقبال له،

بحوث الخبرة الجمالية أن الجهد المبذول في إنتـاج العمـل

يه هو جهد واحد، والسمة التي تغلب على الخبرة الفني أو تلق

أي توصيل رسالة جمالية ؛الجمالية في اإلبداع هي اإلرسال

من خالل وسائط مادية، بينما تغلب سمة أخرى على الخبرة

ي بإعـادة تقبال، حين يقوم المتلق ي هي االس الجمالية في التلق

بناء العمل الفني وفق خبراته وثقافته وتراثه، ليعيـد إنتـاج

العمل الفني، وهذا التفاعل هو خبرة إنسانية، كذلك البيئة هي

مجال لتفاعل اإلنسان مع المحيط الذي يعـيش فيـه، وهـذا

المحيط له مستوياته المتعددة، من مستوى طبيعي، ومسـتوى

، ومستوى تركيبي يجمع بين خصـائص المحـيط اجتماعي

الذي يعيش فيه اإلنسان، وهذا يعني أن التفاعل سمة إنسانية

ق الجمالي، حيث يكشف تفاعل اإلنسان مع عناصر في التذو

د مفهوم الجمال لديـه مثـل الجمال عن عناصر متعددة تحد

صر الوجـداني، والعنصـر نالعنصر العقلي المعرفي، والع

- ١٠٦ -

ق ما ارتفع مستوى التـذو وبالتالي كل ... واالجتماعيالثقافي

الجمالي وتثقيف الحواس وتـدريبها علـى إدراك عناصـر

الجمال، ارتقت عالقة اإلنسـان بالبيئـة، وأصـبح قـادرا

على تمييـز عناصـر الجمـال فيهـا، وتنميتهـا، والحـد

ه المحيط الذي يعيش فيـه من العناصر التي تشو .. ق فالتـذو

دات السلوك الجمالي، الـذي يكتسـب مالي هو أحد محد الج

ل، وتنمية هـذا السـلوك المعرفة عن طريق اإلدراك والتخي

ق الجمالي لدى اإلنسـان ويبـدأ تجاه البيئة يتأتى بتنمية التذو

. مع مرحلة الطفولة

: : الجمالي الجماليالتذوقالتذوق ـ ـ ١١انتباه وتأمل متعـاطف " هو موقف جمالي وهو التذوق

ـا جمـيال، أو "ه عن الغرض منزا طبيعيفحين نتأمل منظر ،

لوحة، أو نقرأ قصيدة شعرية، فإننا ال نفكر في المنفعة التـي

تأتينا من وراء هذا، ويقوم الموقف الجمالي بعزل الموضوع

ز علـى منظـر الذي تتأمله الذات والتركيز عليه، مثلما ترك

ـ ورة السـحب فريد للصخور التي تعطي تكوينا مـا، أو ص

المتراكمة، وصوت المحيط أو البحر، وتوزيع األلـوان فـي

الجمالي ال يسعى إلى تصنيف األشياء أو التذوقصورة ما، ف

- ١٠٧ -

ألنهـا ؛ل األشياء في ذاتها دراستها أو الحكم عليها، إنما تأم

باعثة لنوع خاص من االرتياح نطلق عليه اللـذة الجماليـة،

ق للجمال بأنه متعـاطف مـع ويتميز موقف اإلنسان المتذو

قه، ويشير هذا التعاطف إلـى الطريـق الموضوع الذي يتذو

بها أنفسنا لالستجابة للموضـوع، فعنـدما نـدرك التي نعد

موضوعا بطريقة جمالية، نفعل ذلك كـي نتـذوق طابعـه

ق الفردي، وندرك سـماته المختلفـة، وإذا شـئنا أن نتـذو

ـ سنا الموضوع، فال بد أن نهيئ أنف ئ أن نتقبله كما هو، ونهي

أنفسنا لقبول أي شيء قد يقد ق مه لـإلدراك ويقـوم المتـذو

باستبعاد أية استجابات تعوق تواصله مع الموضـوع الـذي

يتذو ي إلى تباعد عنه، والموقف الجمالي هـو أن قه، أو تؤد

. قه بطريقة متوافقة معهستجيب للموضوع الذي نتذون

ف في التجربة الجمالية هو أن نعطي طاوالمقصود بالتع

الموضوع فرصة، لكي يبين لنـا كيـف يمكنـه أن يكـون

ومعنـى االنتبـاه ،ذا أهمية وطرافة بالنسـبة إلـى اإلدراك

ليس نشاطا سلبيا في تأمل العمـل قالتذو، هو أن قالتذوفي

مصحوبا بنشاط الفني أو الطبيعة، وإنما االنتباه الجمالي يكون

الجمالي بأنـه التذوقف يعر" كيت همفز " ولذلك فإن ؛بيإيجا

- ١٠٨ -

ة فاالنتباه له درجات، وهو يزداد شد ) ٢(" وعي وتنبه وحيوية "

حاالت اإلدراك الجمـالي، وقـد يصـل أو ينقص باختالف

االندماج العاطفي مع الموضوع، بحيث نجد أنفسـنا لى حد إ

مج بأحاسيسـنا بحيث نند . ف حركاتنا العضلية والجسمية نكي

ولكن التركيز علـى الموضـوع والسـلوك ،في الموضوع

، بـل قالتـذو اإليجابي إزاءه ليس كل المقصود باالنتباه في

قيمـة الكاملـة للموضـوع، أي ننتبـه ق ال ال بد أن نتـذو

الـوعي و دة وغامضة، لى تفاصيله التي غالبا ما تكون معق إ

الحواس أي تدريبها الواضح بهذه التفاصيل يتأتى من تثقيف

بة على قـراءة األعمـال على التقاط التفاصيل، فالعين المدر

ز بين األلوان المستخدمة في اللوحـة، الفنية، تستطيع أن تمي

وكذلك األذن األلـوان المسـتخدمة فـي .. وتدرك درجاتها

بة على سـماع وكذلك األذن المدر .. اللوحة، وتدرك درجاتها

يز بـين قطعـة موسـيقية وأخـرى، اموسيقى، تدرك التم ال

وبدون هذا التمييز تكون .. وال توجد بين كل القطع الموسيقية

تجربتنا الجمالية هزيلة، فمثال إذا قرأ قصـيدة إنسـان درس

الشعر وعرف اإليحاءات والرموز في الشعر، فإنـه سـوف

حيوية يهتدي إلى تفاصيل لم يكن من قبل يشعر بها، ويدرك

- ١٠٩ -

قه الذي يزداد ثـراء مما ينعكس على تذو ؛الشخص الشعري

؛ هـزيال قالتـذو ووحدة، وبدون تثقيف الحـواس، يكـون

تقدا إلى التنظيم وال يشعر بالبناء الـذي ألن اإلدراك يكون مف

يربط بين أجزاء الصورة التي يدركها، والعنصر الرئيسـي

الجمالي هو اتخاذ موقف إيجابي نحـو مـا هـو قالتذوفي

ي ما يصل إلينا مـن خـالل معطيـات الحـواس، مدرك، أ

ي ممارستها لـذاتها، الجمالي هو تجربة نجد رضا ف قالتذوو

ب بـين الجمـال وهذا يقـر ،وهذا ما يعطيها قيمة في ذاتها

، ذلك أن الجمال هو الشيء الذي يجلب لنا اإلحساس قالتذوو

بالسرور، ويشعر اإلنسان باللذة من النظر إليـه أو إدراكـه

ذاته، وهذا ما تؤكده التجربة في الحياة اليومية، فحين ينجذب ل

المرء إلى لون زهرة أو رشـاقتها أو تناسـقها، أو ينـدمج

في قصة، ويظل مستغرقا فيها، تكون تلك لحظة الحياة جديرة

. بها لذاتها، وليس من أجل تحقيق منفعة مباشرةرسأن ن

ـ وهذا النشاط الجمالي في تـذو وان واألصـوات ق األل

والصور هو جزء ال يتجزأ من نسيج الحياة البشرية، وهـذا

عـن نجده في اختيار اإلنسان للمالبس، واألدوات التي تـنم

بـه، فاإلنسـان ذوق جمالي، حتى لو كان اإلنسان غير واع

- ١١٠ -

عـن الجمالي بشكل فطري، فهـو ال يكـف قالتذويمارس

ظره الطبيعيـة وأصـواته ع إلى العالم واالهتمام بمنـا التطل

وحركاته، واإلنسان يفعل ذلك بشكل تلقائي، مثلما يفعل الطفل

حين تتضح حواسه، ويتطلع للعـالم دائمـا، بحيـث يظهـر

ويمكن هنا أن نتساءل هل ،العالم جميال، ومثيرا لالهتمام له

ق اإلنسان للجمال ثابت أم متغيـر؟ إن التقـاء اإلنسـان تذو

ـ بالموضوع الجمال ره ي، يدخل اإلنسان في تجربة، قـد تغي

ا عميقا أو بسيطا ولكنه يبدل تجاربنا المقبلة فـي نفـس تغير

المجال، وتزداد قدرتنا على التمييز واكتشاف التفاصيل التي

لم نكن نراها من قبل، فإذا اعتدنا قـراءة أعمـال روائيـة

نـا ألنـه يجعل ؛األحسنأو شعرية، فإن هذا يغير ذوقنا إلى

ندرك الفروق بين هذه الرواية وتلك، وندرك استخدام الكاتب

ألدوات بعينها إلبراز حالة الشخصيات وطبيعة العالم األدبي

مه، وهذا يعني أن الذوق الجمالي هو نشاط تراكمي، الذي يقد

قالتـذو يكسب اإلنسان خبرة به من خالل التكـرار لفعـل

مالي على تنمية قـدرتنا الجمالي، وال يقتصر تأثير الذوق الج

ـ ر في التواصل مع العمل الفني واالستمتاع به، وإنما قد يغي

ـ ق شخصيتنا وتجربتنا في الحياة، فقـراءة روايـة قـد تعم

- ١١١ -

من بصيرتنا في إدراك أشياء كثيرة في الحياة، وتجعلنا نلتفت

ع من نطاق تعاطفنا مع البشـر واألشـياء إلى تفاصيل توس

لمستحيل وضع حدود للتأثيرات النفسية التي من حولنا، ومن ا

. يمكن أن تكون للعمل الفني

الجمالي، والتجربة قالتذوولذلك فهناك فرق بين تجربة

هـة العملية لإلنسان في الحياة اليومية، فاألولى تجربة منـز

عن الغرض والمنفعة، بينما التجربة العملية تتجه نحو تحقيق

ـ لحة عمليـة مباشـرة، وتتجـه غاية مباشرة، وإنجاز مص

للمستقبل، وفي التجربة اليومية ال يسـتغرق اإلنسـان بكـل

انتباهه في الموضوع الذي يدركه بحيث يعزلـه عـن بقيـة

؛ الجمالي قالتذوالموضوعات األخرى كما يحدث في تجربة

الداخلي، فني إطارا يعطيه تنظيمه البنائي ذلك ألن لكل عمل

ق ألخرى، ولذلك فإن نظرة المتذو ويعزله عن الموضوعات ا

اط اإلنسان في الحيـاة اليوميـة ذات طابع انعزالي؛ بينما نش

طابع ترابطي أي الربط بين العناصر المختلفة للموضوع ذو

وعالقاتها بالموضوعات األخرى فحين نقرأ رواية ما، يـتم

معا عن التيار المعتـاد ) الرواية(عزل اإلنسان والموضوع

- ١١٢ -

، وحين نعجب بالعمل الفنـي فـي ذاتـه، نفصـله للتجربة

. عن عالقاته المتبادلة باألشياء األخرى

وقد درس علماء النفس االستجابات المختلفـة لإلنسـان

ــو ــد درس إدوارد بل ــي، فق ــل الفن Edwardإزاء العم

Bullomgh ن ذلك حين اختار استجابات البشر لأللوان وبـي

الجمالي لأللوان قالتذوفي المشكلة اإلدراكية : ذلك في بحثه

ن أنـه لـيس المنفردة في الحولية البريطانية لعلم النفس، فبي

ا، وإنما هناك طـرق هناك ألوان سارة يرتاح لها الناس جميع

مختلفة يستجيب بها النـاس لأللـوان، مثـل االسـتجابات

الترابطية، التي يدرك فيها اإلنسان اللون من خالل ارتباطـه

به اإلنسان فـي نة، أو صورة لموضوع معين مر بفكرة معي

الماضي، ويقتصر تركيز المرء على اللون بوصـفه مثيـرا

لالنفعاالت المرتبطة بها، وهذا النوع من االستجابة الترابطية

غير جمالي، ونجده حين يربط اإلنسان بين اللـون األسـود

والموت في بعض الثقافات الشعبية في حضـارات معينـة،

صـف بالبعـد ت استجابات ترابطية أخرى، ولكنهـا ت وهناك

الجمالي، وهو ذلك النوع الذي ال ينفصل فيه التـرابط عـن

ي في اللون، وتقوى لديه نغمـة إدراك اللون، بل يندمج المتلق

- ١١٣ -

اإلحساس باللون بفضل الترابط، ويعطيه مزيدا من الحيويـة

. والداللة

الجماليـة، وإلى جانب النمط الترابطي من االسـتجابة

توجد أنماط أخرى مثـل االسـتجابة الفسـيولوجية، وهـي

ف عنـد التـأثير الجسـمي والعضـوي االستجابة التي تتوق

فمثال بعض األلوان تثير األعصاب أو تهدئها ؛لألعمال الفنية

مثل األحمر واألزرق، والبعض اآلخر قد يرفع من ضـغط

و الـذي جعـل الدم، ولعل هذا التأثير الفسيولوجي لأللوان ه

علماء التربية ينادون بتغيير لون السورة من األسود أللـوان

وا بـأثر اللـون أخرى مثل األخضر أو األبيض حيث اهتم

ع إليـه طـوال اليـوم حواس الطفل وهو يتطل على األسود

الدراسي، وهذا النمط من االستجابة الجماليـة يحكـم فيـه

. الشخصية فيه من خالل التأثيرات اإلنسان على الموضوع

وهناك استجابة أخرى وهي االستجابة الموضوعية التي

حلل خصائصه، فحـين تتوقف عند الموضوع الذي ندركه ون

ا لأللوان، فإنه يتحدث عـن نقـاء يستجيب المرء موضوعي

وهذا النمط ،خصائص كل لون من الناحية العلمية األلوان، و

سـيولوجية هـي من االستجابة، باإلضافة إلى االستجابة الف

- ١١٤ -

ل االستجابة موقفـا جماليـا، أي ال تشك ؛اط غير جمالية أنم

ا عن الغرض، ويجلب السـرور واالرتيـاح، والـنمط منزه

الجمالي لالستجابة هـو الـنمط الشخصـي، الـذي يتأمـل

فيه اإلنسان الموضوع الجمالي دون فكـرة مسـبقة عنـه،

مفعمة بالحيوية ق الموضوع بطريقة أو عن تأثيره، فهو يتذو

ز بنغمة انفعالية قويـة، وهنـا ال يلتفـت والعمق، وهو يتمي

ق لالستجابات والتأثيرات الجسمية والعضـوية التـي المتذو

يحدثها العمل الفني، وإنما استجاباته تتخذ صـورة أخـرى،

ث اإلنسـان عـن أن الموضـوع يمكن أن نفهمها حين يتحد

ع خاص به، فاللون األحمر الجمالي له حياة مستقلة، وله طاب

ث ال يوحي بالسخونة أو يرفع ضغط الدم لديه، وإنما يتحـد

وذلك ألن االستجابات ؛عن صفات أخرى مثل صريح ونشط

الشخصية يندمج فيهـا المـرء فـي الموضـوع الجمـالي،

فاالسـتجابة . ويتعاطف معه، ويستجيب له بشـكل إيجـابي

ع الجمـالي الشخصية ال تصرفنا عن االهتمـام بالموضـو

لالهتمام بفكرة اللون مثال، أو عن تأثيره على أجسامنا، وإنما

تجعلنا نعطي الموضوع الجمالي مكانة مركزية في الـوعي،

- ١١٥ -

ويستحوذ علينا بدال من تحويل االنتبـاه نحـو موضـوعات

. أخرى خارج العمل الفني

ـ ل وهذا يختلف عن االستجابة الموضـوعية التـي تحل

عوقنا عـن التعـاطف بطريقة مجردة، وت الموضوع الجمالي

. الجمالي مع الموضوع

الجمالي هو قدرة اإلنسـان قالتذوتبين لنا مما سبق أن

والجمال هو صفة نصف بها سـلوك ،على االستجابة للجمال

ـ ه علـى األشـياء، اإلنسان، وبدنه، ومظهره، وحكـم نطلق

ولذلك فإن الجمال في اإلسـالم مشـتق ؛والجمال هو الحسن

من اإلحسان، وهو أعلى مرتبة من مراتب اإليمان، وقد ورد

لفظ الجميل في القرآن الكريم ليصف بها السلوك اإلنسـاني،

ميالا جربص برفاص ،وهو الصبر الذي ليس فيه جـزع ،

أو ضيق، أو حقد، والهجران الجميل هو ترك الناس وفراقهم

الشخص الذي يستطيع و.. دون أن نسبب لهم ألما أو مشاحنة

صف بهذه الصفة هو الذي يستجيب بحساسية خاصـة أن يت

فاته، في عالقته بنفسـه وبـاآلخرين، وباألشـياء في تصر

، ويرعـاه وينشـره، من حوله، يدرك من خاللهـا الجمـال

ـ الجمـالي شـمولية النظـرة، أي قــدرة قالتـذو ب ويتطل

- ١١٦ -

ـ ن محـيط، على المالحظة والتصميم الجمالي في أكثـر م

فأصبح يستجيب لألصـوات ؛اق هو إنسان نمت حواسه والذو

واألنغام واألشكال والمعاني، يشعر بالجمال ويكـره القـبح،

والخالصة أن الذوق معناه االستجابة الوجدانيـة لمـؤثرات

ره بـالمواقف الجمال الخارجية، بمعنى انفعال اإلنسان وتـأث

والتي تجعل اإلنسان يشعر ،التي تتوافر فيها العالقات الجميلة

حركة ديناميـة فاعلـة للتـأثير قالتذوبالمتعة واالرتياح، و

ق ر قوامها عشق الجمال ورفض القبح، واإلنسان المتذو والتأث

هو الذي تتوافر لديه الحساسية لالستجابة لألعمـال الفنيـة،

ن القدرة على التمييـز بـين الحسـن، والمتوسـط ويتضم

ويقوم سيئ في األشياء التي يصنعها اإلنسان، في الحسن، وال

، ذلـك تربية الفرد : وق الجمالي على ثالثة أشياء، أولها الذ

د ليس مفهوما نظريا وإنما مكتسبا، فالتربية تـزو قالتذوأن

الفرد بمعايير الجمال التي يرتاح إليها، وهذه التربية قد تكون

البيئة التي يعـيش الفرد من غير مقصودة، وذلك حين يستمد

، هذا اإلحساس لدى الفرد : وثانيهافيها مفاهيمه عن الجمال،

ننا من استقبال الموضـوعات الجماليـة اإلحساس الذي يمك

وإدراكها، وهذا اإلحساس يمكن تنميته من خـالل التـدريب

- ١١٧ -

على قراءة األعمال الفنية وسماعها وهو ما قـد أوضـحناه

فهو منظومـة : وثالثهاس، من قبل تحت مسمى تثقيف الحوا

ذلـك ألن المعتقـدات ؛اهـا المـرء نبتالقيم الخلقية التي ي

ـ ه سـلوك الفـرد، والمبادئ الخلقية التي يعتنقها المرء توج

ر التـي اإلط بما في ذلك السلوك الجمالي، وهذه المبادئ هي

يحكم من خاللها اإلنسان على األشياء من حولـه، والـذوق

ية في ذاته، وإنما تكمن أهميته فيما يؤدي الجمالي ليس له أهم

.إليه من إيجاد تغيير في حياتنا

لدى البشر، الجمالي متساو قالتذوويبرز هنا سؤال هل

؟أم يختلف باختالف ثقافة كل منهم

ال يمكن االدعاء بأن كـل إنسـان قـادر علـى إدراك

ا األعمال الفنية وتذوا واحدعلـى قها، فإذا عرضنا عمال فني

عدد من المشاهدين، سـنجد أن هنـاك اسـتجابات مختلفـة

ولذلك ال بد من توافر ؛ختالف ثقافة كل مشاهد واهتماماته با

ـ ع مسـتوى اسـتجابة بضعة شروط يمكن من خاللهـا توق

ق ونوعيتها، ومن أهم هذه الشروط، خبراته السابقة في المتذو

توصيل عمله قراءة المادة الوسيطة التي يستخدمها الفنان في

ـ ي أن يسـتجيب لقصـيدة باللغـة الفني، فهل يمكـن للملتق

- ١١٨ -

اإلنجليزية وهو يجهل هذه اللغة جهال تاما، كذلك كيف يمكن

وهو يجهـل ن يستجيب لعمل فني من فن التصوير ي أ للمتلق

ي قادرا طبيعة األلوان واستخداماتها، وال يكفي أن يكون المتلق

لجمالي وإنما ال بد أن يكون مـدربا على قراءة لغة الوسيط ا

ق القطع الفنية، وهذا التدريب يكـون مـن نوعيـة على تذو

ق الخبرة التي يعيشها الفنان، فتسمح حينئذ بمسـاعدة المتـذو

ـ أن يتذو دراك ما ينتجه الفنان وال يستطيع على إ ، بحيـث هق

ولـذلك يؤكـد ؛ةيجد له صدى فـي تجربتـه فـي الحيـا

منا أن نبحث عنه، سواء أننا ندرك فقط ما تعل " لبرت بارنز أ"

استخدم الفنان خامـة التصـوير، في الحياة أو الفن، وسواء

ـ د خبـرة أو الكلمات أو األنغام الموسـيقية، فإنـه قـد جس

ق صورته أو قصـيدته أو سـيمفونيته، في عمله، ولكي نتذو

. عتناال بد لنا من إعادة تشكيل خبرته في أنفسنا قدر اسـتطا

، ولذلك فـإن ]١٩٨٩مبادئ التربية الفنية : محمود بسيوني [

الذين يشكون من أنهم ال يفهمون الفن، يتـأتى مـن كـونهم

ا في عملية تحصيل مماثلة للتحصيل التي مـرال يبذلون جهد

بها الفنان، فالمتعة الجمالية تتطلب ثقافـة وخبـرة ويمكـن

ـ أن نتساءل ق ال، وتـذو ما هي ضرورة اإلحسـاس بالجم

- ١١٩ -

ويمكن أن نجيب على ذلك فنبين أنه إذا أردنا تحديد ،الفنون

د مكانة الفن في حياتنا اليومية، ضرورة الفن، فال بد أن نحد

لنا المضمون الكامل للوجود اإلنسـاني، سـنجد أنـه فلو تأم

ينطوي على عدد كبير من االهتمامات والحاجات اإلنسـانية،

مثـل الطعـام والشـراب والمأكـل تبدأ بالحاجات المادية

م الحاجات المادية بـين تليها القوانين التي تنظ والمسكن، ثم

ل في الشرائع وقـوانين األسـرة والدولـة، تمثتاألفراد التي

الحاجة الدينية في نفس كل إنسان التـي تجـد إشـباعها ثم

النشاط العلمي الذي يمارسـه اإلنسـان في حياة التقوى، ثم

ي جملة المعارف والعلوم، وفـي وسـط هـذه الحاجـات ف

النشاط الفني بشكل غيـر ممارسة واالهتمامات اإلنسانية تتم

منفصل نتيجة لحاجات اإلنسان الروحية إلى الجمـال التـي

ال يستطيع اإلنسـان إشـباعها فـي أي اهتمـام أو حاجـة

نتسـاءل مـا هـي نأ جات السابقة، ويمكن هنـا امن الح

الداخلية التي تدفعنا إلى االهتمام بالجمال في زمرة الضرورة

ص الحاجات السابقة؟، واإلجابة عن هـذا التسـاؤل، تـتلخ

في أن الحاجات اإلنسانية ليست منفصلة عن بعضها، بمعنى

أن اإلنسان ال يعيش وفق حاجاته المادية فحسب، وإنما يحتاج

- ١٢٠ -

ن كـل إلشباع حاجاته االجتماعية والروحية، وهذا يعنـي أ

دائرة من هذه الحاجات مكملة لبعضـها بعضـا، واإلنسـان

لى تجاوز الحاجات التي تشـغل ـ بطبيعته ـ يسعى دوما إ

دنيا إلى حاجـات أسـمى، فمـثال اإلنسـان أصـبح منزلة

نمـا إ و ال يستخدم الطعام كما كان يستخدمه اإلنسان البدائي،

حاجـات وذلك لكي يلبي ؛شكال الطهي والتناول أر في يطو

صـميم وجـود سع، وهذا يبين أن الفن يتدخل في وأو عمقأ

ن اإلنسان، فلم يعد اإلنسان يرتدي أي شيء، وإنما أصبح يلو

وهذا يعني أن الفن مرتبط ؛ويختار أنواعا مختلفة من الكساء

. بدوائر حاجات اإلنسان المترابطة والمتشابكة

ة اإلنسـان ن لنا مما سبق أن التكنولوجيا وهـي أدا يتبي

لتحسين البيئة المحيطة وتنظيمها طبقا لحاجتـه واالسـتطيقا

ومـن حيـث ،بينهما عالقة وثيقة من حيث النشأة التاريخية

والتكنولوجيا مختلفـة ،تأثير كل منهما على الحياة اإلنسانية

ألن العلـم ؛رغم ارتباطها به في عصرنا الحـالي عن العلم

ظر إلـى مـدى إمكانيـة يهدف إلى المعرفة فحسب دون الن

التطبيق في الواقع الفعلي، بينما التكنولوجيا تسعى إلى تحقيق

ن الهندسـة أهداف واقعية، قد كانـت التكنولوجيـا تتضـم

- ١٢١ -

لى ما يمكـن إ والخطابة، وكان اللفظ يشير المعمارية والطب

استنباطه من قواعد إجرائية تسمح بإنتـاج أشـياء متماثلـة،

المنتجة التي تبتكـر حلـوال الكتشـاف فالتقنية هي المعرفة

ـ ر أدوات أو آالت في مقابل المعرفة النظريـة التـي ال تغي

ر العلـوم الطبيعيـة من الموضوع الذي تدرسه، ومع تطـو

في القرنين السادس عشر والسابع عشر، لم تعد التكنولوجيـا

مقابلة للعلم مع فرنسيس بيكون وديكارت وجـاليلو، وإنمـا

دة، جربة هامة الختبار كثير من المفاهيم المجـر أصبحت الت

وذلك للتفرقة بين المعرفـة التـي ترتكـز إلـى التجريـد

من المعرفة التي ترتبط بالواقع، وقد ساد بعد ذلك التعريـف

الكالسيكي للتكنولوجيا بوصفها تطبيقا للعلم، فالتكنولوجيا هي

مجموع الطرق والوسائل القائمـة علـى معـارف علميـة

استخدامها من أجل الحصول على نتيجة تجريبية والتي يتم و

ـ معينة، ولئن كانت التكنولوجيا تطبيقا للع م فهـي تختلـف ل

عنه بوصفها تسعى إلى اإلنتاج بينما يسعى العلم إلى المعرفة

. فحسب

ن من األدوات التي تسـمح لإلنسـان والتكنولوجيا تحس

م لنا أجوبة أصيلة يقديعيش فيه، والفن يل المحيط الذي بتشك

- ١٢٢ -

ولـذلك ؛عن األسئلة التي يطرحها المحيط الذي يعيش فيـه

هناك توحيد بين التكنولوجيا والفن فـي العصـر الـراهن،

ألن التكنولوجيا تستعين بالفن في تعديل وتحويل البيئة التـي

بشكل أساسي بدراسة العالقـة التـي تتدخل فيها، والفن يهتم

المحيط الذي يعيش فيه، وذلك من خـالل تنشأ بين اإلنسان و

تصوير الكيان الـداخلي لإلنسـان بكـل : أولهما: صورتين

ونجد هذا في األعمال الفنيـة التـي تتخـذ ،تفاصيله الدقيقة

من التركيبة الداخلية الكبرى للمشاعر اإلنسـانية موضـوعا

ـ لها، حيث ترك ةز بعض األعمال الفنية علـى األنـا الداخلي

وكشف الوعي الفردي إزاء قضايا الوجـود الـذي لإلنسان،

تطرحه التكنولوجيا بوصفها جزءا مـن الوجـود ويحمـل

خصائصه، وتتأتى قوة هذه األعمال من المهارة التي تكشف

وبالتـالي تكشـف ؛بها حياة اإلنسان المعاصـر الداخليـة

األعمال الفنية : وثانيهماعن عالقة اإلنسان بالعام ومكوناته،

بدراسة أثر المحيط االجتماعي على سلوك اإلنسان تمالتي ته

ورؤيته للعالم، ومن المكونات الهامة للمحـيط االجتمـاعي

المعاصر األدوات التكنولوجية، ونجد صـورة لهـذا العـالم

م وصـفا للدوس هكسلي حيث يقـد في رواية العالم الطريف

- ١٢٣ -

،شللحياة الخارجية لإلنسان والوسط التكنولوجي الذي يعـي

فيه وأثره الذي ال يظهر على مستوى الفرد فحسـب وإنمـا

. يظهر على صعيد المجتمع أيضا

- ١٢٤ -

خاتمة خاتمة

االتجاهات الجمالية في الفكر العربي المعاصراالتجاهات الجمالية في الفكر العربي المعاصر

في دراسة سابقة تناولت الدراسات الجمالية في مصـر

مت في مجال الجمال بشكل مباشر من خالل األعمال التي قد

ون بالبحث الفلسفي فـي مصـر وقمـت مها المشتغل التي قد

: بتحليلها على أساس التفرقة العلمية بين المصطلحات التالية

والنقـد وتاريخ الفن ، وفلسفة الفن ، واالستطيقا ،فلسفة الجمال

ذلك ألنني الحظت عـدم التمييـز ؛الفني والنظرية الجمالية

لذلك جاءت هذه الدراسات ؛نةأحيانا بين هذه المجاالت المتباي

التي عرضت لها في حينها تجمع هذه المجاالت تحت عنوان

وقد تفاوت وعي الباحثين فـي ،واحد هو الدراسات الجمالية

التفرقة بين هذه المصطلحات، ونجد من علـى ق بينهـا يفر

أساس علمي دقيق مثل دراسات الدكتورة أميرة حلمي مطر،

الدراسـة نت فـي ، وقد بي ز بينها ولكن البعض اآلخر ال يمي

لفـة فـي دراسـة أن البعض يجمع بين هذه الميادين المخت

ف هذه الدراسة هو تقييم هذه الكتابـات، الجمال، ولم يكن هد

- ١٢٥ -

مهـا وإنما كان الهدف هو توصيف وتحديد الجهود التي قـد

. الباحثون في مجال الدراسات الجمالية

عـرض وة أخـرى، وهـي وفي هذا البحث ننتقل خط

الية في الفكر العربي المعاصـر، ومحاولـة االتجاهات الجم

كيـف تنـاول الفكـر : ة أسئلة لعل من أهمهااإلجابة عن عد

تناولهـا بشـكل العربي المعاصر ظاهرة الجمال؟، هل تـم

مباشر، أم ضمن منظومة شاملة ترى الجمال ضمن لواحق

مه يوسف كرم في كتابه العقـل الوجود على النحو الذي قد

ـ تتعدد والوجود؟ وهل ا اتجاهات الفكر العربـي فـي فهمه

؟ للجمال

الحديث عن الجمال واالسـتيطقا فـي الفكـر العربـي

أولهمان بعدين، المعاصر يتضم: ر بعد تاريخي يعكس تطـو

الصور :وثانيهماالدراسات الجمالية من القديم إلى الحديث،

المختلفة لالهتمام بالجمال وربطه بظواهر إنسـانية وثقافيـة

ر الفكـر جتماعية أخرى، وسوف نبدأ بالحديث عن تطـو وا

ا من األصول األولى حتى تفـرع فـي الجمالي العربي بدء

بة عن الجمال واالستطيقا، ثم عصرنا الحالي إلى مفاهيم مرك

نتناول أبرز االتجاهات الجمالية في الفكر العربي المعاصـر

- ١٢٦ -

حملي مطـر، أميرة. سيما عند د عند أعالمها البارزين، وال

ا بالدراسات االستطيقية بـالمعنى فؤاد زكريا ألنهما اهتم . ود

ي في هذه أطلح، وللدكتورة أميرة حلمي مطر ر الدقيق للمص

ره، القضية ظهر فـي دراسـتها للـوعي الجمـالي وتطـو

والحضارة أيضا، حيث يمكن القـول وفي دراستها عن القيم

تغفل أثر الثقافة ن نظرتها للفن ذات طابع حضاري فهي ال إ

ولـذلك ؛ي التأثير علـى عمليـة الخلـق الفنـي ودورها ف

فإن أعمالها يمكن أن تؤسس لما يمكن تسميته بالنقد الثقـافي

بمعنى أنه ال نستطيع فهم الفن بمعزل عن الثقافـة الشـاملة

نه ال يمكـن أ ينتمي إليها العمل الفني، وترى للحضارة التي

ألن تلك الـدوائر ؛ائر المتنوعة للثقافة داخل الدو فهم الفن إال

تتفاعل معا، وهي ترى أن الفنون تتفاعل وتتأثر فيما بينهـا

وبين الفلسفة والتـاريخ وعلـم الـنفس وعلـم االجتمـاع،

ن مدرسة من الباحثين في مجـال علـم واستطاعت أن تكو

الجمال على غرار ما فعله مصطفى سويف فـي الدراسـات

مح الجوهرية جت باحثين، غطوا المال قد خر اع، ف النفسية لإلبد

في تاريخ الفكر االسـتطيقي، وترجمـت األعمـال الهامـة

في االستطيقا منذ اليونان حتى العصر الحالي، واستعرضت

- ١٢٧ -

االتجاهـات " مة في علم الجمال وفلسفة الفـن مقد"في كتابها

المعاصرة في علم الجمال وبي العمل الفني يربط بـين نت أن

نـت مخيلة والصورة الجمالية وقيم الوجود اإلنسـاني، وبي ال

لمباشرة محاولة فهم العمل الفني باالقتصار على شروطه ا أن

لى داللته العميقة، واألعمال الفنية إتحول بيننا وبين الوصول

ر عن قيم إنسـانية عامـة، الرائعة تخترق حدود نفسها وتعب

مي إليه، وهي ترى وتكشف عن الماضي الحضاري الذي تنت

أنه ال يمكن النظر إلى ثقافـة الحضـارات السـابقة مثـل

الحضارة اليونانية والحضارة اإلسالمية على أنها حضارات

والوحـدة ،راحلة، وإنما هناك نوع من التفاعل والوحدة معها

هنا هي وحدة منفتحة تتفاعل مع غيرها فـي إبـداع ثقافـة

رة أميرة لمنهج دون آخر، إنسانية متجددة، وال تنحاز الدكتو

وإنما ترى أن كل منهج يضيف جديـدا فـي فهـم العمليـة

اآلخـر ، وفهم ظاهرة الفن، ويكمـل كـل مـنهم اإلبداعية

ولـذلك ؛عاد المختلفة لظاهرة الخلق الفني في الكشف عن األب

فقد استعرضت في كتاباتها كل المناهج حتى تلـك المنـاهج

ق القواعد العلمية في فهـم تطبالمغرقة في التجريبية أو التي

رت الدكتورة أميرة عن رأيها في قضية ظاهرة الفن، وقد عب

- ١٢٨ -

عالقة الفن واأليديولوجيا بشكل غير مباشر حـين تناولـت

ألنها ترى أن األعمال ؛وقف الفن في التعبير عن األسطورة م

ـ ر عـن السـياق الفنية هي تجسيدات لنمـاذج أصـلية تعب

ي، وبالتالي تكشف عن صراع الـرؤى االجتماعي والحضار

والفنـان ال يبغـي ينافة التي ينتمي إليها العمل الف داخل الثق

إعادة بناء األساطير وإنما يعاود البحث عـن منـابع الفـن

؛لجماعة البشرية التي ينتمي إليها في أعماق األشواق األولية ل

د حالة الفن في تشـخيص عالقـات ولذلك فاألسطورة تجس

ية وعالقات جمالية وشكلية، ولذلك فإن العمل الفنـي اجتماع

لديها ليس مجرد بنية لغوية أو شكلية بل هو فعـل رمـزي

لة تعويضية عـن نـواقص الواقـع قد يكون محاولة متخي،

أو تحقيـق ،أو مصالحة بين تناقضات ال تقبـل المصـالحة

لرغبات محبطة، وقد تكون الوحدة العضـوية هـي إشـباع

يوتوبي يعب قـات الواقـع، ر عن نزعة حالمة لتجاوز تمـز

واالنسجام والتناغم والتوازن والتماثل ليست مجرد قيم جمالية

شكلية وإنما هي تعبير عـن القـيم األيديولوجيـة السـائدة

في نظرتها للفن، ولهذا فإن القيم الجمالية في مرحلة ما بعـد

قيم أخرى يمالحداثة قد حاولت تجاوز تلك القيم الجمالية بتقد

- ١٢٩ -

. يولوجيات المجتمعمقابلة لها تعكس أيد

وقد تناولت الدكتورة أميرة حلمي مطر ظـواهر الفـن

وقضاياه في أكثر من دراسة، وفـي أكثـر مـن موضـع

مة في علم الجمال وفلسفة الفن، وفلسفة مقد: من كتاباتها مثل

الجمال، ومقاالت في القيم والحضارة، ودراسات في الفلسفة

مان والوعي الجمالي، هذا التأمل والز : انية حيث تناولت اليون

باإلضافة إلى العدد الضخم من الرسائل التي أشرفت عليهـا،

. موا منهاوإنني أحد تالميذها العديدين الذين تعل

ا أثر هذا التفكير الجمالي في بحث هذه القضية حول أم

ي والدراسات العالقة بين الفن واأليديولوجيا على الفكر النقد

التطبيقية في النقد الفني والجمالي فهي تتضح في دراسـات

محمد مندور، وشكري عياد، وبالطبع نجدها واضحة لـدى

وعباس محمود العقاد، وغيرهم ،اد مثل طه حسين جيل الرو

بكل اإلسهامات العربيـة حـول وال يمكن لهذا البحث أن يلم

التجاهات القريبـة هذا الموضوع، ولكنني حاولت أن أبرز ا

من الفكر االستطيقي بمفهومه المعاصر، ولكي يمكن الكشف

بسهولة عن الطابع األيديولوجي ألفكارهم النقديـة ورؤاهـم

. الفلسفية في نظرتها للعمل الفني