©

20131434

2 14 3

978-1-56564-612-4 :(ISBN) ردمك

The International Institute of Islamic ThoughtP.O.Box: 669, Herndon, VA 20172 - USATel: (1-703) 471 1133, Fax: (1-703) 471 3922

www.iiit.org / iiit@iiit.org

هاتف: 009611707361 - فاكس: 009611311183www.eiiit.org / info@eiiit.org

111919489

+962 6 4611420 +962 6 4611421www.iiitjordan.org

المملكة األردنية الهاشميةرقم اإليداع لدى دائرة المكتبة الوطنية (2013/6/2138)

7

264 (ت المزني إسماعيل اإلمام قال ◄

هـ/878م)، وهو من تالميذ اإلمام الشافعي (ت 204

تأليف من وهو ـ (الرسالة) كتاب قرأت هـ/819م):

ثمانين نفسه، الشافعي اإلمام على الشافعي، اإلمام

على يقف [ الشافعي ] وكان إال مرة من فما مرة،

خطأ.. فقال الشافعي: هيه!! أي حسبك وأكفف. أبى

اهللا أن يكون كتاب صحيحا إال كتابه.

◄ كتب القاضي الفاضل المعروف بالعسقالني

(ت 596 هـ/1200م) وزير صالح الدين األيوبي إلى

العماد األصفهاني (ت 597 هـ/1201م)- وكان اإلثنان

من أئمة الكتاب في عصرهما- كتابا منه: إنه قد وقع

لي شيء، وما أدري أوقع لك أم ال، وها أنا أخبرك

به، ذلك: إني رأيت أنه اليكتب إنسان كتابا في يومه

إال قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد

كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو

وهو العبر، أعظم من وهذا أجمل، لكان هذا ترك

دليل على استيالء النقص على جملة البشر.

11................................ مقدمة: علم الفن اإلسالمي وآفاق نظريته المعرفية

الفصل األول: قلق المفهوم وبناء المصطلح في نظرية الفن اإلسالمي.......21

الفصل الثاني: الوحدة والتنوع في نظرية الفن اإلسالمي......................... 75

المفكر عند اإلسالمي الفن نظرية الجمال، مبدأ التوحيد الثالث: الفصل

الفاروقي...................................................................... 117 إسماعيل

الفصل الرابع: تواصلية الفن اإلسالمي: النظرية والتطبيق...................... 153

197 ...................... الفصل الخامس: النظرية المعرفية لفن العمارة اإلسالمية

خاتمة: رؤية استشرافية في تأصيل نظرية الفن االسالمي....................... 223

الكشاف..................................................................................... 231

11

الباحثين بعض اإلسالمي Islamic Art عند مفهوم الفن يتسع

لكل أشكال اإلبداع اللغوية واألدبية والفنية وغيرها، مما ال تمييز

في اآلخر بعضهم ويتوسط والفن. واألدب بين العلم فيها معرفيا

سعة هذا المفهوم على كل ما له عالقة مباشرة بالشعور واإلحساس

وعبر والنغم، كالموسيقى والسماع األذن عبر الجمالي، والتذوق

اإلسالمي مفهوم الفن ولكن والرسم. كالعمارة واإلبصار العين

على المعاصرين- ونقاده هذا الفن مؤرخي أغلب -عند يقتصر

في اإلنسانية الجمال بصناعة مباشرة بصرية عالقة له ما كل

اإلبداع اإلسالمي، وبكل ما له عالقة معرفية بمنجزات هذا اإلبداع

يتصل وما الكتاب، وفنون العمارة، مجاالت فنون في المتحققة

بهما من الفنون التطبيقية، أو الصنائع الفنية اإلسالمية القائمة على

في الوظيفية واستعماالتها الفنون هذه جمالية بين المبدع التوفيق

إنتاج وفي والمخطوطات، الكتب صناعة وفي المعماري، البناء

األدوات واألثاث، وغير ذلك من المصنوعات الوظيفية المختلفة.

اإلسالمي للفن aesthetic العلمجمالي المفهوم هذا صار وقد

والتحف والقطع واللوحات، العمائر لدراسة المعرفية النواة هو

سياق في تاريخيا المنتجة المادية والمصنوعات والمخطوطات

12

الحضارة اإلسالمية، والقابلة للوصف والتصنيف والعرض، بوصفها

أعماال فنية إسالمية اإلبداع والصناعة واإلنتاج، فضال عن االنتماء

والمصنوعات والمخطوطات العمائر تلك كانت أن بعد والهوية،

Archaeology الحضارية اإلسالمية مندرجة مفهوميا ضمن علم اآلثار

الذي تعامل معها على أنها مجرد بقايا remains أثرية طريفة ونادرة

التاريخية أصولها في المعرفي والحفر الثقافي بالفضول جديرة

وطبيعتها الحضارية، بعد أن كانت هذه اآلثار Antiquates اإلسالمية (1).Museology مندرجة معرفيا تحت علم المتاحف

المعلومات إلى التاريخيين العلمين هذين حاجة أدت وربما

دراستها إلى اإلسالمية الفنية اآلثار بهذه المتعلقة الدقيقة العلمية

ذلك وغير والحضارية، والتاريخية والصناعية المادية النواحي من

مختلفة، subjects موضوعات كانت التي المعرفية، النواحي من

موضوعات علم من موضوعا اإلسالمي لنشوء الفن مهدت

اإلنساني، للفن التاريخية الدراسات من جزءا وصيرورته اآلثار،

من فاصلة، معرفية انتقالة بذلك اإلسالمي لمفهوم الفن فتحققت

والمصنوعات والنتاجات اآلثار عن يعبر عيانيا ماديا مفهوما كونه

اإلسالمي، والحضاري الفني باإلبداع المتصلة الجميلة والتحف

قوامه فلسفيا وموضوعا معرفيا وأثرا نظريا مفهوما صيرورته إلى

الجمالية بالوظائف ليعنى 1139هـ/1727م، العام منذ معرفيا هذا العلم ل تشك (1)

والعلمية والتجارية والتسويقية للمجموعات الفنية، بوصفها مجاال من مجاالت

التاريخ الثقافي والحضاري اإلنساني.

13

من لعلم أساسا يكون ألن يصلح ومنهج، ونظرية ومبدأ، رؤية

العلوم الفلسفية والنقدية المتعلقة بالجمال الفني اإلسالمي، يمكن

أن نطلق عليه: « علم الفن اإلسالمي» أو «اإلستاطيقيا اإلسالمية»،

األعمال بنقد عناية األكثر الفلسفي هي العلم اإلستاطيقيا لكون

الفنية المادية والبصرية وتقويمها.

ويتمثل ما يحسب لهذا االتجاه من فضل علمي وقيمة معرفية،

الطريق فتحت قد المباشر الوظيفي االتجاه هذا أدبيات أن في

،material عيانيا ماديا أثرا كونه من اإلسالمي مفهوم الفن لنقل

إلى صيرورته موضوعا theme قابال للنظر الفلسفي، الذي يغور في

والمنهجيات الفكرية والتحوالت والنظريات والمبادىء الرؤى

اإلسالمي الجمال عليه علم نطلق أن يمكن لما المؤسسة النقدية

بعامة، وعلم الفن اإلسالمي بخاصة، بما يفتح الباب على مصراعيه

العلمي البحث مجاالت بين ومشتركة متواصلة نظريات لنشوء

المتعددة بتعدد العلوم اإلنسانية واالجتماعية والثقافية، وإلى حد ما

العلوم الصرفة والتطبيقية، في الفن اإلسالمي، حتى إنه يمكن القول

ووجوهها اإلسالمية الفنية الظاهرة تفسر نظرية من أكثر هناك إن

أو بالمجتمع أو باإلنسان، االرتباط الشديدة وتعالقاتها المختلفة،

بالتاريخ أو بالثقافة أو بالجمهور المتلقي، أو غير ذلك من األهداف

مباحثها من مبحث لكل الفرصة إتاحة لها يمكن التي المعرفية،

تختلف فقد دراسته، أهداف تناسب التي األدوات البتكار هذه

األدوات المطلوبة لبحث عالقة الفن اإلسالمي بالثقافة واألعراف

14

( ثقافة المختلفين منتجيه مجتمع تسود التي اإلسالمية والتقاليد

عالقة لدراسة المطلوبة األدوات تلك عن مثال، اإلسالمي) الفن

الذي العام االجتماعي بالنظام اجتماعيا، نشاطا بوصفه هذا الفن

اجتماع ( علم واالستعمال الجمال بين هذا الفن ممارسة يحكم

هذا عالقة دراسة عن الدراستان هاتان وتختلف اإلسالمي). الفن

سواء حد على والمتلقي للمبدع النفسية والتأثيرات باألبنية الفن

المباحث، هذه لكل يمكن وهكذا اإلسالمي)، نفس الفن ( علم

وربما لغيرها، أن تنتظم معرفيا بعالقات عضوية حميمة مع بعضها

عليه نظرية نطلق أن يمكن ما سياق في والتأثر، التأثير من بعضا؛

الفكرية الرؤى بناء على األساس في تعمل التي اإلسالمي، الفن

األسلوبية والصياغات المنهجية والتقنيات المعرفية والتحوالت

والموضوعات العملية والنظرية المتعلقة على وجه التخصيص بهذه

اآلثار الفنية اإلسالمية، وبظاهرتها االجتماعية والثقافية والحضارية،

والفلسفة الوحي معارف جملة من بة المرك الجمالية ومعرفتها

والصناعة اإلنسانية واالجتماعية للعمل الفني اإلسالمي.

المعمارية لألعمال والتاريخية اآلثارية الدراسات كانت لقد

األم اإلسالمي دراسات الفن هي تزال، وما اإلسالمية والفنية

العمر أساس على والثقافية المعرفية قيمته تحدد التي واألغلب،

الزمني لهذه األعمال العائدة إلى حقبة سياسية ماضية في الغالب،

دون أي اكثراث لقيمتها الجمالية والفنية، األمر الذي كان قد ولد

لدى بعض دارسي هذا الفن اعتقادا أو قناعة ما بأن الفن اإلسالمي

15

لتقنياته شرح ودون فنانيه، أخبار أو فلسفته «دون إلينا وصل قد

وصلت الفنية واألعمال المعمارية اآلثار هذه إن أي وأساليبه؛»(1)

إلينا دون نظريتها الفلسفية والجمالية والفنية، بل وربما لم يكن لها

مثل هذه النظرية، وبخاصة أن بعضا آخر من دارسي هذا الفن حاول

تشعر لم اإلسالمية العربية « الحضارة أن إلى بالذهاب ذلك تبرير

بحاجة إلى إفراز خطاب نظري منهجي حول الجمال يمكن أن نفيد منه في بحث األسس الجمالية للفن اإلسالمي.»(2)

وتبرز خطورة أطروحة االعتقاد بانعدام وجود أو غياب النظرية

الباب تفتح أنها في واإلسالمي، العربي الفكري التراث في الفنية

على مصراعيه لكل ما يمكن أن ينشأ من اإلشكاليات المعرفية في

مفهوم الفن اإلسالمي وأصوله وهويته الثقافية وطبيعته الحضارية،

العديد حاول التي الجمالية، ونظريته الفكرية فلسفته عن فضال

من مؤرخي هذا الفن ونقاده المستشرقين وغير المستشرقين إنشاء

بنيتها المعرفية في ضوء الفكر الجمالي الغربي. فقد تعددت أوجه

إشكاليات أبرز جعلها بما المعرفية، وآفاقها اإلسالمي نظرية الفن

(1) حسني، إيناس. أثر الفن اإلسالمي على التصوير في عصر النهضة، بيروت: دار

الجيل للطباعة والنشر، ط1، 2005م، ص12.

انظر أيضا:

داغر، شربل. الفن والشرق: الفن اإلسالمي، بيروت: المركز الثقافي العربي، -

ط1، 2004م، ج1، ص72.

(2) اللواتي، علي. نحو نظرية للجمالية اإلسالمية، ضمن: الفن العربي اإلسالمي،

تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ط1، 1982م، ص151.

16

بين جدال موضوعاته وأكثر الفن ، بهذا المتعلق العلمي البحث

العدم والوجود، أو بين االغتراب والتأصيل.

المعرفي الخطاب لذلك المعمقة، النقدية القراءة وتكشف

المعرفي الخطاب أو اإلسالمي عن نظرية الفن بالبحث الخاص

الخاص بالبحث في هذه النظرية، عن تباين األفكار واآلراء والرؤى

والتفسيرات المتعلقة بها، وعن اختالفها بين العموم والخصوص،

أو بين اإلجمال والتفصيل، أو بين كليات الفن اإلسالمي الفكرية

الفنية والداللية- الرمزية من جهة، وجزئياته والفلسفية، والجمالية،

وأعماله وتقنياته وأساليبه بأجناسه المتعلقة والنقدية والعلمية

التعامل إمكان إلى بالتالي يؤدي بما أخرى، جهة من اإلبداعية

المعرفي والمنهجي مع نظرية الفن اإلسالمي، بوصفها عنوانا واحدا

جامعا لمسارات ثالثة متعالقة ومترابطة ومتشابكة، هي:

أوال: محاولة تأطير هذه النظرية بالمفهوم العلمي القائم على

معنى النظرية في حده األدنى، المعبر عن وجهة نظر أو رؤية منظمة

منهجيا، بمجموعة من المفاهيم والعالقات والتحوالت، التي تعمل

thematic على تفسير ظاهرة معينة، بهدف تكوين معرفة موضوعاتية

أساسا بعامة النظرية وتمثل والوظيفية. والصفاتية البنيوية بطبيعتها

من أسس العلم الضرورية ومبادئه الحدية وإجراءاته المنطقية، لكنها

بخاصة غالبا ما تمثل العلم النظري المجرد المتعلق باألدب والفن

( نظرية فكانت اإلبداعية، وجوانبها اإلنسانية المعرفة أركان من

17

المفهوم حيث من األدب) إلى (علم تكون ما أقرب مثال األدب)

على تمثيال ينطبق يكاد نفسه واألمر المعرفية، والطبيعة والداللة

( علم الفن ) بما يسمى ( النظرية الفنية) التي هي المادة المعرفية لعلم

الجمال.

العموم- تعني -على قد اإلسالمي فإن نظرية الفن هنا؛ ومن

الفنية بالظاهرة المتعلقة والتفسيرات والرؤى واآلراء األفكار تلك

اإلسالمية، بكل مفاهيمها وعالقاتها وتحوالتها، فضال عن طبيعتها

البنيوية والصفاتية والوظيفية، التي أبدعها صانعو هذه الظاهرة، أو

مها ر لها علماء الجمال وفالسفة الفن المسلمون القدامى، أو قد نظ

دارسوها المحدثون تحليال وتأصيال.

ثانيا: البحث العلمي العام عن محتوى هذه النظرية، ومقوماتها

اإلسالمي، والحضاري والمعرفي الفكري التراث في وخصائصها

ما في وبخاصة اإلسالمي، لنظرية الفن المعرفي العمق لتأصيل

الكلي، المعرفي نسقه وطبيعة الفن ، لهذا العام بالمفهوم يتعلق

وخصائصه الشمولية القائمة على الوحدة والتنوع بوصفهما الجوهر

المعرفي ألية نظرية فنية.

ثالثا: البحث النقدي المتفرع معرفيا ومنهجيا عن ذلك المسار

من لفن المعرفية النظرية دراسة خالل من وذلك العام، البحثي

العربي فن الخط أو اإلسالمية، كفن العمارة اإلسالمية، الفنون

على سبيل المثال ال الحصر، أو مبحث من مباحث الفن اإلسالمي

18

التاريخية والعلمية، كأصل الفن اإلسالمي ومصادره، أو علم اجتماع

الفن اإلسالمي على سبيل المثال ال الحصر كذلك، أو موضوع من

موضوعاته الفكرية والفلسفية والجمالية والنقدية، كموقف اإلسالم

من قضية التصوير أو من الطبيعة والمادة وعالقتهما بالفن اإلسالمي

أو النور والماء والحركة والشكل، وغير ذلك من الموضوعات التي

يمكن أن يعاينها النقد العلمجمالي في الفن اإلسالمي.

والتحليل الدرس من الكتاب هذا في قدمناه ما ويأتي

المعرفي السياق في اإلسالمي لنظرية الفن والتأصيل والنقد

لهذه المسارات الثالثة؛ إذ تدور رحى دراسات هذا الكتاب على

يفتحان اللذين النقدي، العلمجمالي والمنهج الفلسفية الرؤية

ومجاالت أبوابا اإلسالمي بالفن المتعلق العلمي البحث أمام

وموضوعات هي أقرب ما تكون إلى علوم اللغة والداللة والرمز

والثقافة والقيم واالجتماع والتواصل، فضال عن علم عناصر الفن

المعرفية. وبنيته اإلسالمي

على نظرية الفن مجملها في تدور دراسات الكتاب هذا ففي

المحور تمثل النظرية هذه إن أو والخاصة، العامة اإلسالمي

في والنقدية، الفلسفية وتطلعاتها الدراسات هذه لعناء المقصود

يمكن إذ اإلسالمي؛ لدراسة الفن الجديد العلمي البحث سياق

العلمي اكتشافه منذ الفن هذا دراسة لمسيرة ثالث مراحل تمييز

الحديث في غضون القرن التاسع عشر الميالدي:

19

مرحلة نسميها أن يمكن التي األولى، المرحلة قامت فقد

وطبيعته الفن هذا لوجود تقريبا المحض اآلثاري االكتشاف

أصولهم بكل المستشرقين، أكتاف على والتاريخية، الحضارية

اإلسالمي عن الفن البحث من وتطلعاتهم ومناهجم وثقافاتهم

ودراسته.

وقامت المرحلة الثانية -التي يمكن أن نسميها مرحلة المثاقفة

على الفن - لهذا العلمي االكتشاف في اإلسالمية - االستشراقية

أكتاف بعض المستشرقين، من الذين ارتادوا مواطن الفن اإلسالمي،

واستوطنوا بلدانه عمال في خدمة هذا الفن ، وتعليما لبعض أهله من

الدارسين والباحثين العرب والمسلمين، الذين تلمذوا في بلدانهم،

علمية بعثات في أوفدوا أو المستشرقين لهؤالء مثال، كمصر

والمؤسسات والمتاحف المدارس في اإلسالمي لدراسة الفن

وأفكار بآراء ولودا المرحلة هذه وكانت الغربية. واألكاديميات

وتحليالت استشراقية في الغالب، كثيرا ما تنال من القيمة المعرفية

لنظرية الفن اإلسالمي على الرغم من التباين الحاد في ما بينها في

عموم موضوعات الفن اإلسالمي.

ولوجا المتجه العلمي العمل مرحلة فهي الثالثة المرحلة أما

الجمالية النظرية من اإلسالمي وراء الفن ما في ونقديا فلسفيا

تؤسس أن يمكن التي والثقافية، الحضارية الفن هذا لبنية المقيمة

وقد العامة. واإلنسانية الخاصة اإلسالمية المعرفية؛ لصيرورته

20

دارسي الفن من المؤرخين اكتشاف على المرحلة هذه تقوم ال

اإلسالمي، والباحثين فيه من المستشرقين وغيرهم، بقدر ما يمكن

ونقاده، الفن فالسفة من الدارسين أولئك أكتاف على تقوم أن

الضالعين في النظر الفلسفي لعلم الجمال اإلسالمي. ونحسب أن

المعرفي السياق في واردة المتواضعة الكتاب هذا دراسات تكون

لهذه المرحلة الثالثة، فقد حاولنا ترتيبها على نحو متراكب بالحديث

عن المفهوم القلق لبعض ألفاظ الفن اإلسالمي، لنشوئها في البيئة

ومحاولة االستشراقي، الجمال نسميه علم أن يمكن لما المعرفية

بناء مصطلحات هذا الفن وتأصيلها بما يحقق كونها البؤرة الداللية

لنظرية الفن اإلسالمي، وطبيعتها المعرفية المتصلة بتفسير الظاهرة

الجمالية والفنية في الفضاء الحضاري اإلسالمي، على أساس من

المعرفية، الفن هذا ببنية المتعلقة النقدية والتنوع نظرية الوحدة

وخصائصه الجمالية التي يمكن جمعها وتنسيقها معرفيا فيما يمكن

اإلسالمي المفكر نظر في المعبرة الخصائصية نسميه الوحدة أن

إسماعيل الفاروقي (ت1406هـ/ 1986م) عن حقيقة أن التوحيد هو

مبدأ الجمال في نظرية الفن اإلسالمي.

دكتور إدهام محمد حنش

23

مقدمة

فإن الثقافة فيه، والكتابة (art (الفن عن الحديث كثرة مع

مصطلحيا تعريفا تعريفه في أمرها تحسم لم واإلسالمية العربية

أو بنائه في اختالف أو تباين أي على الطريق مانعا، قاطعا جامعا

في مفهومه أو في استخدامه. وربما لصعوبة هذا التعريف وتعقيداته

والدالالت التداولية والمفاهيم اللغوية المعاني بين المتداخلة

الثقافية، ظل لفظ الفن بحاجة معرفية شبه دائمة ومعاصرة لتعريفه

وربما المصطلح. ضوء علم في ومحدد واضح علمي نحو على

أحد العام وموضوعه الفن مفهوم يكون أن إلى األمر هذا أدى

اإلشكاليات الفكرية والمعرفية والمصطلحية التي ال تزال قائمة في

الثقافة العربية واإلسالمية الحديثة والمعاصرة.

آثارها من بعضا تخلف أن من اإلشكالية لهذه بد ال وكان

السلبية على مفهوم ( الفن اإلسالمي)، بوصفه مصطلحا وموضوعا

لحداثة كان وربما هذه الثقافة. في النشأة حديث معرفيا ومجاال

الظهور التاريخي لمفهوم ( الفن اإلسالمي) دور معنوي ما في رسوخ

بأنه وتأريخه الفن هذا بأعمال المشتغلين من كثير لدى االعتقاد

المعرفية- أحواله أحسن كأنه -في يبدو موضوع- هو حيث -من

24

واآلثار والتاريخ، علوم الحضارة، موضوعات من ثانوي موضوع

اإلسالمية.

االستشراقية المعرفية النشأة هو ذلك في الرئيس والسبب

الجمال ( علم اليوم عليه يطلق أصبح لما والمعاصرة الحديثة

اإلسالمي)؛ إذ أدت المعرفة االستشراقية إلى جعل أغلب ما يتعلق

بالصنيع كبير- حد مرتهنا -إلى موضوعات؛ من اإلسالمي بالفن

العلمي والفلسفي الغربي لطبيعة هذا العلم وحدوده.

للبحث يخضع أن يمكن ما كل هنا بالموضوع نقصد وإذ

العلمي في تاريخ الفن اإلسالمي وفلسفته من اآلثار واألعمال الفنية

بتلك المتعلقة النظرية والمعلومات الفكرية اآلراء ومن المادية،

ربما االرتهان هذا إن القول يمكننا فإنه الفنية، واألعمال اآلثار

كان سببا مباشرا أو غير مباشر في أن يظل الجدل المعرفي العربي

واإلسالمي المعاصر في مفهوم ( علم الجمال اإلسالمي) وعلميته،

قائما بين الدعوات األولية إلى بناء مفهومه،(1) والتأسيسات المعرفية

هذا لمفهوم القاطع الفلسفي والرفض العلمية،(2) لبنيته المتواضعة

العلم ومقوماته المعرفية.(3)

الفكر، عالم وتطبيق»، تصور عربي: جمال علم «نحو العزيز. عبد الدسوقي، (1)

الكويت: المجلس األعلى للثقافة واآلداب والفنون، مج9، عدد2، 1978م، ص188.

وزارة قطر: القرآني، التأسيس في رؤية الجمال.. العظيم. علم عبد صغيري، (2)

األوقاف والشؤون اإلسالمية، كتاب األمة، عدد151، ط1، 2012م، ص135.

ط1، قباء، دار القاهرة: اإلسالمي، الجمال مفهوم علم تهافت سعيد. توفيق، (3)

1993م، ص21.

25

كله، بذلك المتأثرة اإلسالمي موضوعات الفن أبرز ومن

اإلسالمي دراسات الفن في القائم (designation ( التسمية موضوع

والتصنيف اآلثاري والمنهج االستشراقية، الرؤية على عادة

التاريخي في فهم منجزات (اإلبداع الفني اإلسالمي) المادية، وفي

تفسير نظرياته الفلسفية والجمالية وغيرها، فهما غربيا محضا، غالبا

(مصطلحات) بعد فيما صارت وأسماء ألفاظ إطالق إلى أدى ما

مبنية -بشكل أساس- على المفهوم الغربي ألعمال الفن اإلسالمي

العلمي البحث حضن في المصطلحات هذه نشأت إذ وأفكاره؛

والصنائع والفنون والعمارة اآلثار بدراسة الخاص االستشراقي

إلى األولى بداياته تعود الذي البحث لهذا كان فقد اإلسالمية،

أقل على الميالدي عشر الهجري/السابع عشر الحادي القرن

تقدير، تأثيره الكبير في تسمية المكتشفات المتعلقة حضاريا وثقافيا

والمخطوطات، والتحف العمائر من اإلسالمي بالعالم وجغرافيا

القول يمكن بما الفنية، واألعمال المعمارية اآلثار من ذلك وغير

قد كانت االستشراقية والمصطلحات والمفاهيم الرؤى بأن معه

للغة األقل- -على والتأسيسية األولى المعرفية المادة شكلت

وتطورت المختلفة، اإلسالمي، مجاالت الفن في العلمي البحث

المصطلح لموضوع والمفهومية والمنهجية العلمية المستويات

المتعلق بالفن اإلسالمي لتكون بمنزلة العصب المعرفي لما يمكن

أن نسميه ( لغة الفن اإلسالمي).

26

وعلى الرغم من أن النظرية اللغوية للفن اإلسالمي قد تمتد -بال

حدود أحيانا- في آفاق المجاز النقدي القائم على القراءة التأويلية

ألعمال هذا الفن وآثاره، بوصفها عالمة بصرية ورمزا ثقافيا وخطابا

من وراءه ما في ويبحث الفني، الشكل يفوق ما في عاليا معرفيا

المعاني والدالالت والقيم،(1) فإن ما نقصده بلغة الفن اإلسالمي،

ونسعى للبحث فيه هنا، هو: مجموعة المفاهيم والمصطلحات التي

تشكل بؤرا داللية لموضوعات هذا الفن الرئيسة، فضال عن كونها

الكلمات المفتاحية للبحث العلمي في مجاالته المعرفية المختلفة.

ما على أساس- -بشكل تقوم بامتياز، معرفية لغة فهي ولذلك؛

يمكن أن نطلق عليه المصطلح الفني.

بدراسة المعنيين بعض -عند التعبير هذا يستخدم وقد

( المصطلح لتعبير مطلقا مرادفا وصناعته- ووضعه المصطلح

تطور علم ظل في نحبذه وال ذلك، نقصد ال لكننا العلمي)،

واإلسالمية العربية في الثقافة المصطلحات وتصنيف المصطلح،

الحديثة والمعاصرة، ألن المصطلح لفظ من األسماء أو الصفات،

مباشرة الدال اللغوي رمزهم عده على تخصص كل أهل يتفق

شائعا يكون وقد بينهم، ومتداول عندهم، معين مفهوم على

التخصص هذا بأهل خاصا مصطلحا بوصفه غيرهم، لدى عنهم

عليه. العاملة وجماعته

معهد الفنون اإلسالمية التقليدية. مقاالت في الفنون اإلسالمية، األردن: جامعة (1)

البلقاء التطبيقية، ومؤسسة آل البيت الملكية للفكر اإلسالمي، د.ت، ص28-16.

27

ومن هنا؛ يمكن أن يعرف المصطلح باسم أهله وصفة جماعته

فقد غيره، من أكثر له ينتسب الذي المعرفي المجال أو الخاصة،

يطلق ( المصطلح العلمي) عاما على كل مصطلحات العلوم واآلداب

المصطلح وبوصف علوما، جميعا بوصفها والصناعات والفنون

المصطلح، نظر علم وجهة من األفضل ولكن العلوم)، ( مفتاح

العلمي) ( المصطلح إلى العموم على المصطلحات تلك تصنيف

بجماعة الخاص األدبي) و( المصطلح العلماء، بجماعة الخاص

الفن ونقاد الفنانين بجماعة الخاص الفني) و( المصطلح األدباء،

ومؤرخيه، وهكذا.

ويمكن القول في هذا السياق كذلك، مثلما وجد في المعرفة

فيها يوجد أن يمكن الحديث، مصطلح) (علم اإلسالمية العربية

نسميه أن يمكن بما ومصطلحاته، اإلسالمي أللفاظ الفن علم

-على العموم- ( المصطلح الفني اإلسالمي).

أوال: إشكالية البحث وهدفه

ما يستدعي التوقف عنده، مما يتعلق بواقع هذا المصطلح في

لغة الفن اإلسالمي ونظريته المعرفية العامة، هو اإلشكالية الفكرية

التي قد تثيرها الصناعة االستشراقية لمفاهيم هذا الفن ومصطلحاته

األساسية. وتتمثل هذه اإلشكالية في المفارقات الثقافية والمعرفية

الذاتية اإلسالمي هوية الفن من كل بين ما- حد -إلى واللغوية

28

وحقيقته اإلبداعية األصيلة على مستوى الهوية، من جهة، وصورته

غير ولسان بالكامل، إسالمي غير بفهم تبنى قد التي الموضوعية

عربي أحيانا في التعبير واألسلوب، من جهة أخرى.

اللغوية اإلشكاليات دراسة إلى المقاربة هذه تسعى لذلك؛

الفنية والمصطلحات المفاهيم هذه ببعض المتعلقة والداللية

بعض في المتمثلة األساسية، مصادرها على والتعرف اإلسالمية،

لغات الشعوب اإلسالمية وثقافاتها المتنوعة بعامة، والمتمثلة أحيانا

عن فضال بخاصة، االستشراقية الغربية اللغات بعض في أخرى

دراسة حقيقتها اللغوية العربية األصيلة في الثقافة اإلسالمية.

تأصيل المصطلح محاولة إلى البحثية المقاربة هذه وتهدف

الفني اإلسالمي، إذ تقوم نظرية العمل المنهجية التأصيلية هذه على

اإلفادة من روافد معرفية عدة، من أبرزها:

الفنية - 1 وموضوعاته الجمال لعلم اإلسالمي الموروث

والنقدية؛ النظرية والتطبيقية.

والمؤسسات - 2 اللغوية المجامع لبعض المبكرة العناية

واإلسالمية العربية النهضة مفكري ولبعض العلمية،

الحديثة، بدراسة اإلشكاليات المعرفية، والتحديات الثقافية

تزال وال بالذات، العربية اللغة واجهتها التي المعاصرة

العرب اللغويون عليه أطلق ما مع التعامل في تواجهها،

ومصطلحات ( ألفاظ الحضارة والمعاصرون المحدثون

29

والوسائل واالختراعات باالكتشافات المتعلقة الفنون)(1)

ومظاهر الحياة االجتماعية المختلفة من الملبس والمأكل

وما شاكل، والمتعلقة بالعلوم الطبيعية واإلنسانية والصرفة

والحركات والفلسفات النظريات عن فضال والتطبيقية،

واالقتصادية، واالجتماعية والسياسية الفكرية والتيارات

اللغوية وظواهرها الحديثة مظاهر الحضارة من وغيرها

العربية الحياة إلى بقوة الوافدة واالجتماعية والثقافية

العلمية مؤسساتها بعض إلى والداخلة واإلسالمية،(2)

واألكاديمية والثقافية، وبخاصة المصرية منها، منذ بدايات

لتلقي الميالدي، الهجري/العشرين عشر الرابع القرن

بظاللها الثقيلة على واقع اللغة العربية المعاصرة.

ثانيا: دراسات الموضوع السابقة

يتمتع -التي والمعرفية اللغوية الخصوصية تكون ربما

الحضارية األلفاظ هذه بين اإلسالمي) الفني ( المصطلح بها

والمصطلحات الفنية الحديثة- سببا في قلة األدبيات المتعلقة مباشرة

مطلوب، أحمد. «معجم ألفاظ الحضارة ومصطلحات الفنون»، مجلة مجمع اللغة (1)

العربية، دمشق، مج78، ج3، 2003م، ص33.

يعد األديب محمود تيمور (ت 1392هـ/1973م)؛ عضو مجمع اللغة العربية في (2)

أول لصناعة الحديث اإلسالمي، وربما العربي، العلمي العمل رائد القاهرة،

معجم أللفاظ الحضارة ومصطلحاتها العربية واإلسالمية، سماه: معجم الحضارة،

وطبع طبعته االولى في القاهرة: المطبعة النموذجية، عام1961.

30

بهذا الموضوع، وفي شحة الدراسات السابقة، التي غالبا ما تجيء

عرضا في سياقين رئيسين، وربما متداخلين أحيانا؛ هما:

البحث العلمي االستشراقي المتعلق بتاريخ الفن اإلسالمي - 1

وتحوالته المعرفية.

البحـــث اللغوي العربي المتعلـــق باأللفاظ والمصطلحات - 2

الدراســـات أطلقتهـــا أو اخترعتهـــا، التـــي والمفاهيـــم

االستشـــراقية المتعلقة بتاريخ الفن اإلســـالمي.

ومن هنا؛ قد يصعب القول بوجود دراسات مصطلحية خاصة

لوضع المصطلح متواضعة محاوالت وجود مع الموضوع، بهذا

الفني اإلسالمي ومعجمته في:

معاجم عامة، كمعجم مصطلحات الفن اإلسالمي للباحث - 1

اآلثاري أحمد محمد عيسى، الذي عمل عليه من خالل

ومصطلحاته ومفاهيمه اإلسالمي ألفاظ الفن استخالص

وتصنيفها، وترجمتها، األجنبية، الكتب في الواردة

ومعجمتها، سدا لذرائع النقص اللغوي والتقصير المعرفي

الثقافة العربية واإلسالمية الحديثة والمعاصرة، التي كانت

-إلى حد ما، بحسب رأي هذا الباحث- «فقيرة في كتب

الفنون اإلسالمية، وفقيرة كذلك في مصطلحاتها الفنية؛ إذ

إن أكثر الذين كتبوا فيها لم يوفوا هذه المصطلحات حقها

ب الكتاب المصريون من العناية والتحقيق، وكثيرا ما تهر

31

خلطوا أو الدقيقة، الفنية المصطلحات بعض ترجمة من

والدهان والحفر، كالنحت منها، البعض ترجمة بين

والطالء، والرسم والتصوير، والتكفيت والتطعيم.»(1)

العربي - 2 مصطلحات الخط كمعجم خاصة، معاجم

على عمل الذي البهنسي، عفيف للدكتور والخطاطين

مما ومصطلحاته ومفاهيمه الفن هذا ألفاظ استخالص

تيسر من بعض متون الكتب العربية والمؤلفات اإلسالمية.

معاجم عامة خاصة، كمعجم مصطلحات العمارة والفنون - 3

عليه عمل الذي رزق، محمد عاصم للدكتور اإلسالمية

أللفاظ العربي اللغوي األساس بين خالل التوفيق من

هذا المعجم ومصطلحاته وبين أفقها الموضوعي في هذا

المجال المعرفي الخاص والمتميز.

ثالثا: فرضية البحث وقاعدته النظرية

وتنطلق هذه المقاربة في تناول هذا الموضوع من نظرية اللغة

العربية اللغة بين الحميمة العضوية العالقة على القائمة المعرفية

والفن اإلسالمي. وتستند هذه العالقة -بشكل أولي- إلى الحقائق

اآلتية:

دار القاهرة: عيسى، محمد أحمد ترجمة: اإلسالمية، الفنون س. م. (1) ديماند،

المعارف، ط4، 1982م، ص2.

32

اللغة العربية لغة القرآن الكريم والدين الحنيف، والمعرفة - 1

الكلية والثقافة األساسية والقيم العامة في العالم اإلسالمي؛

اإلسالمية الشعوب أغلب لغات في اللغة هذه تدخل إذ

التي الشعوب هذه لغات عدد ر ويقد الخاصة. وثقافاتها

مائة من بأكثر العربي؛ الخط الكتابية أنظمتها استعارت

وتسعة وعشرين لغة.(1)

يتمثل - 2 اإلسالمي، في الفن كبير تأثير ذات العربية اللغة

في الفن الشكل لهندسة اإليقاعية المتغيرات تنظيم في

من عنصر لكل الفاضل اإلتقان تقويم وفي اإلسالمي،

فضال والهندسية، النباتية الزخرفية؛ الفن هذا عناصر

عن صور الخط العربي الحاملة لكلمات القرآن الكريم،

عن المجردة بفكرة التوحيد المتعالية اإللهية وحقيقتها

معرفيا لغويا رمزا اإلسالمي يجعل الفن الذي الشكل، ظاهرا لتجليات الوحدة اإللهية.(2)

الجامعة - 3 واألم األولى، اإلسالمي العربية لغة الفن اللغة

المتعلقة والمفاهيم والمصطلحات األلفاظ لكل

بموضوعاته الفلسفية والجمالية واإلبداعية، وغيرها.

بنبين، أحمد شوقي. ما المخطوط؟، مجلة دعوة الحق، الرباط، وزارة االوقاف (1)

والشؤون اإلسالمية، س45، عدد337، ماي/يونيو 2004، ص33.

بيركهارت، تيتوس. تأثير اللغة العربية على الفنون البصرية في اإلسالم، ضمن: (2)

مقاالت في الفنون اإلسالمية، مرجع سابق، ص111.

33

رابعا: نشأة المصطلح الفني اإلسالمي وتطوره

التعرف في العلمية وحركته األوروبية النهضة عصر أدى

انبثاق إلى العالم في المجتمعات وحضارة االنسان ثقافة على

باألحاسيس المتعلقة الفلسفية، الموضوعات في المنهجي التفكير

والمبصرة المسموعة بالصور يتعلق ما لكل اإلنسانية والمدركات

ومضامينه التعبير أشكال من عنها يصدر ما ولكل والمتخيلة،

في جديد لمجال أثيرا موضوعا (الجمال) صيرورة إلى اإلبداعية،

إلى وانتماء بالدين، اتصاال يكون ما أقرب هو اإلنسانية، المعرفة

الفلسفة، وتمثال لصورة العلم المنهجية التي ربما شكلت -من حيث

عن ما نوعا المتميز (الفن ) مفهوم األقل- على المعرفي التصنيف

مفهوم كل من العلم نفسه، واألدب إلى حد ما، وذلك في المجال

المعرفي الذي بدأ يتشكل منذ منتصف القرن السابع عشر الميالدي،

باسم ( علم الجمال) أو (فلسفة الفن ).

وتبعا لكل هذه المغيرات الجديدة، فقد تأثر الفن ، وبدأ الفنانون

رحلة استطالع وإبداع، من خالل ما يسمى بـ (الفن الحديث) بمختلف

اتجاهاته وآفاقه. وظهرت نظريات جديدة للجمال والتقييم الجمالي،

تتناسب مع المفاهيم الجديدة للفن في محيطه الجديد؛ إذ إن هذه

النظريات الجمالية الجديدة تعبر عن التطور التاريخي لهذا المجال

المعرفي الجديد، من خالل نظريات الجمال القديمة والحديثة، التي

34

الفكري والجمال العاطفي، والجمال الحسي، تشمل:(1) الجمال

(التجريدي والوظيفي)، والجمال الروحي، والجمال التشكيلي.

على العلم القائم المادي األوروبية النهضة فكر من وبدافع

الثقافي واإلبداع الصناعي اإلنتاج في المال ورأس والتكنولوجيا

واإلنساني، والطبيعي الجغرافي العالم في الحضاري واالكتشاف

صار هذا المجال المعرفي الجديد مظهرا من مظاهر التطور التاريخي

وسمة الحضاري، رقيه أشكال من وشكال وهويته، اإلنسان لثقافة

والمعرفية والحضارية الثقافية الحداثة حركة سمات من بارزة

اإلنسانية، وركيزة حيوية من ركائزها األساسية، التي تعكس درجات

إلى اإلنسانية، والرؤية والكون بالوجود المتعلق الفكري، الوعي

التاريخ والحياة والمصير.

األرض، شعوب أغلب لدى شكل الغربي الفكر هذا ولكن

التحديات أقوى بخاصة، واإلسالمية العربية الشرق شعوب ومنها

وتقاليدها الفكرية لهويتها األوروبي القادم من والثقافية الحضارية

الشعوب طاقة من أكبر التحديات هذه كانت وربما االجتماعية.

على تحملها ومواجهتها والتعامل اإليجابي معها، فأثرت الوافدات

والفنون واآلداب والعلوم الصناعات من األوروبية، الحضارية

والتقاليد الغربية، في البنى االجتماعية ألغلب هذه الشعوب الشرقية،

ط1، برس، جروس بيروت: الجمالية، النظريات فلسفة المقدم. غادة عدرة، (1)

1996م، ص28.

35

واإلسالمية العربية في الثقافة الكبيرة تأثيراتها عن فضال بعامة،

الحديثة والمعاصرة، بخاصة.

الحضاري التأثير لهذا والمهمة األولى المالمح من وكان

والوعي بعامة، اإلسالمي الوعي في األوروبي والعلمي والثقافي

من لكل العربي اإلسالمي المفهوم تحوالت بخاصة، منه العربي

مصطلحي ( الحضارة) و ( الثقافة) من جهة، ولمصطلح الفن من جهة

لفظة في المعنى تحول فقد األولى. بالجهة معرفيا متعلقة أخرى

الحضارة، مثال، من مجرد المكوث والتوطن واالستقرار وغير ذلك

من مظاهر الحضور األخرى، إلى المكان والتحضر فيه، التي اعتدنا

من أوسع مفهوم إلى العربية، اللغة معاجم في معانيها توكيد على

حيث المعنى والداللة السياقية المرتبطة بأسلوب حياة عام في أبعاده

الشخصية واالجتماعية والسلوكية والفكرية واالقتصادية والسياسية

والعمرانية وغيرها، من كل ما يدل على حداثة اإلنسان الفكرية، ورقيه

االجتماعي، ورفاهيته المعيشية. وقد جاء هذا المفهوم الجديد إلى

المعرفة العربية واإلسالمية الحديثة والمعاصرة من ترجمة مصطلحي

(Civilization) و(Culture) إلى اللغة العربية،(1) وما يتعلق بهما دالليا

والحركات والعالقات والتقاليد والصناعات االختراعات من

والنظريات واألفكار والوسائل واألساليب والتقنيات والتنظيمات،

والتعبيرات، وكل مظاهر اإلبداع اإلنساني المادية والمعنوية.

وداللة المصطلح لسيرة دراسة محمد. الحضارة- الثقافة-المدنية؛ نصر عارف، (1)

المفهوم، هيرندن: المعهد العالمي للفكر اإلسالمي، ط1، 1994م، ص45.

36

وقد اقترن بهذا التحول الواضح في المعرفة العربية واإلسالمية

اللغوية معانيها من الفن للفظة معرفي تحول والمعاصرة الحديثة

والنوع الجنس وفي والمطلق، العام الحال في المتمثلة القديمة

والضرب(1) الخاص والمحدد من األشياء والصناعات والمجاالت

الفكرية والعلمية واألدبية، وغير ذلك من مظاهر اإلبداع اإلنساني بال

استثناء، نحو محاوالت البناء العلمي الجديد لمفهوم الفن مصطلحا

ترجمة خالل من الجمالي، المجال على الداللة محدد معرفيا

مصطلح (Art) األجنبي إلى مفردة الفن العربية.(2)

الخاص والثقافي اللغوي ومفهومه الفن مصطلح كان وربما

التحديات أكبر من والصناعة واألدب مفاهيم العلم عن المختلف

الحضارية والثقافية والعلمية، التي واجهها الوعي العربي اإلسالمي

قرن الميالدي؛ عشر الهجري/التاسع عشر الثالث القرن في

وهو األوروبي، والغرب اإلسالمي العالم بين الكبرى التفاعالت

فقد الغربية، نحو الثقافة اإلسالمية للثقافة العميقة التحوالت قرن

جرت أعمق التحوالت الفكرية واللغوية والمفهومية في بنية الثقافة

اإلسالمية الحديثة والمعاصرة تجاه العديد من المستجدات الناشئة

في المجتمعات اإلسالمية، ومنها: المجتمعات العربية، بسبب بعض

ج6، 1956م، صادر، دار بيروت: العرب، لسان مكرم. بن محمد منظور، ابن (1)

ص3476.

حنش، إدهام محمد. الخط العربي وإشكالية المصطلح الفني، حلب: دار النهج، (2)

ط1، 2007م، ص27.

37

Acculturation والمثاقفة والتعليم، كالعلم المتمثلة الناعمة العوامل

والترجمة، التي كان لها الدور الفاعل في بلورة وعي إسالمي حديث،

وفي بناء مفهوم عربي جديد لمعنى الفن وقيمته المعرفية، المتمثلة

في الجمال واإلبداع والتذوق، وغير ذلك مما له عالقة بإحساسات

النفس وشعورها اإلنساني.

الطهطاوي رافع رفاعة المصري األديب كان وربما

إلى الثقافة الفرنسية من الثقافة نقل من أول (ت1290هـ/1873م)

إلى البشرية المعارف قسموا اإلفرنج أن» فكرة اإلسالمية العربية

بطريقة المتحققة اإلدراكات هو فالعلم وفنون، علوم قسمين:

قواعد حساب على الشيء صناعة معرفة فهو الفن وأما البراهين،

مخصوصة.»(1)

ولكن الطهطاوي -مع زمالئه المشتغلين بالترجمة- في ( مدرسة

األلسن ـ تأسست عام 1254 هـ/1839م) التي كان يرأسها -لم يعدموا

الصلة المعرفية بين ( العلم) و (الفن )، وبالتالي لم يقيموا قطيعة لغوية

أو داللية بين االثنين على أساس المفهوم أو التعريف أو االصطالح

الخاص بكل منهما، فقد ظلت، -عند هؤالء األلسنيين المترجمين-

إمكانية داللة (الفن ) على ( العلم)، وداللة ( العلم) على (الفن )، إلى

حد ما. ويمكن أن نالحظ ذلك- على سبيل المثال ال الحصر- في

تحت المدرسة، هذه في العاملين من فريق ترجمه الذي الكتاب

الهيئة القاهرة: باريز، تلخيص في اإلبريز تخليص رافع. رفاعة الطهطاوي، (1)

المصرية العامة للكتاب، 1993م، ج2، ص266.

38

إشراف الطهطاوي نفسه- من اللغة «الفرنساوية إلى العربية» بعنوان:

(كشف رموز السر المصون في تطبيق الهندسة على الفنون).

وكان هذا الكتاب» كتابا في تطبيق الهندسة والميكانيكة [هكذا]

وعلم المعمار كفن المستظرفة» والفنون والصنائع الحرف على

المباني، وعلمي الجغرافية والهيئة، وصناعة أو عمارة السفن، وعلم

والطبع والنحت النجارة وفن والكسوف، والظالل والضوء النور

فن كل من حائزة [هذه] األلسنة « مدرسة وأن السيما والتبغرافيا،

أحسنه» كما ورد في مقدمة الكتاب.

وفي هذا السياق انفتح باب التطورات المفهومية والمصطلحية

العربية في الثقافة نسبيا، الحاصلة والفن؛ الجمال بوعي المتعلقة

تركيبات اصطالحي، شبه بشكل تتداول، صارت التي واإلسالمية

(الفنون مثل:(1) والداللة، المعنى محددة لغوية وتعبيرات اسمية

( الفنون وآخرها الفتانة)، و( الفنون الراقية)، و(الفنون النفيسة)،

الجميلة)، الذي ربما كان األديب أحمد فارس الشدياق (ت 1304

هـ/1887م) أول من أطلقه.

وكانت التحوالت الفكرية والثقافية العربية واإلسالمية؛ النظرية

والعملية، نحو المفاهيم الحضارية الجديدة التي بدأت تنتشر -بشكل

اجتماعية وغربه -ظاهرة العربي العالم شرق بين ما في متفاوت-

دائرة الثقافة الشارقة، مجلة الصورة، ومقارباته»، «قواميس الفن شربل. داغر، (1)

واإلعالم،العدد1، 2004م، ص83.

39

لمواجهتها والثقافية والعلمية الدينية النخب تصدت عامة، شبه

معرفيا من خالل التأصيل الشرعي، والتوطين الحضاري، فضال عن

األشياء من الجديدة الحضارية الوافدات ألغلب اللغوي التكييف

والتقنيات، واألساليب والمفاهيم الغربية الحديثة، على المجتمعات

العربية واإلسالمية.

سبيل النوازل) -على ( فقه واجه الشرعي، التأصيل جهة فمن

التي الجديدة، الحضارية الوافدات هذه بعض الحصر- ال المثال

كان منها -على سبيل المثال ال الحصر- (الفن )، تعبيرا عن الرسم

والتصوير والغناء والتمثيل المسرحي وغير ذلك من المظاهر اإلبداعية

في الناس حيرة تبديد الفقه هذا حاول وقد المجتمع. في الناشئة

الحرام بين متباين بجدل الوافدة األشياء هذه مع الشرعي التعامل

هذه أبرز من الفوتغرافي) ( التصوير مسألة كانت وربما والحالل،

التي واإلسالمي، العربي المجتمع إلى الغربية الحضارية الوافدات

حظيت بفتوى اإلباحة والقبول.(1) وقد ساهم هذا الفقه المقاصدي

يطلق كان لما االجتماعي التوطين في الشرعية فتاواه خالل من

عليه ( الفنون الجميلة)، التي ربما كان الشيخ محمد عبده (ت 1322

هـ/1905م) أول من دعا إلى قبولها وإشاعتها في المجتمع،(2) وفي

المطيعي، محمد بخيت. الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتغرافي، القاهرة: (1)

مفتي وهو هـ/1935م) والمؤلف (ت 1353 ص13. الخيرية، 1302هـ، المطبعة

الديار المصرية لألعوام 1332هـ/1914م-1339هـ/1921م.

عبد الرازق، مصطفى. الشيخ محمد عبده والفنون الجميلة، القاهرة: مجلة الفنون، (2)

1924م، ص23.

40

التوطين اللغوي لكثير من ألفاظ تلك الوافدات الحضارية الجديدة

ومفاهيمها كالتلفون والتلغراف والفوتغراف والطاموبيل والفونغراف

والراديو واإلصطنبا والسبتاكل واالوبرا والبنك وغيرها، في الثقافة اإلسالمية.(1)

هذه بعض توطين في والكتاب والمثقفون المتعلمون وساهم

والمالبس، والتقاليد واآلداب الصناعات من الغربية الوافدات

العربية المجتمعات في والمظاهر والمواد اآلالت من ذلك وغير

هذه رقي على ودالئل معايير الوافدات هذه بوصف واإلسالمية،

المجتمعات وتطورها الحضاري، وذلك من خالل وسائل تحديث

والسجاالت والنقاشات الحوارات خالل ومن المتاحة، التعليم

الدائرة في الصالونات الخاصة والمقاهي، ومن خالل تأليف الكتب

ونشر المقاالت في الصحف والمجالت ووسائل اإلعالم األخرى؛

وأسلوبية لغوية مقاربات األقل، على كله ذلك خالل من تمت إذ

واصطالحية غير مباشرة لهذه الوافدات في لغة المجتمع العامة، فضال

عن لغتنا العربية الفصحى. ومن أبرز ما أنجزه المثقفون العرب الرواد

على صعيد مسائل الفن ومصطلحاته هو تحديد الطبيعة المعرفية للفن

بين الحضارة والثقافة، فذهب سالمة موسى (ت 1377 هـ/ 1958م)

األجنبي اللفظ مقابل في لفظ الثقافة أفشى من أول كان -الذي

اتخاذ الصور) في المحرر (القول في قراءة والصورة: الفقيه أحمد. السعيدي، (1)

ثقافة الصورة، ضمن: هـ/1909م)، 1326 (ت الكتاني الكبير عبد بن لمحمد

األردن: جامعة فيالدلفيا، 2007م، ص234.

41

culture- إلى ربط الفن بالثقافة أكثر من الحضارة، على أساس أن

وكان لألديب توفيق الحكيم فذهنية.(1) وأما الثقافة مادية الحضارة

(ت 1407 هـ/1987م) مثال دور مماثل لهذا الدور، لكن في تحديد

الطبيعة المعرفية لفن المسرح من حيث وضع مصطلحه الجديد في اللغة العربية، ومن حيث ترسيخه في الثقافة العربية الحديثة.(2)

أما المقاربات اللغوية واألسلوبية واالصطالحية المباشرة لهذا

العلمية ومجامعها اللغة علماء جهود خالل من فتمت الموضوع

الرسمية، التي حاولت تكييف كثير من تلك األلفاظ والمصطلحات

األقل- -على العربي للسان الحديثة الغربية الحضارية والمفاهيم

الظاهرة، لهذه التصدي في االصطالحي العمل تبكير وحاولت

ما كل عالجت التي العربية، اللغوية إطار الثقافة في ودراستها

والفنية الحضارية والمفاهيم والمصطلحات األلفاظ بتلك يتعلق

والتصنيف والترجمة والتعريب الوضع بين اللسانية التحوالت من

والمعجمة.

في اللغوية الدراسات هذه لمثل المبكرة المحاوالت وهذه

األلفاظ والمصطلحات والمفاهيم المتعلقة بالفن اإلسالمي، كانت

1348هـ/1930م)، (ت باشا تيمور العالمة أحمد األديب بدأها قد

عارف، الحضارة- الثقافة-المدنية؛ دراسة لسيرة المصطلح وداللة المفهوم، مرجع (1)

سابق، ص27.

1967م، ط1، للطباعة، مصر دار القاهرة: المسرحي، قالبنا توفيق. الحكيم، (2)

ص12.

42

حاولوا الذين المحدثين، العرب الباحثين أول عده يمكن الذي

كتب أحمد فقد وتاريخ الفن اإلسالمي، ألفاظ الحضارة دراسة

الرائد كتابه أبرزها من الموضوع، هذا في كتاب من أكثر تيمور

( التصوير عند العرب)(1) الذي يعد رائدا في مجاله، وذا قيمة علمية

والمصطلحات األلفاظ من العديد على احتواؤه حيث من كبيرة

مثل: التذهيب، اإلسالمي بفن التصوير المتعلقة العربية والمفاهيم

والتزميك، والتكفيت، وخيال الظل، وطيف الخيال، وغير ذلك من

مثل هذه األلفاظ والمصطلحات الفنية اإلسالمية الخالصة.

معجم لتأسيس مهدت التي األولى، العلمية الجهود وتعود

واألديب بشر اللغوي الباحث إلى مصطلحات الفن اإلسالمي،

فارس (ت 1382 هـ/1963م) الذي كان أول الباحثين اللغويين العرب

اإلسالمية، الفنية المصطلحات بدراسة عناية وأكثرهم المحدثين،

وأكثرهم انشغاال بتأصيلها اللغوي الهادف إلى بناء لغة الفن اإلسالمي

خالل من وذلك االختصاص، في العريقة التاريخية ألفاظها على

تقديمه العديد من اإلسهامات اللغوية، التي يمكن عدها لبنات أولى

وتأسيسية لما يمكن أن نسميه ( علم المصطلح الفني اإلسالمي).

ومن أهم األعمال التي قدمها بشر فارس في هذا المجال، على

سبيل المثال ال الحصر:

زكي الدكتور وتعليق: ودراسة بتحقيق 1361هـ/1942م، عام الكتاب هذا نشر (1)

محمد حسن.

43

بحث مختصر نشره في مجلة مجمع اللغة العربية الملكي، في -

مصر عام 1353 هـ/1935 م، بعنوان:( في اصطالحات الموسيقا

والفلسفة).

كتابه الموسوم بـ: ( اصطالحات عربية لفن التصوير).(1) -

مسرد عربي -فرنسي بأكثر من ثمانين مصطلحا في فن التصوير، -وضعه في خاتمة كتابه عن ( سر الزخرفة اإلسالمية).(2)

( الفن القدسي في التصوير اإلسالمي األول).(3) -

الرائدة المصطلحية العلمية الجهود تلك كل فإن هذا ومع

في العربية اللغة ( مجمع إطار في وتنشر وتقر تبذل كانت التي

القاهرة)،(4) لم ترق إلى تحركات هذا المجمع اللغوي نحو االهتمام

العلمي بموضوع ( لغة الفن اإلسالمي)، إلى مستوى الجهد المعرفي

الفني معالجة المصطلح في القدامى المسلمون العلماء بذله الذي

اإلسالمي، من خالل كتاباتهم عن الجمال من منظور إسالمي، وعن

مختلف أجناس الفن اإلسالمي، فعلى سبيل المثال ال الحصر:

قدم الفارابي (ت 339 هـ/950م) العديد من التعريفات الفنية المتعلقة

منشورات المجمع العلمي المصري، القاهرة، 1948م. (1)

منشورات المعهد الفرنسي لآلثار الشرقية، القاهرة، 1952م. (2)

مطبعة مصر، القاهرة، 1955م. (3)

أنشىء في مصر عام 1309هـ/1892م؛ أول مجمع لغوي في العالم العربي باسم (4)

مجمع إلى بعد فيما تحول قد كان الذي والتعريب) (المجمع اللغوي للوضع

اللغة العربية بالقاهرة.

44

بالموسيقى والتصوير مثل:» األلحان الملذة، وهي التي تكسب النفس

لذة وراحة، دون أن يكون لها صنع آخر في النفس. واأللحان المتخيلة،

وهي التي تفيد النفس مع تلك التخيالت وتوقع فيها تصورات أشياء،

وحالها في ذلك حال التزاويق والتماثيل المحسوسة بالبصر. واأللحان

االنفعالية، وهي التي تحدث االنفعاالت، فهي إما مزيدة لها أو منقصة

منها. واأللحان الغنائية، وهي غريزة طبيعية في طلب اللذة أوالتخيل أواالنفعال، وهذه هي غايات األلحان.»(1)

تقديماته في 370هـ/980م) (ت سينا ابن فعل وكذلك

فصل في علم الموسيقى) ( جوامع سماه بما المتعلقة المصطلحية

شرحه في الجوامع هذه تمثلت وقد ( الشفاء). كتابه من خاص

باأللحان المتعلقة والمصطلحات والمفاهيم األلفاظ من للعديد

واألنغام واآلالت الموسيقية الموسيقية مثل: ( األبعاد) و( الجموع) و( اإليقاع) وغيرها.(2)

العديد هـ/1023م) 414 (ت حيان التوحيدي أبو قدم وكذلك

من األلفاظ المؤسسة للغة فن الخط العربي المعرفية بعنوان ( معاني

غطاس تحقيق: الكبير، كتاب الموسيقى طرخان. بن محمد نصر أبو (1) الفارابي،

عبد الملك خشبة، القاهرة: دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، ط1، 1967، ج5،

ص179.

ابن سينا، أبو علي الحسين بن عبد اهللا. جوامع علم الموسيقى، ضمن: فارمر، (2)

هنري جورج. تاريخ الموسيقى العربية حتى القرن الثالث عشر ميالدي، ترجمة:

1972م، الحياة، مكتبة دار منشورات بيروت: المحامي، اهللا فتح جرجيس

ص412.

45

والتشقيق، والتعريق، والتخريق، والتحويق، الخط: التحديق، والتنسيق، والتوفيق، والتدقيق، والتفريق).(1)

وربما كان مسكويه (ت 421هـ/ 1030م) من أوائل المؤرخين

الذين تحدثوا عن التجارب اإلبداعية لبعض الفنانين المسلمين في

مجال ما سماه: ( علم التصاوير)(2) الذي كان معروفا في التراث الفني

اإلسالمي بمصطلحات أخرى مثل: ( التزويق أو الزواقة)(3) الذي هو

(صناعة المصورين) عند إخوان الصفا(4) (ق 3 هـ/ 9م) مثال.

وقدم الغزالي (ت 505هـ/ 1111م) تصنيفا معرفيا لفكرة الجمال

يقوم على المفاهيم اآلتية:(5) ( الجمال الحقيقي) و( الجمال الطبيعي)

ألنواع المصنفة المفاهيم من ذلك وغير اإلنساني)، و( الجمال

( الجمال الباطن) و( الجمال الظاهر)، ومراتب إدراكهما بالبصيرة أو

البصر، بما يجعل من موضوعات الجمال والفن وألفاظهما الخاصة

(1) التوحيدي، أبو حيان. رسالة في علم الكتابة، تحقيق: إبراهيم الكيالني، دمشق:

المعهد الفرنسي، 1951م، ص32.

الهمم، وتعاقب األمم تجارب يعقوب. بن محمد بن أحمد علي أبو (2) مسكويه،

تحقيق: سيد كسروي حسن، بيروت: دار الكتب العلمية، 2003م، ج6، ص282.

تشارلز تحقيق: كتاب الشعر، تلخيص أحمد. بن محمد األندلسي، رشد ابن (3)

بترورث، وأحمد عبد المجيد هريدي، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،

1982م، ص71.

(4) إخوان الصفا. رسائل إخوان الصفا وخالن الوفا، بيروت: دار صادر، ط1، د.ت،

مج1، ص289.

(5) الغزالي، أبو حامد. إحياء علوم الدين، القاهرة: مطبعة مصطفى البابي الحلبي،

ط1، 1939م، ج2، ص280.

46

نواة التأسيس المعرفي والمصطلحي لعلم الجمال اإلسالمي.

موضوعات عن العلماء هؤالء كتابات تكون أن يمكن وإذ

مصادر والمتميزة الخاصة المعرفية وألفاظهما والفن الجمال

اللغوية ومقرراته العربية اللغة مجمع معالجات لتأصيل أساسية

واالصطالحية، المتعلقة بمفهوم كل من ( الفن اإلسالمي) و( العمارة

التحركات إن القول يمكن فإنه المعرفية.. وحدودهما اإلسالمية)

المبكرة والمتواضعة لمجمع اللغة العربية في هذا المجال، لم تكن

االصطالحية، ألفاظهما في والمعرفي اللغوي النظر وواثقة جادة

فعلى الرغم من إمكان اعتبار (معجم ألفاظ الحضارة ومصطلحات

الفنون)(1) هو المعجم العربي األول من الناحيتين العلمية المحكمة،

واالعتماد الرسمي األوسع في ما يتضمنه هذا المعجم من مصطلحات

في كل من ( فن التصوير)، و( مذاهب الفن الحديث)، و( فن النحت)،

و(فن المرسومات)، و( فن الخزف)، فضال عن قرارات مجمع اللغة

العربية في القاهرة عن ( مصطلحات في العمارة اإلسالمية) المنشورة

في سياق األلفاظ والمفاهيم المتعلقة بالحضارات القديمة كاإلغريقية

واليونانية(2) مثال، بالرغم من كل هذا فإن ( الفن اإلسالمي) ما زال

محكوما في لغته المعرفية بكثير من المفاهيم والمصطلحات األجنبية

والغربية والمعربة، الوافدة على ثقافة هذا الفن العلمية والتاريخية،

صدر هذا المعجم سنة 1980م، عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الهيئة العامة (1)

لشؤون المطابع األميرية.

الصادرة في عام 1390هـ/1971م. (2)

47

وهو ما يدل على أن هذا المجمع، ومؤسسات علمية أخرى، وكثيرا

يلتفتوا لم والمعاصرين المحدثين العرب والباحثين اللغويين من

كثيرا، إلى دراسة لغة الفن اإلسالمي دراسة علمية ولغوية، واسعة

وعميقة، يمكن أن تحررها من بعض مظاهر التغريب االستشراقية؛

وتبعث فيها حقائق التعريب اللغوية على األقل.

خامسا: دور الترجمة في نشأة المصطلح الفني اإلسالمي

األلفاظ لهذه والمعرفي اللغوي التأصيل محاوالت كانت

تعاطيها في وخجولة جدا، متواضعة والمفاهيم والمصطلحات

فدار اإلسالمي، للفن واالصطالحي اللغوي العربي المعجم مع

أغلب محاوالتها التعريبية في إطار التغريب الثقافي، بوصفه عنوان

الحداثة والمعاصرة، فضال عن الحضارة التي انصبت عناية اللغويين

ومفاهيمها ومصطلحاتها ألفاظها على المحدثين العرب والمثقفين

العربية اإلسالمية واألجنبية الغربية على حد سواء، مما صار يتداول

في أوساط العلماء؛ اللغويين وغيرهم من الباحثين في اآلثار والفنون

والعمارة والصنائع اإلسالمية، بوصفها مجاال معرفيا وليدا، وتخصصا

أكاديميا جديدا، وتحديا ثقافيا ولغويا من تحديات الحضارة الغربية

الحديثة، التي حركت البيئة الثقافية العربية واإلسالمية نحو التفكير

العلمي في تأصيل المصطلح الفني اإلسالمي ومعجمته المنهجية.

مع مصطلحات الفن التعامل في فارس منهج بشر كان وإذا

اإلسالمي األجنبية تأصيليا، يتمثل -على العموم- في الرجوع إلى

48

التراث اللغوي العربي؛ المعجمي واألدبي، فإن التحديات اللغوية

المصطلحات، هذه واجهتها التي الكبيرة الثقافية واإلشكاليات

من آخر جانبا عكست التي في الترجمة، العموم- -على تتمثل

تلك التحديات اللغوية؛ التعبيرية والتوصيلية؛ التي ال تزال ظاللها

والثقافة، والتعليم والتأليف البحث مسارات على ملقاة الثقيلة

األجنبية الدراسات في الواردة الفن ومصطلحاته المتعلقة بألفاظ

لآلثار والعمارة والفنون اإلسالمية؛ إذ نجد أغلب هذه الدراسات

هما: كبيرين، فرعين إلى تصنف ( الفن اإلسالمي)

بها 1 - يتعلق وما كالعمارة الرئيسة، أو الكبيرة الفنون

والنقوش الجداري والتصوير والفسيفساء النحت من

الزخرفية الخشبية والجصية وغيرها. وقد قيل إن العمارة

األخرى بأن الفنون يقول رأي ثمة الفنون، لكن هي أم

تتفوق على العمارة في القدرة على تحقيق التعبير الذي

يجسد الفكرة مباشرة، ألن التعبيرات في فن العمارة غير

حين في رمزي، فن فهو الوضوح، كاملة وغير مباشرة

تعبر أن يمكن والتصوير، والنحت المسرح فنون أن

( هيجل، الفيلسوف ويصف مباشرة. بطريقة الفكرة عن

Hegel ت1831م) فن العمارة بأنه أثقل الفنون وأكثرها والثقل.(1) الوزن قوانين حسب يتشكل ألنه صمتا،

بسطاويسي، رمضان. جماليات الفنون، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، (1)

ط1، 1998م، ص319.

49

أو - 2 التطبيقية عليه الفنون يطلق قد ما أو الصغرى «الفنون

المعدنية التحف صناعات و»تضم المنقولة،»(1) اآلثار

وتزويق المصاحف والزجاجية والخزفية والخشبية

والمخطوطات وزخرفتها والفسيفساء والكتابات األثرية.»(2)

(الفنون هو الفنون لهذه واألشهر األول المصطلح ولكن

الفرعية اإلسالمية)، الذي ربما كان الدكتور زكي محمد

حسن أول من ترجمه إلى اللغة العربية، وفي ذلك يقول:

اآلن حتى استخدمناها التي هي الترجمة الفرعية «الفنون

Artsو باإلنكليزية، Minor Arts األوربية للمصطلحات

Mineure بالفرنسية، و Kleinkunst باأللمانية. وقد يمكن أن

تعرف كما التطبيقية، أو الفنون الصناعية نسميها: الفنون

أحيانا باسم الفنون الزخرفية. والمقصود بها على كل حال

هو الفن في األشياء المنقولة التي ينتفع بها أو تتخذ للزينة

حد إلى غامض التقسيم هذا أن الواقع ولكن والزخرف.

في مثال السجاد يدخلون الفنون مؤرخي فبعض كبير،

الفنون الفرعية، والبعض اآلخر يخرجونه عنها.»(3)

الريحاوي، عبد القادر. تقييم البحوث األجنبية في اآلثار اإلسالمية، ضمن: اآلثار (1)والعلوم، والثقافة للتربية العربية المنظمة تونس: العربي، الوطن في اإلسالمية

ط1، 1985م، ص87.

ضمن: اإلسالمية، لفلسطين والمعمارية الزخرفية سعيد. الفنون يوسف النتشه، (2)بال (متحف وغزة الغربية الضفة في اإلسالمي الصوفية: الفن الحج، العلم،

حدود)، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2004م، ص59.

والعمارة، والتصوير الفرعية الفنون في اإلسالم تراث أرنولد. كريستي بريجز، (3)ترجمة: زكي محمد حسن، سورية: دار الكتاب العربي، ط1، 1984م، ص9، هـ1.

50

وفي هذا السياق، ال بد من اإلشادة بدراسات الترجمة التي

لبعض مصطلحات عيسى محمد أحمد اآلثاري الباحث بها قام

وأكثرها الغربية التاريخية الكتب أوائل أحد في الفن اإلسالمي

اإلنكليزية، باللغة فه أل الذي الكتاب الفن، وهو هذا عن علمية

في المتروبوليتان متحف في اإلسالمية الفنية المجموعات أمين

س. ديماند)؛ (م. الدكتور عاما؛ ثالثين من أكثر لمدة نيويورك

األكبر العلمية فالقيمة ،(A Handbook of Muhammadan Art):بعنوان

واجهها التي اللغوية التحديات تجاوز في تكمن لهذه الترجمة

موضوع نقل مصطلحات الفن اإلسالمي من اإلنكليزية إلى العربية.

وكان منهج هذا الباحث المترجم في عمله العلمي هذا، يقوم

تلك إلى وشيوعا، معنى األقرب؛ العربية األلفاظ اختيار على

المصطلحات اإلنكليزية، حتى لو كانت هذه األلفاظ العربية ألفاظا

عامية «مما يجري على ألسنة أهل الصنعة، رغبة في تحديد معاني

الكلمات العربية من ناحية الفن أو الصناعة، وحتى ال يكون لكلمة

واحدة باإلنكليزية أكثر من مقابل واحد بالعربية.»(1)

وقد استخرج هذا الباحث المترجم أول قاموس صغير أللفاظ

اعتقد هو بأنها مصطلحات خاصة بالفن اإلسالمي، ووضع لها مقابال

عربيا، وألحقها بترجمته لكتاب ديماند هذا، بهدف الوصول مستقبال

إلى «تقرير معجم ثابت صحيح لمصطلحات الفنون اإلسالمية «.

ديماند.الفنون االسالمية. مرجع سابق.ص13 (1)

51

وبعد ما يقارب من أربعة عقود، طور الباحث المترجم قاموسه

الصغير؛ إذ زاد عليه ألفاظا فنية أخرى استخرجها من ترجمته لكتاب

آبا)،(1) أصالن للدكتور أوقطاي وعمائرهم، الترك ( فنون هو آخر

حتى اجتمع له أكثر من (1400) مصطلح في شتى مجاالت العمارة

والفنون والصنائع اإلسالمية، فأصدرها في أول معجم خاص ورائد في تخصصه، بعنوان ( مصطلحات الفن اإلسالمي).(2)

سادسا: نشأة مصطلحات ( الفن اإلسالمي)

واسع، نطاق وعلى بوضوح، ( الفن اإلسالمي) مصطلح ظهر

من موضوعا المعرفيين واالستواء النضج من درجة وعلى

موضوعات الثقافة االستشراقية-اإلسالمية في غضون القرنين الثالث

إذ الميالديين؛ والعشرين عشر الهجريين/التاسع عشر والرابع عشر

أصبحت عبارة ( الفن اإلسالمي) مصطلحا داال -إلى حد ما- على

في المخطوطات المتمثلة الفنية واألعمال العيانية المعمارية اآلثار

للتصنيف يخضع كان مما ذلك شابه وما والتحف، والمصنوعات

الثقافي لعلم المتاحف.

التعريف إلى الكبرى الغربية حاجة المتاحف كانت وربما

أدت قد الثقافي وتسويقها اإلسالمية الفنية واآلثار األعمال بتلك

إلى يشير كونه من المصطلح، هذا في كبير داللي تحول إلى

إستانبول: مركز األبحاث للتاريخ والفنون والثقافة اإلسالمية، 1987م. (1)

إستانبول: مركز األبحاث للتاريخ والفنون والثقافة اإلسالمية، 1994م. (2)

52

مجموعة collection من مجموعات هذه المتاحف الضخمة من تلك

اآلثار واألعمال الفنية اإلسالمية، إلى صيرورته مصطلحا آخر في

داللته على مجال معرفي يمكن تمييزه بسهولة في ضوء التصنيف

بين نسبيا المختلفة اإلنسانية لمجاالت الثقافة الحديث المعرفي

اإلسالمية المجتمعات هذه صارت الذي والفن، واألدب، العلم،

تقبله، بسبب هذا التثاقف، مفهوما أكثر تعلقا بالجمال واإلبداع من

( الفن اإلسالمي) تقبل المجتمعات هذه وصارت آخر، شيء أي

موضوعا subject أساسيا من موضوعات ثقافتها الحديثة والمعاصرة.

ومن هنا، يمكن القول إن تسمية ( الفن اإلسالمي) هذه تعد أول

اإلشكاليات اللغوية والمعرفية، وأبرزها في البحث العلمي المتعلق

حال على الفن العامة هذا تسمية تستقر لم إذ اإلسالمي؛ بالفن

معرفي واحد حتى اليوم، على الرغم من شيوعها المعاصر. وتعود

الهجري/ عشر الثالث القرن غضون إلى اإلشكالية هذه جذور

التاسع عشر الميالدي؛ إذ يمكن أن نتعقب من هنا المسار التاريخي

واالصطالحي لتسمية ( الفن اإلسالمي) على النحو اآلتي:(1)

في غضون األعوام 1289 هـ/1873م ـ 1294 هـ/1878 م؛ - 1

صدر للباحثين جول برجوان Jules Burgoin، وبريس دو

على كال الفرنسية؛ باللغة كتابان Prisse D’ Avennes آفن

انفراد، بعنوان ( الفن العربي L’ Art Arabe). ويبدو أن هذه

(1) الريحاوي، تقييم البحوث األجنبية في اآلثار اإلسالمية، مرجع سابق، ص89.

53

والتحف واآلثار األعمال تغطية في رائدة كانت التسمية

الفنية اإلسالمية التي بدأت تنتشر آنذاك في أوروبا، وتحظى

في تباينوا الذين والمؤرخين والكتاب الدارسين بعناية

النظر إلى هذا الفن وفي تسميته بين عناوين جديدة لكتبهم

التي بدأت تظهر تباعا.

(الفن الساراسيني Sarascenic Art)، الذي اخترعه المؤرخ 2 -

Handbook of Sarascenic) كتابه في Lane Pooles بول الين

Art) الصادر عام 1303 هـ/1886م؛ وال بد من أن نذكر هنا

أن هذه التسمية كانت خاصة واستثنائية في تاريخ البحث

معرفية قيمة ال ولذلك اإلسالمي، بالفن المتعلق العلمي

لها في هذا السياق.

( الفن المحمدي Mohammadan Art)، الذي كان أكثر شيوعا 3 -

من غيره منذ أواسط القرن التاسع عشر الميالدي، وصدرت

منها، كان التي كتب الفن اإلسالمي بعض عنوانه تحت

على سبيل المثال ال الحصر- ( العمارة المحمدية في مصر

وفلسطين) الذي نشره مارتن بريكس Martin S. Briggs؛ في

عام 1299هـ/1882م.

المستشرق 4 - كتاب في مرة أول جاء الذي (الفن المسلم):

والفنان الفرنسي المعروف باسم صالح الدين M. Saladin؛

Manuel de l’ Art) بعنوان: صدر قد الكتاب هذا كان إذ

Musulman)؛ في عام 1324 هـ/1907م.

54

وكان لهذا االستعمال األخير أهميته الداللية في تسمية هذا

الفن، ودوره العلمي في التمهيد التدريجي لتحوله الواضح

والمباشر إلى تسمية جامعة لكل من الفن واإلسالم(1) في

مركب اصطالحي بصيغة ( الفن اإلسالمي).

في 5 - بوضوح، مرة، أول ظهر، الذي ( الفن اإلسالمي)

حدود السنوات األولى من القرن الرابع الهجري/العشرين

الميالدي، وتحديدا في عام 1327 هـ/1910م، عندما أقيم

أكثر من معرض لألعمال واآلثار والتحف والصنائع الفنية اإلسالمية، في أوروبا، تحت عنوان ( الفن اإلسالمي).(2)

ويمكن القول إن هذا المصطلح المركب من الفن واإلسالم(3)

قد أصبح عنوانا معرفيا عاما أو اسم جنس معرفيا لكل ما يدخل في

إطار الصناعة اإلبداعية الفنية والجمالية اإلسالمية، وصار لذلك هو

هذه الصناعة أجناس على يطلق ما في استقرارا األكثر المصطلح

وأنواعها المتعينة -بشكل رئيس- في إطار الثقافة البصرية اإلسالمية،

مترجما م، 1976 عام الصادر Titus Burckhardt بيركهارت تيتوس كتاب (1)

Art Of Islam: Language & :بعنوان اإلنكليزية اللغة إلى الفرنسية اللغة من

.Meaning

داغر، الفن والشرق: الفن اإلسالمي، مرجع سابق، ج2، ص261. (2)

بغض النظر عن معنى كل من الفن واإلسالم على وجه الدقة اللغوية والقصد (3)

كبيرة اختالفات اختلفوا الذين ودارسيه، هذا الفن مؤرخي لدى المعرفي

ومتناقضة أحيانا في معنى كل من الفن واإلسالم اللذين يتركب منهما مصطلح

( الفن اإلسالمي).

55

المفاهيم، وغربة المصطلحات، استيراد من تعاني ظلت التي

والمعرفية اللغوية المظاهر من ذلك وغير الدالالت، واضطراب

إلشكالية التسمية العلمية األساسية في موضوعات الفن اإلسالمي

المختلفة. ويمكن أن نشير، هنا بشكل عام، إلى بعض هذه المظاهر

اإلشكالية من خالل المسائل اآلتية:

والكلمات - والمصطلحات األلفاظ هذه من كثير غربة

نسميه أن يمكن ما صنيع من كانت التي المفتاحية،

المتعددة األجنبية ولغاته االستشراقي) الجمال ( علم

والخاصة العامة العناوين أغلب –تقريبا- اخترعت التي

الرئيس عنوانه فيها بما (الفن اإلسالمي)، لموضوعات

(Islamic Art)، على سبيل المثال ال الحصر.

الخاصة - والدالالت والمعاني المفاهيم من كثير استعارة

والنقدية الفلسفية والمصطلحات األلفاظ بتفسير

مسائل عن للتعبير الغربي )، الفن ( معجم في المتداولة

الحال هو كما المختلفة، وموضوعاته (الفن اإلسالمي)

العربية تكن الثقافة لم التي الفنية، المفاهيم بعض في

ال المثال سبيل ومنها -على قبل، من تعرفها اإلسالمية

الدال والنقدي، الفلسفي (School) الـ مفهوم الحصر-

على اتجاه فكري معين أو حركة فنية خاصة، فقد استخدم

الفن اإلسالمي دراسات في بتوسع المصطلح هذا

الحديثة والمعاصرة، التي اعتادت اإلسهاب في الحديث

56

( مدارس التصوير وعن العربي) ( مدارس الخط عن

الفن اإلسالمي)(1) (مدارس من غيرها وعن اإلسالمي)

بعامة، على الرغم من أن اللغة العربية والثقافة اإلسالمية

اعتادت على مفهوم آخر لمصطلح (المدرسة) يتمثل في

التعليمية. المؤسسة

ببعض - والمعاصرة الحديثة الفن اإلسالمي تغذية لغة

المصطلحات الفنية الغربية، التي منها على سبيل المثال ال

الحصر- (Technique)، الذي ترجم إلى ( اإلخراج الفني)(2)

عند دراسة كيفيات رسم األشكال الزخرفية وغيرها.

والمفاهيم - المعاني لبعض الداللية اضطراب الترجمة

ومصطلحاته الفن اإلسالمي ألفاظ ببعض المتعلقة

األجنبية عند نقلها إلى اللغة العربية، كما هو الحال -على

سبيل المثال ال الحصر- في نقل مفاهيم مصطلحات مثل:

(Decoration)، و(Ornamentation)، و(Illustration)، وغيرها..

نقال دالليا إلى مصطلح عربي واحد اللفظ، وربما المعنى أيضا، أال وهو: ( الزخرفة).(3)

(1) ديماند، الفنون اإلسالمية، مرجع سابق، ص41-74؛ إذ يصنف المؤلف مدارس الفن اإلسالمي إلى سبع مدارس فنية.

المعارف، دار القاهرة: ومدارسها، القاهرة مساجد إلى المدخل أحمد. فكري، (2)1965م، ج1، ص171.

عام 1868م، الصادر Grammar of Ornamentation الفخم الكتاب يعد ربما (3)

لمؤلفه المصمم والمهندس المعماري اإلنكليزي أوين جونز Owen Jones (ت

1874م) أول المصادر الهندسية والفنية الحديثة التي تناولت الزخرفة اإلسالمية.

57

استعمال األلفاظ والمصطلحات األجنبية المعروفة في اللغة -

ب) بإفراط، إلى الحد الذي تبدو فيه لغة العربية بـ (المعر

الفن اإلسالمي المعرفية لغة أجنبية عن لغة القرآن واإلسالم

العلمي الوجه على معرفتها صعوبة عن فضال العربية،

مصطلحات بعض ذلك: على األمثلة أبرز ومن الدقيق.

(فن الزخرفة اإلسالمية) المعربة من اللغة التركية: ( هاتاي

Hatay) و(رومي Romi). ويظل ( المقرنص)(1) هو المصطلح

المعرب األشهر في لغة الفن اإلسالمي.

في مشرق العالم اإلسالمي، و(المقربص) في مغربه. انظر: (1)

مجمع اللغة العربية. المعجم الوسيط، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، ط4، -

2004م، ص731.

(المقرنص)

58

تأصيل - إلى اإلسالمي بالفن المعنيين من كثير يلتفت لم

المعجم إلى العودة خالل من ومصطلحاته، ألفاظه

إعادة خالل من أو العربي، واالصطالحي اللغوي

والمصطلحات والمفاهيم األلفاظ بعض إلى االعتبار

األجنبية ذات األصل العربي اإلسالمي إلى اللغة والمعرفة

الحال هو كما اإلسالمية، العربية والهوية والثقافة

،(Tawrique) على سبيل المثال ال الحصر- في لفظة الـ-

التي كانت قد انتقلت من اللغة العربية إلى اللغة اإلسبانية،

وصارت فيها مصطلحا فنيا إسبانيا داال على» الزخرفة النباتية

القائمة بشكل خاص على الوريقات والسعف»(1) وما ينشأ

ص178. ج1، سابق، مرجع ومدارسها، القاهرة مساجد إلى المدخل فكري، (1)

يتداولها كان نفسها هي التوريق كلمة «إن العزيز: عبد سالم السيد يقول

عالما كان أحمد، بن محمد اسمه شخصا يذكر فالمقري العرب، المؤرخون

بصناعة التوريق، وإن ابن جبير يستعمل هذه اللفظة مع لفظة التشجير مؤديا نفس

وقد النباتية... وهو الزخرفة ،Arabesqueالفرنسية الكلمة تقصده الذي المعنى

الزخارف على يطلقونها اإلسبان زال وما الكلمة، هذه القشتالية اللغة ورثت

النباتية ذات الطابع العربي«. انظر:

عبد العزيز، سالم. «بعض المصطلحات للعمارة األندلسية المغربية»، صحيفة -

معهد الدراسات اإلسالمية في مدريد، إسبانيا: معهد الدراسات اإلسالمية في

مدريد، 1957م، مج5، عدد1-2، ص242.

(التوريق)

59

فنيا عن تحوير أشكالهما، فجرى إعادة هذا المصطلح إلى

لغة الفن اإلسالمي العربية بعنوان ( فن التوريق).

سابعا: الصناعة الغربية للمصطلح الفني اإلسالمي

هناك كانت وبعده، (الفن اإلسالمي) مصطلح والدة قبل

صناعة لغوية معرفية تشتغل على تسمية كل ما له عالقة بهذا الفن

واألشكال واألساليب والتقنيات والنظريات واآلثار من األعمال

األلفاظ اختراع خالل من وذلك الفنية، والرموز والصور

بعضه أو كله، ذلك على الدالة الحديثة والمفاهيم والمصطلحات

منه، في سياق الثقافة الفنية الغربية، التي كانت إحدى نتائج عصر

العاشر القرن منذ األساسية، الحداثية وسماته األوروبية النهضة

الهجري/السادس عشر الميالي، عندما انطلقت فيه بواكير التسمية

في الموجود (Arabesco) مصطلح مع اإلسالمي للفن المعرفية

المعاجم بعض تذكر إذ 1019هـ/1611م؛ العام في اإليطالية اللغة

اللغوية التاريخية األجنبية أن لفظة (Arab: عرب) هي النواة الصرفية

المعنى حيث من الدال الجديد، الفني لهذا المصطلح والداللية

انتقاله بعد حتى تحديدا، النباتي العربي الزخرفي التصميم على

واإلنكليزية الفرنسية وبخاصة األخرى، األوروبية اللغات إلى (1).(Arabesque) واأللمانية، التي استقر فيها جميعا على صيغة

(1) Barnhart, Robert. DICTIONARY OF ETYMOLOGY, New York: CHAMBERS, 2005, p 47.

60

األلماني كالمؤرخ الفن اإلسالمي مؤرخي بعض ويذهب

Ernest كونل (أرنست الفن اإلسالمي تاريخ في المتخصص

Kuhnel) إلى أن مصطلح (Arabesque) إنما هو من اختراع مؤرخ

الفن النمساوي األصل الذي يعد واحدا من مؤسسي علم تاريخ

Alois Riegle: 1858 ـ 1905م) في الفن وفلسفته: (آلويس ريكل

الميالدي.(1) عشر الهجري/التاسع عشر الثالث القرن أواخر

ومهما يكن من أمر والدة هذا المصطلح واختراعه قبل ظهور

المصطلح هذا إن القول يمكن فإنه (الفن اإلسالمي)، مصطلح

التي الفن، هذا للغة األولى والداللية المعرفية النواة بمنزلة كان

الفن هذا دراسات في سواء إيجابية، بكل معه تتعامل صارت

األجنبية (االستشراقية)، أو في دراساته العربية واإلسالمية الحديثة

الفن إلى لغة المصطلح هذا نقل على عملت التي والمعاصرة،

اإلسالمي العربية من طريقين:

األولـ تعريب لفظه األجنبي تعريبا صرفيا خالصا إلى (أرابسك).(2)

ترجمة: اإلسالمية، أطلس الحضارة لمياء. ولوس، راجي. إسماعيل الفاروقي، (1)عبد الواحد لؤلؤة، الرياض: مكتبة العبيكان، 1998م، ص265.

قدم أحد صناع معاجم مصطلحات العمارة والفنون اإلسالمية العرب المعاصرين (2)

لشرح الموضوع، هذا سياق في إطالقا له داعي ال جدا، غريبا لغويا تمهيدا

مآرب- -جمع (بفتحتين) «األرب يقول: إذ ،(Arabesque (أرابسك مصطلح

المطلب المستهدف أو المنشود، واإلربة: الحاجة المشتهاة، مصداقا لقوله تعالى

(غير أولي اإلربة)، واإلرب (بكسر الهمزة وسكون الراء) -جمع مآرب- الدهاء

والمكر واستخدام الحيلة، واألريب: الحاذق والعاقل». انظر:

رزق، عاصم محمد. معجم مصطلحات العمارة والفنون اإلسالمية، القاهرة: -

مكتبة مدبولي، 2000م، ص12.

61

الفن عموم على الداللة بين متفاوت بمعنى ترجمته ـ الثاني

اإلسالمي بال تحديد وال تمييز وال استثناء،(1) والداللة على الزخارف

النباتية حصرا، كما هو في أصله الداللي األول.

وإذ تباين الباحثون العرب والمسلمون في هذه الترجمة الداللية

في كذلك اختلفوا فقد العربية، اللغة إلى (Arabesque) لمصطلح

محاوالت إيجاد مكافىء لفظي عربي مناسب للتعبير عنه، فقدم بعض

هؤالء الباحثين مصطلحات رئيسة لترجمته ترجمة معنوية وداللية؛

و(الترقين و(العربسة)،(4) و( الرقش)،(3) ( التوشيح)،(2) مثال: منها

بالفروع و( الزخرفة المورقة)،(6) العربية و( الزخرفة الزخرفي)،(5)

النباتية)،(7) و(الزخارف النباتية)،(8) وربما غير ذلك.

اإلسالمي: العالم في اليدوية الحرف زخارف (إعداد). طالب نزيه معروف، (1)

األرابسك، إستانبول: مركز األبحاث للتاريخ والفنون والثقافة اإلسالمية، 1997م،

ص433.

فكري، المدخل إلى مساجد القاهرة ومدارسها، مرجع سابق، ج1، ص183. (2)

التراث مجلة والفلسفية»، الفنية مصطلحاته في فارس « بشر جورج. عيسى، (3)

العربي، دمشق، س20، عدد80، تموز 2000م، ص149.

عدد6، 1982م، لندن، عربية، فنون مجلة واإلسالم»، « الصورة صالح. ستيتيه، (4)

ص48.

الشروق، دار القاهرة: اإلسالمية، في العمارة الجمالية القيم ثروت. عكاشة، (5)

1994م، ص433.

النهضة مكتبة القاهرة: الوسطى، العصور في اإلسالمي حسن. التصوير الباشا، (6)

العربية، 1958م، ص155.

بريجز، تراث اإلسالم في الفنون الفرعية والتصوير والعمارة، مرجع سابق، ص159. (7)

األلفي، أبو صالح. الفن اإلسالمي، لبنان: دار المعارف، ط2، د.ت، ص112. (8)

62

ثامنا: مصطلحات نشأت بعد مصطلح (الفن اإلسالمي )

بعد نشأت التي والمصطلحات والمفاهيم األلفاظ تلك أما

الظهور التاريخي لمصطلح (الفن اإلسالمي ) فهي كثيرة، وهي مهمة

عناصر أصبحت قد كونها عن فضال الغربية، صناعتها حيث من

بعض السياق هذا في نعرض أن ويمكن الفن. هذا للغة حيوية

األمثلة، التي منها:

التي - 1 الفرنسية Moresque أو األصل، اإلسبانية :morisco

ظهرت منذ العام (1019 هـ/1611م) بكونها صفة لكل ما

يملك خصائص العمارة والفن المغربي Moorish، ثم صارت

منذ العام (1165 هـ/1752م) تقريبا اسما يعبر تحديدا عن

في والمغربية(1) األندلسية والتزيينية الزخرفية األساليب

المختلفة. اإلسالمية والفنون والصنائع العمارة مجاالت

وتتمثل هذه األساليب بصورة رئيسة في األشكال واألنساق

والشبكات الزخرفية الهندسية geometrical بخاصة، المنفذة

في (صنعة الخزف: السيراميك Ceramics) المغربية الخاصة

.(zillij الزليج) والمعروفة باسم

Miniature: وهي لفظة إيطالية األصل، ظهرت أول مرة عام - 2

(994 هـ/1586م)، ثم انتقلت إلى الفرنسية، ودخلت اللغة

المفتي، أحمد. موسوعة الزخارف التاريخية، دمشق: دار دمشق، 2001م، ص8. (1)

انظر أيضا:

- Encyclopedia Britannica, London: Encyclopedia Britannica, Inc., 2012.

63

اإلنكليزية في حدود عام (1365 هـ/1946م)، لتعني بالتالي:

الصورة المصغرة والدقيقة، الملونة أو المذهبة أحيانا؛ في المخطوطات.(1)

الفن إلى لغة المصطلح هذا انتقال زمان تحديد ويصعب

اإلسالمي ، لكن ما يمكن قوله في هذا االنتقال هو أن هذا المصطلح

من وترجم (المنياتور)، إلى حرفي شبه تعريبا عرب قد األجنبي

اللغوي بشر الباحث ويعد ( المنمنمات). إلى الداللية الناحية

فارس(2) أول من ترجم مصطلح Miniature من اللغة الفرنسية إلى

اللغة العربية، مخترعا مصطلح ( المنمنمات) بعد استخراجه من فعل

(نمنم) األصيل في اللغة العربية.(3)

Abstraction: الذي يعود تداوله األول في اللغات األوروبية - 3

إلى عام (955 هـ/1549م) بمعنى ال يمت إلى الفن بصلة

مصطلح فيه ظهر الذي النحو على ومحددة خاصة

ولكن (1344هـ/1926م)،(4) العام منذ Abstractionism

هذا المصطلح استقر منذ العام (1364 هـ/1945م) تعبيرا

على يقوم التشكيلي الغربي، الفن في جديد اتجاه عن

أو للشيء المادية أو الواقعية التفاصيل من خلو الرسم

(1) DICTIONARY OF ETYMOLOGY, p 664

كتابه: سر الزخرفة اإلسالمية، القاهرة: المعهد الفرنسي لآلثار الشرقية، 1953، ص48. (2)

ابن منظور، لسان العرب، مرجع سابق، ج2، ص305. (3)

(4) Encyclopaedia Britannica , London: Encyclopaedia Britannica , Inc. , 2012.

64

الموضوع؛ أي إنه تعبير عن مبادىء وتقنيات الفصل في ما

بين الشكل والمضمون، من خالل االشتغال التقني على

أساسية، بصورة الهندسية، واألنساق والخطوط األلوان

لصناعة (شكل Form) فني يشتغل، بدوره، بصورة رمزية

العميقة المعاني من الشكل هذا وراء عما التعبير في

مصطلح الفني الشكل هذا صناعة على ويطلق والعالية.

(1).(Abstract Art)

مقابل غربي فلسفي مفهوم هو حيث من ويعد التجريد،

النقدية النظرية لتطبيقات الجوهر المعرفي الفن، في للتشخيص

المعاصرة وإسقاطاتها على طبيعة الفن اإلسالمي وخصائصه العامة،

إلى الفن اإلسالمي يعود في عن التجريد الحديث أن يبدو إذ

على عشر، التاسع القرن منذ ناقشت التي الغربية الجمالية الثقافة

األقل، ما سماه بعض النقاد الغربيين: ( نظرية الفن التجريدي العربي

مؤسس مقولة في اإلبداعية خالصتها تجلت التي (2)،(Arabesque

الحركة التكعيبية في الفن التشكيلي المعاصر؛ الفنان اإلسباني بابلو

الوصول أردت نقطة أقصى «إن هـ/1973م): 1392 (ت بيكاسو

إليها في فن التصوير، وجدت الخط اإلسالمي قد سبقني إليها منذ

ريد، هربرت. الموجز في تاريخ الفن الحديث، ترجمة: لمعان البكري، بغداد: دار (1)الشؤون الثقافية العامة، 1989م، ص125.

سوريو، إتيان. الجمالية عبر العصور، ترجمة: ميشال عاصي، بيروت: منشورات (2)

عويدات، ط2، 1982م، ص179.

65

( التجريد)(1) مفهوم النقطة بهذه يقصد الفنان هذا وكان بعيد». أمد

Abstract التجريدي ( الفن بـ يعرف لما المؤسس الفني(2) وأسلوبه

بقرار مرة، أول اإلسالمي العربي الثقافي المعجم دخل الذي (Art

علمي رسمي صدر عام 1391 هـ/1972 م، من مجمع اللغة العربية

في القاهرة؛ ينص على تعريف» الفن التجريدي بأنه: فن يعتمد في

األداء على أشكال مجردة تنأى عن مشابهة المشخصات والمرئيات

في صورتها الطبيعية أو الواقعية.»(3)

تاسعا: األسس المعرفية للمصطلح الفني اإلسالمي

االستعمالية الجمالية في السيرة نقرأه أن يمكن ما أبرز ومن

بين التاريخية تحوالتها هو الفن اإلسالمي، ألغلب مصطلحات

أشبه المصطلح أن وبخاصة اإلسالمية؛ في الثقافة والموت الحياة

االستعمالية حيويته على المعرفية قيمته تقوم ما غالبا حي، بكائن

الفن تصنيف مصطلحات لذلك يمكن إذ الزمان؛ وفي المكان في

ترجم اللفظ Abstraction إلى اللغة العربية والثقافة اإلسالمية في اإلطار الداللي (1)

د) الذي يعني نزع الشيء واستالله من مكانه؛ إذ إن ( التجريد) بعامة هو للفعل (جر

الخالء والتعرية والتشذيب. وكان ( التجريد) مصطلحا عربيا إسالميا يطلق بخاصة

واإلعراب كالنقط اللغوي الضبط عالمات من والمصحف الكتاب تعرية على

والتعجيم وأية زيادات أخرى على النص. انظر:

ابن منظور، لسان العرب، مرجع سابق، ج1، ص232. -

الحركة إلى يترجم الذي Abstractionism بمصطلح عنه يعبر ما وغالبا (2)

(التجريدية).

مطلوب، معجم ألفاظ الحضارة ومصطلحات الفنون، مرجع سابق، ص134. (3)

66

عليه: نطلق أن يمكن أحدهما، صنفين: من واحد اإلسالمي إلى

يزال وال واشتغل وتطور ونشأ ولد الذي وهو الحي) ( المصطلح

يشتغل معرفيا في لغة الفن اإلسالمي. وثانيهما، ( المصطلح الميت)

له يعد ولم معينة، حضارية حقبة في ومات واشتغل ولد الذي

وجود معرفي إال في الوثائق التاريخية.

الفن تأصيل لغة في المعرفية الناحية من االثنين أهمية ومع

اإلسالمي وبنائها على صعيدي التاريخ والعلم، من جهة أن دراسة

شك بال تؤدي Etymologically التاريخي وتطوره المصطلح سيرة

يبدو الخاصة، المعرفية اللغة هذه بناء في ومهمة كثيرة منافع الى

المصطلح الحيوي االستعمال أكثر أهمية، وأبرز دورا، وأقوى تأثيرا

بناء علم المصطلح وفي الفن اإلسالمي بعامة، تأسيس علم في

الفني اإلسالمي بخاصة، على األسس المعرفية اآلتية:

اللغة: الذي يغطي البنية اللغوية للمصطلح في مستوييها: - 1

الصرفي morphological، والمعنوي meaning، وبناء العالقة

المصطلحية بينهما على الترادف.

الثقافة culture: وهو األساس الذي يمنح المصطلح هويته 2 -

اللغوية وخصوصيته المعرفية، بوصفه مصطلحا ينتمي إلى

ذلك. غير أو إنسانية أو إسالمية تكون كأن معينة، ثقافة

معطى بوصفه المصطلح داللة األساس هذا على وتقوم

ثقافيا أكثر منه معطى لغويا؛ إذ تستند ثقافية المصطلح من

67

إليها ينتمي التي خصوصيات الثقافة على الذاتية الناحية

وغير وتجربة وخبرة وأدب وعرف دين من المصطلح؛

ذلك، ويستند من الناحية الموضوعية على العالقات الثقافية

بين اللغات اإلنسانية، من التفاعل والتبادل والتأثر والتأثير،

وغير ذلك مما تتيحه المثاقفة، والترجمة، وغيرهما.

لعلمية - 3 يؤسس الذي :Scientific Method العلمي المنهج

دراسة منها تنطلق التي الرؤية خالل من المصطلح

أو Diachronic تأريخية رؤية تكون كأن المصطلح؛

تعاصرية Synchronic، ومن خالل المنهج الذي تتبعه هذه

أو الترادف، على يقوم مجردا لغويا يكون كأن الدراسة

لالثنين جامعا Etymological تأثيليا أو ،Semantic دالليا

معا. ويسترشد في ذلك كله بعلوم اآللة كالمنطق وغيره.

عاشرا: تصنيف المصطلح الفني اإلسالمي

أدت الطبيعة المعرفية للغة الفن اإلسالمي إلى أن تكون بعض

هذه التحديات اللغوية متأتية من داخل المنظومة الثقافية اإلسالمية،

أبرز من بوصفهما والتعريب يجعل التغريب قد الذي األمر وهو

خصائص المصطلح الفني اإلسالمي خيارا إشكاليا، ربما يقوم، عند

والتعدد، «مسألة الوحدة مراعاة على بالموضوع؛ المعنيين بعض

التي المبادىء وحدة ننسى فال اإلسالمية، الفنون بها تتميز التي

أفرزتها، وتعدد الشعوب التي أفرزتها، وبالتالي فإن علينا أن نتحرى

68

مصطلحاتها في كافة اللغات اإلسالمية (العربية والتركية والفارسية

وغيرها)؛ إذ ليس من المعقول مثال أن يضع أحدهم معجما بالعربية

لمصطلحات الفنون اإلسالمية، ثم إذا مر به لفظ أو مصطلح تركي

أو فارسي أو غير ذلك، اكتفى بالقول إنه عامي أو دخيل، وغض

الطرف عن التفتيش عنه في مظانه.»(1)

فهذا الرأي قد يفتح الباب واسعا على أكثر من إشكالية مولدة

بشكل مباشر وغير مباشر من إمكانيات القبول المعرفي بإضافة لغات

لصناعة الناظمة اللغوية المنظومة إلى إسالمية، غير أخرى؛ أجنبية

هذه لحقيقة إدراكنا مع اإلسالمية، في الثقافة الفني المصطلح

اإلشكاليات كلها، بوصفها تحديات لغوية وثقافية فاعلة في (تغريب)

المصطلح الفني اإلسالمي، سواء من خالل نزع الشكل اللغوي العربي

عنه، أو من خالل إفراغه من محتواه الثقافي والحضاري العربي.

من األساس- -في اإلسالمي الفني تغريب المصطلح ينطلق

العربية اللغة كفاءة عدم رؤية في االستشراقية)(2) (اإلشكالية تلك

ألن تكون لغة حضارية، العتقاد بعض المستشرقين القائلين بنظرية

قبل ما في العربية البيئة في والحضاري والفني المعماري الفراغ

اإلسالم، ولتساوق هذه النظرية مع نظرية الوافد أو الدخيل اللغوي

مطلوب، معجم ألفاظ الحضارة ومصطلحات الفنون، مرجع سابق، ص3. (1)

تقوم اإلشكالية االستشراقية على تقرير الشيء ونقيضه من الموضوعية والذاتية (2)

اإلسالمية دراسة الحضارة عند والتبخيس التقدير أو واإلجحاف اإلنصاف أو

وخصائصها المتميزة، سواء ما تعلق منها بروحها وجوهرها، أو طرافتها اإلبداعية،

أو مكانتها بين الحضارات العالمية ودورها فيها.

69

أللفاظ العمارة والفن بخاصة، وألفاظ الحضارة بعامة، من اللغات

وحديثا- ب) -قديما (المعر صار ومنها العربية، اللغة إلى األخرى

المتخصص معجمها يحتوي التي الفن اإلسالمي، من لغة جزءا

بالعمارة اإلسالمية -على سبيل المثال ال الحصر- عددا كبيرا جدا

من األلفاظ الفارسية والتركية وغيرهما من لغات الشعوب اإلسالمية

الفن اإلسالمي في لغة أساسية مصطلحات يبدو اإلسالمية، وغير

المثقلة بكل أشكال هذا الوافد اللغوي اللفظية والداللية.

وإذ يتضح، تنوع األصول اللغوية والمصادر الثقافية التي تقوم

مفهوم لضبط الواجبة االعتبارات فإن الفن اإلسالمي، عليها لغة

المصطلح الفني اإلسالمي ورسم حدوده المعرفية تقوم على الوحدة

إلى علم والمباشر الخاص االنتماء في المعرفية واألصالة اللغوية

الفن اإلسالمي؛ إذ ينبغي أن يتفق أهل التخصص وأهل اللغة على

أن (المصطلح األصيل) في لغة الفن اإلسالمي هو في األصل كلمة

أي في الداللية البؤرة هي تكون أن يمكن والمعنى، المبنى عربية

موضوع من موضوعات هذا الفن.

ومن هنا يجب أن تفهم مسألة ( الوحدة والتنوع) المتعلقة بلغة

األصل وحدة نسميه أن يمكن ما أساس على الفن اإلسالمي،

أو والمتعلقة المركز، بهذا المتصلة اللغوية الفروع وتنوع اللغوي،

هذا يفتح وربما والمعرفي. اللغوي فلكه في والدائرة به، المرتبطة

الفهم أمام الباحثين في لغة الفن اإلسالمي إمكانية تصنيف ألفاظها

70

ومصطلحاتها ومفاهيمها المتداولة ـ بشكل عام، ما يمكن أن نسميه:

المصطلح المعرب: من لغة غير اللغة العربية، وإن كانت - 1

وهناك الفن اإلسالمي العربية. إلى لغة إسالمية الثقافة،

أصبحت الذي المصطلح، هذا على األمثلة من كثير

درجة إلى به، تعج والصنائع والفنون العمارة معاجم

يبدو فيها كأنه المصطلح الرئيس واألساس، بل واألصيل

المصطلحات أبرز ومن الفن اإلسالمي. في لغة أحيانا،

الفنية اإلسالمية مثاال ال حصرا: ( الفسيفساء)، و( الطغراء)،

و(الخانقاه).

القائمة - 2 األجنبية، اللفظية صناعته في المغرب: المصطلح

في المبنى والمعنى على صورة لفظ عربي اللغة والثقافة

التي األجنبية المصطلحات وأبرز أصال. والصناعة

صنعها المستشرقون من ألفاظ عربية األصل للداللة على

حصرا: ال مثاال عنه؛ العلمي الفن اإلسالمي والتعبير

( األرابسك)، و(التوريق)، و(المورسك).

المصطلح المترجم: عبر نقل معناه أو مفهومه من الثقافة 3 -

من واحدا ليكون الفن اإلسالمي، إلى لغة الغربية الفنية

هذا في األمثلة أبرز ومن الخاصة. المعرفية مفاهيمها

السياق مصطلح (المدرسة School) الذي كان قد نشأ أصال

عشر، الثامن القرن خالل فيها وتطور الغربية في الثقافة

71

ليطلق على المجموعات واالتجاهات واألساليب الفنية، ثم

جاء الباحث الفرنسي المتخصص بدراسة الفن اإلسالمي

كلود هيوار Cl. Huart(1) ليستخدم مصطلح (المدرسة) في

كتابه عن أعمال الخط والرسم المصغر في الفن اإلسالمي

(المشرقي) في تصنيف األساليب واالتجاهات الفنية لهذه

البذرة كان ما وهو مدارس فنية، : e’coles إلى األعمال

عند يعرف صار ما لنشوء األساس والمعرفية اللغوية

المؤرخين بمدارس الفن اإلسالمي.

أحد عشر: الحقول المعرفية لمعجمة المصطلح الفني اإلسالمي

والمعاصرة الحديثة العربية في الثقافة الفني) ( المصطلح صار

المعاني صوب ومحددة واحدة داللية وجهة ذا مستقال مفهوما

المعرفة أركان من واحدا بوصفه بالفن، خاص- المتعلقة -بشكل

اإلنسانية األساسية الثالثة إلى جانب العلم واألدب.(2)

واسعا معرفيا مجاال اإلسالمي) الفني ( المصطلح وصار

اإلسالمي، بالفن تتعلق ومتنوعة، متعددة ومفاهيم لمعان وشامال

اإلبداع بفقه يتعلق اإلسالمية، المعرفة أركان من ركنا بوصفه

وتصميمها العمارة على فنون ويقوم بعامة، والجمالي الحضاري

(1) Les Calligraphies et les Miniaturists De L’ORIENT MUSULMAN, Paris, 1908. P67

حنش، الخط العربي وإشكالية المصطلح الفني، مرجع سابق، ص25. (2)

72

الداخلي والخط والزخرفة والتذهيب والتصوير، وغيرها من الفنون

والصنائع اإلسالمية المعروفة، بخاصة.

ويمثل هذان المصطلحان الجوهر المعرفي للغة الفن اإلسالمي

وصيرورتها الحيوية القائمة على المرتكزات اآلتية:

العالقات الثقافية للغة الفن اإلسالمي مع كل من اللغات -

والحضارات والفنون األخرى.

وحقوله المعرفية - الفن هذا ألجناس المعرفي التصنيف

الفرعية كالعمارة والتصوير والخط والتذهيب وغيرها.

األجناس - هذه من لكل الداخلية العلمية الخصوصية

والفروع الفنية.

الفني - العمل تقويم على يعمل الذي النقدي التأطير

وقيم مبادىء ضوء في عليه والحكم وتذوقه، اإلسالمي

المعرفية الناحية من تتمثل قد إسالمية، جمالية ومعايير

والمفهومية في ألفاظ نقدية خاصة ومعينة.

ومن هنا؛ قد يصبح من الضرورة المعرفية والمنهجية تصنيف

كل هذه المعاني والدالالت والمفاهيم واأللفاظ الثقافية والمعرفية

اإلسالمي)، الفني ( المصطلح يتضمنها قد التي والنقدية، والعلمية

إلى الحقول الداللية اآلتية:

المصطلح الثقافي، الذي هو لفظ تعريفي يأتي لبيان هوية 1 -

المثاقفة دراسات سياق في اإلسالمية (الفن اإلسالمي)

73

وصف على الفنية المعرفة مجال في القائمة اإلنسانية،

مجاالت على الداللة مفتوح عاما وصفا الفنون بعض

والفلسفة، كالدين والمشتركة، العامة اإلنسانية الثقافة

والمنهجية االعتقادية، الخصوصيات من وغيرهما

الفنية، واألساليب اإلبداعية، والتقنيات التفكرية،

والخصائص الجمالية.

إلى الغالب- -في الثقافي هذا المصطلح ويهدف

له يمكن أي تعريفه؛ من أكثر بعامة الفن هذا وصف

اإلنسانية -على سياق الثقافة الفن اإلسالمي في وصف

.Traditional سبيل المثال ال الحصر- بأنه فن تقليدي

إلى 2 - يهدف عام، تعريف هو الذي المعرفي، المصطلح

بتحديد المتعلقة والمفاهيم والدالالت المعاني تحديد

اإلطار العام للعمارة والفنون والصنائع اإلسالمية، بوصف

المفهومية بخصوصيته متميزا معرفيا مجاال منها كل

إلى والمباشر المطلق وبانتمائه والمنهجية، والعلمية

ميدان معرفي بعينه، دون أية مشاركة أو تداخل مع غيره

بعامة، اإلسالمي للفن المعرفي التصنيف سياق في

وأجناسه أو حقوله المعرفية بخاصة.

مركبات تعريف على المصطلح هذا ويعمل

اإلسالمية) ( العمارة و (الفن اإلسالمي) مثل مصطلحية

74

و(فن الخط العربي) و(فن الزخرفة اإلسالمية) وأشباهها

الداللية، في سياق التصنيف المعرفي الخاص بلغة الفن

اإلسالمي.

تخصصا 3 - أكثر تعريفي لفظ هو الذي العلمي، المصطلح

العلمية البنية تشكيل في يدخل المعرفي، من المصطلح

الذاتية أو الداخلية لمفهوم المصطلح المعرفي.

المصطلح في سياق ( العمارة ويمكن أن نمثل لهذا

اإلسالمية) مثال بألفاظ وعبارات مثل: المسجد، المئذنة،

والعبارات األلفاظ من ذلك وغير الميضأة، المحراب،

عناصر العمارة من عنصر أي على األصل في الدالة

اإلسالمية.

الوصف 4 - على الدال اللفظ هو الذي النقدي، المصطلح

والتذوق والحكم والتصنيف، المتعلق باألشكال والصور

والتقنيات، واألساليب والنظريات، والخصائص الجمالية

بخاصة والمعبرة الفن اإلسالمي بعامة، لطبيعة المكونة

عما يمكن أن نسميه النظرية اإلسالمية للنقد الفني.

ومن أبرز المصطلحات التي يمكن تصنيفها في هذا

المجال: التجريد، األسلوب، اإلحسان، التفاضل.

77

مقدمة

-في يكون (الفن اإلسالمي) حول المعرفي الخطاب يكاد

أغلب صفحاته- تاريخيا في رؤيته وفي منهجه وفي نظرياته، التي

قدمها عن طبيعة هذا الفن، وخصائصه الجمالية والوظيفية.

باالستقراء كثيرا انشغل قد الخطاب هذا إن القول ويمكن

التاريخي للمنجزات واآلثار واألعمال الفنية اإلسالمية، من العمائر

والمخطوطات والتحف والمصنوعات وما شاكل ذلك، ولكنه كثيرا

ورؤى وآراء بأفكار هذه التاريخية استقراءاته من يخرج كان ما

التي والنقدية، الفلسفية األصول إلى تكون ما أقرب وتفسيرات

تصب في بناء ( نظرية الفن اإلسالمي ).

واشتراطاتها الجمال فلسفة ضوء -في النظرية هذه تزال ال

النقدية- غضة في بنيتها المعرفية، بسبب والدتها القيصرية من رحم

الدراسات التاريخية، التي تنوعت فيها انشغاالت هذه النظرية بين

ذلك وغير ووظيفته وخصائصه الفن اإلسالمي وطبيعته، مفهوم

بين فيها يدور النقدي الجدل يزال ال التي المعرفية، حدوده من

الفن (وحدة إن القول ويمكن التصنيف، وتنوع التعريف وحدة

78

واحدا، وموضوعا مركبا مصطلحا بوصفهما اإلسالمي وتنوعه)،

هو البؤرة الداللية والعصب المعرفي لنظرية الفن اإلسالمي، خاصة

أن إشكالية ( الوحدة والتنوع)، من حيث هي موضوع، تعد إحدى

التاريخية المعرفة في والمنهجية والنقدية الفلسفية النظريات أبرز

المتعلقة باإلنسان والحضارة والفن، بل إن موضوعها بذاته يمكن

أن يعد نظرية خاصة ومميزة؛ إذ يمكن القول إن لموضوع ( الوحدة

والتنوع) -دائما وعلى العموم- نظريتين:

أولهما- النظرية العامة: تتعلق بكونهما -في األصل واالبتداء-

يدرك، الذي اإلنساني الوعي في وواحدا متالزما بدهيا مفهوما

بداهة، وجوده الفطري في األشياء، ودخوله العضوي في أغلب، إذا

لم نقل، مجاالت الحياة كلها، وما يتعلق بها من النظريات الدينية

والفلسفية والعلمية، التي تفسر حركة التاريخ وتشكل الحضارة في

المعرفة اإلنسانية، فضال عن الصيرورة المعرفية عند اإلنسان.

وثانيهما- النظرية الخاصة: التي غالبا ما تكون ( الوحدة والتنوع)

من محدد معرفي نطاق في محددة ومنهجية علمية إشكالية فيها

مجاالت من غير ذلك أو الفن، أو األدب أو أو العلم الفلسفة

المعرفة اإلنسانية. وتبدو هذه النظرية فلسفية نقدية أقرب ما تكون

موضوعا في الرؤية والمنهج والخطاب.

والتنوع) ( الوحدة لموضوع النظري التصنيف هذا سياق وفي

المتعلق المعرفي الخطاب في المتميزة ومكانته العلمية، وأهميته

79

بالفن اإلسالمي، يمكن أن تكون ثمة حاجة معينة لمثل هذه المقاربة

النقاط استقراء إمكانية في لها مماثل وهدف المتواضعة، البحثية

ومراجعتها الخطاب، هذا في والتنوع إلشكالية الوحدة الحيوية

في والموضوعية، الذاتية لعالقاتها التحليل نافذة نقدية مراجعة

ضوء الرؤية الجمالية اإلسالمية، ومحاولة منهجة ذلك كله، إلعادة

تشكيل هذه النقاط والعالقات -قدر المستطاع- نظرية نقدية خاصة

للوحدة والتنوع في الفن اإلسالمي.

بعامة، السابقة، ودراساته الموضوع هذا أدبيات أبرز ومن

على القائم االستشراقي، وغير االستشراقي المعرفي الخطاب

بعامة. اإلسالمية والحضارة الفن اإلسالمي بخاصة دراسة

الذين المحدثين الجمال فالسفة أول Hegel هيجل يكون وقد

بالبحث الفن اإلسالمي ،(1) في اإللهية) ( الوحدة موضوع تناولوا

إيتنجهاوزن ريتشارد قدمه الذي البحث كان وربما والتنظير.

الفن اإلسالمي) في والتماسك (التفاعل عن (2) Ethinghausen

في والتنوع ( الوحدة عن 1955م) عام المستشرقين (مؤتمر في

عند هيجل، تاريخ الفن وفلسفة الفنون جماليات غانم. محمد بسطاويسي، (1)

بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، 1992م، ص36.

الفنون بدراسة وتخصصا عناية المستشرقين أكثر من إيتنكهاوزن: ريتشارد (2)

اإلسالمية، عمل رئيسا لمحافظي فن الشرق األدنى الجديد في متحف فرير للفن

لغات إلى ترجم الذي العرب؛ عند كتبه: فن التصوير أشهر من واشنطن. في

طه وسليم سلمان عيسى الدكتور من كل بترجمة العربية، اللغة منها متعددة

التكريتي، ونشر وزارة اإلعالم العراقية، بغداد، 1973م.

80

هذا في الجاد العلمي البحث بداية الحضارة اإلسالمية)(1) العرب الباحثين أول فكري أحمد المؤرخ كان وربما الموضوع. المعاصرين، الذين حاولوا إنشاء نظرية الفن اإلسالمي على عوامل الوحدة بين العروبة واإلسالم،(2) وآخرهم مثاال، المفكر اإلسالمي ضوء الفن اإلسالمي في عالج نظرية الذي الفاروقي، إسماعيل لتصور وأساسا أصال بكون التوحيد والفن) ( التوحيد بين العالقة

الجمال وصناعته الفنية.(3)

أوال: في المفهوم الفني للوحدة والتنوع

تعد ثنائية الوحدة والتنوع موضوعا حيويا في الفقه الحضاري

في نظرية الفن اإلسالمي، التي تؤكد كذلك مثلما هي اإلسالمي،

هي أن الوحدة أساس على منهما لكل الفني المفهوم خصوصية

تكامل العناصر الفنية في نسق هندسي داللي متجانس «كما تتكامل

مع بالتالزم التنوع، وأن ثابتة.»(4) بنسب الواحد الجسد أعضاء

تقنيات في وتجانسها العناصر لهذه االفتراضي النسق هو الوحدة،

أو عالقات التماثل والتكرار والجمع والتأليف المتناغم، بما يحقق

اإلسالمية، في الحضارة والتنوع (تحرير). الوحدة فون غوستاف جرونباوم، (1)

ترجمة: صدقي حمدي، بغداد: مكتبة دار المتنبي، ط1، 1966م، ص34.

فكري، المدخل إلى مساجد القاهرة ومدارسها، مرجع سابق، ص31. (2)

انظر مثال: (3)

الفاروقي، إسماعيل. « التوحيد والفن.. نظرية الفن اإلسالمي»، مجلة المسلم -

المعاصر، عدد25، 1981م، ص151.

عكاشة، القيم الجمالية في العمارة اإلسالمية، مرجع سابق، ص48. (4)

81

وقيمته الجمالي كماله وبالتالي وتماسكه، الفني العمل تفاعل

وليس الفن، إلى انتسابه تحدد التي المضافة، أو المزيدة المعرفية

إلى أي مجال معرفي آخر من مجاالت الحضارة والمعرفة كالعلم أو

األدب مثال، كون هذا التنوع هو جوهر الفن.

-الجمالـــي، الذاتـــي البعديـــن: إدراك نســـتطيع هنـــا، ومـــن

والموضوعي- الحضاري للفن اإلســـالمي؛ إذ يتمثل البعد األول في

تكون «العمل الفني اإلســـالمي من أجزاء أو وحدات متعددة، تتآلف

لتكوين تصميم أوسع. وتشكل وحدة من هذه الوحدات كيانا له قياس

وذروة وإتقان، يمكن إدراكـــه على أنه وحدة معبرة وافية بحد ذاتها،

إضافة إلى كونها جزءا من التركيب األوســـع»(1) من (بنية الوحدات)

هذه، التي تبرز من خاللها القيمة الجمالية األولى واألساس للعمارة

والفنون والصنائع اإلسالمية. أما البعد الثاني فيتمثل في أن «وحدانية

العقيدة ووحدانية الثقافة تقودان إلى تشـــابه/تنوع في اختيار األشكال

والرمـــوز ليكـــون المؤدى واحـــدا»(2) فـــي التعبير الفنـــي عن جوهر

الحضارة اإلسالمية ورسالتها الخالدة المتمثلة في ( التوحيد).

ثانيا: الخلفية الحضارية لوحدة الفن اإلسالمي وتنوعه

بين جاد جدل موضوع الفن اإلسالمي وتنوعه «وحدة ثنائية

دراسة الرسمية الناحية من استقرت أن منذ والدارسين، العلماء

الفاروقي، ولوس، أطلس الحضارة اإلسالمية، مرجع سابق، ص247. (1)

عكاشة، القيم الجمالية في العمارة اإلسالمية، مرجع سابق، ص40. (2)

82

الحضارة اإلسالمية في معاهد التعليم األكاديمية،»(1) وذلك للعالقة

العضوية الوثيقة بين الفن اإلسالمي والحضارة اإلسالمية؛ إذ تبدو

إطار في غيرها من أكبر نحو على واضحة بينهما العالقة هذه

الحدود المعرفية؛ من التكوين والخصائص، لفكرة الوحدة والتنوع،

فالحضارة اإلسالمية تتميز «بشموليتها ووحدة مكوناتها، كما تتميز

وفنون. وثقافة علوم من إليه تطرقت ما كل في واألصالة بالثراء

تعدد من اإلسالم لحضارة تهيأ ما أخرى حضارة ألية تتهيأ ولم

المجاالت، واتساع الرقعة الجغرافية، واالمتداد الزمني.»(2) وكذلك

«الفن اإلسالمي يمتاز بتنوعه العظيم؛ تنوع أصاب نواحيه وأشكاله

وصناعاته وزخرفته وأقاليمه ورجاله؛ تنوع بلغ من الشدة حدا يصعب

فيه كثيرا أن نجد فيه تحفتين متماثلتين.»(3)

والتنوع بثنائية الوحدة المتعلق المعرفي الجدل هذا ويكشف

بين الحضارة اإلسالمية والفن اإلسالمي عن أن هذه الثنائية كانت،

وال تزال، جانبا أساسيا من جـوانب (اإلشكالية االستشراقية) المتعلقة

بدراسة الحضارة اإلسالمية، ليس بكون هذا الفن عنصرا مهما من

عناصر هذه الحضارة، ومكونا بارزا من مكوناتها المعرفية فحسب،

بل ألن هذه اإلشكالية االستشراقية قامت -في جانب كبير منها- على

للبحوث فيصل الملك مركز الرياض: اإلسالمي، وحدة الفن أسن. أتيل، (1)

والدراسات اإلسالمية، 1405هـ، ص13.

المرجع السابق، ص13. (2)

فكري، أحمد. تصديره لترجمة كتاب ديماند (م. س.)، انظر: (3)

ديماند، الفنون اإلسالمية، مرجع سابق، ص11. -

83

هذه العالقة بين الحضارة اإلسالمية والفن اإلسالمي مثاال نموذجيا

للتعبير عن روحهما الواحدة، التي يمكن أن نصفها بالنظام أو القانون

أو الجدل المعرفي، الذي تقوم عليه المنظومة الحضارية اإلسالمية

للفنون والعمارة والصنائع بعامة.

هذه والتنوع إلشكالية الوحدة المعرفية المقاربات كانت وإذا

فإن وتنوعها، الحضارة اإلسالمية جوانب بتعدد ومتنوعة متعددة

أن ينبغي اإلنساني، المعرفي التقويم في واألعمق األهم مقاربتها

تكون في مجال الفنون والعمارة والصنائع الثقافية، ألن العديد من

خلصت إلى أن الفن واآلثارية قد الدراسات التاريخية والحضارية

في األبرز المعرفي وجهها المعرفية- البداهة اإلسالمي يمثل -في

العطاء في وتقدمه العيش كفاية في االجتماعية قيمتها عن التعبير

واإلبداع، وبخاصة أن الفن بمفهوميه العام الشامل لكل عمل نافع

اإلنساني اإلبداع هو الجميل، العمل إطار في المحدد الخاص أو

عن فضال والمادية، المعنوية الحضارة ومقوماتها لفكرة الصانع

الثقافية، الهوية في المتقدم وشكلها االستقرار، في المتطور نمطها

مع الحضاري التواصل أو التثاقف في الراقي أسلوبها عن وفضال

اآلخر في سبيل (عمارة األرض)، التي هي جوهر الخطاب اإلسالمي

أو (االستخالف)(1) مبدأ على القائم اإليماني الديني مستوييه: في

الخالفة الرمزية لإلنسان في األرض، والحضاري القائم على (الفطرة

0 / . - , + *) ( ' & % $ # " ! زب (1)

1 2 3 4 5 6 87 9 : ; > = < رب[البقرة:٣٠].

84

الفاضلة)(1) لإلنسان في اإلبداع العلمي واألدبي والفني، وغير ذلك

من مجاالت االجتماع واالتصال والعمران.

لتموضع األنسب المعرفي هو المجال الفن اإلسالمي إن

عن الوحدة التعبير في الرمزي أو الداللي وتجليها العالقة هذه

صلب في الفن هذا يدخل حيث الحضارة اإلسالمية؛ في والتنوع

وفي الثقافية؛ هويتها وفي المعرفي؛ نسقها وفي اإلبداعي؛ تكوينها

بنيتها الداللية المعبرة عن الخطاب الحضاري لإلسالم، بما يجعل

الوحدة والتنوع في الفنون والعمارة اإلسالمية يشكالن الوجه اآلخر

المعنوي المغزى ألن الحضارة اإلسالمية، في الجدلي لوجودهما

والداللي، الذي يمكن أن نستكشفه من حجم وكثافة وسعة الوجود

يعني الفضل في اللغة: الزيادة، وفي التفسير: اإلسالم. انظر: (1)

األصفهاني، الراغب. مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، -

دمشق: دار القلم، ط3، 2003م، ص639. وتعني الزيادة هنا ما هو فوق القسمة

والتقدير اإللهي العادل في األرزاق واألحوال. انظر:

نصر - حسني تحقيق: القرآن، نظائر تحصيل محمد. اهللا عبد أبو الترمذي،

زيدان، ط1، 1969م، ص126. ويمكن تعريف الفضل بأنه القيمة المضافة أو

واألزمان واألماكن واألشخاص األشياء في والراجحة المزيدة أو اإلضافية

واألعمال وغير ذلك. ومن هنا، قامت في المعرفة العربية اإلسالمية (المفاضلة)

و( التفاضل) بين الذوات واألنساب والعلوم واآلداب والفنون والصنائع وغير

ذلك من عناصر الحضارة ومقوماتها ومظاهرها. انظر:

دار - بيروت: حسن، توفيق محمد تحقيق: المقابسات، أبوحيان. التوحيدي،

اآلداب، 1989م، ص210. ومن كل ذلك صار باإلمكان قيام مفاهيم: األنفس

الكالم، من والفاضل الفاضلة، والحضارة الفاضلة، والهندسة الفاضلة،

والمفضليات من قصائد الشعر، وغير ذلك مما يتصف بالفضل.

85

الجمالي والوظيفي لهذه الفنون والعمارة والصنائع في هذه الحضارة،

مقارنة بالحضارات الدينية واإلنسانية األخرى، ال يحيد عن حقيقة

أن الحضارة اإلسالمية -في صورتها الكلية- هي الحضارة الفاضلة

بوحدة القيم الكلية: الحق، والخير، والجمال، وبتنوعها الشهودي في

الوجود والحياة واإلنسان والمجتمع.

ويمكننا القول إن هذه الطبيعة أو الخصائص الفضلية للحضارة

التي هي وتنوعها، القيم هذه وحدة على القائمة اإلسالمية،

تدفعنا إلى أن نصف هذه الحضارة -بكل قناعة واستحقاق- بأنها

الفن في الماثلة والتنوع، لثنائية الوحدة الجمالي المعنى حضارة

اإلسالمي.

ومـــن هنا؛ تبـــدو إشـــكالية الوحـــدة والتنـــوع فـــي الحضارة

اإلســـالمية فلســـفية/نقدية تتصل بأصل الفن اإلســـالمي، وطبيعته

الجماليـــة، وبنيته المعرفية، وأبعاده التاريخيـــة، وقيمته الحضارية،

وآثاره اإلنســـانية، فهي إشـــكالية معرفية معقدة تتصل باإلشـــكالية

االستشـــراقية لدراســـة الحضـــارة اإلســـالمية، بـــل هي مـــن بناتها

الناشـــئات عن القراءة الغربيـــة، المتنوعة في رؤيتهـــا وفي موقفها

وفي منهجها، لحضارة اإلســـالم وتاريخ المســـلمين.

ولذلـــك، يمكـــن أن يكـــون تحديـــد الطبيعـــة المعرفيـــة لهذه

اإلشـــكالية بمنزلة المهمة الحيوية األولى، التي ربما ينبغي للبحث

العلمـــي المتعلـــق بالفـــن اإلســـالمي أن ينهض بها في قـــراءة غير

86

استشـــراقية، أو في محاولة تأصيل معرفي إســـالمي خالص لثنائية

الوحدة والتنوع في الفن اإلسالمي، ينأى بها عن طبيعتها اإلشكالية

االستشـــراقية الواضحة، تماما، في عدم الوضوح العلمي لمفهومي

الوحـــدة والتنوع، وفي غموض منهجيـــة العالقة بينهما، وفي تباين

مســـارات التعـــدد والكثرة لهذه العالقة المنضويـــة في إطار النظام

المعرفي والمنظومة الحضارية لإلســـالم والمســـلمين.

ثالثا: القراءة االستشراقية لوحدة الفن اإلسالمي وتنوعه

قامت أغلب النظريات التاريخية والحضارية والجمالية المتعلقة

بالفن اإلسالمي على فكرة الوحدة والتنوع أساسا فلسفيا لجمالية هذا

الفن وحيويته، وأهميته وتأثيره في المعرفة الجمالية اإلسالمية وغير

اإلسالمية، وعلو مكانته ودوره التاريخي في الحضارتين؛ اإلسالمية

واإلنسانية. فقد اجتهد عدد من المؤرخين «في سبيل الخروج بأفكار

جديدة أو نظريات مبتكرة في حقل الفن اإلسالمي الرحيب، سواء

الفلسفية المناهج أو وصفية، تاريخية من التقليدية المناهج اتبعوا

المستحدثة من جمالية باطنية أو تعبيرية رمزية، وبيان العالقة العضوية

بين الفن اإلسالمي وأصوله القديمة في مختلف األقاليم التي انضوت

تحت راية اإلسالم؛ بمعنى انصهار فنون األقطار اإلسالمية في بوتقة

حلقة تعني التي هي واسعة حضارية دائرة في ودخولها واحدة،

الثقافة اإلسالمية العالمية ذات البنية الواحدة والطابع الواحد، وإن

حضارة وحدة فكأن المفردة، وعناصرها التفصيلية دقائقها تنوعت

87

عقيدة اإلسالم حيث المعنوية وحدته وعاء هي المادية اإلسالم

التوحيد والوحدة أيضا.»(1)

لقد خلصت هذه الدراسات وغيرها إلى أن العالقة بين الوحدة

والتنوع هي أهم خصائص الفن اإلسالمي وأبرزها. وربما يمكن أن

نمثل ألبرز القراءات االستشراقية في ما يأتي:

توصل إرنست كونل Kuhnel من دراساته التاريخية لمختلف - 1

(الطرز styles) المعمارية والزخرفية والتطبيقية التي تعرف

ال الفن اإلسالمي أن إلى الفرعية -مثال- بالفنون أحيانا

يوحد بل المدني)، و(الطراز الديني) (الطراز بين يفرق بينهما في العمل الفني الواحد.(2)

ويرى جورج مارسيه Marcais؛ مثال آخر؛ بأن للفن اإلسالمي - 2

شخصيته الخاصة المميزة عن بقية فنون العالم القديم، وأن

كال من الدين اإلسالمي واللغة العربية كانا الرابط القوي

بين طرز الفن المختلفة ومدارسه المتنوعة في وحدة فنية

تمثلت بصفة خاصة في العمارة الدينية.(3)

عبد الحميد، سعد زغلول. العمارة والفنون في دولة اإلسالم، اإلسكندرية: منشأة (1)

المعارف، 1986م، ص105.

كونل، أرنست. الفن اإلسالمي، ترجمة: أحمد موسى، بيروت-ألمانيا: دار صادر، (2)

دار هورست أردمن، 1966م، ص 33 .

الفكر، دار دمشق: البهنسي، عفيف ترجمة: اإلسالمي، جورج. الفن مارسيه، (3)

1968م، ص 14 .

88

البنيوية - 3 أن الوحدة ثالثا، مثال ،E.J.Grubeجروب ويؤكد

والجغرافية العرقية في الوحدة تتمثل اإلسالم لعالم

للعناصر الثقافية الثالث: العربية والفارسية والتركية.(1)

الحضارة اإلسالمية بين العالقة تؤكد أخرى دراسات وهناك

والفن اإلسالمي في الوحدة والتنوع.

هذه على اعتمدت أخرى قراءات ثمة كله، ذلك مقابل وفي

الحيوية هذه على دليال إسالمي) (فن وجود بعدم للقول العالقة

الحضارة في والدور والمكانة، األهمية من القدر هذا وعلى

ما في الحصر- ال المثال سبيل الحال -على هو كما اإلسالمية،

ذهب إليه كل من:

بعدم - يمتاز الفن اإلسالمي أن يرى الذي ايتنجهاوزن،

الرغبة وبعدم الفنية، الوحدات بين العضوي الترابط

تتضح رئيسي، واحد نموذج ولو خلق، في الواضحة

فاألشكال الذات، عن المعبرة الفردية الشخصية فيه

والوحدات الفنية تعرض عادة بأسلوب تعسفي يمكن معه

بالرتابة تمتاز فهي ولذلك أوضاعها، تغير أو تعكس أن

الصارمة في وضع األلوان غير الطبيعية أو غير المتجانسة، بعضها إلى بعض، في العمل الفني اإلسالمي.(2)

عبد الحميد، العمارة والفنون في دولة اإلسالم، مرجع سابق، ص111. (1)

في والتنوع ضمن الوحدة االسالمي، في الفن والتماسك التفاعل إيتنجهاوزن، (2)

الحضارة اإلسالمية، مرجع سابق، ص 159.

89

ديماند Dimand الذي قال في دراسة له عن الفن اإلسالمي -

إن غياب «التنوع، بوصفه جوهر الفن» عن الفن اإلسالمي

على رتيبة، آلية بصناعة يكون ما أشبه جعله هو الذي

الرغم من وحدة األسلوب القائمة على التماثل ال «التنوع

للفن وليس المسيحي للفن الغالب الطابع هو الذي

اإلسالمي.»(1)

رابعا: الوحدة والتنوع في الفن اإلسالمي.. رؤى وتفسيرات

تعددت الـــرؤى وتنوعـــت التفســـيرات التي قدمتها دراســـات

الفـــن اإلســـالمي لموضوع الوحـــدة والتنوع إلى درجـــة تنبىء عن

غيـــاب الحدود المعرفية للموضوع، واتســـاع دائرته لتشـــمل أغلب

موضوعـــات الفـــن اإلســـالمي التاريخيـــة والحضاريـــة والجماليـــة

والنقدية بال اســـتثناء، ولذلك قد تصعـــب اإلحاطة بكل االتجاهات

المعرفية التي تناولت الوحدة والتنوع في الفن اإلسالمي. وفي هذه

العجالة نســـعى إلى فتح الباب على هذا الموضوع، من خالل تعلقه

ببعض موضوعات هـــذا الفن ومجاالته، التي جرت منهجية العالقة

بين الوحـــدة والتنوع فيها على أنحاء واتجاهات مختلفة من العالقة

بين هذين المفهومـين، فبعض دراســـات الفن اإلسالمي تعول على

الوحدة بوصفها روح الحياة اإلســـالمية، وبعضها اآلخر يعول على

(1) ديماند، م. س. الفنون الزخرفية اإلسالمية، ترجمة: محمود أنور األسدي، ومنير

صالحي األصبحي، دمشق: الشركة الشرقية للمطبوعات، 1995م، ص3.

90

التنـــوع بوصفه جوهر الفن، وبعضهـــا الثالث يعول على الوحدة في

التنـــوع، وبعضها األخير على التنـــوع في الوحدة، من خالل البحث

في موضوعات الفن اإلســـالمي اآلتية :

وحدة األصل وتنوع المصادر: - 1

كبير جدل مثار الفن اإلسالمي ومصادره أصل موضوع

ومتواصل في دراسات هذا الفن، التي بدأت تظهر في غضون القرن

مجاال لتكون الميالديين، عشر التاسع القرن وبداية عشر الثامن

الجمال. أو علم الفن تأريخ أو اآلثار مجاالت علم من معرفيا

وانبثقت في هذا السياق نظريات عدة عبرت عن رؤى فكرية متنوعة

إلى الغالب في تعود التي والعلمية، والثقافية الدينية جذورها في

األوروبية النهضة عصر بعد الناشئة الغربية المعرفية المنظومة

الفن قيمة مع التعامل على ركزت التي االستشراقية، وامتداداته

اإلسالمي ومكانته الحضارية اإلنسانية، في ضوء االعتبار التاريخي

للفن بكونه، في األصل، إبداعا إنسانيا محضا.

ويتمثل في النظر إلى الفن اإلسالمي بخاصة على أنه ليس أكثر

من كونه ظاهرة حضارية حادثة بفعل عوامل ومؤثرات خارجية أو

التي له، والمعاصرة السابقة الفنون في غالبيتها تتمثل موضوعية

أسهمت في صيرورته فنا تاريخيا محدثا أو جديدا، أو صار هو الفن

الديني/الدنيوي األحدث في التاريخ اإلنساني.

وذهب كثير من دراسات الفن اإلسالمي التاريخية هذه إلى أن

91

العرب المسلمين لم يكن لهم قبيل اإلسالم وبعيده «فن خاص بهم

يستحق الذكر، ولكنهم عندما فتحوا سوريا والعراق ومصر وإيران

إسالمي أسلوب وبدأ البالد، هذه في الراقية الرفيعة الفنون تبنوا

فنيين؛ مصدرين من األخص على مشتقا تدريجيا، ينمو ناشىء،

المسيحية اآلثار وكانت والفن الساساني، البيزنطي، وهما: الفن

( الفن المسيحي) في مصر وسوريا والعراق مصدرا»(1) من مصادر

الفن اإلسالمي، في عهده األول، على األقل.

أفعال ردود واجهت االستشراقية األطروحة هذه ولكن

(الفراغ نظريات نقض حاولت وإسالمية، عربية معرفية وتجاذبات

المنابع أو (األصول و اإلسالمي) التأثر أو (االشتقاق و العربي)

العرب الباحثون وقدم اإلسالمي. للفن الخارجية) المصادر أو

واإلسالمي) العربي (األصل في تتمثل بديلة نظريات والمسلمون

لهذا الفن، فقد أكد هؤالء الباحثون أن العرب كان لهم قبل اإلسالم

الجزيرة في ذلك كان سواء والفن ،(2) الحضارة صروح من العديد

العربية أو خارجها، «ثم إن العرب اتخذوا اإلسالم دينا، وسخروا في

ومشاعرهم المتقد، وخيالهم الناضجة، عقولهم الديانة هذه خدمة

الحساسة. وعلى هذا األساس وحده، نشأ الفن اإلسالمي وتطور منذ

العصور اإلسالمية األولى إلى استخدام ملكاتهم الفكرية، الستنباط

أصناف الصنائع ومركباتها، كما يقول ابن خلدون؛ أو باصطالح آخر

المرجع السابق، ص23. (1)

األلفي، الفن اإلسالمي..أصوله وفلسفته ومدارسه، مرجع سابق، ص88. (2)

92

الستنباط عناصر البناء وتعبيرات الفنون، والستيعاب ما كانوا يرونه

األخرى، والفنون الحضارات وأساليب عناصر من ونافعا، جميال

العناصر هذه وتطوير والفنية، الحضارية نهضتهم سياق في لهم

واألساليب في إطار الوحدة العربية»(1) اإلسالمية في التعبير الفني.

وحدة العوامل الثقافية والحضارية وتنوعها: - 2

تلك على التركيز الفن اإلسالمي دراسات بعض حاولت

العوامل الثقافية والحضارية المتصلة باألصل العربي اإلسالمي لهذا

الفن. وال تعتمد هذه الدراسات على األعمال المادية وخصائصها

عن يكشف مختلفا منحى «تنحو أن تحاول بل ذلك، في الفنية

بصرف اإلسالمي، الفني التراث وحدت التي المشتركة العوامل النظر عن الفترة أو المنطقة التي ظهر فيها.»(2)

الفن وحدة في المشتركة العوامل هذه تصنيف ويمكن

اإلسالمي وتنوعه إلى: عوامل ثقافية، وأخرى حضارية.

فمن العوامل الثقافية التي يؤكد الباحثون دورها في نشأة أ -

العربية، واللغة العقيدة اإلسالمية، وتطوره: الفن هذا

الذي الثقافي مفهومه له كان فاإلسالم الفني.(3) والتعبير

أثر في تشكل العالم وبلورته من جديد، بفرض خصائصه

فكري، المدخل إلى مساجد القاهرة ومدارسها، مرجع سابق، ص31. (1)

أتيل، وحدة الفن اإلسالمي، مرجع سابق، ص13. (2)

المرجع السابق، ص13. (3)

93

المفتوحة، البالد جميع على بها ينفرد التي الثقافية

وبالذات في تقاليدها الفنية والمعمارية، معتمدا في ذلك

على قوته الفكرية والثقافية، وعلى شمولية تعاليمه وعلى

د الموح العامل وكان العام. والعالمي اإلنساني طابعه

األقوى -الذي يأتي بعد العقيدة- هو اللغة العربية؛ تلك

يتصل التي الوسيلة لتكون تعالى اهللا اختارها التي اللغة

من جعلت التي رسالته ويبلغها باإلنسانية النبي بها

العربي تجويد الخط في يتجلى دينيا عمال اللغة هذه

الفنون «أنبل وصيرورته الحصر- ال المثال سبيل -على

جميعا»، عند أغلب الباحثين، واستمراره تعبيرا فنيا متميزا

والثقافة الواحدة واللغة الواحدة اإلسالمية العقيدة عن

الواحدة.

غيرها ب - من أكثر كانت التي الحضارية العوامل أما

تمثلت وتطوره، فقد اإلسالمي الفن نشأة في مساهمة

أحدثه الذي الدور في المتمثل الديني، العامل في

الحياة في الشريف والمصحف من المسجد كل

التطبيقية، أو واالستعمالية الجمالية وفنونها اإلسالمية

الخلفاء رعاية في تمثل الذي السياسي العامل وكذلك

المسلمين الحكام وبقية واألمراء والملوك والسالطين

العامل ثم استثناء. بال اإلسالمية الفنون أنواع لمختلف

طبقات مختلف توجه في تمثل الذي االجتماعي

94

إلى المتعاقبة، التاريخية حقبه عبر اإلسالمي، المجتمع

في وتنظيمها بها، والعناية والصنائع بالفنون االهتمام

مؤسسات اجتماعية خاصة. والعامل الفكري الذي رافق

بالتوعية الفنون تنمية في االجتماعية التنظيمات هذه

الفنية نشر الثقافة طرق من وغيرها والتأجيز، والتعليم

دفع الذي العلمي العامل وأخيرا؛ ووسائلها. اإلسالمية

صناعة مجال في كبيرا دفعا اإلسالمية الفنية العملية

المخطوط. اإلسالمي الكتاب

وإذا كان عدد من الباحثين في المجالين الحضاري أو الفني أو

التاريخية ظاهريتها علل قد والتنوع، لموضوع الوحدة معا كليهما

من آخرين فإن والحضارية،(1) الثقافية العوامل بهذه اإلسالمية

هؤالء الباحثين قد عد هذه العوامل وغيرها بمنزلة شروط أو إلزامات

أو إكراهات موضوعية أو رهانات اجتماعية، هيأت البيئة الحضارية

فرضية ضوء في وتطوره وازدهاره، اإلسالمي الفن لنمو المتنوعة

أن يمكن ما أو التاريخية؛(2) الناحية من اإلسالمية الفنون وحدة

نسميه: ( الوحدة التاريخية)؛ إذ ال شك في أن «لتاريخ الفن اإلسالمي

وحدة متميزة رغم تنوعها الكامن فيها، مع وضع االعتبار الواجب

أراضي من والنتشاره سنة، 1300 امتداد على الفن هذا لتطور

ط2، الفكر، دار دمشق: والمسلمين، العرب عند تاريخ الفن أنور. الرفاعي، (1)

1997م، ص21.

كرابار، أوليغ. كيف نفكر في الفن اإلسالمي، ترجمة: عبد الجليل ناظم، وسعيد (2)

الحنصالي، الرباط: دار توبقال للنشر، ط1، 1996م، ص21.

95

األندلس إلى حدود الصين. وهناك أربع خصال لهذا الفن تعد من

الهندسية، لألنماط الزخرفي االستخدام فهناك: خصائصه، أسباب

واألشكال النباتية المحورة، وإتقان رسم األشخاص والتصاوير، وفن

كتابة الخط العربي. والذي أسهم في هذا التجانس الفني هو التتابع

التكييف، (التبني، المعينة العمليات لبعض (التاريخي) الدوري

اإلبداع، التقليد، النزوح، االستمرار أو اإلحياء) على امتداد القرون

الثالثة عشر، وهو تتابع كان كفيال بتحقيق االستمرار واالتصال على

امتداد ذلك العهد الطويل واالتساع الشاسع.»(1)

وحدة األسلوب وتنوع العناصر الفنية: - 3

المجال المعرفي للوحدة والتنوع هو المجال األكثر صلة بطبيعة

الفن اإلسالمي المعرفية المباشرة، وبخاصه أن بنية الفن؛ أي فن، في

التقويم النقدي/الجمالي، تقوم على العناصر والتقنيات واألساليب،

أكثر من قيامها على أية مكونات أخرى كالفكرة والمضمون والتاريخ

وغير ذلك.

وبخاصة الفن، هذا في الباحثين أغلب يميل لذلك، وربما

أولئك الذين ينهجون منهجا نقديا جماليا في دراساتهم له، إلى أن

وحدة األسلوب Style أو الوحدة األسلوبية هي أبرز ما يميز الفنون

اإلسالمية، على الرغم من:

الوطني، الكويت متحف في اإلسالمي وتحقيق). الفن (إعداد مارلين جنكينـز، (1)

لندن: سذبي، 1983م، ص11.

96

والخط - 1 العمارة بين فنون المعرفية النوعية في تباينها

والرسم والتذهيب وغير ذلك.

والدائرة - 2 line والخط النقطة بين الشكلية عناصرها تنوع

والمخروط، وغير ذلك من األشكال الهندسية.

وتنوع قيمها التشكيلية بين اللون والملمس والنور واإليقاع - 3

والفراغ، وغير ذلك.

ما تصنع التي هي التشكيلية والقيم الشكلية العناصر هذه إن

يمكن أن نسميه ( الوحدة الفنية: الخطية، الزخرفية، المعمارية.. إلخ)؛

فتشكل هذه الوحدة بذاتها عنصرا فنيا كامال ومستقال، جديدا وواحدا

من الناحية الصورية -على األقل- يتكامل أو يتكرر مع واحد أو أكثر

من العناصر أو الوحدات الفنية المختلفة عنه أو الشبيهة به، في نظام

أو سياق هندسي فاضل ينتج -ال محالة- العمل الفني في صورته

أو Type النمط الفني النقد لغة في ندعوها التي المميزة، المعرفية

األسلوب.

توجهاتهم اختالف - على اإلسالمي الفن دارسو ويكاد

وتطبيقاتهم في هذا المجال- يتفقون على «أن هذه الوحدة األسلوبية

[ في الفن اإلسالمي ] على شيء كثير من التكامل برغم تنوع المصادر

وتعدد المؤثرات،»(1) ويمكن أن نستعين على التمثيل في هذا السياق

في الباحثين أغلب ولكن اإلسالمية، الفنون من العديد من بأمثلة

سوريو، الجمالية عبر العصور، مرجع سابق، ص74. (1)

97

Ornamentation بفن الزخرفة ذلك على التمثيل اعتادوا الفنون هذه

تقوم الوحدة إذ والجمالية؛ التقنية أسلوبيته في الفريد اإلسالمية،

األسلوبية، على تكرار/تماثل أو تنوع ( الوحدة/ الوحدات الزخرفية):

النباتية أو الهندسية.

على تقوم المتنوعة األسلوبية هذه الوحدة إن القول ويمكن

بالعالقة ومتكاملة بينها؛ ما في متواصلة أساسية مرتكزات ثالثة

العضوية ال التركيبية بين الوحدة والتنوع هي:

واألشكال أ - العناصر تنوع على وتقوم التصميم، وحدة

واألنماط واألنساق البنيوية في الفنون والعمارة والصنائع

اإلسالمية.(1)

تشكلها ب - مستويات وإدراك بهذه الوحدة واإلحساس

الهندسي –الداللي، القائم على نظام من العالقات ونسق

من المفاهيم الخاصة(2) المتنامية.

«وحدة المقصد؛ أو قل: وحدة التوظيف الجمالي للمقصد ت -

الجاللي؛ إذ تتشابه الفنون اإلسالمية أو تتقارب إلى حد كبير

«في التعبير الرمزي عن تجربة التوحيد عند الفنان المسلم»

بما يسقط قيمة الخصائص اإلقليمية أو الجغرافية [وغيرها

الفاروقي، ولوس، أطلس الحضارة اإلسالمية، مرجع سابق، ص132. (1)

انظر: (2) - Ardalan; Nader & Bakhtiar; Laleh: The Sense of Unity, London, The University of Chicago Press, 1973, p79.

98

من الخصائص الموضوعية] في الفنون اإلسالمية.»(1)

وحدة الهوية وتنوع الخصائص األسلوبية: - 4

عن الجمالية وخصوصيته الفني وحدة األسلوب تنبىء وقد

أن منطلق من اإلسالمي، للفن الثقافية-الحضارية الهوية وحدة

األسلوب هو الصورة الداخلية أو الذاتية للعمل الفني، وأن الهوية

«إن إذ غيره؛ عن تميزه التي الموضوعية أو الخارجية صورته هي

في بطريقته الجمالي، بمضمونه في التعبير، أسلوبه بمزية فن الفن

اإليحاء باألفكار، ال بالخامات التي يستغلها والتي تعد في الغالب لونا

من المصادفة الجغرافية. وإن الفن اإلسالمي إنما يشكل وحدة فنية

بسبب ذلك األساس الوطيد، وهو التعبير عن اإلسالم خالل الشعور

العربي. وإن معطيات هذا الشعور العربي هي التي طبعت النتاجات

الذي الثقافي -الحضاري بطابعها»(2) جميعا المسلمين عند الفنية

نراه- على سبيل المثال ال الحصر- في « الوحدة المعمارية في كافة

أرجاء العالم اإلسالمي؛ أي وحدة الطرز المعمارية في أقطار العالم

اإلسالمي كانت مستوحاة أو مستمدة من الحضارة اإلسالمية»(3) التي

تتألف معرفيا، من مكونين ثقافيين رئيسين هما: العروبة واإلسالم.

ط1، واإلعالم، دائرة الثقافة الشارقة: والفنون، اإلسالم محمد. بركات مراد، (1)

2007م، ص10.

الفاروقي، التوحيد والفن.. نظرية الفن اإلسالمي، مرجع سابق، ص151. (2)

الفاروقي، إسماعيل. «اإلسالم وفن العمارة»، مجلة المسلم المعاصر، عدد34، (3)

1983م، ص87.

99

إذ ”إن أهم خصائص الفن اإلسالمي هي العالمية والوحدة التي

اللغة في ممثلة فالعروبة واإلسالم. العروبة عاملي طريق عن أتت

العربية والخط العربي صارت أهم موضوعات الزخرفة اإلسالمية،

دعا مما المرئية، اهللا كلمات عن معبرا العربي كون الخط بسبب

ثم باألرابسك، اإلسالمية تسمية الزخرفة إلى األوربيين الباحثين

جعلت اإلسالم في الوحيدة العملية الفريضة بصفتها الصالة إن

الوحدانية دين بصفته اإلسالم ورمز اهللا بيت الجامع من المسجد

من الواحد تشكيلها في اإلسالم مساجد اتفقت وهكذا والوحدة، حيث التخطيط ومن حيث احتوائها على نفس العناصر.»(1)

المجال هذا في الباحثين لبعض نسوغ أن يمكن هنا، ومن

الهوية على أساس العربي اإلسالمي) ( الفن بـ الفن هذا تسميتهم

الثقافية -الحضارية المشتركة لهذا الفن، المتشكلة من تآلف عوامل

شاكل،(2) وما العربية كاللغة وتالزمها، العربية الثقافية الوحدة

اإلسالم جوهر إلى المستندة العالمية الحضارية وعوامل الوحدة

حيث من اإلسالم أن وبخاصة» الوحدوي،(3) وطابعه التوحيدي

مقارنته تمكن التي الدرجة إلى بالفنون نفسه يربط لم دين هو

األعمال من قليال إال يعين ولم والبوذية؛ بالمسيحية شأنها في

المحدودة للفنانين، إال أنه ابتكر أسلوبا في الحياة واتجاهات كان

التصويري فنه نطاق سعة وفي عمارته، فن في عميق تأثير لها

عبد الحميد، العمارة والفنون في دولة اإلسالم، مرجع سابق، ص239. (1)

فكري، المدخل إلى مساجد القاهرة ومدارسها، مرجع سابق، ص45. (2)

عبد الحميد، العمارة والفنون في دولة اإلسالم، مرجع سابق، ص196. (3)

100

وطبيعته، وفي طريقة معالجته للزخرفة ونوعها، وفي اختيار المواد

المتوحد الطابع من الرغم وعلى اإلسالمية. األقطار جميع من

المختلفة مظاهره على مطلع كل يدرك اإلسالمي؛ للفن الظاهري

إدراكا متزايدا ذلك التنوع الهائل بين األقاليم المختلفة، حتى بين

العصور المتغيرة في اإلقليم نفسه.»(1)

خامسا: وحدة الفن اإلسالمي وتنوعه.. قراءة إسالمية

كانت هذه الرؤى والتفسيرات التي قدمها عدد من دارسي الفن

اإلشكالية من جزءا ما- -نوعا والتنوع اإلسالمي لثنائية الوحدة

االستشراقية، وتجاذباتها القائمة على رد الفعل أكثر من قيامها على

الفعل اإلبداعي النقدي في استجالء الوحدة والتنوع في هذا الفن،

على نحو تأصيلي من النظرية اإلسالمية.

ولذلك، نحاول في هذا السياق؛ تأصيل هذا الموضوع في ضوء

األصول والمصادر المعرفية األساسية لما يمكن أن نسميه ( علم الجمال

ومصادرها اإلسالمية الجمالية المعرفة أصول تتمثل إذ اإلسالمي)؛

في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ثم في العلوم اإلسالمية

المتعلقة بالفكر والفلسفة، وباللغة والخطاب، وبالرياضيات والهندسة،

وبالبصريات والمناظر، فضال عن المنهج الذي يمكن أن نسميه (النقد

الفني اإلسالمي)، الذي يجمع بين الرؤية المعرفية والقراءة الموضوعية

لوحدة الفن اإلسالمي وتنوعه من خالل:

إيتنجهاوزن: التفاعل والتماسك في الفن االسالمي ، مرجع سابق، ص151. (1)

101

النظرية اإلسالمية للوحدة والتنوع: - 1

يمكن أن نقرأ أصل هذه النظرية وجوهرها المعرفي في عموم

اهللا)(1) إال إله (ال شهادة التوحيد: على القائم اإلسالمي االعتقاد

بين الوحدة الفطرية العالقة بأصل المتعلقة المعرفية وحقائقها

 Á À ¿ ¾½ ¼ » º¹ ¸ ¶ μ ´ زب اإللهية:

® ¬« ª © ¨ رب [الحشر:24]. زب È Ç Æ ÅÄ Ãوتنوعه الخلق وكثرة [المؤمنون:116] رب ´ ³ ² ± ° ¯مستويات في المتباينة والمصورات والمبدعات الموجودات في

واالنعكاس: والتجلي واالحتواء، والشمول والتراتب، األولوية

- , + * ) ( ' & % $ # " ! زب ? > = < ; : 9 8 7 6 5 4 3 2 1 0 / . J I H G F E D C B A @

رب [البقرة:164]. K

الكريم القرآن في المتمثل اإلسالمي، الخطاب ويكشف

والحديث النبوي الشريف، عن آفاق هذه الرؤية وأبعادها في أسباب

والحضارية، والمعرفية العبادية وغاياتها والحياة والوجود الخلق

اهللا: لفظ الجاللة هو االسم العلم على الذات اإللهية، وهو االسم (الواحد الفرد) (1)

في مفرد (اهللا) الجاللة ولفظ العلى. والصفات الحسنى األسماء لكل الجامع

اللغة، فال يجمع وال يتعدد، بخالف كلمة (إله) التي تتعدد وتجمع على (آلهة).

و (ال اله اال اهللا) نفي لتعدد األلوهية وإثباتها مطلقة هللا الواحد األحد. انظر:

لندن، - البيان، مجلة جمالية التوحيد»، في الدين «جمالية فريد. األنصاري،

عدد209، 2002 ، ص7.

102

مستوى على النافع واإلنتاج والتعايش التواصل في واإلبداعية

النفس والمجتمع والعالم.

وإذا كان هذا الخطاب يتجه عموما إلى الثقلين: اإلنس والجن،

وخصوصا إلى اإلنسان بوصفه المخلوق الذي كرمه اهللا سبحانه من

بين مخلوقاته كلها بأن جعله خليفته في األرض، فإن النظرية المعرفية

والمنهجية لهذا الخطاب تقوم على سلسلة من الثنائيات التي تنطلق

بين الحميمة الفطرية العالقة في المتمثلة األم الثنائية من –بداية-

زب ! " # $ % & ' ) ( الفرد: األحد الواحد (اهللا)

وما [اإلخالص:4-1]، رب 2 1 0 / . - , + *سماه القرآن الكريم بـ (اآليات واآلفاق واألنفس) من المخلوقات

والموجودات والمصنوعات وما شاكل من األشياء التي أبدعها اهللا

Ì ËÊ É È Ç Æ Å Ä Ã Â Á À زب تعالى:

المعادلة بأس ومرورا [فصلت:53]، رب Ó Ò Ñ Ð Ï Î Íبوصفهما والعبادة) (المعرفة على القائم والتنوع للوحدة الكونية

الكريمة: اآلية في الماثل القرآني (الخلق) لخطاب الواحدة الغاية

زب H G F E D C رب [الذاريات:56]؛ أي: «ليعرفوا وجوده وتوحيده،»(1) وانتهاء بسلسلة ممتدة ومترابطة من الثنائيات الفرعية،

كما يقول بعض المفسرين مثل ابن عباس رضي اهللا عنه، (ت 68 هـ/687م). انظر: (1)

القرآن - تفسير في المعاني روح محمود. الدين شهاب أبو الفضل األلوسي،

التراث إحياء دار المنيرية، المطبعة إدارة بيروت: المثاني، والسبع الكريم

اإلسالمي، د.ت ، ج17، ص121.

103

في لها ومصدرا وأصال أوال بوصفهما الثنائيتين تلكم عن الناشئة

واإللهام والجمال، والجالل والتجلي، والخفاء والشهود، الغيب

واالستلهام، واإلبداع والتقليد، والطبيعة والصناعة في (علم التفكر)(1)

اإلنساني بخالق الكون ومخلوقاته.

وطبقا لهذا العلم اإلسالمي البحت الذي يقوم -في حقيقته أو

يقول التوحيدي: «الفكر مفتاح الصنائع البشرية، كما أن اإللهام مستخدم للفكر، (1)

فاإللهام مفتاح األمور اإللهية «. انظر:

د.ت، - الجزائر: السندوبي، تحقيق: والمؤانسة، اإلمتاع حيان. أبو التوحيدي،

1964، ط2، 1992م، ج1، ص113.

تصنيف في الباطن علوم من فاضل علم هو التفكر) فإن (علم هنا، ومن

المعرفة اإلسالمية، فقد جاء في األثر: تفكر ساعة خير من عبادة سنة. وحقيقته:

وهذا إما بالتقليد أو تحصيل معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة ثالثة.

بالفكر من عند نفس المتفكر، إما بالتعلم والممارسة، أو بنور إلهي في الفطرة.

ويشتغل هذا العلم منهجيا عبر سلم التفكر واالعتبار والتذكر والتدبر والتأمل

والتعقل والتعلم والنظر والسمع.

ويجري هذا العلم في مجاري الفكر المتعلقة بجالل اهللا وعظمته وكبريائه

في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله تعالى وعجائب صنعه وبدائع أمره في خلقه

فإنها تدل على جالله وكبريائه وتقديسه وتعاليه، وعلى كمال علمه وحكمته،

وعلى نفاذ مشيئته وقدرته؛ فننظر إلى صفاته من آثار صفاته، وهذا كله سر قوله

: «تفكروا في خلق اهللا وال تفكروا في ذات اهللا«. انظر: في - السيادة ومصباح السعادة مفتاح مصطلحات موسوعة علي. دحروج،

زادة، كوبري بطاش الشهير مصطفى بن أحمد للعالمة العلوم، موضوعات

بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 1998م، ص328.

د.ت، - مصر، نهضة القاهرة، إسالمية، فريضة التفكير محمود. عباس العقاد،

ص 55 .

104

في طبيعته المعرفية- على إدراك العالقة بين الوحدة والكثرة/التنوع،

فإن النظرية اإلسالمية لهذه الثنائية المعرفية تقوم –بدورها- على أن

مجرد مفهوم فعالية، أو وقدرة ومبدأ فكرة هي حيث من الوحدة؛

كماله شيء ولكل في الوحدة.. إن «الكمال إذ والتكامل؛ للتوحيد

الالئق به، الممكن له،»(1) فتصير الوحدة بذلك أصل كل شيء في

هي والتنوع والتعدد والكثرة والكون. والوجود والخلق المعرفة

ة الفطرية والطبيعية والكونية (لكل شيء كونه الخاص) لكل هذه السن

األشياء المعرفية وغيرها، بدءا من األسماء الحسنى هللا الواحد األحد

وانتهاء الماورائية، أو اللدنية والمعرفة الغيب في العلى وصفاته

بآيات الخلق وآفاق الوجود وأسرار األنفس في الشهود الحضاري

أو المعرفة اإلنسانية.

وتفسيرا لذلك كله؛ يمكن القول إن المعرفة العربية اإلسالمية

قد عدت الوحدة أصال للكثرة والتنوع، وعدت العالقة بينهما منهجية

فصارت والمدركة، المحسوسة األشياء طبيعة لمعرفة تقنية أو

بعامة، اإلنسانية للمعرفة الجوهري الموضوع بذلك الثنائية هذه

واإلسالمية منها بخاصة.

من مجال كل في ونتلمسه الموضوع هذا نرى أن ويمكن

مجاالت هذه المعرفة؛ إذ يقول التوحيدي مثال لذلك: «الباري الحق؛

والواحد األحد: منبجس األشياء كلها ومنبعها، عنه تفيض فيضا وفيه

مكتبة القاهرة: أمين، عثمان تحقيق: الدين، علوم إحياء حامد. أبو (1) الغزالي،

األنجلو المصرية، ط3، 1968م، ج2، ص341.

105

تغيض غيضا، ال على حد اللفظ الذي في (عن) فصال، وفي (في)

وصال، بل على حد العقل الذي يقضي بالشيء على الشيء من غير

إثبات بينونة وال تأسيس كينونة، فإن األشكال والحدود من األقوال

واألغراض منفية في ساحة األلوهية، لكنها رسوم متحركة للنفوس

تحريكا، وكلمات مقربة من الحق تقريبا، تبلغ بالسامع إلى ما وراء

ذلك تبليغا. وكلما كانت هذه الرسوم أتم وأحسن؛ والكلمات أبهى

يضرب ما ولهذا أشرف. واإلدراك ألطف، التحريك كان وأبين،

التحريك هذا ومثال كالم. إلى كالم من ويؤثر بيان، إال بيان عن

والنقوش.. والصور والخطوط األشكال من حاضر التحرك وهذا

عليها ومشتملة كلها، بها ومحيطة جميعها، في شائعة والوحدة

وبالكثرة وتتكامل، تتشاكل بالوحدة األشياء هذه فصارت بأسرها،

تتخالف وتتفاضل.»(1)

وفي هذا السياق؛ يكمل التوحيدي دائرة الوحدة والتنوع المعرفية

اإلسالمية هذه بقوله: «.. وأنا أعوذ باهللا من [كل] صناعة ال تحقق

واالعتراف عبادته إلى تدعو وال الواحد، على تدل وال التوحيد،

بوحدانيته والقيام بحقوقه، والمصير إلى كنفه، والصبر على قضائه، والتسليم ألمره.»(2)

النظرية الفنية للوحدة والتنوع: 2 -

أن يمكن والتنوع، للوحدة العامة اإلسالمية النظرية هذه ومن

(1) التوحيدي، المقابسات، مرجع سابق، ص140.

(2) التوحيدي، اإلمتاع والمؤانسة، مرجع سابق، ج1، ص144.

106

ينبثق تأصيل النظرية الفنية اإلسالمية للوحدة والتنوع عبر محاوالت

في تقوم اإلسالمي، التي الفن لفلسفة والمعاصرة الحديثة التنظير

العامة؛ وخصائصه الفن هذا طبيعة دراسة على منها كبير جانب

والميزات والمالمح السمات بيان محاوالت فقد استندت

وجه اإلسالمي على الفن بها يتصف التي والحضارية الجمالية

والتنوع، أساس الوحدة على وتفسيرها والتفرد، الخصوص

في المنهجية وعالقاتها تقنياتها تحليل على االعتماد خالل من

بالعناصر والتكوين التأليف أو المتماثل، وغير المتماثل التكرار

في Calligraphy الخطية والصور الزخرفية، واألشكال الهندسية،

وفي اإلسالمية. والصنائعية والمعمارية الفنية األعمال مختلف

في المضمون أو الشكل بدراسة نظرية كل عنيت ذلك، ضوء

الفن اإلسالمي، وتوصلت إلى تغليب خاصية من هذه الخصائص

Geometry على هندسة األشكال يستند الفن، لهذا معرفيا طابعا

بالتجريد يتأول أو أخرى، تارة Decoration التزيين إلى أو تارة،

من ذلك وغير ثالثة، تارة Symbolism والرمزية Abstraction

واآلراء القراءات على المفتوحة والتفصيلية العامة الخصائص

الغربية، رؤيتها في األولى- -بالدرجة االستشراقية، والتنظيرات

الوصفي. التاريخي منهجها وفي اآلثارية، بنيتها وفي

ومن المآخذ النقدية على نظريات الخصائص االستشراقية هذه،

لتوصيف تصلح عامة معيارية معرفية أرضية على تتأسس لم أنها

أغلبها كان ما بقدر بعامة، اإلسالمية والصنائع والعمارة الفنون

107

توصيفا جزئيا مستندا إلى واحد أو اثنين، ليس أكثر، من هذه الفنون

والعمارة والصنائع اإلسالمية، إذا لم نقل إن أغلبها استند في ذلك

على التصوير أو الرسم أو العمارة فقط، في ضوء ما يراه في الفنون

بعض جاءت لذلك وربما الدينية. وغير المحتوى الدينية الغربية،

خصائص على تتفق ولم اآلخر، بعضها تخالف النظريات هذه

واحدة معينة على نحو ما، أو محددة بعدد ما أو موصوفة بكيفية ما،

مع أن أغلب نظريات الخصائص هذه كانت تولي الوحدة والتنوع

اهتماما كبيرا في شغلها العلمي والمنهجي على هذا الموضوع.

الموضوع، في االستشراقية اإلشكالية لهذه اآلخر والوجه

يتمثل في أن هذه النظريات لم تستكشف أصولها الفلسفية والعلمية

تلجأ لم إذ اإلسالمية؛ العربية المعرفة في والتقنية والمنهجية

اإلسالمي والنقدي الجمالي بتراثها الثنائية هذه تأصيل إلى كثيرا

الفن دراسات أغلب إن بل والفن، الحضارة والعمارة مجال في

اإلسالمي هذه لم تعمد، على نحو واضح، إلى تأصيل أطروحاتها

في تعليل اإلبداع الفني اإلسالمي بآراء أو نظريات إسالمية خالصة.

على - حاولوا ذلك اإلسالمي الذين الفن دارسي أبرز ومن

سبيل المثال ال الحصر- كل من:

لويس ماسينون Massignon؛(1) الذي حاول تفسير األشكال -

(1) Massignon; Louis: Les Methode de Realisation Artistique l’ Islam,

Syria , vol. 2, 1921.

108

Atomic الهندسية اإلسالمية وتكونها الفني بالنظرية الذرية

Theory األشعرية، التي تقول بأن اإلرادة اإللهية هي التي

في شيء، لكل المقومة الذرات تركيب وتعيد تركب

لهذه ويمكن هويتها، على الطبيعة تظل حتى حين، كل

الذرات أن تجمع بطرق مختلفة لتكوين أشكال وهويات

متعددة. ومن هنا فإن ما يقوم به الفنان ليس خلقا جديدا

لهذه األشكال واألشياء، كما هو الحال في إرادة اهللا تعالى

وقدرته، بل هو أشبه ما يكون بلعبة تخلية من الممكنات

أصال الموجودة العناصر توزيع على القائمة االحتمالية

من تفريقها إلى تجميعها في تأليف معين.

زخرفة لتفسير أخيرا الذرية استعملت النظرية «لقد

(1)«.Stalactites القباب بواسطة

تقديم - حاول الذي ،Papadopoulos بولو دو بابا ألكسندر

نظرية جديدة ومتميزة لتفسير التصوير التشخيصي باألسس

الروحية والفكرية للفن اإلسالمي. وتقول هذه النظرية إن

الكائنات تصوير عن الناهية الشريفة النبوية األحاديث

اإلسالمي تطور التصوير في رئيسا سببا كانت الحية

وذلك النهي، أو التحريم مع يتعارض ال متميز بشكل

أي: المقرنصات. انظر: (1)

كرابار، كيف نفكر في الفن اإلسالمي، مرجع سابق، ص36. -

109

باستنباط أساليب مالئمـة وقواعد تقنية خاصة، يقصد بها

الواقـع نقـل عن االبتعاد في نيته حسن بيان إلى الفنان ( المحاكاة) وعدم الطموح إلى مضاهاة خلق اهللا.(1)

بالفن المتعلق والمعاصر، الحديث العلمي، البحث إن

وضع في اإلسالمية المعرفية بالرؤية كثيرا يستعن لم اإلسالمي،

األصول كمنهج اإلسالمية، بالمناهج يستعن ولم هذه، نظرياته

والفروع الذي نشأ في الفقه اإلسالمي وساد في المعرفة اإلسالمية،

المناسبة ومنهج اإلسالمية، الشريعة في الحيوي المقاصد ومنهج

المناهج من وغيرها القرآني، النص بناء معرفة في البياني والنظام

الفن في والتنوع ظاهرة الوحدة دراسة في الخالصة اإلسالمية

في وعامة العمل، في وشاملة في الرؤية، كلية اإلسالمي دراسة

النظرية التي ربما لن تكون في طبيعتها أقل من أن توصف بما يمكن

أن نطلق عليه ( الوحدة الخصائصية).

أو السمات أو الصفات الخصائصية، بالوحدة ونقصد

الخصائص الجامعة ألكثر من صفة أو سمة أو خصيصة أو مفهوم،

نسق في وتوحيدها ذلك، غير أو ظاهرة أو شيء أو داللة أو

تميز إضافية قيمة ذات خاصية يكون أن على قادر واحد معرفي

الفن اإلسالمي. ومثال ذلك أن من أبرز خصائص الفنون والعمارة

الجمال ووحدة والدنيوي، الديني وحدة اإلسالمية، والصنائع

بابا دو بولو، ألكسندر. جمالية الرسم اإلسالمي، ترجمة وتقديم: علي اللواتي، (1)

تونس: مؤسسات عبد الكريم بن عبد اهللا، 1979م، ص6.

110

الداخلية الفضاءات تربط التي الحيوية والوحدة واالستعمال،

والخارجية، والوحدات الحقائقية (الفطرية) لكل مخلوق أو مصنوع

معين؛ فني أو غير فني، بطبيعته الموضوعية،(1) وغير ذلك من أنواع

أنواع الوحدة عن فضال الفرعية، وأنحائها الخصائصية الوحدة

المنعكسة، والوحدة اإللهية، كالوحدة الرئيسة، وأشكالها األخرى

والوحدة الجوهرية، وغير ذلك من وحدات الفن اإلسالمي، الذي

المعرفية(2) األنساق من متالزمة مجموعة على حقيقته- يقوم -في

لتلك جامعا معرفيا نسقا الواحدة، الجمالية بنيته منها تتشكل التي

األنساق، وكليا في خطابه الجمالي- الفني، الدال على كونه (وحدة

واحدة) أو ( الوحدة التامة)، مع ما يبدو عليه ظاهراتيا كأنه (وحدة

متعددة الوحدات)، يمكن وصفها بـ( الوحدة المتعددة: المتماثلة أو

غير المتماثلة)(3) في التنوع.

«التصنيع في اإلنساني لإلبداع الطبيعي القانون هو التنوع إن

والتفنين،»(4) وهو ال يتمثل في عناصر الوحدة فقط، بل يتمثل كذلك

في أشكال هذه الوحدة ومظاهرها وأنحائها المعرفية العامة؛ إذ يمكن

نصر، سيد حسين. مبادىء فن العمارة اإلسالمية والمشكالت الحضرية المعاصرة، (1)

ضمن: مقاالت في الفنون اإلسالمية، مرجع سابق، ص147-144.

يمكن تحليل أنساق الفن اإلسالمي إلى ثالثة أنساق رئيسة، هي: النسق الهندسي (2)

المتعلق بالشكل، والنسق الداللي المتعلق بالمضمون، والنسق المعرفي المتعلق

بالتصنيف.

عكاشة، القيم الجمالية في العمارة اإلسالمية، مرجع سابق، ص122. (3)

مطبعة طهران: رضا-تجدد، تحقيق: الفهرست، إسحق. بن محمد النديم، ابن (4)

المصرف التجاري ، 1971م، ص218.

111

ما غالبا الذي اإلسالمي، الفني العمل في وحدة من أكثر اكتشاف

والموسيقية، الهندسية والعالقات العناصر من مجموعة على يقوم

التي غالبا ما تجعله متنوعا في داخله، وتجعله في الوقت ذاته واحدا

في شكله الخارجي، الذي يجمع كل تلك العناصر والعالقات التي

هي -في حقيقتها- وحدات جزئية، إن صح الوصف، في ما يمكن

أن نسميه دائرة الوحدة الكلية؛ كون الدائرة هي رمز التواصل واألبدية والكلية والمطلق والتوحيد.(1)

سادسا: التوحيد ـ الوحدة الخصائصية

اإلسالمي دراسة التوحيد، الفن في نظرية الناقد الباحث على

فحسب، الفن هذا خصائص من خاصية عن تعبيرا بوصفه ليس

ولكن بوصفه الجوهر المعرفي لهذه النظرية، من خالل الفهم النقدي

في المحتملة ومفاهيمه مقوالت التوحيد، لكل والشامل العميق

سياقات هذا الفن:

الدينية اإلسالمية القائمة على وحدانية اهللا تعالى ومعرفته -

وعبادته.

الفلسفية، والصوفية منها بخاصة Synthesis؛ القائمة على -

مبدأ الوحدة والكثرة.

بوصفهما - والتنوع، على الوحدة القائمة النقدية الجمالية

تقنية الفن اإلسالمي وخاصيته.

سراج الدين، أبو بكر. روائع فن الخط والتذهيب القرآني، القاهرة: جمعية المكنز (1)

اإلسالمي، 2005م، ص37-29.

112

وروحها وجوهرها اإلسالمية المعرفة أصل ويمثل التوحيد

في هي مثلما والظواهر، القوى في والتنوع لدائرة الوحدة الناظمة

األكوان واألشياء. ويتمثل التصور المعرفي اإلسالمي لهذه الدائرة،

في العالقة الرمزية بين الوحدة وأنواع هذه الوحدة وأشكالها وأنحائها

ومستوياتها في الوجود وفي الوعي اإلنساني. وقد تبدو هذه العالقة

في نظرية الفن اإلسالمي مثال قائمة على مركزية ( الوحدة الجاللية

ـ الجمالية)، وفلسفة التوحيد لتجليات هذه الوحدة وانعكاساتها في

األنساق الهندسية الفاضلة للفنون اإلسالمية وخصائصها الموضوعية

اإلسالمي، للفن المضافة المعرفية القيمة هي التي والتجريدية،

بوصفه مستوى معينا من التجلي والظهور العياني manifestation لتلك

الوحدة، وهي التي تجعله بدورها رمزا من رموز التعبير عن الحقيقة

العليا والحق المطلق سبحانه وتعالى.

الجاللية هذه الوحدة أن النظرية الرمزية(1) هذه تؤكد وإذ

من متراتبة سلسلة في Synthesis متنوعة بطبيعتها هي الجمالية

قيمة ال هذه الوحدة خارج تنوع أي وأن والعالقات، المستويات

له، فإن فلسفة التوحيد وهندسته تضعان ( الوحدة اإللهية) في نقطة

لتكون هذه، وتجلياتها دائرة الوحدة من Sublime المتعالية المركز

الحق (علم على تقوم ألنها الحقانية)، ( الرمزية بـ أحيانا النظرية هذه تعرف (1)

وتنـزيهه). انظر:

ابن محمد، األمير غازي. المبدأ الديني (الحقاني) للرمزية، ضمن: مقاالت في -

الفنون اإلسالمية، مرجع سابق، ص61-47.

113

أصال لكل وحدة، سواء كانت في العمل الفني أو في أي شيء آخر؛

إذ تكون هذه الوحدة الفنية –مثال- أشبه ما تكون بمرآة االنعكاس

الرمزية لمفهوم الوحدة اإللهية، على نحو ومستوى وشكل وحقيقة

ما من أنحاء ومستويات وأشكال وحقائق تجليها في كل مفهوم لكل

وحدة من الوحدات المتنوعة في الوجود وفي المعرفة.(1)

ويمكن في نظرية الفن اإلسالمي الرمزية هذه أن نفهم الوحدة

في الباطن الجاللي البعد ذات الجوهرية) ( الوحدة بأنها اإللهية

أصل العمل الفني اإلسالمي، وماهيته وبنيته العميقة، ونفهم الوحدة

االنعكاسية بأنها ( الوحدة الصورية) ذات البعد الجمالي الظاهر في

شكل هذا العمل الفني، وجنسه المعرفي القابل للتمييز والتصنيف

حين في الصورية تتنوع وحداته اإلسالمي، الذي الفن أعمال بين

تظل وحدته الجوهرية واحدة ثابتة ال تتغير وال تتنوع؛ ألن ( الوحدة

األول المعرفي وجوهرها الجمالية) ( الوحدة أصل هي الجاللية)

هو بأن الجالل تؤمن اإلسالمي، التي الفن في نظرية واألساس

تلك صورة هو الذي للجمال، والكمالية والمطلقة العليا الحقيقة

الحقيقة وتجليها النسبي في أعمال الفن اإلسالمي وأشكاله وأجناسه

إطار في وتتشارك تتكامل ما غالبا التي خصائصها، في المتنوعة

العالقة الرمزية بين الجالل والجمال، لبناء طبيعة الفن اإلسالمي بما

يمكن أن نسميه ( الوحدة الخصائصية).

(1) Burkhart, Titus: Art of Islam.. Language & Meaning , World Wisdom

2009, p125.

114

والمشتركة الواحدة الخصائصية بهذه الوحدة نقصد وإذ

الخصائص عن الطبيعة، وفي الرؤية في اإلسالمي؛ للفن والمميزة

المماثلة للفنون اإلنسانية األخرى: تعالق وتواصل وتكامل مجموعة

من المبادىء والشروط والخصائص الجاللية والجمالية في ما بينها

لتكوين طبيعة الفن اإلسالمي وصورته المعرفية الكلية.

تلك مثل من المقام هذا في له نعرض أن يمكن ما وأهم

الحصر- ال المثال سبيل -على والخصائص والشروط المبادىء

اإلسالمي، الفن في األول وشرطه التأسيس مبدأ وهو ( التنزيه)،

وخصيصته التي تتعالى بالوحدة اإللهية وتتسامى بها عن كل ما قد

فإن ولذلك التجسيد. أو التشبيه أو التشكيل حدود الى بها ينـزل

إلى والشكل واألسلوب الفكرة واالتجاه حيث من ينزع الفن هذا

( التجريد) الجاللي بهذه الوحدة إلى (حضور رمزي)، يتجلى معناه

بـ الكريم القرآن سماه ما وهو والتعدد، والتنوع الكثرة في وداللته

(اآليات = الرموز) التي يمكن تفسيرها باألشياء واألشكال والرسوم

وما شابه ذلك من تقاليد العمل الفني اإلسالمي اإلبداعية، التي غالبا

ما تستند إلى (الحكمة) في وضع كل شيء في مكانه الصحيح من

القيم الهندسية الفاضلة في هيئاتها وأقدارها ونسبها من تقويم هذا

في الطبيعي اإلتقان قانون بوصفه ( اإلحسان)، على وإنشائه العمل

الصنعة، وفي السلوك الفني المتجاوز لذاتية الفن إلى (الموضوعية)

الطبيعي القانون هذا عن اإلسالمي الفني اإلبداع بوصفها تعبير

الفن في واألخالقية الجمالية القيم وحدة بذلك لتبرز الكون، في

115

اإلسالمي المتسامي عن األنوية الذاتية والشخصانية الفردية لصانعه

الذكر عن نفسه يغيب هو أو يغيب، ما كثيرا الذي اإلنساني،

تواضعا، اإلسالمي الفني العمل في والتوقيع والتاريخ والتسجيل

وإيمانا بأن المبدع المطلق لكل شيء هو اهللا سبحانه وتعالى.

119

مقدمة

اإلسالمي الفن دراسة نظرية على البحثية المقاربة هذه تعمل

النظرية لدراسات أنموذجا الفاروقي عند المفكر إسماعيل

مهم عمل وهذا علميا. المتهالكة االستشراقية النظرية عن البديل

اإلسالمي، والفني الجمالي الموضوع أهمية تستدعيه وضروري،

ومن ثم تتطلبه أهمية مساهمة هذا المفكر اإلسالمي وخطورة إضافته

لنظرية والديني والفلسفي التاريخي التأصيل في الكبيرة المعرفية

البحثية، المقاربة لهذه الهدف الرئيس هي اإلسالمي، التي الفن

النقدي االستقرائي المنهج سلوك ذلك، لتحقيق ستحاول، التي

واألعمال العلمية الجهود من عليه يطلع أن الباحث استطاع لما

اإلسالمية الجمال بفلسفة المتعلقة الفاروقي، إلسماعيل الفكرية

بعامة، وبنظرية الفن اإلسالمية بخاصة.

بأسلمة علم المتعلق المعرفي، الفاروقي مشروع يحظ لم

سابقة كثيرة اإلسالمي، بدراسات الفن وتأصيل نظرية الجمال

قليلة تزال ال الدراسات هذه مثل إن القول ويمكن ومتخصصة،

جدا، بل ونادرة، على الرغم من قيام العديد من الدراسات السابقة

120

وعلى العام،(1) المعرفي ومشروعه اإلصالحية رؤيته عن العامة

الرغم من قيام بعض الدراسات السابقة الخاصة بدراسة العالقة بين

اإلسالم والفن في فكر الفاروقي، كما هو الحال في دراسة الباحثة

الفاروقي أعمال بعض فيها ترجمت التي إبراهيم، وفاء الدكتورة الفكرية ورؤيته لهذه العالقة.(2)

وال شك في أن هذه الدراسات السابقة تعين في إضاءة جوانب

مهمة من موضوع هذه المقاربة البحثية المتواضعة، التي ستحاول أن

تنهض بدراسة الفكر االصالحي إلسماعيل الفاروقي، المتعلق بعلم

الفنية لطبيعة النظرية وشموال أكثر عمقا على نحو اإلسالمي الفن

اإلسالمية.

أوال: نظرية الفن اإلسالمي عند الفاروقي ـ تأطير الموضوع

يأتي هذا الموضوع ضمن المشروع المعرفي للفاروقي ألسلمة

العلوم اإلنسانية واالجتماعية بعامة، وأسلمة علم الجمال بخاصة،

منها على سبيل المثال ال الحصر دراسة بعنوان: (1)

اإلصالحية - الرؤية في قراءة الفاروقي: راجي «إسماعيل فاطمة. حافظ،

والمشروع المعرفي»، مجلة المسلم المعاصر، بيروت، عدد131، يونيو 2009م.

الفاروقي، إسماعيل. اإلسالم والفن، ترجمة وتقديم: وفاء إبراهيم، القاهرة: دار (2)

غريب، ط1، 1999. وقد قدم الدكتور أسامة عدنان عيد الغنميين إلى المؤتمر

كل مع بالتعاون اإلسالمي للفكر العالمي المعهد نظمه الذي الدولي العلمي

من جامعة اليرموك وجامعة العلوم اإلسالمية العالمية حول (إسماعيل الفاروقي

وإسهاماته في اإلصالح الفكري اإلسالمي المعاصر) في األردن-عمان: 27-28

ذو الحجة 1432هـ/24-23 تشرين الثاني/نوفمبر 2011م، بحثا بعنوان: «اإلسالم

والفن في رأي الدكتور إسماعيل الفاروقي.. األسس والمظاهر».

121

من كثير تشوبها التي العلوم لفلسفة اإلصالحية رؤيته إطار في

المعضالت الفكرية، والمشكالت المعرفية، واإلشكاليات الفلسفية،

المتعلقة بالحقيقة والوجود واإلنسان. وربما تمثلت المدعاة األولى

لهذا الموضوع في ما أطلقته المعرفة االستشراقية من رؤى ومفاهيم

وإسهاماته اإلسالمي، الجمالي الفكر عن أحيانا ومغرضة خاطئة

على المعرفة هذه عكسته ما وفي والفن، العمارة في الحضارية

بين العالقة حقيقة عن تساؤالت من المعاصرة اإلسالمية الثقافة

اإلسالم وكل من العمارة والفن، فقد التزم بعض المثقفين المسلمين

إزاءها جانب «الجهل بطبيعة هذه العالقة، في حين أظهر فريق آخر

فسادا في الرأي، بينما ارتأى البعض الجمع بين الرأيين.»(1)

اإلسالمي الفن لواقع المعرفي هذا التشخيص كان ربما

في الفكرية وظاللها االستشراقية المعرفة في ونظريته الجمالية

في للسير القوي الدافع هو والمسلمين، العرب الباحثين أوساط

اإلصالح الفكري لعلم الفن اإلسالمي، وللعمل العلمي الجاد في

من خالل اإلسالمي، الفن بنظرية الخاص المعرفي مشروعه بناء

البحث في الموضوعات األساسية اآلتية التي برزت بشكل خاص

في بحثه الموسوم بـ: التوحيد والفن.

وتفنيد - 1 فرضياتهم، ودحض المستشرقين أطروحات نقد

«تصوراتهم الخاطئة» و»آراءهم الجدلية المغرضة» لطبيعة

الفن اإلسالمي ولحقيقته الجمالية والوظيفية.

الفاروقي، اإلسالم وفن العمارة، مرجع سابق، ص87. (1)

122

الفنية - 2 اإلغريقية وتقاليده بأصوله الغربي الفن تحليل

التي المخلوقات، تصوير في الطبيعة بمحاكاة المتعلقة

بحسب شيء، لكل جماليا مقياسا بينها اإلنسان يقف

المنظور الفلسفي الغربي، الذي يتناقض تماما مع المنظور

اإلسالمي لإلنسان والطبيعة والجمال والفن.

فـــي 3 - واإلنســـان والطبيعـــة بالخلـــق وصلتهـــا األلوهيـــة

المعتقدات الدينية والفلســـفية والعلمية المختلفة، التي من

بينها الديانتان؛ اليهودية والمســـيحية، والفلســـفة اليونانية،

مقارنة مع الرؤية الكلية اإلسالمية لهذا الموضوع المتمثل

فـــي ( التوحيـــد).

يقوم 4 - الذي الجمال» في علم اإلسالمي المعرفي «الفتح

على العالقة القيمية الحميمة بين ( التوحيد) و (الجمال)؛

إذ إن « التوحيد: مبدأ الجمال»، وهو بذلك يمثل العصب

المعرفي لنظرية الفن اإلسالمي؛ فـــ» التوحيد هو القاسم

الكلية الرؤية من المنطلقين الفنانين كل بين المشترك

اإلسالمية، مهما اختلفت أعراقهم وديارهم«.

المعرفية، 5 - اإلسالمي، مفهومها وحدودها الفن نظرية

وأهميتها العلمية، ومصادرها وأسسها الفكرية والفلسفية،

في المتمثلة العملية وتطبيقاتها وخصائصها، ومبادئها

األعمال الفنية اإلسالمية.

123

من - 6 العلمي المستخلص اإلسالمي وتعريفه الفن مفهوم

Criticism الرؤية الكلية اإلسالمية، والمقبول من علم النقد

الفني، والنسق المعرفي ألجناس الفن اإلسالمي في ضوء

هذا المفهوم.

طبيعـــة العمـــل الفني اإلســـالمي وخصائصـــه المميزة، - 7

واإلنجازات الحضارية اإلســـالمية في مجاالت الفنون

المختلفـــة، وبخاصـــة البصريـــة منهـــا.

القـــرآن الكريم: المأثرة الفنية األولـــى واألعلى في نظرية - 8

الفن اإلســـالمي.

ثانيا: نقد الفاروقي لعلم الجمال االستشراقي

يثني الفاروقي على جدية الباحثين الغربيين وذكائهم ومثابرتهم

في دراسة األعمال الفنية اإلسالمية، وعلى ما قدموه من «الدراسات

التي ال تكاد توجد مكتبة للفن اإلسالمي إال وتشكل فيها النصيب

األوفى من المراجع والمصادر،»(1) ولكنه يعيب على هؤالء الباحثين

الغربيين خطل تقييمهم لحقيقة الفن اإلسالمي، وخطأهم في منهج

دراسته في ضوء معايير الفن الغربي، التي أدت إلى فشلهم الذريع

في «تفهم روح هذا الفن، وفي إدراك وتحليل إسالميته [ بسبب ]

تلك القوالب النقدية الثابتة التي يعاني منها علم الفن اإلسالمي.»(2)

بيروت، المعاصر، المسلم مجلة والفن(1)»، « التوحيد إسماعيل. الفاروقي، (1)

عدد23، 1980م، ص160.

المرجع السابق، ص161. (2)

124

اإلسالمي)(1) الفن طبيعة عن خاطئة ( تصورات كانت وربما

هي مقالة الفاروقي األولى التي انطلق منها في نقد تصورات هؤالء

المستشرقين الخاطئة، وفي تفنيد آرائهم الجدلية المغرضة المتعلقة

بطبيعة الفن اإلسالمي وحقيقته الجمالية والوظيفية. يقول الفاروقي:

«تبين لنا أن أولئك المستشرقين جميعا بال استثناء بنوا رؤاهم على

حد عند يقف لم اإلسالم أن فحواها مغرضة، بل خاطئة، فرضية

إنه بل العصور، عبر المسلمين فنون في بشيء المساهمة عدم

عرقل اتجاهاتهم الفنية، وقيدها، وأفقرها، بحيث انحصرت اإلضافة

القرآنية اآليات كتابة في الدائم التفنن في لهم الوحيدة الجمالية

بالخط العربي»(2)

في المستشرقين لدراسات النقدية قراءاته الفاروقي قدم وقد

حقول الفن اإلسالمي، ومجاالته المتعلقة بالزخرفة والرسم والعمارة

كل في واستعرض الفن. نظرية عن فضال والموسيقى، واألدب

حقل من هذه الحقول المعرفية رؤية واحد من كبار العلماء الغربيين

المتخصصين في هذا الفن، منهم، على سبيل المثال ال الحصر:(3)

(1) Al Faruqi ; Ismail Raji: Misconceptions of the Nature of the Work of art in Islam , Islam and the Modern Age , Vol. 1 , No. 1 , May 1970 , pp 29 – 49

الفاروقي، إسماعيل. التوحيد ومضامينه على الفكر والحياة، ترجمة: السيد عمر، (2)

النسخة هذه بأن (علما ص281. م، 2010 االسالمي، للفكر العالمي المعهد

متداولة إلكترونيا فقط)

الفاروقي، التوحيد والفن(1)، مرجع سابق، ص176-163. (3)

125

الفن - أن في ورؤيته (1)،E.Herzfeld هيرتزفيلد أرنست

رسوم في Anti-Naturalism الطبيعة اإلسالمي يناقض

إلى يميل الفن هذا وأن النباتية، أو الزخرفة التوريق

النباتية، األوراق أشكال بتحوير الزخرفي التجريد

وباستخدام الخط العربي في فن الزخرفة اإلسالمية، على

عكس الفن الهيليني الملتزم بالواقعية في محاكاة الطبيعة،

والوفاء لها في هذا المجال. ويفسر هارتزفيلد رؤيته هذه

ه «مجرد تعصب ديني» من بنظرية (ملء الفراغ)، وبما عد

المسلمين. الفنانين

ديماند ورؤيته بأن ( الفن المحمدي) هو أساسا فن زخرفي -

ال أكثر؛ أي إنه فن يعنى بالشكل التجريدي أكثر من عنايته

بتصوير األشخاص والحيوانات وغيرها، ولذلك فهو فن

خال من المضمون تماما.

في - األشخاص تصوير تحريم أن في ورؤيته آرنولد(2)

األلمانية البعثة وترأس العباسية، العمارة دراسة في تخصص ألماني مستشرق (1)

أهم على وقف إذ سامراء، رأى: من سر مدينة عن كشفت التي للحفائر

الموضوعات الزخرفية والطرز المعمارية في أبنيتها التاريخية.

تعلم إنكليزي، مستشرق (1864م-1930م): Sir Thomas Walker Arnold (2)

والبريطانية الباكستانية الجامعات بعض في اإلسالمية الفلسفة ودرس العربية،

والمصرية. شارك في عضوية هيئة تحرير الموسوعة اإلسالمية التي صدرت في

ليدن بهولندا في طبعتها األولى. له مؤلفات عديدة أشهرها: الدعوة إلى االسالم،

وتراث اإلسالم، وله العديد من الدراسات في الفنون اإلسالمية، أبرزها: الرسم

.Painting in Islam في اإلسالم

126

الفن اإلسالمي جاء أساسا من تأثير اليهود، الذين دخلوا

في اإلسالم. وكان من نتائج ذلك ندرة التصوير في الفن

اإلسالمي وشيوع التوريق فيه.

كريزويل(1) ورفضه االعتراف بوجود فن معماري إسالمي، -

على الرغم من رؤيته بوجود فن معماري عند المسلمين.

قط - له يكن لم اإلسالم بأن الخاصة ورؤيته جرونباوم(2)

أية هناك فليس وبالتالي الجمال، إلى إيجابية دعوة أية

نظرية إسالمية للجمال األدبي.

للفن - اإلسالم «معارضة على القائمة ورؤيته وفارمر(3)

K. A. Creswell (1879 1965): إنكليزي األصل، يمكن عده أكبر المستشرقين (1)

مديرا فيها وعمل مصر في عاش اإلسالمية، دراسة العمارة في المتخصصين

في اإلسالمية للعمارة أستاذا وعمل القاهرة، بجامعة اإلسالمية اآلثار لمعهد

الجامعة األمريكية بالقاهرة. لكريزويل العديد من المؤلفات المهمة في العمارة

اإلسالمية، وتعد الببلويوغرافيا الضخمة التي صنعها لما كتب عن الفنون والعمارة

والحرف اإلسالمية (أربعة مجلدات في 1330 صفحة) أهم المراجع التي يمكن

للباحثين أن يستعينوا بها في هذا المجال.

درس (1909م-1972م): Gustav Von Grunbaum جرونباوم ڤون جوستاڤ (2)

في جامعة فينا وفي جامعة برلين، هاجر إلى الواليات المتحدة والتحق بجامعة

نيويورك عام 1938م، ثم جامعة شيكاغو ثم استقر به المقام في جامعة كاليفورنيا؛

إذ أسهم في تأسيس مركز دراسات الشرق األوسط الذي أطلق عليه اسمه فيما

بعد، من أهم كتبه «اإلسالم في العصر الوسيط»، واهتم بدراسة األدب العربي وله

إنتاج غزير في هذا المجال.

باحث اسكتلندي، مستشرق 1965م): - 1882) Henry George Farmer (3)

متخصص في مجال الموسيقى وقائد أوركسترا. من أبرز آثاره العلمية: الموسيقى

العربية وآالتها، والتأثير العربي على النظرية الموسيقية.

127

الموسيقي ككل»، وعنده أن الموسيقى انتشرت في المحيط اإلسالمي

في طبيعي شيء ألنها لها، ومنعه اإلسالم تحريم من الرغم على

اإلنسان ال يمكن منعه أو تحريمه.

وقد قام النقد الفاروقي آلراء هؤالء المستشرقين وغيرهم للفن

اإلسالمي على العديد من المالحظات العلمية والمنهجية المتعلقة

بدراسة الفن اإلسالمي، من أبرزها:

األولى: اختالف المنظور الجمالي والمنهج الفني الغربيين عن

المنظور والمنهج اإلسالميين في قراءة الفن اإلسالمي ودراسته، أدى

المغرضة» الجدلية و»اآلراء الخاطئة» «التصورات تلك إنتاج إلى

عند أغلب هؤالء المستشرقين حول حقيقة الفن اإلسالمي الجمالية

لم منهم «أيا ألن الفاروقي، يأسف الشأن، هذا وفي والوظيفية.

وأعراف الفن اإلسالمي بمعايير الفن على يحكم أنه أبدا يدرك

اإلسالمية الفنية لألعمال تكن تفسيراتهم لم هنا ومن الغربي..

بوصفها تعبيرا عن الثقافة اإلسالمية، وإنما كانت تخبطات فاحشة

الخطأ، يستحي منها العقالء.»(1)

المتصلة طبيعته الجمالية وتحليل الغربي الفن دراسة الثانية:

وأساسية مهمة نظريات على القائمة اإلغريقية الفلسفية بأصوله

الطبيعية ( المحاكاة) منها: الحديث، الغربي الجمال في علم

الجمالي، التقييم في اإلنساني) و( المقياس الفني، في التصوير

الفاروقي، التوحيد ومضامينه على الفكر والحياة، مرجع سابق، ص281. (1)

128

و( التطهير) النفسي في وظيفة الفن وغايته األولى، وغير ذلك مما

يشكل المنظور الفكري الغربي. وكذلك األمر ( األلوهية) وصلتها

اليهودية الدينية: المعتقدات في واإلنسان والطبيعة بالخلق

والمعاصرة، الحديثة والعلمية اليونانية، والفلسفية والمسيحية،

ومقارنة الغربية. الفكرية الرؤية جوهر تشكل أصبحت التي

واإلبداع والطبيعة لإلنسان اإلسالمي الجمالي المنظور مع هذا

والفن، والمتصلة أصال وأساسا بالرؤية الكلية اإلسالمية لموضوع

التي ومخلوقاته (اهللا)، العظيم ومبدعه الكون خالق بين العالقة

طليعتها. في اإلنسان يقف

الثالثة: إن الدراسات الغربية حول الفن اإلسالمي لم تكن في

بأوجه واالهتمام الدراسة توجيه حيث من متوازنة العام مجملها

هذا الفن وقضاياه المختلفة، بل كان أغلب هذه الدراسات ـ على

رأي الفاروقي ـ متفاوت االهتمام ومتناقض النظرة بين المجاالت

في تلك الدراسات أغلب تصنيف يمكن إذ الفن؛ لهذا المعرفية

«مجاالت تاريخ الفن اإلسالمي، والتعريف به، وتنظيمه، وتصنيف

الفن فإن نظرية القصور، هذا وبسبب به. الخاصة المعلومات

من يخلو مجاال تزال ال اإلسالمية الجمالية اإلسالمي والقيم

من البداية منذ يبدأ أن يجب إيجابي بحث أي وإن الدارسين،

النظرية ذاتها.»(1)

المرجع السابق، ص180. (1)

129

ثالثا: إيتنجهاوزن ونظرية الفن اإلسالمي

كان بل أكثر، من واحدا كان إيتنجهاوزن أن يرى الفاروقي

أكثر المستشرقين اهتماما بتحليل (خصائص الفن اإلسالمي)(1) في

ذاته الوقت كذلك في يرى الفاروقي ولكن الفن)، ( نظرية مجال

ضعف هذا االهتمام وقصوره الكبير في فهم طبيعة الفن اإلسالمي

وإدراك خصائصه الحقيقية، فيقول في التعبير عن ذلك: «طالما إن

والخصائص والتطورية، الشخصية، محاكاة اعتبر قد إيتنجهاوزن

الواقعية، والطبيعية، في الفن الغربي مثال مطلقة لكل الفنون.. فإن

هذه تعوزه فن هو أنه اإلسالمي الفن في يراه أن استطاع ما كل

الخصائص، أو أنه يناقضها».(2)

ولكن «ما يبدو غير معقول هو إصرار إيتنجهاوزن على محاكمة

الوعي الجمالي اإلسالمي بما ال يهتم به هذا الوعي»(3) من مبادىء

ومعايير ونظرية الفن الغربي بعامة، والمسيحي بخاصة، مما أوقعه

في التصور الخاطىء عن فهم الوعي الفني اإلسالمي وتقدير أسسه

مجال في اإلبداعية آفاقه عن فضال والمعرفية، والفكرية الثقافية

على إليتنجهاوزن،(4) التصور الخاطىء هذا يتمثل بعامة. الفن

شعبا كانوا اإلسالم قبل «العرب أن في الحصر، ال المثال سبيل

نحت تتطلب اإلسالم «لم قبل ديانتهم ألن للفن؛» عنده مكان ال

المرجع السابق، ص176. (1)

المرجع السابق، ص179. (2)

المرجع السابق، ص176. (3)

المرجع السابق، ص177. (4)

130

تماثيل جميلة لغرض العبادة، ومن ثم لم تقدم لهم أي احتماالت

لإلبداع الفني».

ومـــن هنا؛ وصـــف إيتنجهـــاوزن »العـــرب بافتقارهـــم إلى فن

التشـــخيص» التصويـــري المتمثل في كل من النحت والرســـم. وهو

بهذا الوصف يوحي بأن «اإلسالم لم يرث أي قيم جمالية من الحياة

العربيـــة.» وكأنـــه بذلك كله يقول بأن الفن اإلســـالمي ال أصول وال

جذور عربية له، وإن كان قد ولد ونشـــأ فـــي البيئة العربية. ومن هنا،

يعتقـــد إيتنجهـــاوزن بأنه يضع أسســـا معرفية إســـالمية خالصة للفن

اإلســـالمي من خالل تقريره بأن العطاء الفني اإلسالمي قام «في ظل

مبـــادىء أربعة: الخوف مـــن اليوم اآلخر، وكون [الرســـول الكريم]

محمـــد بشـــرا، والخضوع هللا القـــادر على كل شـــيء، واألهمية

الرئيسة للقرآن كتعبير عربي للكتاب السماوي «.

إيتنجهاوزن- اعتقاد األربعة -بحسب المبادىء هذه أدت وقد

إلى:

بين 1 - وبالتالي المترفة، والحياة اإلسالم بين »التضاد

اإلسالم والفن»بوصفه مظهرا من مظاهر الحياة الكمالية.

2 - محمدا تصور أيقونات لتطوير احتمال كل تحطيم»

بنفس الطريقة التي يصور بها المسيح [ عليه السالم ] في

العالم الغربي «.

المطلق - 3 إيتنجهاوزن «التحريم يصفه بما المسلمين اعتقاد

131

الفن شأن من الكامل الحط ثم ومن الشخوص، لتمثيل

عدم بل االنفعال، عن عدم المسؤول هو التشخيصي..

الحيوية أو الال طبيعية التي تبدو في تصويرهم لكل ما هو

األلوان فيوضع الصارمة الرتابة عن المسؤول وهو حي.

بعض. جانب الى بعضها المتجانسة غير أو الطبيعية غير

ولو خلق في الواضحة الرغبة عدم عن المسؤول وهو

المعبرة الفردية الشخصية فيه تتضح رئيس واحد نموذج

الشكل هذا من التخلص عن المسؤول وهو الذات. عن

عن المسؤول وهو نهائي. غير النموذج بجعل المغلق

تتالي الرسومات التي ال تتضح فيها البداية أو النهاية. وهو

المسؤول عن األشكال والوحدات الفنية التي تعرض في

أوضاعها. تغير أو تعكس أن معه يمكن تعسفي أسلوب

وهو المسؤول [ أوال وأخيرا ] عن عدم الترابط العضوي

بين الوحدات الفنية» في الفن اإلسالمي.

عد القرآن الكريم -وربما يقصد: المصحف الشريف- هو 4 -

هذا بوصف السماوي، للكتاب الصريح العربي التعبير

ازدهر الذي العربي، في الخط يتمثل إسالميا فنا التعبير

لفترة طويلة حسب ما يرى إيتنجهاوزن. وهذا الفن يمكن

أن يقارن عنده، وعند غيره من المستشرقين أيضا، بما سماه

عليه المسيح السيد بحياة المتصلة التصويرية) (الدوائر

السالم.

132

وتصوراته إيتنجهاوزن آلراء الفاروقي نقد قراءة يمكن وإذ

هذه المتعلقة بخصائص الفن اإلسالمي، بأنه محاولة دفاعية وشبه

وتصوراتهم المستشرقين، آلراء العام نقده سياق في محدودة

هذا النقد عد يمكن فإنه الفن، بهذا المتعلقة والمنحرفة الناقصة

عند يقف ال فهو اإلسالمي، الفن عن متكامال معرفيا مشروعا

حدود الرد العلمي والمنهجي المباشر على هذه اآلراء والتصورات

الخاطئة -بوصف الفاروقي- ولكنه يعمد إلى تقديم ما يمكن أن

وأكثر وأوسع أشمل آخر ردا مباشر- وغير مباشر -بشكل نعده

اإلسالمي المعرفي «الفتح الفاروقي: سماه عما وتعبيرا وضوحا

في علم الجمال«، وهو يعد في الوقت نفسه، المشروع المعرفي

اإلسالمي، ونظريته الفن نسميه علم أن يمكن لما تأسيسا األبرز

الجمالية الخاصة.

رابعا: تأصيل نظرية الفن اإلسالمي

الواقع إلى اإلصالحية الفاروقي رؤية من هذا التأصيل ينطلق

االستشراقي المعاصر للفن اإلسالمي في الثقافتين الغربية واإلسالمية

على السواء؛ إذ يبدو فيها -أحيانا - فنا معارضا لإلسالم، وخارجا

على تعاليمه، ذا مكانة هامشية في المشهد الفني اإلنساني. ويعمل

هذا المشروع على تجاوز هذا الواقع وتخطيه في استكشاف حقيقة

هذا الفن وإسالميته األصيلة.

133

الفن لنظرية الفكري البناء في هذا التأصيل مشروع ويتأسس

اإلسالمي على فلسفة ( التوحيد ) القرآنية، وفي األفق العملي لها على

تشكيل في ( التنميط) أسلوب على القائم اإلسالمي الفني اإلبداع

العمل الفني الواحد المتنوع، وفي النسق المعرفي لها على منظومة

االنتماء بخاصية وصفها يمكن التي الفنون، من ومميزة خاصة

المعرفي إلى اإلسالم والمسلمين دون الغرب والغربيين.

وبعبارة توضيحية أخرى من الفاروقي لطبيعة هذه النظرية: «إن

بفرضياتها التي تعود هي تلك اإلسالمي الفن في المقبولة النظرية

إلى عناصر نابعة من داخل الدين [اإلسالمي] والثقافة [ اإلسالمية]،

ال من معطيات مفروضة عليه من تراث [ فلسفي وجمالي وفني ]

أجنبي. وهي كذلك نظرية تعتمد على أهم العناصر في تلك الثقافة،

ال على عناصر ضئيلة أو جانبية تؤثر فيه. وإزاء هذه المطالب.. فإن

ومنطقي. جاهز (هام) بمصدر الجمالي اإلبداع يمد الكريم القرآن

مظاهر في أثر من له كان ما بقدر الفنون في أثر للقرآن كان وقد

والحضاري التاريخي الواقع إن إذ األخرى»؛(1) اإلسالمية الثقافة

تعريفاتها ألن قرآنية)؛ (ثقافة هي اإلسالمية أن الثقافة إلى» يشير

جميعها تصدر األهداف تلك إلى الوصول وطرق وأهدافها وبناها

عن ذلك الفيض من اآليات، التي أوحى بها اهللا تعالى إلى نبيه محمد

في القرن السابع للميالد. وليست معرفة (الحقيقة المطلقة) هي وحدها التي يستقيها المسلم من كتاب اإلسالم المقدس؛ إذ يعادل

الفاروقي، ولوس، أطلس الحضارة اإلسالمية، مرجع سابق، ص265. (1)

134

عن أفكار من الكريم القرآن في يرد ما والتقرير الحسم في ذلك

المعرفة وعن األخرى، المخلوقات وسائر واإلنسان الطبيعة عالم

إلدارة الضرورية واالقتصادية والسياسية االجتماعية والمؤسسات

المجتمع بصورة سليمة ـ وباختصار عن كل فرع من فروع المعرفة

والنشاط المألوفة«، ومنها: الجمال والفن.

من الثقافة المظاهر هذه رؤية بالتأكيد يصح «مثلما هنا: ومن

والتناول والدافع األساس حيث من قرآنية أنها على اإلسالمية

والهدف، فإن فنون الحضارة اإلسالمية يجب أن ينظر إليها على أنها

تعبيرات جمالية نابعة من ذات المصدر، وتتبع المسار نفسه، أجل إن الفنون اإلسالمية هي فنون قرآنية حقا.»(1)

خامسا: القرآن الكريم؛ مأثرة الفن اإلسالمي

ال بد في هذا السياق من اإلشادة برأي الفاروقي في النظر إلى

القرآن الكريم على أنه المأثرة الفنية األولى واألعلى في نظرية الفن

اإلسالمي؛ إذ يؤكد أن « القرآن الكريم هو بالتأكيد فن،»(2) بل «هو

ن النقاد البالغيون الطبيعة وقد بيأحق ما في الوجود بمسمى الفن.»(3)

من وربما له. البياني) (اإلعجاز في متمثلة الكريم للقرآن الفنية

المرجع السابق، ص243. (1)

عدد25، المعاصر، المسلم مجلة والفن(3)»، « التوحيد إسماعيل. الفاروقي، (2)

1981م، ص149.

الفاروقي، التوحيد ومضامينه على الفكر والحياة، مرجع سابق، ص291. (3)

135

(صفحة من القرآن الكريم)

136

هنا، وجد الفاروقي في «القرآن مثاال فنيا.. أول وأعلى مثال لإلبداع

ه الفاروقي لذلك «أول عمل فني في اإلسالم.»(2) الفني،»(1) فعد

الفاروقي أن هو هنا، الموضوع لهذا المتابع يستوقف وما

الجمالي للفكر األول المصدر الكريم القرآن بعد فقط يكتفي ال

اإلسالمي، ولكنه كذلك يعد القرآن الكريم العمل الفني اإلسالمي

األول الذي كان وال يزال يملك تأثيرا جماليا كبيرا على كل مسلم

ونظمه القرآن إيقاع كينونته أعماق من يهزه ال مسلم ثمة «فليس

جمال ومعايير أعراف تنطبع لم مسلم ثمة وليس بالغته. وأوجه

القرآن في وجدانه، وتعيد تشكيله على منوالها.»(3)

ومن هنا، يصبح القرآن الكريم؛ فكريا وفنيا، هو» القدوة والمثال

المؤسس هو اإلسالمي،»(4) بل الفن تجليات من ظهر ما لجميع

الحقيقي ألغلب الفنون اإلسالمية، وبخاصة منها فن الخط العربي،

األرقى «الفن الكريم: بالقرآن جدا القوية عالقته بسبب يعد الذي

للوعي بالتعالي»(5) في الجمال، وهو بذلك «الفن [اإلسالمي] الرئيس في التعبير عن الشعور بالحقيقة اإللهية المنزهة.»(6)

الفاروقي، ولوس، أطلس الحضارة اإلسالمية، مرجع سابق، ص251. (1)

الفاروقي، التوحيد والفن(3)، مرجع سابق، ص146. (2)

الفاروقي، التوحيد ومضامينه على الفكر والحياة، مرجع سابق، ص291. (3)

الفاروقي، ولوس، أطلس الحضارة اإلسالمية، مرجع سابق، ص252. (4)

الفاروقي، التوحيد ومضامينه على الفكر والحياة، مرجع سابق، ص297. (5)

الفاروقي، التوحيد والفن(3)، مرجع سابق، ص156. (6)

137

سادسا: في مفهوم الفن اإلسالمي ونظريته المعرفية

يدخل الفاروقي إلى مفهوم الفن اإلسالمي وتعريفه من بوابتين

ال الفاروقي إن إذ الجمال؛ وعلم المقاصد، علم هما: أساسيتين؛

هو الفن أن على المقاصديين(1) لبعض الفقهي التكييف عند يقف

«لون من متع الحياة الدنيا، وأداة من أدوات الزينة»(2) فحسب، بل

الجمالي التأمل على تبعث أعماال يقدم جمالي «نمط كذلك هو

والمتعة النفسية وتدعم فكر المجتمع األساس وبنيته، وتكون عامال

دائما للتذكير بمبادئه.»(3)

والفقهية بعامة، الدينية الدائرة الفاروقي يتجاوز هنا، ومن

بخاصة، التي ظل الفن محصورا فيها بين مبحثي الحالل والحرام،

دون محاولة هذه الدائرة معرفة الفن معرفة حقيقية لطبيعته المعرفية

وقيمه الجمالية، وبالتالي حاجته اإلنسانية ووظيفته االجتماعية، إلى

دائرة معرفية مشتركة، اشتراكا عضويا ال يمكن أن ينفصل، بين علم

فيميل االنسانية، المعرفة جواهر من كونهما الدين، وعلم الجمال

مع ينسجم «كيان بنيوي بأنه اإلسالمي الفن تعريف الى الفاروقي المبادىء الجمالية في الفكر اإلسالمي.»(4)

2000م، ط1، الندوات، عيون المغرب: األصل، هي األمة أحمد. الريسوني، (1)

ص71.

الفاروقي، التوحيد والفن(1)، مرجع سابق، ص178. (2)

الفاروقي، ولوس، أطلس الحضارة اإلسالمية، مرجع سابق، ص244. (3)

المرجع السابق، ص246. (4)

138

ولفهم هذا التعريف الكلي، يقتضي الحال دراسة هذه المبادىء

الفاروقي يعد إذ طليعتها؛ في مثال (التوحيد) يقف التي الجمالية

»التوحيد: مبدأ الجمال،»(1) وهو بذلك يمكن اعتباره األصل الفكري

اإلسالمي؛ الفن لنظرية المعرفي والعصب الفلسفي والجوهر

من المنطلقين الفنانين كل بين المشترك فـــ»التوحيد هو القاسم

الرؤية الكلية اإلسالمية، مهما اختلفت أعراقهم وديارهم.»(2)

ومفهوم التوحيد عند الفاروقي يبدو واسعا وشامال وممتدا من

في الجمالي) (التكوين فكرة إلى الماورائية اإللهي) (التعالي فكرة

العمل الفني المحسوس والمباشر. ويدمج الفاروقي هاتين الفكرتين

التوحيد المفاصلة «يعني إذ الجمال)؛ في (التعالي يسميه ما في

هو العالم هذا بوصف الطبيعة،» وعالم بين األلوهية الوجودية

المجال المعرفي لما يسميه الفاروقي (التجربة الجمالية) التي تعني

عنده «الفهم عبر المعطى العقلي بوجود جوهر أول ما ورائي متجاوز

لكل ما هو طبيعي، يعمل كمبدأ معياري للشيء الظاهر، محددا ما

ينبغي أن يكون عليه ذلك الشيء. وكلما كان الشيء المرئي قريبا من

ذلك الجوهر كان أكثر جماال.»

«عملية الفن من تجعل التي هي الجمالية التجربة وهذه

في وتمثله الماورائي، الجوهر لذلك داخل الطبيعة استكشاف

جوهر عن بحثا الطبيعة في القراءة هو فالفن منظور.. شكل

الفاروقي، التوحيد ومضامينه على الفكر والحياة، مرجع سابق، ص280. (1)

(2) Al Faruqi: Divine Transcedence , Islam and Modern Age (op. cit.), p.

22.

139

له.. المناسب المرئي الشكل الجوهر ذلك وإعطاء طبيعي، غير

ليس هو ما عن بحثا الطبيعة في حدس بالضرورة هو والفن

ال الذي العلي الكائن هو» الذي المتعالي»(1) عن أي منها؛

8 7 6 5 زب والحواس.. األبصار تدركه أن يمكن

رب [الشورى: 11]. وهو 3 2 1 رب [األنعام: 103]. زب : 9من صورة بأية تمثيله يمكن وال شامل، وصف أي على يسمو

وحدانية عن الفكرة وهذه المخلوقات.. من أي أو البشر عالم

(التوحيد)."(2) باسم: المعروفة هي وعلوه المطلقة

هذا أن لنا تكشف تقدم لما فاحصة نقدية قــراءة ولعل

هو: (التوحيد)

إن 1 - إذ عام؛ بوجه الفن؛ مفهوم إلسالمية فكري»(3) « مبدأ

الغربي المفهوم يعارض للفن اإلسالمي هذا المفهوم

الذي يعد الفن «محاكاة فوتغرافية ساذجة للطبيعة، بل هو

وتجليات قبلية.. لفكرة الحسي للتمثل محاولة باألحرى

أغنى هو الذي واإلنسان، الطبيعة ألفكار جزئية لحظية

هذه اعتبرت السبب ولهذا وأعقدها.. الطبيعة تجليات

النظرية [ الغربية ] اإلنسان مقياسا لكل شيء.»(4)

الفاروقي، التوحيد ومضامينه على الفكر والحياة، مرجع سابق، ص284. (1)

الفاروقي، ولوس، أطلس الحضارة اإلسالمية، مرجع سابق، ص244. (2)

المرجع السابق، ص 260. (3)

الفاروقي، التوحيد ومضامينه على الفكر والحياة، مرجع سابق، ص282. (4)

140

وآفاقها 2 - اإلسالمية الجمالية لخصوصية فكري»(1) «مذهب

المعرفية المؤسسة لمفهوم (الفن اإلسالمي) على أنه: «فن

النسق الالمتناهي أو فن الالمتناهي»، الذي «يولد عند الناظر

[ المتلقي ] حدسا برفعة الالمتناهي؛ أي بالذي يفوق المكان

والزمان» دون االدعاء بأن هذا «النسق نفسه يمثل ما يفوقه.

فمن خالل تأمل هذه األنساق الالمتناهية يتوجه ذهن المتلقي

نحو اهللا،» «فالنسق الذي ال بداية له وال نهاية [منظورة أو

متخيلة] والذي يعطي انطباعا باألبدية.. هو الطريقة األفضل

الفن بوصفه رسالة (التوحيد)»(2) مبدأ عن الفني للتعبير

التذكير في المتمثلة األولى واألساس اإلسالمي ووظيفته

الدائم بوحدانية اهللا سبحانه وتعالى.

الدامغة - 3 «الحقيقة هو اإلسالمي الفكري المذهب وهذا

حيث الغاية كله من اإلسالمي الفن وحدة في المتمثلة

موضوعاته في الكبير «التنوع من الرغم على والشكل»

الجغرافيا بمعياري المتمايزة الفنية وأساليبه ومواده

كان اللذين المعيارين التاريخ؛ أو الزمني»(3) والتسلسل

لهما كثير من التأثير على الفرضيات النظرية (االستشراقية)

بين اإلسالمي الفن لمفهوم المعرفية بالطبيعة المتعلقة

الفاروقي، ولوس، أطلس الحضارة اإلسالمية، مرجع سابق، ص256. (1)

المرجع السابق، ص246. (2)

الفاروقي، التوحيد ومضامينه على الفكر والحياة، مرجع سابق، ص280. (3)

141

ساسانية أجنبية: ومصادر أصول من األصالة واالستعارة

وبيزنطية أو يهودية ومسيحية.

سابعا: في طبيعة الفن اإلسالمي ونسقه المعرفي

(الحقيقة) مصطلحي بين التمييز أهمية كثيرا الفاروقي يؤكد

اإلسالمي الفني العمل يجعل ما «تحديد أو لبيان و(الطبيعة)

( الفنون يسميه ما بين (المقارنة) منهج لذلك ويسلك إسالميا.»(1)

كالفن و( الفنون الرمزية) المسيحي.. والفن اليهودي كالفن الدينية)

البيزنطي والفن الهندوكي من جهة، والفن اإلسالمي من جهة أخرى.

فهذان المصطلحان -في نظر الفاروقي- هما فكرتان متمايزتان،

وغيره، اإلنسان من شيء لكل المبدع الخالق باهللا األولى تتعلق

والتشخيص، التشبيه عن منزهة الفطرة، في ثابتة يقينية فكرة وهي

وكل ما يتصل باألشكال والصور واألعراض؛ أي إنها فكرة (مجردة)

تتعلق فكرة بوصفها (الطبيعة) تفوق التي المقدسة) (الحقيقة في

بالمخلوقات والمصنوعات والمبدعات في حدود المتناول اإلنساني؛

يعد أن يمكن ما وكل يوجد، ما «كل بالطبيعة: الفاروقي يعني إذ

موضوعا للتجربة اإلنسانية»(2) بأبعادها الزمانية والمكانية، التي تجعل

تجعل بل وغيره، اإلنسان شيء: كل في متمثال بعدا الطبيعة من

عدد24، المعاصر، المسلم مجلة والفن(2)»، « التوحيد إسماعيل. الفاروقي، (1)

1980م، ص183.

المرجع السابق، ص184. (2)

142

لكل شيء طبيعته الخاصة التي هي هويته. ولكن الفاروقي يفرق بين

نوعين من الطبيعة، هما: (الطبيعة الطابعة)، وهي «التي تعطي للشيء

هويته فتجعله ما هو عليه. و(الطبيعة المطبوعة)، وهي واقع الشيء

بعد أن طبع.. فاألولى أولية تعرف بالحدس، والثانية محسوسة تعرف

بالتجربة. األولى حركية ال تحصر وال تقاس، والثانية ساكنة محصورة

قابلة للقياس ألنها في التاريخ.»(1)

والعالقة المصطلحين هذين بين المعادلة هذه وبوساطة

والرمزي الديني الفني العمل دراسة إلى الفاروقي يدخل بينهما،

الثقافتين من كل وفي والمسيحية، اليهودية الديانتين من كل في

أن إلى فيتوصل والرومانية، اإلغريقية لإلسالم: السابقتين

في الجمالية القيمة تخفيض إلى «تميل جميعا الفنية نظرياتها

في متناول منطقي تمثيل مجرد الفن يصبح حتى الفني، العمل

التجريدي «يصبح الفن إذ مثال؛ المسيحية في هو كما يد» كل

ال هذه التجريدية فإن المناقشة، مجال هو العالم المسيحي في

ينظر إليها على أنها تجرد عن الطبيعة، وإنما على أنها لون جديد

مجردة، شكلية من يميزها مما بالرغم الطبيعة، عن التعبير في

الطابعة الطبيعة عن للتعبير أداة من أكثر ليست هذه فشكليتها

إيحاء أنها على فهمها ويجب اإلنسان، في المطبوعة الطبيعة أو

الفنان.»(2) عند الشعورية بالحالة

المرجع السابق، ص186. (1)

المرجع السابق، ص191. (2)

143

(األيقونية: الصورة في المتمثل المسيحي الفني العمل إن

وظيفي عمل هو الحصر- ال المثال سبيل -على المباركة)

قدسية حقيقة هو وما طبيعي هو ما بين رمزيا يخلط تجسيدي

كان حين في الخصوص، على الدينية والطقوس الشعائر في

بسبب غائب، شبه الشكالنية على القائم اليهودي الفني العمل

أن اليهودية قاومت «مقاومة ممكنة ضد تمثل الحقيقة اإللهية في

أي شكل من أشكال الطبيعة.. وفي تجريد أحاسيسهم عن كل ما

هو طبيعي أو منتم إلى الطبيعة.. وهذا هو السر في أن اليهود لم

يكن لديهم فن مرئي.»(1)

النظريتين لهاتين المفرط التناقض نقديا نقرأ أن يمكن وإذ

الجماليتين: (المسيحية واليهودية)، بين الحس والحدس في الخلط

المعرفي بين ما هو طبيعي، وما هو حقيقة قدسية في العمل الفني،

ما بين الرمزي التمثل في المغالي الخلط هذا مثل نقرأ أن يمكن

هو طبيعي، وما هو حقيقة قدسية في العمل الفني اإلغريقي -على

األسطورية) (النظرية من ينطلق الذي الحصر- ال المثال سبيل

لفنون الشعر والدراما والنحت والتصوير وغيرها؛ إذ إنها تؤمن بأن

الرمزي التمثل هذا على تعتمد اإلنسانية ومعايرته الجمال محبة

( التأله: يسمونه اإلغريق كان الذي الماورائي، األصل لجوهر

الجمالية (مثاليتها) في المتعالية اإلله) صورة في اإلنسان تجلي

التي هي نموذج مثالي لما ينبغي أن تكون عليه الطبيعة اإلنسانية..

المرجع السابق، ص194. (1)

144

وحيث إنها تؤمن أيضا بأن الوظيفة األساسية لهذا الفن الرمزي هو

(التطهر) من الذنوب والخطايا.(1)

ولكن السؤال الذي يبرز هنا: هل تأثر العمل الفني اإلسالمي

نظريته الخاصة كان له اإلسالمي الفن أن أو النظريات؟ بهذه

الجمالية النظرية وأن وغيره، النظريات تلك لكل والمفارقة

اإلسالمية هي التي تحكم طبيعة العمل الفني فتجعله إسالميا؟

تنطلق اإلجابة عن هذا السؤال الكبير -بحسب الفاروقي- مما

يسميه: ( التنميط) أو ( التأسلب Stylization) الذي هو تمثل الطبيعة

أنماط اتباع أي ،naturalistic طبيعيا يبدو ال بما الفني العمل في

ال الطبيعي أن «إلى التنبيه بقصد الطبيعية، األنماط تخالف تعبير

يعني وال يساوي الحقيقة.»(2)

وهذه -كما يقول الفاروقي- هي «الطريقة السامية في التعبير»

الفني عن الشيء بوصفه موضوع العمل الفني؛ إذ (تجرده) من صورته

واقعيا، يشبهها وال الطبيعية، يتجاهل الصورة شكل إلى الطبيعته

واليختلط بها في دقائق تفاصيلها، كما في فكرة ( المحاكاة) الغربية

وأسلوبها في العمل الفني، «فعلى يد الفنان السامي، صارت األشكال مجرد أدوات زخرفية في الفن، ولم تعد معبرة عن طبيعيتها.»(3)

ومن هنا، «كان ميل الفنان المسلم إلى إنتاج فن جديد يتناسب

الفاروقي، التوحيد ومضامينه على الفكر والحياة، مرجع سابق، ص285. (1)

الفاروقي، التوحيد والفن(2)، مرجع سابق، ص187. (2)

المرجع السابق، ص194. (3)

145

مة أن (ال إله إال اهللا)، وبأنه مع رؤيته التوحيدية، المؤسسة على مسل

يصور أن أو اهللا، عن به يعبر أن يمكن شيء أي الطبيعة في ليس

اهللا به»(1) تصويرا رمزيا يستند إلى (محاكاة الطبيعة). لذلك؛ يذهب

الفاروقي إلى:

«إن الفنان المسلم (نمط) كل شيء صوره من الطبيعة؛ أي 1 -

إنه باعد بين الشيء الطبيعي الذي اتخذه مادة لعمله الفني،

وخصائصه الطبيعية، بأقصى قدر مستطاع من التنميط، إلى

حد أصبحت معه إمكانية التعرف عليه شبه مستحيلة.»(2)

رفض أن تكون ( الرمزية) فلسفة للفن اإلسالمي. وقد عد - 2

الفاروقي هذا الفن ليس من ( الفنون الرمزية) «هي وسامه

وعالمة امتيازه العظمى. فمفخرة اإلسالم الفريدة هي خلوه

الخالق بين الخلط خطيئة من أي بالمطلق؛ الوثنية من

والمخلوق.»(3)

والمعرفية اإلسالمي طبيعته اإلبداعية الفن أخذ هنا، ومن

والرمزية، الدينية اإلنسانية: الفنون باقي عن والمميزة الخاصة

بوصفه نسقا معرفيا قائما بذاته على فنون معينة ليس منها على سبيل

المثال ال الحصر: (النحت) و ( الدراما)، وإلى حد ما ( الرسم). إن

منظومة الفن اإلسالمي عند الفاروقي تتألف بعامة من:

الفاروقي، التوحيد ومضامينه على الفكر والحياة، مرجع سابق، ص286. (1)

المرجع السابق، ص286. (2)

المرجع السابق، ص286. (3)

146

كالشعر - واألدب اللغة إلى أقرب هي سمعية) (فنون

وترتيل القرآن، وغيرهما.

والفن - األشكال إلى هندسة أقرب هي بصرية) (فنون

التشكيلي Plastics كفن الخط، وفن الزخرفة، وغيرهما.

ثامنا: في أسس الفن اإلسالمي

يؤسس الفاروقي نظرية الفن اإلسالمي على أساسين رئيسين:

األول: (األساس الروحي) المتمثل في الرؤية اإلسالمية لمبدأ

(التوحيد) وتجلياته في الوجود، على أساس أن شهادة «(ال إله إال

اهللا) إنما تعنى وجود حقيقتين فقط، ال ثالث لهما: حقيقة منزهة هي

عالم الخالق، وحقيقة طبيعية هي عالم الخلق.»(1)

وقد وجه هذا األساس التوحيدي إسالمية «النمط الفني الذي

نمط الطبيعة، في مألوفة غير بصورة الطبيعة موضوعات يتناول

التأسلب المناقض للطبيعة»(2) نحو رفض أن يكون أي شيء «في

للذات رمز أنه على يؤخذ أن يمكن اإلنسان، وخاصة الطبيعة،

المقدسة، أو أداة لها، أو إيحاء بها، أو تعبير عنها، أو تجسيد لها،

بالوعي أو بالحس يدرك مما شيء فال منها، اشتقاق أو فيض، أو

المحسوس يرقى -أو يمكن أن يرقى- إلى مستوى تلك الذات. ومن

ثم، فقد أقصى اإلسالم تماما أي تعبير فني تشخيصي.»(3)

الفاروقي، التوحيد والفن(3)، مرجع سابق، ص138. (1)

المرجع السابق، ص140. (2)

المرجع السابق، ص140. (3)

147

الفاروقي يسميه ما في المتمثل التاريخي) (األساس الثاني:

«أن من أهميته تبرز الذي العربي)، (العقل أو العربي) (الوجدان

فيها، نشأ التي الحية البيئة يمثل وأنه فيه، صيغ قد اإللهي الوحي

شخص في العقل -ممثال هذا اإللهية. للحقيقة ومنبرا أداة وكانت

النبي محمد - هو الذي تلقى الوحي اإللهي ليبلغه للناس كافة

في حدود الزمان والمكان.»(1)

الواضح المنطقي البناء ذات العربية اللغة الفاروقي ويعد

الكامل في تناسقه الهندسي الشبيه بفن الزخرفة العربي أساس النسق

في الهندسي األساس «هذا ساعد وقد العربي. للشعر الموسيقى

اللغة العربية وفي شعرها الشعور العربي على إدراك (الالنهائية)»(2)

بوصفها أحد أبرز خصائص الفن اإلسالمي، التي تميزه عن غيره من

الفنون التي أشرنا إليها من قبل.

تناولها التي المباحث أهم من الخصائص هذه كانت وقد

بعضها، على ذلك في مركزا اإلسالمي، للفن نظريته في الفاروقي

ومشيرا إلى بعضها اآلخر.

تاسعا: خصائص الفن اإلسالمي

من أبرز هذه الخصائص التي اشتغل الفاروقي على إبرازها في

الفن اإلسالمي:(3)

المرجع السابق، ص142. (1)

المرجع السابق، ص144. (2)

الفاروقي، ولوس، أطلس الحضارة اإلسالمية، مرجع سابق، ص250-247. (3)

148

الالمتناهية، 1 - الهندسية األنساق في المدركة ( التجريدية):

العمل في التعبيري تقنيات التنميط عن أسلوبيا الناشئة

الفني، بعيدا عن المذهب الطبيعي/الواقعي/التشخيصي في

الفن، ومعاكسة مقصودة له.

للوحدات 2 - واحدة بنية في المتمثلة التشكيلية ( التوحيدية):

التي يتكون منها العمل الفني اإلسالمي في تصميم واحد

أوسع من كل من هذه الوحدات، بوصفها جزءا مهما من

التركيب األوسع.

الجامع 3 - المعرفي الفضاء بوصفه التصميم في (الحركية):

النسق في اإلسالمي المكانية والزمانية الفن ألبعاد

العمل في معا والموسيقى الهندسة من لكل الالمتناهي

الفني اإلسالمي، أيا كان تصنيفه المعرفي بين أجناس هذا

الفن؛ الزمانية كالشعر، أو المكانية كالعمارة.

عاشرا: مراجعة

يختلف الفاروقي عن المفكرين اآلخرين في الجمالية اإلسالمية،

دعوي صاحب هم اإلسالمي، بكونه الفن في اآلخرين والباحثين

وتعد وظلم وخطأ خلل من لحق لما الفكري، اإلصالح في كبير

استشراقي بحق هذا المجال المهم والضروري من المعرفة اإلسالمية

في ودورهم وحياتهم وجودهم عن فضال المسلمين، وحضارة

149

قلبه وفي نفسه في المتفاعل الهم هذا أن ويبدو اإلنسانية. الثقافة

وفي عقله هو الذي قاده إلى محاوالت جادة وصادقة الستكشاف

النظرية الجمالية والفنية اإلسالمية على حقيقتها األصيلة، النابعة من

القرآن الكريم، بوصفه المصدر األول واألساس للمعرفة اإلسالمية.

منشوراته وفي العديدة، كتاباته في المحاوالت هذه تمثلت وقد

الكثيرة عن هذا المجال -الذي تعاونت فيه معه، ويبدو أنها قد آزرته

الباحثة اإلسالمي- زوجته الفن لنظرية معرفي مشروع تقديم على

(ت الفاروقي لمياء لوس اإلسالمية: الجماليات في المتخصصة

1406 هـ/1986م).

المشروع هذا مجيء في حيوي دور كله لذلك كان وربما

وأشمل الخاص، والجمالي العام، الفلسفي فكره في عمقا أكثر

اإلسالمية بالرؤية التزاما وأحرص العلمية، مادته في موضوعا

األصيلة في هويته المعرفية، فضال عن كونه أوضح هدفا في تقديم

اإلسالمي، الفن لنظرية والصحيحة، الناصعة التأصيلية، الصورة

التي تعود بفرضياتها إلى الداخل الثقافي اإلسالمي، بعيدا عن التأثر

بأطروحات بعض المستشرقين التاريخية والفكرية والنقدية وغيرها،

ورفضا النعكاساتها في الثقافة اإلسالمية الحديثة والمعاصرة حول

الموضوع الذي أصبح اليوم في ثقافتنا تحديا فكريا كبيرا، يستدعي

الموضوع هذا ألصل والمخلصة الصادقة اإلصالحية المواجهة

وفكره اإلسالمي الرشيد.

150

للفن نظريته الفاروقي إسماعيل اإلسالمي المفكر قدم لقد

في علم اإلسالمي المعرفي بالفتح وصفه ما ضوء في اإلسالمي

(التوحيد) بين الحميمة القيمية العالقة على يقوم، الذي الجمال،

و(الجمال)؛ إذ إن التوحيد هو مبدأ الجمال وأفقه اإلبداعي في الفن

الفني العمل تشكيل في ( التنميط) على أسلوب اإلسالمي القائم

الواحد المتنوع. ويقدم الفاروقي القرآن الكريم مثاال إسالميا خالصا

قيمة واألعلى مصدرا؛ األولى الفنية المأثرة بوصفه كله، لذلك

ومن فيها حاول الفاروقي اإلسالمي، التي الفن في نظرية جمالية،

خاللها العمل على صياغة مفهوم الفن اإلسالمي صياغة علمجمالية

إسالمية، تنطلق على العموم من (الجمالي) إلى (الديني)، في دراسة

هذا الفن وحدوده المعرفية التي تمتد عبر الفنون السمعية والبصرية

وخصائصه، ومصادره أصوله لدراسة ومنهجيا معرفيا تمهيدا معا،

فضال عن أعماله الفنية وإنجازاته الحضارية المختلفة.

ولعل المراجعة النقدية العاجلة، لمشروع الفاروقي المعرفي في

بناء نظرية الفن اإلسالمي، قد تثير بعض المالحظات المتعلقة بفهم

الفاروقي لمفهوم الفن؛ إذ إن هذا المفكر يتبنى المفهوم اللغوي العام

الذي يجمع األدب والفن في إطار مفهومي واحد، أكثر من المفهوم

المعرفي الخاص، الذي يفرق بين األدب والفن والعلم، على الرغم

من عالقاتها العضوية فيما بينها. وربما أدى هذا الفهم إلى عدم تمييز

اهللا صنع من (طبيعي) هو ما بين الفاروقي عند الجمالي التداخل

الخالق المبدع العظيم، وما هو (صناعي) من عمل اإلنسان وإبداعه

151

في الثقافة الفنية اإلسالمية، وإلى عدم التوازن المعرفي بين األدب

الفن في نظرية منهما لكل النقدي الميراث استكشاف في والفن

دراسات من كثير في العادة هي كما الكفة - إذ تميل اإلسالمي؛

الجمال اإلسالمية- لصالح األدب والشعر، فضال عن البيان القرآني..

حقيقتها دون اإلسالمية البصرية للفنون الجمالية النظرية فبدت

بهذه المتعلقة المفاهيم بعض وبدت المشروع، هذا في المعرفية

الفنون البصرية كالتجريد غائما، بل هو أقرب إلى المنظور النقدي

الغربي الحداثوي منه إلى مفهوم إسالمي يعرضه هذا المشروع جزءا

من البنية المفاهيمية لنظرية الفن اإلسالمي، بخالف ما فعل الفاروقي

مع مصطلح (أرابسك) الذي عول عليه كثيرا في بيان خصائص الفن

المصطلح، لهذا الغربي النقدي االلتزام بالمفهوم دون اإلسالمي،

الذي يدل في القاموس األجنبي على ( الزخرفة النباتية) تحديدا.

المقاربة هذه توصالت من تقلل ال المالحظات هذه ولكن

اإلسالمي الفن بناء نظرية في الفاروقي مشروع أن إلى البحثية

أدائه في ومتميز العلمية، قيمته في وكبير في مجاله، رائد مشروع

المعرفي والمنهجي النابع من الهوية الثقافية اإلسالمية فكرة وتطبيقا،

التوصية إلى المقاربة هذه تدفع البسيطة المالحظات هذه إن بل

بالعمل وتطويره الفاروقي، المعرفي المشروع هذا تعزيز بضرورة

وآفاقه اإلسالمي الفكر في الفن دراسة على المؤسسي العلمي

الفلسفية والتاريخية، بقصد التوصل إلى أوضح إطار معرفي لنظرية

الفن اإلسالمي.

155

مقدمة

ر استكشاف معالم نظرية تحاول هذه المقاربة البحثية أن تتبص

اللغات الكونية من لغة بوصفه الفن، عبر التواصل لثقافة إسالمية

لتوكيد والحضارات، والثقافات والشعوب الناس بين المشتركة

القيمة التواصلية للفن اإلسالمي.

منهج خالل من األمر هذا تحقيق إلى المقاربة هذه وتسعى

أن أساس على ليس والغربية، اإلسالمية المعرفتين: بين تثاقفي

حيث من بامتياز، غربية نظرية هي اليوم الشائعة التواصل نظرية

والمعلومات، اإلعالم بحقـل تختص وتكاد المعرفي، التصنيف

في تدخل اإلنسانية، المعرفة في عامة كونية نظرية بوصفها ولكن

وانتهاء الفلسفة من بدءا استثناء، بال المعرفة هذه مجاالت كل

بالفن.

وتعمل هذه المقاربة على تبين الطبيعة المعرفية للتواصل بين

حيث من الطبيعة هذه تحديد مغامرة عبر وخاصة، عامة نظريتين؛

أو التواصل بعلم يعرف ما إطار في والمنهج، والرؤية المفهوم

أن يمكن ما إلى للدخول تمهيدا ،Communicatology التواصلية

156

المتصلة مستوى النظرية «، على اإلسالمي الفن «تواصلية نسميه

على القائم التطبيق مستوى وعلى اإلسالمية، التواصل بثقافة

الصورة بعامة، وبخاصة على ما تسميه المعرفة العربية اإلسالمية،

الصورة الخطية Calligraphical، أنموذجا تطبيقيا في هذا المجال.

المعرفة التواصلية حاجة ظل في الموضوع هذا أهمية وتبرز

اإلعالن وفنون المختلفة، الكتاب في فنون المتمثلة المعاصرة،

وتقنيات وصيغ أشكال في المتجددة، اإلعالم وفنون المتنوعة،

التصميمية اإلمكانات إلى الحديثة، Graphics الطباعي الرسم

بخاصة، العربي وفن الخط بعامة، اإلسالمي للفن والداللية

فقد التوصيلية، برامجياتها وفي العلمية أنظمتها في لتستوعبها

لبنية التصميم المقومات األساسية عداد في يدخل الفن هذا صار

التواصلي المعرفية، وفنونها البصرية، والطباعية Typographical منها

خاصة؛ إذ يمكن القول إن ثمة فنا جديدا يمكن توليده في هذا السياق

نستطيع تسميته «فن الخط الطباعي»، وبخاصة أن ثمة توجها معرفيا

ودراسة والمعاصرة، الحديثة الطباعي؛ التصميم لدراسات حثيثا

في الستثمارها العربي، لفن الخط والطباعية الهندسية الخصائص

األدبيات فتئت ما إذ الطباعي؛ لفن الخط التصميمية اإلمكانيات

اإلبداع، في المركزية رؤيتها ضوء في الموضوع تعالج الغربية

تأصيلية محاوالت أية عن بعيدا اإلنتاج، في الوظيفي ومنهجها

لمثل موضوع هذا البحث، الذي تكاد الدراسات السابقة فيه تكون

-في أحسن األحوال- محاوالت جزئية، عاجلة ومختصرة ومتناثرة

157

هنا وهناك في األدبيات العربية واألجنبية، التي تتناول موضوعات

ما عما السابقة الدراسات فإن اإلسالمي المختلفة، وبالتالي الفن

غير تكون اإلسالمي»، تكاد الفن «تواصلية هنا نسميه أن يمكن

متوفرة على وجه االستقالل والخصوص.

أوال: في ثقـافة التواصل

التواصل ومفهومه: - 1

يتمحور المعنى اللغوي المباشر للتواصل في كل ما يصل بين

الترادف مظاهر لكل المعرفي المهاد أو األساس يمثالن شيئين،(1)

عاما، مفهوما التواصل من تجعل التي الداللي، والتأويل المعنوي

الناس بين والحضارية، الثقافية الناحيتين: من ومقبوال، مشتركا

المتنوع، اإلنساني العالم في الشعوب وبين الواحد، المجتمع في

أبرزها: ومتشعبة، متعددة وأنماط وسياقات ودالالت معان على

األصالة في اإلبداع واالستيعاب والوجود، والحيوية في االستمرار

واالمتداد والتوسع، والفاعلية في اإلنتاج والعطاء والتأثير، فضال عما

تمثلت وحضارية، معرفية مفاهيم من السياق هذا في وينشـأ نشـأ

في حركات ومدارس فكرية جديدة، ذات نظريات تفاعلية وحوارية

وإحيائية وتقـدمية وحداثية، وما شاكل ذلك من تلك النظريات التي

بوصفه (الفصل) إطار في المعرفية، صيرورتها في التاريخ يدخل

ط20، الدولية، الشروق دار القاهرة: الوسيط، المعجم العربية. اللغة مجمع (1)

2004م، مادة: وصل، ص1037.

158

حـد التغير بين األشياء واألفكار، و(الوصل) بوصفه القيمة المستدامة

في المكان، والحيوية في الزمان، والفاعلة في األشياء، المؤثرة في

اإلنسان.

ويمكن أن ندرك العالقة بين الفصل والوصل؛ نظرية وتطبيقا،

أغلب في والتقابل التنافر ال والتكامل، التفاعل أساس على

تفرق ال إذ اإلسالمية؛ العربية والحياة والمعرفة الوعي مجاالت

الثقافة العربية كثيرا بين االثنين، حتى يمكن القول إن لكل مجال

فضال والوصل،(1) الفصل في الخاصة نظريته المجاالت هذه من

عن تطبيقاتها المختلفة في المعرفة اإلنسانية، التي أدركت صعوبة

تفكيك هذه العالقة؛ نظريا وعمليا، فاتجهت إلى تبنيها ثنائية معرفية

واحدة، تتمثل من حيث المفهوم والمصطلح في (التواصل)، الذي

(المعرفة) بإحداثيات المتعلق األساس، محوره هو اإلنسان يعد

المختلفة. وعالقاتها

معرفي خطاب أنه على وحقيقته التواصل معنى فهم ويمكن

في المفهوم هذا ويتجسد وحضارته. اإلنسان لثقافة وشامل عام

بوصفه الخيال أو الوسيط العالم أو البرزخ بموضوع اإلسالمية عنيت الثقافة (1)

القوة الوسيطة بين الحس والعقل، وانعكاساتهما على تأسيس مبحث المعرفـة لما

بين المعرفـتين من الوشائج القوية. ويعرف هذا المبحث الذي يتجاوز الثنائيات

الوجودية والمعرفية، تقريبا بـ(نظريـة الوصـل). انظر:

الثقافي - المركز بيروت: البيضاء- الدار التأويل، فلسفة حامد. نصر زيد، أبو

العربي، ط5، 2003م، ص29 وما بعدها.

159

الماهية في وغير المتماثلة الثنائيات المتماثلة بين الجدلية العالقة

العين أو واألسلوب، النمط أو والشكل، المضمون أو والهوية،

والرفقـة واالنتقال، االستمرار يقبل مما ذلك غير أو واألثر،

في والتشكل والتفاعل، والتزاوج والمصاهرة، والنسب والحوار،

األشياء واألعيان، والظواهر والقيم، واألعمال واألفعال، واألفكار

المحور إطار في يجري أن يمكن مما ذلك وغير والتصورات،

للتواصل. المعرفي

آفـاق نظرية للتواصل: - 2

عميقا تراثـا تمتلك هذه التواصل فعالية إن القول يمكن

الديني تاريخها وفي اإلنسانية، المعرفة في والتطبيق النظرية من

والفلسفي والعلمي؛ إذ إنها راسخة في فطرة اإلنسان نزعة طبيعية

تواصلية من الناحية المعرفية، بالمعنى العبادي للمعرفة في التصور

A @ ? > = < ; : 9 8 7 6 زب اإلسالمي:

رب R Q P O N M L K J IH GF E DC B[األعراف: 172]، وكذلك من الناحية االجتماعية، بما يبدو عليه الطبع

محيط في إال يعيش أن يمكن ال الذي لإلنسان، األنثروبولوجي

اآلخرين مع وعالقاته سلوكه في وحضاريا؛ اجتماعي، إنساني-

الذي التواصل، خطاب عليها يقوم مشتركة وتقاليد قواعد على

مدنيا بطبعه، اجتماعيا االنسان كون من التعاملية حيويته يستمد

بثقافته.

160

من اإلشكالي الطور في التواصل يزال ال كله، ذلك ومع

وتخمينها الظاهرة تقدير من تنقله أن يمكن التي العلمية، المعرفة

التجريبي أو الحدسي إلى الحقيقة المعروفة في مفهومها، والمحددة

طور في التواصل فظل منهجها، في والواضحة تعريفها، في

النظرية القابلة الفتراض المفهوم والرؤية والمنهج والموضوع، أو

تجـديدها -على األقـل- في كل مقاربة معرفية للتواصل، أكثر من

تموضعه في نسق معرفي أو مجال علمي محدد، فراوحت إشكالية

التواصل المعرفية هذه مراوحة نسبية، من حيث المفهوم والوظيفة

بين عدد من النظريات، التي يمكن أن تمنح التواصل هويته الثقافية

العامة المفتوحة بال قيود على اإلنسان في وعيه وتفكيره، وتعبيراته

وعالقاته، وغير ذلك من آفاق حياته الخاصة والعامة.

فالنظرية اللغوية مثال، أكسبت التواصل مفهومه العام والكلي

المرتبط بالنظام اللغوي، وبقدرته على التعبير والتوصيل؛ إذ تؤكد

هذه النظرية أن كل تواصل ال بد له من أن يكون متعلقا بالقواعد

الثابتة والمتغيرة للغة، وهي القواعد التي تحكم العالقة بين عناصر

Roman جاكوبسون حددها التي وأطرافه اللغوي) (التواصل

Jackobson مثال في نسق المفاهيم اآلتية:(1) المرسل، المرسل إليه،

تعـد النظرية هذه ولكن االتصال. قناة الشفرة، السياق، الرسالة،

متعددة، رمزية أنظمة من واحدا أو معينا، نظاما اإلنسانية اللغة

الصحفية، اليمامة مؤسسة الرياض: (السيميولوجيا)، العالماتية منذر. عياشي، (1)

ط1، 2009م، ص11.

161

بعضها لغوي، وبعضها اآلخر غير لغوي –عالمي، وظيفته األساسية

والوحيدة -كما هو شأن األنظمة األخرى- التواصل. ويمكن القول

من اللغة مفهوم حولت التي الفلسفية، وتطوراتها النظرية هذه إن

كونها شكال أو أداة وظيفية مباشرة إلى كونها عالمة من العالمات

الدالة -بشكل مباشر أو غير مباشر- على معان وأهداف تواصلية،

يمكن أن نصل إليها بغير طريق ألفاظ اللغة، قد أدت أول األمر إلى

إمكان تمييز التواصل، بحسب قناته المعرفية، إلى نوعين رئيسين،

هما: التواصل اللغوي (اللفظي)، والتواصل الثقافي (الال لفظي).

ومن هنا؛ انفتحت األبواب المعرفية واسعة أمام نظرية (التواصل)

هذه، لالنطالق في التحوالت المفهومية والمعرفية والمنهجية، التي

رافقت التناسل الثقافي لعلم اللغة العام إلى العديد من العلوم اللغوية

والنقدية المتعلقة -على سبيل المثال ال الحصر- بدراسة العالمات،

هذه أشباه من وغيرها واإلنسانيات، والفنية، األدبية، والجماليات

وتحوالتهما الثقافية، والمعرفة بالثقافة، أصال تعنى التي العلوم،

والشعوب الناس بين المثاقفة أو بالتثاقف، المعروفة التواصلية

والحضارات، فأثرت بشكل عميق في تحول مفهوم التواصل من كونه

عملية، إلى كونه مجاال معرفيا، يمكن وصفه في إطار الثقافة أكثر من

حصره في إطار اللغة، أو على األقل، تحويله من حيادية العالقة بين

طرفين متواصلين إلى فاعلية هذه العالقة المعرفية والمنهجية، القائمة

على ما يجتمع عليه كل من الثقافة واللغة، في سياق معرفي أوسع

من حيث المعنى والداللة والرمزية في المفاهيم النقدية التواصلية:

162

الكتابة، والقراءة، والنص، والسياق، والعالمة، والخطاب، وغيرها،

التي أصبحت تشكل المحتوى المعرفي للتواصل.

الطرق سياق في التواصل مفهوم دخل كذلك، هنا ومن

عناصر الثقافة، بعض بوساطة للتعبير المجازية واللغات المتعددة

السلوك عن التعبير طرق من ذلك وغير والتصرف، اللباس، مثل:

اإلنساني في التواصل االجتماعي بغير الكالم المباشر، أو باللغات

االتفاقية والصناعية األخرى من خارج المؤسسة اللغوية المعروفة

للتواصل، كلغات اإلشارات والحركات الخاصة بالصم والبكم، أو

وغيرهما والتلفزيون، الحاسوب ببرامج الخاصة الصناعية اللغات

هو تقريبا، يزال، وال كان الذي اإلعالم أو االتصال قنوات من

نظرية رحابه في وتطورت نشأت الذي األرحب المعرفي المجال

التواصل وتطبيقاتها السمعية والبصرية، في صناعة الوسيلة االتصالية

الحاملة للرسالة، بوصفها موضوعا في الفعالية التواصلية المتقدمة

بين وتوثيقها وتقريبها، المعرفية، المسافة تجسير صوب باستمرار

الذي التواصل، من ممكنة حدود أبعد إلى والرسالة، الوسيلة

ماكلوهان نظرية بحسب الوسيلة»، هي «الرسالة من يجعل ال

قـرية إلى العالم تحول أيضا يحقق بل فحسب، Marshall McLuhan

شيء،(1) بفضل كل في أهلها جميع يتشارك صغيرة كونية اتصالية

التطورات التكنولوجية والرقمية الهائلة في مجال االتصال ووسائله

حنش، إدهام محمد. مجلة اإلنترنت الثقـافية، ضمن: صحـافة اإلنترنت في الوطن (1)

العربي، الشارقة: جامعة الشارقة، ط1، 2006م، ص311-301.

163

التقليدية؛ الورقية الوسائل من للنظر، الفت بشكل تنوعت التي

المخطوطة والمطبوعة، إلى الوسائل اإللكترونية في عمليات صنع

وغير والنشر، واإلصدار واإلخراج والتصميم التحرير الرسالة من:

ذلك من تقنيات تحقيق التواصل.

علم التواصل/ التواصلية:3 -

النظريات هذه عند للتواصل المعرفية التحوالت تقف لم

اللغوية واإلعالمية، وال عند غيرها من النظريات الفلسفية والثقافية،

نسق عبر الثقافي والتطور الوجود، في التواصل حتمية تؤكد التي

وإبراز تجلية الثقافة في محصورة وظيفته تكون خاص، معرفي

الشخصية اإلنسانية واالجتماعية والحضارية، فيكون التواصل بذلك

النظريات عند للتواصل المعرفية التحوالت تقف ولم هو الثقافة.

أو وأهداف كيفيات أو آليات على تشتغل التي والوظيفية، التقنية

والخصائص والهويات والماهيات، البنيات في التواصل غايات

والسلوكيات، وما شاكل ذلك فحسب، بل ذهبت تحوالت التواصل

كذلك إلى فتـح السبل لقيـام محاوالت نظرية أخرى في إعـادة بناء

عليه علم يطلق أن يمكن ما في معرفيا وتصنيفه التواصل، مفهوم

التواصل أو التواصلية.

والمجاالت والموضوعات المدخالت إن القول ويمكن

النظريات تلك في تتمثل العلم ، لهذا المؤسسة والتطبيقية النظرية

العلم هذا لبنية يمكن ال إذ قبل؛ من التواصل عالجت التي كلها

164

النظريات على العامة، كينونتها في تخرج أن اإلبستمولوجية

والثقافية واالجتماعية اللغوية اإلنسان حياة بجوانب تتعلق التي

للعلم؛ والخصائصية الماهوية الجوانب عن فضال والحضارية،

المعرفية اإلجابة في التواصل موضوع علم يتمثل أن يمكن إذ

لماذا اآلتي: النحو على محددة محورية أسئلة عن الشافية

المعرفية. النظرية نتواصل: وبمـاذا الوظيفية. النظرية نتواصل:

وكيف االجتماعية. النظرية نتواصل: وأين نتواصل، ومتى

نتواصل: النظرية التقـنية؟ ليعود األمر في النهاية إلى مربع معرفي

في التفاعلية أو النظريات التواصلية قوامه األضالع، متسـاوي

بين والمنهجي، الحضاري اإلنساني الحوار قواعد على بينها ما

المحضة، النظرية والقيم والمعاني والمعلومات األفكار عالم

والصور واألشكال والتقاليد واألعمال األشياء وعالم جهة، من

أخرى. جهة من المحضة، الواقعية

التواصل بين النظرية العامة والنظرية الخاصة: 4 -

يشكل مما وغيرها النظرية المقومات هذه بنا تذهب قد

-مجتمعا أو منفردا- األساس المعرفي لعلم التواصل، إلى إمكان

تصور التواصل بين رؤيتين أو نظريتين:

نوعه أ - كان أيا :Communication للتواصل العامة النظرية

ومجاله، فهو أشبه ما يكون في حقيقته بمعرفة مركبة من

خاصية فطرية واحدة في اإلنسان، وحاجة اجتماعية فيه،

165

وسلوكه الحضاري األول الذي يقوم على مفاهيم التالقي

واالحتكاك والتمازج والتفاعل والتبادل، والتثاقف المثمر

بين بني اإلنسان، في ضوء خطاب مشترك.

المحدد ب - :Communicatology للتواصل الخاصة النظرية

تعالقات في العلمي بالبحث تعنى فهي مجاال، أو نوعا

وكذلك والفنون، واآلداب بالعلوم المعرفية التواصل

بتخصصاتها العلمية الفرعية، أو بتلك المجاالت المشتركة

منها بين النظرية العامة للتواصل، ونظرياته الخاصة بهذه

المعرفية. والمجاالت التخصصات

وتمثل العالقة بين هاتين النظريتين المهاد المعرفي، والسلوك

المنهجي لتواصلية هذه العلوم واآلداب والفنون، أو غير ذلك من

أجناس المعرفة اإلنسانية. فالتواصل في وظيفته العامة صلة الوصل

والتوفيق الثقافية بين اجتماعيات هذه المعرفة واقتصادياتها من جهة،

وما يمكن أن نسميه «جمالياتها» الفنية Aesthetics of Knowledge من

جهة أخرى، في األداء والتعبير والتوصيل الفاعل والمؤثر، بفضل

ما تسبغه هذه الجمالية الفنية من القيمة الثقافية واإلبداعية اإلضافية

على القيمة الوظيفية المجردة للتواصل اإلنساني.

- 5 :Communication Design التصميم التواصلي

يمكن تصور التواصلية في مفهوم فـني تقني هو أقرب ما يكون

والعالقة والرسالة للوسيلة جامعا مفهوما بوصفها إلى الثقافة،

166

والتقنية واألسلوب معا، في صعيد معرفي متداخل، أو مشترك في

الوظيفة الحضارية. وبذلك ال تقوم التواصلية على المنظومة اللغوية

تقوم بل التواصل، تحقيق في وحدها والكتابة) واللفظ (المعنى

كذلك على منظومة أو نسق معرفي متعالق من الرموز المتنوعة في

طبيعتها، وفي داللتها، وفي انتمائها المعرفي إلى ثقافة معينة، فتكون

هذه الثقافة األساس المعرفي التواصلي لعلم تواصل/ تواصلية أي

عنصر أو مجال أو مكون من عناصر أو مجاالت أو مكونات هذه

والفن، األدب في اإلبداعية وتجاربها خبراتها وبالذات الثقافة،

بأشكال الجمالية، الناحية من عناية، األكثر المجالين بوصفهما

العنوان هو العلم وهذا التواصل. بثقافة عالقة واألوثق التعبير،

المعرفي لما يعرف اليوم بالتصميم التواصلي.

ثانيا: ثقـافة التواصل اإلسالمية

المفهوم اإلسالمي للتواصل:1 -

للمعرفة األول المصدر -بوصفه الكريم القرآن يقدم

والقيم والظواهر األشياء تفسير في العلمية ونظرياتها اإلسالمية

مبدأ على تقوم التي اإلسالمية، التواصل ثقافة ذلك- وغير

M L K J I H G F E ( التعارف) بين الناس: زب

هو: والتعارف [الحجرات:13]. رب U T S R Q PO N

167

"المعرفة والعرفان: إدراك الشيء بتفكر وتدبر ألثره،"(1) في سبيل

أن يتواصل الناس في ما بينهم على مبادئ:

أخالقية، تتمثل في مسؤولية التواصل التي يوجبها النص أ -

Í Ì Ë Ê É ÈÇ Æ Å Ä Ã Â Á زب القرآني:

Ñ Ð Ï Î رب [اإلسراء:36].

القرآن ب - يؤكده الذي التواصل حسن في تتمثل وجمالية،

~ }| { z y x w v زب الكريم:

¯ ® ¬« ª © ¨ § ¦ ¥ ¤ £¢ ¡ ے ° رب [النحل:125].

علم التواصل اإلسالمي:2 -

ـر ثقافة التواصل اإلسالمية العلم اإلسالمي الذي يمكن أن يؤط

من الناحيتين: المعرفية والمنهجية، هـو (علم البيان)، الذي هو اسم

هذا أو العالمة هذه جنس كان مهما دليل، أو عالمة لكل جامع

الدليل، يكشف عن المعنى، ويفضي إلى الحقيقة في التواصل بين

الناس على تحقيق الفهم واإلفهام.

العام اللغوي بمعناه البيان إن القول يمكن السياق؛ هذا وفي

بوصفه للبيان المعرفي األساس هو والوضوح اإلبانة على القائم

المجال ضيق من الرغم وعلى العربية. البالغة علوم من علما

التواصلي للمعنى البالغي، ومحدودية استعماله على فئة معينة من

(1) األصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مرجع سابق، ص560.

168

المتواصلين، وعلى الرغم من أن اللغة هي الوسيط المعرفي األوسع

مجاال، واألكثر وسائط في إخراج المعاني وتوليدها وتحقيق البيان،

يظل التواصل نافذا بوساطة اللغة وبوساطة غيرها، مما يمكن أن يعد

لغة معرفية خاصة.

وال يكون البيان باللغة، وحدها، فهو أوسع منها، ويتضمنها في

الوضوح على الدالة والحاالت العالمات كل من المؤلف نظامه

أو اإلشارة أو المكتوب، أو الملفوظ القول في سواء واإلبانة،

الهيئة التي يبدو عليها الشيء؛ إذ يقول الجاحظ (ت 255 هـ/868م)

بأن «أقسام البيان هي: جميع أصناف الدالالت على المعاني، من

لفظ وغير لفظ، خمسة أشياء ال تزيد وال تنقص: أولها اللفظ، ثم

النصبة.»(1) تسمى التي الحالة ثم ثم الخط، العقد، ثم اإلشارة،

والتواصل العربي االتصال وسائل هي هذه، البيان» و»أقسام

العربية البالغة علوم من علما البيان من جعلت التي اإلسالمي،

بجمال المعني الفني والنقد والتفاضل، الموازنة على القائمة

خالل من التواصل، ودوام التوصيل وحسن الداللة وتمام التعبير

األساليب الفنية؛ اللغوية وغير اللغوية، المؤدية إلى وضوح المعنى

لتصنيف المجال أمامنا الخمسة األقسام هذه وتفتح وإبانته.

مجاالت التواصل في الثقافة اإلسالمية إلى:

التواصل اللغوي عبر اللفظ. أ -

هارون، السالم عبد وشرح: تحقيق والتبيين، البيان بحر. بن عمرو الجاحظ، (1)

القاهرة: مكتبة الخـانجي، ط7، 1998م، ج1، ص76.

169

ثم ب - العقد، ثم «اإلشارة، تؤديه: الذي الثقافي التواصل

صبة.» الخط، ثم الحالة التي تسمى الن

ولكن «آلة البيان؛ التي يتعارف الناس بها معانيهم، والترجمان

العربية المعرفة تحددها اختالفهم،»(١) عند يرجعون إليه الذي

اإلسالمية في ( الصورة).

المفهوم التواصلي للصورة:3 -

إن مفهوم الصورة في ثقافة التواصل اإلسالمية، يتسع للعرض

والجوهر أو للشكل والمضمون؛ إذ إنه يدل على «كل شكل ونقش

ماهيته الشيء: «صورة أن على يدل مفهوم هو أو الجوهر» يقبله

المجردة وخياله في الذهن أو العقل،»(٢) فكل «جسم له صورة؛»(٣)

رمزا له أو داللة عليه، أو تعبيرا عنه في عمليات البيان والتواصل

المعرفية واالجتماعية والسلوكية وغيرها. واعلم أن قولنا: « الصورة

إنما هي قياس وتمثيل، لما نعلمه في عقولنا على الذي نراه بأبصارنا،

جهة الصورة، من تكون األجناس آحاد بين البينونة رأينا فلما بخصوصية تكون في صورة هذا، ال تكون في صورة ذاك.»(٤)

الجاحظ، عمرو بن بحر. الحيوان، تحقيق: عبد السالم هارون، بيروت: منشورات (1)محمد الداية، ط2، 1969م، ج1، ص44.

الجرجاني، الشريف علي بن محمد. التعريفات، بيروت: مكتبـة لبنان ناشرون، (2)ط1، 1985م، ص61.

صقر، وأحمد أمين أحمد تحقيق: والشوامل، الهوامل حيان. أبو (3) التوحيدي، القاهرة: دار المعارف، 1951م، ص47.

الجرجاني، عبد القاهر. دالئل اإلعجاز في علم المعاني، تحقيق: السيد محمد (4)رشيد رضا، القاهرة: مكتبة الخانجي، ط2، 1989م، ص508.

170

الوسيلة كأنها للصورة، اإلسالمي التواصلي المفهوم ويبدو

والرسالة معا في آن واحد من حيث التعريف بالموجودات واألشياء،

والتعبير عن المشاعر واألفكار، وبيان األفعال والحركات، ووصف

كأنها يجعل الصورة مما ذلك، وغير والمرسومات، األشكال

والفهم والقصد، بالمعنى النابض اإلسالمية التواصل ثقافة قلب

(العلة ألن والتواصل؛ واالتصال والتوضيح، والوعي واإلفهام،

الوجود، في الماهوية وخصائصها األشياء طبيعة من الصورية)(1)

ا معرفيا لكل عالمات البيان لذلك يمكن أن تكون بذلك أصال أو أس

ودالالته، وحاالته القابلة في ماهيتها أو طبيعتها للدخول في (الحالة

الصورية)، وأن المعاني ال تبدو ذات قيمة جمالية أو فنية في ذاتها

«بل قيمتها في تصويرها، باستخدام الخيال الذي ينقلها من المعقول

إلى المحسوس»(2) من أشكال التواصل ووسائله.

علل الموجودات أربع هي: الفاعلية، واآلليـة، والصورية، والتمامية. انظر: (1)

بهجت - محمد تحقيق: الكتاب، أدب يحيى. بن محمد بكر أبو الصولي،

األثري، بغداد: المكتبة العربية، د.ت، مصورة باألوفسيت عن طبعة القاهرة:

المطبعة السلفية، 1341هـ، ص55.

يبدو أن عبد القاهر الجرجاني كان قد استعـار المفهوم الحسي (البصري) للتصوير (2)

في بناء نظريته في (نظم المعـاني)؛ إذ يقول: «..وإنما سبيل هذه المعاني سبيل

من ضرب إلى نسج الذي ثوبـه في والنقـش منها الصورة تعمل التي األصباغ

التخير والتدبـر في أنفس األصباغ، وفي مواقعها، ومقاديرها، وكيفية مزجه لها

وترتيبه إياها....» انظر:

الجرجاني، دالئـل اإلعجاز في علم المعاني، مرجع سابق، ص123. -

171

نظرية التصوير اإلسالمية:4 -

المادة بمنزلة اإلسالمية التواصل ثقافة في تبدو الصورة

هو الوجود فهذا والبيان. والمعرفة للوجود والمركزية األولى

´ صورة دالة على غاية الخلق وحقيقته، التي ترجع أصال إلى زب

Æ ÅÄ Ã Â Á À ¿ ¾½ ¼ » º¹ ¸ ¶ μرب [الحشر:24]، وربما كان هذا هو األصل المعرفي الذي È Çبكل والديني والفلسفي اللغوي الوعي أصل منه صارت الصورة

شيء في هذا الوجود. فكل شيء في الوجود له صورة يعرف بها،

التواصل يجري صورة وهي ماهيته. في أو معناه في هو هي أو

األشياء حقائق لبيان ومنهج وموضوع ومفهوم معنى وكأنها بها،

ودالالتها في الوجود.

وتقوم نظرية التصوير اإلسالمية على تراتبية التواصل المعرفي،

د، مع كل شيء سواء التواصل اإلدراكي المجرد أو الحسي المجس

التي المتنوعة عبر الصور واآلفاق، والنفس والكون الوجود في

-حسب المتراتبة الخلق عوالم إلى المعرفية طبيعتها في تنتمي

التصور اإلسالمي للوجود والمعرفة - إلى: عالم األعيان، واألذهان،

هي: أربع، األشياء وجود مراتب تكون إذ واألشكال؛ واألفكار،

«الكتابة، والعبارة، واألذهان، واألعيان. وكل سابق منها وسيلة إلى

األذهان، في ما على وهذه اللفظ، على دال ألن الخط الالحق،

وهذا على ما في األعيان. وال يخفى أن الوجود العيني هو الوجود

172

الحقيقي األصيل.»(1)

وتتحقق منهجية الداللة على هذه األشياء والتواصل معها وبها،

[في له «شيء فكل خالل الصورة. من الوجودية، مراتبها بحسب

له حصلت أدرك ما إذا فإنه الذهـن، خارج وجود األعيان] عالم

صورة في الذهـن تطابق ما أدرك منه [عالم األذهان]، فإذا عبر عن

تلك الصورة الذهنية الحاصلة عن اإلدراك، أقام اللفظ المعبر به هيئة

للمعنى فصار وأذهانهم، السامعين أفهام في الذهنية تلك الصورة

وجود آخر من جهة داللة األلفاظ لمن يتهيأ له سمعها من المتلفظ

بها [عالم األفكار: المعاني: العبارة: األلفاظ]، وصارت رسوم الخط

تقيم في األفهام هيـئات األلفاظ، فتقوم بها في األذهان صور المعاني،

فيكون لها أيضا وجود من جهة داللة الخط على األلفاظ الدالة عليه [عالم األشكال: الكتابة: الخط].»(2)

ويبدو أن ثقافة التواصل اإلسالمية قـد أعطت ( الخط) بخاصة

الداللة تحقيق إمكان في لتميزه المجال، هذا في كبيرة أهمية

والتواصل أكثر من غيره؛ إذ إنه يبلغ المعنى حاضرا ومباشرا، كما

اللفظ من أتم بذلك «فالخط مباشر، غير غائبا ويبلغه اللفظ يفعل

تـحقيق: السيادة، ومصباح السعادة مفتاح مصطفى. بن أحمد زادة، طـاشكبري (1)

كامل بكري، وعبد الوهاب أبو النور، بيروت: دار الكتب العلمية، 1985م، ج1،

ص75.

محمد تحـقيق: األدباء، وسراج البلغاء منهاج حازم. الحسن أبو القرطاجني، (2)

الحبيب ابن الخوجة، بيروت: دار الغرب اإلسالمي، ط2، 1981م، ص18.

173

فائدة؛ ألنه قـد بلغ مبلغ المنطق»(1) في الداللة والتواصل. والسبب

األساس في ذلك كله يرجع إلى أن الخط «جسم له صورة» وشكل هندسي من «التدوير والتربيع.»(2)

الفلسفية نظريتها اإلسالمية التواصل ثقافة طورت هنا ومن

العامة للصورة بين الوحدة والتنوع في الطبيعة، والوظيفة والتصميم

عبر أكثر من مجال معرفي، فنجد الصورة، من حيث هي موضوع،

مبحثا مهما في ( علم المناظر) اإلسالمي الذي يعنى بفيزياء البصر

وقوانين اإلبصار وتقنياته الوظيفية، التي تقوم بها ( الروح الباصرة)

بوصفها آلـة اإلدراك البصري للصورة في المنظور اإلسالمي لعلم

الذي ( علم الرسم)،(4) في مهما مبحثا ونجدها العين.(3) فسلجة

على معرفيا يقوم وهو وصناعة الصور، األشكال إنشاء علم هو

هندسة األشكال(5) في التصميم، فتكون هذه الهندسة منشئة للتصميم

الصولي، أدب الكتاب، مرجع سابق، ص43-42. (1)

المرجع السابق، ص42. (2)

تبدأ الروح الباصرة أو القوة الباصرة في خارطة تشريح العين؛ من الدماغ، وتنفذ (3)

إلى العينين أو ما يقرب منهما بالعصب النوري الذي يتم بـه اإلبصار. انظر:

سزكين، فؤاد. طب العيون عند العرب والمسلمين، فرانكفورت: معهد تاريخ -

العلوم العربية واإلسالمية، ط1، 1986م، ص 54.

يعرف أيضا بـ(علم الكتابة) أو (علم الخط). انظر: (4)

طموم، سراج. سراج الكتبة، عمان: دار البصائر، ط2، د.ت، مصورة عن طبعة -

بوالق1311هـ، ص6.

لعل من طريف ثقافة التواصل اإلسالمية النظر إلى األشكال على أنها إحدى (5)

= عالم وفي بل فحسب، الشهود عالم في ليس والمعرفة، التواصل لغات

174

وواصفة له في آن واحد. ويقوم علم الرسم -من الناحية المنهجية-

مثال، ] الحروف بسائط أشكال «تركيب في (االستحسان)(1) على

ونجدها األشكال.»(2) هذه في الطبيعية النسبة رعاية إلى بالرجوع]

الجمال أو علم الحسن نسميه:(فقه أن يمكن ما في مهما مبحثا

الفنية إلبداعية الصورة النقدي بالتقويم يعنى الذي اإلسالمي)

مجاالت في مهما مبحثا وجودها عن فضال ووظيفتها التواصلية،

الغيب كذلك؛ إذ يذكر بعض أهل المعرفة المسلمين بأن «في الغيب كتبا كتبها =

بالحروف وبعضها باألشكال، وبعضها مكتوبة، بالنقـط بعضها وجل، عز اهللا

-ولكن غير هذه العبارات- ولهـا أسـام عجيبة، مثل: (ينبوع األبرار) و (مجموع

البحر) و(كتاب العشق) و(كتاب العزائم) و(كتب المهد) و(كتاب األسرار)

مشكول] نجومية..[وهو أحكام وفيه األشكال) و(كتاب الكبير) و(البرهان

أشكال التربيع والتدوير.» انظر:

زيدان، - يوسف تحقيق: الجالل، وفواتـح الجمال فوائح الدين. نجم كبرى،

القاهرة: دار الشروق، ط1، 2009م، ص152-151.

االستحسان: مفهوم معروف في الفقـه اإلسالمي على أنه دليل يقـدح في ذهـن (1)

التشريع آليات أو طرق أحد يكون يكاد بذلك وهو القياس، على المجتهد

واستنباط األحكام. انظر:

دار - الدوحة: والتطبيق، النظرية بين االستحسان محمد. شعبان إسماعيل،

الثقـافة، ط1، 1988م، ص 33 .

ولكننا نراه كذلك مفهوما ثقـافيا إسالميا كان شـائعا في النقـد األدبي: (استحسان

المعاني). انظر:

الجاحظ، الحيـوان، مرجع سابق، ج3، ص131. -

وكذلك في النقد الفني (استحسان الخط)، انظر:

حنش، الخط العربي وإشكالية المصطلح الفني، مرجع سابق، ص90. -

(2) طاشكبري زادة، مفتاح السعادة ومصباح السيادة، مرجع سابق، ج1، ص91.

175

معرفية أخرى من الثقافة اإلسالمية. ويعد (حسن التقويم) بوصفه مبدأ

فلسفيا مثاليا لتصميم الصورة، مستوحى من اإلخبار القرآني الكريم:

لعلم المعرفي العصب بمنزلة [4 [التين: رب زب + , - . / 0 الرسم، الذي يمكن أن نصفه بعلم ( التصميم التواصلي) اإلسالمي،

ونظريته في التصوير.

وحدة الصورة وتنوعها:5 -

يمكننا تشبيه علم الرسم، بعلم التصميم التواصلي، الذي يشتغل

على إنتاج مختلف أنواع الصور في ضوء مجاالتها المعرفية المختلفة،

كاألدب مثال: « الشعر.. جنس من التصوير،»(1) وعلم الفلك مثال آخر

في: «صور الكواكب»،(2) وعلم الجغرافيا ورسم الخرائط مثال ثالثا

في: «صورة األرض» و»صور األقاليم» وغيرها.(3) ويمكن أن نالحظ

ومعانيها، وأشكالها ماهياتها في المتنوعة وغيرها هذه الصور أن

ودالالتها ووظائفها البيانية والتواصلية، تنتمي معرفيا إلى العديد من

العلوم واآلداب والفنون، من حيث أن الصورة المعرفية قد تكون:

والتواصل، كما هو حالها -على سبيل أداة للبيان وسيلة أو آلة أو

تكون قد أو وغيرها. والمنطق والشعر والكتابة اللغة في المثال-

الجاحظ، الحيـوان، مرجع سابق، ج3، ص132. (1)

انظر مثال: (2)

الصوفي، عبد الرحمن. كتاب صور الكواكب الثمانية واألربعين، بيروت: دار -

اآلفاق الجديدة، ط1، 1981م، ص 33 .

مؤنس، حسين. أطلس تاريخ اإلسـالم، القاهرة: الزهراء لإلعـالم العربي، ط1، (3)

2003م، ص42-12.

176

فكرة أو موضوعا أو رسالة في البيان أو التواصل المعرفي، كما هو

حالها -على سبيل المثال- في الفيزياء والبصريات والهندسة والنقد،

أو قد تكون وسيلة ورسالة معا في اإلبداع؛ كما هو الحال مثال، في

العمارة والفنون.

واألدبية العلمية المعرفية؛ أجناسها وتتعـدد وتتنوع الصور

ومراتب وأنواع أصناف إلى اإلسالمية، التواصل ثقافة في والفنية

عديدة ومتنوعة. ومن الطريف في هذا السياق أن أبا حيان التوحيدي

يذكر أكثر من خمسة عشر نوعا من أنواع الصور؛ مبدؤها: « الصورة

اإللهية: التي تجلت بالوحدة، وثبتت بالدوام، ودامت بالوجود،»(1)

وربما تكون أدناها مرتبة في الوجود وفي المعرفة: ( الصورة الخطية).

الزين، أحمد أمين، أحمد تحقيق: والمؤانسة، اإلمتاع حيان. أبو (1) التوحيدي،

القاهرة: دار المعارف، 1944م، ج3، ص143-137.

الصورة الخطية

177

النظرية العامة والخاصة للتصوير:6 -

كل ما تقدم من المفهوم البياني أو التواصلي للصورة، وتنوعاتها

المعرفية المتعددة، يمكن أن يصنف من الناحية المعرفية على أنه مادة

لنظرية عامة، قد تنطبق على كل مجاالت المعرفة العربية اإلسالمية،

فضال عن المعرفة اإلنسانية بعامة، انطالقا من أن الصورة ليست آلة

البيان في التعارف فحسب، بل هي الوسيلة والرسالة معا في ثقافة

التواصل اإلسالمية واإلنسانية.

للتصوير- العامة النظرية هذه ظل -في نصنف أن وباإلمكان

نظريات خاصة متعددة في المجاالت المعرفية التي تعمل فيها؛ إذ

تتباين الصور في ما بينها إلى عدد غير محدود من األنواع واألشكال

والوظائف، وذلك بحسب طبيعتها الذهنية المجردة المدركة بالتخيل،

تقنيات وبحسب بالبصر، المحسوسة الشكل المادية الواقعية أو

المختلفة، والفنون واآلداب العلوم مجاالت في وصنعها إبداعها

وبحسب تصنيفها الوظيفي المتخصص في البيان والتواصل.

ولعل هذه العوامل الصانعة -إلى حد كبير- لخصوصية التصوير

النظرية، تفتح الباب إلمكان أن نصنف بوضوح أنواع الصور األساسية

في التراث الفكري اإلسالمي إلى أربعة أنواع، هي:

الحاملة أ - اإلنشائية)(1) (الكتابة في وتتمثل اللغوية؛ الصورة

يعني مفهوم اإلنشاء في التراث األدبي العربي صنفا من أصناف التأليف والتحرير، (1)

كان يدور في دواوين الدولة اإلسالمية. وغالبا ما تتحدد طبيعة الكتابة اإلنشائية

في دائرة النثر.

178

وغيرها والنثرية الشعرية النصوص في والمعاني لأللفاظ

من صنوف األدب.

الصورة الخطية؛ وتتمثل في رسوم (الكتابة الخطية) الفنية ب -

القائمة على الخط بوصفه صورة الكتابة.

في ت - وتتمثل figurative؛ أو التشخيصية الحركية الصورة

الرسوم التعبيرية عن األشياء والظواهر واألفعال، واألحداث

والحكايات، وما شابه ذلك من أعمال الرسم التي نراها في

رسوم الواسطي لمقامات الحريري، على سبيل المثال ال

الحصر.

الرسوم ث - فــي وتتمثل illustrative؛ التوضيحية الــصــورة

لحاالت الــمــجــردة

المتعددة، الشكل

بشكل الـــمـــعـــبـــرة

رئــيــس عــن الــمــواد

الهندسية، العلمية:

والطبيعية، والطبية،

والــــجــــغــــرافــــيــــة،

والفلكية، وغيرها.

( الصورة التوضيحية)

179

ولكن كل هذه األنواع من الصور يمكن عدها من حيث الطبيعة

المعرفية العامة، إما: صورة ذهـنية إدراكية مجردة، أو صورة واقعية

أداة ة الشكل محسوسة بالبصر، لتكون هذه الصور - بوصفها مادي

أو مدرك شيء لكل وتعريفها ووصفها األشياء لتسمية وسيلة أو

محسوس أو متخيل أو مسموع أو مبصور ماديا أو معنويا -أساسا

لتصنيف (المعرفة االتصالية)، بحسب هذه العلوم واآلداب والفنون

التخصصات أو المجاالت من عدد إلى اإلسالمية، في الثقافة

أو الذهنية، أو البصرية، ن الصورة تكو التي األدق، التواصلية

الحركية، أو غيرها، مادتها العلمية أو تقليدها المعرفي، أو خاصيتها

الثقافية. وأبرز هذه المجاالت أو التخصصات هي: التواصل األدبي،

والتواصل الفني.

ثالثا: الصورة الخطية مثاال لتواصلية الفن اإلسالمي

مفهوم ( الصورة الخطية): - 1

تفرق المعرفة العربية اإلسالمية بين مفهومي (الكتابة) و(الخط)؛

اللغوية مجاالتها بشتى المعرفة، هذه متون من عدد يؤكد إذ

واألدبية والتاريخية والفلسفية وغيرها، أن الكتابة مفهوم شامل لكل

إنشائية تكون قد فالكتابة والفن. واألدب اللغة إطار في يقع ما

compositional، تنشط لغة في المجاالت المعرفية كاألدب والتاريخ

والفلسفة وغيرها، وقد تكون خطية scriptural، تتجسد في شكل أو

اللغوي األصل اإلسالمية العربية المعرفة في الكتابة وتعد صورة.

للخط، ولذلك فهي أوسع منه مفهوما؛ إذ «قد يكون الخط تصويرا

180

والعروضيون اللغويون يعد ولذلك عام، بشكل للكتابة ونقشا»(1) والنقاد الخط «صورة الكتابة،»(2) و»صورة اللفظ، وصورة المعنى.»(3)

ومن هنا قد يصبح مفهوم الخط أكثر تحديدا من مفهوم الكتابة

التمثيل في عناصرها وأدق اللغة، في حضورا وأعمق الواسع،

مستويين بين األدق باتجاه التفريق يدفع قد وهذا لها. التواصلي

الكتابة فعل الخط كون على منهما األول الخط؛ يقوم لمفهوم

المتمثل في «تأليف الحروف، وإلباسها حلل التفصيل، وإحاللها في

أحسن الظروف»(4) وهذا يتعلق بالوظيفة الفنية واللغوية والداللية..

بينما يقوم الثاني على كون «الخط صورة»(5) فحسب، وبخاصة أن

اليسوعي، شيخو لويس نشر: الكتاب، كتاب جعفر. بن اهللا عبد درستويه، ابن (1)

بيروت: المطبعة الكاثوليكية، 1927م، ص16.

األندلس، مكتبة بغداد: كرنكو، تحقيق: المعاني، ديوان هالل. أبو العسكري، (2)

مصورة عن نشرة القاهرة: مكتبة القدسي، 1352هـ، ج2، ص74.

القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج األدباء، مرجع سابق، ص18. (3)

ومن الطريف أن نذكر هنا أن العرب، مثلما كانوا يعدون الخط صورة للكتابة،

كانوا كذلك يطلقون لفظ (النميم) اسما على صوت الكتابة. انظر:

آل ناصر الدين، األمير أمين. الرافد (معجم لغوي)، القاهرة: مكتبة لبنان، ط1، -

1971م، ج1، ص49.

يطلق وربما موشى. ومنمنم: وزخرفـه، رقشـه الشيء: نمنـم كذلك: اللغة وفي

على الخط أكثر من غيره. انظر:

العلمية، - الكتب دار بيروت: الصحاح، مختار بكر. أبي بن محمد الـرازي،

د.ت، ص681.

الزبيدي، محمد مرتضى. حكمة اإلشراق إلى كتاب اآلفاق، تـحقيق: محمد طلحة (4)

بالل، جدة: دار المدني، 1990م، ص33.

الصولي، أدب الكتاب، مرجع سابق، ص41. (5)

181

اللغويين والنقاد وغيرهم يصنفون (الحروف العربية)، حسب تراتبيتها

وحروف معنوية، حروف إلى الوجود، في األشياء على الداللية لفظية، وحروف خطية.(1)

ويفسر التوحيدي الصيرورة المعرفية والتواصلية لصورية الخط

هذا في هو، يعرفها التي ( Movement (الحركة يسميه ما بوساطة

اندفعت إذا يقول «الحروف إذ واحدة؛»(2) بكونها «صورة السياق،

الشكلية الحروف هي التي الخطية كانت الصورة بالحركات،

محفوظة العيان بامتالئها بها، محروسة بانتسابها إليها.»(3) ومن هنا،

فإن ( الصورة الخطية) هي رسم أو شكل أو أثـر دال على كيان مادي

المسلمين العرب الفالسفة بعض يصفه ما أو بالبصر، محسوس

بعض يسميه ما هي وهذه الصورة للكتابة. (الجسدانية)(4) بالصفة مؤرخي فن الخط العربي: «حقيقة الخط»(5) أو «نفس الخط.»(6)

الرازي، أحمد بن محمد. رسالة في حروف العربية، تـحقيق: رشيد عبد الرحمن (1)

العبيدي، القاهرة: مجلة معهد المخطوات العربية، 1974م، مج20، ج1، ص122.

دار القاهرة: السندوبي، حسن تحقيق: المقابسات، حيان. أبو (2) التوحيدي،

المعارف، 1929م، ص225.

المرجع السابق، ص255. (3)

محمد تحقيق: اإلنشا، صناعة في األعشى صبح علي. بن أحمد القلقشندي، (4)

حسين شمس الدين، بيروت: دار الكتب العلمية، 1987م، ج3، ص46.

المرجع السابق، ج3، ص3. (5)

ابن ساعد السنجاري، شمس الدين محمد بن إبراهيم. إرشاد القاصد إلى أسنى (6)

المقاصد، تحقيق: عبد المنعم محمد عمر، القاهرة: دار الفكر العربي، 1990م،

ص 124.

182

النظرية التواصلية لفن الخط العربي:2 -

الخطية للصورة يتحقق قد المفهوم هذا مثل إن القول يمكن

من خالل بعض اإلشارات، أو المقوالت البالغية التي درجت ثقافة

على تبنيهما في فهم الخط والتعاطي المعرفي اإلسالمية التواصل

معه. ومن هذه المقوالت:

«تصوير أ - هنا: معناه نقش» والباقي ما قرئ، الخط «خير

وتلوينه، وتفنينه، وتزيينه، وتحسينه، الخط»(1) وتجويده،

وتشكيله، وغير ذلك من تقنيات يمكن تسميتها بــ «التصميم

الخطي»، الذي يمكن أن يضفي على داللة ( الصورة الخطية)

الوظيفة المباشرة في وضوح القراءة اللغوية دالالت أخرى

لم [وربما روح.. ذات صورة «الخط بأنه فهم من تتـأتى

تكن هذه الثقافة تعني بهذه الروح سوى البيان أو التواصل؛ إذ إن]... الخط صورة روحها البيان.»(2)

إن ب - إذ أحسن؛»(3) كان أبين، كان ما فكل «الخط عالمة،

«أحسن الخط أبينه، وأبين الخط أحسنه»(4) في التواصل.

ويتحقق (حسن الخط) في الشكل والصورة، أو في االتصال ت -

القاهرة: عساكر، محمود خليل تحقيق: المنسوبة، الكتابة في رسالة مجهول. (1)

مجلة معهد المخطوطات العربية، 1955م، مج7، ج1، ص123.

الصولي، أدب الكتاب، مرجع سابق، ص41. (2)

الزبيدي، حكمة اإلشراق إلى كتاب اآلفاق، مرجع سابق، ص34. (3)

الصولي، أدب الكتاب، مرجع سابق، ص41. (4)

183

والتواصل، عندما يخرج الخط «عن نمط الوراقين، وتصنع

يعجب ساكن، وهو متحرك أنه إليك ويخيل المحررين،

رائيه، ولو كان أعجميا ال يعرف قراءته.»(1)

رابعا: (العالمة) اإلسالمية.. تطبيقا

المفهوم والمصطلح: - 1

العـالمة: هي الشعار والخـاتم والطابع الرسمي للدولة اإلسالمية،

وهي إحدى شارات أو تقاليد(2) الخالفة والملك والدولة والسلطة

والهوية في النظام السياسي اإلسالمي.

ولقـد كانت الشهادتان: (ال إله إال اهللا، محمد رسول اهللا)، وال

تزاالن، شعار اإلسالم األكبر، وعالمتـه األولى التي آمنت بها النفوس،

يذكر الصولي بأن يحيى بن البحتري قد قال له بأن أباه كان قد حدثه عن ابن (1)

الترجمان الذي كان الخليفة العباسي الواثق قد أنفذه بهدايا إلى ملك الروم؛ إذ

قال: «وافقت لهم عيدا، فرأيتهم قـد علقوا على باب بيعتهم كتبا بالعربية منشورة،

األحول، خالد أبي بن أحمد بخط المأمون كتب هذه فقيل: عنها، فسألت

استحسنوا صوره وتقـديره؛ فجعلوه هكذا. فحدثت أنـا بهذا الحديث أبا عبيد اهللا

محمد بن داود بن الجراح؛ فقال لي: هذا حق... قد كتب سليمان بن وهب كتابا

إلى ملك الروم في أيام المعتمد، فقال [ملك الروم]: ما رأيت للعرب شيئا أحسن

من هذا الشكل، وما أحسدهم على شيء حسدي إياهم عليه... والطاغية ال يقرأ

الخط العربي، وإنما راقه باعتداله وهندسته وحسن موقعه ومراتبه.» انظر:

الصولي، أدب الكتاب، مرجع سابق، ص45. -

الجويدي، درويش تحقيق: المقدمة، محمد. بن الرحمن عبد خلدون، ابن (2)

بيروت، المكتبة العصرية، 2004م، ص242.

184

بها وصكت الرايات، ورفعتها الضمائر، وحملتها القلوب، ووعتها

النقود، وتميز بها الملك اإلسالمي، لكن العالمة اإلسالمية األولى،

النبوي) (الخاتم في تمثلت قد كانت التواصلي، الفني- بمفهومها

الشريف.

الفنية التفاصيل النبوية(1) والشمائل كتب السيرة وتذكر

هذا الخاتم السياق: أن هذا في ومن أهمها بهذا الخاتم، الخاصة

كان مصنوعا من الفضة، ومنقوشا عليه اسمه وصفته : (محمد

واهللا سطر، ورسول سطر، محمد أسطر: ثالثة على اهللا)، رسول

الشريف النبوي الخاتم ظل وقد أعلى. إلى أسفل من تقرأ سطر،

عليهم تعالى اهللا رضوان األوائل الثالثة الراشدين الخلفاء عند

أجمعين: أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان،

يحملونه تبركا وليس ألغراض الخالفة؛ إذ صار لكل خليفة منهم

خاتم خاص به، فكان خاتم أبي بكر يحمل عبارة: «نعم القادر

عمر»،(3) يا واعظا بالموت «كفى عبارة عمر وخاتم اهللا»،(2)

أما خاتم عثمان فقد نقشت عليه عبارة: «لتصبرن أو لتندمن»،

انظر على سبيل المثال: (1)

الترمذي، محمد بن عمر. الشمائل النبوية والخصائص المصطفوية، تحقيق: -

محمد عبد العزيز الخالدي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1996م، ص90.

الحميد، عبد الدين محيي ترجمة: الخلفـاء، تاريخ الدين. جالل السيوطي، (2)

القاهرة: مطبعة السعادة، ط1، 1952م، ص107.

شريف، حكمت. «خـواتم الخلفـاء»، مجلة المقتطف، القاهرة، مج28، 1903م، (3)

ج2، ص137.

185

ونقش على خاتم علي : «الملك هللا الواحد القهار».(1)

بـ سميت خاصة، إدارية مؤسسة الخالفة لخاتم صار وقد

(ديوان الخاتم)، بدءا من الخليفة األموي معاوية بن أبي سفيان

الذي كان أول من اتخذ مثل هذه المؤسسة في اإلسالم.

العالمة تقاليد رسخ الذي هو الرائد العمل هذا كان وربما

لم إذ اإلسالمية؛ التواصل ثقافة في والتوقيع والطابع والخاتم

والسالطين والملوك الخلفاء عند (العالمة) بهذه االهتمام يتوقف

واألمراء والوالة والقضاة، وغيرهم من رجال الدولة الرسميين، بل

خواتم هنـاك فصارت اإلسالمي، المجتمع إلى االهتمام هذا امتد

نقشت التي والصناعة، والتجارة والتصوف والعلم الدين علماء

العلم أهل (توقيعات) بعض حملت أو خاصة، عبارات عليها

واألدباء الكتاب من المبدعين (تواقيع) بعض أو المدرسين؛ من

(عالمات) بكونها والفن األدب أرباب من وغيرهم والخطاطين،

فنية خاصة.(2)

بغداد: جواد، مصطفى تحقيق: التاريخ، مختصر الدين. ظهير الكازوراني، ابن (1)

وزارة االعالم، 1970م، ص70.

انظر: (2)

عبد الوهاب، حسن حسني. توقيعات الصناع على آثار مصر اإلسالمية، في: -

- BULLETIN DE L’INSITUT D’EGYPTE, Tome xxxvı, session

1953-1954, LE GAIRE 1955, p 534–578.

معروف، ناجي. التوقيعات التدريسية، بغـداد: مطبعة العاني، 1963م، ص 66 . -

حنش، إدهام محمد. الخط العربي وإشكالية النقد الفني، بغداد: دار األمراء -

للنشر، 1990م، ص104.

186

التصميم التواصلي للعالمة اإلسالمية:2 -

كان لهذا االهتمام الرسمي والمجتمعي الواسع بهذه العالمة

دور كبير في تطوراتها الفنيـة على أصعدة المضمون والشكل والمادة،

السياسي االهتمام هذا أدى وربما بل وغيرها، والداللة والتسمية

واالجتماعي بها إلى أن تقوم بنيتها على عنصرين اثنين، هما:

(المنصوص) اللغوي المتمثل في عبارة ومعنى وداللة. أ -

(الـمبصر) المتمثل في شكل وصورة وعالمة وخطاب. ب -

وثمة صعوبة في الفصل بين هذين العنصرين الداخلين

في تصميم العالمة اإلسالمية وتشكيلها الفني؛ إذ إنها -في

مسموع، قرائي لمنصوص مبصر خطي مرسوم العموم-

فالنص أساس الصورة أو جوهرها في الخطاب التواصلي كله.

بينهما الوشيجة العضوية العالقة تكون هنا، ومن

قائمة في وحدة البنية العالمية، وتنوعها الوظيفي والداللي.

أن والـمبصر، المنصوص المكونين: لهذين يمكن ولكن

اإلسالمية العالمات لتقسيم الرئيس التنوع عامل يشكال

إلى:

عالمات تعتمد في بنيتها وفي وظيفتها التواصلية على كل -

الخاتم في الحال هو كما معا، والمبصر المنصوص من

النبوي الشريف.

187

على - وظيفتها التواصلية وفي بنيتها في تعتمد عالمات

المنصوص فيها، أكثر من اعتمادها على المبصر، كما هو

الحال في خواتم الخلفاء الراشدين واألمويين والعباسيين،

وبعض السالطين وغيرهم؛ إذ لم تورد المصادر التاريخية

أوصافا أو أشكاال أو صورا معينة لهذه الخواتم/ العالمات،

وأوردت نصوصها؛ أي العبارات المنقوشة عليها، ألهميتها

في بيان الرؤية الدينية والسياسية ألصحاب هذه العالمات.

على - وظيفتها التواصلية وفي بنيتها في تعتمد عالمات

وأبرز المنصوص. على اعتمادها من أكثر فيها، المبصر

األمثلة وأوضحها وأشهرها في هذا السياق، هو ما يعرف بـ

( الطغراء)،(1) التي هي العالمة أو الخاتم أو التوقيع، أو الطابع

أو اإلمضاء الرسمي للسلطان في بعض الدول اإلسالمية،

وبخاصة السلجوقية والمملوكية، وآخرها العثمانية.(2)

(نيشان) لفظ اللغوي: المعنى صعيد على يرادف عثماني، تركي لفظ (1) الطغراء: االصطالح صعيد على والطغراء العربي. (توقيع) لفظ يقابالن وهما الفارسي، للسلطان ثم األوغـوز، لملك الخطية العالمة أو الرمز أو الختم هي والداللة تعريف يمكن الفنية، الناحية ومن العثماني. للسلطان ثم بعد، من السلجوقي مزخرفا العثماني، السلطان السم الرائع الحرفي «التكوين ذلك بأنها الطغراء واإلصدارات بشكل جميل، في ختم ذلك السلطان الذي يسم به «كل الوثائق

والممتلكات الرسمية للدولة. انظر:حنش، إدهام محمد. « الطغراء في الخط العربي»، حروف عربية، دبي، عدد5- -

6، 2002م، ص 22.

إذ العالمات؛ من أخرى وأسماء أنواعا األخرى اإلسالمية الدول استخدمت (2)كانت هذه العالمات تعرف بـ (الرنوك-جمع: رنك).

188

إشكالية التواصل بين المنصوص والمبصر: - 3

انشغلت المقاربات الدراسية لهذه العالمة في حدود ظاهريتها

التاريخية السياسية للدولة اإلسالمية، بعيدا عن ظاهريتها التواصلية

التعامل هذا يقلب بحيث معها، السيميولوجي التعامل يمكن التي

النظر النقـدي فيها لقراءة كل وجوه هذه العالمة: اللغوية، والثقافية،

والفنية، بين النص والخطاب، فضال عن تأويل واقعها المعرفي بين

لذلك وربما اإلسالمية. التواصل ثقافة في والمبصر المنصوص

نجد تأكيد المصادر التاريخية واللغوية واألدبية على تزويدنا بذلك

الكم الكبير من منصوص العالمة اإلسالمية، في حين تحاول هذه

الوافي، بالشيء العالمة هذه في البصري البحث إسعاف المصادر

الذي يساعد على تحرير هذا المرسوم الخطي من إشكاليته الماهوية:

(نموذج على الطغراء)

189

النصية- البصرية، بين هندسة فن الخط العربي وموسيقاه الشعرية من

جهة، واللغة من جهة أخرى. ويمكن القول إن أي مرسوم خطي من

العالمات اإلسالمية، لم يواجه بسبب إشكاليته النصية- البصرية سؤال

والفنانين والنقاد والمؤرخين الباحثين ألسنة على المتكرر الماهية

والخطاطين وأقالمهم مثلما واجهت الطغراء، مثال، وال تزال تواجه

على مغلق نص محض أهي بماهيتها: المتعلقة التاريخية األسئلة

لغة عبارات من عبارة هي أم حسب، الفهم على وعصي القراءة

أم واألمر، السلطة رموز من رمز هي أم الخالدة، وآثارها الحكمة

هي شيء ما يشاكل ذلك كله من الماهيات التصميمية المقيدة بعدم

حساسية الموقف بسبب التشكيلية، بنيتها في البصري التفنن حرية

لغويا نصا الحساسية هذه فجعلته والتصوير، من الرسم اإلسالمي

ثقافة في مبصرا خطيا صوريا نصا منه أكثر مقروءا مكتوبا إنشائيا

تدركه خطي مرسوم هي العالمة هذه أن أم اإلسالمية؟ التواصل

شاكل وما واإلشارات، والدالالت للمعاني حاملة صورة األبصار

ذلك من سيمياء النص وتأويالته المفتوحة على كل معنى، وعلى كل

مجال، حتى وإن لم تدرك العين قراءة النص اللغوي لمرسوم الطغراء

وصورته الخطية؟

النخبة هذه اهتمام هو واألساس الكبير السؤال هذا ومثار

الفكرية بالتشكيل اإلبداعي شبه المستقر على صورة هندسية واحدة

هذه الصورة بمحتوى االهتمام من أكثر اإلسالمية)، لهذه (العالمة

المتكونة من أسماء السالطين العثمانيين، الذين يصعب تمييز بعضهم

190

تباين حقيقة معرفة أن وبخاصة األسماء، هذه بقراءة بعض عن

الطغراوات العثمانية نصيا، تبعا لتغير أسماء هؤالء السالطين فيها،

متصلة تماما بمعرفة ما استقرت عليه شهرة الطغراء العثمانية من أنها

مصطلح خاص من حيث الداللة على توقيع السلطان وإمضائه، وهو

ما يؤكد رمزيا الملكية والسيادة الشرعية في الدولة العثمانية؛ إذ كان

لكل سلطان عثماني طغراؤه الخاصة، بل قد صار أحيانا «لعدد من

السالطين أكثر من عالمة واحدة.»(1)

لقد كان سؤال الماهية في هذه العالمة اإلسالمية عند العديد من

الباحثين والمؤرخين والنقاد والفنانين والخطاطين وغيرهم إشكاليا

الفكرية النخبة هذه أن وبخاصة والنقدي، التشكيلي البحث في

في المباشرة الوظيفية ماهيتها إلى الطغـراء نظرتها في تجاوزت

السياسة والقانون والتأريخ والتوثيق، إلى الماهية التشكيلية لمرسومها

الخطي، الذي قد ال ينفع معه تعريف علمي حدي للمصطلح على

في إشكاليا هذا ( الطغراء) سؤال ليظل التاريخي، المعرفي النحو

فنيا تشكيال أو محضا، خطيا مرسوما بوصفها إليها النقدية الرؤية

قائما على هندسة الصورة (القرائية - الكتابية)، وخطابها التواصلي

السيميولوجي المتأول من العالقة بين المنصوص والمبصر في البنية

ماهية الطغراء على الفكرية النخبة هذه تتفق لم إذ لها؛ التواصلية

والنقاد والمؤرخين الباحثين هؤالء من فعدد بالضبط، التواصلية

أوقتاي، أصالن آبا. فنون الترك وعمائرهم، ترجمة: صالح سعداوي، إستانبول: (1)

مركز األبحاث للتاريخ والفنون والثقافة اإلسالمية، 1986م، ص313.

191

والفنانين والخطاطين وغيرهم، يعدون الطغراء نوعا من أنواع الخط

د به العثمانيون،(1) من خالل تكييف بعض أنواع الخط العربي ، تفر

نفسه والتصرف بقواعده المعروفة، عند صنع ما يعرف عند نقاد فن

الخط والتصميم بـ (التراكيب الخطية)، في حين عد آخرون الطغراء

أسلوبا زخرفيا بحتا من أساليب الخط العربي ،(2) بما قد يجعله فنا

من فنونه األدائية أكثر من كونه نوعا من أنواعه الفنية؛ إذ يقوم فن

الطغراء هذا على استثمار أشكال الحروف العربية في الفن التشكيلي؛

الحروفي بخاصة. ولكن آخرين عدوا الطغراء صورة محضا، وعدوا كتابتها رسما خالصا، بل عدوا كل رسم كتابي أو حروفي: طغـراء.(3)

ويبدو أن بعض النقاد حاول أن يستخرج من رحم هذا التباين

منها- فنيا مبصر هو ما أو صورة الطغراء إلى النقدي النظر -في

مكانه يأخذ مستقل، عثماني فن بأن الطغراء يفيد محايدا، رأيـا

أن يمكن ما هو هؤالء: عند إن الطغراء إذ والرسم؛(4) الكتابة بين

من تشكيله يستمد الذي الكتابي)، ( الرسم بـ يوصف أن أو يسمى

جمعة، إبراهيم. قصة الكتابة العربية، مصر: دار المعارف، 1947م، ص74. (1)

صديق، محمد يوسف. « الطغراء واستخدامها في الكتابات العربية في البنغال»، (2)

1989م، 1409هـ/أيار-حزيران شوال ع148، س13، الرياض، الفيصل، مجلة

ص95.

الكتاب مجلة اإلسالمي»، في الفن الكتابية «الزخارف محمد. زكي حسن، (3)

القاهرة، س1، مج1، ج3، يناير 1946م، ص285.

(4) AKSEL , Malik. TURKLERDE DINI RESIMLER, Istanbul 1967. p.

129.

192

صور بعض الطيور األسطورية/ الرمزية في ثقـافات بعض الشعوب

السعد)، (طائر والترك الرخ)، أو العنقاء (طائر كالعرب اإلسالمية

آخرون يراه كما الفن، هذا أن وبخاصة السميرغ)، (طائر والفرس

السلطاني التوقيع تمثيل حدود عند يقف لم دارسي الطغراء، من

بوحدة خطية monogram مغـلقة الترميز على السلطة حسب،(1) بل

ينطلق منها كذلك إلى عوالم الشكل التجريدي الممثلة بقوة لطبيعة

صورته في الفراغ(2) كراهية على القائمة اإلسالمي، وفلسفته الفن

التشكيلية الملتزمة بجماليات الخط العربي التواصلية في التصميم.

التصميم التواصلي للطغراء: - 4

لو تتبعنا تاريخ الشكل والصورة أو ما يمكن أن نسميه (التاريخ

ال فإننا التواصلي، تطوره مراحل على للوقوف للطغراء، العالمي)

نجد إال بعض اإلشارات التاريخية واألشكال اآلثارية التي قد تبين لنا

بعض مراحل تصميمه التواصلي، فهناك مثال، إشارة بوصف الطغراء

د أن هذه العالمة قوسية السلجوقية على شكل (قوس)،(3) وهو ما يؤك

الشكل كانت شعارا قبليا تركيا قديما. وهناك شكل آثاري بدائي يبدو

الخطيبي، عبد الكبير. االسم العربي الجريح، بيروت: دار العودة، ط1، 1980م، (1)

ص149.

المعايرجي، حسن. « الطغراء قمة الجمال في الخط العربي»، مجلة الدوحة، قطر، (2)

ع123، آذار 1986م، ص116.

إقبال، عباس. الوزارة في عهد السالجقة، ترجمة: أحمد كمال الدين، الكويت: (3)

جامعة الكويت، 1984م، ص52.

193

أنه ناتج عن حركة كتابية مقصودة في قصديتها التواصلية على توقيع

هـ/1063م)، 455 (ت سلجوق بن بك طغرل السلجوقي السلطان

خذ من شكل حرف الياء العـربي وكان هذا الشكل التوقيعي بسيطا، يت

التاريخية اإلشارات هذه أوضح ولكن الخطية.(1) صورته الراجع

واألشكال اآلثارية المتعلقة بالطغراء تأتي من (أدب الكتاب) الذي

هو أدب خاص بأخبار ديوان اإلنشاء والمراسيم والتواقيع وتقاليدها

في الدول اإلسالمية؛ إذ يأتي وصف وشكل الطغراء المملوكية ذات

حروف منتصبات على القائم الشكل المستطيل المربع/ المبصر

النص التوقيعي،(2) كل ذلك قبل أن تستقر العالمة اإلسالمية نهائيا

على الطغراء العثمانية المعروفة في حياة شكلها وتاريخه.

الفـن نقاد بعض منطلق هي الخطية كانت الصورة لقد

أنها: على إلى الطغراء النظر في اإلسالمي ودارسيه المعاصرين

«شكل إهليليجي»(3) محض. ولعل هذه الصورة أو هذا الشكل هو

اإلسالمي، الفن في اإلبداعي ومجاله التواصلي محور التصميم

كان التي التشكيلية اللعبة محور كذلك فهو أم خطا، كان رسما

يمارسها أولئك الفنانون الذين يمكن أن نسميهم (فنانو الطغراء)؛ من

الراوندي، محمد بن علي بن سليمان. راحة الصدور وآية السرور في تأريخ الدولة (1)

السلجوقية، تحقيق: إبراهيم الشواربي وآخرون، القاهرة: دار القلم، ط1، 1960م،

ص160.

القلقشندي، صبح األعشـى في صناعة اإلنشـا، مرجع سابق، ج13، ص167. (2)

شلق، علي. العقـل في التراث الجمالي عند العرب، بيروت: دار المدى، ط1، (3)

1985م، ص398.

194

الرسامين والخطاطين، أو قل: الرسامين- الخطاطين مثل (مصطفى

في العثمانية مهندس الطغراء يعد الذي ت 1234هـ/1826م) راقم،

شكلها األخير.

(هندسة الطغراء)

وعند دخول الطغراء بوصفها مرسوما خطيا إلى عوالم الشكل

هؤالء أمام انفتحت والتأويلية، التشكيلية وتحوالته التجريدية

في الواسعة الفنية الرؤية مجاالت والمحدثين، القدامى الفنانين؛

آفاق رحبة من التصميم التواصلي، وفي حدود ال نهائية من اإلبداع

وضوح بكل تستند الكلية الفنية بنيته أصبحت الذي التشكيلي،

إلى شكل الطغراء، من حيث هو نص بصري ذو داللة رمزية عالية

المعنى، لتكون هذه اآلفاق الواسعة وهذه الحدود المفتوحة أساسا

معرفيا عند بعض دارسي هذا الفن اإلسالمي بالذات، لتسمية هذه

195

المتنوعة الطغرائية) (األشكال بفن ( الحروفية) التشكيلية الحركة بتنوع النصوص والوظائف والغايات التواصلية.(1)

حداثة ( الصورة الخطية): - 5

الفني النقد أغرت التي هي للطغراء الشكلية الطبيعة إن

للهندسة باذخة صورة أنه على التشكيلي مبصرها بقراءة المعاصر

والجمال واإلبداع، تجعل خطاب المنصوص فيها ال يصدر مباشرة

واللقبية االسمية الكلمات في المتعينة اللغوي النص لغة عن

والقراءة، التلقي في المدهش مبصرها عن يصدر بل وغيرها؛

فيتحول خطاب الطغراء الكلي (المنصوص - المبصر) إلى خطاب

دالئلي/ سيميولوجي (فوق نصي) متجدد القابلية للقراءة اإلبداعية:

الوظيفة وجوه من وجه غير على المفتوحة والتأويلية التشكيلية

بالحداثة مفعمة للطغرائية الخطية ألن الصورة والداللة، والمعنى

المتواصلة عبر ما يسميه الناقد شاكر حسن آل سعيد: « البعد الواحد

للوصول انطالق نقطة الكتابي الحرف اتخاذ به ويقصد (كفكرة)، إلى معنى الخط (كقيمة شكلية) صرف.»(2)

ولقد كان هذا التشكيل الطغرائي محل االستثمار أو االستخدام

(1) Papadopoulo, A. L’ Islam Et L’ Art Musulman, Paris 1976 , p 179.

آل سعيد، شاكر حسن. البعد الواحد أو الفن يستلهم الحرف، بغداد: دار الحرية، (2)

د.ت، ص4.

ولقـــد قامـــت على هذه الفكـــرة الحركة ( الحروفيـــة) في الفن التشـــكيلي العربي

الحديـــث والمعاصر؛ إذ أوضح (بيـــان الحروفيين العرب) الصـــادر عن المؤتمر

األول للتشـــكيليين العـــرب المنعقـــد ببغـــداد فـــي نيســـان 1973: «لقـــد بلـــغ =

196

واألدبية الفنية األعمال من كثير في بالرموز المتعلق العالمي

والدينية اإلسالمية- الصوفية منها بخاصة؛ إذ «نالحظ أن الكثير من

المحاوالت الخطية المعاصرة تطلع من لعبة تماثل -إلى حد بعيد-

لعبة هذه الطغرة، سواء لجهة امتداد الحروف وتداخلها، أو لجهة

تظليل بعض مناطق الخط»(1) فيها، فنجد الطغراء في الفن التشكيلي

التواصل ثقافة حققته بما تذكر جميلة، ( حروفية) لوحة المعاصر:

الشعوب مع التفاعل في مهمة حضارية إنجازات من اإلسالمية

والثقافات األخرى؛ قديما وحديثا، عبر خطاب الفن والذوق والقراءة

الال لغوية لصور الخط العربي(2).

األمـــر بالخطـــاط العربي حدا جعله يوفق ما بين قواعد من الخط نفســـه ومن فن =

الزخرفة. إننا نســـتطيع اســـتخدام الحرف كزخرف مفرغ مـــن المضمون، ينعكس

علـــى الفنون األخرى، وعلى طريقة الكتابة في مجاالت كثيرة. إنه؛ بهذا المعنى،

بحـــث علمـــي- فني. وقد كانت األســـباب التـــي دفعت إلى هذا االتجـــاه كثيرة؛

أهمهـــا: المنطـــق الشـــكلي والرغبة فـــي إيجاد فـــن عربي. إن اســـتخدام الحرف

يشـــابه اســـتخدام بعض العناصر الزخرفية العربية، ولكليهما اتجـاه واحد.» انظر:

آل سعيد، شاكر حسن. فصول من تاريخ الحركة التشكيلية العراقية، بغداد: دار -

آفاق عربية، 1988 ، ج1، ص46.

لعيبي، شاكر. الخط العربي، الشارقة: دائرة الثقـافة واإلعالم، 2007م، ص169. (1)

اتجه بعض الفنانين الحروفيين المعاصرين؛ العرب واألجانب، إلى تبني الطغراء (2)

مادة تشكيلية ألعمالهم الفنية، ومن هؤالء العرب على سبيل المثال ال الحصر:

فالديمير الروسي المثال: سبيل على فمنهم األجانب، أما نحلة. وجيه اللبناني

الفنية، أعماله في إليها يستند ما لكثرة بفنان الطغراء نفسه يلقب الذي بوبوف

مستفبدا من تشكيليتها البصرية، دون أن يعرف قراءتها النصية.

199

مقدمة

الحضارة لنشوء بارزا ومظهرا أولى، نواة العمارة تعد

اإلسالمية وتطوراتها السياسية واالجتماعية والثقافية وغيرها، فضال

شهدتها التي الفكرية، التحوالت على تاريخيا شاهدا كونها عن

اإلسالمية العمارة تاريخ تأثر فقد اإلسالمية، والمجتمعات الدول

للدول واالجتماعية السياسية التقلبات من بالكثير ما- حد -إلى

اإلسالمية المتعاقبة والمتداخلة.

ظلت اإلسالمية العمارة فلسفة إن القول يمكن ذلك، ومع

اإلسالمية للحضارة التاريخي السياق في والدور، المكان طبيعية

اإلبداعي، الحضارة هذه لمنحنى جوهريا محورا بوصفها

التاريخ خدمة في –أحيانا- تصب قد التي الفكرية، ولتحوالتها

اإلنسانية الذاكرة في والخلود والتفاخر بالملك المتعلق السياسي

المتعلق المعرفي للتاريخ المرتقب بنائها من أكثر اإلمكان- -قدر

بالنهضة المعمارية الكبيرة التي تمثلت، ليس في قيام عمائر إسالمية

متميزة في شتى بقاع العالم فحسب، بل وكذلك في قيام المجمعات

المعمارية المنشآت لمختلف والشاملة والواسعة الكبيرة العمرانية

200

والزاوية والمدرسة وملحقاتها الخدمية، فضال كالمسجد والمكتبة

عن تطور الصناعات الفنية؛ الخشبية والمعدنية والزجاجية وغيرها،

الدوافع على الباب يفتح ما وهذا اإلسالمية. بالعمارة المتعلقة

نظيرها قل التي الواسعة، المعمارية النهضة هذه وراء المختلفة

في الفنون والحضارات اإلنسانية األخرى. وإذ يظل العامل الديني

هو أول مثل لتلك الدوافع وأقواها، فإن الدوافع األخرى قد تتمثل

جهة، من الدول بين السياسي التنافس في المثال- سبيل -على

وآفاقه والتصوف أخرى، جهة من الواحدة الدولة في والحكام

تنظيماتها في المختلفة واألوقاف السلوكية، ومتطلباته المعرفية

وفي أهدافها الخيرية.

(العمارة اإلسالمية)

201

لقد كان ( المسجد) أول المنشآت المعمارية اإلسالمية، وأهمها

من مبكر وقت منذ الحادثة، الفكرية التحوالت في ودورا، أثرا

الجغرافي، وتوسعها الحضاري وتطورها اإلسالمية الدولة نشأة

العمران قام إذ والشعوب؛ المجتمعات بين الثقافية وامتداداتها

( المسجد) مركزية على وتخطيطها المدن نشوء في اإلسالمي

رمزيته عن فضال للمدينة، اإلداري والدور والمكانة الموقع في

اإلسالمية الواضحة، التي كان ذوو السلطان والملك والمال والجاه

وغيرهم يحرصون على العناية ببناء المساجد وعمارتها الباذخة في

القوام وفي الجمال.

وال شك في أن المسجد هو أفضل ما يمثل العمارة اإلسالمية

وتحوالتها الفكرية في مجاالت الحياة والحضارة والفن، ولذلك فهو

دليل أصالتها الفلسفية والتصميمية واإلنشائية التي مهما حاول بعض

العمارة في اإلسالمية األصالة هذه بجوهر المساس المستشرقين

والعمران، تظل تحوالتها الفكرية التي رافقت قيام المساجد الجامعة

من بساطتها الشكلية األولى حتى فخامتها النادرة في العمارة، والكبيرة

في المساحة، والباذخة في الجمال الفني الباهر، شاهدا تاريخيا حيا

على تلك األصالة وإبداعيتها المتواصلة في التحول الفكري والفني

والوظيفي للمنشأة المعمارية اإلسالمية بين المسجد والقصر، ودار

الحكم والمدرسة والرباط والزاوية، والتكية والخان والسبيل والثكنة

التي ووظائفها، وأشكالها المنشآت أنواع من ذلك وغير والقلعة،

تعكس جذرية تلك التحوالت وعمقها في البنية المعرفية واالجتماعية

202

للفكر اإلسالمي نحو التخصص في التصنيفات المعرفية والتنظيمات

الحضارية بين الدين والتصوف والعلم والصحة والسياسة واالقتصاد

بين ما أنتجت التي الفكرية التحوالت من ذلك وغير واالجتماع،

عشر الثامن عشر- الهجري/السادس عشر -الثاني العاشر القرن

الميالدي، ظاهرة (الكليات Kulliyyat) المعمارية في النسيج العمراني

للمدينة اإلسالمية.

والــــ (كليـــه Kulliyye) مصطلـــح عثمانـــي يطلق علـــى المجمع

multifunctional المعماري المتعدد األغراض والوظائف والخدمات

complex، ويتألـــف عـــادة من مبـــان متباينة ومنفصلة مثل: مدرســـة،

ومكتبـــة، وتكية، ونزل، ومطبخ، وحمام، وغير ذلك من المنشـــآت

المعمارية. ولكنها جميعا تقع داخل ســـور كبير، وتحيط بالمســـجد

الذي هو العمارة المركزية أو الرئيســـة في الـ (كليه).(1)

(1) HE ENCYCLOPEDIA OF ISLAM , LEIDEN: BRILL , 1986 , Vol.

5 , p 366.

أنشأ العثمانيون العديد من هذه المجمعات المعمارية الضخمة، وكان أول هذه

(الكليات) ومن أكبرها على سبيل المثال ال الحصر: (كلية) السلطان محمد األول

(824-805 هـ/1421-1402 م ) افتتحت عام 874 هـ/1470 م، وكان يطلق على

هذا المجمع اسم (يشيل كلية) أي المجمع األخضر، نسبة إلى الجامع األخضر

الذي شيده (معمار حاجي إيواز) في بورصه بين عامي 824-822 هـ/-1419

1424 م. انظر:

إحسان أوغلي، أكمل الدين (إشراف وتقديم). الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، -

إستانبول: مركز األبحاث للتاريخ والفنون والثقافة اإلسالمية، ط1، 1999م،

ج2، ص696.

203

وتعد هذه الظاهرة المعمارية اإلسالمية الجديدة تعبيرا بليغا عن

تطور كبير في التحوالت الفكرية للعمارة اإلسالمية، بل وللعمارة

الكلياني المعماري النمط هذا فهم يمكن ال إذ بعامة؛ اإلنسانية

اإليمان بين المحكم اإلسالمي الترابط مدلوالت أساس على إال

والمعرفة والقوة، وعالقاتها الفكرية المتشابكة في الفكر المعماري

نحو المرحلة هذه في اإلسالمية العمارة وجه الذي اإلسالمي،

السعة والفخامة والجمال والقوة، وكل ما يعبر عن عظمة اإلسالم

ويدل على منعته.(1)

وفي ســـياق هذه التحوالت، نشـــأت الظاهرة المعرفية للعمارة

اإلسالمية بوصفها علما أو فنا أو صناعة من العلوم والفنون والصنائع

الثقافيـــة اإلســـالمية، وتطورت نواحيهـــا االجتماعيـــة واالقتصادية

بوصفهـــا صنفا من أصناف العمل التخصصيـــة الجامعة بين الصنعة

والمهنة والفن، في إطار ما يمكن أن نســـميه: (الوظائف المعمارية)

كالمهنـــدس، والمعمار، والبنـــاء، والخيام، والنقـــاش، وغيرها من

الوظائـــف المتعلقة بالبناء والتعمير والتشـــييد، التـــي كانت تعد في

جملـــة (األصناف) ونقاباتها المهنية بوجـــود العديد من المعماريين

(قوة مسجد وفلسفتها اإلسالمية تاريخ العمارة في الباحثين من العديد يقدم (1)

اإلسالم) ومنارته المشهورة (منار قطب)، الذي بني بين 586 -592 هـ/ 1191-

1196 م؛ في دلهي بالهند مثاال حيا على ذلك. ينظر على سبيل المثال ال الحصر:

الرباط، ناصر. ثقافة البناء وبناء الثقافة، بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، -

ط1، 2002م، ص25.

204

والبنائيـــن وغيرهم من ذوي الوظائف األخرى المتعلقة باإلشـــراف

واالدارة والرقابـــة والخدمـــة في هـــذا المجال، كما هـــو الحال في

الوظيفة التي كان صاحبها يســـمى: (شاد العمائر).(1) ولكن الوظيفة

األشـــهر في هذا المجال وفي غيره مـــن مجاالت العمران المختلفة

هي (المحتسب)، الذي يمكن أن نسميه بالمفهوم المعاصر: الرقيب

الفني على سوق العمل واإلنتاج المتعلق بالتخطيط العمراني، وبناء

المســـاكن والمنافع اإلنســـانية في المجتمع اإلســـالمي.

ومن الجدير باإلشارة في هذا السياق أن أغلب أدب العمارة

المتخصصة والكتب المؤلفات من الفكرية، وتحوالتها اإلسالمية

علم نسميه: أن يمكن ما أو –االجتماعية، المعمارية الهندسة في

ذوي من هؤالء أمثال وضعه قد كان العمارة اإلسالمية، اجتماع

الوظائف المعمارية والعمرانية، الذين أولى بعضهم هذا الموضوع

عناية كبيرة في التأليف والتصنيف، مع أن جوانب كثيرة من المعرفة

المعمارية اإلسالمية قد ظلت -مثل كثير من معارف اإلبداع وتقنياته

اإلسالمية- حبيسة ما كان يعرف بـ (سر المهنة)، الذي أخفى كثيرا

فضال واالقتصادية، والتعليمية والعلمية الفلسفية معلوماتها من

( فقـه إن القول يمكن إذ التطبيقية؛ وفنونها النظرية هندستها عن

قصور من السلطانية العمائر على المشرف أو بـالمالحظ يكون ما أشبه هو (1)

هذه أن ويبدو أشخاص عشرة أمير عادة ويكون ذلك. وغير وأسوار ومنازل

اسم جانب إلى أحيانا يذكر قد صاحبها أن بحيث األهمية من كانت الوظيفة

السلطان في (األفاريز) التي هي الكتابات التذكارية على هذه العمائر. انظر:

القلقشندي، صبح األعشى في صناعة اإلنشا، مرجع سابق، ج4، ص22. -

205

االجتماعية المشكالت حل على منه كبير جانب في قام النوازل)

الناجمة عن البناء، أو المتعلقة به.

المسائل في الكتب من كثيرا والبناء العمارة فقهاء وضع وقد

المعمارية والعمرانية، نذكر منها على سبيل المثال ال الحصر: (القضاء

في البنيان) للفقيه عبد اهللا بن عبد الحكم (ت 191 هـ/816م)، وكتاب

وكتاب هـ/827م)، 212 (ت األندلسي دينار بن لعيسى (الجدار)

(البنيان واألشجار والمياه واألنهار) لعبد الملك بن حبيب األندلسي

(ت 238 هـ/853م). ويأتي كتاب (الجدار) لعيسى التطيلي (ت 386

هـ/ 996م) من أوسع الكتب التي ألفت في هذا المجال، فقد «اشتمل

على واحد وخمسين مبحثا، كلها في البنيان ومتعلقاته»(1) التي تشمل

كل إنشاء وتعمير؛ فضال عن كثير من مصطلحات العمارة اإلسالمية

األحكام) بنوازل (اإلعالم وكذلك بخاصة. والمغرب األندلس في

ألبي األصبغ عيسى بن سهل األسدي األندلسي (ت 486 هـ/1093م)،

مسائل على تدور كانت التي والمؤلفات الكتب من ذلك وغير

والجوار كاالشتراك المدني، والتنظيم والتخطيط والتعمير البناء

واإلجارة والصيانة، والترميم والكراء العقار واستعمال واالرتفاق،

والتشجير، والطرق والمرور واألفران، والطواحين واآلبار والعيون

وغير ذلك من المسائل التي نجدها في عدد من الكتب التي ألفها أو

المرجي كتاب مثل والمحتسبون؛ والبناءون الفقهاء هؤالء شرحها

قاري، لطف اهللا. «جولة مع الكتب التراثية المطبوعة في فقه العمران»، الحياة، (1)

عدد8، رمضان 1425هـ/نوفمبر 2004م، ص192.

206

الثقفي (القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميالدي) الذي توالى

الدامغاني علي بن محمد اإلمام من كل فيه والزيادة شرحه على

الكبير البغدادي (ت 478 هـ /1085م)، والشيخ عمر بن عبد العزيز

بن مازة البخاري (ت 536 هـ/1141م)، وابن الرامي البناء المحتسب

قاسم والحافظ هـ/1350م)، 750 ت اللخمي، إبراهيم بن (محمد

أبي الشيخ إلى وصوال وغيرهم هـ/1474م)، 879 (ت السودوبي

رسالة ألف الذي 1483م) 888هـ/ (ت الشافعي المقدسي حامد

في القاهرة، شوارع حكم بيان في الباهرة، النفيسة بعنوان (الفوائد

مذاهب األئمة الزاهرة).

وعريضة، مميزة معمارية معرفة كونت قد التحوالت هذه إن

يمكن تصنيفها إلى المجاالت اآلتية:

ثالثية: من معرفيا تتألف التي العمارة اإلسالمية، فلسفة أوال:

الرؤية، والمفهوم، والمقصد، فالرؤية اإلسالمية إلى العمارة بوصفها

األمانة هي األرض، على خالفته في لإلنسان الرباني التكليف

التي أودعها اهللا تعالى في اإلنسان بوصفه هو الذي (يعمر) المكان

p o n m l k j i زب والبناء: والعمل بااليمان

~ } | { zy x w v u t s r qاإلسالمية المعمارية الرؤية بذلك فتنشأ ،[18 [التوبة: رب ¡ ے القائمة، بشكل كلي وأساس، على مفهوم المكان الحق المناسب كليا

للمكين اإلنساني، بغض النظر عن طبيعة عمارته وشكلها ومادتها.

207

بالمكين»(1) المكان «شرف مقولة إن القول يمكن هنا ومن

تختصر جانبا كبيرا من الفلسفة المعمارية اإلسالمية وجوهرها الروحي

إذ باإلنسان؛ والوظيفي الديني وتعلقها القيمة على القائم والمادي

إن المفهوم اإلسالمي للعمارة اليقف عند حدود التعريف بالمكان

المكان روح إلى كله ذلك يتجاوز بل فحسب، والبناء والشكل

هذا في معيشته وغايـة اإلنساني الوجود لطبيعة المناسبة وحيويته

المكان أو ذاك، ولذلك اشترط العلماء المسلمون التناسب الحياتي

ببعديه النفسي والوظيفي بيـن اإلنسان والمكان، وعلى هذا األساس،

ه بعضهم البيت بالقميص؛ أي اللباس الذي يرتديه اإلنسان.(2) شب

األول، ولكنها تبدو أثرا شائعا في لم نقف على صاحب هذه المقولة وزمانها (1)

الثقافة الصوفية العثمانية؛ إذ درج الخطاطون العثمانيون على كتابتها في لوحات

للتعليق والتبرك، بشكل واسع ومتواتر.

دار تونس: األخبار، عيون مسلم. بن اهللا عبد محمد أبو الدينوري، قتيبة ابن (2)

الكتاب العربي، ج1، ص56.

(شرف المكان بالمكين)

208

المكان شرف لمقولة القيم المعنى إن كذلك القول ويمكن

بالمكين يتجذر -إلى حد ما- في أعماق ثقافة القيم النبيلة للمجتمع

العربي قبل اإلسالم؛ وفكره المعماري المستند إلى الفطرة البدوية في (هندسة الخيمة)(1) ومقاصدها البنائية والعمرانية.(2)

ابن رسول، الملك المظفر يوسف بن عمر. المخترع في فنون من الصنع، تحقيق: (1)

محمد عيسى صالحية، الكويت: مؤسسة الشراع، ط1، 1998م، ص28.

هناك أربعة قطاعات عمرانية رئيسة هي: المركز، وقطاع السكن، وقطاع السوق، (2)

وقطاع المعبد.

التوزيعات تحت تنضوي االسالم قبل ما لعرب القطاعات هذه وكانت

أكثر وهناك والعروض. والعمارات، األحياء، بأسماء: المعروفة العمرانية

الحنتمة، منها: االسالم؛ قبل ما منذ العربي للبيت أشكال أو أنواع ثمانية من

والطراف، والمظلة، والقبة، والقنة، والخباء، وغير ذلك. ويتألف هذا البيت من

عناصر أساسية منها: الشقة، والكفاء، والرواق، والعمود، واألوتاد، واألطناب،

وغير ذلك. انظر باب في الديار، وباب في البنيان، وباب في الخيم، في:

الربعي، عيسى بن إبراهيم بن محمد. كتاب نظام الغريب في اللغة، بيروت: -

مؤسسة الكتب الثقافية، د.ت، ص87-81.

ولو عدنا إلى واقع الحال التاريخي للعرب قبل اإلسالم لواجهنا كثيرا من

األسئلة االفتراضية عن التفكير المعماري البدوي وتطبيقاته البنائية في ما يمكن

أن نطلق عليه فلسفة العمارة البدوية، المتعلقة بأشكال تلك البيوت وتوزيعاتها

الحضرية، من حيث الدالالت القيمية واالجتماعية والوظيفية.. المقابلة لفلسفة

.Aldo Rossi روسي ألدو االيطالي المعمار أطلقها التي المدينة) (عمارة

ما في العربية البداوة لعمارة األولية المالمح نكتشف أن ويمكن

والفساد، الصالح بين المتقلبة األرض بأحوال (العوارف) يعتمده كان

التي وشروطه، العمران مبادىء من المزاج، في المتحولة القاطنين وطبيعة

الهواء، وسماحة الغذاء، وتوفر المنازل، وتقدير المواضع، تخير منها:

األحالم،= وتهذيب الوباء، واعتزال السلوك، واتساع المرور، وفسحة

209

ويمكن القول أخيرا؛ وليس آخرا؛ إن أدب (السياسة الشرعية)

المعرفية المصادر من مهما أساسيا مصدرا كبير- حد -إلى يمثل

والمقاصدية لفلسفة العمارة اإلسالمية ومفهومها االجتماعي القائم

على العالقة العضوية الحميمة بين العمارة والعدل.(1)

ثانيا: النظرية المعمارية اإلسالمية في التصميم والبناء والوظيفة

والداللة التاريخية. ويمكن القول -إلى حد ما- إن (التدوير والتربيع)

هما جوهر الفكر المعماري اإلسالمي المنطلق -في األساس- من

مبدأ (التدوير) المفتوح الشكل والمعنى على الكون الدائري المطلق

في الكمال الهندسي الفطري، ومن مبدأ (التربيع) الدال على االرتفاع

في المتمثلة القيمة، في والسمو الشكل في والثبات المكان في

العمراني التخطيط مبادىء من ذلك وغير األلوان، وصفاء القرائح، ونقاء =

انظر: المواطن» وإرتياد األماكن «تخير في العربية وشروطه البدوي

الجوهر، - ومعادن الذهب مروج الحسين. بن علي الحسن أبو المسعودي،

للكتاب، العالمية الشركة بيروت: الحميد، عبد الدين محيي محمد تحقيق:

ط1، 1989م، ج2، ص99-96. ويذهب بعض دارسي الفنون اإلسالمية إلى

أن التصميم الداخلي ألغلب المساجد العثمانية ذات القباب يعيد إلى األذهان

انظر: الوسطى. آسيا في والمغول األتراك البدو لخيمة المغلقة الفضاءات

بيركهارت، تأثير اللغة العربية على الفنون البصرية في اإلسالم، مرجع سابق، -

ص110.

ينظر على سبيل المثال ال الحصر: (1)

ابن الربيع، شهاب الدين أحمد بن محمد. سلوك المالك في تدبير الممالك، -

تحقيق: حامد ربيع عبد اهللا، القاهرة : مؤسسة دار الشعب ، ط1، 1980.

ابن األزرق، أبو عبد اهللا شمس الدين محمد بن علي. بدائع السلك في طبائع -

الملك، تحقيق: علي سامي النشار، بغداد، وزارة االعالم، 1977.

210

m l k j i h g f زب كانت التي المشرفة)، ( الكعبة

o n رب [آل عمران:96].

في والتصميم المفهوم جوهر والتدوير التربيع كان وربما

-على المشرفة الصخرة كقبة األولى ومنشآتها العمارة اإلسالمية

سبيل المثال ال الحصر- ذات الشكل الثماني، المستوحى تصميمه

مكانا، الصخرة شرف في الكريم القرآن من الخالص اإلسالمي

ومعراج الرسول األكرم محمد صلى اهللا عليه وسلم إلى عرش ربه

رب _ ^ ] \ [ Z YX W V زب يحمله الذي العظيم

من النابع الثماني الشكل وراء ما في يتجلى رمزيا مكينا [الحاقة:17]

العالقات الهندسية بين المربع والدائرة.

على معرفيا تقوم التي اإلسالمية، المعمارية الهندسة ثالثا:

نظريات التصميم ورسوماته التخطيطية المتعلقة بالبناء؛ إذ يعد (علم

عقود األبنية) فرعا من علم الهندسة، «يتعرف به أوضاع األبنية وكيفية

إحكامها، وبناء الحصون المحكمة، وتنفيذ المنازل المهمة، والقناطر

المشيدة، وأمثالها، وأحوال كيفية شق األنهار، وتقنية القنوات، وإنباط

المياه ونقلها من األغوار إلى األنجاد.»(1)

يتم تصميمية مخططات من أساس على تنشأ األبنية وكانت

في كما تماما المبنى، لشكل تخيلية مصورات في هندسيا رسمها

المخططات الهندسية الحديثة (Sketch)؛ إذ يذكر الجاحظ مثال بأن

طاشكبري زادة، أحمد بن مصطفى. مفتاح السعادة ومصباح السيادة، تحقيق: كامل (1)

بكري، وعبد الوهاب أبو النور، القاهرة: دار الكتب الحديثة، 1968م، ج1، ص375.

211

الرقوق كانت «تتخذ لصور العقارات ونموذجات النقوش.»(1) ويذكر

المقريزي (ت 845 هـ/م 1442م) بأن مهندس جامع أحمد بن طولون

(220 ـ 270 هـ/835-883م)؛ و» يقال إن اسمه: سعيد بن كاتب،»(2)

كان قد صور عمله على رق قبل تنفيذه.(3)

وكانـــت (الرســـومات الهندســـية للعمـــارة اإلســـالمية)(4) وغير

المعماريـــة مما يتعلق بصناعة اآلالت الميكانيكية (الســـاعات مثال)،

والفلكيـــة (اإلســـطرالب مثال)، والتجـــارب واألبحـــاث العملية في

علوم الكيمياء واألحياء والطب وغيرها، من أبرز التحوالت الفكرية

للفنون اإلســـالمية في المعرفة اإلســـالمية؛ إذ كان ( الرسم الهندسي)

منهجا علميا إلنشـــاء األبنية وتنفيذ األعمال في الحضارة اإلسالمية،

فضال عن التراث الفكري والعلمي العربي اإلسالمي، فقد كان هناك

كثير من مؤلفات الهندسة اإلسالمية العامة، والمتخصصة في العمارة

اإلسالمية، التي منها على سبيل المثال ال الحصر:(5) كتاب المهندس

الجاحظ، عمر بن بحر. رسائل الجاحظ، تحقيق: عبد السالم هارون، القاهرة: دار (1)

المعارف، 1979م، ج3، ص314.

مصر نهضة دار القاهرة: اإلسالمي، العصر في المهندسون أحمد. باشا، تيمور (2)

للطبع والنشر، د.ت، ص21.

علي، كرد محمد تحقيق: طولون، بن أحمد سيرة اهللا. عبد بن محمد البلوي، (3)

دمشق: المكتبة العربية، 1939م، ص182.

سومر، مجلة اإلسالمية»، للعمارة الهندسية «الرسومات حسن. الوهاب، عبد (4)

بغداد، ج1، ج2، عدد14، 1958م، ص 44.

مكتبة الرياض: اإلسالمية، العربية للتقنية جديدة زوايا إضاءة اهللا. لطف قاري، (5)

الملك فهد الوطنية، 1996م، ص11.

212

أبو الوفا البوزجاني (ت 387 هـ/997م): (ما يحتاج إليه الصانع من علم

الهندســـة)، وكتاب القاضي كامي محمـــد أفندي بن أحمد األدرنوي

(ت 1136 هـ/1723م): (رياض القاســـمين) الذي يعد من أوسع كتب

المعرفـــة المعمارية وفقـــه العمران وأجمعها في التراث اإلســـالمي؛

إذ «يتنـــاول هـــذا الكتاب مســـائل تحديد العقار وحســـاب مســـاحته

وقسمته إلى حصص وتوزيعها على مستحقيها، والجوار واالشتراك،

والمســـيل، والمرور والشارع، وأحكام المحتســـب وضمان الصناع

مـــن البنائين والنجاريـــن وغيرهم، وأحكام األوقـــاف، والمنازعات،

واألراضي واألشـــجار والمياه، والبيع والهبة والمزارعة والمســـاقاة،

وفيمـــا يتعلق بأمالك أهل الذمة من الكنائس وغيرها والقســـامة فيها.

ومن الجدير بالذكر هنا: أن هذا الكتاب يمتاز باســـتخدام األشـــكال

التوضيحية التي كان بعضها مخططات، أو ما يسمى بلغة المعماريين

اليـــوم: كروكي، للوحدات الســـكنية والطرق التـــي تتحدث عن حق

المرور فيها، وبعضها اآلخر عبارة عن رسوم اآلالت المستخدمة في

الـــوزن والقياس والتنظيم؛ مثل (آلة الكونيـــا) التي هي ميزان لمعرفة

اســـتقامة الجدار عموديا، فضال عن الحسابات الرياضية والهندسية،

وما يتعلق بها من وحدات الذراع والمســـاحة واألشـــكال الهندســـية

وغيرها من المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بالعمارة والبنيان.»(1)

رابعا: صنعة البناء اإلسالمية، التي يعدها ابن خلدون (ت 808 هـ/

1406م) من جملة «الصنائع اإلنسانية الضرورية» التي تقوم رسومها

قاري، جولة مع الكتب التراثية المطبوعة في فقه العمران، مرجع سابق، ص192. (1)

213

على «حسن الترتيب وحسن الوضع في البناء»، «وهي معرفة العمل

في اتخاذ البيوت والمنازل» وغير ذلك من مظاهر العمران؛ إذ تعد

«صناعة البناء أول صنائع العمران الحضري وأقدمها.»(1)

على عدة، أسماء وأحواله، بالبناء العارفين على يطلق وكان

والصناع، المهندسون، منها: والمهنية، العلمية خبرتهم حسب

هذه الصناعة في العاملين أسماء أشهر من (البناء) ويعد والفعلة.

وأكثرها تعريفا بالمختصين بها. ويبدو هذا المصطلح عاما وخاصا

في إطالقه على (مراتب البنائين) من (العامل أو الخادم) ثم (الصانع)،

ثم (القلفة)، ثم (المعلم)، ثم (أمين البناء).(2) وكان يطلق أحيانا على

أو والعارف المقدر، البناء: مهندس وعلى األستاذ، البنائين: كبير

العريف.

جامع منارة ببناء قام الذي النيقرو، سليمان المهندس وكان

الزيتونة عام 1312 هـ/ 1894 م، قد ألف كتابا بعنوان: (بلوغ المنى في

قواعد الرم والبنا)، ورتبه على أبواب وفصول بلغت (38) بابا «في

معرفة حفر األساس وبنائه، معرفة صحيحه وعديمه. في معرفة بناء

الجدران المشتركة وغير المشتركة. في بناء الحمامات وما اشتملت

المدارس. بناء في في الميضأة. والمساجد. الجوامع بناء في عليه

والجسور. القناطر في واألسوار. األبراج بناء في الكوش. بناء في

ابن خلدون، المقدمة، مرجع سابق، ص376. (1)

الحشايشي، محمد بن عثمان. العادات والتقاليد التونسية، تحقيق: الجيالني بن (2)

الحاج علي، تونس: دار سراس للنشر، 1994م، ص33.

214

في بناء األقواس واألدماس. في بناء القباب. في بناء الدور والقصور

وما اشتملت عليه. في بناء اآلبار. في بناء الدرج. في معرفة تركيب

الحروجات على اختالف أنواعها. في بناء اإلسطبالت لربط الدواب.

في بناء القنوات والخنادق. في ترتيب برج الطابية. في بناء الجوابي

وبئر الناعورة. في بناء قصاع الخصص وتجرية الماء لها. في معرفة

الحنايا المجلوب عليها الماء. في تركيب مقصات الخشب لتسقيف

معرفة في وتضريسها. الطرقات ميزان معرفة في والغرف. البيوت

الفرق بين الصانع والقلفة والمعلم واألمين. في معرفة القسمة بين

الشركاء في المساحات. في معرفة تطبيق الحدود في العقار وغيره.

في معرفة الصحيح والعادم من الجدران وغيرها. في معرفة الضرر

من أين نشأ. في الحكم على نفي الضرر. في معرفة القيمة في البناءات

ة والصحيح منها والمخل. في معرفة المحكمة. في معرفة ربط األسر

جر األثقال ورفعها من غير تعب. في معرفة الصحيح والساقط في

األشغال الممتدة. في معرفة قواعد التخطيط واالستواء. في نبذة من

علم الحساب وتكسير المساحة وقيسها.»(1)

( فقه جوانب من جانبا بوصفه العمارة اإلسالمية، فقه خامسا:

النوازل) الذي ينظم العالقات المعمارية في البيئة االجتماعية على

اإلسالمي التشريع مصادر من مستمدة أساسية وقواعد مبادىء

األساسية، فعلى سبيل المثال ال الحصر، استنبط الفقهاء عدة قواعد

المرجع السابق، ص33. (1)

215

معمارية من الحديث النبوي الشريف: (ال ضرر وال ضرار).(1) وقد

قسم بعض الفقهاء(2) البنايات وفقا ألحكام الشرع إلى: البناء الواجب

كبناء المساجد، والبناء المندوب كبناء األسواق، والبناء المباح كبناء

المساكن، والبناء المحظور كبناء الخمارات.

ومن األهمية العلمية في هذا المقام القول إن التحوالت الفكرية

أولئك بين الفقهية بالتجاذبات كثيرا تأثرت قد اإلسالمية للعمارة

المتشددين في االلتزام بالشريعة في البناء البسيط في قوامه والزاهد

في شكله، كما هو الحال في منشآت دولة الموحدين (515 ـ 667

هـ/1121ـ 1269م) في المغرب واألندلس؛ التي تأثرت هندستها كثيرا

بالفقه المالكي وأولئك المنفتحين في السلوك الصوفي المندفع نحو

ما يمكن أن نسميه (العمارة الرمزية)، التي تقوم على التفسير الخاص

لمقولة (شرف المكان بالمكين) الذي يتمحور حول معنى (البركة)

منشآت على العمارة هذه فقامت المختلفة، الروحية وتأثيراتها

صوفية خاصة مثل: الرباط، والخانقاه، والزاوية، والدويرة، والتكية،

التنويعات من ذلك وغير والمشهد، والمقام، والتربة، والخلوة،

المعمارية للمكان الصوفي.(3)

ط2، البشير، دار عمان: اإلسالم، في األرض عمارة القادر. عبد جميل أكبر، (1)

1995م، ص199.

نقال عن: (2)

عزب، خالد. الحجر والصولجان؛ السياسة والعمارة اإلسالمية، القاهرة: دار -

الشروق، د.ت، ص123.

مجلة والشرعية»، التاريخية أصوله الصوفي؛ «المكان محمد. إدهام حنش، (3)

الرسالة اإلسالمية، بغداد، عدد272، 2002م، ص8.

216

سادسا: أعالم العمارة اإلسالمية، الذين كان أغلبهم وال يزالون

جنودا مجهولين في المعركة الحضارية للبناء والعمران اإلسالمي،

والمتنفذين الحكام إلى التاريخية بطوالتها تنسب ما غالبا التي

وميسوري الحال والمال. وعلى الرغم من ذلك، وصلتنا أخبار كثير

من مهندسي العمارة اإلسالمية وبنائيها المبدعين، الذين نذكر منهم

هنا على سبيل المثال ال الحصر: طلق بن علي التميمي الحنفي، من

بناء في فساهم الطينية، بالعمارة العارفين أحد وكان اليمامة، أهل

المسجد النبوي الشريف. وقد أثنى الرسول الكريم على عمل

هذا البناء بقوله: «إن هذا الحنفي لصاحب طين.»(1) وكذلك: رجاء

بناء على المشرف المهندس هـ/730م) (ت 112 الكندي حيوة بن

قبة الصخرة وعمارتها األولى في عهد عبد الملك بن مروان(2) (26

ـ 86 هـ/646 ـ 705م). وقد عمل أحمد تيمور باشا على تتبع العديد

من هؤالء المهندسين المعماريين الذين أدرجهم في معجمه الخاص

بأعالم المهندسين في اإلسالم؛ مثل:(3)

بن - 1 وعمران يوسف، بن والحجاج محرز، بن اهللا عبد

الذين األربعة المهندسون كثير: بن وشهاب الوضاح،

قسم الخليفة العباسي المنصور (93 ـ 158 هـ/712 ـ 775م)

ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد اهللا بن محمد النمري. الدرر في اختصار (1)

المغازي والسير، تحقيق: شوقي ضيف، القاهرة: دار المعارف، 1403هـ، ص88.

ابن كثير، عماد الدين إسماعيل بن عمر الدمشقي. البداية والنهاية، بيروت: مكتبة (2)

المعارف، د.ت، ج8، ص280.

تيمور باشا، المهندسون في العصر اإلسالمي، مرجع سابق، ص13، 45، 51، 55. (3)

217

أرباض بغداد إلى أرباع بينهم عند تخطيط المدينة المدورة

وبنائها.

هـ/ - 2 668 بعد (ت المهندس سعيد بن غنائم بن إبراهيم

1270م) الذي بنى للملك الظاهر بيبرس البندقداري أغلب

أبنيته الشامية من القصور وغيرها في دمشق.

اهللا - 3 عبد بن علي بن محمد بن أحمد بن أحمد المعلم

المعروف بالطولوني (ت 802 هـ/ 1400م) كبير مهندسي

الظاهر المملوكي السلطان عهد في السلطانية األبنية

برقوق، الذي انتدبه لهندسة عمارة المسجد الحرام، فسافر

إلى مكة ومات فيها بعد الفراغ من العمل.

المعروف - 4 الزين عمر بن محمد بن علي بن الرحيم عبد

بابن البناء (ت 891 هـ/1486م): أحد المهندسين المماليك

الذين شاركوا في عمارة الحرم المكي الشريف، وقد لقب

بمهندس الحرم.

أبو بكر البناء الذي دفع له ابن طولون «ألف دينار سوى - 5

الخلع وغيرها من المركوب «، لنجاحه في بناء ميناء عكا.

وقد وصف حفيده المؤرخ المقدسي (ت 380 هـ/990م)

صفة األقاليم) معرفة في التقاسيم (أحسن كتاب مؤلف

البناء في الماء.(1)

المقدسي، شمس الدين أبو عبد اهللا محمد بن أحمد بن أبو بكر البناء البشاري. (1)

أحسن التقاسيم في معرفة األقاليم، ليدن: مطبعة بريل، 1877م، ص163-162.

218

أشهر بعض هو السياق هذا في عنده التوقف يجدر ما ولكن

عشر الثاني و العاشر القرن بين ما إلى المنسوبين المعماريين

بالمهندس ونبدأ الميالدي، عشر والثامن عشر الهجري/السادس

وبنى هندس الذي هـ/1588م) (ت 996 سنان الكبير:(1) المعماري

وأشرف على أكثر من (200) منشأة معمارية عثمانية -على األقل-

بين جامع ومدرسة وقنطرة، وغير ذلك، خالل عهود أربعة سالطين

عثمانيين هم: سليم األول (917 ـ 926 هـ/1512 ـ 1520م)، وسليمان

القانوني (926 ـ 973 هـ/1520 ـ 1566م)، وسليم الثاني (974 ـ 982

هـ/1566 ـ 1574م)، ومراد الثالث (982 ـ 1003 هـ/1574 ـ 1595م).

وال بد من الوقوف ختاما عند كل من أستاذ عيسى، ورومي خان،

وتصميم هندسة على تعاونوا الذين الثالثة المهندسين ورانمال:

ببنائه أمر الذي محل) (تاج وحديقة وقبة مبنى وعمل وتخطيط

السلطان المغولي المسلم شاه جهان (ت 1076 هـ/1666م)؛ تكريما

لزوجته ممتاز محل (ت 1040 هـ/1631م).(2)

سابعا: أدب العمارة اإلسالمية: وربما أدت هذه الظاهرة المعمارية

إلى جعل المرحلة ما بين القرن العاشر والثاني عشر الهجري/السادس

عشر والثامن عشر الميالدي حاضنة تاريخية لنشأة الظاهرة المعرفية

للعمارة اإلسالمية، بوصفها علما أو فنا أو صناعة من العلوم والفنون

(1) NECIPOGLO , Gulru: The Age of SINAN , London: REAKTION

BOOKS ,2005.

نورما ترجمة: اإلسالمي، العالم في روائع الفن اإلسالم؛ كنوز برنار. أوكان، (2)

نابلسي، بيروت: أكاديميا إنترناشيونال، 2009م، ص200.

219

والصنائع الثقافية اإلسالمية، ولتطور نواحيها االجتماعية واالقتصادية،

الصنعة بين الجامعة التخصصية العمل أصناف من صنفا بوصفها

والمهنة والفن، في إطار ما يمكن أن نسميه الوظائف المعمارية، التي

الذين هم المعماريين المهندسين من ذويها بعض إن القول يمكن

وضعوا أغلب أدبيات العمارة اإلسالمية وتحوالتها الفكرية المتعلقة

بمعارف اإلبداع المعماري وتقنياته اإلسالمية في البناء والتشييد، على

الرغم من أن جوانب كثيرة من المعرفة المعمارية اإلسالمية قد ظلت

حبيسة ما كان يعرف بـ (سر المهنة)، الذي أخفى كثيرا من معلوماتها

الفلسفية والعلمية والتعليمية واالقتصادية، فضال عن هندستها النظرية

كونت إنها القول يمكن التي الفكرية، وتحوالتها التطبيقية وفنونها

حيث من ناضجة علمية أسس على اإلسالمية المعمارية المعرفة

المحتوى، ومتقدمة من حيث المنهج، بما يمكن القول إنها جعلت

المرحلة الزمنية الممتدة ما بين القرن العاشر والثاني عشر الهجري/

لنضج المفاهيم الميالدي مهادا معرفيا عشر والثامن عشر السادس

بالهندسة المتعلقة تلك منها وبخاصة اإلسالمية، للعمارة األساسية

واألشكال المعمارية، والوظائف المعماري والرسم المعمارية

المعمارية والعناصر المعمارية، والمنشآت المعمارية وغير ذلك من

جوانب العمارة وموضوعاتها األساسية.

المتعلقة اإلسالمية والمصطلحات المفاهيم هذه أوضح ومن

بالهندسة والعمارة والبناء -على سبيل المثال ال الحصر- التخطيط،

والقياس، والتسطيح، وهو ما يعرف اليوم باإلسقاط (المساقط) أي

220

رسم أو رفع صورة المنشأ المعماري على سطح ورقي أو غيره مما

كان يطلق عليه: لوح الترسيم، والطرح أو النقشة اللذين يقابالن اليوم

والرسومات بالمخططات يتعلق مما ذلك وغير الهندسي، الرسم

والخرائط. ويبدو أن هذه المفاهيم وغيرها هي جزء من مواد علمية

ضمن «كتب تعليمية في البناء، كان يدرسها المعماريون بإستانبول

في القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميالدي.»(1)

ومن هذه الكتب -على سبيل المثال ال الحصر- كتاب (رسالة

ليكون 1614م 1023هـ/ سنة أفندي) (جعفر ألفه الذي معمارية)

معجما (ثالثي اللغة: عربي وتركي وفارسي) للمفاهيم والمصطلحات

المعمارية التي كانت معروفة في هذه الفترة، إلى جانب كونه كتابا

توثيقيا عن حياة وأعمال المعمار العثماني (محمد أغا)(2) أحد تالمذة

المعماري سنان باشا.

ولقد تنوعت أدبيات العمارة اإلسالمية في هذه المرحلة ما بين

العمارة؛ هذه موضوعات عن الموسعة والكتب الموجزة الرسائل

المطلوبة الهندسية بالرسومات أحيانا المدعمة والعملية، النظرية

لتنفيذ البناء.

ومن هذه األدبيات المكتشفة -على سبيل المثال ال الحصر-

أحدهما جلبي، مصطفى ساعي النقاش تأليف من «كتابان

قاري، إضاءة زوايا جديدة للتقنية العربية اإلسالمية، مرجع سابق، ص68. (1)

من أشهر أعماله المعمارية: جامع السلطان أحمد الثالث (1115-1149 هـ/1703- (2)

1736م) بإستانبول.

221

حياة عن وهما بنيان). (تذكرة واآلخر معماران) (تحفة بعنوان

سنة تأليفهما تم سنان، المشهور المعماري المهندس وأعمال

هذا المعماري. وفاة بعد 1558م؛»(1) أي 996هـ/

إلى تاريخيا المنسوبة العمارة اإلسالمية أدبيات بعض ونجد

عشر الهجري/السادس عشر والثاني العاشر القرن بين ما المرحلة

المغولية/التيمورية المدرسة إلى وفنيا الميالدي؛ عشر والثامن

(أفغانستان والهند) التي كان يرعاها السلطان ظهير الدين محمد بابر

(ت 936 هـ/ 1530م) وأوالده وأحفاده، وبخاصة السلطان المغولي

المسلم شاه جهان (ت 1076هـ/ 1666م) الذي كان يدارس ثالثة من

أبرز مهندسيه المعماريين، وهم كل من: أستاذ عيسى، ورومي خان،

ورانمال، في التعاون على هندسة وتصميم وتخطيط وعمل مبنى وقبة

وحديقة (تاج محل) الذي أمر ببنائه؛ تكريما لزوجنه ممتاز محل (ت

1040هـ/ 1631م).(2) ومن أشهر كتب هذه المدرسة التي وصلت إلينا

مخطوطة (بابر نامه) المكتوبة حوالى عام 1009هـ/ 1600م،(3) وكتاب

(ت 1011هـ/ 1602م) عالمي أبو الفضل ألفه الذي أكبري) (آئيني

المعمارية. بابر السلطان منجزات وتصوير البناء، قوانين وضع في

و (هداية قواعد) المكتوب في الهند سنة 1127هـ/ 1715م، وهو من

قاري، إضاءة زوايا جديدة للتقنية العربية اإلسالمية، مرجع سابق، ص27. (1)

أوكان، كنوز اإلسالم؛ روائع الفن في العالم اإلسالمي، مرجع سابق، ص200. (2)

عكاشة، ثروت: موسوعة التصوير اإلسالمي، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، ط1، (3)

2001م، ص283.

222

(مير تسمى بوظيفة كان أنه يبدو الذي بخاري(1) اهللا هداية تأليف

معمار) في الدولة التيمورية. ويبدو أن شاغل هذه الوظيفة كان يتولى

تعادل كانت وربما السلطانية، العمارات بناء على العام اإلشراف

وظيفة (شاد العمائر) المملوكية، و (أمين البناء) المغاربية.

قاري، إضاءة زوايا جديدة للتقنية العربية اإلسالمية، مرجع سابق، ص187. (1)

223

أحدثت المعرفة االستشراقية عن الفن اإلسالمي بعامة ، ونظريته واإلسالمية في الثقافة العربية واضحا تأثيرا بخاصة، الجمالية

التاريخي بالواقع العناية في مظاهره تمثلت والمعاصرة، الحديثة

الفلسفية والوظيفية النواحي من ودراسته الفن، لهذا والحضاري

إلى أدى بما الفن، بهذا المتعلقة المعرفية المجاالت من وغيرها

والمصطلح، المفهوم على مستويات: الفن اإلسالمي تعلق نظرية

نقديا تراوحت التي المعرفية، بنيتها عن فضال والمنهج، والرؤية

العلمجمالي التصنيف وحدود المفتوحة، الفني اإلبداع آفاق بين

ألنماط هذا اإلبداع وأجناسه التشكيلية، تعلقا معرفيا شبه مصيري

بالواقع الغربي الحديث لعلم الجمال وفلسفة الفن؛ إذ يمكن القول

لذلك إن نظرية الفن اإلسالمي تكاد تكون إلى حد كبير من بنات

هذا بشأن األقل على القول يمكن أو االستشراقية، المعرفة هذه

وربما كان اإلسالمي، وكأنه الفن لنظرية الغربي المعرفي الصنيع

فضاء في الغائبة شبه الفن هذا لنظرية مفترضا معرفيا بديال صار

التراث الفكري والمعرفي اإلسالمي، كما هو االعتقاد االستشراقي

توسع هذا الذين من فيه، والباحثين الفن هذا مؤرخي بعض عند

224

اإلسالمية الجمالية النظرية غياب إلى وتمدد عندهم االعتقاد

الفن وفلسفة الجمال لعلم اإلسالمي المفهوم تهافت أو أصال،

على أقل تقدير.(1)

كانت ربما أنه هو كذلك، كله ذلك بشأن أن يقال يمكن وما

له مساويا فعل رد أنتج قويا فعليا دافعا االستشراقية المعرفة تلك

في القوة ومعاكسا له في اتجاه تأكيد وجود علم الجمال اإلسالمي

الباحثين بعض حاول إذ اإلسالمي؛ الفن لنظرية ومنطلقا أساسا

العرب والمسلمين المعاصرين استكشاف معالم هذا العلم وصناعة

واإلسالمي، العربي والفلسفي الفكري التراث بمواد النظرية هذه

عن فضال والتاريخ، واألدب اللغة متون من المستلة ونصوصه

القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، من خالل قراءة الجمالي

والفني في هذا التراث بعين غير استشراقية، تعمل على تأصيل نظرية

المفهوم الواسع الجمال اإلسالمي في ضوء علم اإلسالمي الفن

لعلم المعرفي المجال عن نسبيا البعيدة والموضوعات، والداللة

بالجمال يعرف بما منهجيا المحدد Aesthetics الفلسفي الجمال

الفني، المتمثل في أعمال الفنانين اإلبداعية؛ إذ إن رؤية الجماليين

اإلستطيقيين تكتفي -نوعا ما- بالنظر «إلى الجمال على أنه الهدف

قلما نجد في الدراسات الجمالية الحديثة ما يشيد بعلم الجمال اإلسالمي، بل (1)

سبيل على انظر للجمال. إسالميا علما هناك أن إلى حتى يشير ما نجد قلما

المثال:

توفيق، تهافت مفهوم علم الجمال اإلسالمي، مرجع سابق. -

225

في رئيس بشكل يتمثل الذي التشكيلي، البصري للفن»(1) الوحيد

العمارة والتصوير، وما شاكلهما من أجناس اإلبداع اإلنساني.

لقد قامت المحاوالت المعاصرة لبناء الجمالية اإلسالمية على

المعنى الواسع والداللة المفتوحة للجمال في كل شيء من الكون

والصورة، واإلبداع والسلوك والعمل واإلنسان، والحياة والطبيعة

وغير ذلك مما في التراث الفكري اإلسالمي، وتقدم بعضها بتعريف

تخصصات من «تخصصا تكون أن يمكن أنها في يتمثل لها عام

العلوم اإلنسانية التي تعنى بدراسة الجمال من حيث هو مفهوم في

فالجمالية اإلنسانية. الحياة في تجربة فنية هو حيث ومن الوجود،

إذن علم يبحث في معنى الجمال من حيث مفهومه وماهيته ومقاييسه

ومقاصده. والجمالية في الشيء تعني أن الجمال فيه حقيقة جوهرية وغاية مقصدية، فما وجد إال ليكون جميال .»(2)

في الجمال دراسة على يقوم للجمالية العام المفهوم هذا

معنوي، أو مادي شيء؛ كل للشيء؛ المطلق بالمفهوم األشياء،

في ويتضح فني. أو أدبي إبداعي، أو تقليدي صناعي، أو طبيعي

رفقة هذا المفهوم العام للجمالية وفي سياقه الداللي، مفهوم خاص

لجمالية كل شيء من تلكم األشياء، وبالتالي تعدد جمالياتها بعدد

الفتاح، عبد إمام ترجمة: األستطيقا، في نظرية الجمال: معنى ولتر. ستيس، (1)

القاهرة: المجلس األعلى للثقافة، ط1، 2000م، ص94.

األنصاري، فريد. «مفهوم الجمالية بين الفكر اإلسالمي والفلسفة الغربية»، مجلة (2)

حراء، إستانبول، س1، عدد1، 2005م، ص22.

226

توفيقيا يبدو للجمالية العام المفهوم هذا وأن خاصة األشياء، هذه

التشكيلية:اإلستطيقا) (الجمالية مفاهيم بين ازدواجيا أو تلفيقيا أو

الكون في الطبيعية وتمظهراتهما البويطيقا)؛ األدبية: (الجمالية و

واإلنسان، وتطبيقاتهما الصناعية، بخاصة في مجالي الفن واألدب،

الحديث، األدبي النقد في استعمل قد هذا الجمالية مصطلح كون

للداللة على أن «الجمال هو القيمة األولى للنص، وإنه ال عبرة [ فنية]

بما لم يبن [من النصوص] على ذلك؛ إذ الوظيفة األولى للنص هي

أن يكون جميال .»(1)

واضحة معرفية إشكالية اإلسالمية) (الجمالية مفهوم ظل لقد

داللته ازدواجية بسبب والمعاصر، الحديث اإلسالمي الفكر في

على دراسة كل من األدب والفن، وبسبب» ما تثيره هذه العبارة من

مشكالت منشؤها تشعب مفهوم (الجمالية) في ذاته، وتنوع مظاهر

ومما تطبيقاتها. وتفرع الجمالية النظريات وتعدد الجمالي التفكير

إلى ينتمي باصطالح (اإلسالمية) صفة إلحاق تعقيدا األمر يزيد

المجال الثقافي الغربي، ويعد ظهوره متأخرا حتى بالنسبة إلى ذلك

المجال كله.»(2)

واإلسالمية، العربية القراءات تالزم اإلشكالية هذه تزال وال

الهادفة من الناحية المنهجية -على األقل- إلى التمييز بين المستويات

عروي، محمد إقبال. جمالية األدب اإلسالمي، الدار البيضاء: المكتبة السلفية، (1)

ط1، 1986م، ص94.

اللواتي، نحو نظرية للجمالية اإلسالمية، مرجع سابق، ص151. (2)

227

الجمال لعلم وغيرهما والفنية، األدبية المعرفية، المجاالت أو

لهذا اإلسالمي المتن إلى التأصيلية العودة وأن خاصة اإلسالمي،

معرفيا تتجه، كأنها الغالب- -في تبدو الفكري وتراثه الموضوع

ومنهجيا ونقديا، نحو الجمالية األدبية أكثر من اتجاهها نحو الجمالية

الفنية.

وعلى الرغم من الوحدة أو التكامل المعرفي للمصطلح الجمالي

اإلسالمي بين هذين الحقلين، تبرز الحاجة األدبية إلى البحث عن

والفنية الفلسفية النظريات يمثل ألن مناسب إسالمي عربي متن

اإلسالمية للجمالية المكونة النظريات من غيرها وربما والنقدية،

ببعدها اإلستاطيقي الفني، وذلك عبر قراءة موضوعية هادئة وهادفة

الجمالية النظرية أو الرؤية واستنباط واستجالء استكشاف إلى

اإلسالمية المستقلة عن الرؤية أو النظرية الجمالية الغربية، أيا كانت

طبيعتها الفلسفية.

وقد تكون هذه المحاوالت حاجة لسد الفراغ المعرفي، مثلما هي

ضرورة فكرية وعلمية ومنهجية قائمة في السياق المعرفي اإلسالمي

وفي المعرفة وفي الوجود في العليا القيم إحدى بوصفه للجمال،

اإلبداع اإلنساني. ومن األنسب معرفيا، أن تنأى محاوالت التأصيل

هذه، وكذلك قراءاته العربية اإلسالمية المعاصرة بنفسها عن االتجاه

العام والشمولي في بحث الظاهرة الجمالية اإلسالمية، ومن األنسب

الفن لنظرية ومناسبة دقة أكثر مفهوم بناء إلى تتجه أن منهجيا

اإلسالمي داخل اإلطار المعرفي العام لعلم الجمال بوصفه مجاال

228

الجمالية الظاهرة مع يتعامل وإنسانيا، عاما ونقديا، فلسفيا معرفيا،

حيثما كانت في المكان والزمان، ولكنه يمكن أن يتخصص بدراستها

في فضاء معرفي واجتماعي معين من التطبيق والخصوصية؛ إذ إن

عمومية علم الجمال الوارفة في المعرفة اإلنسانية هي الوجه اآلخر

لخصوصيات النظريات والتطبيقات الجمالية في مختلف المجاالت

اإلنساني، للوعي الثقافية والبنى االجتماعية والفضاءات المعرفية

الذي قد يتحرك تطبيقا في مجال معرفي معين، أو في فضاء اجتماعي

خاص، أو في بنية ثقافية مستقلة عن سواها في الموضوع الجمالي،

الذي تتحدد خصوصيته النظرية والتطبيقية في الرؤية والمنهج مثلما

تتحدد في المفهوم والمصطلح.

فضال والمصطلح، والمفهوم والموضوع، الرؤية من كال إن

عن المنهج اإلستاطيقي، تكاد تكون هي المحاور المعرفية األساسية

ألية عملية تأصيل معرفية لنظرية الفن اإلسالمي بوصفها «الجمالية

التطبيقية أو الخاصة، فنستعمل عبارة الجمالية اإلسالمية في دراسة

كظواهر اإلسالم؛ حضارة شهدتها التي الفنية األشكال مختلف خاصة في المكان والزمان.»(1)

يجري أن ينبغي اإلسالمي الفن لنظرية التأصيلي البحث إن

وأن الخاصة، العلمية وبنيتها اإلسالمية، الجمالية داخل المعرفة

قوانينها بدراسة نقديا ويعنى الخالصة، الفنية بتطبيقاتها يتمثل

اإلبداعية المتميزة، في إطار الوعي الفلسفي والحضاري اإلسالمي.

المرجع السابق، ص151. (1)

229

ا

أبعاد 44آثار المنقولة 49إحسان 74، 114

أحمد تيمور 41، 42، 216إخراج الفني 56إخوان الصفا 45أرابسك 61، 70

أسلوب 74، 89، 95، 96، 98اصطالحات عربية لفن التصوير 43

ألحان 44الفنون 28، ومصطلحات الحضارة ألفاظ

68 ،65 ،46 ،29ألوهية 101، 105، 122، 128، 138

أوقطاي أصالن آبا 51إيقاع 44

ببابلو بيكاسو 64

بشر فارس 42، 47، 61، 63بصر 45، 173

بعد الواحد 195

تتأسلب 143، 146

تأله 143تجريد 64، 65، 74، 114، 125

تذهيب 42ترجمة 47، 48، 49، 50، 56، 61

تزويق 45تسمية 25، 53، 55، 59

تشخيص 121، 130تشخيصية 178

تصميم التواصلي 156، 165، 175، 185، 194 ،193 ،192

تصوير 15، 18، 39، 42، 43، 46، 56، 61، ،128 ،126 ،108 ،107 ،79 ،65

221 ،177 ،175 ،171تصوير عند العرب 42، 79

تطهير 128تعارف 166، 177

تعريب 47تغريب 47، 67تفاضل 74، 84

تنزيه 114تنميط 133، 143، 144، 147، 149

،163 ،162 ،161 ،156 ،155 تواصلية ،181 ،179 ،174 ،166 ،165 ،164 ،193 ،192 ،190 ،188 ،187 ،186

195 ،98 ،97 ،87 ،81 ،80 ،32 ،20 توحيد ،122 ،117 ،112 ،111 ،105 ،101 ،135 ،134 ،133 ،127 ،124 ،123 ،143 ،140 ،139 ،138 ،137 ،136

149 ،145 ،144التوحيد والفن 80، 98، 123، 124، 134،

145 ،143 ،140 ،136 ،135

230

،104 ،103 ،99 ،84 ،45 ،44 توحيدي 181 ،180 ،176 ،169 ،146 ،105

توشيح 61توفيق الحكيم 41

ثثقافة 23، 26، 28، 30، 35، 36، 37، 38، ،64 ،59 ،55 ،54 ،52 ،51 ،41 ،40 ،81 ،73 ،71 ،70 ،68 ،67 ،66 ،65 ،133 ،127 ،121 ،98 ،94 ،86 ،161 ،158 ،150 ،149 ،148 ،134 ،174 ،168 ،166 ،165 ،163 ،162

225 ،207 ،203 ،196 ،182 ،179ثقافة اإلسالمية 28، 36، 40، 65، 68، 86، ،158 ،149 ،134 ،133 ،127 ،121

179 ،174 ،168العربية 23، 26، 30، 35، 37، 38، ثقافة

225 ،158 ،71 ،55 ،41ثقافة الفن اإلسالمي 14

ججمال اإلنساني 45

جمال الباطن 45جمال الحسي 34

جمال الحقيقي 45جمال الطبيعي 45جمال الظاهر 45

جموع 44جوامع علم الموسيقى 44

ححروفية 195

حضارة 12، 15، 24، 28، 29، 35، 40، ،69 ،68 ،65 ،60 ،47 ،46 ،42 ،41 ،88 ،85 ،84 ،83 ،82 ،81 ،80 ،78

،134 ،133 ،107 ،98 ،97 ،91 ،199 ،147 ،139 ،138 ،136 ،135

211

خخزف 46، 62

خط 17، 31، 32، 36، 44، 45، 56، 65، ،125 ،111 ،99 ،95 ،93 ،74 ،71 ،169 ،168 ،156 ،145 ،136 ،131 ،179 ،178 ،174 ،173 ،172 ،171 ،187 ،185 ،183 ،182 ،181 ،180

196 ،195 ،192 ،191 ،189خيمة 208

ددراما 145

ديماند 31، 50، 56، 82، 89، 125

ر ،145 ،125 ،109 ،107 ،64 ،39 رسم ،189 ،178 ،175 ،174 ،173 ،156

220 ،211 ،192رقش 61

،144 ،140 ،113 ،112 ،83 ،16 رمزية 215 ،192

روح الباصرة 173

ززخرفة 43، 56، 57، 58، 61، 63، 74، 97،

196 ،151 ،146 ،145 ،125 ،99الزخرفة العربية المورقة 61

الزخرفة النباتية 58، 125، 151الزخرفة بالفروع النباتية 61

زواقة 45

231

سسر الزخرفة اإلسالمية 43، 63

سالمة موسى 40سيراميك 62

سيرة 65، 183

ششعر 45، 84، 143، 175

شفاء 44شهادتان 183

صصناعة 27، 50، 54، 59، 213

صور 40، 171، 173، 175، 176، 177، 178

صورة 38، 40، 61، 63، 98، 142، 144، ،172 ،171 ،170 ،169 ،156 ،149 ،178 ،177 ،176 ،175 ،174 ،173 ،190 ،189 ،186 ،182 ،181 ،179

195 ،193

ططغراء 70، 187، 189، 190، 191، 192،

196 ،195 ،194 ،193

ععالم 4

علم 11، 12، 13، 16، 24، 33، 34، 36، ،103 ،101 ،78 ،71 ،52 ،49 ،37

226 ،185 ،167 ،166 ،163علم اجتماع الفن اإلسالمي 14، 18

علم اآلثار 12، 90علم التصاوير 45

علم التواصل 163، 164، 167الجمال 13، 20، 24، 33، 55، 90، علم

،132 ،127 ،122 ،121 ،119 ،100230 ،226 ،174 ،149 ،137علم الجمال االستشراقي 20، 55

،100 ،24 ،13 اإلسالمي الجمال علم 226 ،174

علم الرسم 173، 174، 175علم الفن 13، 17، 66، 69، 124، 132

،124 ،69 ،66 ،13 اإلسالمي الفن علم 132

علم المتاحف 12علم المصطلح 23، 26، 27، 42، 66

علم المصطلح الفني اإلسالمي 42، 66علم المناظر 173

علم عناصر الفن اإلسالمي 18علم نفس الفن اإلسالمي 14

،80 ،74 ،61 ،46 ،17 اإلسالمية عمارة ،201 ،199 ،197 ،126 ،110 ،81 ،210 ،209 ،206 ،205 ،204 ،203 ،220 ،219 ،218 ،216 ،214 ،211

221العمارة المحمدية في مصر وفلسطين 53

غالغزالي 45، 104

فالفارابي 43، 44

فسيفساء 70الفضل 84، 102، 221

فقه النوازل 39، 204، 214فن البيزنطي 91

فن التجريدي 64، 65، 142فن التصوير 43، 46، 65، 79

فن التوريق 58

232

فن الخزف 46فن العربي 15، 52، 99

الفن القدسي في التصوير اإلسالمي األول 43

فن المحمدي 53، 125فن المسيحي 91

فن النحت 46فنون الترك وعمائرهم 51، 190

فنون التطبيقية 11، 49فنون الجميلة 38، 39

فنون الدينية 140فنون الرمزية 140، 144فنون الزخرفية 49، 89

فنون الصناعية 49فنون العمارة 11، 72، 96

فنون الفتانة 38فنون الكبيرة 48

فنون الكتاب 156في اصطالحات الموسيقا والفلسفة 43

ككعبة 209

للغة الفن اإلسالمي 25، 27، 32، 42، 43، ،69 ،66 ،63 ،60 ،58 ،57 ،56 ،47

70

ممتاحف 12، 51، 52

مجمع اللغة العربية الملكي 43 ،43 ،29 القاهرة في العربية اللغة مجمع

65 ،46مجموعة فنية 12، 17، 51، 55، 56، 71،

228 ،227 ،185 ،170 ،98 ،87

محاكاة 109، 127، 144محراب 74

محمد عبده 39مخطوطات 51، 63، 182

مدارس 37، 38، 202مدارس التصوير اإلسالمي 56

مدارس الخط العربي 56مدرسة

مدرسة األلسن 37مذاهب الفن الحديث 46

مسجد 74، 93، 99، 201، 216، 217مسكويه 45

مصاحف 49مصطلح األدبي 27مصطلح الثقافي 73مصطلح الحي 66

مصطلح العلمي 26، 27، 74مصطلح الفني 26، 27، 28، 29، 30، 33، ،68 ،67 ،66 ،59 ،47 ،43 ،42 ،36

174 ،72 ،71 ،69مصطلح الفني اإلسالمي 27، 28، 29، 30، ،69 ،68 ،67 ،66 ،47 ،43 ،42 ،33

72 ،71مصطلح المترجم 70مصطلح المعرب 57

مصطلح المعرفي 73، 74مصطلح الميت 66مصطلح النقدي 74

مصطلحات الفن اإلسالمي 30، 42، 47، 66 ،65 ،51 ،50

مصطلحات في العمارة اإلسالمية 46والتحويق، التحديق، الخط: معاني والتشقيق، والتعريق، والتخريق، والتدقيق، والتوفيق، والتنسيق،

233

والتفريق 44معجم الفن الغربي 55

والفنون العمارة مصطلحات معجم اإلسالمية 60

معرب 57مفتاح العلوم 27

مقرنص 57مقرنصات 108

مقياس اإلنساني 128منمنمات 63

موسيقى 44، 126، 127، 146مئذنة 74

ميضأة 74، 213

ننظرية األدب 16

النظرية الذرية 108 ،16 ،15 ،14 ،4 اإلسالمي الفن نظرية ،98 ،80 ،77 ،75 ،21 ،20 ،18 ،17 ،120 ،119 ،117 ،113 ،112 ،111 ،145 ،134 ،132 ،128 ،123 ،122

226 ،225 ،151 ،150 ،149نظرية الفن التجريدي العربي 64

نظرية الفنية 15، 17، 105، 106، 120نقوش 211

هـهاتاي 57

هندسة األشكال 106، 145، 173هيجل 48، 79

هيوار 71

ووحدات

متماثلة 110، 159

غير المتماثلة 110، 159 ،79 ،78 ،69 ،68 ،32 ،20 ،17 الوحدة ،88 ،87 ،86 ،85 ،84 ،83 ،82 ،80 ،98 ،97 ،96 ،95 ،94 ،92 ،90 ،89 ،106 ،105 ،104 ،101 ،100 ،99 ،113 ،112 ،111 ،110 ،109 ،107

229 ،173 ،114وحدة اإللهية 32، 79، 112، 113

وحدة االنعكاسية 113وحدة التامة 110

وحدة الجاللية 112، 113وحدة الجمالية 112، 113

وحدة الجوهرية 113وحدة الخصائصية 20، 109، 110، 111،

114وحدة الصورية 113وحدة المتعددة 110

وحدة والتنوع 80، 84، 85، 88