II. UluslararasıHacı Bayram-ı VelîSempozyumu Bildiriler Kitabı 2

EDİTÖRLERPROF. DR. ETHEM CEBECİOĞLUPROF. DR. VAHİT GÖKTAŞPROF. DR. AHMET CAHİD HAKSEVERYARD. DOC. DR. ÖNCEL DEMİRDAŞARŞ. GÖR. DR. MEHMET YILDIZARŞ. GÖR. HARUN ALKAN

03-04mayıs2017

a n k a r a

n e ş r i y a t

a n k a r a

n e ş r i y a t

EDİTÖRLERPROF. DR. ETHEM CEBECİOĞLUPROF. DR. VAHİT GÖKTAŞPROF. DR. AHMET CAHİD HAKSEVERYARD. DOC. DR. ÖNCEL DEMİRDAŞARŞ. GÖR. DR. MEHMET YILDIZARŞ. GÖR. HARUN ALKAN

YAYIN KURULUPROF. DR. ETHEM CEBECİOĞLUPROF. DR. MUSTAFA AŞKARPROF. DR. AHMET CAHİD HAKSEVERPROF. DR. M. MUSTAFA ÇAKMAKLIOĞLUPROF. DR. VAHİT GÖKTAŞYRD. DOÇ. DR. ÖNCEL DEMİRDAŞDR. MEHMET YILDIZHARUN ALKANMURAT İSMAİLOĞLU

GRAFİK TASARIMMUSTAFA NARMANLI

BASKI YERİ72 TASARIM DİJİTAL BASIMEVİEhlibeyt Mahallesi, Ceyhun Atuf Kansu Caddesi Gözde Plaza Nu:130/25 Balgat / Çankaya / ANKARA Tel: 444 72 06

BASKI TARİHİ10.11.2017

ISBN978-605-82307-0-5

YAZIŞMA ADRESİKalem Eğitim Kültür Akademi Derneği, Hacı Bayram MahAhiler Sk. No: 3 Altındağ/ANKARA Tel: +90 (312) 311 3380;kalemsempozyum@gmail.com

II. ULUSLARARASIHACI BACI BAYRAM-I VELÎSEMPOZYUMU BİLDİRİLER KİTABI 1

a n k a r a

n e ş r i y a t

a n k a r a

n e ş r i y a tTEDRİS EĞİTİM TURİZM SPOR YAYINCILIK BİLGİSAYAR GIDA İTHALAT İHRACAT SANAYİ VE TİCARET LİMİTED ŞİRKETİ

آق شمس الدِّين ورسالته في ذكر هللا

) تحقيق ودراسة(Yard. Doç. Dr. Hafel Alyounes

ُملَّخص:يعّد محّمد شمس الّدين بن حمزة من مشاهير العلماء في العهد العثمانّي [9831م – 9541م] المعروف

بآق شمس الّدين.

الفقه، والرياضيات، والتاريخ، والتصّوف، ُر في غير علٍم من مثل التَّبحُّ َغلََب عليه عالٌم موسوعيٌّ والقرآن الذي ما فتئ يستشهد بآياته ويدلّل على صدق مذهبه فيما خطّه في رسائله المختلفة الّتي كان لها

أبلغ األثر فيمن جاء بعده.

وقد كسرت البحث على شقَّين:

األّول: تحقيق مخطوط رسالته في ذكر هللا تحقيقًا علميًّا يُوقَُف فيه على ضبط النَّص، وتخريج ما فيه من قرآن وحديث وشعر وأقوال وردِّ كلٍّ منها إلى مصنَّفاتها األصول.

والثّاني: الدراسة التي جاءت على قسمين: األّول الموسوم بــ آق شمس الدين الشيخ العالم و يتناول شخصيّة أق شمس الّدين اسًما ونسبًا ،ومعارفه وعلومه وآثاره العلمية المتنوعة التي كانت في غير باب علمّي مادّي و نظرّي ، وعالقته بالسلطان محمد الفاتح ودوره في فتح القسطنطينية ووفاته . والثاني وسمته بدراسة رسالة الشيخ في ذكر هللا وتناولُت فيه توثيق الرسالة إلى صاحبها و مصادر الشيخ

تها رسالته في ذكر هللا فكانت على النَّحو اآلتي: في رسالته ، ومنهجه وأفكاره التي ضمَّ

بينهما مع االستدالل الجهرّي والفرق والّذكر الخفّي الّذكر واصطالحاً، ومعنى لغةً الّذكر تعريف بالقرآن والّسنة، و صفات الّذاكر الحقيقّي وأنَّ ذكر هللا يؤدي إلى قربه والعيش في رحابه ونفحاته ال سيّما إذا كان الذاكر وحَده، كما أنَّ الذكر دافٌع للوساوس المشوشة وجالٌب للراحة والطمأنينة، وأصول

98تحقيق ودراسة

الّذكر وأشكاله وعالقته بالرياء، والّسماع واألقوال فيه ،وتأثّر المخلوقات باألصوات الموزونة ،وأحوال المستمع المتعددة ،منها االستلذاذ باأللحان والنغمات لمجرد الطَّبع بال فهم المسموع وهو أحس المراتب ؛ الشتراك البهائم فيه واالستلذاذ بالفهم وتنزيله على حب الشهوات الخبيثة وهو حراٌم واستحالله كفٌر، واالستلذاذ بالفهم والتنزيل على األحوال في المعاملة مع هللا وهو محموٌد إن لم يجد الرياء له مدخالً فيه وكذلك منهج التحقيق وإخراج النَِّص وفيه وصف للمخطوط الموجود في المكتبة السليمانية برقم 062/

برتيف باشا، وخلص البحث إلى عدٍد من النتائج والتوصياِت

الكلمات المفتاحية : آق شمس الدين ، ذكر، االستلذاذ، السماع ، هللا .

Ak Shams Al-din and his Message About Remembrance of God(Investigation and study)

Abstract

Muhammad Shams al-Din bin Hamza is one of the most famous scholars at Ottoman era [1389-1459 AD], known as Ak Shams Al-din.

He is encyclopedic scholar, has gone deeply in more than one science, such as jurisprudence, mathematics, history, mysticism and Qur’an, which continued to refers to it as confirmation of its doctrine in his various messages that had a great impact on those who came after it.

I divided the research into two sections:

The first: to investigate the manuscript of his message in God mentioning scientifically, in terms of vocalization of text; explanation of texts that related to Quran, Hadith, poetry and sayings; and attributing each of them to their original works.

The second: the study, which came in two parts: the first under the title of Ak Shams al-Din, Al-Sheikh, scholar. This section deals with the personality of Shams al-Din, in terms of name and kinship; his knowledge and sciences; his varied scientific effects, which were more than scientific (material and theoretical); his relationship with Sultan Muhammad al-Fateh; his role in Entry of Constantinople and his death. The second part is about study the Sheikh’s message in God mentioning. I dealt with the documentation of the message and attributed it to the owner, the sources of the Sheikh in his message, and methodology and ideas that included in his message about the mention of God. So, the study was as follows:

The definition of the God mention, at level of language and terminology,

آق شمس الدِّين ورسالته في ذكر هللا 99

the meaning of the spoken and hidden God mention, and the difference between them; with reference to the Quran and Sunnah; and qualities of real remember. The mention of God leads to proximity to him, and living in his abodes, especially if the remember is alone. The God mention is also expelled chaotic whispers, and attract comfort and reassurance. I indicated to what Sheikh said about the origins of the mention of God, its forms and its relation to hypocrisy, hearing and sayings in it, influence of balanced voices on creatures, and the multiple conditions of the listener.

Among these conditions are enjoying with melodies and tones without understanding, and this is the lowest of levels, similar to beasts; enjoying with understanding and tending to desires love, which is sacred (haraam) and like to disbelieve; and enjoying with understanding and application on the conditions of dealing with God, which is good if it does not contaminated with hypocrisy.

I mentioned also the methodology of the investigation and the explanation of the text, in which there is description of the manuscript located in the Sulaymaniyah library, No. 260/Partif Pasha. The research concluded with a number of conclusions and recommendations.

Keywords: Ak Shams Al-din, God mention, Enjoying, Hearing, God.

أوالً : آق شمس الدين الشيخ العالم:

1-اسمه ونسبه :

هو الشيخ محمد شمس الدين بن حمزة، ويتصل نسبه إلى الخليفة الراشدي أبي بكر الصديق رضي هللا عنه، وهو أستاذ السلطان محمد الفاتح ويعد الشيخ آق شمس الدين أحد أبرز أعالم

الحضارة اإلسالمية في العهد العثماني. )1( وإن مسألة اتصال نسبه بنسب أبي بكر الصديق تحتاج إلىتحقيق وتتبُّع دقيقين لبعد الزمن وعكوف المصادر عن ذكر مثل هذه األنساب بالدقة.

ولد آق شمس الدين في دمشق عام 9831م، وحفظ القرآن وهو في السابعة من عمره ثم انتقل مع عائلته إلى أماسيا، اهتم الشيخ آق شمس الدين بالعلم والفن منذ صغر سنه، ودرس في أماسيا ثم في

حلب ثم في أنقرة، وتوفي عام 9541م. )2(

2-معارفه وعلومه:

الَّبي، دار التوزيع والنشر اإلسالمية، مصر، ط1، 1 )( فاتح القسطنطينية السلطان محمد الفاتح، َعلي محمد محمد الصَّ7241 هـ 6002 م، 411/1.

2 )( المرجع السابق، 411/1.

100تحقيق ودراسة

كرس آق شمس الدين حياته للعلم حتى غدا من العلماء المشهورين في مجال الطب والفلك وعلم األحياء والرياضيات والعلوم اإلسالمية، وبعد ما أكمل دراسته اتخذ مكانه بين العلماء العظماء،

فأصبح أحد كبار علماء عصره، وقد تتلمذ على الشيخ حاجي بايرم والي والشيخ زين الدين الخافي الذي قصده في حلب وأخذ طريقة الحاج بايرم في التصوف وله خلوات ونفحات ربَّانية تجلت

بوضوح في أثناء فتح القسطنطينية إذ تضرع إلى هللا بقلب سليم وعيناه تفيضان بالدمع وهذا ما عبَّر عنه السلطان محمد الفاتح بكلمات توحي بفرحه لمرافقة الشيخ آق شمس الدين )3(.وعمل في المدارس

ًسا لسنوات طويلة ناشًرا المعرفة والعلم)4(. العثمانية ُمَدرِّ

ولم يكن هذا الشيخ متبحراً في علوم الدين والتزكية فقط بل كان عالماً في النبات والطب والصيدلة، وكان مشهوراً في عصره بالعلوم الدنيوية وبحوثه في علم النبات ومدى مناسبتها للعالج من األمراض. وبلغت شهرته في ذلك أن أصبح مثالً بين الناس يقول: )إن النبات ليحدث آق شمس

الدين( )5(

وقال الشوكاني عنه: ) ... وصار مع كونه طبيباً للقلوب طبيباً لألبدان فإنه اشتهر أن الشجرة كانت تناديه وتقول: أنا شفاء من المرض الفالني ثم اشتهرت بركته وظهر فضله ... ( )6(

واهتم أيضاً باألمراض النفسية فاشتهر بلقب »طبيب األرواح«، وكان له بصمة بارزة في مجال الطب واألمراض المعدية حيث ألف كتاباً في ذلك بعنوان »مادة الحياة« ومما ورد في هذا الكتاب

»من الخطأ تصور أن األمراض تظهر على األشخاص تلقائياً، فاألمراض تنتقل من شخص إلى آخر بطريقة العدوى، وهذه العدوى صغيرة ودقيقة إلى درجة عدم القدرة على رؤيتها بالعين المجردة، لكن

هذا يحدث بواسطة بذور حية”. )7(

3-آثاره:

- وضع الشيخ آق شمس الدين تعريف الميكروب في القرن الخامس عشر الميالدي. وهو أول من فعل ذلك، ولم يكن الميكروسكوب قد خرج بعد.

- أهتم الشيخ آق شمس الدين أيضاً بالسرطان وكتب عنه.

- ألف الشيخ كتابين في الطب هما: )مادة الحياة(، و )كتاب الطب(، وهما باللغة التركية والعثمانية)8(.

- ولديه رسالة في الطب، رسالة في التصوف، رسالة في دفع مطاعن الصوفية، كتاب في الدفاع عن ابن عربي)9(.

3 )( البطولة والفداء عند الصوفية دراسة تاريخية، أسعد الخطيب، تقديم د. عبد الكريم اليافي وأخرون، دار التقوى ، دار )المتوفي 0521هـ(، الشوكاني بن علي لشيخ اإلسالم محمد الطالع: البدر الطبعة 5، 441. ، دمشق

الكتاب اإلسالمي، القاهرة، 661/24 )( البدر الطالع661/2 .

5 )( العثمانيون في التاريخ والحضارة، د.محمد حرب، المركز المصري للدراسات العثمانية، القاهرة، د.ط، 4991م، .962

6 )( البدر الطالع: 661/2.7 )( العثمانيون في التاريخ والحضارة، 962.

8 )( المرجع نفسه: 072.9 )( البطولة والفداء عند الصوفية، 741.

آق شمس الدِّين ورسالته في ذكر هللا 101

- وللشيخ باللغة العربية سبع كتب، هي: حل المشكالت، الرسالة النورية، مقاالت األولياء، رسالة في ذكر هللا، تلخيص المتائن، دفع المتائن، رسالة في شرح حاجي بايرام ولي)10( .

4-عالقته بمحمد الفاتح ودوره في فتح القسطنطينية:

بدأت شهرته عندما كان مدرساً للسلطان »محمد الثاني«، دّرس الشيخ آق شمس الدين األمير محمد الفاتح العلوم االساسية في ذلك الزمن وهي القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه والعلوم

االسالمية واللغات )العربية، والفارسية والتركية( وكذلك في مجال العلوم العلمية من الرياضيات والفلك والتاريخ والحرب وكان الشيخ آق ضمن العلماء الذين أشرفوا على السلطان محمد عندما تولى

إمارة مغنيسا ليتدرب على ادارة الوالية، وأصول الحكم)11(.

وبرز دور الشيخ آق شمس الدين في تكوين شخصية محمد الفاتح وبث فيه منذ صغره أمرين هما:

1 - مضاعفة حركة الجهاد العثمانية.

2 - اإليحاء دوماً لمحمد منذ صغره بأنه األمير المقصود بالحديث النبوي: )لتفتحن القسطنطينية فلنعم األمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش( لذلك كان الفاتح يطمع أن ينطبق عليه حديث رسول هللا

- صلى هللا عليه وسلم)12(.

عندما أصبح األمير محمد سلطاناً على الدولة العثمانية وجهه »آق شمس الدين« على الفور للتحرك بجيوشه لفتح القسطنطينية، فكان له مساهمة مباشرة وغير مباشرة في فتح اسطنبول، حيث

شارك مع ابنائه وطالبه وتالميذه في جيش الفتح العظيم وهناك لُقب باسم »الفاتح الروحي لمدينة إسطنبول«، وهو الذي اكتشف قبر الصحابى الجليل أبي أيوب األنصاري الذى استشهد سنة )25هـ(

أثناء حصار المسلمين للقسطنطينية فى خالفة معاوية بن أبى سفيان، رضي هللا عنه )13( وكان آلق شمس الدين جهد كبير فى فتح القسطنطينية، بفضل توجيهاته للجنود والقادة، وبيان عظمة هذا العمل

وفضله عند هللا، إلى جانب دعائه المستمر هلل وخشوعه وتذهلل هلل أن ينجز لهم هذه المهمة)14(.وبعد الفتح العظيم للقسطنطينية كان الشيخ آق شمس الدين أول من يلقي خطبة للجمعة في مسجد آيا صوفيا.

)15(

فكان محبوباً لدى الفاتح، وقد عبّر الفاتح عن احترامه له بقوله: »إن احترامي للشيخ آق .”شمس الدين، احترام غير اختياري، وإنّني أشعر وأنا بجانبه باالنفعال والرهبة)16(

لم يحتل أحد في قلب محمد الفاتح مكانة مثلما احتلها أستاذه آق شمس الدين، أما آق شمس الدين

10 )( العثمانيون في التاريخ والحضارة: 072.بي، دار التوزيع والنشر اإلسالمية، الَّ قوط: َعلي محمد محمد الصَّ 11 )( الدولة الُعثمانية -َعَوامل النُهوض وأسباب السُّ

مصر، ط1، 1241هـ -1002م، 311/1 -611.بي، 19. الَّ 12 )( الدولة الُعثمانية: الصَّ

التواريخ عجائب في األنظار نزهة .541 الخطيب: أسعد تاريخية، دراسة الصوفية عند والفداء البطولة )( 13لبنان، ط1، الغرب االسالمي، بيروت، الزواري، محمد محفوظ، دار واألخبار: محمود مقديش، تح: علي

8891 م، 92/2.14 )( نزهة األنظار في عجائب التواريخ واألخبار: محمود مقديش، 72/2 وما بعدها.

بي، 511/1. العثمانيون في التاريخ والحضارة، د. محمد حرب، 862. الَّ 15 )(. الدولة الُعثمانية: الصَّبي، 711/1. الَّ 16 )( فاتح القسطنطينية السلطان محمد الفاتح، الصَّ

102تحقيق ودراسة

فكان مهيباً ال يخشي إالَّ هللا، لذا كان عند قدوم السلطان لزيارته ال يقوم له من مجلسه، أما عند زيارته للسلطان فقد كان السلطان يقوم له من مجلسه توقيراً له واحتراماً ويجلسه بجانبه، حتى الحظ ذلك وزراء السلطان وحاشيته، حتى أبدى الصدر األعظم »محمود باشا« دهشته للسلطان فقال له : ال أدري يا سلطاني العظيم، لَم تقوم للشيخ »آق شمس الدين« عند زيارته لك، من دون سائر العلماء والشيوخ، في الوقت الذي ال يقوم لك تعظيماً عند زيارتك له؟ فأجابه السلطان: أنا أيضاً ال أدري

السبب، ولكني عندما أراه مقبالً علي، ال أملك نفسي من القيام له، أما سائر العلماء والشيوخ، فإني أراهم يرتجفون من حضوري، وتتلعثم ألسنتهم عندما يتحدثون معي، في الوقت الذي أجد نفسي أتلعثم

عند محادثتي الشيخ آق شمس الدين)17(.

هكذا كان الشيخ »آق شمس الدين« ال يخشى في هللا لومة الئم، فلم يكن ذاك العالم الذي يرتجي رضوان السلطان من دون هللا ككثير من علماء هذا العصر الذين ال شاغل لهم سوى منافقة السلطان وإراقة ماء الوجه والتملق للحصول على ما يطمحون إليه من مكاسب دنيوية متاجرين في الدين فال

يقولون إال ما يُرضي الحكام، إنما كان ذو كلمة حق، وبمثله تنهض األمة اإلسالمية.

5-وفاته:

عاد الشيخ آق شمس الدين بعد ست سنوات من فتح القسطنطينية إلى موطنه في قضاء كونياك في مدينة بولو حاليا بعد أن أحس بالحاجة إلى ذلك رغم إصرار السلطان على بقائه في إستانبول

فمات عند وصوله عام )368 هـ/ 9541م(.)18(

ثانيًا: دراسة رسالة في ذكر هللا :

1- توثيق الرسالة إلى آق شمس الدين :

فيما بدا لنا واتضح جليًّا أن رسالة ذكر هللا هي ضمن المؤلَّف الموسوم بالرسالة النورية المنسوب صراحةً للشيخ آق شمس الدين الذي ضمَّ عدًدا من الرسائل في موضوعات التصّوف

المختلفة وقد جاءت في القطعة الثالثة واألربعين مبتدئةً بالبسملة وشرح الذكر لغة وشرعاً بقوله:« اعلم أن الّذكر لغةً ضد النسيان، وشرًعا يعبّر عن جميع األعمال الّصالحة«)19( وانتهت في القطعة

الثامنة واألربعين بقوله :«وليكن هذا آخرما حررناه ومحرره الفقير إلى رحمة ربه الغنّي الحسين بن محمد الحسيني ، َمْن نَظََر فيه فليرحمه، والينساه من الدعاء بالخير له ، كي يرحمه هللا والينساه يوم القيامة في سنة 089 هــ »)20( مما يعني أن الرسالة قد نسخت بعد وفاته بمئة وعشرين سنة ، وناسخ

هذه الرسالة كما هو واضح في ذيلها الحسين بن محمد الحسيني ،وهي على غرار رسائل أخرى حررها نُسَّاٌخ عن مصنَّفات الشيخ آق شمس الدين كما يتَِّضُح في مجموعة الرسالة النورية وحسبي

ههنا مثالً على ذلك قول محرر الرسالة السابقة على رسالته في ذكر هللا » كتبت هذه الرسالة من خطِّ

17 )( فاتح القسطنطينية محمد الفاتح: الصالبي، 511/1.18 )( العثمانيون في التاريخ والحضارة، د. محمد حرب، 673. وانظر: الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية، أحمد بن مصطفى بن خليل، أبو الخير، عصام الدين طاْشُكْبري َزاَدْه )المتوفى: 869هـ(، دار الكتاب العربي – بيروت ، 831 ففيه فضل إيضاح عن سيرة الشيخ آق شمس الدين طَيَّب هللا ثراه .

19 )( المخطوط ))ظ/34((20 )( المخطوط ))و/84((

آق شمس الدِّين ورسالته في ذكر هللا 103

مؤلِّفها الشيخ آق شس الدين قَدَّس هللا سره العزيز »)21( يضاف إلى هذا توافق مصادر التصنيف البيوغرافيا الموجودة في المكتبة السليمانية برقم 062/ برتيف باشا على صحة اسم الرسالة ونسبتها

إلى الشيخ شمس الدين.

2- مصادر الشيخ في رسالته :

قد عرفنا أن الشيخ آق شمس الدين متنوع الثقافة والعلوم وتأتى له مالم يتأَت لقليل من أهل العلم؛ ر بها فكره وقد متح من القرآن ما جعل اعتمده على مصادر متنوعة أمًرا طبيعيا سرى بها قلمه وتنوَّالكريم الذي لم يفتأ في تبيان أفكاره من االستشهاد بآياته وكتب الحديث التي أكثر من االعتماد عليها

كثرة مفرطة ، وكذا اعتمد على البيضاوي نقال عن الزمخشري في تفسيرهما المشهورين )22( واإلمام النَّسفي في تفسيره )23( ، ولعل طبيعة الموضوع الذي ناقشه الشيخ قد فرض عليه االكتفاء بما ذكرت آنفاً ، إ ذ ليس لموضوعه سبيل إلى مصنفات المكتبة األخرى من مثل البالغة والنحو وغيرها

من علوم العربية أو العلوم اإلسالمية.

3-منهج الشيخ في رسالته وأفكاره فيها:

ًجا على مفهومها في العرف العام استهلَّ الشيُخ رسالته بشرح لفظة الذكر لغةً واصطالًحا، ثمَّ ُمَعرِّوما يعنيه ذكر هللا لدى أهل العلم الذين يجعل بعضهم ذكر هللا في ناصية كل أمر وبعض منهم يجهله في نهاية كل أمٍر وبعض منهم يجعله وسطًا وآخرون يجعله ديدنه مستشهًدا بقول النبّي )ص(:﴿ قال

هللا تعالى ال إله إاّل هللا حصني فمن دخل حصني أَِمن من عذابي﴾)24( ثم بعد ذلك يتوسَّع في شرح معاني الذكر الخفي منها والجهري وفضل كلٍّ منهما وفق قول النبي )ص( الذي وعد المكثرين من

ذكر هللا ، أن يرتعوا في رياض الجنة . ثم يقف عند كلمة الحصن التي وردت في حديث النبي ومالها من معاني األمان والطمأنينة الراحة المتحققة بذكر هللا السيما للخائف المذعور )25( ويعرض لنكران

البعض للذكر الجهري الذي ينتصر له باستشهاده بقوله تعالى:﴿فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا هللا كذكركم آباءكم أو أشّد ذكرا﴾ [ البقرة، 002/1 ]مؤكًدا مذهبه بقول البيضاوّي على وفق ما في الكّشاف: )فإذا فرغتم من عباداتكم الحجيّة فأكثروا ذكر هللا تعالى وبالغوا فيه كما تفعلون في ذكر

آبائكم في المفاخرة، وكان العرب إذا قضوا مناسكهم وقفوا بمنى بين المسجد والجبل، فيذكرون مفاخرهم ومحاسن آلبائهم(، ثم يقول »وبهذا دليل قاطع وبرهان واضح على جواز الّذكر جهًرا؛ ألّن االفتخار بمفاخرهم ومحاسن آبائهم ال يكون إاّل بإسماع المفاخر للغير وذلك ال يكون إاّل بالجهر )26( »

ا وقد جعل هللا تعالى لكلِّ فريضٍة حّدا واضًحا، ثّم عذر أهلها بعذر، غير الذكر فإنّه لم يجعل له حّدًينتهي إليه، ولم يعذر أحًدا في تركه؛ إاّل مغلًوبا على عقله، وأمرهم به في األحوال كلّها فقال:﴿ فاذكروا هللا قياما وقعودا وعلى جنوبكم ﴾[ النساء، 301/3] ، وقال: ﴿اذكروا هللا ذكرا كثيرا﴾ [

األحزاب، 14/33 ]. في كل حاٍل، فهذا أصرح الّدالئل وأدمغها على جواز الّذكر جهًرا.

21 )( المخطوط ))ظ/34((22 )( المخطوط ))و/44 ، ظ/44((

23 )( المخطوط ))و/54 ((24 )( المخطوطة ))ظ/34((25 )( المخطوطة ))و/44((

26 )( المخطوطة ))و/44((.

104تحقيق ودراسة

ثم جاء بذكر الشهادة التي تعد فحوى الذكر وقلبه وما أعد هللا للذاكرين من مغفرة وأجر عظيم ومستدالً بذلك على أفعال النبي )ص( الذي لم يكن ينتهي من صالته حتى يباشر في ذكر هللا وتوحيده

.)27(

وقد استشهد المنكرون الجهر بالذكر بقوله تعالى : ﴿واذكر ربّك في نفسك تضّرًعا وخفيةً ودون الجهر من القول بالغدّو واآلصال﴾ [األعراف، 502/7]، والمراد بقوله تعالى وفق ما نقل الشيخ شمس الدين عن النسفي قوله :)المراد من قوله تعالى واذكر ربّك في نفسك القراءة في الّصالة،

ا بالقلب في السّريّات، ومعنى دون ومعنى تضّرًعا جهر باللّسان في الجهريّات، ومعنى خفيةً سّرًح هذا الذكر في مواقف معينة دون غيرها شرط البعد الجهر من القول ال جهًرا مفرطًا( )28( وقد رجَّعن البدع التي نهانا عنها اإلسالم الحنيف ، وكان رأيه يميل إلى وجوب الذكر في جميع الحاالت

وفق مقتضيا ت الحال الراهنة بالذاكر اليخرج فيها عن آداب اإلسالم لتصل بها إلى الرياء والنفاق مما يشّوه صورة الذاكر والذكر وينفّر الناس منه ومن فعله فيقع في الهالك الذي لم ينادي به هللا

سبحانه وتعالى.

أما فيما يخص الحركة في أثناء الذكر ففيها اليجد الشيخ آق شمس الدين حرًجا ؛ بل يذهب أبعد من ذلك مستشهًدا بتمايل أصحاب النبّي صلّى هللا عليه وسلّم الذين كانوا إذا ذكروا هللا مادوا كما تميد

ٍة الشجرة في يوم الّريح، وهذا مما يتملَّك اإلنساَن من الحاِل السيَّما حينما يصدر أصواتًا غير تامَّبًا بها إذ يجد فيها حالوة ليست في غيرها . بالمدِّ أو القصِر أو يردد كلمة هللا غير مّرة مترنًّما متطرِّ

ًما أصوات وهذا وقد عرض أيًضا لمسألة اآلالت التي يمكن استخدامها في أثناء الذكر ُمَحرِّاآلالت التي تستعمل في المالهي والشك أنها للتطريب الذي يدخل في الحرام ، والدَّف الذي اجازه الشافعي قال بوجوب تركه ، وحضَّ على سماع األشعار باأللحان الطيّبة واألصوات الحسنة بأّي

لسان كان من العربّي والعجمّي والتركّي الّداعية إلى ذكر هللا تعالى الحاثّة إلى أنواع العبادات المشّوقة)29(

والبدَّ أن يكون سماع الذكر ممن يجوز سماعه فمثالً اليجوز سماعه من المرأة المشتهاة التي تثير ُث بالهجر والوصل والمنع والصدِّ بعيًدا عن مواجد اإلنسان ودواخله على خالف هذا المرأة التي تَُحدِّاألوصاف المخلَِّة فسماعها جائٌز على األصحِّ ، ألنَّ الذكر يؤثّر في المخلوقات جميعها ومن اليؤثر

وحانية إذ إنَّ البهائم تتأثّر بالنغمات الموزونة ولذلك الذكر فيه فهو مائل عن االعتدال ، أو بعيد عن الرُّكانت تقف على رأس داود عليه الّسالم الستماع صوته وكان عليه الّسالم حسن الّصوت حتى يجتمع

األنس والطير لسماع صوته )30(

إنَّ للمستمع أربعة أحواٍل وفق ماذكره الشيخ شمس الدين وهي :

أوالً: االستلذاذ باأللحان والنغمات بمجّرد الطّبع بال فهم المسموع وبهذا أحسن مراتب الّسماع الشتراكه البهايم فيه)31(

27 )( المخطوطة ))ظ/44((28 )( المخطوطة ))و/54((.29 )( المخطوطة ))و/64((.30 )( المخطوطة ))ظ/64((.31 )( المخطوطة ))ظ/64((.

آق شمس الدِّين ورسالته في ذكر هللا 105

ثانيًا: االستلذاذ بالفهم ولكن بتنزيله على حسب شهواته الخبيثة وهذا االستلذاذ حرام واستحالله كفٌر .

ثالثًا: االستلذاذ بالفهم والتنزيل على األحوال في المعاملة مع هللا تعالى مثال إذا سمع شيئا من العتاب والخطاب والّرد والقبول والهجرة والوصل والقرب والبعد وغيرها مما تشتمل عليه األشعار

المنشدة في مجالس الّسماع فيجري ذلك مجرى قّداح يُوِري َزنَاَد قلبه فتشتعل به نيرانُه ويقوي انبعاث ره الشوق وهيجانه .وفي هذه الحال يتوقف الشيخ عند شرح مفهوم الوجد وكيفية تأتيه للواجد وتحضُّ

في نفسه وهي التي يردها إلى السماع وما يحدثه في النفس التي ترتد إلى أحوال قديمة كالحزن والخوف والّسرور واألسف والندم والبسط والقبض فيهيّجها الّسماع أو يقّويها وقد يهيّج أو يقّوي

شوقًا وال يدري الواجد إلى ما اشتاق ويجد في نفسه حالة اليجد لها تفسيًرا دقيقًا . وبعبارة أخرى نجد السماع المفهوم لدى اإلنسان يهيج حالة قديمة عاشها محزونًا أو مسروًرا ، تتفاعل نفسه معها حتى

ل بالتباكي يصل به األمر إلى ساحة الالشعور فيعبر عن ذاته بطريقة عفوية كالبكاء الذي يتحصَّوغيره من أحوال النفس المختلفة التي تعبر عن الحال المعيشة بطريقة غير موزونة كاالضطراب أو

بطريقة موزونة كالتصفيق .

وما أثار عجبي أنَّ الشيخ آق شمس الدين ساق قصةً في َعْجِب الرسالِة تبيّن ضعف أهل التصّوف بَهُ فيهم ما دفع أحد شيوخهم إلى اعتزال ورخاوة بابهم الذين سهََّل على إبليس دخوله وأوالده إليهم وتلعُّ

ب والتمايل. السماع وما ينتج عنه من التَّطرُّ

ويمكن تلخيص أبرز ما رصده المقال في رسالة ذكر هللا اآلتي :

-سير الشيخ آق شمس الدين وفق منهج تحليلي وصفيٍّ بدأ بالمعنى المعجمي للذكر واالصطالحي مروًرا بأفكاره التي رتَّبها ترتيبًا علميًا مقنعاً بعيًدا عن الخلل واالضطراب.

- وقوفه على مسألة الذكر الخفي والذكر الجهري متوسًعا في شرح كلٍّ منهما وفضلهما وفق قول النبي )ص( الذي وعد المكثرين من ذكر هللا، أن يرتعوا في رياض الجنة وينعموا بنعيمها .

- مما يالحظ عنايته الفائقة بالشواهد للتدليل على أفكاره ومفردات رسالته .

- ذكره لكلِّ ما يتعلُّق بمسالة الذكر من السماع والحركات التي ترافقه واالستلذاذ بالسماع ووجوبه وتحريمه على أقصى درجات التفصيل

- اعتماده في شواهده على القرآن والحديث الشريف ، وفي هذا داللة مكينة على معرفة الشيخ الواسعة وارتباطه الوثيق بالكتاب والسنة بعيًدا عن الخرفات واألوهام التي شاعت كثيًرا في عصره

وانتشرت .

- إكثاره من الشواهد كثرة كاثرة ، حتى بدت رسالته مزيًجا من القرآن والحديث ، وفي هذا إشارة إلى المشككين بمنهج الشيخ أنه أتى على شواهَد ال يأتيها الشك من أي جانب على خالف من

كانوا يخطون كتابتهم مستشهدين بعدد من كرمات األولياء في زمن تراخت فيه السنة النبوية وابتعد فيه عن فهم القرآن فهما صحيًحا .

- امتازت الرسالة بلغة بسيطة سهلة التناول بعيدة عن التعقيد ، ألن هدف الشيخ إيصال فكرة الذكر إلى الناس جمعيهم ، وليس إلى فئة بعينها .مما يجعل خطابه الديني ههنا خطابًا عاًما .

106تحقيق ودراسة

4- منهج التحقيق :

وصف المخطوطة :-

نسخة المخطوطة سليمة من عوامل الزمن ، ملونة مصورة من نسخة خطية موجودة في المكتبة السليمانية برقم 062/ برتيف باشا تقوم على خمسة لوحات ،تشمل اللوحة

الواحدة قطعتين ، رمزنا لألولى بـ)و( للوجه وبــ) ظ( للظهر وقد تألَّفت القطعة الواحدة من ثالثة وعشرين سطًرا عدا القطعة األولى تألفت من خمسة عشر سطًرا ألن الرسالة بدأت في

وسطها، واألخيرة من سبعة أسطٍر حيث انتهت الرسالة ، وقد جاء في كل سطٍر ما يقرب من ثنتي عشرة كلمة تقريبًا ، وقد نسخت بخط مشرقي متوسط الحجم مقروٍء ، وقد اضطرد

في الرسالة نظام التعقيبة ، إذ التزم الشيخ بذكر الكلمة األولى من وجه اللوحة في أسفل يسار ظهر اللوحة التي قبلها وهذا يؤكد عدم وجود سقط في الرسالة .وقد وجد في هوامش الرسالة

نه الشيخ هناك السيَّما في حواٍش وضحت بعض المسائل ، أو أنَّ ما سقط من الرسالة دوَّاللوحة الثانية والرابعة والخامسة ،ويجدر بنا ههنا اإلشارة إلى خلوِّ المخطوطة من األخطاء التي تكون عادة بفعل سبق النظر من الناسخ أو السهو ، مما يدل على عناية الناسخ في أثناء

نسخه لعمل الشيخ آق شمس ت الدين .

عملي في المخطوطة :-

أهم ما يقوم عليه منهج التحقيق هو إخراج النص المخطوط بصورة بهيّة وفق ما أراده صاحبه من دون تدخٍل من المحقق يحرف الكلم عن مواضعه ومراده ، وعادة ما يحدث هذا حينما يقرأ المحقق النص قراءة خاطئة ، فإنَّ رسالة الشيخ وضحة خال بعض المواضع التي

لم أتبيّن مراد الكلمات ورسمها الحقيقي وقد أشرت إليها ولكنني كنت قد تدّخلت في بعض المسائل وهي اآلتية :

1-قمت بتحرير النص وفق القواعد اإلمالئية المعروفة خالفًا لما كان عليه الشيخ آق شمس الدين – طيَّب هللا ثراه –وفق اآلتي :

أ-رددت الهمزة إلى أصلها في مسألة تسهيل الهمزة مثل قوله )فايدة( واألصل وفق القاعدة أن ترسم )فائدة(.

ب-اعتماده الرسم القرآني في كثير من الكلمات مثل ) الصلوة( واألصل أن تكتب ) الصلوات( ألن الرسم القرآني خاص بالقرآن دون غيره .

ت- تحرير همزة الوصل والقطع كلٍّ في موضعها التي جعلها الشيخ كلَّها همزةَ وصٍل على غرار منهج المؤلّفين والنُّساخ .

ح-إثبات الياء المنقوطة المغايرة للياء غير المنقوطة كلٍّ في موضعها .

2-عزوت اآليات القرآنية إلى سورها ووضعتها بين قوسين مزهرتين .

آق شمس الدِّين ورسالته في ذكر هللا 107

قمت بتخريج األحاديث النبوية الشريفة من الكتب التي وجدت فيها ، إذ لم أجد شيئا - منها في كتب الصحاح والمسانيد .

وثّقُت األقوال التي وردت في الرسالة بالرجوع إلى كتب أصحابها من مثل كتب - التفسير أو الشروح وغيرها .

حررُت ما جاء في الهوامش في حواشي التحقيق .-

فككت اختصارات الشيخ في الرسالة مثل )تع ( إلى ) تعالى( -

وقد اجتهدت قدر السعة والمستطاع في إخراج النص وفق ما أراده صاحبه وهللا ولي التوفيق .

تحـــــقــيـــق الــرسالـــــةبسم هللا الرحمن الرحيم

اعلم أن الّذكر لغةً ضد النسيان، وشرًعا يعبّر عن جميع األعمال الّصالحة، وأّما في العرف العاّم فكلمة ال إله إاّل هللا، واختار بعض المشايخ ال إله إاّل هللا في االبتداء، وكلمة هللا في االنتهاء، وبعضهم

كلمة ال إله إاّل هللا ابتداًء وكلمة هللا وسطَا وكلمة تعالى انتهاًء، وبعضهم كلمة هللا دائًما، وبعضهم األسماء الّسبعة المعروفة فيما بين الخلق تبيّن ولكن األفضل األشهر الملقن من سلطان المرسلين

صلّى هللا عليه وسلم قال هللا تعالى تلقيًنا عاًما إلى اآلن ذكر ال إله إاّل هللا، قال النبي صلى هللا عليه وسلم: ﴿ قال هللا تعالى ال إله إاّل هللا حصني فمن دخل حصني أَِمن من عذابي﴾)32(، ففي الدخول في

هذا الحصن أربع مراتب: الدخول باللّسان وحده، والّدخول باللّسان والقلب مع خطر الخواطر، واستمكان الذكر في القلب بحيث ال يحتاج في صرف الخواطر عنه إلى التكلّف، واستيالء السلطان المذكور صاحب الحصن وانمحاء الّذكر وفناء الذاكر، بحيث يغيب عن نفسه ويفنى عن فنائه أيًضا

وبهذه الحالة الّتي يعبّر العرفاء عنها بالفناء.

وأشار إليها النّبي عليه الّصالة والّسالم بقوله بفضل الّذكر الخفّي على الّذكر يسمعه الحفظة سبعين ضعفًا، وقال النبّي صلّى هللا عليه وسلّم:﴿ من أحّب أن يرتع في رياض الجنّة فليكثر ذكر هللا

تعالى﴾)33(، وقال عيسى عليه الّصالة والّسالم في بعض ما وعظ به بني إسرائيل:﴿ أن هللا تعالى أمركم

- 177 هـ(، السبكى )727 ابن هـ(، 608 - الِعراقي )527 المؤلفون: الدين، إحياء علوم أحاديث تخريج )( 32الزبيدي )5411 - 5021 هـ(، استِخَراج: أبي عبد هللاَّ َمحُمود بِن ُمَحّمد الَحّداد )4731 هـ -؟(، دار العاصمة مصطفى بن حقي إسماعيل البيان، روح . ج173/1 ، م 789 - هـ 8041 ط1، الرياض، للنشر،

اإلستانبولي الحنفي الخلوتي المولى أبو الفداء )المتوفى: 7211هـ(، دار الفكر، بيروت، ج8/ 224 .33 )( المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي: أحمد بن محمد بن الصدِّيق بن أحمد، أبو الفيض الُغَماِري نَن الحسني األزهري )المتوفى: 0831 هـ(، دار الكتبي، القاهرة، ط1، 6991، 1/ 964. جامع المسانيد والسُّالهادي ألقوم َسنَن، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي )المتوفى: 477هـ(، تح: د عبد الملك بن عبد هللا الدهيش، دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، طبع على نفقة المحقق

ويطلب من مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، ط2، 8991م، 745/7.

108تحقيق ودراسة

بكثرة ذكر هللا تعالى وأن َمثَل ذلك كمثل رجل طلبه ظ/34

األعداء، وانطلقوا في طلبه سراًعا ففّر حتّى أتى حصنًا فأحرز نَْفَسهُ﴾)34(. وقال هللا تعالى ففّروا إلى هللا فظهر أن الذاكر يفّر من أعداء الشياطين والخواطر الشيطانيّة وسائر األعداء إلى حصن ربّه؛ فالفّار الخائف وقت غلبة األعداء يستغيث ويصيح صياًحا شديًدا، وينادي بأعلى صوته حتّى يدخل الحصن فيأمن، وربّما يصيح صياًحا شديًدا لفرحه ونشاطه بدخول الحصَن الحصيَن المأَمَن، وهللا

تعالى أقرب من حبل الوريد لكن الذاكر في المراتب الثالثة من األربعة المذكورة بعيٌد بُْعد محجوب عنه، فال بّد له في الفرار إلى هللا من الصياح فيذكر ربّه بالجهر. فاعلم أنّهم قّدس هللا سّرهم قد اختلفوا

في اختيار الذكر جهًرا وخفية؛ القتضاء مشرب بعضهم الجهر، ومشرب بعضهم الخفية، ولم ينكر بعضهم مشرب بعضهم اآلخر؛ ألّن الطرق إلى هللا تعالى بعدد أنفاس الخالئق. ومن النّاس من ينكر

الذكر الجهرّي وتدّل على جواز ذلك آيات وأخبار وآثار، قال هللا تعالى:﴿فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا هللا كذكركم آباءكم أو أشّد ذكرا﴾ [ البقرة، 002/1 ]، قال البيضاوّي على وفق ما في الكّشاف: )فإذا

فرغتم من عباداتكم الحجيّة فأكثروا ذكر هللا تعالى وبالغوا فيه كما تفعلون في ذكر آبائكم في المفاخرة، وكان العرب إذا قضوا مناسكهم وقفوا بمنى بين المسجد والجبل، فيذكرون مفاخرهم ومحاسن آلبائهم(، )35( وبهذا دليل قاطع وبرهان واضح على جواز الّذكر جهًرا؛ ألّن االفتخار

بمفاخرهم ومحاسن آبائهم ال يكون إاّل بإسماع المفاخر للغير وذلك ال يكون إاّل بالجهر. وقد جاء في كتب األصول أّن الّعام قطعّي في مفهومه مالم يخّصص ولم يظهر بنا التّخصيص باإلخفاء، بل رّجح

التّشبيه جانب الجهر وال تغفل عن جريان القاعدة في جميع ما يجيء من األدلّة مطلقة، وقال هللا تعالى: ﴿الذين يذكرون هللا قياًما وقعوًدا وعلى جنوبهم﴾[آل عمران، 191/2] ، قال البيضاوّي على

وفق ما في الكّشاف أي يذكرونه دائًما على الحاالت كلّها، وقال هللا تعالى: ﴿يا أيّها الذين آمنوا اذكروا هللا ذكرا كثيًرا وسبحوا بكرةً وأصياًل﴾ [األحزاب، 14/33، 24] ، قال ابن عباس رضي هللا عنه: لم يفرض هللا تعالى فريضةً على عباده إاّل جعل لها حّدا معلوًما، ثّم عذر أهلها بعذر، غير الذكر فإنّه لم ا ينتهي إليه، ولم يعذر أحًدا في تركه؛ إاّل مغلًوبا على عقله، وأمرهم به في األحوال كلّها يجعل له حّدً

فقال: ﴿فاذكروا هللا قياما و/44

وقعودا وعلى جنوبكم﴾[ النساء، 301/3] ، وقال: ﴿اذكروا هللا ذكرا كثيرا﴾ [األحزاب، 14/33 ]. وكذا باللّيل والنّهار، وفي البّر والبحر، والّسفر والحضر، والمرض والصّحة، والغنى والفقر، والّسّر

والعالنيّة وعلى كل حال)36(، فهذا أصرح الّدالئل على جواز الّذكر جهًرا.

34 )( الجامع ألحكام القرآن = تفسير القرطبي: أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي )المتوفى: 176هـ(، تح: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب

المصرية، القاهرة، ط2، 4831هـ - 4691م، 902/2.35 )( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار هللا )المتوفى: 835هـ(، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 7041 هـ، 742/1. فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب

)حاشية الطيبي على الكشاف(: شرف الدين الحسين بن عبد هللا الطيبي )المتوفى: 347 هـ(، مقدمة التحقيق: إياد محمد الغوج، القسم الدراسي: د. جميل بني عطا، المشرف العام على اإلخراج العلمي للكتاب: د. محمد عبد الرحيم سلطان العلماء، جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، ط1، 4341 هـ - 3102 م، 403/3.

36 )( الدر المنثور: عبد الرحمن بن أبي بكر جالل الدين السيوطي )المتوفى: 119هـ(، دار الفكر، بيروت.916/6. معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي: لمحيي السنة ، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

الشافعي )المتوفى : 015هـ(، تح: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي –بيروت، ط1، 0241 هـ، 746/3.

آق شمس الدِّين ورسالته في ذكر هللا 109

وقال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتّقوا هللا وقولوا قواًل سديًدا﴾ [األحزاب، 07/33] ، وهي كلمة ال إله إاّل هللا، ونهانا عن كتمان الشهادة بقوله: ﴿وال تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنّه آثم قلبه﴾ [

البقرة، 382/1] ، فيكون النّهي عن الكتمان أمًرا باإلعالن، وأعلى مراتب الشهادة للمشهود الشهادة على وحدانيّة المعبود، كما قال هللا تعالى: ﴿شهد هللا أنّه ال إله إاّل هو والمالئكة وأولوا العلم﴾ [آل

عمران، 81/2] ، فالبّد للشاهد من إظهار الشهادة برفع الصوت بالّذكر، وقال هللا تعالى: ﴿والّذاكرين هللا كثيًرا والّذاكرات أعّد هللا لهم مغفرةً وأجًرا عظيًما﴾ [األحزاب، 53/33] ، ومن المعلوم أن الكثرة

تستلزم الّذكر الجهرّي، وقال النّبي عليه الّصالة والّسالم: ﴿اكثروا ذكر هللا تعالى حتى يقولوا إنّه لمجنون﴾)37(. وقال عليه الّسالم: ﴿ أكثروا ذكر هللا تعالى حتّى يقول المنافقون إنكم مراؤون﴾)38( وجاء

في المصابيح عن عبد هللا بن الّزبير قال: ﴿إن النّبي عليه الّسالم إذا سلّم من صالته قال بصوته األعلى ال إله إاّل هللا وحده ال شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وال حول وال قّوة إاّل باهلل

وال نعبد إاّل إيّاه له النعمة وله الفضل وله الثّناء الحسن ال إله إال هللا مخلصين له الّدين ولو كره الكافرون﴾)39(.

وعن أبي بن كعب قال: ﴿كان رسول هللا صلى عليه وسلم إذا سلّم في الوتر قال سبحان هللا الملك القّدوس ثالث مرات يرفع في الثّالثة صوته﴾)40(، وعن أنس قال: قال رسول هللا: ﴿ألن أقعد مع قوم

يذكرون هللا تعالى من صالة الغداة حتّى تطلع الشمس أحّب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل عليه الّسالم، وألن أقعد مع قوم يذكرون هللا تعالى من صالة العصر إلى أن تغرب الّشمس أحّب إلي

من أعتق أربعة﴾)41(، وقال: ﴿إذا مررتم برياض الجنّة فارتعوا منها، قالوا: وما رياض الجنّة، قال:

37 )( عمل اليوم والليلة سلوك النبي مع ربه عز وجل ومعاشرته مع العباد: أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نِّي« )المتوفى: 463هـ(، تح: كوثر ، المعروف بـ »ابن السُّ ْينََوريُّ أسباط بن عبد هللا بن إبراهيم بن بَُدْيح، الدِّ

البرني، دار القبلة للثقافة اإلسالمية ومؤسسة علوم القرآن - جدة / بيروت ،7 .38 )( صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته: عبد الرحمن بن أبي بكر، جالل الدين السيوطي )المتوفى: 119هـ(، مع الكتاب: أحكام محمد ناصر الدين األلباني، هذا الكتاب اإللكتروني، يمثل جميع أحاديث الجامع الصغير وزيادته للسيوطي، مع حكم الشيخ ناصر من صحيح أو ضعيف الجامع الصغير، وهو متن مرتبط بشرحه، من فيض القدير للمناوي.ص2303 . كنز العمال في سنن األقوال واألفعال: عالء الدين علي بن حسام الدين ابن قاضي خان القادري الشاذلي الهندي البرهانفوري ثم المدني فالمكي الشهير بالمتقي الهندي )المتوفى: 579هـ(،

تح: بكري حياني - صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، ط5، 1041هـ/1891م، ج414/1 .يرازيُّ ريُر الشِّ ْيَدانيُّ الكوفي الضَّ 39 )( المفاتيح في شرح المصابيح: الحسين بن محمود بن الحسن، مظهر الدين الزَّالَحنَفيُّ المشهوُر بالُمْظِهري )المتوفى: 727 هـ(، تح: لجنة مختصة من المحققين بإشراف: نور الدين طالب، دار النوادر، وهو من إصدارات إدارة الثقافة اإلسالمية - وزارة األوقاف الكويتية، ط1، 3341هـ - 2102م، ين يِن عبِد اللطيف بِن عبد العزيز بن أمين الدِّ ُد بُن عزِّ الدِّ 571/2. شرح مصابيح السنة لإلمام البغوي: محمَّلجنة مختصة من تح: هـ(، )المتوفى: 458 الَملَك ابن بـ المشهور ، الحنفيُّ الَكرمانّي، وميُّ الرُّ فِِرْشتَا، بِن

المحققين بإشراف: نور الدين طالب، الناشر: إدارة الثقافة اإلسالمية، ط1، 3341 هـ - 2102 م، 54/2.اليماني الصنعاني )المتوفى: 112هـ(، تح: حبيب الحميري نافع الرزاق بن همام بن أبو بكر عبد 40 )( المصنف: الرحمن األعظمي، الناشر: المجلس العلمي- الهند، يطلب من: المكتب اإلسالمي – بيروت، الطبعة: الثانية، 3041، 23/3. المصنف في األحاديث واآلثار: أبو بكر بن أبي شيبة، عبد هللا بن محمد بن إبراهيم بن عثمان

العبسي )المتوفى: 532هـ(، تح: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد – الرياض، ط1، 9041، 98/6.)المتوفى: البيهقي بكر أبو الخراساني الُخْسرْوِجردي موسى بن علي بن الحسين بن أحمد اإليمان: 41 )( شعب 854هـ(، تح: الدكتور عبد العلي عبد الحميد حامد، أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه: مختار أحمد الندوي، مكتبة الرشد، الرياض- الدار السلفية، بومباي، الهند، ط1، 3241 هـ - 3002 م، 78/2. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: أبو الحسن عبيد هللا بن محمد عبد السالم بن خان محمد بن أمان هللا ابن حسام الدين السلفية – الجامعة - العلمية والدعوة واإلفتاء البحوث إدارة )المتوفى: 4141هـ(، المباركفوري الرحماني

110تحقيق ودراسة

َحلَُق الّذكر﴾)42(، وقال النّبي صلّى هللا عليه وسلّم: ﴿قال هللا تعالى أنا عند ظّن عبدي، وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في

مإل ذكرته في مإل خير منه﴾)43(. وروى أّن النّاس كانوا يذكرون هللا عند غروب الشمس يرفعون أصواتهم فإذا خفيت أصواتهم فأرسل إليهم عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أن نّوروا الّذكر؛ أي

ارفعوا أصواتكم. وروى عن ظ/44 أبي هريرة رضي هللا عنه أنّه دخل الّسوق فقال: أراكم ههنا ُم في المسجد، فذهب النّاس إلى المسجد فرجعوا فقالوا ما رأينا ميراثًا وميراث محّمد عليه الّسالم يُقَسَّ

يُقّسَّم، قال: فماذا رأيتم، قالوا: رأينا قوًما يذكرون هللا تعالى، ويقرؤون القرآن، قال: فذلكم ميراث محّمد عليه الّسالم )44(.

وفي روضة العلماء فافهم راشًدا يا أخ الموفّق، وفّرغ قلبك من نزغات الشيطان، بمالزمة ذكر هللا سّرا وعالنية. ونقل عن الغزالي وبعض العلماء إن اإلسرار بعٌد عن الّرياء فهو أفضل في حّق من

يخافه، وأّما في حّق من لم يخافه فالجهر ورفع الّصوت أفضل؛ ألّن فيه أكثر وفائدته تتعّدى إلى الغير من حيث أنه يوقظ قلب الّذاكر ويجمع إلى التفّكر فيه ويصرف سمعه عن غيره، ويزيد في نشاطه،

ويطرد العدّو، وكذا يوقظ غيره من نائٍم وغافٍل، فمهما زاد العمل وتعّدى النفع تكثر تضاعف األجر؛ فالّذاكرون إن كانوا مجتمعين فالجهر ورفع الّصوت مع قّوة شديدة أولى لهم؛ ألنّه أشّد تأثيًرا في دفع الوساوس والخواطر ورفع الحجب؛ وألّن لكل من الجماعة ثواب ذكر نفسه وثواب ذكر رفقائه، وإن كان الّذاكر وحده فإن كان مبتدئًا فالجهر أولى له وأفضل؛ لجمعه الحواس الّشاغلة عن الّذكر ودفعه

الوساوس والخواطر المّشوشة، وإن كان متوسطًا فاإلخفاء أولى له، وإن كان منتهيًا فالجهر واالخفاء سواٌء في حقّه.

اعلم أّن المنكرين على الّذكر جهًرا استدلّوا بأدلّة منها قوله تعالى: ﴿واذكر ربّك في نفسك تضّرًعا وخفيةً ودون الجهر من القول بالغدّو واآلصال﴾ [األعراف، 502/7]، أجيب عنه بأنّه قد نقل

قدوة المحقّقين وعمدة الحنفييّن أبو حفص عمر النّسفي في تفسيره المسّمى بالتيسير عن ابن عبّاس رضي هللا عنه أنّه قال: )المراد من قوله تعالى واذكر ربّك في نفسك القراءة في الّصالة، ومعنى

ا بالقلب في السّريّات، ومعنى دون الجهر من تضّرًعا جهر باللّسان في الجهريّات، ومعنى خفيةً سّرًالقول ال جهًرا مفرطًا( كما في قوله تعالى: ﴿ال تجهر بصالتك وال تخافت بها﴾ اآلية [اإلسراء،

نارس، الهند، ط3، 4041 هـ، 4891 م، 823/3. دبع وبأ :لبنح نب دمحأ مامإلا دنسم .1/368 ،يطويسلل :روثنملا ردلا )( 42

:ىفوتملا( ينابيشلا دسأ نب لاله نب لبنح نب دمحم نب دمحأ هللا نب هللا دبع د :فارشإ ،نورخآو ،دشرم لداع - طوؤنرألا بيعش :حت ،)ـه241

.19/498 ،م2001 - ـه 1421 ،1ط ،ةلاسرلا ةسسؤم ،يكرتلا نسحملا دبع43 )( الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل أبو عبدهللا البخاري الجعفي، تح: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة )مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي(، ط1، 2241هـ.، ج121/9 رقمه 5047. شرح رياض الصالحين: محمد بن صالح بن محمد العثيمين )المتوفى: 1241هـ(، دار الوطن للنشر، الرياض ،الطبعة:

6241 هـ، ج615/5 .44 )( المعجم األوسط: سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني )المتوفى: 063هـ(، تح: طارق بن عوض هللا بن محمد , عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين – القاهرة، ج511/2. الرياض، ط1، والتوزْيع، لِلنَْشِر الَمعارف مكتَبة األلباني، الدين ناصر محمد َوالتَّْرِهيب: التَّْرِغيب َصِحيُح

1241 هـ - 0002 م . بتصرف في نص الحديث .

آق شمس الدِّين ورسالته في ذكر هللا 111

011/71]، وأجيب بأّن الّشيخ الكامل المكّمل يوسف الكوراني في رسالة المسّماة بريحانة القلوب خّص بهذا الخطاب سيّد المرسلين، وليس ببعيد أن يكون الّذكر الجهرّي للمبتدئين أولى وأنسب، كما

مّر على أن االستدالل بهذه اآلية على إثبات و/54

الحرمة في الّذكر الجهرّي عماًل بمفهوم المخالفة وهو خالف مذهب اإلمام األعظم ومنها قوله تعالى: ﴿ادعوا ربّكم تضّرًعا وخفيةً﴾ [األعراف، 55/7]، وأجيب عنه بأّن المعنى على ما قاله القاضي وهللا أعلم، ادعوه متذلّلين مخلصين أنّه ال يحّب المجاوزين ما أمروا به من الدعاء وغيره، نبّه به على أّن الّداعي ينبغي أن ال يطلب ماال يليق به؛ َكُرْتبَِة األنبياء. فغايته ترجيح اإلخفاء في حّق من يخاف من

الّرياء وال كالم فيه، فال داللة فيها قطًعا على التحريم، ومنها َمنُعهُ عليه الّسالم قوًما ما رفعوا أصواتهم بالتّكبير والتّهليل، قائاًل: ﴿ أنّكم ال تدعون أصّم وال غائبًا إنّكم تدعون سميًعا قريبًا أنّه

معكم﴾)45(، أجيب بأنّه روي أنّه كان في غزاٍة، فلعّل ذلك لئال يعلم العدّو جيش المسلمين، كما نهاهم عن الجرس في المغازي. ومنها إخراج عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه قوًما اجتمعوا في المسجد

يهلّلون ويصلّون على النّبي، قائاًل: )ما أراكم إاّل مبتدعين( )46(. أجيب بعد تسليمه أنّه نسب إليه بالحقيقة بأّن الفعل الجائز يجوز أن يكون غير جائز، وبالعكس لغرض، مثل تعليم النّاس أنّه بدعة وإن كانت حسنة المصحف ونقطها وإعرابها لما تثبت في الفتاوى أن الّذكر بالجهر لو في المسجد ال يمنع احتراًزا عن الّدخول تحت قوله تعالى: ﴿ومن أظلم مّمن منع مساجد هللا أن يذكر فيها اسمه﴾ [البقرة،

411/1] كذا في البّزازي.

وأّما ترديد الُمْنِكر بأّن رفع الّصوت إّما لفائدة أواًل والثاني باطل وكذا األّول؛ ألّن فائدة الجهر إّما إسماع هللا تعالى، أو اسماع الخالئق، األّول كفر، والثّاني رياء. فترديٌد قبيٌح َغيُر حاصٍر لما

عرفت أن له فوائد غيرهما وكذا استدالله بقوله خير الّذكر الخفّي وخير الرزق ما يكفي، ال يفيد المنكر ألّن مراده التحريم ال الحّرية. وأّما ما نقله الُمْنِكر عن الكتب الفروعيّة واألصوليّة وعن

الشرعة من كون رفع الّصوت في التهليل مكروه وحراًما، بعد تسليم صّحة الّرواية؛ فمعناه أنّه حراٌم ومكروهٌ بالغير؛ يعني بمقارنته للّرياء فيمن لم يخلص جهره. وأما اّدعاء عدم خلوص الجهر عنه

مطلقًا، فمن قبيل سوء الظّن لعاّمة المؤمنين، الناشئ من قياس الغير إلى نفسه، وقال النبّي عليه الصالة والّسالم: ﴿ من قال هلك النّاس فهو أهلكهم﴾)47(، وفي الهداية وال يكبّر عند الحاج في طريق

المصلّي ظ/54

45 )( جامع البيان في تأويل القرآن: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب اآلملي أبو جعفر الطبري )المتوفى: 013هـ(، تح: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1، 0241 هـ - 0002 م، 684/21. صحيح البخاري: األزدي عمرو بن شداد بن بشير بن إسحاق بن األشعث بن سليمان داود أبو داود: أبي سنن .331/5بيروت، – صيدا العصرية، المكتبة الحميد، عبد الدين محيي محمد تح: 572هـ(، )المتوفى: ِجْستاني السِّ

.78/246 )( روح البيان: لإلستانبولي، 373/4.

47 )( مسند أبي داود الطيالسي: أبو داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي البصرى )المتوفى: 402هـ(، تح: الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي، دار هجر – مصر، ط1، 9141 هـ - 9991 ، 281/4. مسند ابن الجعد: علي بن الَجْعد بن عبيد الَجْوهَري البغدادي )المتوفى: 032هـ(، تح: عامر أحمد حيدر، مؤسسة نادر – بيروت، ط1، 0141 – 0991، 384/1. جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، الَسالمي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي )المتوفى: 597هـ(، تح: الدكتور محمد األحمدي أبو النور، دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، 4241 هـ -

4002 م، 599/3.

112تحقيق ودراسة

وعندما يكبّر وفي العناية يعني جهًرا وبهذه الّرواية رواية المعلّى عنه وروى الطّحاوي عنه يكبّر جهًرا، وبه أخذ أبو يوسف ومحّمد رحمهما هللا اعتباًرا باألضحى، وجه األّول أّن األصل في الثّناء اإلخفاء والشرع ورد به في األضحى ال في الفطر. وال يخفى أن كون األصل اإلخفاء ال

يدّل على الحرمة وأن اختيارهما الجهر بال ضرورة كما في األذان والخطبة والوعظ أدّل دليل على جواز الجهر وأّما قوله َخلَقَةُ الّذكر جهًرا اختراع في الّدين فقوٌل باطٌل ألّن الذكر عبادة مأمورة في

جميع األحوال والّرياء صفة رّدية منهيّة في جميع األحوال فينبغي لكّل مؤمن أن يشتغل بذكر ربّه في ا وجهًرا ويحترز عن الّرياء وسائر المهلكات غاية جميع حاالته وحده مع الجماعة بحلقة وبدونها سّرًاالحتراز كما في سائر الطاعات وال يؤاخذ الذاكر بالحركة عند الذكر ألن أصحاب رسول هللا صلّى

هللا عليه وسلّم إذا ذكروا هللا مادوا كما تميد الشجرة في يوم الّريح وقال الشيخ أبو الحسن الحرقانّي رحمه هللا: )الرجل هو الذي إذا قال هللا اهتز من فوق رأسه إلى أصابع قدميه وإال فليس برجل( . فإذا

حصل للذاكر الزوق والشوق فيغلب عليه الحال ويسلب عنه االختيار فال حرج عليه في تلك الحالة أن يذكر بأّي نوع يمكن ويجري على لسانه مثل أن يقول هللا هللا هللا أو هو هو هو أو ال ال ال أو آ آ آ

بالقصر أو آ آ آ بالمّد و آه آه آه في والقصر أو الضم أو ها ها ها أو هه هه هه بالفتح بال ألف أو أن يخرج منه صوت بال حرف كذا في ريحانة القلوب وأمثال بهذه ليست بعيدة من الذاكر الصادق ال سيما في أثناء الّسماع فاعلم أن الّسماع قد تكاثرت فيه األقوال وتباينت عليه األحوال أّما المسموع فمنه أصوات آالت المالهي فهو حرام ومنه َمالَهُ عند الشافعي له فُْسَحةٌ كالّدف ونحوه فتركه أولى وأليق وأحوط ومنه األذكار والمواعظ وقراءة القرآن وال شك في استحباب سماعها إن كانت على

الوجه المسنون ومنه األشعار باأللحان الطيّبة واألصوات الحسنة بأّي لسان كان من العربّي والعجمّي والتركّي فما يكون منها من اإللهيّات الّداعية إلى ذكر هللا تعالى الحاثّة إلى أنواع العبادات المشّوقة

إلى دار القرار والمقامات فال سبيل إلى إنكاره وما يكون منها من المجازيات في حسن الخدود والقدود و/64

وسائر أوصاف النسوة واألَماِرِد فسماعها حرام وأّما ما يكون منها فيه من الهجر والوصل والقطيعة دِّ والمنع والشوق والمحبة وغيره فاألّصح أن سماعه جائز وقيل ال وأما إذا كان القائل ممن والصَّ

يخشى الفتنة في أسماع منه مثل المراءة المشتهاة األجنبية واألمر وفالّسماع منه حرام ثم اعلم إن هلل تعالى سّرا عجيبا في مناسبة األصوات الموزونة لألرواح فإنها تؤثر فيها تأثيرا غريبا فمن األصوات م ومنها ما يضحك ومنها يطرب ومنها ما يُبكي وتأثير الصوت ما يفّرح ومنها ما يحزن ومنها ما يُنَوِّالطيب مشابه في الّصبى في َمْهده وحكى أبو بكر بن محمد بن داود الَدينوريُّ رحمه هللا تعالى قال:

)كنت في البادية فوافيت قبيلة من قبائل العرب فأضافني رجل منهم وأدخلني في خباء في الخباء عبًدا أسود مقيًّدا ورأيت ِجماالً قد ماتت بين يدي البيت وقد بقى منها جمل كان تُْنَزُع روحه فقال لي الغالم أنت ضيف ولكل حّق فاْشفِع في حقّي إلى َمواَلي فإنّه مكِرم لضيفه فال يرّد شفاعتك قال فلما أحضر الطّعام امتنعُت وقلُت ال آكل حتّى اشفع في هذا العبد فقال إن هذا العبد قد أفقرني وأهلك جميع مالي فقلت ماذا فعل فقال إّن له صوتًا طيِّبًا وإنّي كنت أعيش من ظهور هذه الجمال فحملها أحمااًل ثقيلةً

وكان يَْحدو بها حتى قطعت مسيرة ثالثة أيام في ليلة واحدة من لحيب نغمته فلما حطّت أحمالها ماتت كلّها إال هذا الجمل الواحد ولكن أنت ضيفي فلكرامتك قد وهبته لك قلت فأحببت أن اسمع صوته فلما

آق شمس الدِّين ورسالته في ذكر هللا 113

رفع العبد صوته قام ذلك الجمل وقطع حباله ووقعُت أنا على وجهي وما سمعت صوتا أطيب منه( )48( وحانية فإن البهائم تتأثّر بالنغمات ومن لم يحركه الّسماع فهو مائل عن االعتدال أو بعيد عن الرُّ

الموزونة ولذلك كانت تقف على رأس داود عليه الّسالم الستماع صوته وكان عليه الّسالم حسن الّصوت حتى يجتمع األنس والطير لسماع صوته وكان يُحمل من مجلسه آالف من الجنايز ونقل من

الوجد بالقرآن عن الّصحابة والتّابعين رضوان هللا عليهم أجمعين فمنهم من َصِعَق ومنهم من بكى ومنهم من غشى ومنهم من مات وقال أبو سليمان رح السماع ال يجعل في القلب ما ليس فيه بل يحّرك

ما فيه وللُمستمِع أربعة أحوال األول واإلستلذاذ باأللحان والنغمات بمجّرد الطّبع بال فهم المسموع وبهذا أحسن مراتب الّسماع الشتراكه البهايم فيه ظ/64

والثاني االستلذاذ بالفهم ولكن بتنزيله على حسب شهواته الخبيثة وهذا االستلذاذ حرام واستحالله كفٌر والثالث االستلذاذ بالفهم والتنزيل على األحوال في المعاملة مع هللا تعالى مثال إذا سمع

شيئا من العتاب والخطاب والّرد والقبول والهجرة والوصل والقرب والبعد وغيرها مما يشتمل عليه األشعار المنشدة في مجالس الّسماع فيجري ذلك مجرى قّداح يُوِري َزنَاَد قلبه فيشتعل به نيرانُه

ويقوي انبعاث الشوق وهيجانه ويهجم عليه بسببه أحوال مخالفة لعادته بل ربّما يحصل الموت واعلم أن الوجد عبارة عن حالة يثمرها الّسماع وهي واردة جديدة عقيب الّسماع يجدها المستمع من نفسه وهو إما يرجع إلى مكاشفات ومشاهدات وإلى تغيرات وأحوال كالشوق والخوف والحزن والّسرور

واألسف والندم والبسط والقبض. فيهيّجها الّسماع أو يقّويها وقد يهيّج أو يقّوي شوقًا وال يدري الواجد إلى ما اشتاق ويجد في نفسه حالة كأنّها أمًرا ليس يدري ما هو حتّى يقع ذلك للعوام وكما يكون الوجد

هاجما كذلك يكون متكلّفا وهو التواجد كالتباكي وهو محمود إن لم يكن يقصد الّرياء وقد يحصل به حقيقة الوجد كحصول البكاء بالتباكي كيف ال وابتداء كل صناعة بالتكلف وبه يحصل الملكة

والّرسوخ فال ييأس من لم يجد حّب هللا تعالى بل يتكلف في تحصيله بأن يجالس أهله ويتشبههم في أمورهم ويثمر الوجُد تحريك األطراف إّما بحركة غير موزونة فهي االضطراب وإّما بحركة

موزونة فهي التصفيق ومن أحسن ما يدّل على وقوعه وصّحته ما في معالي األخبار لإلمام أبي إسحاق الكالبادي روى عن عطية العوفي رضي هللا عنه قال دخل النبي صلى هللا عليه وسلم يوماً فِة فجلس بينهم وقال: ﴿أفيكم من ينشدنا أبياتًا﴾)49( فقال واحد منهم قد لََسَعت حيّة على أصحاب الصُّ

فت به، فعنده ُرقيَتِي وتِريَاقِي، فقام النبي الهوى كبدي، فال لحبيب لها وال راقي، إاّل الحبيب الذي ُشغِّصلى هللا عليه وسلم وتمايل حتى سقط الرداء عن َمْنَكبيه فأخذه أصحاب الّصفة فقسموه فيما بينهم

بأربعمائة قطعة وُروي في العوارف أن رجال دخل على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعنده قوم يقرؤون القرآن وينشدون الشعر فقال يا رسول هللا قرآن وشعر فقال صلى هللا عليه وسلم: ﴿ من و/74

48 )( إحياء علوم الدين: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي )المتوفى: 505هـ(، دار المعرفة – بيروت، .572/2

49 )( البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني األنجري الفاسي الصوفي )المتوفى: 4221هـ(، تح: أحمد عبد هللا القرشي رسالن، الناشر: الدكتور حسن عباس زكي

– القاهرة، د.ت، 9141 هـ، 363/4. غذاء األلباب في شرح منظومة اآلداب: شمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي )المتوفى : 8811هـ(، مؤسسة قرطبة – مصر، ط2، 4141 هـ /

3991م، 704/1.

114تحقيق ودراسة

هذا مّرة ومن هذا مّرة﴾)50( فإذا جاز ذلك بالقرآن فبالذكر بالطريق األولى وقال المنكر أن الصحابة رضي هللا عنهم كانوا لما فعلوا بخالف الطائفة في زماننا وأجيب عنه بأن الحكم على الكل بعدم باطل

وسوء ظن ألمة محمد صلى هللا عليه وسلم فإذا كان بعضهم فيرجى أن يقبل ويعفى غير غيرهم بحرمتهم ألن الذاكرين على قوم ال يشقى جليسهم وفي األحياء من جالس شخًصا َسَرِت إليه صفاته

من حيث ال يدري ال تسأل عن المرء واسأل عن قرينه فإن القرين بالمقارن يقتدى لكن الوجد والّسماع محّل خطر عظيم فالبّد من االحتياط لما قال أبو الحارث البنائي رحمه هللا: )أني كنت مجّدا في الّسماع وفي ليلة من الليالي جاء أحد إلى باب صومعتي فقال أن جماعة من طالب الحّق اجتمعوا في محل يشتاقون إلى جمال الشيخ فالمرجّو منكم أن فخرجت معه فلم نذهب كثيرا فإذا جماعة تحلّقوا

فقاموا فأكرموني فقال شيخهم أن تأمروا فلينشدوا بعضا من األبيات فأذنت لهم فانشدوا أبياتا من الفراق بألحان لطيفة فتواجدوا وزعقوا وصعقوا بإشارات غريبة فتعّجبت من صفاء حالهم غاية

التعّجب حتى قرب الصباح فقال لي ذلك الشيخ يا شيخ ال تسألني من أنا ومن هؤالء قلت احتشم منكم أن أسأل فقال أنا إبليس وهؤالء أوالدي ولي في هذا العمل فائدتان أحدهما أن لي مصيبة الفراق فأذُكُر

أيّام الّدولة والحزن وأسّكن به حرارة فؤادي وأتََسلى مهما أمكن وثانيها أصيد به طائفة الصوفية وأَُغلِّطُهُم فأُخِرُجهم من الطريق فلّما اطلعت على ذلك تركت الّسماع من ذلك الزمان( األمان األمان يا رّب العالمين الغياث الغياث يا غياث المستغيثين فمع هذا كيف يكون األمن عن االختالط من المثنوي

:

اين حقيقت دان نه حق اند اين همه نه به کلی گمرهانند اين َرَمه

آنکه گويد جمله حقند احمقيست انکه گويد جمله باطل ان شقيست

گر نباشد در جهان نقدی روان قلبها را خرج کردن کی توان

تا نباشد راست، کی باشد دروغ؟ آن دروغ از راست ميگيرد فروغنه همه شب ها بود قدر ای جوان نه همه شب ها بود خالی از آن)51(

زخمی که زنی بايد خورد در کم زدن احتياط بايد کرد

اين جفای خلق با تو در جهان گر بدانی گنج زر آمد نهان

خلق را با تو چنين بدخو کنند تا ترا ناچار رو آن سو کنندپس محک می بايدش بگزيده ای در حقايق امتحانها ديده ای)52(

أال يُرى أن جماعةً لو قطعوا الطريق فأخذوا وكان فيهم صبّي يسقط عنهم جزاؤهم فإًذا خلصوا بسبب معيّة معصوم عن الهالك. وأن قرية من قرى دار الحرب أريد غارتها فآمن واحٌد منهم

لم يصر دار حرب فإذا خلص أهلها من الغارة بمعيّة مؤمن، وليكن هذا آخر ما حّررناه ونحّرره الفقير إلى رحمة ربّه الغنّي الحسين بن محمد الحسيني من نظر فيه فليرحمه وال ينساه من الّدعاء

50 )( تحفة المحتاج في شرح المنهاج: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، روجعت وصححت: على عدة نسخ بمعرفة لجنة من العلماء، المكتبة التجارية الكبرى بمصر، د.ط، 7531 هـ - 3891 م، 222/01.

51 )( المثنوي ،جالل الدين الرومی، الجزء الثاني ، دفتر دوم52 )( المثنوی معنوی ، جالل الدين الرومی، الجزء الخامس ،دفتر پنجم.

آق شمس الدِّين ورسالته في ذكر هللا 115

بالخير له، كي يرحمه هللا وال ينساه يوم القيمة في سنة 089. 84/و

المصادر والمراجع:

القرآن الكريم.

إحياء علوم الدين: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي )المتوفى: 505هـ(، د.ط، دار المعرفة – بيروت، د.ت.

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني األنجري الفاسي الصوفي )المتوفى: 4221هـ(، تح: أحمد عبد هللا القرشي رسالن، الناشر: الدكتور

حسن عباس زكي – القاهرة، د.ت، 9141 هـ.

البدر الطالع: لشيخ اإلسالم محمد بن علي الشوكاني )المتوفي 0521هـ(، دار الكتاب اإلسالمي، القاهرة، د.ط، د.ت.

البطولة والفداء عند الصوفية دراسة تاريخية: أسعد الخطيب، تقديم د. عبد الكريم اليافي وآخرون، دار التقوى، دمشق، ط5، د.ت.

تحفة المحتاج في شرح المنهاج: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، روجعت وصححت:على عدة نسخ بمعرفة لجنة من العلماء، المكتبة التجارية الكبرى بمصر، د.ط، 7531 هـ -3891 م.

تخريج أحاديث إحياء علوم الدين: الِعراقي )527 -608 هـ(، ابن السبكي )727 -177 هـ(، الزبيدي )5411 -5021 هـ(، استِخَراج: أبي عبد هللاَّ َمحُمود بِن ُمَحّمد الَحّداد )4731 هـ -؟(، دار

العاصمة للنشر – الرياض، ط1، 8041 هـ -7891 م.

جامع البيان في تأويل القرآن: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب اآلملي أبو جعفر الطبري)المتوفى: 013هـ(، تح: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1، 0241 هـ -0002 م.

جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، الَسالمي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي )المتوفى: 597هـ(، تح: الدكتور محمد

األحمدي أبو النور، دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، 4241 هـ - 4002 م.

الجامع ألحكام القرآن = تفسير القرطبي: أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي )المتوفى: 176هـ(، تح: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب

المصرية، القاهرة، ط2، 4831هـ -4691م.

نَن الهادي ألقوم َسنَن: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم جامع المسانيد والسُّالدمشقي )المتوفى: 477هـ(، تح: د عبد الملك بن عبد هللا الدهيش، دار خضر للطباعة والنشر

والتوزيع، بيروت، طبع على نفقة المحقق ويطلب من مكتبة النهضة الحديثة -مكة المكرمة، ط2، 8991 م.

الجامع ا�