النثر الفين

نحاول في هذا الركن من الدراسة الوقوف على قواعد الخطابة وأصولها الفنية ، وذلك ، ثم الوقوف على نقدهم للخطب ومـا ونظراتهم في موضوعاتها المختلفة باستقراء آراء النقاد

. وضعوه لعناصرها من ضوابط فنية نه من ضرورات البحث أن نمهد بحديث موجز عن الخطيـب أوقبل هذا الحديث نرى

. ينبغي أن يتوفر فيه من الصفات الحسية والمعنويةوآراء النقاد فيما ،

الخطيب وصفاته: أوال : الفطرة واالستعداد الغريزي -١

إن االستعداد الفطري أول األمور التي ينبغي أن تتوفر في الخطيـب ، فاإلنسـان ال عليها ، وكما يقول أبو هـالل فـان يمكن أن يصبح خطيبا بتعلم قواعد الخطابة وكثرة المران

وذلك من فعل اهللا تعالى ال يقدر العبد على ..أول آالت البالغة جودة القريحة وطالقة اللسان "، فالخطابة كالشعر وغيره من الفنون التي ال يجدي معها التعلم )٢("اكتسابه لنفسه واجتالبه لها

س الخطابـة الطبـع ، أر": داود بـن حريـز إذا لم يسبقه الطبع واالستعداد ، وكما قال أبو وبهائها تخير األلفاظ والمحبـة وعمودها الدربة ، وجناحها رواية الكالم ، وحليها اإلعراب ،

ومن ذلك ما قاله الجاحظ في اختالف الطبائع ، فمن النـاس مـن . )٣("مقرونة بقلة االستكراهتـأليف يويكون له طبع ف رهما ،يكون له طبع في صناعة اللحون وال يكون له طبع في غي"

. )٤("قرض بيت شعر يالرسائل والخطب واألسجاع وال يكون له طبع ف

: اللسن والفصاحة -٢ن تكـون ألذلك اشترط النقـاد فهو أداة الخطيب األولي ، الخطابة فن عماده اللسان ،

متـه ينبغـي أن وكي ينجح الخطيب في أداء مه هذه األداة سليمة من العيوب كاملة الصفات ،يكون جهير الصوت واسع الشدقين ذرب اللسان بليل الريق ، فذرابة اللسان عنوان الفصـاحة

نقد النثر في تراث العرب النقدي ، الفصل األول من الباب الثاني ، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة : عن كتابنا ) ١(

.م ١٩٩٣ . ٣٠الصناعتين ، ) ٢( . ٧٢، والصناعتين ٤٤ /١ن البيان والتبيي) ٣( . ١/٢٠٨البيان والتبيين ) ٤(

ويذمون وكانوا يمدحون جهير الصوت ،: " جهارة الصوت يقال الجاحظ ف .وطريق البالغة ـ "ومدحوا سعة الفم ، وذموا صغر الفـم الكالم ، يالضئيل الصوت ، ولذلك تشادقوا ف وب ،ن ي

حسن الخطابة وجاللة موقعهـا يومما يزيد ف" :صاحب البرهان فضل جهارة الصوت بقوله :ولذلك قال الشاعر نه من أحد أوصاف الخطباء ،إجهارة الصوت ف

ــهجيالمالكــ ر ــهجير اسطــالع

ــ رسيــالن ع ياط ــهج يــن ر مغال

:فقال وذم آخر بعض الخطباء بدقة الصوت وضآلته ومن عاأل بجأ اميق نخ تمبـا اط

تنأو ئضلي الصوت تنمخف السرح

:وفي سعة الفم التي تعين على تمييز مخارج الحروف ، قال ابن وهب ن مخارج الحروف ، ويمتدحون بذلك وبطـول اللسـان ، يبوكانوا يتعاطون سعة األشداق وت"

:قال الشاعر ا من آالت الخطابة ،ويعدونهـ الى متح قادشت ـ لوالقب شقده

خ لكوأ ال - يبطالبـ أ - ك "قدش

وقـد منها الكثيـر ، وأما العيوب التي تنتج عن عدم سالمة آلة النطق فقد أحصى النقاد من العيوب التي تشين األلفاظ ، مان يكون لسانه سالأو" : قوله يجمع الكثير منها ابن وهب ف

جمع أن ذلك إ، ف وال ذا لفف سة ،بوال ذا ح ، ذا رثة وال فال يكون ألثغ وال فأفاء وال تمتاما ،ذمما يب بهاء الكالم ،ه وين البالغة وينتقص حالوة النطق هج" .

الثـة يقسمها إلـي ث هويالحظ علي حديث الجاحظ عن العيوب التي تصيب الخطيب أنمـا " -لقيـة فمن العيـوب الخ .وعيوب أسلوبية، وعيوب عارضة ، عيوب خلقية :أصناف

والحبسة كلة ،نوالح اللثغة ، :التي يتحدث عنها الجاحظ - "يعترى اللسان من ضروب اآلفاتويقال فـي .ذا تعقل عليه الكالم إ ويقال في لسانه عقله ،" :واللفف وغيرها مما يجمله قوله ،

وجذبت لسانه العادة األولـي دخل بعض حروف العجم في حروف العرب ،أإذا ه لكنة ،لسانوعجز أداة فإذا قالوا لسانه حنكلة فإنما يذهبون إلي نقصان آلة المنطق ، .إلي المخرج األول

لقية التي تحدث عنها وغير ذلك من العيوب الخ". اللفظ ، حتى ال تعرف معانيه إال باالستدالل أما العيوب العارضة فهي ما يصاب به الخطيـب حـين . ظ في مواضع شتى من كتابهالجاحوقد بـين ..كالحصر والرثج والبهر واالرتعاش وتصبب العرق ،بالمنبر أو وهو يخط ييعتل

رتـاج وهما سبب اإل، ر صالحيرة والدهش يورثان الحبسة والح" :أبو هالل سبب ذلك بقوله . ) ٥("البجواإل

رتج عليه أي استغلق عليه الكالم ، وأجبل الشاعر : يقال : واإلجبال العي في المنطق ، واإلرتاج: لحصر ، ا ٣١الصناعتين ) ٥(

.أي صعب عليه القول

حظ أسماء كثير من الخطباء الذين هالهم وقوفهم على المنبر أمـام جمـوع وذكر الجافلما رأي جماعة الناس رطاة على المنبر ،أصعد عدى بن " :الناس فحصروا ، من ذلك قوله

فلما رآهم ، وصعد روح بن حاتم المنبر ،.. الحمد هللا الذي يطعم هؤالء ويسقيهم :حصر فقال ـ وغضوا أبصاركم ، سكم ،ونكسوا رؤ" :أسماعهم نحوه قال نوا أبصارهم وفتحوافقد ش ن إف

وغير ذلك من األمثلـة الكثيـرة التـي ". وإذا يسر اهللا فتح قفل تيسر المنبر مركب صعب ، . نجدها في بطون كتب األدب والنقد

والتي منهـا كثـرة مسـح ومن العيوب العارضة أيضا االستعانة بأشكالها المختلفة ، أو كثرة السعال والنحنحة أو كثرة التفاته من غير موجب ، أو فتل أصابعه ، ته ،الخطيب لحي

. أن يدخل في الكالم ماال حاجة بالمستمع إليه ليصـحح " :وفي االستعانة وأشكالها يقول المبرد

كنحو مـا به نظما أو وزنا إن كان في شعر ، أو ليتذكر به ما بعده إن كان في كالم منثور ،وربما وما أشبه هذا ، ؟؟ أين أنت؟ أفهمتالست تسمع :كثير من كالم العامة قولهم تسمعه في

وربما تنحنح وقد قـال الشـاعر وغير ذلك من بدنه ، تشاغل العي بفتل إصبعه ومس لحيته ، :يعيب بعض الخطباء في شعر

ــملب يءــبره ــ والتفــات وسلعة

ومسحة ـ وف وننثع عصـاب األ لت

:سعة الثقافة -٣وهى وسيلة من وسـائل الثقافة المتنوعة من األمور الهامة التي يحتاج إليها الخطيب ،

ضفي الخطيب على الموضوع الذي يتحدث فيه األهميـة والجـدة وبها ي التأثير في السامعين ،ـ ، ويكتسب إعجاب واحترام السامعين ب وقد صور عبد الملك بن مروان خطورة عمل الخطي

. "ى الناس في كل جمعة مرة أو مرتينوأنا اعرض عقلي عل" :بقوله وأنـا " :فقال الجـاحظ وقد أوصي النقاد الخطباء بإعداد أنفسهم لتلك المهمة الجليلة ،

نهمـا يناسـبانك أو ن لك فيهما طبيعة ،أن ظننت إو ين ،يتدع التماس البيان والتب الأأوصيك وال تمهل طبيعتك فيستولي اإلهمال على قوة ،شاكلةمبعض ال ويشاكالنك في بعض المناسبة ،

".ويستبد بها سوء العادة القريحة ،ومدارسـة كتـب وبطول االختالف إلى العلماء ، واإلنسان بالتعلم والتكلف ،" :وقال

. "يجود لفظه ويحسن أدبه الحكماء ، ف موضوعاتها وأنواعها،ويختلف القدر واللون الثقافي الذي تحتاج إليه الخطب باختال

فالخطب الدينية تحتاج إلي لون من الثقافة يختلف عن اللون الذي تحتاج إليه الخطبة السياسـية

ن بقى بينهما قاسم مشترك يتجسد في حاجة جميع تلك األلوان إلـى الثقافـة إو .. أو الحربية .العربية وعلوم اللغة

:القدرة على مراعاة مقتضى الحال -٤وإدراكه لما يناسب ذلك المقام مـن المقـال الخطيب بالمقام الذي يقوم فيه ، يعإن و

فالخطيب الناجح هو الخطيب الذي يتعرف على نفسـية وسيلة هامة من وسائل تحقيق غايته ، :وكما يقول بشر بن المعتمر ويحرص على اختيار ما يناسبها من أساليب التأثير ،، السامعين

قدار الحاالت،أوبين فتوازن بينها وبين أوزان المستمعين ، دار المعاني ،أن تعرف أق يوينبغ" ..قـدار المقامـات أقدار المعاني على أحتى تقسم فتجعل لكل طبقة كالما ولكل حال مقاما ،

. "قدار الحاالتأوأقدار المستمعين على عقليـة ، وقد اهتم النقاد بالحديث عن ضروب مراعاة حالـة المسـتمعين النفسـية وال

ه على ضـرورة اختيـار بني -مثال -وكثرت توجيهاتهم ونصائحهم للخطباء فهذا ابن وهب ن مـن ينما ينكر أن تكلم الحاضرة والمولدإو" :قال األلفاظ التي تتناسب ومستوى المخاطب ،

بـه ن تكلم العامة السخفاء بما تكلمأوبما هم إلي تفسيره محتاجون ، و العرب بما ال يعرفون ،وبما يحتاج إلى تفسيره له كمثل من نسانا بما ال يفهمه ،إنما مثل من يكلم إو الخاصة األدباء ،

".كلم عربيا بالفارسيةال يسـتعمل أب يللخط يوينبغ" :يقول وكما يوصى بالمواءمة بين الكالم والموضوع ،

ون كما قال الشاعر ره التدبر والتفكير فيكفي األمر الكبير الكالم الفطير الذي لم يخم: وفي الق لطي خذلو يحسـ أ ب هن

مصيب وما يرعل ضف هـ ائق هو هل

ال تقبل بحديثك على :"فمن ذلك قوله أما الجاحظ فقد كثرت توجيهاته في هذا المجال ،رة التنبه لحالـة بن مسعود من ضرو اهللا ، ومن ذلك ما نقله عن عبد "من ال يقبل عليه بوجهه

نوا لك بأسماعهم ،وأذ حدث الناس ما حدجوك بأبصارهم ،" :حيث يقول المستمعين النفسية ،ومن ذلك أيضا حديثـه عـن اسـتكراه ، "وإذا رأيت منهم فترة فامسك ولحظوك بأبصارهم ،

:ل يقـو ذا كانت حالة المستمعين العقلية تسـتدعى ذلـك ، إترداد الحديث وتكرير المعنى إال نما ذلك على إو، وال يؤتى على وصفه نه ليس فيه حد ينتهي إليه ،أ وجملة القول في الترداد ،"

. "ومن يحضره من العوام والخواص قدر المستمعين ،ن دراسة نفسية السـامعين واختيـار أوقد أورد الجاحظ الكثير من األمثلة التي تشهد ب

قال عبد اهللا بـن :من ذلك قوله ل نجاح الخطباء ،نسب األساليب للتأثير فيها كانت أهم عوامأولحظـوك بأبصـارهم حدث الناس ما حدجوك بأبصارهم وأذنوا لك بأسـماعهم ، " :مسعود

." وإذا رأيت منهم فترة فامسك ولحظوك بأبصارهم ، وأذنوا لك بأسماعهم ،

انصـرف فلمـا ، وجارية له حيث تسمع كالمه وجعل ابن السماك يوما يتكلم ، :قال ردده أ :قـال . لوال انك تكثر ترداده ما أحسنه ، : قالت كيف سمعت كالمي ؟ :إليها قال لها

وغير ذلك من ، "ن فهمهه مإلى أن يفهمه من ال يفهمه قد مل :قالت .حتى يفهمه من ال يفهمه . األمثلة

: الصدق واإلقناع بموضوع الخطبة -٥حـداث المشـاركة إاطفة وصدقها فـي اإلقنـاع و أدرك المتقدمون أهمية حرارة الع

فكثرت تنبيهاتهم على أهمية حرارة العاطفة فـي إنجـاح الوجدانية بين الخطيب والمستمعين ، : كثر تلك التنبيهات تعبيرا عن دور العاطفة قول عامر بن عبد قـيس أولعل مهمة الخطيب ،

. "من اللسان لم تجاوز اآلذان وإذا خرجت ذا خرجت من القلب وقعت في القلب ،إوالكلمة " :في قوله بين كالم الخطيب وما تجيش به عاطفته ، -األخطل -ومثل هذا ربط الشاعر

ــ نإ ــ المالك مــ ن ــنإو ؤادالف ام ــجبعي ال ــ كن ن خمــط ق بيــو هل

جالل لعسـ ان ـ د ادؤعلـى الف اليلتحى ي ـ كـون مـ ع الب يـ أ ان صالي

ثره بما يسمع من الوعظ إلـي تأرجع عدم أوقد بين الحسن البصري صدق هذه المقولة حينما .عدم إحساس الواعظ بما يقول

ومما يظهر إدراكهم ألهمية العاطفة في إنجاح مهمة الخطيب ما قال صحار بن عيـاش جـيش بـه صـدورنا شيء ت" :له عن سر بالغة خطباء قومه ، قاللمعاوية حينما سأ يالعبد

. "فتقذفه على ألسنتنا

: صفات أخرى -٦ وذلـك كـي من الصفات الهامة التي اشترط النقاد توفرها للخطيـب ، سرعة البديهة

ض على ما يقول رتعل أو يأسع أو ياطقن يأك على التخلص من أي حدث مفاجئ ، يكون قادرا.

لـى تغييـر مجـرى إر طلضجر فيضوقد يرى في عيون مستمعيه عالمات الملل وا أحد هذه األمور قد يعرض للخطيب وهو يخطـب ، . الحديث ، أو يحسر ويرتج وهو يخطب

وبالتالي اشترطوا فيه حضور الذهن وسرعة البديهة ليحسن التخلص مما يعرض له من هـذه . ت األمور فال يتحبس في جواب وال يتلعثم في دفع اعتراض وال يغلبه الحصر فيطيل السكو

وقـد .بلغ من الخطبة كلها أثر في نفوس السامعين أبل قد يكون لحسن تخلصه مما يعرض له وردوا لنا من األمثلة التي تدهش في حضور بديهة بعض الخطباء الذين تعرضوا لمثل هـذه أ

المواقف

وفي من األمور التي توقع الخطيب موقع اإلجالل في عيون السامعين ، سن الهيئةحون كان إو ن األحيان كان قبح الهيئة أحد العوامل التي سببت تأخر منزلته بين الخطباء ،كثير م

.قد يطغى أحيانا على قباحة المنظرحسن البيان وكان من عادة الخطباء أن يلبسوا الملحفة أو الجبة أو القمـيص ، أمـا النقـاد فقـد

اشـترطوا أن يخطـب وكذلك س الخطيب والمخصرة في يده ،أاشترطوا وضع العمة فوق رونهوا عـن اإلكثـار ، واستحسنوا إشارات الخطيب التعبيرية -إال في خطب النكاح -قائما .منها

تلك المواصفات التي ومطابقة أقوال الخطيب البليغ ،، سن األخالقحكذلك اشترطوا وذلـك أن ، أول البالغة اجتماع آلة البالغـة .." :والتي منها تناقلوها عن صحيفة الهنود ،، ال يكلم سيد األمـة قليل اللحظ متخيرا للفظ ساكن الجوارح ، يكون الخطيب رابط الجأش ،

.. فضل للتصرف فـي كـل طبقـة هويكون في قوا وال الملوك بكالم السوقة ، بكالم األمة ،ـ أو .والحمل عليهم على قدر منازلهم .ومدار األمر على إفهام كل قوم بقدر طاقتهم ه ن تواتي

"...وفي حسن الظن بها مقتصدا. ويكون في التهمة لنفسه معتدال .وتتصرف معه أداته .آلته

أنواع اخلطب وموضوعاا :الخطب السياسية -١

حيث حملت نظم الحياة الجديـدة شهد العصر اإلسالمي تفتح أكمام الخطابة السياسية ،ن كانت هذه الخطب الحربية قد شاعت إمن دواعي نمو وازدهار هذا اللون الخطابي ، و كثيرا

ـ في العصر الجاهلي وواكبت كث ن أول صـور الخطابـة إرة حروبهم وصراعاتهم القبلية ، فوخطب صحابته األبرار رضـوان اهللا ، السياسية نجدها في خطب النبي صلى اهللا عليه وسلم

والداخليـة ، وقـد سياستها الخارجيـة مسور ، عليهم جميعا في تصريف شئون دولتهم الفتيةبالمعاني الدينية ، وذلـك -وجميع أنواع الخطب -اختلطت المعاني السياسية في هذه الخطب

وذلك أمر طبيعي لدولة كـان دسـتورها نهم كانوا يستمدون سياستهم من شريعتهم الغراء ،ألوعظيـة فلم تكن خطب المصطفي صلى اهللا عليه وسلم خطبا سالمها دينا ودولة ،إالقرآن ، و

.لحياة األمة اإلسالمية فحسب بل كانت أيضا تشريعاوبعد وفاة النبي صلى اهللا عليه وسلم سار صحابته األبرار رضوان اهللا عليهم جميعـا

ففي خطبهم التي ناقشوا فيها شئون دولتهم أو حضوا فيها جنـد المسـلمين علـى على هديه ، .ية بالمعاني السياسية والحربية اختلطت المعاني الدين ..الجهاد في سبيل اهللا

اهللا عنه يفتتح عهده بخطبة يوضح فيها خطته في سياسـة يفهذا أبو بكر الصديق رض وتكون الردة فيبين موقفه منها ويحدد سياسته فـي التعامـل مـع المرتـدين ، أمور الرعية ،

لحربية والسياسية عوامل ازدهار الخطابة ا وهكذا تزداد تباعا. وخططه الحربية في مجابهتهم ويقف الخطباء يحضون على القتال ويسـتثيرون ففي حروب الردة تنشط الخطب السياسية ، ،

اهللا عنه تكثر الخطب السياسية ، وكذلك الحال في عهد عثمـان يالهمم ، وبعد مقتل عمر رض .. اهللا عنهما يوعلى رض

عى أحقيتـه كل يد -ائف وأحزاب وقد كان في افتراق كافة المسلمين وانقسامهم إلى طو الحافز الممهد الزدهار الخطابة الحربية والسياسية الذي سنلحظه فـي العصـر -في الخالفة

.األموي آخر من ألوان الخطابة السياسية ، وهو ما نجـده وفي عصر صدر اإلسالم نشهد لونا

طبهم عنـد عقـد األلويـة أو خ من وصايا الخلفاء والوالة رعيتهم أو من يلون األمر بعدهم ،ووصاياهم لقادة الجيوش عند خروجهم للجهاد في سبيل اهللا ، أو ما نجده في ساحات القتال من

تلك الخطب التي كان جماعة من الخطباء الذين كـانوا يرافقـون خطب الحض على الجهاد ، .الجند يلقونها في ساحات القتال

لخطابـة السياسـية اصـر وازدهـار أما في العصر األموي فقد تكاملت عوامـل الن والحربية، فتشعبت معانيها لتعبر عن آراء الفرق واألحزاب في أحقية الخالفة وتحـض علـى

أو تناقش شئون األمة الداخلية والخارجية ، كـذلك كثـرت ، صحابهالجهاد في إعادة الحق أل . والفرق المناظرات السياسية بين الحكام والخلفاء األمويين وسياسة تلك األحزاب

وكان على األمويين أن يدافعوا عن حقهم في الخالفة ،ويطـالبوا الرعيـة بالطاعـة لوالوالء موحيبالتهديد تارة وبالترغيب أخرى ،كذلك كان عليهم أن يتصدوا للمعارضـين ، ن

كما كان عليهم أال ينسوا واجبهم في نشر اإلسالم واستثارة الهمم والحض علـى الجهـاد فـي . سبيل اهللا

فكـان -من خوارج وشيعة وزبيريين وغيرهم -أمية يأما الفرق المعارضة لحكم بنعليها أن تقدم المفوهين من الخطباء الذين ينافحون عن آرائهم ويدحضون حجـج خصـومهم

أمية يويقنعون الناس باألسس والمبادئ التي يدعون إليها، ويحرضون أنصارهم على قتال بنعادتـه جهـادا وكل يقدر الحق في جانبه والقتال إل بيل إعادة الحق إلى نصابه ،والجهاد في س

.في سبيل اهللا من وجهة نظرهم وما أن نصل إلى نهاية العصر األموي حتى تكون معاني الخطابة الحربية والسياسـية

ية والمشاورات السياس قد تبلورت حول الحض على الجهاد أو شرح سياسة الخليفة أو الحاكم ،والوصايا ووضـع الخطـط والمناظرات بين الفرق واألحزاب والحزب الحاكم ، والحربية ،

.السياسية والحربية عند تجهيز الجيوش وعقد األلوية

ومع بقاء مبررات ودواعي الخطابة السياسية والحربية استمرت تلك األغراض بقوتها ة عامة في العصر العباسي األول ، وازدهارها مع كثير من التوسع في المعاني الخطابية بصف

وحينما اسند األمر إلى غير أهله بدا الضعف يتسرب إلى الخطابة بصفة عامـة وذلـك فـي .العصور العباسية المتأخرة

وقبل الوقوف على نظرات النقاد الفنية في هذا اللون الخطابي خاصة والضوابط الفنية النقاد ما بين العناية بإعداد الخطيب وتزويده بما للخطابة عامة تجدر اإلشارة إلى توزع اهتمام

يكفل له النجاح في مهمته وبين العناية بأساليب الخطابة وما يستحب في كل لون ، مـع قليـل ..من النظرات الفنية في العاطفة والخيال والمعنى ، وبعض األمور الشكلية األخرى

قنـاع ا يقول فهي أهم وسـائله إل أما العاطفة وقوتها التي تعكس شدة إيمان الخطيب بمن الخطابة تعتمد علـى اإلقنـاع الـذي ال إف "القرطاجي حازم"المخاطبين بفكرته ، وكما يرى

يتسنى إال للخطيب الذي يؤمن بما يدعو الناس إليه ، وإذا كان ال يعول في اإلقناع على سـرد اسي عند حازم ، فقـد ن الصدق النفسي أو الشعوري شرط أسإف -الصدق الواقعي -الحقائق

وصدقه في التعبير عنه قد يكون الذي يتحدث عنه الخطيب مجافيا للواقع ولكن إيمانه بما يقولوإذا ما تحقق ذلك يكون الخطيب أدى مهمتـه علـى ، يؤدي إلى إيهام السامع بصدق ما يقول

لخطيب تقوية فهو ال يطلب منه إيقاع اليقين في نفوس السامعين بل المطلوب من ا، خير وجه كان يظهر ما غمض مـن " :في صفة أحد البلغاء يوبالتالي ينطبق عليه ما قاله العتاب ، الظن

".الحجة ، ويصور الباطل في صورة الحق ، ويفهمك الحاجة من غير إعانة وال استعانةومن الخطباء الذين شهد لهم بقوة التأثير والقدرة على اإلقناع واإليهام بصدق القـول ،

كـان ليرقـى نإ أبين من الحجـاج ، ما رأيت أحدا" :حجاج الذي يقول فيه مالك بن دينار ال: المنبر فيذكر إحسانه إلى أهل العراق ، وصفحه عنهم وإساءتهم إليه ، حتى أقول في نفسـي

. "ظنهم ظالمين له، وإني أل إني احتسبه صادقا -مـن الخـوارج -الشـاري خطبة أبى حمزة اومما يمثل قول حازم السابق أيض

خطبنا أبـو حمـزة خطبـة شـكك فيهـا " :نس بقوله أبالمدينة ، والتي يعلق عليها مالك بن وقد اعتمد خطباء الخوارج على قوة العاطفة وصدق الشعور في ". تبصر وردت المرتابسالم

صدق مثال على ذلك نجده في اعتـراف خصـمهم عبـد أو اإلقناع واإليهام بصدق دعواهم ،ماعه لحـديث أحـد قال عبد الملك بعد اسـت ، يهام واإلقناع لملك بن مروان بمقدرتهم على اإلا

"لقد كان يوقع في خاطري أن الجنة خلقت لهم ، وأنا أولى بالجهاد منهم" :الخوارج عن مذهبهمـن شـككني " :لوال عصمة اهللا له ، قال -وهو ألد خصومه -بأنه كاد يستهويه ه، واعتراف

يعصمة اهللا ، فغير بعيد أن يستهو يحتى مالت ب يمنووه ن بعدىم" .

أميـة يوهكذا كان حال معظم الخطباء السياسيين المرموقين ، وخاصة من خصوم بن .العباس يوبن

أجاز النقاد للخطباء االعتماد على التخييل والتصوير من خصائص الشـعر ، إال وقدذا أرادوا تقبيح حسن أو تحسين قبيح ، إيل في خطبهم نهم أجازوا للخطباء االعتماد على التخيأأن يقصدوا المبالغة في تحسين حسن أو تقبيح قبيح فيتجاوزون حدود أوصـافه الحقيقيـة " أو

. "عظم منه حاال أو أحقر ليزيدوا النفوس استمالة إليه أو تنفيرا عنهأويحاكونه بما هو فتراق كلمة المسلمين وحتـى العصـر نعم هذا ما يالحظ على الخطابة السياسية منذ ا

في كثير -منذ البداية -العباسي الثاني ، وان كانت الخطابة الوعظية واالجتماعية قد جنحت قبح مما هـو أمن األحيان إلى المبالغة في تحسين الحسن والتنفير من القبيح بإظهاره بصورة

الكنايـة وغيرهـا مـن وسـائل وقد استعان الخطباء على ذلك بالتشبيه واالستعارة و. عليه . التصوير

أما المعنى فقد ظفر بعناية كثير من النقاد ، وقد رأينا فيما سبق حديثهم عن درجـات المعـاني في القبح والجودة ، وعن العالقة بين المعنى ومكانة المستمع وحالته النفسية ، كـذلك حـديثهم

الخطباء بان تشتمل خطبهم على أيـة أو وقد لوحظ اهتمام .. عن المجانسة بين اللفظ والمعنىكثر ، تأييدا لفكرة أو تمثيال لحال من األحوال ، كما لوحظ اهتمامهم بالتمثل بالشعر أو افتتاح أ

. خطبهم به ن شـرطا آالتفقه في الدين وحفظ القر وقد اختلفت آراء النقاد في هذا ، فالجاحظ يجعل

الكريم ن آان فيرى ضرورة توشيح الخطب بالقرأما صاحب البره. من شروط إجادة الخطابة يرى ضـرورة يوالكالع .واألمثال ، وهو ال يجيز االستشهاد بالشعر إال في الخطب القصار

.ن وصادق الشعر آتوشيح الخطيب بآيات القر يرى أن -مثال -كذلك اختلفت نظرات النقاد في طول الخطب وقصرها ، فابن وهب

مل في مخاطبة الخاصة ، وذوى اإلفهام الثاقبة الذين يجتزئون بيسـير اإليجاز ينبغي أن يستع"القول من كثيره ، وبمجمله عن تفسيره ، وفي المواعظ والسنن والوصايا التي يـراد حفظهـا

، ويظهـر المبـرد .."فهام ليس من ذوى األ نوم ما اإلطالة ففي مخاطبة العوام ،أو ..ونقلها في الخطب القصار ، ثم يجعل ذلك شرطابيعجب يالكالع كذلكوالخطب القصيرة ، بإعجابه

.الخطب الشرعية ويدل استقراء واقع الخطب الحربية والسياسية أنها مالت إلى اإليجاز والقصـر فـي العصر الجاهلي ، وكذلك الحال بالنسبة لخطب عصر صدر اإلسـالم ، وان وجـدنا بعـض

عل األمر كمـا لال نجد ذلك في الخطب الحربية ، و الخطب السياسية المتوسطة الطول إال أننا

ذا وعظـت إ" :اهللا عنه ليزيد بن أبى سفيان حين وجهه لفتح الشام يقال أبو بكر الصديق رض . "ن كثير الكالم ينسى بعضه بعضاإوجز ، فأجندك ف

أما خطب العصر األموي فيغلب عليها التوسط القريب من الطول مع وجود القليل من الطوال ، وقد جنحت الخطب العباسية إلى التوسط مع وجـود الكثيـر مـن الخطـب الخطب

.عداد في كثير من الحاالت الطويلة ، ويبدو أن سبب ذلك ما داخلها من الصنعة والتنميق واإل

:ـ الخطب الدينية ٢لى التدبر والتأمل إتدعو يلوان الخطابة الوعظية التألون من ينشا في العصر الجاهل

، كذلك التذكير بمشاهد المـوت ، وداللة ذلك على الخالق القادر بديع خلق السماء واألرض فيوما فيها من مواعظ وعبـن سـاعدة ، والمـأمون من ذلك ما نلحظه في خطبة قـس …ر ب

.الحارثى ، وغيرهم ، هذا باإلضـافة الخطابة العربية بالطابع الديني أما في عصر صدر اإلسالم فقد طبعت

أن الخطب ذات الغرض الديني كانت تمثل معظم خطابة صـدر اإلسـالم ، فقـد كثـرت لى إمجالس الوعظ واإلرشاد وتعليم الناس أحكام دينهم وتعاليمه ، ودارت معظم خطب النبي صلى اهللا عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضوان اهللا عليهم جميعا حول هذا الغرض ، سواء خطـبهم

. بهم أيام الجمع والعيدين في تلك المجالس أو خطفرطوا في قصصهم الـديني أوفي العصر األموي كثر الخطباء في مجالس الوعظ ، و

عن جادة الصواب بما حملته مـن القصـص -أحيانا –الذي تعددت مصادره وابتعدت معانيه . المسيحي واإلسرائيليات

، وهـو خطـب لـوان الخطابـة الدينيـة أوقد عرف العصر األموي لونا آخر من . صحاب المذاهب الكالمية في أصول الفقه والعقيدة أالمناظرات بين الفرق الدينية و

وفي العصر العباسي األول استمر نماء وازدهار الخطابة الدينية بأشكالها المختلفة سواء خطب رشاد الناس وتفقيههم في أمور دينهم أو خطب الجمع والعيدين أو خطب المنـاظرات إالوعظ و .الدينية

كثر قوة من أن كنا نالحظ أن الخطابة السياسية في العصر األموي والعباسي كانت إوالخطابة الدينية ، فمرجع ذلك هو فتور العاطفة وضمور الخيال واالكتفـاء بصـور القـدماء

لى حالة إن فقط ، وقد وصلت هذه الخطب آالمألوفة أو االعتماد على الصور المأخوذة من القرابن نباتـه –تابة والفتور لدرجة دفعت أحد الخطباء المفوهين في القرن الرابع الهجريمن الر

لى صناعة بعض الخطب التي تصلح لإللقاء في المناسبات الدينية ووضـعها بـين أيـدي إ –الخطباء ليقتدوا بها ، ولكن الكثير من الخطباء حفظوا هذه الخطب وكرروهـا علـى المنـابر

لى حالة من الضعف لم تبلغهـا إخطابة الدينية في العصر العباسي الثاني األمر الذي أوصل ال . من قبل

لى صدق العواطف إفي حاجتها ةالسياسي ةتقل عن الخطاب ال ةالديني ةن الخطابإهكذا ف، فكي يبلغ الوعظ موقعه من النفس ينبغي أن يكون الوعظ مؤمنا بما يقول،صادقا فـي وقوتها

د سبق القول بان خطب الجاهليين امتازت بالبساطة وصدق التعبير والبعد عن التعبير عنه ،وق . التكلف

وقد أدرك خطباء العصر اإلسالمي اثر صدق العواطف وحرارة اإليمان في النفوس ،يجيب سـائله عـن يا صحار العبدذادقة ، فهلى عواطفهم الصإرجعوا نجاحهم في خطبهم أو

، وقد رأينا كيف "تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا يءش: "خطباء قومه بقوله ةغسبب بال ةلى حرارة صدق المشاعر ، والخطب الدينيإالقيس التأثير في نفوس لسامعين أرجع عامر بن

ـ ة طفالى حرارة العإ ةكثر ألوان الخطب حاجأخاصة الص فـي النصـح ، وعلـى ، واإلخذا إنـه لفصـيح إواهللا " : الخطيب أن يكون في وعظه كما قال األعرابي عن الحسن البصري

ذا خالفت أقواله أفعاله ، هـل ينهـى إ وكيف يكون الخطيب نصيحا، "ذا وعظإ، نصيح نطق ويأتي مثله ثم ينتظر النجاح في مهمته ؟خلق عن

أال : " فعاله كما قال الحسن البصـري فـي الحجـاج ذا خالفت أقواله أإحتما سيقال له رين ، ايرقى عتبات المنابر فيتكلم بكالم األنبياء وينزل فيفتك فتك الجب. تعجبون من هذا الفاجر

". يوافق اهللا في قوله ، ويخالفه في فعلهويستحب في الخطب الوعظية أن توشح بآيات من القران الكريم وبعـض األحاديـث

:وكما يستحب فيها أيضا أن تشتمل على األشعار الحكيمة الصادقة وبعض األمثـال النبوية ، عراب الدينية لعجزهم عن التفقـه يرجع الضعف الذي الحظه في خطب األلذلك نجد الجاحظ

.في الدين وحفظ القران والتمثل به في خطبهم ، ومنها أن أما خطب الجمع والعيدين فلها أصول مقررة ، منها شرط طهارة الخطيب

ـ ، يقف على منبر أو موضع عال ، وأن يعتمد على قوس أو سيف أو عصـا ةوتكـون خطببحمد اهللا تعالى ثم الشهادة ، عمـال أويبد ذا أقبل عليهم ،إالجمعة أن يسلم الخطيب على الناس ـ ، " والخطبة التي ليس فيها شهادة كاليد الجـذماء " : بقول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم م ث

ويشترط في –كذلك خطبة العيدين –الصالة عليه النبي صلى اهللا عليه وسلم ، وهى خطبتان ن ، ومن السنة أن يفصـل الخطيـب بـين الخطبتـين آالخطيب شيئا من القر أاألولى أن يقر

.بالجلوس ، ويختم خطبته باالستغفار والدعاء للمسلمين

أطيلوا الصـالة : "اهللا عليه وسلم ويحكم طول خطب الجمع والعيدين قول النبي صلىمرنـا أ: "قال " لقد أوجزت فلو تنفست: "، لذلك حينما قيل لعمار بن ياسر " واقصروا الخطب

" .طالة الصالةإرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بتقصير الخطبة وووسيلة من وسـائل ، لدعايتهم أمية خطب الجمع والعيدين بوقا يوقد اتخذ خطباء بن

والوقوف في وجه أنصار الفرق والمذاهب األخرى ، لـذلك نجـد ، ب الناس وترهيبهم ترغيكانت تتجاوز خطب الجمع أحيانا وقـت –الكثير من األخبار عن إسرافهم في إطالة الخطب

واجروا بعض التعديالت على أصول تلك الخطب ، فمما يروى عن –العصر وحتى األصيل صراف الناس عن سماع خطبه قدم الخطبة يوم العيـد علـى نه لما لحظ انأمروان بن الحكم

لى غير ذلك من التعديالت التي أحصى الكثير منها ابن أبى إالصالة ليضطر الناس لسماعها ، . والتي عاد عن الكثير منها الخطباء العباسيون ، الحديد

:الخطب االجتماعية -٣علـى غـرض مـن األغـراض يقصد بالخطابة االجتماعية تلك الخطب التي تشمل

المتصلة بالحياة االجتماعية كالزواج والتهنئة والتعزية واإلصـالح بـين النـاس والمفـاخرة ...والتكريم

وإذا كان من الطبيعي أن توجد كل أشكال الخطابة االجتماعية في العصـر الجـاهلي نشط مـع نشـاط نه من الطبيعي أيضا أن تإوتعبر عن كل مناسبات الجاهليين بكل أشكالها ، فلوان الخطابة أما سنتبينه في حديثنا التالي عن الحياة االجتماعية في العصور اإلسالمية ، ذلك

: االجتماعية وضوابطها الفنية ، فمنها : خطب المحافل والوفود -١

وهى الخطب التي كانت تلقى في المحافل األدبية ، وبين أيدي الحكام والوالة والخلفاء ، يتكلم الخطيب عن الشئون العامة وأحوال المجتمع وحاجاته ، أو يتكلم عن شئون خاصة وفيها

بقومه ، أو يتزلف السلطان في مناسباته الخاصة والعامة ، وهى في هذه األحوال لـم تخـرج معانيها عن المفاخرة ، أو التظلم والشكوى ، أو الشفاعة واالستعطاف ، أو الشـكر و إعـالن

.هنئة ، أو التعزية الوالء ، أو التالنفوذ والرئاسـة فـي يوقد حدثتنا كتب األدب عن محافل العرب ووفاداتهم على ذو

العصر الجاهلي ، ونقلت لنا صورة واضحة عن المعاني التي دارت حولها الخطب االجتماعية .آنذاك

كما حدثنا تلك الكتب عن محافلهم في العصر اإلسالمي ، وعن وفاداتهم علـى النبـي صلى اهللا عليه وسلم ، وعلى خلفائه األبرار رضوان اهللا عليهم جميعهم ، تلك الخطـب التـي

ركزت معانيها حول المفاخرة ، أو إعالن الوالء والطاعة والدخول في اإلسـالم ، أو طلـب .أو التعزية ، أو االستمناح واالستجداء ، أو المصالحة ، أو التهنئة العفو ،

األموي والعباسي فـي : ت الخطب االجتماعية في العصرين وحول هذه المعاني دارفـي معـاني الخطابـة وتوسـعا لحظ ازدهـارا ا ننن كإمشرق البالد اإلسالمية ومغربها ، و

االجتماعية في هذين العصرين ، من ذلك براعتهم في الجمع بين التعزية والتهنئة ، وإجـادتهم وما حل بها مع كثير مـن أسـاليب االسـتمناح ووصف الديار ، في الشكوى من سوء الحال

ان في العتاب واالعتذار ، ومقدرتهم الفائقة على االستعطاف واستالل نفتكذلك اال واالستجداء ،، فضال عن كثرة مـا -، خاصة ما قيل بين أيدي الحكام والخلفاء العباسين -سخائم النفوس ألبطـال والنجبـاء وتهنئـتهم بـالفتوح ومدح ا، كرثاء الشهداء هم من خطب ،لقيل في محاف

لى غير ذلك مـن ألـوان الخطـب إواالنتصارات ، وتخاصمهم ومناظراتهم الخلفاء والوالة ، . المتصلة بنواحي الحياة االجتماعية

مما يورث "مل على آيات من القرآن الكريم ألنه تومما يستحب في هذه الخطب أن تش، لذلك حينما لحظوا خلو خطبة عمـران بـن " ، وسلس الموقعالكالم البهاء والوقار ، والرقة

، وقـد " نآمن القر يءخطب العرب لو كان في خطبته شأهذا الفتى : "طان من القرآن قالوا حاشترطوا في خطب المحافل اإلطالة وفي خطب الوفادة اإليجاز ، ومن مبررات اإلطالة فـي

لى بسط القول وتوضيحه ، ولكن هـذا إإفهامهم المحافل أنها لخطاب العامة الذين يحتاجون في ن وتفقد الخطبة وحدتها الموضوعيةملل في نفوس السامعيلال يعنى اإلطالة المسرفة التي تولد ا

اإلكثار في غير خطل ، واإلطالة في غير إمالل ولـيكن فـي "، بل األمر كما قال ابن المقفع " . صدر كالمك دليل حاجتك

كثر الخطباء ال يتمثلـون فـي أ"وا الشعر في الخطب الطوال ، لذلك كان وقد استكره: ، وقد أجازوا ذلك في الخطب القصار ، قال ابـن وهـب " خطبهم الطوال بشيء من الشعر

ـ " ـ أن إوال يتمثل في الخطب الطوال التي يقام بها في المحافل بشيء من الشـعر ، ف ب أن ح " .فليفعل .. يستعمل ذلك في الخطب القصار

ن المقـام ت فألنها لخطاب الخاصة ، وأيضا ألأما اشتراطهم اإليجاز في خطب الوفادات بتعبير وقد اهتم خطباء الوفادا –فوقت الخليفة أو الحاكم ال يسمح بذلك –طالة ال يحتمل اإل

ن هذه الخطب كانت أرقى أنواع هذه الخطب وأجودها حرص ناشـئة خطبهم وتجويدها ، وألحتى يظفروا بما بلغهم وأكثرهم تمرساأسماعها ، فالوافدون يحرصون على تقديم الكتاب على

: وفدوا ألجله ، ومن النصائح التي كانت توجه لهؤالء الخطباء نذكر نصيحة شبيب بن شـيبة ن ابتليت بمقام البد لك فيه من اإلطالة فقدم أحكام البلوغ في طلب السالمة من الخطل ، قبل إف"

خير كافيا ن قليالإكام البلوغ في شرف التجويد ، وإياك أن تعدل بالسالمة شيئا ، فالتقدم في أحمن كثير غير شاف. "

: خطب الزواج -٢للزواج منذ العصر الجاهلي مراسم خاصة تعارف عليها العرب ، وتبدأ تلك المراسـم

ب ، ويعددون مناقبهم بخطبة يلقيها أهل الخاطب على أهل المخطوب إليهم ، يلتمسون فيها النس، ويبالغون في ذكر سجايا الخاطب ، وكذلك كانوا يحددون فيها المهر الذي يستطيعه الخاطب

.أحيانا غالبا تحمـل رأيهـم فيمـا –وفي المقابل كان يرد عليهم أهل المخطوب إليهم بخطبة موجزة

..عرض من طلب النسب وتحديد المهر طابي بمعين ال ينضب من المعاني التـي تصـلح لهـذا وقد أمد اإلسالم هذا اللون الخ

المقام ، مما أخرجها من دائرة الرتابة والفتور ، وقد حملت لنا مصادر األدب صـورا منهـا تمثل عصر صدر اإلسالم ، والعصر األموي ، والعباسي ، أما أصولها الفنية فقـد اسـتقرت

وحاح أن كالنقاد على أن السنة في خطبة النجمع أوقد . لمها منذ عصر صدر اإلسالم معا دتديطيل الخاطب ويقصر المجيب ، فإطالة الخاطب دليل إلحاح ورغبة عارمة فـي المصـاهرة

لى الرجل حرمته اإلطالـة ، لتـدل إكانوا يستحبون من الخاطب " :وفي ذلك يقول األصمعي . "ليه اإليجاز ، ليدل على اإلجابةعلى الرغبة ، ومن المخطوب إ

وردوا بعض القصص التي تدل علـى أنهم أن كانوا لم يحددوا طول تلك الخطب إال إوويبدوا أن األمر ال يحتمل إطالة ، فالمجـال ضـيق والمعـاني . استنكارهم اإلطالة المفرطة

مـا : "لى القـول إاهللا عنه يمحدودة ، ولعل هذا هو السبب الذي دفع عمر بن الخطاب رضوبة التـي يشـكو ، وقد برر ابن المقفع تلك الصـع " خطبة النكاح ييصعدني كالم كما تتصعدن

عرفه إال أن يكون أراد قرب الوجوه من الوجوه ، ونظر الحداق من قـرب أما : "منها بقوله ذا كان جالسا معهم كانوا كأنهم نظراء وأكفاء ، فإذا عـال المنبـر إوألنه . في أجواف الحداق

" .صاروا سوقة ورعيةأن الخطيب ال يجد بـدا "ن به سبب تلك الصعوبة ، وهو رأيا آخر يبي ويذكر الجاحظ

القـوم مـن روغ من تزكية الخاطب ، فلعله كره أن يمدحه بما ليس فيه ، فيكون قد قال زوراذا كان الخطيب موقوفا على الخطابة ، فأما عمر بن إولعمري أن هذا التأويل ليجوز . صاحبه

الخطاب ، رحمه اهللا ، وأشباهه من األئمة الراشدين فلم يكونوا ليتكلفوا ذلك إال فيمن يسـتحق " .المدح

لـى إورأى أن جلوس الخطيب في هذا اللون الخطابي ، ومقابلته المخطوبين ال يؤدى ، بل إن ضيق المقـام وقلـة األفكـار عنه بن الخطاب رضي اهللا الصعوبة التي ذكرها عمر

والحرص على مدح الخاطب مع الصدق في القول هو السبب المباشر لما ذكـره عمـر مـن لهذا نجدهم يجعلون خطبة النكاح مقياسا لمعرفة الخطيب المتمـرس ، ويستشـهدون . صعوبة

. على بالغة الخطباء بإجادتهم خطب النكاح ويمدحونهم بذلك لص كثير من الخطباء من هذه الصعوبة وضيق المقام بـالتحول عـن مـدح وقد تخ

حداث األلفة بين الناس ، وتحصين الشباب ، وذكر إلى ذكر فوائد النكاح وفضله في إالخاطب . ما جاء في ذلك من آيات وأحاديث

:خطب إصالح ذات البين -٣ي في العصر الجـاهلي ، حيـث ارتبطت نشأة هذا اللون الخطابي بطبيعة حياة العرب

للتوسط بين –أحيانا –الغارات والحروب والثارات والضغائن التي كانت توقظ بعض الحلوم . المتخاصمين وتخليصهم مما ينتظرهم من دويالت الحروب

وكان الخطباء يقفون طويال يتحدثون عن عواقب الحروب وما تجلبه مـن خـراب ، ن وتنقية القلوب من السخائم ، وذلك بالحـديث عـن التواصـل يحاولون بذلك استالل الضغائ

ـ إيات أحيانا وأو بتحمل الد، أو التذكير بصلة قربى ، والتواد رضاء المتنازعين ، وقد سمتي " . التاالحم"تلك الخطب باسم ت هذه الخطب في عصر صدر اإلسالم لندرة دواعيها ، ثم عادت للظهور فـي وقد قل

وذلك لظهور بعض دواعيهـا كالعصـبيات القبليـة ودعـاوى ، األموي والعباسي العصرينلى الصراع أحيانا مما كان يدفع بعض إالشعوبيين وغيرها من عوامل الفرقة التي كانت تؤدى

.لى القيام بهذا الدور النبيل إالخطباء والمصلحين فيها نشاط السـامعين ، وقد اشترط النقاد في هذه الخطب القيام واإلطالة التي يراعى

أبـو صالح ذات البين ، أمـا إوقد سبق ذكر رأى ابن المقفع في طول خطب بين السماطين و " .ذا خطبوا في الصلح بين العشائر أطالواإووجدنا الناس : "العسكري فيقول هالل

لـى االستشـهاد بالشـعر الحكـيم إنهم يميلون أ –من استقراء خطبهم –وقد لوحظ توشيح هذه الخطب باآليات القرآنية واألحاديث النبوية التي تحـض علـى ولهادفة ، واألمثال ا

...التآخي والتراحم والتواد ، وحقن دماء المسلمين

:خطب التأبين والتعزية -٤رجل من دقفلوان الخطابة االجتماعية ، فحينما كان يأعرف الجاهليون هذا اللون من

ساهم على فقـده أر جسامة مصيبتهم والخطباء في تعديد مناقبه وإظهاذوى المكانة كان يتبارى .لى أهل الميت ويعزونهم في فقيدهم ويواسونهم في مصابهم إوقد يتجهون .

اب به جلل ، صوالم دقفالفقيد ف –لى عصرنا الحاضر إوقد استمر هذا اللون الخطابي ومنذ عصر صدر اإلسـالم –فقيد من قلبه وقوة هذا اللون وضعفه متعلقة بالخطيب ومكانة ال

ر مناقبه وسجاياه اإلسالمية ، فإذا كذ، ففي تأبين الميت ت هذا اللون الخطابي ثوبا إسالميا سبلأواظهروا جسـامة فقـده ثـم ، كان شهيد معركة تحدث الخطباء عن بطوالته في نصرة الحق

ن كان من ذوى المكانـة إو. ه في سبيل اهللا يتحدثون عن مكانته األخروية التي حازها بشهادتثوا عن ورعه وتقواه وخصاله اإلسالمية ، مع إظهار كبير األسى والحزن على فقده ، ثـم تحد

لى أهل الفقيـد إغالبا -وفي الحالتين يتجهون . يطلبون له المغفرة والثواب من اهللا عز وجل ...همهم الصبر والسلوان ويطلبون من اهللا عز وجل أن يل، يعزونهم في فقده

وصدق التعبير عن لوعة الفقد ، هـذا ، وقد لوحظ في خطب التأبين التهاب العواطف .من الرضا والتسليم بقضاء اهللا بالرغم مما تحمله العبارات

والمبالغة في تعديـد مناقـب الميـت ، أما خطب التعزية فقد اتسمت بفتور العواطف وهذا أمر طبيعي فالتأبين دافعة صلة القربـى ، والعـزاء . وحث ذويه على الصبر على فقده

. الميت يإرضاء لذول في هذه الخطب بالشعر ، وتوشيحها بآي الذكر الحكيم ، وهى فـي مثكذلك لوحظ الت

. الغالب بين اإليجاز والتوسط في الطول

:فتح مكة خطبته صلى اهللا عليه وسلم يومال إله إال اهللا وحده ال شريك له صدق وعده ، ونصر : "وقف على باب الكعبة ثم قال

ال كل مأثرة ، أو دم أو مال يدعى ، فهو تحت قدمي هـاتين ، أعبده ، وهزم األحزاب وحده ، الديـة فيهمـا إال سدانة البيت ، وسقاية الحاج ، أال وقتل الخطأ مثل العمد بالسوط والعصـا ،

فة في بطونها أوالدها ، يا معشر قريش ، إن اهللا قـد أذهـب عـنكم مغلظة ، منها أربعون خل

يأيهـا : (وآدم خلق من تراب ، ثـم تـال نخوة الجاهلية ، وتعظمها باآلباء ، الناس من آدم ،م عنـد اهللا أكـرمك الناس إنا خلقنا كم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا وقبائل لتعـارفوا إن

خيـرا ، أخ : ما ترون أني فاعل بكم ؟ قـالوا ) أو يا أهل مكة(اآلية يا معشر قريش ) أتقاكم . )٦("اذهبوا فأنتم الطلقاء: كريم وابن أخ كريم ، قال

: خطبته في االستسقاء :يه وسلم وآله في عام جدب ، فقال روى أن أعرابيا جاء إلى رسول اهللا صلى اهللا عل

ــيتأ ــ اكن ذوالعرــ اء يمى لدبــااب هــلأو ــفكى بق يــالف ه ــت ى السانكتة ش الويء ممـ لأكا ي ـ ع اسالن اندنوــيس ــل ل ــكإ الا إن ــا لي فرارن

قوأ تلد شغالر مـ عـن الط يعض لفمن وع حتالجى ما يمالــر و يلىح سى اوظنلحل العوالع يلاملهز الفس

لى الرسـل ؟إ الإ وأين فرار الناس

:، فحمد اهللا و أثنى عليه ، وقال فقام النبي صلى اهللا عليه وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبرا دررا ، تحيى بـه اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، مريئا هنيئا مريعا ، سحا سجاال ، غدقا طبقا ، ديم"

. "غير رائث األرض، وتنبت به الضرع ، واجعله سقيا نافعة ، عاجالفو اهللا ما رد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وآله يده إلى نحره ، حتى ألقت السـماء

اللهم حوالينا وال علينا ،: الغرق الغرق يا رسول اهللا ، فقال : أرواقها ، وجاء الناس يضجون فانجاب السحاب عن المدينة ، حتى استدار حولها كاإلكليل ، فضحك رسول اهللا صلى اهللا عليه

. )٧(وسلم حتى بانت نواجذه

:خطبته صلى اهللا عليه وسلم في حجة الوداع الحمد هللا نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، و نعوذ باهللا من شـرور أنفسـنا ، "

ومن يضلل فال هادي له ، وأشهد أن ال إلـه ،هد اهللا فال مضل له ومن سيئات أعمالنا ، من يإال اهللا وحده ال شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده و رسوله ، أوصيكم عباد اهللا بتقـوى اهللا ،

ن لكـم ، ها الناس اسمعوا مني أبيأي: وأحثكم على طاعته ، وأستفتح بالذي هو خير ، أما بعد إن دماءكم وأمـوالكم : ها الناس أي. ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا فإني ال أدري لعلي ال

أال . حرام عليك ، إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلـدكم هـذا ؟ اللهم اشهد ، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، وإن ربا الجاهلية بلغت هل

وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبـد المطلـب ، وإن دمـاء الجاهليـة موضوع ،موضوعة وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلـب ، وإن مـآثر

. ٢/٢٧٣، وسيرة ابن هشام ١٢١/ ٢ثير ، والكامل البن األ ١١٢، وإعجاز القرآن ص ١٢٠/ ٣تاريخ الطبري ) ٦( . ٣/٣١٦شرح ابن أبي الحديد ) ٧(

الجاهلية موضوعة غير السدانة ، والسقاية ، والعمد قود ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر .، فمن زاد ، فهو من أهل الجاهلية وفيه مائة بعير

إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ، ولكنه قد رضي أن يطـاع : أيها الناس إنما النسيء زيادة في الكفر يضل بـه : فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم ، أيها الناس ا عدة ما حرم اهللا ، و إن الزمان قد استدار الذين كفروا يحلونه عاما و يحرمونه عاما ليواطئو

ذو : كهيئته يوم خلق اهللا السموات واألرض ، منها أربعة حرم ، ثالثة متواليات ، وواحد فرد ؟ اللهـم بلغـت القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب الذي بين جمادى وشعبان ، أال هـل

.اشهد يوطئن فرشـكم كم حقا ، ولكم عليهن حق ، لكم عليهن أالإن لنسائكم علي: أيها الناس

بإذنكم ، وال يأتين بفاحشة ، فإن فعلن فإن اهللا قد أحدا تكرهونه بيوتكم إال لنخدوال ي ،غيركم أذن لكم أن تعضلوهن و تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن انتهين

كسوتهن بالمعروف ، و إنما النساء عندكم عوان ال يملكن ألنفسـهن أطعنكم فعليكم رزقهن ووشيئا ، أخذتموهن بأمانة اهللا ، واستحللتم فـروجهن بكلمـة اهللا ، فـاتقوا اهللا فـي النسـاء ،

.؟ اللهم اشهد بلغتواستوصوا بهن خيرا ، أال هل ، ه إال عن طيب نفس منهإنما المؤمنون إخوة ، وال يحل المرئ مال أخي: أيها الناس فـإني قـد ، عن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض رج؟ اللهم اشهد ، فال ت بلغتأال هل

.؟ اللهم اشهد بلغتتضلوا أبدا ، كتاب اهللا ، أال هل نتركت فيكم ما إن أخذتم به ل اس ها النأي :إن ركبكـم آلدم ، وآدم مـن تـراب ، أباكم واحد ، كل م واحد ، وإن إن

؟ اللهـم بلغـت أال هل لعربي على عجمي فضل إال بالتقوى أكرمكم عند اهللا أتقاكم ، وليس .فليبلغ الشاهد الغائب : قال. نعم : قالوا . اشهد

رث وصية إن اهللا قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ، وال يجوز لوا: أيها الناس يجوز وصية في أكثر من الثلث ، والولد للفراش وللعاهر الحجر ، من ادعى إلى غيـر ، وال

أبيه ، أو تولى غير مواليه ، فعليه لعنة اهللا والمالئكة والناس أجمعين ، وال يقبل منه صـرف .)٨(وال عدل ، والسالم عليكم ورحمة اهللا

:خطبته صلى اهللا عليه وسلم في مرض موته جاءني رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ، فخرجـت إليـه : الفضل بن عباس قال عن فأخذت بيده حتى جلـس علـى ،خذ بيدي يا فضل : وعوكا قد عصب رأسه ، فقال تفوجدته م

، ٣/١٦٨، تاريخ الطبري ١/٤١، شرح ابن أبي الحديد ١١١، إعجاز القرآن ٢/١٣، العقد الفريد ٢/١٥البيان والتبيين ) ٨(

. ٢/٣٩٠، سيرة ابن هشام ٢/١٤٦الكامل البن األثير

ي أحمـد إلـيكم أيها الناس فإن: أما بعد : "المنبر ، ثم قال ناد في الناس ، فاجتمعوا إليه ، فقال إال هو ، و إنه قد دنا مني خفوق من بين أظهركم ، فمن كنت جلدت له ظهـرا اهللا الذي ال إله

فهذا ظهري فليستقد منه ومن كنت شتمت له عرضا ، فهذا عرضي فليستقد منه ، ومن أخـذت إن لي ، فإنها ليست من شـأني ، أال و له ماال فهذا مالي فليأخذ منه ، وال يخش الشحناء من قب

م كم إلىأحبللن ن أخذ منيفلقيت ربي و أنا طيب النفس ، وقد أرى أن يحقا إن كان له ، أو ح " .ر مغن عني حتى أقوم فيكم مراراهذا غي

عى عليه رجـل ثم نزل فصلى الظهر ، ثم رجع على المنبر فعاد لمقالته األولى ، فاد ـ وال ي ،، من كان عنده شيء فليؤده ها الناسيأ: "م ، فأعطاه عوضها ، ثم قال بثالثة دراه لق

ى على أصحاب أحد لثم ص، " فضوح الدنيا ، أال و إن فضوح الدنيا أهون من فضوح اآلخرةفاختار ما عنده ، فبكـى ، بين الدنيا و بين ما عنده اهللا هريعبدا خ إن: "واستغفر لهم ، ثم قال

. )٩("سنا وآبائنافديناك بأنف: أبو بكر ، وقال

:خطبة أبى بكر الصديق يوم قبض الرسول صلى اهللا عليه وسلم دخل أبو بكر الصديق رضوان اهللا عليه ، على النبي عليه الصـالة والسـالم وهـو

ميتا ، وانقطـع تب، وطحيا تبط! ي مي أنت وأبأب" :فكشف عنه الثوب وقال ،) ١٠(مسجىأحد من األنبياء من النبوة ، فعظمت عن الصفة ، وجللـت عـن البكـاء ، لموتك ما لم ينقطع

، ولوال أن موتك كان )١٢(وعممت حتى صرنا فيك سواء) ١١(وخصصت حتى صرت مسالةـ )١٣(اختيارا منك نا عليـك مـاء ذ، لجدنا لموتك بالنفوس ، ولوال أنك نهيت عن البكاء ، ألنف

فأبلغه يتخالفان وال يبرحان ، اللهم )١٥(كمد وإدناففأما ما ال نستطيع نفيه عنا ، ف )١٤(الشئونا السالم ، اذكرنا يا محمد عند ربك ، ولنكن من بالك ، فلوال ما خلفت من السكينة لـم نقـم عن

!"لما خلفت من الوحشة ، اللهم أبلغ نبيك عنا ، واحفظه فينا

. ٢/١٥٤الكامل البن األثيرو ، ٢/١٩١تاريخ الطبري )٩( . تغطيته: تسجية الميت ) ١٠(، والمعنى ) وكال اللفظين يستعمل متعديا والزما ( خالف عم ، مثل اختص : خص الشيء من باب قعد خصوصا فهو خاص ) ١١(

ت ، فللعباد فيك إنك يا رسول اهللا قد صرت بموتك مسالة للناس فإنك مع ما اختصصت به من مناقب النبوة قد نزل بك المو .أسوة حسنة

.أي عمت مصيبتك جميع المسلمين فصرنا نحن وقرابتك سواء في الحزن عليك والتفجع لفقدك ) ١٢(فسمعته وقد شخص : قالت عائشة " لم يقبض نبي حي يرى مقعده من الجنة ثم يخير " يشير إلى قوله عليه الصالة والسالم )١٣(

فعلمت أنه خير ، فعلمت أنه ال يختارنا إذن ، وقلت هو الذي كان يحدثنا وهو " األعلى في الرفيق : " بصره ، وهو يقول .صحيح

جمع شأن ، وهو مجرى الدمع إلى العين )١٤( .دنت الغروب واصفرت : ثقل ، والشمس : دنف المريض كفرح ، وأدنف )١٥(

خطبة قال فيها يم سكراتهم ، فخطبثم خرج إلى الناس وهم في شديد غمراتهم ، وعظ: أشهد أن ال إله إال اهللا وحده ال شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله ، وأشـهد أن "

الكتاب كما أنزل ، وأن الدين كما شرع ، وأن الحديث كما حوأن القول كما قـال ، وأن ثد ،ان يعبـد محمـدا فـإن أيها الناس ، من ك: في كالم طويل ، ثم قال ... اهللا هو الحق المبين

محمدا قد مات ، ومن كان يعبد اهللا فإن اهللا حي ال يموت ، وإن اهللا قد تقدم إليكم فـي أمـره ، فال تدعوه جزعا ، وإن اهللا قد اختار لنبيه ما عنده على ما عندكم ، وقبضه إلى ثوابه ، وخلف

يأيهـا الـذين آمنـوا ( .أنكر ة نبيه ، فمن أخذ بها عرف ، ومن فرق بينكما نفيكم كتابه ، وسجعلـوه توال يشغلنكم الشيطان بموت نبيكم ، وال يفتننكم عن دينكم ، فما ) كونوا قوامين بالقسط

).١٦("بالذي تعجزونه ، وال تستنظروه فيلحق بكم

: خطبة أبى بكر الصديق بعد البيعة -م ولست بخيركم ، فإن إني قد وليت عليك: أيها الناس ": حمد اهللا وأثني عليه ، ثم قال

عـت اهللا طي ، أطيعوني ما أمونوقيتموني على حق فأعينوني ، وإن رأيتموني على باطل فأرآخذ الحـق لـه ، حتى ، أال إن أقواكم عندي الضعيف، فإذا عصيته فال طاعة لي عليكم فيكم

) .١٧("، أقول قولي هذا وأستغفر اهللا لي ولكمفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه وأضع

:خطبة عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه -فقام عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه ، فحمد اهللا وأثنى عليه وصلى على النبي صـلى

الحمد هللا الذي يخص بالخير من يشاء من خلقه ، واهللا ما استبقنا إلى " :اهللا عليه وسلم ثم قال يؤتيه من يشاء ، قد واهللا أردت لقاءك لهذا شيء من الخير قط إال سبقتنا إليه ، وذلك فضل اهللا

، فما قضى اهللا أن يكون ذلك حتى ذكرته اآلن ، فقد أصبت ، أصـاب اهللا تالرأي الذي ذكربك سبل الرشاد ، سرإليهم الخيل في إثر الخيل ، وابعث الرجال تتبعها الرجال ، والجنـود ب

معز اإلسالم وأهلـه ، ومنجـز مـا وعـد تتبعها الجنود ، فإن اهللا عز وجل ناصر دينه ، و . )١٨("رسوله

:في مبايعة ولده يزيد خطبة معاوية -

، ٣/٢٠٣ ، وتاريخ الطبري ١/٦، وتهذيب الكامل ٢/٢٣٤، وعيون األخبار ١١٥، وإعجاز القرآن ٢/١٣٠ العقد الفريد) ١٦(

. ٢/٤٣٠ ما، وسيرة ابن هش ٤/١٦٧، و ٨ /٢وابن أبى الحديد .السابق ) ١٧( . ١٢٧-١/١٢٦وتاريخ ابن عساكر ، ١فتوح الشام )١٨(

يأهل المدينـة " :حمد اهللا ، وأثنى عليه ، ثم ذكر يزيد وفضله وقراءته للقرآن ، ثم قال إال بعثت إليها بيعته ، فبـايع النـاس )١٩(ة يزيد ، وما تركت قرية وال مدرة، لقد هممت ببيع

، وأصله ومن ال أخافهم عليـه ، )٢٠(بيضته: المدينة بيعته ، وقلت وسلموا ، وأخرت جميعاوواهللا لو علمت مكان أحد هـو خيـر . كأن الذين أبوا البيعة ، منهم من كان أجدر أن يصله

." للمسلمين من يزيد لبايعت له: ، فقال معاوية " !من هو خير منه أبا وأما ونفساواهللا لقد تركت : "فقام الحسين فقال

إذن أخبرك ، أمـا : "فقال معاوية ، " !أصلحك اهللا. نعم : "ل الحسين فقا، " كأنك تريد نفسك ؟"خير منه أما ، فلعمري أمك خير من أمه ، ولو لم يكن إال أنها امرأة من قريش ، لكان : قولك

، ثم فاطمة في دينهـا نساء قريش أفضلهن ، فكيف وهي ابنه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وأما أبوك فقد حاكم أباه إلى اهللا ، فقضى ألبيـه )٢١(وسابقتها ؟ فأمك لعمر اهللا خير من أمه

وأما : "فقال معاوية " . آثرت العاجل على اآلجل. حسبك وجهلك : "فقال الحسين " . على أبيكهذا : "فقال الحسين " . منك خيرمحمد ةمأما ذكرت من أنك خير من يزيد نفسا ، فيزيد واهللا ل

مهـال : ، فقال معاويـة !ومشتري اللهو خير مني ،يزيد شارب الخمر . ! هو اإلفك والزورثم التفت معاوية إلى الناس وقـال ، " عنده بسوء لم يشتمك تركفإنك لو ذ. عن شتم ابن عمك

ولم يستخلف أحدا ، فـرأى ضبققد علمتم أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : أيها الناس " :المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر ، وكانت بيعته بيعة هدى ، فعمل بكتاب اهللا وسنة نبيـه ، فلمـا حضرته الوفاة رأى أن يستخلف عمر ، فعمل عمر بكتاب اهللا وسنة نبيه ، فلما حضرته الوفاة

صـنعه ينع أبو بكر مـا لـم رأى أن يجعلها شورى بين ستة نفر اختارهم من المسلمين ، فصرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ، وصنع عمر ما لم يصنعه أبو بكر ، كل ذلك يصنعونه نظرا

ونظرا لهـم بعـين . ختالف للمسلمين ، فلذلك رأيت أن أبايع ليزيد ، لما وقع الناس فيه من ا ." اإلنصاف

: )وهي البتراء(زياد بن أبيه حين ولى البصرة ةخطبواليا لمعاويـة بـن أبـى -للهجرة ٤٥غرة جمادي األول سنة -زياد البصرة وقدم

طـب خطبـة سفيان ، وضم إليه خراسان وسجستان ، والفسق بالصرة كثير فاش ظاهر ، فخالحمد هللا على إفضاله وإحسانه ، ونسأله المزيد مـن " :، وقيل بل قال بتراء لم يحمد اهللا فيها

.المدينة : المدرة ) ١٩( .جماعته وأصله : بيضته )٢٠(

.جدل الكلبية بوأم يزيد هي ميسون بنت )٢١(

، )٢٢(فـإن الجهالـة الجهـالء : أما بعد ، " زدتنا نعما فألهمنا شكرا اللهم كما. نعمه وإكرامه الموفي بأهله على النار ، مـا فيـه سـفهاؤكم ، ويشـتمل عليـه والضاللة العمياء ، والغي

، من األمور العظام ، ينبت فيها الصغير ، وال يتحاشى عنها الكبير ، كأنكم لـم )٢٣(حلماؤكمالعـذاب األلـيم وعوا ما أعد اهللا من الثواب الكريم ألهل طاعته ، تقرءوا كتاب اهللا ، ولم تسم

عينيه الـدنيا )٢٥(الذي ال يزول ، أتكونون كمن طرفت )٢٤(ألهل معصيته في الزمن السرمديمسامعه الشهوات ، واختار الفانية على الباقية ، وال تذكرون أنكم أحدثتم في اإلسـالم ت، وسد

)٢٦(، من ترككم الضعيف يقهر ويؤخـذ مالـه ، هـذه المـواخير الحدث الذي لم تسبقوا إليه، ةالمنصوبة ، والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر ، والعدد غير قليل ، ألم يكن مـنكم نهـا

تعتـذرون !بتم القرابة ، وباعدتم الدين رالليل ، وغارة النهار ؟ ق )٢٨(عن دلج )٢٧(تمنع الغواةعن سفيهه ، صـنيع مـن ال )٢٩(مختلس ، كل امرئ منكم يذببغير العذر ، وتغضون على ال

بالحلماء ، ولقد اتبعتم السفهاء ، فلم يزل بكم ما ترون ميخاف عاقبة ، وال يرجو معادا ، ما أنتاإلسالم ، ثم أرقوا وراءكم ، كنوسـا فـي مكـانس )٣٠(رمهكوا حتمن قيامكم دونهم ، حتى ان

.شراب ، حتى أسويها باألرض هدما وإحراقا الطعام وال ، حرام علي) ٣١(الريب ةدوش ،في غير ضعف نيإني رأيت آخر هذا األمر ال يصلح إال بما صلح به أوله ، ل

، بردبالم قبلوالم ، ناعالظب يمقوالم ، بالمولى )٣٢(الوالي نذآلخ باهللا أقسم وإني ، نفع غير فيـ أ" : فيقول أخاه منكم الرجل يلقى حتى بالسقيم نفسه في كممن والصحيح ، بالعاصي طيعوالم جنـ فـإذا ، مشهورة )٣٤(بلقاء المنبر كذبة نإ ، قناتكم لي تستقيم أو ، ")٣٣(سعيد هلك فقد سعد متتعلق

) .أي شديد ، أو آخر يوم في الشهر ( ليلة ليالء ، ويوم أيوم : ذا الوصف توكيد المبالغة ، ومثله ه) ٢٢( .عقالؤكم :حلماؤكم ) ٢٣(

.الدائم : السرمدي )٢٤( .صرفه ورده : نيه على اآلخر ، وطرفه عنه كضربهأطبق أحد جف: أصابها بشيء فدمعت ، وطرف بصره : طرف عينه )٢٥(

.لتردد الناس إليه ، أو عربي من مخرت السفينة ، ب رعوهو بيت الريبة م: جمع مأخور )٢٦(

.جمع ناه ، وغواة جمع غاو :نهاه ) ٢٧(

.السير من أول الليل :اإلدالج ) ٢٨(

.يدافع :يذب ) ٢٩(، سمع تلك الليلة ونزل زياد خطبته البتراء بالبصرة لما خطب: " روى الشعبي قال . جمع حرمه ، وهي ما ال يحل انتهاكه )٣٠(

" .!إن البلد أجد ، وإال فال لوم علينا فيما نصنع : ما هذا ؟ قالوا : أصوات الناس يتحارسون ، فقال وهو مستتره من الشجر ، وتجمع كانس أيضا ، دخل في كناسه : كنوس جمع كانس ، أي مستتر ، وأصله من كنس الظبي )٣١(

وهي الكواكب السيارة أو النجوم ، أو هي كل النجوم ألنها تبدوا ليال وتخفق ) ي الخنسوه(ومنه الجواري الكنس ،على كنس مكامنها المستترة جمع مكنس كمجلس : ومكانس الريب ) وخنوسها أنها تغيب كما يخنس الشيطان إذا ذكر اهللا عز وجل ( نهارا

.

.العبد : السيد ، والمولى هنا : الولي )٣٢(ابنا ضبة بن أد خرجا في طلب إبل أبيهما ، فوجدها سعد فردها وقتل سعيد ، فكان ضبة إذا رأى سوادا تحت سعد وسعيد هما )٣٣(

سعد أم سعيد ؟ : الليل قال

٣٦(فاغتمزوها يمن سمعتموها فإذا ، )٣٥(معصيتي لكم تحل فقد بكذبة علي( أن واعلمـوا ، فـي

أوتي ال يفإن ، الليل ودلج فإياي )٣٧(منه ذهب لما ضامن فأنا عليه منكم نقب من ، أمثالها عندي

وإيـاي ، إلـيكم ويرجـع الكوفة الخبر يأتي ما بمقدار ذلك في متلجأ وقد ، دمه سفكت إال بمدلج

، تكـن لم أحداثا أحدثتم وقد ، لسانه قطعت إال بها دعا اأحد أجد ال ينفإ ، )٣٨(الجاهلية ودعوى عن نقب ومن ، أحرقناه قوما أحرق ومن ، قناهرغ قوما قغر فمن ، عقوبة ذنب لكل أحدثنا وقد

يـدي عنكم أكفف ، وألسنتكم أيديكم يعن فكفوا ، فيه حيا دفناه قبرا نبش ومن ، قلبه عن نقبنا بيت

وقـد ، عنقـه بتضر الإ عامتكم عليه ما ، )٣٩(بخالف ريبة منكم أحد من تظهر وال ، ولساني

محسنا منكم كان فمن ، قدمي وتحت )٤١(أذني دبر ذلك فجعلت ، )٤٠(إحن أقوام وبين بيني كانت

السـل قتله قد أحدكم أن علمت لو إني ، إساءته عن فلينزع سيئام منكم كان ومن ، إحسانا فليزدد

لـم ذلك فعل فإذا ، )٤٢(صفحته يل يبدي حتى سترا له هتكأ ولم ، قناعا له أكشف لم بغضي من

ومسـرور ، سيسـر بقـدومنا مبتئس برف ، أنفسكم على وأعينوا ، أموركم فاستأنفوا ، أناظره

. سيبتئس بقدومناأعطانـا الـذي اهللا بسلطان نسوسكم ، ذادة وعنكم ، ساسة لكم أصبحنا إنا : الناس هاأي ،

العـدل علينا ولكم ، أحببنا بما والطاعة لسمعا عليكم فلنا ، )٤٣(خولنا الذي اهللا يءبف عنكم ونذود

أقصر فلن ، عنه قصرت مهما أنى واعلموا ، لنا بمناصحتكم وفيئنا عدلنا فاستوجبوا ، ولينا فيما

وال عطـاء حابسـا وال ، بليل طارقا أتاني ولو منكم حاجة طالب عن محتجبا لست : ثالث عن

ساسـتكم فـإنهم ، ألئمـتكم بالصالح اهللا فادعوا ، بعثا مكل )٤٥(مجمرا وال ، )٤٤(إبانة عن رزقا

، والفرس البلقـاء ) بياض في قوائم الفرس: والتحجيل (وهو ارتفاع التحجيل في الفرس إلى الفخدين : من البلق بالتحريك )٣٤(

.سواها ببلقها مشهورة لتميزها عما " .فواهللا ما تعلقنا عليه بكذبة ، وال وعدنا خيرا وال شرا إال أنفذه: قال الشعبي "في الطبري )٣٥( .طعن عليه : عدوها من عيوبي ، وأغتمزه )٣٦(العقوبة ، وجرد وكان زياد أول من شد أمر السلطان ، وأكد الملك لمعاوية ، وألزم الناس الطاعة ، وتقدم في: " في الطبري )٣٧(

السيف ، وأخذ بالظنة ، وعاقب على الشبهة ، وخافه الناس في سلطانه خوفا شديدا ، حتى أمن الناس بعضهم بعضا حتى كان الشيء يسقط من الرجل أو المرأة ، فال يعرض عليه أحد ، حتى يأتيه صاحبه ، فيأخذه ، وتبيت المرأة فال تغلق عليها بابها ،

لو ضاع حبل بيني وبين خراسان : "اسة لم ير مثلها ، وهابه الناس هيبة لم يهابوها أحدا قبله ، وكان يقول وساس الناس سي " .علمت من أخذه

.يا لفالن ، والغرض مناصرة المصيبة : قولهم ) ٣٨( .أي تخالف ما اجتمع عليه عامة القوم ) ٣٩( .وهي الحقد والضغينة : جمع إحنة )٤٠( .، وقد اقتبسها من كالم معاوية كما مر بك أي خلف أذني )٤١( .أي يجاهرني بالعداوة )٤٢(راج ، أي ندفع عنكم بظل اهللا ونعمته التي وهبنا ، أو ندفع عنكم بما صار خما كان شمسا فينسخه الظل ، وال: والفيء . ملكنا )٤٣(

.راج خفي أيدينا من أموال ال .وقته وموعده )٤٤(

، بغضهم قلوبكم تشربوا وال ، تصلحوا يصلحوا ومتى ، تأوون إليه الذي وكهفكم ، لكم المؤدبون فـيهم لكـم استجيب لو أنه من ، حاجتكم له تدركوا وال ، حزنكم له ويطول ، غيظكم لذلك فيشتد

ـ فأنفـذوه ، األمر فيكم أنفذ رأيتموني وإذا ، كل على كال نيعي أن اهللا أسأل . لكم شرا لكان ىعل "صرعاي من يكون أن منكم امرئ كل رفليحذ ، كثيرة لصرعى فيكم لي إن اهللا وايم ، )٤٦(ذاللهأ.

، "الخطاب وفصل الحكمة أوتيت لقد يراألم أيها أشهد" : فقال األهتم بن اهللا عبد ليهإ فقام الثناء إنما" : فقال ، قيس بن األحنف فقام ، "عليه اهللا صلوات داود اهللا نبي ذالك بتكذ" : له فقال

بالل أبو فقام ، صدقت : زياد له فقال ، "نبتلى حتى نثني لن وإنا ، العطاء بعد والحمد ، البالء بعد

تـزر أال" : تعـالى اهللا قـال . قلت ما بغير اهللا أنبأنا : ويقول يهمس وهو أدية ابن )٤٧(مرداس

، بالسـقيم البـريء تأخذ أنك تزعم وأنت ، "سعى ما إال لإلنسان ليس وأن ، أخرى وزر وازرة أصحابك وفي فيك نريد ما نبلغ ال إنا" : فقال ، زياد فسمعها ، بالمدبر والمقبل بالعاصي والمطيع

. )٤٨(" خوضا الباطل إليكم نخوض حتى

.م في أرض العدو ولم يقفلهم حبسه: جمر الجند )٤٥( .أي مجاريها ، محجته ، وأمور اهللا جارية على أذاللها : وذل الطريق . أي وجوهه وطرقه ، جمع ذل بالكسر )٤٦( .وهو من رؤساء الخوارج )٤٧( ٣/٢٢٦ األثير لبن لوالكام ، ٦/١٢٤ الطبري وتاريخ ، ١/٢١٦ األعشى وصبح ، ٢/١٥٠ الفريد والعقد ، ٢٩/ ٢ والتبيين البيان )٤٨(

. ١٨٨ األمالي وذيل ، ٢/٢٤١ األخبار وعيون ، ٥٧ /٤ الحديد أبى ابن وشرح ،

:كتابه صلى اهللا عليه وسلم إلى كسرى ملك الفرس بعث صلى اهللا عليه وسلم عبد اهللا بن حذافة السهمي إلى كسرى أبرويز ملك الفـرس سـنة

بسم اهللا الرحمن الرحيم من محمد رسول اهللا إلى كسـرى عظـيم " :ست ، وبعث معه كتابا فيه على من ات فارس ، سالمورسوله ، وشهد أن ال إله إال اهللا وحده ال شريك الهدى وآمن باهللا بع ة ، أدعوك بدعاية اهللا عز وجل ، فإني أنا رسول اهللا إلى الناس كافرسولهعبده و اله وأن محمد

" .، ويحق القول على الكافرين ، أسلم تسلم ، فإن أبيت فعليك إثم المجوسألنذر من كان حيا يكتب إلي هذا وهو عبدي ، فقال صـلى : وقال فلما قرأ كسرى الكتاب غضب ومزقه

. )٤٩(اهللا عليه وسلم حين بلغه ذلك مزق ملكه

:كتابه صلى اهللا عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة وبعث الرسول صلى اهللا عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة سنة سـت ،

:وبعث معه كتابا فيه اهللا الرحمن الرحيم ، من محمد رسول اهللا إلى النجاشي األصحم ملك الحبشـة ، بسم"

سلم أنت ، فإني أحمد إليك اهللا الذي ال إله إال هو الملك لقدوس السـالم المـؤمن المهـيمن ، وأشهد أن عيسى بن مريم روح اهللا ، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملـت

ه من روحه ونفخه ، كما خلق آدم بيده ونفخه وإني أدعوك إلـى اهللا وحـده ال بعيسى ، حملتشريك له ، و المواالة على طاعته ، وأن تتبعني ، وتؤمن بالذي جاءني ، فإني رسـول اهللا ،

، فإذا جاءك فـاقرهم ودع التجبـر ، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا ونفرا معه من المسلمين، والسالم على فاقبلوا نصحي دك إلى اهللا عز وجل ، وقد بلغت ونصحت ،وإني أدعوك وجنو

ماتبع الهدى ن. "

:بن عبد العزيز إلى عمر البصري كتاب الحسنأما بعـد " :فكتب إليه الحسن " عظني"وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري

أخا ، وللكبير ابنا ، وللصغير أبا ، وعاقب كـل يا أمير المؤمنين ، فكن للمثل من المسلمين : واحد وطا واحدا فتدخل النار منهم بذنبه على قدر جسمه ، وال تضربن٥٠"(لغضبك س. (

:البصري كتاب عمر بن العزيز إلى الحسن

، وإعجاز ٢/٨١، وتاريخ الكامل البن األثير ٣/٩٠، وتاريخ الطبري ٣٧٧/ ٦، وصبح األعشى ٢/٣٦٨الحلبية السيرة )٤٩( . ١١٣القرآن

. ١٢٤ الخطابسيرة عمر بن : ابن الجوزي )٥٠(

وصلت مواعظك النافعة فاشتفيت بها ، ولقد وصفت الدنيا بصفتها ، والعاقل من كان "والسالم عليك ورحمة اهللا ب عليه الموت من أهلها قد مات ، كت نم ، فكأن كل لجعلى و فيها

" .وبركاتههللا أمير المؤمنين من قائل حقا ، وقابل وعظـا ، : فلما وصل كتابه إلى الحسن ، قال

.بركة ورحمة لقد أعظم اهللا جل ثناؤه بواليته المنة ، ورحم بسلطانه األمة ، وجعله

:كتاب معاوية إلى زياد طعة من أعمال فارس لى زيادا قكان علي عليه السالم قد و :روى ابن أبي الحديد قال

علي عليه السالم بقي زياد في عمله ، وخاف معاويـة جانبـه ، لت، واصطنعه لنفسه ، فلما قمن أمير " :عليه السالم ، فكتب إليه وعلم صعوبة ناحيته ، وأشفق من مماألته الحسن بن علي

ـ قـد ك دبك عفإن: المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن عبيد ، أما بعد رت النعمـة ، ف، لكفر ، وإن الشـجرة لتضـرب بعرقهـا واستدعيت النقمة ، ولقد كان الشكر أولى بك من ا

قد هلكت وأهلكت ، وظننت أنك تخرج مـن ، ب لك أ ال لب م لكك ال أنوتتفرع من أصلها ، إهيهات ما كل ذي لب يصيب رأيه ، وال كـل ذي رأي ينصـح ، وال ينالك سلطاني، قبضتي

ة في مشورته ، أمس عميخطة ما ارتقاها مثلك يا بن س ، واليوم أمير ، بد. جابة ، فإنـك إن تفعـل وأسرع اإلوإذا أتاك كتابي هذا فخذ الناس بالطاعة والبيعة ،

ـ ، ونفسك تداركت ، وإال اختطفتك بأضعف ريش ، ونلتك بأهون سعي ، وأقفدمك حقنت سم م ، حتـى اال أوتى بك إال في زمارة ، تمشي حافيا من أرض فارس إلى الش ما مبرورا أنسق

. )٥١("وخرجت منه والسالمحيث كنت فيه ، أقيمك في السوق ، وأبيعك عبدا ، وأردك إلى

: رد زياد على معاوية :غضبا شديدا ، وكتب إلى معاوية ضبفلما ورد الكتاب على زياد غ

فقد وصل إلي كتابك يا معاوية ، وفهمت ما فيه ، فوجدتك كالغريق يغطيـه المـوج : أما بعد "كفر الـنعم ، ويسـتدعي ية ، إنما فيتشبث بالطحلب ، ويتعلق بأرجل الضفادع ، طمعا في الحيا

.هللا ورسوله وسعى في األرض فساداالنقم من حاد ابك لي فلوال حلم ينهاني عنك ، وخوفي أن أدعى سفيها ، ألثرت لك مخازي ال ا سأمف

وأمـا زعمـك ، مية ، فإن كنت ابن سمية فأنت ابن حمامة سيغسلها الماء ، وأما تعييرك لي بنك تختطفني بأضعف ريش وتتناولني بأهون سعي ، فهل رأيت بازيا يفزعه صغير القنابر ؟ أ

جهد جهدك فلست أنزل إال بحيث أ، أم هل سمعت بذئب أكله خروف ؟ فامض اآلن لطيتك ، و

. ٤/٦٨شرح ابن أبي حديد ) ٥١(

)٥٢("تكره ، وال أجتهد إال فيما يسوءك ، وستعلم أينا الخاضع لصاحبه ، الطالع إليه ، والسالم.

*** وجرى الصلح بين الرشيد وبين إيريني ملكة الـروم بعـد كتاب نقفور ملك الروم إلى الرشيد

حروب دارت بينهما ، فعادت الروم على إيريني فخلعتها ، وملكـت عليهـا نقفـور ، فلمـا .من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب " :استوثقت له الروم بالطاعة كتب إلى الرشيد

عد ، فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ ، وأقامت نفسها مقام البيدق ، فحملـت أما بإليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أمثالها إليها ، لكن ذاك لضعف النساء وحمقهـن ، فـإذا

ة لـك ، وإال قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها ، وافتد نفسك بما تقع به المصـادر " .فالسيف بيني وبينك

: رد الرشيد عليه مـن : بسم اهللا الـرحمن الـرحيم " :فلما قرأ الرشيد الكتاب استفزه الضب وكتب إليه

ـ بن الكافرة ، والجـواب قد قرأت كتابك يا :هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم ا م " .تراه دون ما تسمعه ، والسالم

ففتح وغنم ، فطلب نقفور الموادعة على خراج يؤديه في كل ثم شخص إليه من يومه . )٥٣(هـ١٨٧سنة ، فأجابه إلى ذلك ، وكان ذلك سنة

:رواية أخرى أما بعد ، فإن هـذه المـرأة " :وفي رواية صبح األعشى أن نقفور كتب إلى الرشيد

أنا الشاه ، وأنـت وضعتك موضع الشاه ، ووضعت نفسها موضع الرخ ، وينبغي أن تعلم أني " .إلي ما كانت المرأة تؤدي إليك دألرخ ، فا

:أجيبوا عنه ، فكتبوا ما لم يرتضه ، فكتب هـو إليـه : ه ابتكفلما قرأ الكتاب ، قال لمن عبد اهللا هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم ، أمـا بعـد فقـد فهمـت كتابـك ، "

" .عه ، والسالم على من اتبع الهدىما تسمووالجواب ما تراه

. ٤/٦٨شرح ابن أبي حديد ) ٥٢( . ٩٢: ١٠تاريخ الطبري ) ٥٣(

:تعزية لسعيد بن عبد الملك " زعاهللا األمير -لكل م سبيل في موقعه من التعزية والعزاء ، وحق األمـة ال -أعز

يقتضيه طول السعي فيه ، لجاللة خطره ، وعظم قدره ، وكل ما أدي إليه منه فهـو دون مـا عم علـى لفضل منزلته ، وارتفاع مزيد النعمة عليه وتواليها ، فإن الن )وما قصر عنه(يجب له

ـ األمير متكاملة قد وفرته عن الجزع لحادث المصيبة ، وذللته بالتقوى لخالص الشكر ، وع تل اهللا بـت ثعاء ، فعن تعزيتـه إال بالـد يبه في كل أمر يحدث له أو عليه ، وحطت درجة مثل

اء يمة الصبر ، ووفبعز األميراه متكامل األجر وزاده في مدة العمر ، وال أخـاله فـي السـراء من نعمة تثبتوالضره على شكر يجمع له به ذخائر البر ، ووهل بمتـ ه رضواني ه ه ومغفرت

. )٥٤("وبرد عفوه في جنته التي ال يجاوزها أمل ، وال يبلغها خطر

:تعزية له ، وباليا على آخرين ، فجعلك اهللا ممن عقـل ، هدايا لقوم - أكرمك اهللا -المصائب "

. )٥٥("عندما استعمل الشكر عند اإلمتاع ، والصبر عند االرتجاع

:كتاب له في توصية "ة للمودة أسباب تؤدي إلى اتصال المحبة ، واجتماع المودة ، واتساق نظـم األخـو ،

ولفالن قبلك حاجة ، فافعـل ها القوية ، إذ كان في سبيل البر والمثوبة ،وكتابي هذا من أسباب . )٥٦("وافعل

. ١٣/٣١٢اختيار المنظوم و المنثور )٥٤( . ١٣/٣١٧اختيار المنظوم والمنثور )٥٥( .السابق ) ٥٦(