ـة الشعبيـةهـوريـة الجـزائريـة الديمـقراطيالجم ـيموزارة التعليـم العـالـي والبحث العـل

ـرانـوھة ـجـامعـ

قسـم اللغـة العربيـة وآداهبـا اللغـات والفنـون و ية اآلدابلك

: ــة بـربي موسومـالعوراه يف األدب ــادة الدكتل شهــنيـة لمـد مقةـرسال

ودـد مسعـأمح اينحـمـن د نور الديـ

2012 – 2011: ةـة اجلامعيـالسن

الصورة الفنية يف اخلطاب القصصي القرآين بالغة مقاربة حتليلية يف مجاليات األداء واإلحياء

: لجنة المناقشةأعضاء ا رئيس : اذ الدكتور محمد مليانياألست

مقررا : األستاذ الدكتور أحمد مسعود مناقشا : األستاذ الدكتور العربي قاليلية

مناقشا : هاشمابن ة تخنااألستاذة الدكتورة مناقشا : األستاذ الدكتور حبيب مونسي

مناقشا : محمد بلوحي: األستاذ الدكتور

- 2-

معلم البيان، هادي اخللق بأنوار احلمد هللا البارئ املصور

القرآن إىل رياض اإلميان، والصالة والسالم على املصطفى صاحب

. احملجة البيضاء، وداعي احليارى إىل سواء القصد والرجاء

- 3-

إىل روح الوالد تغمده ا بأزكى الرمحات،

ت،إىل الوالدة الغالية عافاها ا وأسبغ عليها موفور الربكا

ان مهدها املالئكي، ابنيت حنــإىل روح مشعة انطفأت سريعا يف

د امليلــــود، ـلين بصرب بريء جـميـل، ابين حممـ ة عيين الذي حتمـإىل قر

ودة ا ومـ بـ هم قليب حـإىل رفيقة دربي، ومجيع من وسع...،

ب عذبزالله،إىل كل من أقبل على القرآن الكريم بتشر

إىل كافة علمائنا وشيوخنا وأساتذتنا األجالء،

وإىل األقصى املبارك، فك ا أسره؛

تبارك وتع ـاقاىلأهدي ثمرة جهد أحتسبهف عن سكشيوم ي

- 4-

- 5-

مقدمـة أن القصص أحد اجلوانب احليوية يف القرآن الكرمي، اقتضت حكمـة اهللا تعـاىل

الوحي ربا ع يتبو زا هاما من نصثلثه، تزكية ملقاصد الدين احلنيف، واسـتجابة نأ حي ، وبقدر مـا لضرورات النبوة والرسالة والدعوة اليت ض بأعبائها سيدنا املصطفى

جاء ملقتضى غايات دينية عقدية، فإنه جاء أيضا ترسيخا للبعد اإلعجازي، لـيس مـن ات من أحداث الزمن الغابر مما استفاض يف ترديده البالغيـون حيث اشتماله على غيبي

القدامى فحسب، وإمنا أيضا من حيث أساليب عرضه وطرائق سرد أحداثه اليت حتيل إىل قيم من الفن السامق والبالغة العالية اليت ما كان لشعراء الدنيا بل وأدبائها أن يأتوا مبثلها

.همويعارضوها يف عيون ما جادت به قرائح

عليه ميكن اجلزم بأن مثة عامال فنيا بالغ األمهية قد يكون وراء املسحة اجلماليـة و، وهذا العامل يف تقديرنا إمنا هو تلك اصية اإلعجاز للخطاب القصصي القرآين، وفاقا خل

الصور الفنية اليت تواكب أجواء احلدث السردي، من خالل كل عرض قصصي يـسوقه اخلطاب مشحون بكثافة تصويرية بديعة ومتنوعة؛ فـال نكـاد فهذا. لنا القرآن الكرمي

ننخرط يف قراءة نبإ قصصي مما ورد يف هذا اخلطاب إال وترتسم يف خميلتنا مشاهد وصور مفعمة باحلياة واحلركة ذات تأثري عجيب يف املتلقي تعكس القيم الدينية أو اخللقية الـيت

الصور خليقة بأن تستميل انتباهنا وتستأثر ومن هنا وجدنا أن هذه . سيق ألجل تقريرها باهتمامنا مبا تشيعه يف النفوس من انفعاالت جتعلها تتابع املواقف السردية وكأا تعايشها يف سخونتها واضطراا، تتلقفها يف حبور؛ فما مدى قابلية هذه الفكرة ألن تصري أرضية

لية السرد اإلعجازي؟ملشروع دراسة علمية يف بالغة الصورة وأثرها يف مجاوال خيتلف اثنان يف أن حضارة هذا العصر الذي حنياه هي حضارة الصورة، بكل جتلياا وأشكاهلا، إذ أخذت تثب وثبات عمالقة يف توجيه مسار تفكرينا حنو منط جديد

أ

- 6-

من الوعي اإلدراكي، والتعامل مع شىت أبعاد املعطى الواقعي، فبدأنا نستـشعر حـصار فإحلاحها أمر – إن مل نقل كل حياتنا –ليت أضحت جزءا ال يتجزا من حياتنا الصورة ا

حتمي طال شىت ااالت السياسية واالجتماعية والثقافية والفنية والترفيهية والتواصـلية واإلعالمية واألمنية والرياضية والتكنولوجية، حىت غدت ظاهرة هذا الزمان البارزة، ألا

واقعة مجالية شكلية جامدة نكتفي بوصفها فحسب، بل صـارت تـضطلع مل تعد جمرد .بوظائف إجنازية من اخلطورة مبكان، لقد أريد هلا أن تقلب األوضاع رأسا على عقب

ومل يعد اخليال وال الذهن وال الورق اخليار األوحد يف التقـاط الـصورة، بـل كان من مكتسباا ظهور التلفاز تعددت وسائطها وأوعيتها مع الثورة التكنولوجية اليت

واحلاسوب وأجهزة التصوير الرقمية واهلواتف اخللوية وتطور شاشات العرض مبختلـف أجياهلا الرقمية اليت انتهت إىل تقنية الكريستال أو السائل الزجاجي واألبعـاد الثالثـة

نترنـت، وقد أسهم يف رواج ثقافة الصورة وامارها تنامي خدمات شبكة األ . وغريهاوتكاثر القنوات الفضائية، وتفاقم التقنيات اليت يوفرها عامل االتصاالت املتعدد الوسائط،

ومن هنا كـان لزامـا أن . مما يعد ضربا من الترف التكنولوجي ال مندوحة من تالفيه نلتفت بإيعاز من هذا الواقع اجلديد إىل موضوع الصورة الذي غدا ثقافة هلا جـذورها

يف بدايات التفكري اإلنساين، وامتداداا املتشعبة يف عصرنا هذا، ولكن من زاوية الراسخة .الفن واإلبداع واألدب

ال يعدم أن تشق أي دراسة علمية سبيلها إىل الوجود انطالقا من هاجس خيتمـر بذهن صاحبها اختمارا يفترض أن يكون واعيا ميكن من صياغة إشكالية تلك الدراسـة

أهدافها، وكذا ضبط منهجية إعدادها، فضال عن حتديـد املرجعيـة العلميـة وترسماملتخصصة اليت تكون سندا هلا يعضد مشروعيتها األكادميية، وكذلك كان حالنا مع هذا

:البحث، إذ ميكن صياغة الطرح اإلشكايل الذي ساور البحث كاآليت

ب

- 7-

قصص القـرآين؟ ومـا الصورة اليت انتظمت وفقها حركية السرد يف ال ما طبيعة اخلفي أداء الصورة من ناحية، ومستوى إحيائهـا مـن ناحيـة يف مستوى جوهر السر

أخرى؟ وكيف جتلت تقنيات التصوير وآلياته وأشكاله يف اخلطاب القصصي القـرآين؟ وهل بإمكان الصورة أن تكون خطابا أدبيا موازيا للخطاب امللفوظ؟ ومبـاذا متيـزت

اخلطاب القرآين والسرد اإلعجازي خصوصا عن الصورة الفنية األدبية ظاهرة التصوير يف يف اإلبداع الشعري والنثري؟ وبعد هذا كله ما عسى أن تقدمه دراسـة علميـة ـذا

املنظور من إفادات جديدة ميكن أن تثري حقل االشتغاالت القرآنية ؟ العمل، فهي كانت البداية إذن مع الفكرة، والفكرة كما ذهب ابن املعتز هي مخ

اليت أوحت لنا باملوضوع، وإثر تفكري ملي ونظر عميق واجتهاد دؤوب بشأن صـياغة عنوان دقيق للبحث، حبيث ميكنه أن يفي بطبيعة املوضوع وأهدافه العلمية إمجاال، وحييط

:مبباحثه وجزئياته النظرية والتطبيقية تفصيال، اهتدينا إىل أن نسم هذه الدراسة بـ

.مقاربة حتليلية يف مجاليات األداء و اإلحياء

وقد حترينا ما أمكننا األمر مراعاة ضوابط املنهج يف صياغة هذا العنوان، فجـاء الصورة الفنيـة يف ثابت ومتحول؛ يشي اجلزء الثابت بطبيعة املوضوع وهو : يف جزءين

القرآين، وقد جنحنا إىل اصطناع مصطلح اخلطاب ملا ملسناه فيه مـن اخلطاب القصصي مشولية وكلية قياسا إىل مصطلح النص مثال الذي يتراءى لنا أصغر حجما، وملا ينطـوي عليه مصطلح اخلطاب من بعد إجرائي له قابلية ألن نفحصه انطالقا مـن املـستويات

تحول من العنوان فيتصل بالزاوية اليت نتناوهلا أما اجلزء امل . الصوتية واملفرداتية والتركيبية من املوضوع، واليت تتحدد يف جانبني مها األداء ونقصد بـه اإلمكانـات األسـلوبية والبالغية واللغوية والتعبريية هلذا اخلطاب، مث اإلحياء ونريد به ظالل املعىن الـيت خييلـها

.ااخلطاب بذهن املتلقي روحيا ونفسيا وعقليا وفني

ج

- 8-

وإذا كان هناك جمال للحديث عن الدوافع الذاتية الختيـار موضـوع بالغـة اخلطاب القصصي القرآين، فجزما يعد الدافع الروحي املوجه األساسي إىل هذا احلقـل رغم شدة إشفاقي من اقتحامه، فالقرآن الكرمي منهل العقيدة واألخالق واألدب، فضال

تشدين إىل سحر السرد منذ حداثة عمري، فتجعلين عن تلك الصلة احلميمة اليت كانت .أخنرط يف عوامله األدبية العجيبة اخنراطا

أما العوامل املوضوعية اليت وجهتين إىل اإلقبال على هذا املوضوع فترتد إىل حمطة سابقة من مساري العلمي، حيث كنت قد صرفت عناييت إىل مقومات السرد اإلعجازي

القرآين، ضمن مرحلة املاجستري، وهو ما حـدا يب إىل مواصـلة يف اخلطاب القصصي االشتغال حول حقل الدراسات اجلمالية للخطاب القرآين الذي ما فتئ يفتر للناظر فيـه عن آللئ بديعة وجواهر كرمية ودرر نفيسة خليقة بأن تستأثر بالدراسة والبحث، فقـد

ين مل ألتفت إىل بالغة التـصوير، انتهيت إذاك من البحث ويف نفسي شيء من حتى ألن .خشية أن يطول يب املطاف، إذ من شأن املوضوع أن يفرد له حبث مستقل

تغري الدارس باإلقبال يكتسيها موضوع السرد القرآين كما أن األمهية البالغة اليت فناهيك عن خصوصية التكامل اإلعجازي اليت حققت له بعدا قدسيا بوصفــه عليه،

فصم عن كلية نص الوحي، هو ظاهرة خطابية لها ما لها من مسـات األداء جزءا ال ين الفين اليت أهلـته الرتياد أفق سردي سامق، ال خنال أن هناك ظاهرة فنية سردية وضعية

.ميكن أن تضارعه فضال عن تبوء موقع الصدارة دونهالقدم، فانربى لـه لقد شغل موضوع التصوير الفين والبياين يف القرآن اهلمم منذ

البالغيون، ولعل رائدهم هو جار اهللا حممود الزخمشري الذي وجه التفسري القرآين وجهة بيانية، فكان منجزه الكشاف تطبيقا بالغيا آلراء من سبقوه بعامة، ونظرية النظم لإلمام

.عبد القاهر اجلرجاين خباصة على آي التنزيل احلكيم

د

- 9-

ني باملوضوع يف عصرنا احلايل، فقد أوىل عـدد منـهم ومل يخب شغف الدارس مشاهد القيامة يف (و) التصوير الفين يف القرآن (عنايته به، على غرار سيد قطب يف كتابيه

اللذين يعدان من بواكري ما أجنز حول املوضوع، فضال عن تفسري الظالل القيم، ) القرآن) التعبري الفين يف القـرآن ( أمني يف كتابه وممن فطنوا إىل قيمة املوضوع أيضا بكري شيخ

، فضال عن عائشة عبد الرمحن يف )التحرير والتنوير (وكذا الطاهر بن عاشور يف تفسريه دراساا البيانية للقرآن الكرمي، وفاضل صاحل السامرائي يف دراساته حول مجاليات التعبري

الصورة الفنيـة يف املثـل ( دراسته القرآين وملساته البيانية، وحممد علي الصغري بناين يف ).القرآين

وكانت هناك إضاءات متفرقة حول املوضوع اشتملت عليها منجزات حديثـة حول مجاليات القصص القرآين، منها الفن القصصي يف القرآن الكرمي حملمد أمحد خلف

منطوقـه القصص القرآين يف مفهومه واهللا، وسيكولوجية القصة يف القرآن لنقرة امي، و ، واخلطاب القرآين، مقارية توصيفية يف مجالية السرد اإلعجازي ، لعبـد الكرمي اخلطيب

ألستاذنا القدير الدكتور سليمان عشرايت، وغريها من الدراسات اليت ال يـسع املقـام .، ولكنها عمقت االشتغال منهجا وموضوعاحلصرها

عم أن هذا االهتمـام بـدع وأحسبين ههنا أمام قمم شاخمة عتيدة، فال جمال للز تفردت بالتطرق إليه، بل جل تقديري أن تلك اجلهود سبقتين حبصافة واقتدار إىل اإلملام جبوانب تتصل به، وأخال أن باعي فيه اجتهاد علمي تكميلي يغترض حتسس شيء مـن

التصويرية اليت وشحت البناء القصصي يف القرآن الكـرمي، وفـق اللمسات واللطائف ور معريف ذوقي ال يكون عالة أو عبئا على تلك اجلهود، بقدر ما جيعل منها قبـسا منظ

، ومرتكزا تأسيسيا له، بيد أنين استشعرت رغم قيمة ما ألف حول القـصص يستنري به القرآين أن مثة حلقة مفقودة، ذلك أن تلك اجلهود مل تقصر دراستها للـصورة ضـمن

ائي يستلهم مقوماته من حقول معرفية شىت، منها اخلطاب القصصي القرآين مبنظور إجر

ھ

- 10-

البالغة وحتليل اخلطاب ونظرية القراءة ومجاليات الفن، األمر الذي أردنا هلذه الدراسة أن .تتوخاه، ومن هنا تتحدد معامل اجلديد الذي نصبو إىل اإلتيان به

رية الـيت لقد ترسمنا يف هذا البحث خطة استوفينا ضمنها تأصيل اجلوانب النظ اقتضى املنهج الذي اصطنعناه اسـتهالل . اهتدينا على أساس منها إىل املباحث التطبيقية

البحث مبدخل متهيدي حتسسنا من خالله مصطلحي األداء واإلحيـاء ضـمن مطلـبني خاصني، لكوما يتصالن منهجيا بالقسم املتحول من العنوان، ونظرا ملا ملسناه فيهما من

بالقيم اجلمالية للتصوير الفين، فاجتهنا إىل ضبط مفهوم كـل منـهما، مث معىن االمتالء استقصاء شىت جماالت استخدامهما قدميا وحديثا، إذ الالفت للنظـر أن عديـدا مـن األنساق املعرفية عولت عليهما وجعلتهما من مقوالا احليوية، بعد أن محلتهما ومفاهيم

وضوع، فقد الزم مصطلح األداء جماالت عدة منها علم متباينة، تبعا لتباينها من حيث امل القراءات والتجويد، وعلم األصوات، وعلوم الفقه اإلسالمي، واللـسانيات، والبالغـة واألسلوبية، بل طال حىت جماالت الفنون كالغناء واملسرح والسينما، ناهيك عن شـىت

حييل إىل سيكولوجية التلقـي بينما ألفينا مصطلح اإلحياء الذي . ميادين النشاط البشري يرتبط مبفهوم الوحي اإلهلي، وعلم النفس والبالغة واألدب وسـائر الفنـون وحقـل

.التصوف وغريهامث جاءت الدراسة بعد ذلك يف بابني أحدمها نظري، اشتمل على فصلني، عقدنا

الصورة الفنيـة يف األدب واسـتنطاق مـذاهب لتأصيل مفهوم الفصل األول منهما العرب القدماء واحملدثني، فضال عن تنظري الغربيني بشأا، وعجنا إثر ذلـك الدارسني

برحاب االشتغال القرآين نستقصي مفهوم التصوير الفين فيه، ومعامله يف التراث، وطبيعته أما الفصل . اليت ارتقى البحث فيها وغدا مع جهود املعاصرين نظرية متكاملة قائمة بذاا

، يف ضـوء فهـم العـرب مقومات الصورة الفنية يف األدب ناه لتحسس الثاين فعقد والغربيني على السواء، فتوقفنا عند فاعلية اخليال وأملمنا مبفهومه، مث استقصينا املوضوع يف خمترب الدارسني ابتداء من اإلغريق ومرورا بالعرب القدماء وانتهاء إىل تنظري الغربيني،

و

- 11-

ن ضمن تلك املقومات اليت توقفنا لديها يف هذا الفصل هناك وم. فموقف العرب احملدثني جانب التجربة الشعورية، واملظاهر البيانية للصورة الفنية، ومبدأ التقدمي احلسي للمعـىن،

.واللغة وأثرها يف تشكل الصورةوجاء الباب الثاين من الدراسة تطبيقيا صرفا، أجنزناه يف ضوء ما متحـض لنـا

لتأسيس التنظريي، وقصرنا مباحثه على استكشاف نظام الصورة الفنيـة يف إجرائيا من ا بالغة األداء التصويري من جهة، ومستويات إحيـاء اخلطاب القصصي القرآين من حيث

: ، وقد ضم هذا الباب هو اآلخر فـصلني الصورة الفنية يف هذا اخلطاب من جهة ثانية صورة وأمناطهـا الـشكلية يف اخلطـاب مصادر ال تطرقنا يف الفصل األول منهما إىل

بؤر اإلدراك احلسي للصورة ومساا الفنية يف ؛ ويف الفصل الثاين إىل القصصي القرآين وذيلنا . واقتضى املنهج توزيع مباحث كل فصل منهما يف قسمني فرعيني . هذا اخلطاب

ادها، وإمنا حسبنا يف آخر املطاف حبثنا خبامتة ال نزعم أن البحث يف املوضوع انتهى بإير .منها أن نكون قد أتينا على رصد بعض النتائج اهلامة اليت خلصنا إليها نظريا وتطبيقيا

أما بالنسبة إىل اللغة الواصفة ضمن هذا البحث، فقد فرضت طبيعـة القـضايا واإلشكاليات اليت أثارها موضوعه التجاوب مع عدة مناهج تباينت إجراءاـا، فكـان

االتكاء على املنهجيـن التارخيي والوصفي يف القسم النظري من الدراسة، لزاما أن يتم يف الفكرين العريب والغريب، مث إن الصورة واخليال مثال حينما كنا نهم بتتبع تطور مفهوم

نظرتنا ضمن هذا املستوى ال تعدو أن تكون وصفا حتليليا لشتى الظـواهر والـسمات .صصي القرآين مثلما هي عليهاليت ميـزت اخلطاب الق

وأحل املنهج اللغوي مبنتهى الصرامة على كل مباحث هـذه الرسـالة تقريبـا، ويترجم ذلك عودتنا يف كل مرة إىل األصول االشتقاقية لضبط املـصطلحات ضـبطا

وجلأنا إىل االرتكاز علـى املنـهج . معجميا، ليسهل متثل املفاهيم وتأصيلها اصطالحيا لما كانت احلاجة تضطرنا إليه أحيانا لدى سعينا الستنطاق معـاين بعـض اإلحصائي

ز

- 12-

املفاهيم القرآنية، وحصر خمتلف حقوهلا الداللية والسياقية، وكـذا إحـصاء مواضـع .القصص القرآين

وقد اقتضت منا املقاربة التحليلية اجلمالية يف الباب الثاين من حبثنا االحتكام إىل ، حتليال تـذوقيا اخلطاب القصصي القرآين يل الذي يغترض حتليل إجراءات املنهج اجلما

بيـد أن . تأمليا يتلمس نتوءات اجلمال ضمن الظاهرة السردية بوعـي إجرائي حصيف هذه العدة اإلجرائية ما كان هلـا أن تستـويف جوانب الدراسة بأكملها لوال متثلنــا

اإلطار املرجعي الذي انطلقنا منه إلعـداد الذي يعد أبعاد املنهج التكـاملي اإلعجازي .هذا البحث، لذلك حترينا حضوره ضمن مباحث هذا الباب

وبالنسبة إىل النماذج املنتقاة للمقاربة التحليلية، فقد كنت يف البداية أنـوي أن أمل جبميع القصص القرآين، ولكنين أدركت أن ذلك أمر غري ممكن، ففكرت مليا إىل أن

ديت إىل وضع مسرد إحصائي تفصيلي عني برصد مواضع القصص القرآين كلهـا، اهتمكنين من جتاوز معضلة االختيار، فحاولت االقتصار والتركيز على القصص الذي قـل التطرق إليه، قياسا إىل غريه من جهة، وكذا حتري النماذج اليت تتضمن أكثر من غريها

ظواهره الفنية اليت استقريناها من جهـة أخـرى، مـع التصوير الفين ومتثل خصائصه و .حرصنا على تنويع االختيار

وال ختلو درب الباحث بعامة من عقبات كلما تفاقمت إال واستشعر معها هيبة ولذة معا، كذلك كان حالنا يف هذه الرحلة العلمية اليت أتاحت لنا خوض غمار جتربة مل

وتتعلــق أساسـا ، نا أهم بإعداد هذه الرسالة تخل من مشاق وصعاب واجهتـين وأ حبيث ال خيفى أن طرق باب الدراسات القرآنيـة ، بطبيعة املوضوع الذي عكفت عليه

عموما والتماهي مع الظاهرة السردية اإلعجازية على وجه اخلصوص خيـار حمفـوف يف هذا امليدان فالباحث ، إذ يتعين التعامل معه بتحفظ وحذر شديدين ، باملخاطر واملزالق

- حيث املوضوع والعدة اإلجرائيـة وضـعيان -مقارنـة مبيـادين البحث األخرى محاصر يف جمال ضيق نسبيا بني الوازع اإلميـاين الذي ميـلي عليه مراعـاة املرجعيـة

ح

- 13-

وبني استكناه أدبيتـه اإلعجازيـة بالتعويـل علـى ، العقدية ومتثل قداسة نص الوحي ية اليت مل نلجأ إليهـا إال لتثميـر ما يتناسب من معداـا ويتـالءم اإلجراءات الوضع

.وخصوصية التنزيه اليت يتسم ا اخلطاب القصصي القرآينبيد أنين حاولت قدر جهدي تفـادي هذه العقبات وتذليل ما استعصى منـها

، ةمبا اجتمـع لدي من مادة علمية حصيفة كانت عونا يل على إجنـاز هـذه الرسـال كتب التفسري القرآين، والدراسات القرآنية : استقيتها من مصادر ومراجع متنوعـة أمهها

من الوجهة الفنية، والدراسات اليت أفردت للقصص القرآين والدراسات األدبية والبالغية .والنقدية التراثية واملعاصرة

- أمحد مـسعود كما كانت توجيهات املشرف الفاضل أستاذي الدكتور ناهيك عـن ، وإرشاداتـه السديدة اليت أظل مدينا له ا ما حييت -حفظه اهللا ورعاه

وزنه العلمي خري ما حفزين على مواصلة االجتهاد؛ حينما كان يأخذ بيدي يف منتـهى فلقـد ، البحث فترة أثناء أملت يب احلنو لتخطي كثري من العقبات والظروف الصعبة اليت

ومل يضن علي مطلقا بنصائحه السخية وتشجيعاته الدائمة، وفتح ، عدةتعلمت منه قيما ، يل باستمرار بيته الكرمي، وأكثر من ذلك قلبه الرحيم، وحسيب هذا كله شرفا وفـضال

.فله مني جزيل الشكر واالمتنـان، وخالص التقدير والعرفان إىل كافة أعضاء جلنة كما ال يفـوتين أن أوجه كفال من ذلك الشكر والتقدير

أن قدر هلذه الرسالة أن تثرى بترشيدها ورضا اليت سيملؤين غبطة وشرفا املناقشة املوقرة ، والعرفان موصول أيضا لكل القائمني على الشؤون البيداغوجية والعلمية علمياوتقوميها

عة وهران، وجلميـع على مستوى قسم اللغة العربية وآداا، وكلية اآلداب والفنون جبام من أمدين بيد العون كي يرى هذا املنجز العلمي النور، ولكل من جعله اهللا تعاىل سـببا

.يف انتهائي إىل هذه الدرجة اليت أرجو أن أوفق الستثمارها يف تطلعات علمية أخرى .واهللا من وراء القصد

ط

- 14-

- 15-

اليت تدب يف أوصال الشعر، والربيـق الـذي ياةالتصوير الفين هو احل كان إذا ميتلـك مـن يف عبقرية التصوير الذي قوة الشعر تتجلى « حبيث أن يلتمع يف تقاسيمه،

وهو مـا ،1»اإلمكانات الفنية القدرة على رسم أبعاد التجربة الشعورية واإلحياء بظالهلا فإن التصوير الذي يـراهن سنأيت على اإلملام به ضمن القسم النظري من هذه الدراسة،

يقتضي االنفتاح يف اخلطاب القصصي القرآين الصورةعليه منظورنا ضمن دراسة بالغة ، أحدمها يتصل باألداء اإلعجازي الذي تفرد بـه الصورةعلى جانبني مهمني يف بالغة

.تلقيالنظم القرآين، وأما اجلانب الثاين فريتبط بتجليات اإلحياء اليت ترتسم يف ذهن املإن املسألة يف كال اجلانبني من الصعوبة مبكان، وهي حتما حمفوفة مبزالق مجـة، ألننا اآلن بإزاء خطاب مساوي غييب يتعين صون قداسته الالمتناهية، ونربأ بأنفسنا مـا وسعنا األمر أن نتجرأ عليه مبا ال يليق مبقامه، فال جمال لالدعاء بأن لدينا مـن األدوات

ية املواتية لتحليله، إال ما تيسر الجتهادنا إفادته من املنهج التكـاملي اإلعجـازي، العلم .واملنهج اجلمايل، اللذين سارت على هديهما أغلب الدراسات الفنية للقرآن الكرمي

مبا أن فهم الصورة الفنية عموما خيضع الستكشاف مستويي اإلبداع والتلقي، وغة الصورة يف هذا اخلطاب أداء وإحياء، تعين علينا حتديد وملا كانت غايتنا هي حتسس بال

اإلطار املعريف والنظري الذي اكتنف هذين املصطلحني، وتقصي املفاهيم اليت انـضوت حتت كل مها، حىت يكون استخدامنا هلما واعيا مرسخا على منطلقات وأسس سـليمة،

، ألن األمر يتعلق بدراسة خطاب وهذه صعوبة أخرى ال ننكر أننا واجهناها حبذر شديد .يثري يف قارئه اهليبة والوقار واجلالل، قبل أن يبعث فيه لطائف الروعة والرباعة واجلمال

.16، ص 2000 للنشر، القاهرة، الدار العربية رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ،عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 1

- 16-

تأثيـل مصطلح األداء ومسوغات استخدامه : األولاملطلب أن نستهل هذا املطلب من املدخل يقتضي منهج دراستنا الذي اصطنعناه

، نظرا ملا ملسناه فيه من معىن االمتالء بالقيم اجلمالية األداءبالوقوف عند مصطلح للتصوير الفين، ولكن جيدر بنا قبل ذلك ضبط مفهومه اشتقاقيا واصطالحيا، مث استقصاء شىت جماالت استخدام املصطلح قدميا وحديثا، إذ الالفت للنظر أن عديدا من األنساق

ة، بعد أن محلته مدلوالت ومفاهيم املعرفية عولت عليه وجعلته من مقوالا احليويمتباينة، تبعا لتباينها من حيث املوضوع، فقد الزم حقوال عدة منها علم القراءات والتجويد، وعلم األصوات، وعلوم الفقه اإلسالمي، واللسانيات، وعلم البالغة

ن واألسوبية، بل طال حىت جماالت الفنون كالغناء واملسرح والسينما، ناهيك عن ميدا.الرياضة وشىت ميادين النشاط البشري

مفهوم األداء: :التحديد اللغوي

من اجلذر اللغوي األداء يف لسان العرب م ى الشيء«): أدا(شتقأد : ،لهصأووأدى دينه تأدية أي قضاه، واالسم ... األلفوهو آدى لألمانة منه، مبد. واالسم األداء

أدى فالن ما عليه : ويقال.. .وقضيته تأديت إىل فالن من حقه إذا أديته :يقالو. األداء على هذا األمر أي قويفالن مؤد«: وجاء يف أساس البالغة. 1»...أداء وتأدية

وهو آدى لألمانة. واالسم األداء. أدى دينه تأدية، أي قضاه«: ، ويف الصحاح2»عليهاه ماال، إذا صادره استأد: ويقال. إليه اخلرب، أي انتهى وتأدى. منك، مبد األلف

.3»واستخرجه منه

.101ص / 1، ج)أدا( ابن منظور، لسان العرب، مادة - 1 .23ص / 1، ج)أدي( الزخمشري، أساس البالغة، مادة - 2 .2266، 2265ص / 6، ج)أدا( اجلوهري، الصحاح، مادة - 3

- 17-

نفهم من خالل هذه اإلفضاءات املعجمية أن األداء يفيد إيصال الشيء وقضاء ة على األمر وانتهاء اخلرب إىل شخص ما؛ ذلك أن التصواألمانة والقو ن ورديوالد ر احلق

ووردت يف . اجلامع الذي تشترك فيه هذه املعاين يشي بإجناز األمر على وجه التحقيق : ست مرات وفق الصيغ االشتقاقية اآلتية»أداء«القرآن الكرمي كلمة

1 - دبالعو ربالح رفي القتلى الح اصالقص كمليع وا كتبنآم ا الذينها أيي ناألنثى باألنثى فمد وببالع وأداء إليه مبعىن دفع . 178: البقرة …عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان

.وقد اتصلت داللة األداء يف هذا السياق القرآين بالدية املفروضة بدال من القصاص. إليه

2 - الذي و دؤضا فليعضكم بعب أمن وضة فإنقبم انا فرهوا كاتبتجد لمفر ولى سع إن كنتم هبر تق اللهليو انتهأم تمناؤ... ،283: البقرة.

3 - بقنطار هنإن تأم نل الكتاب مأه منو تما دإال م كه إليدؤار ال يبدين هنإن تأم نم مهمنو كه إليدؤي .75: آل عمران ...عليه قآئما

4 - اس أن تحالن نيتم بكمإذا حا ولهانات إلى أهوا األمأن تؤد كمرأمي الله إن الله ل إندوا بالعكم .58: النساء، نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصريا

.لقد ارتبط معىن األداء يف املواضع القرآنية الثالثة السابقة باألمانة والدين

5 - ولسر ماءهجو نوعفر مقو ملها قبفتن لقدوول *كريمسر الله إني لكم ادعب وا إليأد أن أمني موسى وهذا على لسان. 18 ،17: الدخان أظهروا إميانكم يل، أو :مبعىن؛

فأرسل معي بين إسرائيل أي أطلقهم من : بين إسرائيل، كما قال سلموا إيل« ربما أراد اهللا ألنه منادى مضاف، ومعناه أدوا إيل ما أمركم اهللا به يا عباد نصب: عذابك، وقيل

- 18-

فيه وجه آخر، وهو أن يكون أدوا إيل مبعىن : قال أبو منصور عباد اهللا فإين نذير لكم؛ .1»...كمإيل مسعكم أبلغكم رسالة رب استمعوا إيل، كأنه يقول أدوا

ثالثة : قوله النيب ن، فقد أثر ع)أداء(ظة بلف الشريف قد احتفى احلديثووالناكح ، األداء والمكاتب الذي يريد ،حق على الله عونهم المجاهد في سبيل الله

الذي يريد العفاف2 .كذلك وهي عنور أنه استقرض من أحدهم ألفا فجاءه أربعني بارك الله لك في أهلك ومالك إنما جزاء السلف الحمد :الئ قاهإليمال فدفعه

الله أداها أداءهامن أخذ أموال الناس يريد :قالأنه أيضا ومما أثر عنه. 3األداءوأخ منوجلذعنه و عز الله لفهالفها أتريد إتا يه 4.

تنأى داللة األداء سواء من خالل السياقات القرآنية أو احلديثية عن الداللة ال وقد ارتبطت يف فقه العبادات لفظة األداء كذلك . اللغوية اليت أومأنا إليها قبل قليل

.بالزكاة أي إخراجها، والصالة مبعىن القيام ا، والتطهر، ودفع اجلزية إىل بيت املال خالل فعل األداء معان عدة وردت يف أشعارهم، منها قول وقد أراد الشعراء من

:البحتري مادحا وقد قصد بأداء التحية القيام ادؤعيية من بحياإليوان ب د ـون الت ر من5ادـ إىل قم

:وقول ابن الرومي يف الغزل وقد عىن باألداء الوصولومن ظنأن االستزاد ي إىل ط ىة يف اهلوؤدواحلقد العداوةولـ ت

6صدي إىل الق يؤد ويصرب على بعد ه زـه وعزيـب حاجرـأال فليه

.101، ص1، ج)أدا(لسان العرب، مادة -1 .1579 :رقم احلديث، اب ما جاء يف ااهد واملناكح واملكاتب وعون اهللابكتاب فضائل اجلهاد، سنن الترمذي، - 1 .4604 :رقم احلديث، باب االستقراضكتاب البيوع، سنن النسائي، - 3 .8378 : مسند اإلمام أمحد، رقم احلديث- 4 .726 ص، 1، ج)ت.د(، 3.حسن كامل الصرييف، دار املعارف، القاهرة، ط. تح البحتري، الديوان، - 5 .481ص ، 1، ج2002، 3.شرح أمحد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بريوت، ط ابن الرومي، الديوان، - 6

- 19-

:وقول أيب متام قاصدا بأداء الشكر الوفاء بهت األعداء سباحها فإن ذموء ص سرالنو ها الذئبكري شدؤي 1 فليس

: خليل مطران وقد قصد باألداء منام القضاءوقول اردور املديح شغر من اء يل فيككل أد الكع قوقح ت2 أد

يء إيصال الـش يفيداألداءأن من حيث غ،بالداء واإل بني األوقد ميز العسكري لقـراءة ا ضـوابط أداءو والفرائض واجلزيـة الدين، أداء حنو، قتضيه الوجوب على ما ي ومنه البالغة وهي إيصال املعىن إىل النفس ،فهام إيصال ما فيه بيان لأل واإلبالغ، القرآنية

.3باملاديات واألداءباملعقوالت، اإلبالغوهناك من يومئ إىل ارتباط . يف أحسن صورة :التحديد االصطالحي

إخراج بقصد به dictionاألداء مصطلح شامل يقابله يف اللغة اإلجنليزية احلروف من خمارجها أثناء الكالم، واألداء أيضا طريقة القيام بدور متثيلي، أو أسلوب

، ارتبط قدميا مبجاالت شىت، وقد 4عزف مقطوعة موسيقية أو كيفية الغناء يف أغنية مامث تواصل تداول مصطلح األداء لدى املعاصرين، ليشمل مباحث أخرى، وكذا للداللة

إجنازه بكيفية أو بأخرى يف جماالت شىت من حياة قن حتق أو نشاط معيعلى فعلاإلنسان، ليغدو مرتبطا بنوع من حكم القيمة، فارتبط بالشؤون السياسية والعسكرية

ذ أصبح األداء يالزم حكما على نوعية الفعل ؛ إ...واالجتماعية والرياضية والفنية وغريهانرتئي الوقوف عند أبرز احلقول املعرفية و.ك الشؤوناملنجز للقائم به ضمن شأن من تل

.اليت شاع استخدام املصطلح ا، قبل بيان قصدنا منه ضمن هذه الدراسة

.448 ص، 2ج ، 1994، 2.راجي األمسر، دار الكتاب العريب، بريوت، ط. تح متام، أيباخلطيب التربيزي، شرح ديوان - 1 .51 ص، 1ج ،)ط.ت.د( دار مارون عبود، بريوت، ، اخلليل خليل مطران، ديوان- 2 .2002، 2.حممد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بريوت، ط. العسكري، الفروق اللغوية، تح - 3 .12، ص 1979مكتبة لبنان، بريوت، جمدي وهبة وكامل املهندس، معجم املصطلحات العربية يف اللغة واألدب، - 4

- 20-

: األداء وعلم القراءات القرآنية-أ ، ضمن حقل علم القراءات القرآنية والتجويداألداءمت يف التراث تداول مصطلح

ملتواتر، فقد حظي بالعناية والرعاية والضبط يف أدائه هو النص الصحيح ا فالقرآن ايدإن املطلع على أنوع األداء لدى القراء يالحظ أن اخلالف بينهم ... ورمسه ومتنه وسنده

.1...متعدد الصور، فبعضه ذو طابع صويت، والبعض اآلخر هلجي، وبعضه حنويقف لدى مفهوم لتوضيح مفهوم األداء يف رحاب علم القراءات ينبغي أن نتو

مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء خمالفا غريه القراءة، إذ يقصد ا يف االصطالح يف النطق بالقرآن الكرمي، مع اتفاق الرواية والطرق عنه، سواء أكانت هذه املخالفة يف

علم بكيفيات أداء بأا " ابن اجلزري"، وعرفها 2نطق احلروف أم يف نطق هيئاافمدار أمر القراءات على النطق واألداء وفق . 3كلمات القرآن واختالفها معزوا لناقله

.ضوابط معينة جيب أن بتحراها املقرئ بصرامة بالغةجاء يف تفسري ابن كثري ما يدل على رسوخ وعي مصطلح األداء لدى القدماء،

ما وإن كـال لقرأ اء يف أداء هذا احلرف، فمنهم من وقد اختلف القر: حيث يقولمالهمأع كبر مهنفيولي ،؛ 111:هودد بالتخفيف فعنده أن إن لإلثبات، ومنهم من شد

تقديره وما كل إال مجيع لدينا حمضرون، ومعىن وجعل أن نافية، وملا مبعىن إال،)لما( .4القراءتني واحد، واهللا سبحانه وتعاىل أعلم

.118 ، ص 2007مكتبة اآلداب، القاهرة، تويات التحليل اللغوي، أبو بكر حسيين، أداءات القراء، دراسة يف مس- 1 .405، ص 1ج 1998، 1.بديع السيد اللحام، دار قتيبة، ط. تح الزرقاين، مناهل العرفان يف علوم القرآن،- 2ان عـدن : ، وينظر أيضا 49ص ) ت.د(علي بن حممد العمران، . ابن اجلزري، منجد املقرئني ومرشد الطالبني، تح - 3

أمحد حممود عبـد الـسميع : ويقارن بـ. 92، ص 1998، 1.زرزور، فصول يف علوم القرآن، املكتب اإلسالمي، ط .26، ص 2001، 1.احلفيان، أشهر املصطلحات يف فن األداء وعلم القراءات، دار الكتب العلمية، بريوت، ط

، ص 6، ج1999، 2.ار طيبة، الريـاض، ط ، دسالمةالسامي بن حممد . تح ابن كثري، تفسري القرآن العظيم، - 4 .252، ص 8جوينظر أيضا ، 575

- 21-

ما كانوا يصفون القراء الذين يتحلون مبهارات صوتية حبسن األداء وكثرياما الذي كثريا )هـ764( الصفدي صالح الدينوجودته على حنو ما نقع عليه عند

وقد ،1التجويـدفن القراءات و غالبا حبقلارتبطيف مؤلفاته ف )األداء( مصطلحوظف: راءات، فيشري مثال إىل أحدهم بالقولترجم لبعض األعالم الذين كان هلم باع يف الق

،الشيخ الفقيه املقرئ النحوي مجال الدين أبو الفداء احلنفي، املعروف بابن الفقاعيهو « والترتيل والترديد، مع األداءوحسن عارفا بالقراءات والتجويد،...كان شيخا فاضال

آلخر ) هـ623ت ( القزويين ويترجم اإلمام الرافعي .2»...املعرفة بالفقه والنحو واألدب يقرئ وكان ممن ...املقرئأمحد بن حممد بن عمر الطوسي أبو سعد الصويف هو «: بقوله

.3»...، يقرأ بقراءات صحيح املخارجاألداء وكان حيسن ...الناس يف اجلامععن إعجاز القراءة وطرق األداء يف القرآن " الرافعي"ويف العصر احلديث حتدث

على اختالف األحرف السبعة اليت نزل القرآن ا، وقد صحت عن النيب الكرمي، اليت صحت قراءته، وهو أفصح العرب، كما كان هذا االختالف حلكمة تيـسري القـراءة

وأومأ إىل وجوه التلحني والتنغيم . 4واحلفظ على قوم أميني، واستنباط األحكام الشرعية . 5قيص والتحزين والترديديف أداء القراءات، ومنها الترعيد والتر

، وقـد اسـتخدم 254 و 40، ص 5، و ج328، ص 3، جأعيان العصر وأعوان النـصر : مثال الصفدي، ينظر - 1

. اهلميان يف نكت العميانتنكو ،الوايف بالوفياتاملصطلح يف كل من 526، ص1 جالنصر،أعيان العصر وأعوان صالح الدين الصفدي، - 2عزيز اهللا العطاردي، دار الكتـب العلميـة، بـريوت، . تح التدوين يف أخبار قزوين، الرافعي، عبد الكرمي اإلمام - 3

.247، صص2ج ،1987/ هـ 1407 . وما بعدها46إعجاز القرآن والبالغة النبوية، دار الكتاب العريب، بريوت، ص - 4 .59 املرجع نفسه، ص - 5

- 22-

، وكالمها عمل 1األداء) أو علم (ومن املعاصرين من أطلق على علم التجويد فن فيما خنمن أدل على اجلانب العملي احليوي يف تالوة القرآن ) األداء(صويت، إال أن لفظ

لفـن ، وطبيعة هذا اجلانب إجنازية حمضة، ولعل مرد تسمية هذا ا )جتويد(الكرمي من لفظ باألداء أنه يعرفنا كيف ننطق بالقرآن الكرمي ونؤديه أداء سليما، وال خيلـو مـن ) العلم(

يعىن بكيفية إخراج ) التجويد( يف فن األداء ا علمي ابيد أن هناك جانب . 2معىن االستحسان .3كل حرف من خمرجه واستيفاء ضوابطه الالزمة والعارضة

إقامة حروفها وصحة أدائها على النحو اللغة ومن مظاهر تأثري القرآن الكرمي يف العربية بوفرة يف أداءاـا وبذلك متيزت .4الذي هلجوا به، وتيسري ذلك يف كل عصر

الصوتية، وصيغها الصرفية، وتراكيبها النحوية، ومعانيها الداللية، مما يعطيهـا حركيـة اغة متطلباته ومشاعره مستمرة وقدرة على استيعاب مقتضيات احلياة لدى اإلنسان وصي

.5...بصور متعددةفمنها ما تعلق بالنظام الصويت كالتفخيم واألداء يف العربية ذو جتليات متعددة

... والترقيق واإلمالة والفتح وما بينهما، واإلدغام والفك، والتحقيق يف اهلمزة وتسهيلهعيف والتخفيف والتذكري ومنها ما تعلق بالنظام الصريف كالصحة واالعتالل والتض

) النحوي(والتأنيث واإلفراد واجلمع وسوى ذلك؛ ومنها ما تعلق بالنظام التركييب

وكـذلك فعـل ). املدخل إىل فن األداء( دراسة له بـ جامعة األزهرعبد الغفور حممود مصطفى . وسم دلقد 1 -

.أشهر املصطلحات يف فن األداء وعلم القراءات: أمحد حممود عبد السميع احلفيان يف كتابه الكتب العلميـة، بـريوت، أمحد حممود عبد السميع احلفيان، أشهر املصطلحات يف فن األداء وعلم القراءات، دار -2 .16، 15، ص2001، 1.ط

.27املرجع نفسه، ص - 3 .80 إعجاز القرآن والبالغة النبوية، دار الكتاب العريب، بريوت، ص - 4 .117أبو بكر حسيين، أداءات القراء، دراسة يف مستويات التحليل اللغوي، ص - 5

- 23-

. 1...كالتقدمي والتأخري والزيادة والنقصان، واإلعراب والبناء واإلعمال واإلمهال .ويعكس هذا التنوع األدائي مرونة اللغة وحيويتها وخصوبتها، مما يعد سبب قوا

ليل املستوى الصريف ضمن القراءات القرآنية، يقتضي التركيز على حتوالتحوالت اليت تطرأ على أداء القراء من حيث تنوع حركات الفتح والضم والكسر، مث

ومن ذلك مثال األداء بني الفتح والكسر؛ فقد قرأ ناقع مثال . املراوحة بينها وبني السكون وكذلك ).برق(، بفتح الراء، وقرأ الباقون بكسرها )صرفإذا برق الب: (يف قوله تعاىل

قالوا ما : (اىلمثال يف قوله تع فقد قرأ نافع وعاصم األداء بني الفتح والضم والكسر؛لكنا( بفتح امليم، وقرأ محزة والكسائي )لكناأخلفنا موعدك بمبالضم، وقرأ الباقون )بم

رحما -أكلها وأكلها : (لضم والسكون، حنواألداء بني اوكذا ). بملكنا(بكسرها ...2، وغريها)ورحما

: األداء واملباحث الفقهية–ب وأهل التفسري واحلديث يف ضوء اآليات 3كثريا ما يصطنع علماء الفقه اإلسالمي

الكرمية واألحاديث الشريفة اليت سبق الوقوف لديها مصطلح األداء يف استنباط أحكام إحكامه، وإمضاؤه، والفراغ ع وبيان ضوابطه، فأداء الشيء يف اصطالح الفقهاء الشرفقد بين اإلسالم على مخس أداءات شرعية هي فرائضه اليت يتحقق معها اجلانب . 4منه

العملي من العبادات، ومن ذلك مثال أن البخاري عقد يف صحيحه بابني أحدمها عن أداء .5من اإلمياناخلمس من الدين، وأداء اخلمس

.117 املرجع نفسه، ص - 1 .127 إىل ص 119املرجع نفسه، من ص - 2 والالفـت .53 وص 49، ص 1 ج ،1997، 4. دار الفكر، دمـشق، ط ته،الفقه اإلسالمي وأدل وهبة الزحيلي، - 3

.للنظر أن هذا العامل كثريا ما جلأ إىل استخدام مصطلح األداء بوعي فقهي عميق يف مجيع األجزاء العشر من كتابه هذا .305 ص،1988/ هـ 1408، 2. دمشق، ط،دار الفكر، طالحا لغة واصسعدي أبو حبيب، القاموس الفقهي - 4 . صحيح البخاري، كتاب اإلميان، وكتاب فرض اخلمس- 5

- 24-

وكذلك الزم . 1فالصالة مثال فرض مشروط بنية سواء يف حايل األداء أو القضاء، وفريضة الصيام خالل رمضان 2األداء فريضة الزكاة مىت وجب على الغين إخراجها

، كما مت 4، وفريضة احلج مىت استطاع املسلم إليه سبيال3وغريه من السنن وصوم التطوعتوظيفه يف شرح ضوابط األحكام الشرعية كوجوب اجلزية على أهل اعتماد املصطلح و

، واألمانة والوديعة والدين وما يتعين على املكاتب أداءه كي 5الكتاب، واليمني والشهادةر من الرقوغريها7، ودية القتيل6يتحر ،.

ما ولعل الباعث على استخدام العلماء الشرعيني هلذا املصطلح أم لمسوا فيه يفيد اجلانب اإلجنازي العملي املرتبط حبقوق اهللا على البشر من جهة، وحقوق البشر بني بعضهم البعض من جهة أخرى، ومبعىن آخر فإن األداء يفيد ههنا الفراغ واالنتهاء من

.االضطالع بتلك احلقوق والقوة على القيام ا : األداء وفن الغناء-ج

التراث أيضا مبجال الغناء، إذ مضى كثري من القدماء وقد ارتبط مصطلح األداء يف يصطنعونه وصفا ملدى جودة وحسن أصوات املغنني واملغنيات على غرار األخبار اليت

دخلت «: أوردها األصفهاين لبعض من اشتهروا بالغناء، ومن ذلك ما نقله عن أحدهما وهم ال يعرفونين، مغ فكنت آلف فتيانا من أهل النالري فطال ذلك علي إىل أن

.238، 237، ص 1، ج1996 دمشق، عبد الرمحن احلريري، الفقه على املذاهب األربعة، دار الفكر،- 1 .154، ص 3، وج145، ص 1 الفقه اإلسالمي وأدلته، ج- 2 .867، ص 1، والفقه اإلسالمي على املذاهب األربعة، ج180 وص 153، ص 1، جاملرجع نفسه - 3 .144، ص 1، جاملرجع نفسه - 4 .318، 317، ص 7، ج150 وص 141، ص 3 الفقه اإلسالمي وأدلته، ج- 5، كتاب الصدقات، باب أداء الـدين عـن 7وسنن ابن ماجة، ج . صحيح ابن حبان، كتاب البيوع، باب الديون - 6100، ص 1الفقه على املذاهب األربعة، جوت، املي. .623، 622، ص 7، الفقه اإلسالمي وأدلته، ج514، 2فقه السنة، جسيد سابق، - 7

- 25-

عنده،دعاين أحدهم ليلة إىل منزله فبت فأخرج جارية له ومدت خلفها، هلا ستارة فتغن . 1» كثرية الروايةاألداءفرأيتها صاحلة

ب الصوت حسن حمسنا طي كان ضاربا«أنه أحد املغنني" األصفهاين"كما وصف ، وذكر أيضا مغنية كان 2»...راهيم وابن جامع صاحل الصنعة، أخذ الغناء عن إباألداء

، ودائما يف سياق حديثه عن 3»...والصنعة األداءية حمسنة متقنة مغن«: امسها دقاق فقالوهو أحد ... هو حممد بن محزة بن نصري الوصيف موىل املنصور«: أحد املغنني قال

ذني احلاملغناق الضحسن ملوصلي وطبقته، وكانوقد أخذ عن إبراهيم ا. اب الرواةر .4»...ة فيهب الصوت، ال عل طياألداء

جلامع البعد الصويت كان والغناء الطربن يف فولعل اصطناع القدماء للمصطلح، بداعي تأثرهم الواضح بتلك املباحث بينه وبني مباحث علم التجويد والقراءات القرآنية

أمسى أن يستقوه منها يف غالب التقدير، ف فلم يكن بد منوإن بدا أضأل وأقل منها، من جتليات التالقح املعريف الفين يف التراث، الذي تتواشج فيه األنساق الفنية يااألمر جتل

.واملعرفية، وتتعاور املصطلحات فيما بينهاوال يزال يف عصرنا احلايل مصطلح األداء يالزم فن الغناء واملوسيقى، حبيث

ن وأهل الطرب على معايري فنية يف احلكم على قيمة األغاين منها يتعارف املوسيقيوواألداء غالبا ما يريدون به اقتدار املغني من حيث حسن . الكلمات واللحن واألداء

الصوت وإحكام اصطناع شىت تلويناته وما قد يصحب ذلك من حركات جسدية ن التحلي بصدق العاطفة تضطلع بتعبريات إحيائية متناغمة وإيقاعات األغنية، فضال ع

الفنية اليت تقتضي التوحد مع األغنية والذوبان يف إحياءاا، وليس جمرد االكتفاء بتقدميها

.204 ص 5ج ، 2.مسري جابر، دار الفكر، بريوت، ط. تحاين،ـ األصفهاين، األغ- 1 .254 ص ،6املصدر نفسه، ج - 2 .328ص ، 12 نفسه، ج - 3

.344ص ، 15سه، ج نف- 4

- 26-

مفرغة من القيم الشعورية، استيفاء للجانب اإليقاعي يف مظهره السليب العشوائي الذي .يكون غالبا هم احملسوبني على عامل الطرب الفين األصيل

:اء والدراسة الصوتية األد-د يدين البحث الصويت عند العرب بعلم القراءات الذي يعىن بطرائق أداء تالوة

ومل يلبث أن صار مصطلح األداء متداوال يف جمال الدراسة الصوتية، إذ . القرآن الكرميأن يعرف كيف يتكلم، ويتكلم بطالقة أنه يتعين على اإلنسان " أمحد خمتار عمر"يرى يصل إىل مجهوره وحيقق النفوذ الذي يبغيه، وطريقة نطق اإلنسان مل تعد أمرا خاصا لكي

باملتكلم، وإمنا هو أمر يتعلق بكل من يستمع، سواء أكان املتكلم سياسيا أو عاملا أو فنانا وهو فن النطق، قد احتل مكانا يف التعليم احلديث، dictionإن األداء ... أو ممثال رمسيا

وعلم األصوات هو القاعدة األساسية ألي . ف يأخذ وال شك اهتماما أكثر فأكثروسوفاألداء حسب نظره مهارة ال تقتصر على قدرة املتكلم النطقية .1تعليم من هذا النوع

.فحسب، بل على أثرها فيمن يتلقى الصورة السمعية يف شىت مقامات الكالم، ربع اليت يترتب عنها نطق الكالموالعملية النطقية هي إحدى العمليات األ

وتعد أكثرها تعقيدا، وهي نتاج تنوع الضغط الذي يصادفه تيار اهلواء يف أماكن متنوعة وتتعدد مواضع تنويع الضغط، حبيث أن كل بؤرة من اجلهاز النطقي . من جمرى اهلواء

فتان واألسنان، تصلح أن تكون مكانا للنطق بصوت معين، فهناك احلنجرة واحللق والش .2واللثة واللهاة وغريها مما يوايت على أداء األصوات بأحناء خمتلفة

يتمثل ويرى أحد الدارسني احملدثني أن باعث دراسة خمارج األصوات وصفاا يف أن هلا أمهية بالغة يف سالمة القراءة الصحيحة، وحتري األداء اجليد، تفاديا للوقوع يف

.402، ص 1997 أمحد خمتار عمر، دراسة الصوت اللغوي، عامل الكتب ، القاهرة، - 1 -عملية تيار اهلواء، وعملية التصويت، والعملية األنفية الفموية: والعمليات الثالث األخرى هي.

.113، ص 1997 أمحد خمتار عمر، دراسة الصوت اللغوي، عامل الكتب ، القاهرة، - 2

- 27-

ومن هنا جعل األداء مالزما لعملية النطق ومرادفا . 1باس فهم املعاينأخطاء النطق، والت .هلا، مبينا أن جماله خمارج األصوات وصفاا وشىت حركاا

أيضا ضمن دراسام الصوتية، وقصدوا به حتقق األداء الغربيون مصطلح اصطنع يقول صـاحبا الشعري، حيث ضمن عملية القراءة واإلنشاد وأشادوا بقيمته فعل النطق

وخالل حتليل مفعول هذه األصوات، علينا أن حنمل يف ذهننا مبدأين «): نظرية األدب (هامني، ولكنهما يف الغالب منسيان، علينا بادئ ذي بدء أن منيـز بـني األداء وطـراز الصوت، فقراءة عمل أديب رفيع بصوت مرتفع هو األداء، وهو حتقيق لطراز يضيف شيئا

... وميكن له من جهة أخرى أن يـشوه الطـراز أو يتجاهلـه كليـا فرديا وشخصيا، قد وجهـا ، و2»واالفتراض الثاين الشائع هو أنه ينبغي حتليل الصوت مبعزل تام عن املعىن

هلذين املبدأين، ففيما يتعلق باألول فإن ذلك التمييز حيول دون وضع علـم يعـىن انقد بينما الثاين فإنه ال وجود لـشعر . ردي للشعر باإليقاعات واألوزان على دراسة إنشاد ف

موسيقي دون أدىن متثل ملعناه، فمجرد الصوت يف حد ذاته ال ينطوي على تأثري مجـايل، .3أو أن هذا التأثري ضئيل

: األداء والبحث اللساين–هـ وعلى صعيد الدرس اللساين قامت النظرية التوليدية والتحويلية على أسس، لعل

واألداء الكالمـي compétenceبـني الكفايـة اللغويـة " تشومسكي"ييز أبرزها مت performance . فالكفاية هي مها، يف عملية تكلـماملقدرة على إنتاج اجلمل وتفه

، وهي مبعىن آخر تلك املعرفة الضمنية بنظام قواعد اللغة اليت ترسـخت بـذهن 4اللغة

.39، ص1986 فخري حممد صاحل، اللغة العربية أداء ونطقا وإمالء وكتابة، مطابع الوفاء، املنصورة، - 1حمي الدين صبحي، املؤسسة العربية للدراسات والنشر، بـريوت، . رينيه ويلك وأوسطن وارين، نظرية األدب، تر - 2 .165، ص 1981، 2.ط .165 املرجع نفسه، ص - 3، املؤسسة اجلامعية للدراسـات )اجلملة البسيطة (لسنية التوليدية والتحويلية وقواعد اللغة العربية ميشال زكريا، األ - 4

.7، ص 1986، 2.والنشر، بريوت، ط

- 28-

ابن "، والواقع أن 1د من اجلمل بشكل ابتكاري املتكلم فيتوسل ا إلنتاج عدد غري حمدو . 2سبق أن اصطلح عليها بامللكة" خلدون

ذلـك : ، أي 3االستعمال اآلين للغة ضمن سياق معين أما األداء فيقصد به ، اال اإلجنازي والوظيفي لألصوات اللغوية اليت ينطقها املتكلم مكونا كلمات ومجـال

اللغوية، فإنه يستدعي عناصر مترابطة دخيلة عن قواعد اللغة، ومع أنه ناجم عن الكفاية منها عوامل ذهنية كالذاكرة والتركيز واالنتباه واالنفعال وغريها، فضال عـن عوامـل

.5، ومن هنا ميكن استنتاج أن األداء فردي خيتلف من شخص إىل آخر4اجتماعية وثقافيةاللساين إىل حد كـبري، ذلـك أن وقد أفاد جمال تعليمية اللغة من هذا التصور

األداء اللغوي يف العملية التربوية هو اإلجناز يف ضوء األهداف املرسومة لتعليم اللغـةوطال اهتمـام . 6وتعلمها، وقد يكون هذا اإلجناز ذا نوعية جيدة، أو يكون غري ذلك

ة يف ميدان تعليم اللغـة الباحثني باألداء اللغوي يف جانيب اللغة املنطوق ا، واللغة املكتوب .8 والوظيفة األساسية لألداء اللغوي هي االتصال والتواصل.7وتعلمها

، ال علـى التحفـيظ "التجلية، األداء املتقن "تركز التربية املعاصرة على التمهري إذ إن تعليم اللغة على أنه نقل للمعرفة املتمثلة يف املـصطلحات والقواعـد . والتسميع

.44، ص 2004، 1. شفيقة العلوي، حماضرات يف املدارس اللسانية املعاصرة، مؤسسة أحباث، بريوت، ط- 1 .574 ص،2003، 1.دار الفكر، بريوت، طخليل شحادة، . تح ابن خلدون، املقدمة،- 2 .7 ميشال زكريا، املر جع السابق، ص - 3 .8، ص )اجلملة البسيطة( ميشال زكريا، األلسنية التوليدية والتحويلية وقواعد اللغة العربية - 4 .45شفيقة العلوي، املرجع السابق، ص - 5 .79، ص 2005رة الثقافة السورية، دمشق، حممود أمحد السيد، يف األداء اللغوي، منشورات وزا - 6فخري حممد صاحل، اللغة العربية أداء ونطقا وإمالء وكتابة، مطـابع الوفـاء، : ، وينظر أيضا81 املرجع نفسه، ص - 7

.1986املنصورة، .88 حممود أمحد السيد، مرجع سابق، ص - 8

- 29-

عروضية والنحوية والصرفية واملفردات، ال يكفي لتكوين املهارة اليت نعين ا البالغية وال .1األداء املتقن القائم على الفهم واالقتصاد يف الوقت واهود معا

إىل أن ملصطلح األداء لدى إشـارته " تشومسكي" أحد الباحثني مفهوم ويتمثل على حـد –حررها من إشكالني تشكيل التجربة الشعورية لدى املبدع يبقى مرهونا بت

اليت تطال نطاق نشاطنا املعتاد فتجعله عرضة للركـود والـصدأ، الرتابة ومها –تعبريه فتجعل من جتربتنا فيما نرى ونعايش ونباشر منطا مألوفا باردا يف خمتلـف النـشاطات

التعبري عن الذي يعوزنا يف األداء اللغوي واإلشكال الثاين هو . واألعمال اليت نضطلع ا شىت االنفعاالت العميقة اليت تغمرنا يف موقف التألق والبهجة مع األحبة، أو إزاء حدث المع يطرأ على حياة جمتمعنا، أو حيال موضوع مجيـل، فتـضيق هنالـك الكلمـات

.2والعبارات وتقصر عن الوفاء باملراد : األداء والبحث البالغي واألسلويب–و

من أوائل من استخدموا مصطلح األداء وفق املفهوم "ابن رشيق"ورمبا يكون البالغي واألسلويب الذي احتفى به الدارسون حديثا، فقد نقل عن أحدهم تعريفا للبالغة

الفهم واإلفهام وكشف املعاين بالكالم، ومعرفة اإلعراب، واالتساع يف اللفظ،«بأا وصواب اإلشارة، وإيضاح اءاألدوالسداد يف النظم، واملعرفة بالقصد، والبيان يف

واملعرفة بالقول، واالكتفاء باالختصار عن اإلكثار، وإمضاء العزم على حكومة الداللة، .فمعىن األداء يتجه هنا إىل األثر البالغي للصياغة الفنية احملكمة. 3»االختيار

املصطلح لإلشارة إىل مفهوم إفادة معىن من املعاين، حيث " املرزوقي"واصطنع :الفضل بن العباس بن عتبة بن أيب هلب قول يف بيتي

مهال بين عمدفونانا مهال موالينا ال تنبشوا بيننا ما كان م:

.81 املرجع نفسه، ص - 1 .37، 36 ص لصورة الفنية يف األدب العريب، فايز الداية، مجاليات األسلوب، ا- 2 .216ص ، 1ج ،2004.عبد احلميد هنداوي، املكتبة العصرية، بريوت، ط. تح، يف حماسن الشعر وآدابه ونقدهالعمدة - 3

- 30-

.1»... معىن الرفق والسكونأداءاملهل واملهل واملهلة تتقارب يف « تأديـة م يف بلوغ املتكل «حينما راح يعرف البالغة بأا " السكاكي"وأيضا فعل

ها وإيراد أنـواع التـشبيه واـاز ا له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حق عىن حد املولعله بذلك أن يكون من أبرز من متثل مفهوم التأدية بوعي . 2»...والكناية على وجهها

، مقررا 3، حينما استأنس بتعريفه"اخلطيب القزويين"وقد تأثر به . بالغي عميق يف التراث .تتصل إما بالكالم أو باملتكلم) ألداءا(أن التأدية

باملعىن الواحد خيتلف تأثريه يف النفس جدا بسب «: أما صاحب الكشكول فيقول ؤية احلبيب مـع غفلـة املضمون بعبارة أشهى من ر ىيؤد، وحسنه، فرمبا األداءقبح

أبعبارة أخرى أصعب من اهلجر و ذلك املضمون، بعينه ىالرقيب، ويؤدـ مر ع ر مـن جتاختالف تأثري املعىن الواحد بالنفوس مرهون ومشروط مبدى : ؛ أي 4»...كاسات الصرب

.قبح تأليف الكالم وصوغه من حسنه :ذا البيتويقول اآلمدي يف سياق تبيان أحد مثالب أيب متام يف ه

ثجمطت يف أ املوتيور ها فكاروتكرطن ريغقل الع يرومـث ج ؛ أي مثة 5» الصحيحة عنه ي التأدية يؤدفقد محل املعىن على لفظ ال يليق به، وال ... «

ويف . قصور األداءاضطراب أخل بانسجام اللفظ مع املعىن املراد التعبري عنه، مما أسفر عن لألسلوب يف التراث فقد استنتج أن بعض القدماء حنـو " حممد عبد املطلب "سياق حبث

.6األسلوب بالطرق الفنية ألداء املعىناألثري واخلطايب ربطوا ابن قتيبة وابن

.224 ص .1991، 1.بريوت، ط دار اجليل،أمحد أمني وعبد السالم هارون، . تح، املرزوقي، شرح ديوان احلماسة- 1 .526 ص، 2000، 1.دار الكتب العلمية، بريوت، ط عبد احلميد هنداوي،. تحاكي، مفتاح العلوم، السك- 2 .16، 15 اخلطيب القزويين، اإليضاح، ص - 3ـ 1418 1.، ط لبنـان ،بريوت، دار الكتب العلمية ،حممد عبد الكرمي النمري . تح العاملي، الكشكـول، - 4 / ـه

.308، ص 4ج ،1998 .246، ص 1ج،1992، 4.السيد أمحد صقر، دار املعارف، القاهرة، ط. بني أيب متام والبحتري، تحازنةاآلمدي، املو - 5 .15 و 14 و 12، ص 1994، 1. حممد عبد املطلب، البالغة واألسلوبية، مكتبة لبنان ناشرون، بريوت، ط- 6

- 31-

إلطنـاب أداء اويف إطار املنظور البالغي أيضا جاء يف كتاب التعريفـات أن اإلجياز أداء املقصود بأقـل مـن العبـارة ، وأن املقصود بأكثر من العبارة املتعارفة

الذي يضطلع به اللفظ يف حال معين ) املقصود(، فجلي ارتباط األداء باملعىن 1املتعارفةفقـد الزم . من حايل الكالم هذين، كما يعكس هذا الضبط وعيا بقيمة املصطلح بالغيا .األداء يف التراث البالغي املعاين اليت تفيدها ألفاظ وتراكيب وعبارات معينة

ط وعلى هدى من التصور التراثي احتفى احملدثون باملصطلح وتوسلوا به يف ضب تأدية املعىن اجلليل واضحا بعبارة صحيحة فصيحة، مفهوم البالغة، حيث عرفوها بأا

هلا يف النفس أثر خالب، مع مالءمة كل كالم للموطن الذي يقال فيـه، واألشـخاص ، وهكذا مضى املشتغلون بالبالغة والبحث األسلويب يف زماننا املعاصر 2الذين يخاطبون

منذ الرتباطه الوثيق مبفهوم األسلوب، إذ يعترب أمحد الشايب أنه دام املصطلح استخيف القدم كان يلحظ يف معناه ناحية شكلية خاصة هي طريقة األداء أو طريقة التعبري اليت يسلكها

، كما أن مـصطلح 3األديب لتصوير ما يف نفسه أو لنقله إىل سواه ذه العبارات اللغوية وإحكام الصياغة وجودة النظم واتساق األلفاظ واملعاين وسائر ين الرباعة عايشي مب األداء

تتحول فيه الظواهر اللغوية إىل قيم مجالية يف القيم التعبريية، سيما أن النص األديب فضاء .4األداء اإلبداعي

مثال عن وعي قصدي مـصطلح " حممد عبد املطلب "ويف هذا الصدد يستخدم ، يقول يف مستهل )البالغة واألسلوبية (ه خيطا ينتظم مباحث دراسته األداء، بل وجيعل من

تتناول الدراسات احلديثة مفهوم األسلوب من زوايـا متعـددة يف حماولـة : دراسته

.170، ويقارن باإليضاح للقزويين، ص 59، وص 46 اجلرجاين، التعريفات، ص- 1 .42، ص 2004، 2.حممد التوجني، مؤسسة املعارف، بريوت، ط. السيد أمحد اهلامشي، جواهر البالغة، تح- 2 5. أمحد الشايب، األسلوب، دراسة بالغية حتليلية ألصول األساليب األدبية، مكتبة النهضة املصرية، القـاهرة، ط - 3 .55 و ص 52، ص )ت.د( .4، ص 1994، 1.لوبية، مكتبة لبنان ناشرون، بريوت، ط حممد عبد املطلب، البالغة واألس- 4

- 32-

للوصول إىل مفهوم حمدد، ميكن على أساسه أن تقوم دراسة موسعة تـستوعب أنـواع .1األداء يف مستوياا املختلفةال يرتبط عند الباحث مبجرد املعىن، وإمنا بالقيم الفنية واجلمالية فمصطلح األداء

وملـا . 2)الفين(اليت يضطلع ا األسلوب، لذلك يضيف إليه يف كثري من السياقات صفة أوالها تأويـل اآليـات : توقف عند ااز بني كيف أنه ارتبط يف القدمي بثالث مفاهيم

رف إىل ما هو قسيم للحقيقة، وثالثهـا األسـلوب القرآنية، وثانيها املدلول الذي ينص واستنتج أن الرافعي لدى متييزه بني اللغة العامة واللغة اخلاصة قد تـأثر . 3وطريقة األداء

بالبالغيني القدامى يف مقولتهم بوجود مستويني من األداء، يتمثل أحـدمها يف اللغـة .4عية أو الفنيةالنفعية أو املألوفة، ويتمثل اآلخر يف اللغة اإلبدا

مـن قـضية اإلعجـاز " اجلرجاين"فقد عرض لتحليل موقف " رجاء عيد "أما والنظم القرآين، يف ضوء ما اصطلح عليه بنسق األداء اللغوي، كما أشار إىل مـستوييه

قد سـعى إىل جتديـد منظـور األداء " القرطاجين"، والحظ أن 5التصويري والنحوي دا مستهلكا، حبيث رسخ صبغة فنية لـألداء تراعـي متجاوزا املستوى النحوي الذي غ

بعدي الشكل واملضمون، حينما حتدث عن احملاسن التأليفية والصيغ البالغية املستحسنة، ومما يعكس وعي هذا الدارس مبصطلح األداء أنه ختير لقضية بيانية حيوية لطاملا اكتنفهـا

.6بالغة األداء اازيجدل بالغي شائك توصيف وقد راح الدارسون يف شىت ختصصات األدب والنقد يصطنعون املصطلح ملـا آنسوا فيه من مرونة وتعبري عن مالمح الفن واجلمال، فيشري أحد الباحثني مثال يف سياق

.9 املرجع نفسه، ص - 1 ...311 وص 194 وص 127 وص 21 املرجع نفسه، ص - 2 .67 املرجع نفسه، ص - 3 .93 املرجع نفسه، ص - 4 . بعدها وما173، ص 2.، طاإلسكندرية رجاء عيد، فلسفة البالغة بني التقنية والتطور، منشأة املعارف، - 5

.192 املرجع نفسه، ص - 6

- 33-

حديثه عن حتوالت مصادر الثقافة األوربية خالل مطلع القرن التاسع عشر، وما استتبعها وعبر باحث آخـر . 1األديب والفين وطرائق األداء والتعبري من تغيري جذري طال الذوق

عن مضمون القصيدة باألداء املعنوي، وعن حرية انتقاء البحر العروضي املالئم بـاألداء .3ويف سياق حتليله لقصيدة املواكب جلربان عد القصيدة أداء فنيا لفظيا2املوسيقي،

، ويبدو أنه " خليل إبراهيم صاحب"ويالزم مصطلح األداء دراسة أدبية للباحث تأثر يف استخدامه باملفهوم الصويت، سيما وأنه يتناول حبث الصورة السمعية يف الـشعر

، كما 4منافذ األداء السمعي يف هيكل القصيدة اجلاهلي، إذ عقد فصال موسوما بـ ردد بشكل الفت للنظر يف دراسته التطبيقية مصطلحات األداء الشعري واألداء الفـين

.، مما ينبئ عن وعيه باملصطلح5واألداء الصويت واألداء اإليقاعي واألداء النغمي اآلتييني اللذين ومما قاله يف سياق حتليل األداء السمعي يف بييت األفوه األودي

: يضمنهما موقفا حكميا يقضي بعدم االكتراث بقول احلساد منه آذور ـدوه املقهـوع خلل راض شاكر يف عهدها

يف هذه الدنيا فكم من هاذ اد ال تعبأ مسإن عابه احل دت ألفاظ األداء السمعيولـيس للحـسود إال ) شاكر، عابه، هاذ(وقد تعد

مل خيرج البيتان على النصيحة يف القول والسماع، ويف إطار احلكمة يف ... لسانه املؤذي عي مثل العذر واملالمة، ومـن ال يتـق الـذم جانب تقبل العذر جند ألفاظ األداء السم

األداء حباسة السمع سعيا منه لـتمحض فقد راح يف هذا املوضع وغريه يقرن . 6يذمم

، 43، ص 1999 عبد الرزاق األصفر، املذاهب األدبية لدى الغرب، منشورات احتاد الكتاب العـرب، دمـشق، - 1 .199، وص 146، وص 99ص : وينضر مثال

.27، ص 2000 عناد غزوان، أصداء دراسات نقدية وأدبية، منشورات احتاد الكتاب العرب، دمشق، - 2 .30ملرجع نفسه، ص ا- 3 .27، ص 2000صاحب خليل إبراهيم، الصورة السمعية يف الشعر العريب قبل اإلسالم، احتاد الكتاب العرب، دمشق، - 4 .150 و57 و32 و21 و9املرجع نفسه، صفحات - 5 - ماألفوه األودي هو صالءة بن عمرو بن مالك، حكيم وشاعر مياين جاهلي، كان سيد قومه يف حرو.

.69، ص1998حممد التوجني، دار صادر، بريوت، . نح والبيتان من ديوان األفوه األودي، .63، ص نفسهاملرجع - 6

- 34-

.أحد جتليات الصورة وهو الصورة السمعية ومنافذها من خالل ألفاظ املعجم الشعريـ راح باحث آخر يعول و ة يف كثريا على املصطلح للداللة على القيمـة التعبريي

ما حينما توقف عند موقف إبراهيم السامرائي من احلداثة ولغة مستواها اإلجنازي، ال سيلغة الـشعر بـني ( و ،)البنية اللغوية يف الشعر العريب املعاصر ( :الشعر املعاصر يف كتابيه

وحتدث عن أمنوذج القصيدة األدائية للشاعر علي الطائي، مبينا موقفه املتمـرد ، 1)جيلني على - حسب بيان له بشأا –وتقوم القصيدة األدائية . 2ى القصيدة احلرة الرافض هلا عل

كيفية تنفيذ ، فاألداء حسب علي الطائي )األداء، واللغة، واملعىن (: ثالثة مكونات هي وجتسيد جمموع التراكمات الفنية اليت هلا عالقة مباشرة بالتجربة احملددة وطول أو قـصر

ص فين حمدد ذات قيمـة إجنازيـة لة فنية لتخص ، فهو يف هذا السياق حمص فترة اختبارها .3...ختتلف أمهيتها باختالف اإلمكانات الفنية اليت تقف خلفها

العزيـز عبـد الباحث اليت طرحها االقتصاد األدائي وأخري نود أن نعرض ملقولة الدراسات اللسانية رحاب وقد راجت يفل أحد املنطلقات النظرية للشعرية، ، ومتثوايفامل

ضمن لأللفاظي الكم د به حتديد طبيعة االستخدامرا ي فهي اصطالح، املعاصرةواألدبية والتقتري، وعلى ذلـك يكـون اإلسرافواالقتصاد لغة مرحلة بني «: يقوللغة النص،

الستخدام الكمي األمثـل للعالمـات يف حـده ا نهي أ الشعر األدائيتصورنا لالقتصاد .4املعجمية لتلك العالمات ، لتفجري مدلوالت تفوق القدرةاألدىن

ي للنـسق الكم النمو استبدال يف جمال الشعرية، احليويدفه ه األدائياالقتصاد فلغة واإلجياز، ج والكثافة التوه ذلك أن الشعر يقتضي لغة قوامها ،كيفيبالنمو ال اللغوي،

بل تومئ ر ال تفس، كتفي بإبداع بل تاملوضوع يوال تسمفاالقتصاد األدائي خيلص . ه جوبعض الزوائد اللغوية، اليت تكـون النص الشعري من الترهل الذي يصيبه حني تعلق به

.169، 75، 70، 64، ص 2005احتاد الكتاب العرب، دمشق، عبد العزيز إبراهيم، شعرية احلداثة، منشورات - 1 . وما بعدها212 املرجع نفسه، ص - 2 .1995، 7/8نشر بيان القصيدة األدائية لعلي الطائي يف جملة اآلداب، بريوت بالعدد وقد . 219ه، ص املرجع نفس: ينظر - 3 .ta5atub.comwww ، منتديات ختاطب عبد العزيز املوايف، اخلطاب الشعري ومفهوم االقتصاد األدائي يف اللغة، - 4

- 35-

تلـك تتمثـل و. باهتـة أطيافا ال إ منها بقيشعرية النص، وال تنال من ت مبثابة طفيليات .1 النصأجزاءبني عالقات السببية ، والد، واالستطراالتداعي اللغوي :زوائد يفال

بالغة اخلطاب القرآين يبدو مصطلح األداء أكثر اسـتهواء ويف حقل االشتغال ب حفـل ـا سيد قطب، حيث غدا من أهم املصطلحات اليت ويف مقدمتهم للدارسني،

هذه احلقائق اليت متثل شطرا من اخلطـوط : هيقول يف أحد املواضع من تفسريه القيم، ف ر اإلسالمي، جيلوها القرآن الكرمي هنا يف نسق من األداء عجيب، ويف األساسية يف التصو

ى هـذه الظـاهرة تتجل: ويقول يف موضع آخر . 2عرض من الترتيب والتعبري بديع ابتداء يف التعبري القرآين مـن ناحيـة األداء ،أو ظاهرة التناسق ، ظاهرة عدم االختالف

والذين زاولوا فن التعبري، والذين هلـم : ويقول يف موضع ثالث . 3...وطرائقه الفنية بصر باألداء الفين، يدركون أكثر من غريهم مدى ما يف األداء القرآين من إعجاز يف هذا

.4اجلانبوهناك مواضع أخرى كثرية من الظالل تفوق حد اإلحصاء، تردد فيها مصطلح

مصطلح األداء الذي حييل األداء، لعل ما نستنتجه منها مجيعها أن الرجل جد واع بأدبية إىل إمكانات فنية سامقة، فلم يستخدمه بشكل عفوي عابر، ال سيما إذا تعلق استخدامه بتوصيف بالغة اخلطاب القرآين الذي تفرد جبماليات تعبريية بديعة إن علـى املـستوى

.الصويت أو الداليل أو التركييبحممد قطب " اصطناعه أيضا جند وممن أغرم القيمة الفنية للمصطلح فدفعتهم إىل

جيمع بني اهلدف الديين واملطلب الفين من حيث حينما قرر أن القرآن الكرمي " عبد العال

.االصفحة الرقمية نفسه - 1 .326، ص 1، مج 2003/ هـ1423، 32. سيد قطب، يف ظالل القرآن، دار الشروق، الفاهرة، ط- 2 .721، ص 2 املصدر نفسه، مج - 3 .1785، ص 3 املصدر نفسه، مج - 4

- 36-

. 1اجلمال يف العرض، والتنسيق يف األداء، والتأثري يف النفس، مما يستثري كـوامن الوجـدان .داء التعبرييفتواشج البعد الفين والغاية الدينية مشروط بضوابط منها براعة األ

بيد أن اجنذابه إىل اصطناع املصطلح مل يكن اعتباطيا، وإمنا عن وعـي بقيمتـه األدبية، حيث جعله حمورا انتظم خطة دراسته حول مجاليات التصوير يف القرآن الكرمي،

، كما ربط األداء مبنحى 2فركز على حتليل األداء التعبريي وصلته بداللة األلفاظ القرآنية ير يف القرآن الكرمي يف جوانب متنوعة منه حنو مشاهد الكون والطبيعة ومـشاهد التصو

القيامة وإيقاع الفواصل ومشاهد اجلنة واحلقائق واألحكام، مما أتاح هلذا املـصطلح أن وأشار أخريا إىل أن طريقة تصوير املعاين ختضع لطريقة . 3يتردد على مدار شىت الفصول

االختالف يف منط األداء يترتب عنه بالضرورة اختالف املردود األداء التعبريي، حيث أن .4فهناك رباط وثيق بني األمرين. يف تصوير املعىن على املستوى النفسي والذهين

فاألداء بعد هذا كله مصطلح يشري حسب استخدامه ضمن البحـث البالغـي فنية، ومجلـة القـيم واألسلويب إىل مفهوم إحكام الصياغة واستيفاء مقتضيات الغاية ال

التعبريية املتحققة إجنازيا وعمليا يف اخلطاب األديب ومدى انسجامها مع القيم الـشعورية للمبدع واملتلقي على السواء، ويتميز األداء بكونه إجنازا فرديا متمكنا، بيد أنه ال جمال يف

قط، ومن هنا ارتأينا اخلطاب القرآين احلديث عن القيم الشعورية إال فيما يتصل باملتلقي ف اصطناع املصطلح لتوصيف بالغة التصوير اإلعجازي ومالحمـه الفنيـة يف اخلطـاب

.القصصي القرآين

.7، ص 2006، 2. القاهرة، طحممد قطب عبد العال، من مجاليات التصوير يف القرآن الكرمي، اهليئة املصرية للكتاب، - 1 . وما بعدها11 املرجع نفسه، ص - 2 .283 و 263 و 232 و 167 و 141 و 41: نفسه، ينظر الصفحات اآلتية- 3 .57 نفسه، ص - 4

- 37-

تأثيل مصطلح اإلحياء ومسوغات استخدامه: املطلب الثاين

اإلحيـاء مرتبطا باال اإلجنازي املوضوعي، فإن مفهوم األداءإذا كان مفهوم مع اجلانب الروحي والوجداين والذهين، وهو يكون حيث يتوارى يتراءى لنا أكثر متاسا

التصريح واإلفضاء املباشر، ليفسح اال أمام لغة خاصة مس يف ذواتنا بأصوات غـري مألوفة ذات مغزى، وتلقي يف روعنا معان ال قبل لنا بإدراك كنهها ما مل نتـوافر علـى

الذي حنن بصدده يف هذا املقام، أيـن اإلحياءاستعداد ويؤ خاص، ذلك حال مصطلح .سنلم بضبط مفهومه أوال، مث استقصاء شىت السياقات املعرفية اليت عولت عليه

:مفهوم اإلحياءاإلشارة والكتابة واإلهلام، ا اشتقاقيراد به اإلحياء من الوحي، و :التحديد اللغوي

إىل أنبيائه، كما أن أصل الوحي ما يوحيه اهللا : والوحي. والكالم اخلفي وهو أيضا اإلمياء وأورد األزهري عن أيب اهليثم مـا . 1هو اإلعالم يف خفـاء، ولذلك مسي اإلهلام وحيـا

شي بالتمييز بني مصدري الوحي واإلحياء، فالوحي من وحيت إىل فالن، أما اإلحياء من يتعملة يف مبعىن أشرت إليه وأومأت، واللغة املـس وهو مصدر الفعل أوحيت . أوحيت إليه

.3إلقاء املعىن يف النفس خبفاء وسرعةاإلحياء و. 2)وحى(، ويف غريه )أوحى(القرآن ل أيبوقومل يرد ذكر اإلحياء كثريا يف الشعر العريب، إال بشكل يسري، ومنه

: امسه زنبورا كلبيصفنواس هة الشتفى السوى تتا ـحور لـ من سنالـغه وب اـفشور

4راـ والكف أن تومىء أو تشي را ـاء والصفيـوعرف اإلحي

، 2519 / 6 اجلـوهري، الـصحاح، ج ، 240، 239، ص 15ج) وحـي ( مـادة ابن منظور، لسان العرب، - 1 .93، ص 6، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج324، ص 2 ج، الزخمشري، أساس البالغة،2520

.296، ص 5، ج)وحي( مـادة ، األزهري، ذيب اللغة- 2 .59، ص 1اجلرجاين، التعريفات، ج - 3 .214، ص 1898، 1.ط شرح حممود أفندي واصف، املطبعة العمومية، القاهرة، الديوان،، نواسوأب - 4

- 38-

.أي استجاب ملا تلقفه من إيعازات وتنبيهات من قبيل اإلشارة أو الكالم أو الصفري : التحديد االصطالحي

د يف ضوء اإلطاللة االشتقاقية، أمكننا الوقوف عند حتدي :مفهوم الوحي اإلهليمفهوم اإلحياء حتديدا اصطالحيا، حناول ربطه مبا ترسخ يف الفكر اإلسالمي من تصور، وذلك انطالقا من القرآن الكرمي نفسه، والسنة املطهرة من بعده، واجتهادات الفقهاء والعلماء والدارسني فيما بعد، ومبعىن آخر سنجتهد لصياغة مفهوم الوحي املرتبط بكالم

. عبـاده، وحتديدا إىل النيب عليه السالماهللا امللقى إىلومبا أن مفهوم اإلحياء حييل إىل املفهوم القرآين للوحي، فإننا نرتئي االنطالق منه،

:يف حمكم تنزيله إذ يقول اهللا تعاىل - ...بوقل ر هيحو كقضى إليي ل أنقب آن منل بالقرجال تعوني علما زد ،114: طه، اآلية.

- قل إنمالص عمسال يي وحبالو كما أنذرمون الدذرنا ياء إذا مع ،45: األنبياء، اآلية.

- ىوحي يحإال و هو إن ،04: النجـم، اآلية.

ة عامة جتــاه لعل أول معىن قد يتبـادر إىل الذهن من خـالل تصويب نظر ، إمنا هو ذلـك الكـالم هذه اآليات، أن الوحي يف غالب السياقات القرآنية احملكمة

إال أن البحـث . الذي خص اهللا به أنبيـاءه ورسله وبعضا من خلقه، كاملالئكة مـثال :اإلحصائي يقتضي استثناء مواضع ثالثة مل يكن فيها الكالم صادرا عن الذات اإلهلية

- كذلكوودا لكل نبي علنعج اجلناإلنس و اطنييلا شالقو فرض زخعب إىل مضهعوحي بي ، ... . 112: ، اآليةاألنعـام

- إنولي ائهمليإلى أو ونوحلي اطنييادلوكـم الشج...21: األنعـام، اآلية

- ـذر اللغـوي يف القـرآن الكرمي مثـان وسبعيـن مـرةعلى مستوى اجل) وحي(وردت مـادة.

- 39-

- بس أن همى إليحاب فأورالمح مه منلى قوع جفخرشيوع ةكرب وهاح ،11: مرمي، اآلية.

حيث كان فعل الوحي يف اآليتني األوىل والثانية صادرا عن جنس الشياطني، يف عن نيب اهللا زكريا، حني جاءته البشرى بغالم، وبعدما أيدته حني صدر يف اآلية املوالية

. طلبها لعضد حجية نبوته قدالرعاية اإلهلية باآلية اليت كان فإنه مياثل إىل – وإن مل يكن نابعا من الذات اإلهلية –إال أن مدلول الوحي هنا

له الشياطني فيما حد كبري املدلول اللغوي العام الذي وقفنا عنده، فالوحي الذي يتناق بينهم كيدا لألنبياء وذوي الفطرة السليمة من البشر، والوحي الذي يلقونه إىل من اغتربضالهلم من اخللق، إمنا هو وسوستهم اليت يصدروا يف خفاء، وتزيينهم خواطر الشر

: عليه السالم إىل قومه فمعناه" زكريا"والفساد لإلنسان، أما الوحي الذي كان من النيب قد " ابن قتيبة"اإلمياء واإلشارة السريعة باألعضاء دون الكالم امللفوظ، هذا ونشري إىل أن

.1صنف الوحي ضمن جمال اللفظ الواحد للمعاين املتعددةلنعد إىل ما يهمنا من مصطلح الوحي، ومبنأى عن املعاين اليت وقفنا عندها،

مسـوا –ا خصوصيتها املتفردة وحتديـدا إىل مفهوم الوحي بوصفه ظاهرة كالمية هلوحنبذ هنا الوقوف على مجلة من التصورات املختلفة . واملتعلقة بذات اهللا تعاىل–وقداسة

أما الوحي فمعناه يف : حيث يقول" الزرقاين"اليت حامت حوله، وليكن مبدؤنا مع ه عليه من ألوان لسان الشرع أن يعلم اهللا تعاىل من اصطفاه من عباده كل ما أراد إطالع

.2اهلداية والعلم، ولكن بطريقة سرية خفية غري معتادة للبشرالوحي من حيثيات العلم، مبينا كيف أن منكري الوحي " الزرقاين"وقد ناقش

ال يؤمنون مبا يعضده شرعا، بل انطلقوا من العلم احلديث وما يقتضيه من إمعان يف منطلقهم العلمي أدلة إثبات الوحي، منها التشكيك واالرتياب، وارتأى أن يسوق من

.490 ،489 ص ،.)ط.ت.د(السيد أمحد صقر، املكتبة العلمية، . ، تجتأويل مشكل القرآن: ابن قتيبـة- 1 .92، ص 1، ج1998، 1.بديع السيد اللحام، دار قتيبة، ط. الزرقاين، مناهل العرفان يف علوم القرآن، تح- 2

- 40-

التنومي املغناطيسي، وخمترعات العلم احلديث كأجهزة اهلاتف والالسلكي واملذياع وسائر الوسائط املعاصرة، حبيث صار مبقدور اإلنسان أن يسجل أصواتا يف أسطوانات ووسائط

من أعمال عجيبة، من جامدة، ومن تلك األدلة أيضا ما تأتيه بعض املخلوقات الصغرية اخلفي وأضاف إىل ذلك دليل العبقرية. قبيل اإلهلام العلوي اليت تثبت وجود أشكال

متد اإلنسان بعلم وهداية من طريق من االتصال الروحي الباطين لدى بعض األشخاص .1غري معتاد، وذلك يقرب الوحي أميا تقريب

انطالقا من تعريف السلف، فقد عرض فهمه للوحي" حممد عبده"أما الشيخ وقد عرفوه شرعا أنه إعالم اهللا تعاىل لنيب من أنبيائه حبكم شرعي وحنوه، أما «: فيقول

حنن فنعرفـه على شرطنا بأنه عرفان جيـده الشخص يف نفسه، مع اليقني بأنه من اهللا ينه وبني ، ويفرق ببواسطة أو بغري واسطة، واألول بصوت يتمثل لسمعه أو بغري صوت

.2اإلهلام بأن اإلهلام وجدان تستيقنه النفس، من غري شعور منها مبصدره وجهته العرفـان الذي تستيقنه النفس نستدركه على هذا التعريف هو أنما ميكن أن و

باملعىن، يف حني أن الوحي القرآين جامع للفظ واملعىن معا، والصوت يدو يتعلق كما يالستغنـاء عنها يف شىت مظاهر الوحي ألنه الشكل الذي جتيء وفقه ضرورة ال ميكن ا

" الرازي"وتنطبق هذه املالحظة أيضا على ما ذهب إليه . صورة اللفظ الدال على املعىنإلقاء للمعىن إىل النفس يف خفاء كاإلهلام، وإنزال امللك، ويكون ذلك يف «من أن الوحي .ه أغفل الصورة اللفظية هلذا املعىنإذ أن، 3»الوحي، الوحي: سرعة من قوهلم

- ف أفالطون العبقرية بقوله يعر : حال إهلية مولدة لإلهلامات العلوية للبشر. وبقول الطبيعيون : ا هبة مـنإ

.الطبيعة نفسها، ال حتصلها دراسة، وال يوجدها تفكري .وما بعدها 93، ص 1، جاملصدر نفسه - 1 .28 ص ،الوحي احملمدي: ينظر، رشيـد رضـا- 2 .136 ص ، 30،ج 2000 /هـ 1421 ،1.، طبريوت، ار الكتب العلميةدالـرازي، مفاتيح الغيب، - 3

- 41-

فهمه لظاهرة الوحي انطالقا من انتقـاده " مالك بن نيب"ويستنبط األستاذ ملفهوم املكاشفة أو الوحي النفسي أو اإلهلام الذي حاول بعض الباحثني يف الدراسات

ل اإلسالمية ربطه بالوحي يف التصور القرآين، إذ يرى بأن هذه املفاهيم ال تكفي، بليست مؤهلة لتفسري تلك العالقة الثنائية القائمة بني أفق علوي باث ممثـل بالذات

وهكذا يذهب إىل أن الوحي . 1اإلهلية، وبني ذات بشرية متلقية، عرب قنوات توصيليةاملعرفة التلقائية واملطلقة ملوضوع ال يشغل التفكري، وأيضا غري «ينبغي أن يستوعب معىن

، خبالف 2»كي يكون متفقا مع اعتقاد النيب، ومع التعاليم القرآنيةقابل للتفكري، لاملكاشفة اليت تعين إملاما مباشرا مبوضوع قابل للتفكري، أو أخضعه اإلنسان فعليا للممارسة الفكرية واليت ال ختلف لدى صاحبها معرفة يقينية كاملة، ومن هنا يتحدد

.الفرق بني الكشف والوحيحلـول روح اهللا يف روح «إىل أن الـوحي " ورج بوستج"ويذهب الدكتور

الكتاب امللهمني إلطالعهم على احلقائق الروحية واألخبار الغيبية، من غـري أن يفقـد هؤالء الكتـاب بالوحي شيئـا من شخصيام، فلكل منهم منطه يف التأليف وأسـلوبه

ينا مغايرا الجتاه مفهوم الوحي ويبدو جليا أن هذا التحديد يأخذ مسارا مبا .3»يف التعبري دينيا الذي أشرنا إليه منذ قليل، وحتديدا يف القرآن، إذ يتصل بفكرة الكشف، ويتموقـع يف ظل إحياءاا الداللية اليت حتيل على انتفاء حالة الشعور الواعي، واالفتقار إىل املعـاين

لكشف أثرا متمخـضا عـن والصور النفسية الواضحة املعامل، إذ غالبا ما تكون فاعلية ا نشاط ذهين ما، وال خيلف يف أعماق النفس حقيقة يقينية وثوقية كاملـة، بـل جمـرد

فال يعـدو أن يكـون . تصورات وختمينات هي من باب اإلهلام واحلدس الباطين أقرب . انطباعا شخصيا ذاتيا

.154 إىل 143 ص ،مالك بن نيب، الظاهـرة القرآنيـة - 1 .144 املرجـع نفسه، ص - 2 .25مباحث يف علوم القرآن لصبحي صاحل، ص: نقال عن، 1894 قاموس الكتاب املقدس، - 3

- 42-

) الكتـاب (فريى أنه إذا كانت إطالقـات " نصر حامد أبو زيد " أما الدكتور اسم الوحي يف داللتـه علـى «، وغريها، مبثابة أمساء األعالم، فإن )الذكر(و) القرآن(و

القرآن ليس كذلك، بل تتسع داللته، لتشمل كل النصوص الدينية اإلسـالمية وغـري ، وبذلك 1»اإلسالمية، فهو مفهوم يستوعب كل النصوص الدالة على خطاب اهللا للبشر

بشرا كـانوا أم – عملية اتصال بني اهللا، من جهة، وبني اخللق نتفق معه على أن الوحي من جهة أخرى، وهذا على اعتبار الداللة احملورية للوحي، وهي اإلعـالم -جنسا آخر

.اخلفي والسري –ومبعىن آخر ميكن الذهاب إىل أنه الوسيلة اليت يرسل ا اهللا عز وجل كالمه

إال أننا ال نوافقه حينما يعزو فكرة الوحي ،اخللق وسائر إىل األنبياء -مرموزا أو ملفوظا ، فحقا ظل هذا االعتقاد متجذرا 2إىل ظاهرة اتصال شعراء العرب وكهام بطائفة اجلن

راسخا بوصفه منطا ثقافيا سائدا يف الذهنية العربية، إال أنه ال ميكننا حتـت أي مـسوغ اسع بني حقيقته الدينيـة احملـضة، كان، تفسري فكرة الوحي يف ضوئه، نظرا للبون الش

فإذا سلمنا بذلك . وجوهره اليقيين السليم، وبني ذلك الواقع الثقايف املشوب بقيم الوثنية فكأننا نلمح ضمنيا بأن القرآن يقر ذلك الوضع املهزوز، املشوب مبنطق اخلرافة، الـذي

.كتاب اهللا تعاىلشهد استفحال مظاهر االحنالل الروحي، ويف هذا جراءة على قداسة وهكذا ال جمال للزعم بأن ما كان يتلقاه النيب هو من قبيـل إحيـاءات

، فإن 3)بالرئي(التوابع، ورؤية األشباح ومساع أحاديثها، أو ما تواضعوا على تسميته ى ذلك مذهب فاسد ال يستقيم له قوام، وال جمال لالدعاء بأن هذا القول الثقيل امللقى عل

من ممارسات الكهانة، وتعاطي األخبار عن قوى وكائنات خفية،كاجلن غالبا، حممد

.31 ص،يف علوم القـرآنمفهوم النـص، دراسـة : نصر حامد أبو زيـد- 1 . وما بعدها33ص : املرجع نفسه - 2هو يف االعتقـاد الذهين لدى اجلاهلييـن تابـع من اجلن يتعرض لإلنسـان، فيجـري على يده كهانة وطبـا، - 3

. ويلقـي على لسـانه شعرا، كما كان الشأن مع كثري من الشعراء قدميا

- 43-

الذين كانوا يصعدون إىل السماء بقصد استراق ما يتسمعون من أخبارها، فيعمدون إىل :خلطه بظنوم، مث يلقـون به إىل أصحام، ألم منعـوا من ذلك

إن و اءما السنسا ا لمبهشا وديدا شسرح لئتا مناهدجفو إن و ا كنللس قاعدا مهمن ـدا نقع تمعـسي ـنـع فمم . 9، 8: اجلـن، اآلن يجد له شهابـا رصدا

زعـم متقول مدع للنبوة، فـذلك أيـضا وليس من داع إىل القول إنه مردود، ال ميكن أن يستسيغه عقل سليم، ألن حجية النبوة ظاهرة، ال تزال قائمة إىل أن

وال سبيل بعد هذا كله إىل ربط حالة الوحي الذي كان يتنـزل علـى . يرث اهللا الدنيا كمـا ردد ذلـك املستـشرقون – طيلة ثالثة وعشرين عاما، مبرض الصرع حممد د، إذ مل نسمع حبالة مرضية كهذه قامت علـى أساسـها فذلك طرح واه مردو -حديثا

.1حضارة سطع جنمها يف اآلفاق، ومتخضت عنها تلك الثورة يف تاريخ اإلنسانية فالوحي على هذا النحو استعداد نفسي من جانب الرسول الستقبال حقيقـة

يق، ومبنـأى عـن وره الداخلي العم غموضوعية مستقلة عن كيانه وإرادته، خارجة عن من أمرها شيئـا كسبه و بصمات سلوكه الفكري أو العملي، حبيث ال متلك ذاتـه

أمـا ابتـداع معانيـه، . العناية اإلهلية الفائقة تلقي والوعي واحلفظ الذي كفلتـه إال ال : وصياغـة مبانيه، فليس له من أمرمها من شيء

رل به ال تحجلتع انكك به لس إن آنهقرو هعما جنليع فـات أناهفإذا قر آنــهقر بع ثـم إن انــهيـا بنليع ، .19 إىل 16 من :القيامة علم النفس ومصطلح اإلحياء الذايت:

قبل تبين حقيقة املصطلح ضمن املفهوم األديب، حيسن بنا أن نتوقف بقدر مـا بوصفه أحـد أهـمauto suggestion يه منهج البحث عند مفهوم اإلحياء الذايت يقتض

.48 إىل 33 ينظر الصفحـات من –ة املعجزة القرآني: بلقاسـم بغـدادي - 1

- 44-

طبيب املعاجل بداخلنا، ألنه قوة هائلة هلـا تـأثري نظريات العالج النفسي، وهو مبثابة ال مغناطيسي على اإلنسان، وأسلوب سهل حلفظ الصحة النفسية، وبالتايل حتقيق الـسعادة

كيف نتخلص من مظاهر السلوك السليب كالغضب واحلقد وتوازن الشخصية، وبه نتعلم .1واملخاوف والوساوس واالكتئاب وضعف الشخصية وسائر النوازع اهلدامة

فهو طريقة متكن اإلنسان من تقوية شخصيته املثالية، ألنه ضرب من االنتبـاه تعاملـه مـع املركز حبدة فائقة، وهو حالة ذهنية مفتعلة متكن املرء من تغيري أسـلوب

وتقتضي هذه النظرية فعال شعوريا موجها بشكل إجيايب حيال رقعة الالشعور . 2املوضوععن طريق ) الالشعور(هو وسيلتك للتأثري يف العقل الباطن ) العقل الظاهر (الشعور ألن

مراقبة نفسك واإلحياء إليها، فاإلحياء الذايت املستمر هو السبيل لتغيري حياتك الالشعورية معىن ذلك أن األداة املستخدمة يف اإلحياء الـذايت تتمثـل يف . 3اليت تتحكم يف مصريك

العقل، بينما يعد الالشعور احلقل الذي نزرع فيه الكلمات الطيبة واملواقف اإلجيابيـة، .4ونسقيه باستمرار باإلحياء

ك يف إننا منل :"إميل كويه "يقول مؤسس هذه النظرية الصيدالين الفرنسي وداخلنا قوة ال ميكن حصرها، لو شئنا توجيهها بشكل واع حكيم مللكنا السيطرة علـى أنفسنا، إا ال تنجينا من األمراض البدنية والذهنية فحسب، بل وتسمح لنـا بـالعيش

.5بسعادة نسبية

.173 كيف تتخلص من أمراضك، مكتبة األجنلو القاهرة، ص – عباس املسريي، اإلحياء الذايت - 1 .6 ص ،2006، 1.عامل الثقافة، عمان، ط أمحد توفيق، اإلحياء العقلي، - 2 .19 املرجع نفسه، ص - 3 .173 عباس املسريي، املصدر السابق، ص - 4 - عزى فكرة اإلحياء الذايت إىل قداماء اهلندوس، إذ اصطنعوه وسيلة لبلوغ الكمال األخالقي، مث ذاع بعد ذلـك وت

.لدى الكلدانيني وبالد الرافدين وسوريا ومصر واليونان .41، ص أمحد توفيق، املرجع السابق: ينظر- 5

- 45-

فـإن اإلحياء الذايت الذي ينمو تدرجييا يف أغوار الـنفس، مثلما تتعدد غايات إىل آخر، وقد يضطلع به الطبيب املعاجل، ، فقد حيدث من شخص ما ضا تتعدد أساليبه أي

أو الواعظ الديين، كما ميكن أن يتحقق من سبيل اإلميان والعبادة، ويظل جناح اإلحيـاء ز به من نغم إيقاعي، ووضوح معانيها وإجيازهاالذايت مرهونا بقو1ة الكلمات وما تتمي.

أحدمها مباشر وهو إجيايب يدفع إىل العمل، وثانيهما وهناك ضربان من اإلحياء، ولإلحياء الذايت ثالثة . 2غري مباشر، وهو سليب مثبط ألنه مينع القيام بالعمل بإرباك الوعي

.3نتيجة العملية اإلحيائية: ثالثا. العمل غري الواعي للفكرة: ثانيا. الفكرة: أوال: أركانفق هذا املفهوم أن علماء النفس ملسوا فيـه ولعل الداعي إىل استخدام اإلحياء و

ا مبنأى عن البوح والتصريح يف معاجلة العلل النفـسية توسلوا بناءة معان إجيابية و قيما، فيسري مفعول تلك اإلحياءات يف الالوعي محدثا أثـرا شخصية الفرد اليت تخل باتزان

. بسلوكه وحتفز لديه نوازع اخلريداخليا له مظاهر إجيابية تدفع اإلنسان إىل االرتقاءإيصال وقد امتد استخدام مصطلح اإلحياء إىل جمال املعرفة الصوفية حيث يفيد

، 4إلقاء املعاين يف النفس بسرعة وخفاء : املعاين إىل نفس املريد دون البوح ا له، وقيل لية بينهم وبني فشيوخ التصوف يتوسلون يف سلوكهم الروحي باإلحياء بوصفه أداة تواص

. مريديهم، بغية االرتقاء إىل شىت املقامات العرفانيةومضى املتصوفة يستخدمون يف سلوكهم العرفاين مصطلحات تقتـرب مـن مفهوم اإلحياء، منها مصطلح اإلمياء الذي يقصد به تعريض اخلطاب بدون إشارة وعبارة

ما خيفـى عـن شارة اليت يراد ا ومنها اإل . 5ما يشري إىل مفهوم اإلحياء لدى املتصوفة

.173 عباس املسريي، املصدر السابق، ص - 1 .59، ص ع السابق أمحد توفيق، املرج- 2 .62 املرجع نفسه، ص - 3 .42، ص 2004، 1. ممدوح الزويب، معجم الصوفية، دار اجليل، بريوت، ط- 4 .51، ص 1993، 1. أنور فؤاد أيب خزام، معجم املصطلحات الصوفية، مكتبة لبنان ناشرون، بريوت، ط- 5

- 46-

، 1وهي إخبار الغري عن املراد يغري عبارة اللسان ... املتكلم كشفه بالعبارة للطافة معناه فقوام االتصال الروحي لدى املتصوفة هو اإلشارات الدالة إحيائيا على أحوال ولطـائف

املعارف والتوحيد على ومنها كذلك مصطلح الطوالع، اليت يعنون ا إشراق أنوار . معينةاألفئدة فتحجب ما دوا من أنوار، ولذلك ربطوها بتجليات األمساء اإلهليـة يف أرواح

فواضح أن نظـائر هـذه . 2العباد، فتسمو بأخالقه صعدا حنو الصفاء ومقامات العرفان .املصطلحات حتيل إىل مفهوم اإلحياء الذي يشع من شىت املقامات واألحوال

ديب لإلحياءاملفهوم األ: هناك صلة بني املفهوم اللغوي والقرآين للوحي، ومفهـوم اإلحيـاء األديب ولعل

واجلمايل الذي نريد، والذي حيبذ النقاد ودارسوا األدب، وال سـيما احملـدثون منـهم . استخدامه لدى تذوق القيم الفنية ضمن النصوص األدبية

هوم البالغي الفين إىل ابن املقفع حينما ترتد أول إشارة إىل مصطلح اإلحياء باملف فعامة ما ... «: سئل عن البالغة فعرفها مشققا جهاا والوجوه اليت تكون منها، مث قال

فلعله .3»يكون من هذه األبواب الوحي فيها، واإلشارة إىل املعىن، واإلجياز، هو البالغة لوجوه، معززا بالغة الكـالم الـذي يقصد بكلمة الوحي اإلحياء الذي بشع من تلك ا

وما يؤكد استخدامه الواعي . ينطوي على جانب غري مصرح به يلقي بظالله على املعىن .للمصطلح أنه ربطه مبفهومه الشامل للبالغة

منطني من مجلة األمناط األسلوبية يف خماطبات اهللا عز " اجلاحظ"وقد الحظ ورأينا الله تبارك «: ، حيث يقول)الوحي(اه وجل، يتصل أحدمها باإلحياء أو ما أمس

خمر الكالم راب، أخرجوالوحي واحلذف، ج اإلشارةوتعاىل، إذا خاطب العرب واألع

.43املرجع نفسه، ص - 1 .114 املرجع نفسه، ص - 2 .116، ص 1، ج1998، 7.عبد السالم حممد هارون، مكتبة اخلاجني، القاهرة، ط. تح البيان والتبيني، اجلاحظ،- 3

- 47-

يشي .1»...الكالم وإذا خاطب بين إسرائيل أو حكى عنهم، جعله مبسوطا، وزاد يف ملوقع اإلجياز من نفوس هذا الكالم مبراعاة النظم القرآين ملقتضى حال املخاطبني، فنظرا

العرب واألعراب احلذاق واملتذوقني ألسرار البالغة وهم موئل الفراسة الثاقبة والفطنة احلادة وسحر البيان، ختير عز من قائل املنافذ اليت يتحقق منها اإلقناع والتبليغ والتأثري،

ذف اليت ينساب منها ويكون ذلك أشد ما يكون يف سياقات اإلشارة املقتضبة وإجياز احل .اإلحياء باملعىن الذي قد ال يبني عنه التصريح أحيانا

وحني نستذكر مفهوم القدماء للبالغة، نرى أن فريقا كبريا منهم ربطه باإلجياز، ، ولعل يف ذلك ما يـشي 2معان كثرية يف ألفاظ قليلة : فقد حدها أحد البلغاء بالقول

وعقـد صـاحب .ة املعىن وتوهجه مع اقتصاد أدائـي مبفهوم اإلحياء الذي يقتضي كثاف بالغـة ومن غرائب الشعر وملحه، اإلشارة اليت عدها خصه للحديث عن العمدة بابا

عجيبة، تدل على بعد املرمى وفرط املقدرة، وليس يأيت ا إال الشاعر املربز، واحلـاذق ويح يعرف جممال ومعناه بعيد املاهر، وهي يف كل نوع من الكالم حملة دالة، واختصار وتل

فنجـده يـستخدم .3وهذا النوع من الشعر هو الوحي عنـدهم ...من ظاهر لفظه متاما مثل ابن املقفع، فقوامه اختصار الكالم، وابتعاد املعىن عن ) الوحي(املصطلح بصيغة

م هـذا ظاهر اللفظ املصرح به إىل ظالل التلويح الذي حييل إىل كثافة داللية، وال يستقي .الفن إال للمربزين واحملنكني وجهابذة البيان من ذوي امللكات املتقدة واملتمرسة

إىل البعد اإلحيائي من خالل إشارته إىل مفهوم الغموض " اجلرجاين"وتنبه بوصفه ظاهرة فنية مطلوبة، ألا األقدر على إثارة اإلحساسات وحتريك النفوس، إذ

أبـو : وينظر أيضا ، 94، ص 1ج ،1996عبد السالم حممد هارون، دار اجليل، بريوت، . تح اجلاحظ، احليوان، - 1

، 1.يم، املكتبة العـصرية، بـريوت، ط علي حممد البجاوي وحممد أبو الفضل إبراه . تح العسكري، الصناعتني، هالل .173، ص 2006

.212، ص 1جابن رشيق، العمدة، : ينظر- 2 .266، ص 1ج، املصدر نفسه - 3

- 48-

لطبع أن الشيء إذا نيل بعد الطلب له واالشتياق إليه، ومعاناة من املركوز يف ا«: يقولكانت واحلنني حنوه كان نيله أحلى، وبامليزة أوىل، فكان موقعه يف النفس أجل وألطف،

فالغموض يضرب حجابا صفيقا على املعاين، ويصادر حق التصريح . 1»به أضن وأشغف .رفيع إال بني ظالل اإلحياءا، فال يسلمها للمتلقي املثايل ذي الذوق ال

عن أحد " النويري"وممن استخدم مصطلح اإلحياء يف القدمي جند ما أورده د من املطلق، واملشترك ، واملقياملعتل البليغ من عرف السقيم من: الكتاب حني يقول

والفصل من الوصل، والتلويح من ،ل، واإلمياء من اإلحياءمن املفرد، واملنصوص من املتأوفهو يربط بني املصطلح وذكر صفات املتكلم البليغ، الذي مبكنته التمييز ما . 2التصريح

بني اإلمياء واإلحياء يف الكالم، فيسلك من كل ذلك املسلك املالئم حسب مقتضى .فاإلحياء مظهر فين، ومعرفته شرط تتوقف عليه بالغة املتكلم. احلال

لحات اليت تالزم فن األدب علـى غـرار غدا اإلحياء عند املعاصرين من املصط وعـن قيمتـه يف . سائر الفنون األخرى كالفن التشكيلي، واملوسيقى واملسرح وغريها

إذا ما غاب يف القصيدة حتولت إىل نظم وفقـدت روح أنه " غنيمي هالل "الشعر يرى وال الشعر، وميكن أن يوجد يف بعض أجزاء من النثر الفين، حيث يتسم بسمة الـشعر،

يرقى النظم إىل مستوى الشعر إذا ما جترد من اإلحياء، وأعوزته التجربة، وكان خلوا من .4والبعد املوسيقي يف األداء يزكي اإلحياء ويعزز فاعلية التصوير. 3قوة التصوير

، 2.دار الكتاب العريب، بـريوت، ط ، مسعود. حممد االسكندراين و م. يف علم البيان، تحاجلرجاين، أسرار البالغة -1

.114ص ، 1998جنيب مصطفى فواز وحكمت كشلي فـواز، دار الكتـب العلميـة، . تحب يف فنون األدب، اية األر النويري، -2

.270، ص 2 جيف السياسة واآلداب امللكية،التذكرة ابن محدون،: ، وينظر10، ص 7ج، 2004، 1.بريوت، ط .377 حممد غنيمي هالل، النقد األديب احلديث، ص - 3 .376، ص املرجع نفسه - 4

- 49-

واحلقيقة أن املذهب الرمزي يف الشعر يعد من أكثر املذاهب األدبية املعاصـرة يعتـرب الرمزيـون و. إىل ذلك لدى حديثنا عن الصورة الرمزية ريسنشاحتفاء باإلحياء، و

:اإلحياء مسة مجالية فعالة، ومن مثة فإم يسعون إىل حتقيقها من سبيلني أن يضطلع الرمز بتجسيد إحساسات الشاعر وأفكاره يف أشـكال ماديـة، : األوىل -

وما حيوطه من إحياءات حتلق سرعان ما جيردها، ويفرغ يف آنيتها دالالت الرمز وخمتزناته وتتجرد أحيانا تـدرجييا مـن . فوق احملسوسات، فتدلف من مساحة شعورية إىل أخرى

صفاا املعتادة، فتذوب األشكال املادية حىت تصري شفافة وقادرة على بث مـا ختتزنـه .1وال يستقيم ذلك إال ضمن بناء رمزي متكامل. جتربة الشاعر

فتلـك . صوتية اليت ينطوي عليها الصوت واللفظة والتركيب الشعري القيم ال :الثانية -القيم هي اليت متكن البناء املوسيقي من استثارة اإلحياءات املخبوءة اليت أنتجتها التجربـة

حساسية األصوات تعد وسيلة رائعة للتعبري عـن احلـاالت ، وال خيفى أن 2الشعوريةكما تـضطلع . 3صورة بتراكيبها املألوفة أن تثريها الشعورية الغامضة اليت ال تستطيع ال

تلك القيم الصوتية بدور حيوي يف يئة أفق انتظار السامعني لتلقيها، ليكون قادرا على .4مواكبة تلك اإلحياءات غري احملجمة

وعن الذي جيعل الشاعر ميتطي االستعارة يف أي داللة كان بإمكانه أن يركـب داللة املطابقة وداللة اإلحياء، : مييز بني الداللتني " جان كوهني " جند فيها ظهر لغة عادية،

ينبغـي أن «: ولكنهما ال تتعارضان يف نظره إال على املستوى النفسي، ويف هذا يقـول نقهم بوضوح أن لداللة املطابقة والداللة اإلحيائية نفس املرجع، وال تتعارض الداللتان إال

رؤية نقدية لبالغتنا العربية، الدار العربية للنـشر والتوزيـع، القـاهرة، -سم، التصوير الشعري عدنان حسني قا - 1

.185، 184، ص 2000 .188، ص املرجع نفسه - 2 .189، ص املرجع نفسه - 3 .150، ص املرجع نفسه - 4

- 50-

ة املطابقة تشري إىل االستجابة العقلية، أما الداللة اإلحيائيـة على املستوى النفسي، فدالل .1»فتشري إىل االستجابة النفسية أو العاطفية يف عبارتني خمتلفتني عن نفس الشيء

مها التعبري االستعاري يف أصلني رئيسني خصائص " عدنان حسني قاسم "جيمل ية املتولدة من البنية الفنية للـصورة الطاقة املعنو فيقصد به : أما اإلحياء . اجلدة واإلحياء

االستعارية اجلزئية يف إطارها الكلي، وتعمل على توسيع رقعة الظالل اليت تسبح فيهـا ويستطيع التصوير . 2وقد تتعدد معها مستويات الفهم والتفسري . معاين الشاعر املصورة

ملعاين باليسري من اللفظ، حىت من ا الكثري «مينحكاالستعاري مبا فيه من عناصر إحيائية أن الغصن الواحـد أنواعـا مـن تخرج من الصدفة الواحدة عدة من الدرر، وتجني من

وهكذا يغدو مبكنة االستعارة امتالك الطاقات اإلحيائية الفاعلة إذا ارتقـت إىل . 3»الثمر .مشارف الرمز وتالمحت معه أو تعاضدت معه لصنع تأثريها

، بل يتعدى ذلك ليـشمل فحسب نحصر اإلحياء يف جانب املبدع الباث وال ي ومن ذلك مثال أن حذف وجه الشبه يفـضي . 4املتلقي الذي يغذي األثر بقراءته وتأويله

إىل اتساع رقعة اإلحياء يف بعض التشبيهات؛ فتنبجس القراءات مـن ثقافـة املتلقـي، .5اعر وانفعاله النابع من جتربتهورصيده الذي يتيح له التجاوب مع ثقافة الش

وكثريا ما يربط الدارسون ما بني الصورة الفنية واإلحياء، مما يتيح التمييز بـني :الصور التقريرية والصور اإلحيائية

هي صور عقلية مقصودة لذاا، تتحدد مهمتها يف عقد العالقـة فالصور التقريرية -أ . به به، وتقف إثارا عند وجه الشبه الظاهر القريـب الشكلية واجلزئية بني املشبه واملش

.201ص ، )ط.ت.د(لقاهرة، أمحد درويش، اهليئة العامة لقصور الثقافة، ا. تر لغة الشعر، اء جان كوهني، بن- 1 .149، ص املرجع السابق - 2 .41 اجلرجاين، أسرار البالغة، ص - 3 .149 رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص -عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 4 .86، ص املرجع نفسه - 5

- 51-

ومدلول كلماا حريف حبت ال ظالل هلا، إذ ال تتخطى التصريح، بل ينشد مفهومها غاية :الوصف والتقرير، حنو قول الشاعر

وكأن اهلالل نون لجين رسمت يف صحيفة زرقاءا احلريف إىل أبعاد أخرى، وأبعاد الـصورة هـذه فالكلمات هنا مل تتعد مدلوهل

حمدودة املدى، ألا ال حتمل شيئا من القيم الشعورية، فالشاعر يعقد مقارنة باردة بـني حرف النون املصنوع من الفضة، وقد كتب يف صحيفة لوا أزرق، وبني اهلالل األبيض

ة الذي الح يف السماء الزرقاء، ولئن كان األمر مؤشرا على الصنعة والرباعة، فإنه كالفضوتتصف الصورة التقريريـة بالوضـوح . ليس دليال على املخزون الفكري والشعوري

وح التقرير الذي يضن باإلحياء، ويكتفي عند حدود ما والتميز، ولكن الوضوح هنا وض .1د هذا النوع من جمال اخللق الفينيقول، وحي

درك بغري التصور الذي حييل إليها، فال يكتفـى ت وال ):اإلحياء( الصور اإلحيائية -ب بالوقوف عند جمرد التشابه بني احملسوسات على مستوى اهليئة واحلجم واللون وغريهـا، بل يتعدى األمر ذلك للربط بني التشابه والشعور العام املهيمن، فتتفاعل الصور اإلحيائية

والروحي، وجتارب الشاعر، وموقفـه مشكلة كال عضويا حيا، يشمل اجلانب العاطفي من الوجود، وأهم ما تتسم به الصور املوحية، أا تتعلق مع نظرياا من الصور يف األثر الفين بعاطفة سائدة جتعلها ال تقف عند مدلوهلا الظاهري القريب، الـذي يـشي بـه

.2شاعرالتصريح والتقرير، وإمنا تعمل على الربط بني احلسي وبني ما يشعر به الهي الـصور الـيت مل تتحـدد أن الصور اإلحيائية " أمحد علي دمهان "ويرى

خطوطها، وإمنا يتسع مدارها لطول تأملنا هلا، وال سيما حني نربطها بالسياق العام الذي

، 2. منشورات وزارة الثقافة، طأمحد علي دمهان، الصورة البالغية عند عبد القاهر اجلرجاين منهجا وتطبيقا، - 1

.164، 163، ص 2000دمشق، .164، ص املرجع نفسه - 2

- 52-

ترد فيه، واتساع املدار نتيجة اإلشعاعات اليت تشعها األلفاظ حوهلا،أو اإلحياءات الـيت قد سيطرت عليها األلفاظ، حيث أا خضعت ملعىن ) التقريرية( الثابتة فالصورة.. تثريها

، فهي اليت سيطرت على األلفاظ، فبزيادة منوهـا يف )اإلحيائية(واحد، أما الصورة النامية .1نفس القارئ املستجيب تكتسب األلفاظ معاين جديدة

انيـة، ألن فالشعر الذي يتشكل من الصور اإلحيائية هو شعر التجـارب الوجد اإلحياء أبلغ من الوصف والتصريح، ومن جتليات هذا النمط من الصور اليت نقع عليها يف الشعر اجلاهلي ذاك الذي يعبر من خالله الشاعر عن املوقف، حيث يوحي هذا التعـبري

:بالصفات املرادة دون تقريرها، ومنه قول امرئ القيسج البول كموليدولرحى سخأر ليله عتبـوم ليي بأنواع اهلم

ففي هذه الصورة تنعدم الصلة املنطقية بني أمواج البحر وليل اهلموم الطويـل، بيد أن هناك إحياء داال، فروعة الصورة ال تكمن يف العالقة الشكلية بني الليل والبحر، إذ

اإلحياء بـاجلو النفـسي مل يقصد الشاعر أن الليل كموج البحر وكفى، وإمنا تكمن يف الذي يكابده الشاعر، فالليل الطويل وما قام به يوحي حبالة الشاعر اليت أثقلتها اهلمـوم

.2والتحام الصورة والتجربة هو ما ولد اإلحياء. واكتنفتها من كل صوبختاطـب احلـس «أن املعاين يف الـصور اإلحيائيـة إىل سيد قطب وقد ذهب

النفس من منافذ شىت، من احلواس والتخييل واإليقاع، ومن احلس والوجدان، وتصل إىل عن طريق احلواس، ومن الوجدان املنفعل باألضواء واألصداء، ويكون الـذهن منفـذا

فوظيفة الفن األوىل هي ... واحدا من منافذها الكثرية إىل النفس ال منفذها املفرد الوحيد الفنية ذه اإلثارة، وإجاشة احلياة الكامنة ده إثارة االنفعاالت الوجدانية، وإشاعة اللذة

.165، ص املرجع نفسه - 1 .166، ص املرجع نفسه - 2

- 53-

وكل أولئـك تكفلـه طريقـة . االنفعاالت، وتغذية اخليال بالصور لتحقيق هذا مجيعه .1»التصوير والتشخيص للفن اجلميل

أما نعيم اليايف فقد حتدت عن اإلحياء بوصفه أحد وظائف الـصورة يف الـشعر واإلضافة، وهو حسبه يقابل املباشرة مثلما يقابـل الرومانسي فضال عن وظيفيت التأثري

ويف سبيل اإلحياء سلك الرومانسيون كل طريـق، وتوسـلوا : يقول بشأنه . التأثري التقرير بكل وسيلة، واختذوا كل أداة، انتقلوا من استعمال الكلمة عالمة إىل استعماهلا رمزا، ومـن

على داللتها اهلامشية أو ظل معناها، ومن وضـعها االتكاء على داللتها املركزية إىل االتكاء .2التجريدي إىل موسقتها والتلوين ا، ومن عالقاا التقليدية إىل عالقات أخرى جديدة

فالشعر التعبريي الذي يقوم على اإلحياء ينشد التأثري ال حماولة الفهم املباشـر، فياته، وما ميده من ظالل وأطياف، ويتجاوز حدود املستوى اخلطي للفظ إىل استبطان خل

فالصور اإلحيائية تظل على الدوام حبلى بالدالالت واإلشارات اليت ترد من عامل الشعور . 3وتؤول إليه، متحرر من إسار العقل، وتتمتع جباهزية لتفجري خمبوئها من القيم الفنيـة

من الصورة الفنية معتربا وخيلص اليايف من حديثه عن وظيفة اإلحياء إىل اإلشادة بقيمته ض أن قدرته على إثارة أجواء ممتلئة باملثريات واملنبهات تعد سرا للرباعة، األمر الذي جيعـل

.4منه جتليا من جتليات الفن األصيللكن الشاعر ال يسوغ له التوسل باإلحياء مبفرده، حبيث يصري ممـا يعـاب بـه

ومن هنا يتعين عليه املراوحة بني . التقرير لوحده شعره، مثلما هو احلال يف االعتماد على النمط العايل من الشعر هو الذي يقوم على التقرير واإلحياء معا، «، وبالتايل فإن 5األمرين

.134، ص1960 ،3. أصوله ومناهجه، دار الفكر العريب، القاهرة، ط، سيد قطب، النقد األديب- 1 .85 احلديث، ص العريبالشعر نعيم اليايف، تطور الصورة الفنية يف - 2 .87، 86، ص املرجع نفسه - 3 .88 ، صاملرجع نفسه -4 .166أمحد علي دمهان، الصورة البالغية عند عبد القاهر اجلرجاين منهجا وتطبيقا، ص - 5

- 54-

. 1»وهو الذي تستخدم فيه األلفاظ جبميع إمكانياا التقريرية واإلحيائية يف نفس الوقـت .م ملقتضى احلال فمقامات الكالم متفاوتةوهذا عني ما قرره القدماء من مراعاة الكال

أن مصطلحي األداء واإلحياء قد الزما قدميا وحـديثا عـددا مـن إذن تبين لنا األنساق املعرفية اليت راهنت عليهما، ناهيك عن سائر جماالت نشاط اإلنسان، ومهمـا

من املرونة نوعا ا وجدت فيهما بدت طبيعة تلك األنساق خمتلفة ومتباعدة أحيانا، إال أ والوفاء بالقصد والغاية، وهذا ما يعد مسوغا حفزنا على استحضارمها بـاملفهوم األديب ضمن هذه الدراسة ليحكما جانبيها، سيما إذا كان حتسس الصورة الفنيـة بوصـفها

.موضوعا مجاليا لطاملا أحل على وعي النقاد والدارسني مشروطا بتواشجهما معا

.35، ص 1960/ 1. حممد مصطفى بدوي، دراسات يف الشعر واملسرح، دار املعرفة، القاهرة، ط- 1

- 55-

- 56-

:مفهوم الصورة الفنية: املبحث األول

يتخلق لدى الدارسـني حـول منذ أن طفق الوعي األديب ورةظل مفهوم الص فتئت تتواىل تباعـا يف ماوضوع وإىل غاية اآلن منطلقا منهجيا للمنجزات العلمية اليت امل

وحديثا علـى تأثيـل واجهة االهتمامات األدبية والنقدية والبالغية، فأقبل هؤالء قدميا املفهوم وضبطه ومللمة جزئياته استنادا إىل مرجعيات ونظريات معرفية شىت ذات طبيعـة لغوية وأدبية حمضة تارة، وكانت تتصل حبقول أخرى كقضية اإلعجاز القرآين والفلسفة

وقـد . تارة أخرى واملنطق وعلم النفس وعلم اجلمال مما استدعته حتمية التالقح املعريف الصورة الفنيةز ذلك من القيمة التنظريية ملوضوع عز. :التحديد اللغوي - أ

معان يف العربية، من ضمنها املدلول الـذي عدة ) ص و ر (ذر اللغوي يفيد اجل يشري إىل الشكل واهليئة، وهو ما م باستقصائه هنا، إذ نلفي أن ابن منظور ينطلـق يف

ر مجيع املوجـودات ووهو الذي ص ) املصور(« :حتديده من أحد أمساء اهللا تعاىل احلسىن بها فأعطى كل شيء ورت منها صورة خاص ـا علـى اختالفهـا ة وهيئة مفردة يتمي ز

2...التماثيل: والتصاوير. يل رمت صورته فتصو توه: رت الشيء وتصو. 1»...وكثرار البعض حنو أيب عبيدة ولئن كان معىن الصور هو القرن كما بينه أهل التفسري، فقد أشا

: هو مجع صورة؛ أي ونفخ يف الصور : وأيب علي الفارسي إىل أن معناه يف قوله تعاىل ر املوتى األرواحويف ص فخن3ي.

.438 ص ،7ح). صور(ان العرب، مادة ابن منظور، لس- 1 .717 / 2، )صور(ة وينظر أيضا صحاح اجلوهري، ماد. 438ص ، 7ح، املصدر نفسه- 23 -وينظر أيضا ،440، ص 7 جابن منظور، املصدر نفسه، و،716 ، ص 2، ج)صور(ة اجلوهري، الصحاح، ماد

.363، 362، ص 12 ج ،)صور(ة مادتاج العروس للزبيدي،

- 57-

بكسر الصاد«: حاح أن وورد يف الص رر مجـع : الصووة لغة يف الصصـور... روصة حسنة، فتوراهللا ص هروالصورة . وص نسأي ح ،ريش ري1»والـشارة ورجل ص .

صور، بضم ففـتح، عواهليئة واحلقيقة والصفة، مج الشكل«: والصورة يف تاج العروس ،رب وصوكعن ،... روصة، فتنسورة حص هروكل: وقد صشل. تمعتسة مبعىن وتورالصما ينتقش به اإلنسان، ويتميز ا عـن « الصورة ، وجاء فيه أيضا أن 2»...لصفةالنوع وا

يدركها اإلنسان وكثري ، بل يدركه اخلاصة والعامة ضرب حمسوس : ضربان غريه، وذلك صـة دون معقول يدركه اخلا : والثاين. واحلمار من احليوانات، كصورة اإلنسان والفرس

. 3» واملعاين اليت ميـز ـا والروية العقل العامة، كالصورة اليت اختص اإلنسان ا من أمـا علمـت أن : (قوله ، استنادا إىل الوجه يراد ا لصورةذهب الزبيدي إىل أن ا و

.4ى الوجه اللطم علحترميصد إذ ق؛ )محرمة الصورةوميز العسكري بني الصورة واهليئة ذاهبا إىل أن األوىل اسم يشمل مجيع هيئات الشيء ال بعضها، كما يطلق على ما ليس يئة كقولنا صورة األمر كذا، يف حـني أن

أما إذا تفيئنا ظالل اخلطاب القـرآين الكـرمي . 5الشكل املادي : الثانية تقع يف البنية؛ أي لتقصي حضور اجلذر االشتقاقي للصورة فيه، فإننا بإزاء ستة مواضع حتيـل إىل سعيا منا

:، ميكن حصرها كاآليتفعل التصوير الذي نقصد

- كيمالح زيزالع وإال ه اء ال إلهشي فام كيحفي األر كمروصالذي ي وه .6: آل عمران.

.717 ،716، ص 2، ج املصدر نفسه- 12 -358، ص12 ج،)صور(ة الزبيدي، تاج العروس، ماد. أمحد مطلـوب، : ، وينظر 324، ص 2 ج الكليات،الكفومي، : ، وينظر 359، 358، ص 12، ج املصدر نفسه - 3

.92، ص 2 ، ج1989، 1. معجم النقد العريب القدمي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط . وما بعدها357، ص 12جتاج العروس، - 4 .181، ص2002، 2.حممد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بريوت، ط. العسكري، الفروق اللغوية، تح- 5 - ر(كما وردت كلمةون"بسكون الواو يف اخلطاب القرآين الكرمي عشرة مرات لتشري إىل معىن ) صالـذي " القر

.الساعة، وإن ذهب البعض يف معناها إىل أا صيغة أخرى جلمع صورة كما رأينا يف معاجم اللغةينفخ فيه قبيل قيام

- 58-

- لقنخ لقدكن وي لم ليسوا إال إبدجفس موا آلددجآلئكة اسا للمقلن ثم ناكمروص ثم اكماجدينالس نم .11: األعراف، اآلية.

- ص نسفأح كمروصاء واء بنمالسا وارقر ضالأر ل لكمعالذي ج زقكم اللهرو كمروالمنيالع بر ك اللهارفتب كمبر الله ات ذلكمبالطي نم .64: غافر، اآلية.

- ضــأر ــي الــسماوات وال ــا ف م ــه ــسبح ل ى ينــس اء الحــم الأس ــه ــصور ل الم ــارئ الب ــالق ــه الخ ــو الل ه ــز ــو العزي هو كيمالح .24: احلشر، اآلية.

- صريه المإليو كمروص نسفأح كمروصو قبالح ضالأرات واومالس لقخ .3: التغابن. - لكداك فعوفس لقكالذي خ ككباء را شة مورص في أي .8، 7: االنفطار، اآلية.

فالتصوير يف هذه املواضع الكرمية من اخلطاب القرآين ارتبط بأفعال اخللق والربء والتركيب اليت يضطلع ا اهللا عز وجل، وغدا صفة بل امسا من أمسائه احلسىن، كما ورد

ـ ) صورة(واملالحظ هنا أن إطالق لفظة . يف آية احلشر ع وما اشتق منها من فعـل ومجغالب على خلق اإلنسان دون غريه من اخللق، ماخال آية احلشر اليت ذكرنا، إذ ورد ـا

. تقييد جبنس من املخلوقات دون غريه من أيتعاىلصفة مطلقة هللا ) املصور(اسم الفاعل ولعل املعىن اإلمجايل للصورة يف هذه السياقات القرآنية مجيعها ينحصر يف اهليئة

للون والطول وغريها مما خلق اهللا عز وجل عليه البشر يف األرحـام، والشكل واجلنس وا وقد حرصت املشيئة اإلهلية احلكيمة أن يكون تصوير . وكذا سائر اخللق دون مثال سابق

: يقـصد بـه ) فأحسن صوركم : (الناس يف منتهى احلسن اجلمال؛ ذلك أن قوله تعاىل »قكم يف أحسن األشكال لفخ، وقـال . 1»الصور يف أحـسن تقـومي كم أكمل ومنح

]السماوات واألرض [ركم من مجلة ما خلق فيهما فصو«: البيضاوي يف معىن ذلك أيضا بأحسن صورة، حيث زي كم خبالصة خـصائص نكم بصفوة أوصاف الكائنات، وخص

.56، ص 7، ج1999، 2.، دار طيبة، الرياض، طسالمةالسامي بن حممد . تح، تفسري القرآن العظيم، ابن كثري- 1

- 59-

لق 1»عات، وجعلكم أمنوذج مجيع املخلوقات املبدأن احلديث عن الصورة اليت خ فجلي ،اإلنسان أضحى مقترنا يف اخلطاب القرآين حبسن اهليئة والقوام وإحكام التـسوية عليها

).يف أي صورة ما شاء ركبك: (واالعتدال، وهو ما بينته اآلية سبحانهفاملقصود منها أن اهللا ) املصور(أما صيغة اسم الفاعل من سورة احلشر

على الـصفة الـيت يريـد ذ اخللق والربء ، فيتحقق تنفي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ـ :"راملـصو "«: يف تفسري البغوي وقد ورد . 2والصورة اليت خيتار ل للمخلوقـات املمث

.3»... مثاله:هذه صورة األمر أي: يقال،بالعالمات اليت يتميز بعضها عن بعض. على هيئات خمتلفة الصور ب مرك هو "راملصو"يذهب القرطيب كذلك إىل أن و

يذكر القرطيب و ، التخطيط والتشكيل عنده يروالتصو ،لخلق والرباية ل تابع فعل لتصويرفا فيه لعجالطور الذي مث ضغةامل مث طور علقة ال طور :رحماللق اإلنسان يف خل أطوار ةثالث

ـ « صورة ـا ويتمي ز عـن غـريه وهو التشكيل الذي يكون به صورة وهيئة يعرفبسا كل خملوق ميـا فالصورة هي املث .4»تهام ال والشكل والصفة واهليئة اليت يتمظهر

.تعاىل تهجيعله خمتلفا عن غريه أو مشاا له حسب مشيئلقد احتفى األثر النبوي الشريف مبصطلح الصورة، إذ جندها ترتبط فيه بعـدة استخدامات أشارت إىل شيء منها حىت معاجم اللغة، حناول تبين أمههـا مـن خـالل

: اآلتيةالنصوص .5...) طوله ستون ذراعا آدم على صورته عز وجلخلق اهللا( : قال النيب -

شلي، دار إحياء التـراث العـريب، بـريوت، حممد عبد الرمحن املرع. تحأنوار التنزيل وأسرار التأويل، البيضاوي، - 1 .217، ص 5، ج)ت.د.(ط .80، ص 8ج ابن كثري، املصدر السابق، - 2 .88، ص 8جم ،1997، 3.حممد عبد اهللا النمر وآخرون، دار طيبة، الرياض، ط. تح،البغوي، معامل التنزيل - 3 .393، ص 20، ج 2006، 1.سسة الرسالة، بريوت،، طمجاعة من احملققني، مؤ. تحاجلامع ألحكام القرآن،: القرطيب - 4 .5075 :رقم احلديث كتاب اجلنة وصفة نعيمها، باب يدخل اجلنة أقوام أفئدم مثل أفئدة الطري،صحيح مسلم، - 5

- 60-

: اجلاللـة؛ أي تكون اهلاء راجعة على اسم حيتمل أن أنه أورد ابن منظور هنا صورة وليس ألن له سبحانه ،رهو املصو ألنه ،رها وقد تعاىللصورة اليت أنشاها اهللا على ا

على صـورة :، وهنا يكون املعىن على آدم أيضا تكون راجعة نحيتمل أ و ، متثاال أو، وهذا ما نطمئن إليه وفق املنظور البالغـي، 1ن هو خملوق م أمثاله م ةأي على صور آدم

جاءت منفـصلة ) طوله ستون ذراعا(ألننا بصدد أحد مواضع الفصل يف الكالم، فجملة حصل يف فاء لكون الثانية جاءت بيانا خل ،)خلق اهللا عز وجل آدم على صورته (عن مجلة

.2األوىل، وهذا ما يعرف بكمال االتصال يف تبـارك وتعـاىل أتاين الليلة ريب (حديث اختصام املأل األعلى يف وقال أيضا -

. 3...)أحسن صورةورد بلسان العرب فيما يتصل مبعىن الصورة يف هذا احلديث النبوي الشريف أا

لعرب على ظاهرها وعلى معىن حقيقة الشيء وهيئتـه وعلـى معـىن ترد يف كالم ا «فيكون املراد مبا جاء يف احلديث أنه أتاه يف أحسن صفة، وجيوز أن يعود املعىن ،...صفته

، فأما إطالق ظـاهر ...أتاين ريب وأنا يف أحسن صورة : صلى اهللا عليه وسلم إىل النيب، أن كال التخرجيني سائغ، إذ أن أحـدمها وواضح .4»...فال الصورة على اهللا عز وجل

يكمل اآلخر حبيث ال يتعارضان، مما يدل مبا ال يدع جماال للشك على أن األثر النبـوي .طافح جبوامع الكلم البليغ

.5)ال تدخل المالئكة بيتا فيه كلب وال صورة( : موضع آخر يف قال و -جعل لـه بكـل ر يف النار ي مصو كل( : قال رسول اهللا أن ابن عباس وروي عن -

رها نفسا فتعذصورة صو1)مبه يف جهن.

.438، ص 7، ج)صور( ابن منظور، املصدر السابق، مادة - 1 . وما بعدها154، ص .)ط. ت.د( العلمية، بريوت، دار الكتب اخلطيب القزويين، اإليضاح يف علوم البالغة،- 2 .3157 :قم احلديثر،)ص( كناب تفسري القرآن عن رسول اهللا، باب ومن سورة سنن الترمذي،- 3 .438، ص 7، ج)صور( ابن منظور، املصدر السابق، مادة - 4 .3929 :ح. ر،... كتاب اللبس والزينة، باب حترمي تصوير صورة احليوان صحيح مسلم،- 5

- 61-

يندرج هذان احلديثان ضمن األحادبث الشريفة اليت تتحرج بشدة من التصوير، وتنهى عن اختاذ التصاوير والتماثيل زينة يف البيوت، وذلك بالنظر إىل ما ارتبطت به من

ا مترسخة يف معتفدات العرب املشركني الذين كانوا جيعلـون طقوس وثنية كانت قدمي منها آهلة تعبد من جهة، ونظرا لكون التصوير من الصفات اليت تفرد ا اخلالق، فمن هنا حصل التهي خشية اإلقدام على مضاهاة خلق البارئ من جهة أخرى، فجلي أن الصورة

.م الذي بلغ حد التشديد يف الوعيدههنا اقترنت مبعاين االستهجان والكراهة والذـ وأحيانا م...( : الوحي فقالاحلارث بن هشام حينما سأله عن وأجاب النيب - ك ل

.2)يف مثل صورة الرجل فأعي ما يقول .3...)يت على صورة القمر ليلة البدرمة من أل زمرة تدخل اجلنأو( : أيضا قال و-

أن إذيثني األخريين هو املثال والشكل الظاهر؛ ولعل املقصود بالصورة يف احلد وهي اليت يتمثـل موضوع األول يتصل بإحدى كيفيات جميء الوحي على الرسول

، فيتحدث إليه بـالوحيب يف هيئة بشرية وكأنه رجل ماثل بني يديه فيها جربيل موضـوع أمـا تأنس نفسه الشريفة وتقوى سكينتها،ليعي منه ما يقول، وذلك كي تس

، وهم الذبن ميثل هيئتهم يف متـام الثاين فيتعلق بشكل أول من بدخلون اجلنة من أمته .احلسن واجلمال ومنتهى الصفاء والوضوح بوهج البدر ونوره الساطع يف ظلمة الليل

ومل خيل كالم العرب ال سيما يف شعرهم من ذكر للصورة يف شىت الـسياقات : مفاخرالالداللية، فهذا عنترة يقو

4اينـفي وطعـه موقـ أتى لأري ين على أي صورة يدعوا املوت يأت

.3945 :ح.املصدر نفسه، ر - 1 .4304 :ح. يف الربد وحني بأتيه الوحي، ر كتاب الفضائل، باب عرق النيب صحيح مسلم، - 2 .5064 :ح. ر،... كتاب اجلنة وصفة نعيمها وأهلها، باب أول زمرة تدخل اجلنة صحيح مسلم،- 3 .87، ص1893ني اخلوري، بريوت، مطبعة اآلداب ألنديوان ، بن شداد العبسي، العنترة - 4

- 62-

:لنابغة يف املديحويقول ا واجلود بني العلم واخلرب يف البأس ، طرت، ما هلا خلك جأخالق جمد

1غم يف صورة القمر ضيى ويف الوغ ، رقهـايل، فوق مفـج باملعوـ مت : يف احلكمةويقول زهري بن أيب سلمى

هفؤاد نصفو م لسان الفىت نصفالدة اللحم وإلا صور بق2 فلم ي :يف الغزلويقول أبو متام 3سـها أمـ غري اليت كنت ب ورة ـل يوم أنت يف صـيف ك

:ن األحتف يف الغزلويقول العباس ب 4 رأيتك تختالني يف صورة البدر تعرضت يل حتى إذا ما استبيتين

:ويقول حافظ إبراهيم الل رآه املسلمون فكبرواـ ه على األكوان واخللق تنظر ـلأط

5 على الدهر حسنا أنها تتكرر تجلى لهم يف صورة زاد حسنها

كانت بشىت صيغها االشتقاقية حاضرة بكثافة يف الشعر العريب )الصورة(فكلمة يف لتـدل وسائر األغراض الـشعرية على مر عصوره، ال بل يف عامة املواقف الكالمية،

يانـه، ليغـدو السمت واهليئة والصفة مما سـبق ب الشكل و عمومها على معاين املثال و وهذا إن دل على شيء . غالبا، وارد املعقول أحيانا احملسوساملادي موضوعها متصال ب

.فإمنا يدل من أحد املناحي على وعيهم الفين لقيمة الصورة ووظيفتها اجلمالية يف الشعر

.66، ص 2005، 2. اعتىن به محدو طماس، دار املعرفة ، بريوت، طديوان،ال النابغة الذبياين، - 1 .71 ص ،2005، 2.، الديوان، شرح محدو طماس، دار املعرفة، بريوت، طسلمى زهري بن أيب - 2 .274، ص 2ج ،1994، 2.دار الكتاب العريب، بريوت، طر، راجي األمس. ، تح متامأيباخلطيب التربيزي، شرح ديوان - 3 .141ص ،1954/ هـ 1373عاتكة اخلزرجي، دار الكتب املصرية، القاهرة، . تحديوان،ال ، العباس بن األحنف- 4 .37، ص 2ج ،.)ط.ت.د( الديوان، دار اجليل، بريوت، حافظ إبراهيم،- 5

- 63-

:التحديد االصطالحي - بـ ا مـن لقد كان مصطلح الصورة من أوفر املصطلحات النقدية والبالغية حظ

، يف خضم األحباث األدبية، ولسنا ندعي بأن ، فقد تناوله دارسون كثريون حيث االهتمام باعنا ههنا أكثر مما أفاض فيه غرينا من الباحثني بقدر ما نـود حماولـة مللمـة شـتاث توصيفات هذا املصطلح الذي ما فتئ يكتنفه كثري من اجلدل الشائك والنقاش املستفيض؛

له متثال ميكن من استيعاب معمق له إن مل يكن دقيقا، لـذلك نرتئـي يف وذلك قصد متث سياق إقبالنا على فهم دينامية الصورة أداء وإحياء يف اخلطاب القصصي القرآين، ووفق ما تقتضيه أجيديات املنهج العلمي؛ أن حنيط حبقيقة املصطلح عربيا وغربيـا قبـل أن نلـم

. النظريةمبختلف مناحيه كنا نعترف بأن مهمة ضبط املصطلح من الصعوبة مبكان، فـاألمر يكـاد وإن

يكون ضربا من املستحيل، لتباين املرجعيات واملناهج والنظريات والبيئات املعرفية، وهذا من األلفاظ اليت جيب علـى دارس ) صورة(لفظة «: بقوله "فرانسوا مورو "عني ما قرره

غامضة . ني فهي لفظة غامضة وغري دقيقة معا األسلوب أن يستخدمها حبذر وفطنة خاص وغري دقيقة ألن . ألا ميكن أن تفهم مبعىن عام، غائم، وواسع جدا ومبعىن أسلويب صرف . 1»استخدامها حىت يف اال احملدد للبالغة مائج للغاية وتعريفه بالغ السوء

وم الـصورة يضعنا هذا الكالم إذن أمام احترازات يتعين على اخلائض يف مفه اعتبارها، ألنه مفهوم زئبقي ال يستقر عند حد معين، وهو ما عبر عنه أحد الدارسـني

كثر التأليف والتوليف يف الصورة الفنية أخريا حىت اختلطت املفهومات وتشعبت «: بقوله

.19، ص 1995لي جنيب إبراهيم، دار الينابيع، دمشق، ع. فرانسوا مورو، الصورة األدبية، تر - 1

- 64-

فنحن بإزاء معـضلة . 1»املناهج، فنال الصورة من هذه الدراسات عناء وغموض كبريان .للغايةمستعصية

حتديد نعتد إىل التراث، ولعل أدق ال ريب يف أن جذور املصطلح العربية ترتدالصورة، إمنا هو متثيل : واعلم أن قولنا : به هنا لإلمام عبد القاهر اجلرجاين حيث يقول

فلما رأينا البينونة بني آحاد األجنـاس .وقياس ملا نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا املعىن يف أحد البيتني وبينه يف اآلخر بينونة يف مث وجدنا بني . ..ن من جهة الصورة تكو

للمعىن يف هذا صورة غـري : البينونة بأن قلنا عقولنا، وفرقا عربنا عن ذلك الفرق وتلك الصور رغم تشابه املعاين، إذ فهنا يشري اجلرجاين إىل التباين بني ، 2...صورته يف ذلك

3ا ممثلة ملعىن واحدتتراءى لنا أ. اللة على كل ما له صلة يصطنع للد «ويرى مصطفى ناصف أن مصطلح الصورة

ي، وتح 4»طلق أحيانا مرادفة لالستعمال االستعاري للكلمات بالتعبري احلسوهو إذ يرج ، القدامى أم مل يوفقوا إىل فهـم موضـوعها ووظيفتـها الثاين، فإنه يأخذ على التمثلويوجز حتديده ملاهيـة . 5قتها بالشاعرية، األمر الذي سعى إىل توضيحه يف دراسته وعال

؛ أي أن الـصورة 6»الصورة منهج فوق املنطق لبيان حقائق األشـياء «: الصورة بقوله . تلك احلقائقز اإلدراك املنطقي الستكشاف أغوارتتطلب منطا من اإلدراك يتجاو

وهر الثابت والدائم يف الشعر، قـد تتغيـر اجل: أما جابر عصفور فيعرفها بأا مفاهيم الشعر ونظرياته، فتتغير بالتايل مفاهيم الصورة الفنية ونظرياا، ولكن االهتمام ا

،عبد اإلله الصائغ، اخلطاب الشعري احلداثوي والصورة الفنية، احلداثة وحتليل النص، املركز الثقايف العريب، بريوت - 1

.98، ص 1999/ 1. الدار البيضاء، ط .466 ، ص2003ني األيويب، املكتبة العصرية، بريوت، ياس. تح يف علم املعاين، عبد القاهر اجلرجاين، دالئل اإلعجاز- 2 .426، ص 1986، 5. إحسان عباس، تاريخ النقد األديب عند العرب، دار الثقافة، بريوت، ط- 3 .3، ص1983 / 3.دار األندلس، ط مصطفى ناصف، الصورة األدبية،- 4 .3ص ،املرجع نفسه - 5 .8ص ،املرجع نفسه - 6

- 65-

فيجعل هذا التعريف من الصورة الفنيـة . 1...يظل قائما ما دام هناك شعراء يبدعون عة التحوالت اليت تطـرأ علـى الروح النابضة يف اإلبداع الشعري، بغض النظر عن طبي

وبـذلك يقتـرب .الشعر، واليت تنعكس حتما على ماهية الصورة واجتاهات دراستها التصوير الشعري من طبيعة الرسم، من خالل نقل املوضوع من مـستواه الطبيعـي إىل

.2مستواه الشعوري، فيغير حميطه وماهيته، وميكنه من التأثري يف املتلقي عرب ملسة الفنينبغي تعريف الصورة أا توضيح، أو يف حال «: بقوله" فرانسوا مورو "وحيددها

يتراءى مـن . 3»التشبيهات فقط تقريب شيئني ينتميان إىل جماالت متباعدة إىل حد ما توضيح املعىن بوسـيلة : ذلك أنه يضبط مفهوم الصورة من حيث وظيفتان تضطلع ما

كما يقترب هذا .ل كل منهما خمتلف نسبيا عن اآلخر أصفنية ما، مث التقريب بني طرفني الذي عدها إبداعا ذهنيا خالصا، فكلمـا تباعـدت " بيار ريفاردي "التعريف من تصور

.4تينك احلقيقتني صارت الصورة أمنت وأقوى وتبوأت موقعا شعرياإىل ) الصورة يف مؤلفات باسكال (ضمن أطروحة له عن " لوغريون. م"وذهب

الصورة عنصر حمسوس يستقيه الكاتب من خـارج املوضـوع الـذي يعاجلـه «: أنفهـذا . 5»ويستخدمه بغية توضيح قصده، أو للوصول إىل شعور القارئ بوساطة اخليال

التعريف يقصر الصورة على البعد احلسي، وجيعل منها وسيلة يستخدمها األديـب إمـا .تلقي إىل غاية معينةألجل اإلبانة عن أغراضه، وإما الستمالة وجدان امل

ملا توقف عند كلميت ) معجم املصطلحات األدبية ( يف "Abramsأبرامز "ويرى image و imagery م واألشـياء القابلـة « أن مصطلح الصورة يراد بهسالشكل املج

.7، ص1992/ 3صورة الفنية يف التراث النقدي والبالغي عند العرب، املركز الثقايف العريب، بريوت، طجابر عصفور، ال - 1ثقافـة (عدنان الفرجيات، النقد األديب والصورة الفنية املرئية، أعمال مؤمتر جامعة فيالدلفيا الدويل الثاين عشر حول - 2

.136ص .136ص ، 2008، عمان، )الصورة يف األدب والنقد .25فرانسوا مورو، الصورة األدبية، ص - 3 .86، 85 فرانسوا مورو، الصورة األدبية، ص: ينظر- 4 .23، ص املرجع نفسه: ينظر- 5

- 66-

وهذا املعىن حسبه أبرز معانيها االصطالحية وأقرا إىل األذهان، وهو .1»للرؤية البصرية استحضار صورة شيء ليكـون قريبـا أو «فالتصوير إذن . على ما يدرك عيانا يقتصر

فهذا التحديد حيصر مهمـة . 2»معروضا عرضا فنيا بديعا يوحي باملعىن ويؤثر يف النفوس وأما التـصور .الصورة يف تقريب األشياء من ذهن املتلقي مع إضفاء طابع اجلمال عليها

لته ا يف خميمث اختز يعية اليت سبق أن شاهدها وانفعل امرور الفكر بالصورة الطب«فهو . فكأننا بالتصور عقلي معنوي أما التصوير فمادي شكلي.3»حهامروره ا يتصف

وعقب استعراضنا لبعض التحديدات اليت تسعف على ضبط املفهوم، نـشري إىل قدية والبالغيـة األمـر أنه لطاملا واجهت الدارس عقبات عديدة يف متثل املصطلحات الن

الذي ينسحب على مصطلح الصورة، إذ راح يتأرجح بـني اسـتخدامات شـىت ذاع الصورة البيانية، والـصورة : اصطناعها يف العصر املعاصر دون تبصر وأناة وحذر، منها

ولئن كان األمر واضحا بالنسبة إىل الصورة . الشعرية، والصورة األدبية، والصورة الفنية اليت تشمل التشبيه واالستعارة وااز املرسل والكناية، وهي مباحـث أدرجهـا البيانية

البالغيون ضمن علم البيان الذي يفيد معرفة إيراد املعىن الواحد بطرق متعددة يف وضوح ، فإن االستخدامات األخرى أضحى يكتنفها غمـوض صـفيق، وخلـط 4الداللة عليه

. لتأثيلشديد، ولبس شائك، مما حال دون صرامة اومبلغ علمنا أن ذلك متأت من عامل الترمجة، على اعتبار أن أغلب نظريـات

وافدة من ختوم الفكر - على غرار سائر النظريات النقدية واللسانية –التصوير املعاصرة فكثريا ما جنمت عن ترمجة مصطلح الصورة، . النقدي الغريب كما سنأيت على بيانه الحقا

. 28، ص 1995/ 4. رؤية بالغية نقدية، دار الفكر العريب، القاهرة، ط-شفيع السيد، التعبري البياين: ينظر - 1 .348، ص 1 ، ج1989، 1. يب القدمي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط أمحد مطلوب، معجم النقد العر- 2، اجلزائـر ،للفنـون املطبعيـة املؤسسة الوطنية، نظرية التصوير الفين عند سيد قطب،صالح عبد الفتاح اخلالدي - 3

.74ص، 1988 .215 اخلطيب القزويين، اإليضاح يف علوم البالغة، ص - 4

- 67-

الوقوع يف الفهم اخلاطئ طورا، وإما بسبب سوء الترمجة طورا آخـر، مزالق، إما جراء وإما نتيجة حملاوالت اإلسقاط القسري للمفاهيم الغربية على املعطى النقدي والبالغـي

.العريب، دون مراعاة للبون الشاسع بني الثقافتني، وخصوصية كل منهما طورا ثالثاى الصعيد النظري وال التطبيقـي، إذ فلسنا نكاد منيز بني تلك االستخدامات عل

فاصطنع . ا به دون بيان وجه العلة يف ذلك خاص اراح كل دارس يضع توصيفا مصطلحي ، ووسم جابر عصفور مؤلفـه ب )الصورة األدبية (مصطفى ناصف مثال لكتابه عنوان

يل حممد ، بينما جاءت دراسة الو )الصورة الفنية يف التراث النقدي والبالغي عند العرب (، ولكن احملتـوى ظـل )...الصورة الشعرية يف اخلطاب البالغي والنقدي (موسومة ب

. واحدا تقريبا، مع اختالف يف املوقف الفكري، والطرح املنهجي، واإلجراء التحليلـي !!كل هذا قد حصل يف صياغة العناوين فقط، فما بالنا مع حمتوى الكتاب الواحد

لحي الذي ملسناه، وتوخيا ملسلك الدقة ما استطعنا وأمام هذا االضطراب املصط إليه سبيال، ارتأينا تأسيسا على رصيد اطالعنا ونظرنا يف جهود من سبقونا أوال، وبداعي رغبة اجتهادية ثانيا؛ أن نديل بدلونا يف هذا اخلضم، سعيا منا لتقليص حدة اإلشـكال،

جلمالية للشعر دون النثر، ذلك أنـه فنجعل استخدام الصورة الشعرية خاصا بالسمات ا جنس تتماهى فيه مجلة من املقومات اإلبداعية، منها التجربة الشعورية، واملعجم الفـين، واخليال، والعاطفة، والوزن والقافية، والبعد الغنائي، والقيم اإلنسانية، فضال عـن األداء

.البالغي، والصورة الشعرية بذلك أعم من الصورة البيانية يف ضوء العالقة بالصورة الفنية فإنه من جهة يرتبط الصورة األدبية مصطلح ماأ

بني اجلزء والكل، حيث حتيل الصورة الفنية على مجاليات متعددة ذات صـلة بـسائر توصـيف هو ف، ومن جهة أخرى 1الفنون فضال عن األدب كالرسم واملوسيقى والنحت

أنه ال يقتصر على الشعر فحسب وإمنا يتعداه يتراءى لنا أعم من الصورة الشعرية، ذلك

.88، ص 2006، 2.صورة الفنية يف احلديث النبوي الشريف، دار املكتيب، دمشق، ط أمحد ياسوف، ال- 1

- 68-

إىل كل ما له صلة باألدب، أو كل ما يصير من األدب أدبـا، وحيـضرنا هنـا مبـدأ إن موضوع علم األدب لـيس : بقوله "جاكبسون"الشكالنيني الروس الذي عبر عنه

.1األدب، بل األدبية ل به الكال فمصطلح األدبية يم مـن مـستوى خطـايب طلق عادة على ما يتحو

ت به عادة االستعمال يف احلياة اليومية إىل ضرب من املمارسة اإلبداعية اليت مألوف جرذلـك ويضيء عبد السالم املسدي هذا التصور بذهابه إىل أا . يغدو التصوير جوهرها

لمر تأثريا يشبه لذة احللم وليس باحل ي الذي جيعل من اخلطاب الكالمي يؤث العنصر السر، دى املتلقي حالة االفتتان واإلعجاب ل ويبعث ، ولكنه ليس موسيقى ،ويطرب كاملوسيقى . 2 ووصف الوقائع وحتليلها، بعيدا عن عرض احلقائق،والتلذذ يف آن واحد

بينما الصورة الفنية أعم من سائر االستخدامات األخر، ألن منهجها ال يقـف وقوانينه الداخلية فحسب، وإمنا يقتضي االنفتـاح عند حدود البيان أو الشعر أو األدب

على سائر الفنون األخرى كالرسم والنحت واملوسيقى، فتتـشرب قيمهـا اجلماليـة، .وتستعري منها أجبدياا اإلبداعية، سعيا منها لفهم األدب يف ضوئها

إن الصورة الفنية ال ترتضي االنكفاء على وصف اجلزئيات البالغية مبنأى عـن ناصر األخرى اليت تتفاعل يف تناسق فين خالب على امتداد األثـر األديب يف كليتـه الع

القوة السحرية املؤلفة اليت تطلق روح «"أرشيبالد مكليش "ومشوليته، فهي على حد تعبري اإلنسان مجيعها إىل النشاط احلسي، وجوهرها توازن الصفات املتنافرة إلشاعة االنسجام

سيق فائق للعادة، وعمادها الترتيب اللفظي للكلمات حىت تذكي العواطف بينها، ففيها تن

.11ص ، 1990. 1 ط، الدار البيضاء،عثماين ميلود، شعرية تودوروف، منشورات عيون املقاالت - 1 .211ص ، عبد السالم املسدي، مدخل إىل النقد احلديث- 2 - ع حول مفهوم األدبيةمات السرد اإلعجـازي رسالتنا اخلاصة باملاجستري املوسومة ب : ينظر ملزيد من التوسمقو

. وما بعدها137، ص2002، جامعة وهران، دراسة حتليلية منوذجية يف سورة الكهف-يف اخلطاب القصصي القرآين

- 69-

فـسمات . 1»وتذكي املشاعر، وختلق عاطفة تعلو العواطف اليت تثريها إيقاعات األبيات سحر التأليف واالنسجام والتوازن والتنسيق مما يشري إليه هذا التحديد كفيلة بأن جتعـل

مرنا يوايت أي دارس على حتليل اإلبداع، وحتسس من الصورة الفنية مصطلحا متكامال و .وهو االختيار الذي نطمئن إليه ونرتئيه لدراستنا. مناحي األصالة واالبتكار فيه

:توصيف الصورة الفنية يف التراث العريب: املبحث الثاينوليكن مستهل حديثنا عن الصورة الفنية األدبية انطالقا من التـراث البالغـي

عريب، لكونه نواة االحتفاء بديوان الشعر العريب القدمي، فضال عن بالغة األداء والنقدي ال ات اهلامة من هذا التراث القرآين يف مستواها اإلعجازي، بيد أننا نرتئي التوقف عند احملط

اليت تكشفت عن جهد كبري غذى مفهـوم الـصورة، - على كثرا وتنوع اجتاهاا –يف وجه أيب عمرو الـشيباين ) هـ255ت (فلعل صرخة اجلاحظ . وأرسى دعائمها الفنية

:الذي استحسن البيتني الشهريين الـ فإنما املوت سؤال الرج ال تحسبن املوت موت البلى

لكـكالهو وتذا ـما م ن ؤالـ أشلذل الس من ذاك د ، ولنا 2دى املنطلقات األوىل اليت طفقت تؤسس مفهوم الصورة إح أن تكون لعلها :أقول

وذهب الشيخ إىل استحسان املعـاين، واملعـاين : تربيره هلذا الرفض الصارخ أن نتأمل وإمنا الشأن يف إقامـة . لقروي، والبدوي ا والعريب، مطروحة يف الطريق، يعرفها العجمي

وإمنا . لطبع، وكثرة املاء، وجودة السبك وصحة ا ر اللفظ، وسهولة املخرج، الوزن، وختيفما جدوى املعـاين، وهـي . 3 التصوير النسج، وجنس من ة وضرب من عانالشعر ص

.55، 54، ص 1963سلمى اخلضراء اجليوسي، دار اليقظة العربية، بريوت، لبنان، . الشعر والتجربة، تر- 1 .99، ص 1980 منشورات جامعة الريموك، إربد، الصورة الفنية يف شعر أيب متام،عبد القادر الرباعي، - 2 ، 132، 131ص / 3مج ،1996عبد السالم حممد هارون، دار اجليل، بريوت، . تح اجلاحظ، احليوان،- 3

).ـ ه220ت (والبيتان منسوبان للشاعر العباسي حممود الوراق

- 70-

، وجانبها ألـق احلسن والرونق مشاع بني الناس، إن كانت خلوا مما يعرضها يف معرض الفن ؟

مصطلح التصوير مت تداولـه قبـل يرى جابر عصفور من خالل تلك املقولة أن أن للـشعر أوهلااجلاحظ، بيد أنه هنا ينطوي على داللة خاصة تشف عن ثالثة مبادئ،

أسلوبا خاصا يف صياغة األفكار أو املعاين يقوم على إثارة االنفعال، ومحل املتلقي علـى أن أسلوب الشعر يف الصياغة يقوم يف الغالب على التقدمي احلسي ثانيهاو. تبني تصور ما

أن هذا التقدمي احلسي ثالثهاو. ذلك يكون التصوير مرادفا ملصطلح التجسيم للمعىن، وب ي، رغم تبـاين للشعر جيعله مشاا للرسم، يف أسلوب التشكيل والصياغة والتأثري والتلق

1ة التصوير يف كل منهماطبيعة ماد. للشاعر أن خيوض يف أي معىن شـاء، )ـ ه 337. ت(وقد أباح قدامة بن جعفر

املعاين مبنزلة املادة املوضوعة، والشعر فيها كالصورة، كما يوجـد يف كـل كانت إذ فيها من شيء موضوع يقبل تأثري الصور منـها، مثـل اخلـشب صناعة من أنه ال بد

معىن كان، من الرفعة والضعة، وعلى الشاعر إذا شرع يف أي .للنجارة، والفضة للصياغة التجويد يف ذلك إىل الغايـة ى البلوغ من أن يتوخ ...ةوالقناع والرفث والنزاهة، والبذخ

فالتصوير اجليد بالنسبة إىل الشعر، ونظريه يف الصنائع واحلرف سيان يف هذا .2املطلوبة: ربط قدامة بني الصورة والغرض الـشعري فقـال و .الكالم، وإن اختلفت طبيعة املادة

ال بالصورة اليت تليق بالنـساء، وجتـانس ل، إذا كان متشك زإنه غ : يف اإلنسان ويقال«إذا ترسم صورة تالئم : ، أي 3»حلاجته إىل الوجه الذي جيذن إىل أن ميلن إليه موافقان

.257، 256صفور، الصورة الفنية يف التراث النقدي والبالغي عند العرب، ص جابر ع- 1 .م1978، 1حممد عبد املنعم خفاجي، مكتبة الكليات األزهريـة، القـاهرة، ط . تح قدامة بن جعفر، تقد الشعر، - 2

، 2ج ، 1989، 1. أمحد مطلوب، معجم النقد العريب القدمي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغـداد، ط : وينظر .7 ص .93ص

.42، ص مصدر سابققدامة بن جعفر، - 3

- 71-

، وبالتايل فإن كل غرض يستحث املخيلة ويـستدر منـها مقتضيات هذا الغرض الفنية .صورا تنسجم مع أبعاد التجربة

ـ 395ت (أما أبو هالل العسكري على بعد الصورة املقبولة املقترنة حل فقد أ)ـهيف سعيه لضبط مفهوم البالغة اليت تقتـضي حـسبه أن ) املعرض احلسن (حبسن األداء

، حيث ويدعم رأيه يف سياق آخر .1يتساوى املتكلم والسامع يف مقدار تأثري معىن الكالم دعامـة الصورة فعد ،2لبالغةل ، فضال عن حتسني اللفظ جوهرا جتميل الصورة من جعل

. أساسية من دعائم علم البالغة، مما مييط اللثام عن أصالة إدراكه لسر قيمتها البيانيةفلعله يشري إىل أن األدب أداة توصيل جيدة، وأنه يقاس بقدرته على التمكن من ـ ا نفسيات املتلقني، ومحلهم على االخنراط يف التجربة الشعورية ذاا، ويقترب ذلـك مم

أشار إليه تولستوي من أن الفن يقاس مبدى قدرته على استثارة حالة ذهنية ونفسية تؤول يـرى وإىل توحد بني الفنان واملتلقي، حىت ليحس املتلقي أنه صاحب العمل الفين ذاته،

.3تولستوي أنه ينبغي إدراك أن الفن تعبري عن انفعال أحس به الفنان ووصله إىل الرائياأللفاظ أجساد، : قوله سكري فيما يتصل حبسن النظم عن العتايب ونقل الع

مؤخرا، أو أخـرت منـها واملعاين أرواح، وإمنا تراها بعيون القلوب، فإذا قدمت منها موضع يـد، أو يـد إىل مقدما أفسدت الصورة وغيرت املعىن، كما لو حول رأس إىل

فهو يعزو من خالل هـذا التـشبيه . 4ليةموضع رجل، لتحولت اخللقة، وتغيرت احل

علي حممد البجاوي وحممد أبو الفضل إبراهيم، املكتبة العـصرية، بـريوت، . تح أبو هالل العسكري، الصناعتني، - 1 .16 ، ص2006، 1.ط .357 املصدر نفسه، ص - 2 .245ريتشاردز، مبادئ النقد األديب، ص : ينظر- 3 - صاحب املعلقة عمرو بن كلثوم نسلمن ) م 835/ هـ220. ت(كلثوم بن عمرو العتايب هو اعر اجلاهليالش ،

.ناحية حمص، ومن ساكين بغداد، شامي من أهل قنسرين شاعر عباسي وكاتب مترسل .147 أبو هالل العسكري، الصناعتني، ص- 4

- 72-

الطريف فساد الصورة إىل اختالل النظم، إذ يذهب معه رواء الكالم وسـحره الـذي .تدركه البصائر حني يسري يف النفوس

يصطنع مـصطلح الـصورة يف )ـه471ت(ونلفي اإلمام عبد القاهر اجلرجاين بالشيء مـن ءتشبيه الشي : األول فمثال ...«: سياق متييزه بني التشبيه والتمثيل بقوله

جهة الصورة والشكل، حنو أن يشبه الشيء إذا استدار بالكرة يف وجه، وباحللقة يف وجه آخر وكالتشبيه من جهة اللون، كتشبيه اخلدود بالورد، والشعر بالليل، والوجه بالنهار،

ع الصورة واللون معا، أو مج ،وتشبيه سقط النار بعني الديك، وما جرى يف هذا الطريق ؛ فمـع 1»...كتشبيه الثريا بعنقود الكرم املنور، والنرجس مبداهن در حشوهن عقيـق

الضرب األول وهو التشبيه الذي يستغىن يف إدراكه عن التأول جند أن الـصورة تـارة يه، ممـا ة للون، فهي البعد احملوري لطريف التشب تارة أخرى مصاقب حاضرة مع الشكل، و

.يعكس وعيه املركوز بقيمتها البيانيةيكـون ال: ولنا أن نلتفت إىل قول آخر له ينبه فيه على ضرورة ترتيب الكالم

م، وملم فيه مـا قـد مل يقد ترتيب يف شيء حىت يكون هناك قصد إىل صورة وصنعة إن ر ما أ يؤخلك فينبغـي أن وإذا كان كذ. الصنعة مل حتصل لك تلك الصورة وتلك ...رخ

أيف األلفاظ حيصل : الصورة والصنعة ينظر إىل الذي يقصد واضع الكالم أن حيصل له من فذلك فيما يرى أحد الدارسـني شـرط حلـصول . 2...له ذلك أم يف معاين األلفاظ

، فهو يرى أنه ال يستقيم ترتيب الكالم إال بترسم املتكلم قصدا لتشكيل 3الصورة األدبية .عة، ولعله يقصد بالصنعة تلك املهارة التعبريية اليت يتحقق فيها األداء الفينصورة أو صن

وراح ضمن موضع آخر يقابل بني صورة صوغ احللي وبني النظم حىت يقـرب ومجلة األمر أنه كما ال تكون الفضة أو : يقولحيث إىل األفهام حقيقة الكالم املنظوم،

.74 اجلرجاين، أسرار البالغة، ص - 1 .352 اجلرجاين، دالئل اإلعجاز، ص- 2 .50، ص 1994، 1. حممد عبد املطلب، البالغة واألسلوبية، مكتبة لبنان ناشرون، بريوت، ط- 3

- 73-

احللي بأنفسهما، ولكن مبا حيدث فيهما من من أصناف الذهب خامتا أو سوارا أو غريمها أمساء وحروف كالما وشعرا من غري أن كذلك ال تكون الكلم املفردة اليت هي . الصورة

ومعلوم أن «: مستدعيا صنعة احللي يف السياق نفسه قال أيضا و. 1...حيدث فيها النظم ر عنه سبيل الشيء الذي بعالذي يوأن سبيل املعىن سبيل الكالم سبيل التصوير والصياغة،

.2»صاغ منهما خامت أو سواروالذهب، ي يقع التصوير والصوغ فيه كالفضةوميضي يف تقرير حقيقة التصوير اليت يستعريها من البعد املادي للفنون التشكيلية،

فاالحتفال والصنعة يف التـصويرات الـيت «: وما تحدثه يف النفوس من وقع مجايل قائال الساميعن وتروعهم، والتخييالت اليت ز املمدوحني وتحركهم، وتفعل فعال شبيها تروق

نفس الناظر إىل التصاوير اليت يشكلها احلذاق بالتخطيط والنقش، أو بالنحت مبا يقع يف هدا أن تلك تعجب وتخلب، وتروق وتؤنق، وتدخل النفس مـن مـشا والنقر، فكما

قبل رؤيتها، ويغشاها ضرب من الفتنة ال ينكر مكانـه وال خيفـى حالة غريبة مل تكن من الصور، ويشكله من البـدع، ويوقعـه يف كذلك حكم الشعر فيما يصنعه ...شأنه

ا اجلماد الصامت همتوالنفوس من املعاين اليت ي النـاطق، واملـوات يف صورة احلـياملفقود يف حكـم املوجـود قضية الفصيح املعرب واملبين املميز، واملعدوم األخرس يف

لينم عن تشبع اجلرجاين بروح فنية امتد سرياا إىل عـصره، فطرح كهذا . 3»..املشاهد .وتشرا فكره، ومع ذلك مل يلتفت إليها النقاد يف غالب تقديرنا

بفعل تأثره مبظاهر التمدن من صـناعات ويطرد مثل هذا الوعي الذي تأدى إليه وضـيحها بغية ت وفنون، يف كثري من سياقات حديثه عن الصورة، فلم يتوان يف تثمريها

. والنقوش وإمنا سبيل هذه املعاين سبيل األصباغ اليت تعمل منها الصور «: توضيحا ماديا ىفكما أنك ترى الرجل قدالـنقش يف ثوبـه يف األصباغ اليت عمل منها الصورة و د

.441 ، صاملصدر السابق - 1 .265 ، صصدر نفسه امل- 2 .262، 261 اجلرجاين، أسرار البالغة، ص - 3

- 74-

الذي نسج إىل ضرب من التخري والتدبر يف أنفس األصباغ، ويف مواقعها، ومقاديرهـا، إليه صاحبه، فجاء نقشه من أجل ذلـك اها، إىل ما مل يتهد مزجه هلا، وترتيبه إي وكيفية

.1»...كذلك حال الشاعر والشاعر يف توخيهما معاين النحو. وصورته أغرب أعجب، املادة اليت يبتكر منها الشاعر صوره، مثلما يفعل الصانع املتمـرس، فاملعاين هي

أال حيق . 2وقد يعمد شاعران إىل معىن واحد، فيصوره كل منهما على حنو مباين لآلخر لنا أن نعد مثل هذا الكالم إحدى اللبنات املؤسسة حلقيقة الصورة، من خالل هذا الربط

ليات الصنائع؟ املادي الواعي بينها وبني جتليس الغرض بنظم الكلم أن : جعل اجلرجاين التصوير مرادفا لنظم الكلم، فقال

ألفاظها يف النطق، بل أن تناسقت داللتها وتالقت معانيها على الوجـه الـذي توالت وأنه نظري الصياغة والتحبري والتفويف والنقش، وكل مـا يقـصد بـه ...اقتضاه العقل

يكتف بذلك بل راح يصرف له معادالت مصطلحية تنضوي حتته، ، ومل 3...التصوير .فال خيفى على النظر أن هذا الكالم يعكس نضوج وعيه بقيمة األداء التصويري

يف كل املواضع ميكن اخللوص من موقف اجلرجاين حيال الصورة إىل أنه عدها خاصا، وذلك أمر يرتبط اخلصوصية أو اهليئة اليت تكون للمعىن عندما يتخذ نسقا أسلوبيا

ير عنده إال حيث يصطنع األديـب فال يكون التصو .4ارتباطا وثيقا بنظريته يف النظم كما أن . ، مبا يتوافق مع بالغة النظم واألداء منطا أسلوبيا خاصا، يتجاوز النمط املألوف

.قتهامما يتوقف على حقي أكثر وظيفتها الفنيةيتوقف بدرجة أوىل على مفهومه للصورة

.133، 132 اجلرجاين، دالئل اإلعجاز، ص - 1 .93، ص 2ج، 1989، 1. أمحد مطلوب، معجم النقد العريب القدمي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط- 2 .102، ص املصدر السابق - 3 .29 رؤية بالغية نقدية، ص -ياينشفيع السيد، التعبري الب - 4

- 75-

ـ 463ت (أما ابن رشيق القريواين فمضى يفري فري العسكري، حينمـا ) هونقـل . 1 يف توصيل املعىن ضمن حتديد مفهوم البالغة الصورة وقيمتها ركز على عنصر احلسناء مبا ل الصورة قابل املعىن بالصورة، واللفظ بالكسوة؛ فإن مل ت مث«عن بعضهم أنه

وال . 2»ها، وتضاءلت يف عني مبـصرها ست حق خاس فقد ب يشاكلها ويليق ا من اللب د أن فهما كهذا قد أسهم يف تأصيل مفهوم الصورة، ذلك أن مناطها هو املعىن، الذي يبع

.حيليه كساء اللفظ، كما أن هذا الكالم يستحضر عالقة الصورة باإلحساس البصري اجلملة ضمنطناب بني التصوير وأحد ضروب اإل) هـ638ت (ربط ابن األثري

ااز فيه أحسن من وذهب إىل أن ،الواحدة من الكالم يف معرض توقفه عند قيمته الفنية الـصورة كما ترد . 3 للمعىن املقصود التصوير لكونه يكثف من فاعلية ، وألطف احلقيقة

،...مبعىن معىنإما تشبيه «: لدبه مبعىن احلسي، وذلك يف سياق تقسيمه الرباعي للتشبيه كـأهنن بـيض )48(وعنـدهم قاصـرات الطـرف عـني : ، كقوله تعاىل صورة بصورة وإما تشبيه

49(مكنـون(، تعـاىل ، كقولـه معىن بصورة وإما تشبيه ، الصافات: روا والـذين كفـم كاهلأعم39( راب بقيعةس(،،كقول أيب متامصورة مبعىن وإما تشبيه ... النور، اآلية ،:

مر املغبحابة باملب الصكتدا فاملال اجلزيل وبالع بكتتوف

ه باملال وبالعدا وذلك صورة مرئية بفتك الصبابة وهو فتك معنوي ه فتك فشب4 ،فإنـه ، صورة إىل غري صورة نقل ألنهألطف األقسام األربعة حسبه هذا القسم وإذا كان

املعـاين املوهومـة بالـصور لتمثيلـه ، األقسام أبلغقد الحظ أن تشبيه املعىن بالصورة فائدة الكالم اخلطايب هو «: بشأن قيمة التصوير ابن األثري قال ويف سياق آخر .املشاهدة

.216، ص 1ج ابن رشيق القريواين، العمدة، - 1 .115 ص ،1، ج املصدر نفسه - 2 .350، ص 2ج ،)ت.د(، 2.دار ضة مصر، القاهرة، طأمحد احلويف وبدوي طبانة، . تح ابن األثري، املثل السائر،- 3طلوب، معجم النقد العريب القدمي، دار الشؤون الثقافية أمحد م: ، وينظر128، 127، ص 2املصدر نفسه، ج - 4

.95، ص 2ج، 1989، 1. العامة، بغداد، ط

- 76-

، 1»السامع بالتخييل والتصوير حىت يكاد ينظر إليه عيانا إثبات الغرض املقصود يف نفس لسامع منـها إال ال يتخيل ا اليت) شجاعزيد ( ويوضح ذلك من خالل التمييز بني عبارة

ل صورة األسد وهيئته وما عنـده مـن اليت ختي )زيد أسد ( وعبارة ،ا مقدام كونه جريئا الفرائسة،البطش والقو هنا أنه جعل التصوير والتخييل يف حكم املترادفني. ودق وجلي.

يف معرض شرحه للتخييل واحملاكـاة ممـا الصورة وتوقف حازم القرطاجين عند إن املعاين هي الصور احلاصلة يف األذهان عن األشياء املوجودة «: ، فقال سنتبينه الحقا

يف األعيان، فكل شيء له وجود خارج الذهن فإنه إذا أدرك حصلت له صورة يف الذهن تطابق ملا أدرك منه، فإذا عبر عن تلك الصورة الذهنية احلاصلة عن اإلدراك أقام اللفـظ

.2»يئة تلك الصورة الذهنية يف أفهام السامعني وأذهاماملعبر به هذلك أن أصل املعاين عنده ما مت إدراكه بصريا من صور، ورسخ ذهنيا باملخيلة،

ويـرى أن األقاويـل . كما يعمق هذا الكالم فهم الصورة، ليشمل املبدع واملتلقي معا يف األذهان على ما هي عليه متويها تصوير األشياء احلاصلة يف الوجود ومتثيلها «الشعرية من سنن العرب التوهم واإليهام، وهو أن يتوهم أحدهم شيئا «، ولذلك كان 3»وإيهاما

حنو قول امرئ القيس4»مث جيعل ذلك كاحلق ،: دولهحر أرخى سوج البليل كمبأنواع اهلم و ليـعبتليـوم لي

لم له ـفقلتملبـا تأعج ه ـطى بص فأردناء بكلكلـوازا و 5بصبح وما اإلصباح منك بأمثل جلي ل أال انـأال أيها الليل الطوي

.88، ص 1املصدر نفسه، ج - 1 - من هذه الرسالةوما بعدها 123 الصفحة ينظر.

.19، 18 ص ،1966حممد احلبيب بن اخلوجة، دار الكتب الشرقية، تونس، . تح منهاج البلغاء، - 2 .120صدر نفسه، ص امل - 3/ هــ 1418، 1.أمحد حسن بسج، دار الكتب العلميـة، بـريوت، ط . تحابن فارس، الصاحيب يف فقه اللغة، - 4

.172، ص 1997 .18، ص 1990، 5.حممد أبو الفضل إبراهيم، دار املعارف، القاهرة، ط. تح امرؤ القيس، الديوان،- 5

- 77-

فقد توخى اإليهام ملا جعلنا نتخيل أن الليل كائن عاقل، فهو يناجيه وكأنه يسمع إمـا ـرد اخليـال : استثارة معانيه وتشكيل صوره من سبيلني شاعر لل يستقيمو .منه

والفكر، وذلك من خالل القوة الشاعرة بأساليب اقتباس املعاين، ومالحظة الوجوه الـيت منها تلتئم، وحيصل هلا ذلك بقوة التخيل ودقة مالحظة صلة بعض الصور ببعض، وإمـا

فكر؛ حيث يستند فيه حبث الفكر إىل كالم منظوم ألمر آخر قد يرتد إىل غري اخليال أو ال غ له استدعاء ذلك ثأو منثور، أو اتصل حبديث أو تاريخ أو مل، فيلتمس اخلاطر ما يسو

الكالم من قبيل التضمني والتصرف والتغيري والتتميم والزيادة وحنوها من املـسوغات، .1رومن مل يلتزم ذلك فاألجدى له أن يتحول عن صناعة الشع

القـضايا اجلوهريـة تناول على وعي القدامى من خالل الصورة وعموما أحلت املوازنة والسرقات والصدق والكذب، فضال عن سعيهم لتقصي ما حققـه الـشعراء ك

الكبار حنو أيب متام والبحتري وابن املعتز من ابتكار أو ابتداع، وجتدر اإلشارة أيـضا إىل التارخيي واملناخ احلضاري الذي نشأ فيه، األمر الذي يربر أن النقد القدمي راعى الظرف

.2انصرافه أيضا إىل التحليل البالغي لصور القرآن الكرمي، وحتديد أمناطها اازية املتعددةلقد نظر إىل الصورة من جانبني، يراعي كل منهما منحى معين مـن منـاحي

التـشبيه ( الصورة بوصفها أنواعا بالغية ويتوقف عند : الصورة يف مدلوهلا القدمي؛ األول ، أما الثاين فيهتم بطبيعة الصورة بوصـفها صـياغة )واالستعارة وااز املرسل والكناية

3ية للمعىنحس.

أمحد مطلوب، معجم النقد العريب القدمي، : وينظر .39، 38ص األدباء، حازم القرطاجين، منهاج البلغاء وسراج - 1

.97، 96، ص2ج، 1989، 1. دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط .8ص جابر عصفور، الصورة الفنية، - 2 .10ص ، املرجع نفسه - 3

- 78-

مبا قرره جابر عصفور من أن الصورة يف التراث خنلص من حديثنا عن توصيف ة للصورة الفنية، وهي بيئـة هناك ثالث بيئات احتضنت املنابت األوىل لألنواع البالغي

.اللغويني، وبيئة املتكلمني، وبيئة الفالسفة من شراح أرسطو خباصةتد إىل النصف لنظر إىل جهودها املبكرة اليت تر فبيئة اللغويني هي األقدم تارخييا، با

ـ 145(األول من القرن الثاين للهجرة، حيث ظهر علماء مثل أيب عمرو بن العالء ، )هــ 182(بن حبيب ويونس وهنا . 1) هـ177(، وسيبويه )هـ175(، واخلليل بن أمحد ) ه

نسجل التفات اللغويني إىل التشبيه أكثر من سائر األنواع األخرى، األمر الذي أسهم يف تأصيل الذوق األديب إذاك، ومكن من زرع بذور اإلعجاب لدى الدارسني، فقد بلغ من

التأثر ، ومل يكن ذلك من قبيل 2الشعريه أن عده أحد أغراض عناية قدامة بن جعفر التشب بالثقافة اليونانية، وما اتصل ا من ترمجات، بل كان مقتفيا أثر أستاذه ثعلب الـذي مل

.3يكن هو اآلخر ممن تأثر بتلك الثقافةلعل املعتزلة أبرز من مثل بيئة املتكلمني، حينما سعوا إىل الدفاع عـن العقيـدة اإلسالمية، وما استتبع تلك اجلهود من دراسات للقضايا البالغية والنقديـة، وتأسـس

حماولة الوقوف عند حقيقة إعجاز : الدرس البالغي لدى املعتزلة جراء عاملني بارزين مها القرآن الكرمي ونظمه، وتأمل شىت الظواهر األسلوبية اليت تعترض عملية تلقيه، وهنا ظهر

، وغريمها مـن أعـالم )ـ ه 255. ت( واجلاحظ )ـ ه 221. ت(ام املعتزيل كل من النظ أما العامل الثاين فيتعلق بالغاية من تعلم البالغـة، نفـسها، . املعتزلة خالل القرن الثالث

.4فللبالغة عندهم بعد حيوي يف اإلقناع الذي هو غاية اجلدل الكالمي

. وما بعدها103ص : ، وينظر99ص ، املرجع نفسه - 1 .23عر، ص قدامة بن جعفر، نقد الش- 2 .84، 83 ، ص)ت.د(، 9. دار املعارف، القاهرة، طشوقي ضيف، البالغة تطور وتاريخ، - 3 . وما بعدها123ص : وينظر. 100ص جابر عصفور، الصورة الفنية، - 4

- 79-

لة بينهم وبني املتكلمني متينـة يف حني أن بيئة الفالسفة، وإن كانت وشائج الص منذ أول وهلة، إال أن العلم ببداياا يبقى أضأل بكثري قياسا إىل البيئـتني الـسابقتني؛

الذي أثر عنه تلخيص كتاب الشعر ألرسطو كان منشؤه بالبصرة )ـه252ت (فالكندي ا ذا املذهب الـذي اليت تعد احملتضن األول لالعتزال، كما ذكر مؤرخوه أنه كان متأثر

وابـن سـينا )ـ ه 339. ت(ويحصى ضمن هذه البيئة كل من الفارايب . راج يف زمانه ، وأغلب هؤالء انكفؤوا على ترمجات الفلسفة )ـ ه 595.ت( وابن رشد )ـ ه 428.ت(

اليونانية، وال سيما الفكر األرسطي الذي أحاط املوضوع بوافر عناية من خالل شـرح .1ما تعلق منها مبقولة احملاكاةآرائه، وال سيما

:توصيف الصورة الفنية لدى املحدثني: املبحث الثالث على غرار أسـالفهم أو حـىت نظـرائهم –مل يهتد الدارسون العرب احملدثون

-الغربيني الذين تلقفوا عنهم قسطا هاما من مبادئ نظريام النقدية على تنوعها املذهيب مفهوم موحد حاسم للصورة، وذلك حسب تقديرنا أمر طبيعي إىل وجه معلوم يف ضبط

ما دامت الصورة حبد ذاا منهج مجايل ذايت يعكس رؤية فنية خاصة بكل مبدع، فمـن يعاين اجلمال يف التشبيه ليس كمن يستشعره يف ااز، أو الكناية، أو الرمز، أو االنسجام

ومن مثة كان لزامـا أن . ا، أو غريها من اجلوانب القائم بني عناصر العامل املتمثل إبداعي ينفرد كل دارس بوجهة نظره اخلاصة اليت صاغها متأثرا إما مما تشربه من مناهل التراث،

.وإما مما أفاده من عمق النقد األجنيبالصورة بالشعر إىل أدباء العصر، حيث يرى املنفلوطي مـثال أن لقد امتد ربط

ن قاعدة الشعر املطردة هي التأثري، وميزانه جودته ما يتـرك يف تصوير ناطق أل «الشعر النفس من األثر، وسر ذلك التأثري أن الشاعر يتمكن برباعة أسلوبه وقوة خيالـه ودقـة

. وما بعدها144، وينظر ص 101ص ، املرجع نفسه - 1

- 80-

من تصوير ما يف نفسه للسامع تصويرا يكاد يراه بعينه ويلمـسه ... مسلكه وسعة حيلته .1»...ببنانه، فيصبح شريكه يف حسه ووجدانه

الـصورة رسخ لدينا يف حدود اطالعنا أن زكي مبارك هو أقدم من حتدث عن الصورة : الشعرية واستخدم التسمية بوصفها معيارا نقديا يف العصر احلديث، إذ يقول

وصفا جيعل قارئ شعره ما يدري أيقرأ " املرئيات" الذي يصف أثر الشاعر املفلق الشعريةوصفا " الوجدانيات"ا من مناظر الوجود، والذي يصف قصيدة مسطورة أم يشاهد منظر

. خييل للقارئ أنه يناجي نفسه، وحياور ضمريه، ال أنه يقرأ قطعة خمتارة لـشاعر جميـد ويكاد هذا . 2والصورة الشعرية ال تكمل إال حني حييط الوصف جبميع أحناء املوصوف

دون سائر األمناط، ويقصر الفهم حيصر الصورة يف النمطني اإلدراكيني البصري والنفسي وظيفتها على الوصف دون غربه، بيد أنه ال يلبث أن يقرر أن قيمتها الفنية تكمن أيـضا

.3يف متكني املعىن يف نفس املتلقي والتأثري فيهاألصـل يف «الشعر حمض تصويرية، ذلك أن انتقد املازين الرأي القائل إن وظيفة

إحالل اللفظ حمل الصور، واقتراح العاطفة أو : تصوير، ال ال )اإلحالل واالقتراح (الشعر والشاعر ليس من شأنه ابتكار أشياء من العدم، ولكـن تتحـدد . »اخلاطر على القارئ أنه استطاع أن يكون صورة من أشتات الصور وأن حيضر الـصورة «مهارته من حيث

فواضـح أن .4 تكـون املؤلفة إىل ذهنه إحضارا واضحا، وأن ميثلها لنا كما ينبغي أن .مفهومه للصورة يكتسي أبعادا ومسات وظيفية توصيلية أكثر مما هي مجالية

وأفردوا له تفاء جادا،حولعل مصطفى ناصف من أوائل الذين احتفوا باملوضوع ا ، فضال عن حممد غنيمي هـالل مـن 1958 عام )الصورة األدبية (دراسة مستقلة هي

1 -185 ص ،اهات رواده، منشأة املعارف، اإلسكندريةحممد زغلول سالم، النقد األديب احلديث، أصوله واجت: نظر ي. .64، ص 1936، 2.زكي مبارك، املوازنة بني الشعراء، مطبعة مصطفى احلليب، مصر، ط - 2 .64 املرجع نفسه، ص - 3 .249 ص ،حممد زغلول سالم، النقد األديب احلديث، أصوله واجتاهات رواده: نقال عن - 4

- 81-

عـام " الـة "املدارس األدبية الغربية اليت ظهرت يف جملة خالل كتاباته عن الصورة يف ، ومها بذلك يعدان من بواكري األعمال اليت ظهرت عن الصورة يف النقد العـريب 1959 .1املعاصر

جيزم مصطفى ناصف أنه يتعذر إدراك حقيقة الصورة واالستعمال االسـتعاري ـ االستعمال هي هذا أن فلسفة مبعزل عن النظر يف طبيعة الفن عموما، على اعتبار ا ذا

مفهـوم يراهن على االستعارة يف سـعيه لـضبط فهو. 2فلسفة الفن يف بعض مناحيها الصورة، مما يشي مبنطلقه البالغي، ولكنه ال يقف عند االستعارة لذاا، وإمنا جيعل منها

بني م الداخلي واالنسجا وسيطا بني املبدع وما حييط به، ألجل استيفاء التوازن واالتساق .3 ضمن التجربةعناصر احلياة

يرى أحد الباحثني أن مفهوم الصورة لدى مصطفى ناصـف يكتفـه بعـض وغموض، على اعتبار أنه يقصر داللتها على االستعمال اازي، علما أن هنـاك صـور عديدة ال متت بصلة إىل ااز، ومع ذلك تبقى صورا رائعة خصبة اخليال ثرة العاطفـة،

التصوير األديب إىل عوامل ذاتيـة ناصف ويعزو .4تشي مبقدرة األديب على اخللق أيضا واشج تتصل بالشاعر الذي يستدعي حواسه وقواه الذهنية والنفسية، كي يعقد عالقات تتو

.5، بغية إحداث التأثري الوجداين والفكري لدى املتلقيفيها عناصر احلراك اإلبداعيقاد العرب أم ميزقون الدالالت اازية بعجـزهم على الن مصطفى ناصف أخذ

عن ضمها يف بناء موحد، األمر الذي محل املشتغلني حول البيان العريب على االعتقاد بأنه

.19، ص 2000/ 1.ورة يف الشعر اجلاهلي، مؤسسة حورس، اإلسكندرية، ط خالد الزواوي، تطور الص- 1 .6ص مصطفى ناصف، الصورة األدبية، - 2 6ص ،املرجع نفسه - 3، 2.أمحد علي دمهان، الصورة البالغية عند عبد القاهر اجلرجاين منهجا وتطبيقا،منشورات وزارة الثقافة، ط - 4

.129، ص 2000دمشق، .8ص ، الصورة األدبية، مصطفى ناصف- 5

- 82-

من اهلين تصنيف املعاين اازية، وأن مثة حدودا فارقة بني ما عد جماز مـشاة وجمـاز ما بينها، فإن األمر ال يـدعو إىل إغفـال حكم وكناية مثال، فلئن كانت هناك فروق في

على أنفسهم فرصة حتليل الـصور الفنيـة واوبذلك فوت . 1التداخل العجيب القائم بينها .حتليال جديا

ليست الصورة أشياء منعزلة، : وهلذا نراه يصرخ فيمن يتوخى هذا الصنيع قائال الصور، فقد آن لنا أن نتذكر أننا وإذا كان النقد العريب القدمي يكاد ال حيفل بالعالقة بني

ال نتلقى الصور فرادى، وأننا نعاينها يف مساقاا، وحنن اآلن أميل إىل أن نرى كل صورة ... وقد نبتت مما حوهلا، وعادت تترك أثرها فيه حبيث تصبح العالقة بني األجزاء متبادلة

يبة أقـل مجـاال، ألن قد نعجب بصورة مفردة فإن حنن أرجعناها إىل سياقها بدت غر فجلي من كالمه هذا أنه يلح على ضرورة جتنـب . 2...اجلمال عالقات قريبة وبعيدة

بتر الصور من سياقاا، ألن ذلك قد حيول دون إدراك مكامن اجلمال واإلبـداع فيهـا فمـا . بشكل تام، والتايل ينبغي النظر إليها يف نطاق تواشجها وترابط أجزائها فيما بينها

قيمة أن نتناول االستعارة على سبيل املثال وحندد أركاا، ونـشقق أنواعهـا بـشىت االعتبارات البالغية ما مل نربطها مبجموع الصور األخرى ؟

بعد أن صوب مصطفى ناصف نقده إىل املنظور التراثي البالغي للصورة، اقترح آفاق أرحب، وأتاح هلا أسباب البديل املتمثل يف التصور احلديث الذي وسع نطاقها إىل

ولئن كانت الصورة مبحتواها البالغي القدمي تـشتمل «: النضج، ويشري إىل ذلك بقوله على التشبيه وضروب ااز خصوصا االستعارة، فإا اكتسبت حديثا أبعادا ذهنية جمردة،

ني للمماثلة ومناحي رمزية ومن مثة أسطورية، وأتيح هلا أن تتحرر من ضرورة إيراد طرف . 3»أو ربطها باملشاة، وبذلك أصبح مجاهلا فيضا داخليا نابعا من كوا صورة فحسب

.5ص ،املرجع نفسه - 1 .254ص ،املرجع نفسه - 2 .254ص ،املرجع نفسه - 3

- 83-

فهذه األبعاد اجلديدة املتنوعة اليت اكتنفت الصورة من شأا إسباغ حلـة بديعـة مـن .النضارة واجلمال عليها، أكثر مما كانت عليه من ذي قبل

لح الصورة الفنية إىل مفهومني عبر عنهما وبذلك حييل استقراء تاريخ تطور مصط قدمي يقف عند حدود الصورة البالغيـة يف التـشبيه واـاز، «: أحد الدارسني بقوله

الـصورة الذهنيـة و الـصورة : وحديث يضم إىل الصورة البالغية نوعني آخرين مها بذاته يف دراسة باعتبارها رمزا؛ حيث ميثل كل نوع من هذه األنواع الثالثة اجتاها قائما

.يقترب تصنيف تارخيية الصورة هنا مما ذهب إليه مصطفى ناصفو. 1»األدب احلديثمن حيث املعاين الصورة األدبية إىل أنه ينبغي التطرق إىل " غنيمي هالل "ويذهب

اجلمالية اليت متتلئ ا، فضال عن مبدأ األصالة واخللق الفين، وذلك مـشروط باعتبـار األديب يف جتربته ومـدى تعمقـه يف أصالةتنتظم األثر األديب، وتأمل التصوير وحدة

تضيه من إحياء فإا تصري جمرد وإذا جاءت القصيدة خلوا من التصوير وما يق . 2تصويرها .3ظم وتفقد إذاك روح الشعر، وال يعدم التصوير يف تضاعيف النثر أيضان

مساعيل من خالل تقريـره أن وتسري روح التحليل النفسي يف فهم عز الدين إ ، على اعتبار أن الفنان يتجاوز نسق األشياء 4»الصورة الشعرية رمز مصدره الالشعور «

كما هي ماثلة يف احلياة، إىل أعماق نفسه ليسترفد منها شىت الرموز املختزنة بباطنها كي نطالقا من نفسية غالبا ما يلج األدب ا ولعل ذلك ما يفسر أنه . ينقل فكرة أو انفعاال ما

املبدع، لذلك عد الصورة الفنية تركيبة وجدانية تنتمي يف جوهرها إىل عامل الوجـدان

دراسة يف أصوهلا وتطورها، دار األنـدلس، - علي البطل، الصورة يف الشعر العريب حىت آخر القرن الثاين اهلجري - 1

.15، ص 1983/ 3.بريوت، ط .410، 409، ص 1982، 1. احلديث، دار العودة، بريوت، طحممد غنيمي هالل، النقد األديب - 2 .377، ص املرجع نفسه - 3 .74، ص 1988، 4.عز الدين إمساعيل، التفسري النفسي لألدب، دار العودة بريوت، ط - 4

- 84-

ني املكان النفسي، إذ أا بكما ربط بني الصورة و . 1أكثر من انتمائها إىل عامل الواقع .2تعىن بتمثيله هو ال املكان الفيزيائي املعيشبـول "ما مثلما ذهب إليه الـشاعر الفرنـسي راح هذا الناقد يتمثل الصورة متا

إبداع ذهين صرف، ال تنبثق من املقارنة، وإمنا تنبثق من اجلمع بـني «: من أا "ريفرديفالشاعر ال حيتفل حينما يـستخدم . 3»ة أو كثرة حقيقتني واقعيتني متفاوتتني يف البعد قل

ا، بقدر ما جينح إ الصفات احلسية حبشد صور احملسوسات لذا ر ذهـين ىل جتسيد تصو .4حمدد له داللته وقيمته الشعورية

ولكن احتكامه إىل املنظور الوجداين من شأنه أن يوقع املتلقي يف االضـطراب واإلام، ذلك أنه جرد الصورة من اللغة ومن عامل الواقع، واكتفى باالستناد إىل عناصر

النقد املعاصر سعيه خلف األطر السياقية ومما يؤخذ على . 5غريبة عن نظام الصورة الفنية لتفسري الظواهر األدبية يف ضوئها، مما يؤدي إىل تضييع مفتاح النقد احلقيقي املوجود يف

ال نكون بصدد األشياء ذاا، بل بصدد «–الصورة جوهره و –ففي الشعر . 6اللغة ذاا .7»األشياء املعبر عنها باللغة

ألـوان عيل إىل التأثري االنفعايل ملادة الـصور املتمثلـة يف وتطرق عز الدين إمسا يعجـب – كالطفل –، فالشاعر يف أعصاب املتلقني بشكل متفاوت األشياء وأشكاهلا

وينظر للمؤلـف نفـسه، التفـسري . 127 عز الدين إمساعيل، الشعر العريب املعاصر، قضاياه وظواهره الفنية، ص - 1

.66النفسي لألدب، ص .129 الشعر العريب املعاصر، ص - 2 .134، ص املرجع نفسه - 3 .132، ص املرجع نفسه - 4 .166، 1990/ 1.الويل حممد، الصورة الشعرية يف اخلطاب البالغي والنقدي، املركز الثقايف العريب، بريوت، ط - 5 .40 جان كوهني، بنية اللغة الشعرية، ص - 6 .38، ص نفسهاملرجع - 7

- 85-

ذه األلوان واألشكال ويهوى اللعب ا، بيد أن ذلك لعب تبعث عليـه احلاجـة إىل 1.أخرىاستكشاف الصورة من جهة، مث إثارة املتلقي من جهة

واحلق إننا لنعجب من ذهابه إىل أن الشعر القدمي غالبا ما يفتقد الصورة الرامـزة املمتلئة بشيء من جتارب الشاعر، وإن أقر بظهور الصورة الشعرية غري الرامزة اليت تعـىن بوصف مشهد أو موقف نفسي بشكل مباشر فضال عن الصورة اخليالية؛ وميكن أن نرد

الشعر عند العرب كان الوسيلة الوحيدة لنقل قرره أحد الدارسني من أن على ذلك مبا التجارب، وإحداث املشاركة الوجدانية، فكان الشاعر بالكلمات يرسم صورا دقيقـة

أمل تنعكس مالمح التجربـة الـشعورية .2لكل ما يقع حتت بصره من مناظر وجتارب ل امرئ القيس وعنترة والشنفرى واملتنيب وأيب وتلق بظالهلا يف قصائد الشعراء العظام أمثا

ذلك التشكيل التصويري «وإال فما سر اخللود فيها إن مل يكن بسبب من ! متام وغريهم؟ !! ؟3»الناضج يف شعر اجلاهلية قبل أن تدون املصنفات البالغية والنقدية

انويا ميكن الصورة جمرد زينة للمعىن، أو أمرا ث تغدو أما جابر عصفور فريفض أن االستغناء عنه، بل هي أداة حيوية حتمية تتيح للشاعر استكناه جتربته، وإضـفاء صـبغة النظام عليها، والتعبري عن حاالت يستعصي على اللغة العادية متثلها وتبليغها إىل املتلقي،

طقي، حبيث تضمحل الفوارق املوجودة بني املعىن والصورة، وااز واحلقيقة، واإلقناع من ويظل جناح الصورة أو إخفاقها حسبه دائما مرهونا بتالمحها التـام . أو اإلمتاع الشكلي

.4مع بقية املقومات الفنية األخرى - بوصفهما مظهرين للمحاكاة –ومل يعزب عن وعيه أثر عالقة الشعر بالرسم

مـا، تشابه طريقة الرسام والشاعر يف تشكيل ماد « يف فهم الصورة، فقد الحظ مدى

130، 129 عز الدين إمساعيل، الشعر العريب املعاصر، ص - 1 .151أمحد علي دمهان، الصورة البالغية عند عبد القاهر اجلرجاين منهجا وتطبيقا، ص - 2 .15، ص1996، 2. بريوت، ط/دار الفكر، دمشق فايز الداية، مجاليات األسلوب، الصورة الفنية يف األدب العريب، - 3 .383جابر عصفور، الصورة الفنية يف التراث النقدي والبالغي عند العرب، ص - 4

- 86-

ذلك أن كليهما يهدف إىل إحداث أقصى قدر ممكن من التناسب والتآلف بني عناصـر ، اليت تتراوح ما بني اللون يف اللوحة والكلمة يف القصيدة، كما يتفقان أيضا من 1»مادته

.حيث غاية التأثري يف نفوس املتلقني ر أحد املعاصرين هذه العالقة احليوية القائمة بني فنوالرسم، فريى الشعر ي ويقر

أن مفهوم الصورة ال يند عن مفهوم اللوحة يف الرسم، فكما أنه ليس بوسعنا أن نطلـق مصطلح اللوحة على أحد عناصرها املشكلة هلا، فكذلك ال ميكن اصـطناع مـصطلح الصورة على أحد أجزائها املكونة للنص الشعر، ذلك أن كل العناصر البالغيـة وغـري

.2ملوجودة يف النص بشكل منفرد تسهم يف تشكيل الصورةالبالغية االصورة عند جابر عصفور فيما تكسبه املعاين مـن خـصوصية وتكمن أمهية

تعبريية، إذ أا ال تتصرف يف طبيعة املعىن حبد ذاته، وإمنا حتور مـن أسـاليب عرضـه قي، حبيث يكتمل معىن ما وتقدميه، وصيغ االنتباه إليه، والتفاعل معه على حنو يبغت املتل

مبعزل عن الصورة، مث تأيت هذه فتخامره وتوشحه، وهكذا تنتشله من عزلتـه الذاتيـة، .3وتحدث فيه تأثريا فاتنا، وتكسبه خصوصية مميزة وكثافة إحيائية أقوى

ويتخذ من احلس مرتكزا للتصوير الشعري، على اعتبار أن الشاعر ينطلـق يف من مدركات احلواس، غري أن ذلك ال ينبغي أن يفهم منـه اكتفـاؤه التعبري عن جتاربه

، كما 4»الصورة الفنية منطا رديئا من أمناط احملاكاة ألن ذلك جيعل «بحاسة دون سواها، ويف هذا الصدد . أنه يحد من قدراا وقابليتها على االستجابة جلميع احلواس دون استثناء

فكرة التقدمي احلسي يف سياق الدراسـة األسـلوبية للـشعر، حتدث الباحث عن تطور

.287، ص املرجع نفسه - 1أمحد الطريسي، النص الشعري، بني الرؤية البيانية والرؤيا اإلشارية، دراسة نظرية وتطبيقية، الدار املصرية - 2

.23 ، ص2004السعودية، القاهرة، .328، ص املرجع السابق - 3 .309، ص املرجع نفسه - 4

- 87-

وربطها بأمرين، يتصل أحدمها بقدرة الشعر الوصفي على حماكاة املوصوف، وتـصويره بينما يتصل الثاين بقدرة التشبيه واالستعارة أو ااز عموما . للمتلقي، كما لو كان يراه

.1على إثارة إحساسات واضحة يف ذهن املتلقيلعل أبرز ما مييز جهد جابر عصفور أنه ذو طبيعة تنظريية تأرخيية حبتة، لطاملـا ظلت دراسات احملدثني حباجة إليها، ألجل متثل املنظور الغريب للصورة، إذ راح يؤصـل

، وسجاالته الفكرية املتعددة واملفتوحة، ممـا يعكـس انطالقا من زخم التراث مفهومهاالصورة إال فلم يدع مالبسة معرفية تتصل مبوضوع . ية يف التبصر عمقا يف الطرح، ومشول

.استنطقها واستفرغ ما جبعبتها استيفاء للغاية التأثيليةالصورة بني معنيني، يقابل أحدمها املادة األدبية، ويتجلى وميز أمحد الشايب يف

مـة علـى الكمـال يف اخليال والعبارة، ويقابل اآلخر األسلوب ويتحقق بالوحدة القائ . 2والتأليف والتناسب، وحدد ثالثة معايري لألسلوب هي الوضوح والقـوة واجلمـال

.فنظرته للصورة متكاملة جتمع بني مقتضيات احملتوى األديب وصيغ النظم الفينمعضلة من اخلطورة مبكان بشأن حقيقة املفهوم، ضل أن مثة الحظ صالح ف وقد

وصفها عملية استحضار ذهين خيايل، والصورة بوصـفها تتمثل يف اخللط بني الصورة ب . مظهرا تعبرييا لغويا معادال لعملية االستحضار األوىل، وقد أوىل عنايته باملفهوم الثـاين

تنظر من مرآة ال تتلقى مظهر احلياة فحسب، وإمنا متثل شيئا من هـذه فالصورة الشعرية . 3احلقيقة الكامنة وراء هذا املظهر

لك أن وظيفتها اجلمالية ال تقتصر على جمرد نقل تفصيالت الواقع، بـل معىن ذ ومـن عوامـل تسعى الستكناه أسراره اخلفية أيضا، لذلك نلفيه يقول يف موضع آخر

.271، ص املرجع نفسه - 1 .259، ص 1983، 8.، مكتبة النهضة املصرية، القاهرة، طأصول النقد األديبأمحد الشايب، - 2 .318 مبادؤه وإجراءاته، ص –علم األسلوب صالح فضل، - 3

- 88-

أمهية الصورة أيضا أا يف حاالا القوية ال تتكئ على التوازي البديهي، بـل تكـشف فهذا التصور الذي يتراءى لنا أنـه . 1 الظاهر التماثالت اخلفية بني العناصر املتباعدة يف

ومها –حداثي يتجاوز النظرة البالغية القدمية اليت طاملا قصرت وظيفة التشبيه واالستعارة . على الوصف واإليضاح-جتليان تصويريان

مظهرا للتعبري الفين عن التجربة الشعرية " عبد القادر القط "تعد الصورة يف نظر ويـرى أن 2.على إمكانات اللغة الداللية والتركيبية والبالغية واإليقاعيـة الذي يعول

األلفاظ والعبارات مها مادة الشاعر األوىل اليت يصوغ منها ذلك الـشكل الفـين، أو «فاعتداده باللغة ومظاهرها التعبريية ومستوياا دون العناصر . 3»يرسم ا صوره الشعرية

.ة الشاعراألخرى كفيل بأن يصور جتربأداة الشعر اجلوهرية، إذ متيز بني العـصور " نعيم اليايف "تظل الصورة عند بينما

والتيارات والشعراء، وجتسد أصالة الفنان، وتومئ إىل عبقريته، وحتمـل خـصوصيته، . 4وذلك باعتبارها الوسيلة الوحيدة اليت يصوغ ا جتربته، دون أن يستعريها من غـريه

لباحث ضمن دراسة له أشكال الصورة الفنية وخصائصها ووظائفها يف وقد تقصى هذا ا .5واحلرأمناط شىت من الشعر احلديث منها التقليدي والرومانسي

من الفهم اجلديد للصورة، فهو يعلي من قيمتها يف " عبد القادر الرباعي "وينطلق اإليقـاع العمل الشعري، ويرى ضرورة التحام الوسائل الشعرية األخـرى وخباصـة

املوسيقي ا لتحقيق تكامل العمل وتوحده، حىت يكون يف مكنته تأدية وظائفه البنائيـة

.324، 323املرجع نفسه، ص - 1 .431، ص 1981 يف الشعر العريب املعاصر، بريوت، عبد القادر القط، االجتاه الوجداين- 2 .431 املرجع نفسه، ص - 3 .83كلية اآلداب، جامعة القاهرة، ص . د.نعيم اليايف، الصورة الفنية يف الشعر العريب احلديث يف مصر، ر - 4 .2008، 1.مشق، طصفحات للدراسات والنشر، د تطور الصورة الفنية يف الشعر العريب احلديث، نعيم اليايف، - 5

- 89-

احلقيقية تتمثل يف سعيها إىل تنظيم التجربة الصورة واجلمالية بشكل فين ناجح، ألن قيمة .1اإلنسانية بغية استبطان املعىن األعمق للحياة

ستها عنـد أي شـاعر إىل قـسمني أنه ميكن أن تصنف درا " الرباعي"ويرى يضم أوهلما مواد الصورة حنو الكلمات، وجتربة السلوك اإلنساين، واألفكـار : متكاملني

، فضال عن مصادرها أو موضوعاا كصور اإلنسان واحلياة اليوميـة )اإلنسانية واملواقف ، 2اغتها الفنيـة ، أما ثانيهما فيشمل أشكال بنائها أو صـي ...والطبيعة واحليوان والثقافة

مهمة الشاعر أن «: ريتشاردز بقوله كل من أملح إليه ما ولعل هذا املستوى من الدراسة ليست عواطفنا يف ذاا حمور «: بقوله" إليوت"، و 3»يكسب مادة التجربة نظاما وتناسقا

.4»القيمة الفنية، وإمنا احملور هو الطريقة اليت تنسق ا تلك العواطف وتعبر عنها

:توصيف الصورة الفنية عند الغربيني: املبحث الرابعمعلوم أن للدارسني الغربيني دور ال خيفى أثره يف إثراء موضوع الصورة مفهوما ونظرية وتطبيقا، ولعل اإلشكال الذي يتبادر إىل الذهن يتعلق خبـصوصيتها ومناخهـا

س املنظور الذي عرفنـاه يف الثقايف، واال اإلبداعي لدراستها عندهم، فهل طرحت بنف موروثنا النقدي والبالغي العريب؟ وهل كانت هلا نفس الطبيعة، ونفس الوظيفة اجلمالية ؟ وهل كانت هلا نفس املنطلقات الفلسفية والفنية، على اعتبار أن لكل جمتمع خـصوصيته

احلضارية والفكرية ؟ الصورة مل يكن مبنأى عن بطبيعةولعل من نافلة القول اإلشارة إىل أن االشتغال

السجال املعريف الذي نشب بني املذاهب الفنية الكـربى كالكالسـيكية والرومانـسية

، 1.ل اخلطاب النقدي، مقاربات منهجية معاصرة، منشورات األهليـة، عمـان، ط عبد القادر الرباعي، يف تشك - 1 .164، ص 1998

.165، ص املرجع نفسه - 2 .168، ص 1963مصطفى بدوي، املؤسسة املصرية العامة، القاهرة، . مبادئ النقد األديب، تر ريتشاردز، - 3 .133، ص )ت.د(لطيفة الزيات، مكتبة األجنلو مصرية، القاهرة، . مقاالت يف النقد األديب، ترإليوت،. س. ت- 4

- 90-

والربناسية والرمزية والسريالية والواقعية، اليت تعاقبت على الـساحة األدبيـة، وأثـرت مفاهيم الصورة وأخصبتها من حيث مصدرها وطبيعتها ووظيفتها وعالقتـها بالـذات

. واللغة وفلسفة الفن- حسيا كان أم جتريديا –ع واإلدراك واملوضوعددا من وإذا سعينا الستقصاء بواكري االهتمام باملوضوع لدى الغربيني لوجدنا

احليوي، ولعل دراسة الباحثة م منه حمور اشتغاهل م به، وجعلوا اهتمامه الدارسني قد أولوا الصورة الفنية عند ( املوسومة ب Caroline Spurgeonاإلجنليزية كاروالين سبريجن

، وفق ما ذهب إليه أحد الدارسني أول ما صدر باإلجنليزية بشأن )شكسبري وما تنبئنا به .1935الصورة الفنية التطبيقية، وقد طبع الكتاب ألول مرة يف لندن عام

وحاولت تلك الدراسة تقدمي إضاءات جديدة على آثار شكسبري اإلبداعية ومـا اإلفصاح عن قناعتها بأمهية هذا املنهج الذي األمر الذي أتاح هلا . نطوي عليه من صور ت

يفضي إىل االقتراب من عامل شكسبري الشعري وذوقه وموهبته وآرائه أكثر من أي منهج آخر، فعكفت على تناول مجيع صور شكسبري دون انتقاء، فقامت بتـصنيف الـصور

.1نفرة، والشعرية وغري الشعريةاجليدة، والرديئة، والسارة وامل

- ع حول نظرة املذاهب الفنية إىل الصورة الفنية ينظر مثالحممد غنيمي هالل، النقد األديب احلـديث، ص :للتوس / 1. العريب احلديث، املركز الثقايف العريب، بريوت، ط وبشرى موسى صاحل، الصورة الشعرية يف النقد . وما بعدها 410

مفهوماته ووظائفه، الشركة املـصرية العامليـة للنـشر، -اخليال وعاطف جودة نصر، . وما بعدها 73، ص 1994 . وما بعدها294، ص 1998/ 1.القاهرة، ط - عر شكسبري يف دراسات أخرى مؤلفها املذكور عن قيمة الصورة يف ش ها كشفت كاروالين سبريجن قبل إصدار :أمهها

- Leading motifs in the imagery of Shakespear's tragedies, 1930. - Shakespear's tertive imagery, 1931.

- The use of imagery by Shakespear and Bacon. ، 1.عاصرة، منشورات األهليـة، عمـان، ط ل اخلطاب النقدي، مقاربات منهجية م عبد القادر الرباعي، يف تشك - 1

.145، ص 1998

- 91-

وقد جتردت الباحثة من أية أفكار مسبقة، وصدرت عن وعي منفتح على الصور فرادى ومجاعات، جزئية وكلية بغية استكناه املعاين والقيم اليت متتلئ ا، ومن هنا قـدر

لدراسـة وجاءت دراستها يف جزءين، عقدت األول منها . هلا أن ختلص إىل نتائج باهرة الشاعر إنسانا، موازنة بني شكسبري وبني اثنني من معاصريه ومها مارلو وبيكون، كمـا قارنت بني صوره وصور غريه من الدراميني، مث ركزت على موضوعات الصور لديـه، يف حني تناولت ضمن اجلزء الثاين وظيفة الصورة بصفتها قاعدة خلفية ونغمة داخلية يف

ت الكتاب بسبع لوحات على شكل رسومات بيانية حتمل أعـدادا وقد ذيل .. فن الشعر .1االت الصور وموضوعاا لدى شكسبري وبعض الكتاب املعاصرين له

ومع ذلك فإن االجتهاد الغريب حيال موضوع الصورة يرتد إىل دارسني سـبقوا أرشـيبالد "، و "كولريدج"، و "ريتشاردز" و "إليوت. س. ت"، أمثال "سبريجن"

، وغريهم، وقد غرف هـؤالء مـن املنـابع "شلينج"، و "إزرا بوند "، و "مكليش

.146ل اخلطاب النقدي، مقاربات منهجية معاصرة، ص عبد القادر الرباعي، يف تشك - 1 - توماس سترينز إليوت - - Thomas Stearns Eliot )1888 - 1965(، وناقـد أديب ومـسرحي شاعر ،

مـن أشـهر .صبح أحد الرعايا الربيطانينيلي، 1914 يف اململكة املتحدة وانتقل إىل حدة األمريكيةالواليات املت ولد يف ،جرمية يف الكاتدرائية :من مسرحياته و .والرباعيات األربع ،األرض اليباب ، ألفرد بروفروك، جيأغنية حب :هقصائد

.1948 امع بادجائزة نوبل يف اآل حاز على."التقليد واملوهبة الفردية "كما أنه كاتب مقالة .وحفلة كوكتيل - إيفور أرمسترونغ ريتشاردز- Ivor Armstrong Richards )1893 - 1979( ناقد أديب وبالغي ،

متأثرا حبركة النقد ، بدا )فلسفة البالغة (، و )النقد التطبيقي (، و )مبادئ النقد األديب (، و )معىن املعىن (إجنليزي، من مؤلفاته .اجلديد ويصنف غالبا ضمن حركة النقد التطبيقي، عد من رواد الدراسات املعاصرة يف النقد اإلجنليزي

- مويل تايلر كولريدجاص Samuel Taylor Coleridge – )1772 - 1834(، وناقد إنكليزي شاعر األناشـيد بديواما املشترك إنكلترا يف احلركة الرومانتيكية بدء ويليام ووردزوورث أعلن مع زميله، ومشتغل بالفلسفة

.سرية أدبية كما يعرف بعمله النثري اهلام وقبالي خان أغنية البحار القدمي قصائده من، شعراء البحرية أحد .الغنائية - 1982-1892 أرشيبالد ماكليش) MacLeish, Archibald - ( ،وناقد اجتماعي ولـد ،شاعر ومرب

وفيهـا العشرينات من القرن املاضي عاش يف فرنسا يف. ج من جامعة يل وكلية احلقوق يف هارفردوالية الينويز وختر يف وترأس األكادميية األمريكية للفنـون ،منها إدارة مكتبة الكونغرس أمريكا د عددا من املناصب يف تقل. كتب أول أشعاره

.املسرحوقد اهتم كذلك ب. بالتدريس يف عدد من اجلامعات قيامهإىلواآلداب إضافة

- 92-

. ، وغريهـم "هيغل"و" كانط"و" أرسطو"و" أفالطون"الفلسفية قدميها وحديثها ممثلة ب ونشري ههنا إىل أن جل هؤالء وأولئك راحوا يربطون بني الصورة وبني اخليـال، مـع

.تفاوت يف طبيعة وجهات النظر إىل إرساء فكرـا، متـأثرا الصورة اليت سبق هيوم رسة شعراء وظهرت مد

يف الفن، وأعرب من منطلق وفائه للكالسيكية وحنينه إليها عـن بنظريات برغسون تذمره من الرومانسية اليت رأى أن أتباعها مل يتورعوا يف متييـع الـشعر بـأن غمـروه

ضابط، ومن هنا قصر عنايته علـى بالعواطف، وجعلوه حيلق يف عوامل بعيدة ال يضبطها . 1»فالشاعر هو من يعبر عن أمور احلياة يف صور جديدة«الصورة،

- إزرا لوميس باوند Ezra Loomis Pound - )1885- 1972( ،تنقل ما بـني ،عر أمريكيأديب وشا

امه باملواالة للفاشيجأمريكا وأوربا وسيف 1908عـام » النور املطفـأ «أصدر باوند أول ديوان شعري له . ةن بعد ا Hugh Selwyn «عنوان بصدر له أهم عمل كما . 1909يف لندن عام شخصيات«صدر ديوانه الثاين و ،البندقية

Mauberleyأعمـال تألف من عدة مقاطع تتصف بالغموض وتتضمن إشارات واقتباسات منقصيدة طويلة ت ، وهي .1949عام Bollingen عمله الشعري جائزة بولنغننال .وكان هلذه القصيدة تأثري كبري يف عدد من الشعراء. أخرى - شلنج، فردريش فلهلم - Shelling (1775 - 1854) ،انسية الروم قيام احلركة أسهم يففيلسوف أملاين

مذهبه أن الطبيعة والعقل جانبـان ال . فلسفة هيجل، فأخفق استدعاه فردرك وليم الرابع إىل برلني ليعارض. يف الفلسفة ."املطلق"خيتلفان من حيث الدرجة ال من حيث النوع، ويتحدان يف ينفصالن ومها

- ديڤيد هيوم David Hume 1711) – 1776 ( ،خ واقتصادي اسكتولد وتويف ،لنديفيلسوف ومؤر ارحتل إىل . ، درس القانون واالقتصاد والفلسفة واألدب، فبدت مواهبه األدبية يف كتاباته الفلسفية)اسكتلندا(يف إدنربه

، وحرره يف ثالثة 1739عام » رسالة يف الطبيعة البشرية«فرنسا، ومل يابث أن عاد بعدها إىل إنكلترا ونشر كتابه ألفكار، والثاين يف االنفعاالت واألخري يف األخالق، ولكنه مل يلق رواجا فتوجه إىل الكتابة يف الكتاب األول يف ا: أجزاء

عام »حبث يف الفهم اإلنساين«السياسة، فذاع صيته وعاد من جديد للفلسفة وخلص أفكاره يف كتاب مبسط عنوانه 1740. - هنري برغسون – Henri Bergson) 1859 - 1941 (فيلسوف فرن ، سي دافع عن الروحانية ضـد

احملاولة يف درس أوضاع الوجدان املادية والوضعية، تأثر به أدباء غصره، مؤلفاته من مناهل الوجودية يف بالده، منها ،و والذاكرة املادو ر املبدعالتطو ل على جائزة نوبل عام1927، حتص. .88 إحسان عباس، فن الشعر، ص - 1

- 93-

من رواد هذه املدرسة أيضا، وكان قبل أن يلتفت إىل شـعر " إزرا بوند "ويعد، وله أشعار ترسم فيها اجلدة، ومل ترق الصورة قد اهتم بالكتابة عن شعر التروبادور

مجاعة من الشعراء " بوند"م تزع". هيوم"يتصل باملنحى التنظريي إىل مكانة مكانته فيما وأشرف علـى إصـدار جمموعـة شـعرية بعنـوان ، »شعراء الصورة «أطلق عليهم

أشـرف ، لكنه مل يلبث أن غادر احلركة التصويرية، بعد أن 1913 عام) التصويريون( .1ات، مل تدم إال بضع سنو1914 عام على إصدار جملة شعرية

الصورة هي اليت تعرض مركبا عقليا وعاطفيا يف حلظة من «: وذهب بوند إىل أن أا تقوم بعملية التوحيد فيما بني األفكار املتفاوتة داخل التجربة وتربطها : ؛ أي 2»الزمن

باإلحساس العام الذي ينتظم عناصر التجربة بشكل متزامن، وجيعل منها كال متكـامال كما أن مـن . 3الذي جيعل الصورة حتمل اإلحساس والفكر واملوسيقى معا متسقا، األمر

أن يؤثر على حس القـارئ فيمنحـه - أحد التصورات حسب –شأن هذا املركب .4الشعور بالتحرر املفاجئ من قيود اإلطارين املكاين والزماين معا

.أ" نـذكر "بوند" بفضل تأثري ومن الشعراء الذين التفوا حول مدرسة الصورة وتعاقدوا على إصدار ثـالث ، " دوليتل .ـه" و " فليتشر .ج"، و "تونغ ألدن .ر"، و "لويل

- بعـد سـقوط التروبـادور ، ونشط شعراء )دور الطرب (حثون أن كلمة التروبادور مشتقة من عبارة يرى البا

، ومقومات هذا الشعر األساسية هي الـنعم 1292 و 1101األندلس يف إقليم بروفانس جنوب فرنسا، ما بني عامي زل ارتبط التروبادور كذلك بغـرض املوسيقي، والشكل العروضي، والغرض الغزيل الذي ارتبط بالغناء، وإىل جانب الغ

.املديح واهلجاء والرثاء والرعويات .91املرجع نفسه، ص - 1حمي الدين صبحي، املؤسسة العربية للدراسـات والنـشر، . رينيه ويلك وأوسطن وارين، نظرية األدب، تر : ينظر - 2

وإحسان عباس، فـن . 30ي، ص وخالد الزواوي، تطور الصورة يف الشعر اجلاهل . 195، ص 1981، 2.بريوت، ط .90الشعر، ص

.155 ص أمحد علي دمهان، الصورة البالغية عند عبد القاهر اجلرجاين منهجا وتطبيقا، - 3 .257، ص 1966هيفاء هاشم، وزارة الثقافة السورية، . ، مارك شو، تر1أسس النقد األديب، ج: ينظر - 4

- 94-

"ألـدجنتون " دبجهامة املشهورة اليت ألوىل منها على املقدا اشتملت،جمموعات شعريةحا فيها مبادئ احلركةموض اللغة اليومية، ص يف استخدام التصويرية يف الشعر واليت تتلخ

ونغمات ابتكار أوزان ومنها احلرص على الدقيقة ال املقاربة، الشائعةل بالكلمات والتوس الـشعر احلـر، وجتـاوز الـشعر جديدة للتعبري عن حاالت جديدة، وذلك من خالل

التقليدي، ومنها توخي احلرية املطلقة يف انتقاء املوضوع، ومنها ضرورة تقدمي صورة، إذ نأى عن التعميم، ومنها نظم شعر متني واضح، ومنها االقتناع قل اجلزئيات بدقة مب نيتعين

1.بأن التركيز هو جوهر الشعركلما ازدادت الصور دقـة «: بشأن قيمة الوضوح يف الصور "ريتشاردز"ويقول

ووضوحا لدى أولئك الذين متكنهم طباعهم من توليد الصور، زادت دقة األثر الـذي بني الصور يشي هذا القول بتناسب طردي يف وضوح ،2»تولده هذه الصورة يف النفس

.مستوى أدائها ومستوى إحيائهاإىل أن بنية لغة الشعر تتكئ على الصورة اليت قد ) نظرية األدب (وذهب صاحبا

تومض يف األثر الفين من قبيل ااز، وإذا تكرر ظهورها تغدو رمزا، والرمز حني ينمو يف فنالحظ مشولية مفهوم الصورة ومرونتـه، . 3 إىل أسطورة التراث احلضاري لألمم يتحول

.إذ يتجاوز أحيانا حدود ااز إىل الرموز واألساطري

- إدوارد جودفري ألدنغتون - Aldington, Richard) - 1892 1962(، روائي وشاعر بريطاين اختذ

عـام ) مـوت بطـل (روايته األوىل ألف البارزين، التصويرية امسا مستعارا يف كتاباته، من رواد املدرسة اسم ريتشارد1929 يف أمـا ، و )كل الرجال أعداء (و) ابنة الكولونيل ( منها أعمال قصصية وله ، الكثري من اللغات إىلرمجت اليت ت

حلـم يف (و) القلب املمـضوغ (و) جمنون يف غابة (منها الشعر فقد كتب بعد جتاوزه املرحلة التصويرية جماميع شعرية .1949ام عنشرت أعماله الشعرية الكاملة . سرية الدوق ولنغنتككما كتب العديد من السري الرائعة ، )لوكسمبورغ

.92، 91الشعر، ص إحسان عباس، فن - 1 .172مبادئ النقد األديب، ص اردز، ريتش- 2 .197 رينيه ويلك وأوسطن وارين، نظرية األدب، ص - 3

- 95-

على ضرورة ) الصورة األدبية لألسئلة املنهجية (يف دراسته " ستيفان أوملان "ويلح ضمن واإلملام بفاعليتها بوصفه سبيال إىل فهمها الصورة االنتباه إىل السياق الذي يقتضي

.التعبري، ولكونه محكا يتيح متييز الصور األصيلة من غريها، فال جمال للتغاضـي عنـه ؛ أي أن »خطاطـة امـوع «على ما اصطلح عليه " أوملان"وفضال عن السياق يركز

التعامل مع الصورة يف النص األديب عموما ينبغي أن يشمل مجيـع الـصور؛ فـالنظرة .1لكل يف بوتقة الصورة الواحدةالشمولية تقتضي أن ينصهر ا

تستخدم أدبيا لتحيل imageryأن الصورة الفنية " نورمان فريدمان "بينما يقرر على الصور اليت تولدها اللغة يف الذهن، حبيث تشري الكلمات أو العبارات إما إىل جتارب

بـني دالالت الصورة ومييز يف .2سبق للمتلقي أن عاشها، أو إىل جمرد انطباعات حسية ترتبط األوىل مبا يقع يف ذهن القارئ، وتصف العالقة بـني العبـارة املكتوبـة : ثالث

واإلحساس الذي تولده يف الذهن، ونكون هنا بإزاء وصف قدرات ذهن القارئ احلسية أما الداللة الثانية فتركز . بطريقة موضوعية على تقدير قيمة الصورة يف الشعر واختبارها

العالقة بني ااز واحلقيقة؛ أي على االستعارة اخلاضعة ملنطـق االنزياحـات على طبيعة يف حني تتعلق الثالثة بالوظيفة اليت تضطلع ا أمناط الصورة الفنيـة كوـا . األسلوبية

.3تسترفد فعاليتها من التداعي السيكولوجي) نزيـاح اال( اـاوزة الصورة الشعرية يف ضوء قانون " ن كوهني جو"وقد فهم

equart القائم يف رأيه على حتطيم اللغة إلعادة بنائها على حنـو أعلـى، فـال تتبلـر أو خصوصيتها لديه إال من خالل صلتها باالستعارة؛ أي طريقة للداللة علـى حمتـوى

.102، 101ص أمحد الطريسي، النص الشعري، : ينظر- 1 .32، ص 1976جابر عصفور، جملة األديب املعاصر، عدد مارس . نورمان فريدمان، الصورة الفنية، تر - 2 .102، ص أمحد الطريسي، النص الشعري: وينظر. 34 ة، صنورمان فريدمان، الصورة الفني - 3

- 96-

ما كان باإلمكان التعبري عنه بلغة مباشرة، فمصدر الصورة الشعرية يف نظره آت مضمون .2 ويرى أن الصورة الفعالة موجودة خارج اللغة.1رةمن حيث كوا استعا

طريقة يف الكالم ال حتيد عما الصورة الشعرية على أا إىل " فرانسوا مورو "ونظر دون غريها مـن –كان متداوال بشأن الظواهر البالغية القدمية، فلئن حظيت االستعارة

، 3 التشبيه والكناية وااز املرسل بتقدير النقاد، فإنه ال جمال للتغاضي عن قيمة -الصور مل يأت جبديد، ومل يوسع من مفهوم الصورة، إال فيما يتعلق «ومن هنا ميكن اجلزم بأنه

.4»مبفهومي املشاة وااورة بالنسبة لبعض الظواهر البالغية

وص 197 ص .)ت.د(أحد درويش، اهليئة العامة لقصور الثقافـة، القـاهرة . تر لشعر،بناء لغة ا ن كوهني، و ج - 1

210. .203ص املرجع نفسه، - 2 .25فرانسوا مورو، الصورة األدبية، ، ص - 3 .100 ، صلرؤية البيانية والرؤيا اإلشارية أمحد الطريسي، النص الشعري، بني ا- 4

- 97-

:املبحث اخلامس:التصوير يف اخلطاب القرآين، الوعي واالشتغال يف التراث

ال ريب يف أن اخلطاب القرآين جاء لفصاحة العرب وبيام متحديا، ولكربيائهم األديب وطرائقهم يف الكالم معجزا من خالل ما تكتنز به مستوياته الـصوتية والدالليـة والتركيبية من قيم فنية أبانت عن فرادة بالغية وأسلوبية منقطعة النظري، أقر ا أسـاطني

اء، فاستنهضت مهم الدارسني وحفزا منذ القدم علـى االهتمـام الشعر ومصاقع اخلطب جبماليات األداء التعبريي القرآين، ومل تكن نشأة الدرس البالغي بشىت اجتاهاته إال بدافع

.انبهار العلماء والدارسني بأسرار تلك اجلماليات اليت كان من ضمنها مظهر التصوير

لدارسون يف األدب مرتبطة بسيكولوجية ولئن كانت الصورة الفنية كما فهمها ا اإلبداع واملتلقي على السواء، فإن ذلك التصور ال يسوغ يف اخلطاب القـرآين، علـى اعتبار أن مصدرها اخليال البشري من جهة، وعلى اعتبار أن تشكيلها مشروط مبا يعتمل

كن التصوير الفين بوجدان املبدع من انفعاالت تعكس جتربته الشعورية من جهة ثانية، ول صورة رامزة يـشكلها : صورتني ههنا الصورة، لتغدو لقرآن تضبطه شروط اإلعجاز يف ا

لكننا نرتئي قبـل .األداء، وصورة أخرى موازية هلا ترتسم مبخيلة املتلقي تتصل باإلحياء .تقصي جذور التصوير القرآين يف التراث أن نضيء مفهومه العام

ن الكرميمفهوم التصوير يف القرآ: الذي ارتقى قطبما من شك يف أن أعمق مفهوم للتصوير القرآين يرتد إىل سيد

لة يف أسلوب القـرآن، فهـو يعبـر األداة املفض : به إىل مستوى النظرية، ويعرفه بأنه بالصورة احملسة املتخيلة عن املعىن الذهين، واحلالة النفسية، وعن احلـادث احملـسوس،

، وملا كانت وسيلة التصوير 1والطبيعة البشرية نظور، وعن النموذج اإلنساين واملشهد امل

.36، ص )ط.دت(القاهرة، / سيد قطب، التصوير الفبين يف القرآن، دار الشروق، بريوت - 1

- 98-

ضمن اخلطاب القرآين هي اللفظ بوصفه قيمة جمردة جامدة، وليست اللون املـصور وال .1الشخص احلي الناطق، فإن ذلك حسبه مظهر إعجازي يتصل باألداء

ل يعضد ريادته لنظرية إن يف تأكيد سيد قطب ضرورة تعمق حبث التصوير لدلي التصوير الفين القرآين، إذ يشقق له مظاهر يراها ماثلة يف األلوان واحلركات والتخييالت وجرس الكلمات ونغم العبارات، فضال عن الوصف واحلوار، وكل ذلك يتمكن مـن

ركة مسع املتلقي وبصره ووجدانه وفكره وخياله متكنا قويا، ألنه تصوير نابض باحلياة واحل ، 3فنظرته للتصوير الفين ليست شكلية فحسب، بل نظرة شـاملة ثاقبـة . 2واالضطراب

.تلتفت إىل أدىن جزئيات الصورة يف تالمحها، ولعمري إن ذلك لينم عن ذائقة سامقة): التصوير الفين يف القرآن (وخالصة معىن هذا املصطلح : يقول صالح اخلالدي

لبيانية املتخيلة للتعبري عن موضوعاته، وجعلها قاعدة أن القرآن استخدم طريقة التصوير ا التعبري البياين فيه، فاإلنسان عندما يقرأ اآليات يتخيل يف خياله مناظر فنية، وكأنه يـرى

. 4صورا ومشاهد ولقطات معروضة على شاشة العرض أو خشبة املـسرح املتخيلـة رمي أديت بأسـلوب التـصوير، ويشري هذا الباحث إىل أن معظم موضوعات القرآن الك

.5حيث قدر ذلك يف زهاء ثالثة أرباع منه، بينما يرتد ربع منه إىل األداء الذهين اردإثارة احلـواس وتتحدد قيمة التصوير القرآين وبراعته لدى أحد الدارسني يف

و يف رأيه ما وه. 6املختلفة، والعواطف املتباينة، ما يثبت الصورة يف اإلدراك والوجدان التـصوير بينما رأى باحث آخـر أن . استنهض اهلمم الذواقة لتحسس جوانبه الفنية

ملمح أساسي يف النص القرآين، يتضافر يف حتقيقه اللفظ برنينه الصويت، واجلملة بتراكيبها

.37املرجع نفسه، ص - 1 .37 املرجع نفسه، ص - 2 .33 ص ، نظرية التصوير الفين عند سيد قطبي،صالح عبد الفتاح اخلالد - 3 .338، ص 2000، 1.جاز القرآن البياين ودالئل مصدره الرباين، دار عمار، عمان، ط املؤلف نفسه، إع- 4 .339 املرجع نفسه، ص - 5 .43، ص1995، 1.الصورة األدبية يف القرآن الكرمي، الشركة املصرية العاملية، لوجنمان، ط صالح الدين عبد التواب،- 6

- 99-

عام، املتنوعة، وبنغماا الداخلية، والفاصلة بإيفاعها املتالئم مع النسق اللفظي والسياق ال وهذه املنظومة ... واملشهد احلي بتكريس التصوير فيه إىل التجسيد احلي، حركة وتأثريا

جلماليات التصوير تتواىل يف سياق داليل، فتعطي للمعىن عمقا وللهدف الديين نفـاذا إىل .1أعماق النفس البشرية، فتهزها هزا

ير الفين القـرآين، ملـا يلح هذا الباحث على البعد احلسي الذي يغلب يف التصو ، وقـد 2ينطوي عليه من روعة ومجال، ولكن يف سياق تضافره مع امللكـات الذهنيـة

املادي احلـسي وقف النقدي احلديث الذي يعترب أن استوحى مثل هذا التصور من امل .3...والفكري الومهي أو اخليايل يتعانقان تعانقا ملحا يف جمال الداللة األدبية

لتصوير ضمن اخلطاب القصصي القرآين هو ما رسم لشىت األغـراض وأسلوب ا واملوضوعات واملعاين صورا اليت نشاهدها، على حنو خيتلف كليا عن صياغة املعاين وفق

.4أداء جتريدي مفض إىل صورة ذهنية حمضة شاحبة خالية من مسات اجلمال الفينومن يف ضوء فهم القدامى، ة يف القرآن التفت مصطفى ناصف إىل طبيعة الصور

ويف هـذا الـذي «: يقـول إذ؛ )فإذا هي حية تسعى(: ذلك موقف اجلاحظ من قوله تعاىل . 5»...جهلتموه ضروب من اجلواب، أما وجه منه فهو قول القائل ما هو إال كأنه حية

وهو موقف أملح من خالله إىل أن القرآن الكرمي جيري على سـنن الكـالم العـريب يف .6لتصوير التشبيهي، ليغدو هذا السنن مبثابة األصل الذي ال حييد عنها

.5لقرآن الكرمي، ص حممد قطب عبد العال، من مجاليات التصوير يف ا - 1 .53 املرجع نفسه، ص - 2 .56 مصطفى ناصف، الصورة األدبية، ص - 3 .57املصدر السابق، ص - 4 .273، ص 4احليوان، ج اجلاحظ، - 5 .75 مصطفى ناصف، الصورة األدبية، ص - 6

- 100-

واعترب ناصف أن القرآن سبق إىل حتفيز اهلمم الستقصاء كيفية تشبع القـصص بروح ااز، إىل حد اعتربوا أنه من قبيل األمثال اليت يقصد ا الوعظ والعربة، مـستنيما

ذهب إىل أن اهللا تعاىل مل ينزل على بين عضهم من أن ب )310. ت(إىل ما أورده الطربي هللا تعاىل وى به خلقه عن طلب مثل ضربه ا القصص الوارد يف ذلك إسرائيل مائدة، وأن

واتكأ أيضا على ما ذكره الزخمشري من أن حتاكم امللكني اللـذين تـسورا . 1عجزاتاملتمثيل أبلغ يف التـوبيخ ملـا ليف نفسه متثيال وكالمهم متثيال؛ ألن ا حمراب داوود كان

عمـا يستـسمج ى عنه كما يكىنكن، فيفه، وللتنبيه على أنه أمر يستحيا من كش ذكرناوبذلك تراءى هلذا الباحث أن مثل هذين الشاهدين ملما يزكـي روح . 2اإلفصاح به

.3التصوير يف اخلطاب القصصي القرآينفين والظاهرة اجلمالية اليت تعد من يربط أحد الباحثني املعاصرين بني التصوير ال

أهم الظواهر القرآنية، بسبب جميئه على سنن األدبية العربية اليت كانت الـصورة أبـرز ، ويشري آخر إىل أن من ضـمن أسـباب 4مقوماا، ولكن يف ظالل اإلعجاز وحدوده

الوجدان عدول القرآن الكرمي عن خماطبة منطق الذهن البشري إىل خماطبة صوت احلس و متوسال بالتصوير عوضا عن التقرير، أن العقل اإلنساين مهما بلغ من نـضج وتفتقـت

فلمنطـق . طاقاته يظل إدراكه حمدود وقاصر عن استيعاب عجائب القدرة اإلهلية بيسر التصوير حيويته ومرونته وسحره يف تبيان شىت مقاصد القرآن الكرمي وجوانبه، وسيلته يف

را الوجدانذلك حتويل ا ويتأثر 5دات إىل حمسوسات، يستشعرها احلس. لوحات تصويرية حية تبدو شاخصة واملعاين اليت حييط ا األداء القرآين تغدو

للعيان بأشكاهلا احلية وهيئاا اليت متوج باحلركة وخبطوطها، وألواا وظالهلا، بإمجاهلـا

.230، ص 11ج ، 2000 ،1.ط، مؤسسة الرسالة، أمحد حممد شاكر. الطربي، جامع البيان يف تأويل القرآن، تح- 1 .86، ص 4، ج بريوت،دار إحياء التراث العريب ،عبد الرزاق املهدي. تح الكشاف، - 2 .89مصطفى ناصف، الصورة األدبية، ص - 3 .16، ص 1991، 1. نذير محدان، الظاهرة اجلمالية يف القرآن الكرمي، دار املنارة، جدة، ط- 4 .130، ص 2006، 1.يف القرآن الكرمي، عامل الكتب، القاهرة، ط عيد سعد يونس، التصوير اجلمايل - 5

- 101-

ت القرآنية يلتقي الغرض الديين بالغرض وتلخيصها، ودقائقها وتفاصيلها ويف هذه اللوحا ففيما يتصل بالغرض الديين تترسخ املقررات اإلميانية ،1الفين يف كل متكامل ال ينفصل

.والتبليغية، وفيما يتعلق بالغاية الفنية تستثار الطاقات االنفعالية والقيم التأثريية واجلماليةإن البـارئ : تصوير القرآين، فنقول ويف ضوء ما تقدم نقترح مفهومنا لظاهرة ال

الذي أحكم تصوير اخللق قاطبة ابتداء من أدق تفاصيله وجزئياته حىت جتلى حقيقة مادية يعاينها األعمى والبصري، والغافـل شاهدة على عظمته واقتداره ما قامت الدنيا ودامت،

مر وزجر وأكـد ونفـى واللبيب، واملدبر واملتدبر، هو ذاته من وصف ووضح وبين وأ وقص ومثل وشرع وحذر ورهب ورغب وأنذر وبشر وفضح ومدح وأمجـل وفـصل

ه واستعار وكىنر وشبإىل غري ذلك من أحوال لفظه البديع الدالة علـى ... وأضمر وقرشىت املقاصد، فمكن كل ذلك من أداء تصويري معجز، وكأننا نتجول مبعرض لوحات

نحة، مادة مبدعها األصوات والكلمات والتراكيب، وريـشته الـنظم فسيح ممتد األج والتأليف والرصف، وألوانه انفعاالت الوجدان وأهواء الـنفس، وخطوطـه التجـسيم

...والتشخيص والتجريد، وظالله التخييل والتأثري والتكثيف اإلحيائي الرامزبني فاعلية التـصوير فلك بعد هذا أن تتملى مدى التناسب واالنسجام املاثلني

، فمثلما أحكم اهللا تعاىل تصويرنا يف أحـسن )من اخللق (الفين وفاعلية التصوير اخللقي من جهـة، الصور أحكم التصوير يف حديثه العظيم إلينا بأداء بياين متفرد منقطع النظري

كما بوسعك أن تلحظ ذاك االنسجام والتجانس القائمني بني طبيعة موضوع الـصورة من جهة أخرى، فضال عن موقع التصوير من القلوب والعقـول القرآنية، وصيغة األداء

ومداخله إليها وتوصيل شىت القيم بأسلوب إحيائي يوازي األسلوب التقريري، مما جيعـل .التصوير الفين ضمن اخلطاب القرآين عموما مدرسة مجالية وروحية ربانية متكاملة

.130 املرجع نفسه، ص- 1

- 102-

لدى القدامى قرآين ال االهتمام بالتصويرجذور: بفضل حسهم الفين وذائقتهم األدبية منذ أيب عبيدة األوائل الدارسون لقد مضى

ـ 188.ت( ، من خـالل اشـتغاهلم 1ن الكرمييزرعون بذور فكرة التصوير يف القرآ )هـ بيد أن الذي فتح مغاليق الكشف البياين أمامهم اإلعجاز البالغي، و بقضايا ااز والتأويل

الصورة يف جزئية منطية معينة كالتشبيه تجاوز النظرة البيانية اليت ختتزل تكن ت مل همدوجهلئن ف .واالستعارة وااز والكناية، دومنا اهتمام بالسياق الفين الكلي الذي ينتظم اخلطاب

جاء على أسـاس احتفى القدامى بوسائل الصورة الفنية ومظاهرها البيانية إال أن ذلك ى اجلملة إىل البيت، أو البيت إىل القصيدة، كما أنه مل يقم صالت محيمة جزئي ال يتعد

.2بني هذه األشكال، األمر الذي يوحي بأا مفصولة عن بعضها البعضومما يدعم حضور مجاليات التصوير ضمن اخلطاب القرآين مـا قـرره أحـد

التـأثري إىل أسـلوبه يرتد جانب كبري من بالغة القرآن وقدرته على «: الدارسني بقوله اخلاص الذي يصور املعاين للمتلقي، وميثلها ملخيلته عن طريق التوسل يصور حـسية، أو

لكن هذا القول راح خيتزل التقدمي احلسي للمعـاين يف . 3»بلغة املنظور واملشاهد العيين .اجلانب البصري فقط، مستبعدا مصادر احلس األخرى كالسمع والذوق مثال

لصورة الفنية، بوصفها أسلوبا إقناعيا يف الدراسة البالغيـة للقـرآن نشد فهم ا الكرمي ما يعضده، فقد مكن تناول أساليب القرآن يف التأثري واالستمالة فهـم الـصورة القرآنية على أا طريقة يف اإلقناع، من خالل وظيفة اإلبانـة والتوضـيح، واحلجـاج

ي، ويستميله ر يف املتلق على النحو الذي يؤث واجلدل، واحلرص على لون من االنفعاالت، .4إىل املقررات الدينية السامية اليت يفضي ا اخلطاب القرآين الكرمي

.188، ص2007، 1.دار املختار، القاهرة، ط جبري صاحل محادي، التصوير الفين يف القرآن الكرمي، دراسة حتليلية، - 1 .15 ص، الصورة الفنية يف شعر أيب متامعبد القادر الرباعي، - 2 .270ر عصفور، الصورة الفنية، ص جاب- 3 .332، ص املرجع نفسه - 4

- 103-

أخذ مفهوم الشرح والتوضيح يف التبلور مع العناية بالصورة القرآنية وأساليبها يف احـت اإلقناع، وحتدد بشكل خاص من خالل اجلدل الذي أثارته بعض اآليات الـيت ر

تشبه العناصر احلسية بأخرى معنوية، من مثل توقف القدامى عند صورة طلـع شـجرة هها القرآن الكرمي برؤوس الشياطني؛ ففسروا الزقوم املذكورة يف سورة الصافات واليت شب

.1هذا التشبيه على أنه من قبيل التعبري الذي يراد به إلقاء الرعب يف نفوس الكافرين روي الشعراء أنفسهم بقيمة التصوير يف اخلطاب القرآين ما وعي دل على ومما ي : الذي قال فيه أيب متامبيتنه ملا مسع بعضهم عن بعضهم أال تـقسالـ املاءـين مين م ألن قد استعذ ص ببتاء مكائي ب

»ال أبعثه حىت : أبو متام فقال. يل يف هذا قليال من ماء املالم ابعث: ز له كوزا، وقال جه واخفض لهما جناح الذل مـن الرحمـة : إىل قوله تعاىل، إمياء2»تبعث يل بريشة من جناح الذل

ذا املوقف يف سياق بيانه أثر الصورة يف نفوس نقاد أحد الوقد استأنس . )24: اإلسـراء ( .3اليات التصوير القرآينالعرب من خالل احتفال شعرهم به، وانتباههم إىل مج

تـصدى ، إذ الـشعر وللجاحظ حديث يتصل ببالغة التصوير القرآين على غرار إنهـا شـجرة تخـرج يف أصـل : قوله تعـاىل بشأنألحد املطاعن اليت سعت إلثارة الشبهات

ها كأنهرؤوس الشياطني اجلحيم، طلع )املثـل ، مستنكرة ضرب القرآن )65، 64: الصافات، التخويف بتلك الصورة، والتفزيع منها وخمرج الكالم يدل على : مبا مل نعاينه؛ قائال

.333، ص املرجع نفسه - 1 - ه من رديء الشعر، ومنهم من رأى خـالفكان هذا البيت حمل جدل نقدي بني القدامى، فمنهم من عابه وعد، واآلمـدي، 152، 2ج ، وابن األثري، املثـل الـسائر، 140، ص ابن سنان، سر الفصاحة : ينظر مثال للتوسع . ذلك

.278، 277ص / 1، ج1992، 4.السيد أمحد صقر، دار املعارف، القاهرة، ط. املوازنة، تح .، والكوز إناء يستخدم لالغتراف274، ص 1ج اء الدين العاملي، الكشكول، - 2/ املركز الثقايف العريب، بريوت عبد اإلله الصائغ، اخلطاب اإلبداعي اجلاهلي والصورة الفنية، القدامة وحتليل النص، - 3

.15، ص 1997/ 1. الدار البيضاء، ط

- 104-

يف الزجر من ذلك لذكره، فكيف يكون الشأن كـذلك، أبلغوعلى أنه لو كان شيء صـدوق ره هلم واصفوالناس ال يفزعون إال من شيء هائل شنيع، قد عاينوه، أو صو

، فجاء الوصف 1...يغ يف الوصف، وحنن مل نعاينها، وال صورها لنا صادق اللسان، بل يف هذا األداء القرآين ليقدم ال ريب صورة عن شجرة الزقوم، وكـأن اجلـاحظ أدرك بفضل ذائقته الفنية الرفيعة أن ذلك مل يكن إال بضرب من التصوير الذي يرتبط باملعاينة

.يه بقيمة الصورة ضمن املنظور البالغيكما أنه يدلل على وع. واملشاهدةـ 386. ت( "الرماين"الحظ أن قدرا هاما من قدرة االستعارات والتشبيهات ) ه

القرآنية على التأثري يعزى إىل قضية التقدمي احلسي للمعىن األصلي ارد، ذاهبـا إىل أن ، الـذي »سي العـيين احل«إىل » املعنوي العقلي «االنزياح يف االستعارة القرآنية يتم من

ومن هنا بين أن التشبيه واالستعارة يف القرآن الكرمي يعمدان إىل . 2يعرض عربه املعنوي الـصور احلـسية إما ربط املعنوي ارد باحلسي، وإما ربـط : هذا التقدمي وفق سبيلني

.بأخرى أشد منها متكنا يف الصفات احلسيةقرآنية اليت تطرق إليها قوله تعاىل يف وصف نار ومن مناذج توصيفه لالستعارات ال

حيث اعترب أن األداء هنا أبلغ مـن أي تعـبري ،)8: امللك( تكاد منيز من الغيظ :جهنمفجعلنـاه هبـاء ، واعترب قوله تعـاىل 3»ألن مقدار شدة الغيظ على النفس حمسوس «آخر، ، و 4ذ فيه تشبيه ما ال يدرك باحلس مبا يـدرك بـه ، أبلغ أيضا، إ )23: الفرقان( منثـورا

.212، ص 6، ح يوان اجلاحظ، احل- 1حممد أمحد خلف اهللا وحممـد . ضمن ثالث رسائل يف إعجاز القرآن، تج الرماين، رسالة النكت يف إعجاز القرآن - 2

.261 جابر عصفور، الصورة الفنية، ص :، وينظر80 ص ،1976 ، 3. دار املعارف، القاهرة، ط،زغلول سالم .84 الرماين، املصدر نفسه، ص - 3 .80 املصدر نفسه، ص - 4

- 105-

، حيـث )46: األحزاب( وداعيا إىل ا بإذنه وسراجا مـنريا : ينسحب األمر على قوله تعاىل .1يتجلى حسيا على ما إلحالتهأبلغ األداء كان

ح وميضي أبو هالل العسكري حمتضنا فكرة الرماين، سائرا على منهجه، بيد أنه يل للمعىن، لذلك نلفيه يركز علـى أفعـال الرؤيـة ) التقدمي البصري (أكثر منه على مبدأ

فنبـذوه وراء : سبحانه وتعاىلواملشاهدة، وحلل مجلة من الصور القرآنية على غرار قوله فـضربنا علـى آذانهـم يف الكهـف سـنني عـددا :، وقولـه )187: آل عمـران ( ظهـورهم

، إذ يعزو بالغتها إىل ما فيها من )22: األعراف( فـدالهما بغـرور : ، وقوله )11: الكهف( .2، أو التعبري عما ال يشاهد مبا هو مشاهد»إخراج ما ال يرى إىل ما يرى«

ومل تكن فكرة التصوير قائمة بذاا وال واضحة املالمح ضمن موقف البـاقالين ي، إذ مل يعرض لبحث الصورة بشكل مباشـر، إال أن كالمـه من إعجاز القرآن البالغ

فأما ج القرآن ونظمـه وتأليفـه «: حول نظم القرآن أملح ضمنيا إىل املوضوع، يقول فلعل التصوير . 3»ورصفه، فإن العقول تتيه يف جهته، وحتار يف حبره، وتضل دون وصفه

ما مجـع «أعلى مراتب البيان من مظاهر ذلك النهج، ويعمق ذلك مبا خلص إليه من أن من تعديل النظم وسالمته، وحـسنه وجتـه، : وجوه احلسن وأسبابه، وطرقه وأبوابه

وحسن موقعه يف السمع وسهولته على اللسان، ووقوعه يف النفس موقع القبول، وتصوره .وهي مسات ال ميكن أن تتوفر إال يف القرآن. 4»...تصور املشاهد

، ونظر إىل 5ه أن يسد أحد الشيئني مسد اآلخر حسا أو عقال وقد رأى يف التشبي ، مكتفيا بإيراد شواهد الرماين وأيب هالل العـسكري، 1االستعارة على أا بيان التشبيه

.85نفسه، ص - 1 . وما بعدها243أبو هالل العسكري، الصناعتني، ص - 2 .243، ص 1994، 3.ف سكر، دار إحياء العلوم، بريوت، طيحممد شر. الباقالين، إعجاز القرآن، تح- 3 .345ر نفسه، ص املصد- 4 .333 نفسه، ص - 5

- 106-

إنـا لمـا طغـى املـاء حملنـاكم يف : جل ثناؤه ومنها قوله . الشرح والتحليل إضاءا ب مغفال ، )18: األنبيـاء ( ،فيدمغـه فـإذا هـو زاهـق بل نقذف باحلق علـى الباطـل ، و )11: ةاحلاق( ،اجلارية

.)51: فصلت( ،وإذا مسه الشر فذو دعاء عريضو

وقد راودت ابن سنان اخلفاجي فكرة التصوير يف اخلطاب القرآين مـن خـالل عتـاد الذي ال ي ل الغائب اخلفي ثمأن ي «نده تطبيقاته على حسن التشبيه الذي يقتضي ع

ـ سن هذا ألجل إيضاح املعىن وبيان املـراد، أو ي املعتاد فيكون ح بالظاهر احملسوس ل مث . 2» واملبالغةوأحسن وأبلغ منه فيكون حسن ذلك ألجل الغلو مبا هو أعظميءالش

روا فـ والـذين ك :تعـاىل تبارك و قوله الشواهد القرآنية اليت عرض هلامن بنيوم ك اهلأعمسق ب ابرةيع ي حسالظ هبمآنماء ـ حتىإذا ج اءهجـ مل يدـ هش ئاي )قوله و،)39: النور :لثـ م

ف ك الذينر م أ هوا بربعالمم ك هراشتادم ت بهدالر فعاص يف يوميح ) قوله، و)18: إبـراهيم : احل لثإمنا م نيا ك ياة الدأن اءم لزناه ماء من السطلت فاخ به نبـات ـ مض األرليأكـ ام النـاس واألنعـام ... : قولهو، )37: الـرمحن ( انه كالد ةدرت و فكان اءت السم قشان فإذا: قولهو، )24: يونس(اجلوله املارو ـ ئنـشكـاأل رات يف البح عمال )هـا هذه التشبيهات كلتندرج و. )24: الرمحن

، ملا يف ذلـك مـن بيـان، املألوف باملألوف ريغالظاهر، و احلسي ب تشبيه اخلفي ضمن وهـي األعالمالشاهد األخري الذي اشتمل على تشبيه السفن اجلارية يف البحر ب باستثناء

.3 املبالغةمن قبيل اأعظم منهرة القرآنية مل خيرج عما أوضحه الرماين، ومل يضف إليهـا وملا جاء إىل االستعا

وا لمنا إىل ما عمدوق : سوى بعض التعليالت، فمن ذلك ذهابه إىل أن قدمنا يف اآلية الكرمية

.336 نفسه، ص - 1 .246 ، ص1982 /هـ1402، بريوت، دار الكتب العلمية ابن سنان اخلفاجي، سر الفصاحة، - 2 .247ص املصدر نفسه، - 3

- 107-

ـ من عا لمنثـورم بـاءـاه هلنعفج )يا إلمهاهلم ألنه ؛ أبلغ من عمدنا، )23: الفرقانعاملـهم توخ أمرهم به، ويف هذا حتذير من االغتـرار إذا رآهم على خالف ما ،سفر منمعاملة القادم

: احلاقـة ( اجلاريـة لنـاكم يف م حإنـا ملـا طغـى املـاء : ومحل معىن الطغيان يف اآلية . باإلمهال

11( ،ة يف . واالستعارة أبلغ، ألن طغى عال قاهرا على العلوأبلغ من الشد ورأى أن العتو كما عد .، ذلك أن فيه متردا)6: احلاقة( ية عاترصرص بريحما عاد فأهلكواوأ :قوله تعاىل

، )37: يس( ارهـ منه النخ نسليلم الله لوآية: جل وعال قوله االنسالخ أبلغ من االنفصال يف ،بيان زيادة ويف ذلك عنه حاال فحاال، أ منه ويزول هو أن يترب ليل عن النهار انسالخ ال ف

.1اا العرب يف استعارطرائقجار على ومعلوم أن ذلك ومما يؤخذ على اجتهادات الرماين والعسكري والباقالين وابن سنان أم يتعاملون مع فكرة التصوير وفق نظرة جزئية ضيقة، وذلك من خالل قصرها على أمناط االستعارة

ن أمشل وأعم من ذلك املدى، سـيما وأن مكن أن تكو أوالتشبيه فقط، ذلك أن الفكرة األسلوب القرآين أسلوب تصويري، قوامه خماطبة اخليال والوجدان والعقل والروية، ممـا

خى الزخمشري شيئا مـن ر األديب برؤية أكثر نضجا، وقد تو من شأنه إثراء فكرة التصوي .2ذلك كما سنرى الحقا

مالية يف االستعارات القرآنية، وال ومل تكن نظرية النظم لتتغاضى عن املناحي اجل ـ 471. ت(عبد القاهر اجلرجاين أدل على ذلك من توقف اإلمام عند بالغة األداء ) ه

، )12: القمر( وفجرنا الـأرض عيونـا : ، وقوله )4: مرمي( واشتعل الرأس شيبا : يف قوله تعاىل عي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض المـاء وقـضي الـأمر واسـتوت علـى الجـودي وقيـل وقيل يا أرض ابل : وقوله

م الظـالمنيا للقودعب )وتفطنه إىل بعد احلركة يف مثل هذه الصور جعل الـبعض ، )44: هود

.121املصدر نفسه، ص - 1 .265، ص ...جابر عصفور، الصورة الفنية - 2

- 108-

، وقد سبق احلديث عـن 1صوير الفين يعده أقرب النقاد والبالغيني القدامى إىل عامل الت .مفهومه للصورة الفنية الذي كان اخلطاب القرآين الكرمي منطلقا له

ـ 538. ت( اختمرت فكرة التصوير القرآين بذهن الزخمشري ، ويأ له بفضل ) هبيقـي ، ومن هنا كرس جهـده التط الدرس البالغي السابقة تارخييا متثله اجليد ملنطلقات

وال أدل على ذلك أنه راح يقرن التخييل مبفهوم التـصوير النظرية الرائدة، لتوضيح تلك : يف القرآن الكرمي وجيعلهما يف حكم املترادفني تقريبا، ومن ذلك قوله بشأن اآلية اآلتيـة

له منهنقول لج موـتأل ايزيـد تمـل مـن متقـول هو )30: ق( »اوسؤال جهنمن بـاب م وجوا 2» ...قصد به تصوير املعىن يف القلب وتثبيتهالتخييل الذي ي.

جميعـا رضألٱ حـق قـدره و للـه ٱومـا قـدروا : وكذلك وقفته عند هذه اآلية الكرمية موي ضتهةٱقبملقي ٱ وتومالى لستعو هنحبمينه سبي تطويم ركونـشا يمع )الـيت يقـول )67: الزمر

والغرض مـن ...ههم على عظمته وجاللة شأنه على طريقة التخييل مث نب ... «: بشأاهذا الكالم إذا أخذته كما هو جبملته وجمموعه تصوير عظمته والتوقيف على كنه جالله

.3»جهة جمازال غري، من غري ذهاب بالقبضة وال باليمني إىل جهة حقيقة أو للـه ٱ يـد للـه ٱ يبايعونـك إنمـا يبـايعون لـذين ٱإن : وهناك موضع آخر يتصل بتفسري قوله تعاىل

ـديهمق أيفـو... )ون ( قال ملا«: ؛ إذ يقول الزخمشري )10: الفتحايعبا يمٱإنـ )لله ده أك يريد أن يد رسول اهللا اليت تعلو ،) فوق أيديهم للهٱيد (: التأكيدا على طريق التخييل فق

ه عن اجلوارح وعن صفات األجسام، وإمنـا هي يد اهللا، واهللا تعاىل منز : أيدي املبايعني ونلحظ .4» كعقده مع اهللا من غري تفاوت بينهما لرسولتقرير أن عقد امليثاق مع ا : املعىن

أن كرسيه مل يضق ) ...وسع كرسيه (ويف قوله «: ند آية الكرسي األمر أيضا يف وقفته ع

.192يف القرآن الكرمي، دراسة حتليلية، ص جبري صاحل محادي، التصوير الفين - 1 .392، ص 4، ج بريوت،دار إحياء التراث العريب ،عبد الرزاق املهدي. تح الزخمشري، الكشاف،- 2 .145، ص 4ج ، املصدر نفسه - 3 .337، ص 4ج ، املصدر نفسه - 4

- 109-

عن السموات واألرض لبسطته وسعته، وما هو إال تصوير لعظمته وختييـل فقـط، وال ت مطويــ لـسموت ٱ ولقيمـة ٱ جميعا قبضته يوم الرضٱو... :قوله وال قاعد، ككرسي مثة وال قعود،

من غري تصور قبضه وطى وميني، وإمنا هو ختييل لعظمـة شـأنه، )67: الزمر( ...بيمينه1»ومتثيل حسي.

وملا كان بصدد تفسري آيات من سورة آل عمران أورد حديثا روي عن النيب ه حني يولد فيستهل صارخا من مـس مسما من مولود يولد إال والشيطان ي : (جاء فيه

ه ختييـل واستهالله صارخا من مس «: ، وعلق عليه مبا يأيت )طان إياه، إال مرمي وابنها الشي2»هذا ممن أغويه: ه ويضرب بيده عليه ويقولوتصوير لطمعه فيه، كأنه ميس.

وما متيز به الزخمشري أنه نظر إىل التصوير القرآين باعتباره أسلوبا شامال، وقـد قات فكرة التصوير على الـشعر، وربطهـا بالتخييـل مكنه من ذلك أنه أفاد من تطبي

الشعري، ولعل ذلك ما يربر استخدام الزخمشري ملصطلحات التخييل والتصوير والتمثيل تركيـزه وهو الزخمشري هناك أمر الفت لالنتباه لدى و .3وتطبيقها على الصور القرآنية

القرآن، وذلك أمر يشي على اجلانب البصري مبفرده يف سياق رصده ملواضع التصوير يف به استخدامه للكلمات واألفعال والصفات الدالة على اإلحساسات البصرية دون سـائر

4...اإلحساسات األخرى السمعية والشمية واللمسية والذوقية واحلركيةاستنتج جابر عصفور جانبني متداخلني من خالل استخدام الزخمـشري لتلـك

ملعنوي ارد من خالل احلسي، وهذا جانب يتحقـق املصطلحات، يتصل أوهلما بتقدمي ا بواسطة إحالل مجلة من الصور احلسية يف موضع مجلة مـن املعـاين اـردة، بقـصد

328، ص 1املصدر نفسه، ج ج - 1 .385، ص 1ج ، املصدر نفسه - 2 .265، ص ور، الصورة الفنية يف التراث النقدي والبالغي عند العربجابر عصف - 3 271، 270، ص املرجع نفسه - 4

- 110-

ترسيخها يف خميلة املتلقي، أما اجلانب الثاين فيتصل مبا يسمى بالتشخيص، الذي يقـوم .1ادية أو معنويةعلى خلع الصفات البشرية على األشياء احلية أو اجلامدة، م

فواضح أن ربط الزخمشري بني مصطلحي التصوير والتخييل مل يـرد بـشكل عفوي وتلقائي، وإمنا كان صادرا عن وعي بياين ناضج، إذا ما أخذنا بعـني االعتبـار طبيعة تفسريه البالغية، اليت فتحت مغاليق توجه جديد يف الدرس البالغي أساسه تطبيقي

مبـا خـاض فيـه - ولو بقدر معين –كما ال يبعد أن يكون ملما . يف القرآن الكرمي .الفالسفة حول موضوع اخليال

ـ 745. ت(وقد تفطن أبو حيان األندلسي لقيمة التصوير وأسرار بالغتـه ) هيف القرآن الكرمي، وما كان األمر ليستقيم له لو مل يتكئ يف جوانب من تفـسريه علـى

إذ راح يردد أقواله على سبيل االستئناس والتدعيم صوير، مذهب الزخمشري يف فكرة الت ، حىت يعمقها من الوجهة التطبيقيـة، 2يف كثري من املواضع القرآنية اليت تستدعي الفكرة

ألنه أدرك قيمتها الفنية، ومن هنا راح أحيانا يكشف عن مالمح التصوير، ومن ذلـك وهى دخان فقال لها ولـالرض لسمآءٱ إلى ستوىٱثم : مثال ما ورد يف حبر احمليط بشأن قوله تعاىل

والغرض تـصوير أثـر قدرتـه يف « )11: فصلت(، طوعا أو كرهـا قالتـآ أتينـا طـآئعني ئتياٱ .3»ق شيء من اخلطاب واجلواباملقدورات ال غريه، من غري أن حيق

مـتالت ٱيوم نقول لجهنم هل : سه حينما توقف عند قوله تعاىل الصنيع نف كما توخى السؤال واجلواب من باب التصوير الذي يثبـت : وقيل«: )30: ق(، وتقـول هـل مـن مزيـد

املعىن، أي حاهلا حال من لو نطق باجلواب لسائله لقال كذا، وهذا القول يظهر أـا إذ

.268، ص املرجع نفسه - 1 ،2001 دار الكتب العلمية، بريوت، وآخرون، عادل أمحد عبد املوجود . تح البحر احمليط، أبو حيان، : ينظر مثال - 2 ...159، ص 7 جو، 290، ص 2وج ، 74، ص 8وج ، 422، ص 7ج .466، ص 7 ج، املصدر نفسه - 3

- 111-

مثل الذين ينفقون أمـوالهم فـي سـبيل اللـه كمثـل : وملا أتى إىل قوله تعاىل .1»ىذاك مل تكن مأل ضاعفي اللهة وبئة حلة منبابل في كل سنس عبس تتة أنببح ليمع اسعو اللهاء وشن يلم )261: البقرة( ،

ة على سبيل ااز، ونسب اإلنبات إىل احلب «: رة التصوير توضيحا بيانيا، إذ قال وضح فك أن : إذ كانت سببا لإلنبات، كما ينسب ذلك إىل املاء واألرض واملنبت هو اهللا، واملعىن

احلبة خرج منها ساق، تشعب منها سبع شعب، يف كل شعبة سنبلة، يف كل سنبلة مائة فلم تكن فكـرة .2»...لألضعاف كأا ماثلة بني عيين الناظرحبة، وهذا التمثيل تصوير

. التصوير لتعزب عن فهمه الصادر عن منظور بياين الفين يف القرآن الذي مل يكن ليتعـد التصويريعكس إحلاح أيب حيان على بعد

من اجتهاد الزخمشري التطبيقي، ومـن استلهمهااملنظور البياين مدى تأثره بالفكرة كما نا كان يحيل إليه بشكل صريح غالبا كلما اقتضت حاجة التفـسري لترسـيخ فهـم ه

التراكيب البالغية، ومع ذلك مل يكن استقصاء مواطن التصوير مهه األوحد، بل عـرف – حقيقـة الـنظم يضارعالنحوية، مما و الرجل أيضا حبصافة خترجياته القرائية واللغوية

.3رجاين الذي جيعله يف توخي معاين النحو وأحكامه لدى اجل-والتصوير أحد مظاهره بالغة الصورة يف اخلطاب طبيعة االشتعال التراثي ب وخليق بنا لدى سعينا لتقصي

ـ 951 ت(القرآين أن نتوقف عند جهود أيب السعود الذي يعد من املفسرين الذين ) هه بشكل ينم عن إملامه اهتدوا إىل املوضوع، فقد اصطنع مصطلح التصوير يف منت تفسري

الواسع بقيمته البيانية، وذلك يف كثري من املواطن اليت تستدعيه، وربطه بإيضاح املعـاين ملا جاء إىل تفـسري أنه ومما يعزز ذلك . وإبرازها قصد املبالغة وإحداث التأثري يف النفوس

: قال)16: الرعد( ...هل تستوي الظلمات والنورقل هل يستوي األعمى والبصري أم... : قوله تعاىل

.126، ص 8 ج، املصدر نفسه - 1 .315، ص 2املصدر نفسه، ج - 2 .416، وص 132، وص 127ص: ينظر مثال اجلرجاين، دالئل اإلعجاز، - 3

- 112-

الذي هو املشرك )العمىٱهل يستوى ( تصوير آلرائهم الركيكة بصورة احملسوس )قل(« الذي هو املوحد العامل بذلك أو األول عبارة عـن )لبصريٱو (اجلاهل بالعبادة ومستحقها

.1»ثاين إشارة إىل املعبود العامل بكل شيءاملعبود الغافل والوبالفهم نفسه نظر إىل املثل القرآين املتعلق بتشبيه الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة

: يمإبـراه ( للنـاس لعلهـم يتـذكرون ألمثـال ٱ للهٱتؤتى أكلها كل حني بإذن ربها ويضرب : اليت

يف ضرا زيادة إفهـام وتـذكري، فإنـه تـصوير للمعـاين بـصور «؛ فرأى أن )25 مـن أنفـسكم هـل ضـرب لكـم مـثال : وحينما توقف عند قوله تعـاىل .2»احملسوسات

ــوا فيــه س ــأنتم ــا رزقنــاكم ف كاء فــي مــرــن ش ــانكم ممأي ــت ــن مــا ملك لكــم م مــافونه ء تخ كمأنفس كخيفتكم قلـونعم يـات لقـول الآينفص كذلك )ث عن ؛)28: الرومراح يتحد

أي مثل ذلك التفصيل الواضـح )كذلك(«: أمهية ضرب األمثال يف القرآن الكرمي قائال يال أدىن منه فإن التمثيل تـصوير للمعـاين أي نبينها ونوضحها ال تفص )آليتٱنفصل (

كات على هيئة املأنوس فيكـون يف غايـة املعقولة بصورة احملسوس وإبراز ألوابد املدر .3»اإليضاح والبيان السعود ركز أكثر ما ركز يف إشارته إىل مواضع التصوير علـى أن أبا فواضح

يشي بقصدية وعيه لروح التشبيه بوصفه مظهرا اجلوانب املثلية من اخلطاب القرآين، مما ولئن ملسنا آثار صاحب الكشاف . تصويريا، أو نوعا من األنواع البالغية للصورة الفنية

بشكل مصرح يف البحر احمليط، فإن األمر يكاد يلمح ضمنيا ههنا، ولكن دون أن نقـع .على قرينة لفظية تفيد أن أيب السعود أفاد من الزخمشري

.13، ص 5 ج)ط.ت.د(، بريوت،دار إحياء التراث العريب، إرشاد العقل السليم إىل مزايا القرآن الكرمي السعود، و أب- 1 .44، ص 5ج ، املصدر نفسه - 2 .59، ص 7ج ، املصدر نفسه- 3

- 113-

:بحث السادسامل نظرية التصوير الفين يف اخلطاب القرآين عند املحدثني

من الطبيعي أن تكون جلهود القدامى يف استيعاب الظاهرة اإلعجازية عموما، وتقصي ظالل التصوير القرآين خباصة امتدادات طالت الفكر العريب اإلسالمي احلـديث

سني وبعض أئمة التفسيـر املحدثيـن، يف فاملعاصر، إذ انربى هلذه الغاية حشد من الدار حماولة جديدة لتصور هذه املسـألة، وفهم دواعيهـا على هدى مما توصــل إليـه األسـالف، فطفقوا يوجهون عنايتهم باخلطاب القرآين عموما، وال سـيما اجلانـب

.القصصي منه، حماولني استجالء مكامن األدبية ونتوءات اخللق الفين فيهلقد عين الرافعي بقضية اإلعجاز مركزا على جوانب حيوية منه، فخصه

، ومن مجلة ما تناوله فيها لغة »إعجاز القرآن والبالغة النبوية«: بدراسة وافية وسمها بـ، ومجلة اآلداب والقيم اخللقية 3، وتعدد وجوه قراءاته2، ومدى تأثريه يف اللغة1القرآن

وقد حصر مفهوم . 5، وأثره يف العلوم الشرعية والدنيوية4تمل عليهاواالجتماعية اليت اشضعف القدرة اإلنسانية يف حماولة اإلعجاز، ومزاولته على «: اإلعجاز يف أمرين أوالمها

استمرار هذا الضعف على تراخي الزمن وتقدمه، ] والثاين[شدة اإلنسان واتصال عنايته، .6»...احد ليس له غري مدنه احملدودة بالغة ما بلغتفكأن العامل كله يف العجز إنسان و

ثمة ما يزكي فكرة التصوير القرآين اليت أومأ إليها الرافعي من خالل إشارته املقتضبة نوعا ما إىل اجلانب األسلويب والبالغي من اإلعجاز القرآين، ملا راح يعلن عن

. وما بعدها62ط، ص .ت.دار الكتاب العريب، بريوت، د مصطفى صادق الرافعي، إعجاز القرآن والبالغة النبوية، - 1 . وما بعدها74 املرجع نفسه، ص - 2 . وما بعدها46 نفسه، ص - 3 .عدها وما ب93 نفسه، ص - 4 . وما بعدها114 نفسه، ص - 5 .139 نفسه، ص - 6

- 114-

إىل أسرار الوضع اللغوي اليت وجوه البالغة «اعزموقفه من إعجاز القرآن، حيث مرجعها إىل اإلبانة عن حياة املعىن بتركيب حي من األلفاظ يطابق سنن احلياة يف دقة التأليف وإحكام الوضع ومجال التصوير وشدة املالءمة، حىت يكون أصغر شيء فيه

، وصرح بأنه مل يقصد يف اإلعجاز سائر الوجوه، ألا عامة ومعلومة1»كأكرب شيءله مادة من األلفاظ «وباقية، بل كان غرضه بيان إعجازه يف ذاته لكونه كالما عربيا

وما نظنه إال الصورة الروحية لإلنسان، . كأا مفرغة إفراغا من ذوب تلك املواد كلها .2»إذا كان اإلنسان يف تركيبه هو الصورة الروحية للعامل كله

ث عن أسلوب القرآن الكرمي وبالغته ونظمه إننا نزعم بعد هذا أنه حينما تحد وغرابة أوضاعه التركيبية، إمنا - سواء على مستوى األصوات والكلمات والتراكيب -

كان يؤصل فكرة التصوير القرآين، حىت وإن أعوزها املنحى التطبيقي لديه، فجهده مل ية احلديثة، وهل يكن سوى إرهاصات نظرية وطدت مشروعيتها ضمن الدراسات القرآن

!تتحدد مادة التصوير يف غري ما أشار إليه من مستويات لغوية ؟فاستخلصت فكرة اإلعجاز البياين اليت شكلت " عائشة عبد الرمحن"أما الباحثة

، اليت جعلت منها مادة 3حمورا جوهريا الهتمامها من خالل مجلة من الدراسات القرآنيةغاب بعد التصوير الفين بوصفه نظرية متكاملة من لكتاب أفردته للموضوع، ولئن

توصيفها، إال أا التفتت إىل املظاهر اللغوية واألسلوبية يف األداء القرآين من خالل وقوفها عند فواتح السور وأسرار احلروف القرآنية، ودالالت األلفاظ وأسرارها، وطرائق

ضمن اجلزء الثاين من دراستها حول ،"ابن األزرق"التعبري، فضال عن دراستها ملسائل

.156 املرجع نفسه، ص - 1 .156 نفسه، ص - 2 دراسة قرآنيـة –اإلعجاز البياين للقرآن ومسائل ابن األزرق : أشارت الباحثة إىل بعض تلك الدراسات يف كتاا - 3

.12، ص 1987، 2لغوية وبيانية، دار املعارف، القاهرة، ط - هها نافع ابن األزرق اخلارجي هيلعبـد اهللا ) هـ65( مسائل بشأن حوايل مائيت كلمة من غريب القرآن، وج

.، الذي قدم بشأا تأويال مشفوعا بشواهد من كالم العرببن عباس

- 115-

غريب القرآن، وذلك كله بعيد الصلة مبفهوم البيان وفق التحديد االصطالحي الدقيق، .فهو أدخل يف جمال البحث الداليل والصويت واألسلويب

ومما يعكس مقاربتها للموضوع حرصها على استدعاء وتتبع أهم التصورات لوجه البالغي يف القرآن الكرمي دون سواه، فكان مما أوردته واملواقف اليت ألمت با

وناقشته آراء دارسني حنو الرماين والباقالين وابن سنان والقاضي عبد اجلبار واجلرجاين وأيا ما كان األمر ميكن أن نعد جهدها يف . والسيوطي والزركشي والشيخ حممد عبده

. اخلطاب القرآينالصورة الفنية يفعمومه مقدمة لدراسة نظرية ، الذي )الفن القصصي يف القرآن الكرمي(كتابه " حممد أمحد خلف اهللا"وألف

يعد فتحا جديدا هلذا اال من االشتغال، إذ عمل صاحبه على استصالح األرضية ويئتها ملن جاء بعده من الدارسني، ويعد يف حدود تصورنا أول مؤلف أفرد ملعاجلة

وع القصص القرآين معاجلة أدبية فنية، وذلك بصرف النظر عما قيل بشأن مواقف موض .مؤلفه وتصوراته اليت خاهلا بعضهم جريئة من خالل هذا الكتاب

إذ ما يهمنا هو تصوره ألدبية القصص على أساس من البالغة العربية والفن ال هذه أننا كنا نراه يتحامل األديب، طارحا آليات التفسري التارخيي جانبا، وال غرو واحل

على املفسرين ويعتب عليهم صدورهم يف فهم القصص القرآين عن املرجعية التارخيية، ، وتبلغ حدة دفاعه عن موقفه هذا درجة إقراره بأن 1وإعراضهم عن املنظور الفين األديب

ألخبار اليت التحدي واإلعجاز إمنا قاما على قوة التأثري وسحر البيان، وليس على تلك ا .على هذه الفكرة يف تضاعيف كتابه ذاك" خلف اهللا"، ويلح 2تضمنها قصص القرآن

) سيكولوجية القصة يف القرآن(من خالل كتابه " نقرة امي"وحاول الباحث أن يربط أدبية القصص القرآين بالعامل النفسي الذي يرى بأنه يلتقي مع اجلانب الفين يف

.28 الفن القصصي يف القرآن، حممد أمحد خلف اهللا، ص - 1 .41 املرجع نفسه، ص - 2

- 116-

تأثري الديين، على اعتبار الصلة الوثيقة القائمة بني الفن والدين، اهلدف املتمثل يف الويذهب إىل أن مما يمكن من الوقوف على ما يف القصص القرآين من إبداع فين يكشف عن أسرار إعجازها البياين، وإقناع عقلي يلزم باحلجة، وتأثري وجداين يغذي املشاعر

وامل التأثري فيها، ومنهجها القصصي، ومصادر ويسمو بالنفس؛ هو حماولة حتسس ع .1ومقوماا السردية، وحتليل خمتلف عناصرها التربويالتوجيه ملعرفة فيها، ودورها يفا

وما دمنا ال نتوفر اليوم على ذلك الذوق الفطري السليم، الذي يمكننا من حيدث مع التجاوب مع القرآن عموما، وقصصه على وجه اخلصوص، مثلما كان

إدراك أسرار اإلعجاز – حسب وجهة نطر الباحث –معاصري حالة التنزل، تعين علينا لذلك . 2البياين يف قصص القرآن بطريقة التحليل الفين والنفسي جبميع أبعاده وموحياته

الحظنا كيف سعى لتوخي هذه اآللية اإلجرائية يف التعامل مع معظم النصوص اليت مع غوص عميق مكنه من الظفر مبواطن األداء التعبريي اجلمايل ختيرها لدراسته،

.والتصوير الفين يف ختوم القصص القرآينبفضل ذائقته السامقة وحـسه النافـذ ومترسـه يف جمـال " سيد قطب "ولعل

االشتغاالت األدبية والنقدية والفكرية ككل، أبرز من حاول تقدمي رؤيا معمقة وجديدة القرآنية، مضفيا عليها الصبغة التصويرية الفنية، والطابع اجلمايل التذوقي حلقل الدراسات

مـشاهد (و) التصوير الفين يف القرآن(وكتابيه ) يف ظالل القرآن(من خالل تفسريه القيم :فصاغ من خالل منجزاته تلك معامل نظرية أصيلة من خصائصها). القيامة يف القرآن

ا على قناعته الراسخة بأمهية اعتمـاد األسـس وذلك تأسيس : البعد النفسي - قـصيه ما يتضح هذا البعـد يف سـياق ت النفسية يف إرساء قواعد النقد األديب، وأكثر

ولعل ما . 1لالنفعاالت الوجدانية اليت ترتسم يف شىت النماذج البشرية اليت يصورها األداء

.13 القرآن، امي نقرة، ص سيكولوجية القصة يف- 1 .26 املرجع نفسه، ص - 2

- 117-

رآن الكرمي تأثريا سحريا ينفـذ يربر هذه اخلاصية ضمن نظرية التصوير اهتدائه إىل أن للق .3، وتأثره بالتوجه النقدي السائد يف عصره من جهة أخرى2إىل النفوس من جهة

وهو ضمن أفق هذه النظرية خاص باملتلقي فحسب، خالفا لإلبداع : اخليال -يف ضـبط معـىن " سيد قطب "وإذا كنا نتفق مع . 4الشعري الذي يتصل باملبدع أيضا

القرآين، منوهني مبوقع الصدارة الذي تبوأه يف مثل هذه املقاربات، متمثلني التصوير الفين حصافة ما توصل إليه، وسلمنا بأنه تصوير باللون، وتصوير باحلركة، فإننـا ال نوافقـه

، ذلك أن التخييل فاعلية تالزم اإلبداع البشري، 5"تصوير بالتخييل "حينما يشري إىل أنه ات اإلهلية املنجزة للخطاب القرآين الذي هو أمسى من جمرد عزو أنـساقه وتتأبى على الذ

التعبريية إىل موحيات اخليال، وما تقتضيه من تشويهات معتسفة للواقع؛ اللـهم إال إذا كان يرد التخييل إىل مستوى التلقي، مبا يشكله الدال القرآين من فضاءات ختييلية لـدى

مع هذا اخلطاب املعجز، ومعىن ذلك أن التـصوير الفـين يف القارئ، وهو يتفاعل نصيا القرآن عموما ويف قصصه على وجه اخلصوص ال ينطلق من اخليال بقدر ما يعمل علـى

.6توجيهه وتفعيله بغية تثبيت االستيعاب يف أمت هيئةوقد بدا اجلانب التحليلي الذي درس خالله سيد قطب مسـة : التناسق الفين -ثر امتالء مبظاهر الفن واإلبداع، لذلك كان احتفاله بترديد املصطلح بوصـفه التناسق أك

. وما بعدها95جبري صاحل محادي، التصوير الفين يف القرآن الكرمي، دراسة حتليلية، ص - 1 .11 التصوير الفين يف القرآن، ص،سيد قطب - 2 .96 املرجع السابق، ص - 3 . وما بعدها109 املرجع نفسه، ص - 4 .37ر الفين يف القرآن، ص التصوي، سيد قطب– 5

ينظر . التخييل احلسي والتجسيم: يف موضع آخر إىل أن التصوير الفين القرآين يقتضي ظاهريت" سيد قطب"ويشري أيضا . وما بعدها72ص

.53الصورة الفنية، ص : يراجع متييز جابر عصفور بني التخيل والتخييل ضمن- 6

- 118-

، والتناسق لديه أنواع 1)الظالل(خاصية فنية يف جل منجزاته النقدية، ناهيك عن تفسري ودرجات، منها ما فطن إليه بعض املشتغلني حول بالغة احلطاب القرآين، ومنها مـا ال

وراح يعدد جوانب من تلك األلـوان املعلومـة لـدى .يزال بكرا مل يلتفت إليه أحد . ظل مبنأى عن اهتمامهمالدارسني مربزا أن املستوى احلقيقي من التناسق

فلما كان القصص القرآين خاضعا ملقتضى الغرض الديين، وملا كان القـصص ينتمي إىل مست الكالم اإلهلي املنزل، أضحى من الضرورة احلديث عن أدبية قائمـة يف هذا النسق القصصي البديع، تبلور فهمه هلا يف ضوء ما توصل إليه من أن التصوير هـو

إا ألدبية متفردة يلتمع بريقها من عمـق اخلطـاب . األداة املفضلة يف أسلوب القرآن القصصي املعجز بذاته، منعكسا على سطحه املتعدد األوجه، وكأنه قطعة زمردية فريدة

.ل الصائغ املتمرس لروعتها وإشراق ملعاامن نوعها، يذهفهذا اخلضوع التام ملقتضى الغرض الديين مل حيل دون بروز اخلصائص الفنية اليت

يف عالقة " سيد قطب"يقول . شكل تضافرها أدبية القصص القرآين بفضل فاعلية التصوير والفن والدين صـنوان يف «: الغرض الديين بالغرض الفين وائتالفهما داخل التعبري القرآين

أعماق النفس، وقرارة احلس، وإدراك اجلمال الفين دليل االستعداد لتلقي التأثري الـديين، . 2»حني يرتفع الفن إىل هذا املستوى الرفيع، وحني تصفو النفس لتلقي رسالة اجلمـال

عمومـا، فهذه جدلية ال نرى إال أا ترسخ دعائم الظاهرة األدبية يف اخلطاب القـرآين تناول سيد قطب أربع ظـواهر فنيـة يف معماريـة . والنسق القصصي منه بوجه أخص

:القصص القرآين، وهي يف رأيه ال تبعد كثريا عما ميكن أن نلفيه يف بناء القصة املتخيلة

. وما بعدها136 يف القرآن الكرمي، دراسة حتليلية، ص جبري صاحل محادي، التصوير الفين- 1 .144ص ، )ط.ت.د(القاهرة، / دار الشروق، بريوت التصوير الفين يف القرآن،، سيد قطب- 2

- 119-

. تنوع طريقة العرض الفني– 1 . تنوع طريقة املفاجأة– 2عجازي، واليت يتركها األداء لتوقع املتلقـي الفجوات اليت تتخلل مشاهد السرد اإل – 3

.وأفق انتظاره، حىت يستمتع بربط املشاهد السابقة بالالحقة : التصوير القصصي املعجز، وألوانه اليت تتجلى يف العناصر اآلتية– 4

. قوة العرض واإلحياء- أ . إبراز العواطف واالنفعاالت-ب .1 رسم الشخصيات-ج

له من خالل أمثلة حية اقتطعها من السياقات الـسردية القرآنيـة تناول ذلك ك ذاا، جمتهدا ما أمكنه األمر إلبراز مسات األدبية اليت وإن كان مل يفصح عنها بـصريح اللفظ، إال أنه كان يلمح إليها يف غالب التقدير، عندما ركز اهتمامه على األداء اجلمايل

ولقد كان هذا تقريبا دأبه يف تفسريه القيم . ليلية احلصيفة الفين، وحشد لذلك رؤيته التح ، خالل مروره مبختلف األنساق السردية املتنوعة اليت كـان يتملـى )يف ظالل القرآن (

.أسرار إعجازها التصويري مبنظور مجايل تواقتفسري (على غرار ) التحرير والتنوير (وقد ألف الطاهر بن عاشور بوعي حصيف

، وألنه رأى أن آي التنزيل مجيعها مل ختل من فن دقـائق البالغـة )سيد قطب الظالل ل ونكته، فإنه حترى ما وسعه اإلمكان عدم إغفال التنبيه على ما يتراءى له مـن لطـائف

.2فعني ببيان وجوه اإلعجاز ونكت البالغة العربية وطرائق االستعمالبالغية، عيه بظاهرة اإلعجاز البالغـي يف وقد استحضر ضمن إحدى مقدمات تفسريه و

القرآن الكرمي يوصفه أساسا إلدراك مكامن الروعة وتنسم نفحات الفن، وال يـستقيم بالغة القرآن ولطائف أدبه تشف عن ذلك إال من قبيل التصوير؛ فأراد أن يلم بنا إملامة

. وما بعدها180 املرجع نفسه، ص - 1 .8 ص،1، مج1984 حممد الطاهر بن عاشور، تفسري التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، تونس، - 2

- 120-

ن فـتح اليت هي فتح لفنون رائعة من أدب لغة العرب حىت ترى كيف كان هذا القـرآ بصائر، وفتح عقول، وفتح ممالك، وفتح أدب غض ارتقى به األدب العريب مرتقـى مل

وإنعام النظر يف طبيعة التوجيه البالغي من تفسريه لكثري مـن .1يبلغه أدب أمة من قبل اليت سنستأنس بشيء منها ضمن اجلانب التطبيقي من هذه الدراسة يشي املواضع القرآنية .عد التصويري يف اخلطاب القرآينبوعيه العميق بالبامتعاضه وتربمه من التوجه األديب الفـين يف دراسـة " بكري شيخ أمني "ويبدي

: اخلطاب القرآين والسيما اجلانب القصصي منه، عندما أعلن يف الفصل الذي عقده لـه ريقـة إن القصة يف القرآن ليست عمال فنيا مستقال يف موضوعه، وط : نقول مبلء قوتنا «

عرضه، وسري حوادثه كما هي احلال يف القصص الفين، إمنا القصد فيـه وسـيلة مـن ، وقد علل موقفه هذا انطالقا من 2»...الوسائل الكثرية اليت استخدمها لغرضه األصيل

أن قصص القرآن يخرج عن احلدود اليت رمسها النقاد ألمناط السرد الفين، حنو األقصوصة )التعبري الفين يف القرآن( كما يشي به عنواا تضمنتبيد أن دراسته . 3والرواية واحلكاية

.بذرة من بذور التفكري املعاصر حول موضوع الصورة الفنية ومجاليتاا أداء وإحياءولكن إذا مل يكن هذا النسق القصصي املعجز من جنس ما برع فيه األدبـاء،

لية اليت ال تتجانف ومسات القداسة والتنزيـه فهذا ال مينع من تثمري تلك اآلليات التحلي املكفولين هلذا اخلطاب، واليت اصطنعت أساسا لدراسة القصص الفني الوضعي، خصوصا

.إذا كانت فعاليتها ناجعة يف جتلية املقصدية التبليغية للقصص القرآين ،"خالد أيب جنـدي "وقد أثار هذا املوقف املتحرج نوعا من االستغراب لدى

فعكف على مناقشته مبينا وجه عدم استقامته من خالل وقوفه على مفهوم القصة الفنية تتفق «احلديثة عند نقادها ومنظريها الغربيني والعرب، فتوصل إىل أن عموم تصورام هلا

.101، ص 1 املصدر السابق، مج- 1 .217 التعبري الفين يف القرآن، ص ، بكري شيخ أمني- 2 . 217 - 216 املرجع نفسه، ص - 3

- 121-

، 1»يف أمور كثرية مع ما طرحه القرآن الكرمي من مفهوم للقصة من خالل قصة يوسف .للقصة يمتد عنده ليشمل مجيع املفاهيم املقترحة بشأن القصة الفنيةفاملفهوم األديب

أنه نافح بقوة عن ضرورة " خالد أيب جندي "وقصارى ما يستشف من موقف تبني املنظور الفين الذي ال خيرج عن نطاق األدبية، فال داعي إىل تقليص دائـرة وعـي

احثني مبصادرة آليام التحليليـة األدبيـة القراء من جهة، وال داعي إىل التضييق على الب .لكشف معامل األداء اجلمايل يف اخلطاب السردي املعجز من جهة أخرى

ومما يثلب على هذا الدارس أنه انطلق يف استنتاجه ذاك من االستـشهاد بنبـإ يوسف وكأنه النموذج القصصي الوحيد يف نص الوحي؛ فحقا إنه نسق سردي متكامل

نحن نقص عليك أحـسن القـصص مبـا أوحينـا إليـك : على مواصفات البناء القصصي املعجزبتوافره، إال أنه ال ينبغي إغفال باقي األنساق 03: يوسف، هذا القرآن وإن كنت مـن قبلـه لمـن الغـافلني

لفنية مقياسا حيكم أدبيـة القصصية القرآنية، مث ال يسوغ أن جنعل من مقومات القصة ا .القصص القرآين وفنيات سرده

لكن ذلك ال ينبغي أن يثنينا عن اإلشادة جبهده الذي سعى من خالله إىل تعزيز وجهة الدراسات الفنية للقصص القرآين، والتمكني هلا يف ميدان البحث األديب، وهذا يف

سف، فتناول حتليل عناصـرها سياق القسم التطبيقي من دراسته الذي ختير له سورة يو .وفق مقتضيات أصول املنهج الفين

باستعراض أدبية اإلعجاز لدى القدامى " سليمان عشرايت "وبعد أن قام الباحث دراسة املنحى الفين يف أدبية اخلطاب القرآين، ندثني واملستشرقني، وبعد أن وقف ع واحملد

، التفت إىل أدبيـة التبليـغ "ونحممد أرك "و" مالك بن نيب "و" سيد قطب "متمليا رؤى القصصي القرآين، فبدأ أوال بتمييز ضربني من البنية القصصية، كمـا جتلـت يف هـذا

- لـسيد "وختالف نظرته التحليلية موقفه النظري، وذلك عندما استنام كليا إىل جانب من نظرية التصوير الفـين . ، وما بعدها221 ينظر حديثه عن عناصر القصة يف القرآن، ص .من حيث مل يشأ التصريح بذلك " قطب

.126 اجلانب الفين يف القصة القرآنية، منهجها وأسس بنائها، ص ، خالد أمحد أبو جندي- 1

- 122-

القصة املغلقة أو املكتملة، وهي النمط السردي الذي انفـرد بـذكره :أوهلما :اخلطاب ذلـك موطن قرآين واحد فريد يف سورة قرآنية واحدة، ومل يتكرر فيما عدا ذلك، ومن

قصص يوسف وأصحاب الكهف وسليمان، كما أدرج ضمن هذا الـضرب القـصص فهو القـصة املفتوحـة، :أما الثاين . الذي أخذ إطارا مثليا حنو قصص صاحب اجلنتني

، أكثر من سورة وقصد ا السياق السردي املتعلق بسرية نيب أو رسول غالبا، والوارد يف .1حنو قصص إبراهيم وموسى

حدود هذا التمييز فقط، بل ذهب إىل أبعد من ذلك عند وقوفالكتف ب ومل ي حينما راح يبسط التحليل والنقاش بشأن القصة املغلقة والقصة املفتوحة، موليا عنايتـه باملنظومة السردية القصصية، وأدبية احلدث يف هذين الضربني، وذلك من خالل تفحص

. لغاية التوضيحيةعينات من السرد اإلعجازي تعزيزا لومل يغفل توصيفه أدبية اإلعجاز يف عالقتها مع الـزمن الـسردي وأشـكاله، وفاعلية املكان، ومتوقع احلدثية، وفاعلية احلوار يف اخلطاب القصصي القـرآين، فتلـك حمطات حامسة استوقفت فطنة الباحث الذي بدا تذوقيا يف غالب منـاحي متاسـه مـع

ازية، وجاء جتاوبه مركزا بالقدر الذي تقتضيه حاجـة املكاشـفة الظاهرة األدبية اإلعج . األدبية وطبيعتها

وقد أدرك ضرورة التملص من اآلليات اإلجرائية اليت حددها منظور الـسردية الوضعية بشىت جتلياا الروائية والقصصية واحلكائية، إميانا منه بعدم جناعتـها يف تنـاول

ي، وحتليله، لذلك رأيناه يرفض التعويل على هذه العدة الـيت اخلطاب السردي اإلعجاز ال تنسجم مع املعطى السردي القرآين، املفارق جذريا للمعطى الوضعي، مـن حيـث «

مصدرية احلدث السردي احمليلة على اهللا، واملحددة الغاية يف السعي إىل حتقيق الفاعليـة ي لذلك البون العريض الكـامن بـني طبيعـة ، أ 2»ي ملعانقة عقيدة التوحيد لدى املتلق

. وما بعدها69 اخلطاب القرآين، مقاربة توصيفية جلمالية السرد اإلعجازي، ص ، سليمان عشرايت- 1 .195 املرجع نفسه، ص – 2

- 123-

الفاعلية القصصية اإلنسية اليت قد تتقبل مثل ذلك املنظور اإلجرائي، وبني طبيعة فاعليـة اإلعجازي الصادر عن الذات اإلهليةالقص .

أما العدة اإلجرائية احلداثية الطموحة اليت ختيرها الباحث لدراسته فلم تكن لتثنيه بروح اخلطاب القرآين يف مستوى تساميه وتفوقه وجالله، فقد متكن إىل حد عن التشبث

عند غريه، من احملافظة على – يف حدود ختميننا واطالعنا –كبري وعلى حنو مل نقع عليه حضور املقاصد الترشيدية اليت تتغياها العقيدة اإلسالمية السمحاء يف عمليـة مكاشـفة

.سردي اإلعجازيمناحي األدبية يف النسق الولعلنا نستطيع اجلزم بأنه ذهب إىل أبعد من ذلك، حينما سعى إلدماج هـذه املقاصد ذاا واستحضارها بغية إشراكها وتفعيلها الستقصاء مكـامن األداء اجلمـايل والفين، وهكذا مل يتجاوز هذا البحث البعد الديين مبحاولة اختزاله وإقصائه، األمر الذي

الشديد على االنطالق من عمق النص وما حييل عليه من إفضاءات تقريرية يفسر حرصه .يتبدى بني جنباا رونق اجلمال وبريقه األملعي

نتوءات األدبية يف القصص القرآين من خالل تلمس" حممد الدايل"اول وقد حممن أدلوا يف هذه ، اليت اقتص عربها آثار سابقيه )الوحدة الفنية يف القصة القرآنية(دراسته

القضية بآرائهم، مستنريا مبا توصلوا إليه من نتائج اكتسبت مشروعيتها من جدية يف ق يف التحليل والدراسةالطرح والتعم.

التفت إىل 1 اليت انبثق منها الفن يف القصص القرآيند املناحيفبعد أن عد ،ن أنه ليس منهجا تاحلديث عن منهج القصص القرآين، وبيدا، بل هو منهج ارخييا جمر

موضوعي فين وجداين حىت يف عرض القصص التمثيلي الذي يستند إىل معطيات واقعية ن أن هذا املنهج نفسي يف مشوليته ملا كانت فاعلية أيضا، بعيدا عن عوامل األخيلة، كما بي

عىن بالتحليل النفسي لألشخاص واألبطالالقصان أنواع ومضى بعد ذلك يف بي. اإلهلي تالقصص يف اخلطاب القرآين، موضحا أن الغاية الدينية ما كانت لتشيح بوجهها عن

.13 ،10 الوحدة الفنية يف القصة القرآنية، ص ، حممد الدايل- 1

- 124-

الذي سو غ فاعلية ما قد يبدو ألول وهلة تكرارا يف السرد اإلعجازي، نفحات الفنبينما هو يف حقيقته إشارات وعظية عرضت وفق املنهج الفين يف حلقات اقتضاها سياق

ة والتميز ليشكل تضافرها مسحة مجالية تزين ا كل منها على اجلدالتنزل، فانطوت .الغرض الديين العام ضمن السرد اإلعجازي

فاعلية اإليقاع الصويت، الذي يعترب إحدى املرتكزات إىل هذا الباحثهتنبقد وء اليت قامت عليها أدبية اإلعجاز القصصي يف القرآن بال ريب، ذلك أن مجالية بنا

الفاصلة القرآنية، وختير النمط الصويت املالئم من خالل اعتماد أحادية حرف الروي، الوصفي : كان هلما وقعهما السحري العجيب يف انسيابية السرد اإلعجازي بشقيه

اإلخباري، والتخاطيب احلواري وتتابعه يف تناسق بديع، وبالتايل تسويغ تلقي الوقائع .صه من صور مبخيال القارئوترسيخ ما تعمل على تشخي

واألدلة على ذلك من القصص القرآين عديدة، ويكفي أن حنيل على سبيل التمثيل واالستشهاد على القصص الواردة يف سورة مرمي اليت أسهم البعد اإليقاعي املتوازن يف تفعيل أدبيتها إىل حد بعيد على غرار سائر األبعاد واملناحي األخرى، وتنبه

ديد معامل الشخصيات وأثرها يف تفعيل احلدث السردي اإلعجازي، وبنية أيضا لتحه أغفل باملقابل نلك . الذي خدم كثريا البعد التبليغياحلوار، وتصريف طرائق العرض الفين

أدبية احليز والزمان على الرغم من أثرمها البارز يف بلورة أدبية اخلطاب القصصي يف .اجلمايل الفينالقرآن الكرمي، وتشكيل أدائه

مث إن خصوصية اخلطاب القصصي القرآين املتفرد مصدريا ووظيفيا وتبليغيا نرى مسوغا يسمح بردتسمو به عن وصفه مبا هو حقيق بدائرة اإلبداع اإلنسي، فال

اليت قد تنطبق كما ذهب إىل ذلك 1هذا النسق القصصي املعجز إىل ظاهرة احملاكاة . على اإلبداع الفين الوضعي)فن الشعر(يف " أرسطو"

.200 الوحدة الفنية يف القصة القرآنية، ص ، حممد الدايل- 1

- 125-

وال يزال تعاطي الدارسني والعلماء مع موضوع التصوير الفين يف اخلطاب القرآين متواصال، خالل عصرنا ضمن جمال الدراسات الفنية واللغوية للقرآن الكرمي، حنو فاضل

من صاحل السامرائي الذي وجه املوضوع توجيها لغويا وسياقيا، وأكسبه دينامية وحيوية ، )التعبري القـرآين (، )ملسات بيانية (خالل رصيد منجزاته العلمية القيمة اليت نذكر منها

، )دراسات فنية يف القرآن الكـرمي (، ومن هؤالء أمحد ياسوف يف منجزه )بالغة الكلمة (الصورة الفنية (ناهيك عن حبث آخر له يتماهى موضوعه مع اخلطاب القرآين موسوم بـ

الـصورة ( يف كتابـه حممد الصغري علي بناين، ومنهم أيضا )وي الشريف يف احلديث النب ).الفنية يف املثل القرآين

وإن اختلفت مناهجهم ومنطلقام املعرفية -وال شك أخريا يف أن هؤالء مجيعا أدركوا بعمق أن هذا اخلطاب ال يزال يفتر للعيون عن آللئ -النظرية وأدوام اإلجرائية

ثرة وبديعة من شأا أن تغري م الدارس لإلقبال عل استكشافها ومتليها ودرر تصويرية حبس تذوقي ورؤية فنية مجالية مبنأى عن اهلاجس النقدي الذي ال تسوغ املراهنة عليه يف هذا اال، فتضافرت جهودهم لتؤسس نظرية قراءة خاصة ببالغة اخلطـاب القـرآين

.استه وخصوصيته اإلعجازيةوأديبته، تراعي يف عمومها قد

- 126-

- 127-

الصورة الفنية مبعزل عن مجلة من احملددات اليت أخذها الدارسون ال ميكن دراسة بعني االعتبار، وحاولوا يف ضوئها تبين دينامية التصوير الفين يف الشعر خباصـة واألدب

ها تشي بأن ة، وال ريب يف أن املواقف اليت سبق إيراد بعام هناك عددا مـن العوامـل از واإلدراك احلسي والتـشابه تدخل يف حتديد طبيعتها كالتجربة والشعور والفكر وا

الصورة الفنية تقتضي أن تكون مشروطة بعناصر متشابكة أفرزا حقيقة ف .1...ةوالدق م اختلفوا يف حتديد طبيعتها، ومل جند من الدارسني من أغفلها وتغاضى عن قيمتها، إال أ

ولسنا ندعي بأننا سنلم ا . هذه املقومات حبسب اختالف النظريات اليت تؤطر جهودهم مجيعها، فذاك ضرب من احملال، وإمنا نسعى بالقدر الذي تفي به حاجـة البحـث إىل حتسس أهم تلك احملددات واليت كان منها اخليال والتجربة واملظـاهر البيانيـة واللغـة

.التقدمي احلسي للمعىن والبعد التجريديو

.143أمحد علي دمهان، الصورة البالغية عند عبد القاهر اجلرجاين منهجا وتطبيقا، ص - 1

- 128-

فاعلية اخليال: املبحث األول التأسيسي التنظريي استكناه طبيعة الصورة، فـال ملا كان مهنا ضمن هذا اجلانب

اخليال بالقدر الذي يفي بغرضنا، حىت يتسنى لنا بعـد ذلـك مناص من أن نلم بقضية ما بني طبيعة الصورة يف الـشعر واألدب ككـل، الوقوف عند اخلطوط الفارقة املميزة

وطبيعتها يف اخلطاب القرآين، وحتديدا يف اجلانب القصصي منه، مبا ينطوي عليه من عمق وهلذا فال ندعي أننا بصدد التنظري املعمق ملوضوع اخليال . إعجازي ال متناهي املستويات

مهما حاولت أن تتحلل أو تتفلت منه، تلك الفاعلية الذهنية اليت تعد من وظائف العقل، ، فذاك أمـر وتلقيها معا الصورإذ يكاد النقاد والدارسون جيمعون على أا بؤرة ابتكار

:ومن مثة توجب علينا ههنا إثارة التساؤل اآليت. ليس من شأننا يف هذا املقامحيث تشكلها إذا كانت الصورة الفنية يف األدب بعامة والشعر خباصة تدين من

بالفضل إىل اخليال الذي ال ختفى بصماته فيها من جهة أدائها املتصل باملبدع وإحيائهـا الذي ينصرف إىل املتلقي، فما هي حقيقة هذه الفاعلية العجيبة، وكيف نظر إليها علـى

مدى العصور؟ وما هي حدود اشتغاهلا الفنية ؟ مفهوم اخليال:

عليها ثياب سـود تطرح خشبة ، وهو أيضا الطيفالشخص و معناه اخليال لغة وخيل ظننته، : ، وخلت الشيء اعةالفز يطلق عليها تظنه إنسانا كي تنصب للطري والبهائم

تـصورته : نظري قولنـا تخيلته فتخيل يل : يقال، و من التخييل والوهم آت إليه أنه كذا : وأخال عليه الشيء خاهلا ماطرة لرعدها وبرقها السحابة ت هيا أيضلة خياملو. فتصور يل

أي على ما وافعل ذلك على ما خيلت،ة فإذا هو إنسان ل إليه أنه داب يوخ، وأشكل اشتبهأرتك نفسك وشبهت1يال يف املرآةاخل ، ونقول الح وأومهت.

ومـا 264، ص 4، ج)خيـل (، ن العـرب ، وابن منظور، لسا 1691ص / 4، ج )خيل(، اجلوهري، الصحاح - 1

.275، 274، ص 1، ج)خيل(، والزخمشري، أساس البالغة، مادة بعدها

- 129-

يف اليقظـة واحللـم مـن ما تشبه لك: واخليال واخليالة«: ويضيف ابن منظور خيال اإلنـسان يف اخليال لكل شيء تراه كالظل، وكذلك « :وقال األزهري ، 1»صورة

: خيال، يقـال فهو املرآة، وخياله يف املنام صورة تمثاله، ورمبا مر بك الشيء شبه الظل بـل ألقـوا فـإذا حبـالهم وعـصيهم قـال : وورد يف القرآن الكرمي قوله تعاىل .2تخيل يل خياله

يستفاد من خالل التحديـد . 3يشبه إليه: ؛ أي)66: طه(، يخيل إليه من سحرهم أنهـا تـسعى االشتقاقي أن اخليال يشي مبعاين الطيف والظن والتشبه والوهم والظل، مما يوحي بداللة

.والواقعما يقابل احلقيقة كلمة أخرى تكاد تتلبس ا وختـتلط، وهـي imaginationبيد أن للخيال

ن يف مدلوالت اشتقاقية معينة، ذلك أن الـوهم ، حبيث تتقاطع الكلمتا illusionالوهم الغلـط والظـن متجاورة إىل حد ما أمهها ما جاء يف معاجم اللغة يفيد معان من خالل

ساب وحنومها سهوا، والتفرس والتوسم والتخيل، وما قد وإسقاط شيء من الصالة واحل ، وكأن 4يقع يف خلد املرء وخيطر يف قلبه فيذهب إليه وهو يريد خالفه، والطريق الواسع

جمال الوهم قابل ألن يتوسع إذا ما مل يوضع له حد. ويبدو أن املطلوب يف التحديد االصطالحي إمنا هو اخليال وليس الوهم، ذلك أن اخليال إجيايب حيدث يف حلظات وعينا، بينما الوهم حالة سلبية تقع يف غفلة منـا جـراء

.ولعل ذلك ما بعث على اختيار لفظة خيال مصطلحا نقديا. اضطراب ذهين ما

.267، ص 4، ج)خيل(، مادة مصدر سابق ابن منظور، - 1 ).خال( األزهري، ذيب اللغة، مادة - 2 .267، ص 4، ج)خيل( ابن منظور، لسان العرب، مادة - 3: ، والزخمـشري 416، 415، ص 15، ج لسان العرب : ، وابن منظور 1693 / 4 ،)وهم (الصحاح،: اجلوهري - 4

.149، ص 6وابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج ،358، ص 2 جأساس البالغة،

- 130-

هو القدرة على تكوين صور ذهنية ألشياء غابت عن متناول واخليال اصطالحا احلس1 . 2 إىل أرسطو، وقد تأثر به ابن سينا أيضا والواقع أن أصل هذا التعريف يرتد .

وال تتحدد فاعلية اخليال فقط يف االسترجاع اآليل ملا مت إدراكه حسيا وفق إطار مكـاين أو زماين معين، وإمنا تعيد صياغة تلك املدركات لتؤلف منها عاملا آخر متميزا، فيتم من

.3سجام والوحدةخالل ذلك إزالة التنافر والتباعد، وحتقيق االنتلك القوة التركيبية السحرية اليت تكشف لنا عن ذاا يف خلق التوازن، أو «إنه

التوفيق بني الصفات املتضادة أو املتعارضة، بني اإلحساس باجلدة، والرؤيـة املباشـرة، واملوضوعات القدمية املألوفة، من حالة غري عادية من االنفعال، ودرجة عالية من النظام،

. 4»بني احلكم املتيقظ أبدا وضبط النفس املتواصل واحلماس البالغ واالنفعـال العميـق فاخليال وفق هذا التصور فاعلية ابتكارية تشع من الذات، يناط ا التحليل والتركيـب

الشعري الذي تعزى وضبط التوازن بني شىت األجزاء، وصهر امللكات يف بوتقة اإلبداع .5ىل حيوية اخليال ومتاهيه مع عناصر التجربةمسات النضج فيه إ

.13 جابر عصفور، الصورة الفنية يف التراث النقدي والبالغي عند العرب، ص - 1 .10، ص 1998/ 1.صرية العاملية، القاهرة، ط مفهوماته ووظائفه، الشركة امل-عاطف جودة نصر، اخليال - 2 .13، ص املرجع السابق - 3مصطفى بدوي، األجنلو املصرية، املؤسسة املصرية العامة للتأليف . ريتشاردز، مبادئ النقد األديب، ت - 4

.312، ص 1961والنشر،القاهرة، .51 ص .ت.املعارف، اإلسكندرية، ددار مصطفى السعدين، التصوير الفين يف شعر حممود حسن إمساعيل، - 5

- 131-

مقولة اخليال يف خمترب الدارسني: املبحث الثاين : فكرة اخليال عند اإلغريق-أ

نرتئي احلديث عن موضوع اخليال يف الفكر اإلنساين قاطبة وفق منظور تـارخيي قدمية، اليت أمست منارة نستهله من حيث جذوره اليت ترتد إىل معقل الفلسفة اليونانية ال

لطاملا تشرب منها الدارسون العرب والغربيون على السواء قدميا وحديثا، وانطلقوا منها يف تأصيل شىت قضايا النقد والبالغة، على البون الشاسع من حيث اخلصوصية احلضارية

. لكل من الثقافتني العربية والغربيةع من التعارض والغموض، ذلك أنـه بشأن اخليال نو "أفالطون"يكتنف موقف

حط يف سياق من قيمة الفنطاسيا أو املخيلة على اعتبار أا وظيفة للنفس الغري سـامية، اليت غدت عنده أساس الوهم واخلطأ، وراح يعترف يف سياق آخر بقدرة اخليال علـى

نتـهى اويف سـياق ثالـث . ى ما يتناوله العقل استحضار الرؤية الصوفية اليت تسمو عل أفالطون فيما نقله عنه فلوطرخس إىل أن احلواس اشتراك قوة النفس وآلة البدن يف إدراك

عد أن التخيـل والتـذكر وإدراك ويف سياق رابع . بوساطة الفنطاسيا الشيء اخلارجي ل عنده يرسم يف الـنفس أشـباه . احملسوسات املشتركة وظائف للعقل ال للحسوالتخي

.1 باحلس الذي يأخذ منه موضوعاته فتصبح مادة للتفكرياألشياء املدركة دميقريطس" ، فإن2»اجلنون العلوي«الشاعر ضربا من خيال "سقراط"ولئن عد"

.3ذهب إىل تفسري التخيل صادرا عن مذهبه الذري بأنه تقابل األشياء بالذرات النفسية

.8، 7 مفهوماته ووظائفه، ص -عاطف جودة نصر، اخليال : ينظر - 1 .142ت، ص .إحسان عباس، فن الشعر، دار الثقافة، بريوت، د - 2 .9 مفهوماته ووظائفه، ص -عاطف جودة نصر، اخليال : ينظر - 3

- 132-

. 1»س مبوجود باحلقيقة إن التوهم حال يتخيل لنا فيها شيء لي «": أرسطو"يقول ا اخليال يعد قاصر ويرى أن ،اخليال والوهم يتراءى لنا من تعريفه هذا أنه خيلط ما بني

إذا ما تفلت من إسار العقل، وإن كان يف سياق آخر قد قرر أنه ليس بوسـع القـدرة ـ . 2اخليالالعقلية أن تضطلع بدورها مبنأى عن طو، وحيدد أحد الباحثني فهما آخر ألرس

اإلحساس، إذ ال ميكن للخيال أن يوجد بدونـه، اخليال فاعلية تترتب عن ذكر فيه أن مرهون بوجود اخليال واإلحساس معا، ومن مثة يتضح أن اخليال conceptionوالتصور

.3والتصور ليسا باملتطابقنيالشعرية الكاذبـة خالفـا لـضروب باألقاويل "أرسطو"وارتبط التخييل عند

وهلذا كان للتخييل يف الشعر قيمة العلم يف الربهان، والظـن يف «، 4ويل األخرى األقاوهذا التخييل هو ما يطلق عليه احملاكاة، مث ال ينبغي أن . 5»اجلدل، واإلقناع يف اخلطابة

.يفهم من صفة الكذب ما يطعن يف قيمة الشعرية على أا تعـبري الذي فهم نظرية احملاكاة األرسط "Butcherبوتشر "ينتهي و

) فنطاسـيا (عن وقع العامل على خميلة الفنان، إىل أن أرسطو مل يتعامل مع ملكة التخيل بوصفها قوة ابتكارية هلا وقعها اخلاص يف تقدمي عامل خاص يتآلف فيه الفكر واحلـس ،

.69، ص 1954بد الرمحن بدوي، النهضة املصرية، القاهرة، ع. اسحق بن حنني، كتاب أرسطوطاليس يف النفس، تح - 1 - ،ز بينه وبـني الـوهمأورد الباحث عاطف جودة نصر يف سياق استعراض فهم أرسطو للخيال مبا يشي بأنه ميي

.71 مفهوماته ووظائفه، ص -اخليال : ينظر. وبني التفكر .117، ص 1982، 1. العودة، بريوت، طحممد غنيمي هالل، النقد األديب احلديث، دار: ينظر - 2 .5 مفهوماته ووظائفه، ص - عاطف جودة نصر، اخليال - 3 .177 أرسطو، فن الشعر، ص - 4 -األقاويل الربهانية واخلطابية واجلدلية والسوفسطائية: والضروب األخرى هي.

.218 إحسان عباس، تاريخ النقد األديب عند العرب، ص - 5

- 133-

ـ . وتتكيف ضمنه عناصر التجربة ومادا اخلام طو مل ولعل هذا ما يعلل يف نظره أن أرس .1ل من قريب أو من بعبدمبلكة التخي) فن الشعر(حيتفل يف

نظرية اخليـال يف ( يف كتابه فترضا "Murray Bundyموراي بوندي " أن إال تتعلق بوظائف ملكة التخيـل يف الـشعر أن لدى أرسطو آراء )الفكر القدمي والوسيط

صريح عن التخيل ضمن كتابـه احلديث ال "أرسطو"الفن اجلميل بعامة، ويعلل إغفال و يعتـرض أفكـاره اللـئ ، وحتاشيه استخدام كلمة فنطاسيا بقصد واع منه )فن الشعر (

ب عن اخللط بني تصوإشكال يترت ره ملفهوم الفنطاسيا قياسا إىل مفهومهـا اجلديدة أي .2القدمي لدى من سبقوه

: موقف العرب القدامى من اخليال-ب الشعري يف عـوامل اخليـال ى الرغم من إيغال موروثهم أما العرب القدامى فعل

ومظاهره التصويرية اليت جتلت يف التشبيه وااز، إال أن اهتمامهم النظـري باملوضـوع بات حمتشما، اللهم إال استثنينا طبيعة فهمهم ملصدر اإلهلام الشعري، فقد راحوا يفسرون

ئنات غري مرئية، فذكروا شياطني الـشعر تلك القوة الذهنية تفسريا أسطوريا يقرنها بكا . 3والتابع والرئي، واعتقد بعضهم بإهلامهم، زاعمني أم ينفثون الشعر علـى ألـسنتهم .4ولعل تلك الساعة اليت نصح بشر بن املعتمر بتحريها أن تكون مواتية للخيال اإلبداعي

لقدامى أبعد ميكن الذهاب إىل أن التصور القدمي للخيال لدى العرب ا ومع ذلك مـن «يف هذا السياق أنه " غنيمي هالل حممد "ما يكون عن التصور احلديث، وقد قرر

العيث أن نربط بني اخليال والصورة يف النقد العريب القـدمي، ألن كليهمـا ذو مفهـوم

وقـد ضـمن بوتـشر . 23بر عصفور، الصورة الفنية يف التراث النقدي والبالغي عند العرب، ص جا: نقال عن - 1 .أرسطو ونظرية الشعر والفن: موقفه يف دراسته

.23، ص نقال عن املرجع نفسه - 2 .144، 143، وإحسان عباس، فن الشعر، ص ، وما بعدها225، ص 6ج اجلاحظ، احليوان، - 3 .135، ص 1جيان والتبيني، اجلاحظ، الب: ينظر - 4

- 134-

مل يوجد إال منـذ عهـد – يف مفهومهما احلديث –مستقل عن اآلخر، والربط بينهما الغة اليت قد تتصل بالصورة يف ناحية من نواحي مفهومها القاصـر، قريب، أما وجوه الب

فلم ترتبط عند أولئك النقاد باخليال وال بالصورة، وإمنا كانت صلتها عنـدهم بالقـدر .1»الذي فهموه من نظرية احملاكاة كما عرفوها من أفالطون وأرسطو

تطرق إليهم مـن لقد احتفت بيئة الفالسفة اإلسالميني مبفهوم اخليال، بفضل ما ترمجات للفكر الفلسفي اإلغريقي، وما لقيه من اهتمام دارسينا القدامى بلغ حـدا مـن الشغف دفعهم إىل تشرب روافد هذا الفكر، يف غياب تفكري تنظريي حول اخليال الذي مل يكن يعين لديهم إال املعىن املعجمي الدارج الذي يفيد توهم شيء غري موجود أصال،

ربط الشعر نظرا ملوقعه األديب املتميز باخليال كوهم، فالـشعر ات من غري املمكن هلذا ب من مظاهر التأثر و. 2»أعلم منه علم قوم مل يكن هلم علم «كما أثر عن عمر بن اخلطاب

العريب القدمي باألجواء اليونانية إثارة البالغيني والنقاد لقضايا اللفظ واملعـىن والـصدق .3 واإلنشاءوالكذب واخلرب

جيعل الكندي مصطلح التوهم مرادفا للتخيل، فهما لديه يقابالن املصطلح اليوناين fantasia م هو الفنطاسيا قوة نفسانية ومدركة للصور احلسية مع غيبـة «: ، يقولالتوه

. 4»ويقال الفنطاسيا هو التخيل، وهو حضور األشياء احملسوسة مع غيبة طينتها . طينتها ازدواج املصطلح العريب يعزى إىل اختالف املترمجني يف ضبط الكلمة العربية ولعل سبب

.162 حممد غنيمي هالل، النقد األديب احلديث، ص - 1 .18، ص 1ابن رشيق، العمدة، ج - 2 .197 مفهوماته ووظائفه، ص -عاطف جودة نصر، اخليال - 3يب، حممد عبد اهلادي أبو ريـدة، دار الفكـر العـر . ، تح )يف حدود األشياء ورسومه ( الكندي، الرسائل، رسالة - 4

.167، ص 1955القاهرة،

- 135-

، فضل قسطا بن لوقـا كلمـة )توهم(املناسبة، ففي حني اختار اسحق بن حنني كلمة .1ومشتقاا، وكالمها من مترمجي القرن الثالث اهلجري) ختيل(

ـ 339. ت(يتصور فالسفة اإلسالم وال سيما الفارايب 428. ت( وابن سـينا ) ه وجود مخس قوى إدراكية باطنية يف مقابل قـوى اإلدراك اخلارجيـة املتمثلـة يف )هـ

صور احملسوسات حىت أثناء غياا، ألا خمزنة احلواس اخلمس، وتدرك هذه القوة الباطنية ، وتتموقع هذه القوى الذهنية الداخلية يف الـدماغ . فيها، وبالتايل ال تستدعي حضورها

: لتضطلع كل منها بوظيفة معينة، وهي كاآليتواىلحبيث تت .، وهو فاعلية تتلقى كل الصور املنطبعة يف احلواس الظاهريةاحلس املشترك: أوال-وظيفتها حفظ ما يقدمه إليها احلس املشترك من الصور اليت ، اخليال أو املصورة : ثانيا -

.تلك احلواسبلغته من احلواس، حىت ولو بعد غياب ، يناط ا استرجاع صور احملسوسات املخزنة يف اخليـال، املتخيلة أو املفكرة : ثالثا -

.وإعادة تشكيلها يف هيئات جديدة مل يدركها احلس قبال، فوظيفتا ابتكارية ، وتدرك بواسطة الصور املؤلفة يف املتخيلة املعاين اجلزئية الغـري القوة الومهية : رابعا -

.حمسوسة، مثلما تدرك الشاة من صورة الذئب معىن العداوة والبطش فتفر منه، وتشترك مع املصورة يف الدور، إال أا ختتلف عنها يف أا احلافظة الذاكرة : خامسا -

ما تدركه القوة الومهية من املعاين غري احملسوسة، ويذهب ابن سينا، إىل تعمل على حفظ .2هي االستعادة أو التذكرأن هلا وظيفة أخرى، و

حينما " Blackmurبالكمور "ويقترب هذا التصنيف املتقدم تارخييا من تصور أوهلا الفاعلية احلسية اليت متكن من النظر : ميز بني ثالثة فاعليات لعالقة الذهن باملوضوع

لية ختيـل انطباع شكله على شبكية العني، وثانيها فاع : ، أي pictureإىل الشيء املادي

.18 جابر عصفور، الصورة الفنية يف التراث النقدي والبالغي عند العرب، ص - 1 وقد حتدث الفارايب عن هذه القوى يف رسالة قـوانني . وما بعدها 27جابر عصفور، الصورة الفنية، ص : نقال عن - 2

. يف القسم اخلاص بالنفس من كتاب الشفاءصناعة الشعراء ضمن فن الشعر، وأما ابن سينا فقد عرض هلا

- 136-

، وثاثها فاعلية الرؤية الداخلية، أو اإلبـصار imagineصورة ذلك املوضوع يف الذهن ، فضمن هذه العناصر الثالثة يتهيأ لنا الشكل اخلـارجي للموضـوع seeبعني الباطن

figure فال ندرك من خالل الفاعلية األوىل سوى صورة الشيء، بينما مـن . بعد غيابه .1خرين ندرك فإننا ندرك الشيء ذاته ال صورتهخالل املستويني اآل

نازح من حقـل اخليالميكن أن تنسحب نظرة األوربيني اليت ترى أن مصطلح الفلسفة إىل األدب، على الوعي النقدي التراثي العريب، إذ بدأ يؤدي دالالت اصطالحية

ة إىل متميزة يف خضم حركة الترمجة، وصار مصطلح اخليال بذلك يـستخدم لإلشـار فاعلية الشعر وخصائصه، ويصف طبيعة اإلثارة اليت حبدثها يف املتلقي، وتدين هذه النقلة لدى العرب بالفضل للفالسفة، وذلك ما قام به الفارايب حني صـاغ نظريـة احملاكـاة ألرسطو على مرتكز سيكولوجي ينبئ عن متثل حصيف مللكة التخيل عنـد الـشاعر،

.2ثارة التخيلية اليت يحدثها الشعر يف املتلقيووعي ناضج لطبيعة اإلهكذا استطاع الفارايب تعبيد الطريق أمام الفالسفة الذين جـاؤوا إثـره حنـو مسكويه وابن سينا وابن رشد، مبينا هلم وشائج الصلة بني الشعر والتخيل، وال خيفى ما

وتعميق للوعي بطبيعـة يف صنيعه ذاك من إثراء للدراسة النقدية عند العرب بوجه عام، الصورة الفنية وعالقتها باخليال أو التخيل خصوصا، ومن مث بدأ الولوج التدرجيي لكلمة

ومشتقاا ضمن حقل املصطلح النقدي والبالغي، وأخذ األمر يتـدعم أكثـر ) التخيل(فـأكثر مع لبنات ابن سينا وابن رشد اليت دعمت صرح الفلـسفة اإلسـالمية، إىل أن

.نتهى األمر إىل ذروته مع حازم القرطاجين خالل القرن السابعاـ 684ت (يرى حازم القرطاجين : التخييل يف الشعر يقع من أربعة أحناء « أن ) ه

من جهة املعىن، ومن جهة األسلوب، ومن جهة اللفظ، ومن جهـة اللفـظ والـوزن،

.87 احلديث، ص الشعر العريبنعيم اليايف، تطور الصورة الفنية يف : ينظر - 1خالد الزواوي، تطور : وينظر أيضا . 21 جابر عصفور، الصورة الفنية يف التراث النقدي والبالغي عند العرب، ص - 2

.22، ص 2000الصورة يف الشعر اجلاهلي،

- 137-

ل ليس بضروري ولكنه ختييل ضروري، وختيي : وينقسم التخييل بالنسبة إىل الشعر قسمني والتخاييل الضرورية هي ختاييل املعاين من جهة األلفاظ، واألكيدة ... أكيد أو مستحب

واملستحبة ختاييل اللفظ يف النفس، وختاييل األسلوب وختاييل األوزان والـنظم، وآكـد يتضح من ذلك أن التخييل عنده مفهوم عام وشـامل جلميـع . 1»ذلك ختييل األسلوب

.وإن تفاوتت ضرورته من عنصر إىل آخر، من حيث احملتوى والشكللشعراعناصر ختيل املقول «:ويورد حازم تقسيما آخر للتخييل باعتبار متعلقاته فريى أنه نوعان

فيه بالقول، وختيل أشياء يف املقول فيه ويف القول من جهة ألفاظـه ومعانيـه ونظمـه ط الصور وتشكيلها، والتخيـيالت الثـواين وأسلوبه؛ فالتخييل األول جيري جمرى ختطي

جتري جمرى النقوش يف الصورة، والتوشية يف األثواب، والتفـصيل يف فرائـد العقـود فهي جتري من األمساع جمرى ... وأحجارها، وتلك الصيغ واهليئات هي التخاييل الثواين

. 2»الوشي يف الربود، والتفصيل يف العقود من األبصارلتصنيف هو تصور املوضوع واألداة، أو على ما يطلق عليه النقاد لعل مدار هذا ا

وال يقصد حازم هنا بالتخيل الثاين ما عناه كولردج . املحدثون بثنائية املضمون والشكل وينطوي النص هنا على متييز بني التخيل اإلمجايل املتعلـق بتخطـيط . باخليال الثانوي

خيل املقول فيه بالقول، وبني التخيل التفصيلي، الـذي القصيدة وهندستها وهو املراد بت .3يتصل بالصيغ واهليئات والتراكيب

والنفـوس «: وفيما يتصل بطبيعة عالقة التخييل الشعري باملتلقي يقول حـازم تتخيل مبا خييل هلا الشاعر من حماسن ضروب الزينة فتبتهج لذلك، وهلذا نقلوا إىل بعض

من هذا القبيل أمساء الصناعات اليت هي تنميقات يف املـصنوعات، اهليئات اللفظية اليت

.127، ص 1966حممد احلبيب بن اخلوجة، دار الكتب الشرقية، تونس، . منهاج البلغاء وسراج األدباء، تح- 1 .90 ص ،املصدر نفسه - 2 .230 مفهوماته ووظائفه، ص - عاطف جودة نصر، اخليال - 3

- 138-

فللتخييل صدى ندي ووقع ،1»...الترصيع والتوشيح والتسهيم من تسهيم الربود : فقالواأخاذ حيدثهما يف املتلقي، فيفتن به كما يفنت ملرأى سائر احلرف، األمـر الـذي حـدا

.المبالقدامى إىل استعارة صفاا لفنون الكومما يشي بإملامه الواسع باملوضوع أنه راح يصرف للتخاييل مثانية أحوال، عـزا

وحصرها يف مقاصد غرض الشاعر الكلية، وأسـاليبها، إىل التخيل الكلي األول نصفها وترتيب املعاين وتشكلها، وقيامها يف اخلاطر يف عبارات تليق ا، ورد النصف اآلخر من

، وحصرها يف ختيل املعاين معـىن معـىن وفـق التخيل اجلزئي الثاين ىل تلك األحوال إ الغرض، وختيل ما يكون زينة للمعىن وتكميال له، وختيل مقدار الوزن وما يكـون مـن وقعه على النفوس، ومنها أن يتخيل يف موضع القافية الذي تقصر فيه العبارة عـن أداء

.2املعىن، معىن ملحقا بذلك املعىنن تصورا دقيقا كهذا ليعكس تأثر الرجل مبنهج املناطقة التحليلي، يف انتقاهلم من إ

العام إىل اخلاص، أو من الكلي إىل اجلزئي يف نظرم إىل شىت القضايا، كما يـربز أنـه الشعر الفنية دون استثناء إىل اخليال، ومل يقصره على جانب معين أخضع مجيع مقومات

أمر آخر حقيق بالتوقف عنده فيما يتصل بتصور حازم للخيال يندرج وهناك .دون آخر الصور القبيحة «، فرأى أن 3ضمن إشارته إىل عالقته باللذة، متكئا يف ذلك على ابن سينا

املستبشعة تكون صورها املنقوشة واملخطوطة واملنحوتة لذيذة إذا بلغت الغاية القـصوى ألا حسنة يف أنفسها، بل ألا حسنة احملاكاة ملا حوكي ال... من الشبه مبا هي أمثلة له

.«4ا عند مقايستها به

.90ص ، املصدر السابق - 1 .94، 93ص حازم القرطاجين، منهاج البلغاء وسراج األدباء، - 2 .172، 171،ص1953النهضة العربية، القاهرة، عبد الرمحن بدوي، . ابن سينا، فن الشعر، من كتاب الشفاء، تح- 3 .86، 85، ص املصدر السابق - 4

- 139-

سبق أن قرر املعىن نفسه حني الحظ يف إطار نظرية احملاكاة "أرسطو"والواقع أن نزوع اإلنسان وميله إىل رؤية املوضوعات مصورة حمكمة التصوير، حىت ولو بـدت يف

، وبنفر منـها ها الطبع تصوير املشاهد الفظيعة اليت يستهجن و الواقع مبنظر قبيح منكر، حن فنحن نستحسن املشاهد اليت تبلغ فيها املشاة ذروا حني . فالعربة إذن بإجادة التصوير

نكون بإزاء ما يبعث على األمل، كمشاهد احليوانات الدنيئة واجلثث امليتة وصور الدمار .1واحلروب وحنوها

إىل التمييز بني مستويني من اجلمال، مها اجلمال الطبيعـي إن هذا األمر يفضي هو الشيء الذي تتوافر لـه اجلمال الطبيعي حسبما يرى كانط «إذ أن واجلمال الفين،

، بصرف النظر عمـا إذا التقدمي اجلميل للشيء ، أما اجلمال الفين فهو صفة اجلمال فقـد : رسني ذا الصدد قائال ويضيف أحد الدا . 2كان هذا الشيء نفسه مجيال أم ال

يكون التقدمي مجيال لشيء قبيح طبيعة، فيعد مجاال فنيا جلمال الصور الشعرية، أو جلمال اجلمال الفين يعزى إىل الذات مبـا ف. 3املشاعر اليت يضفيها الشاعر على الشيء القبيح

ىل طبيعة العمـل تنطوي عليه من جتارب شعورية وأحاسيس وأخيلة وقيم ذاتية أوال، وإ .4الفين نفسه، مما يبعث على االفتتان أو النفور ثانيا

مت نظرته مفارقة لنظرة األشخاص افالفنان ال يثنيه شيء عن التماس اللذة، ماد . العاديني، وما دام مهه إضفاء اجلمال على املوضوعات كلها حىت تلك اليت تـستثري األمل

التخييل والرباعة يف احملاكاة، فإذا ما حدث العكـس وال يستقيم له ذلك إال باحلذق يف

.79الشعر، ص فن أرسطو، - 1ه النقد األديب احلـديث، أصـول ، وحممد زغلول سالم، 355حممد غنيمي هالل، النقد األديب احلديث، ص : ينظر - 2

.5، ص ط.ت.واجتاهاته ورواده، منشأة املعارف، اإلسكندرية، د .355حممد غنيمي هالل، النقد األديب احلديث، ص - 3 .386، ص املرجع نفسه - 4

- 140-

وطرأ التقبيح فنيا على املوضوع اجلميل واقعيا، فإن األمر ال يدخل يف نطاق احملاكاة، ألنه .1ال يتسق وطبيعتها، بل ال يعدو أن يكون ضربا من التشويه

نهجيا يستشف من طرح حازم الذي عايناه من خالل هذه الوقفات أنه توخى م إىل حد يعيد أسلوب الفالسفة واملتكلمني واملناطقة، وهو ما يترمجه إسقاطه للتـصنيف املنطقي الذي استعاره منهم على املعطى النقدي، وقد أملح إىل ذلك أحد الدارسني الذي عد حازما من النقاد والبالغيني الذين لفوا لف الفالسفة من خالل صياغتهم التخييل يف

كمـا . له العميق له ثكما تستنتج إفادته من املنظور الفلسفي للخيال ومت . 2ملنطققوالب ا ـ ة اجتهد ما أمكنه األمر، وحسب األدوات املتاحة أمامه، يف حتديد مناحي اخليـال بدق

متناهية، فقد سعى بثقافته البالغية ووعيه النقدي إىل وضع لبنة جوهرية من لبات مفهوم .العرباخليال اإلبداعي عند

ـ 538. ت(أما الزخمشري فنراه من خالل إجرائه التطبيقي بـربط التخييـل ) ه. مبفهوم التصوير يف القرآن الكرمي وجيعله مرادفا له، وهو ما سبق بيانه يف هذه الدراسة

ربط بني مصطلحي التصوير والتخييل يعكس وعيا بالغيا عميقا، إذ مل يقص من وهذا ال .السفة إزاء قصية اخليالحسبانه جدل الف

أسبغ املتصوفة على اخليال قدرا عاليا من القداسة يف الفكر العريب، ذلك أنه ميكن من إماطة اللثام على ضرب حيوي من املعرفة، واإلملام ببعض احلقائق املتعالية، الـيت ال

البـصرية، يعتمد كل االعتماد على «ينفذ إليها العقل الفيلسوف، خالفا للصويف الذي واحلدس، ويثق بالنشوة الروحية الغامرة، وباخليال احمللق الذي يسمو حىت يـدنو مـن

.3»احلقيقة اإلهلية وحيوم حول محاها

.216 مفهوماته ووظائفه، ص - عاطف جودة نصر، اخليال - 1 .197، ص املرجع نفسه - 2 -من هذه الرسالة95 ينظر الصفحة .

.48 ص ور، الصورة الفنية يف التراث النقدي والبالغي عند العرب،جابر عصف - 3

- 141-

واألدب العرفاين لدى املتصوفة ليس بدعا يف املطابقة بني نظرية حمددة يف اخليال ـ 640. ت(" حمي الدين بن عريب "وبني اإلبداع، ولعل نافح عن مبدأ وحـدة وهو ي ) ه

خري من جيسد هذه املطابقة وفق عامله اخليـايل الذي جعل منه مذهبا صوفيا الوجوداملتميز وصفه بأرض احلقيقة أو ما يسمى أرض اخليال السماوية، وقد توخى الـصياغة

واحلال نفسه كان مع ابن الفارض واحلالج والسهروردي وغريهـم .1الفنية يف وصفها . مناهج روحية شىت يف عامل التصوفممن سلكوا أن اخليال أعظم قوة خلقها اهللا، ومن يف الفتوحات املكية "ابن عريب "ى قد رأ و

غ تأويل قول النيبهنا يسو ك تراه : ( آمرا؛ بأن رؤية اهللا غري مستحيلة ) اعبد اهللا كأنملعرفة مبرتبة اخليـال، بعني اخليال، مادامت متعذرة بعني البصر، بل إنه راح يصر على ا

.2ويزعم أن من ال دراية له ا فإنه ال دراية له البتة، ويشترط حصوله لدى العارفنيسبيل الكشف والفيض ووسيلة إدراك احلقيقة املترفعة عن عامل «فاخليال الصويف

نور يكشف ستار الظلمـة الـذي « ألنه ، ويتأبى عن الزلل واخلطأ 3»املاديات واملنافع ... جب األشياء، إذن جيب أن ينسب اخلطأ إىل القوة اليت تصدر احلكم وهي العقـل حي

.4»حىت ال ينسحب احلكم باخلطأ والفساد إىل اخليال، وهو بريء منه

- عني واحدة، وحقيقة واحدة واحدة فال خالق وال خملوق، الكل ،ه وحدة أن الوجود كل مذهب صويف يرى هو

ا ولكنها شيء واحد يف زعمهم تعدا، وتغريت صفاحميي الدين بن عريب يقول زعيم هذا املذهب . دت وجودا: وقدثبت عن احملققني أنه ما يف الوجود إال اهللا، وحنن إن كنا موجودين فإمنا كان وجودنا به، فما ظهر من الوجود بـالوجود

.إال احلق، فالوجود احلق وهو واحد، فليس مث شيء هو له مثل، ألنه ال يصح أن يكون مث وجودان .وما بعدها 155 مفهوماته ووظائفه، ص - عاطف جودة نصر، اخليال - 1 ،1969 معهد البحوث والدراسات العربية، القـاهرة، حممود قاسم، اخليال يف مذهب حمي الدين بن عريب، : ينظر - 2

.5881: األمام أمحد يف مسنده، باب املكثرين من الصحبة، رقم احلديثواحلديث الشريف أخرجه . 9، 8ص .56، ص1994/ 1.املركز الثقايف العريب، بريوت، ط احلديث، بشرى موسى صاحل، الصورة الشعرية يف النقد العريب- 3 .12حممود قاسم، اخليال يف مذهب حمي الدين بن عريب، ص - 4

- 142-

البالغة القدمية مما عقد مسألة تلقي الـشعر، الشعري من مزالق اخليال ومل يسلم املهارة واحليلة واملخادعة، وذلك أن اخليال ضربا من «عد فقد أملت بالصورة من خالل

اخليال الشعري ال يبين صورا يتأتى حتليلها مبقارنة عناصرها بالواقع اخلارجي، فالـصورة يشي ، و 1»دائما ذات كيان نفسي وواقع فين ليس هو الواقع املعتاد يف غلظته وخشونته

طبيعتها ووظيفتها، هذا الكالم بأن املوقف من الصورة كان قاصرا مما حال دون إدراك إضافة إىل أن أخطاء املنظور الفلسفي يف بعض جوانبه أفضت إىل اخلطأ يف جمال التطبيق

.، إذ أن عملية اإلسقاط الفكري مل تراع خصوصية اإلبداع الفينالشعريومن العقبات اليت انعكست سلبا على فهم اخليال يف التراث، أنه ظل دائما حماطا

واالزدراء، وذلك يعزى إىل حماولة متثله يف ظل االعتبارات األخالقيـة بالريبة والتحفظ . ت(والفنية، ال سيما مع تداعيات قضية الصدق والكذب اليت أثارها قدامة بن جعفـر

ـ 337 ، وما صاحب متأثرا باألفكار الفلسفية 2الشعر أكذبه من خالل مقولة أحسن ) ه .3ذلك من جدل حام حول القضية

:ظرية الغربيني حول اخليال ن-ج تعاقب املذاهب الفنية عند الغـربيني اخليال ويف العصر احلديث واكب موضوع

على األدب، إذ مل يكن ليطرح يف العموم مبعزل عن مبادئها ومقوالا املختلفة، بل شكل ولئن راح املذهب الكالسيكي ينتقص من قيمة . إحدى بؤر اجلدل اجلوهرية احملتدم بينها

اخليال ويقصي دوره وقيمته الفنية بداعي االحتكام إىل العقل، راح املذهب الرومانـسي .حيتفي باخليال ويشيد بوظيفته وجيعل منه أصال من أصوله اهلامة

.325عاطف جودة نصر، مرجع سابق، ص - 1 .14 ص قدامة بن جعفر، نقد الشعر، - 2وحازم القرطاجين، منـهاج ، 77، ص 2وآدابه، ج العمدة يف حماسن الشعر وآدابه ابن رشيق، : للتوسع ينظر مثال - 3

وإحسان عباس، تاريخ النقد األديب عند العرب، دار . 191، ص 3ابن األثري، املثل السائر، ج و، 84 - 74 البلغاء، ص .545و 487و 435و 250و 170 و142 و128و 34: ، صفحات1986، 5.الثقافة، بريوت، ط

- 143-

ملكة عظيمة للفنان إال أـا اخليال، ورأى أتباعه أنه مل تدعم الكالسيكية حرية لشاعر إذا ما انغمس يف اخليال فإنه لـن يرى أن ا "بوالو"تظل موضع تساؤل، وكان

.1ينتهي إىل الكمال، ذلك أن تلك امللكة ال ميكن أن يغفلها شاعر حقيقـي الـشاعرية انتهى أنصار الكالسيكية ودعاا إىل ضرورة أن ينضبط اخليال اإلنساين بقـوة «وهكذا

عة، فإن عليـه أن حىت حني ينحرف الشاعر عن الطبي. العقل وينقاد هلا وخيضع لقواعدها لقد أجلم ذلـك . 2»... حيترم قوانني العقل، وأن حتصره هذه القوانني يف نطاق املحتمل

.املوقف زمام اخليال، وحال دون أن انعتاق التجربة لدى الفنان، وجعله أسريا للرتابةوبظهور املذهب الرومانسي يف مقابل الكالسيكية، الحت تباشري جديدة أعادت

فكرة متميزة يف طابع اخليـال ووظيفتـه، ري اعتباره يف الفن، فقد جاء ب للخيال الشع وبذلك آثره الرومانسيون على عامل احلقيقة احملدود، ألنه ينطلـق بالـشعراء إىل آفـاق

ومن أبرز أعالم الرومانسية نذكر شلينج وكيـتس وولـيم بليـك . 3إبداعية المتناهية . الرومانسية من أبرز أقطاب النزعةيعد الذي 4كولريدجال سيما ووردزورث و

مل ينفرد بوضع تصور نقدي للخيال، فقـد جـاءت آراء كولريدج والواقع أن رد فعل لعقالنية القرن السابع عشر، حيث تصور اإلنـسان اإليطايل جيامباتستا فيكو

- نيكوال بوالو - Boileau Nicolas) 1636 - 1711(: ناقد وشاعر فرنسي، بدأ بدراسة الالهوت

، متتاز أشعاره بنزعة ، مث درس القانون ليصري حماميا، دون أن يرافع رمسيا عن أي قضية رمسياBeauvaisمبدرسة بوفيه .الرسائل و األهاجيأخالقية هجائية، من آثاره

.146شعر، ص ، وإحسان عباس، فن ال294 عاطف جودة نصر، مرجع سابق، ص - 1 .146إحسان عباس، فن الشعر، ص : وينظر أيضا. 295 عاطف جودة نصر، مرجع سابق، ص - 2 .295 عاطف جودة نصر، مرجع سابق، ص - 3 .148، 147 إحسان عباس، فن الشعر، ص - 4 - جيامباتيستا فيكو Giambattista Vico - )1668 - 1774( ،إيطايل وبليغ ومؤرخ فيلسوف وسياسي

.ناقد للعقالنية احلديثة، ومدافع عن العصور الكالسيكية القدمية .أوروبا له فضل يف تطور علم التاريخ يف،من نابويل

- 144-

ره هذا ، وتوسل يف تصو يف بدائيته السحيقة اليت متثلت يف عصر اآلهلة وعصر األبطال أفكار األملان على حنو كبري، ال سيما شلينج جومتثل كولريد . باخليال والرموز واألساطري

الذي أعاد صياغة درسه األكادميي حول عالقة الفنون التشكيلية بالطبيعة، مـن خـالل ) نقد احلكـم (ره بكانط يف كتابيه حول الشعر، زيادة على تأث1818حماضرة ألقاها عام

.1)عقل اخلالصنقد ال(ولقد طرح تصورا نظريا جديدا للخيال من خالل مقاالته وال سيما املقدمة الـيت

، وميز بني اخليال األويل واخليال الثـانوي، فاخليـال »البحار القدمي «صدر ا قصيدته األويل لدى كولريدج فاعلية حية وعامل جوهري ضمن اإلدراك اإلنساين؛ أي أنه شرط

. تكون املعرفة اإلنسانية ممكنة، لكونه يتبوأ مكانة وسطى بني احلاسة والفهـم ألجل أن بينما اخليال الثانوي حيايث اإلرادة، وجماله اإلبداع الفين، فهو حيلل ويفكك ليعيد ابتكار العامل من جديد بعد أن أخفقنا سلفا يف تركيبه، ويسعى إلضفاء طابع مثايل على عناصر

.2لك يتناسب ومطالب احلياة املتأملة اليت ينثال صداها فيهذلك اإلبداع، وبذإنه تلك القوة التركيبية السحرية اليت «: اخليال الثانوي بقوله " جكولريد"يوضح

تكشف لنا عن ذاا يف خلق التوازن أو التوفيق بني الصفات املتضادة أو املتعارضة، بني ضوعات القدمية املألوفة، بني حالة غري عادية من اإلحساس باجلدة، والرؤية املباشرة، واملو

االنفعال، ودرجة عالية من النظام، بني احلكم املتيقظ أبدا وضبط الـنفس املتواصـل، واحلماس البالغ واالنفعال العميق، إنه اإلحساس باملتعة املوسيقية، والقدرة على خلق أثر

- ،ث عنه فيكو هو عصر اإلنسان، بيد أنه يعزو أصل الشعر إىل عصر اآلهلة وعصر األبطالوهناك عصر ثالث حتد

.راء بتوظيف األسطورة يف آثارهماألمر الذي يفسر ولوع الشع .156إحسان عباس، فن الشعر، ص : وينظر أيضا .297عاطف جودة نصر، مرجع سابق، ص - 1 .300 و 298 مفهوماته ووظائفه، ص - عاطف جودة نصر، اخليال - 2

- 145-

سطة فكرة واحـدة سـائدة أو موحد من الكثرة، وعلى تعديل سلسلة من األفكار بوا . 1»انفعال واحد مهيمن

هذه من التفرقة بني الوهم واخليـال، ذلـك أن " كولريدج" لقد مكنت نظرة الوهم طاقة تعمل على مجع صور خمتلفة وحشدها لشبه ما بينها، أما اخليال فيمثل الطاقة

يف اخليـال الثـانوي حىت قصائده جاءت تعبريا فنيا عن نظرية . 2اليت توحدها وتركبها تبناها وذهب فيها إىل قدرة اخليال اإلبداعي على املعرفة احلدسية، وتأسيس رؤى شعرية

.3تدمج املألوف وتفككه، وتعيد إبداع العامل واحتواء احلياةأن » الكيمياء العقلية «الذي وضع للخيال مصطلح " وردزورث"ومل يكن بوسع

ما يشي به زعمه بأن كال من الـوهم واخليـال يتمثل نظرية كولريدج بوضوح، وهو اخليال العضوي احليوي، واخليـال القـائم علـى خالق، إذ مل بتمكن من التمييز بني

وإن وجد من الدارسني من تراءى له خالف ذلك، فذهب إىل أنه ميز بينهما . 4التداعي أما الوهم فيؤول من حيث يرجع اخليال إىل تأثرات انطباعية تنجم عن عناصر بسيطة، «

.5»إىل ما تثريه التخيالت املتراكمة وما يف املوقف من تنوعات مباغتة عدمن الشعراء الغربيني الذين حققوا الوحدة بني نظرية اخليـال " وليم بليك "وي

واإلبداع األديب، ذلك أن أشعاره يف عمومها تبدو تعبريا عن تصور للخيال بوصفه قدرة الـذي " W. Yeatsوليم بتلـر يـتس "فضال عن . صوفية للوجودعلى تأسيس رؤية

.6يتضمن شعره روحا خيالية متوقدة أشربت حكمة الشرق وعرفانية مذاهبه الروحية

، م1971 القـاهرة، ارف،املع دار حسان، احلكيم عبد د.تر أدبية، سرية الشعر، يف كولريدج، النظرية الرومانتيكية - 1

.298 مفهوماته ووظائفه، ص -عاطف جودة نصر، اخليال : وينظر .150إحسان عباس، فن الشعر، ص - 2 .154 مفهوماته ووظائفه، ص - عاطف جودة نصر، اخليال - 3 .153، ص املرجع السابق - 4 .296 مفهوماته ووظائفه، ص -عاطف جودة نصر، اخليال : ينظر- 5 .154، ص رجع نفسهامل - 6

- 146-

الرومانسيون خبياهلم يف تصوير مرحلة الطفولة، مما يعكس متجيدهم الشعراءأمعن رحلة على ما يواتيهم يف التعبري حلياة الفطرة والرباءة وصفاء السريرة، ووقعوا من هذه امل

اخليـال وقد بلغ من قيمة .1عن عوامل الدهشة والغرابة، وإدراك العامل على حنو سحري أن عده النقاد امليزة اليت امناز ا شعراء هذا املـذهب األوائـل حنـو عند الرومانسيني

عشر، إذ غـدا عن غريهم من شعراء القرن الثامن " كيتس"و" ووردزورث" "كولريدج"الشاعر العظـيم «وبذلك فإن . 2الشعر، يستحيل أن يستغين عنهالديهم نظرية عميقة يف

وهو يف عرفهم أكثر شاعرية ممن ميلكـون . عندهم من ميلك طاقات عظيمة من اخليال وهي أسـاس -ألن اخليال أنفذ إىل الوجدان . 3»مقدرة وطاقات طاقات عقلية ومنطقية

.من العقل -التجربة الشعورية وكان من مظاهر تشبثهم باخليال أن استدعوا األسطورة واخلرافة يف أشـعارهم، لقرما من عامل الفطرة، مما يوايت على شحذ املوهبة وإثارة االنفعاالت وحترير النفس من

أنـه ال وجـود )Goethe) 1749 - 1832" وتهغ" األملاين سلطان العقل، وهلذا اعترب ولألحالم موقع بارز يف موقف الرومانسيني من اخليال، ذلك ما . 4افةلشعر جيد دون خر

يتبدى من تصور كولريدج حينما ذهب إىل وجود تشابه بينهما من حيث طبيعة املنشأ، .5إال أن اخليال يظل عنده أكثر رسوخا وفاعلية من كونه أضغاث أحالم

يـستخدم فيـه للخيال ستة معان أبرزها ذاك الـذي " ريتشاردز"وقد أحصى مصطلح اخليال ضمن املمارسة النقدية، وهو املعىن الذي يهمنا أكثر من غريه حـسبه،

للخيال الذي يعد األنضج باعتباره أهم ما أسداه للنظرية جويتعلق األمر بتصور كولريد

.307، ص املرجع نفسه: ينظر- 1 .130 حممد زغلول سالم، النقد األديب احلديث، أصوله واجتاهات رواده، ص - 2 .130، ص املرجع نفسه - 3 .130، ص املرجع نفسه: ينظر- 4 .131، ص املرجع نفسه - 5

- 147-

فهـو القـدرة . النقدية، إذ ال يسع الباحث أن يضيف شيئا إزاءه إال من قبيل التفـسري .1بية اليت تعمل على ضبط التوازن بني العناصر املتضادة أو املتعارضةالتركي

املخيلة موضوعا خيـص «وإن كانت ، 2وقد عد التخيل السمة اليت متيز األدب وألح هذا املوضوع علـى وعـي . 3»كال من علم النفس والدراسة األدبية على السواء

الكشف عن مدى إمكانيـة اسـترجاع الذي حاول " فرانسيس غالتون "دارسني مثل املاضي بصريا، واتضح له كيف أن الناس يتباينون من حيث درجة ختيلهم البصري، بيد

الصور الشمية والذوقية واحلراريـة والـضغطية أن املخيلة ليست بصرية فقط، بل هناك دة اليت تعد مساعية املخيلة املقي : ومن هنا يتعين التمييز بني ضربني من املخيلة مها . وغريها

تنفعل لزوما حىت لو كان اإلنسان يقرأ لنفسه، ويشترك فيها مجيع القراء األكفاء واملخيلة .4احلرة، وهي بصرية، متحولة وتتفاوت من شخص إىل آخر، ومن منط صوري إىل آخر

: موقف العرب احملدثني من اخليال–د أن ذلـك اجلمـال، قيم إظهار أساليب أبرز "سالم زغلول حممد" حسب اخليال

إال طفولتـهم، إىل ترتد الناس كافة لدى والصور اخلياالت من مبجموعة ترتبط اللغة ألفاظ

هـي ليـست املسنني بأذهان املاثلة فالصور للبيئة، تبعا تتفاوت والصور اخلياالت هذه أن

الـربط بوظيفة يالاخل يضطلع كما املثقفني، عند غريها العاميني وعند الشباب، لدى عينها

أحـد مـن املتـأدي اإلحياء جمرد على عنده الفنية الصياغة تقتصر وال .5الصور تلك بني

العمـل يف حيدث كما اجلمايل، اإلحساس النفس يف فيحدث « اخليال يتدخل بل احلواس،

صرية، املؤسسة املصرية العامة للتـأليف والنـشر، مصطفى بدوي، األجنلو امل . ريتشاردز، مبادئ النقد األديب، ت - 1

.312 إىل ص 309، من ص 1961القاهرة، حمي الدين صبحي، املؤسسة العربية للدراسات والنشر، بـريوت، . رينيه ويلك وأوسطن وارين، نظرية األدب، تر - 2 .25، ص 1981، 2.ط .195، ص املرجع نفسه - 3 .194 ، ص املرجع نفسه - 4 .13 زغلول سالم، النقد األديب احلديث، أصوله واجتاهات رواده، ص حممد- 5

- 148-

أو ةالواحد الصورة أجزاء بني لريبط والتنغيم والتلوين التكوين يف التناسق ذلك نفسه الفين

.1»...اجلميل أثره له فيكون الواحد، الفين الشكلعند مصطلح التخيل الشعري وميـزه عـن التخييـل " جابر عصفور "توقف

الشعري، على أساس أن التخيل يتعلق بالشاعر أو ما يسميه بسيكولوجية اإلبـداع، يف لقي، وهنا يأخذ علـى حني أن التخييل أمر يتصل باملتلقي أو ما وصفه بسيكولوجية الت

يف حـني أغفلـوا شـان األول ) التخييل(الفالسفة حينما قصروا عنايتهم على األخري والقوة املتخيلة عنده هي الفاعلية اليت يرتكز عليها الشاعر يف عملية التخييـل ). التخيل(

.2تالشعري، فهي ما ميده ميادة الصور اجلزئية اليت ينتقي منها ما شاء من ختييالالشعري متصال مبا يالبس نفس املتلقي من حاالت وجدانيـة وملا كان التخييل

تدفعها إىل االستجابة على حنو من األحناء، فإنه ال يعدو أن يكون ضربا من اإليهام الذي خيادع املتلقي، ويسعى إىل استثارة قوى الالوعي لدبه كي يمن على قدراته الواعيـة،

، الذي ليس من شأنه تقدمي معرفة ما أو 3قي فكاكا من اإلذعان للشعر وبذلك ال جيد املتل .4مبا للكالم من هيئة، حتدث االنفعالتوصيل قناعة، بقدر ما يعىن

أن هناك خطأ حينما نتصور أن اخليال يقابل الواقع، " عبد احلميد يونس "يعتقد يق بني الواقعي وغري الواقعي، ولكن اخليال ال صلة له بالتفر «وامهني أن اخليال ما جانبه،

: ، ويسترسل يف توضيح األمر من خالل املثـال اآليت 5»والتخيل أمر واقعي ال شك فيه رأيت احلشائش اخلضراء متتد من ميني .. فأنت إذا نظرت إىل حديقتك أو حديقة جارك «

تتخيـل السور احلديدي إىل يساره، فإنك قد تتخيل البستاين واقفا يشذب شجرة، وقد أصحاب احلديقة يتحدثون أو حيتسون الشاي، وقد تتخيل هذا كله وراء القـضبان أو

.9، 8، ص املرجع نفسه - 1 .53جابر عصفور، الصورة الفنية يف التراث النقدي والبالغي عند العرب، ص - 2 .66، 65، ص املرجع نفسه - 3 .67، ص املرجع نفسه - 4 .146، ص 1958، القاهرة، 1.، دار املعرفة، طعبد احلميد يونس، األسس الفنية للنقد األديب - 5

- 149-

األشجار، وختيلك هذا واقعي ال شك فيه، ولكن األشياء واملواقف اليت ختيلتها ليس من .1»الضروري أن تكون غري واقعية

نظري من أبرز من أفردوا موضوع اخليال بالبحث ال " عاطف جودة نصر "ويعدعربيا، وقد غلب عليه مشولية اإلملام مبذاهب الدارسني قدميا وحديثا، حىت يكاد موقفـه

لقوة اخليال مظاهر متعددة، منها إدراك «حيتجب عنا، النكفائه على عرضها، وذكر أن كما توصل إىل حتديد .2»...التماثل يف األشياء املختلفة، أو التخالف يف األشياء املتماثلة

املسافة التخيلية واليت تعين إدراك األشياء على بعد مناسـب : من اإلدراك اخليايل نوعني وهناك االستعارة اليت تعمل على تأسيس عالقات بني العناصر، . لكي تتجلى موضوعيتها

.3وتتيح حتقيق ضرب من املعرفة الكشفية وتثري العامل وتوثق صالتنا به من جديد

والتجربة الشعوريةالفنية الصورة: املبحث الثالث : جـرب الرجـل تجربـة «: التجربة لغة مصدر مشتق من الفعل جرب، ومنه

قد عرف األمور وجرا؛ فهـو : ومجرب. قد بلي ما عنده : ورجل مجرب . ..اختبره .4»مضرس قد جربته األمور وأحكمته بالفتح،

راد بالتجربة احلالة اليت مير ا الشاعر قبل نظم القصيدة ويف أثنـاء ي«واصطالحا الشعر، وإن كان من النقاد من وهي مقولة نقدية حديثة لطاملا الزمت مفهوم . 5»النظم

التجربـة (، و )التجربـة الـشعرية : (يرتئي ربطها بالشعور، لنغدو بذلك أمام إطالقني الف، فإن التجربة تنطلق مـن الـشعور وهـو ومهما يكن أمر هذا االخت ). الشعورية

. 147 املرجع نفسه، ص - 1 .349 مفهوماته ووظائفه، ص - عاطف جودة نصر، اخليال - 2 .351 – 349، ص املرجع نفسه - 3 .229، ص 2ج، )جرب( ابن منظور، لسان العرب، مادة - 4 .295 ص ،1، ج 1989، 1. أمحد مطلوب، معجم النقد العريب القدمي، بغداد، ط- 5

- 150-

االنفعال الذايت املتأتي من رصيد اخلربات واملواقف اليت ينخرط فيها الشاعر لتـؤول إىل نقصد «: غنيمي هالل بقوله وبعرفها حممد . الشعر مبا هو انعكاس إبداعي لذلك الرصيد

شاعر حني يفكر يف أمر مـن بالتجربة الصورة الكاملة النفسية أو الكونية اليت يصورها ال األمور تفكريا ينم عن عميق شعوره وإحساسه، وفيها يرجع الـشاعر إىل اقتنـاع ذايت،

.1»وإخالص فين، ال إىل جمرد مهارته يف صياغة القولبيد أنه ميكننا ترسم جذور هذه املقولة يف تراثنا النقدي القدمي، حينما أدرجـت

اجلدل والسجال النقدي اللذين حاما حوهلـا، فلعلهـم قضية الصدق والكذب يف حمك كانوا يعنون من وراء اإلحلاح على فكرة الصدق صدق التجربة وأصالتها اليت تعكـس

آماله وفيض انفعاالته مما يزيد يف إذكاء القيم الفنيـة الشاعر ومهومه وهواجسه و خريات فس املتلقي اليت يفترض أـا ، ويكسبه فاعلية مجالية تنجذب لوقعها ن الشعريلإلبداع

.الشاعر، فيجعلها تقبل عليه إقباال وتنخرط فيه اخنراطاعايشت ما يشبه جتربة ولعل يف صحيفة بشر بن املعتمر ما يعكس أيضا احتفاء القدماء بتجربة األديب،

يف " ابن طباطبا"وميكن عد . 2ووقوفهم عند مراحل تشكل اإلبداع، وكذا أوقات الكتابة مـا عليـه مقدمة من حتدثوا عن بناء القصيدة ونظمها حينما راح يقترح على الشاعر

سلوكه فنيا فيما يتصل بتصريف املعاين اليت يريد إقامة الشعر عليها وختير ما يلبسه إياها توافقها والوزن الذي سلس له القول عليه، وحنـو اليت من األلفاظ اليت تطابقها والقوايف

.3 ضمن التجربةذلك مما يندرج

ـ 383 حممد غنيمي هالل، النقد األديب احلديث، ص - 1 أمحد علي دمهان، الصورة البالغية عنـد عبـد : ، ويقارن ب

.170القاهر اجلرجاين منهجا وتطبيقا، ص .295 ص ،1 أمحد مطلوب، معجم النقد العريب القدمي، ج - 2 .8، 7 ص ،)ط.ت.د(، منشأة املعارف، اإلسكندرية، حممد زغلول سالم. تح ابن طباطبا، عيار الشعر،- 3

- 151-

من خالل إسداء توجيهـات " بشر"كذلك يفري فري " العسكري"وقد مضى ، كما 1أدبية ملن رام امتطاء صهوة اإلبداع األديب من شأا أن تضبط جتربة صنعة الكالم

ميكن أن ندرج ضمن حديثنا عن التجربة أحوال نظم القصيدة اليت أومأ إليها القرطاجين .تقسيمه للتخييلمما تبيناه يف سياق

موقف يعيشه األديب مع ذاته أو مع اآلخرين أو «" فايز الداية "والتجربة حسب فالشاعر ال يستطيع توصيل قصيدته وجتربته الذاتية فيها ما مل تكن جزءا منا ... مع الكون ا ألا مما نقدر على رؤيته وختيله يف نفوسنا يف لتمثيلها بعضا مما مررنا به، وإم كذلك إما

أن التجربة توقظ فينـا إحـساسنا : مواقف حمتملة الوقوع غدا أو يف مستقيل بعيد، أي . 2»البشري يف حملات تومض فتجلو صدأ احلياة اليومية الرتيبة

فالتجربة ذا الفهم نتاج تراكمات لعينات من السلوك واألفعال واالسـتجابات . د أصاب حظا منها بشكل أو آخـر واخلربات اإلنسانية اليت يفترض أن يكون األديب ق

وحمور جتربة األديب هو العاطفة، ففضال عن عنصر الفن أو التصوير الذي يعد دليال على .3اقتدار األديب على اإلبداع الفين، فإنه يظل حباجة أيضا إىل العاطفة

ل جتربة املبدع الشعورية يبقى مرهونا بتحررها مـن الباحث أن تشك ويرى هذا اليت تطال نطاق نشاطنا املعتاد فتجعله عرضة الرتابة ومها – على حد تعبريه –ني إشكال

للركود والصدأ، فتجعل من جتربتنا فيما نرى ونعايش منطا باردا يف خمتلف النـشاطات الذي يعوزنا يف التعـبري األداء اللغوي هو واإلشكال اآلخر . اليت نضطلع ا واألعمال

يقة اليت تغمرنا حيال موقف التألق والبهجة مع األحبة، أو إزاء عن شىت االنفعاالت العم

. وما بعدها123ص العسكري، الصناعتني، - 1فايز الداية، مجاليات األسلوب، الصورة الفنية يف األدب العريب، دار الفكر، دمشق ودار الفكر املعاصر، بـريوت، - 2 .35، ص 1996 ، 2.ط .128 القاهر اجلرجاين منهجا وتطبيقا، ص أمحد علي دمهان، الصورة البالغية عند عبد- 3

- 152-

فإذا شئنا التعبري عما حنس به وعن مجـال العـامل «حدث المع يطرأ على حياة جمتمعنا .1»وخيوط نسجتها فرحتنا ضاقت الكلمات واجلمل وقصرت عن بلوغ املراد

ها مبا يف ذلـك معطيـات واخنراط األديب يف عمق احلياة ومعايشته لشىت أطوار الطبيعة يكسبه ثراء يف التجربة ميكنه من تثمري ملكاته التخيلية، وربط احلالة الراهنة مبـا سبق له إدراكه قبال، أو ببعض السمات اليت تنطوي عليها، وهنا ال يكتفـي األديـب

ثل ثقافتـه املبدع مبجرد املشاهدة الفعلية واالحتكاك املباشر باملوضوع، بل عليه أن يتم مبفهومها الواسع وتنوعها، وهو ما من شأنه أن يوظف خلدمـة اإلبـداع املستكـشف

.لإلنسان واملستبطن ألفكاره وتصوراته واملتفاعل مع القيم اجلمالية لديه - تـشكيلها على تباين مادا ومتايز أساليب –يظل القاسم املشترك بني الفنون

ية للفنان يف احلياة سواء أكان هذا يف زوايا نفـسه، أو يف جتارب شعور «أا تنطلق من .2»احتكاكها وتفاعلها مع اآلخرين، أو يف تأملها للكون الذي يتقلب فيه البشر

مبا أن التجارب الشعورية نصيب مشترك بني البشر، على اعتبار أا مستقاة من بـامتالك انكاتب يتفـرد حيام يف سياق التفاعل الذايت واملوضوعي؛ فإن الشاعر وال

القدرة على التعبري عن تلك التجارب بالشكل الذي تظل فيه متماسكة مفعمة باحليويـة مما حيرك نفوس اآلخرين ويوقظ انفعاالم ومتثلهم اجلمايل للكون واحلياة والناس، ومـن

م فتـصري مثة حيمل إىل اآلخرين جتاربه اليت تعد يف احلقيقة جتارم لتمكنها من نفوسـه الشاعر يف جتاربه تلك يرى شىت املوضوعات على حنو متجـدد وهكذا فإن جزءا منها،

.3غري مألوف، وروح الشاعر حتلق متجاوزة العالقات املنطقية

.37 ، 36املرجع نفسه، ص - 1 .53املرجع نفسه، ص - 2 .114 فايز الداية، مجاليات األسلوب، الصورة الفنية يف األدب العريب، ص - 3

- 153-

وأمسى اإلبداع الشعري جتربة شاقة عسرية الطالب لدى العديد من الـشعراء، ، وشـكا الفـرزدق 1»قل الصخر إن عمل الشعر على احلاذق به أشد من ن «وقد قيل

. 2اعتياص الشعر ومتنعه عليه أحيانا، فكان قلع الضرس لديه أهون من أن يقول بيتا منـه ، وباتت للشعراء 3وكان للشعر دواع منها الطمع والشوق والشراب والطرب والغضب

.4أساليب شىت تعكس جتارب متنوعة يتوسلون ا الستدعاء اإلهلام الشعري جربة بالصورةعالقة الت :

تولد الصورة من رحم التجربة، إثر معاناة وخماض تتفاعل فيه الفكـرة واخليـال قوة الصورة الـشعرية «ويرى أحد النقاد الغربيني ملحا على هذه العالقة أن والعاطفة،

وهذا على أساس أن العاطفـة . 5»تكمن يف إثارة عواطفنا واستجاباتنا للعاطفة الشعرية الوسيلة الفنية اجلوهريـة «إىل أن " غنيمي هالل "ويذهب ظى من التجربة، جزء ال يتش

فما التجربة الشعرية كلها إال صورة كبرية ذات أجزاء هـي .. لنقل التجربة هي الصورة ومما يؤكد أثر التجربة ، 7"أمحد الشايب " وقد اتفق معه يف ذلك .6»بدورها صور جزئية

ه الشعرية يف خلق الصورة املوحيةدلكل إحساس ممكـن «من أن " ريتشاردز"ا ما ردويشي ذلك بذاتية الصورة وارتباطها حبالة املبـدع االنفعاليـة، . 8»صورة ممكنة تطابقه

.مهما حاولت معانقة الواقع املوضوعي اخلارجي

.105، ص 1ج ابن رشيق، العمدة، - 1 .209ص / 1 البيان والتبيني، ج- 2 .249، ص القرطاجين، منهاج البلغاء- 3 .299 ص ،1 أمحد مطلوب، معجم النقد العريب القدمي، ج - 4محد نصيف اجلنايب وآخرون، منشورات وزارة الثقافـة واإلعـالم، دار . سيسل، دي لويس، الصورة الشعرية، تر - 5

.44، ص 1982الرشيد، العراق، .443النقد األديب احلديث، ص حممد غنيمي هالل، - 6 .242أصول النقد األديب، أمحد الشايب،- 7مصطفى بدوي، األجنلـو املـصرية، املؤسـسة املـصرية العامـة للتـأليف . ريتشاردز، مبادئ النقد األديب، ت - 8

.174، ص 1961والنشر،القاهرة،

- 154-

اء وتعدالصورة وحيا للتجربة الشعرية، وهي أعلى مستوى فـين يتـراءى جـر الصورة وسيلة وغاية معا، فهي أداة توصيل التجربة، وغايتـها ا أن ، كم اإلبداع األصيل

كفيلة بأن جتلي أمامنا معامل التجربة، ذلك أن الفنان إا .1اجلمالية املنشودة يف آن واحد ه ومراميه ودوافعه، بل يتوسل غالبا بالـصورة أنه اإلفصاح دائما عن مكنونات ليس من ش

.2ه الوجدانيةة وولوج الزوايا الغائرة من جتربت الباطنيالقتدارها على حتسس النتوءاتتقتضي الوحدة العضوية للقصيدة اليت ال خترج عن كوـا وحـدة للـشعور

الصورة وفق ضوابط فنيـة بالغيـة واإلحساس والفكر واملوسيقى شروطا منها صياغة ومن . 3لشاعر عن جتربة ا - سواء أكانت جزئية أم كلية –ناضجة، مث تعبري هذه الصورة

تتشكل الصور اجلزئية يف القصيدة يف أرض العاطفة، وبدراسة هذه الصور نتمكن «هنا من اكتشاف نفسية الشاعر وقدرته على املشاكلة بني صـوره وحالتـه إبـان عمليـة

.، على اعتبار أن الصورة واملوقف الوجداين جيسدان وظيفة الشعر االنفعالية4»اإلبداعلشعرية من عناصر عدة ذات صلة بالفكر واخليال والعاطفـة، تتألف التجربة ا

وهي تعكس تصور الفنان للوجود والطبيعة للكون، وجتسد أحاسيسه حيال ما يرغب يف تركيبة عقلية تنتمي إىل عامل الفكـرة، «ويرى عز الدين إمساعيل أن الصورة . 5تصويره

جنس طبيعة الفكرة اليت ختتزل جتارب ، فطبيعتها من 6»أكثر من انتمائها إىل عامل الواقع وهناك حاالت تتناقض فيها الصور الشعرية وتنفصل عن بعضها البعض ضـمن .األديب

القصيدة الواحدة، فإذا بلغ ذلك درجة استقالل هذه الصور عـن التجربـة واخلـيط

.173 أمحد علي دمهان، الصورة البالغية عند عبد القاهر اجلرجاين منهجا وتطبيقا، ص - 1 .71ت األسلوب، الصورة الفنية يف األدب العريب، ص فايز الداية، مجاليا- 2 .174 املرجع السابق، ص - 3 .16 رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص - عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 4 .171أمحد علي دمهان، الصورة البالغية عند عبد القاهر اجلرجاين منهجا وتطبيقا، ص - 5 .66ري النفسي لألدب، ص عز الدين إمساعيل، التفس- 6

- 155-

مـل القـيم وال تنوء الصورة ههنا لربودـا حب الشعوري، فال تعبر قطعا إال عن ذاا، .الشعورية النامجة عن املوقف العام لتلك التجربة

فلت معه الـشاعر عـن جـو تناقض الصور مقصودا، وال يت بيد أنه قد جييء التجربة، وذلك خالل االنتقاالت النفسية املفاجئة اليت تضطلع ا بعض الصور اجلزئيـة

داث وثبة نفسية ما مع التزام وحدة الصورة العامة، ولعل غاية هذا النمط من الصور إح يف غمرة رتابة اإلحساس، كما قد يتوخى األديب مفاجأة القارئ نفسيا بغية إثارته كي يتلهف إىل ما وراء هذه الصورة من صور، أو الرغبة يف تفعيل اإلحياء، أو إضافة جديـد

.1على فكرة القصيدة ليمنحها أمهية مميزة

لفنيةاملظاهر البيانية للصورة ا: املبحث الرابع

منها ما يعىن : فطن أهل البالغة القدماء إىل بالغة الكالم ضمن حماور مجالية ثالثة بأحوال التراكيب العربية وخواصها اليت يطابق ا املتكلم مقتضى احلال، ومـن هنـا مت اإلحلاح على علم املعاين، ومنها ما ينصرف إىل استقصاء مناحي حتسني األداء وتزيينـه

يا بعد استيفاء رعايته ملقتضى احلال، فلم جيدوا بدا من وضع علـم يعـىن لفظيا ومعنو مبباحث البديع، ومنها ما يهتم بضوابط أداء املعىن الواحد بأحناء تصويرية متعددة لغايـة توضيح الداللة وإبرازها، ومدار األمر ههنا على علم البيان، الذي تأسـست يف كنفـه

يف تراثنا العريب، فال تكاد دراسة للموضوع ختلو مـن مشروعية دراسة موضوع الصورة ، مما نعده أحـد الصورة البيانية من تشبيه واستعارة وجماز مرسل وكناية حتسس مظاهر . احليويةالصورة الفنية ومقوماا منطلقات فهم

:يةالتشبيهالصورة -أ

.178، 177أمحد علي دمهان، مرجع سابق، ص - 1

- 156-

أشبه كل : الشيئان واشتبها وتشابه . ماثله إذا أشبه الشيء الشيء التشبيه لغة من مبختلف اشتقاقاا يف القرآن الكرمي ) شبه(ووردت كلمة . 1 التمثيل هوو .واحد صاحبه

:للداللة على معىن املماثلة اثنتا عشر مرة، منها- انليع هابتش قرالب إن ا هيا من لنيبي كبا رلن عقالوا ادونتدهلم اء اللهإنا إن شو 70: ، البقرة.

- ـمله هـبلــكن شو وهـلبـا صمو ـا قتلـوهمـول اللـه وسر ميرم نى ابعيس سيحا المإنا قتلن لهمقوو ... ، .157: النساء

كثر قصد اشتراكهما يف صـفة أو والتشبيه اصطالحا عقد مماثلة بني أمرين أو أ تصوير يكشف حقيقة املوقف اجلمايل الذي عانـاه «وهو . 2أكثر لغرض يقصده املتكلم

.3»...الشاعر أثناء عملية اإلبداع، ويرسم أبعاد ذلك املوقف، وهو عند 4»تشبيه شيء يف حالتني خمتلقتني بشيئني خمتلفني «بأنه " املربد"وعرفه

ـ س اآلخر يف ح مسد أحد الشيئني يسد على أن العقد «" الرماين" ل، وال خيلـو أو عقوأدخله مبعية االستعارة ضـمن بـاب . 5»التشبيه من أن يكون يف القول أو يف النفس ، وجلي أم توسـموا يف التـشبيه معـىن 6الوصف الذي يعد أحد أهم أغراض الشعر

عل ذلك ما حدا بالعـسكري إىل أن ول. 7الوصف مما اقتضى إدراجه ضمن فنون الشعر

.23، ص 7، ج)شبه( ابن منظور، لسان العرب احمليط، مادة - 1 .272، جواهر البالغة، ص أمحد اهلامشي- 2 .53، ص 2000، الدار العربية للنشر، القاهرة رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ، عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري- 3 .494ص ، 2، ج2007، 2.مجعة احلسن، دار املعرفة، بريوت، ط. تح املربد، الكامل يف اللغة واألدب،- 4حممد أمحد خلف اهللا وحممد زغلول . ضمن ثالث رسائل يف إعجاز القرآن، تج الرماين، النكت يف إعجاز القرآن، - 5

.80 ص، 1976، 3. دار املعارف، القاهرة، ط،سالم مخسة هي النـسيب واملـدح واهلجـاء الرماين وأكثر أغراض الشعر عند ،108، 1 ج ،ابن رشيق، العمدة : ينظر - 6

.والفخر والوصف .337 ص ،1 أمحد مطلوب، معجم النقد العريب القدمي، ج - 7

- 157-

، فواضح تأثره بالبعد 1»...الوصف بأن أحد املوصوفني ينوب مناب اآلخر «: يعرفه قائال .الوصفي

، وذهابه إىل أنـه "ابن رشيق القريواين "ظ التصور نفسه للتشبيه ماثال لدى ونلحالشعر أكثر من فنون يدل على أنه مييل إىل عد التشبيه من أغراض 2أصعب أنواع الشعر

صفة الشيء مبا قاربه وشاكله، ومن جهة واحـدة أو جهـات «: أنهبويعرفه . البالغةوحـده اجلرجـاين . 3»ية لكان إياه جهاته؛ ألنه لو ناسبه مناسبة كل ال من مجيع ،كثرية . 4»...أن تثبت هلذا معنى من معاين ذاك، أو حكما من أحكامه«: بقوله

التشبيهية يف إيـضاح املعـاين، الصورة ئقة الفنية العربية قيمة لقد أدركت الذا يف شـاعر قـال تشبيه "ابن قتيبة "استجاد ذ إفتوقف الدارسون عند شواهد ثرة منها،

:إعراض امرأةسمكأن الش تدحباجبفص تنمنها وض ا حاجبداعها بقن تح5 ت

:نابغةوإعجاب املربد بقول ال 6ع واسكنى عأتنم ال أنتل خكي وإنرد م الذي هويلالل ككنإف

وقد ذكر اجلاحظ استحسان بعضهم لقول امرئ القيس الذي مجـع فيـه بـني أربـع :تشبيهات انتزعها من جهات متعددة

7ان وتقريب تتفلـال ظبي وساقا نعامة وإرخاء سرحـله أيط

.213العسكري، الصناعتني، ص - 1 .244 ص ،2 ج ابن رشيق القريواين، العمدة،- 2 .252ص ، 1ج املصدر نفسه،- 3 .72 اجلرجاين، أسرار البالغة، ص - 4، ص 1987، 3.دار إحيـاء العلـوم، بـريوت، ط الشيخ حممد عبد املنعم العريان، . تح ابن قتيبة، الشعر والشعراء، - 5

). هـ14. ت( والبيت للشاعر املخضرم النمر بن تولب .196حممد أبو الفضل إبراهيم، دار املعارف، القـاهرة، . تح غة، من ديوان الناب بيتالو، 494ص ، 2ج املربد، الكامل، - 6 .38ص )ت.د(، 2.ط .21، ص ، 1990، 5.حممد أبو الفضل إبراهيم، دار املعارف، القاهرة، ط. تح امرؤ القيس، الديوان،- 7

- 158-

: شيئني بشيئني يف حالتني خمتلفني يف فيه شبهوكذا إعجام ببيت الشاعر نفسه الذي 1ها العناب و احلشف البايلدى وكروب الطري رطبا ويابسا ل قلكأن

لةتشبيهاتثالثة شاعر أتى فيه ب بديع التشبيه قول من" العسكري"وعدمفص : حذر الكواشح والعدو املوبق غدائرا من شعرها ت إيلرشن

2قبطيل مت لحا تحان باتب ص أنه ـها وكـي وكأنأننـفكلكن ما يلحظ على موقف القدامى من مجالية الصور التشبيهية، أم غالبا مـا

كادون التوغل إىل عمقها، يعوزهم يف متليها استكناه ديناميتـها يقفون عند حوافها، ال ي ،ف روحها اليت تسري على امتداد الـنصاليت ال تنفصم عن البناء الفين للقصيدة، وتشوواستعذاب نسائمها املتأدية من طرافتها حينا ومن غرابتها حينا آخر، وإننا لنعد األمـر

يه يف التراث البالغي، مما فوت فرصة تـثمري قدراتـه احللقة املفقودة من دراسة التشب .العجيبة يف صياغة نظرية متكاملة يف الصورة الفنية

ومما كرس بترهم لدالالت صور التشبيه عن املغزى اإلمجايل للقصيدة، وتشتيتها ن أم كلفوا بتقعيد أمناطه وتشقيق ضروبه وفق اعتبارات معينة غالبا ما أفادوها منهجيا م

حقل املنطق كاإلفراد والتركيب، والتقييد واإلطالق، واإلحساس والتجريـد، وإظهـار األداة ووجه الشبه أو إضمارمها، ومل يتحسسوا مفعول التشبيه السحري، وهم يستظلون

، اللهم إال إذا استثنينا بعض احلاالت، 3»إن من البيان لسحرا «يف أدبيام باألثر الشريف ثل التوجه العام بأية حال، ولكن من باب اإلنصاف نومئ إىل ما قرروه من بيد أا ال مت

.فوائده وقيمه التعبرييةإىل أن أبلغ التشبيه ما أخرج األغمض إىل األظهر، بـأداة " الرماين"ذهب لقد

وبين العسكري أن وظيفة التشبيه تكمن يف زيادة التشبيه مع حسن التأليف، ليفيد بيانا،

.38، والبيت من ديوان امرئ القيس، ص 53، ص 3 اجلاحظ، احليوان، ج - 1، ولعل البيتني لشاعر من أهل مصر يكنى ماين املوسوس، وفد إىل بغداد حيـث 223 العسكري، الصناعتني، ص - 2

.) هـ245( استقر حىت وفاته .5325: صحيح البحاري، كتاب الطب، باب إن من البيان سحرا، رقم احلديث - 3

- 159-

: على أربعـة أضـرب ورأى املربد أن تشبيهات العرب جتري .1هعىن وتأكيد وضوح امل وتشبيه مقارب وتشبيه بعيد حيتاج إىل التفـسري وال يقـوم تشبيه مفرط وتشبيه مصيب

ذلك عن مبدأ األلفة والتداول اليت تقتضي أن وقد صدر يف . 2وهو أخشن الكالم : بنفسه .3 مصيبا يف إدراك الواقعالتشبيه اجليد ما كان قريبا من العقول،

ما اشترك طرفاه يف صفات أكثر من انفرادمها فيها، أحسن التشبيه " قدامة"وعدحىت يدىن ما إىل حال االحتاد، وهذا على اعتبار أن التشبيه ال ينعقد بتماثل الطرفني من

" خلفاجيابن سنان ا "، وهو التصور نفسه الذي أبان عنه 4مجيع اجلهات، بل ببعض منها مثـل اخلفـية التشبيه، ذاهبا إىل أن التشبيه احلسن يقتضي أن يث عن صححينما حتد

ـ الالمألوف بالظاهر املألوف، فضال عن أن يكون ري طرف املشبه به مشاهدا معروفا غمستنكر، استيفاء لغاية إيضاح املعىن وبيان املقصود من جهة، ويقتضي أن يمثل الـشيء

.5ظم وأبلغ منه، لتتحدد قيمة التشبيه ههنا يف الغلو واملبالغة من جهة أخرىمبا هو أعب بني البعيدين حىت قرإىل ذلك ملا قرر أن التشبيه احلسن ما " ابن رشيق "وأملح

وذكر للمثـل . ، وقصر قيمته على تقريب املعىن وتوضيحه تصري بينهما مناسبة واشتراك .6حسن التشبيه وإجياز اللفظ وإصابة املعىن: ثالث مزايا حتقق بالغته هي

وتدبر اجلرجاين طبيعة التشبيه من حيث سيكولوجية إدراكه، فميز بني التشبيه ، بيد 7وهو عام ال حيتاج إىل تأول، وبني التمثيل الذي يعد أخص منه، وحيتاج إىل تأول

على اعتبار كوما شـيء استغرب هذا التمييز زاعما أن ال طائل منه، " ابن األثري "أن

.216 العسكري، الصناعتني، ص - 1 .547، ص 2 ج املربد، الكامل يف اللغة واألدب،- 2 .53 رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص - عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 3 .30 قدامة بن جعفر، نقد الشعر، ص - 4 .246صاحة، ص ف ابن سنان اخلفاجي، سر ال- 5 .254، وص 247، ص1ج ابن رشيق، العمدة، - 6 . وما بعدها74رجاين، أسرار البالغة، ص اجل- 7

- 160-

واحد ال فرق بينهما، واستعاض عنه بتقسيم التشبيه إىل مظهر ومضمر، حيث إن الثاين .1أبلغ من األول وأوجز، جلعل املشبه عني املشبه به دون استخدام األداة

لقد وعى اجلرجاين حبسه اجلمايل املرهف أن التـشبيه والتمثيـل واالسـتعارة كلها متفرعة عنها، وراجعة إليهـا، : كأن جل حماسن الكالم إن مل نقل أصول كبرية، «

ومل يفته . 2»وكأا أقطاب تدور عليها املعاين يف متصرفاا، وأقطار تحيط ا من جهاا ويندرج ضـمن (أن أحصى جهات شىت للتشبيه، منها الصورة والشكل واللون واهليئة

والصوت والذوق والرائحـة وامللمـس والغريـزة ) يف أجسامها اهليئة حال احلركات ، وخنمن هنا أنه أفاد يف 3والطباع، مستشهدا هلا مبا أمكن من األمثلة على سبيل اإليضاح

ملا حتدث عن ضروب التشبيهات، من حيـث مل " ابن طباطبا "حصر تلك اجلهات من .4يصرح بذلك

غري صريح ال يتأدى معناه إىل املتلقـي ويرى اجلرجاين أن التمثيل بوصفه خفيا إال عرب سلسلة من اجلمل املتتالية، حبسب إمعانه يف التجريد والطبيعة العقلية، وميثل لذلك

كـل النـاس أنزلناه من الـسماء فـاختلط بـه نبـات األرض ممـا يأ إنما مثل احلياة الدنيا كماء : بقوله تعاىل ضذت األرتى إذا أخح امـارا واألنعهن أو النـا لـيرـا أما أتاههليع ونقادر ما أنهلهأه ظنو تنازيا وفهرزخ

مجل تشري يف ؛ فقد تضمنت اآلية عشر )42: يونس( كأن لم تغن بـاألمس فجعلناها حصيدا جمموعها إىل صورة معينة، تآلفت مع بعضها البعض وبدت كأا مجلة واحـدة، إال أن وجه الشبه منتزع من تآلفها وفق ترتيبها، فلو حذفنا منها مجلة واحدة من موضعها اختل

.115، ص 2جسائر، ابن األثري، املثل ال- 1 .29، ص ملصدر السابقا - 2 . وما بعدها74، ص ملصدر نفسها - 3 .10الشعر، ص ابن طباطبا، عيار - 4

- 161-

تكامل يؤدي ما يقصده األديب كما ائتلف يف نفسه، «فنحن ههنا بإزاء . 1مغزى التمثيل .2» من التشكيل ال يقصد لوحده، وإمنا يقصد مؤثرا يف األجزاء األخرىفكل جزء

التمثيل دون أن يبني عن شيء من فلسفة اجلمـال فيـه، " اجلرجاين"وال يربح ما كان أشد، كانت إىل النفوس أعجـب، وكانـت التباعد بني الشيئني كل «فريى أن

فموضع االستحسان ، 3»حيية أقرب النفوس هلا أطرب، وكان مكانها إىل أن تحدث األر يف الصورة التشبيهية لديه قدرا على استثارة الدفني من االرتياح؛ من خالل اجلمع بني

وهل تشك يف أنه يعمل عمل السحر يف تأليف املتباينني حىت خيتصر «: املتنافرات، يقول يريـك للمعـاين ، وهو رقواملغرب، وجيمع ما بني املشئم واملع لك بعد ما بني املشرق

األشخاص املاثلة، واألشباح القائمة، وينطق لـك األخـرس، املمثلة باألوهام شبها يف ويريك احلياة يف اجلماد، ويريك التئام عني األضداد، فيأتيك ويعطيك البيان من األعجم،

لنا من هذا الكالم مقولة وتتراءى . 4»...والنار جمتمعني باحلياة واملوت جمموعني، واملاء . الصورة الفنيةالتجسيد اليت تعد من أبرز آليات

يف تبيان مجال الصورة التشبيهية الذي يتحسسه طورا آخر " اجلرجاين"وميضي ، وتبلغ ههنا دقـة توصـيفه يف اهليئات اليت تقع على احلركات حينما حيصل وجه الشبه

:هي شكلنيمداها حينما يستنبط هلذا النمط التشبي :حنو، واللون وحنومها األوصاف كالشكل بغريها من اهليئة أن تقترنأحدمها -

5والشمس كاملرآة يف كف األشلفقد مجع وجه الشبه بني احلركة وهي التموج واالضطراب واالنبـساط تـارة واالنقباض تارة أخرى، والشكل وهو استدارة كل من جرم الشمس واملرآة معا، وبـني

.، وما بعدها232القزويين، اإليضاح، ص : ، وينظر أيضا88رجاين، أسرار البالغة، ص اجل- 1 .100، ص فايز الداية، مجاليات األسلوب، الصورة الفنية يف األدب العريب - 2 .105، ص املصدر السابق اجلرجاين،- 3 .107، ص املصدر نفسه - 4 . البيت البن املعتز، وهناك من يعزوه أليب النجم- 5

- 162-

ما جيري جمرى اللون وهو الوهج واإلشراق والتأللؤ، مما ينسحب على صورة الـشمس، الـذي قول املهليب الوزير نقع على نظري ذلك يف و. وصورة املرآة يف يد شخص مشلول

:توقف عنده اجلرجاين أيضاالشمسقشر من مها قد بد ت شـ ماجبهلا ح رقة ليس

1ول فيها ذهب ذائبـ يج ت ـة أحميـقا بوتـأنهـك، حنـو قـول غريهـا راد ال ي من كل وصف، حبيث أن تجرد هيئة احلركة والثاين -

:األعشى يصف السفينة يف البحر وتقاذف األمواج ا الله كرعتقص السفني جبانبيه كما ينزو الرباح خ

حبركـات احندار وارتفاع بنيها املوج قاذفالسفينة حني يت حركة شبه هيئة إذ متفاوتـة وهي حركات عشوائية متداخلـة ، إبان حداثة نشأته يف املاء وثبه يف الفصيلوجـاء .شىت حنو األسفل واألعلى واألمام واخللف واليمني والـشمال جهات صوب

حلركة، مث لطف وغرب ملا فيه مـن التفـصيل معقودا على جتريد هيئة ا «التشبيه ههنا ، بينما ختلو هيئة احلركة من التركيب يف حنو حركة الرحى وحركة السهم، 2»والتركيب

.ألن اجلهة واحدةأن يكون أول من أدرك صلة التشبيه باخليال، يف سياق حديثه " ابن األثري "ولعل

أال ...ه به أو معناهل يف النفس بصورة املشباخليا إثباتعن مجالية التشبيه الذي نريد به ترى أنك إذا شخيـاال تا يف الـنفس هت صورة بصورة هي أحسن منها كان ذلك مثب ب

هتها بصورة شيء أقبح منها كان ذلـك حسنا يدعو إىل الترغيب فيها، وكذلك إذا شب . 3مثبتا يف النفس خياال قبيحا يدعو إىل التنفري عنها

.146، 145رجاين، أسرار البالغة، ص اجل - 1 - اح : تقص وتنزوبماء السماء : تثب، الر علـه بفـتح ويف رواية أخرى جاء لفظ خال . الفصيل أو القرد، والكر

.149 والبيت من ديوان األعشى، ص .اخلاء، على أنه من الفعل خال، وله جار وجمرور .147صاملصدر نفسه، اجلرجاين، - 2 .123 ص ،2 جابن األثري، املثل السائر، - 3

- 163-

كان خليقا أن يتمثله البالغيـون - بغض النظر عن مدى وزنه – كهذا فوعيالصورة مقولة جوهرية وينطلقوا منه لتعمق موضوع الصورة الفنية، سيما وأنه جيعل من

ونلمس يف حنـو . ويزداد هذا الوعي رسوخا إذا ما عاينا تقسيمه الرباعي للتشبيه . فيهمفهوم الصورة علـى صويري يف فن التشبيه، وإن قصر هذا التصنيف ما يدعم املنحى الت

أيضا ملا توقف عنـد " املرزوقي"ما يبدو على البعد احلسي املرئي، وهو بعد التفت إليه :1التشبيه اآليت الذي عده من قبيل التصوير

وأرهبوموىل الق أتحىت ت نهنكما ذ وا ه دترد ه الو يومساواميما خ للتشبيه، فانطلقوا منه " ابن األثري"وقد فطن الدارسون املحدثون إىل أمهية تقسيم

عدنان حـسني "لتبيان أمناط الصورة احلركية والنفسية واخليالية، على حنو ما اضطلع به ، الذي أضاف ضمن حتليله لصور العالقات بني التركيبات التشبيهية منطا تشبيهيا 2"قاسم

احلقائق املعاصرة مع الظواهر األسطورية والتراثية، لكي تكتسب «يف طرفيه آخر تتقابل الصورة عمقا وظالال أحاطت باملاضي وأبعاده اإلحيائية، ليبث الشاعر من خالله ما يرمي

:مشريا إىل هاروت وماروت البابليني" بشار"، ومن ذلك قول 3»إليه لبابلييـن حفـا بالعفاريتدينار آل سليمـان ودرهمهم كا

4ال يوجدان وال يرجى لقاؤهما كما سمعت بهاروت وماروت : يف قصيدة املومس العمياء" السياب"ومنه أيضا قول

- من هذه الرسالة63ينظر الصفحة .

، 1.، ج1991، 1.ارون، دار اجليل، بـريوت، ط أمحد أمني وعبد السالم ه. تحاسة،م املرزوقي، شرح ديوان احل - 1 ."حسيل بن سجيح"لشاعر يدعى والبيت . 569ص - ا اهليام، وهو داء يصحبه عطش شديد : كفوا، واهليم : تنهنهوا ف أوائلـهم وجعلـها تتبـادر : أي. اليتخو

.خلمسوتزدحم حرصا على القتال، مبادرة اإلبل اهليم وازدحامها على املاء وردت .78 إىل ص 61 عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري، رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص - 2 .78 املرجع نفسه، ص - 3ـ 1373حممد الطاهر بن عاشور، جلنة التأليف والترمجة والنـشر، القـاهرة، . تح بشار بن برد، الديوان، - 4 / هـ

.57، 56، ص 2ج ،1954

- 164-

الدفلى مصابيح الطريقوتفتحت كأزاهري كعيون ميدوزا حتجر كل قلب بالضغينة

1نذر تبشر أهل بابـل باحلريقوكأنـها ، وحصرا إما ضمن سـياق املبالغة غرضلبه ؤتىيأن التشبيه " ابن األثري "ويرى

، وتلك حمددات بالغة التشبيه عنده، الـيت يعطـف 2يضاحواإلبيان ال، أو ذمالدح أو امل :قول أيب نواس يف وصف اخلمرنظري 3عليها يف سياق آخر جميئه مصدريا

راد اجلبت وثبث و جوها إذا ما مزوأ بوها روإذا ما ش ذخذت أخقاد الر

4مرغ املبح باملةابب الصكت ف دا وبالعيلز اجل باملالتكتوف :قول أيب متامو 5فرار السليم من األجربوشعب يفر من الصالحات :وقول حافظ إبراهيم

وردد البالغيون أن من فضائل التشبيه ما حيصل للنفس من األنس بإخراجها من قريبـا يف - مهما بدا بعيدا من حيث التصور –خفي إىل جلي، حىت يتجلى للناظر فيه

: احلماسةشاعرالعرف واالعتياد، ومن ذلك قول واحلربيلح فيها الكق ون ارهكما تحاحو دنإىل اجلالص رى فبتدعايه

.6من الكمون إىل الظهور، ومن اخلفاء إىل الربوزههنا ه املشب خرجفقدفالصورة التشبيهية إذن تتعامل مع العامل احلـسي بأبعـاده، ومـع املعطيـات

النسبة إىل منطـي وإذا كان األمر معلوما ب . 1التجريدية الفكرية، ومع االتفعاالت النفسية .الصورة احلسية والتجريدية؛ فإن هناك منطا ثالثا طبيعته نفسية

.275يوان، ص بدر شاكر السياب، الد- 1 .127ص ،2 جابن األثري، املثل السائر، - 2 .78والبيتان من ديوان أيب نواس، ص . 124، ص 2 املصدر نفسه، ج- 3 . وهو عري موجود يف ديوان أيب متام. 124، ص 2 ذكر هذا البيت يف املثل السائر، ج- 4 257ص ، 1ج، .)ط.ت.د(دار اجليل، بريوت، حافظ إبراهيم، الديوان، - 5 .408ص ، 1ج املرزوقي، شرح ديوان احلماسة، - 6

- 165-

املبين على التقاط وحدة األثر النفسي بني األشياء، « هو ذاك والتشبيه النفسي ، ويعىن هذا الـنمط 2»وتصويرها تصويرا نفسيا مؤثرا لينقل عدوى الشاعر إىل املتلقني

وس، دومنا عناية بظاهر أوصافها، وهو يعتمد الذات الشاعرة بتصوير وقع األشياء يف النف :4، ومنه قول النابغة3وقوانينها الداخلية

نظـر المريض إلى وجوه العود نظرت إليك بحاجة لم تقضـها إسقاطه ردت ولم صيفقـط النقـ سوات ـهلتـد فتنـاوـا بالينت

افة يعقدـاد من اللطـ عنم يك انه ـص كأن بنـبمخضب رخ :وقول إلياس أيب شبكة

5لـفه الطويـ يجر ذيول معط ل ـل كاهلم الثقيـترامى الليهر األشياء، ال من أن الشاعر من يشعر جبو «ويف هذا السياق يذهب العقاد إىل

فإن الناس . وما ابتدع التشبيه لرسم األشكال واأللوان . يعددها وحيصي أشكاهلا وألواا وإمنا ابتدع لنقل الشعور ذه . مجيعا يرون األشكال واأللوان حمسوسة بذاا كما تراها

.6»األشكال واأللوان من نفس إىل نفس بـني الصورة التشبيهية املشتركة ألبعاد وقد ميز أحد الدارسني باعتبار احلقول

احلواس وقوانينها اخلارجية يف إدراك «التشبيه النفسي والتشبيه الزخريف الذي يعول على العالقات بني تلك األطراف، ويرتكز هذا اإلدراك إىل ذوق مثقف خبري، حـىت يتميـز

.72 فايز الداية، مجاليات األسلوب، الصورة الفنية يف األدب العريب، ص - 1 .87 املرجع نفسه، ص - 2 .89، 88املرجع نفسه، ص - 3 .93 والبيت من ديوان النابغة، ص .92 املرجع نفسه، ص - 4 .347ص ، 1980ر العودة، بريوت، دا إلياس أبو شبكة، الديوان،- 5 .17، ص 1 ج العقاد، الديوان يف األدب والنقد،- 6

- 166-

ته وغرابته، مما جيعله قادرا ، وتتحدد مجاليته يف ندر 1»اخلاصي النادر عن العامي الساذج :وممن برع يف هذا النوع من التشبيه ابن املعتز. وسنفالعلى إثارة الدهشة واإلعجاب يف

واره احلندسـاـن اهلالل بـدا يهتـك من أنـر إىل حسـانظجصيـكمن ـة ـل قدر ا غ من فضهمن ز دصحا يجسرى نج2لد الصورة االستدارية "فايز الداية "أمناط التركيب يف التشبيه ما اصطلح عليه ومن

النافية ويتلوها اسم مبثابة املشبه بـه ) ما(، اليت تقوم على صيغة لغوية تبدأ بـ التشبيهية يف الصورة، فتسرد صفاته وهي يف ذروة الكمال، إىل أن تصل يف طرف االسـتدارة إىل

:التفضيلية ومعها املشبه، حنو قول املرقش األصغر) أفعل(صيغة حقدا وترود طولى على الناجعا تهك رحياء كاملسبهوما قهوة ص حوروت ـدمطـان عليـها قرة يحج ن عشرينيف سباء الد تثو

3ئت طارقا من الليل، بل فوها ألذ وأنصحبأطيب من فيها إذا جومن أمناط التركيب أيضا هناك الصورة التشبيهية املطولة، اليت يضطلع الـشاعر فيها برسم مشهد طويل يستقصي من خالله مسات تعكس ما جييش يف نفـسه أو مـا

لتصويري، حبيث تتواشج ههنا يكتنفها، واألسلوب القصصي خري ما يؤدي هذا النمط ا الصورة مع السرد، ولعل من أبرز ضروب هذا النمط من االستخدام القصصي، النـوع

رسم مشاهد توظف ضمن التركيب اللغوي التشبيهي، حيث تعقد املـشاة الذي يعىن ب .4بني موصوف وبني ما يرد يف القصة أو ضمن تفصيالت مشهد منها

.90، ص رؤية نقدية لبالغتنا العربية-عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 1 واحلندس هو .320، ص ) ط.ت.د( اعتىن به حميي الدين اخلياط، مطبعة اإلقبال، بريوت، ابن املعتز، الديوان،- 2

.الليل الشديد الظلمة .100 فايز الداية، مجاليات األسلوب، الصورة الفنية يف األدب العريب، ص - 3 .103، 102 املرجع نفسه، ص- 4

- 167-

الـصورة تنصهر قيها أبعـاد املشتركة اليت تتماهى و ووجه الشبه هو املساحة اجلزئية، وال يتوجب على الشاعر دوما حتديدها بوضوح، وإمنا يتيح للمتلقـي هـامش إدراك أشيائه من خالل ذاته وثقافته وخربته اخلاصة، وال يقدح يف قيمـة الـصورة أن

:، كقول البحتري1يصرح األديب بوجه الشبهسن لو استاحلسذات ح ت منزيـ ن إليه لما أص زادت مداـاب

2 غض لينا والرئم طرفا وجيدا ـفهي الشمس بهجة والقضيب ال :قول ابن الروميو

رى فلـ قد تن ل كأنه الدهر طوال ـ ليباهيسـزي فيه مد 3زيد تنزول لكيب ليست ت ش ـوم كأن جنوم الـذي جن

فالصورة التشبيهية بوصفها مظهرا بيانيا تس عليه عمرتكزا حيويا تتأس الصورة دالتشبيه حيقق العالقة املنطقية ويدور يف فلكها، لذا مالـت « يف األدب، حيث أن الفنية

الصورة التشبيهية حمتفظة النظرتان النقدية والبالغية القدميتان إليه، فعناصر الواقع تظل يف وبذلك فهو يضطلع بوظيفـة مجاليـة .4»بوضوحها ومتايزها، فال تداخل وال تشابك

.5ضمن التراكيب األدبية، إذ يتغي بعث اللذة لدى املتلقي، ولفت انتباهه وإثارته فنيا

:ة االستعارييةاازالصورة –ب

.85 رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص - عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 1 .591ص ، 1ج البحتري، الديوان، - 2 .444 ص ،1 ابن الرومي، الديوان، ج- 3 .121بشرى موسى صاحل، الصورة الشعرية يف النقد العريب احلديث، ص - 4 حممد ماجد الدخيل، مفهوم الصورة الفنية وأمناطها يف ضوء املوروث العريب، اجلاحظ واجلرجاين، أعمـال مـؤمتر - 5

22، ص 2008، عمان، )ثقافة الصورة يف األدب والنقد(جامعة فيالدلفيا الدويل الثاين عشر حول

- 168-

خلفته : وأجزته. سلكته وسرت فيه : جزت املوضع أجوزه جوازا : ااز لغة من هوقطعت .واالجتياز: السلوك، ـهتزأي ج ،مبعـىن هتزجاوالشيء إىل غريه وت تزوجاو .

.1وتجاوز اهللا عنا وعنه، أي عفااللفظ يف غري ما وضع له يف اصـطالح التخاطـب واصطالحا ااز اصطناع

ويعرفـه . 2ني احلقيقي واازي، مع قرينة مانعة من إرادة املعىن الوضعي لعالقة بني املعني ت له يف وضع واضـعها، عوق وأما ااز فكل كلمة أريد ا غري ما «: قائال" اجلرجاين"

وال نكاد جند بونا بني مفهوم بالغيينا وبني تصور أرسطو .3»ملالحظة بني الثاين واألول .4نقل اسم يدل على شيء إىل شيء آخر: ه بأنهللمجاز الذي يعرف

قد تقوم الصور يف بنائها الفين على املظاهر البالغية، وال سيما اازية منـها، وتضافرها والتحامها يؤدي مستوى ثانيا أو ثالثا للمعىن الذي يروم الشاعر إبرازه ليعبـر

وح الشعر، بل يتعين على ااز عن جتربته، وال ينبغي أن حييد االستخدام البالغي عن ر . أن يكون متحدا باملعىن اإلمجايل، وتكون الصورة اازية ههنا مؤدية للغرض، معبرة عنه

الصورة اازية عن الوحدة العضوية أو التجربة الشعرية، بل يتعين جتـاوز وال ميكن بتر تقراء عالقة مـا، إىل ضـرورة اعتبار التشابه احلسي بني الطرفني، أو االكتفاء مبجرد اس

.5ارتباط إمكانات الصورة اازية بالشعورخري الكالم ما ميكننا من حتصيل أفكار جديـدة يف مرونـة ودون عنـاء، إن

ومبا أن ااز لون من التصوير . والتوسل بااز أفضل سبيل تدي به إىل األفكار املبتكرة الذي يصدر عن موهبـة طبيعيـة تكار يف األسلوب فإنه يلزم أن تغدو الصورة قوام االب

.870ص / 3، ج)جوز( اجلوهري، الصحاح، - 1 .318، ص 2004، 2.حممد التوجني، مؤسسة املعارف، بريوت، ط. السيد أمحد اهلامشي، جواهر البالغة، تح - 2 .267 اجلرجاين، أسرار البالغة، ص - 3 .125حممد غنيمي هالل، النقد األديب احلديث، ص : نقال عن- 4 .161، 160دمهان، الصورة البالغية عند عبد القاهر اجلرجاين، ص أمحد علي - 5

- 169-

ظيفة نفسية يف التأثري بالنفوس والقلوب والعقول و وبذلك يؤدي ااز .1وطول مراس فجلي أن الصورة اازية صورة . 2والعواطف حينما تقع املعاين بوساطة التعبري اإلحيائي

.خالقة تتوسل باإلحياء الذي يعد مستها احليويةاز ومتيل : ز من استقراء البالغيني نوعان من ارسة، وجماز مجماز عالقته املشا

ونؤثر يف هذا املقام االقتصار عـن . تعددت عالقاته، وأطلق عن التقييد بعالقة خمصوصة ااز االستعاري، ألنه يف نظرنا أكثر صلة من ااز املرسل مبوضوع الـصورة الفنيـة،

ني انطلقوا منه وحرصوا على تثمري جوانبه الفنية يف فهمها، سيما حيث أن معظم الدارس .3»االستعارة أفضل ااز«الدارسني القدامى من يعد وأننا جند من

طلـب : تعور واستعار : ، ومنها أن نقول )عور(االستعارة لغة مشتقة من مادة واعتـوروا الـشيء ... أن يعريه إياه طلب منه : واستعاره الشيء واستعاره منه . العارية

، أعرته الشيء أعريه إعـارة وعـارة : تقول... تداولوه فيما بينهم : وتعوروه وتعاوروه .4واستعاره ثوبا فأعاره إياه

الـشعراء وقد جرى ذوق . 5واالستعارة من فنون البالغة احليوية يف التصوير اط االستعارة، قبل أن تقعد أشكاهلا الفنية، صادرين يف ذلك عن على اصطناع أمن األديب

فطرم، مبنأى عن أي معرفة نظرية، أو وعي حتليلي لطرق استخدامها فهي أمر أصيل يف حينما ذهـب من قبل "أرسطو"ما قرره ذلك و .األدب، وتعد منه مبنزلة النحو من اللغة

.125حممد غنيمي هالل، النقد األديب احلديث، ص - 1حممد ماجد الدخيل، مفهوم الصورة الفنية وأمناطها يف ضوء املوروث العريب، اجلاحظ واجلرجاين، أعمال مؤمتر - 2

.32، ص 2008، عمان، )ة الصورة يف األدب والنقدثقاف(جامعة فيالدلفيا الدويل الثاين عشر حول .235ص ، 1ج ابن رشيق القريواين، العمدة، - 3 .471، ص 9 ج ، وابن منظور، لسان العرب،761، ج2 ،ج)عور ( اجلوهري، الصحاح،- 4 .153 ص ،1أمحد مطلوب، معجم النقد العريب القدمي، ج - 5 - مل تزل «": ابن عبد ربه" دالليا مغايرا يتصل باألخذ والسرقة، حيث يقول هناك من شقق ملصطلح االستعارة جماال

وهـذه . وأحسن ما تكون أن يستعار املنثور من املنظوم، واملنظوم من املنثور. االستعارة قدمية تستعمل يف املنظوم واملنثور .186ص ، 6ج ، العقد الفريد، »...االستعارة خفية ال يؤبه ا، ألنك قد نقلت الكالم من حال إىل حال

- 170-

ال يزال من أعظم األشياء ألا الشيء الوحيـد أن امتالك ناصية االستعارة كان و «إىل .1»الذي ال يلقن، وهي أيضا مسة العبقرية األصيلة

وهي تلك األساليب اللغوية اليت ركبـت تركيبـا لغوية،: واالستعارة قسمان رجل الطاولة، بطـن : قوامه املشاة اخلارجية بني األشياء، مبنأى عن أي غرض فين، حنو

وتعـىن :واستعارة مجاليـة الشجرة، رأس الرمح، أسنان املشط وحنوها، الوادي، ساق بالتقاط األفكار واألحاسيس وتصويرها تصويرا غري حمدد الداللة، وهي قـادرة علـى

.2الغوص يف أعماق الشاعر وردهات نفسه الستكناه ما غمض من انفعاالته بأا تسمية الـشيء حبث االستعارة وإن أشار إليها وعرفها اجلاحظمل يتوسع

تعليق العبارة على غري ما وضـعت «: الرماين االستعارة عندو. 3باسم غريه إذا قام مقامه اعتبارا ، تكون أوضح من احلقيقة اشترط أن و. 4» يف أصل اللغة على جهة النقل لإلبانة له .فيها لتشبيه العارضل

أصل اللغـة إىل نقل العبارة عن موضع استعماهلا يف «:وحيدها العسكري بقوله إما أن يكون شرح املعىن وفضل اإلبانة عنـه، أو تأكيـده غريه لغرض، وذلك الغرض

من اللفظ، أو حتسني املعرض الذي يربز فيه، وهـذه واملبالغة فيه، أو اإلشارة إليه بالقليل املصيبة، ولوال أن االستعارة املـصيبة تتـضمن مـا ال األوصاف موجودة يف االستعارة

فواضح أنه ربط .5»احلقيقة أوىل منها استعماال ه احلقيقة، من زيادة فائدة لكانت تتضمن .مفهومه هلا ببيان جوانب من بالغتها قي الكالم

أن تريد تشبيه الشيء بالشيء، فتدع « :فيحدها يف موضع قائال " اجلرجاين"أما ه وجتريه عليه، تريد أن اسم املشبه به فتعريه املشب أن تفصح بالتشبيه وتظهره، وجتيء إىل

.42ص، 1971عبد الوهاب املسريي، جملة الة، . ترجون مدلتون موري، االستعارة،: ينظر- 1 .123، 122رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص ، عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 2 .153، ص 1ج اجلاحظ، البيان والتبيني، - 3 .85 صضمن ثالث رسائل يف إعجاز القرآن، إعجاز القرآن، الرماين، النكت يف - 4 .240العسكري، الصناعتني، ص - 5

- 171-

رأيت : شجاعته وقوة بطشه سواء، فتدع ذلك وتقول رأيت رجال هو كاألسد يف : تقوليف اجلملـة أن «، ويف موضع آخر نلفيه يضيء جانبا آخر منها، ذلك أـا 1»...أسدا

على أنه اختص بـه حـني تدل الشواهد اصل يف الوضع اللغوي معروف األيكون لفظ وينقله إليه نقال غري الزم، مث يستعمله الشاعر أو غري الشاعر يف غري ذلك األصل، وضع،

.2»فيكون هناك كالعاريةأن تذكر أحد طريف التشبيه وتريد به الطرف اآلخر، « :ويعرفها السكاكي قائال

ملـشبه مدعيا دخول املشبه يف جنس املشبه به، داال على ذلك بإثباتك للمشبه ما خيص ا .، فيكاد هذا التعريف جيعل من االستعارة أحد أضرب التشبيه3»به

ما يلحظ على هذه التعريفات أا تركز على فكرتني، األوىل هي التشبيه، حيث أنه غدا معلما بيانيا انطلق منه البالغيون لفهم طبيعة االستعارة، فال يكاد خيلو حـديث

. يف عرفهم االصطالحي جمازا عالقته املـشاة عن االستعارة من استدعائه، حىت غدت والثانية هي فكرة النقل، اليت تقتضي أن تتوافر إمكانات اللغة على مستويني من التعـبري، مستوى حقيقي وآخر جمازي، ولغاية تعبريية معينة كتوكيد املعىن واملبالغة يف وصفه، أو

املتلقي؛ جيري االنتقال يف الكالم لغرض فين كاإلجياز يف الكالم وحتسني موقعه من نفس وهناك من يتصور مفهومـا مغـايرا . من املستوى األول إىل الثاين على سبيل االستعارة

للنقل، ينحصر يف القدرة على نقل حالة األديب الشعورية، وهذا يتطلب إبداع تصورات .4غري مألوفة يف سياق األثر األديب

األفق النفسي وحيويـة : تشكيل االستعارة مها هناك جانبان حموريان يأتلفان يف ، واجلانب الثاين يتصل باحلركة اللغوية الداللية وتفاعل التجربة مما سبق الوقوف عنده

.114ص اجلرجاين، دالئل اإلعجاز، - 1 .31ص اجلرجاين، أسرار البالغة، - 2 .477ص السكاكي، مفتاح العلوم، - 3 .114 فايز الداية، مجاليات األسلوب، الصورة الفنية يف األدب العريب، ص - 4 -باحلديث عن التجربة من هذا الفصل ينظر املبحث اخلاص .

- 172-

، حيث يتم التقاء سياقني اثنني ضمن اجلملة الواحدة، حبيـث تلمـح 1السياق التركييب حتكاك بـني املوقـف االستعارة يف داللة لفظة ضمن سياق غريب عنها، فنغدو أمام ا

. 2األصلي للفظ املستعار واملوقف اجلديد الذي استدعاهاوفيما يتصل ذا اجلانب دائما، فإن إدراك القيمة اجلمالية لالستعارة يف العمـل األديب يقتضي اإلحاطة بااالت الداللية ورموزها يف كل جانب من جوانـب احليـاة

ل الوعي ذا اال الداليل أو ذاك ممـا احتـضن املادية والفكرية والنفسية، ومىت حيص كسر الرتابة والتتابع املألوف لسلـسلة ق عنصر املفاجأة واملباغتة بشكل ي االستعارة يتحق

الدالالت ضمن السياق، وهكذا حنايث من خالل االستعارة تالقيا بني سياقني داللـيني ياق الداليل األصلي ال يفقد داللته خمتلفتني، فاللفظ املستعار من جمال داليل بعيد عن الس

.3األوىل كليا، بل يبقى مستمدا منه ظاللهإذا كان التشبيه يثري إحساسا حمددا يف صورة ما، فإن االستعارة تستثري إحساسا

كما تتميز االستعارة عن التشبيه بقدرا على . غامضا متوترا، يتفلت من الدقة والتحديد ياء، وبكوا أكثر إحياء وأكثف ظالال، فيغدو بإمكاا إبراز األشياء أن حتيط بطبائع األش

.4املألوفة يف صورة فنية، على حنو مغاير ملا تواضع عليه الناس) اخلطابـة (يف كتابـه " أرسطو"مستندا إىل " حممد غنيمي هالل "ولذلك فضل

ها أبعد منه، بيد أنه االستعارة على التشبيه الذي يتضاءل احتفال السامع به، ورأى أن أثر أال تكون بعيدة املنال، فال ينبغي أن يبالغ املرء يف البحث عنها حىت تبدو غريبة، «اشترط

وجيب كذلك أال تكون واضحة كل الوضوح، وإال كانت عدمية األثر، ألن النـاس ال

.114، ص املرجع نفسه - 1 .119، ص املرجع نفسه - 2 .120، ص املرجع نفسه - 3 .163 رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص -عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 4

- 173-

ا ورفض عدها جمرد تشبيه حذف أحد طرفيه، أل . 1»...يهتمون إال باألقيسة الواضحة .2أقوى إحياء منه، وملا تتضمنه من سعة الداللة وقوة التصويرمن أن االسـتعارة " اجلرجاين"ولعل هذا املوقف التفضيلي أسسه على ما قرره

عة وأبعد افتنانا، وأكثر جريانا، وأعجب حسنا وإحسانا، وأوسع س وأشدأمد ميدانا، «ناعة وغورا، من أن تجمع شعبها وشعوا، وتحصر فنوـا يف الص غورا، وأذهب نجدا

االستعارة ضمن هذا القـول فصيغة التفضيل اليت الزمت استحسان فن . 3»...وضروا .خري دليل على قيمتها البيانية األخاذة، علما أن الكالم هنا على االستعارة املفيدة

الصورة الفنية لـدى ألن تغدو جوهرا يف والقدرات البالغية لالستعارة أهلتها أداة تصويرية على إبداعهم الشعري، ملا فيها مـن الرومانسيني، ذلك أا طغت بوصفها

وبذلك . 4تكثيف عاطفي، وما يقتضيه من خيال، بغية التمثل اجلمايل ألغراضهم النفسية نسانية، تتجلـى االستعارة صورة فنية تتكون من أطراف حسية مشحونة مبشاعر إ «فإن

فيها عبقرية الشاعر اإلبداعية يف الكشف عن العالقات اخلفية بني األشياء مـن خـالل .5»رؤيته اخلاصة

االستعارة، ذلك أا حسب الصورة من قبيل ويف هذا الصدد عد أرسطو مفهوم وثب كاألسد نكون أمام صورة، ولكـن : ال ختتلف عنها إال قليال، فعندما يقال «رأيه

بشأن " جون مدلتون موري " ويقول .6»...وثب األسد نكون أمام استعارة : عندما يقال واالستعارة اجليدة توهج العاطفة، وهي يف الشعر وسيلة السـتثارة :اإلحيائيةإمكاناا

.128، 127 حممد غنيمي هالل، النقد األديب احلديث، ص - 1 .459، صاملرجع نفسه - 2 .40 اجلرجاين، أسرار البالغة، ص - 3 .113 رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص - عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 4 .115، ص املرجع نفسه - 5 .15، ص1990املركز الثقايف العريب، بريوت، الويل حممد، الصورة الشعرية يف اخلطاب البالغي والنقدي، : نقال عن - 6

- 174-

فالبعـد . 1إحساس غامض متوتر خبصائص خري ما يمكن أن نصفها به أـا روحيـة .للغوي شرط لسحرها التصويري البياين املؤثرالوجداين فضال عن بنائها ا

املبدع يف متناولنا شيئا جديدا، حىت وإن كـان يضع صورة استعارية ومع كل هذا الشيء موجودا قبل أن يتفحصه، ويتوق دوما إىل جتديد الصلة بني األشياء عري رؤيته

أثر الفكـرة يف نفـس اخلاصة اليت متتزج بانفعاالته، وهو ما اقتضى توخي ااز لتعميق .ومن هنا يتأصل البعد االبتكاري اخلالق للصورة االستعارية. 2ياملتلق مسات األداء االستعاري:

.اجلدة واإلحياء: وميكن حصر مسات التعبري االستعاري يف أصلني رئيسني مها ميكن األداء االستعاري من اكتشاف العالقات اخلفية اجلديدة بـني : اجلدة -أ

األشياء والظواهر واألحداث اليت يتنبه إليها الشاعر؛ ومينحه قدرة فائقة علـى الرؤيـة فيظهر لنا الشاعر ما . البكر، وحييله تلقائيا إىل الزوايا اخلاصة اليت ينظر منها إىل املوضوع

مل نفطن له على الرغم من كونه ماثال أمامنا، كما قد تكون املفردات اللغوية اليت يـبين الشاعر استعاراته معروفة مألوفة لدينا، بيد أن مقتضيات الصياغة الفنية جتعل منـها منها

. أمرا غريبا وجديدا، وكأننا مل نشهده قبالاجلامعة فيهـا ومن الفضيلة «: عن اجلدة يف االستعارة فقال " اجلرجاين"وحتدث

ه نة تزيد قدردستجربز هذا البيان أبدا يف صورة ما تال، وتوجب له بعـد أالفـضل ب، وراح مييز ما بني االستعارة العامية املبتذلة حنو رأيت أسـدا، واالسـتعارة 3»...فضال

:اخلاصية النادرة، اليت ال جتري إال ببيان الفحول كقول الشاعر حاطب األيطم الاقنعأت بوسالأخذنا بأطراف احلديث بيننا

.43 صعبد الوهاب املسريي، جملة الة، . ترجون مدلتون موري، االستعارة، - 1 .118، ص املرجع السايق - 2 .40 اجلرجاين، أسرار البالغة، ص- 3

- 175-

سيوال وقعت يف تلـك األبـاطح كأنه كانت ، سارت سريا حثيثا يف غاية السرعة : أي :قول اآلخرو. فجرت ا

رـينان كالدوهـجو بهارصنا أع د حنيي احلعاب ش عليهتسال .1 مزدمحني حوله كالسيولهم يسرعون إىل نصرتهف، مطاع يف احلي املمدوحأن: يأ

فمع االستعارة اخلاصية تتبدى عالقات داللية جديدة، تفضي إىل صياغة فنيـة كل شاعر ينطلق من معاناة خاصة به، فإن ذلك يقتضي إبداعا يتطـابق ومبا أن . مبتكرة

.2مع طبيعة جتربته، وهكذا يتاح له أن يبدع صوره االستعارية على غري مثال سابقلطاقة املعنوية املتولدة من البنية الفنية للصورة ا« ويقصد به تلك : اإلحياء -ب

االستعارية اجلزئية يف إطارها الكلي، وتعمل على توسيع رقعة الظالل اليت تسبح فيهـا وال ينحصر اإلحياء 3.»وقد تتعدد معها مستويات الفهم والتفسري . معاين الشاعر املصورة

.ي الذي يغذي األثر بتأويلهيف جانب املبدع، بل يتعدى ذلك ليشمل املتلقاملعاين كثريومبكنة التصوير االستعاري مبا يتضمنه من عناصر إحيائية أن يوافينا ب

الغـصن حىت تخرج من الصدفة الواحدة عدة من الدرر، وتجني من «، الوجيز اللفظيف أو تواشـجت معـه والصورة االستعارية مىت غدت رمـزا . 4»الواحد أنواعا من الثمر

امتلكت طاقة إحيائية حيوية، وال خيفى ما للوحدات الـصوتية واإليقاعـات املوسـيقية وحنوها من أثر يف يئة املتلقني وجدانيا للتجاوب مع إحياءات تلك الصور واستقباهلا، مبا

.5ييسر ملداركهم احتواء ظالل املعاين الثانيةلبالغيون بتشقيق ضروب االستعارة وفقـا وقد تعددت االعتبارات اليت كلف ا

هلا، فهناك اعتبار ما يذكر من الطرفني، واعتبار املعىن اجلامع، واعتبار اللفظ املـستعار،

.120 اجلرجاين، دالئل اإلعجاز، ص - 1 .143 رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص - عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 2 .149، ص املرجع نفسه - 3 .41 اجلرجاين، أسرار البالغة، ص - 4 .150 رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص -عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 5

- 176-

واعتبار ما يذكر من املالئمات، وغريها، ولئن أشار األمر إىل دقة احلـصر واالسـتنباط لتشبيهية إىل متزيق دالالـا، الصورة الديهم، إال أنه من جهة أخرى أدى مثلما رأينا مع

وبترها عن اجلو الفين العام لألثر األديب املشروط بتضافر مجيع عناصر الصورة الفنية، فلم .تتعد نفحاا اجلمالية عندهم اللفظ املستعار أو التركيب االستعاري

ألن اللفـظ 1 بوصفها قرينة مالزمة لالستعارة املكنيـة -االستعارة التخييلية والتشخيص والتجسيد، وأما التجريد : تتشكل بوسيلتني مها -ستعار فيها صورة ومهية امل

، ...ولما سكت عن موسى الغضب ألقى األلواح : تعاىلهقول، ك فيضفي عليها طابعا رمزيا حبتا فقد أعمل الوهم يف تصوير الغضب شخصا يتكلم ويسكت، ومنه أيضا . 154: األعراف

:حممد بن إدريس الشافعيقول قلغ ماب بل كحـتف يد واجل عاس شءي شلين كد يداجل

. فخيل الوهم للسامع أن اجلد وهو معىن عقلي جمرد يضطلع ختييليا بأفعال األحياءمن خالل مسيت التجسيد " اجلرجاين"وتنتعش االستعارة على غرار التشبيه لدى

اجلماد حيا ناطقا، واألعجم فصيحا، واألجسام اخلرس «والتشخيص، اللذين نرى عربمها إن شئت أرتك املعاين اللطيفة اليت هي مـن خبايـا ... مبينة، واملعاين اخلفية بادية جلية

العقل كأا قد جسمت حىت رأا العيون، وإن شئت لطفت األوصاف اجلسمانية حـىت مىت أريد ا -فببدو من خالل الصورة االستعارية . 2»ا إال الظنون تعود روحانية ال تناهل

.3 أثر حركة األفعال البشرية يف اجلماد-التجسيد أو التشخيص وسيلة خفية ذات أمهية متكن الذهن من أن جيمع " ريتشاردز"واالستعارة لدى

، وال ينشأ هذا األثر عن ما بني عناصر متباينة ومتباعدة، بغية التأثري يف املواقف والدوافع العالقات املنطقية إال فيما ندر، وعرب االستعارة يلج العديد من تلـك العناصـر فـضاء

.335 السيد أمحد اهلامشي، جواهر البالغة، ص - 1 .41 اجلرجاين، أسرار البالغة، ص - 2 .135 إىل 125فحات من فايز الداية، املرجع السابق، ينظر الص- 3

- 177-

فيتصور إذن أا تنشأ من إدراك الشاعر الداخلي، فيغدو بوسعه إرساء عالقات . 1التجربةجمـرد ودالالت جديدة بني املوجودات اخلارجية قوامها االحتاد واالمتزاج، وليس على

.2املقارنة والتمييز، وتتوق إىل ابتكار الصورة الفنية املتميزة :ةـيئاـالكنالصورة –ج

. 3 أن تتكلم بشيء وتريد به غـريه مصدر كنيت أو كنوت بكذا، مبعىن الكنايةواصطالحا هي لفظ قصد به الزم معناه الذي وضع له، مع جواز إرادة املعىن األصـلي،

ينة تصرفنا عن إرادته، فهي أننا نريد إثبات معىن ما، فال نصرح بلفظـه، لعدم وجود قر .4ولكن نعمد إىل معىن يرادفه فنومئ به إىل املعىن األول، وجنعله دليال عليه

أن " اجلرجاين"، ورأى 5يترك التصريح و األمر يعرض ب أن الكناية لدى العسكري وألطف ملوضعها، وأسبغت على الشيء إذا ما كنينا عنها كان ذلك أفخم لشأا الصفة

تقتضي امليل مع املعىن " ابن األثري "والكناية عند . 6املوصوف مزية وفضال وحسنا ورونقا وترك اللفظ جانبا، وقد يتجاذا كل من احلقيقة وااز، حبيث جيوز محلها على الوجهني

ني لفظ، بغية التنويه أو التفضيل وتتحدد الوظيفة اجلمالية للكناية يف إيراد املعىن بأل . 7معاأو التعظيم، ولعلها أوىل من التصريح والشرح، وقد يرد من سكوت الزمتـه اإلشـارة

.8واإلمياء من إصابة احلاجة واملرام ما يعجز عنه الكالم

.310 مصطفى بدوي، ص .رريتشاردز، مبادئ النقد األديب، ت - 1 .93بشرى موسى صاحل، الصورة الشعرية يف النقد العريب احلديث، ص - 2 .174، ص 12، ج )كين(، وابن منظور، لسان العرب، مادة 2477 / 6، )كىن( اجلوهري، الصحاح، مادة - 3 .370 ، 368السيد أمحد اهلامشي، جواهر البالغة، ص و، 330، ص القزويين، اإليضاح- 4 .334 العسكري، الصناعتني، ص - 5 .305دالئل اإلعجاز، ص اجلرجاين، - 6 .51، 50، 49، ص 3ج ابن األثري، املثل السائر يف أدب الكاتب والشاعر، - 7 .307،ص 1، ج)ط.ت.د(، القاهرة، عبد السالم حممد هارون، مكتبة اخلاجني. تح اجلاحظ، الرسائل،- 8

- 178-

ترتكز الصورة الكنائية على متثل عميق لسياق النص، وتتضح فيها العالقة بـني الداللة ااورة هلا، وهنا تكمن عالقة اللغة بالثقافة اليت تنطوي على الداللة املباشرة وبني

القيم الفكرية واالجتماعية والسلوك الصادر عنها، وإذا كان إدراك كنه هـذه العالقـة متاحا ألذهان معاصري األديب وانفعاالم، فإنه بعيد املنال نسبيا عن غريهم يف العصور

وهذا أمر له تأثريه يف انتـشار الـصورة . غايرة لثقافة األديب املتأخرة وذوي الثقافات امل .1الكنائية وانكماشها إن يف التراث القدمي أو املعاصر

ومن الكناية ما ينطوي على مالمح خاصة يف ثقافتها وداللتها اللغوية، حبيث أن ـ روف مثة صفات لألشياء وللناس وللعالقات فيما بينهم يمن يف حقبة زمنية وفقـا لظ

حتبط باتمع فتستحضر هذه املنظومة من القيم، وسرعان ما تتالشى تلـك الـدالالت :ومن ذلك قول زهري. 2اللغوية ذات اإلطار االجتماعي والفكري

ولهح يت الذي طافبالب متفأقس نمـرجال برهجيش ومن قر وه على كل حال من سحيل ومربم دتما ـجدان وـنا لنعم السيـيمي

وا بينهم عطر منشمانوا ودقـتف ان بعدما ـا عبسا وذبيـتداركتم يف هذه الصورة الكنائية تقليدا كان اتمع العريب قـدميا الشاعرفقد استحضر

ويغـدو . إيذانا بضراوة القتال » منشم« بعطر يعتد به يف مواقف احلروب، وهو التعطر املتلقي يف هذه احلالة كأنه يعيش مع تلك الصورة وهي حتيا مع إثارة الكناية وبذا تغـتين

.رؤاه ويتعزز تواصله مع املوقف أو مع روح تلك الثقافةتتوسل الصورة الكنائية بالعامل احلسي يف غالب حاالا، وتتغـي بـذلك إمـا

هاء إىل أبعاد حسية أخرى يف الداللة األبعد، وإما بلوغ القيم اردة الذهنية والنفسية االنت الكنائية املركبـة وتتـضام يف الصورقد تتجاور جمموعة من .3عرب خالل حركة داخلية

143فايز الداية، مجاليات األسلوب، الصورة الفنية يف األدب العريب، ص - 1 .145، ص املرجع نفسه - 2 .155 وص 149، ص املرجع نفسه - 3

- 179-

سياق حمدد، مما من شأنه إثراء النص بكثافة تصويرية متسقة ومتناغمة، تتـيح للمتلقـي وهناك ملمح تـركييب آخـر للـصورة . وقف الشعوري أو الفين املهيمن التفاعل مع امل

وهذا أمر -الكنائية يرتبط بالسياق، ولكن من جهة االئتالف مع الصور الفنية األخرى إذ تتداخل صور التشبيه أو االستعارة بالكناية، مما يؤدي إىل التبـاس –واسع االنتشار

.1التصور الفين الكنائية املركبة حينمـا الصورةىل ما ميكن عده من قبيل إ" اجلرجاين"وقد أومأ

:2توقف عند قول زياد األعجم، وجلى ما فيها من مسلك دقيق خفي رائقماحدى ـإن السالناملروءة وج ة ولى ابن احلشرت عربة ضيف قب

جـه لم تشنـن يمينـلمعتفيل ل ـوج ذو نائـر متـملك أغ رجـطفى املتحـ بعد النبي املص د املنابر بالتقى ـيا خري من صع

يتا أتراجيـلم والـككم ـا لن رتوالكم لم ين باب جـ ألفيت يل ركبهـا يف لفـظ فقد عدل عن التصريح بنسبة هذه اخلالل إىل املمدوح،

.فهي صورة اشتملت على خطوط متداخلة من جهات عدة لترسم بؤرة مشعة). قبة( :يةالرمزالصورة -د

، 3وتستدعي الصورة الكنائية احلديث عن الرمز، فمن القدماء من قرن بينـهما ـ ز ولكن مل يتعمقوا الكشف عن بالغته، بيد أن ما جتدر اإلشارة إليه هو أن مقولة الرم

.154، 153، ص املرجع نفسه - 1 .306، 305 اجلرجاين، دالئل اإلعجاز، ص - 2 - ،وأورد بأن زياد قاهلا يف أمري سابور عبد اهللا بن احلشرج اجلعدي ملا وفـد عليـه ذكر األصفهاين هذه األبيات . .40، ص12ج األغاين، : ينظر

، 339ص القـزويين، اإليـضاح، ،417ص ، اجلرجاين، دالئل اإلعجـاز، 269، ص 1ج ابن رشيق، العمدة، - 3 .373، جواهر البالغة، ص أمحد اهلامشي: وينظر أيضا

- 180-

كان هلا حضور يف جمال النقد األديب احلديث، بطرح مغاير من حيث اإلطـار املعـريف، .ومن حيث التناول، فقد غدا مبدأ حيويا قامت عليه النزعة الرمزية يف الفن واألدب

العيـنني اليـدين و الرمز تصويت خفي باللسان كاهلمس، والرمز إشارة وإمياء ب وأما الرمز فهو ما «: )الربهان يف وجوه البيان ( يف هبقال ابن و . 1واحلاجبني والشفتني

وإمنا يستعمل املتكلم الرمز يف كالمه فيما يريد طيه عن كافة الناس ... أخفي من الكالم قـال : وقال اهللا تعاىل مستجيبا لطلب زكريا عليه السالم. 2»...واإلفضاء به إىل بعضهم

تكة قال آيآي ل ليعاج بارزمام إال رثة أيثال اسالن أال تكلم ...41 :، آل عمران.

هو الذي قلـت «والرمز بيانيا أحد أقسام الكناية باعتبار الوسائط والسياق، و فالن عريض الوسادة، كناية عن بالدتـه : وسائطه، مع خفاء يف اللزوم بال تعريض، حنو

يريد املتكلم إخفاء أمر ما يف كالمه، مـع إرادتـه «ز بأن وبين بعضهم الرم . 3»وبالهتهإفهام املخاطب ما أخفاه، فريمز له يف ضمنه رمزا يهتدي به إىل طريق استخراج ما أخفاه

الرمز موضوع يشري إىل «إىل أن ) نظرية األدب (وقد أشار صاحبا كتاب . 4»من كالمه ، 5»اه أيضا لذاته، كشيء معـروض موضوع آخر، لكن فيه ما يؤهله ألن بتطلب االنتب

استدعاء عناصر ذات طبيعة مغايرة حتيل إىل داللة معينة تنبجس فهو وسيط يتيح إمكانية .بني ظالل اإلحياء

إن الرمز شيء حسي قوامه مشاة بني ظـاهرتني استـشعرا خميلـة الرامـز فسي بني األشـياء، التشابه الن وبذلك فهو يرتكز فنيا على 6كاإلشارة إىل أمر معنوي،

.312، ص 5، ج )رمز(لسان العرب، مادة ابن منظور، - 1 .22 ص ،2أمحد مطلوب، معجم النقد العريب القدمي، ج : نقال عن- 2 .373، جواهر البالغة، ص أمحد اهلامشي- 3 .23 ص ،2أمحد مطلوب، معجم النقد العريب القدمي، ج : املصري، بديع القرآن، نقال عن- 4 .243ألدب، ص ريين ويلك و أوسطن وارن، نظرية ا- 5 .40، ص 1977 والرمزية يف الشعر املعاصر، دار املعارف، القاهرة، حممد فتوح، الرمز- 6

- 181-

وهو مثرة يقتطفها الشاعر من خالل إدراكه احلدسي للعالقات العميقة واخلفيـة بـني الظواهر املادية وما خيتبئ وراءها من أسرار، مث يوظف الطاقة اإلحيائية املتولدة من التقـاء

وذا التوصيف يكتسب الرمـز قيمتـه الفنيـة .1األشياء للكشف عن تلك األسرار ويتخطى الرمز . الية التعبريية املقابلة للقيم الشعورية اليت يصدر عنها الشاعر يف جتربته اجلم

فكل من ملكـيت يستكشفها بوساطة احلدس، اليت الضمنية إىل الدالالت الواقع احلسي .س واحلدس مطلوبتان إلبداع عامل رمزياحل

الفنية، بوصفها جانبا وتندرج الصورة الرمزية مبا فيها األسطورية ضمن الصورة ر يف بنية العمل الفين، ويف املتلقي معا، ومن هنا يفهم سر حضور الرمز واألسـطورة يؤث

يف األعمال النثرية القدمية كألف ليلة وليلة، وكذا احتفاء الشعراء املعاصرين به على غرار ـ .2السياب ونازك املالئكة وصالح عبد الصبور وغريهم ا إمكانيـة نظرا ملا ملسوا فيه

وهي طاقة حمركة ... من خمزوا املعنوي حيث تخفي وراءها ميثولوجية كاملة اإلفادة ، فالصورة الرمزية صـورة 3للنص تثريه وتفسره وتكشف عن القيم الباطنة الكامنة فيه

تتجاوز حدود الداللة احلسية الضيقة، وتعتمد على اإلحياء الرحب وليس علـى جمـرد .4التقرير

: فرق النقاد بني الرمز اللغوي والرمز األديب؛ فإذا كان اللغوي يتسم خباصيتني يمها اإلجياز والتجريد، فإن الرمز األديب يعد أسلوبا تعبرييا يضطلع بوظيفة مجالية، وتأتلف عربه التجربة مع سائر عناصر النص اإلبداعي، ويتمظهر يف أشكال لغوية، منها األلفاظ

يل رمزيتها إىل مكان أو زمان أو حادثة تارخيية أو موقف أو جتربة عاطفية، املفردة اليت حت

.167 رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص -عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 1 .19فايز الداية، مجاليات األسلوب، الصورة الفنية يف األدب العريب، ص - 2 1419الصورة يف شعر الرثاء اجلاهلي، رسالة دكتوراه، كلية التربية للبنات جبـدة، ح السرحيي، صلوح بنت مصل - 3

.183، ص 1998/ هـ .306، ص والرمزية يف الشعر املعاصرحممد فتوح، الرمز - 4

- 182-

عنترة، سندباد، حطني، اخلورنق، جمنون ليلى، لوركا وغريها مما يعد حملـات : حنو ألفاظ .1يف منتهى اإلجياز تعمق دالالت املوقف الشعري، وتذكي إحياءات النص

أسلوب فين تكتـسب فيـه « إذ هو ولعل ذلك ما اصطلح عليه بالرمز اجلزئي، الكلمة املفردة أو الصورة اجلزئية قيمة رمزية من خالل تفاعلها مع ما ترمز إليه، فيؤدي

وهناك جتل آخـر للرمـز األديب .2»ذلك إىل إحيائها واستثارا لكثري من املعاين اخلبيئة معىن رمز الكلي، وهو يتجلى يف السياق التركييب ميتد مع عبارات النص يطلق عليه ال

حموري شفاف مجسد يف إحدى الظواهر املادية، تتمركز على أرضه جل الصور اجلزئية اليت تتوزع العمل الشعري، وتشده حنو هدف مجايل منظور، ويربطها به ينبوع التجربـة

طبيعـة وتتباين األشكال الرمزية األخرى فيما بينها اتساعا وامتدادا، وفق . 3الشعوريةاملوقف النفسي والفكري واالجتماعي الذي يصدر عنه الشعراء، مما جيلي توهج الرمز يف

.4لتشمل معظم القصيدة يف مظهر حكائي يتلبس مبعانام. ومضات متصاعدة، ميكن أن منيز 5ويف الشعر اجلاهلي الذي حيوي صورا رامزة وأخرى غري رامزة

: بني ضربني من الرمزاإلشاري، وتتصل فاعليته باملوقف الشعوري، ويستوحى عموما إما من عصر الرمز -أ

الشاعر، وإما من أزمنة متباعدة، وإما من امتزاج الواقع بالتخيل يف احلكايات والقصص، وفد يلوذ الشعراء ههنا باألمثال اليت تعد مصدرا رمزيا ثرا، جيمع بني اإلجياز وتكثيـف

واقعة اخلاصة لتتسم بصبغة الشمول والعموم، مالمسة بذلك التجربة، مث تتجاوز فضاء ال .6جتارب الناس يف احلياة

.175، 174، ص املرجع السابق - 1 .190ص رؤية نقدية لبالغتنا العربية،-عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 2 .192ص ، املرجع نفسه - 3 .176فايز الداية، مجاليات األسلوب، الصورة الفنية يف األدب العريب، ص - 4 .89 عز الدين إمساعيل، التفسري النفسي لألدب، ص - 5 .190، 189 ، ص املرجع السابق - 6

- 183-

وتكمن صلة القيمة الرمزية ههنا باهليكل الشكلي اخلارجي الـذي : الرمز البنائي -ب اصطلح عليه تعدد أغراض القصيدة، حيث يعقد الشاعر فيما بني تلك األغراض عالقات

وأكثر ما تتمظهر الرموز البنائيـة يف أجـزاء . ترد يف القصيدة فنية كامنة يف الرموز اليت .1القصائد املركبة، اليت يتضح فيها االرتباط النفسي واللغوي والتصويري

بيد أن موضوع الرمز غالبا ما يستدعي ظاهريت الغموض واإلام اللتني ميكـن ية من غـري دليـل مها إشارات ضمن احدنهما من حيث أن الشاعر يوظف يف إ التمييز بي

مباشر، حبيث يتوجه إىل املتلقي قصد التأثري فيه حينا مع استدعاء القيم اجلمالية، وأمـا الثاين فنصادف غموضا يف شيء من الصعوبة، والبعد عن اإلدراك األويل لدى القـارئ،

ـ . أو اإلام يف تلك الرموز مما ينهك النص وحيد من قدراته الفنية اجلمالية رن وبذلك تدرجة وضوح الصورة الرمزية وغموضها لدى املتلقي مبدى تطابق طاقات الرمز اإلحيائية

.2واملعرفية واالنفعالية واجلمالية مع رصيد املتلقي الثقايف التجربة الشعرية اليت يتمظهر فيها الرمز، طاقة إحيائية هائلة، فيهم تسري يف جو

ح ما يستكن خلف العوامل احلسية، وهنا تتجاوز املتلقي تك أسرار احلجب بغية استيضا تلك اإلحياءات خميلة املبدع إىل ما يتالءم مع نفس املتلقي، األمر الذي يتيح جماال إلدراك

وكلما تعددت تلك املستويات فإن املتلقي يـدلف . الرمز ومتثله وفق مستويات متنوعة اإلام واالسـتغالق إذا مـا خطوة صوب الغموض الشفيف، وميكن أن يوغل يف ختوم

يتفلت من املنطق اللغوي أو املعىن الظاهري، مما يتنـاىف مـع الصورة الرمزية حدا بلغت .3عناصر اإلبداع الشعري الفنية، ال سيما عنصر التوصيل

من اخلطأ حماولة الفصل ما بني داللة الرمز احلقيقية وبني الوعاء الفـين الـذي مجالية وشعورية ذات بعد إنساين مشروطة بعالقـات املبـدع حيتويه، فهو يطفح بقيم

.193 وص 189، ص املرجع نفسه - 1 .236 – 232ة الفنية يف األدب العريب، ص فايز الداية، مجاليات األسلوب، الصور - 2 .182، وص 180 رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص - عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 3

- 184-

باملوضوع الذي بتفاعل معه، وينبغي أن يتحد طرفا الرمز وينصهرا، حبيث يفقـد كـل منهما استقالليته، ويتحدد الطرفان يف القيم الشعورية، والظواهر احلسية اليت يـستمدها

.1طرفني اإلحياء الرمزياألديب من جنبات الواقع، لينجم عن تفاعل هذين اليتميز الرمز بالتحول الداليل من موقف إىل آخر، ولكن قد ينجم عن ذلك فقده

، فالطاعون مثال رمز اصطنعته فدوى 2أحد أهم خصوصيته وهي اإلحياء باملوقف املتجدد ان ليحيل إىل الغزو الصهيوين، مث جييء شاعر آخر ويوظفه رمزا للثورة اليت تقـاوم طوق : ا الغزو، وتدحره من األرض، تقول الشاعرة يف قصيدة الطاعونهذ

يوم فشا الطاعون يف مدينيت خرجت للعراء

مفتوحة الصدر إىل السماء أهتف من قرارة األحزان بالرياح

هبي وسوقي نحونا السحاب يا رياح 3وأنزيل األمطار

داللة معجمية حمددة، ومل تكن عالقة التشابه النفـسي بـني ) الطاعون(للفظة الطاعون والعدو الصهيوين متعارفا عليها، بل هي حمض إبداع فين أجنزته الشاعرة متوسلة

.خبربا اخلاصة، مما منح الرمز فاعليته وأضفى عليه إحياءهمز التارخيي والرمز الرمز املعجمي والر : ميتح الرمز مواده من مصادر متنوعة منها

الـصورة الرمزيـة، تعزى إليهما من يرى أن مثة منبعني اثنني هناكإال أن ،4األسطوري :ويتحددان كاآليت

.173، ص املرجع نفسه - 1 .174، ص املرجع نفسه - 2 .133 دار العودة، بريوت، ص فدوى طوقان، الديوان،- 3 .173 شعر الرثاء اجلاهلي، رسالة دكتوراه، ص الصورة يف صلوح بنت مصلح السرحيي، - 4

- 185-

ويتصل بعامل املبدع الداخلي وعناصره ومكنوناته مجيعها وقدرا :االبتداع الذايت : أوالشعراء مـن ظـاهرة أو على ابتكار صور متفردة ذات قيم تأثريية، ومن ذلك أن ميتح ال

... الطوفان أو الفرس أو الـسيل أو احلمـام واحنهم ككائن ما مادة ترمز ملا يضطرب جب وهنا يتوجب على الشعراء الذين يصطنعون رموزا خاصة أن يهيئوا السياق الفين الـذي

فـتح جيعلها أكثر قدرة على اإلحياء، ذلك أا تكتسب حيويتها وقوا من سياقاا اليت ت .1مغاليقها

بإمكان الشاعر عرب واقعه االجتماعي أن يبدع :احلياة الواقعية والتراث اإلنساين : ثانيارموزا جديدة، فللشاعر أن يوظف بعض الشخصيات املعاصرة ذات البعـد العميـق يف ضمري األمة، فيعمل منها شيئا خارقا له مدلوالته وإحياءاته كشخصية العريب بن مهيـدي

كفـر «و» 1945 مـاي 8«امتا غاندي أو مانديال، أو بعض األحداث كمذابح أو امله وأما التراث فيمكن تقسيمه إىل تراث تارخيي، وتراث أديب، وتراث ... »قانا«و» قاسم

فصورة الرمز التارخيي صورة مـستمدة مـن .2ديين، وتراث شعيب، وتراث أسطوري موروثها املعنوي، وتكمن قيمتـها يف التاريخ مشحونة بطاقة شعورية جديدة مضافة إىل

.3بسط إحياءات األحداث التارخيية على النص أساليب التصوير الرمزي:

ميكن استخالص مجلة من األساليب اليت توسل ا الرمزيون يف تـصوير شـىت :الظواهر الذاتية واملوضوعية، حينما أعوزم اللغة املعيارية العادية يف ذلك؛ ومن أمهها

قد تتفاعل احلواس فيما بينها لغاية فنية، وفقا حلركة االنفعال الـذي : احلواس تراسل - ل الرمزيون إىل هذه النظرية اليت تقتضي أن تستعري احلواسد جهة فاعليتها، وهنا توصحيد

.197 ،195ص رؤية نقدية لبالغتنا العربية، -عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 1 . وما بعدها199 وص 197ص ، املرجع نفسه - 2 .178الصورة يف شعر الرثاء اجلاهلي، رسالة دكتوراه، ص صلوح بنت مصلح السرحيي، - 3

- 186-

، فيتهاوى مـا الشاعر طبقا للوقع الذايت للمدركات على نفس خاصية بعضها البعض، .ف عناصر الصورة إحيائيا ضمن وحدة نفسيةبينها من حواجز، وتأتل

تشخيص اردات وجتسيدها وجتريد احملسوسات يف شكل عالقات ذاتيـة يبتكرهـا -ويتخطى هنـا كـل مـن التجـسيد . ، ضمن صورة كلية ذات طابع رمزي الشاعر

والتشخيص والتجريد نطاق التصوير االستعاري لنقل إحياء رمزي من خالل اسـتبدال .إلدراك املعنوي واملادي للظواهر يف صور كليةجماالت ا

: التعويل على اإلحياءات اليت تشي ا بعض الكلمات ذات الدالالت الرامـزة حنـو -اإلعصار، الليل، السراب، أو أمساء أعالم لشخصيات أو وقائع وأيام وأماكن، بوصـفها

.أحد مقومات البناء الكلي للقصيدة ينـة، أو من خالل التراكيب اليت حتيل إىل مواقف تارخيية مع املوقف الرمزي، ويتحقق -

. من قيم رمزيةالبيانية، وإما عرب ما يستثريه تواشج الصور الشهرةأبيات شعرية ذائعةللقيم اللونية اليت ترتبط بالتجربة الشعورية أبعاد فردية رامزة حتيل إىل : اإلحياء باأللوان -

ة احلمرة على الثورة، وداللة البياض على السالم مثال ذكريات أو مواقف خاصة، كدالل عن صـبغ الظـواهر - يف سياق التصوير الرمزي -الشاعر ويف بعض األحيان يعدل

.بألواا احلقيقية، ليضفي عليها ألوان مشاعره بـني الـشاعر قد يقتضي األسلوب الرمزي أن يقرن : اقتران املتضادات واملتناقضات -

: ني متضادين متناقضني، ال جيتمعان منطقيا يف األداء اللغوي العادي، نظري عناصر من جمال .1القمر املظلم، النار الباردة، جنة البؤس، أو عواء الصمت

:غالبا ما يصطنع الشعراء رموزهم بإحدى الطرق الثالث اآلتيةلـشعراء بني الداللتني احلقيقية والغري حقيقية، حنو ما توخـاه بعـض ا املراوحة: أوال

.املعاصرين بني احلبيبة والوطن، أو بني األم والوطن، وقد تتحد الداللتان أو تنفصالن

.227 إىل ص 214ص ، هاملرجع نفس - 1

- 187-

وهو أن يطرح الشاعر بني أيدينا الداللة احلقيقيـة، ومـن خالهلـا : االستشفاف: ثانيافقـصيدة . ويغدو يف مكنتنا التوقف لدى الداللة الواقعية أيضا . نستشف الداللة الرمزية

.إليليا أيب ماضي ال نقع فيها إال على الداللة الغري حقيقية» احلمقاءالتينة «وهو أن يضع الشاعر كلمة لتنوب مناب موقـف فكـري أو شـعوري : اإلنابة: ثالثا

مكتمل، تستحضره يف أذهان املتلقين، وقد تتجلى هذه اإلنابة يف أحد عناصر الطبيعة، أو .1سواها من الظواهر ذات املعاين اخلصيبة

الرمزية إذن إىل موقف شعوري متكامل، قد يـستغرق هيكـل الصورة تستند نة ، أما إذا كان جزئيا فإنه يظل لب إذا كان الرمز كليا ، ويلقي بظالله عليها القصيدة الفين

خالفا للتعبري الكنائي املتجسد يف كلمـة أو تركيـب . من لبناته ال يسوغ انتزاعها منه اعتبـار لقيمـة ادماء الذي دأب على تفتيت القصيدة دومن لغوي جزئي وفق منظور الق

. ومعطياا الذاتيةالتجربة

.233 إىل ص 228ص ، املرجع نفسه - 1

- 188-

والتجريدالصورة الفنية بني التقدمي احلسي: املبحث اخلامسحواس اإلنسان هي املشاعر اخلمس وهي الطعم والشم ورد يف معاجم اللغة أن

: معىن أحس : الوجود، وقال الزجاج : اساإلحس: وقال الفراء والبصر والسمع واللمس، دجوو لمعاىل قال اهللا . وحيصل اإلدراك املادي لإلنسان بتلك احلواس . 1عت : ـسـا أحفلم

قـال ، ووجد رأى: أي؛52: ، آل عمران...عيسى منهم الكفر قال من أنـصاري إلـى اللـه ، وبذلك 2»هم الكفر علما ال شبهة فيه كعلم ما يدرك باحلواس فلما علم من «: الزخمشري

.3فإن اإلحساس إجياد الشيء باحلاسةوكـم أهلكنـا قـبلهم مـن قـرن هـل تحـس مـنهم مـن أحـد أو تـسمع لهـم : أيضا الوق

أو (بدليل قولـه بعـدها هل تبصر، هل ترى، : هل حتس معىن ؛)98: مـرمي ( ركزا .، فاإلحساس منصرف ههنا إىل مدركات هاتني احلاستني)تسمع

وأما املشاهدات فكاحملسوسات هي القضايا اليت إمنا نـستفيد : يقول ابن سينا خلـق يف هلية الوجيهـة كمة اإل احلترتيب ، وأومأ الغزايل إىل 4التصديق ا من احلس

.5إلدراكل اتت وأدو آالبوصفهااحلواس اخلمس النقدي والفلسفي العريب املتـأثر ترتد أصول مفهوم التقدمي احلسي إىل املوروث

عنـها، إذ تكن جوانب من الدراسة النقدية والبالغية مبعـزل بالفلسفة اليونانية اليت مل ارتبط ذلك املفهوم بالعالقة بني الشعر والرسم واملقارنة بينهما، األمر الذي ازدهر أساسا

الذين عنوا بفكرة ارتباط احملسوسات بالتوضيح، فقد توسل الفارايب ى شراح أرسطو لد

535، ص 15، ج، تاج العروس170، ص 3، ج لسان العرب وما بعدها،916، ص 3، ج)حسس ( الصحاح،- 1

.9، ص 2، ج )حس(وما بعدها، وابن فارس، معجم مقاييس اللغة، .393، ص 1ج ، بريوت،دار إحياء التراث العريب ،عبد الرزاق املهدي. تح الكشاف،- 2 .54، ص 8جالرازي، مفاتيح الغيب، - 3 .345، ص 1983، 3.سليمان دنيا، دار املعارف، القاهرة، ط. ابن سينا، اإلشارات والتنبيهات، تح - 4 .110، 109، ص 4الغزايل، إحياء علوم الدين، دار ااملعرفة، بريوت، ج - 5

- 189-

بالفلسفة لفهم اجلانب النفسي من نظرية احملاكاة األرسطية، مما جعله جيـنح الصـطناع وانتشرت فكرة الربط بني التوضيح والتقدمي احلسي عنـد . 1مصطلح التخييل الشعري

الغيون، وراحوا يقرنون بالغة التشبيه واالستعارة بالقـدرة العرب، وأخصبها النقاد والب .2 وابن رشيق وابن سنانالعسكريعلى جتسيم املعنوي ارد، ومن هؤالء الرماين و

مبدأ التقدمي احلسي للمعىن حينما حصر جودة التـشبيه يف " الرماين"لقد أصل :الوجوه األربعة اآلتية

. ة إىل ما يحسإخراج ما ال تقع عليه احلاس: أوال . إخراج ما مل جتر به العادة إىل ما جرت به: ثانيا . إخراج ما ال يعرف بالبديهة إىل ما يعرف ا: ثالثا .3إخراج ما ال قوة له يف الصفة إىل ما له قوة فيها: رابعا

والوجه األول منها هو ما يتصل أكثر من غريه مبفهوم التقدمي احلسي للمعـىن، لم وال ملن لف لفه وتقيله أن يذهبوا أبعد من هذا االستنباط، ف " للرماين"ه مل يتسن بيد أن

طاق ضيق، ومل ميضوا يف توسيع آفاقه إىل خارج دائـرة يتعمقوا حبث املوضوع إال يف ن أو االستعارة، وتغاضوا عن أثر هذا التقدمي احلسي يف الـصورة الكليـة للـنص التشبيه

ما ذهب إليـه بسائر مقومات القصيدة األخرى، اللهم إال إذا استثنينا اإلبداعي وعالقته من أن الشعر تشكيل املدركات يف صور حسية ترتسم يف اخليال الـذهين " القرطاجين"

.4وأنه ال جمال يف مقاصد الشعر للمعاين اردة املتعلقة باإلدراك العقلييات احلسية أثرا حيويا يف فاعلية أن للمعط " ريتشاردز" الغربيني فقد رأى أما عن

فالصورة أثر خلفه اإلحساس على حنو مل ميكن تفـسريه «الصورة بوصفها حدثا عقليا،

.307 وص 273لنقدي والبالغي عند العرب ، ص جابر عصفور، الصورة الفنية يف التراث ا - 1 .275، ص املرجع نفسه - 2 .81، ص، ضمن ثالث رسائل يف إعجاز القرآنلرماين، النكت يف إعجاز القرآن ا- 3 .29ص حازم القرطاجين، منهاج البلغاء، - 4

- 190-

ولكننا نعلم أن استجابتنا الفعلية واالنفعالية إزاء الصور تعتمد على كوا متثل حىت اآلن، .1»...اإلحساس أكثر مما تعتمد على الشبه احلسي بينها وبني اإلحساس

وال تتبلر القيمة الفنية للتقدمي احلسي يف الصورة إال عند إدراك الشاعر للحركة الداخلية اليت تسري يف احملسوسات، ومتنحها نغما جديدا متحدا مبشاعره وجتربته الذاتية املنفردة، فهو ال يقنع بقشور احملسوسات وعالقات التشبيه الشكلية، فالرؤيـة البـصرية

ام والتفكري احلسي إدراك داخلي خاص يتوسل به الشاعر يف الـصياغة إدراك خارجي ع .2الفنية للصور احلسية

أن التلوين األديب يقوم على تصوير أحاسيس طبيعتـها خمتلفـة، " جويو"يرى الصورة األدبية تنشأ مـن وليس بالضرورة أن تكون متأدية من حاسة البصر دائما، ألن

دون استثناء، مما مييزها عن سائر الفنون، وهذا ما يؤهلها تضافر احلواس وامللكات كلها .3للنفاذ إىل دخيلة املتلقي

وسائر احلواسالصورة بني اإلدراك البصري : أبصر الشيء، وبـصر البصر لغة هو حاسة الرؤية، وأبصرت الشيء إذا رأيته، و

احلجـة : ةوالبـصري والبصر هـو العـني، ، استبان ووضح : وأبصر الطريق ، علم :بهتبصاروردت مادة بصر بشىت الـصيغ و .4، ومن أمساء اهللا تعاىل البصري يف الشيء واالس

االشتقاقية يف القرآن الكرمي مائة ومثان وأربعني مرة تشي مبدلوالت عديدة منها ما ذكرنا ا لـيس لـك بـه علـم إن وال تقـف مـ :آنفا، وما يهمنا ههنا معىن الرؤية احلسية، حنو قوله تعاىل

.172مصطفى بدوي، ص . مبادئ النقد األديب، تر ريتشاردز، - 1 .89الصورة الشعرية يف النقد العريب احلديث، ص بشرى موسى صاحل، - 2 .73، 72، ص1948سامي الدرويب، دار الفكر العريب، القاهرة، . جان ماري جويو، مسائل فلسفة الفن املعاصرة، ت - 3 .62، ص 1، ج، أساس البالغة وما بعدها417، ص 1، ج لسان العرب،591، ص 2، ج)بصر ( الصحاح،- 4

- 191-

فالبصر والسمع والفؤاد هنا . 36: اإلسراء السمع والبصر والفؤاد كل أولـئك كان عنه مـسؤوال .1حواس هلا إدراك

- ـنآتيو لـونـا األوبه ـات إال أن كـذبسل باآليا أن نرنعنا ممسـل وـا نرمـا وـوا بهفظلم ةـصرباقـة مالن ـودا ثم آية دالة مضيئة نيرة على صـدق صـاحل، :فمعىن مبصرة . 59: اإلسراء باآليات إال تخويفا

.2وعلى قدرة اهللا تعاىل

- اللط وهو ارصرك األبدي وهو ارصاألب ركهال تدالخبري يف 103: األنعام.

وإدراك ،ة النظر، وقد تطلق على العني من حيث أا حملها حاسفاملقصود من األبصار . 3 ال تصل إليه األبصار وال تحيط به : أي ؛الشيء عبارة عن الوصول إليه واإلحاطة به

.4وقد يكون املراد أبصار القلوب؛ أي ال حتيط به علوم اخللقالصورة الفنية على اإلدراك احلسي الذي يعد البصر األصل تعول وظيفة إدراك

" أصل آخر "ويظهر من هاهنا «: وقد أدرك وعي القدامى ذلك، إذ يقول اجلرجاين ، فيهخمتلفني، ويذهب ا يف القياس والتـشبيه وهو أن اللفظة الواحدة تستعار على طريقني

، 5»...واآلخر يومئ إىل ما تمثله الظنـون ما تناله العيون، مذهبني، أحدمها يفضي إىل ويعكس هذا الكالم ما رسخه البالغيون قدميا من أن الصورة تقترن بالرؤية العينية دون

. سائر احلواسواعلم أن العني تنوب عـن : ويشيد ابن حزم حباسة البصر منوها بشأا قائال

حلواس األربع أبواب إىل القلب ومنافذ حنو النفس، والعـني الرسل، ويدرك ا املراد، وا

.80، ص 13، مج ألحكام القرآن القرطيب، اجلامع- 1 .109، ص 13صدر نفسه، مج امل- 2 .170، ص 3 ج تفسري أيب السعود،- 3 .198، ص 4ج البحر احمليط، أبو حيان األندلسي،- 4 .60ص اجلرجاين، أسرار البالغة، - 5

- 192-

وهي رائد النفس الصادق، ودليلها اهلادي، ومرآا . أبلغها وأصحها داللة وأوعرها عمال ليس املخرب : وقد قيل. الوة اليت ا تقف على احلقائق ومتيز الصفات وتفهم احملسوسات

"سـالم زغلول" يرىيف النقد احلديث، حيث ولقي هذا التصور ما يعضده . 1كاملعاين حـىت البصرية، اإلحساسات هي وجه أمت على باجلمال نعتها يصح اليت اإلحساسات« أن

.2» بالعني يرى ما يقوله اجلمال ديكارت عرف لقد

بيد أن مثة اجتاها نقديا حديثا يعترب أن البصر ليس وحده بـؤرة استكـشاف يف أبسط معانيهـا رسـم «الصورة أن " سيل دي لويس سي"ذا الصدد يرى الصور، و

إن الطابع األعـم ... قوامه الكلمات، إن الوصف وااز والتشبيه ميكن أن خيلق صورة للصورة هو كوا مرئية، وكثري من الصور اليت تبدو غري حسية هلا مع ذلك يف احلقيقـة

ميكن أن تـستقى مـن ) الصورة(ترابط مرئي باهت ملتصق ا، ولكن من الواضح أن فاإلدراك احلسي للصورة الشعرية .3»احلواس األخرى أكثر من استقائها من حاسة النظر

اللمس والسمع والشم والذوق، فضال عن البصر الذي ال : أمر مشاع بني مجيع احلواس .4يقتصر عليه األديب مبفرده يف التقدمي احلسي للمعاين

والرسم أفضى إىل اتفاقهما يف مسـة التقـدمي الشعرويبدو أن الربط ما بني فين احلسي للمعىن، وما ترتب عنه من تأكيد السمات البصرية ووضوح التصوير، وكأنـه مل يفهم من مصطلح الصورة إال املعىن املعجمي حينما تقصر وظيفة التصوير على اإلحساس

.5هالبصري، ويغض الطرف عن سائر احلواس اليت تتداخل يف فهم طبيعت

.137، ص 1987، 2. طإحسان عباس، املؤسسة العربية للدراسات، بريوت، . تح ابن حزم، طوق احلمامة، - 1 .7 حممد زغلول سالم، النقد األديب احلديث، أصوله واجتاهات رواده، ص - 2حممد نصيف اجلنايب وآخرون، منشورات وزارة الثقافة واإلعـالم، دار . سيسل، دي لويس، الصورة الشعرية، تر - 3

.21، ص 1982الرشيد، العراق، .90د العريب احلديث، ص بشرى موسى صاحل، الصورة الشعرية يف النق- 4 .84، ص املرجع نفسه - 5

- 193-

فمن أهم أساليب التقدمي احلسي للمعىن جند بناء الصورة املفـردة عـرب خلـع الصفات املادية للمعنويات أو الصفات املعنوية للماديات بالتجـسيد أو التـشخيص أو التجريد، ومنها بناء الصورة من خالل تبادل احلواس أو تبادل احملـسوسات البـصرية

بناء الصورة عن طريق التشبيه والوصـف املباشـر، والسمعية والشمية وحنوها، ومنها ولقد مر بنا لـدى .1وبوسع املبدع ختير ما يشاء من األساليب لصياغة الصورة الواحدة

حديثنا عن أساليب التصوير الرمزي كيف أن نظرية تراسل احلواس وسعت من جمـال ها مجيـع احلـواس، اإلدراك احلسي، ليتعدى األفق البصري إىل شبكة تتواشج يف نسيج

.فنياوتترافد والصورة البصرية ليست مفقودة وجدانيا لدى املكفوف بفضل تفاعله مع حميطه

عالقة بني كف البصر وقدرة الكفيف على تكـوين «اتمعي واحتكاكه به، فال توجد صور ذاتية عن األشياء، فهو ال يعاين فراغا يف حمصوله الذهين، فللمخيلة عنده دور كبري يف رفد الذهن وتزويده مبا احتوته من الصور احلـسية املختلفـة، ولـه أن يـستخرج

ورغم أن بشار بن برد 2»االنطباعات واملفاهيم املتولدة من جمموع إدراك تلك احلواس ، :الصورة البصرية اآلتيةكان فاقدا للبصر لكن ذلك مل يثنه عن تصوير

راـ من حب من أحببت بك را ـزداد نكـيت تـا ليلـي راـك بالعينني خمـ ك سقت حوراء إن نظرت إليك سقت

الشاعر السقي لنظرة لقد تراسلت يف هذه الصورة حاستا البصر والذوق، حيث استعار قبيـل ومما يدل على أن اإلدراك احلسي للصور ال يتأتى مـن .احملبوبة الفاتنة الساحرة

املشاهدة والنظر فقط أنه إذا ما تأملنا الصورة عند الشعراء املكفوفني فال يوجد هنـاك متايز بني احلواس يف التصور، وأن القيمة الفنية للصورة املتصلة حباسة البـصر ال تكـون

.91، ص املرجع نفسه - 1 .91، ص املرجع نفسه - 2

- 194-

فبوسـع . بالضرورة أفضل من تلك اليت ترد من حواس أخر كالسمع والذوق وحنومهـا :يرسم صوره من بؤرة غري بصرية، حنو ما توخى يف هذين البيتنيبشار بن برد أن

ن زهراـع حديثها قطع الرياض كسيـوكأن رج 1ث فيه سحراـ هاروت ينف انها ـوكأن تحت لس

ي يف التصوير التجريدالبعد: ـ ما حمسو وهلأ :وقد جرى التمييز بني ضربني من الصورة س يمـشاهدة كدر ،

ا اإلنسان من العقل والروية واملعاين اليت خـص معقول كالصورة اليت اختص وثانيهماوقد تطلق على تركيب املعاين الـيت ليـست : ، وعن هذا الضرب يقول الكفومي ا

حمسوسة فإن للمعاين ترتيبا أيضا وتركيبا وتناسبا ويسمى ذلك صورة فيقـال صـورة فيتسع نطاق مفهوم الصورة، . 2 الواقعة وصورة العلوم احلسابية والعقلية املسألة وصورة

متجاوزا النمط احلسي منها ليستوعب كل القيم واملوضوعات ذات الطبيعـة العقليـة .اردة، ذلك أن جمال املخيلة أرحب من أن يسع نطاق املاديات

لتحيل إىل قيم ذهنيـة من أي معطى حسي مادي، الفنية خلوا الصورة جتيء قدينتزع من الـصور اخليال وقد جاء يف أجبد العلوم أن ووظيفة، معنوية طبيعة وإدراكا

عند النظر إليها وقت احلاجة إىلاحملسوسة صورا خيالية مث يدفعها إىل احلافظة حتفظها له مـن التجريد ىنفسانية عقلية فيترق د النفس منها صورا أخرى وكذلك جتر ،واالستدالل

فالطابع التجريدي مرهون حسب هـذا .3احملسوس إىل املعقول واخليال واسطة بينهما . الكالم بتوجيه املخيلة اليت تستجيب لدواعي التعبري الفين

.56، 55ص ،4ج حممد الطاهر بن عاشور، . تح بشار بن برد، الديوان،- 1 .324، ص 2ج، 1419 عدنان درويش وحممد املصري، مؤسسة الرسالة، بريوت،.تحأبو البقاء الكفومي، الكليات، - 2 عبـد اجلبـار زكـار، دار .تحأجبد العلوم، صديق بن حسن القنوجي، : ، وينظر 473مة، ص املقد ، ابن خلدون - 3

.168، ص 2، ج1978 بريوت، ،الكتب العلمية

- 195-

استخراج املاهيـات باملفهوم الفين إىل abstractionوحييل مصطلح التجريد . زئيات إىل األمور الكلية والـشاملة ذهنيا من املوجودات واالرتفاع ا من احملسوسات واجل

.1وهي عملية تتفرد ا قلة من الفنانني، وتسبغ على آثارهم نوعا من الغمـوض والتعميـة فحقيقة فاعلية التجريد الفين تعزى إىل قدرة الذهن على متحض قيمة األشياء املوضوعية

يا من ظواهرها وأشكاهلا لإلبقاء على قيمتها اكة حسدة وجوهرها املطلقاملدرر. ضـمن اضربأشار اجلرجاين إىل الطبيعة التجريدية يف بعض الصور، حيث ذكر

الشبه مـأخوذا وجه أن يكون مؤداهو ،ا خالص ا صميم عده االستعارةضروب ثالثة من الـيت ينتفـي معهـا لحقظهرة ل ة امل استعارة النور للبيان واحلج ، حنو من الصور العقلية

وكاستعارة الصراط للدين يف قوله ،)نـزل معـه واتبعوا النور الـذي أ (:عزه قوله عز نه وم ،لشكا .)وانك لتهدى إىل صراط مستقيم (:تعاىل

هذا الضرب هو املنزلة اليت تبلغ عندها االستعارة غاية شرفها ونصر القول بأن ال يف تف ويتسع هلا كيف شاءت ا روحانيـة فـال وههنا ختلص لطيفة ،فهاننها وتصر

ة الن يبصرها إال ذوو األذهان الصافية والعقول النافذة والطباع السليمة والنفوس املستعد . 2تعي احلكمة وتعرف فصل اخلطاب وهلا ههنا أساليب كثرية ومسالك دقيقة خمتلفة

وقد أومأ ابن األثري إىل الصبغة التجريدية يف الصور التشبيهية حينما أقام مـدار ولعل من دواعي إغراق كثري مـن . 3)احلسي(والصورة ) املعقول( على املعىن تقسيمها

. الشعراء القدامى يف الغموض حنو أيب متام هو نزعتهم التجريدية لعنايتهم البالغة بالفكرة بينما درج شعراء التصوف اإلسالمي أمثال ابن الفارض والبسطامي وابن عـريب ومـن

.59جبور عبد النور، املعجم األديب، ص - 1 .57 اجلرجاين، أسرار البالغة، ص- 2 .128، ص 127، ص 2 املثل السائر، ج- 3

- 196-

ن صورهم من فضاء التجريد، سيما وأن طبيعـة تيمـام تقيلهم على استقاء العديد م ى عن عامل احلسإىل أفق روحي يتأب العرفانية ترتد.

بدت النزعة التجريدية يف وسط التيار الكالسيكي املمجد ويف العصور املتأخرة العقل الذي جيعلها من أهم رهاناته يف فهم العامل، ومن هنا نفهم سر نزوع شعراء لسلطة

ومل تكن الكالسيكية املذهب . ذا املذهب إىل تصوير املعاين الذهنية يف آثارهم اإلبداعية هالفين الوحيد الذي توسل أدباؤه بالتجريد، إذ تبىن هذا النمط التصويري حىت الربناسيون والرمزيون والسرياليون، فقد كان قامسهم املشترك جتاوز النمط اإلدراكي احلسي املألوف

يعد يستجيب لرؤاهم الفنية، فاستعاضوا عنه بالتجريد عله يواتيهم علـى فـك الذي مل .مغاليق هواجسهم، ومتثل موقف مغاير من العامل

الصورة الفنية واللغة: املبحث السادساللغة مقوم قاعدي هام للصورة الفنية اليت تتوقف مجالياا على قدرة األديـب

فردات والتراكيب اللغوية، واسـتخراج الطاقـات على الغوص يف أعماق األصوات وامل ويرتد الـوعي حبيويـة اللغـة . التعبربية الكامنة فيها، وتوظيف العالقات القائمة بينها

واألسلوب يف الصياغة الشعرية إىل املوروث اليوناين القدمي، حيث تفطـن أرسـطو إىل البتذال والركاكـة، فتميزهـا يف صفة الوضوح وجمانبة اقيمتها ذاهبا إىل أن جودا تكمن

يكمن يف توخي استخدام الكلمات غري الشائعة والنادرة واازية، واتصل حديثه عن اللغـة .1بأمناط الشعر السائدة آنذاك

" بشر بن املعتمر "وقد أحل النقاد منذ القدم على ضرورة االهتمام باللغة، فحذر تخير كـرمي األلفـاظ للمعـاين بونصح ،لتعقيدل الذي يكون مدعاة وعرتالمن سلوك

.189إبراهيم محادة، ص . الشعر، تررسطو، فن أ - 1

- 197-

اللـذين الكـالم إىل ضريب " اجلرجاين"وأشار .1صوما عما يفسدمها إذ جيدر الشريفة، ويتصل الثاين بالداللة البيانية اليت تفضي إليهـا .يتصل أحدمها بالداللة اللغوية الوضعية

يمه ذاك وعي عميـق ؛ ويف تقس 2 اللغة أصل يف ايقتضيه موضعه حسبما قيقيةداللة احل البقيمة اللغة وقدراا وكفاءا اليت ترفد األديب مبخزون ثر من العناصر اللغوية يطوع له

. عملية تشكيل الصورة عل النحو الذي يترسمه يف ذهنه، ويستجيب حملددات جتربتهجمموعة عالقات لغوية خيلقها الشاعر لكي يعبر عن «وذا الفهم تغدو الصورة

له اخلاص، والشاعر يستخدم اللغة استخداما حني حياول أن حيدث بـني األلفـاظ انفعاومن خالل ذلك خيلـق ... ارتباطات غري مألوفة، ومقارنات غري معهودة يف اللغة العادبة

فاألديب يتخذ من اللغة تفاعال كيميائيا حيويـا . 3»لنا تشبيهاته واستعاراته وتشخيصاته .نفعاالته إىل صور رامزةتنصهر فيه عناصرها ليترجم ا

ويستشف من املوقف البالغي التراثي، أو حىت من املنظور النقدي النسقي مـن اللغة تتبوأ املكانة األوىل بني عناصر الـصورة «فاعلية التصوير بشىت مظاهره البيانية أن

ـ داع الفنية ووسائل تشكيلها، إذ إن عملية اإلبداع الشعري تتمثل على حنو خاص يف إب . 4»اللغة املتميزة بأسلوب ينفرد يف نسج العالئق الفنية اجلديدة بني املفردات

رسم بالكلمات اليت تنتظمها عالقات لغوية، حتيي به بعـدها فالتصوير الشعري الفين، ويعبر ا الشاعر عن مكنوناته، ويفلسف ا موقفه من الوجود، ويبدع ا عاملـه

.5لغة اازية، وما تنطوي عليه من إمكانات داللية وإيقاعيةاخلاص، متوسال بطاقات العلى األساس اللغوي يف بناء الصورة الذي يتحدد مـن " عدنان قاسم "ويركز

. جماورة مفردات عدة، تقوم بينها عالقات على حنو ما، يتحدد من خالهلا املعىن اجلزئي «

.136، ص 1ج اجلاحظ، البيان والتبيني، - 1 .272ص اجلرجاين، دالئل اإلعجاز، - 2 .43جامعة القاهرة، ص . م.عبد اهللا التطاوي، الصورة الفنية يف شعر مسلم بن الوليد، ر - 3 .75احلديث، ص بشرى موسى صاحل، الصورة الشعرية يف النقد العريب - 4 .30 ص 2003/ 1مكتبة اآلداب، القاهرة، طعلي الغريب حممد الشناوي، الصورة الشعرية عند األعمى التطيلي، - 5

- 198-

، إذ يبىن املعمار الفين يف الصور 1»تكما يقوم بينه وبني املضمون الكلي ارتباط وعالقا . حنو التشبيهات واازات والكنايات والرموز مبواد اللغةاجلزئية

للغة يف مواجهة االجتاه النفسي معتربا أنه ينبغي لكل تعريف " الويل حممد "ينتصر م موقفه . س على اللغة حصيف أن يتأسمبثال توضيحي ويدع : زهرة : (إننا عندما نقول

، نبدع صورة، وهذه يستحيل حتقيقها دون لغـة، ألن التعـري )فلى تتعرى يف حياء الدهكذا عندما خنلق صورة تصبح هذه لغـة . مضافا إىل الزهرة ال وجود له إال بفضل اللغة

أن نعطف على هذا املثال بآخر مـن لكي يتعزز الفهم ميكن و. 2...مستقلة عن الذات :نسيب عريضةقول

اسى النكي علبديت أت يف وح ورح ي على صفصافة اليأس علقت عودفاليأس قيمة شعورية معنوية ال ترتبط يف منطق الواقع بشيء مـادي كـشجر الصفصاف، ولكن اللغة بانزياحها اازي حققت هذا االرتباط عرب صورة نفسية، مبـا

.اهر الصورة وجتليااوينسحب هذا التصور على شىت مظ. هيأته من عالقات ضرب مـن التطبيـق –الصورة جوهر فيه و –أن األدب " بول فالريي "يرى

لبعض اخلصائص اللغوية، اليت تتصل مثال باإلمكانات الصوتية واإليقاعية، مما قد يتغاضى عنه االستخدام املعياري املألوف للغة، فيضفي عليها مسحة مجالية، وجيعل منها مرتكـزا

ين، مما يعد جماال للصورة الفنية، فاللغة حسبه ذروة اإلبداع األديب للمجتمعات، لألداء الف أن األصل احلقيقي للغة الـشعرية ال " هيغل" ويعترب .3وبذلك يغدو الشعر عنده فنا للغة

يلتمس يف اختيار الكلمات، وال من خالل الكيفية اليت تراصت ا كي تشكل مجال، وال .4اإليقاع والقافية، وحنو ذلك، وإمنا يف بنية الصورةمن حيث موقعها ضمن

.58 رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص - عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 1 .166الويل حممد، الصورة الشعرية يف اخلطاب البالغي والنقدي، ص - 2 .563، 562، ص 2، ج2007، 1.صالح فضل، النظرية البنائية وعلم األسلوب، دار الكتاب اللبناين، ط: ينظر - 3 .203 ص)ت.د(أحد درويش، اهليئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة . ترلشعر،بناء لغة ان كوهني، وج: نقال عن- 4

- 199-

تقسيم اللغة إىل إشـارية ) معىن املعىن (يف كتاما " أوغدن"و" ريتشاردز"اقترح وانفعالية عوضا عن املنظور القدمي الذي يقسمها إىل نثرية وشعرية، فاملفهوم اإلشـاري

عايل باملستوى التعبريي اجلمـايل؛ أي يتصل باملستوى التقريري، بينما يتعلق املفهوم االنف اللغة االنفعالية اليت تعبر عن املواقف الذاتية أو املوضوعية بوساطة اإلحياء، وال تتـوخى

.1تقدمي اللفظ وفق داللته الوضعيةأن قانون اللغة العادية يعتمد على التجربـة اخلارجيـة، " جان كوهني "ويرى

، ومعىن ذلك أن قـوام اللغـة 2 التجربة الداخلية ولكن قانون اللغة الشعرية يعتمد على التواصلية هو اإلمكانات السطحية واإلفضاءات املعجمية التقريرية اخلالية من االنفعـال والشعور اللذان تراهن عليهما اللغة الشعرية يف عملية ابتكار الصور اليت تتسم بـصبغة

.ذاتية حمضةف من لغة اإلبداع الشعري؛ يترنحان ميكننا رصد اجتاهني نقديني جيسدان املوق

: بني االعتدال واإلسرافالذي توخى االعتدال من خالل حتقيـق " طه حسني"االجتاه األول حمافظ وميثله

ويتضح موقفه يف كل ما يتعلق باللغة من جمازات وعالئق . التوازن بني التراث والتجديد ة يف ذاا، بل خارج ذاا وتتجلى مـن وصور، واللغة عنده أداة تعبريية، إذ ال متثل قيم

.3خالل موقفه النظرة اللغوية احملافظة اليت تنكر التجديد الغري مربر بغاية إفهامية مباشرةأما االجتاه الثاين فمجدد، وقد جتلت إرهاصاته مع دعوات الديوانيني إىل إنكار

د واألفكار التقليدية اليت أعاقت النظرة التقديسية إىل اللغة، فقد كلفوا بتحريرها من القيو تطورها مبا ال يتواءم مع طبيعة اللغة الشعرية، ومل يتبلر موقف التجديد هذا دفعة واحدة، بل مت تدرجييا، فقد اشترط العقاد أن يستقل الشاعر بطريقته اخلاصة اليت متنحـه النـهج

.76لعريب احلديث، ص بشرى موسى صاحل، الصورة الشعرية يف النقد ا: نقال عن- 1 .207أحد درويش، ص . ترلشعر،بناء لغة ان كوهني، وج - 2 .29 ، ص 3ج ،1974، 9. دار املعارف، القاهرة، ط طه حسني، حديث األربعاء،- 3

- 200-

عوة التجديـد، ملـا اعتـرب أن وبدا املازين أكثر حتمسا لد . املستقل يف الصياغة املبدعة اإلسراف يف االستنامة إىل التراث اللغوي الشعري وإغفال أثر العصر والتجربة يف طبيعة اللغة سيفضيان إىل زوال شخصية املبدع، واالزورار عن الغاية الفنية اليت ينشدها، ويشيد

جتديـد لغـة وقد سلك املهجريون مسلك الديوانيني يف . لتراث البارزة امع ذلك بأمهية .1الشعر مبا أتاحوه للشاعر من حرية أرحب

أوىل مميزات الشعر هي استثمار خصائص اللغـة ويرى حممد غنيمي هالل أن ؛ ذلك أن األصوات والكلمات والتراكيب يف الشعر يراد ا بعث 2يوصفها مادة بنائه

عانيها التصويرية الفطرية، صور إحيائية يعيد الشاعر ضمنها إىل تلك العناصر اللغوية قوة م وبذلك يتمكن من جتاوز املستوى املباشر املسطح املألوف يف اللغة، إىل مستوى يتحقـق

.فيه االنسجام ما بني القيم التعبريية والقيم الشعورية وليس املقصود بلغة الشعر حسب سعيد الورقي إفضاءاا املعجمية اليت يتقراها

الشتقاقية والتركيبية مما يعىن به النحويون، إمنـا املقـصود طاقـة اللغويون أو عالقاا ا القصيدة الشعرية وإمكاناا األسلوبية، فلغة الشعر هي التجربة الشعرية جمسمة من خالل

وتغدو اللغة مىت أحكم األديب السيطرة عليها مبا يسبغه عليها من . 3الكلمات وإحباءاا اإلطار العام الشعري للقصيدة من حيـث ة الشعر إذن هي فلغ. ذاته أداة للتعبري واخللق

صور هذا اإلطار، وطريقة بنائه وجتربته البشرية، وهو ما تؤديه اللغة الشعرية من خـالل بأثر ، يتضح من ذلك وعي 4الصور الشعرية والصور املوسيقية، واملوقف اخلاص بالشاعر

.ينهما، فضال عن العناصر الفنية األخرىاللغة يف دينامية الصورة ضمن العالقة القائمة ب

.77، 76بشرى موسى صاحل، الصورة الشعرية يف النقد العريب احلديث، ص : ينظر- 1 .408ديث، ص حممد غنيمي هالل، النقد األديب احل- 2، 3.لغة الشعر العريب احلديث، مقوماا الفنية وطاقاا اإلبداعية، دار النهضة العربيـة، بـريوت، ط سعيد الورقي، - 3

.64، ص 1984/ هـ 1404 .65 املرجع نفسه، ص - 4

- 201-

ذو جمال واسع، إذ ميتد ليشمل مجيع هذا الباحث ومفهوم لغة الشعر بالنسبة إىل من ألفاظ وصور وخيال وعاطفة ومن موسيقى ومن مواقـف عناصر اإلبداع الشعري

ولعل الصورة الفنية أن تكـون اخلـيط . 1بشرية تشكل ما نسميه باملضمون الشعري .الذي ينتظم هذه التوليفة من املقومات احليوية، فتصري بذلك اللغة اليت يتوسلها األديب

دعا النقاد املعاصرون بتأثري من الرمزيني إىل تغيري مهمة اللغة الشعرية من الوضع التعبريي البسيط، لتصري لغة إحيائية تستغل القدرات الكامنة يف األصـوات والكلمـات

أى الرمزيون يف نظرية تراسل احلواس خري منقذ هلم مما اعتربوه معضلة وقد ر . والتراكيبضيق الثروة اللغوية وقصور الداللة الوضعية عن جتسيد حقـائق األشـياء، يف وجـدان

ومن هنا يغدو باإلمكان أن نوحي بأثر نفسي معين من خالل بؤر حسية غـري . الشاعر .2 النفسي على أمثل صورةاليت جعلت له يف األصل، استيفاء لنقل الواقع

وحينما نتحدث عن اللغة فال شك أننا نقصد األسلوب الذي عـىن بـه ابـن . 3خلدون املنوال الذي ينسج عليه أهل صناعة الشعر تراكيبهم، والقالب الذي تفرغ فيه

الصورة اللفظية اليت يعبر ا عن املعاين، أو نظم الكـالم وقد عرقه أمحد الشايب على أنه ولـئن . 4تأليفه ألداء األفكار وعرض اخليال، أو هو العبارات اللفظية املنسقة ألداء املعاين و

عد األسلوب على أنه طريقة يتخيرها الكاتب يف التعبري عن جتربته، إال أنه يلح على مسة .5الذاتية اليت يغرق فيها، ألن عراه ال تنفك عن شخصية صاحبه اليت يتشرب من طباعها

: اللغويني واللسانيني ثالثة مقاييس هييشمل مفهوم األسلوب لدىومقياس االختيار؛ ذلك أن املبدع يتخير من الرصيد اللغوي دالالت معينة يودعها : أوال -

.نصه عن قصد

.67املرجع نفسه، ص - 1 .81، 80ص بشرى موسى صاحل، الصورة الشعرية يف النقد العريب احلديث، : ينظر- 2 .589خلدون، املقدمة، ص ابن - 3 .55 أمحد الشايب، األسلوب، ص - 4 وما بعدها154املرجع نفسه، ص - 5

- 202-

مقياس التركيب أو النظم الذي يتم من خالل ظاهرة التوزيع اليت تعد شرطا يف : ثانيا - .لماتاالنتقاء ادي للك

. مقياس االتساع ومفاده أن اللفظة املنتقاة تتعدد مدلوالا، جماوزة الداللة األولية : ثالثا -ففي حتليـل الـصورة . ولعلهم يقصدون باالتساع ما يعرف يف املنهج النفسي باإلحياء

.1الشعرية ال تشرح ظاهرة االتساع اللسانية املعىن وإمنا تعمل على تغريبهإىل لغة الشعر وعالقتها بالصورة بوصفها مرتكزا فنيا هلا، " فضلصالح "تطرق

، وأشار 2نافيا أن تكون جمرد زينة سطحية زائفة، فاعترب أن ااز احنراف عن اللغة املألوفة املستوى الصويت مبا ميثله من إمكانات إيقاعية، : إىل أن التحليل اللغوي يتم على مستويني

3عىن بتوصيف ما يعتري املفردات من ظواهرواملستوى الداليل الذي ي. وإذا كان الشعر لغة القلب ومرآة الذات، بعبر عن اخللجات الغامضة، ويكشف عن االنفعاالت الدفينة، فال غرو أنه حيتاج إىل لغة تتجه إىل الوجدان، وتستلهم اإلحيـاء

الدقيق، واإليقـاع واخليال وتستبطن أغوار اإلنسان، فتتوسل باللفظ الرشيق والتصوير .4املؤثر الذي يعكس ارتباط اللغة الشعرية بالوسيقى

ومبا أن اللغة عنصر حيوي يف الشعر، فإنه ينبغي للشاعر أن يسلك فيه مـسالك خاصة، ليتمكن من أداء املعاين بأسلوب خيتلف عن استخدام اللغـة يف فنـون القـول

على حتري األنسب واألبلغ، علـى ، ولذلك دأب الشعراء منذ العصر اجلاهلي 5األخرى

.83 املرجع نفسه، ص - 1 .569، ص 2 صالح فضل، النظرية البنائية وعلم األسلوب، مج- 2 .576 املرجع نفسه، ص - 3 دراسة يف الداللة النصية للقرآن الكرمي، رسالة –فسري النص القرآين وائل عبد اهللا حسني، داللة النص الشعري يف ت - 4

.73، ص 2004ماجستري، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، فلسطني، .74الرسالة نفسها، ص - 5

- 203-

حنو ما كان قائما مع شعر احلوليات واملنقحات واحملكمات حيث كان الـشاعر يتـرك .1القصيدة متكث عنده حوال كريتا، وتوصيف اجلاحظ أشهر من أن نسوقه

من أظهر مسات اللغة الشعرية التوسع يف اازات واالستعارات، اليت تغدو عامل وغ منه صوره، فقد اكتسبت تلك اللغة لدى احملدثني خباصـة طرافـة املبدع الذي يص

وجدة، ودالالت جديدة لقوالب لفظية قدمية، إذ مبكنة الشاعر أن يطور اللغة ويطوعهـا .2حسب جتربته ومهارته وموقفه الفين ويكسبها معان جديدة تعكس أصالته

تضي أن تتحول حتـوال وطبيعة اللغة إذن على مستوى االستخدام اإلبداعي تق حتميا من مرحلة إىل أخرى، فتتشرب من خصوصياا العامة، وذلك استنادا إىل طبيعتها الفيزيولوجية اخلاصة، ومنوها الكيميائي والعضوي، فالشاعر احلاذق ال يكون كذلك إال إذا استطاع أن يوجد لنفسه عامله اللغوي اخلاص الذي يتهدى منه إل صـياغة صـوره

.لفنية املوحية، ولعل ذلك أن يكون من أسرار اخللود يف األدبا

.9، ص2 اجلاحظ، البيان والتبيني، ج- 1 .75وائل عبد اهللا حسني، داللة النص الشعري يف تفسري النص القرآين، ص - 2

- 204-

- 205-

: لقد توخينا من خالل الباب األول اإلملام بشىت النواحي النظرية املتصلة مبوضوع الصورة الفنية، من ضبط لشىت املفاهيم اليت تتصل باملوضوع، وتأصيل هلا حىت يـستقيم

واعيا، وتتبع ملذاهب الدارسني حوله اليت غالبا ما أطرا نظريـات معرفيـة متثلها متثال وخنال أن . وفكرية وثقافية وفنية وأدبية متباينة كان هلا صداها العميق يف إثراء املوضوع

سعينا هذا مل يكن مقصودا لذاته، بقدر ما كان موجها لغاية املقاربة التطبيقية اإلجرائيـة ها ضمن الباب الثاين، حيث ستكون وجهتنـا تقـصي زاويـيت األداء اليت سنقدم علي

واإلحياء، وذلك مبا أتيح لنا إفادته من إجراءات وآليات حناول تثمري مـا يـتالءم منـها لذلك ارتأينا توزيـع . وطبيعة التصوير يف اخلطاب القصصي القرآين بغية استكناه أدبيته

: مباحث الباب يف فصلني مها مصادر الصورة وأمناطها الشكلية يف اخلطاب القصصي القرآين: ول الفصل األ-

ستنصرف عنايتنا ضمن هذا الفصل إىل توصيف إمكانات األداء اليت اضطلع ا والنظم القرآين، وهنا سنضطر إىل التخلي عن املنظور السيكولوجي الذي طاملا رسـخته

اليت راحت ختضع فهمهـا إىل حمـددات الدراسات التنظريية والتطبيقية املتعلقة بالصورة ذاتية كاخليال واالنفعال والعاطفة والتجربة مما وقفنا عنده آنفا، وحنل حملـه مقتـضيات

فكيف جتسد هـذا األداء؟ . اإلعجاز الفين اليت تضبط التصوير يف اخلطاب القرآين الكرمي ة املقومات الفنية لألداء ؟ وما طبيع الشكليةالصورة؟ وما هي أمناطها وفيم تتحدد مصادر

هي جتليات اإلحياء اليت ميكن أن نستشفها من خالل مصادر الصورة اليت وما التصويري؟ تستقي منها موادها، ومظاهرها البنائية ؟

بؤر اإلدراك احلسي للصورة ومساا يف اخلطاب القصصي القرآين: الفصل الثاين- آخر ل يقتضي منهج البحث ضمن هذا الفصل تقص يف لـصورة الفنيـة ي منحى

بـأمناط الصور من حيث زوايا وبؤر إدراكها، ومساا ، يتصل اخلطاب القصصي القرآين إمكانات تلقيها إحيائيا، ضمن ما أطلق عليـه القـدامى ، وصلته ب األداءالفنية، وطبيعة

- 206-

ويسوغ أن ننطلق ألجـل هـذه الغايـة مـن . وجاراهم يف ذلك سيد قطب بالتخييل كولوجية التلقي كما متثلها النقاد والدارسون، ولعل األمر ينـصرف إىل توصـيف سي

تلك الظالل احملتقنة يف أجواء اخلطاب القصصي القرآين الـيت و من جهة، األداء دينامية ، فهل جتلى اإلحياء فنيا ههنا مبثل جتليه يف الـشعر واألدب، أم من جهة أخرى سنتفيؤها

ة متفردة خلعت على الصورة بريقا وصفاء وإشعاعا وحركية ذات منط تراه اتسم بقيم فني عال؟ وما طبيعة تلك القيم إذن؟ وما وظيفتها اإلبالغية ؟

بوصفه أحد مقـوالت الـسيميائيات وسنقف هنا إن شئنا عند مبدأ التضمني مبـاذا حيويا، يتعلـق البصرية اليت تضطلع بوظيفة إحيائية تطرح إشكاال إجرائيا وتأويليا

وسنتغي تثمري هذا املفهوم ألنـه . 1لإلجابة عنه ، مما تنربي القراءة التأويلية الصورةتقوله .يقترب إىل حد كبري من املنظور اإلحيائي الذي ترسمناه هلذا الفصل

وتأسيسا على ما ذكرنا، تراءى لنا أن اإلحياء متظهر يف مستويات عـدة منـها عد حمورا جوهريا يف وظيفة التخييل القصصي، ومنها اإلحياء اإلحياء الروحي الديين الذي ي

اإلقناعي الذي يعد املنفذ األمثل إىل طبيعة العقل البشري املتميز بقدرات ذهنية تفضي إىل معرفة احلقيقة معرفة برهانية، ومنها اإلحياء النفسي التأثريي الذي يتـأدى إىل القلـب

إلحياء الفين الذي يالطف الذوق اجلمـايل ويوجهـه ويوجه انفعاالت الوجدان، ومنها ا توجيها متزنا، ومنها اإلحياء احلركي، الذي جيعل من إشارات اجلسد بيانا موازيا لبيـان

.اللفظ، ومنها اإلحياء الرمزي الذي ال يلتفت إال إىل الداللة اهلامشية للواقعة الكالمية

- ،يف قراءته للصورة، - متأثرا بسيميائية ياملسالف – وقد استثمرمها روالن بارث يقابل مبدأ التضمني مبدأ التعيني .الصورة مما جتيب عنه القراءة الوصفيةوتطرح الوظيفة التعيينية إشكال ماذا تقول بعد أن طوعهما جلهازه املفاهيمي،

ة، بني آليات القراءة وفتوحات التأويل، أعمال مؤمتر جامعة فيالدلفيا الـدويل الصور عبد احلق بلعابد، سيميائيات - 1 .149، ص 2008، عمان، )ثقافة الصورة يف األدب والنقد(الثاين عشر حول

- 207-

- 208-

لتشكيل مالحمها وألواا وظالهلا الصورة منابعها اليت ترتوي منها ونريد مبصادر

وخطوطها تشكيال فنيا يكفل هلا أسباب متيزها وجاذبيتها وتأثريهـا، كـي تـضطلع الـشعري إذا كان وقع التجربة الشعورية وأطياف اخليال و. بوظيفتها التبليغية واجلمالية

ثالثة هناكفإن الصورة يف األدب، مناط حتديد مصادر بعاده الواقع بشىت أ وعملية حماكاة هـي ا موادهـا، خلطاب القصصي القرآين، ومتتح منهالصورة الفنية باا رك فيهتتحعوامل

وعامل اخلوارق املتصل اإلدراك احلسي، ي ذو اإلدراك اإلمياين، والعامل املاد العامل الغييب ذو على حدة مـن خـالل نأيت على حتسس كل منها باملعجزات والكرامات وغريمها، وس

.خمتارات قصصية

غييبالعامل المصدر :املبحث األول

، القرآين إىل عـامل الغيـب يرتد قسم من أحداث السرد القصصي يف اخلطاب ابتداء من احلديث عن احلضرة اإلهلية املباركة واملأل األعلى، وبدايات خلق عناصر الكون

مرورا خبلق اإلنسان واختصام املالئكة بشأن اسـتخالفه يف األرض، املترامي األطراف، و واإلعالن عن الغاية من وراء ذلك، ومترد إبليس اللعني وغوايته آلدم وتوعـده بتـربص

.ذريته، وانتهاء إىل عصيان آدم هللا تعاىل يف اجلنة، وأخريا قرار اإلنزال إىل األرض ما عزب عن الفكر والنظر من شؤون والغيب من مقوالت فقه العقيدة وهو كل

. 1املاضي واحلاضر واملستقبل مما خص به البارئ عز وجل نفسه واستأثر بعلمه لوحـده ة الذي ال يكون حمسوسا وال يف قـو وقيل الغيب هو اخلفي : جاء يف كتاب الكليات

، 1.مجاعة من املؤلفني، أصول اإلميان يف ضوء الكتاب والسنة، وزارة الشؤون اإلسالمية واألوقاف الـسعودية، ط - 1

.89ص هـ ، 1421

- 209-

ـ . 1احملسوسات كاملعلومات ببديهة العقل أو ضرورة الكشف ه وإمنـا فال يتعين إدراك .االكتفاء باإلميان به بوصفه شرطا الستقامة العقيدة

معرفته كذات اهللا تعاىل وأمسائه احلـسىن تيحعليه دليل ي قام غيب : نوعان وهوف به وهو وكل ، غري ذلك مما جيب على العبد معرفته إىل ،وصفاته العلية وأحوال اآلخرة

والكالم ههنـا ه اإلحاطة ب للبشر ال دليل عليه فال ميكن غيب و ،غائب عنه ال يشاهده غيب املاضي، ومنه قـصص : إال أن هناك من حيصي له ثالثة أنواع .2مفاتح الغيب على

السابقني، وغيب احلاضر، ويتصل باملوجودات احلاضرة اليت ال تدرك حسيا كاملالئكـة .3واجلن وعذاب القرب، وغيب املستقبل كأشراط الساعة ومشاهد القيامة

ما ال يقع حتت احلواس وال تقتضيه بدايـة أن الغيب غب األصفهاين ذكر الرا ،4عليهم السالم وبدفعه يقع على اإلنسان اسم اإلحلـاد العقول وإمنا يعلم خبرب األنبياء

وأشار القـرطيب إىل .فهو بذلك أحد األسس اإلميانية اليت تقوم عليها العقيدة اإلسالمية ال ، إال أن ابن عطية رأى أا 5 أقواهلم فيه شىت ن يف تأويل الغيب موردا اختالف املفسري

.6 بل يقع الغيب على مجيعها،تتعارضوهناك سور قرآنية عديدة اشتمل القصص الوارد ا على أحداث العامل الغـييب

سور البقرة واألعراف ويونس وهود واإلسراء والكهف وطـه واألحـزاب وص : منهاا مكية باستثناء سوريت البقرة واألحزاب، وقد راوح السرد اإلعجازي وأغلبه. وفصلت

.عرضها بني اإلمجال والتفصيل وفق ما يقتضيه املوقف الديين

.1061، ص 1998مؤسسة الرسالة، بريوت، عدنان درويش وحممد املصري، . أبو البقاء الكفومي، الكليات، تح- 1 .1062 املصدر نفسه، ص - 2 .357 صالح عبد الفتاح اخلالدي، إعجاز القرآن البياين ودالئل مصدره الرباين، ص - 3 .475، ص 2ج) ت.د(كتبة نزار مصطفى الباز، دمشق، م،املفردات يف غريب القرآنالراغب األصفهاين، - 4 .252، ص 1، ج القرطيب، اجلامع ألحكام القرآن- 5، لبنـان ،دار الكتب العلمية ،عبد السالم عبد الشايف حممد . ، تج يف تفسري الكتاب العزيز ابن عطية، احملرر الوجيز - 6 .75، ص 1، ج1993 /هـ 1413 ،1.ط

- 210-

ى لنا من عموم اخلطاب القصصي القرآين رصد صور عديدة مـن العـامل يتسنالئكي الغييب، حنو صورة االستواء اإلهلي على العرش وتسوية اخللق، وصورة السجود امل

واملعصية الشيطانية، وصورة الغواية وصورة املعصية اآلدمية، وصورة الغـضب واللعنـة :جاج؛ ونرتئي االقتصار على بعض منهااإلهلية، وصورة التوبة اآلدمية، وصورة احل

: صورتا االستواء والتسوية-1ات االستواء والتسوية صورتان استهل ما األداء القرآين املعجز مـشهد بـداي

اخللق الرباين، وإذا كان الفعل استوى الزما من أفعال املطاوعة، فإن الفعل سوى جـاء وقد . متعديا، ليحيل الفرق النحوي إىل داللة خاصة بكل فعل رغم أما من أصل واحد

الذي حترج املنظور الفقهي السين مـن الستواء اإلهلي صفة ا ألزهري معان عدة ل ساق ا العلو، ومنها العمد اإلقبال إىل الشيء وعليه، ومنها الصعود، ومنها : ها من اخلوض فيها،

.2العلو واالرتفاع وأقرا املعاينظهرأولعل . 1والقصد ت حبرف اجلرباستثناء موضـعني ) على(ومجيع أفعال االستواء يف القرآن تعد

:، واملوضعان مها)إىل(كان تعدي الفعل استوى فيهما باحلرف

- ى هتواس ا ثمميعض جا في الأرم لكم لقالذي خ بكـل و ـوهات ووـمس عـبس ناهواء فـسمإلـى الـس ليمء عيش، 29: البقرة.

- اعا طوض ائتيللأرا وفقال له انخد هياء ومى إلى الستواس ثم ا طائعنينا قالتا أتيهكر أو نفقضاهسبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلـك تقـدير العزيـز

اقتضى معىن االنتـهاء )ىلإ(احلرف ب االستواءى عدتإذا و. 12، 11: فصلت، العليم

. وما بعدها124، ص 13، ج)فيف من حرف السنيباب الل( ذيب اللغة - 1 .430، ص 1الطربي، جامع البيان يف تأويل القرآن، ج - 2

- 211-

، كما تعلق االستواء يف هذين املوضعني بالسماء، خالفا للمواضع األخرى 1إليه بالتدبري .2، فقد اتصل بالعرش، ويكون املعىن ههنا هو االستيالء)على(اليت تعدى فيها بـ

يفيد هنا التراخـي الذي ال ) مث(باحلرف ) استوى(وقد مت عطف اجلملة الفعلية ـ االستواء إىل السماء يفإىل ما إيعاز )مث( وقد يكون يف احلرف يف الزمان، ة مـن املزي

بني خلق إىل التفاوت احلاصل أشار بثم وربما .3ية األرض والفضل على خلق السفليات ملا كان بني خلق األرض والسماء أعمال مـن جعـل : ، وقيل السماء واألرض يف القدر

اء ، إذ بـني خلـق األرض واالسـتو األقوات عطف بثم واسي والربكة فيها وتقدير الر .4...تراخ

، وهو ضـد مانع شيء ثنيه عنه ال ي قصدا إىل مكان ما قصده االستواءب واملراد، فإنه يف آية فصلت 6ولئن رجح أبو السعود يف تفسري آية البقرة هذا املعىن . 5االعوجاج

كيفية التقدير، ولعـل بيان يف بيان كيفية التكوين إثر شروع يرى أن حدث االستواء ق باألرض وأهلها ملا أن بيان اعتنائه تعاىل بأمر املخاطبني وترتيب ختصيص البيان مبا يتعل

مبادي معايشهم قبل خلقهم مما حيملهم على اإلميان ويزجرهم عن الكفر والطغيان أي مث والعرش من املـشترك اللفظـي الـذي . 7دا سويا ال يلوي على غريه قصد حنوها قص

سلطان سرير امللك، والسقف وكل ما عال، ومنها امللك وال : يستقطب عدة معان، منها ،8اخلشب الذي يطوى به البئر بعد أن يطوى أسفلها باحلجارةومنها والعز.

.331، ص 38، ج )سوو( تاج العروس، - 1 .102، ص 24 ج، بريوت،دار إحياء التراث العريب، يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاينينظر اآللوسي، روح املعاين - 2 .78، ص 1، إرشاد العقل السليم، ج أبو السعود- 3 .280، ص 1ج أبو حيان األندلسي،- 4 .193، ص 4الزخمشري، الكشاف، ج - 5 .78، ص 1 أبو السعود، إرشاد العقل السليم، ج - 6 .5، ص 8 املصدر نفسه، ج - 7 .310، ص 4، ج 2001ريوت، دار الكتب العلمية، ب وآخرون،عادل أمحد عبد املوجود. تحأبو حيان، البحر احمليط، - 8

- 212-

هللا للـسماء واألرض وقد أملح الزخمشري إىل املنحى التـصويري يف خطـاب ا تنعا عليـه مت مل ما أ ، باإلتيان وامتثاهلما هلما وجواما، ذاهبا إىل أن املراد من أمره تعاىل

ز أن وجـو . متثـيال و ا جماز قد عد هذا األداء و، قدرا كما مهوجدفأ، حني شاء خلقهما احلوار بينه شيء من حتقق مستبعدا عدم خلقه، تصوير أثر قدرته يف حكمتهيكون ختييال وما يعضد ذلك أن الرازي محل احلوار على الكناية عن إجياد الـسماء . 1تعاىل وبينهما

.2واألرضوالالفت للنظر أن معظم سياقات االستواء التسع اليت وردت ضمن اخلطـاب القصصي القرآين اقترنت بتقدير مدة خلق السماوات واألرض اليت كانت ستة أيام، بينما

وال تعدو تلك . التقدير الزمين يف مواطن قليلة، وفق ما يقتضيه مقام اخلطاب أضمر األداء األيام الست أن تكون غيبا غري مشهود، وال سند يقيين ملا ميكن أن يقال عنـها، فقـد يكون املراد ا األطوار أو املراحل أو أيام اهللا اليت ال ختضع ملقاييس زماننا النـاجم مـن

وقد تكون كأيام التقـومي . 3زم حبقيقة معىن هذا العدد حتديدا ر اجل حركة الفلك، فيتعذ .4الدنيوي، وقد تكون مثل أيام اآلخرة، حيث يقدر كل منها بألف سنة

، والبعد التربوي ومبا أن األداء القرآين يركز على موضع العربة والغاية التعليمية م عباده الرفق والتأين يف يعل ت فال شك أن حتديد التقدير الزمين كان من باب إرادته تعاىل

.5ا معلوم شيء أجالكلأن ل كي يبين هلمل رمباو، هم وترك العجلة فيهاأمور

.194، ص 4 الكشاف، ج- 1 .91، ص 27 مفاتيح الغيب، ج - 2 .1296، ص 3، مج 2003/ هـ1423، 32. سيد قطب، يف ظالل القرآن، دار الشروق، الفاهرة، ط- 3 .235 ص ،3ج ، 1997، 4.طن، دار طيبة، الرياض، يحممد عبد اهللا النمر وآخر. ح البغوي، معامل التنزيل، ت- 4، وينظـر تفـسري 478، ص 2007، 4.يوسف الغوش، دار املعرفة، بـريوت، ط . الشوكاين، فتح القدير، تح - 5

.الشعراوي، املكتبة الشاملة

- 213-

ويف سورة األعراف يستوقفنا األداء لدى صورة كونية نتجت مـن أحـداث الواقع الغييب، لكن حركتها األبدية الدءوبة صيرا صورة حسية مشاهدة مشعة باللطائف

ثـم اسـتوى علـى العـرش يغـشي الليـل النهـار ... : تعاىل يف سورة األعراف إذ يقول ة، اجلمالي المنيالع بر ك اللهارتب رالأمو الخلق ره ألا لهات بأمخرسم ومجالنو رالقمو سمالشثيثا وح هطلب54(ي( :

.احلثيـث الطلب: ، والثانية الليل النهار ةغشيت: نعاين ههنا صورتني، األوىل وقد توخى األداء إجياز احلذف، والتقدير أي يغطي الليل النهار، وأصل التغشية التغطية،

: )يطلبـه حثيثـا (ومعىن ، لداللة الكالم عليه أضرب عن ذكره ، و )ويغشي النهار الليل ( من دون أن يفـصل سريعا اآلخر وخيلفه، فكأنه يطلبه اب أحدمه كان يعق إذا فسريعا،

ونرى يف االقتصار على ذكر تغشية الليل من دون النهار ما حيقق انسجام .1بينهما شيء األداء؛ إذ تالءم ذكر أصحاب النار الذين طاملا طرحوا غشاوة دون احلـق يف الـدنيا،

هذه اآلية وأطر سياقها، مع ذكر تغطيـة الليـل وخطام إىل أصحاب اجلنة الذي سبق .للهدى للنهار، وال ختفى داللتهما إحيائيا على مطاردة الضالل املستمرة

هذا املشهد، إذ مل يفت سيد قطب أن يبني عن روعة التصوير اليت اشتمل عليها يف حيويـة يرى أن املغزى التبليغي العميق هلذا السياق ال حيول دون متلي مظاهر الروعة

املشاهد وإحياءاا العجيبة اليت تنسجم عربها حركة الليل والنهار ضمن الفلك مع حركة يطلب النهار حثيثا، ويريده جمتهدا وهو يل ن، فصورة الل التصور والشعور ضمن الوجدا

. معهاحرك نفسيايت ن؛ وأ حببوريتابعهاأن ال إ الوجدان ميلكال! يف سباق أبدي مـال التـصوير جل ظهرالليل والنهار م » تشخيص«تها و وحيوي احلركة ذكرف

ضربا النظر إليه عل؛ وجت الكون ومشاهده يف احلس على ختيم اليت الرتابة ملتفرد، ذلك أن ا لوجوديطالع ا كأنه ،ياةاحليف د جدتها وقع املشهد امل حمل ليحل ىتوار، ت والغفلة من الفتور

ةل ألوناههالليل والنهار ف. مر ـ بل ،تنيطردمد ظاهرتني ليسا جمر مها حي ان ذوا حـس

.236، ص 3 البغوي، معامل التنزيل، ج- 1

- 214-

الصراع واملنافـسة وم حركة احلياة طرا البشر ويشا مع نتفاعالي. وروح وقصد واجتاه .1والسباق

ويقتضي األداء تفصيل صورة االستواء على حنو يضيف من خالله إضاءة مكانية ي، وخيربنا بأنه كان على املاء قبـل أن غيبية حول هذا العرش الذي مت فيه االستواء اإلهل

وهـو الـذي خلـق : يف سـورة هـود يضطلع خبلق السماوات واألرض، على حنو ما ورد . )7(... السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء

علـى االستدالليف من احلكمة من إيراد هذه اإلضاءة تك إىل أن الرازي أشار كونه أعظم من الـسموات واألرض معأن العرشاإلهلية، ومما يدعم ذلك كمال القدرة علـى أوهـى عمد المساك الثقيل ب تعاىل على إ على قدرته وذلك دال ،كان على املاء ش الذي هو أعظم أن العر ، كما املاء ال على قرار تعاىل هكامسإ ، فضال عن األشياء حتمال

.2 حتته وال عالقة فوقهركائز دونوات ا تعاىل فوق سبع مسوجدهخلوقات قد أاملويطلعنا األداء على إضاءة أخرى يوسع من خالهلا جمال إدراك صورة االستواء

يف جـاء ، 3اإلهلي، وهي إضاءة تنفي عنه تعاىل أيا من أشكال النصب واإلعياء والـسأم ولعـل . )38(ات والأرض وما بينهما في ستة أيام ومـا مـسنا مـن لغـوب ولقد خلقنا السماو :سورة ق

الغرض من استدعائها تنزيه ذاته الكرمية مما حاول اليهود إشاعته من أنه استراح بعد أن اجلديـدة هذه احلقيقة ذكر حكمة سيد قطب ويربز .السماوات واألرض فرغ من خلق

فكيف بإحياء املـوتى . لق واإلنشاء يف هذا اخللق اهلائل توحي بيسر اخل إىل أا ذاهبا ن صغري؟ وهو بالقياس إىل السماوات واألرض أمر هي!4 . فهناك مناسبة تصل هذا املعىن

.1297، ص 3 سيد قطب، يف ظالل القرآن، مج - 1 .150، ص 17، ج2000 /هـ 1421 ،1.، طوتبري، دار الكتب العلمية، الرازي، مفاتيح الغيب- 2 .150، ص 5 ابن عطية، احملرر الوجيز، ج- 3 .3366، ص 6 يف ظالل القرآن، مج - 4

- 215-

س مـن خلـق أفعيينا بالخلق الأول بـل هـم فـي لـب : مبا سبق تقريره قبال يف سياق استفهامي إنكاري .)15(جديد

: صورة السجود املالئكي-2هناك سبعة مواضع قصصية يف اخلطاب القرآين متتد عربها صـورة الـسجود املالئكي، وردت على التوايل ضمن سور البقرة واألعراف واحلجر واإلسراء والكهـف

ـ سه وان طأطأ رأ إذا د الرجل أسجوأصل السجود لغة هو اخلضوع، و . وطه وص .1ىنح وهـو مـن فـرائض العبادة نية اجلبهة على األرض على وضعأما يف اصطالح الشرع

العلم علـى فضلر اظهإ ولعل احلكمة اإلهلية اقتضت أن يكون يف هذا السجود . الصالة .2 العبادةفضل

تكرمـة ههنا علـى وجـه ال سجود الفإن ، هللا تعاىل عبادة وإذا كان السجود ، وحناول أن متلى مجاليات صورة السجود 3لهود إخوة يوسف وأبويه والتحية، حنو سج

اهللا تعاىل يف سورة يقولاملالئكي يف بعض السياقات القرآنية بوصفها من الصور الغيبية؛ ن مـن الكـافرين للملائكة اسـجدوا لـآدم فـسجدوا إلـا إبلـيس أبـى واسـتكبر وكـا وإذ قلنا :البقرة

)34(.

) ...وإذ قال ربك(ويطالعنا األداء بفن االلتفات البديعي، من الغائب فيما قبل اآلية الذي ال يشري هنا إىل مجاعة املتكلمني، بل ) نا(، واصطنع الضمري )...وإذ قلنـا (إىل املتكلم

ليلة، وناسـب هـذا د صفاته اجل ، لتعد اجلمع وتنزيله منزلة تهعلو قدر و اهللا تعظيم يفيد

.175، ص 6و لسان العرب، ج. 173، ص 8وتاج العروس، ج . 484، ص 2ج ، )سجد( الصحاح، - 1 .301، ص 1 أبو حيان األندلسي، البحر احمليط، ج-2 .108، ص 1 وابن عطية، احملرر الوجيز، ج،156، ص 1شاف، ج الزخمشري، الك- 3

- 216-

االلتفات أن يكون األمر يف منتهى العظمة واجلالل، حىت يكون أدعى المتثال املالئكـة .1إىل القيام بالسجود دون تردد أو إبطاء

يفضي إنعام النظر يف اخلطاب القصصي القرآين إىل مالحظة ملمح أسلويب غالبا املوضـوع ) إذ(ي، واألمر يتعلق هنا بظـرف الزمـان ما يكون مفتاح السرد اإلعجاز

جدل مـن اكتنفهوقد . للماضي الذي يصدر به األداء معظم مشاهد قصص القرآن من احلـروف الزوائـد، وأن )إذ( أن أبو عبيدة إىل ، فقد ذهب 2حيث خترجيه النحوي

.3معناها احلذف واذكر : تقديره حمذوف قة بفعل علت م أا لكن اجلمهور خالفه يف ذلك ذاهبا إىل

ـ أيضا م يكون أنوهو ما اطمأن إليه الزخمشري الذي جوز ، 4إذ قال ، 5 بقـالوا ابوصن. ..ليس يف القرآن ما ال معىن له وهو نصب بإضمار اذكـر يرى أنه الرازي إذ والفخر

أنـذر ر أخـا عـاد إذ واذكـ (: حنو ،ةكثري مواضع مبا أضمر هنا يف صرحن اهللا تعاىل قد مث إ ظـرف ) إذ(جانبا مكتفيا بأن وطرح أبو حيان مجيع التخرجيات .6...) افحقـ قومه باأل

ال يكون مفعوال به، وال حرفـا للتعليـل أو زمان للماضي، مالزم للظرفية، حيث أنه .7املفاجأة، وال ظرف مكان، وال زائدة، خالفا لزاعمي ذلك

.302، ص 1أبو حيان األندلسي، البحر احمليط، ج - 1 - ة، ارتبطت بالسرد ضـمن القـصص ) إذ( ورد لفظالظرفية يف اخلطاب القرآين خنو مائتني ومخسا وعشرين مر

.حي والسرية النبوية أو مشاهد القيامةغالبا، فضال من املواضع اإلخبارية املتعلقة بأحداث زمن الوـ - 2 عبد العال سامل مكرم موسومة بـ أسلوب إذ يف ضوء الدراسات القرآنية والنحوية، حوليـات : ينظر دراسة ل

.1982، 4كلية اآلداب، جامعة الكويت، عدد .439، ص 1 الطربي، جامع البيان يف تأويل القرآن، ج- 3 .101، ص 1، ج ابن عطية، احملرر الوجيز- 4 .153، ص 1 الزخمشري، الكشاف، ج- 5 .87، ص 1أبو السعود، إرشاد العقل السليم، ج: ، وينظر أيضا147، ص 2 الرازي، مفاتيح الغيب، ج - 6 .284، ص 1 البحر احمليط، ج- 7

- 217-

: ، إذ يقول )إذ(القصصي الذي يوحي به الظرف وقد فطن ابن كثري إىل اإلحياء ك للمالئكة، واقصص على قومك ذلك واذكر يا حممد إذ قال رب...1. فإذ الظرفية

فضال عـن ، يهب السياق السردي اإلعجازي مسحة مجاليـة حتيل على معطى زمين هلي مبا يحفز قابليـة اإل دة حليوية القص تلك الشحنة الوافرة من اإلبالغية التأثريية املصع

األمر بالنظر إىل مـا مغزاها ولعل .2ةي منذ بداية العملية السردي اإلقناع لدى أفق التلق . 4 كما ال ختلو إذ من معىن املفاجأة ،3ر فيه نظ أن ي حري ته، فهو الزمان لغراب وقع يف ذلك

.5 يف ذلكمهم تلعثدونهم إىل االمتثال مسارعتيفيد عطف )فسجدوا(والفاء يف

رور اخل دونحنناء باال مت إىل أن السجود ابن عباس رضي اهللا عنهما ذهب لئنو ذلك أن هنـاك .6 الوجه على األرض وا وضع املالئكةاجلمهور على أن فإن ،على الذقن

:ملمحا آخر يوضح حركية صورة السجود نعاينه من خالل املوضعني القصصيني اآلتيني

وإذ قـال ربـك للملائكـة إنـي خـالق بـشرا مـن صلـصال مـن حمـإ :ورة احلجر قال اهللا تعاىل يف س - فسجد الملائكـة كلهـم أجمعـون )29( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين )28(مسنون

)30( إلا إب اجدينالس عم كوني ى أنأب ليس)31( اجدينالـس ـعم ألـا تكـون ا لكم ليسا إبقال ي)32( قـال لـم . )33(أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون

.216، ص 1 ابن كثري، تفسري القرآن العظيم، ج - 1زي يف اخلطاب القصصي القرآين، دراسة حتليلية منوذجيـة يف سـورة مقومات السرد اإلعجا نور الدين دمحاين، - 2

.175، ص 2002الكهف، ماجستري، جامعة وهران، .132، ص 4، ج2004، 1.أبو الفضل إبراهيم، املكتبة العصرية، ط. الزركشي، الربهان يف علوم القرآن، تح- 3 . وما بعدها37 القرآنية والنحوية، صعبد العال سامل مكرم، أسلوب إذ يف ضوء الدراسات: ينظر- 4 .87، ص 1أبو السعود، إرشاد العقل السليم، ج - 5 .59، ص 1، ج2005 ، بريوت،دار النفائس، مروان حممد الشعار. ، تحمدارك التنزيل وحقائق التأويل النسفي، - 6

- 218-

فـإذا سـويته )71(ك للملائكـة إنـي خـالق بـشرا مـن طـني إذ قـال ربـ : قال اهللا تعاىل يف سورة ص - ــاجدين س ــه ــوا ل ــي فقع ــن روح ــه م ــت في ــون )72(ونفخ عمأج ــم ــة كله ــسجد الملائك ــيس )73( ف ــا إبل إل

الكافرين من كانو رتكبقال )74(اس أم ترـتكبأس يـدبي لقـتـا خلم دجتـس أن كعنا مم ليسا إبي النيالع من ت75(كن( طني من لقتهخنار و لقتني منخ همن ريقال أنا خ )76( .

بضمري الغائب سرد حدث السجود فيهما ومما يالحظ على هاتني اآليتني اللتني أما اشتملتا على شيء من التفصيل الذي أمجل يف الـسياقات األخـر، )إذ قال ربك (

، وقد أتى التفصيل بإضاءات )وإذ قلنا (حيث سرد احلدث نفسه ضمنها بضمري املتكلم ، أو الطني، وتعليق الـسجود من حمإ مسنون ال صلص وهيتتصل مبادة خلق اإلنسان

فقد تخير نسان ونفخ الروح فيه، فضال عن تبيان هيئة السجود وهي الوقوع، بتسوية اإل ، ويتضمن هذا األمر داللة تشريف آلدم، ؛ أي فخروا )فقعوا(األداء لصورة السجود لفظ

ولعل هذا التفصيل يعزى إىل سياق . وتعظيم هللا تعاىل يف إحدى أجل صفاته وهي اخللق ، إذ يلقي بظالله على مشهد السجود املالئكي، )ص(و) راحلج(التحدي ضمن آيات

.والتحدي يقتضي تبكيت املكذبني بذكر أدق التفصيالت عن خلق اإلنسان: ودقة األلفاظ من أسرار اإلعجاز القرآين، ذلك ما يبني عنه الزخمشري بـالقول

)م سجدوا عن آخ )أمجعون( و ، لإلحاطة )كلرهم ما بقـي لالجتماع، فأفادا معا أ .1منهم ملك إال سجد وأم سجدوا مجيعا يف وقت واحد غري متفـرقني يف أوقـات

فكل مفردة قرآنية تستقل مبعىن تؤديه وصورة ترمسها يف الذهن، بعيدا عن مقولة الترادف .2اليت ال جتد مسوغا يعضدها ضمن اخلطاب القرآين، ولعل ذلك ما أملح إليه اجلاحظ

- ي من خاللمن سورة احلجر ني اآليت يتراءى سياق التحد ) : ا أيقالوا يـون ونجلم كإن ه الذكرليل عزا الذي نه

)6 ( ادقنيالص من تلائكة إن كنا بالمأتينا تم لو)لى : ( من سورة ص نياآليتكذا و، ))7لإ الأععلم بالم من ا كان ليم ).)70( إلا أنما أنا نذير مبني إن يوحى إلي) 69(إذ يختصمون

.107، ص4 الزخمشري، الكشاف، ج- 1 .20، ص 1 البيان والتبيني، ج- 2

- 219-

يف سياق سورة احلجر ثالث مـرات لترسـيخ ) الساجدين(لفاعل ويرد اسم ا صورة سجود املالئكة دون تقاعس أو تردد داللة على وقوعه الفعلي الذي يـنم عـن إذعان مطلق وإميان قوي جبلوا عليهما، مهما كان أصل املادة الـيت خلـق منـها آدم

، الـذي 1ي الطني املبتل املـننت ؛ أ )وهي الصلصال من احلمأ املسنون (خسيسا ووضيعا فالصورة جاءت لتبين أن السجود إمنا كـان تعظيمـا . تكرر ذكره ثالث مرات أيضا

.للخالق، وتكرميا آلدم، ومل تكن العربة مطلقا طبيعة املادة اليت خلق منها :غواية الشيطانية األوىل صورة ال- 3

الغوايـة الغييب أن تكون اقتضت حكمة اخلالق يف سياق استعراض صور العامل أصل املعصية البشرية، فبعد أن عصى إبليس ربه وناصب اإلنسان العداء، هـا الشيطانية

هو ذا يتربص به حسدا حىت أوقع به يف شرك املعصية، وقد فضح األداء صورة الغوايـة يف الشيطانية يف مواضع عديدة من سياقات اخلطاب القصصي القرآين، منـها مـا ورد

فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما ممـا كانـا فيـه وقلنـا اهبطـوا بعـضكم لـبعض عـدو :رة البقرة سو . )36(ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حني

ن الـشيطان أ أي، 2، وهو عثور القـدم من الزلل )أزل(استخدم األداء الفعل ذلـك مبعىن أذهبهما وأبعدمها، ويعـضد هما أزلوقد يكون ،همازلقوزلتهما يف تسببأتى مفصال يف مواضـع قرآنيـة ه وإزالل ،ومها متقاربان يف املعىن ) ماهالزأ ( محزة قراءة

بيد أن الفعل أزل جاء مقترنا بفاء التعقيب اليت تفيد سرعة جتـدد املوقـف . 3عديدة

.98، ص 17 الطربي، جامع البيان يف تأويل القرآن، ج - 1 .311، ص 1 أبو حيان، البحر احمليط، ج- 2 - ة اخل (: هلما قولهحنورجعلى ش لكل أدلده لك ال يمهذه الشجرة إال أن (: وقوله، )بلى و نا عكمباكما ر ام

)...إني لكما لمن الناصحني(: ومقاسمته هلما،)تكونا ملكين أو تكونا من اخلالدين .91، ص 1 أبو السعود، إرشاد العقل السليم، ج- 3

- 220-

وانقالب احلال فجأة رأسا على عقب مما حال دون أن يرفل آدم وزوجه يف نعيم اجلنـة .أكثر مما قدر هلما

ـ تهحقيق و، ألنه يف الرأي والنظر ، جماز يف اآلية الزللو يس مـن يف القـدم، ول وطبيعـة ، واختلف يف الكيفية إغواء آدم ى تولمن أن إبليس اللعني هو يفخالف

مـن سـورة ؛ بدليل قوله تعـاىل مشافهةحمض واء، فمنهم من ذهب إىل أنه كان اإلغ ومنهم مـن ردهـا إىل وسوسـة . املشافهة تقتضياملقامسة ، إذ )وقاسمهما(: األعراف

إن الشيطان (: ل النيب و قويعضد ذلك، اجلنة بعد أن أخرج منها الشيطان إذ مل يدخل ويا : ويصف سيد قطب املشهد بنربة انفعالية قائال .1) مجرى الدم من ابن آدم يجري

هماأزل(: رللتعبري املصو(. . وإنـك لتكـاد . ر عنها إنه لفظ يرسم صورة احلركة اليت يعب .2! ووي، ويدفع بأقدامهما فتزلةح الشيطان وهو يزحزحهما عن اجلنتلم

ارع حوادث عامل الغيب وتـشي جبـزاء وتأيت فاء التعقيب ثانية لتحيل إىل تس ، وهو جماز عقلـي )هما مما كانا فيه فأخرج( :الزلل الذي أوقع الشيطان فيه آدم وحواء

عالقته السببية، ألن من تولى إخراجهما من اجلنة هو اهللا بسبب غواية الشيطان هلماوقلنا ( تعاىل ولكن هذه املرة يتم العطف بالواو، ألن اآلمر بفعل اهلبوط هو اهللا

اجلنس، فكأما الضمري أما أصل مجعمقتضى و ، اخلطاب آلدم وحواء و ؛)طوااهب؛ ضادت ال عد من قبيل و، هو النزول : اهلبوطو. 3هلما وللحية وإبليس : اجلنس كلهم، وقيل

: قال الفراء نزلة جمازا، وهلذا ، والدخول فيها، ويقال يف احنطاط امل اخلروج عن البلدة : أي

.6636: ح. واحلديث من صحيح البخاري، كتاب األحكام، ر.112، ص 1 ج ابن عطية، احملرر الوجيز،- 1 .81، ص 1سيد قطب، يف ظالل القرآن، مج - 2 .91، ص 1 أبو السعود، ج- 3

- 221-

اهبطـوا : (والفرق بينه وبني النزول أن األول نزول يعقبه إقامـة حنـو . 1الذل: اهلبوط .2، أما النزول فال يشترط فيه االستقرار وال اإلقامة61: ، البقرة)مصرا

ويضفي األداء على صورة الغواية الشيطانية مالمح أخرى أكثر تفصيال من ذي العرض القصصي يف سوريت األعراف وطه، فقـد قـال اهللا قبل، ذلك ما نتحسسه مع

فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال مـا نهاكمـا ربكمـا عـن هـذه :تعاىل فـدلاهما وقاسمهما إني لكما لمـن الناصـحني ن الخالدين الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا م

ـا ألــممهبـا رماهنادــة ونق الجرو ـا مـنهمليخـصفان عــا ي بغـرور فلمـا ذاقـا الــشجرة بـدت لهمـا سـوآتهما وطفقا عكمأنه بنيم ودا علكم طانيالش ا إنأقل لكمة ورجا الشتلكم ن . 22 – 20: األعراف.

فوسوس إليه الشيطان قـال يـا آدم هـل أدلـك علـى شـجرة الخلـد وملـك لـا يبلـى : قال أيضا و ا فبهى فأكلا منفغـو ـهبر مى آدـصعـة ونق الجرو ا مـنهمليخصفان عطفقا يا ومآتهوا سمله تد. طـه :

120 ،121. وسوسة الـشيطان : لقد اشترك السياقان القصصيان يف ذكر التفصيالت نفسها

ي أفضى إىل اسـتدراجهما آلدم وحواء، وحديثه املاكر وخداعه هلما باخللود املزعوم الذ إىل معصية اهللا، وإقدامهما على األكل من الشجرة، وانكشاف سوآما، وأخـذمها يف االختصاف من ورق اجلنة، وأخريا عتاب اهللا هلما الذي صرح به يف األعراف، وأضـمر

ولكن مت تصريف طريقة األداء الفين حـسب مقتـضى حـال الـنظم . يف سورة طه :فنا ضمن هذين السياقني مالمح عن لغة التصوير منهاوتستوق. اإلعجازيo إليهفوسوس / فوسوس هلما:

.311، ص 1 أبو حيان، البحر احمليط، ج- 1 .331 العسكري، الفروق اللغوية، ص - 2

- 222-

والوسواس كل صوت ال يفقه كنهه . 1رهم كالما خفيا يكر س إذا تكل وسومعىن ولكـن . 2خلفائه، أما النزغ فهو اإلغراء بالوسوسة، ويالزم غالبا حال الغضب والطيش

، )فوسوس هلما (تارة يف " الالم"د اتصل حبرف اجلر بإنعام النظر يف الفعل وسوس جنده ق تارة أخرى، وتنبه الزخمشري إىل الفرق يف داللـة ) فوسوس إليه (يف " إىل"وحبرف اجلر

.3 ألقاها إليه مبعىنووسوس إليه ما،الوسوسة ألجله فعل ما مبعىنوسوس هلاحلرفني، ف. سوسته ألجلـهما فحرصا من إبليس اللعني على طردمها من اجلنة معا كانت و

ومبا أن آدم يعد أبا البشر وصاحب الكلمة الفصل من ناحية، وللحقد األزيل واملوجـدة البغيضة اللذين أكنهما له الشيطان منذ أن خلقه اهللا وأمره واملالئكة بالسجود لـه مـن

.ناحية أخرى، اقتضى أن تلقى الوسوسة إليه مبفرده، مث إن حواء يف حكم التابع لهo قامسهماو:

قوله حنو. بني املتحاورين واحللف قسمبادل ال ت تقتضي ة املقامس رأى الزخمشري أن حة وأقـسما لـه يهلما بالنـص أقسم اكأمنف ؛49: ملالن ،)لنبيتنهتقاسموا باهللا (: تعاىل

أن يقتضي ) قاسم( بيد أن الشعراوي نفى ذلك، ذاهبا إىل أن معىن املشاركة يف .4بقبوهلايكون كل منهما فاعال من جهة، ومفعوال من جهة أخرى، من قبيل املفاعلة اللزوميـة،

اهللا ؛ ف142، األعراف، )...أتممناها بعشر وواعدنا موسى ثالثني ليلة و : (نظري قوله تعاىل .5 وتوفيته بهإياه الوعد بقبوله ، ودخل موسى يفالذي وعد موسى هو

.90، ص 2 الزخمشري، الكشاف، ج- 1 .79ق اللغوية، ص العسكري، الفرو - 2 .90، ص 2 املصدر السابق، ج- 3 .91، ص 2الزخمشري، الكشاف، ج - 4 .21 تفسري الشعراوي، املكتبة الشاملة، األعراف - 5

- 223-

، ولكون القسم أبلـغ مـن سمالق يف باجتهاد الشيطان يشي زن املفاعلة و ولعل، فإن إبليس اللعني قد حترى أمكن أساليب الغواية واإلغراء، لإليقاع بآدم ومحله 1احللف

ر بصيغة املفاعلة للمبالغة ألن من يبـاري بوإمنا ع : ولذلك قال اآللوسي ية، على املعص فيه أحدا يف فعل جيد 2. على براعة البيان القرآين يف وإن دل ذلك على شيء فإمنا يدل

انتقاء األلفاظ، بل حىت الصيغ الصرفية املالئمة، إلضاءة املواقف األكثر إثارة وحيوية اليت .تتسرب منها فاعلية التبليغ صمن اخلطاب القصصي القرآين

o فدالمها بغرور: خـدعهما بـأن : ا يف البئر، واملعـىن إرساهل: من إدالء الدلو؛ أي دالمها بغرور

إظهار النـصح مـع : والغرورحطهما عن منزلتهما، والتدلي يكون من عل إىل أسفل، وهو تصوير جمازي من قبيل االستعارة التصرحيية التبعية جيعلنـا نـشاهد .3إبطان الغش

ز النفسي اخندعيا، حركة يف احليدة حسا آدم وحواء، حركة التدلية املعنوية وهي جمساليت تفوح منـها داللـة ) بغرور(بسبب غرور وضيع سخيف أبانت عنه صيغة التنكري

التحقري واالمتهان، األمر الذي من شأنه إذكاء احلس الدرامي للموقف العصيب الـذي .آل إليه آدم وزوجه

.68 العسكري، الفروق اللغوية، ص - 1 .100، ص 8 اآللوسي، روح املعاين، ج- 2 .100، ص 8ج، وروح املعاين، 280، ص 4 والبحر احمليط، ج،220، ص 3 البغوي، معامل التنزيل، ج - 3

- 224-

مصدر العامل احلسي: املبحث الثايني ضمن اخلطاب القصصي القرآين يف األرض ادتتحدد جغرافية العامل احلسي امل

حيون ويضطربون ويسعون ي حيث واستخلفهم فيها، اليت بوأها البارئ سبحانه بين البشر ما قدر هلم من عمر قبل أن يفنوا، وتتحدد مظاهر هذا العـامل إذن يف املـدن والقـرى

ا تشتمل عليه السماء مـن والفيايف واجلبال والسهول والبحار واألار وغريها، فضال عم ي البصريأجرام وجنوم ومشس وقمر، وسائر ما يطاله اإلدراك احلس.

وقد سبق أن توقفنا عند مفهوم احلس يف معرض حديثنا عن التقـدمي احلـسي توصيفنا لألداء قي أمناط الصورة اإلدراكية، للمعىن، وسنعود إليه من جديد إجرائيا لدى

، وغالبا ما يطلق نص الوحي على هذا العـامل بعـامل تراسل احلواس مالية وكذا إملامنا جب .ة املوضوعية اليت تتراءى ماديا، وحييل إىل منط من احلقيقالشهادة

واحلقيقة أن صور هذا العامل مترامية األطراف على امتداد اخلطاب القصـصي تزئ ببعض الـصور القرآين، وهي من الكثرة ما ال يسع االستقصاء حلصره ههنا، وإمنا جن

:اليت تتصل بقصص موسى وبـين راهن األداء يف رسم أكثر املشاهد التصويرية لقـصص موسـى ي

إسرائيل وفرعون على العامل احلسي، حيث تضطرب احلياة بالناس يف عـامل يتجاذبـه الصراع بني قوى اخلري ونوازع الشر، منذ أن هم فرعون بالترصد لكل مولـود ذكـر،

-ات مقترنة بكلمة الغيبي يف اخلطاب القرآين حنو عشرة مرورد ذكر كلمة الشهادة للداللة على العامل احلس .

- 225-

، وخشية أمه عليه من القتل، وإلقائه يف اليم، إىل جناتـه به، وميالد موسى والفتك .وتنشئته بقصر فرعون

:اليم صورة - 1إذ أوحينا إلى أمك ما )37( ولقد مننا عليك مرة أخرى ...: طهسورةقوله تعاىل يف جاء

ي التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليـك أن اقذفيه ف )38(يوحى وأوحينـا إلـى أم موسـى أن : يف سورة القـصص وورد أيضا . )39(محبة مني ولتصنع على عينـي

ـه فأل أرليضعيه فإذا خفت ع ـلنيسرالم مـن ـاعلوهجـك وإلي وهادنـي إنـا رزلـا تحلـا تخـافي وو م7(قيـه فـي الـي( هودنجو انامهو نوعفر نا إنزحا وودع مله كونلي نوعآل فر فالتقطه اطئنيا كانوا خ8(م(.

اليم من املفردات اليت اكتنف معناها خالف لغوي، إذ هو البحر لدى أكثر أهل ، وهو النيل لدى أغلب املفسرين، بيد أن فهم هؤالء يشي بأم جعلـوا البحـر 1اللغة

ن دليل بطالنه ، فإ ره وال شطاه البحر الذي ال يدرك قع ولئن قيل إنه . 2والنهر مبعىن واحد ويقـع ة البحر، لج وقيل. جعل له ساحال ، حيث )لفليلقه اليم بالساح (: تعاىل ولهقهو

أم واليم الذي أمرت ، وعلى النهر الكبري العذب زعاقا، م على ما كان ماؤه ملحا اسم الي ولكننـا جنـد يف كـالم .3يل مبصر، هو نهر النهموسى أن جتعله يف تابوت مث تقذفه في

ج العروس، ، الزبيدي، تا 171، ص 1، وابن دريد، مجهرة اللغة، ج 2065، ص 5، ج )ميم( اجلوهري، الصحاح، - 1

.139، ص 34، والقـرطيب، اجلـامع 60، ص 2، والطربي، جامع البيان، ج 222، ص 6، تفسري القرآن العظيم، مج ابن كثري - 2

.57، ص14ألحكام القرآن، مج .456، ص 15، ج)ميم( ابن منظور، لسان العرب، - 3

- 226-

هو البحر واملراد به ههنا نيل مصر يف اليم: الرازي ما يوضح املسألة لألفهام، إذ يقول .1قول اجلميع واليم اسم يقع على البحر وعلى النهر العظيم

الصورة املنتزعة من فضاء العامل احلسي املشاهد لتوحي مبعاين األمـان إن هذه . لنجاة، يف ظل بطش فرعون وطغيانه الذي استهدف رضع بين إسـرائيل واالطمئنان وا

بـأن عـضد ويصل األداء بني املوقف الراهن حيث استجاب اهللا ملطلب موسى رسالته بأخيه هارون وزيرا، واملوقف السابق الذي تضمن إجناءه وهو رضيع من تـذبيح

حسان الذي أسبغه املوىل على كليمه فرعون؛ واجلامع بني املوقفني هو املن واإلنعام واإل .تقوية لقلبه

ومثلما قدر لليم أن حيتضن التابوت وبـه . 2جييء القذف مبعىن الوضع واإللقاء آمنا، على خالف العادة اليت تقضي أن يكون اليم مرتبطا مبخاطر اهلـالك موسى

حييـل إىل النجـاة والغرق، أوجدت اإلرادة اإلهلية النافذة من اليم معادال موضـوعيا إا . وتعقب حركة القذف يف اليم مباشرة حركة إلقاء اليم ملوسى يف الساحل . والسالمة

حركة حسية مألوفة يصورها األداء، ال تكاد تثري االنتباه، يف غفلة من الناس، إال هـذه القـدرة األم احلانية اليت ميلؤها اليقني ويغمرها اإلشفاق، ولكنها حركة مشحونة بعظمة .اإلهلية اليت ب النجاة على حافة املخاطر، وإذا بالتابوت يدلف إىل قصر فرعون

إذ األمر أقطـع ،بالغةوامل الذي يفيد اإلخبار بصيغة األمر )فليلقه(جاء اإللقاء و: مرتني، وكرر معه مرتني أيـضا ذكـر ) اليم(لقد كرر األداء ذكر . 3األفعال وأوجبها

). وألقيت -فليلقه (و) عدو له -عدو يل (و) فاقذفيه -اقذفيه (و ) حى ما يو –أوحينا (ولعل يف هذا التكرار البالغي املقصود إيعازا يلفت االنتباه إىل عظمـة التـدبري اإلهلـي

.يتناسب مع موقف االمتنان

.46، ص 22 الرازي، مفاتيح الغيب، ج- 1 .64، ص 3ري، الكشاف، ج ، والزخمش50، ص 3، ج مدارك التنزيل وحقائق التأويل النسفي، - 2 .226، ص 6 أبو حيان، البحر احمليط، ج - 3

- 227-

يـه مـن اخلوف عل املقصود بأحدمها ،نافوخويف سياق سورة القصص ذكر ، من املخاوف هفرعون، وغري والوقوع يف يد ، فاخلوف عليه من الغرق وأما الثاين . القتل

غـم واحلـزن ،عمتوقمر اإلنسان أل صيب ي اخلوف غم أن الفرق بني اخلوف واحلزن و بثا للطمأنينة يف الوحي إليها كان يف ما مجيعا، و ، فنهيت عنه واقع وهو فراقه مر أل يصيبه .1نيرسلده إليها وجعله من امل بررابشلؤها ومييها ما يسلتعدوويف ما ، نفسها

وال غرو أننا جند ذكر اخلوف يتكرر ضمن صورة اليم، ألن جو هذا اخلطـاب ، اليت القصصي ككل ضمن سورة القصص خييم عليه خوف سيطر على أم موسى

، ومن 2 من سريته أصبح فؤادها فارغا، كما سيساوره ويالزمه هو الحقا يف مواقف عدة ، ضمن سياق شرطي، خالفا لسورة طه أين )فألقيه(هنا اصطنع يف سورة القصص لفظ

ضمن سياق األمر القطعي، ألن املقام مقام امتنان وتعظـيم ) فاقذفيه(ختير األداء يف لفظ هللا تعاىل، وكالمها فعل يتضمن حركة مشحونة بقيمة نفسية مغايرة، وكـأن اإللقـاء

.ر، أما القذف يتناسب مع موقف الثقة واهلدوءيتناسب مع موقف اخلوف والذع آل فرعون ااز، ألنه مل يكن داعي سبيل على ة وارد )ليكون( يف الم التعليل و

، وهناك من عدها الم العاقبـة 3ة والتبين احملب بلإىل االلتقاط أن يكون هلم عدوا وحزنا، وقد ارتبط اليم أيـضا حبـدث .ذلك، ألم مل يريدوا بالتقاطه 4مستبعدا معىن التعليل

.عظيم، سنتبينه لدى حديثنا عن منط الصور اليت يرتد مصدرها إىل عامل اخلوارق : صورة املدينة- 2

اجلغرايف الذي يضطرب فيه الناس، ولئن ارتبط املدينة اسم دال على ذلك احليز ظلت املدينة رمـزا للقـوة قد، ف واالستقباح ذكر القرية يف القرآن الكرمي غالبا بالذم

.398، ص 3 ج الزخمشري، الكشاف، - 1 .70، ص 1996، 1فاضل صاحل السامرائي، ملسات بيانية يف نصوص من التنزيل، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ط - 2 .398 ، ص 3املصدر السابق، ج - 3 .222، ص 6القرآن العظيم، جابن كثري، تفسري : ينظر - 4

- 228-

ا والعزر غلبة إطالق املدينة على يثرب تفخيما لشأة واالستقرار واملنعة، وإال كيف نفسـ زا لإلشعاع الن واختذ منها مرك بعدما هاجر إليها النيب ى وراين، واحلضن الـذي مح

.1دعوة، وهيأ أسباب قيـام حضارة متكاملة وعظيمةلاالقرآين من املدينة صوره لبعدها احلـسي املـوحي اخلطاب القصصي ويسترفد

وقيمتها االجتماعية، وحناول أن نتفحص طبيعة هذه الصورة يف أجواء قصص موسـى ا أشار أتباع فرعوندائما، وأول ما ورد ذكر املدينة يف األعراف بصيغة اجلمع لم

بهة الناس، وإرسال مـن بإرجاء قتل موسى وأخيه لئال يقيما عليهم احلجة فتداخل الش ولعل صيغة اجلمع تدل على عظم شأن املدينة لديهم سيما وأـا . يطلب أمهر السحرة

اقترنت بالسحر وهو أخص مهارام وفنوم، وقد ذكر ابن عاشور عددا مـن مـدائن .2مصر الكثرية

وتأيت هذه الصيغة يف سياق سورة الشعراء مالزمة حلدث حشر السحرة أيضا، ، وبـني )ابعـث (و) أرسل(د األداء يتجانس يف كال السورتني باستثناء الفرق بني ويكا

يـأتوك )111(قالوا أرجه وأخاه وأرسـل فـي المـدائن حاشـرين : ففي األعراف ): سحار(و) ساحر(أخـاه وابعـث فـي المـدائن حاشـرين قـالوا أرجـه و : ويف الشعراء قال ، )112(بكـل سـاحر علـيم

.)37( يأتوك بكل سحار عليم )36(جيوز أن يبعث الرجل إىل اآلخـر البعث واإلرسال أنه الفرق بني ولئن كان

ومـا جيـري رسال ال يكون إال برسالة اإلو... حلاجة ختصه دونك، ودون املبعوث إليه ، ألن األداء يتصل 4الصعب تعليل الفرق هنا، إذ يبدو أما مترادفان ؛ فإنه من 3جمراها

مقومات السرد اإلعجازي يف اخلطاب القصصي القرآين، دراسة حتليليـة منوذجيـة يف سـورة نور الدين دمحاين، - 1

.243ص الكهف، ماجستري، .142، ص 19 الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، ج - 2 .299العسكري، الفروق اللغوية، ص - 3 .137، ص 19ور، التحرير والتنوير، ج الطاهر بن عاش- 4

- 229-

هـم ) املبعـوث إلـيهم (هو فرعون، واملرسل إليهم ) الباعث(فاملرسل : مبوقف واحد وجـاء : (فهم احلاشرون، ولكن أعقب اإلرسال قوله ) املبعوثون(السحرة، أما الرسل

مبنيا للمعلوم، وفيه إيعـاز إىل اـيء اإلرادي، ) جاء(، إذ أتى الفعل )السحرة فرعون .، إذ أسند مجعهم للمجهول)فجمع السحرة لميقات يوم معلوم: (وأعقب البعث قوله

ـ لساحرواار السحوهناك من رأى أن مثة ترادفا بني ال هنـا ألن صـيغة فع ك أتبع هنـا وهنـاك ولذل،ابوالقصار للنسب داللة على الصناعة مثل النج ]الشعراء[

) بكل سـحار علـيم (لعل يف قول املأل و .1 العلم بالسحر ، أي قوي )عليم(بوصف يبا طيت )سحار ( صيغة املبالغة فاستخدموا ؛) عليم إن هذا لساحر (: ة لقول فرعون عارضم .2قلقهل تسكيناقلبه ول

من سورة الشعراء، يف مشهد الحق يتـصل بصيغة اجلمع أيضا ) املدائن(وترد وبين إسرائيل، لتربز أن املدينة متثل مرة أخـرى بإرسال احلاشرين يف تعقب موسى

مصدر قوة فرعون وسطوته وجربوته، فضال عن قوته اليت يستمدها من كيد سـحرته؛ في المدائن حاشرين فأرسل فرعون )52(نكم متبعون وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إ :قال تعاىل

)53( ة قليلـونذملاء لـشرؤه إن )54( ـا لغـائظونلن ـمإنهو )55( ونـاذرح ميـعإنـا لجو )56( مـن مـاهنجرفأخ . )59( كذلك وأورثناها بني إسرائيل )58(مقام كريم وكنوز و)57(جنات وعيون

مـن احليـاة ورغدوقد ارتبطت املدينة إذن باستقرار ضمن مقام كرمي ونعيم ، مل يلبث أن زال من بني يدي فرعون وملئه حني استكربوا 3 آمنة عيشة مترفة و ورفاهية

ومجيع ذلك ملن مقومات املدائن اليت كان يستمد وطغوا ومهوا مبالحقة موسى وأتباعه،

.138، ص 19املصدر نفسه، ج - 1عبد احلميد هنداوي، اإلعجاز الصريف يف القرآن الكرمي، : وينظر. 115، ص 24 الرازي، مفاتيح الغيب، ج - 2

.104، 103، ص 2002/ هـ 1422املكتبة العصرية، بريوت، .145، ص 19، والطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، ج 3.8ر تفسري الشعراوي، املكتبة الشاملة، اإلصدا- 3

- 230-

وهي صورة حسية تعكس سنة من سنن اهللا يف خلقه، وهـي . منها أسباب قوته ومهابته .1خراب العمران واملدن بعد أن يعصف ا الظلم والفساد

وما يؤكد قيمة املدينة وعلو شأا ما قاله فرعون يف سياق اسـتنكاره موقـف قـال فرعـون آمنـتم بـه قبـل أن آذن لكـم إن هـذا لمكـر مكرتمـوه فـي المدينـة :اينالسحرة اإلمي

ـونلمتع فوـا فـسلهـا أههـوا من123(لتخرج( كان يرى يف املدينة حصنا منيعا . األعراف، سورةكربياءه، ففيها يضطرب الناس حتت رمحته، ويتفانون أقامه بظلمه ورسخ فيه استبداده و

يف خدمته، ويقدمون له فروض الوالء والطاعة، وكل ذلك مكسب ال ينبغي التفـريط .2فيه، ويفضح هذا الكالم فزعه وخشيته على ضياع عرشه املهدد وسلطانه املهزوز

حدثا آخر، ميثل منعطفا حامسـا يف وحتتضن املدينة ضمن قصص موسى ذلك ما يشي به املوقف السردي يف سورة القصص، وإن أضرب كعادته عن حياة الفىت، لـدافع عونه فيه ها أو ال يتوق وقت ال يعتاد دخول يف خلسة ودخوله . تعيني املدينة

يشي بأا مدينة آهلة بالناس، متوج باحلركة واحليويـة معظـم 3أضمره التعبري القرآين :اء إىل حالة من التوجس واحلذر اليت الزمت هذا املشهد القصصياألداألوقات، ويلمح

–) فأصبح يف املدينة خائفـا يترقـب (- )ودخل املدينة على حني غفلة من أهلها ( .)ج منها خائفا يترقبفخر( –) المدينة يسعى اء رجل من أقصىجو(

ة املرتبطة بقيم القوة والسلطان، تلونـت صـورة وخالفا لصورة املدينة السالف املدينة ههنا بلون اخلوف والترقب واحلذر، وهي نوازع جبل عليها بنو البشر، فالصورة تنسجم ومقام اخلطاب الكلي الذي يؤطره موقف اخلوف كما أشرنا إليه قبال، سـيما

إن فرعون علا في الأرض وجعل : وأن الضوء مسلط على علو فرعون واضطهاده لبين إسرائيل فسدينالم من كان إنه مهاءيي نستحسيو مهاءنأب حذبي مهطائفة من تضعفسا يعا شيله4(أه( .

. وما بعدها272 ابن خلدون، املقدمة، ص - 1 .1351، ص 3 سيد قطب، يف ظالل القرآن، مج - 2 .104، ص 7أبو حيان، البحر احمليط، ج: وينظر. 6، ص 7 أبو السعود، إرشاد العقل السليم، ج- 3

- 231-

ـ ق الذي يتلر هيئة الق يصو)بيترق(ظ لفومن أسرار مجال األداء أن جعل ت لفويتوق سويتوج ، يف كل حلظة ع الشر . .. ذا اللفـظ والتعبري جيس م هيئة اخلوف والقلق ،

فإذا كـان دينة عادة موطن األمن والطمأنينة فامل؛)يف املدينة (مها بكلميت كما أنه يضخ ،فبـدت املدينـة . 1!، فأعظم اخلوف ما كان يف مأمن ومستقر ب يف املدينة خائفا يترق .امزة موحية بأجواء هذا الذعر اخلانقصورة ر

مصدر عامل اخلوارق: املبحث الثالثما بني بني، يتجاوز منطق اإلدراك البشري املألوف، إذ يـؤطر وسط وهو عامل

فاخلوارق تبقى مشروطة بالناموس الغـييب الـذي . الشهادة/ حوادثه فضاء العامل احلسي صدرها يؤول إىل األفـق الالمـدرك، إال أـا خييم بظالله عليها، فعلى الرغم من أن م

مشاهدة يف الواقع املادي اإلجنازي بشكل ظريف مؤقت، وتتراءى جتليات هذا العـامل يف مجيع املعجزات احلسية اليت أيد ا األنبياء والرسل، واخلـوارق الـيت جـرت لـبعض

سخط اإلهلـي، وسيقتـصر األشخاص أو األقوام إما من قبيل الكرامات وإما من قبيل ال :توصيف هذا العامل على الصور اآلتية

: مبوسى وفرعون صورة انفالق البحر- 1املشاهد يف قصص موسى عليه السالم، ليفجأنا العرض السردي بصورة تتزاحم

باهرة يضع مشهدها حدا لعهد قامت قضى هوى معه عرش فرعون، إيذانا باخلالص اإلهلي وبين إسرائيل، إنه املصري احملتوم للصراع األبدي بني اخلري وسى احملتوم الذي قدر مل

والشر، والذي اقتضى يف سالف العهود أن يتجلى يف أفعال خارقة للمألوف، متجـاوزة والطريق إىل فرقني،انفالق البحر سنن الكون وطبيعة األشياء، مثلما هي احلال مع صورة

.األداء ضمن هذه الصورةفحص مليا مظاهر ولنا أن نت. الذي ضرب بأحدمهااليبس

.2763، ص 5 مج سيد قطب، يف ظالل القرآن،- 1

- 232-

يف سورة البقرة يؤطر صورة االنفالق مقام االمتنان على بين إسرائيل وتذكريهم ه إىل من عاصر منهم النيبوجبنعم اهللا عليهم استمالة هلم، ونلحظ هنا أن اخلطاب م ،

يهم اجلـنس والعـرق واملقصود أسالفهم الغابرين، ذلك أنه عز وجل آثر أن خياطب ف حىت يكون وقع االمتنان أنفذ إىل نفوسهم، وبرهان احلجة أمكن يف عقوهلم، ما 1والنوع

داموا معتزين باالنتماء إىل دين األجداد، وذلك من مظاهر بالغة اإلقناع اليت تشع عـرب العذاب يذبحون أبنـاءكم ويـستحيون وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء : قوله تعاىل

ــيم ــن ربكــم عظ ــاء م ــم بل ــي ذلك ــساءكم وف ــاكم )49(ن نيفأنج ــر حالب ــم ــا بك قنإذ فرو ونظرتن أنتمو نوعا آل فرقنأغر50(و( .

اليت خص ا بين إسـرائيل يف شـكل ومـضات ويسوق األداء مظاهر النعم تصويرية مصدرة بإذ الظرفية اليت أومأنا إليها فيما سبق، واليت مل ختل مالزمتـها هلـذه

فصلنا بني بعضه وبعض حىت صارت مبعىن فلقنا، أو ) فرقنا(و. الصورة من معىن املفاجأة انينها الفيزيائية، لتحل حملهـا عن تعليق سنة كونية هلا قو ، وذلك ينم 2لكمفيه مسالك

سنة إهلية ذات طبيعة إعجازية، وإذا بالبحر يفرق بعد مجع والتحام أمام مرأى اجلميـع، إال أن مثة تفصيالت طواها األداء دوننا، ليشي ا يف موقف سـردي آخـر، حـسب

.مقتضى العربة، إجنـائكم فرقناه بسببكم وبسببحيتمل أن يكون معناه) بكم(ولئن كان لفظ هم كمـا فكأمنا فرق بحينها،ق املاء تفري م البحر، حبيثكهو سلإال أنه قد يصور صورة

ي ومل يكن القصد من هذا احلدث العجيب إال إجناء . 3ط بينهما فرق بني الشيئني مبا توسحركة اإلسراع يف التنجية، بينما يـستخدم ) أجنى(بين إسرائيل، وكثريا ما يصور الفعل

.143، ص 2، و ج117، ص1حممد أبو الفضل إبراهيم، ج. الزركشي، الربهان يف علوم القرآن، تح- 1 .166، ص 1 الزخمشري، الكشاف، ج - 2 .66، ص 3و الرازي، مفاتيح الغيب، ج . 166، ص 1 املصدر نفسه، ج - 3

- 233-

يف ) جنـى (أسـرع مـن ) أجنى(لتصوير التلبث والتمهل فيها، وعليه فإن ) جنى(ل الفع .1التخليص من الشدة والكرب، ويعزز البناء اللغوي ذلك

غرق فرعون ذكر دون ، وأنصاره جندهوهم ،)آل فرعون (وقد ذكر هنا غرق بوصفهم مصدر ذيبهم بين إسرائيل وتع ستضعافاملباشرين ال املنة هو إهالك ألن موضع ويؤكد ختام هذا املشهد البعد احلسي البصري هلذه الصورة املنتزعة مـن .2قوة فرعون

.3، ويف ذلك جماز مرسل، أي وآباؤكم ينظرون)وأنتم تنظرون(عامل اخلوارق بقوله

وسـى أن أسـر ولقد أوحينـا إلـى م : طه سورة منوبشأن هذه الصورة يقول اهللا تعاىل فـأتبعهم فرعـون بجنـوده )77(بعبادي فاضرب لهـم طريقـا فـي البحـر يبـسا لـا تخـاف دركـا ولـا تخـشى

مهـا غـشيم مالـي مـن مه78(فغـشي( ،الشعراء سورةمن ويقول أيضا : ـا إلـى منيحأوو ـى أنوس ونعتبم ادي إنكمر بعب52(أس( اشرينائن حدفي الم نوعل فرسفأر )53( ة قليلـونذملاء لـشرؤه إن )54(

ا لغائظونلن مإنه55(و( ونـاذرح ميـعإنا لجو )56( ـانج مـن مـاهنجرـون فأخيعت و)قـام )57مـوز وكنو فلمـا تـراءى الجمعـان قـال )60( فـأتبعوهم مـشرقني )59( كذلك وأورثناها بني إسرائيل )58(كريم

كونردى إنا لموسم ابح61(أص( ديهـيـي سبر عـيم ن قال كلا إن)62( ـى أن اضـربوسـا إلـى منيحفأو وأنجينا موسـى )64( وأزلفنا ثم الآخرين )63(بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم

عنيمأج هعم نم65(و( رينا الآخقنأغر ثم )66(إ مننيؤم مهأكثر ا كانمة ولآي في ذلك ن)67(. جيسد اخللفية الزمنية لصورة فرق البحر، حيث حييل إىل ) اإلسراء(فعل فنجد أن

السري، ن استكمال ع ثنيهماجتماعهم في حتت جنح الظالم، لئال يشاهد العدو مسري الليل ـ تقارب ا إذا يرى أتباع موسى لكي ال و هم، فرعون عن طلب وإلعاقة ان عـسكر لفريق

.70 ص 2005، 3. ين، دار عمار، عما، ط فاضل صاحل السامرائي، بالغة الكلمة يف التعبري القرآ- 1 .479، ص 1الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، ج - 2 .256، ص 1 اآللوسي، روح املعاين، ج- 3

- 234-

إظهـار ) عبـادي (ويف اإلشارة إىل بين إسرائيل بلفظ .1 فيداخل الروع قلوم فرعونلرمحته تعاىل وعنايته م، وإيعاز إىل أقصى درجات استعباد فرعون هلم، وما استتبع ذلك

.3، ففي وصفهم بعباده إضافة تشريف من لدنه تعاىل2من قبح امتهام ؛يابـسا مبعـىن ) سبالطريق الي (وصورة ااز العقلي ذي العالقة املصدرية يف

ـ وا .اين يقني ال خيالطه ريب ولتشري إىل أن حتقق هذا األمر الرب ،مبالغةوردت لل ضرب لـ تقترب داللته و، يف البحر بالضرب بالعصا حىت ينفلق طريق نا مبعىن جعل وتعيني ه ا مم

اجعلـوا وعينـوا يل : أي. 4) سهما اقسموا واضربوا يل معكم (: فورد يف األثر الشري .نصيبا

بؤرة خـرق املـألوف ) فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا (ويشكل التركيب إمياء حبدة غرابة ) يبسا(على الصفة ) يف البحر (ضمن هذه الصورة، ويف تقدمي شبه اجلملة

والصورة ههنا ختتصم عليها مالمح اخلوف والبشارة، . شدة االنبهار املوقف الداعي إىل ومييزها اإلجياز الرامز، حىت تفاصيل مشهد إغراق فرعون وجنوده يطويها األداء دوننـا

، وهنا )وغشيهم من اليم ما غشيهم : (طيا، وخيتزهلا يف عبارة مل ختل من مسات اإلبالغية . املوقف بكامل أبعاده الروحية والنفسية والفنيةتتمدد بؤرة التخييل لتحتوي

من الغرق، خالفا ملا ذهب إليه ) وال ختشى (وقد أمجع أهل التفسري على تأويل وتقدمي اخلـوف . 5العسكري من أن اخلشية تتعلق بمنزل املكروه ال املكروه يف حد ذاته

ـ انتام، وينم عنه الذي للمسارعة إىل إزاحة اخلوف العظيم أتى على اخلشية وهلم يف ق ويتراءى لنا أن اخلشية تتصل باملكروه اهول .)إنا ملدركون ( :موضع آخر من الشعراء

.80، ص 22 الرازي، مفاتيح الغيب، ج - 1 .31، ص 6 أبو السعود، إرشاد العقل السليم، ج- 2 .244، ص 6 أبو حيان، البحر احمليط، ج - 3 2115: البخاري، رقم احلديثصحيح - 4 .270 العسكري، الفروق اللغوية، ص - 5

- 235-

.، أما اخلوف فللمكـروه احملـدد )ختشى(غري احملدد، وقد ناسب ذلك حذف مفعول به الذي يراد وحذف مفعوله إلفادة العموم ،ة اخلوف شدهي اخلشيةهناك من رأى أن و

.1 وال من الغرقخشى من العدومما ي ، أي ال ختشى شيئااخلصوص، أما الطـود 2)فالق اإلصباح: (والفلق هو الشق على أمر كبري، ومنه قوله تعاىل

وجاء تشبيه كل فرق بالطود مصيبا علـى عـادة .فهو اجلبل العظيم املنطاد يف السماء املشهد وعنفوانه مبا ال يدع جماال للشك ، ليصور قمة هول 3شعراء العرب يف تشبيهام

. البحر بعصاهمن أنه فعل خارق للمألوف حدث مبجرد أن ضرب موسى بوا رذكر من ق قد أضرب عن ، و قوم فرعون بنا قر ) ثم اآلخرين نافلزوأ(ومعىن

حىت ال بعضهم من بعض ب، أو قر م حيث انفلق البحر قرأنه تعاىل قصود امل فلعل، منه ومثل هذا األداء لينم عن قدرة عجيبة يف ختييل الصورة .4م من البحر ، أو قر ينجو أحد

.، دون أن تتعارض تلك االحتماالت فيما بينهابذهن املتلقي حسب أفق انتظارهبيد أن األداء ينحو إىل إضمار تفاصيل هذه احلادثة وطي صورا اليت ترتـد إىل

يكن يف استحضارها حكمة أو مغزى تبليغي معين، حنو ما نقع عليه عامل اخلوارق ما مل ، فتنحسر يف كل منها مالمح الصورة يف مواضع عديدة من اخلطاب القصصي القرآين

وتنكمش أبعادها وتتوارى ألواا وظالهلا أمام موقف العربة والعظة الذي يلـح عليـه .الغرض الديين أكثر من غريه

: سبأ صورة عرش ملكة- 2

.156، ص 16الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، ج - 1 .170 العسكري، الفروق اللغوية، ص - 2 .547، ص 2 املربد، الكامل يف اللغة واألدب، ج- 3 .20، ص 7ج، وأبو حيان، البحر احمليط، 322، ص 3 الزخمشري، الكشاف، ج- 4 - وسورة القصص )92 و91 و90اآليات (، وسورة يونس )136و135اآليتان (سورة األعراف : ينظر ،

.)56 و55اآليتان (، وسورة الزخرف )45اآلية (، وسورة غافر )40اآلية (

- 236-

النمل جو من احلبور والدهشة مبـا سورةمن قصص سليمان خييم على يزخر به من مشاهد عجيبة خارقة للمعتاد تعكس عظمة قدرة اهللا تعاىل الذي مكن هذا النيب الكرمي من قدرات التواصل مع الطري واجلن والريح، فضال عن تسخريها له تـأمتر

دث العظيم الذي حصل له مع ملكة سـبأ بعـد أن بأمره وتنتهي بنهيه، ناهيك عن احل أطلعه اهلدهد بأمرها وقومها وما كان من إحضار عرشها إىل مملكته وتـنكري هيئتـه يف

.مشهد يعد من املعجزات واخلوارق، وذهوهلا البالغ ملا رأت الصرح املمرد من قواريرته من سبأ جوهر إثر عود ويعد النبأ اليقني الذي ساقه اهلدهد إىل سليمان

فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من : سورة النمل هذه الصورة، إذ جاء يف ــني ــإ يق بإ بنــب 22(س( ــيم ــرش عظ ــا ع لهء وــيــل ش ــن ك ــرأة تملكهــم وأوتيــت م ام تــد ج23( إنــي و( . ذا اخـرب ، ألنه يفيد البديع القرآينالنظم ن صنائع مل) ربخ(بدال من ) نبأ(لفظ واستخدام

من جتليـات فذكره يف هذا املوضع، 1غلبة ظن و حيصل به علم أ وفائدة عظيمة شأن ومثل هذه الصور ملما يبعث على العجب الذي يقتضي إنكار . األداء حسنو براعة النظم

.2ة اعتيادهما يرد علينا لقلإن موئل الصورة هنا هو عامل اخلوارق اليت ليست من قبيل ما يأتيه السحرة من حيل خيدعون ا املخيلة والبصر، بل من دالئل القدرة اإلهلية اليت حتقق املعجزات احلسية

يف إحضار عرشها مـن عث رغبة سليمان ولعل با . بشكل إجنازي فعلي موضوعي ت املقدس يف زمن بسري يكمن يف إطالعها وقومها على عجائب القدرة بالد اليمن إىل بي

وميكن أن يضاف إىل . 3 له من قوى خارقة اهللا وسخرهوعظمتها، وعلى ما وهبه اإلهليةها أم تنكره عرشتعرف أيف اختبار عقلها رغبته : أخرى منها بواعث وأعراض ذلك

.622، ص 2، جاملفردات يف غريب القرآنالراغب األصفهاين، - 1 .51، ص 9 ابن منظور، لسان العرب، ج- 2، وينظـر 73، 72 ص ،1997، 1.، دار ضة مصر، القـاهرة، ط 2 سيد طنطاوي، القصة يف القرآن الكرمي، ج - 3

.371، ص3الزخمشري، الكشاف، ج

- 237-

لـه ا إذا أسلمت مل حيل ألبل إسالمها، أراد أن يأخذه ق أنها منه، و بعد أن يغير شكله .1 قبل وصوهلا إليه وامتدادها مملكتهامقدارأراد أن يعرف ه أن: منها وذلك،

ي جملس موس... فقسشيء محييل العرش وهو حمور هذه الصورة يف األصل إىل ومل يلتفـت .2 والسلطان واململكة ي به عن العز ن وك ...هوالسلطان عرشا اعتبارا بعل

الطربي إىل املنحى احلسي الذي ردده كثري من املفسرين بشأن وصف عرش ملكة سبأ، حيث استرسلوا يف ذكر أوصاف عدة تتعلق بكرب حجمه وطبيعة املادة اليت صنع منـها، مما يعزى كفل منه إىل رافد اإلسرائيليات اليت لطاملا توسلوا ا إلشباع فضوهلم املعـريف،

ر تلك العظمة تقديرا معنويا حيث قال بل قد العظيم يف : وعين بالعظيم يف هذا املوضع .3قدره، وعظم خطره، ال عظمه يف الكرب والسعة

يف ) القـول (وإذا كان األداء يف بعض املشاهد القصصية يعمد إىل حذف لفظ أن يوضع يف سياق إيراد احملاورات واملخاطبات، وإن جتلى هذا احلذف يف مراتب أدناها

، فيـتم 4)نادى وشهد وسأل ودعا وأن املفـسرة (السياق لفظ يؤدي معىن القول حنو فإن ) قول(تكثيف احملاورات حبيث تضم املقوالت إىل بعضها دون أن يفصل بينها بلفظ

مع إمكـان حذفـه واتـصال ) القول(الالفت للنظر ههنا أن األداء توخى تكرار لفظ فـضل ربـي فلمـا رآه مـستقرا عنـده قـال هـذا مـن :... لى لسان سليمان الكالم، إذ جاء ع

كـريم ي غنيبر فإن كفر نمفسه ولن كرشا يفإنم كرش نمو أكفر أم كرني أأشلوب40(لي( هشرا عوا لهقال نكر ونتدهلا ي الذين من تكون تدي أمأته ظر41(ا نن( .

.169، ص 24 الرازي، مفاتيح الغيب، ج- 1 .428، 427، ص 2، جاملفردات يف غريب القرآن الراغب األصفهاين، - 2 .447، ص 19يل القرآن، ج الطربي، جامع البيان يف تأو - 3 .303، ص 1991/ هـ 1412، .دار الصابوين، ط كاظم الظواهري، بدائع اإلضمار القصصي يف القرآن الكرمي، - 4

- 238-

بفضل اهللا وشكره إياه علـى إذ فصل التعبري القرآين بني تذكري سليمان ويبدو أن مثـة . ، مع إمكان حذفه )القول(واسع فضله، وبني أمره بتنكري عرشها، بلفظ

قي حتت وطأة الذهول برهة من الزمن ملـا قد فوجئ وب سرا وراء ذلك مفاده أنه رأى العرش مائال بني يديه، وذاك من أر تعاجيب القدرة اإلهلية اليت اقتضته إدامة النظر يف فضل اهللا تعاىل وأدائه حق الشكر له، واستلزم ذلك أن يظل صامتا زمنا، مث عـاد إىل

يطرد هذا الصنيع ضـمن هـذا و. 1تدبري استقبال هذه امللكة مستأنفا كالمه إىل جنوده : اخلطاب القصصي حينما يذكر استشارة مكلة سبأ مللئها بشأن عرض سـليمان

كريم كتاب إلي لأ إني ألقيا المها أيي قالت حيمن الـرمحم الله الـربس إنهو انمليس من إنه ألـا ، قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعـة أمـرا حتـى تـشهدون ا علي وأتوني مسلمني تعلو

.32 - 29: النملتسفر هذه الصورة عن وعي حضاري فيما يتصل بتقاليد حسن التصرف مـع و

بعـد دفـع ي عن قوم سبأ اهلدهد بالتول انأمر سليم امللوك، ويتجلى ذلك حينما ـ : امللوك، واملراد حنو رسل ال من آداب ذلكلكون عنهم، يه تنح ومعناه ،الكتاب ي التنح

فانظر ( :وما يعضد ذلك قوله مبا مسع، بعد عودتههحىت خيرب إىل مكان يسمع فيه حديثهم .2 بينهم من كالمما فير فيما يتراجعونهل وتفك أي تأم؛)ماذا يرجعون

ويعد هذا النبأ القصصي من أكثر القصص إبرازا للسمات الشخصية وأدخلـها والصورة ضـمنه تطفـح . 3يف الفن اخلالص، مع خضوعها التام ملقتضى الغرض الديين

:مبظاهر الغرابة اليت يفرضها عامل اخلوارق، وميكن إيرادها يف اآليت .هد الذي كلمه وأخربه مبا شاهد إثر عودتهغياب اهلدو تفقد سليمان الطري -1

. وما بعدها334املرجع نفسه، ص - 1 .1079 الشوكاين، فتح القدير، ص - 2 .209.00 سيد قطب، التصوير الفين يف القرآن، ص - 3

- 239-

. عرشها فبل جميئها إليهطلبه من أعوانه إحضارو إىل ملكة سبأ، إرساله بكتاب-2 .قبل أن يقوم من مقامهالعرش إبداء عفريت من اجلن استعداده إلحضاره -3 .إبداء الذي عنده علم من الكتاب استعداده إلحضاره قبل أن يرتد طرفه إليه –4 . امللكةاختبارا لعقلله بتغيري شكله هتنكريبني يدي سليمان وإحضار العرش -5 . ظنا منها أنه جلة ماء عن ساقيها انبهارا برؤية الصرح املمرد من قواريركشفها -6

فكل هذه املظاهر املشهدية اجلزئية تشكل مالمح الصورة الكلية ضمن هذا النبأ على هذا النحو الفين من شأنه تفعيل عناصـر املفاجـأة القصصي، وتضافرها وترتيبها

والغرابة والتشويق املتصلة اليت تتسرب منها نفحات اإلميان والتأثري الروحي، فال يكـاد األداء يعرض علينا ملمحا جزئيا عجيبا خارقا للمألوف حىت يفجأنا مبا هو أعجب منـه

بور مقدار تـأثر املتلقـي واقتناعـه وأبعد غرابة، ليتعاظم مع تفاقم حالة الذهول واحل .باملقررات اإلميانية اليت سيقت املشاهد السردية ألجلها

رجوع حتديق العني من جهة منظورة حتول عنـها ارتداد الطرف مجاع معىن ووعرب عنه باالرتداد ألم يعربون عن النظر بإرسال الطرف وإرسال النظر فكـان . حلظة

ملثل هذا التصور البياين ما يعضده، ذلك أن هناك و .1على ذلك االرتداد استعارة مبنية به دقصباب جماز التمثيل، من ارتداد الطرف هنا من عد ة اإلتيـان بـه، استقصار مد

به السرعة، أي آتيك به يف مدة تعينافعل كذا يف حلظة، ويف طرفة عني، : غريك ل لككقو2ة العفريتأسرع من مد.

لغرابة ضمن هذه الصورة اليت ينحدر مـصدرها مـن عـامل والءمت خاصية ا ، بل حـىت املقـصود ـذا )الذي عنده علم من الكتاب (اخلوارق اإلضراب عن تعيني

الكتاب، مما فتح الباب على مصراعيه أمام ختمينات أهل التأويل الذين غالبا مـا كـانوا

.264، ص 19ر، التحرير والتنوير، ج الطاهر بن عاشو- 1 .73، ص 7 أبو حيان، البحر احمليط، ج- 2

- 240-

منهج السرد اإلعجـازي إنه التوجيه الفين ضمن . يستأنسون مبا أفضت به اإلسرائيليات . الذي ال يلتفت إال للجزئيات والتفصيالت اليت تالمس موضع العربة والعظة

وكذا سياق األمر ) أهكذا عرشك قيل( يف سياق االستفهام ) القول( ين فعال وب ،) حرلي الصخألنه ال حيصل بذكره القائل قتضي احلال تعيني إذ ال ي ، للمجهول )قيل اد ،

ولعل علة ذلك هي التركيز فقط . سليمان بأنه يشي الظاهرإن كان و ينة،فائدة مع على موطن العربة من هذه الصورة اجلزئية، املتعين يف إطالع امللكة بعجائـب القـدرة

وقيـل يـا أرض ابلعـي : ونلحظ نظري ذلك مما اقتضى بناؤه للمجهول يف قوله تعـاىل . اإلهلية ا سيك واءم م الظـالمنيا للقودعقيل بو وديلى الجع تتواسو رالأم قضيو اءالم غيضأقلعي و اءم ، هـود :

إذ مت التركيز على فحوى النداء احملقق لألفعال اإلهلية الدالة على إجناء نوح وأتباعه، . 44 .أيضا) غيض وقضي(ك ينسحب على الفعلني وإهالك املكذبني، دون القائل، وذل

تقنية الذين توصلوا إىل نيالعرباني هد ع إبانوتشي هذه الصورة مبلمح حضاري .املذكور ههنـا منه بالطا يف ساحة صرحه سليمان فقد اختذ ،صنع الزجاج واستخدامه

حـضارته ملا أراها سليمان عظمـة : وقد أشار الطاهر بن عاشور إىل هذا امللمح قائال والـصرح . 1انتقل ا حيث تشاهد أثرا بديعا من آثار الصناعة احلكيمة وهو الصرح

، فكان انبهارها شديدا بتلك التقنية الـيت خـدعت ايطلق على صحن الدار وعرصته بصرها وظنت أا تطأ جلة ماء رغم ما شهده اليمن قدميا موطن مملكتها مـن مظـاهر

.العمران الزاهر

.190، ص 18ج : ، وينظر أيضا268، ص 19 الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، ج - 1

- 241-

لطاملا حتدث البالغيون قدميا عن جتليات تصويرية شىت من حيث الشكل والبناء، ترتد غالبا إىل مظهرين رئيسني مها الصورة البسيطة والصورة املركبة، ال سيما حينمـا

قاد الشعر حـديثا توقفوا لدى املظاهر البالغية للصورة حنو التشبيه واالستعارة، بيد أن نفقد صنف كثري منهم حنو عـز الـدين إمساعيـل عدة للصورة، اراحوا يشققون أمناط

أمناط الصور يف ضـوء - مستنيمني إىل الغرب –ويوسف الصائغ وعبد القادر الرباعي عالقاا ببعض إىل الصورة املفردة أو البسيطة، والصورة املركبـة، والـصورة الكليـة،

وهناك من استقرى من خالل شـعر الرثـاء .1التوقيعةما يدعى لصورة أو والقصيدة ا الصورة الرمزية والصورة النامية والـصورة املمتـدة اجلاهلي أمناطا أخرى للصورة حنو .2والصورة املتتابعة والصورة املتقابلة

تتخذ الصورة يف اخلطاب القصصي القرآين من حيث البنية أشـكاال متنوعـة و أيضا، ال تتحدد بشكل اعتباطي أو فين أديب حمض، وإمنا حبسب مـا يقتـضيه ومتعددة

ين اجلمايل، وهذا عني ما يف تواشجه مع املعطى الف املوقف الديين العام أو السياق اخلاص . 3 التصوير الفين يف القرآن نظريةمضى سيد قطب يف بيانه واستنتاجه حينما أرسى معامل

:نومئ إىل تلك األمناط الشكلية مع ما تيسر من التحليلومن هنا يتعين علينا أن

.134الصورة الشعرية يف النقد العريب احلديث، ص بشرى موسى صاحل، - 1 . وما بعدها172لرثاء اجلاهلي، رسالة دكتوراه، ص الصورة يف شعر ا صلوح بنت مصلح السرحيي، - 2 .171 ص سيد قطب، التصوير الفين يف القرآن،- 3

- 242-

)القاعدية(رة املفردة الصو: املبحث األولقد يتوسل الشعراء يف تصوير موضوعام يف كثري من األحيان بالصور املفـردة

ويف النقد احلـديث . على هامش السياق مما متحضت له النظرة البالغية القدمية البسيطة التقليدي ميز نعيم اليايف لدى إملامه خبصائص الصورة ما بـني الـصورة املفـردة للشعر

والصورة يف النسق، وما يهمنا هنا النمط املفرد الذي يتسم بسمتني إحـدامها شـكلية، احلسية واجلمالية والعرضية، والثانية وصفية، وتتوزع هـي : وتندرج حتتها ثالثة مالمح

.1التقريرية واملباشرة والتعميم: األخرى يف ثالثة مالمحالصورة املفردة اليت تطلق عليها بشرى صاحل الصورة البسيطة تضطلع بتـصوير

ليست منعزلة انعزاال تامـا عـن ]افإ[مستقلة فنيا ومعنويا جزئي حمدد، ولئن بدت إن ، بل 2القصيدة وغري منقطعة مع غريها من الصور فهي ترتبط ا ارتباط اجلزء بالكل

.انعزاهلا عن السياق اإلمجايل أو ارتباطها بسمة جتريدية يفقدها الكثري من الربيق والتوهج، الصورة الراكدة األول أطلق على :إىل نوعني النمط هذا الرباعي وقد صنف

، 3 يف السطح البقاء وليس بوسعها النفس واخليال ليت ال تزال غري متمكنة يف أغوار وهي ا الـصورة الثاين أطلق على النوع بينما دة تتشكل خارج االنفعال، هام ا صورة ذلك أالصور اليت ال تكتفي حبدود عامة، وإمنا تنمو يف أوضاع خاصة، ومن « ا ويريد النامية

حنبـذ أن نطلـق عليهـا و .4»مسة هذه األوضاع اخلاصة أن خترجها ثرية نابضة باحلياة عا ملا يلتبس من اقتصارها على اللفـظ املفـرد، إذ الصورة القاعدية عوضا عن املفردة دف

.ميكن أن تتحدد يف تركيب لغوي جمزء منعزل

. وما بعدها22 احلديث، ص الشعر العريبنعيم اليايف، تطور الصورة الفنية يف - 1 .134الصورة الشعرية يف النقد العريب احلديث، ص بشرى موسى صاحل، - 2 .177 ، صالصورة الفنية يف شعر أيب متام ي،عبد القادر الرباع - 3 .179، ص املرجع نفسه، - 4

- 243-

بيد أن اخلطاب القرآين بعامة واجلانب القصصي منه خباصة قد حفل ذا النمط وتكمن قيمتها اجلماليـة يف . من الصور، واستدعاه ضمن األمناط الفنية األخرى للصورة

يف مداعبة الذوق الفين للمتلقي، واستثارته بني الفينة واألخرى لينخرط اخلطاب القرآين . يف أجواء الغرض التبليغي الذي سيقت له بعض الوقائع املستقاة من القـصص القـرآين

:ونرتئي حتسس بعض من هذه الصور

دون يريـ : التوبة سورة من األداء يف سياق تشنيع ادعاءات اليهود والنصارى يصور –) أ ونالكـافر كره لوو هنور تمي إلا أن ى اللهأبيو اههمالله بأفو طفئوا نوري 32(أن( . ويقتضي السياق

ريـدون ليطفئـوا نـور اللـه بـأفواههم ي: نفسه نسقا تصويريا جمانسا لألول من سورة الصف اللهو ونالكـافر كره لونوره و تم8( م( ،عهم وو مكرهم،فضح فقر ـ ل حـاهلم يف مث

يريد أن ينفخ يف نور عظيم منبـث بالتكذيب، حبال من طلبهم أن يبطلوا نبوة حممد ليطفئـه ،يف اآلفاق، يريد اهللا أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى يف اإلشراق أو اإلضـاءة

فصورت االستعارة املكنية املرشحة معىن سعيهم إلنكـار الـوحي .1يطمسهبنفخة و .2 تناسي التشبيهقائم على مبناه ألن أحسن تصوير، ال سيما أن الترشيح أبلغ من غريه

جيد هذا التوجيه البياين ما يعضده يف تفسري اآللوسي حينما ذهب إىل أن املراد و بـأن ن يكون يف الكالم استعارة أ، وإما ة عنها صادرالبأقاويلهم الباطلة إما ):بأفواههم(

إلنكار سعيهم يف همهيشب ة املصطفى نبو ـ يف شرقمبن يريد أن ينفخ يف نور عظيم مويـأىب اهللا : (، وتصري االستعارة هنا مرشحة بذكر مالئم املشبه به وهو قوله تعاىل اآلفاق

إال أن يتم از املرسـل ذي العالقـة والتخريج األول جيعل الصور .3)ه نورة من قبيل ا .اآللية

.253، ص 2 الزخمشري، الكشاف، ج- 1 .308اإليضاح، ص اخلطيب القزويين، - 2 .85، ص 10 اآللوسي، روح املعاين، ج- 3

- 244-

إخفاء على الدؤوب اليهود والنصارى حرصر هذه الصورة القاعدية إذن تصو ، ، ومصدرها اإلهلـي ة دينهوقوونبوته النيب ة على صحة شرع الدال والرباهني الدالئل

إال .ة أنفـسهم ويشي مثل هذا األداء بأم يعون متام الوعي صدق تلك الدالئل يف قرار أن نزعة الكرب واحلسد اليت جبلوا عليها دفعتهم إىل هذا املوقف املعاند، وهـو تـصوير جزئي حسي صادق اقتضاه سياق السرد اإلعجازي، ليضيء لنا بأداء فين زاويـة مـن

.دخائلهم املمتلئة مكرا وحقدا على الرسول

ين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمـار مثل الذ : قال اهللا تعاىل يف سورة اجلمعة -) ب الظالمني مدي القوهلا ي اللهات الله ووا بآيكذب م الذينثل القوم ا بئسفارمل أسح5(ي( .

ة القصـصية املقتـضبة الـيت التعبري الفين القرآين التشبيه يف هذه اإلضاء توخى الصيغ التشبيهية هي إحدى وسائل التصوير اجلمايل والتعبري تكتسي طابعا مثليا، ذلك أن

البالغي يف اللغة العربية، والغرض منها تقريب صفة الشيء املشبه، من شكل وقول وفعل، إىل ـ وأبلـغ ساسا إدراك املتلقي وحسه وخياله بشكل أكثر وضوحا وأعظم تأثريا وأوضـح إح

فوجه الشبه هنا هو عدم انتفاع كل من اليهود الذين أوتوا التوراة واحلمار . 1...تصويرا .الذي حيمل كتبا مبحتوى ما حيمالن

وأنزل علـيهم فضله تاهم آ صور التعبري الفين حال بين إسرائيل الذين سبق أن ـ تدبر وانتفاعون دهامحلد جرقد قنعوا من العلم مبو ا وا فلم ينتفع ،التوراة ون ال وهم خي

ضرب ف، دوم من ازدراء و تبجحلإىل ا أدعى جيل إىل جيل من احملرفة التوراة توارثأن وال خيفى تالؤم .هلؤالء مثل حبال محار حيمل أسفارا ال حظ له منها إال احلمل دون علم

.بني أيديهم ال أسفار يني آتى فضله قوما أماهللا تعاىل أنه بيان الصورة مع سياق تشبيه على جهة بين إسرائيل والتهكم م التمثيل تشنيع حال املغزى من هذا وز أن اقتضى هذا التـشبيه القرآين املعج من لطائف البيان و. حملسوس املتعارف املعقول با

.134 ص عيد سعد يونس، التصوير اجلمايل يف القرآن الكرمي، - 1

- 245-

كان متثيل حاهلم حبـال فيكال األمر، إل مارمل على ظهر احل محل احل استعارة، إذ استعري .1ل أسفارا متثيال للمعىن اازي باملعىن احلقيقياحلمار حيم

صورة زرية بائسة، ومثل سيئ شائن، ولكنها إن هذه الصورة القاعدية املفردة رة عن حقيقة صادقة صورة معب2 ال متتهن كرامة اإلنسان اإلسرائيلي الذي خلقـه اهللا ،

بل متتـهن فيـه الـسلوك كسائر البشر يف أحسن تقومي، وال حتط من قدره قيد أمنلة، املنحرف، الذي رغب عن االنتفاع باهلدي الرباين، لذلك أضرب األداء عن تـسميتهم

.وتعيني جنسهم، وال خيفى ما يف ذلك من لطف أدب يف تقريعهم وتفظيع حاهلم

نـا إ)18(كـذبت عـاد فكيـف كـان عـذابي ونـذر :قال اهللا تعاىل يف سورة القمـر -) ج )20( تنزع الناس كـأنهم أعجـاز نخـل منقعـر )19(أرسلنا عليهم رحيا صرصرا في يوم نحس مستمر

وأمـا عـاد فـأهلكوا : احلاقـة يف سورةعز وجل قال و . )21(فكيف كان عذابي ونذر رة بريح صاتير ع6(ص( مى كـأنهعـرـا صفيه مى القـوا فتـرومـسام حة أيانيثمال ولي عبس همليا عهخرس

. )8 ( فهل ترى لهم من باقية)7(أعجاز نخل خاوية

صورة قاعدية مفـردة يلتقط التعبري القرآين ضمن هذين املقطعني القصصيني إذ يصف لنا عنفوان وهول مشهد العقاب الذي حـاق عن مصري قوم عاد املكذبني،

بقوم عاد وفاقا للسنن اإلهلي يف اجلزاء الدنيوي للمكذبني، ويستدعي لنا صورة طرفاهـا ون آخذين أيـديهم كانوا يصطف حبيث ،ها أماكن حسي القتالع أجسادهم ونزعها عن

هم ون فيها فتنزعهم وتكـب ، وحيفرون احلفر فيندس لون يف الشعاب يتدخو. بأيدي بعض م وتدقنقعر ( رقال مخن ازجأع مهم كانوا يتساقطون على ،)كأناألرض أمواتا يعين أ

.213، ص 28تحرير والتنوير، ج الطاهر بن عاشور، ال- 1 .3567، ص 6 سيد قطب، يف ظالل القرآن، ج- 2

- 246-

م أعجاز خنل وهي أصوهلا ث طوال عظام ثوهم جعبال فرو ، كأ1 ، ه هيئتـهمفـشب .2وقعر الشجرة إذا مت قلعها من أصلها .قلع عن مغارسهنبأعجاز النخل امل

خنـل (ومما يستأثر باالنتباه ضمن هذه الصورة أن ذكر النخل يف آيـة القمـر ، ألن النخل اسم حيتمل اجلنسني معا؛ فيـذكر )خنل خاوية (، وأنث يف آية احلاقة )منقعر

، والعـرب 3 جاء مراعاة للفاصلة باعتبار اللفظ، ويؤنث باعتبار املعىن، وتنويع الصيغتني تتوخى التأنيث يف سياق الكثرة، والتذكري يف سياق القلة، وكذلك بدا وصف النخل يف

ففي : آية احلاقة أكثر منه يف آية القمر، حسبما تشي به بعض قرائن السياق يف كل منهما ، إال أن ذلك نية أيام بثما، وقدر مدة اإلهالك )عاتية(زاد يف وصف الريح بقوله " احلاقة"

، واقتضت زيادة وصف عتو الـريح وتقـدير )يوم حنس (كان يوما واحدا " القمر"يف ، )فهل ترى هلم من باقيـة (: ، ذكر أا استأصلتهم كلهم، لذلك قال "احلاقة"أمدها يف

.وكل ذلك يشري إىل أن تأنيث النخلة دال على كثرا. 4ومل يذكر ذلك يف القمر. عناه البـاردة مأخوذ إما من الصر وم وصف هلذه الريح العظيمة، » صرالصر«و

كبكـب : حنو الفعل تكريرالصاد والراء، و ريفحب إما من الريح إذا هبت دفعا وصوتت و وك وكفكف من كب ذا املفهوم ويف منتـهى الرباعـة . 5ف دة مجعتفالصورة املفر

حتيل إىل منط الصور الـسمعية مـن ) صرصر(البيانية بني منطني، إذ أن اللفظة الواحدة . ناحية، ومنط الصور احلرارية من ناحية أخرى، مما سنعود إليه الحقا

لتضيف ملمحا آخر هلذه الصورة يتصل بعظمة تلك ) عاتية(وجتيء لفظة أخرى ر فاستعري للشيء املتجاوز احلد شدة التكب : والعيت وأصل العتو الريح الشديدة العصف،

.436، ص 4 الزخمشري، الكشاف، ج- 1 .797، ص 2 اجلوهري، الصحاح، ج- 2 .87، ص 27واآللوسي، روح املعاين، ج. 178، ص 8 أبو حيان األندلسي، البحر احمليط، ج- 3 .95، 94 التعبري القرآين، ص فاضل صاحل السامرائي، بالغة الكلمة يف- 4 .197، ص 5 ابن عطية، احملرر الوجيز، ج- 5

- 247-

فقد جاوزت تلك . 1ر الشديد يف عدم الطاعة واجلري على املعتاد عتاد تشبيها بالتكب امل .الريح يف حركة عصفها طبيعة هبوا املألوفة، لتخرق ناموسا كونيا

قيل حامسا أثـرهم، ... إزالة أثر كل شيء من احلسم وهو )حسوما(ولفظة عىن املراد هو التتابع واالسـتمرار؛ ، ولعل امل 2وقيل حامسا خربهم وقيل قاطعا لعمرهم

وقد مـال إىل هـذا املعـىن . 3شيء غريها أثناء تلك املدة كاملة تباعا مل يتخللها : أيت ساعة حىت أتت عليهم متثيال لتتابعها تفخ ما ؛متتابعة هبوب الرياح : الزخمشري بقوله

كما أنـه .4 بعد أخرى حىت ينحسم ة، مر على الداء احلاسم يف إعادة الكي بتتابع فعل .قا يف هذه املدةأن ذلك العذاب كان متفريف ظنال كي يزيل)حسوما(تعاىل قال

يف آية احلاقة الدالة على اجلمع من ) حسوما(وصرفيا ال خيفى ما متتلئ به صيغة إلهالك التام، معىن املبالغة وشدة التتابع، وحىت وقعها الصويت يشي مبعىن إنفاذ العقوبة با

فإيثار هذا اللفظ من متام بالغة القرآن وإعجازه5 . ه يشترك معومن عجب أن جند أنالواردة يف آية فصلت يف صويت احلاء والسني، ) حنسات(الواردة يف أية القمر و ) نحس(

. وكالمها مهموس رخو، علما أن كال من هذه الكلمات جاءت وصفا لتلك االياميف آية القمر مبعىن اجلمـع ) مستمر(اء املعجز اقتضت أن تشي صفة وبراعة األد أيام (و يف آية احلاقة) سبع ليال ومثانية أيام(، خالفا جلمعه )يوم حنس (رغم صيغة اإلفراد

يف آية فصلت، فكأن استمرار شؤم ذلك اليوم واتصاله اتصاال زمنيا يلغي سننية ) حنسات .واحدا، فيزول ما يوهم بتعارض التعبريين وتناقضهماالتعاقب لتغدو تلك األيام يوما

.352، ص 29 الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، ج- 1 .155 األصفهاين، املفردات يف غريب القرآن، ص- 2 .332، ص 4 الثعاليب، اجلواهر احلسان يف تفسري القرآن، ج- 3 .603، ص 4 الكشاف، ج- 4 .352، ص 29ير والتنوير، ج التحر- 5

- 248-

ملركبةالصورة ا: املبحث الثاين والواقع أن القدامى سبقوا إىل اإلشارة إىل هذا النمط املعقد من الصورة، كمـا

الصورة يف النسق، أو يف إطار الكل العـام وهي ما أطلق عليه نعيم اليايف . بيناه سابقا ا كاملة، ومتلك داللتها كاملة، وحتمل قيمها والصور أيا كا ال ميكن هلا أن حتيا حياان لو

، ومن مساا كما 1كاملة إال إذا وضعت حيث أراد هلا مبدعوها يف نطاق النص أو النسق .2استقرأها اليايف يف الشعر التقليدي التفكك والتراكم والتناقض

ة املكتظة على الـصورة املركبـة، الصوروقد أطلق عز الدين إمساعيل مصطلح وهي حينما يكون الشاعر بصدد رسم صورة ما، مث تستوقفه فجأة إحـدى جزئيـات صورة أخرى يلتفت إليها قد تستغرق منه أكثر مما كانت الصورة األوىل تستغرقه، لتغدو

د من الصورة مركبة ومتداخلة، ويرى أن هذا التصوير نظري الصورة السريالية، حيث تتول ذلـك إال يف وضـع االسـتغراق الصورة األولية صورة مث صورة وهكذا، وال يكون

.3الالشعورين من نوعاأيب متام يف شعر معرض حتليله للصورة الفنية لرباعي يف ل وقد متحض

تؤلف منظرا عاما مشكال من جمموعـة مـن «املوسعة اليت الصورة بة، مها الصورة املرك املكثفة الصورةو، 4»مهما اتسع ترابطة ضمن إطار خيايل حمدد اجلوانب الصور الثانوية امل

. 5»تشكل يف اخليال منظرا صوريا ممتدا توحي به جمموعة قليلة من الصور املتداخلة «اليت .فاالتساع والتكثيف بعدان متالزمان ضمن املظهر التركييب للصورة الفنية

-من هذه الرسالة وما بعدها147 ينظر ص .

.30 احلديث، ص الشعر العريبتطور الصورة الفنية يف - 1 .31املرجع نفسه، ص - 2 .94التفسري النفسي لألدب، ص - 3 .182 ، صالصورة الفنية يف شعر أيب متام عبد القادر الرباعي، - 4 .182، ص املرجع نفسه - 5

- 249-

اجلزئية املتآلفة الـيت تنـتظم ضـمن تلك املالمح الفنية ونريد بسمة التركيب الصورة الكلية املترامية يف اخلطاب القصصي القرآين، فتقدم كل منها إضـاءة وعنـصرا

فسيفسائيا إن جاز التعبري، يتناغم مع سائر العناصر األخـرى ضـمن اللوحـة يف ورد فيهـا مشوليتها، ويقتضي حتسس الصورة املركبة تتبع شىت السياقات القرآنية الـيت

املشهد القصصي الواحد، ومناذج هذا اللون التصويري كثرية، جندها مثال يف قصص آدم .ونوح وإبراهيم وموسى

الـيت اسـتقرأنا بهوميكن أن نعد صورة عرش ملكة سبأ وصنيع سليمان الصورة املركبة يف ضمن النمط الذي يعزى مصدره إىل عامل اخلوارق؛ من مناذج مالحمها

اب القصصي القرآين، ملا حتويه من جزئيات تصويرية فرعية ختدم إطار الصورة األم، اخلطوعطفا على ما ذكرناه هناك حينما ركزنا على مسات مصدر عامل اخلوارق، ال بـأس أن نضيء هنا جزئيات أخرى من سرية سليمان الكرمية املألى بالعرب واألعاجيب الدالة على

ا أن تسهم يف تشكيل هيكل الصورة يف إطار حلمتها الكليةعظمة اهللا تعاىل، من شأ. على البعد اإلجنـازي الـوظيفي يف يركز األداء يف وصف النيب سليمان

شخصيته، فهو امللك الذي وهب اهللا له سلطانا وملكا منقطع النظري، وسخر لـه كـل وقار، فالصورة اإلمجاليـة املخلوقات، وآتاه من القوى وامللكات ما يسبغ عليه املهابة وال

. هي صورة نبوته، بيد أا تألفت من صور جزئية يغدو كل حدث من قصصه جوهرا هلا ":ص"وسورة " سبأ"وسورة " األنبياء"ولنا أن نتمالها من خالل مواضعها من سورة

يف مشاركة سليمان ألبيـه داود بصورة " األنبياء"تطالعنا آيات سورة –) أ نفش غنم رجل يف حرث آخر، ورأيه الوجيه الـذي ، ومنها قضية ةيايا الرع قضالنظر يف

وتضيء هذه الصورة جانبا من اقتدار النيب سـليمان . أشار به عليه، فنسخ به حكم أبيه ،يف شؤون القضاء عن أبيه، ومل يكن ذلك إال بتمكني هورثالذي األمر على البت

مناها سليمان (ول ته عليه حينما امتدحه بالق اهللا ومنالصاحل .)ففه وهي صورة االبن البار

- 250-

الذي حيرص على اإلصابة من علم أبيه والتأسي بـشمائله ومناقبـه، ورعايـة مهامـه معاونـة اخلليـل يف الذي مل يتوان ومسؤولياته احليوية، شأنه شان سيدنا إمساعيل

!!لة ا هلا من خة، وي يف بناء الكعبة املشرفة، ويا هلا من مهإبراهيم تشترك آيات السور الثالث يف عرض صورة تسخري اهللا تعـاىل لـسليمان –) ب ل تباين مقام العاصفة الريحوقد أحاط التعبري وصفها حبملة من الصفات اليت يكم ،

إجيـاز احلـذف " سبأ"و" األنبياء"األداء يف آيات وقد توخى . كل منها املعىن اإلمجايل )مليلسو يحرنا لـسليمان : ، إذ أن حترير املعىن )ان الرولقد آتينا داود منا فضال وسـخ

وتـسخريها ). فسخرنا له الـريح ": (ص"وقد دل على هذا احلذف قوله يف . 1الريح .يقتضي تذليلها إلرادته

وفضال عن وظائف الريح املتعددة اليت تضطلع ا يف الطبيعـة، كـسوق –) جوتلقيح النبات، وإتالف احملاصيل وإهالك القرى عقابا للظاملني، أشار األداء إىل السحاب

وظيفة أخرى خص ا سليمان وهي أا غدت وسيلة مساعدة على التنقل، فـذكر يف ها غـدو (" سبأ"، ويف )عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها (أا " األنبياء"

رها شهاحورو رهأن مقدار مبعىن ، )ش 2 كـذلك جريها بالغداة مسرية شهر، وبالعشي ،طيبـة مطيعـة ألوامـر اهمعنوالرخاء ). حيث أصاب جري بأمره رخاء ت(" ص"ويف

.3ة هبوا، وسرعة جريهاعصف مع قو، وال تنة ال تزعزعريح لي سليمان، فهي وصف هذه الريح بالعصف إىل سر - على أسلوب الفنقلة –تبه الزخمشري وقد ان

ذاهبـا إىل أـا ، أخـرى تارة) خاءر( واللني تارة وبالرخاوة )عاصفة(وشدة اهلبوب كانت يف نفسها رخيفإذا مبة كالنسيمة طي ،رة يـسرية ت بكرسيه أبعدت به يف مد ...

، مـع طاعتـها يف نفسها وعاصفة يف عملها ن رخاء فكان مجعها بني األمرين أن تكو

.362، ص 20 الطربي، جامع البيان يف تفسري القرآن، ج - 1 .581، ص 3 الكشاف، ج - 2 .1264الشوكاين، فتح القدير، ص - 3

- 251-

، فوصفت باعتبار حالني خمتلفني مـن 1 وهبوا على حسب ما يريد وحيتكم لسليمان .، مما حقق اإلعجاز يف الفعل القصصي احملكي ويف األداء التعبريي الفني2أحواهلا

يمان وهناك صورة أخرى تربز آية من آياته تعاىل اليت خص ا نبيه سل –) د املـاء مـن مثـل النحاس املذاب من معدنه فنبع منه أسال :أيإسالة عني القطر؛ وهي

وقد توخى األداء تصوير املعىن من قبيل ااز اللغوي املرسل .3الينبوع ولذلك سمي عينا : عاىل وهو عني القطر، مثل قوله تسم ما آل إليه ا ب النحاس مسى ألنه ذي العالقة املستقبلية

ألنااز االستعاري، ويسوغ أيضا اعتبار ،364: يوسف، )إنى أرانى أعصر خمرا ( ما يـصهر يف مـصانعه مـن ليست عينا حقيقية ولكنها مستعارة ملصب )عين القطر (

وجيوز أن يكون السيالن مستعارا لكثـرة ...النحاس حىت يكون النحاس املذاب سائال ، فتكون االستعارة يف هذه احلال مرشـحة 5كثرة تشبه كثرة ماء العيون واألار القطر

.املستعار ملذاب القطر) العني( وهو لذكر ما يالئم املشبه به يسترسل السياق القصصي ضمن التصوير التركييب ملظاهر قدرة اهللا تعاىل –) هـ

وتوخى يف . ري الشياطني له يف ذكر تسخ سليمان اليت أجراها على يدي نبيه الكرمي أواب، وهاب، بناء، : (صيغة املبالغة اليت اطردت يف هذا املوضع القصصي " ص"سورة

. ؛ لتدل على كمال القدرة اإلهلية وسطوا وقوة متكينها)غواص، مقرنني خلدمة سليمان أنه تعاىل سلطه عليها وتفصيل تطويع اجلن يستعملها فيما يـشاء

فالبناة منها يصنعون حماريب ومتاثيل، والغاصة يستخرجون ؛ له من بناء وغواص من أعما

.142، ص 3 املصدر السابق، ج- 1 ..203، ص 23 اآللوسي، روح املعاين، ج - 2 .125، ص 7 أبو السعود، إرشاد العقل السليم، ج - 3 .582، ص 3ج الزخمشري، الكشاف، - 4 .28، ص 22 التحرير والتنوير، ج- 5

- 252-

.1له احللي من البحار، وآخرون ينحتون له جفانا وقدورا، واملردة يف األغالل مقرنون أن : أي ؛ ومـوثقني مـشدودين : معناه؛ )نني يف األصفاد مقر(ن هؤالء الشياطني كوو

ومن بديع التعبري القرآين أننـا جنـده .2األغاللسالسل و لعض يف ا مقرون مع ب بعضهم رة لسليمان تارة اجلنخباعتبار أصلهم وجنـسهم، ) سبأ(يطلق على هذه الكائنات املس

باعتبار كفرهم وشرورهم، وحيسم القـرآن مـا ) األنبياء وص (وتارة أخرى الشياطني ا إلـا إبلـيس كـان مـن ملائكـة اسـجدوا لـآدم فـسجدو وإذ قلنـا لل :يتراءى من تعـارض بقولـه

الجن...50: ، الكهف.

غوص الشياطني يف البحار السـتخراج الآللـئ " األنبياء"ولئن ذكر اخلطاب يف : واجلواهر، فإنه أضمر ذكر طبيعة سائر ما سخرت الشياطني للقيام به، مكتفيا بقولـه

مما كان ، ألن مقام الصورة هنا يتصل بتثبيت قلب النيب )ك دون ذل عمالويعملون (يالقيه من إعراض قومه وجتهمهم، أما تفصيل ذكر تسخري الشياطني لسليمان من عمـل احملاريب واجلفان والتماثيل والقدور الراسيات، فضال عن البناء والغوص فقـد ورد يف

ل وامتنان يقتضي اإلطناب يف تفـصيل طبيعـة ألن املوقف موقف نفض " ص"و" سبأ" .التسخري وأوبته إىل ربه، ضرب بعرض صورة توبة سليمان " ص" تتفرد سورة –) و

دوا غموض فين صفيق اكتنف احلدث وفعل عنصر الغرابة فيه، تتعلق بفتنـة سـليمان رده اإلخبـاريون بإلقاء جسد على كرسيه، وإن كنا نستغين بإفضاء نص الوحي عما أو

ما دام التعبري ال ينصرف إىل تفصيالت احلدث يف حد ذاته، ،واملولعون باإلسرائيليات

.204، ص 21 تفسري الطربي، ج- 1 .428، ص 5 البحر احمليط، ج- 2 - ا إىل تفصيل فتنة سليمان أن تكون اآلية إشارة إىلوي عن أيب هريرة ما وأظهر تلك األخبار وأقرالنيبأنر تأيت بفارس جياهد يف سبيل اهللا فقال له صاحبه قل إن شـاء امرأة كلهن الليلة على تسعني ألطوفن :قال سليمان (:قال

رجل، وأمي الذي نفس حممد اهللا، فلم يقل إن شاء اهللا فطاف عليهن مجيعا فلم حتمل منهن إال امرأة واحدة جاءت بشق

- 253-

وتسلية خاطره والتخفيف عنه ملا كان يلقـى مـن ألن املقام مقام تثبيت فؤاد النيب ولعـل القـصد . 17: ، ص )يقولون اصرب على ما (إعراض قومه ويسمع من جترحيهم

ذه الصورة هو اإلحلاح على الطبيعة البشرية لسليمان، رغم ما أويت مـن اجلوهري من ه سلطان عظيم وآيات باهرة، فهو إنسان جيتهد يف طاعة ربه واإلخالص لـه فيـصيب

.وخيطئ ويفنت ويتوب ويرجع إىل ربه مستغفرا، دون أن يقدح يف نبوته شيءرة جزئية يـضمنها صو" ص" وعطفا على الصورة السابقة تتراءى يف آيات –) ز

التعبري القرآين مثاال آخر ملوقف اإلنابة والتوبة يتصل حبادثة اشتغاله ذات عـشية عـن العبادة مبشاهدة استعراض خيله الصافنات اجلياد حبا فيها واستمتاعا ا، وارتباط هـذه

على حدث مل يرد ر التوقيت، وإمنا ليدل من خالهلا ) العشيب(الصورة باإلحالة الزمنية ).ت باحلجابرواحتى ت: (انقضاء وقت الصالة اليت اعتاد أن يؤديها قبل الغروب

الكالم متثيل حلالة غروب ويتكشف هذا املشهد عن ملمح بياين تصويري، إذ يف فللـشمس الشمس بتواري املرأة وراء احلجاب وكل من أجزاء هذه التمثيلية مستعار؛

وألفـق والختفائها عن األنظار اسـتعري التـواري، كنية،استعريت املرأة على طريقة امل وقد كان حذف الشمس أبلغ من ذكره لوجـود . 1غروب الشمس استعري احلجاب

، ولعل داعي احلذف إزالة شبهة ودفع توهم قد يتبادر إىل )العشيب(القرينة الدالة عليها .ذلك يفعلون كان يعبد الشمس، سيما وأنه عاصر قوما كاألذهان من أنه

وملا كانت التوبة إىل اهللا فعال مصدقا إلميان راسخ، تستويف هذه الصورة اجلزئيـة مالحمها بإقدام سليمان على التقرب إىل اهللا بضرب أعناق تلك اخليـل وسـوقها، ألن

مـسح :ويقال .مسحه بالسيف :يقالاملسح جمازيا ينصرف إىل معىن الضرب بالسيف

ن البخاري ومسلم، إال أن صلته فلئن صح هذا احلديث ع . )بيده لو قال إن شاء اهللا جلاهدوا يف سبيل اهللا فرسانا أمجعون القـرطيب، : ينظر. أن ذلك تأويل هذه اآليةبفتنة سليمان يف هذا السياق جمرد احتمال غري مؤكد، إذ ليس يف كالمه

.156، ص 23، والتحرير والتنوير، ج 95، ص 4، والكشاف، ج201، ص 15اجلامع ألحكام القرآن، ج .152، ص 23 التحرير والتنوير، ج - 1

- 254-

ح عنه الدم بعد الضرب سماية عن القتل بالسيف ألن السيف ي صله كن أ ولعل .السيف به وكان ذلك تكفريا عن غفلته عن ذكر ربه يف موعده، وقد يحمل املـسح علـى .1به

، ولعل يف هذا االنفتاح النصي الذي يعد 2ظاهر معناه وهو إمرار يده عليها إكراما منه هلا راعة األداء الذي ال يصادر املتلقي حقه يف التأويـل، أدخل يف متشابه التنزيل ما يزكي ب

بقدر ما يتيح له آفاقا يف الفهم املتعدد واملتآلف، وذلك ج اخلطاب القرآين يف كثري من .قصصه

ال ميكن االستنامة على وجه اليقني إىل ما أفضت به اإلسرائيليات أو التـأويالت ، إذ )نات اجلياد واجلسد امللقى على كرسـيه الصاف (حادثيتفصيل اليت ال سند هلا بشأن

ابتالء مـن اهللا وفتنـة ماأ يعنينا ما هما، فقصارى عن ءشيب زم أن جي يس مبقدور أحد لـ إ و ا لـه هيوجت ،فاته يف امللك والسلطان ق بتصر سليمان يف شأن يتعل ل ـ إ، و ادارش ادابع .3الدعاء والرجاء بيه؛ واجته إلاستغفر ربه وأن سليمان أناب و،ن الزلل عىخطلل

وتأيت آخر صورة ضمن سياق الصورة املركبة لترسم لنا حـدثا جلـال، –) حفمثلما عاش هذا النيب حياة ملؤها األعاجيب واألفعال اخلارقة الدالة على قدرة اهللا تعاىل

حادثة موغلة يف الغرابة، فها هـي وفضله العظيم الذي أسبغه عليه، كانت وفاته ،4ألرضة املهينة تعمي على اجلن أمر موته مدة بعد أن أكلت عـصاه فانكـسرت دابة ا

ـ علمقبل هلم ب ال اجلنفجرى ذلك جمرى احلجة على أن ن دعوالغيب، كمـا كـانوا يـ زمنالبثوا بعد موته ا ومل يف حينه ا موته يقنوأل م زعمه لو صح ، ف ذلكبويومهون ويالط .5توهو ميحىت له ، فاستمرت طاعتهمعملالالشقاء والنصب يف يف مسخرين

.153، ص 23 املصدر نفسه، ج- 1 .195، ص 15 القرطيب، اجلامع ألحكام القرآن، ج - 2 .2887، ص 5 سيد قطب، يف ظالل القرآن، مج - 3 .278، ص 14، وتفسري القرطيب، ج 501، ص 6، وتفسري ابن كثري، ج 369، ص 20 تفسري الطربي، ج - 4 .1192 الشوكاين، فتح القدير، ص - 5

- 255-

ع منه خرير، واخلرير يقال سمسقط سقوطا ي ومعناها ) خر(ويأيت األداء بكلمة لصوت املاء والريح وغري ذلك مما يسقط من علو1. تا على هيئـة وفيهإحياء بسقوطه مي

العظيم مل يزده إال الساجد، وأنه ظل موصوال بربه شاكرا ألنعمه حىت وفاته، وأن ملكه اتصافه خبلق اإلنابة والشكر الذي بديع مع تناسق إميانا جبالل اخلالق وعظمته، ويف ذلك

ور الذي ارتبط بالسجود اخلرفي ف، واليت تقتضي السجود، "ص"امتدحه اهللا به يف سورة ال الصوت منه بالتـسبيح دوثالسقوط وح ىل اجتماع إ إشارة يف اخلطاب القرآين غالبا

أن الضعيف قد يفيـد القـوي مفاده ا تعليمي اكما أن يف هذا املشهد إيعاز .بشيء آخر .2علما

وبتكامل مجيع هذه الصور اجلزئية وتضافر سياقاا املختلفة وتواشجها، تتـشبع الصورة الكلية وتغتين مجاليا لتصري مركبة تركيبا يلملم أشتات العناصر البنائية لتتوحد يف

؛ فتشع تلك الصور من جديد وتكتسب وهجا إضـافيا يف إطـار حلمتـها هيكل فين ذلك أن كل صورة جزئيـة ختـدم ،قيقيةومشوليتها، األمر الذي جيلي قيمتها الفنية احل

املشهد العام للصورة، ولكنها تظل ا من وتشعل حيزا معين الفكرة العامة للصورة الكلية، بصورة أخرى لينتج من االقتران عنصر ثالث يـسهم يف يف حد ذاا ناقصة ما مل تقترن

اخلطاب القصصي وبذلك أبان الوضع التصويري التركييب يف .3تكوين الصورة الكلية .القرآين عن براعة االنسجام والتآلف والتناغم الذي نقدره جتل من جتليات اإلعجاز

.192، ص 1ين، املفردات يف غريب القرآن، ج األصفها- 1 .160، ص 22 اآللوسي، روح املعاين، ج - 2 .171الصورة يف شعر الرثاء اجلاهلي، رسالة دكتوراه، ص صلوح بنت مصلح السرحيي، - 3

- 256-

الصورة العنقودية االنسيابية: لثاملبحث الثاالعنقودي الذي ال يدرك إال يف ضوء جتمعات هناك النمط الفنية الصورة ط من أمنا

، مما يتيح تقصي املوضوع الواحد من خالل مجيع وارتباطاا املاثلة بذهن الفنان الصورة ارتباطها بصور معينة، وحتديد طبيعة االرتباط، فتحليـل إبداعاته، حبيث تعىن بتفسري علة

الصورة العنقودية ال يقف عند تتبع النمو النفسي لذهن املبدع فقط، وإمنا علـى تبيـان قات العضوية يف صوره، ونوع خياله وتركيبته، وـذا التـصور ال ميكـن جوهر العال

.1ية ال جمموعات مشتركة متالقن،يمتمايزودين احلديث عنها إال لدى آثار الشعراء منفرومثة طرق إجرائية لتحليل الصورة العنقودية منها مـسلك اختـاذ احليوانـات

غور الذهن الشعري، وترى طبيعة تيـاره، ونـوع والطيور مفاتيح جوهرية تستكشف املسلك الذي يقوم على مالحظـة ، ومن تلك الطرق أيضا 2ارتباطاته، وطرائق تركيبه

ور املتمكنة يف ضوء املوقف العام للشخصية، حيث يرتبط معطى مبعطى يالزمـه جتمعات الص وتتجلى االرتباطـات بـني . 3... ليشكل معه عالقة أو وحدة عضوية - على األغلب –

4تراكمات الصور ضمن الصور العنقودية إما يف شكل التماثل أو يف شكل التضاد. -نظم القرآين واإلبداع الـشعري ومع إدراكنا للبون الشاسع بني خصوصية ال

اخلطاب القصـصي فإننا نكاد نرى مثل هذا النهج الفين قائما يف - أداء وطبيعة وغاية القرآين، إذ يتميز األداء التصويري يف كفل منه باملظهر العنقودي، الذي نرتئي أن نطلق

، 2008، 1. احلديث، صفحات للدراسات والنشر، دمـشق، ط الشعر العريب نعيم اليايف، تطور الصورة الفنية يف - 1

.131بشرى موسى صاحل، الصورة الشعرية يف النقد العريب احلديث، ص : ضايأ وينظر. 280ص .281 احلديث، ص الشعر العريبنعيم اليايف، تطور الصورة الفنية يف - 2 .282 املرجع نفسه، ص - 3 .287 املرجع نفسه، ص- 4

- 257-

roman fleuveعليه النمط االنسيايب، فقد استوحيناه من مفهوم الرواية االنـسيابية .اليت أخذت تذيع يف أدبيات العصر احلديث فاملعاصر

تنساب األحداث القصصية يف سور القرآن يف صور مترابطة فيما بينـها مـن يطويهـا . جهة، ومنسجمة واإلطار القصدي لسرد تلك األحداث من ناحية أخـرى

ههنـا علـى أن اإلمجال واإلجياز طورا ويبسطها التفصيل والتكثيف طورا آخر، ونلحوقد أطلـق . طريقة حتليل هذا النمط من الصور، ختتلف عن مسالك حتليل صور الشعر

الذي ينتظم هذا النمط مـن الـصور القصصي شكلل سليمان عشرايت، على ا الباحثالنسق السردي املتعلق بسرية نيب أو رسـول غالبـا، ذلك القصة املفتوحة، وقصد ا ب

.1والوارد يف أكثر من سورةاخلطاب القصـصي القـرآين جـاء يف ضمن موسى تراءى لنا أن ذكر

ملفوظات سردية تنطوي على صور حدثية متراصة يف سبك عنقودي انسيايب متـرابط محكم األداء، جاء منسجما إىل حد ال متناه مع البعد الديين الذي يشع بـشىت املعـاين

انية واملرامي العقدية من جنبات كل صـورة، الوعظية واالعتبارية والقيم التربوية واإلمي .ولذلك حنبذ اختاذه أمنوذجا لدراسة هذا النمط

واملالحظ أن هذه الصور مل تنسج وفقا لسياق واحد أو على امتـداد سـورة قرآنية واحدة، إمنا وزعها األداء تبعا ملالبسات خمتلفة على مدار سور عدة مكية ومدنية،

- طلق عليها أيضا مصطلح النهري - الرواية االنسيابيةا، يـستقطب احلكـي -ة والدائرية ويهي رواية طويلة جد

ضمنها شخصيات حكائية عديدة تنتمي غالبا إىل أجيال متعددة، حيث ميتد الزمن باألحداث، ومن مناذجهـا يف األدب . األجنيب احلرب والسالم لتولستوي، ويف األدب العريب ثالثية جنيب حمفوظ، ويف األدب اجلزائري ثالثية حممـد ديـب

أمحد سـيد حممـد، : ينظر. فتتخذ األحداث فيه شكال انسيابيا، مياثل انسياب النهر الكبري الذي تتعدد روافده وفروعه . وما بعدها375، ص 1989الرواية االنسيابية وتأثريها عند الروائيني العرب، املؤسسة الوطنية للكتاب، اجلزائر،

. وما بعدها69صيفية جلمالية السرد اإلعجازي، ص اخلطاب القرآين، مقاربة تو، سليمان عشرايت- 1

- 258-

عراف ويونس وطه والشعراء والنمل والقـصص وغـافر والزخـرف البقرة واأل : أمهها .وغريها، وهذا على غرار ما هو قائم يف قصص آدم ونوح وإبراهيم مثال

وبذلك مل ينتظمها جو واحد شامل، وإمنا راهن األداء على مقتضى الغايـات تثبيت قلب ، واليت كان منها يق ألجلها القصص القرآين اليت س واألغراض الدينية اجلزئية

وأن موقـف ، وبيان أن وسائل األنبياء يف الدعوة موحدة ، وصحابته من حوله النيب والفـوز يف ، ابرين واملؤمنني إىل النـصر املـؤزر أقوامهم منهم متشابه، وبيان مآل الص

وإثبات حجيـة الـوحي، ، املكذبني واملستهزئني بالرسل واألنبياء وسوء عاقبة ، الدارينتوجيه العواطف القوية ، و وترشيد سلوكه والترغيب يف مكارم األخالق ، نسانتربية اإل و

...1، وغري ذلك من املقاصددئهاالصادقة حنو عقائد الدين اإلسالمي احلنيف ومبفكل مشهد من هذا النبأ القصصي يؤطره سياق خاص، واملوقف الـديين هـو

املشهد القصصي الواحـد يتخذ الذي يشرط نسق األداء التصويري وحركيته، فأحيانا أكثر من صورة لقيمتها التبليغية، وأحيانا يطوي األداء بعض الصور ويضرب عن ذكرها صفحا يف موضع معين بعد أن استدعاها يف موضع سابق، ألا ال تستجيب ملغزى ديين

الذي يعىن وهذا ما حيقق تفرد السرد اإلعجازي ومتيزه عن السرد التخيلي يف األدب . ماومن هنا سنعترب أن كل حلقة قصـصية . حببك األحداث لذاا امتثاال لغايات فنية حمضة

.وكل مشهد سردي يعد صورة ضمن اإلطار العنقودي، أو رافدا ضمن املسار االنسيايبوليس مثة ما يسوغ مقولة التكرار يف أحداث قصص القـرآن، فـذاك طـرح

وهذه املناسبات اليت يساق . يف مواضع ومناسبات يرد مردود، إذ يرى سيد قطب أنه القصص من أجلها هي اليت حتد د مساق القص ة، واحللقة اليت تض منها، والصورة اليت عر

تأيت عليها، والطريقة اليت تا ؤد ى، تنسيقا للجو الروحي والفكري والفن عرض ي الذي ت .، وتلقي إيقاعها املطلـوب النفسيةايتها ق غ ، وحتق ي دورها املوضوعي وبذلك تؤد . فيه

. وما بعدها144 سيد قطب، التصوير الفين يف القرآن، ص - 1

- 259-

وحيسب أناس أن هنالك تكرارا يف القصص القرآين، ألن القص ر ة الواحدة قـد يتكـرة ة، أو حلقة من قـص د أنه ما من قص ولكن النظرة الفاحصة تؤك . عرضها يف سور شىت

الـسياق رت يف صورة واحدة، من ناحية القدر الذي يساق، وطريقة األداء يف قد تكر . وأنه حيثما تكر يه، ينفي حقيقة التكرار رت حلقة كان هنالك جديد تؤد1. ناسـب ف

ي ة يف القرآن خمتلفة تؤد لقص ا مشاهد زواياف، فؤاد النيب تكرار القصص تكرار تثبيت .ديدةج داللةكل منها

قرآين اخلطاب ال ونؤثر أن نطلق على هذه الظاهرة التصويرية اليت الزمت كثريا ، وقد اصطنع هلا فاضل السامرائي التكثيف مصطلح بعامة، واجلانب القصصي منه خباصة

مصطلح احلشد الفين الذي يقتضي أن حيتمل املوقف الواحد أكثر من موضـع وسـياق يؤدى وفق صيغ خمتلفة، مما يشي بأن كل مادة لغوية مهما كان شكلها مت اصـطناعها

فقد يراعي األداء جوانب عدة، منها سياق . قة والروعة بشكل فين مقصود يف منتهى الد التعبري، والسورة اليت ورد فيها السياق، وسائر السياقات اليت تقتضي أداء مقاربـا هلـذا

.2التعبري، فضال عن السور األخرى اليت حتوي تعبريات متشاة أو خمتلفةلواحد قد ينطوي وأما عن التكثيف يف اخلطاب القصصي القرآين، فإن القصص ا

على أكثر من موضع عربة، وأكثر من مناسبة، فال غرو أن يتخير التعبري منـها املوضـع املالئم ألداء العربة وإبراز موقف االستشهاد واالتعاظ، وتسليط الضوء عليه، فحـوادث القصص القرآين ال تتكرر بشكل اعتباطي، ألا غري مقصودة لذاا، وإمنـا الـشأن يف

العربة، لذلك فإن السياق هو الذي يتصرف يف انتقاء األحداث حبسب الدواعي مواقف .3املتجددة يف كل موضع، وحيدد منط األداء املالئم لكل موقف

.51، ص 1 سيد قطب، يف ظالل القرآن، مج - 1 .252، ص 2006، 4.فاضل صاحل السامرائي، التعبري القرآين، دار عمار، عمان، ط - 2 .283 املرجع نفسه، ص - 3

- 260-

لقد توزعت أحداث قصص موسى يف مشاهد تصويرية عديدة علـى امتـداد ى مـستوى اخلطاب القرآين كله، وقد اجتهدنا يف تصنيفها حبسب تسلسل األحداث عل

املادة احلكائية وليس على مستوى اخلطاب أو التنزل، مركزين على أغلب مراحل سرية :موسى املذكورة، حناول إيرادها كاملة تقريبا ضمن اجلدول اإلحصائي التوضيحي اآليت

العدد صنفها السورة ورقم اآلية صور املشهد السردي يف قصص موسى الرقم

ضطهاده لبني إسـرائيل صورة علو فرعون وا 01 .قبل ميالد موسى

. 49: البقـــــــرةــراف . 129: األعــــراف . 141: األعــ

. 6: إبـــــــراهيم . 6 – 4: القصص

مدنيةمكية مكية مكية

مكية

05

وإلقائه في اليم بوحي صورة ميالد موسى 02 وعودته إلى أمه وتنـشئته فـي قـصر إلهي

.فرعون

. 40 – 37: طـــــه. 18: الــــــشعراء

.13 – 7: القصص

مكية مكية

مكية

03

ه استنـصر صورة فتكه بعدو الرجـل الـذي 03، ولقائـه المدينة باتجـاه مـدين من ه روجوخ

.بشعيب وزواجه من إحدى ابنتيه

ـــه . 40: طـــــــشعراء . 21 – 19: ال

. 21 – 15: القصص

مكية مكية

مكية

03

صورة خروجه من مدين بأهلـه ومـشاهدته 04لنار، والنداء اإللهي والوحي بالواد المقـدس ا

.والتكليف بالرسالة

. 164: النــــــساءــود . 97 – 96: هــ

. 5: إبـــــــراهيمــريم . 53 – 51: مــ

ـــه . 46 – 9: طــ. 48 –: المؤمنــــون

ــشعراء . 17 – 10: ال. 12 – 7: النمــــلــصص . 35 – 29: الق

مدنيةمكية مكية مكية مكية مكية مكية مكية مكية

14

- 261-

. 36 – 35: الفرقـــان. 24 – 23: غــــافر

ــذاريات . 38: الـــــل . 15: المزمــــ

.17 – 15: النازعات

مكية مكية مكية مكية مكية

صورة موقفه بين يدي فرعون قصد دعوته إلى 05 عبادة اهللا

. 112 –103: األعرافــشعراء . 37 – 17: الــونس . 79 – 75: يـ. 59 – 47: طـــــهــصص . 39 – 36 :الق

ــوت . 39: العنكبـــــافر . 25: غـــــ

19 – 18: النازعات

مكية مكية مكية مكية مكية مكية مكية

مكية

08

صورة حشر الـسحرة وتحـدي موسـى 06الصارخ لكيدهم، وإقراراهم اإليماني بمعجزته

آليات التـسع با وملئه الغالبة، وجحود فرعون . وإيذاؤهم له.اتالبين

. 127 –113: فاألعراــونس . 86 – 80: يـ

. 102 - 101: اإلسراء. 76 – 60: طـــــه

ــج . 44: الحـــــــشعراء . 51 – 38: ال. 14 – 13: النمــــل

ــزاب . 69: األحـــــرف . 54 – 46: الزخ

ــذاريات . 39: الـــ .23 – 20: النازعات

مكية مكية مكية مكية مدنية

مكية مكية مدنية

مكية مكية

مكية

11

صورة مجاوزة موسى وبني إسرائيل البحـر 07وانفالقه والطريق اليبس ونجاتهم من المطاردة

.وهالك فرعون وجنوده غرقا

. 50 – 49: البقـــرة. 138 –136: األعراف

ــونس . 92 – 90: يـــراء . 103: اإلســـ

مدنيةمكية مكية مكية

16

- 262-

. 79 – 77: طـــــهــان . 36: الفرقــــ

ــشعراء . 68 – 52: الــصص . 42 – 40: الق

ــوت .40: العنكبـــ. 116 –114: الصافات

. 46 – 45: غــــافرــرف . 56 – 55: الزخ

ــذاريات . 40: الـــــصف . 5: الـــــــل . 16: المزمــــ

.26 – 24: النازعات

مكية مكية مكية مكية مكية مكية مكية مكية مكية مدنية

مكية مكية

صورة مواعدة موسى لميقات ربـه وإتيانـه 08 . والصحف واأللواحالتوراة

. 53 – 51: البقـــرةــام . 91: األنعــــ. 154: األنعــــــام

. 145-142: األعراف. 17: هـــــــود. 110: هـــــــود

. 2: اإلســــــراء. 49 – 48: األنبيـــاء

ــون . 49: المؤمنـــ. 24 – 23: الـــسجدة

. 122 –117: الصافات. 55 – 54: غــــافر

ــصلت . 45: فــــــاف .12: األحقـــــنجم . 36: الـــــ

.19: األعلى

مدنيةمكية مكية مكية مكية مكية مكية مكية مكية

مكية مكية مكية مكية

مكية مكية مكية

16

- 263-

صورة ضالل بني إسـرائيل واتخـاذهم مـن 09 وغضب موسى العجل إلها وعصيانهم لهارون

الشديد بعد عودته

. 54 – 51: البقـــرة. 93 – 92: البقـــرة

. 153: النــــــساء. 154 –148: األعراف

.99 – 83: طـه

مدنيةمدنية مدنية مكية

مكية

05

صورة نتق الجبل فوق بني إسرائيل والرجفـة 10الملمة بهم وإحياؤهم بعد مماتهم بعد أن سـألوا

رؤية اهللا جهرة موسى

. 56 – 55: البقـــرةـــرة . 64 – 63البقـ

. 154 – 153: النــساء .156 –155: األعراف

مدنية مدنية مدنية مكية

04

01 مدنية 73 - 67: البقرة .صورة بقرة بني إسرائيل 11

01 مكية 82 - 60: الكهف .صورة موسى والعبد الصالح 12

ميكن من خالل هذا اجلدول التوضيحي رصد املالحظات اآلتية بـشأن الـصورة :يف قصص موسى املمتدة على كامل اخلطاب القرآيناالنسيابية

انسياب النهر الذي يـشق لـه انسابت جمريات أحداث قصص موسى -أروافد متشعبة على مدى مساره، فكان كل رافد يروي جانبا معينا من الصورة الكليـة

ألغـراض هلذا النبأ القصصي، فتزداد خصبا ومناء واء، وتصب تلك الروافد يف شـىت ا ويقول سـيد . التبليغية اليت تتشرب منها، وفق نظام سردي خيضع ملقتضاها باملقام األول

قطب بشأن الترابط السردي الذي مييز قصص موسى الواردة يف سياقات تفصيلية غالبا، مرة كانت احللقات اليت تعرض منـها أو ويف كل ... : وضمن إشارات سريعة أحيانا

، على حنو ما هي يف لسورة، أو السياق الذي تعرض فيه مع موضوع ا اإلشارات متناسقة .1هذه السورة؛ وكانت تشارك يف تصوير املوضوع الذي يهدف إليه السياق

.2673، ص 5قرآن، مج يف ظالل ال- 1

- 264-

) % 85 رابـة ق( غلبة السياقات املكية املتصلة بقصص موسى بنسبة فائقة -ب واألحـزاب حلـج اوالبقرة والنساء (على السياقات املدنية اليت وردت فقط يف سور

وهذا أمر ينسحب . بتركيز سردي أضأل بكثري مما هو قائم يف املشاهد املكية ) والصفتقريبا على سائر قصص القرآن الكرمي، ولعل مرد ذلك أن القصص كان وسـيلة لبنـاء العقيدة احلقة، وتصحيح مفاهيم الرسالة والنبوة والتوحيد والعبودية اخلالصة هللا تعاىل، مما كان من غايات السور املكية، يف حني أن حمور اهتمام القرآن املدين كان إرساء دعـائم

.1التشريع بعد أن بدأت بوادر االستقرار تلوح يف أفق اتمع اإلسالمي النبوي واإلخبار ببعض أحداث قصص موسى يف سورة البقرة مثال اقتضى توجيـه -ج

تـشكرون – مث عفونا عنكم –قنا بكم البحر فر –جنيناكم (اخلطاب إىل بين إسرائيل يف سياق االمتنان عليهم مبا خص أسالفهم من أفضال منها تنجيتهم مـن ) ... تدون –

بطش فرعون واضطهاده مبعجزة فلق البحر وإغراقه، ومنها مواعدة نبيهم موسى أربعني لما وبعد متـاديهم يف ليلة إليتائه التوراة، ومنها عفوه تعاىل عنهم بعد اختاذهم العجل ظ

). ...وإذ قتلتم نفسا(كما وجه إليهم اخلطاب يف سياق ذكر نبأ البقرة . الضالل) زمـن الـوحي ( ويف سورة النساء يطابق التعبري القرآين بني املوقف الراهن -د

، فهناك متاثل بني املشهدين توخى من خالله األداء ختفيف )زمن احلكي (واملوقف الغابر ، فقد سعوا إىل تعجيزه بطلب إنزال كتـاب مـن د أهل الكتاب عن النيب ضغط عنا

. السماء، وقد فعل أسالفهم أفظع من ذلك مع موسى ملا طلبوا منه رؤيـة اهللا جهـرة .والنتيجة واحدة وهي التمادي يف الصدود والظلم

أما يف سورة احلج فهناك ومضة سريعة عن موسى يف سياق اإلشـارة إىل -هـ : األقوام السابقني ألنبيائهم، دون إيراد أي حادثة، إذ اكتفى اهللا تعاىل بـالقول تكذيب

وتطالعنا يف سورة األحزاب كذلك ومضة سريعة أخرى عن موسى، ). وكذب موسى (

.29عدنان زرزور، فصول يف علوم القرآن، ص - 1

- 265-

يف سياق توجيهي ى اهللا تعاىل من خالله املؤمنني أن يكونوا كالذين آذوا موسى مـن وخييم اإلضمار القصصي يف سورة الـصف . ءة سردية قومه، وأضرب عن ذكر أي إضا

أيضا، إذ تكاد الصورة تختزل يف ومضة سريعة، لوال إيراد ملفوظ حواري ملوسى يلـوم ومن عجب ). فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم : (فيه قومه على إيذائه، وبيان مآهلم احملتوم

ت املدنية هو تسليط الضوء على صورة إيذاء بـين أن يكون املعىن اجلامع ملعظم السياقا .إسرائيل ملوسى

مل تكن كل الصور املشهدية على حظ متساو من الورود ضمن شىت املواضع، -وبل تباين مقدار وحجم حضورها كثرة وقلة، حسب مقتضى الغرض الديين والتبليغـي

رة بقرة بين إسـرائيل، صو حنو موضع واحد والتعليمي، فهناك صور مل حيتملها سوى اليت اضطلعت مبا أنيط ا من عربة دالة على أنه تعاىل ال يعزب عنه شيء من أفعال البشر

، الـيت وردت اسـتجابة ملغـزى وصورة موسى والعبد الصاحل مهما حاولوا كتماا، .إرشادي يوحي بأن علم اهللا تعاىل ال يضارعه علم خملوق حىت ولو كان من أويل العزم

وعودته إىل أمه وتنشئته يف قصر ميالد موسى وإلقائه يف اليم صورة تعرض ومل، ومل تكن بداعي تقدمي إفادة عن حياته اخلاصة فحـسب، ثالث مرات سوى ، فرعون

وإمنا لتؤدي مغزى دينيا يوحي بأن هذا الرضيع الضعيف سيكون له شأن جلل، وأن اهللا رغم اضطهاد فرعون الذي استهدفه وقومه حىت تعاىل كفل له الرعاية واحلماية واحلفظ .قبل والدته، وأن آيات اهللا ستعضد نبوته

وخروجه استنصره الرجل الذي خصم ل موسى تق صورة عرضت وبالقدر نفسه ؛ مرتان جمملة مقتضبة قائه بشعيب وزواجه من إحدى ابنتيه ، ول املدينة باجتاه مدين من

من سورة طه، ويف سياق تبجح فرعون وتوبيخه ملوسى، يف سياق امتنان اهللا تعاىل عليه ومرة أخرى بنوع من التفصيل واإلطناب يف سورة القصص، واملوقف الديين هو ما أملى

.املراوحة بني األسلوبني

- 266-

وهناك صور أخرى طاهلا التكثيف السردي، فأضاءها السرد يف مواضع كثرية من إىل فـرقني إسرائيل البحـر وانفالقـه صورة جماوزة موسى وبين : لقرآن، مثل سور ا

اليت وردت زهـاء والطريق اليبس وجنام من املطاردة وهالك فرعون وجنوده غرقا ، ألن املشهد هنا مشهد حسم وقطيعة بني احلق والباطل، ومعـه تبلـغ ست عشرة مرة

.العربة الدينية ذروا، فيستبشر املؤمن بالنجاة ويفزع الكافر من العقابالـيت ، والصحف واأللـواح مواعدة موسى مليقات ربه وإتيانه التوراة صورةو تقريبا أيضا، وقد أحالت إىل حدث عظيم وهو اختصاص موسى ست عشرة مرة وردت

كان حمل ازدراء وكم مـن فرعـون ، تشريفا له، سيما وأنه بتكليم اهللا عز وجل ، كما ارتبطت بـإنزال 52: الزخرف، هو مهني ولا يكاد يـبني أم أنا خير من هذا الذي : اللعني

وال . صحف موسى اليت تضمنت مبادئ شريعته اليت جاءت لتنظم حياة بـين إسـرائيل خيفى ما يف ذلك من إيعاز إىل أن الشرائع السماوية تستقي أحكامها من مصدر ربـاين

.حكيم، وتقبس تعاليمها من مشكاة واحدة من مدين بأهله ومشاهدته النار، والنـداء اإلهلـي موسى صورة خروج ثل وم

، واستدعاها أربع عشرة مرة ، اليت أضاءها السرد حنو بالواد املقدس والتكليف بالرسالة ألا من األمهية مبكان، ففضال عن إحالتها إىل حدث التكليم هي السرد ذا القدر الوافر

، إذ عرضت لإلعالن عـن يف سرية الرسول موسى أيضا، متثل مرحلة جد حامسة .بداية اية اضطهاد فرعون لبين إسرائيل، وإسدال الستار عن مآسيهم

صارخ لكيدهم، وإقراراهم ال وحتدي موسى ،حشر السحرة صورة ومثل له إيذاؤهاتصال و ،، وجحود فرعون باآليات التسع البينات وإميام به معجزته غلبة ب

، وهي صورة حيوية ترسم مشهد التحدي الذي عشرة مرة إحدى، اليت وردت عهوألتباميز بني مفهوم النبوة الربانية ومفهوم السحر الذي يصدر عن بالباطل، ويلقي موقـف

- 267-

العربة هنا بظالله اليت توحي بأن اآليات احلسية مهما سطع برهاا ال جتدي نفعا مع من .ن لزاما أن تقام حجة اإلسالم من قبيل املعجزة املعنويةعميت بصريته وزاغ بصره، فكا

صورة فقد وردت ،متفاوتة متوسطة بنسب وأما باقي الصور األخرى فأحلت -ز بعـد أن سـألوا نتق اجلبل فوق بين إسرائيل والرجفة امللمة م وإحياؤهم بعد ممام

علـو صـورة من كل مخس مرات ، وعرضت أربع مرات ، رؤية اهللا جهرة موسىضالل بين إسرائيل وصورة ، فرعون واضطهاده لبين إسرائيل قبل ميالد موسى

صـورة ، وأمـا وغضب موسى بعد عودته ، وعصيام هلارون واختاذهم من العجل إهلا . قصصية قرآنيةة مواضعمثاني فقد تضمنتهاموقفه بني يدي فرعون قصد دعوته إىل اهللا

ئية اليت انتظمت الصورة العنقودية من مظاهر التـصوير مل ختل العناصر اجلز -ح البياين، الذي مل يكن مقصودا للغاية اجلمالية فحسب، وإمنا ورد ليزكي مواقف العـربة والتوجيه الديين، فيضفي عليها دفقة عاطفية وشحنة انفعالية، للتأثري يف املتلقي ومحله على

تعارات أكثر الصور البيانية ورودا، فكـثريا االخنراط يف أجواء القصص، وإن كانت االس :ما يلح األداء عليها، حنو قوله تعاىل

ةكنـسالمالذلـة و همليع تضربو ،ة اإلذالل .61: البقرةفاستعار الـضرب لـشد الضرب يف كالم العرب يرجع إىل معىن التقـاء ظـاهر أصل والعبودية واإلفقار، ألن

ة عت عن هذا معان جمازيـة ترجـع إىل شـد وتفر ...ة جسم آخر بشد جسم بظاهر ة واملسكنة ت الذل به إذ ش التبعية، كنيةاملستعارة اال، فجرى الكالم جمرى 1...اللصوق

.ة يضرا الساكن ليلزمها بالبيت أو القبلزومها هلميف اإلحاطة م و: مغاير يف قولـه تعـاىل ويرد فعل الضرب ليؤدي تصويرا بيانيا آخر ضمن معىن

ىلا تخشكا ورد ا لا تخافسبر يحطريقا في الب مله فاضرب... ،كما ذهـب فهو .77 :طه ،)مهسكم بع مبوا إيلواضر( :، حنو قوله ماجعل هلالرازي حيتمل خترجيني، أحدمها مبعىن

.510، ص 1 التحرير والتنوير، ج- 1

- 268-

ن هلم طريقا يف البحر بالضرب بالعصا وهو بيعىن فبم الثاينأما و ،ضرب الذهب دنانري و وقد وفق بني التخرجيني . ينفلق، فعدى الضرب إىل الطريق أن يضرب البحر بالعصا حىت

وقد رجح ابن عاشور الوجـه . 1 بالضرب هاجعلضرب الطريق من يف اعتبار املقصود ألن الضرب ؛63: الشعراء ،)رن اضرب بعصاك البح أ(: وليس هو كقوله : قائال األول

إىل البحر وهنا نصب طريقا هناك متعد 2 . ة معـانويف تصريف داللة الضرب إىل عد .جمازية مظهر من مظاهر الرباعة البيانية وإعجاز األداء

وألـق عـصاك فلمـا رآهـا : ومل يعول األداء على التشبيه إال لمما كصورة اهتزاز العصا ته قـبعي لـما وبرـدلـى مو انا جكأنه تز ،ووجه الشبه هو. 10: النمل رعة احلركة مـع س

فأوحينا إلى موسى أن اضـرب بعـصاك وصورة شق البحر بالعصا إىل فرقني. 3غاية عظم جثتها فجـاء التـشبيه يف كـال .63 :الشعراء، )الطود العظـيم البحر فانفلق فكان كل فـرق كـ

املشهدين ليصور هول احلدث، ويبعث فيه احلياة، ويوحي مبعاين العظمـة والعنفـوان والقوة، وهي معان غالبا ما يؤديها التشبيه القرآين، من ذلك صورة املوج الذي تقـاذف

.42هود، ، ... بهم في موج كالجبالوهي تجري: سفينة نوح ضمن مشهد الطوفانفقال له فرعون إني لأظنـك يـا موسـى ...: ويستوقفنا ااز املرسل العقلي ضمن قوله تعاىل

، وعالقته املفعولية، ألن فرعون )مسحورا( وحتديدا يف لفظة .101: ، اإلسراء مـسحورا يف قولـه ) مبصرة(ناس بأن موسى ساحر، وأيضا مع كلمة كان يسعى جاهدا ليوهم ال

، إذ صيغ ؛ والعالقة الفاعلية13 :النمل، فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سـحر مـبني : تعاىل . ظهورها ووضوحها للعيان، فتلبست مببصرها وتوحدت بههلا اسم الفاعل إحياء بشدة

.80، ص22 مفاتيح الغيب، ج - 1 .156، ص 16التحرير والتنوير، ج - 2 - رت هذه الصورة التشبيهية بنفس األداء تقريبا يف سورة القصص من اآلية31 وقد تكر.

.12، ص 7د، إرشاد العقل السليم، ج أبو السعو- 3

- 269-

ائف البيان القصصي القرآين أن يتصرف التعـبري الواحـد ألداء معنـيني ومن لط فلـا يؤمنـوا حتـى يـروا العـذاب واشدد على قلـوبهم... : قوله تعاىل متقابلني متضادين؛ ومن ذلك

الـأليم ،ومعىن .88: يونس1 معا لضروا ، النفع غايةيكون ل و ن اليد مما متسكه، متك الشد ،قلوم قاسية كي ال بأن جيعل اهللا فرعون وأتباعه وجاء هنا كناية عن دعاء موسى على

وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كـادت لتبـدي بـه لولـا : ويقابل ذلك قوله أيضا .2تنشرح لإلميان ا أنلى قلبها عطنبـ رالم مـن لتكـون مننيؤ ،والربط هنا كناية عن تثبيت القلـب . 10: القصص ،كما يربط على الشيء املنفل بإهلام الصرب ويطمئن ت ليقر3 . وهذا نظري قوله تعـاىل :بطنا على قلوهبمرو... ،جاءا يف معنيني خمـتلفني بـل 14: الكهف ،؛ فالربط أو الشد

.بيانية اليت ترافدت إلغناء الصورة االنسيابيةويطول املقام بعرض الصور ال. متضادين متيزت اإلضاءات التصويرية بتنوع أسلويب ثر يعكس براعة النظم واتـساق -ط

التأليف، فلم تكن على هيئة واحدة من حيـث األداء الـصويت والـصريف والبالغـي بنيـة والنحوي، ومقتضى حال اخلطاب ومقامه هو ما يفرض هندسة الوحدة الصوتية وال

.اإلفرادية والنظام األسلويب والتركيب النحوي والشكل اإليقاعي املنتهج اتسمت بعض من تلك الصور باإلجياز واالقتضاب، وبعضها توخى التوسع -ي

واإلطناب، وبعضها متظهر يف إشارات وومضات خاطفة ال تكاد نقبض عليها إال بتمعن فاسحة اال لظالهلا وإحياءاـا الروحيـة وتدبر، فتضمر األحداث وحتجب تفصيالا،

وكل منها ميثل جزءا متفرعا عن عنقود . والنفسية والفنية والرمزية لتزكية الغرض الديين ومقتضى حال التنزيل هو سيد املوقف دائما، إذ يناط به حتديـد . كبري متراص العناصر

.ف من وطأتهاملواطن اليت يعتورها تضخم سردي، واملواطن اليت تتخف

.129، ص 23 التحرير والتنوير، ج- 1 .172، ص 4وتفسري أيب السعود، ج . 173، ص 11 اآللوسي، روح املعاين، ج- 2 .400، ص 3 الزخمشري، الكشاف، ج- 3

- 270-

وعلى غرار التقدمي والتأخري ضمن املستوى النحوي والبالغي، يلحظ أيـضا -ك تقدمي وتأخري على مستوى ترتيب األحداث السردية يف سياقها اإلمجايل الكلي، يقتـرب

الذي يتخذ فنيا مظهـري 1"جريار جينات " لدى distorsionمن مفهوم التنافر الزمين لسردية، إذ أن نظام سرد األحداث على مستوى اخلطاب ال يتطابق اللواحق والسوابق ا

.بسبب خضوع القصص القرآين ملقتضى التوجيهات الدينية والفنية مع تسلسلها املنطقي من ذلك مثال سياق سورة طه الذي يستهل جمريات النبأ انطالقا مـن مرحلـة

إذ )9(وهل أتاك حديث موسى : متأخرة وهي خروج موسى بأهله من مدين ومشاهدته النار ، )10(رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منهـا بقـبس أو أجـد علـى النـار هـدى ـ صص يف وتتتابع األحداث إىل أن يرتد السرد إىل مرحلة متقدمة وحتديدا إىل بدايـة الق

أن اقذفيـه فـي التـابوت فاقذفيـه فـي )38(إذ أوحينـا إلـى أمـك مـا يـوحى : سياق امتنان اهللا على موسى إذ تمـشي )39(صنع علـى عينـي اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولت

أختك فتقول هل أدلكـم علـى مـن يكفلـه فرجعنـاك إلـى أمـك كـي تقـر عينهـا ولـا تحـزن وقتلـت نفـسا .)40( أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنني في

أبانت الصورة العنقودية االنسيابية عن إمكانات إيقاعية هائلة، من خـالل -ل تنوع الفاصلة القرآنية حجما ونغما، فتراوحت املشاهد ما بـني الفواصـل الطويلـة

واقف االنفعالية البشرية ضمن مـستوى واملتوسطة والقصرية، وتلونت إيقاعاا بألوان امل التلقي، فمنها اإليقاع اهلادئ املترفق ومنها اإليقاع الغاضب الساخط ومنها إيقاع األمل والبشارة ومنها إيقاع التعجب واالستغراب ومنها اإليقاع السريع ومنها اإليقاع البطيء،

.وكل ذلك حيقق مظهرا من مظاهر انسجام اخلطاب

.79ص ) ت.د(، 2. طمسري املرزوقي ومجيل شاكر، مدخل إىل نظرية القصة، الدار التونسية للنشر، تونس،: ينظر- 1

- 271-

القصص القرآين الواقعية مناذج بشرية جتسد قيما إجيابية ثل شخوص وإذ مت -م وأخرى سلبية، فإن الصورة االنسيابية استقطبت يف هذا القصص الكرمي شخوصا أساسية

بنو –وملؤه فرعون - هارون –موسى : (ثابتة قارة الزمت أغلب احللقات واملشاهد لتضطلع بأدوار سردية يف مواضـع دون ، وشخوصا ثانوية استدعاها السياق )إسرائيل

- هامـان – السحرة - امرأة فرعون –شعيب وابنتاه - موسى وأخته أم: (أخرىويتكشف كل موقف سردي عـن إضـاءة جديـدة ). الرجالن املقتتالن –السامري

.تتالحم مع غريها لتوضيح املالمح العامة للشخوص السياق القصصي الواحد، حبيـث الكثري من الصور ضمن املوضع أو تداخل -ن

صورة مواعـدة جند أن املوضع الواحد يشتمل على أكثر من صورة، من ذلك تشابك من جهة، مع صورة اإلشارة إىل عبادة بـين يف األلواح موسى مليقات ربه ونزول التوراة

بين إسرائيل البحـر وانفالقـه و موسى جماوزةإسرائيل العجل من جهة أخرى، وصورة وإذ نجينـاكم مـن آل : يف سورة البقرة فرعون وجنوده إغراق و ،هم من املطاردة تتنجيو

مــن لـاءب فــي ذلكـمو كماءنـس ونيتحـسيو كمــاءنأب ونحـذبـذاب يالع ــوءس ونكمومـسي نـوعفر ظيمع كمب49(ر(ا بكقنإذ فرو ونظـرتن أنـتمو نـوعا آل فرقنأغرو اكمنيفأنج رحالب م)50(

ونظالم أنتمده وعب ل منالعج اتخذتم لة ثملي عنيبى أروسنا مداعإذ و51(و(.

صي القرآين من فكـرة تقترب بنية الصورة االنسيابية ضمن اخلطاب القص -ص جتاوز رتابة وأهم ميزاتـه . يتحقق من خالل احلاسوب الذي hypertexteالنص املترابط،

ألنه يتكون من جمموعة من العقد أو الشذرات الـيت النط اخلطي على مستوى القراءة، يتصل بعضها ببعض، بواسطة روابط مرئية، ويسمح هذا النص باالنتقال من معلومة إىل

- استخدمنا هنا الشخوص personnes لتمييزها عن الشخصيات احلكائية personnages اليت تكون أنـسب

.يف تقديرنا لإلبداع السردي التخيلي الذي يتجلي يف القصص والروايات وسائر أجناس السرد

- 272-

، وأضحى النص املترابط يف عصر املعلوميات تقنية جديدة يف اإلبداع والقراءة 1رىأخمعا، واجلامع بني األمرين هو تشظي فعل تلقي اخلطاب، حيث يتيح إمكانات التفاعـل الباين القائم بني شىت العناصر اجلزئية للصورة األم، وإنعام النظر يف طبيعة هـذا الـنمط

ل الصور املشهدية وكأننا نتتبع نـصا إلكترونيـا عـرب شاشـة التصويري يدرك تفاع .احلاسوب، فننتقل بلمسة أو نقرة واحدة من صورة مشهدية إىل أخرى

وتفعل هذه السمة طاقة اإلحياء، مبا تتيحه للمتلقي من فرص إسهامه يف تـشكيل الية، فله اخليار الصورة وتوجيهها تبعا ملخيلته وشخصيته وملكاته الذهنية وحاالته االنفع

لالنطالق من أية صورة مشهدية شاء، وقراءا يف ضوء ترابطاا وعالقاـا اخلطابيـة .والسردية، وهذه السمة ملن مظاهر اإلعجاز يف التصوير القصصي القرآين

/ ت اإلبداع التفاعلي، املركز الثقايف العري، بريوت مدخل إىل مجاليا –سعيد يقطني، من النص إىل النص املترابط - 1

.264، ص 2005، .الدار البيضاء، ط

- 273-

)الثابتة(اسخة الصورة الر: املبحث الرابعلة علـى الـصور املباشـرة للدال) الصورة الثابتة (يصطنع نعيم اليايف مصطلح

احملدودة األبعاد اليت ال تنطوي على أي بعد إحيائي أو بـاطين، فاسـتقرت خطوطهـا، وتوقف منوها، ولعل هذا النمط التصويري أن يكون أكثر مالءمة للـشعر ذي الطـابع

ولكننا ال نوافقه حينما نفى أن تكون هلا أي قيمة إحيائية وقصرها . 1الوصفي والتقريري على األداء الوصفي التقريري، ألن األمر يف اخلطاب القرآين ليس كذلك، ومن هنا خنتار حنن اصطناع مصطلح الصورة الراسخة الذي يشي مبعىن ثبوت الصورة وقـوة متكنـها

) الراسخون يف العلم(فقد فسر الزخمشري . ها بقيم وظالل رامزة شكال، فضال عن إشعاع ومال البيضاوي أيضا إىل معـىن .2وا فيه بضرس قاطع نوا وعض ثبتوا فيه ومتك : بقوله

.3الثبات مقترنا بالتمكنلنتأمل جيدا املشاهد القصصية اآلتية، ونعاين ما انطوت عليه من صور راسخة

: األنعام يف سورةجاء. تعلق معظمها مبشاهد إهالك املكذبني

قب م منا إلى أملنسأر لقدو ونعتـضري ـملهاء لعالـضرـاء وأسبالب مـذناهفأخ 42(لـك( مهـاءلـا إذ جفلو فلما نـسوا مـا ذكـروا بـه )43( تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون بأسنا

.)44(حنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فت املشتقة من الفعل أبلس الذي جيمع بني معـاين )ونسبلم(لنتملى جيدا كلمة

، وهذه 4الرجاء من رمحة اهللا السكوت واليأس واحلزن واالنكسار والغم والقنوط وقطع املعاين توحي بالثبات والسكون الذي ال حراك بعده مطلقا، مما يـشي برباعـة األداء يف

.52 احلديث، ص الشعر العريبنعيم اليايف، تطور الصورة الفنية يف - 1 .366، ص 1ج الزخمشري، الكشاف، - 2دار إحياء التـراث العـريب، بـريوت، حممد عبد الرمحن املرعشلي، . تح أنوار التنزيل وأسرار التأويل، البيضاوي، - 3 .6، ص 2 ج)ت.د.(ط .483، 482، ص 1ولسان العرب، ج. 75، ص 1، وأساس البالعة، ج909، ص 3 الصحاح، ج - 4

- 274-

انتقاء اللفظ املناسب الدال على جزاء األمم السابقة اليت مل تعترب مبا أصاا مـن بأسـاء ا اهللا إىل أن أهلكها وضراء حل ا عقابا رادعا هلا، ولكنها متادت يف ضالهلا، فاستدرجه

بغتة، فآلت إىل مصري اإلبالس والوجوم، فانتفت إذاك أي حركـة، فجعلنـا األداء إزاء يف صورة ثابتة راسخة عن حال األقوام الذين كذبوا رسلهم واستهزؤوا م، كما أن

ولكن رسـوخ هـذه . 1اجلملة االمسية داللة على استقرارهم على تلك احلالة الفظيعة .رة ال يعين أا صامتة خرساء، وإمنا تفضي بلغة اإلحياء لتخيل للمتلقي هول العقابالصو

لقد وقفنا اخلطاب القرآين يف سوريت األعراف وهود على تفصيالت قـصص األداء مع قومه، ولئن كانت األحداث واحدة تقريبا يف كل منهما، إال أن شعيب من حوار بينه وبينهم، فقد حاول شعيب قـدر خيتلفان، فأورد اخلطاب ما جرى واملقام

وسعه نصحهم وزجرهم عن اإلقالع عن شركهم وباطل أفعاهلم صادرا عـن عاطفـة إنسانية إميانية، ولكن قومه قابلوا ذلك باملكابرة والعناد صادرين عن نفوس خبيثة منحطة

متـادوا يف ترصـده أمارة بالسوء، تأىب احملاورة اهلادفة منساقة خلف أهوائها الضالة، و .وأتباعه وديدهم بالقتل، إىل أن تتجلى قدرة اهللا النافذة يف أولئك القوم

وجتيء سورة أحرى لتختصر األحداث وتوجزها فيما تورده مـن إشـارة إىل قصص أنبياء آخرين أرسلهم اهللا اشتركوا يف املهمة ومواجهة الشرك وما يقتـضيه مـن

ل واجلزاء مشتركا ألقوامهم؛ إا سورة العنكبوت الـيت مواقف معادية، ولكن كان املآ وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في :ورد فيها قوله تعاىل

فسدينض م36(الأر (ال مذتهفأخ وهفكذب اثمنيج ارهموا في دحبفة فأصجر)37( . : يف سعينا لتحسس الصورة الثابتة على حـدث مـشهد احلـسم ونركز هنا

) اثمنيج ارهموا في دحبفة فأصجالر مذته؛ والـذي ورد لفظـه مطابقـا ملـا ورد يف )فأخ: ومقاربا ملا ورد يف هـود ) )91( فأصـبحوا فـي دارهـم جـاثمني فأخذتهم الرجفة : (األعراف

.134، ص 3إرشاد العقل السليم، ج - 1

- 275-

) ـارهموا فـي ديحـبة فأصحيوا الصظلم ذت الذينأخا وة منمحبر هعوا منآم الذينا وبيعا شنينا نجرأم اءا جلمو اثمني94(ج((.

احلركة واالضطراب األحداث على امتداد هذا النبأ القصـصي، مـن الزمتحالل مواقف احملاورة اليت تنم عن خالف عقدي وسلوكي وخلقي، ومن خالل اإلشارة إىل جرائم لئيكة املتصلة، واليت كان منها تطفيف الكيل وامليزان يف األسواق واالعتـداء

ىل حركة الزلزلة الشديدة اليت متخض عنها على الغري وعيثهم يف األرض فسادا، وانتهاء إ وسرعان ما احنسرت تلك احلركة وتوقف ذلك االضطراب مع . هالكهم وفاقا لسنة اهللا

) جامثني(، ويصور اسم الفاعل )فأصبحوا في دارهم جاثمني : (صورة اهلالك الذي حاق يهم .ثبات احملتومالذي وقع حاال من الضمري العائد على القوم هذا ال

وقـد . 1التلبد باألرض : فاجلثوم معجميا يشي بلزوم املكان وعدم مبارحته، أي على صدره يف األرض مع املكب: واجلامث: ورد املعىن يف التحرير والتنوير بشيء من الدقة

سكونا وانقطاعا عـن اضـطراب قبض ساقيه كما جيثوا األرنب، وملا كان ذلك أشد ة باملوت، وجيوز أن يكون املراد تشبيه حالة يف اآلية كناية عن مهود اجلث األعضاء استعمل

وقوعهم على وجوههم حني صعقوا حبالة اجلامث تفظيعا هليئة ميتتهم، واملعىن أم أصبحوا . 2جثثا هامدة ميتة على أبشع منظر مليت

ية متعددة يستفاد من ذلك أن اجلثوم يف هذا األداء الذي اطرد يف سياقات قصص تتصل مبشهد هالك قوم لئيكة وحىت قوم مثود؛ حييل إىل معىن السكون وانقطاع حركـة

، لريسم صورة يف منتهى اهلـول 3هامدين موتى ال حراك م اجلوارح حبيث صاروا وقد التفت الرازي أيضا إىل . والذعر والرعب، اهلدف منها فسح مساحة للعربة واالتعاظ

ا جامثني خامدين أم أصبحو : واملعىن: ن ضمن هذه الصورة قائال هيئة الثبات والسكو

.368، ص 31وتاج العروس، ج . 178، ص 2 لسان العرب، ج- 1 .176، ص 8 التحرير والتنوير، ج - 2 .165، ص 8وح املعاين، ج ر- 3

- 276-

الناس جثم أي : كون موتى، يقال ال يتحر م وال حيس فثبت ...ون بشيء قعود ال حراك ومن مظاهر التناسق يف هذه الصورة استخدام . 1أن اجلثوم عبارة عن السكون واخلمود

الثبات واالستقرار، وهذا على غرار لفظـة الدال على هيئة ) جامثني(صيغة اسم الفاعل .يف املثال السابق، مما يربز بشكل جلي رسوخ الصورة وخلوها من أي حركة) مبلسون(

فـضربنا علـى آذانهـم فـي الكهـف : تعاىل هلقووتطالعنا الصورة الراسخة أيضا يف لكرمية يف إجياز بديع وصف حـال الرقـاد تجمل هذه اآلية ا ، ف 11: الكهف ، سـنني عـددا

الطويل الذي قدره اهللا تعاىل ألصحاب الكهف يف صورة بيانية فنية جارية على طرائـق . ل الضرب على اآلذانث استعيـر لتلك احلال فعحبي، ازياألداء اإلعج

ضربنا عليها حجابـا مينـع : أي: شأنقوله ذا ال " اآللوسي"وقد ورد عن بأن جيعل الـضرب علـى ، راد أمنناهم إنامة ثقيلة ال تنبههم فيها األصوات وامل، اعالسم

3"الزخمـشري "م كـل مـن حنو هذا الفه ومال إىل ، 2اآلذان كناية عن اإلنامة الثقيلة ـ ، ن التصرف عته ثنيإذا : هضربته على يدي قولنا من ذلك و، 4"الرازي"و ن فعلى الرغم م

ل واملتمث، كان أبلغ يف أداء املعىن املقصود إال أنه ، )اباحلج(حذف املفعول به الذي هو . خص ا الفتية يف الكرامة اليتليتج اإلهلي امل التدبرييف وصف

اسـتنادا ،5اية عن جعلهم مستغرقني يف النوم آللوسي هذه الصورة كن ا وقد عد املطلق حينما أشار إىل أن الضرب على اآلذان يفيد فقد اإلحساس " الرماين"إىل مذهب إذ قـد ، ألن ذلك ال يقتضي فقد اإلحساس، وهو غري الضرب على األبصار ، بعمل إهلي

.ولكن السمع ال يفقده مع بقاء اآللة سليمة، يكون غري مبصر بإغماض

.135، ص 14 مفاتيح الغيب، ج - 1 .211 ص ،15م ، روح املعـاين- 2 .659، ص 2م ، الكشـاف- 3 . 83 ص ، 21ج ، مفاتيح الغيب - 4 .258، ص 15 روح املعاين، ج - 5

- 277-

البياين فحسب، وإمنا أيضا من حيث األداء هنا ال يكتسي قيمته رد التصوير وليتها من عنصر الثبات والسكون، بل إن البعد جتسيده للصورة الراسخة اليت تكتسي مجا

الـصورة يعد أداة لتجلية هـذه ) ضربنا على آذام (البياين من خالل استخدام عبارة ويتوضـح . وإبرازها وفتح مغاليق إحياءاا، ألنه ينطوي على داللة اتصال حالة الثبـات

:مد من السورة نفسهااألمر أكثر بالوقوف عند تفصيل حدث الرقاد العميق الطويل األ صـيد لـوـه بالوياعاسـط ذرب مهكلـبال ومالـش ذاتمني والـي ذات مهنقلبو قودر مهقاظا وأي مهبستحو

. )18(اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ويقتضي . 1فالرقاد هو النوم الطويل، وأصل النوم يشي باجلمود وسكون احلركة

الرقاد انقطاع صلة اإلنسان جزئيا عن عامله اخلارجي، مما يفضي إىل انعـدام حركتـه أن يتظاهر مظهـرا احلركـة األداءاإلرادية والشعورية معا، وغيبة إدراكه، ومن روعة

لثبات وإضاءته وتفعيله ضمن هذه الصورة، فتقليب الفيزيولوجي والنفسي إلبراز مشهد ا اهللا هلم ميينا ومشاال خالل رقادهم، حفظا هلا من اللصوق باألرض والتآكل، ومنظـرهم

أصـال، الذي يبعث على الذعر، ويدعو إىل الفرار، الذي مل يثبت أنه حصل من النيب هللا اليت جتلت يف تلـك وإمنا سيق وفق حركة نفسية افتراضية مساق التنبيه على عظمة ا

.ففي التولي بالفرار واالمتالء بالرعب حركة واضطراب فيزيولوجي ونفسي. اآليةالصورة املتحركة يف اخلطاب فالصورة الثابتة وإن كان حضورها قليال قياسا إىل

القصصي القرآين، إال أن السياق يلح عليها لغايات ومقاصد دينية تقوية ملواطن املوعظة عتبار، وال يعين اعتبارها راسخة ساكنة أا جامدة مجود املوات، أو أا ال تـضطلع واال

بأغراض تبليغية، وإمنا خنمن أا طافحة بطاقات إحيائية رامزة إىل قيم دينية وفنية ونفسية، .حبيث أن كل صورة منها تغدو لوحة بديعة ال تقل روعة عن سائر أمناط الصور

.372، ص 5 ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج - 1

- 278-

)التصوير بني السرعة والبطء(كة صورة املتحرال: املبحث اخلامس، إذ جنـد مظهر من مظاهر الوجود احلي احلركة ضد السكون والثبات، وهي

،1احلركة مسة املخلوقات بدءا من الذرة حىت ارة، وكذلك هي مسة الكائنات احليـة وجود الـصورة وإذ تعد احلركة عنصرا الفتا لالنتباه أكثر من سواه، أمكن الذهاب إىل

ة وارتباطها بالتصوير، ويف تراثنا البالغي نقع على إضاءات حول مجالية احلرك . 2احلركيةومن ذلك التفات اجلرجاين إىل وجه الشبه احلاصل بني طريف التشبيه، حيث استنتج أنـه

واللون وحنومهـا، األوصاف كالشكل بغريها من اهليئة أن تقترن إما: يكون يف مظهرين .3 غريهاراد ال ي من كل وصف، حبيثأن تجرد هيئة احلركة وإما

جبمال احلركة، ورأى أا قويـة ورشـيقة " جويو"وقد احتفى الناقد الفرنسي فاجلمال األمسى يف احلركات، إنه يأيت : وبطيئة، مشريا إىل أا منسجمة مع الفكرة قائال جند تعليله الصحيح، فال بد من الصعود إىل من فوق، ويأيت من أفق اإلرادة والعواطف، ولكي

تتسم بالتحول من وضع إىل آخـر، فيترتـب عنـها اإلرادة والعواطف ، ف 4هذا األفق .، ويبعث على االلتذاذالتجدد الذي يقضي على اجلمود والرتابة

وإذا كان اليايف مييز بني الصورة احلركية والصورة املتحركة علـى أسـاس أن ة على املستوى التخيلي، يف حني أن الثانية حتيل إىل حركة على املـستوى األوىل حرك

يتأبى مطلقـا وعينا أن التصوير يف اخلطاب القرآين ، فإننا من باب 5املوضوعي اخلارجي الصورة املتحركة اليت تقتضي رصد حلركـة اجلـسم ، ال نقبل منه إال اخليالعن فاعلية

.رة االستعارة املكنيةوغالبا ما تقوم يف صو. املتحرك

.166لقرآن الكرمي، ص أمحد ياسوف، دراسات فنية يف ا- 1 .166 املرجع نفسه، ص - 2 . من الرسالة148الصفحة : وينظر. وما بعدها145 أسرار البالغة، ص - 3 .48 ص جان ماري، مسائل فلسفة الفن املعاصرة،،جويو - 4 .168 احلديث، صالشعر العريب نعيم اليايف، تطور الصورة الفنية يف - 5

- 279-

فهي قوية، سريعة، بطيئة، تتسم احلركة ضمن التصوير القرآين بسمة التنوع، واملهم يف حركة التصوير القـرآين ... شاقولية، دائرية، أفقية، باطنية، ظاهرة، وغري هذا

األلفاظ احلركة يف ف. 1أا مؤثرة وإن مل يستطع املتلقي متابعة أبعادها املكانية والنفسية ولكنها عميقة من حيث فاترة، القرآنية ميكن أن تأيت عنيفة قوية، وميكن أن جتيء هادئة

ة مها الصيغة وهيئة نطقها وطبيعـة جمغزاها، وتتظاهر على إبرازها عناصر عدسـها روإيقاعها، ويأخذ فيها التصوير طابع الدقة واإلحكام، وهي يف كل ذلك ختلع احلياة على

نات الطبيعية، أو املتحركة اليت تزيدها حركة فـوق حركتـها، أو االنفعـاالت الكائ . الوجدانية

وبإنعام النظر يف اخلطاب القصصي القرآين يتراءى لنا جتليـان مـن الـصور املتحركة، أحدمها يتحرك يف بطء، أما اآلخر فيتحرك سريعا، وحينما نتحـدث عـن

هلاتني احلركتني، يتصل األول بطبيعة احلركة ضمن السرعة والبطء نكون بإزاء مستويني األحداث ذاا من حيث نظام تسلسلها، وأما الثاين فيتصل بالسرعة والبطء الـسرديني،

.أي مستوى سرد األحداث أو ما يعرف يف حقل السرديات باالستغراق الزمين .ومن هنا سيكون احلديث عن الصور السريعة والصور البطيئة

: احلركية السريعة الصورة–أ سبق أن أومأنا يف سياق حديثنا عن صورة االستواء والتسوية بوصفها مـصدرا من مصادر الصورة يف اخلطاب القصصي القرآين اليت ترتد إىل العامل الغييب؛ إىل طريقـة

: سورة األعراف األداء يف تصوير سرعة حركة تعاقب الليل والنهار يف قوله تعاىل من ... ثيثـا ثمح ـهطلبي ـارهـل النغشي الليش يرلى العى عتو54( ... اس( . فالصورة ههنا غري ثابتـة

.وإمنا متحركة وحركتها سريعة كما يوحي ا اللفظ القرآين

.168ية يف القرآن الكرمي، ص أمحد يسوف، دراسات فن- 1

- 280-

الصورة احلركية السريعة، ذلك ومن أكثر قصص القرآن الكرمي الذي يقفنا عند مع قومه من جهة، وما كان مـن أمـر ى لنيب اهللا لوط الذي يتصل بذكر ما جر

ولعل الالفت لالنتباه أن جل املواضع اليت ورد فيهـا . املالئكة املرسلني النتقام من قومه تتميز بسرعة مضي شـريط ) هود، احلجر، الشعراء، الذاريات، النمل، القمر (هذا النبأ

بيا، وحناول تتبـع مـسار األحـداث األحداث، رغم بعض التفصيالت اليت ميزا نس وتطورها يف سورة هود، فبعد سرد مشهد ضيف إبراهيم اخلليل، وإكرامه هلم، ووجلـه منهم لما الحظ إعراضهم عن الطعام، ودئتهم من روعه ببشرى الغالم اليت سرته مـع

للرسل هيم ، وجمادلة إبرا امرأته، وإخباره بأم جاؤوا إلنفاذ أمر اهللا يف قوم لوط حلما وترفقا بأولئك القوم؛ أقول بعد سرد ذلك املشهد، انتقل ليـصور لنـا تفاصـيل

. وقومهاألحداث املرتبطة بلوط ولتحسس حركة السرعة يف األحداث واملشاهد نرتئي عرضها متتابعة حـسب

:تسلسلها حكيا وسردا .هقومصيبهم أذى أن ي نزول الرسل عند لوط، وضيقه ذرعا مبجيئهم خشية-1 . مسارعة قومه إليه مستبشرين فور علمهم خبرب الضيوف، كي يتحرشوا م-2 . ي لوط قومه عن خبيث أعماهلم، وعرضه عليهم بناته قصد تزوجيهم منهن-3 . مكابرم امتثاال لنزوام املريضة املنافية للفطرة، وإصرارهم على مقارفة اإلمث-4 .مأنة ضيفه له بإعالمه أم رسل اهللا الذي سينجيه منهم جزع لوط الشديد، وط-5باإلسراء بأهله واخلروج من القرية ليال من غري التفـات، أمر الرسل لوطا -6

.كني، ألا خانته وناصرت قومهلهوإعالمه أن امرأته ستكون من املـ نزول العقاب اإلهلي بقوم لوط -7 ل مصبحني، وخسفه م األرض حبيث جع

مة من سجيلعاليها سافلها وإمطارهم حبجارة مسو.

- 281-

لعل أبرز ما يتراءى للنظر أن عرض األحداث جاء سريعا، وينم عن ذلك حركة األداء يريد أن يطوي هـذا النبـأ الـشنيع التتابع والتعاقب اليت انتظمت السرد، وكأن

والدناءة والرذالة، ويف ويتخفف من إفضاءاته اليت تتصل بسلوك غاية يف الوضاعة والقبح ذلك ترفق مبشاعر السامع وتلطف بفطرته وصون حليائه من أن يخدش مبا يكدره بنحو

.هذه األفعال املخجلة، ويشي مثل هذا األداء بأدب قرآين سامقوجتلت سرعة احلركة من خالل اإليقاعات السريعة، اليت جتردت من أي تعقيب

مع أغلب قصص القرآن، فجاء التركيز السردي بنسبة فائقة، كما هو األمر تبليغي إهلي وخال مما يسمى يف النقد الروائي بالوظيفة التعليقية أو اإليديولوجية الـيت تقتـضي أن يتدخل السارد يف سياق السرد بني الفينة واألخرى من خالل نشاط تأويلي كي يعلـل

.1قيمة نفسية أو اجتماعية أو فكرية أو عقدية ماسـوء وقد ناسبت سرعة احلركة، مغزى سورة هود اإلمجايل املتمثل يف بيان

، وهـذا 2صنيع األمم السالفة مع الرسل املرسلة إليهم وحلوق العذاب م بسبب ذلك وتروحيا عن نفسه، ملا كان يلقاه من صدود وجحود، فاقتضى تسلية عن خاطر النيب

.ز أن حاهلم شبيه حبال األقوام السابقنيالسياق إيراد طائفة من القصص ترب، حيث يشي األداء )مما قال سال قالوا سال : (وأول ما يوحي بتلك السرعة قوله

، فتخير صيغة اسم الفاعل )وإنهم آتيهم عذاب غير مردود (ههنا بسرعة تبادل التحية م مقضيا عليهم فهو يف حكم األمر النافذ، الذي الذي دل على أن العذاب ما دا ) آتيهم(

، فاقتضى حذف الفاعل متاشيا ) م سيء(كما ورد الفعل ساء بصيغة اهول . ال مرد له مع موقف السرعة من جهة، ودفعا لتوهم أنه غري راغب يف تضييفهم، من جهة أخرى،

سـاءه افة، وإمنـا ألن ما ساءه ليس جميئهم يف حد ذاته وما يقتضيه من واجب الضي

.109 مجيل شاكر ومسري املرزوقي، مدخل إىل نظرية القصة، ص - 1 .224، ص 4 أبو السعود، إرشاد العقل السليم، ج- 2

- 282-

م جاؤوه يف صورة غلمان فظنم أناس فخاف عليهم أن يقصدهم قومـه جميئهم ألأ .وذلك من مظاهر التناسق الفين. 1فيعجز عن مدافعتهم

فاإلهراع ): وجاءه قومه يهرعون إليه (وتأيت يف سياق املشهد القصصي عبارة أصل صحيح يدل علـى : اهلاء والراء والعني إىل أن سوذهب ابن فار . اإلسراعمعناه

بال خال من كل اتزان، فقد فدل على أن جميئهم مل يكن طبيعيا .2حركة واضطراب انطوى التصوير على انسجام حركتهم النفسية الداخلية مع حركة إسراعهم اخلارجية، إذ

ه حيث : قال أبو عبيدةثون إليه، كأنحتسهم كـبريهم أو حيـث بعـضهم بعـضا أي ي فاحلركة هنا تصور سرعة قدوم القوم املنحرفني إىل .3، أو الطمع يف الفاحشة ويسوقهم

، ظنا منهم أم سيصيبون بداره ضالتهم اآلمثة، ويف ذلك إيعاز إىل قوة متكـن لوط االعتـداء تلك اجلرمية الشنعاء من غرائزهم املنحطة، لدرجة حرصهم الـشديد علـى

.والتحرش بكل شخص ذكر رد مساعهم حبلوله قريتهم، حىت وأن مل يشاهدوهسرعة احلركة يف هذا اخلطاب القصصي اإلشارة إىل املرسلني بصيغة ومما يشي ب

، فكأمنا ختفف األداء من صيغة اجلمع ليزيد يف إيقـاع ) تخزون في ضيفي الو: (املفردـ يف . ، كما قام الطفل مقام األطفال الضيف ههنا قائم مقام األضياف سرعة الصورة، ف

وجيوز أن يكون الضيف ،31: النور؛)اءسات النـ رو على عأو الطفل الذين لم يظهروا (: قوله تعاىل .4رجال صوم: مصدرا فيستغىن عن مجعه كما يقال

طبيعـة املوقـف وغمه سرعان ما ينجليان، ويغيران من إن جزع لوط فأسر (وجييء امللفوظ السردي . السردي، مبجرد أن طمأنه املرسلون وأبلغوه أمر اهللا فيهم

، موحيا ببداية النهاية من خالل فاء التعقيب، اليت تقتضي تعجيل )بأهلك بقطع من الليل

.142، ص 3، ج أنوار التنزيل وأسرار التأويل البيضاوي، - 1 .47، ص 6 ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج- 2 .105، ص 12املعاين، ج اآللوسي، روح : ينظر- 3 .28، ص 18ج الرازي، مفاتيح الغيب، - 4

- 283-

ضرب موعد اخلـروج واقتضت سرعة الصورة أن ي . الفعل واإلجناز دومنا تباطؤ أو تراخ .من القرية ليال دومنا انتظار للصباح

، )إنه مصيبها ما أصـابهم : (ومن القرائن الدالة على سرعة احلركة قوله تعاىل أن هالكهم أمر يقيين حمسوم، فنستشف منه على الدال )مصيبها (فأتى بلفظ اسم الفاعل

إن موعـدهم ( :أورد الزخمشري يف قوله تعـاىل وقد .معىن سرعة إنفاذ قضاء اهللا فيهم ،الـصبح : مىت موعد هالكهم؟ قالوا : قال هلم لوطا أن) الصبح أليس الصبح بقريب

أن : ، ورأى سيد قطـب 1)أليس الصبح بقريب (: فقالوا. أريد أسرع من ذلك : فقال .2 لتقريب املوعـد وتأكيـده ،ا ذاقإنعاش نفس لوط بعد مسؤال هذا غرض هذا ال

.ومجيع ذلك يعزز حركة السرعة اليت متيز الصورة يف هذا اخلطابومثلما تتابعت املشاهد يف حركة سريعة، أتى مشهد احلسم بني احلق والباطـل سريعا أيضا فقد بغتتهم الصيحة مصبحني، مبجرد أن انقضى الليل، ودمرت قريتهم عن

ا سافلها، وأمطرهم اهللا حبجارة من سجيل، لقد جرى كـل ذلـك آخرها، وصار عاليه مسومة )82(فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود : كلمح البصر

. )83(عند ربك وما هي من الظالمني ببعيد وأخريا نود أن نضيء ملمحا استرعى انتباهنا وحنن منعن التـدقيق يف حتـسس

الذي حييـل إىل ) جعلنا عاليها سافلها (صورة إهالك قوم لوط، ذلك أن األداء يف عبارة العقاب، جاء منسجما مع سلوك أولئك القوم اآلمث، الذي قلب سلم القـيم األخالقيـة

وقلب الفطرة اإلنسانية رأسا على عقب، فكان اجلزاء من جنس العمـل، واالجتماعية، وذلك صنيع بديع ال ينأى عن مسة اإلعجاز، تفرد به األداء القرآين عمومـا واجلانـب

.وهذا مما نقدر أنه بعد فين حيوي يف منهج التصوير القرآين. القصصي منه خباصة

.392، ص 2 الكشاف، ج - 1 .1915، ص 4 يف ظالل القرآن، مج - 2

- 284-

نها قوله تعاىل يف سياق تصويره ولذلك نظائر كثرية اطردت يف هذا اخلطاب، م ، فقـد الءم 78 :طـه ، )مهيش من اليم ما غـ فغشيهم فأتبعهم فرعون بجنوده : (إلهالك فرعون

التعبري القرآين ما بني عرض صورة الغرق، وبني حال الظلم الشديد الذي متـادى فيـه غرق يف سوء : البحر؛ فكان الغرق غرقني فرعون وأتباعه حىت غرقوا فيه مثلما غرقوا يف

العمل، وغرق يف سوء العاقبة واجلزاء، لتنسجم الواقعة السلوكية مع الواقعة العقابيـة يف .أداء بديع

: الصورة احلركية البطيئة-بوعلى غرار الصور السريعة، يتراءى تباطؤ احلركة يف صور عديدة أخرى حفل

: أحد الدارسني متمليا مجال احلركة يف قوله تعـاىل ا اخلطاب القصصي القرآين، يقول ــئيهيتـه ومحر مــن كـمبر لكــم رـشنـف يوا إلــى الكهفـأو ــه وإذ اعتزلتمـوهم ومـا يعبــدون إلـا الل

م الرمحـة، وهـو جسفههنا حال انسياب ي: 16: ، الكهفلكم من أمركم مرفقا املضارعة تعضد مـشهد الـبطء انسياب يفضي إىل اتساع لطيف، يف مساحة الرمحة، و

لقد استلزم طول مدة بقـائهم يف . 1 وموقف لرمحة يف كل حال ا سب وجود االذي ين ـم الكهف بسط مقدار عظيم من الرمحة اليت اقتضت حركة وئيدة بطيئة رفقا ولطفا

.دم واحليلولة دون أن يسري اخلوف إليهابداعي دفع اجلزع عن أفئ على هذا النمط من التصوير، يف سياق تلك وينطوي قصص سيدنا إبراهيم

التأمالت الكونية يف ملكوت السماوات واألرض اليت انتهت بإبراهيم إىل اليقني، وهو ما عنـد ميكن أن ينسحب عليه مفهوم بيان النصبة لدى اجلاحظ، لذلك حنبذ أن نتوقـف

قال اهللا تعـاىل يف . جانب من وقائعه، حىت نتبين دواعي فتور السرعة وأسرار قلة حدا فلما )75(وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنني : سورة األنعام

.191 صأمحد ياسوف، دراسات فنية يف القرآن الكرمي، - 1

- 285-

فلما رأى القمر بازغا قال هذا )76(ال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلني جن عليه الليل رأى كوكبا ق م الضالنيالقو من ي لأكوننبدني رهي لم ا أفل قال لئني فلمبازغـة قـ )77(رب سمأى الـشا رـي فلمبـذا رال ه ركونـا تـشمم ريءم إني با قوقال ي ا أفلتفلم رذا أكبات )78(هاومالـس للـذي فطـر هـيجو ـتهجإنـي و

ركنيشالم ا أنا منمنيفا وح ضالأر79(و(

رية بطيئة متراخية مشهدا إميانيا حامسا قـاد تصور لنا هذه اآليات احلكيمة يف وت اخلليل إبراهيم إىل اليقني بوحدانية اهللا، وقد اقتضى ذلك البطء تصوير املنطق احلجاجي

يف عملية االستدالل على ربوبية اهللا تعاىل وألوهيتـه الربهاين، الذي صدر عنه اخلليل يتجلى الربهان دفعة واحـدة، بـل أمام قومه املنغمسني يف مستنقع الشرك والوثنية، ومل

:تأدى إليه يف هدوء وتؤدة، عرب مراحل ثالث نوضحها من خالل اجلدول اآليت

مراحل احلجاج اإلبراهيمي

ية جاجاحل قدماتامل )الفرض اجلديل(

اإلحياء احلجاجي النتيجة احلجاجية املالحظة

مشهد الكوكب املرحلة األوىل )احلجة األوىل(

أفـل )صغري(

الآفلني لا أحب إثارة الشك والشبهة

مشهد القمر بازغا املرحلة الثانية )احلجة الثانية(

أفـل )كبري(

من ني لأكونبدني رهي لم لئنالنيم الضالقو

تعاظم الشكوزلزلة املعتقد

الوثين

مشهد الشمس بازغة املرحلة الثالثة )الثالثةاحلجة (

أفـلت )أكرب(

يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي )78(

فطر السماوات والأرض حنيفا ركنيشالم ا منا أنم79(و(

إقامة احلجة باليقيـن التام

- 286-

ثالث اليت تنطلق من تأمالت إبراهيم وإنعام النظر يف هذه الوقفات احلجاجية ال ا تشترك يف حقل داليل واحد وهو حقـل الظـواهر واألجـرامالكونية يدرك أ

من علم بالنجوم أو ما يقترب مما الفلكية، وذلك وفاقا ملا نبغ فيه قوم إبراهيم اخلليل لك منروذ نصطلح عليه يف هذا العصر بعلم الفلك، وحىت موقفه احلجاجي الذي أفحم امل

قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فـأت بهـا ... : بالربهان الدامغ توسل حبركة الفلك الظالمني مدي القوهلا ي اللهو الذي كفر هتغرب فبالم 258(من( .

تقال من مقدمة إىل نتيجة جزئية، لتغدو هذه النتيجة ويقتضي منطق احلجاج االن وال يتسنى االنتهاء إىل أي نتيجة إال مـن . مقدمة ثانية يتعزز ا موقف احلجاج، وهكذا

خالل مالحظة نرصدها مع كل مرحلة من مراحل احلجاج اليت تأسس عليها، ليفـضي ويرد التكرار البالغي لتعزيـز . ية وإميانية األمر إىل إحياءات مرحلية تتضمن مقررات تبليغ

هـذا (، ) اآلفلني - أفلت -أفل (، )بازغا(، )رأى(: صورة احلركة البطيئة، ومن ذلك .، فالصورة ليست ثابتة أو جامدة، وإمنا تتحرك يف بطء، استجابة ملقتضى حجاجي)ربي

، آلهـتكم إن كنـتم فـاعلني قالوا حرقوه وانصروا : وقال اهللا تعاىل يف سياق آخر سلك إبراهيم اخلليل مع قومه مسلك احملاجـة، ودمغهـم بـسلطان بعد أن ،68: األنبياء

رعت شبهته طل إذا ق ؛ وهكذا املب لبوا بإهالكه أمجعوا رأيهم ملا غ الربهان العقلي الساطع كمـا بق له مفزع إال مناصبته ومل ي . باحلجة وافتضح، مل يكن أحد أبغض إليه من احملق ،

الوعيد بصيغة املبالغة يف ، فجاء 1 حني عجزوا عن املعارضة فعلت قريش برسول اهللا .2فا حرقا متلمبعىن، )قوهحر(احلرق

وترسم هذه الصيغة صورة رغبتهم يف التنكيل جبسده الشريف مما يستلزم التلبث يالما له، وأدعى اللتذاذهم مبشهد تعذيبـه، وتوخي البطء حىت يكون وقع العقاب أكثر إ

.126، ص 3 الكشاف، ج- 1 .105، ص 17 الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، ج - 2

- 287-

حبيث تأكله النار شيئا فشيئا، وأتى تضعيف الراء ليوحي صوتيا بثقل حركـة التبطئـة، أحرقوه، لكان فيـه إحيـاء : فضال عن كونه صوتا تكراريا، وهذا خبالف لو قالوا مثال

ا التعبري القـرآين مـن بسرعة احلركة، ألن النار تلتهم سريعا ما يلقى فيها، فقد صور لن .خالل هذه الصيغة فظاعة جرمهم أبلغ تصوير

وانظـر إلـى إلهـك... : ونقع على حنو هذه الصيغة يف سورة طه، إذ يقول اهللا تعاىل توبيخ موسى اق وذلك يف سي. )97(الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه فـي الـيم نـسفا اإلحراق الـشديد، أي : والتحريقللسامري وتقريعه على اختاذ العجل إهلا أثناء غيابه،

لنحروأراد به أن يذيبه بالنار . ه إحراقا ال يدع له شكال قن1 ،التحريق أيضا هنا ويوحييغتا املبالغـة ، لتؤدي ص)لننسفنه(مبعىن ثقل احلركة اليت تقويها حركة فعل آخر اقترن به املتخذ إهلا ال يقوى على دفع العجلهاتان موقف العربة الدينية املنوط ما، وهو بيان أن

وال تـزال . عن نفسه، فال تزال النار تأيت عليه عضوا عضوا وهو جامد بال حراك األذى .أشالؤه تتناثر رمادا يف اليم، وهو ال ميلك لنفسه وال لغريه نفعا أو ضرا

وهو يعاين بإنكـار عقلـي النفسية لدى موسى احلركةبطء رونستشعمشاهد األفعال الثالث املنكرة يف ظاهرها اليت قام ا العبد الصاحل، من دون أن ميلـك أدىن تفسري هلا، سيما أنه اضطر إىل قبول شرطه بالصرب عن سؤاله، ليظفر بصحبته ويفيد

من ) 82 - 71( هذه احلركة البطيئة اآليات من علمه اللدين الذي خصه اهللا به، وتصور ننا حتليل هذه الصورة بتقصي مالحمها الدالة علـى بـطء احلركـة ميكو. سورة الكهف

:النفسية لدى موسى من خالل اجلدول التوضيحي اآليت

.300، ص 16 نفسه، ج املصدر - 1

- 288-

اعتذار موسى مؤاخذة اخلضر إنكار موسى أفعال اخلضر

خرق :الفعل األول سفينة المساكين

قترا أخلهأه رقغا لته لقد جئت شيئا إمرا

لن كأقل إن ألم تستطيع معي صبرا

لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا

ل ـقت: الفعل الثاني الغالم

أقتلت نفسا زكية بغير د جئت شيئا نفس لق

كران

لن كإن أقل لك ألم تستطيع معي صبرا

إن سألتك عن شيء بعدها من تلغب ني قداحبصفلا ت

لدني عذرا

قامةإ: الفعل الثالث بالقرية التي الجدار

أبى أهلها تضييفهما

لات شئت ه لوليع ذتخ أجرا

نكيبني ويب اقذا فره ا لمأويل مبت ئكبأنس

تستطع عليه صبرا

قام به اخلضر لقي ألول وهلة إنكار موسى، ألنه تسرع وبىن نلحظ أن كل فعل عبـد الـصاحل حكمه على مقتضى ظاهره العقلي، ولكنه سرعان ما يلتمس العذر من ال

فتعجله يف إنكار تلك األفعال الـذي . مبجرد أن يؤاخذه بأنه ال يقوى على التزام الصرب اقتضى رغبته الشديدة يف معرفة دواعي اخلضر إىل القيام ا؛ يصور تلك احلركة النفسية البطيئة اليت كان جيدها يف داخله وجيهد ألن يسرع من وتريا، فيجد شرط العبد الصاحل بالصرب عن السؤال حائال يترصده يف كل مرة، إىل أن استنفد مجيع األعذار اليت تـسوغ

.استمرار اتباع العبد الصاحل قصد اإلصابة من علمه: ويتوسل األداء يف تصوير حركة البطء باصطناع فعل واحد جاء يف صـيغتني

) تـسطع (ثانية تأويل تلك األفعال، وال حينما خفي على موسى ) تستطع(األوىل بـالتخفيف إمنا خص : بعدما علمها، فحذف تاء االستفعال من الفعل، وذكر يف ذلك

على موسى عليه السالم ما لقيه ببيان سببه لإلشارة إىل أنه خف 1 . وكأن إثبات التـاء

.14، ص 16 اآللوسي، روح املعاين، ج - 1

- 289-

انسجم مع ما كان جيده موسى من ثقل بطأ من وقع األفعال يف نفسه، كمـا انـسجم . ال ذلك الثقل الذي صاحب استغرابه بعد انكشاف األمرحذفها أيضا مع زو

أن املقام يف اآلية األوىل مقـام بيد أن هناك من طرح تعليال آخر بالذهاب إىل وأما اآلية األخرى، فهي مقام مفارقـة ومل . شرح وإيضاح وتبيني، فلم حيذف من الفعل

احملذوفة يف املوضع الثـاين فدلت التاء ،1يتكلم بعدها بكلمة وفارقه فحذف من الفعل . على تلك احلركة النفسية البطيئة اليت كان جيدها موسى مع كل فعل قام بـه اخلـضر

. ولكن ذلك البطء سرعان مازال مبجرد أن اطلع على سر تلك األفعالوال نطمئن أخريا للموقف القائل إن املخالفة بني الصيغتني جاءت للتفنن تفاديا

، ألن هدف التعبري القرآين أمسى من أن يراعي بعـد 2ينه مع وجود مرادفه إلعادة لفظ بع ، مث إن مقولـة 3التفنن مادام كل حرف موضوعا لقصد معين، وال يرد بشكل اعتباطي

الترادف ضمن األداء القرآين تعد إشكاال سجاليا، إذ ال تزال اآلراء تتجاذا بني منتصر .حرج منها ويرى فيها قدحا يف خصوصية اإلعجاز القرآينهلا مقر مبشروعيتها، ومنكر يت

ونرتئي وحنن نتحدث عن بالغة الـصورة احلركيـة ومجالياـا يف اخلطـاب القصصي القرآين، أن نشري إىل منط من احلركة الذي يتصل باإلشارة، فقد عد اجلـاحظ

د وبالرأس وبالعني بالي وعدها ظهريا للفظ، فقد تكون من أقسام البيان بيان اإلشارة ض رافـع الـسوط دتباعد الشخصان وبالثوب وبالسيف وقد يتهد إذاواحلاجب واملنكب

وكثريا ما تـداولت 4رادعا ويكون وعيدا وحتذيرا ومانعا را جوالسيف فيكون ذلك زا

.19 فاضل صاحل السامرائي، بالغة الكلمة يف التعبري القرآين، ص - 1 .15، ص 16 الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، ج - 2 . وما بعدها75 ، والتعبري القرآين، ص11 فاضل صاحل السامرائي، بالغة الكلمة يف التعبري القرآين، ص - 3 .77، ص 1 اجلاحظ، البيان والتبيني، ج- 4

- 290-

، يف مقام التدليل على احلرية ما يل أراك تقدم رجال وتؤخر أخرى : العرب احلكمة القائلة .1دد، ليجري الكالم جمرى االستعارة التمثيليةوالتر

الة جييء بنسبة الرس الناجم عن تأثريالهناك دراسة توصل منها صاحبها إىل أن ومما يطرأ على ارى الصائت مـن ظـواهر % 38 ارى الصامت، وبنسبة% 7من

لك على فدل ذ. 2من ارى التصويري احلركي55 % بنسبة التنغيم ودرجة الصوت، و .أننا نعمد إىل االستعانة بالصورة احلركية يف جانب كبري من مواقفنا التعبريية

ميكن حصر ضربني من الصور احلركية، فمنها ما هو فطري ال قبل مبحاكاتـه، البهجة واحلزن واالمشئزاز واخلوف والغـضب والدهـشة، : وقد جتلى يف ستة معان هي

اب إما باحملاكاة والتقليـد، وإمـا بالدربـة وضرب آخر يتخلق لدى الشخص باالكتس واملراس كالغمز بطرف العني، وإشارات شرطي املرور، وإشارات التواصل لدى الـصم

.3والبكمأوهلما فـضلها يف وهناك مزيتان لورود احلركات اجلسمية يف اخلطاب القرآين

ومن مناذج ذلك قوله .4أداء املعىن وتشخيصه، وثانيهما ارتفاع الكالم إىل طبقة الفصاحة فأشـارت إليـه قـالوا كيـف : وهي تواجه قومها مبولودهـا بشأن مرمي العذراء تعاىل

فكانت حركة اإلشارة أبلغ مـن اإلفـضاء . 29: مرمي ،نكلم من كـان فـي المهـد صـبيا ل على عظمة اهللا وقدرته اليت الكالمي، ويف هذا إحياء إىل أن إشارا كانت كافية للتدلي

ولذلك عد ابن املقفع اإلشارة من الوجوه اليت تتأدى منها ،جتلت يف معجزة عيسى

.134، و 132اجلرجاين، دالئل اإلعجاز، - 1ثقافة (أعمال مؤمتر جامعة فيالدلفيا الدويل الثاين عشر حول مهدي أسعد عرار، الصورة احلركية وأثرها يف اإلبانة، - 2

.46، ص 2008، عمان، )الصورة يف األدب والنقد .46ملرجع نفسه، ص ا - 3 .60 املرجع نفسه، ص - 4

- 291-

فأقبلـت امرأتـه فـي صـرة فـصكت وجههـا وقالـت عجـوز : ومن ذلك أيضا قوله تعاىل . 1البالغة قيمع، ت و ها لوجهها بصكفاملقصود . 29:ذارياتالا ضجضـربت بيـدها علـى أ

.2 من أمر تستهولنهب النساء عند التعجحال هيوجهها كما ومن الصور احلركية اإلشارية كذلك قوله تعاىل واصفا موقف العجز واحلـرية

،)65(قـون ثـم نكـسوا علـى رءوسـهم لقـد علمـت مـا هؤلـاء ينط :الذي انتاب قوم إبراهيم الكرميـة سياق اآليـة ههنا صورة حركة الرأس اخلفيض املتطامن، ذلك أن .65: األنبياء

أفضت إىل ولوجهم يف باب احلـرية ورجـع يوحي أن مساءلة إبراهيم اخلليل املفحمة النظر وإطراق يف التفكري، وللمرء أن يتصور حال من ال حجة له حني يساءل فـيفحم

التفكري والتنقري والتأمل، إخال أن حركة رأسه ستكون على اهليئة املرسـومة فيغرق يف .3آنفا، املنبئة عن ارتكاسه، وأول خاطر ورد على نفوسهم أن هؤالء ال ينطقون

فترد هنا اإلشارة ضمن هذا املوقف احلجاجي لتشي بلحظة جتلت فيها الفطـرة ال أن وقعها كان ثقيال على أنفسهم، بعد لربهة قصرية غالبا، إ يف نفوس قوم إبراهيم

أن سأهلم مبنتهى احلكمة والذكاء سؤاال قطع هلم بالربهان الدامغ منافذ التخبط واالدعاء، .ومل تكن هلم من إجابة سوى هذه اإلشارة اليت جتلت يف صورة حركية موحية

.116، ص 1 اجلاحظ، البيان والتبيني، ج - 1 .1407ض ، والشوكاين، فتح القدير، 138، ص 8 البحر احمليط، ج- 2 .60 ، ص...أعمال مؤمتر جامعة فيالدلفيا مهدي أسعد عرار، الصورة احلركية وأثرها يف اإلبانة، - 3

- 292-

- 293-

:متهيد

يعد اإلدراك احلسي للموضوع اجلمايل أول مراحل التجربـة الفنيـة، وذلـك بوساطة احلواس اخلمس، ليقوم املخ بعد ذلك بترمجة املوجات احلـسية إىل مـدركات عقلية، لتتجلى ثانية يف صورة انفعاالت وأحاسيس، ومن هنا تتبدى قيمة تلك احلـواس

ن قدرة يف اإلحساس اجلمايل، فال ندرك مجال األشكال واأللوان، وعذوبة اليت تكشف ع . 1األنغام وإيقاعات األصوات، وعبق الروائح من دون احلواس املؤدية لهالعقـل ووظائفـه : لقد خاطب القرآن الكرمي يف اإلنسان كافة قدراته وملكاته

حمكم تنزيله بقيمة احلـواس ومن هنا أشاد البارئ يف . والقلب وخطراته واحلس وبؤره وارتبط كـل – على غرار البهائم والدواب –اخلمس اليت حبا ا خلقه من بين البشر

نوع منها مبغزى ديين معين؛ فقد جاء ذكر السمع والبصر مقترنا بسياق امتنانه عز وجل ون أمهـاتكم لـا تعلمـون شـيئا والله أخرجكم مـن بطـ :بنعمه على عباده، مصداقا لقوله تعاىل

ل لكمعجو ونكرتـش لكـملع ةالأفئـدو ارصالأبو عمالس ،وكذا قوله تعـاىل . 78: النحل : به لك سا ليم لا تقفورصالبو عمالس إن كعلم كل أولئك ادالفؤئولا وسم هنع ان ،36 :اإلسراء.

والزمت حاسة الذوق جمازيا غالبا مواضع السخط والنقمة والعذاب، تقريعـا : للمكذبني واملخالفني وإزراء وكما م، يقول جل من قائـل يف سـورة الـصافات

ذاب الأليم إلذائقو الع 38(نكم( .ما يكون يف ذلك إيعازتـه مـن وربإحيائي ملا قد يفو جاراهم على نفسه من طيب املذوقات وألذها يف اآلخرة، فيكون وقع احلسرة والنـدم

. أشد يف نفوسهم وأمكن

.83 ص وير اجلمايل يف القرآن الكرمي، عيد سعد يونس، التص - 1

- 294-

الشم يف نص الوحي، ومل ترد يف حدود استقصائنا إال يف ة حاس قد ندر ذكر واألندلسي سبب وقد عزا أبو حيان . موضع وحيد سنأيت على اإلملام به من سورة يوسف

حتى إذا ما جاءوهـا : عدم ذكر املشمومات ضمن نص الوحي يف سياق تفسريه لقوله تعاىل لــونمعــا كـانوا يبم مهلـودجو مهارــصأبو مهعـمس همــي انتفــاء إىل ؛ 20 :صلتفــ، شـهد عل

ة الشماألخرى ، وضعفها قياسا إىل سائ التكليف يف حاس لم جيعل الـشرع ف. 1ر احلواسالشم طرفا يف معادلة األحكام الفقهية، حبيث يقتضي إباحة أو حظرا أو ندبا أو كراهـة وحنوها، ولعل مرد ذلك إىل أنه حاسة ال إرادية، خالفا للبصر أو السمع أو الـذوق أو

.اللمس اليت بوسع اإلنسان أن يتحكم فيها بشكل إراديواملس يف نص الوحي وفق داللتهما احلقيقية أحيانا، وباستعماالت وجاء اللمس

جمازية وكنائية غالبا، أثرت حقل الداللة القرآنية وأخصبته وأتاحت له االنفتـاح علـى آفاق تأويلية، وأكسبته املزيد من اإلحياءات املختلفة األبعاد، ومل خيرج اللمس يف مجيـع

واملباشرة املتحققني بني شيئني، بصرف النظـر عـن حاالته وسياقاته عن معىن االتصال طبيعتهما مادية كانت أم معنوية، فتنجم عن ذلك استجابة حسية تعكس حقيقـة أو إن

.شئنا قيمة ملسية معينة تؤدي موقفا إدراكيا حمدداتتعدد بؤر إدراك الصورة الفنية رغم إحلاح الكثري على اجلانب البصري، لكـن

لدى اإلنسان يشمل مجيع ما حباه اهللا به من حواس متكنه من التكيـف اإلدراك احلسي مع الواقع املادي وارد معا، وال يرتبط باملرئي فحسب، وقد ناقش هذه القضية النقـاد

األدب، يف الفين التعبري أنواع أن سالم زغلول حممدالغربيون والعرب على السواء، فريى

التعـبري مـن أشكال يف مبعانيه يوحي أن لألديب أتاح مما امتزجت، واملوسيقى كالتصوير

.2واللمس والشم والسمع بالبصر املتصلة واألحاسيس االنفعاالت بشىت متوسال

.471، ص 7ج البحر احمليط، - 1 .6 ص ،النقد األديب احلديث، أصوله واجتاهات رواده حممد زغلول سالم، - 2

- 295-

النظـر بصرف – اجلميلة القصيدة مشبها الشمي التعبري قيمة فيصف "جويو" أما

إىل اإلحـساس مـن النمط هذا ويعزو السوسن، أو الورد برائحة - مضامينها طبيعة عن

أمناط إىل نومئ قطعا فإننا اإلدراك بؤر تنوع عن نتحدث وحينما .1السابقة اخلاصة خرباتنا

ولعل ).ردةا(بصرية والسمعية والذوقية والشمية واللمسية واحلرارية واملعنوية ال الصور .2هذا اجلانب من الدراسة أن يندرج ضمن املنهج النفسي

القرآن الكرمي ال تقف عند حد تصوير احلـواس البـشرية، ومن هنا فإن بالغة األداء وآثارها يف إدراك احملسوسات يف احلياة، وإمنا تذهب أبعد من ذلك حينما يضطلع

بتصوير الظواهر املعنوية من قيم خلقية ومواقف دينية كالعبادات والعقائد تصويرا حسيا اللـه نـزل أحـسن الحـديث كتابـا متـشابها : يف كثري من اآليات، ومن شواهد ذلك قوله تعاىل

.23: الزمر،... مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلني جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللهعريرة، مث ال يلبث أن يطرأ عليها فقد جعل جلود املؤمنني تتصف من حالوة اإلميان بالقش

.اللني والرقة واخلشوع

.7، صاملرجع نفسه: ينظر- 1 .30، ص 2003، 1مكتبة اآلداب، القاهرة، طعلي الغريب حممد الشناوي، الصورة الشعرية عند األعمى التطيلي، - 2

- 296-

لصورة البصريةا: املبحث األوللإلدراك البصري أثر بالغ وخطري يف حتريك املتلقي، وتوجيه حمور انتباهه، ذلك أن العني تعد األداة احليوية لإلحساس باجلمال الطبيعي والفين، واإلملام بإحياءاته، وأغلب

ر اازية الناجحة تتوسل مبا يتأدى إىل العني، فالبصر هو أول مداخل وعي العـامل الصواخلارجي، وبذلك يكون النص األديب املثايل ما يركز على املرئيـات كأسـاس لفهـم

. 1اجلمال، عوضا عن اإليغال يف متاهات التجريدة عـرش لقد مر بنا يف ما مضى من قصص كثري من الصور البصرية، مثل صور

ملكة سبأ والصرح الذي خالته مبنيا على املاء، وكذا صورة شق البحر ملوسى، حيـث الحظنا أن إدراك بعد الغرابة كان بوساطة املشاهدة العيانية، وال بأس أن نتوقف لـدى صور أخرى حتيل إىل هذا النمط اإلدراكي، الذي نلحظه أيضا يف الصور اليت ترتـد إىل

سـورة ضـمن اخلطاب القصصي القرآين عامل احلسي، حيث يعرض لنا العامل الغييب وال : صورة شاخصة عن بقرة بين إسرائيل اليت أمروا بذحبهاالبقرة

... ذ نـيب انـوع لـا بكـرو لـا فـارض ةقـرـا بقـول إنهي قال إنه ا هيا ملن نيبي كبا رلن عـا قالوا ادلوا مفـافع لـك ونرم68(تؤ( ـاظرينالن رـا تـسنهلو فاقع اءفرص ةقرا بقول إنهي ا قال إنهنها لوا ملن نيبي كبا رلن عقالوا اد )قـالوا )69

الب إن ا هيا ملن نيبي كبا رلن عاد ونتدهلم الله اءش إنا إنا ونليع هابتش 70(قر( لـا ذلـول تـثري ةقـرـا بقـول إنهي قال إنـه . )71( يفعلون الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا

تتراءى لنا يف غمرة جلاجة بين إسرائيل حول البقرة املأمور بذحبها كي يـضرب القتيل ببعضها ليقوم ويفضح القاتل، بعد أن جهدوا ألن يدفعوا عن أنفسهم وزر دمـه؛

:هيتتراءى صورة بصرية، وال ريب يف أن مؤشرات إدراكها ضمن اخلطاب : أقول

.119أمحد ياسوف، دراسات فنية يف القرآن الكرمي، ص - 1

- 297-

- ى )رة ال فارض وال بكر عوان بني ذلك بق: ( بيان السنوإدراك السن ال يتـأت ،وقد تـوخى األداء تعـيني . إال من خالل رؤيتها ومعاينة حجمها وهيئتها الفيزيولوجية

إفادة إثبات وصف ثالث هو يؤدي الذي قد "ال"حبرف سنها من خالل نفي وصفني ،1)عوان بين ذلك (: ليل قوله وسط بني حايل ذينك الوصفني مثل ما يف هذه اآلية بد

الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شـرقية : تعاىل قولهذلك ك و .35: النور، ولا غربية

ضـمن هـذه ؛ وقد ركز األداء )ر الناظرين صفراء فاقع لوا تس : ( اللون بيان -الصورة البصرية على البعد اللوين، وهنا دون شك مل يكن اللون هو املقصود بذاته، وإمنا القيمة اللونية اليت وجهها التعبري القرآين توجيها مجاليا صرفا، ذلك أن اللون األصـفر يف

وجه العادة حييل إىل معان سلبية كالذبول بالنسبة إىل أوراق النبات، والسقم بالنسبة إىل وقد أومأ التعبري القرآين إىل مـا . املريض، واملساءة بالنسبة إىل موقف اخلزي والفضيحة

ولئن أرسلنا رحيا فرأوه مـصفرا لظلـوا مـن :يتصل بداللته السلبية يف موضع آخر من قوله تعاىل ونكفـرـده يعب ، إذ أن على يبسه، وكذا السحاب ه يدل اصفرار الزرع بعد اخضرار

.2ح على أنه ال ميطر، والريح على أا ال تلقيدلولكن قد يند اللون األصفر عن ذلك ليحيل أحيانا إىل قيم إجيابية، من ذلـك أنـه

أولـت كما اكتسى هذا اللون قيمة روحيـة، إذ ضج بعض الثمار مثال، يغدو عالمة لن بعض الطقوس ب تهربطف ، دالالت رمزية واختذت له ، بهد من الديانات عناية خاصة العدي

الكنيسة استخدمته الدينية، فقد كان لونا مقدسا يف الصني واهلند، فضال عن أن والشعائر

.550، ص 1 التحرير والتنوير، ج- 1 .449، ص 16القرطيب، اجلامع ألحكام القرآن، ج - 2

- 298-

يف اللوحات املقدسة يف شكل خلفيات من أوراق الشجر الذهبية، ولصلة اللـون األصـفر .1الشمس حسب معتقدهمبالشمس والضوء استخدمه املصريون القدامى رمزا إلله

حالـة نفـسانية الذي يعد السرور وجاءت صفرة البقرة الفاقعة هنا باعثة على فغدا سـرور . 2تعرض عند حصول اعتقاد أو علم أو ظن حبصول شيء لذيذ أو نافع

بعضها رتدالنظر إذن مظهرا من مظاهر اإلحساس باأللوان الذي يقتضي حتقق ضوابط ي ة يف جسم اإلنسان وتركيب أجهزة اإلحساس فيه، وبعضها يعود إىل عوامل داخلي إىل

.3عوامل خارجية منها مقدار الضوء الواصل إىل العني، وطول موجته، وزاويته، ولونهرض وال تـسقي ال ذلول تثري األ (: اقتران الوصف الوظيفي بالوصف الشكلي -

قد أمعن األداء يف التخييل البصري هلذه البقرة من حيث ل. )الحرث مسلمة ال شية فيها ، ومعناهـا )ال شية فيها(وصف الوظيفة املسخرة هلا، اليت تداخلت مع الوصف الشكلي

ال ملعة يف نقبتها من لون آخر سوى الصفرة، فهى صفراء كلـها : كما بينه الزخمشري يا وشية، إذا خلط بلونه لونا آخـر، وهي يف األصل مصدر وشاه وش . حىت قرا وظلفها

ى القوائمومنه ثور موش4 .فالوصف الشكلي أدل على بصرية الصورة من الوظيفي. وحتديد هذه املؤشرات جاء يف غاية الدقة، كي يتناسب وما بدر من بين إسـرائيل

ـ متثلوااولو وجلاجة،ت تعن من هم األمر وذحبوا أي بقرة كانت حلصل املقصود، لكنومن هنا جاء اإلحلاح على البعـد البـصري . 5أنفسهم فشدد اهللا عليهم شددوا على

اليت اطردت ثالث مرات ) إنه يقول ( يف صيغة االستقبال تشي و. ضرورة ال مناص منها .ذحبهاب د البصري يف إدراك البقرة املأمور، مما يعضد البع6استحضار الصورةبداللة

.193، ص 1997 ، 2.، القاهرة، طعامل الكتب أمحد خمتار عمر، اللغة واللون، - 1 .111، ص 3 مفاتيح الغيب، ج - 2 .91، ص ع السابقاملرج - 3 .180، ص 1 الكشاف، ج - 4 .181، ص 2 القرطيب، اجلامع ألحكام القرآن، ج - 5 .111، ص 1 إرشاد العقل السليم، ج - 6

- 299-

حيفل ا اخلطاب القصصي القرآين صورة الفتية داخل ومن الصور البصرية اليت الكهف، وحركة الشمس الدائمة اليت ال تتخلف أشعتها عن مالمسة كـل جوانبـه يف مشهد ملؤه احلبور ينبئ باحلياة الدؤوبة اليت تسري يف أجسادهم، وكأن لـسان حـال

سبغ لطائفها عليهم طوال الصورة يقرر أن ذلك املشهد معجزة دالة على قدرة البارئ، أ وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمني وإذا :قال تعاىل. مدة لبثهم فيه رمحة م

ه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجـد لـه غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الل وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمني وذات الشمال وكلبهم باسـط ذراعيـه وليا مرشدا

تليلو همليع تصيد لو اطلعابالوبعر مهمن لئتلما وارفر مهمن ، 18، 17: الكهف.

: واملعىن. نلغري معي لقد توسل التعبري القرآين يف تصوير املشهد خبطاب بصري يف شـائع ال جيري جمرى احلقيقة، وهـو من األداء منط وهذا ،1يرى من متكنه الرؤية

: األعشى ومنه قولكالم العرب، هاـ وترى لنعمته على من نال ه ضرا على أعدائه وترى ل

ياخلري املز ـأثرا من ة فأسالها ن أهلهلدبب يث صاب2 كالغ ال خياطب الشاعر وال يسند الرؤية لشخص معين، وإمنا القصد هو تثميـر إذا

البصري قصد متكني صورة فتك املمـدوح خبـصومه الطاقات احلسية احليوية لإلدراك ولعل ذلك مـا توخـاه األداء . وقهره هلم، وصورة أثر جوده العظيم على من حظي به

املخاطـب القرآين، إذ أن الرؤية ههنا من قبيل ختييل عظمة املشهد بغية وصل النيب خالله التـأثري يف بالوحي نفسيا وذهنيا، وليس حسيا بأجواء ذلك احلدث الغابر، ومن

.متلقي اخلطاب وإقناعه بإفضاءاته التبليغية

.278، ص 15ج لتحرير والتنوير، ا - 1 .247، ص1983 ،هـ1403 ،7. ط، بريوت،سة الرسالة حممد حممد حسني، مؤس. تح األعشى، الديوان،- 2

- 300-

، بعد أن )لو اطلعت عليهم (ويتعزز البعد البصري هلذه الصورة من خالل عبارة وصف حاهلم وهم رقود ليكشف عن بعد مثري يف هيئتهم يبعث على الذعر والرعـب،

وهذا صنيع أشبه . ر فزعا مما شاهدلدرجة أال يتمالك الناظر إىل حاهلم نفسه، فيلوذ بالفرا على غرار املؤثرات السمعية –مبا يعرف اليوم يف جمال صناعة السينما باملؤثرات البصرية

حيث ينتقي املخرج بعناية فائقة تنم عن مهارة عالية وبراعة فنية اجلانب املثري واحلاسم -يات تصويرية تراعي خصوصية من املشهد السينمائي، كي يسلط الضوء عليه متوسال بتقن

الصورة وخلفيتها وظالهلا وكمية إضاءا وملعاا وتدرجاا ومدى تناسق ألواا، وهيئة املوضوع املصور وحركته وزاوية تصويره؛ وكل ذلك لغايات ودوافع تأثرييـة مجاليـة،

تر لديه، بغيـة حماولة منه الستمالة املشاهد وخلق حالة من التشويق املمزوج بالقلق والتو .محله على التزام موقف فين أو أيديولوجي أو اجتماعي أو نفسي معين

ومن الصور البصرية أيضا تلك اليت يلح عليها موقف التكليف بالرسالة بني اهللا تعاىل وموسى، مث االستدالل على ألوهية اخلالق وربوبيته أمام فرعون وملئه، مث التحدي

الذي طال توصـيف لسحرة، ومما يلفت االنتباه ذلك التنويع الذي حدث بني موسى وا مشهد املعجزة مع كون احلدث واحدا؛ فتارة يضرب عن ذكر اهليئة اليت آلـت إليهـا

يذكر أا صارت ثعبانا، وتارة العصا مكتفيا بتشبيه اهتزازها حبركة اجلان، وتارة أخرى :ر وفق اجلدول اآليتوميكن توضيح األم. أخرى يبين حتوهلا إىل حية

- 301-

موقف املعجزة مبصر املعجزة مشهد املعجزة السورةاالستدالل على فرعون وملؤه )107(فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبني األعراف

صدق الرسالةوأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما األعراف

)117(يأفكون حتدي السحرة السحرة

التكليف موسى )20(فألقاها فإذا هي حية تسعى طه بالرسالة

وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد طه )69(ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى

سحرةحتدي ال السحرة

االستدالل على فرعون وملؤه )32(فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبني الشعراء صدق الرسالة

حتدي السحرة السحرة )45(فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون الشعراءأنها جان ولى مدبرا ولم وألق عصاك فلما رآها تهتز ك النمل

يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون )10(

التكليف موسى بالرسالة

وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا القصصا مي قبعي لمو الآمنني من كإن فخلا تى أقبل ووس

)31(

التكليف موسى بالرسالة

وليس من ريب يف أن مقتضى اإلعجاز البياين رتب شىت اهليئـات املـذكورة فجاء تشبيهها باجلان مقترنا حبركة االهتـزاز ووجه تنوع أدائها حسب مقام اخلطاب،

تسعى يف سياق مشاهدة موسى لتلك املعجزة ألول مـرة مرتني، وورد وصفها بأا حية يف موقف تكليم اهللا تعاىل له قصد تكليفه بالرسالة، لذلك مل يشر إىل ما يكون من أذاها وخطرها، وجاء ذكر الثعبان املبني مرتني مراعيا ملقتضى حال الترهيب والتخويـف يف

فرعون وملئه، وهم الذين اشـتدت أفزع ما يكونه األمر، ألن إبصار املشهد اقتصر على . سطوم على الناس وأرهقوهم ذلة وقهرا

- 302-

وملا دبر فرعون موقف التحدي حبشر السحرة تالىف التعبري القرآين بيان اهليئـة للداللة على فعـل التـهامها ) تلقف(اليت انقلبت إليها العصا، مقتصرا على إيراد الفعل

ولعـل . 1بالغة يف اللقف وهو االبـتالع واالزدراد ملا معناه فوالتلقعصي السحرة، سبب ذلك يرتد إىل أن هيئتها علمت سلفا لدى فرعون، ويفهم ضمنيا أن السحرة أيضا أعلموا ا، ولكن غلبة فعلها وشدة شراستها هي ما ركز عليه األداء يف هذا املوقف ألنه

.انا مبينا بني املعجزة وبني السحرمقام حتد عظيم دحر به موسى كيدهم، فكان فرقـ وقد حاول الزخمشري أن يقف عند سر اختالف اللفظ القرآين يف توصيفها :ائالق

ا احلية فاسم جنس يقع على الذكر واألنثى والصغري والكبريا الثعبان واجلـان . أموأمحدمها أ: ك وجهان ويف ذل . الدقيق ، واجلان اتلعظيم من احلي ألن الثعبان ا : فبينهما تناف

ا حيا كانت وقت انقالةأ م ويتزايد جرمهـا حـىت تنقلب حية صفراء دقيقة، مث تتورأا كانـت يف شـخص : الثاين. تصري ثعبانا، فأريد باجلان، أول حاهلا، وبالثعبان مآهلا

وتتضح من خالل هذا التوجيه التأويلي أبعاد الوصـف .2الثعبان وسرعة حركة اجلان صري الذي جاء يف منتهى الدقة، إذ بين كيف أن األداء أتى ضمن كل مقـام علـى الب

ملمح معين من تلك املعجزة، مما يشي برباعة مراعاة مقتضى احلال، ذلـك أن املوقـف .الديين هو ما يضبط مالمح شىت األوصاف املذكورة ملعجزة العصا

فإذا (صورة البصرية لفظ ويطرد ضمن أغلب املواضع القصصية املصورة هلذه ال ليشري إىل عنصر املفاجأة، وما يليها مجلة فجائية تتضمن إخبارا مبا ترتـب علـى ) هي

واقتران إذا الفجائية بفاء التعقيب دل على أن هذه املعجزة تراءت حقيقة ماثلة . 3اإللقاءت بـصرية لألبصار يف مفاجأة سريعة، خالفا إلفك السحرة الذين توسلوا حبيل وخياال

.خمادعة، فكان عنصر املفاجأة يف سحرهم من قبيل التضليل والتمويه

.49، ص 9رير والتنوير، ج التح- 1 .60، ص 3شاف، ج الك- 2 .363، ص 4ج: ، و ينظر221، ص 6ج البحر احمليط، - 3

- 303-

الصورة السمعية: املبحث الثاينمر بنا أن الصورة الفنية قد جتيء أحيانا مسعية تـوحي مبـا يتـأدى إىل األذن وخياجلها من أصوات ذات ترددات وأحجام وأوصاف شىت، ولسنا نريد هنا بالـصورة

تعلق باالشتغال اللساين أو بالدراسة الصوتية يف حبث األصوات اللغوية، وإمنا السمعية ما ي ومبا أن السمع أيـضا منـاط التكـاليف . منط الصور الفنية الذي يدرك حباسة السمع

اخلطاب القصصي القـرآين مـن فلم خيل الشرعية، وال يقل أمهية وخطورة عن البصر، الديين لتؤدي دالالت إحيائية خمتلفة، ومنـها صور مسعية وردت حسبما يقتضيه املوقف

واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنـه لـا يكلمهـم ولـا :قوله تعاىل كانوا ظالمنيو بيلا اتخذوهس ديهمهي ،وقوله أيضا148: األعراف ،: ا لهدسلا جعج مله جرفأخ

ـسيـى فنوسم إلـهو كـمـذا إلهفقالوا ه اروخ لـاا وضـر ـمله لـكملـا يلـا وقو همإلـي جـعرألـا ي نوـرأفلـا ي .89، 88: طه، نفعا

وصياحه، يدل على أن املراد ليس جمرد صوت الثور إن ذكر اخلوار الذي يعين العجل جبسده فحسب، وإمنا حىت ما يصدر عنه من أصوات مسموعة، بـدليل تعقيبـه تعاىل يف كال السياقني الذي تضمن استفهاما تعجبيا إنكاريا من أنه ال يراجعهم كالمـا

ويقول أبو حيان بـشأن ه، يعونه منه رغم األصوات اليت يصدرها، فضال عن عجز حيلت وقد ركز يف العقول أن من كان ذه املثابة استحال أن يكون إهلا وهذا : هذا التعقيب

. 1نوع من أنواع البالغة يسمى االحتجاج النظري وبعضهم يسميه املذهب الكالمـي يتصل بأحد مواقف احلجاج اليت حيفـل توجيه بالغيوجلي أن هذا الكالم ينطوي على

أسسا يف بناء العقيدة رها لتوصيل املقررات اإلميانية اليت تعدا القرآن الكرمي، ويثم.

.391، ص 4 البحر احمليط، ج- 1

- 304-

وقد اختلف يف طبيعة العجل، فهناك من رجح أنه كان من حلم ودم، وهناك من خواره وصـوته كـان نصر القول بأنه كان من تراب، نافيا عنه الروح، ذاهبا إىل أن

. 1قا فإذا دخلت الريح يف جوفه خار ومل تكن فيه حياة بالريح؛ ألنه كان عمل فيه خرو ل لتصويته بـأن حيملا صنعه أجوف ت: وأورد أبو حيان ما يقترب من ذلك، حيث قال

صوص وجعله يف مهب الرياح فتـدخل يف تلـك أنابيب على شكل خم جعل يف جوفه وسيقية النفخيـة اآلالت امل ع يصنال اهذحياكي و ،2األنابيب فيظهر صوت يشبه اخلوار

.3 وحنوهاملزماركمثال اليت تفيد نسبة اخلـوار " خيور"عوضا عن ) له خوار عجال جسدا : (وقوله

للعجل إذا كان حقيقيا، يشي بداللة أن هذا الصوت املسند إىل اجلسد ليس طبيعيا، بـل ، حنو قوله تعاىل بـشأن سـليمان 4اصطناعي، ألن اجلسد هو الصورة اليت ال روح فيها

: داـسه جسـيلـى كرـا عنألقيو ،فدل األمر على أن العجل مل يكن حقيقيا 34: ص ، .وإمنا كان مصورا يف هيئته، وأن الصوت حيلة عمد إليها السامري ملخادعة األوهام

وهذا ينم عن أن إميان بين إسرائيل كان مهزوزا، وتفكريهم كان منحطا غـري هو مادي ملموس متأت من قبيل احلواس، فقد اختذوا العجل إهلـا ناضج، يؤمن فقط مبا

وهلذه . وجبلوه رد أن له جسدا يبصرونه وخوارا يسمعونه، حىت وإن مل يفقهوا فحواه الصورة السمعية اليت يرمسها األداء إحياءات إميانية من شأا أن ختز يف أداء تعريضي معجز

ا على عبادة أصنام ال تنطق وال تقوى علـى شـيء ضمائر مشركي مكة الذين عكفو فلم ترد صورة اخلوار الصادر عن العجـل بـشكل . وتنبهها يف غمرة ضالهلا العقدي

.اعتباطي، وإمنا اقتضاها حال املخاطبني لغرض العربة الدينية

.121، ص 14 تفسري القرطيب، ج - 1 .390، ص 4ر احمليط، ج البح- 2 .110، ص 9 التحرير والتنوير، ج - 3 .292، ص 8املصدر نفسه، ج - 4

- 305-

وتطالعنا صورة مسعية يشبه ا التعبري القرآين حال املعرض عن رمحة اهللا، الغافل واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنـا فانـسلخ منهـا :قوله تعاىل سياق آياته بالكلب حني يلهث يف عن

الغاوين من فكان طانيالش هعفأتبعاتبض وإلى الأر لدأخ هلكنا وبه اهنفعا لرشئن لوثـل وكم ثلـهفم اهـوه ـملهلع صص القـصـا فاقـصاتنوا بآيكـذب م الـذينثل القوم ذلك ثلهي كهتتر أو ثلهه يليمل عتح الكلب إن

ونتفكري ، 176، 175: األعراف. وعة من الصور الرامزة؛ ففضال عن صـورة تتراص يف هذا املقطع القصصي جمم

االنسالخ عن الفطرة السليمة والتحول إىل مسخ شائه، اليت تتصل أكثـر مـا تتـصل بالتجسيد الفين، وصورة الرفع إىل علياء اإلميان املشرق، وصـورة اإلخـالد إىل األرض

حلركيـة؛ والتمرغ يف أوحال اجلحود، وصورة اتباع اهلوى اليت تعد أدخل يف الـصور ا هناك صورة مسعية عن هلاث الكلب اقتضاها مقام التمثيل، وهي ما يهمنا هنا، حيث إن

يكشف عن حال أولئك الذين يهيء اهللا هلم املعرفة، فيفرون منها كأا مل األداء الفين يأ هلم أبدا، مث يعيشون بعد ذلك هابطني، تطاردهم أنفسهم وأهواؤهم، مبا علموا ومبا

. 1ريسم هلم هذه اهليئةفلة، وال هم استراحوا باملعرفة، فا، فال هم استراحوا بالغجهلول يف اخلسة والـضعة كـصفة ثمإن انتقاء هذه الصفة للمكذبني بآيات اهللا

ل عليـه أي م، سواء حا وهي حال دوام اللهث به واتصالهالكلب يف أخس أحواله وأذهل ش عليه وهي ج فطرد د، ك غري ر أو توذلك أن سائر احليـوان ال . ض له باحلمل عليه متعر

، والكلب يتصل هلثه يف احلالتني ج منه وحرك، وإال مل يلهث ا هي يكون منه اللهث إال إذ ألنك : كما بين اجلوهري حاليت هلاث الكلب يف هذه الصورة التشبيهية قائال . 2مجيعا با، وإن تركته شد عليك ونبح، فيتعب نفسه مقبال محلت على الكلب نبح وولى هار إذا

ومن . 3را عنك، فيعتريه عند ذلك ما يعتريه عند العطش من إخراج اللسان عليك ومدب

.44قطب، التصوير الفين يف القرآن، ص سيد - 1 .168 ، ص 2 الكشاف، ج - 2 .292، ص 1الصحاح، ج اجلوهري،- 3

- 306-

هنا نفهم سر اختيار الكلب من دون سائر أجناس احليوانات األخرى، ألنه يتفرد بصفة .اللهاث املتصل حىت غدا من أخص أوصافه

اليت ال يزال وقعها املوحي يتردد يف آذاننا مىت نطقنا ـا ) يلهث(بكلمة وجيء وضع الزجر، ووضع الترك، وذلك زيـادة يف فـضح : مكررة مرتني يف وضعني خمتلفني

كما أن يف تكرار هذه الكلمة . موقف هذا اإلنسان املعاند وتشنيعه يف أقبح صورة ممكنة املنكرة تظل مالزمة هلذا املخلوق مثلما يالزم اجلاحد داللة على أن هذه الصورة السمعية

، كمشهد حي متحـر باطل معتقده وسوء عمله، وإمنا جاء تصوير هذه الصورة ضمن إيقاعات حيمل كل ، واضح االنفعاالت؛ كة، شاخص السمات، بارز املالمح عنيف احلر

.1، إىل جانب إيقاعات العبارة املوحيةاحلياة الواقعةاملوقف التعبريي يشي الرباعة البيانية تلك املفارقة اجلمالية البديعة، إذ ات ومن مس

بصورة منفرة غاية يف التحقري والتقذير، تبعث على االمشئزاز واالمتعاض، بيـد أن األداء الفني يضفي عليها طابعا مجاليا، وجيعل منها وسيلة لتوصيل القيم واملقررات التبليغيـة،

ىل حد ما مع فكرة اجلمال الفين الذي يقابل اجلمال الطبيعي، على حنو ما وهذا يقترب إ فقد يكون التقدمي مجيال لشيء قبيح طبيعة، فيعد مجاال فنيـا طرح يف النقد الفين احلديث،

.2جلمال الصور الشعرية، أو جلمال املشاعر اليت يضفيها الشاعر على الشيء القبيح، حـني الحـظ الفين اجلمالاجلمال الطبيعي و ق بني وقد أملح أرسطو إىل الفر

نزوع اإلنسان وميله إىل رؤية املوضوعات مصورة حمكمة التصوير، حىت ولو بـدت يف ،الواقع مبنظر قبيح منكر، حنو تصوير املشاهد الفظيعة اليت يستبشعها الطبع وبنفر منـها

وضوع القبيح أو املأساوي متثال فنيا ل امل فتمث. 3فالعربة إذن بإجادة التصوير الفين وبراعته جانب التصويرره مىت أحكم يف األدب وسائر الفنون، له ما يرب.

.1396، ص 3 يف ظالل القرآن، مج - 1 .388ص : وينظر. 355، ص حممد غنيمي هالل، النقد األديب احلديث - 2 .94، 93ص اء وسراج األدباء، حازم القرطاجين، منهاج البلغ: وينظر أيضا. 79ص أرسطو، فن الشعر، - 3

- 307-

اجلمال الفين إىل الذات مبا تنطوي عليه من يعزو" حممد غنيمي هالل "إذا كان وجتارب شعورية وأحاسيس وأخيلة وقيم ذاتية من جهة، وإىل طبيعة العمل الفين نفسه، مما

فإن اجلانب األول من هذا التـصور ال . 1ى االفتتان أو النفور من جهة أخرى يبعث عل يسوغ يف اخلطاب القرآين الذي له خصوصية ختتلف عن اإلبداع اإلنسي الـذي تـدين أدبيته إىل الذات بكل إمكاناا، إذ أن األمر يف اخلطاب القرآين يبقى مشروطا يف املقـام

.اليت جيليها يف صور فنية بديعةاألول مبقتضى األغراض الدينية وتتكشف لنا مواقف إهالك كثري من األقوام الغابرين كثمود ولئيكة وأصحاب احلجر وقوم لوط انتقاما وعقابا هلم عن صور مسعية تضج صياحا إيذانا بأمر اهللا النافـذ

الـيت وردت سـت ) الصيحة(فيهم، ووقوع القول عليهم، حيث يصطنع التعبري لفظة 83و 73: اآليتان(، واحلجر )94 و 67: اآليتان(ات ضمن هذا املعىن يف سور هود مر( ،

الغارة ، وأيضا العذاب ةحالصيومعىن ). 40: اآلية(، والعنكبوت )41: اآلية(واملؤمنون ألن ، 67: هود، )وأخذ الذين ظلمـوا الـصيحة : (يف) أخذ ( الفعلريذكوجاء ت قوم، ال باغتتإذا

.3 وقويصوت إذا اشتدالوالصياح هو . 2جيوز تأنيثه الصياح، مبعىنة مصدر الصيح أقوال متباينة يف بيان مصدر الصيحة، فقد ذهب البغـوي إىل أهل التأويل ردد

أتتهم صـيحة : وقيل. أن جربيل عليه السالم صاح عليهم صيحة واحدة فهلكوا مجيعا يف األرض، فتقطعت قلـوم يف من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء

: وذكر أبو حيان رواية عن مشهد اإلهالك فيها ما يشري إىل املنحى الـصويت .4صدورهم ... م صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل فلما اشتدالضحى أخذ

وحتدث الطاهر بن عاشور عن .5...وت يف األرض فقطعت قلوم وهلكوا شيء له ص

.386 املرجع السابق، ص - 1 .187، ص 4البغوي، معامل التنزيل، ج و، 449، ص 7، ج )مادة صيح( لسان العرب، - 2 .236، ص 5والبحر احمليط، ج . 166، ص 5األزهري، ذيب اللغة، ج - 3 .61 ص ،9تفسري القرطيب، ج: وينظر أيضا. 187، ص 4معامل التنزيل، ج - 4 .334، ص 4 البحر احمليط، ج - 5

- 308-

فالرجفة اسم للحالة احلاصلة، وقد مساها يف : املذكورة يف سورة األعراف قال الرجفة فعلمنا أن الذي أصاب مثود هو صاعقة أو صواعق متوالية رجفت ،سورة هود بالصيحة

. 1أرضهم وأهلكتهم صعقنيوحتيل مجيع تلك التخرجيات التأويلية إىل البعد الـصويت وقيمتـه يف تـشكيل

لسمعية اليت بدت مدوية، فضج ا املوضع الذي حلت بـه بـشكل ترددات الصورة ا مهول، لتعلن عن سوء املنقلب الذي آلوا إليه فجأة، وإذ يركز التصوير يف وصف مشهد اإلهالك على اإلدراك السمعي، فلعل التعبري من قبيل التعريض اإلحيائي يريـد أن يثمـر

الـذين لوحي ويصيح مبناوئي دعوة النيب املوقف تثمريا فنيا كي يصل املاضي بعصر ا .متادوا يف التكذيب والعناد والشرك باهللا تعاىل، فحاهلم ال خيتلف عن أولئك األقوام

ويصرف األداء القرآين توصيف الظواهر جريا على طريقته يف مراعاة مقتـضى اع أكثـر احلال؛ ونرتئي أن نطلق على ذلك مصطلح املفارقة التعبريية، ونقصد ا اصطن

من صيغة لفظية للداللة على مشهد حكائي واحد، حبسب تنوع السياق الـذي حيكـم حيث أطلق على هذا احلدث االنتقامي الـذي . اخلطاب، والغرض الديين الذي يوجهه

. )احلاقة( والطاغية)األعراف( والرجفة)هود( الصيحةحاق بثمود منافاة بني ذلـك تعارض أو فاختلف اللفظ مع أن احلكاية واحدة، وال يوجد

فإن الصيحة العظيمة اخلارقة للعادة حصل منها الرجفة لقلوم ،كما زعم بعض املالحدة ولعظمها وخروجها عن احلد املعتاد تسمى الطاغية ألن الطغيان جماوزة احلد2 . ويقترب

األرض أو اليت أصابت إمـا الصيحة كانت سببا للرجفةذلك مما أومأ إليه الرازي من أن فكل مناسبة نزول ، فالتعبري جاء تارة بذكر السبب وتارة أخرى بذكر املسبب، 3أفئدم

.227، ص 8التحرير والتنوير، ج - 1 .165، ص 8 اآللوسي، روح املعاين، ج - 2 .58، ص 25 مفاتيح الغيب، ج - 3

- 309-

تستدعي ملفوظا توصيفيا مالئما يؤدي الغرض التبليغي املقصود بدقة بالغة، مثلما رأينـا .مع معجزة العصا اليت أشري إىل انقالا ثعبانا وحية وجانا

ليت الحظها الرازي بشأن تصوير هذا املـشهد ذكـر ومن اللطائف التعبريية ا ، وذكرها بصيغة املفرد مـىت )الصيحةفأخذتهم (: تعاىل قال بصيغة اجلمع مىت )الدار(

ـ إما كون اإلضافة إىل اجلمع جيوز أن ت على أساس أن ، )الرجفة فأخذتهم(: قال صيغةبأن الرجفة هائلة يف يعزى إىل ف اللفظ تالخوسر ا س، بل ال ما زال إذا أو املفرد، اجلمع

لكن تلك الـصيحة ملـا ،نفسها فلم حيتج إىل مهول، وأما الصيحة فغري هائلة يف نفسها كانت عظيمة حىت أحدثت الزلزلة يف األرض ذكر الديار بلفظ اجلمع، حىت تعلم هيبتها

.1رهام ألموالرجفة مبعىن الزلزلة عظيمة عند كل أحد فلم حيتج إىل معظ: من ذلك حينما أضاء هذه املفارقة التعبريية بالـذهاب إىل النيسابوريويقترب

أنه حيث ذ كرت الرجفة وت: أي [دتحوحيث ذكرت الصيحة مجعت ، الدار ]أفرد ، فبلوغها ،ألن الصيحة كانت من السماء كما يف غالب الروايات ال من األرض كما قيل

وصنيع تعبريي كهذا ال . 2ر منهما مبا هو أليق به فتدب كل أكثر وأبلغ من الزلزلة فقرن .يصدر إال عن مشكاة الوحي اليت أنارت إمكانات عجيبة يف التناسق الفين

الذي توجه به إىل ربه سائال إياه يف منتهى اللباقـة وينطوي نداء زكريا صورة مسعيـة بديعـة، واألدب الذرية بعد أن تقدم به العمر وبلغ من الكرب عتيا، على

ختتلف كليا من حيث هيئتها الصوتية عن الصورة السابقة، نظرا لتباين املوقف التبليغي، 3: مـرمي ، ... إذ نـادى ربـه نـداء خفيـا )2(ذكر رحمة ربك عبـده زكريـا : قال تعاىل فقد

ذا النيب الكرمي الذي سأل ربه متوسال بنداء صوته فههنا حال الرمحة اإلهلية املسبغة على ه ربنـا (: قوله تعاىل ، ك بطلب اإلقبال واجلهر به أصل النداء رفع الصوت خفي، وإن كان

، وندى الصوت بعد مذهبه، وفـالن أنـدى 193: آل عمران ،)إننا سمعنا مناديا ينـادي للإميـان

.58، ص 25املصدر نفسه، ج - 1 .165، ض 8ج روح املعاين، : ينظر- 2

- 310-

خفيـا ألن زكريـا رأى أنـه أدخـل يف وأتى صوت النداء . 1أبعد: صوتا مين؛ أي ث بـه النـاس، اإلخالص مع رجائه أن اهللا جييب دعوته لئال تكون استجابته مما يتحد

فلذلك مل يدعه تضر عا وإن كان التضر ه غالباع أعون على صدق التوج2 . ر أنونقـد خشية أن تشوب دعاءه لوثـة تحوطف. ه إىل ربه هتوج يف تقوية يا كاف كان يقني زكريا

.3حال دون اجلهر به اهلرم وهنألن اضطر إىل إخفاء النداء ولعله .الرياء، شرط النداء اجلهـر مع أن وخفيا نداء الدعاء بني كون التعبري مجعوترتد علة

ه ن الصوت كان ضعيفا لضعف لك عليه يقدر أقصى ما رفع صوته ك أنه حدمهاأ: إىل أمرين ملـا الثاين أنه أما األمر ا،خفيلكنه جتلى دعاء جمهورا، أراده نداء ف ، بسبب الكرب دالشدي

.4 فوجب أن يكون النداء فيها خفياها،في أجابه اهللا تعاىل فقددعا يف الصالة إن الصوت يف هذه الصورة خفي يكاد حيتجب عن جمـال اإلدراك الـسمعي،

يساعد على التقاط ذبذبات النداء اخلفي تلك النغمة ولكنه قائم مادام مقامه دعائيا، ومما اليت تنساب يف حبور بني جنبات الفواصل اليت اصطنعها التعبري املعجز، وصاغ جرسـها وإيقاعها الصويت وكيفها لتخدم املوقف الدعائي اهلادئ وظالله الدينية، وكأننا نـستمع

حياءات روحيـة ونفـسية؛ إىل صوت حي مسجل رغم ذلك اخلفاء الذي ينطوي على إ ذلك أن مقام الدعاء يفترض صلة العبد بربه مىت أجلأته احلاجة وأعوزته احليلة يف شـأن

بشر قبل ما، إميانا بنصرته ويقينا يف استجابته، كما توحي هذه الصورة بأن زكريا شيء، ويعتريه ما يعتري البشر من مشاعر وعواطف وآمال، فهو جيد أمل افتقاد النـسل

.وينتابه يف الوقت نفسه الرجاء يف لطائف رمحة اهللا تعاىلويعتصر قلبه حزنا لذلك،

.2506، ص 6 الصحاح، جواجلوهري،. 412، ص 5ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج - 1 .62، ص 16 الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، ج - 2 . 5، ص 4، جأنوار التنزيل وأسرار التأويل، والبيضاوي، 153، ص 21 مفاتيح الغيب، ج - 3 .153، ص 21 املصدر نفسه، ج - 4

- 311-

الصورة الذوقية: املبحث الثالثالذال والواو والقـاف أصـل : يف معىن الذوق جاء يف معجم مقاييس اللغة

شتقم، مث يمنه جمازا، فيقال ذقت املأكول أذوقه واحد، وهو اختبار الشيء من جهة تطع ، ويكون اختبار املذوقات ألجل حتسس طعمه من جهـة 1ذوقا، وذقت ما عند فالن

م يف بيـان مكانـة قال ابن القي. احلالوة واملرارة وامللوحة واحلرارة واللذة واألمل وغريها ة الذوق حاس : والباطنة للمالئم واملنافر ة الظاهرة والذوق مباشرة احلاس 2 ويف هـذا ،

.عدين احلسي واملعنوي يف اإلدراك الذوقيالكالم ما يشي بالب الكرمي على مـا بل وال يف لغة القرآن ية، لعرباللغة ا يف تقتصر حاسة الذوق وال

هناك مواضع قرآنية كثرية ذكر فيها الذوق بغـري مـا حيث للسان من طعم، اب يستشعرذاب مبا ذوقوا العف( : وقال،50: األنفال، )وذوقوا عذاب احلريق( :ال اهللا تعاىلد ققيدرك بالفم، ف

،57: ص، )اقسمـيم وغـ حذوقوه يـ هذا فل( : وقال تعاىل.106: آل عمران، )رونفككنتم ت .112: النحل، )عوننص مبا كانوا ي واخلوف اجلوعفأذاقها ا لباس( :وقال

فأفـاد ،ق وإحاطته ومشوله و مباشرة املذ شري إىل مجع بني الذوق واللباس لي قدفـ و يتحقق ما خنافـه، وال ع اخلوف توققد ن ف ، مباشر حاصل إذاقته أنه اإلخبار عن لدي

ذاق ( :أنـه األثريف ورد و . للبدن ثيابالإحاطة اإلخبار عن لباسه أنه حميط شامل ك ن مـن سـبيل ف .3)ا وباإلسالم دينا ومبحمد رسوال طعم اإلميان من رضي باهللا رببـي

.بما يذوق الفم الطعام والشرامثلأن لإلميان طعما يذوقه القلب ة التبعية االستعارة املكنياحلد األقصى يف حتويل املفهـوم إىل يومئ إىل ولعل غرض اخلطاب القرآين أن

: فاستعري التذوق باللسان للعذاب، ليحصل التداخل التام بني الطرفني ... عنصر حمسوس

.364، ص 2ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج - 1 - 1393، 2.حممد حامد الفقي، دار الكتاب العـريب، بـريوت، ط . ج السالكني، تح ابن القيم اجلوزية، مدار - 2

.87، ص 3، ج1973 .49: ح. صحيح مسلم، كتاب اإلميان، ر- 3

- 312-

اليت يتراءى أن األداء يصطنع التـذوق ليـومئ وحىت يف احلاالت . 1العاصي والعذاب : أحيانا إىل حال النعيم والرمحة، فإنه ضمنيا جييء ليعزز سياق الترهيب، حنو قوله تعـاىل

اإذا أذقنوطونقني مإذا ه ديهمأي تما قدئة بميس مهتصب إنا ووا بهة فرحمحر اسالن 36: ، الروم.

وهكذا غلب الذوق يف الطعام والشراب، وانزاح إىل معـان ودالالت أخـرى تتصل باستشعار اللذة واألمل فيما يعرض لنا من جتارب موضوعية، ويلم بنا من أحداث

كما ذاع استعمال الذوق يف جمال ممارسة شـىت الفنـون . بعضها يسر وبعضها يسيء الغناء والشعر والرسم والنحت واملسرح، بل حـىت صـار واالستمتاع ا كاملوسيقى و

باإلمكان اختاذ الذوق معيارا تقييميا حنكم به على طراز وأسلوب اختيـار الشخـصية الرفيعة اليت تتبوأ مكانة مرموقة، فمىت انتابنا إعجاب وافتتان ندسـة بنـاء، أو طـراز

و حىت انتقاء مقتنيات بعنايـة؛ زخرفة، أو منط تأثيث، أو شكل ترتيب الثياب وتناسقه، أ .حكمنا على صاحب تلك الشخصية بأنه صاحب ذوق رفيع

والتذوق باللسان أعقد أمناط اإلدراك احلسي اليت يتحقق بوسـاطتها االتـصال باملوجودات املوضوعية اخلارجية، نظرا لكونه إحساسا ميكانيكيا كيميائيا، يتطلـب أن

س املذاق احلامض واملـاحل تنحل املادة يف اللسان، لنتعرف طبيعتها، فإذا كان ممكنا حتس . 2واحللو يف جوانب اللسان، فإن اإلحساس باملرارة يكون قويا يف مؤخرة اللسان

تعزى مجالية الصور الذوقية إىل التمازج واالختالط احلادث بني املـثري املنبـه كانت احلالوة فإـا احلـسية فإذا اخلارجي وجارحة اللسان وما يتميز به من ليونة،

املسعدة يف أقصاها، وإذا كانت املرارة فإن املهانة تقترن بالتصوير الذي ينقل صورة من فال تتحدد قيمة الشيء املذوق يف ذاته، وإمنا يف متازجه مع آلة . 3داخل الكيان البشري

.الذوق وإفرازات الفم، وما يترتب عن ذلك من تفاعل كيميائي

.554، ص 2006، 2.أمحد ياسوف، الصورة الفنية يف احلديث النبوي الشريف، دار املكتيب، دمشق، ط - 1 .63، ص 1965، 7.دار املعارف، القاهرة، طيوسف مراد، مبادئ علم النفس العام، - 2 .553ص أمحد ياسوف، الصورة الفنية يف احلديث النبوي الشريف، - 3

- 313-

ف مجالية الصور الذوقية على حالة االستجابة لدى املتلقي الذي يفتـرض وتتوقأن يكون قد أصاب قدرا من اخلربة السابقة حول الشيء املنبه الذي يبقى مداره علـى مبدأي اللذة واألمل وما ينطويان عليه من قيم االستحسان واالستقباح، ليكـون األمـر

اجلانب التبليغي، ولذلك وجد مصطلح التذوق مـا أقوى تأثريا من اجلانب النفسي ومن .يسوغ استخدامه يف جمال األدب على غرار سائر الفنون

وإذ كانت غاية القرآن الكرمي استثارة مجيع الوظائف العقلية واحلسية وامللكات النفسية والوجدانية اليت حبا البارئ ا اإلنسان من دون استثناء، فال غرو أنـه يتقـصد

كل ذلك يف سبيل توصيل مقرراته الروحية اإلميانية ومقاصده التوجيهية التربويـة، تثمريبأساليب فنية بديعة، وكأنه خياطب كل جارحة فينا خطابا يراعي خصوصيتها وزاويـة صلتها بالبعد الديين، وحيدد مسؤولياا اليت أنيطت بتأديتها ما دامت جزءا ال ينفصم عن

.رعي الذي يضبط نظام حياة اإلنسان املسلمطبيعة التكليف الشوكذلك كان احلال مع حاسة الذوق اليت صاغ منها األداء صورا فنية موحية يف اخلطاب القصصي القرآين، منها الصورة الذوقية اليت جاءت لتومئ حبال النعيم العظـيم

ويا حامسـا يف يف اجلنة، مث الصورة الذوقية اليت شكلت منعطفا حي الذي أعد آلدم حياته، بل يف حياة اإلنسانية مجعاء، قلب مصريها من حال الرضـا والنعـيم إىل حـال

وقلنا : فقد جاء يف سورة البقرة . السخط والشقاء، ومن موقف الطاعة إىل واقع العصيان ما ولـا تقربـا هـذه الـشجرة فتكونـا مـن يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلـا منهـا رغـدا حيـث شـئت

ــالمني ــدو )35(الظ ض ععــب ــضكم ل عــوا ب ــا اهبط قلنــه و ــا في ــا كان ــا مم مهجرــا فأخ هنع طانيــش ــا ال مفأزله . )36(ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حني

وتشكلت هاتان الصورتان الذوقيتان املتالزمتان من العناصر اإلفضائية التكوينية ي اهللا عن األكل مـن –دم وحواء آل وتسخري مجيع لذائذ طعامها نعيم اجلنة : اآلتية

اإلخـراج – آدم وحواء معصية – وسوسة الشيطان وغوايته - )االستثناء (الشجرة

- 314-

نستحضر تلك الرغبة احلسية اليت أودعها اهللا يف اإلنـسان وهي عناصر جتعلنا .من اجلنة قي ة االقتيات جبلألنإزاء الطعام كشرط بيولوجي الستمرار بقائه، واالستجابة للذائذه،

).حيث شئتما (العموم يف اإلذن هلما بقوله، هلذا توخى إلنسان ال تدوم حياته إال بهاإىل ) األكـل والقـرب (رة من خالل فعلـي وأملح األداء يف سياق سورة البق

من مثرها األكل من اجلنة ببشىت أحواله املباحة واحملظورة، ذلك أنه أراد اإلدراك الذوقي دل ]حمذوف [والرغد وصف ملوصوف ... ستلزم مثارا وهي مما يقصد باألكل ألن اجلنة ت

، فال يعلم ذلك وال تقتري أكال رغدا، والرغد اهلينء الذي ال عناء فيه : أي ؛عليه السياق وال تأكال من الشجرة فهو )الشجرةوال تقربا هذه ( وأما معىن .احلال إال عرب التذوق

فالنهي عن القربان أبلغ من النهي عن األكـل ألن ،ألن قرباا إمنا هو لقصد األكل منها مـن الـشجرة فإذا ما ترتب عن القرب . 1القرب من الشيء ينشئ داعية وميال إليه

.احملظورة األكل منها، فإن الذوق يترتب على األكلبيد أن األداء يف السياق السردي لسورة األعراف قد صرح بفعل الذوق، حيث

مـن ورق الجنـة فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهمـا سـوآتهما وطفقـا يخـصفان عليهمـا : قال تعاىل بنيم ودا علكم طانيالش ا إنأقل لكمة ورجا الشتلكم نا عكمأنه ا ألممهبا رماهناد22(و( . فقد

كان الذوق إيذانا بغضب اهللا الذي اقتضى موقفا حازما كان قدرا حمتوما بشأن آدم .ن فعل الذوق وضع مصريي حمتوم يف تاريخ البشريةوحواء، فترتب ع

إن غريزة الطمع والتطلع للمزيد املركبة يف اإلنسان اليت استغلها الشيطان وأغواه من خالهلا تأىب إال أن تلح على فضوله يف استكشاف مذاق هذه الشجرة املنـهي عـن

، 2 ممنوع مرغوب فيـه كل: تناول مثارها، وكأن منطق سلوكه جيري على املثل القائل ولعل قصد السياق القرآين من رسم هذه الصورة الذوقية تربوي حمض حبيـث جعلـها

.432، 431، ص 1 التحرير والتنوير، ج- 1 .14، ص 3عبد ايد الترحيين، ج . العقد الفريد، تح: وهو من األمثال اليت رصدها ابن عبد ربه، ينظر- 2

- 315-

وال فبغري حمظـور ال تنبـت اإلرادة ، منه يف حياة األرض ترمز للمحظور الذي ال بد ،ز اإلنسان املريد من احليوان املسوق ، وال ميتحن صرب اإلنسان على الوفاء بالعهـد يتمي

وكأننا بالصورة تريد أن تلقي يف روع املتلقي من سبيل اإلحيـاء أن .1التقيد بالشرط واإلنسان يتعين عليه االلتزام بأوامر املوىل سبحانه ونواهيه، وكبح مجاح شهواته وذيبها

. حىت يرتقي إىل عامل القيم الروحية، وال يتردى يف حضيض الغريزة احليوانيةلذوقية وألقت بظالهلا على مشهد عدم تسنه طعام وشراب كما أحلت الصورة ا

، الرجل الذي استغرب قدرة اهللا على إحياء املوتى، لتوحي بآية دالة على تلك القـدرة فأماته اهللا مائة عام، مث أحياه قائال له بنربة حجاجية برهانية بعد أن ظن أنه لبث زمنا

والشراب فتسنه الطعام .259: البقرة، ...رابك لم يتسنه فانظر إلى طعامك وش... :يسرياه مأخوذ من السنة التسنواألصل يف . 2خضرة الفساد اليت تعلومها :هما؛ أي تكرجمعناه

إذا أتـت : ره السنون، وأصلها سنهة، أو سنوة من سنهت النخلة، وتسنهت مل تغي : أي ).قال بل لبثت مائة عام: ( قوله تعاىلينة السياق يفتشي بذلك قر، و3عليها السنون

ه يوطعام وشراب هذه هي حاله من التسنر مذاقه فتض أن يتغير خذ طعمـا ، ليتآية دالة على عظمة القدرة اإلهلية يف إحيـاء ملقتضى استجابة ما، ولكنه غري سائغ كريها

وبـذلك الل تلك املدة كلهـا، خ على مذاقهما ظال حمافظني ، املوتى وبعث بعد ممام . أو آثـار الـسنني ر ثابتة باقية على حاهلا، مل يعترها التغي حييل إىل حالة ذوقية التسنهف

.فأفادت هذه الصورة الذوقية غرضا دينيا قرر حقيقة يقينية، وضم إعجازا إىل إعجازين إسرائيل املخزي وترد يف سياق قصصي آخر إشارات سردية فاضحة لسلوك ب

، ربطها األداء التعبريي بصور ذوقية اقتضاها موقف االمتنان اإلهلي مبـا مع موسى لـيكم الغمـام وأنزلنـا علـيكم المـن وظللنـا ع :أسبغ عليهم من لذائذ الطعام، فقال تعاىل

.76، ص 1آن، مج يف ظالل القر - 1 .62، 61، ص 12، وج 404، ص 6لسان العرب، ج - 2 .179الشوكاين، فتح القدير، ص - 3

- 316-

وإذ قلنا ادخلـوا كم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون والسلوى كلوا من طيبات ما رزقنا ـاكمطايخ لكـم قولوا حطـة نغفـرا ودجس ابلوا البخادا وغدر شئتم ثيا حهة فكلوا منيذه القره

سننيحالم زيدنسو ـااء بممالس ا منزوا رجظلم لى الذينا علنفأنز مالذي قيل له رلا غيوا قوظلم ل الذيندفب قونفسكانوا ي اثن همن ترفانفج رجاك الحصبع ا اضربمه فقلنى لقووسقى متسإذ اسو ـا قـدنيع ةرشتا ع

فسدينض ما في الأرثولا تعرزق الله و وا منبراشكلوا و مهبرشكل أناس م لمع ىوسا مي إذ قلتمو ت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قـال لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنب

ألتما سم لكم ا فإنربطوا مصاه ريخ ونى بالذي هأد والذي ه دلونتبأتس... ،61 – 57: البقرة. دا غ ر –وا ل ك –ناكم قز ر –ت با طي – السلوى – املن: كلمات مثل جيء فت

ـ – زق اهللا بوا من ر اشرلوا و ك –هم بشر م –ينا ة ع رش اثنتا ع – استسقى – وحي لت ل شيء كالط املن :فقد قيل بسمو ذوقي كرم به بين إسرائيل؛ فأما بشأن املن والسلوى

كالمها إشـارة إىل :وى والسل وقيل املن ،، والسلوى طائر فيه حالوة يسقط على الشجر ، امنت به علـيهم ا حبيث أنه ننعم اهللا به عليهم ومها بالذات شيء واحد لكن مساه م أما

ـ ، فلعل لفظة السلوى 1يومساه سلوى من حيث أنه كان هلم به التسل مـن ة مجترحد ق يف هذا السياق بات الطي لفظة مجعتكما ، 2هما سوا ع ما يسلي طيبه يف السلوة، ألن

، وقد مر بنا أن الرغد هو الواسع اهلينء الذي ال كد فيه، وكل ذلك 3 احلالل واللذيذ بني .من مأكل ومشرب قد خصه اهللا حتما بطيب املذاق

طعام واحد، بقلـها، : (ولكنهم قابلوه بإسفاف ذوقي تشي به الكلمات اآلتية هو أقل شأنا، جريا علـى ، فاستبدلوا ما هو أفضل مبا ) بصلها ، فومها، عدسها، قثائها

مما يوحي بأن فترة اإلذالل الـيت سجيتهم املنحطة اليت ضربت عليها الذلة واملسكنة،

.614، ص 2 الراغب األصفهاين، املفردات يف غريب القرآن، ج- 1 .364، ص 1 البحر احمليط، ج- 2 .131ص ، 1وابن عطية، احملرر الوجيز، ج. 408، ص 1 القرطيب، اجلامع ألحكام القرآن، ج- 3

- 317-

إفسادا وليس أشد . قد أفسدت فطرم إفسادا عميقا قضوها حتت حكم فرعون الطاغية . 1بشريةم فضائل النفس ال، والذي حيط الذي ينشئه الطغيان الطويلللفطرة من الذل

وانسجم مع فطرم العليلة املنحطـة، ) يخرج لنا مما تنبت األرض(وقد وافق قوهلم فهم على الدوام رابضون بأسفل األرض ناظرون إليه متمرغون فيه حىت عنـد التمـاس

ن مـا لذائذ الطعام، ال ترتفع هلم مهة، يف مقابل انسجام إنزال املن والسلوى مع علو شأ إىل أفق السماء العلوي الذي ) أنزلنا(أنعم اهللا به عليهم من طيب املأكل، إذ حييل الفعل

.كان مصدرا ملا ختيره اهللا تعاىل هلم من طعام أطيب، مما يعد أدعى إىل التكرمي والتشريفوترد الصورة الذوقية يف موضع آخر من القصص القرآين لتوحي بقيمة االبتالء

إسرائيل واختبار والئهم وطاعتهم، فهذا طالوت امللك الذي ارتضاه اهللا هلـم اإلهلي لبين فلمـا فـصل طـالوت بـالجنود قـال إن اللـه :خيربهم بذلك بعد أن نأى م عن ديارهم وجتاوزهـا

طعي لم نمي ومن سفلي همن ربش نر فمهبن تليكمبإلـا م ـهوا منربـده فـشفـة بيغر فن اغتـري إلا ممن فإنه هم مهقليلـا مـن... ،فدل التعبري على أن فحوى هذا االبتالء شرط يتصل بالبعد . 249: البقرة

،2 ذاقـه ذام الـشيء، إ ع مل يذقه، من ط هو من ) لم يطعمه من ( الذوقي، ذلك أن معىن والءهم له معلقـا جعل ف ،3فالطعم ما يؤديه الذوق للكشف عن املرارة وامللوحة وحنوها

فقد أدت هذه الصورة الذوقية اليت توسلت بأسـلوب الـشرط . بعدم الشرب من النهر .مغزى تبليغيا ال يند عن الغرض الديين الروحي يف اخلطاب القصصي القرآين

.113، ص 1 يف ظالل القرآن، مج- 1 .322، ص 1 الكشاف، ج- 2 .423، ص 1 تفسري القرطيب، ج - 3

- 318-

ية الشمالصورة: املبحث الرابع

من كمال تسوية اخلالق لإلنسان وتعديله إياه أن ركب فيه الشم، ليستشعر به طبيعة الروائح، وقد تكون الصورة الشمية أقرب من الـصورة اللمـسية والذوقيـة إىل الصورة البصرية، إذ ميكن أن يكون مصدر الرائحة أبعد مسافة، وال حيتاج الشم إىل متاس

وقد أمكن للطفل أن مييز أمه ويهتدي إليها عرب رائحتها اليت قد . 1مع املوضوع املشموم ال تلتفت إليها هي ذاا، وهي حاسة شديدة االرتباط بالفطرة، ومثرية للغرائز، لـذلك

.كانت الوسيلة اليت تتهدى احليوانات من خالهلا إىل استطالع العامل غريزياالشم حصيلة : عريب، وعرفه قائال وقد عين علي شلق بتحسس الشم يف الشعر ال

واحدة من احلواس اخلمس، وسيلتها األنف إىل الرئة، فاجلهاز العصيب الذي يقـوم بعمليـة ، والروائح مثل األلوان، منـها احلـار و 2التقرير، فيحكم على كل نوع من أنواع املشموم

لشم أيضا علـى مبـدأي ومدار ا . وغريها اللطيف واملعتدل، ومنها الرطب واملثري والثقيل االستحسان واالستهجان، فهناك الروائح الذكية اليت نقبل عليها بأنوفنا ونلتذ بـشذاها، وهناك الروائح الكريهة اليت ننفر منها استقباحا هلا، وترتد قدرتنا يف متييز أمناط الـروائح

.إىل خربتنا اليت أفدناها منذ عهد الصغر والتنشئة األوىل القصصي القرآين خيلو مما حييل إىل مظاهر املشمومات، اللـهم إال يكاد اخلطاب

إذا استثنينا املوضع اآليت من سورة يوسف الذي يصور عاطفة األبوة الـيت اختـصمت عليها عالمات الفجع الشديد واألمل املوصول، فكانت الرائحة القرينة املؤشرة على جناة

يقـول اهللا ، قى على وجه أبيه يعقوب والبشارة اليت محلها قميصه املل يوسف ولمـا فـصلت )93(اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصريا وأتـوني بـأهلكم أجمعـني :تعاىل

. )94(ن العري قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندو

.511 أمحد ياسوف، الصورة الفنية يف احلديث النبوي الشريف، ص - 1 .5، ص1981، 1 الشم يف الشعر العريب، دار األندلس، بريوت، ط- 2

- 319-

ـ ،ألشم:بقوله ) ريح يوسف ألجد إني(: عبارة اآللوسي فسر ة فهو وجـود حاس من مسرية مثانية أيام على ه اهللا تعاىل ما عبق بالقميص من ريح يوسف م أش ،الشم

أن ما استشعره يعقوب من رائحة يوسـف الرازيوهلذا عد1. ما روي عن ابن عباس وصول الرائحة إليه من هذه املسافة البعيـدة نأل: ية اليت خص ا من قبيل اآليات اإلهل

ر عنه بالوجود وعب ،ألجد ريح يوسف أشم : ومعىن ...أمر مناقض للعادة فيكون معجزة ألنه وجدان له حباسة الشم2 . قد ارتقـت لـدى وإجياد رحيه يوحي بأن فاعلية الشم

الوعي إىل طور اإلدراك اليقيين التام، وقـد يعقوب من طور اإلدراك احلسي الذي يعوزه ناسب ذلك مقام النبوة، ولئن كانت هذه الرائحة حمددة ومعلومة لـدى األب، فإـا

.ليست كذلك بالنسبة إىل املتلقي، ولكنها جزما رائحة طيبة ذكية تفوح من بعبدري وفضال عن معىن استباق يعقوب للبشارة بنجاة يوسـف الـذي أداه التعـب

القرآين، فإن هذه الصورة جاءت فواحة بعاطفة األبوة اليت تظاهرت مع العاطفة الدينية، بل فاقتها يف هذه السورة، ويشي بذلك غلبة اإلشارة إىل يعقوب باألب علـى ذكـر

وهكذا جند اللهفـة واملـشاعر ، فهي عاطفة مفجوعة يف فقد هذا االبن الكرمي، امسهائحة اليت ال نعرف كنهها، فكأن كل الروائح الطيبة تقبع يف الولد الذي األبوية تتجلى يف الر

وهو كما تشي به قرائن السياق أحب بنيه إىل فؤاده، ربما ملا . 3هو مثرة القلب والوجود ولذلك خنمن أن باعث هذه العاطفـة . علمه من سبيل الوحي من أمر نبوته وعلو شأنه

ى دنيويا عارضا، وإمنا الغرض الديين هـو الـذي أحل ليس هو النبيلة لدى يعقوب وتذكرنا هذه الصورة الشمية بريح اجلنة اليت أومأ إليهـا .عليها إحلاحا يف هذا اخلطاب

.يف إشارة إىل قيمة هذه العاطفة. 4)ة اجلن الولد من ريحريح: ( يف قولهالنيب

.53، ص 13ج روح املعاين، - 1 .166، ص 18غيب، ج مفاتيح ال - 2 -ة حنوا من مثاين وعشرين مرةمل يذكر يعقوب بامسه يف سورة يوسف سوى ثالث مرات، بينما أشري إليه باألبو .

.515 أمحد ياسوف، الصورة الفنية يف احلديث النبوي الشريف، ص - 3 .، املكتبة الشاملة11061. ح. ، ر479، ص 7 البيهقي، شعب اإلميان، ج- 4

- 320-

الصورة اللمسية: املبحث اخلامس

عربية متيز بني اللمس واملس متييزا دقيقا، مما فـتح اـال ال تكاد معجمات ال لتداخل املادتني من حيث الضبط والتحديد اللغوي، اللهم إال إذا استثنيا إشـارا إىل أن

، وهو ما استنام إليه العسكري ملا بين أن اللمس يكون باليد خاصة، 1اللمس يكون باليد جر وحديد وحنومها، وليس بالـضرورة أن يكـون أما املس فيكون باليد وغريها من ح

.2باليد اللمس حقيقتـه املـس وقد اطمأن إىل ذلك كل من الرازي حينما قرر أن

، باليـد اجلسذهب إىل أن اللمس هو ، والطاهر بن عاشور يف تفسريه حينما 3باليدـ ختاس، فشبه به االويطلق جمازا على اختبار أمر ألن إحساس اليد أقوى إحس ار علـى ب

رادفه وهو املسعلى االختبار طريق االستعارة كما أطلق م 4 . ويكتنف ذلك التمييـزفقط معتـربا أن ) مس(ضرب من الغموض إذا ما علمنا أن ابن فارس يقتصر على مادة

وقد بين ابن عاشور من جهـة . 5امليم والسني أصل صحيح يدل على جس الشيء باليد ، وهو جماز يف إصابة الشيء وحلوله حاصل بني جسمني، تصال اه أخرى حقيقة املس بأن

واألذى وأكثر ما يطلق يف إصابة الشر الـضر السوء ومـس الشيطان ومس حنو مس ، .6والبأس ومس سقر

وقد غلب يف التعبري القرآين إطالق اللمس على املاديات واحملسوسات، حنو قوله ، كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مـبني ولو نزلنا عليك : تعاىل

.326، ص 12ولسان العرب، ج . 975، ص 3صحاح، ج ال- 1 .338 الفروق اللغوية، ص - 2 .91، ص 10 مفاتيح الغيب، ج - 3 .227، ص 29التحرير والتنوير، ج - 4 .271، ص 5 معجم مقاييس اللغة، ج- 5 .604، ص 2األصفهاين، املفردات يف غريب القرآن، ج: وينظر. 316، ص 2 التحرير والتنوير، ج- 6

- 321-

وكأن الالم توحي باستيفاء ذلك، يف حـني ، كما دل على حتقيق فعل اللمس، 7: األنعامإن الإنـسان خلـق : ىلذاع استخدام املس للداللة على املعنويات واردات، مثل قوله تعـا

، وارتبط املس 21 – 19 :املعـارج ، وإذا مسه الخير منوعا إذا مسه الشر جزوعا هلوعا قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسـسني بـشر ولـم أك : ، حنو قوله تعاىلأيضا بسياق نفي اللمس

وإن طلقتمـوهن مـن قبـل أن تمـسوهن وقـد : ، وحال عدم حتققه حنو قوله تعـاىل 20: مرمي ،بغيا ضتما فرم ففريضة فنص نله ضتمفر...، 237: البقرة.

كن مـن واللمس حاسة استشعارية مت . إثارة منبهة للكائن احلي وقع ملسي كل لويقتضي اللمس انعدام الوسيط، فيكسر احلـاجز بـني . إدراك ما حييط باألجسام احلية

اإلنسان والشيء، ويغطي اللمس جسم اإلنسان بشكل تام، وال يقتصر علـى مـساحة ومع ذلك فإن أغلب ما تتـأدى .دون األخرى، فجميع األعضاء تضطلع حباسة اللمس

فبها ندرك صفات النعومة واملالسة واخلشونة والـصالبة حاسة اللمس من عضو اليد، ويف ذلك يقول . والرخاوة، فضال عن النتوءات واخلدوش واحلرارة والربودة ودرجاما

متد حاسة اللمس اإلنسان بنعوت تعبريية كثرية، فتوافق هذه النعوت املواقف : أحد الباحثني .1اعم، والضاغط والنافر، واحملفور وغريهاالنفسية، فهناك الساخن والبارد، واخلشن والن

وقد أورد جويو عن أحد الدارسني أن التعبريات الدالة على النعوت اللمـسية حاسة اللمس متدنا خبمسني نعتـا أكثر من تلك اليت حتيل إىل النعوت الذوقية، حيث أن

م ثالثني نعتا تعدأكثر النعوت قدرة علـى تعبرييا، أما الطعوم وإحساسات احلرارة، فهي تقد اليت تتميز 3ولعل هذا الكالم حييل إىل ما ميكن االصطالح عليه بالقيمة اللمسية . 2التعبري

.529 أمحد ياسوف، الصورة الفنية يف احلديث النبوي الشريف، ص - 1 .63، مسائل فلسفة الفن املعاصرة، ص جان ماري جويو، - 2 . 528 املرجع السابق، ص - 3

- 322-

بالتحول والتعدد وقفا لطبيعة املوضوع امللموس ونوعـه ومنـط االسـتجابة احلـسية، .واإلحياءات النفسية اليت ميكن أن حتيل إليها عملية اللمس

لقصصي القرآين عن صور ملسية ومسية عديدة اسـتدعاها ويتكشف اخلطاب ا يـؤدي بـإخالص املوقف الديين، من خالل شىت األغراض التبليغية، فهذا صاحل

األنبياء النصح لقومه، ويدعوهم لعبادة اهللا، حماوال أن يزيح ما رسخ بأوهامهم من اعتقاد وإلـى ثمـود أخـاهم قال تعاىل ة، فقد وثين فاسد، ويف غمرة عنادهم يؤيده اهللا مبعجزة الناق

ذه ناقة اللـه لكـمه كمبر ة مننيب تكماءج قد هرإله غي من ا لكمم وا اللهدبم اعا قوا قال يالحص .73: األعراف . بسوء فيأخذكم عذاب أليم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها

يف ي قومه عن التعرض للناقة حىت ال يصيبهم غـضب شدد النيب صاحل تنبيه بـاألدىن علـى بشيء من األذى، ويف ذلك : أي. )ولا تمسوها بسوء : (اهللا، قائال

ها وعقرهـا حر فنهيه عن ن ،اما آلية اهللا إذا كان قد اهم عن مسها بسوء إكر ،األعلىوذلك يشي بـأن . 1األخذ هنا استعارة واملس و ،ومنعها عن املاء والكأل أوىل وأحرى

اقترنت بأسلوب النهي، إذ أفاد فعل املس املنهي عنـه الصورة املسية ههنا صورة جمازية شامل ألنواع األذى مبالغة يف ال مة اإلصابة بالشر هو مقد هنا معىن اإلحلاق واإلصابة، و

وما أدى معىن املبالغـة . 152: األنعام، وال تقربوا مـال اليتـيم : قوله تعاىل نظري ،2الزجر .3نكرة) سوء(جميء لفظة يف النهي أيضا

وتعترضنا ضمن اخلطاب القصصي القرآين صورة مسية أخرى، يف سياق تعجب ، الذي اقتضى نفيهـا ىل القاضي حبملها وإجناا لعيسى مرمي العذراء من أمر اهللا تعا

- 156: اآلية(، وسورة الشعراء )64: اآلية(وقد اطردت هذه العبارة أيضا يف سورة هود.(

.332، ص 4 البحر احمليط، ج- 1 .242، ص 3تفسري أيب السعود، ج : وينظر. 163، ص 8روح املعاين، ج - 2 .242، ص 3 أبو السعود، إرشاد العقل السليم، ج - 3

- 323-

قالـت :مس أي إنسان هلا مما يؤكد عفتها وعذريتها، إذ يقول عز من قائل على لـساا وهو تساؤل تعجيب مشروع، مفعـم . )20(أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا

احلرية واخلوف والدهشة، وهي تتلقف هذه البشارة العظيمة الشأن وال تكـاد بدالالتتستوعبها، فقد كان وقعها ثقيال على نفسها رغم ما يستكن خلفها من كرامة وتشريف

.إهليني سيعلو ما شأا وشأن وليدها املرتقبـ كوقد توسلت هذه الصورة بوسيلة بيانية هي الكناية، إذ ن عـن ى بـاملس

واللباس، واملباشرة باحلرث: ى عنه الوطء، كما كن ،1 . ولئن ذهب القرطيب إىل أن املس، النكاح احلالل، فإن الزخمشري يقصره على 2يف هذا السياق كناية تشمل احلالل واحلرام

طء ، نافيا أن يكون كناية عن الو237: البقرة ،مـن قبـل أن تمـسوهن : تعاىلمستشهدا بقولهفواضح كيف أنه قـد . 3أن تراعى فيه الكنايات واآلداب ألنه ال يسوغ ، االزناحلرام أو

.أخضع تأويل هذه العبارة كدأبه إىل التوجيه البياينألن املس كما أومأنا إليـه ) يلمسين(عوضا عن ) ميسسين(واختار األداء كلمة

زواج وغريه، كما اطرد سلفا يقتضي انتفاء حصول اللمس املادي الذي يكون مبقتضى وتطفح هذه الصورة املتجلية يف سياق االسـتفهام الـتعجيب . يف كامل اخلطاب القرآين

مبعاين الرباءة والشرف والعفة واحلياء اليت اتشحت ا شخصية هذه الفتاة املتبتلة، وقـد اورة هذا فتحرى األداء وهو يصف موقف احمل . طهرها اهللا واصطفاها على نساء العاملني

.صون نزاهتها وعفتها، دون أن ينال من ذلك قيد أمنلةكما توحي ببوادر آية من آيات اهللا اليت قضاها يف خلق اإلنسان، بشكل يناقض

. ..ن على اهللار مرمي وقوعه، هي تتصوفهذا األمر اخلارق الذي ال السنن اإلهلي املألوف،

.492، ص 2 البحر احمليط، ج- 1 .91، ص 11تفسري القرطيب، ج - 2 .11، ص 3 الكشاف، ج- 3

- 324-

يـة ، وعالمة على وجوده وقدرته وحرة للناسعل هذا احلادث العجيب آيوأنه أراد أن جي تتجاوز وعـي - ال خيرج عن إطارها ومولد املسيح –فحقيقة املعجزة . 1إرادته

البشر ومنطق تفكريهم، لذلك كثريا ما يتلقفها األنبياء والرسل مبواقف ال ختلـو مـن موسـى وأهله بالغالم، وحـال تعجب واستغراب، مثلما كان حال بشارة إبراهيم

ه، وحال تلقي النيبحني ألقى عصاه أمام رب ل وهلةللوحي ألو . فلعلنا جند إحداها حاضرة يف سياق احلديث عن ) بالالم(أما عن الصور اللمسية

املرسلني وهم يف ضيافة إبراهيم اخلليل، حبيث توقع أن تصل أيديهم وهي حاسة اللمس م حال قدومهم لتناوله، وذلك ظنا منه أم بشر، فقد األساسية، إىل الطعام الذي هيئ هل

فلمـا رأى أيـديهم لـا تـصل إليـه )69( فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ... :ال اهللا تعاىل يف سورة هود ق . )70(لى قوم لوط نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إ

أكل الطعام يف العادة أن متتد اليد إليه أوال مما يستلزم حتسسه بـاللمس، يقتضية مل م مالئك لكون الطعام عوا أحجمغري أن األضياف هذه املرة مل يكونوا بشرا، لذلك

حيبا ميكونوا على أن هو األضياف هيئة يف سبب جميئهم ، و تركب فيهم غريزة الشهوة فلم حتصل منهم حركة . 2ا مشغوفا الضيافةحريصا على آداب كان سيما أنه ، ويهوى

، ليتعطل بذلك )أيديهم ال تصل إليه (مد األيدي إىل ما قدم إليهم، وانتفى منهم اللمس .اإلدراك احلسي لعدم توفر دواعيه وشروطه الذاتية، وإن توفرت موضوعيا

الذي توقـع رة أن تكون عالمة حيوية أتاحت إلبراهيم لقد أريد هلذه الصو ملس األضياف الطعام التعرف على هويتهم، بعد أن نكرهم وانتابه خـوف منـهم، إذ أوحت إليه واجس عن مكروه حمتمل، مل يكن ليعلم حقيقته وكنهه، وما يربر خماوفه أن

رأى أن ه، صاحب ل موجدة مىت أضمر ببيت النازل عصر كان يقضي أن ال عرف أهل ذلك

.2306، ص 4 يف ظالل القرآن، مج - 1 .21، ص 18ج مفاتيح الغيب، - 2

- 325-

ي يف فطرأمر ثلهاجلزاء على اإلحسان مبإذ أن ، ملةاسعهد على امل مبثابة رى طعام الق تناول ،1 املساملة جتي ال ير إيعاز إىل أنه فذلك قبول معروف، عن مىت أعرض شخص ، ف اإلنسان

.الفعليفصورة اللمس هنا تعتبر من حيث توقعه يف ذهن إبراهيم، ال من حيث وقوعه ونتحسس الصورة اللمسية يف جتليات حرارية متعددة حفـل ـا اخلطـاب القصصي القرآين، على اعتبار أن حاسة اللمس مناط استـشعار الـدرجات احلراريـة

درجات متباينة يفالصورة احلرارية يف اخلطاب القصصي القرآين مؤشر تدرج ياملختلفة، ف وفورانا ومرورا بالدفء واالعتدال ووصوال إىل الربودة متفاوتة ابتداء من األكثر حرارة

.املنعشة واللطيفة، مما يصور باقة متنوعة من اإلدراكات احلسية اللمسيةتان صور بأهله ومغادرما مدين، حتسسنا فإذا ما متلينا مشهد سري موسى

يت ارجتى االنتفاع جبذوة مها الربودة والتدفئة، من خالل رؤيته النار ال حراريتان متالزمتان اإلبصار اليت تفيد)آنست(أو شهاب قبس منها، ولقد عبر األداء عن رؤية النار بلفظة

وقيل ...ن الذي ال شبهة فيه البي : فكـان ،نه اإليناس ملا وجد م .س به هو إبصار ما يؤن قبس ووجود تيان بال ، وملا كان اإل ن أنفسهم ليوط »إن«قه هلم بكلمة ، حق نامقطوعا متيق

ترقاهلدى مبي ن متقوومل يقطـع )يلعل( وقال ،ا على الرجاء والطمع ، بين األمر فيهم نيع فذلك لعمري أحد مظـاهر . 2ا ليس مبستيقن الوفاء به لئال يعد م )ءاتيكم(إين : فيقول

مـن األداء يف إحكام النظم القرآين البديع الذي يراعي لكل موقف وحال ما يالئمهما .منتهى الدقة والرباعة البيانية

، وسـورة النمـل )10 :اآلية(ويتراءى لنا ذلك التصوير احلراري يف سورة طه ؛ فلئن تستخدم النار وفق درجاا املعلومـة )29 :اآلية(، وسورة القصص )8، 7 ،اآليتني(

.117، ص 12 التحرير والتنوير، ج- 1 .55، ص 3 الكشاف، ج- 2

- 326-

إن سياق سرد هـذا ف. ألغراض، منها اإلحراق والطهي والكي واإلنارة والتدفئة وغريها :املشهد القصصي يشي بوظيفتني هلا مها

ويبدو أن موسى قد ضل الطريق، خالل سريه الذي مل حيدد التعبري زمنـه، : اإلضاءة -؛ يوحي )لعلي آتيكم منها بخبر (، و )أو أجد على النار هدى : (ولعله كان ليال، والتعبري . السبيل املقـصود إىل خرب حمتمل لدى النار ميكن أن يهدي إىل باحلاجة إىل الضوء، أو

كما أن استعماالت الشهاب والقبس واجلذوة ميكن أن تكون لغاية اإلضاءة يف ظلمـة .الليل

وهي ما يهمنا هنا إذ يومئ املوقف السردي إىل طقس بارد، وذلك : الربودة والتدفئة -، وفيه دليل علـى أـم نون ا ن وتتسخ تستدفئو، مبعىن )طلونتص(ظاهر من الفعل

، مشتق من الصالء وهي النـار 2، ألن االصطالء بالنار يعين االستدفاء ا 1أصام برد وتوحي هذه الصورة مبروءة . ، وال تكون الرغبة فيه إال بعد اإلحساس بالربودة 3العظيمة

لربد أكثر ممـا خـشيه نيب اهللا موسى وحنوه الشديد على أهله، ألنه خشي عليهم أذى ا مثال، وذلك ليس بدعا يف شخصيته الكرمية، فقـد ) لعلنا نصطلي (على نفسه، فلم يقل

سبق أن هزته خنوة املروءة املركوزة فيه ودفعته ملساعدة الفتاتني حني سقى هلما من مـاء مدين بعد أن شق عليهما األمر، ومل يكن ذاك إال رفقا بضعفهما وأنوثتـهما، فاإلحيـاء ههنا ذو توجيه تربوي، إذ الغرض ذيب الطباع وترسيخ إحدى قيم التراحم اإلنـساين

.السامية يف احلياة الزوجيةوملا توسل التعبري القرآين بربط هذه الصورة احلرارية الـيت حتيـل إىل الـدفء

فع ، فقد دل ذلك على احلاجة املاسة إىل دفء النار، لد ) لعلكم -لعلي (بأسلوب الرجاء

.73، ص 20 روح املعاين، ج - 1 . 435، ص 38 تاج العروس، ج - 2 .273، ص 6وتفسري أيب السعود، ج. 155، ص 4تفسري البيضاوي، ج - 3

- 327-

ومن جهة أخرى فحىت لو مل يكن بصحبة موسى . 1شديدةالربودة اليت يبدو أا كانت إمنا اقتضاه مقام ) سآتيكم –طلون تص لعلكم –امكثوا (غري امرأته، فإن خطاب اجلمع

، ما دام يف املوقف إرهاص إىل حدث عظيم هو حدث النبوة اليت قدر 2اإلكرام والتعظيم .وعدا لتكرميه عند تلك النار بالرسالة مهلا أن تضرب معه

ومن الصور احلرارية اليت حتيل إىل الصور اللمسية هناك صورة النار احملرقة، اليت ، فبعدما أفحم صارت مبقتضى آية إهلية بردا وسالما على جسد سيدنا إبراهيم اخلليل

ناظرة، استـشاطوا متوسال بقوة احلجاج وامل قومه بالربهان الساطع على فساد معتقدهم غيضا لذلك واعتراهم غضب حاد حدا م إىل التعصب آلهلتهم وأمجعوا أمـرهم علـى

ة ت شبهته باحلج عروهكذا ديدن املبطل احملجوج إذا ق مناصبته أشد صنوف اإلعدام، ، وقد استقر رأيهم على إحراقه بالنـار 3إال املناصبة القاطعة وافتضح ال يبقى له مفزع

:ألنبياءهول صورة وأفظعها كما دل عليه قوله تعاىل يف سورة ايف أ كمضرلا يئا ويش كمفعنا لا يون الله مد من وندب66(قال أفتع( ونـدبـا تعلمو أف لكم

قلونون الله أفلا تعد 67(من( انـصو قوهرقالوا ح فـاعلني ـتمكن إن ـتكموا آلهر)كـوني )68 ـا نـارـا يقلن اهيمرلى إبا علامسا ودر69(ب(. اليت تفيد صرفيا املبالغة يف اإلحراق، واقتضى الـسياق ) رقوهح(فجيء بصيغة

احلركية البطيئة، مما يستلزم إفادا معىن اإلبطاء والتراخي كما رأيناه لدى إملامنا بالصورة سريان حرارة التحريق يف جسده الشريف ألقصى زمن ممكن، وذلك ليـوحي مبنتـهى

: قسوة قلوم، وذكر الراغب األصفهاين ما يشي بالبعد احلراري لفعل احلرق، حيث قال فحواإلحراق إيقاع نار ذات هليب ... ق الشيء إيقاع حرارة يف الشيء من غري هليب ر

.156، ص 24 مفاتيح الغيب، ج - 1 .53، ص 7 البحر احمليط، ج- 2 .76، ص 6رشاد العقل السليم، ج أبو السعود، إ- 3

- 328-

شدة اقتضى، وقد مر بنا معىن التحريق قي مشهد تدمري موسى للعجل، إذ 1الشيءيف ولنا أن نتخيل مقدار احلرارة اهلائلة .2 شكال سده الشريف جل بقىال ي حبيث اإلحراق يف

.اليت يقتضيها حتريق هذه هي صفتهومن إحياءات هذه الصورة أن روحها ال زالت تسري يف عصر الوحي، فكذلك

نت قريش تفعل مع رسول اهللا كا ة وعجزوا عن معارضـة مـا حني دمغهم باحلج، ويعزز ذلك ويكمله اإلفضاء 3، فعصمه اهللا وا إىل االنتقام وإيثار االغتيال آتاهم به عدل

القرآين الذي ورد يف سياق سورة العنكبوت، حينما ختير األداء أسلوب التعريض مـن : ميزت حديث إبراهيم إىل قومه بعد جناته من النـار خالل نربة الغضب والوعيد اليت

وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ـ . )25( وما لكم مـن ناصـرين النار ومأواكمويلعن بعضكم بعضا هلـم أن بـين د فق

وهـو ، )فأنجاه الله من النار ( سيكون من جنس كيدهم )ومأواكم النار (مصريهم .مصري كفار قريش أيضا، ماداموا يقامسوم موقف العداء مع النيب

قة، صورة حرارية موازية هلا حتيـل إىل وقد استلزمت هذه الصورة احلرارية احملر ، وأومـأ برودة غري طبيعية جاءت مقترنة بالسالم، ويف ذلك لطف إهلي بـإبراهيم

ذاهبا )بردا وسالما على إبراهيم (: النار أن تكون تعاىلالرازي إىل احلكمة من أمر اهللا ـ الذاالعتدال من ال بدف ،ط أهلك كاحلر أن الربد إذا أفر إىل :ثالثـة أوجـه بصل ي حيأحدها : أن بعض النار صـار : وثانيها. ر يؤث ر اهللا تعاىل بردها باملقدار الذي ال أنه يقد

أنه تعاىل جعل يف جـسمه : وثالثها. والربد ا على حرارته فتعادل احلر بردا وبقي بعضه بل قد انتفع به والتذ ، فسلم من ذلك الربد مزيد حر 4 . كن مقـصودة فالربودة هنا مل ت

.150، ص 1املفردات يف غريب القرآن، ج - 1 .300، ص 16املصدر نفسه، ج - 2 .105، ص 17التحرير والتنوير، ج: وينظر للمقارنة. 304، ص 6 البحر احمليط، ج- 3 .164، ص 22 مفاتيح الغيب، ج- 4

- 329-

لذاا ووفق طبيعتها، وإمنا كان تصويرها موحيا بلطائف نصرة اهللا اليت قلبت مبقتضى آية .عظيمة مؤشرة احلرارة الطبيعية من حر هلب حمرق إىل برد مصحوب بسالم إهلي

ويف سورة الربوج تتراءى صورة حرارية أخرى الفحة بلهب مستعر، يف سياق النـار )4(قتل أصـحاب الأخـدود :تعاىلأصحاب األخدود، إذ يقول اإلشارة املقتضبة إىل نبإ

وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله )7(وهم على ما يفعلون بالمؤمنني شهود ) 6( إذ هم عليها قعود )5(ذات الوقود كما يردد أهل الفقه؛ فالنار اليت ارتـأى فجاء اجلزاء من جنس العمل . )8(حميد العزيز ال

النـار (أصحاب األخدود إضرامها إللقاء املؤمنني فيها، ستكون عقابا أبديا حتميا هلم اليت هي مجع قاعد ) قعود(فصيغة اسم الفاعل . ) إذ هم عليها قعود ذات الوقود

: يف قولـه تعـاىل ) رقـود (، كلفظة )قاعدون(أدل على الثبات واالستمرار من صيغة قـودر ـمهقاظـا وأي مهبـستحو ،ة 18: الكهفاليت توحي باستمرار رقاد الفتية بالكهف ملد

زمنية طويلة؛ فستصنع النار بأولئك ارمني مثلما فعلوا هم باملؤمنني، وتالزمهم حبيـث ، ألخـدود االقعود عن مالزمـة ولعل األداء كنى ب .سيخلدون فيها قعودا من دون قيام

.تسعريهاو النار أصحاب األخدود يف إضرام واين تداللة على عدموترتسم بالغة هذه الصورة ههنا من ناحيتني؛ تتصل إحـدامها برباعـة األداء

بـأداء ) عقـاب جهـنم (ووصف اجلزاء) إحراق املؤمنني(وصف الفعل : املزدوج، أي عوضـا عـن ) قعـود (تعبريي واحد حيتملهما معا، وأما الناحية الثانية فتتحدد يف ختير

، ألن القعود يكون من قيام عكس اجللوس الـذي يكـون مـن اضـطجاع )جلوس(، فلما كان القعود كذلك لزم أنه يكون بعد قيام الناس بني يدي ربهم للجزاء 1واستلقاء

فتلك اإلمكانات التعبريية لتبني عن براعـة . ما أنه ال يرجتى القيام منه ثانية والثواب، ك .عجيبة حقا

.164 الفروق الغوية، ص - 1

- 330-

الذي يفيد االسـتعالء )على(أن حيتمل حرف اجلر من بالغة األداء وروعته و ، وخيص قعود الكفار حول النار وهم يعاينون فظاعـة جرميتـهم جمازي أحدمها: معنينيمار ولكن حوهلا ال يقعدون فوق الن أل، راقبة باالستعالء ر عن القرب وامل وإمنا عب1 ،

.ويتصل بقعود الكفار يف نار جهنم للعقاب غداة احلساب ال حوهلا واآلخر حقيقي،تشي قرائن السياق بأن املقصود بأصحاب األخدود هم الكافرون الذي أوقعوا

2ني صاحب التحريـر والتنـوير تلك احملرقة النكراء يف حق املؤمنني، وبذلك ال جيد ختم ضمن أحد احتمالني أن املراد م املؤمنني املعذبني فيه مسوغا يعضده، ويـدعم ذلـك

ومـا وهم على ما يفعلون بالمؤمنني شهود : (قوله تعاىل بعد ذلك : أمران، أحدمها حيث أن ضمري مجاعة الغـائبني يف ، )عزيز الحميد نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله ال

.اآليتني عائد على أصحاب األخدود ال على املؤمنني املعذبنياملبين للمجهول الذي يكـون غالبـا موحيـا ) لتق(أما األمر الثاين فهو الفعل

لقتل ملا فرط بدالالت السخط الشديد والنقمة العارمة، وكأنه دعاء عليهم مبصري اللعنة وا الـذين هـم فـي قتل الخراصون: منهم من إجرام مقيت، ولذلك نظائر يف اخلطاب القرآين

ونـاهة سرغم ، و 11، 10: الذاريات ، رقـدو فكـر إنـه رقـد ـففقتـل كي قتـل ثـم رقد فكي ،و، 20 – 18: راملدث ها أكفـرم انقتل الإنس ، فغالـب ؛ 17 :عـبس

.يف تلك السياقات أداء تعبرييا إنشائيا دعائيا وليس خربيا سرديا) لتق(التقدير أن لصيغة

يف هذه الـصورة التركيز السردي أن جييء هنا الديين الترهيب قتضى غرض واطبيعة احلدث يف حد ذاته، وما يعزز إىل على اجلزاء واملصري األخروي، أكثر من إشارته

، ففيه إيعاز إىل أن العربة ليست بسرد ما جرى )قتل(ذلك صيغة الفعل املبين للمجهول معهم من أحداث، مادام ذلك ال يؤدي غرضا تبليغيا، وإمنا مبـا آل إليـه مـصريهم يف

.242 ص ،30 التحرير والتنوير، ج- 1 .243، ص 30 املصدر نفسه، ج- 2

- 331-

ن هامش الشعور لغرض غالبا هي تغييب الفاعل ع اآلخرة، فقيمة صيغة املبين للمجهول .1من مثة يأيت مناسبا جلو الترهيببالغي وهو إفساح االهتمام باملفعول، و

التعبري القصصي القرآين صورة حرارية أخرى ولكن هذه املرة مع درجة ويصور أدىن وألطف بكثري مما رأينا سابقا، هي صورة الربودة املنعشة، وذلك يف سـياق ذكـر

واذكـر عبـدنا أيـوب إذ نـادى ربـه أنـي :قال تعـاىل ، حيث نبيه أيوب ابتالء اهللا تعاىل ل .42، 41: ص، اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب مسني الشيطان بنصب وعذاب

سـياق دعـاء من مسات بالغة الصورة مراعاة األداء ملقتضى احلال، وذلك يف أيوب ربه شاكيا إليه ما أمل به من سوء منقلب، فاحلال هي حتري حسن األدب مـع اهللا سبحانه وتعاىل، أما املقتضى فهو نسبة النصب والعذاب إىل الشيطان، مع أنه ال يـسلط

. فحـسب ال يتعـدى الوسوسـة هسلطانعلى األنبياء كي يرهقهم تعبا، فضال عن أن ملا كانـت وسوسـته إليـه : دى الزخمشري تأويال جيلي األمر، حيث يقول ونلمس ل

ه اهللا وطاعته له فيما وسوس سببا فيما مس به من النوقد راعى ب والعذاب، نسبه إليه ص ، .2، مع أنه فاعله وال يقدر عليه إال هو حيث مل ينسبه إىل اهللا يف دعائهاألدب يف ذلك

ذا الكالم من توجيه بياين، إذ تتراءى مالمح اـاز وال خيفى ما ينطوي عليه ه املرسل ذي العالقة السببية، حيث نسب األذى إىل الشيطان بسبب وسوسـته، وذلـك يوحي مبدى إميان أيوب بربه ويقينه فيه وإخالصه له، إذ مل حتل الظروف العصيبة الـيت

ع ربه، فال يتذمر أو يضجر نكبته يف الصحة واألهل واملال دون أن يقف صابرا متأدبا م ).عبدنا(من قضائه فيه، وال غرو أن استجاب اهللا له وشفاه وامتدحه بوصف

اركـض (ومبا أن اهللا قريب من عباده فقد حتققت االستجابة سـريعا بقولـه لكوجاء يف معجم مقاييس اللغة أن ). برج : الراء والكاف والضاد أصل واحد يـدل

.120عبد احلميد هنداوي، اإلعجاز الصريف يف القرآن الكرمي، ص - 1 .98، ص 4 الكشاف، ج - 2

- 332-

يقال ركض الرجل دابته، وذلك ضربه إياها برجليـه . قدم، أو حتريك على حركة إىل على ما فاقتضت براعة النظم . 1ركض الفرس، وليس باألصل : لتتقدم، وكثر حىت قيل

أن تتناسب صيغة األداء وتنسجم مع حركة املوقف السردي اطرد عليه التصوير القرآين ، ولعلها حركة تقتـضي 2رض برجله اإلعحازي، ولعل املقصود بالركض هو ضرب األ

حيـث الركض يف معاين الـسرعة سيما أن العرب تصطنع ما ال خيلو من سرعة، تقد ، على إسـراعه الطائر ، كما دل ركض 3 أسرع إنفاقه إذا) طأطأ الركض يف ماله (: قالت

.4مهالس سريعة أا كضةراملركوض وال قوس وعنوا بال،طرياناليف يف الكالم إجياز احلذف، إذ أن )هذا مغتسل ( أسلوبيا توخى األداء يف عبارة وهذا مغتسل بارد :فركض األرض فنبع ماء فقلنا له :فالتقدير .ت عليه اإلشارة حذف دل ولعل هذا احلـذف جـاء . 5فاإلشارة إىل ماء ألنه الذي يغتسل به ويشرب .وشراب

اجلمايل بسرعة االستجابة اإلهلية الفورية لدعاء أيوب، فال تباطؤ وال ليعزز إحياء الصورة .تراخي، مادام قد أدى االبتالء كامال، وأبلى يف الصرب البالء احلسن، حىت غدا رمزا له

كما توحي برودة املاء بعذوبة منعشة شافية لظاهر بدنه حني يغتسل به، ولباطنه صف املاء بذلك يف سياق الثناء وو : اشور قائالحني يرتوي منه، وإىل ذلك أملح ابن ع

عليه مشري إىل أن ذلك املاء فيه شفاؤه إذا اغتسل به وشرب منه ليتناسب قول اهللا له مع ووصـفه ... ندائه ربه لظهور أن القول عقب النداء هو قول استجابة الدعاء من املدعو

وحييلنا هذا الكالم . 6ى من القروح إمياء إىل أن به زوال ما بأيوب من احلم )بارد(بـ ية إىل ما جاء يف قوله املتعلق بقيمة املاء الصح :)احلى من ف محي ـ ج هـ أم ف ن ا بردوه

.434، ص 2، ج )ركض( ابن فارس، معجم مقاييس اللغة - 1 .35 ص ،4وتفسري النسفي، ج . 96، ص 7معامل التنزيل، ج، وتفسري البغوي، 99، ص 4 الكشاف، ج - 2 .113، ص 8، ج )طأطأ( لسان العرب، - 3 .302، ص 5، ج )ركض( املصدر نفسه، - 4 .270، ص 23 التحرير والتنوير، ج - 5 .270، ص 23 التحرير والتنوير، ج - 6

- 333-

وذلك ملا فيه من نفع وشفاء للمريض مىت المس جـسده، فـصورة الـربودة ؛1)باملاء . عافيته من جديداملالزمة للماء هنا موحية برمحة إهلية استرجع مبقتضاها أيوب

وهكذا رأينا كيف أن فاعلية إدراك احلرارة بشىت درجاا يف اخلطاب القصصي القرآين ال تخرج عن إطار الصورة اللمسية، ما دامت ترتد إىل إحدى البؤر احلسية، فهذا النمط من الصور أبان عن إمكانات اخلطاب الفنية اليت ال تكتفي باملـستوى اللفظـي

وي لوحده، وإمنا راحت تعول على أفق تعبريية أخرى استثمرت فاعليـة تـصوير اللغاملدركات احلسية لتجعل منها وسيلة ألداء شىت املقررات التبليغية، اليت ميليهـا الغـرض الديين وفق صياغة فنية، فجاءت كل صورة يف حلة بديعة من األداء الذي تـضافرت يف

ال عن آليات احلس اليت خاطبها الوحي كمـا خاطـب تشكيله طاقات اللغة كلها، فض .سائر امللكات

.3023. ح. رباب صفة النار وأنها مخلوقة صحيح البخاري، كتاب بدء اخللق، - 1

- 334-

تراسل احلواس: املبحث السادس، نرتئي أمناط الصورة باعتبار بؤر اإلدراك احلسي يف سياق يتصل باحلديث عن

اإلشارة إىل ظاهرة تعبريية فنية، شاعت يف حقيقة األمر استجابة لـدواعي فنيـة ذاتيـة وتعكس تلك الظاهرة منطا من التفاعل القائم يف خارطـة . يف الشعر احلديث وموضوعية

احلس، الذي أكسب الشعر روحا ومذاقا فنيا جديدا، وأغرانا بتقـصي حـضوره أداء وإحياء يف اخلطاب القصصي القرآين، ونقصد هنا ظاهرة تراسل احلواس وتعاورها اليت من

.ي وعقله وسائر استعداداته بنحو فين تأثرييشأا أن تنهي املعىن إىل قلب املتلق التراسليعد synesthésie ني يف الفن واألدب، وهـو أن من مقوالت الرمزي

غـدا لقصد معني أو غاية فنية، ف ة أخرى تستعريها منها أداء تضطلع إحدى احلواس حباسخلعها على أخـرى ة ما ليتم يه حاس الشاعر استعارة ما تؤد وفق املنظور الرمزي بإمكان

دركات من حـواجز، طبقا للوقع الذايت للمكات على نفسه، فيتهاوى ما بني تلك املدرأن علينـا يـشق وبذلك .1وتأتلف عناصرها الصورية ائتالفا إحيائيا ضمن وحدة نفسية

.2نعزو جانب من الصور إىل حاسة واحدة لكوا قابلة أن تفهم بأكثر من حاسةعد هذه التقنية اليت أومأ إليها فالسفة اإلسـالم حتـت " ياسوف أمحد"ولكن

مصطلح احلس املشترك حالة مرضية وداء وبيال يف األدب كوا من مسببات االعتـداد بالوهم والالوعي، كما أا مظهر الختناق الفكرة بالذهن وغموضها، وتشوش العاطفة

وهناك . 3عنه يف احلديث النبوي الشريف واضطراا، ومن هذا املنطلق حترج من احلديث

.90، الصورة الشعرية يف النقد العريب احلديث، ص بشرى موسى صاحل- 1 .117، ص املرجع نفسه - 2 .113 أمحد ياسوف، الصورة الفنية يف احلديث النبوي الشريف، ص - 3

- 335-

من رأى بأن التراسل بني احلواس يكاد ميحو الفوارق بني الفنون البـصرية والـسمعية .1واللمسية والشمية

ولئن أغرتنا ظاهرة التراسل بتقصيها يف اخلطاب القصصي القرآين، فإن ذلك حيتم لف جوهريا عن دواعي توظيفها يف علينا أن نعي أن دواعي اقتضائها يف هذا اخلطاب ختت

الشعر، لتباين خصوصية كل منهما، فالشعر تعبري عن جتربة انفعالية ذاتية، هلا ما يربرهـا فنيا، والشاعر يشرئب دوما إىل ختوم اخليال، ليستقي منه موضوعاته، ويلوـا بـألوان

و على اخلطـاب أحاسيسه، وقد يأسره الوهم والالوعي، األمر الذي ال ينسحب بأي حن القرآين من حيث أنه يؤثر التعامل مع الوعي والواقع من خالل املوقف الديين الـذي ال

.يتوسل إىل ملسات الفن إال لغاية التأثري واالستمالة واإلقناع واإلحياءوهناك أمنوذج قرآين خناله يقترب من هذا امللمح الفين نتطرق إليه مبنأى عن طرح

وضـرب اللـه مثلـا قريـة كانـت آمنـة :سورة النحـل تمثيل له مبا جاء يف الرمزيني، وميكن ال مطمئنة يأتيها رزقها رغدا مـن كـل مكـان فكفـرت بـأنعم اللـه فأذاقهـا اللـه لبـاس الجـوع والخـوف بمـا

ونعنـص112(كـانوا ي( . جمـازين متجـاورين فقد انطوى التعبري هنا على أداء بياين ضمتداخال يف حدث كالمي واحد مها اإلذاقة واللباس، حبيث مت إيقاع استعارة اإلذاقة على

.استعارة اللباساإلذاقة جرت عندهم جمـرى احلقيقـة وقد رد الزخمشري سبب ذلك إىل أن

، بؤس والـضر ذاق فالن ال : س الناس منها، فيقولون د وما مي لشيوعها يف الباليا والشدائ وأمـا . مل مبا يدرك من طعم املر والبشع شبه ما يدرك من أثر الضرر واأل : وأذاقه العذاب

إلنسان والتبس بـه مـن بعـض ما غشي ا : فقد شبه به الشتماله على الالبس اللباس

ثقافـة (أعمال مؤمتر جامعة فيالدلفيا الدويل الثاين عشر حول املرئية، الصورة الفنية عادل الفرجيات، النقد األديب و - 1

.136ص ، 2008، عمان، )ألدب والنقدالصورة يف ا

- 336-

ه ملا وقع عبارة عما يغشى ، فألن ع اإلذاقة على لباس اجلوع واخلوف وأما إيقا . احلوادث .1فأذاقه ما غشيهم من اجلوع واخلوف: ويالبس، فكأنه قيلمنهما

األمل ب املكني حساسلإل -ية قرآن مواضععدة على غرار – ريتستع ا اإلذاقة هنا فأمـا ال جيد له مـدفعا، ، حبيث ن ذوق الطعام من فم ذائقه متكالذي يضارع ،واألذى كمالزمة اللباس البـسه، شخص ما ما يغشى من حالة مالزمة ل إىل ريستع فقد ا اللباس

. ن املالبسة والتمك يفيدمبا من خالل استعارة اللباس فقد أتى 2،جبامع اإلحاطة واملالزمة ويضيء اآللوسي الذي ردد ختريج الزخمشري البياين، استعارة اإلذافة من حيـث ذكـر

ت ما تفيده اإلذاقـة مـن يفو للترشيح لئال فكساها إيثارا : وإمنا مل يقل : املالئم بقوله على أسـاس أن .3لالتأثري واإلدراك وطعم اجلوع ملا يف اللباس من الداللة على الشمو

االستعارة املرشحة أبلغ من اردة واملطلقة، ألن التركيز فيها ينصرف إىل مـا يتـصل .ملنا فنيا على تناسيهباملشبه به، فتخيله لنا كأنه عني املشبه، بعد أن حت

وفضال عن هذا التوجيه البياين، اشتمل األداء على مظهر لرباعة النظم، ذلـك أن بـسة أن يلـبس املـرء إزارا ، ألن متام الل ف البالغة جعل اللباس لباس شيئني من لطائ

وملا كان اللباس مستعارا إلحاطة ما غشيهم من اجلوع واخلوف ومالزمته أريـد .ودرعادة أن ذلك متمكن منهم ومستقر يف إدراكهم استقرار الطعام يف البطن إذ يـذاق يف إفا

فاستعري له فعل اإلذاقة متليحا ومجعـا بـني .واحللق وحيس يف اجلوف واألمعاء اللسان ، ألن غاية القرى واإلكرام أن يؤدب للضيف ويخلع عليه خلعة من إزار الطعام واللباس

فال خيفـى مـا . 4...فحصل يف اآلية استعارتان .تعارتان كميتان برد، فكانت اس و

.597، 596، 2ج الكشاف، - 1 .306 ، ص14التحرير والتنوير، ج - 2 .243، ص 14روح املعاين، ج - 3 .307 ، ص14التحرير والتنوير، ج - 4

- 337-

ينطوي عليه هذا األداء من تعبري كمي الذع غرضه تقريع الكافرين وتشنيع حاهلم، إذ .استبدلوا لباس العز والتكرمي بلباس الذل واهلوان

النفعـاالت ويومئ سيد قطب إىل البعد التفاعلي الذي تتراسل مبوجبه احلواس وا م التعبري اجلوع وجيس: ضمن هذه الصورة اليت الزمتها أيضا مسة التجسيم، حيث يقول

واخلوف فيجعله لباسا؛ وجيعلهم يذوقون هذا اللباس ذوقا، ألن الذوق أعمـق أثـرا يف وتتداخل يف التعبري استجابات احلواس فتضاعف مـس . احلس من مساس اللباس للجلد

هم يشفقون من تلك العاقبـة لعل. عه وتأثريه وتغلغله يف النفوس ولذاجلوع واخلوف هلم فلعله يقصد بتداخل استجابات احلواس تلـك .1اليت تنتظرهم لتأخذهم وهم ظاملون

احلالة اليت تراسل فيها هاجس اخلوف وإحساس اجلوع وحاسيت الذوق واللمـس، ألن .اجللد من شأنه أن يستشعر ملمس اللباس

علـى )اللباس ( الثانية فرعت االستعارة أن سب األداء مع اإلحياء مظاهر تنا ومن طا بأهـل احأاجلوع واخلوف بأن أوحى ب ، مما عليها تبك ور )اإلذاقة ( األوىل االستعارة

ومن جتليات إحياء هذه الصورة أيضا أا تعـد .ضاريا منهم مبلغا اغبل و همالزماوالقرية أهل مكة، إذ جاء ملوحا مبصري كفرهم، ويف هذا يقول الطاهر خطابا ضمنيا إن شئنا إىل

والنكتة يف ذلك أن يصلح هذا املثل للتعريض باملـشركني باحتمـال أن : بن عاشور ويقوى هذا االحتمال . ة بأن جعلهم مثال للناس من بعدهم تكون القرية قريتهم أعين مك

وال ، 2ة اجلوع الذي أنذروا بـه إذا كانت هذه اآلية قد نزلت بعد أن أصاب أهل مك خيرج مثل هذا اإلحياء عن مقتضى الغرض الديين، الذي جاء من خالل هـذا اإلفـضاء

.القصصي ليصل زمن احلدث بزمن الوحي يف وحدة شعورية بغية أداء العظة والعربة

.2199، ص 4 يف ظالل القرآن، مج - 1 .304، ص 14 التحرير والتنوير، ج - 2

- 338-

قوله تعاىل عن بين إسرائيل من ومن أمثلة ظاهرة التراسل كذلك ما جاء يف سياق وأشـربوا فـي قلـوبهم العجـل بكفـرهم قـل بئـسما يـأمركم بـه إميـانكم إن... : بقرةسورة ال

مننيـؤم ـتم93(كن( وحقيقة فعل ؛ اإلشراب خمالطة املائع اجلامد، وتوع فيه حىت صار س، مضاف أي حب العجـل على حذف ،الكالم، و بياض مشرب حبمرة يف اللونني، ومنه

وجووذكر القلـوب لبيـان ،ا عن صورته فال حيتاج إىل احلذف أن يكون العجل جماز ز ، ليغدو معناه فيما يـذكر 1ن يفيد مبالغة يف اإلثبات ، وذكر احملل املتعي مكان اإلشراب

ـ ه واحلرص على عبادته كما يتداخل الثوب هم حب لتداخالزخمشري فقـد ، 2صبيغ الخت يف أفئدم صورته لفرط شغفهم به، حىت صارت عبادته كالـشراب الـسائغ رس

أداء بالغيا، مل يكـن ) حب( وأفاد حذف املضاف .املتمكن من قلوم بسبب كفرهم يف ذكر العجل تنبيها أن لفرط شغفهم به صارت صورة العجـل يف ليفيده ذكره، ألن . 3قلوم ال تنمحي

ويف حديث النيب ثـر األوافق هذه الطريقة الفنية يف األداء، إذ جـاء يف ما ي ـ ها ن برش أ قلب ي فأ ،اودا ع ودصري ع على القلوب كاحل نض الفت رعت(: الشريف تك

كفيه نة فتنة القلوب وشغفها 4)ة سوداء تي شدر شأن التعبري القرآين بشكل حسفيصو ، ي بالباطل واألهواء والضالالت، وكأل التعبري مبا هو مادا تغرف من إناء ملموس، فتوس

.لتصوير ما هو عقلي جمرد إلهداء املعىن إىل نفس املتلقي كأمكن ما يكونه الوصف على حد تعبري سيد قطب الذي يقـف عنـد هـذا صورة غليظة حنن إذن إزاء

يفة الغليظة، وتلـك ل تلك احملاولة العن اخليال يتمث ويظل ... :التركيب البالغي قائال ، ر فيها حـشرا حشوي، ل يف القلوب إدخاال دخرة العجل ي صو: الصورة الساخرة اهلازئة

.326، ص 1 روح املعاين، ج- 1 .192، ص 1 الكشاف، ج - 2 .339، ص 1 املفردات يف غريب القرآن، ج- 3 .207. ح. صحيح مسلم، كتاب اإلميان، ر- 4

- 339-

يه، وهـو حبـهم جاءت هذه الصورة اسمة لتؤد حىت ليكاد ينسى املعىن الذهين الذي بدو قيمـة التعـبري هنا ت ! ، حىت لكأم أشربوه إشرابا يف القلوب الشديد لعبادة العجل

فما كـان . 1السمة البارزة يف التعبري القرآين اجلميل . .إنه التصوير .. .رلقرآين املصو اهلذه الصورة أن تكتسب قيمتها التعبريية لوال تلك احلركة احلسية النفسية اليت جتلـت يف

.هذا األداء التراسلي وال خيفى ما ينطوي عليه هذا النمط األدائي القائم على التراسل مـن طاقـات إحيائية تشي بإفضاءات كمية غرضها تفظيع ما أقدموا عليه، فحىت صيغة الفعل املـبين

أتت لتزكي هذا اإلحياء، من حيث أفادت أنه ال سند روحي قومي، ) بواشرأ(للمجهول وال منطلق عقلي سليم أمليا عليهم عبادة العجل، وإمنا هي األهواء والوساوس الشيطانية

فقد تراسلت من خالل هذه الصورة حاسة الذوق مع . س هلا جهة معلومة املضللة اليت لي موقف الشرك املتمكن يف القلوب، مما يشي أن التراسل يستدعي مسة التجـسيم الـيت

.سنعود إليها الحقا

.131، 1يف ظالل القرآن، مج - 1

- 340-

مات الفنية ا هناك مجلة من املقو ا األداء ليت يتوس الـصورة لتشكيل التعبريي ل

الفنية يف اخلطاب القصصي القرآين، األمر الذي ميكن إفادته إجرائيا من جمـال دراسـة مات استنبطها الدارسون يف سياق تعاملهم مع اخلطاب الشعري األدب، إذ أن هذه املقو

ما يكسبه صبغته األدبية، لكو ة، خباص ا تتجاوز االستخدام املعياري واعتربوها من أهم .العادي للغة إىل آفاق ومستويات تعبريية صفيقة حتقق بالغة اخلطاب أداء وإحياء

بيد أنه ال بأس من تثمريها لدى انكفاءنا على حتسس نظام الصورة يف القصص من جهة، وإذا ما أخـذنا القرآين مادامت ال تتعارض يف تصورنا مع قدسية نص الوحي

. احلسبان أن وظيفتها ههنا ختتلف جوهريا عن جمال اإلبداع األديب من جهة أخرى بعنيوالواقع أن هذه السمات عديدة ال حصر هلا، وميكن االقتصار على أكثرهـا جتليـا يف

:اخلطاب القصصي القرآين، واليت تشيع فيه نفحات الروعة واجلالل

- 341-

التشخيص: املبحث األولـ إضفاء صفات الكائن احلـي راد به فنيا أديب ي مصطلحالتشخيص ة ، وخاص

كما حيس الصفات اإلنسانية على ظواهر الواقع اخلارجي، يبث احلياة فيها فيجعلها حتسيها الشعراء يف بنـاء اسـتعارام والتشخيص من األدوات الفنية اليت يلجأ إل ... اإلنسان

ية اجلامـدة وإكـساا إحياء املواد احلس وظيفته يف وتتحدد. 1ل جتارم إىل املتلقني قنلالتشخيص الـصفات وقد تكون طبيعة املوضوع الذي خيلع عليه .2إنسانية اإلنسان وأفعاله

.3ة أو معنويحية أو جامدة، ماديةالبشرية

كة مبدعة تسترفد فاعليتها إما من سعة الشعور، والتشخيص يف منظور العقاد مل قته، ذلك أن الشعور الواسع حسبه هو الذي يستوعب كل ما يف الكون مـن وإما من د

كما أن الشعور الدقيق يتأثر بكـل . مجادات، فإذا هي نابضة باحلياة، فتغدو جزءا منها روح الـشاعر «يذهب جون مدلتون مـوري إىل أن و .4مثري، ويهتز لكل ما يدغدغه

وقـد شـغلت ظـاهرة . 5»ياة لألشياء اجلامدة اخلالقة يف حاجة ماسة إىل أن متنح احل التشخيص مكانة هامة يف األدب العاطفي على مدى شىت العصور حـىت عـدت مـن

.6خصائص األدب الرومانسي، وقد احتفى ا الشعر العريب منذ القدممل يتسن للتشخيص أن يغدو ظاهرة فنية بارزة يف الشعر العريب إال من خـالل

تجديدية، ليزداد هذا امللمح الفين رسوخا يف الشعر األندلسي، حيـث مدرسة أيب متام ال لتـشخيص بـني وعموما فقد جتاذب النقد القدمي ظـاهرة ا . 7باتت إحدى مساته الفنية

.155 رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص -عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 1 .169 صيب متام، الصورة الفنية يف شعر أ عبد القادر الرباعي،- 2 .268 ص جابر عصفور، الصورة الفنية يف التراث النقدي والبالغي عند العرب، - 3 .89، ص1969 العقاد، ابن الرومي، دار اهلالل، - 4 .47، ص 1971، أفريل، 172عبد الوهاب املسريي، جملة الة، ع . االستعارة، ت: مقال - 5 .155 رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص -عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 6 .156، ص املرجع نفسه - 7

- 342-

رفضها االجتاه احملافظ ممثال باآلمـدي مـن خـالل اسـتغرابه التحرج واإلقرار؛ إذ حينما أشاد بقيمة االستعارة ما اجلرجاين وحبذها اجتاه آخر وال سي .الستعارات أيب متام

.1وسحرها الفينويورد مصطفى ناصف تفسريا لظاهرة التشخيص الذي يعزوه إىل عاملني ضمن

التشخيص صفة تتسرب يف كياننا عميقة موغلة ألسباب قـد : عوامل عدة، حيث يقول حاجة اإلنسان إىل وثاق يكون من بينها بقايا االعتقادات القدمية يف أنفسنا يف شكل غامض، و

. فالعامل األول يف نظره ذايت، بينما الثاين موضوعي.2يربطه بالطبيعةوأخذت ظاهرة التشخيص الفين موقعها من اخلطاب القرآين بعامـة والسـيما اجلانب القصصي منه، فأتت ملقتضى القصدية الدينية باملقام األول، ولكنها أبانت مـع

البيان األصيل، ألا كانت سبيال مثلى لتوصـيل احلقـائق ذلك عن ملسات الفن وبريق الوجدانية والصور االنفعالية للمتلقي وجعلها شاخصة بتفصيالت املوقف أمام إدراكـه، فيعاينها تضطرب اضطراب اإلنسان، وتسلك شىت أمناط سلوكه، وكأا كـائن يعقـل

ن قلبه وعقله كي وينطق وينفعل ويصرخ ويضحك ويبكي ويقف، عسى أن تتمكن م . تدفعه برهة للتأمل والتدبر، ومن مثة لالتعاظ واالعتبار

ولمـا سـكت عـن موسـى : األعـراف يف سورة ومن شواهد التشخيص ما ورد ـونبهري همبلـر مه ة للذينمحرى ودا هختهفي نسو احذ الألوأخ 154(الغضب( . ر األداء مـنيصو

حالة اهلدوء الذي أعقب سورة الغضب ) ولما سكت عن موسى الغضب (خالل عبارة اء ما صنع قومه أثناء غيابه، فانفعال الغضب الشديد الـذي هـزاليت اعترت موسى جر

كان وجدان موسى إمنا كان لدين اهللا تعاىل، وينم عن حرصه الشديد هلداية قومه، فقد غضبا مشروعا ومربرا مدفوعا بعلو مهة، ال كغضبنا حنن الذي غالبا ما توجهه األهـواء

.41 اجلرجاين، أسرار البالغة، ص - 1 .136الصورة األدبية، ص مصطفى ناصف، - 2

- 343-

والدوافع الذاتية واملصاحل الضيقة، لذلك ارتأى األداء تشخيصه لتصوير حدته، وربمـا .يكون يف إنزال الغضب منزلة العقالء الذين يتحدثون ويسكتون إحياء بشرفه تكرميا له

هل التفسري عند هذه اآلية مشريين إىل مسة التشخيص فيها، مستأنـسني توقف أ هذا مثل، كأن الغضب كان يغريه على مـا : باملوقف البالغي، حيث يقول الزخمشري

قل لقومك كذا وألقي األلواح، وجر برأس أخيك إليك، فترك النطـق : فعل ويقول له ستفصحها كل ذي طبـع سـليم بذلك وقطع اإلغراء، ومل يستحسن هذه الكلمة ومل ي .1وذوق صحيح إال لذلك، وألنه من قبيل شعب البالغة

ستعارة مكنية حيث شبه الغضب بشخص نـاه ايف الكالم و: ويقول اآللوسي ستعارة تبعية حيث اإن فيه : وقال السكاكي ،ت على طريق التخييل آمر وأثبت له السكو

.2هيشبه سكون الغضب وذهاب حدته بسكون اآلمر النا هب ش ،والسكوت مستعار لذهاب الغضب عنه : ويقول الطاهر بن عاشور أيضا

بكالم شخص يغريه بذلك، وحسن هذا التـشبيه أن ... ثوران الغضب يف نفس موسى الغضبان جييش يف نفسه حديث للنفس يدفعه إىل أفعال يطفئ ا ثوران غـضبه، فـإذا

ت املغـري، فلـذلك أطلـق عليـه سكن غضبه وهدأت نفسه كان ذلك مبنزلة سكو .3السكوت، وهذا يستلزم تشبيه الغضب بالناطق املغري على طريقة املكنية

وكأمنا . هو حي فكأمنا . ص الغضب والتعبري القرآين يشخ : ويقول سيد قطب عـاد ! ، وتركه لـشأنه عنه )سكت(حىت إذا .. كهط على موسى، يدفعه وحير هو مسل

أللواح اليت كان قد ألقاها بسبب دفع الغضب لـه وسـيطرته موسى إىل نفسه، فأخذ ا .4عليه

.154ص ، 2 الكشاف، ج- 1 .71، ص 9 روح املعاين، ج - 2 .122، ص 9 ج التحرير والتنوير، - 3 .1376، ص 3ج يف ظالل القرآن، م- 4

- 344-

فقد أدرك هؤالء املفسرون مسة التشخيص يف هذا املوضع القصصي القرآين وفق توجيه بالغي صرف، حاولوا أن يتوسلوا به لفهم الداللة اهلامشية اجلزئية اليت أفضى ا

ويصمت متاما مثل األشخاص، وأقـاموا إنزال الغضب منزلة الكائن احلي، وكأنه ينطق عالقات مل تكن لتتعدى املنظور البياين غالبا بني تلك الداللة اليت تعد جزءا ال ينفصم عن مقصدية اخلطاب الكلية، وبني هذه السمة الفنية اليت أتت لتصور حدة غضب موسـى

أنه من حسن األدب وكأنه كائن منفصل عنه، ويف ذلك إحياء تربوي غايته إرشادنا إىل .أال نباشر عمال ما حتت وطأة الغضب ألنه يعترض التركيز والتصرف األليق

فلما ذهـب عـن إبـراهيم الـروع وجاءتـه : ه تعاىللقوومن أمثلة هذا امللمح الفين أيضا يا إبراهيم أعـرض عـن هـذا إنـه قـد جـاء ليم أواه منيب إن إبراهيم لحالبشرى يجادلنا في قوم لوط

وهـو ) الروع(جييء انفعال و .76 -47: هود، أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود حال مـن حالة انفعالية معنوية تتملك اإلنسان عند استشعار اخلوف من أمر مريب، إثر

جييء يف هيئة كائن حي له اإلرادة واحلركة، فيـذهب : السكينة واهلدوء النفسي؛ أقول مبجرد أن أطلع الضيوف إبراهيم بأم مالئكة مرسلني من اهللا إليه وإىل ابن أخيه لـوط،

.1فيطمئن لذلك قلبه، ألن املقصود بذهاب الروع هنا زوال اخلوف، حيث أن كلمـة )وجاءته البشرى ( أيضا على عبارة إن األمر نفسه ينسحب

تعد حقيقة معنوية حتيل إىل لطائف ربانية تنبئ مبا يـسر اإلنـسان ويغبطـه، ) بشرى( خرب ر به إذا كان سابقا لكل به املخب رس مبا ي اإلخبارها ويكشف الكرب واهلموم، ومعنا

. 2 اإلنـسان لد لتأثريه يف تغيري بشرة وجه من البشرة وهو ظاهر اجلها اشتقاقلعلو، سواهولعل التشخيص يوحي بتوكيـد زوال . فأثبت األداء ايء للبشارة من قبيل االستعارة

، مبا ال يدع جماال للتحفظ، كما يوحي بأن هذه البشارة اخلوف الذي انتاب إبراهيم

.24، ص 18 الرازي، مفاتيح الغيب، ج - 1 .285 أبو هالل العسكري، الفروق اللغوية، ص - 2

- 345-

فلكأنها شـخص لـه صادقة ال مراء فيها، ما دامت أمرا مقضيا صادرا عن اهللا تعاىل، .خواص العقالء

ويتراءى لنا ملمح التشخيص أيضا يف سياق إشارة اهللا تعاىل لنبيه املصطفى ولقـد : األنعام سورةإىل ما كان من إرسال املرسلني يف األقوام السابقني، حيث جاء يف

ــنا )42(ء والـضراء لعلهـم يتـضرعون أرسـلنا إلـى أمـم مـن قبلـك فأخـذناهم بالبأسـا أسب مهـاءلـا إذ جفلو لـونمعـا كـانوا يم طانيالـش ـمله نزيو مهقلوب تقس لكنوا وع43(تضر( . ومعىن البأس والبأساء

.1بؤس الذي يكون يف الفقرالشدة واملكروه، ويكونان أكثر يف النكاية خالفا للالذي يعد قيمـة جمـردة ال ) البأس(فأثبت ايء وهو من خواص األحياء إىل

تدرك حسا، حتيل إىل اهلالك الذي حاق بتلك األمم ومحلها على العصيان عوضا عـن التضرع والعودة إىل اهللا، فلغاية تصوير هول البأس عمد األداء إىل تـشخيص بـأس اهللا

. إلحياء ول عظمته وسطوته وأخذه تلك األقوام أخذ عزيز مقتدرل فـإن األداء 2ومبا أن التعبري مسوق فنيا على طريقة التعريض مبشركي قـريش

وهذا يدل علـى أن التـشخيص . توخى من خالل التشخيص تأكيد حلول البأس يقينا لدواعي الشكلية الزخرفيـة وسيلة فنية تستجيب ملقتضى الغرض الديين، فال يرد رد ا

للتصوير البياين، وإمنا يكثف اإلحياء يف اخلطاب ويستدر منه املعاين املخبوءة بـني شـىت .مستوياته الللسانية

.66، ص 1األصفهاين، املفردات يف غريب القرآن، ج - 1 .226، ص 7التحرير والتنوير، ج - 2

- 346-

)التجسيد(التجسيم : املبحث الثاين االستعارة غالبا، حيث يغدو أحد أساليبها الفنيـة، وحقيقتـه التجسيد يالزم

م الصورة االستعارية األفكـار إكساب املعنويات صفات حمدة، حيث تقدسوسة جمسن يعترب أن التجسيم يتسرب وإن كان هناك م . 1واخلواطر والعواطف محسات مجسدة

وتتعذر عمليـة .2 القاعدة النهائية لتكونه إذ يتعذر وعي بوسائل كثرية عدا االستعارة، يف قصيدة من القـصائد دون أن الفصل بني التجسيد والتشخيص، إذ ال يرد التشخيص

.3اته يف صياغة استعارجان فنيا حني يعمد إليهما الشاعرفهما يتواش. يالزمه التجسيديعين تقدمي املعىن يف جسد معين، أو نقل املعىن من نطاق املفـاهيم إىل فالتجسيد

للفظ أداة خيايل يتخذ ا جتسيم ملشهد حسي أو الصورة ذا املفهوم .4 املادية احلسية له، والتجسيم وحده ليس كل شيء يف الصورة، فهنالك اللون والظل واإلحياء واإلطـار

يرتقي بالصورة : ويقول سيد قطب بشأنه .6وكلها عوامل يف تشكيل الصورة وتقوميها اليت يرمسها فيمنحها احلياة الشاخصة، أو احلركة املتجددة، فإذا املعىن الـذهين هيئـة أو

ذا احلالة النفسية لوحة أو مشهد، وإذا النموذج اإلنساين شاخص حـي، وإذا حركة، وإ

.158 رؤية نقدية لبالغتنا العربية، ص -عدنان حسني قاسم، التصوير الشعري - 1 .135صورة األدبية، ص ال مصطفى ناصف، - 2 .159 املرجع نفسه، ص - 3 .168 ص الصورة الفنية يف شعر أيب متام، عبد القادر الرباعي،- 4 - ز عبد القادر الرباعي بني مصطلحي التجسيد والتجسيم الذي يعين عندهد مرتبة اإلنسان يف مييرإيصال املعىن ا

ويبدو جليا ذلك االضطراب الـذي وقـع فيـه .م أدخل يف باب التشخيصولكننا نرى أن هذا املفهو . قدرته واقتداره إضـفاء احليـاة البعض حينما أخلطوا بينهما، ومن ذلك مثال ما ذهب إليه عيد سعد يونس من أن التجسيم يراد بـه

شاهد ويرتفع بنـبض والديناميكية واحلركة على املشاهد املصورة أيا كان جماهلا أو موضوعها، مما يعلي من حرارة هذه امل إال أن إمعان النظر يفضي إىل اتصال هـذا الكـالم . احلياة فيها، فتزداد قوة تأثريها يف نفس املتلقي وحسه ووجدانه

.139التصوير اجلمايل يف القرآن الكرمي، ص : ينظر. بالتشخيص .144ا، ص أمحد علي دمهان، الصورة البالغية عند عبد القاهر اجلرجاين منهجا وتطبيق - 6

- 347-

، فمدار الكالم هنا على التجسيم الذي يعرفـه ضـمن 1الطبيعة البشرية جمسمة مرئية جتسيم املعنويات اردة، وإبرازها أجـساما أو حمـسوسات علـى : سياق آخر بأنه

الفين هو أن يتخيـل التجسيمفإن : فهوم بقوله ويقارب أحد الباحثني هذا امل ،2العمومالقارئ لآلية املصورة للصورة املرسومة فيها جسما وهيئة مادية حمسوسة، وهي متخيلـة

فهذه التقنية األسلوبية الفنية اليت حفل ا اخلطاب القرآين تتيح ملخيلة املتلقـي . 3طبعا .وعيا إحدامها ذهنية، واألخرى حسيةاالنتقال عرب معرب يصل واقعتني متمايزتني موض

وسنروم يف هذا املقام حتسس بعض مظاهر التجسيم الكثرية الورود يف اخلطاب القصصي القرآين، اليت كيفها األداء لإلحياء بقيم ومعان وتصوير املواقف املعنوية، تصويرا

ار قدرا الفنية على ماديا جيعلنا ندركها إدراكا بينا، نستشعر معه مجال االستعارة وأسر ومـا : ومن شواهد هذا السمة التصويرية قوله تعـاىل . خلع احملسوس على الذهين ارد

.126: األعراف ، وتوفنا مسلمني ربنا أفرغ علينا صبرا تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا فقد عمد التعبري الذي سيق على لسان سحرة فرعون الذين آمنوا ملوسـى إىل بـصيا، حبيث جعل من الصرب سـائال يالصرب وهو قيمة عقلية فأضفى عليها طابعا ماد

، ضا من اهللا يفرغه عليهم فيغمـرهم وهو تعبري يصور مشهد الصرب في والنفوس آنية له، فقد كانوا مدركني متـام .4تماال للهول واملشقةوينسكب عليهم سكينة وطمأنينة واح

اإلدراك لفظاعة ما توعدهم به فرعون، وأنه يف حكم األمر املنجز، فأفادت مسة التجسيد .إحياء بتهيئهم الروحي والنفسي ملواجهة هذا املصري األليم دنيويا

تـضى ومقام اخلطاب املتصل بترهيب فرعون ووعيده الشديد اللهجة، هو ما اق مسة التجسيد هذه، إذ ملا استشعر أولئك السحرة أنه ال قبل هلم باحتمال ذلك التهديـد

.36 التصوير الفين يف القرآن، ص - 1 .72 املرجع نفسه، ص - 2 .342 صالح عبد الفتاح اخلالدي، إعجاز القرآن البياين ودالئل مصدره الرباين، ص - 3 .284، ص 1 سيد قطب، يف ظالل القرآن، مج - 4

- 348-

ه الصرب مباء تشبيه املعقول سألوا اهللا أن جيعل لنفوسهم صربا قويا، يفوق املتعارف، فشب ه خلقه يف نفوسهم بإفراغ املاء من اإلنـاء باحملسوس، على طريقة االستعارة املكنية، وشب

ى طريقة التخييلية، فإن اإلفراغ صب مجيع ما يف اإلناء، واملقصود من ذلك الكنايـة علفالتجسيد كان . 1عن قوة الصرب ألن إفراغ اإلناء يستلزم أنه مل يبق فيه شيء مما حواه

أفضل أداة بيانية للتعبري عن حالة هذا الرجاء اإلمياين، سيما بعد أن عاين السحرة معجزة .ا نصرة اهللا تعاىل لعباده، وأيقنوموسى

وقد أومأ الرازي إىل ملمح تعبريي بشأن مسة التجسيد هذه، يعكـس بالغـة أنـزل : "اخلطاب القرآين، وهو انتقاء األلفاظ بعناية فائقة، حيث عدل التعبري عن قـول

ء هو صب إفراغ اإلنا نسب وأبلغ، ف أ ، ألنه )أفرغ علينا صبرا (مثال إىل قوله "علينا صربا وهـذا يـدل .2 الصرب ال بعضهأم طلبوا من اهللا كل ويف ذلك إيعاز إىل ،يهحيوما كل

لتؤدي كل لفظة يف لغة القرآن الكرمي دقيقة ال تنازعها يف موضعها لفظة أخرى على أن طلبوا أبلغ أنواع الصرب، استعدادا منهم ملا سينزل م من العذاب ك فقد معناها، وبذل

، 3، وثبوت القدم على اإلميـان ب يف احلق عدو اهللا، وتوطينا ألنفسهم على التصل من .فالتجسيد أتى هنا رامزا موحيا حمققا لقيمة نفسية منسجمة مع مقام اخلطاب ومقصديته

وإضافة إىل ذلك هناك مشهد قصصي آخر ميزته ظاهرة التجسيد الفين، حيث واتـل علـيهم نبـأ الـذي آتينـاه آياتنـا فانـسلخ منهـا :اهللا تعاىل سرد علينا نبأ الذي انسلخ عن آيات

الغـاوين مـن فكان طانيالش هعفأتب ، غة . 175: األعرافبفقد خلع األداء على آيات اهللا املـس حسيا، وجعلها لكثرا وشدة على هذا اإلنسان الذي أغفل التعبري تعيينه حتقريا له مظهرا

قرا من اإلنسان، وإحاطتها به من كل صوب وكأا جلد أصلي لصيق به، ولكنـه مل

.56، ص 9 الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، ج- 1 .171، ص 14ح الغيب، ج الرازي، مفاتي- 2 .493ص الشوكاين، فتح القدير، - 3

- 349-

يقدر هذه النعمة حق قدرها فتجهم لتلك اآليات وهي شديدة القرب مـن حواسـه، .1ية انسلخ منهل من فارق شيئا بالكيقال لكلوانسلخ منها بإرادته، إذ

سيد قطب مسة جتسيد آيات اهللا يف هذا املوضع القصصي توضيحا ينم ويوضحينسلخ : عن ذائقة رفيعة يف متلي مجاليات التصوير الفين القرآين، حيث أن هذا اإلنسان

س بلحمه؛ فهو ينسلخ منها بعنف وجهد ومشق كأمنا اآليات أدمي له متلب ة، انسالخ احلي س اجللـد بلة باإلميان باهللا ت سلبليست الكينونة البشرية مت أو .. من أدميه الالصق بكيانه

د من الغطاء الواقي، والدرع احلـامي؛ ها هو ذا ينسلخ من آيات اهللا؛ ويتجر .. بالكيان؟ فقد أومأ هذا الكالم إىل بعض ما تطفح به الصورة .2وينحرف عن اهلدى ليتبع اهلوى

. املعزى الديين التبليغي، وتكمل عمليـة فهمـه التجسيدية هذه من طاقات إحيائية ختدم .فهذه اآليات كانت مبثابة غشاء حيمي اإلنسان من نزغ الشيطان وعوارض اهلوى

ويتوسل األداء القرآين بفنية التجسيد أيضا يف قصص أصحاب الكهف، وذلك الكهـف ينـشر لكـم اللـه فـأووا إلـى وإذ اعتزلتمـوهم ومـا يعبـدون إلـا :تعـاىل يف سياق قوله

ـ فقد ،16: الكهف ، ربكم من رحمته ويهيئ لكـم مـن أمـركم مرفقـا د التعـبري سج، وجعل منها شيئا ماديا قابال للنشر والبسط شأن الثياب، وتكمن قرينـة الرمحة القرآين

فإذا الكهـف . ظالل السعة والبحبوحة واالنفساحتلقياليت ) ينشر(التجسيد يف لفظة ، وتـشملهم ظالهلـا لرمحة وتتسع خيوطها ومتتد فضاء فسيح رحيب وسيع تنتشر فيه ا

عـن روح إميانيـة ) ينشر لكم ربكم من رمحته (وتنيب عبارة . 3بالرفق واللني والرخاء م، ولكأا حقيقة شاخـصة أمـام عالية صدر عنها هؤالء الفتية، فقد أيقنوا نصرة اهللا هل

أعينهم، مما يدعم ما ذهبنا إليه سلفا من أن التجسيد كسائر السمات الفنيـة يالمـس .مواقف العظة واالعتبار تعزيزا لغرض اخلطاب الديين

.45، ص 15 مفاتيح الغيب، ج - 1 .1396، ص 3مج يف ظالل القرآن، - 2 .2262، ص 4 املصدر نفسه، مج - 3

- 350-

يف سياق قوله عند ميزة التجسيد ) لملئـت و( يستوقفنا األداء االستعاري لكوكذيقاظـا وهـم رقـود ونقلـبهم ذات الـيمني وذات الـشمال وكلـبهم باسـط ذراعيـه وتحـسبهم أ : تعاىل

ل أنفـسنا اخنف .18: الكهف، ولملئت مـنهم رعبـا بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا تلئ مبا حتويه، ويتجسم انفعال الرعب بشكل مادي فيمأل الناظر إلـيهم، أوعية وأواين مت

وهذا مبالغة تصويرية غرضها شدة التفزيع، وبيان أن اهللا أقام حوهلم مبقتضى أية عجيبـة .حصنا منيعا من املهابة والوقار حيول دون التعرض هلم بأدىن أذى ممكن

ينما زعم أن سبب بعث حاهلم علـى ولسنا ندري على أي سند اتكأ ابن عاشور ح فذلك مما !!1 لصوصا قطاعا للطريق هميف كهف الرعب أن الناظر الذي جيهل قصتهم خياهلم

هلذا نستبعده متاما ما دام أن السياق ال يتوافر على قرينة تشري يدعو إىل االستغراب حقا، ذا اخلطاب القصصي، إىل ما يثبته، مث إن تصورهم كذلك ال ينسجم مع الغرض الديين هل

.الذي يلح على تكرميهم واإلشادة بإخالصهم، فال يسوغ أن خيلع عليهم هيئة املنحرفني

أن اقذفيـه يـوحى إذ أوحينا إلى أمك مـا :ونقع على مسة التجسيد أيضا يف قوله تعاىل ولتصنع على منيوألقيت عليك محبةاليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه

فاآليتان تتحدثان عن تدبري إهلي عجيب جنى به البارئ موسـى .39، 38: طه، عيني شديدا بعد أن استأذنت منه من فتك فرعون، فرغم عداوته الشديدة له إال أنه أحبه حبا

.امرأته يف االحتفاظ به، من حيث مل يكن يدري حقيقتهة جماز إلقاء احملب اختذ التعبري القرآين هنا ملمحا بيانيا أدى مسة التجسيد، إذ أن

بدون سبب عادي حىت كأنه وضع باليد ة يف قلب احملب ة به، أي خلق احملب ق احملب يف تعل ة خارقـة للعـادة ة بأا من اهللا للداللة على أا حمبووصف احملب .لعادةال مقتضى له يف ا

، فقد قرت به عني امرأة فرعون 2ة العرفية من اإللف واالنتفاع بلعدم ابتداء أسباب احمل

.282، ص 15 التحرير والتنوير، ج - 1 .217، ص 16التحرير والتنوير، ج - 2

- 351-

ويف هذا إحياء إىل أن جتسيد عاطفـة . مبجرد أن رأته، وقبل أن ينفعها أو تتخذ منه ولدا فين اقتضته دواعي الغرض الديين الذي أراد أن يلمح إىل أن هذه احملبة احلب رغم طابعه ال

. مذ أن كان رضيعامل تكن عادية وإمنا هي آية خص ا اهللا عز وجل موسى وأدخلناه في رحمتنا إنه: بشأن لوط ومن مواضع التجسيد أيضا قوله تعاىل

الحنيالص من حقيقـة وهـي ؛ حيث أن التعبري القرآين عمد إىل الرمحة 75: ياء، األنب، أوى ومالذ يدخل اهللا فيه من يشاء وكأمنا الرمحة م ، فخلع عليها مظهرا حسيا، عقلية

، فصور التعبري شدة متكن الرمحة من نيب اهللا لوط تـصويرا 1فإذا هو آمن ناعم مرحوم .لصاحلونماديا، وجعل منها حمال ال يلجه إال ا

جمـاز )نـا تمحيف ر نـاه لدخأو(: ى أن أر إىل هذه القيمة البيانية، و ابن جين وأشار هي أمر معنوي بشيء حمسوس جيوز تشبيه الرمحة و أوهلا: أوصاف ثالثة علىبيانيا يقوم

ألنه أخرب عن «ته يف النفوس وتثبي املعنوي وثانيها توكيد ، الدخول فيه من قبيل التجسيد ـز مـا ض مبا خيرب به عن اجلوهر، وهذا تعال العرر إىل حييض وتفخيم له، إذ صبالعر

يشاه لمد وي عايما ...نس ويما ال عرضا متوهل شخصا متجسوأما 2» وذلك بأن تتخي ، .يف أمساء اجلهات واحملال اسم هو الرحمة ألنه أضافثالثها فهو السعة، وذلك

لطاقة اإلحيائية اليت متيز ا هذا األداء الفين من خالل مسـة ومن مظاهر كثافة ا ،ةلنبـو ا، منها رددها أهل التأويل حتتمل مدلوالت ومعان عدة، قد التجسيد، أن الرمحة

وهي معان متقاربة ومتكاملة علـى .3 إجناءه من قومه ومنها ، اجلنة ، ومنها اإلسالم ومنهاها أن الصالح مدخل إىل الرمحة اإلهلية، على حنو ما اختالفها، تقرر حقيقة واحدة، مفاد

وأدخلنـي برحمتـك فـي عبـادك :يبينه ويؤكده سياق قرآين مماثل على لسان سـليمان الحنيالص رأينا مسة تصويرية ختضع للمقتضى الديينالتجسيم كما ف .19: ، النمل.

.2389 ، ص4 سيد قطب، يف ظالل القرآن، مج - 1 .443، ص 2حممد علي النجار، عامل الكتب، بريوت ج. ابن جين، اخلصائص، تح- 2 .941والشوكاين، فتح القدير، ص . 306، ص 11 ج القرطيب، اجلامع ألحكام القرآن،- 3

- 352-

االنسجام:املبحث الثالثسـجمت « لغة من قولنا cohérence1 أو harmonieاالنسجام ولئن كان

قطران الدمع وسيالنه، قليال كان أو كثريا، وكذلك ] مبعىن[العني الدمع والسحابة املاء ، فإنه 2»انصب وانسجم املاء والدمع، فهو منسجم إذا انسجم أي ... الساجم من املطر

ثر الفين الذي تتالءم مجيع أقسامه وتتكامل يف سبيل إحداث تـأثري حالة األ «اصطالحا ، وهو أيضا الوضع الذي يكون فيه األديب متجاوبا مع ما حييط به مـن 3»عام مشترك

. 4ه بصدقمالبسات، أو مع ما يعتمل بنفسه من انفعاالت، فيعبر عن ذلك كل يف سياق بيانه موجب )كثرة املاء (وربما يكون يف حديث اجلاحظ املشهور عن

، إشارة تقربنا من مفهوم االنسجام، إذ ما أخذنا بعني االعتبـار 5املزية والفضل يف الشعر التحديد االشتقاقي ملادة سجم، الذي يفيد انصباب الدمع واملاء وسيالما، وهو األمـر

املـتكلم االنسجام أن يأيت كالم : الذي يبدو أن أسامة بن منقذ قد أدركه حينما قال إذ يفهـم منـه أن .6شعرا من غري أن يقصد إليه، وهو يدل على فور الطبع والغريزة

.الكالم يأيت متدفقا على البديهة ليعكس يف أداء رائق حالة شعورية ما أو موقفا معينار املـاء را كتحـد أن يأيت الكالم متحد«: وعرفه ابن أيب األصبع املصري بقوله

يكون للجملة من املنثور والبيت من املوزون ألفاظ، حىت سبك وعذوبة ةاملنسجم، سهول ه من البـديع، وبعـده عـن مع خلو وقع يف النفوس وتأثري يف القلوب ما ليس لغريه،

.409 حممد خطايب، لسانيات النص، مدخل إىل انسجام اخلطاب، ص - 1 .183، ص 6 ج،)سجم( ابن منظور، لسان العرب، مادة - 2 .38، ص 1984، 1. دار العلم للماليني، بريوت، ط،ملعجم األديبا جبور عبد النور، - 3 .38 املرجع نفسه، ص - 4 .132، 131ص / 3مج احليوان، - 5 131 أسامة بن منقذ، البديع يف نقد الشعر، ص - 6

- 353-

وقد عد حممد خطايب . 2، بل يرد عفوا االنسجام غري مقصود غالبا ما يكون و، 1»التصنيعأعـم مـن «ليل اخلطـاب األديب، واعتـربه االنسجام إجراء حيويا ضمن إجراءات حت

االتساق، كما أنه يغدو أعمق منه، حبيث يتطلب بناء االنسجام مـن املتلقـي صـرف فاالنسجام هـو أن تنـسجم . 3»االهتمام جهة العالقات اخلفية اليت تنظم النص وتولده

شـعورية أو صورة فنية ما مع معىن معين، أو ختير منط من األصوات ليتواشج مع جتربة .حالة نفسية معينة

على قيمتـه –ونقدر أن أغلب ما تناوله سيد قطب فيما يتصل بسمة التناسق يعد أدخل يف باب االنسجام، - والتغاضي عنها التحليلية الثمينة اليت ال جيمل بنا إغفاهلا

ـ .ابألنه ركز على العناصر الفنية اليت تتحدد يف مستوى العالقات املوضـوعية للخطما بني أداء لفظي محـدد حـسب وتالؤم فاالنسجام يكون حيث يكون هناك توافق

ـ قيمةصويت أو مفردايت أو تركييب، وبني حالة نفسية أو : مستوى لساين معين ة أو داللياألداء وبني الظالل اليت يوحي ا يف سياق اخلطـاب، فيكـون فنية معينة، أي بني منط

هتزبا، لذلك وقع مجايل توكأن هذا التدفق املائي يروي املـساحة الفنيـة له النفوس طر .فتزهر لتكسو احلطاب حلة بديعة

بشأن بالغـة والواقع أن مجيع املباحث التطبيقية اليت تناولناها يف هذه الدراسة مظاهر االنـسجام، فكـل اإلشارة إىل مل ختل من الصورة يف اخلطاب القصصي القرآين

، إمنا األداء الفين البالغية والنحوية والصرفية والصوتية مما يشكل بنية قوماتالعناصر وامل

حفين حممد شـرف، جلنـة إحيـاء التـراث . تح حترير التحبري يف صناعة الشعر والنثر، : املصري ابن أيب األصبع - 1

.429ص ، )ط.ت.د(اإلسالمي، القاهرة، .380 املصدر نفسه، ص - 2/ 2.الدار البيضاء ، ط / خطايب، لسانيات النص، مدخل إىل انسجام اخلطاب، املركز الثقايف العريب، بريوت حممد - 3

.6 ،5، ص 2006

- 354-

ولكي يتوضح األمر بـشكل راسـخ . وقد عايناها وأومأنا إليها يف موضعها حتيل إليه، :نرتئي اإلشارة إىل بعض جتلياته اليت عززت املنحى التصويري

ما القصصي القرآين، منها اخلطابشواهد من نود حتسس االنسجام يف ضوءواء إفسادهم لبين إسرائيل جر إىل ما حدث اإلسراء من إشارة قصصية سورةورد يف فواتح

ما جإن املتأمل يف نسيج هذا اخلطاب يستوقفه األداء الصويت الذي جاء منس .يف األرضلسانية وحمتواه التبليغي إىل أبعد احلدود، على أساس أن الصوت هو أحد املستويات ال

فال خيتلف اثنان يف أن صويت السني والراء كان هلما . القاعدية اليت يتشكل منها اخلطاب .حضور بارز وملحوظ، وذلك من خالل تكررمها على مدى هذه الفواتح الكرمية

- املسجد- أسرى-سبحان: (تكرر صوت السني مثانية عشر مرة مع كلمات - أسأمت- ألنفسكم- أحسنتم - جاسوا-بأس - لتفسدن - إسرائيل- موسى-السميع

ال يهتز معها الوتران الصوتيان، «اليت وهو من األصوات املهموسة ). عسى-ليسوؤوا، يتناسب واملواقف الباعثة على املآسي والتحسر ال 1»وال يسمع هلا رنني حني النطق به

رثيتها يف أخيها صخر ، ولعل ذلك ما حدا باخلنساء إىل أن تنظم م2سيما يف غرض الرثاء :مضمنة إياها معاين احلسرة اليت أوحى ا روي السني

أم حني ذكـرقين الترؤكس سي يبفرط ن ليتقد ب 3 فأصبح :وكذا فعل البحتري يف سينيته املتعلقة برثاء إيوان كسرى

رتفسي ون ـسندا يمفسي عن نتدا كل جبسصن جع 4فعت : يف قصيدة بث فيها حزنا دويا أمل بهوقال الشاعر احلديث خليل مطران

1 أنا الرمس يمشي داميا فوق أرماس أنا األسد الباكي أنا جبل األسى

.21 األصوات اللغوية، إبراهيم أنيس، ص - 1 .48 املرجع نفسه، ص - 2 .69 ديوان اخلنساء، ص - 3 .160 ديوان البحتري، ص - 4

- 355-

ـ رج األسـلي وتظاهر صوت الصاد مع السني من حيث اشتراك االثنني يف املخ -األقـصى : (، وصفة الرخاوة والصفري ثالث مـرات 2الذي يتحدد يف طرف اللسان

، وذلك كي يصعد هذا اإلحياء، كما أن هذين الصوتني جاءا يصوران ) حصريا -البصري .اليهود وكأم يهمسون يف سر وخفاء حبسرم

: كلمـات أما صوت الراء فقد حضر يف هذا اخلطاب مخسا وعشرين مـرة يف - مرتني - األرض - شكورا - ذرية - إسرائيل - البصري - لنريه - باركنا - احلرام -أسرى(

- ربكـم - تتبريا - يتبروا - مرة - اآلخرة - نفريا - أكثر - الكرة - رددنا - الديار -كبريا، وأفاد من خالل خاصيته التكرارية، بسبب تكرر طـرق ) حصريا - الكافرين -يرمحكم

، معىن املعاودة والرجوع ثانية، ومن أغـراض التكـرار 3 النطق ا اللسان للحنك لدى ، األمر الذي ينـسحب علـى 5، وكذا التقرير والتوبيخ4 تأكيد أمر ما والعناية به ابالغي

تقرير اهلوية اإلسالمية للمسجد األقصى، حىت تظل معلومة مبا ال يدع جمـاال للريـب، . أا أخص ما مييز طبعهممنشديدا يف التحذير وإثباتا لنزعة اإلفساد لدى يين إسرائيل ت

، ففي صيغة الفعل أداء رفيعا العقاب اإلهلي األولدثختير التعبري القرآين حلكما لوحده وبنيته الصوتية والداللية انسجام تام مع املوقف الذي جيعلنا نتابع املشهد ) جاسوا(

قاق توإذا تقصينا أصل االش. يويةيف حبور وذهول؛ وكأنه ماثل أمامنا يف سخونة وحوجدناها تفيد معاين التردد للغارة، والذهاب وايء، والطوفان ) جوس(اللغوي ملادة

.269، ص 2، الديوان، ج خليل مطران- 1 .78 إبراهيم أنيس، األصوات اللغوية، ص - 2 .55 املرجع نفسه، ص - 3 .174علي حممد البجاوي وحممد أبو الفضل إبراهيم الصناعتني، ص . أبو هالل العسكري، تح- 4 .93 ص ، 2العمدة يف حماسن الشعر وآدابه، ج عبد احلميد هنداوي،. ابن رشيق، تح- 5

- 356-

بالليل لترصد الناس بالقتل، وختلل الديار لطلب ما فيها والدوران فيها للعيث والفساد، .2باالستقصاءوأضاف البغوي أن اجلوس يفيد طلب الشيء . 1طي الناس ودوسهمختو

قد مجع بني تلك ) فجاسوا خالل الديار(خبيل إلينا أن هذا الفعل يف سياق عبارة املعاين مجيعها ليؤدي صورة التنكيل الذي حلق ببين إسرائيل يف منتهى ضراوته، وكأننا

تجلى معه بعدا الصوت والصورة؛ من يبإزاء متابعة مشهد سينمائي جيسد حدثا مثريا جرس كل من اجليم والسني وما حيدثانه من أثر لدى السامع ينسجم مع حيث أداء

إيقاع العقاب، ومن حيث هيئة جوسان القوم املبعوثني وهو يستهدف ديار بين إسرائيل، .ذهن يستحضر ظالل املشهد مبا يستجيب لقدراته اإلدراكية وحالته النفسيةالليترك

إىل اإلطار الـزمين، فغالـب ) جاسوا(ومن عجيب النظم القرآين أن حييل الفعل أسيسا على حتديد ابن منظـور، ومـا االعتقاد أم ترددوا عليهم لإلغارة والقتل ليال، ت

يـأيت ذكـر «، حيث در هلا أن حتدث ليال أن معظم مشاهد االنتقام اإلهلي ق يعزز ذلك العظيمة ذات الشأن الليل متسـاوقا مع املواقف العصبية واحملفوفة باملخاطر واألحداث

ز الزمين من ظروف اهلدوء واخللـسئــة احليوي واحلاسم، ملا يتوفر يف هذا احلية املهي، ومن شواهد ذلك ما ذكـره اهللا عـز 3»إلجناز األعمال وتدبري األمور، وإخفاء املكر

اىل ، وقوله تع)16: يوسـف (، )وجاءوا أباهم عشاء يبكون (: يوسف وجل بشأن ـر بعبـادي ليـال إنكم متبعون (: ملوسى ؛ كما أن اقتران )23: الـدخان (، )فأس

ة العقاب كثريا دل على أن سن يم املعاندين ألنبيائهم، ملما اإلصباح واإلشراق بندم األقوا .4ما كانت حتدث بالليل، حني يلزم الناس دورهم وبيوم فال تستثين منهم أحدا

).جوس( أساس البالغة؛ مادة ، لسان العرب، الزخمشري، ابن منظور،الصحاح اجلوهري،- 1 .79، ص 5جالبغوي، معامل التنزيل، - 2القصصي القرآين، دراسة حتليليـة منوذجيـة يف سـورة مقومات السرد اإلعجازي يف اخلطاب نور الدين دمحاين، - 3

.219 ، 218ماجستري، ص رسالة الكهف، .219 املرجع نفسه، ص - 4

- 357-

مظاهر االنسجام ذلك الشكل الفني القائم بني طبيعة موضـوع الـصورة ومنونوضحه يف ضـوء مـشهد األسلويب، القرآنية ضمن احلدث السردي، وصيغة األداء

فـأتبعهم فرعـون بجنـوده : قصصي مثري يتصل الك فرعون وأتباعه، إذ يقول اهللا تعـاىل م مالي من مهفغشي مها غشي ،ون وجواملقصود من الغشيان أنه . 78: طهـ غشي فرع وده ن

)ما غشيهم ( يف املوصول وصلته غموض ال ، فدل للغايةول من اليم ما غشيهم من أمر مه ، ويف هـذا مـذهب يذهب فيه كلتلقي امل وهم ألن، 1وتعظيمهاألمر هذا تفخيمعلى

ر يدل على مدة، فهو األداء إجياز قصالت متعدحتم من جوامع الكلم اليت يعلى لستد تها باملعاين الكثرية أي غشيهم من األمور اهلائلة واخلطوب الفادحة ماال يعلم كنهه إال قل

.2اهللا وال حييط به غريه ، االختصار من باب ) فغشيهم من اليم ما غشيهم (ويرى الزخمشري أن عبارة

م كنهـه علغشيهم ما ال ي : أي ؛تها باملعاين الكثرية مع قل جوامع الكلم اليت تستقل ومن ـ (، فالكالم يف غاية اإلجياز، رغم أنه توخى تكرار مجلـة كاملـة 3إال اهللا ، )مهيشغ

والتكرار من العيوب اليت تعتور األداء يف األدبيات اإلنسية، بيد أنه هنا خالف ذلـك، سمى باألثر الباين، إذ جيعل املتلقي يبين موقفه اإلحيائي اخلاص من خـالل ألنه ميثل ما ي

وخييل هذا الـشكل مـن .فجوات التعبري، وهذه لطيفة أخرى من لطائف النظم املعجز .األداء إىل املتلقي صورا تنسجم مع املشاهد يف حركتها واضطراا

على مستوى احلدث السردي، إثر غرقهم فيه فغشيان اليم لفرعون وجنوده اهلائل جاء منسجما مع األداء التصويري املوحي ول ظلمهم الالحمدود ألهل مصر وجرائمهم يف حقهم اليت صارت غطاء غيب اخلري واهلدى عن بصائرهم، فالغني والشني واحلـرف

.289ص 2006، 1426، 1. عبد اهللا حممد اجليوسي، التعبري القرآين والداللة النفسية، دار الغوثاين، دمشق، ط- 1 .336، ص 2ج ابن األثري، املثل السائر، - 2 .79، ص 3زخمشري، الكشاف، ج ال- 3

- 358-

، بيد أن الغشاء يكون مـن جـنس 1املعتل أصل صحيح يدل على تغطية شيء بشيء ، فكأن الغرق باليم صار لصيقا بأجسادهم 2ا للغطاء الذي ال يقتضي ذلك الشيء، خالف

.وغدا بذلك مصريهم احملتوم، ففـي ومن شواهد االنسجام أيضا ما نسجله يف موقف هالك قوم لـوط

حجـارة مـن سـجيل فلمـا جـاء أمرنـا جعلنـا عاليهـا سـافلها وأمطرنـا عليهـا : سياق سرد ما حصل هلم لقد اقتضى عقاب اهللا هلم أن خيسف م األرض، وأن يرسل عليهم .82: ، هود منـضود

يف إشارة إىل ) جعلنا عاليها سافلها : (وما يهمنا هنا هو قوله . حجارة من سجيل منضود البيـوت القرية انقلبت عليهم انقالب خسف حىت صار عـايل أنخسف عظيم، إذ

وإمنا اقتصر على ذكر جعـل . رض م أي وسافلها عاليا، وذلك من انقالب األ . سافالوذلك من مالمح التركيـز والدقـة يف الـسرد . 3العايل سافال ألنه أدخل يف اإلهانة

.اإلعجازي، حيث يقتصر التعبري على إبراز مواطن العربة اليت يلح عليها الغرض الديينملشهد ينم عن انسجام األداء األسلويب مع طبيعة املوضـوع وتصوير هول هذا ا

املصور، فوافق ترديهم وانقالم من حال العلو إىل حال السفول، تردي الفطرة لديهم، فسلم القيم األخالقية والسلوكية والذوقية لديهم اار وانقلب رأسا على عقب، ويـدل

ا كـان جـواب قومـه إلـا أن قـالوا أخرجـوا آل لـوط مـن فمـ : على ذلك قوله تعاىل يف موضع آخـر ونرتطهي أناس مإنه تكميقر ،56:النمل.

فلم يكن داعي حماولة إخراج آل لوط من القرية إال اتصافهم بالطهـارة، وهـي شيء بتلك الفطرة املقلوبة اهلابطة لها أشبه عاليها ساف لعوهذا القلب وج . قيمة إجيابية

، فاحليوان واقف ملتزم من احليوان بل أحط . ة اإلنسان إىل درك احليوان من قم سةاملرتك

.425، ص 4 ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج-1 .322 العسكري، الفروق اللغوية، ص - 2 .134، ص 12 التحرير والتنوير، ج- 3

- 359-

. فاقتضى االنسجام أن جييء العقاب من جنس العمـل . 1..عند حدود فطرة احليوان .ويطرد نظري ذلك مبا يفوق حدود احلصر يف اخلطاب القرآين

التناسق: عاملبحث الرابما : النسق من كل شيء« فمجترح من مادة نسق وcohésionأما التناسق

ون حروف العطف والنحويون يسم...كان على طريقة نظام واحد، عام يف األشياءونسق . ..جرى جمرى واحدا حروف النسق ألن الشيء إذا عطفت عليه شيئا بعده

ما جاء من الكالم على نظام : والنسق.. النبتة وحسن تركيبهاانتظامها يف: األسنان .2»...له نسق حسن: مسجعا، قيل والكالم إذا كان.. واحد

وأجود «: أما التناسق اصطالحا فلعله قريب مما ذهب إليه اجلاحظ يف قولهفرغ إفراغا واحدا، أقد الشعر ما رأيته متالحم األجزاء، سهل املخارج، فتعلم بذلك أنه

كما أن أحسن .3»وسبك سبكا واحدا، فهو جيري على اللسان كما جيري الدهانما ينتظم القول فيه انتظاما يتسق به أوله مع آخره على ما الشعر لدى ابن طباطبا

قه قائلهينس4من كالمه أن ا لتناسق يكون مثال عندما تكون أجزاء القصيدة ، وجليومن حيث تتابع . ئمة فيما بينها، أي على نسق واحد، من حيث املبىن واملعىنمتال

.األغراض واملضامني وحسن االنتقال من معىن إىل آخر

.1915، ص 4 يف ظالل القرآن، ج- 1 - ترح من الفعل وسق واتسق، ويفيد لغة الـضم خيتلف مدلول التناسق عن مدلول مصطلح آخر هو االتساق ا

) 17(والليل ومـا وسـق ) 16(فلا أقسم بالشفق :واجلمع واالستواء واالمتالء، ومنه قوله تعاىل يف سورة االنشقاق قسر إذا اتالقم18(و( .

.127، ص14، ج )نسق( ابن منظور، لسان العرب، مادة - 2 .67 ص ،1ج اجلاحظ، البيان والتبيني، - 3 .37الشعر، ص عيار - 4

- 360-

وربما يكون حديث الرماين عن التالؤم بوصفه أحد أقسام البالغة العشر إشارة ة الوسطى، ومتالئم متنافر، ومتالئم يف الطبق: إىل مفهوم التناسق، حيث قسم الكالم إىل

وتتحدد قيمة التالؤم عنده يف حسن . 1يف الطبقة العليا وخص به تأليف القرآن الكرمي .2الكالم مسعا، وسهولته لفظا، وتلقي معناه يف النفس يف أى حلة وصورة وداللة

عد سيد قطب التناسق من خصائص التصوير الفين، وذكر أن له أشكاال االلتفات إليه، على غرار التناسق يف تأليف العبارات، والتناسق متعددة، منها ما مت

احلاصل يف اإليقاع املوسيقي، والتناسق الناشئ من التعقيبات البالغية املتفقة مع السياق، والتناسق املعنوي احلاصل بني األغراض، والتناسق النفسي يف اخلطاب؛ ومنها ما ال يزال

غاية عصره، وبذلك فهو يعتقد أن مسألة التناسق تظل بعيدة بكرا مل يتفطن إليه أحد إىل .3عن جمال االشتغال يف مجاليات التعبري القرآين، رغم تنبههم إىل بعض مظاهره الفنية

وتأسيسا على ذلك راح يتقصى جمتهدا مظاهر أخرى من التناسق، منها تناسق فظة الواحدة برسم صورة شاخصة، التعبري مع احلالة املراد تصويرها، ومنها استقالل الل

ومنها املقابالت الدقيقة بني الصور اليت ترمسها التعبريات، ومنها التقابل بني صورتني إحدامها منظورة راهنة واألخرى غائبة ماضية، فضال عن مظاهر أخرى تطرق إليها بعمق

نسجام الفنيني، ولكن يبدو أنه مل يكن مبنجاة من اخللط بني مفهومي التناسق واال. 4أكثرفلم مييز بينهما، ذلك أنه تناول مظاهر فنية أدخل يف باب االنسجام وأدرجها ضمن جمال

.التناسق، ومرد ذلك يف تقديرنا يعزى إىل عدم ختلق وعي املصطلح بنحو دقيق يف عصرهالتصوير القرآين متناسق يف جزئيات الصورة أما صالح اخلالدي فقد ذكر أن

شهد، والذي يدل على هذا التناسق األلفاظ واجلمل والصور والظالل ولقطات امل

.95 الرماين، النكت يف إعجاز القرآن، ضمن ثالث رسائل يف إعجاز القرآن، ص - 1 .96 املصدر نفسه، ص - 2 .89 – 87، ص التصوير الفين يف القرآن - 3 . وما بعدها90 املرجع نفسه، ص - 4

- 361-

: وعدد يف ضوء التحليل التطبيقي سبعة مظاهر للتناسق الفين، هي. 1واإليقاع واإلحياءاستقالل اللفظ برسم الصورة، والتقابل بني صورتني حاضرتني، والتقابل بني صورة

لسياق، والتناسق يف رسم الصورة ماضية وأخرى حاضرة، وتناسق اإليقاع مع ا .2وإطارها، والتناسق يف مدة العرض

ويتحدد تصورنا ملفهوم التناسق الفين يف اخلطاب القصصي القرآين انطالقا من ذلك التناغم البديع الذي نستشفه من خالل مجلة من املقاطع السردية املتجاورة اليت

ويات عديدة، مستها املشتركة توافق نصطنع هلا مصطلح املتواليات، وهذا وفق مستولنعاين مدى وجود مسة التناسق الفني يف هذا اخلطاب نرتئي تقصي . الظواهر التصويرية

مخس متواليات سردية من سورة األعراف، تروي لنا جوانب من قصص نوح وهود اليتعام النظر يف هذه املتواليات السرديةنيفضي إ. وصاحل ولوط وشعيب مع أقوامهم

علينا بتركيز جوانب من سرية بعض األنبياء مع أقوامهم، إىل استخالص أتت لتقص :بعض مستويات التناسق الفين يف اخلطاب القصصي القرآين نوردها كاآليت

ويتصل بوحدة البناء التركييب الذي ميتد عرب املتواليات : التناسق النحوي–أ ما تعين اسم القوم يف اخلطاب يعمد ومن ذلك أنه كل .السردية من سورة األعراف

التعبري إىل حذف الفعل والفاعل ليدل عليهما اجلار وارور املتعلق ما، يف التراكيب ). وإلى مدين أخاهم شعيبا- وإلى ثمود أخاهم صالحا -وإلى عاد أخاهم هودا : (اآلتية

الواقع حنويا مبدال منه ) أخاهم( قوم من هؤالء وصف األخوة كما يطلق على كلبدال، خالفا لنوح ولوط ) شعيبا- صالحا –هودا (يف هذه التراكيب، وورد كل من

لقد أرسلنا : (اللذين ورد خربمها أيضا ضمن هذه املتوالية السردية، إذ قال بشأن نوحبري استهل هذه املتواليات السردية ذا النبأ القصصي، أما لوط ألن التع،)نوحا إلى قومه

.347مصدره الرباين، ص صالح عبد الفتاح اخلالدي، إعجاز القرآن البياين ودالئل - 1 .353 إىل ص 347 املرجع نفسه، من ص - 2

- 362-

فالختالف فحوى التبليغ يف هذه املتوالية عن غريها، ألن خطابه الدعوي لقومه تعلق أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد ولوطا إذ قال لقومه(ال عقدي بسلوك أخالقي

).لعالمنيمن ا وذلك من خالل انتقاء منط معين من األساليب، كتلك : التناسق األسلويب–ب

اليت افتتح ا األنبياء خطام ألقوامهم، وهي أساليب مطردة مع كل متوالية سردية، ويكاد األسلوب اإلنشائي بأنواعه خييم على التعبري، فكل نيب استهل خطابه التبليغي إىل

يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله (: بصيغة األمر الذي حييل إىل غرض النصحقومه هررت مع كل واحد منهم لتنسجم مع وحدة املوقف )غيوهي صيغة لفظية تكر ،

، حيث استهل خطابه بأسلوب إنشائي، لكنه يتصل الشعوري، باستثناء لوط أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها : (توبيخ واإلنكار والنفي الالذي يفيدغرض االستفهام ب

المنيالع د منأح من.( ومن جتليات التناسق األسلويب أيضا هناك املظهر احلواري الذي يشكل القاسم

، وهو السرد يفوق جانباملشترك بني هذه املتواليات السردية، ويشغل حيزا مهما فيهاوار تقليدي طرفاه األنبياء وأقوامهم، ويفعل احلوار حركية املشهد ويكسبه نبضا حيا، ح

سود ا أكثر من اجلو العام الذي ييرفع الستارة لنعاين املشاهد ماثلة أمامنا، ويقربنإذ . يف القصص القرآينفواعله اللل حبدة أكرب ملا ينفعل احلكي، فننفع

كة اليت تنتقل من موقف وقف، فنشعر فيه باحلياة املتحد أمامنا امل واحلوار جيسرهلا الذين احداث املاضية من خالل أبطإىل موقف، ومن جو إىل جو، وتعيش فيها األ

يتحركون أمامنا يف أوضاعهم وأدوارهم كما –ة ن يف القصنخرطو وحنن م-نشعر م صر املوقف على الكلمات الرين معهم، ولن يقتا حاضلو كنيت تنطلق منهم، بل مبا ميتد

- 363-

وقف، وباملعاين اليت ختتـفي ن على املإحساسنا باجلو العام الذي يهيمور معنا إىل الشع .1اوراء الكلمات، كما لو كان البطل يتحدث إلين

فاحلوار ضمن هذه املتواليات السردية يشف عن نضج شخصية األنبياء الفردية م الروحية اليت توجا واستعدادامنهجا حجاجي رى كل نيبهها الرعاية اإلهلية، فيتح

فالدعوة تقتضي يف . حصيفا يف بناء احلوار وإدارة أطرافه، حبيث يستهلونه بنربة هادئة لينةأول مراحلها احللم والنصح الرفيق، واالستمالة العاطفية، حىت تنشرح هلا النفوس، وتقع

نبياء بعد ذلك عرب مدخل آخر إىل مرحلة فضح مث يتدرج حوار األ. منها موقعا طيباوتشنيع شرك أقوامهم وما تورطوا فيه من جرائم، مثلما حدث مع قوم صاحل وشعيب ولوط، مث تليها مرحلة التذكري بنعم اهللا الين أسبغ عليهم، إىل أن تنتهي حماورم بتغليظ

.هلجة اإلنذار والوعيد بانتقام اهللا احملتوميف املقابل اعتالل الشخصية اجلمعية لألقوام، وفساد قناعام وتدني ويعكس احلوار

مستوى تفكريهم، فاختذت مواقفهم أشكاال ضارية من العداء الصارخ، ففضحت حماورام استهزاءهم ومكرهم وسوء أدم وعنادهم وديدهم بإحلاق األذى وطرد

واري سوي حيتكمون إليه األنبياء وإخراجهم من أرضهم، وبذلك مل يكن هلم منهج حيف احلديث، ألن العناد واملكابرة أفقدم مفاتيح اجلدل الباين، وأدت إىل ايار سلطة

.فقد شكل احلوار إذن مظهرا للتناسق يف هذه املتواليات. احلجاج يف حديثهم إىل األنبياءيت سردت متيزت املتواليات السردية بنمطية األحداث ال : التناسق السردي– ج

، استهل بدعوة الرسل ونصحهم ألقوامهم منفردينعلينا وفق تسلسل منطقي مشلها كلها، أسلوم اللني والرفق تارة، والشدة والتقريع تارة أخرى، مث بيان موقف املكابرة والعناد وما اقتضاه من صراع وجدال، وتعيني جرمية كل قوم، مث اإلشارة إىل مصري العقاب

مقومات السرد اإلعجازي يف اخلطاب القصصي القرآين، دراسة حتليلية منوذجية يف سورة نور الدين دمحاين، - 1

.291 ، ص2002الكهف، ماجستري، جامعة وهران،

- 364-

ام، الذي يقابله اإلخبار جناة الرسل، مث ترد خامتة النبإ القصصي الستخالص واالنتق .، ويتوسل األداء ألجل هذا الغرض بطاقات اإلحياءموقف العربة تعريضا بقوم النيب

ولوال تغير األمكنة واألزمنة واختالف شخوص األنبياء وأقوامهم وأحوال كل قوم، احد، يتوحد فيه احلدث والشعور والعاطفة الدينية والقيم خللنا أنفسنا أمام نبإ قصصي و

الروحية واألهواء الضالة اليت تزين الشرك يف النفوس، والوسيلة والغاية واملغزى والعربة، . وذلك ألن دعوة كل نيب من هؤالء األنبياء تشع من مشكاة واحدة وهي الذات اإلهلية

ة مقدمات خاضعة ملبدأ السببية، حبيث تفضي لقد كانت األحداث السردية إذن مبثابإىل نتائج حتمية، وهذا ما جعلها تلتزم نظام الترتيب الزمين ضمن القصص الواحد كما بيناه، وكذلك ضمن تتابع املتواليات السردية، فبدئ بسرد قصص نوح مث هود مث صاحل

ص على تثبيت مث لوط مث شعيب، حسب التسلسل الزمين، ألن الغرض الديين الذي حر، هو الذي أملى هذا النظام الذي تناسقت عناصره، قلوب املؤمنني من حول النيب

. حىت تسري السكينة يف أفئدم فتطمئن استقطبت هذه املتواليات السردية حمورين دالليني أساسيني : التناسق الداليل- د

ية والقومية اليت متثلها عكسا حقيقة الصراع، حييل أحدمها إىل القيم الروحية اإلمياناألنبياء، أما احملور الثاين فيحيل إىل قيم عقدية وسلوكية سلبية، تتناىف والفطرة اإلنسانية

وقد تناسقت البؤر الداللية تناسقا عجيبا، رغم التباعد الزمين ما . تشبع ا أولئك األقوامفالصراع العقدي . خطاببني األنبياء، وذلك استجابة ملقتضى السياق واجلو العام لل

والسلوكي كان الداللة احملورية اليت انتظمت اخلطاب، إذ مل يعدم أن جيد كل نيب من وكال من طريف هذا الصراع ماض ال يلوي على . يناوئه ويناصبه العداء، ويتربص دعوته

.شيء فيما عقد عليه اإلصرار، وإن اختلفت الدوافع واملقاصد دالالت عديدة كالرمحة والعطف والثبات لدى األنبياء، مث ويستوقفنا اخلطاب عند

تأيت داللة العقاب بوصفها نتيجة حتمية حامسة، وحال مساويا ينصف األنبياء وأتباعهم،

- 365-

ويلقي بظالل العربة كي يتعظ الناس، بعد استنفاد مجيع أساليب النصح املمكنة من لني كل قوم ا، وتشديد نربة الوعيد وغريهاوحجاج وتذكري بنعم اهللا اليت خص.

وتظل يف املقابل داللة التمادي يف العناد مركوزة يف طبع أولئك األقوام، ذلك ما يفضحه كالمهم وأساليب حماورم العقيمة، فتحيل األلفاظ الصادرة عنهم يف سياقها

إىل ..) ضالل مبني، سفاهة، من الكاذبني، كافرون، لنخرجنك، أخرجوهم(اإلمجايل حقل داليل جيسم موقف املكابرة واملناوءة وسوء األدب الذي تنبعث رائحته الكريهة يف

.جو األحداث القصصيةوتستشف كذلك داللة حتسر األنبياء وتفجعهم اغتماما مبا حل بأقوامهم من

هم وقال يا قوم لقد فتولى عن: (عقاب، وحتزنا هلم، ويشري إليها مثال قوله تعاىل بشأن مثوداصحنيالن ونلا تحب لكنو لكم تحنصي وبالة ررس لغتكموقوله أيضا . 79: األعراف، )أب

فكيف فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم: (بشأن أهل مدينم كافرينلى قوى عنصراف عن فراق وغضب عنهم االيتولفمعىن ال. 93: األعراف، )آس،

وقد تكون داللة . وذلك ألم مل ميتثلوا للنصح، بل متادوا يف العناد واإلعراض والتكذيب: ئذ، فيكون القصد حينعدم االكتراث بالشيءجمازية، فتفيد معىن ) مهنى علوتف(

، أو فأعرض عن احلزن عليهم واشتغل الكاهلا أصا أنفأعرض عن النظر إىل القرية بعد .1املؤمننين حوله من مب

جاءت فواصل هذه املتواليات السردية : التناسق اإليقاعي بني الفواصل– هـاخلمس على امتداد أربع وثالثني آية يف معظمها متوسطة ومتماثلة من خالل اطراد

الذي جاء مسبوقا بصوت مد بالواو تارة والياء تارة أخرى، " النون"ي التقفية صوت رو :رويا هلما" امليم"ومل يشذ روي الفواصل إال يف موضعني فقط شكل صوت

.228، ص 8، والتحرير والتنوير ج 117، ص 2 الكشاف، ج- 1

- 366-

. 59: األعراف، ) إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ... (-

ية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم هذه ناقة الله لكم آ... (- أليم ذابع ( ،73: األعراف.

وحىت هذا العدول الصويت مل يكد يغير شيئا ذا بال يف إيقاعية هذه الفواصل، سيما ملستوى من التناسق ويشيع هذا ا. أن امليم تقترب من النون وتقامسها عدة صفات صوتية

يفضي بدالالت إحيائية هامشية لعلها تعكس رغبة هؤالء الفين أجواء من احلبور املؤثر، إذ األنبياء امللحة يف إنقاذ أقوامهم وختليصهم من الشرك صادرين يف ذلك عن عاطفة الرفق

مهم واللني اليت تنساب يف اآليات مع صوت النون، ويوحي يف مقابل ذلك بإصرار أقواعلى التكذيب واالستهزاء، وشدة إعراضهم عن نصحه، فتناسب مقدار حرص نوح على

ويسري هذا املد يف مجيع آيات . هدايتهم مع مقدار إحلاحهم على الكفر وإمعام فيه .هذه املتواليات السردية اخلمس

هناك حمور شعوري وجداين موحد قد انتظم مجيع هذه : التناسق النفسي– وذلك أن كل تصرف وكل . اليات السردية، رغم تباعد األزمنة واألمكنة والشخوصاملتو

فبالنسبة إىل األنبياء موقف بصرف النظر عن طبيعته يشف عن دوافع نفسية معينة، ... وإىل(نلحظ توهج عاطفتهم الدينية والقومية، حبيث أشار إليهم الوحي باألخوة

، سالكني مع أقوامهم )يا قوم( حماورته لقومه بالقول ، كما أن كال منهم يستهل)أخاهم .مسلكا رفيقا، صادرين يف نصحهم عن نفوس مطمئنة هادئة

مث تتغير أحواهلم النفسية حسب رد فعل هؤالء األقوام، فنجد انفعال الغضب املتزن يتهم، إيذانا يتصعد شيئا فشيئا، إىل أن تنتام يف اية املطاف خيبة األمل واليأس من هدا

حبلول أمر اهللا فيهم، وغضبهم وسخطهم عليهم ال يعنيان أم قد وقفوا موقف التشفي أو الشماتة م، بل حتسرا وتفجعا كما أومأنا إليه لدى حتسس مستوى التناسق الداليل،

.ألن دوافعهم النفسية إمنا أمالها عليهم املغزى الديين

- 367-

ل نفسيتهم أدخل فيما أطلق عليه اخلطاب القرآين نفسه أما فيما يتعلق باألقوام، فلعالنفس األمارة بالسوء، ألن الشرك واعتالل الفطرة والقيم السلوكية املرذولة استحكمت جذورها بشدة يف كيام اجلمعي، حبيث يصعب اقتالعها، فزينت هلم أنفسهم االستكبار

ذا اجلو الشعوري املكفهر الذي واالستخفاف بنصح أنبيائهم بل واضطهادهم أيضا، فه .خيم على مجيع هذه املتواليات السردية أبان عن إمكانات عجيبة للتناسق النفسي

وميكن أن نوضح تعدد مستويات التناسق الفين من خالل هذا املشجر :التوضيحي

مستويات التناسق الفين

التناسـق التناسـق الـداليل سلويب التناسق األ التناسق النحوي السردي

التناسق اإليقاعي بني الفواصل التناسق النفسي

- 368-

الفاصلة واملؤثرات الصوتية: املبحث اخلامس

ـا توسـل يعد التأثري الصويت من مجلة اإلمكانات الفنية البديعية اللفظية اليت ي الفين يف اخلطاب القصصي القرآين التأثري يف املتلقي، ويتحقق هـذا اجلانـب يف رتصويال

نطاق الفواصل اليت تعد امتدادا إفضائيا داال آلي التنزيل، وليس جمرد حمسن لفظي، وقد كلمة آخر اآلية كقافية الشعر وقرينـة أطلقوا عليها رؤؤس اآليات، وقد عرفوها بأا

وهي الطريقـة ، يف اخلطاب لتحسني الكالم ا وتقع الفاصلة عند االستراحة ...السجعاليت يباين القرآن ا سائر الكالم وتسمى فواصل ألنه ينفصل عندها الكالمان وذلك أن

.1آخر اآلية قد فصل بينها وبني ما بعدها ومل يسموها أسجاعاالفاصلة لإلشـارة إىل ولعل اخلليل بن أمحد أن يكون أول من اصطنع مصطلح

، كتـاب فـصلت آياتـه : قوله تعـاىل ويبدو أنه مأخوذ من . أواخر آيات الذكر احلكيم للقـرآن ارستعي نتعزى إىل تحرجهم من أ السجع علة إيثاره دون مصطلح و ،3: فصلت

مسـة لئال يوصف من جهة أخرى بالسجع وهو و، ريو صوت الط وصف هو أصل يف مانزه القرآن الكرمي صونا لقداسته، ويعد أبو احلسن األشعري أول من البشريلكالم يف ا فما ثبت أن النيب : يقولونوقد اهتدوا إىل معرفة اآليات بوساطة الفاصلة، إذ .2عنه

.3...قنا أنه ليس فاصلةقنا أنه فاصلة وما وصله دائما حتقوقف عليه دائما حتقمن أقسام البالغة العـشر، ويف قيمة الفواصل الفنية، حينما عدها الرماينوعى

وتبعه يف ذلك البـاقالين حيـث ،4 واعتربه من مآخذ الكالم السجعمقابل ذلك أعاب وأما الفواصل فهي حروف متشاكلة يف املقاطع يقع ا إفهام املعـاين وفيهـا : يقول

.53، 52، ص1 الزركشي، الربهان يف علوم القرآن، ج- 1، ص 1999، 1.املكتب اجلامعي احلديث، اإلسكندرية، ط كمال الدين عبد الغين املرسي، فواصل اآليات القرآنية، - 2

11. . وما بعدها340، ص 1 الزرقاين، مناهل العرفان، ج- 3 .97ثة رسائل يف إعجاز القرآن، ص الرماين، النكت يف إعجاز القرآن، ضمن كتاب ثال- 4

- 369-

والـسجع ،للمعـاين لفواصل تابعة وا لفظ،يتبع ال ن السجع واألسجاع عيب أل ،بالغةمث الفواصل قد تقع على حروف متجانسة كما قد تقع على حـروف . كقول مسيلمة

ن أل ،متقاربة وال حتتمل القوايف ما حتتمل الفواصل ألا ليست يف الطبقة العليا يف البالغة لقـدماء وجلي من ذلك أن وعي ا . 1الكالم حيسن فيها مبجانسة القوايف وإقامة الوزن

ببالغة التعبري القرآين مل يغفل إمكانات اخلطاب البديعية اللفظية اليت حفل ا على غرار مقومات األداء األخرى، ألن وقعها يف نفس املتلقي من شأنه أن يولد ظالال من خـالل

.جرس الفواصلي وتكمن أمهية الفاصلة يف أا تشحن السياق القرآين بعامة، والسردي اإلعجاز

تتالءم صوتيا والغرض الديين الذي ينتظم جو منه على وجه خاص بشحنة إيقاعية مؤثرة . القصص القرآين، وتبث يف اخلطاب دفقة نغمية معبرة تتفاعل مع وجدان املتلقي وعقله

وال يعدم هذا اجلانب أن يكون مسة من مسات التصوير، حبيث ترسم إيقاعات الفواصـل ض األحداث وحىت دقائق االنفعاالت الوجدانية اليت حتيـل إمـا إىل أجواء املشاهد ونب

.عواطف دينية، وإما إىل أهواء ضالةإن احلبور ليتملكنا وحنن نتلو آيات من الذكر احلكيم بتدبر وإمعان، ونصغي إىل إيقاع الفواصل وهي ز قلوبنا ومشاعرنا وعقولنا، بل تقشعر هلا جلودنا، فتحدث فيها

تحدث من تأثري عميق، ألن األداء القرآين حريص على تضافر هذا اجلانب مع شـىت ما . العناصر الفنية األخرى، تضافرا مييزه التكامل والتالؤم واالنسجام

ولئن كان هذا حال الفاصلة يف عامة اخلطاب القرآين، فإنه طبيعي أن يكون أيضا لمح التصويري يف قصص نوح ولـوط حال اجلانب القصصي منه، حبيث يتراءى هذا امل

وداود وسليمان وموسى وزكريا ومرمي وأصحاب الكهف والرقيم وأصحاب القريـة، وغريها مما متثل الفاصلة بشىت أمناطها وتلويناا وظواهرها اجلمالية لوحات إيقاعية نغمية

.340 الباقالين، إعجاز القرآن، ص - 1

- 370-

غي لتلـك حادة شديدة تارة ووادعة هادئة تارة أخرى تنسجم مع اإلطار النفسي والتبلي مـن تقنيـة - إن جاز التعبري– فالفاصلة تقترب يف اخلطاب القصصي القرآين .القصص

املؤثرات الصوتية املعتمدة يف فن اإلخراج السينمائي الذي يراهن على إمكاناا التأثريية .إليهاواإلحيائية، ألا حتايث األحداث احليوية وتؤشر عليها وتوجه انتباه املتلقي وتركيزه

ونرتئي أن نتحسس بالغة الفاصلة وفق هذا التصور الفين يف قصص سيدنا نوح مل يكـن من خالل سور الشعراء والقمر ونوح، واختيارنا هلذه السور دون غريهـا

اعتباطيا بقدر ما كان نابعا من أن الفاصلة شكلت مسة فنية بـارزة عـززت املنحـى ء، إذ احتمل عدة تلوينات إيقاعية يف كل موضـع التصويري يف هذا القصص أداء وإحيا

: من تلك السور

إذ قـال لهـم أخـوهم نـوح ألـا )105(كـذبت قـوم نـوح المرسـلني : جاء يف سورة الشعراء 106(تتقون( ول أمـنيسر إني لكم )107( ـونأطيعو فـاتقوا اللـه )108( ـر إنأج ـه مـنليع ـألكمـا أسمو

المنيالع بلى رإلا ع ري109(أج( ونأطيعو فاتقوا الله )110( ذلونالـأر ـكعاتبو لك منقالوا أنؤ )ـا )111مقـال و لونمعا كانوا ي112(علمي بم(هابحس إن ونرعتش ي لوبلى رإلا ع م)113( مننيـؤـا أنـا بطـارد الممو )114(

بنيم أنا إلا نذير 115(إن( ـومنيجرالم مـن لتكـونن ا نوحته يتن لم قالوا لئن )ون )116مي كـذبقـو إن بقـال ر فأنجينـاه ومـن معـه فـي الفلـك المـشحون )118(تح بيني وبينهم فتحا ونجنـي ومـن معـي مـن المـؤمنني فاف )117()119( ـاقنيالب دعا بقنأغر ثم )120( مننيـؤم مهأكثـر ـا كـانمـة ولآي فـي ذلـك إن )121( ـوله ـكبر إنو

حيمالر زيز122(الع( .

- األعراف ويونس وهـود واألنبيـاء فضال عن هذه السور الثالث ورد قصص نوح يف سور عديدة منها سورة .واملؤمنون

- 371-

األداء الصويت يف هذه اآليات اليت يطغى عليها البعد احلواري الذي اقتضاه ما مييز سياق دعوة نوح قومه لعبادة اهللا وتقواه أن الفاصلة فيها جاءت على نسق صويت واحد،

أمـني –املرسلني : ( تارة والواو تارة أخرى الياء: وهو صوت النون املسبوق بصويت املد – مـبني – املـؤمنني – تـشعرون – يعملـون – األرذلون – العاملني – أطيعون –

). الباقني– املشحون – كذبون –املرجومني وقد أومأ الزركشي إىل هذه الظاهرة اليت تعتري فواصل القرآن لغايـة نغميـة

واللـني كلمة املقطع من الفاصلة حبروف املـد قد كثر يف القرآن الكرمي ختم : بقولهأمـا : قال سيبويه رمحه اهللا . ن من التطريب بذلك وإحلاق النون وحكمته وجود التمك

إذا ترن م يلحقون األلف والواو والياء ما يموا فإنو ـ ن وما ال ي نو ـم أرادوا مـدن أل م وناس ز يدعون القوايف على حاهلا يف الترنموا فأهل احلجانوإذا أنشدوا ومل يتر ،الصوت

وجاء القرآن على أعـذب مقطـع وأسـهل . من بين متيم يبدلون مكان املدة النون .1...موقف

واملد الذي سبق النون أتى ضمن مقطع صويت طويل يشي بداللة إحيائية هامشية الوثنية صادرا يف ذلك لعلها تعكس رغبة نوح احلثيثة يف تنجية قومه وختليصهم من أدران

عن عاطفة الرفق واحلنو اليت تنساب يف اآليات مع صوت النون، وموازاة لذلك يـوحي املد بالواو والياء بإصرار قومه على اجلحود والضالل، وشدة تشبثهم بـدين األجـداد وإعراضهم عن نصحه، فقابل مقدار حرص نوح على هدايتهم مقدار إحلـاحهم علـى

يف اآليات كلها. م فيهالكفر وإمعا ويسري هذا املد. ومنط الفاصلة املطرد هذا يسمى الفاصلة املتماثلة ألا ختمت بصوت واحد هو النون الذي شكل تناسقا إيقاعيا انتظم مجيع اآليات باستثناء اآلية األخرية منها اليت جاء

علـى ذلـك مـن الفواصـل ، وقد أطلق)الرحيم(خمالفا يف قوله صوت فاصلتها امليم

.63، ص 62، ص 1 الزركشي، الربهان يف علوم القرآن، ج - 1

- 372-

، ألن النون تقترب صوتيا من امليم، فكالمها أنفي جمهور لـيس بالـشديد وال 1املتقاربة، ومن أمثلـة 2الرخو وإمنا يعد من األصوات املتوسطة أو املائعة رغم اختالف خمرجهما

إذا تتلـى عليـه آياتنـا )12( أثـيم وما يكذب به إلا كل معتـد : التقارب ما جاء يف سورة املطففني لنيالأو اطري13(قال أس( .وأيضا يف سورة ق: نيدكل كفار ع منها في جألقي)ر )24اع للخينم

.ةالسمات الصوتيلتقارب الباء والدال من حيث ، )25(معتد مريب

ألفيناها تشكل سورة القمر يف الفاصلة اليت انتظمت قصص نوح وإذا متلينا كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا :نسقا إيقاعيا موحدا بشكل مطرد، حيث يقول اهللا تعاىل

جرازدو وننجقالوا منا ودب9(ع( فانتصر غلوبأني م هبا رعفد )10( مـرهنـاء ماء بممالـس ابـوا أبنففتح)11( قدر ر قدلى أمع اءونا فالتقى الميع ضنا الأررفج12(و( رسداح ولى ذات ألوع اهلنمحو )ـا )13ننيري بأعتج

كفر كان نلم اءز14(ج(تر لقدكر وـدم ل منة فها آياهكن)نـذر )15ـذابي وع كـان ـففكي . )17( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )16(

والواقع أن هذه الفاصلة مل تنتظم نبأ نوح فحسب، وإمنا امتدت لتشمل إشارات خرين قامسوا نوحا عبء دعوة أقوامهم وهم عاد ومثـود قصصية أخرى ارتبطت بأنبياء آ

وقوم لوط وآل فرعون، فعكست هذه الوحدة اإليقاعية املتناغمة وحدة املوقف التبليغي والغرض الديين الذي كان مبثابة جسر روحي وصل موقف النبوة احملمدية الراهنة بنظريه

ة، واختزلت الشخصيات يف صوت لدى الغابرين، فانزاحت احلدود بني األزمنة واألمكن .واحد يتردد صداه يف اخلطاب

ومن مظاهر براعة االنسجام أن يختار لفواصل هذا النبأ على غرار سائر السورة صوت الراء ملا ينطوي عليه من قيم تكرارية ترددية رامزة، تتالءم مع تكـرار املواقـف

.148 ص ،سي، فواصل اآليات القرآنية كمال الدين عبد الغين املر- 1 .397أمحد خمتار عمر، دراسة الصوت اللغوي، ص - 2

- 373-

الراء صوت متكـرر، ألن إذ أن والرسائل الدينية من حيث مضموا ومغزاها وعربا، التقاء طرف اللسان حبافة احلنك مما يلي الثنايا العليا يتكرر يف النطق ا، كأمنا يطرق طـرف

فلتكون الراء يندفع ... اللسان حافة احلنك طرقا لينا يسريا مرتني أو ثالثا لتتكون الراء العربية حرك الوترين الصوتيني، مث يتخذ جمراه يف احللق والفم، حىت اهلواء من الرئتني مارا باحلنجرة في

.1يصل إىل خمرجه وهو طرف اللسان ملتقيا حباقة احلنك األعلى، فيضيق هناك جمرى اهلواء على مدار اخلطاب يـوحي فتردد صوت الراء الساكن مبقتضى األداء القرائي

قومه من جهة رغم أن اخلطاب مل يصرح بإحلاح نداء نوح احلاين وتكرر حماوالته هلداية بذلك ضمن هذا السياق، وبإصرار هؤالء على اإلعراض والتكذيب من جهة أخـرى، ولعل السكون اضطلع بداللة رمزية هامشية تفيد احلسم اإلهلي املقدور الذي ال يثنيه أمر

.صيالت األخرىليغير جمراه، سيما وأن اخلطاب يركز ههنا على اجلزاء احملتوم دون التفولئن ميزت أجواء الرمحة واإلشفاق ونربة الرفق واللني فاصلة قصص نوح مـن سورة الشعراء كما رأينا، فقد تلون األداء السردي اإلعجازي ضمن آيات القمر بلـون قامت أوحت به هلجة الغضب العارم حيال موقف قوم نوح املكابر، ومما يدل على ذلـك

رتني يف اآلية األوىل، كما جيء بفواصل متوسـطة أقـرب إىل م) كذب(تكرار الفعل ) قدر- نذر – دسر - منهمر - انتصر –ازدجر (القصر تضمنت ألفاظا صارخة مدوية

.تنبئ بشدة الوعيد الذي انتهى بقومه إىل عقاب وهالككي محلت امسـه، بينما يفرد السياق السردي لنبأ نوح سورة كاملة من القرآن امل

إال أن فاصلتها اختذت مبقتضى العدول اإليقاعي الذي يرد لغايات تبليغية وفنية عدة أمناط تلونت ا، حبسب احملور الداليل الذي انطوى عليه كل مقطع سردي منـها، وميكـن

:حتديد الفاصلة يف األنساق األربعة اآلتية

.55، ص 1961، 3. إبراهيم أنيس، األصوات اللغوية، دار النهضة العربية، القاهرة، ط- 1 - كا باستثناء كلمةوذلك خالفا لوضع هذه الفواصل النحوي الذي جاء يف معظمه متحر)جـاءت اليت ) فانتصر

.حنويا ساكنة

- 374-

ح إلخبارنا من حيث ظاهر اللفـظ الذي افتتحت به سورة نو لاملقطع األو جاء إنـا : إىل قومه، قصد إنذارهم عاقبة موقف اإلنكار، حيث قال تعاىل برسالة نوح

أليم ذابع مهأتيي ل أنقب من كمقو أنذر مه أنا إلى قوا نوحلنس1(أر(م نذير م إني لكما قوقال ي بني)أن )2 يغفر لكم من ذنـوبكم ويـؤخركم إلـى أجـل مـسمى إن أجـل اللـه إذا )3(اعبدوا الله واتقوه وأطيعون

ـونلمتع ـتمكن لو رخؤلا ي اء4(ج( . ـ ده بيد أن ما يلحظ على هذا املقطع االسـتهاليل بع، اإليعازي الذي يتخطى حدثية املوقف السردي ليلمح إىل كفار قريش من قوم النيب

. وكأنه يقصدهم من قبيل التعريض ما داموا يكررون ما حدث لقوم نوحوما يهمنا هنا هو شكل الفاصلة اليت أتت مشاة إىل حد كبري لفاصلة قـصص

بيانه، إذ ختمت بنفس اإلمكانـات الـصوتية نوح من سورة الشعراء مبا يغين عن إعادة ألـيم، (لتماثل احملتوى الداليل يف كال السياقني، ذلك ما نلمسه يف الكلمات اليت أدـا

تتقـارب لفظـا ) أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون : (، فحىت اآلية الثالثة )مبني، أطيعون، تعلمون ، )فـاتقوا اللـه وأطيعـون : ( آية الشعراء اليت تكررت مـرتني ومعىن، بل من حيث فاصلتها مع

.؛ فضال عن عاطفة الرفق واالستعطاف اليت تبدت يف هلجة نوح )110 و 108( جلوء نوح إىل ربه ليشكو إليه مبرارة إمعان قومه يف العنـاد املقطع الثاين ويصور

استنفد معهم حماوالت النصح واهلدايـة، واإلعراض عن نصحه إىل احلد الذي أحس أنه :يقول اهللا تعاىل

اارنهلا ومي ليقو توعإني د ب5(قال ر( اارائي إلا فرعد مهزدي فلم )6( متهوعا دإني كلمو ثم إني )7(غشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واست

ــه )9( ثــم إنـي أعلنــت لهــم وأسـررت لهــم إســرارا )8(دعـوتهم جهــارا ــتغفروا ربكــم إن اس فقلـت ويمـددكم بـأموال وبـنني ويجعـل لكـم )11(يكم مـدرارا يرسـل الـسماء علـ )10(كان غفـارا

. )14( وقد خلقكم أطوارا )13( ما لكم لا ترجون لله وقارا )12(جنات ويجعل لكم أنهارا

- 375-

يها رسـول اهللا نـوح متيزت الشكوى هنا مبلمح اإلطناب البالغي، حيث أتى ف ،على تفصيل أطوار دعوته الثالثة باملناصحةفبدأ فعـاملوه بـاألمور يف الـسر

ـ ،مجع بني اإلعالن واإلسرار ر فلما مل يؤث ،بااهرة مث ثىن ، األربعة ة وكلمة ثم دال ألن اجلهار ،على تراخي بعض هذه املراتب عن بعض إما حبسب الزمان أو حبسب الرتبة

، وذلـك 1 واجلمع بني اإلسرار واجلهار أغلظ من اجلهار وحـده ،أغلظ من اإلسرار يعكس السلم االنفعايل السوي لدى نوح الذي حدا به إىل التدرج م يف النصح، ومـن

. مث أقام احلجة عليهملقد راهن األداء املعجز على اإلمكانات الصوتية التكرارية حلرف الراء على غرار

يناه يف سورة القمر، إال أن حركة الفتح املمدود ميزت هذا الصوت، مما يثبت مرة ما رأ أخرى أن الفاصلة بشىت إمكاناا الفنية عنصر حيوي ال يرد إال ليمنح إضـافة دالليـة تنسجم مع السياق العام للخطاب القصصي القرآين، فاملد أتى موحيا بصخب يقتـضيه

ال الغضب، متهيدا لرفع الدعاء احلاسم، وذلك من آداب غرض الشكوى املمزوج بانفع التضرع إىل املوىل تعاىل الذي يتحراه املرسلون، حيث ينبغي أن يكون مـشفوعا ببيـان

: األسباب اليت محلتهم عليه، ومما يعزز ذلك ما ورد يف سياق آخر بشأن نوح دائمـا فانتـصر غلـوبأنـي م ـهبا رعفـد أشار التعبري القرآين يف إجياز إىل الداعي إىل حيث ، 10: لقمر، ا

.دائه وهو أن قومه غلبوه واضطهدوا دعوته وناصبوه العداء، فقد ساق لنا التعبري القرآين فيه بإجياز موح جانبا عن تذكري املقطع الثالث وأما

لوا عنها غـافلني، قومه بآيات اهللا تعاىل الكونية العظيمة ونعمه الغامرة اليت ظ نوح وهذا األمر أدعى إىل إقامة احلجة عليهم، إذ يربر شدة يأسه من هدايتهم وضيقه ذرعـا

- م : أوال: وتلك األمور هيأ) في آذانهم مهابعلوا أصعـم : ثانيـا . ؛ وذلك لئال يسمعوا احلجة والبينـة )جأ

) مهابا ثيوشغتاس( ا إما ألجل أن ال يبصروا وجهه : ؛ أي م : ثالثا. تغطواأ)واروا على مذهب : ؛ أي )أصم أصرهم أو أ .عظيما بالغا إىل النهاية القصوى: ؛ أي)استكبروا استكبارا(أم : رابعا. على إعراضهم عن مساع دعوة احلق

.121، ص 30الرازي، مفاتيح الغيب، ج - 1

- 376-

م، غضبا هللا تعاىل، وليس لداع ذايت أو حاجة يف نفسه، وكأن لسان حاله يصرخ فيهم :ذلك ما نستشفه من قوله تعاىل.. !هل جزاء اإلحسان إال اإلحسان ؟: معاتبا

اقا ألمات طبومس عبس الله لقخ فا كيو15( تر( ااجسـر سمـل الـشعجا ونور فيهن رل القمعجو )16( لكم والله جعل )18( ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا )17(والله أنبتكم من الأرض نباتا

. )20( لتسلكوا منها سبلا فجاجا )19(الأرض بساطا إن مثة عدوال آخر عطف بالفاصلة منعطفا مغايرا، الختالف احملور الداليل الذي حييل إىل دالئل العظمة الربانية اليت رتبت الكون وفق نظام عجيب، فاألداء مل يلتزم رويا

طباقا، سراجا، نباتا، إخراجـا، بـساطا، ( تلوينا صوتيا مع كلمات واحدا، وإمنا توخى ، تفاديا للرتابة كي خيلق جاهزية نفسية لدى املتلقي قصد التأثري فيه مـن قبيـل )فجاجا

اإلحياء الصويت، الذي ينبهه ويوقظ لديه استعداداته السمعية على اعتبار أا مدخل مـن مـع ت القاف والتاء والطاء واجليم إحياءات معينـة مداخل اإلقناع واالستمالة، فألصوا

إشباع مد األلف الذي الزمها، سيما أا تعد من األصوات الشديدة اليت يطلق عليهـا ، وكأا تومئ إىل انفجار نفسي هز فؤاد نوح بشدة بعد صرب طال 1احملدثون االنفجارية

.أمده فتحول إىل سخط عارم التنوع الصويت للفاصلة ينسجم مع اإلشارة إىل تنوع ومن ناحية أخرى فإن هذا

نعم اهللا واآليات عرب أرجاء الكون الفسيح الدالة على وجوده، وهلـذا األداء نظـائر يف والجبـال ألـم نجعـل الـأرض مهـادا : اخلطاب القرآين تعزز مذهبنا بشأنه، منها قوله تعاىل

وجعلنا النهار معاشا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا نومكم سباتا قناكم أزواجا وخل أوتادا اادا شدعبس قكما فونينبو ااجها واجا سرلنعجو ااجثج اءات مصرعالم ا منلنأنزو خلن رج

؛ فلم تتقيد فواصل هذه اآليـات بـروي )16 – 6 :النبأ(، وجنات ألفافا به حبا ونباتا

.24 إبراهيم أنيس، األصوات اللغوية، ص - 1

- 377-

واحد، وإمنا اختلف كل صوت عن اآلخر حبسب اختالف اآلالء املذكورة وتعـددها، عـبري وذلك من جتليات الرباعة الفنية اليت ما كان هلا أن تتخلف عن أدق جزئيـات الت

.القرآين املعجز واحلقيقة أنه ليس إال امتدادا للمقطع الثاين، ذلك ما يسفر عنـه :املقطع الرابع

إىل نسق الفاصلة القرآنية من حيث رويها، ويصور موقف الدعاء الذي رفعه نوح اهللا عز وجل بعد جهد مضن وصرب مجيل وحرص شديد، كي يفوض من خاللـه أمـر

أن أحس نفاد حيلته معهم، وأيقن أنه ال جدوى من االستمرار يف مسلك قومه إليه، بعد دعوم، وقد لبث فيهم ردحا طويال، ولعله أدرك أجياال متالحقة منهم مل يكن آخرهـا

: أحسن حاال من أوهلا، وذلك ما يوحي به قوله تعاىل

ي لم نوا معاتبني ووصع مإنه بر ا قال نوحارـسإلـا خ هلـدوو الهم ها )21(زدكـروا مكـرمو وقـد أضـلوا )23( وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سـواعا ولـا يغـوث ويعـوق ونـسرا )22(كبارا

مما خطيئـاتهم أغرقـوا فـأدخلوا نـارا فلـم يجـدوا لهـم مـن دون اللـه )24(ضلالا كثريا ولا تزد الظالمني إلا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولـا )26( وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا )25(أنصارا

رب اغفـر لـي ولوالـدي ولمـن دخـل بيتـي مؤمنـا وللمـؤمنني والمؤمنـات ولـا تـزد )27(يلدوا إلـا فـاجرا كفـارا .)28(الظالمني إلا تبارا

م يكن أمـام فل ا مدويا، رهيب ا القرآين صخب ئيواقف الدعا هذا امل إننا لنلحظ يف كه الغيظ وميتلئ فوه بكلمات الدعاء الثائرة الغـضىب إال أن يتمل ،وقد أيس منهم نوح

ـ ل تنطلق يف الوجوه مديدة جملجلة، مبوسيقاها الرهيبة وإيقاعها العنيف، وما أظنك تتخي ة مزلزلـة، والبحـار إال رض إال مهتز مة عابسة، واأل ا، والسماء إال متجه اجلبال إال دك

.1...حني دعا نوح على قومه باهلالك والتبار، ئجة ثائرةها

.339 صبحي صاحل، مباحث يف علوم القرآن، ص - 1

- 378-

ولعل سر إحكام األداء يف هذه الفواصل املتوسطة يرتد إىل القيمـة التكراريـة لصوت الراء حبركة الفتح املمدود الذي غلب على رويها، إذ أن من أغـراض التكـرار

ت قناعة أكيدة لديه يف إهالك اهللا البالغية التوكيد، وهو ما يتوافق مع رغبة نوح اليت غد وقـد : (ولئن اختلف روي فاصلة اآليـة . لقومه انتقاما منهم، قد اضطر إليها على مضض

عـن مجيـع ) ضـالال (، وهو صوت الالم يف كلمة )أضلوا كثريا ولا تزد الظـالمني إلـا ضـلالا ، إذ يشترك معها يف املخرج الذلقي وصـفيت الفواصل األخرى، فإنه يقترب منها كثريا

اجلهر والتوسط بني الشدة والرخاوة، فحىت من يلثغ يف الراء ينطقهـا المـا، لتجـاور .1الصوتني، وهذا الضرب أطلقوا عليه الفواصل املتقاربة

.148 ص ،ن عبد الغين املرسي، فواصل اآليات القرآنيةكمال الدي - 1

- 379-

رسم املالمح النفسية: املبحث السادس

ت اليت تواكب عملية الكالم، وتشمل تعد الداللة النفسية من أهم أنواع الدالال الفاعليات العقلية اليت تقوم على استدعاء األفكار والتخيل هلـا، فـضال عـن ألـوان

تلك املالمح واإلشارات اليت االنفعاالت اليت يروم املتكلم ختييلها يف ذهن املتلقي، وهي أكانت لفظية أم حركيـة، تنعكس على النفس اإلنسانية، فتحدث فيها استجابة معينة، سواء

وتتضافر الداللة النفسية مع سائر أنـواع الـدالالت األخـرى . 1إرادية أم غري إرادية كالداللة املعجمية والداللة السياقية والداللة االجتماعية والداللة الرمزية وغريها لتـضيء

.مقصدية اخلطاب شعر القدامى هـو الدين إمساعيل إىل أن أكثر أنواع الصور ذيوعا يفيذهب عز

ذلك النوع الذي تكون فيه الصورة املرسومة مبثابة اإلطار العـام إلحـساس الـشاعر، يه الصورة حرفيتها لترتسم وفق مشاعر مبدعها، بيد أن هذا النمط من الصور ى ف تتخط

يرد يف القصيدة كاللمحة العابرة، فتحتجب أصداؤه يف القصيدة، فال ميكن العثور علـى .2احد ينتظم القصيدة بكل ما حتويه من صور ومشاهدخيط نفسي و

ولكن هذا التصور ينطبق إىل حد ما على سيكولوجية اإلبداع البشري، ولكنه ال يسوغ مع ظاهرة الفن التصويري يف القرآن الكرمي، ألننا حني نتحدث عن الـصورة

ر حالة الـشخوص االنفعالية يف اخلطاب القصصي القرآين، فنحن جزما نقصد إما تصوي النفسية ووضعهم االنفعايل حيال املواقف الطارئة، وهذا ما يعنينا يف هذا املقـام، وإمـا ختييل صور نفسية ترتسم بذهن املتلقي، بغية محله على التأثر الوجداين الـذي يـساير

.االقتناع العقلي والتسليم اإلمياين

.59 عبد اهللا حممد اجليوسي، التعبري القرآين والداللة النفسية، ص - 1 .90 التفسري النفسي لألدب، ص - 2

- 380-

لمالمح النفسية وأثرهـا يف وسننكفئ هنا إذن على جانب رسم التعبري القرآين ل املنحى التصويري للخطاب القصصي القرآين، من خالل الوقوف على دوافع الفواعـل

ألفاظ القرآن الكرمي بترابطهـا وتناغمهـا اليت تعكس مناذج بشرية متمايزة، ذلك أن وانسجامها كفيلة بأن تنقل القارئ إىل اجلو النفسي الذي قيلت فيه تلك األلفاظ علـى

غم من تباعد الزمان واختالف الظروف واألحوال، وال يشعر القارئ بفجوة نفسية، الربل إنه يشعر بأنه يعيش تلك األجواء بالعواطف واالنفعاالت اليت عاشها مـن عاصـر

فاملدقق ملستويات األداء الصويت والداليل والتركييب يف هـذا اخلطـاب . 1...احلدثبديعة، اليت ال تعدو أن تكون امتدادا لعامله النفـسي تستوقفه تلك اإلضاءات الشعورية ال

.املعقد، واليت تطفح بطاقات إحيائية رامزة مبا أن نص الوحي يتجه ملخاطبة النفس على غرار العقل والقلب، فإنه يعرض لنا

النفس املطمئنة والـنفس اللوامـة : أمناطا ثالثة للنفس البشرية يف دقة بالغة وأداء معجز ال بالتصوير الذي جيلي لنا تقاسيمها ونوازعها ودوافعهـا س األمارة بالسوء، متوس والنف

، ولكل من تلك األمناط طبائع وسجايا صرح ا التعـبري القـرآين وعواطفها وأهواءها طورا، وأملح إليها من قبيل اإلحياء طورا آخر، ويتجلى اإلحياء النفسي ضـمن اخلطـاب

.ستوى الصويت واملستوى الداليل املفردايت واملستوى التركييبالقصصي القرآين يف امل وميكن أن نرصد ضمن اخلطاب القصصي القرآين صورا انفعالية لشىت النماذج

وهـي تجـري بهـم ... :كتلك اليت نصادفها يف قوله تعاىل البشرية، طافحة مبكامن الفن، اب ى نوحنادال وج كالجبوفي م الكـافرين ـعم لـا تكـنـا ونعم كبار ينا بزل يعفي م كانو هن قـال

مـن فكـان جـوـا الممهنيال بحو حمر نر الله إلا مأم من موالي اصماء قال لا عالم ني منصمعل يبآوي إلى جسالم قنيغـر ، انفعايل عـارم، .43، 42: هـود فاملشهد درامي مؤثر للغاية يطغى عليه جو

عاطفته الدينية اليت شكلت مرجعيته اليقينية يف رسالته : تتجاذبه عاطفتان فهذا نوح

.143 عبد اهللا حممد اجليوسي، التعبري القرآين والداللة النفسية، ص- 1

- 381-

ودعوته لقومه، وعاطفة األبوة الفياضة امللهوفة اليت مل يكن من اهلين عليه طرحها جانبـا ر يسعى ويدب وينفعل، فال يكاد يفوت آخر فرصة إلنقاذ ابنه وفلذة كبده من وهو بش

اهلالك احملتوم، حىت والسفينة جتري بني األمواج العاتية، وينادي فيه الطفل الصغري لعلـه وتصغريه هنا تصغري شـفقة ،ممضافا إىل ياء املتكل " ابن"تصغري " بين"يستجيب، ألن

.وهذا توخيا لغاية االستعطاف. 1 الرمحة والشفقةكونه حمل كالصغري يف هحبيث جيعل، الصامتة هول يف الطبيعة :ن متكافئان هوال على حد تعبري سيد قطب اهلول هنا ف

واقتضت سيكولوجية هذا املوقف . يف هذا املشهد احلاسملتقيا، اوهول يف النفس البشرية كما يقـاس البن، احلية بني الوالد وا النفس يف وقعه القوي باهلول هنا السردي أن يقاس

تـصوير من مسات ال وتلك مسة وكأن األول انعكاس للثاين، الطبيعة، الصاخب يف وقعهب .2اخلطاب القرآين الفين يف

ومبقدار ما كانت القدرة اإلهلية عنيفة وشديدة بأولئك القوم، كانـت رفيقـة ات الصاحلني، فها هو األب احلاين رحيمة بنوح يف حمنة عصيبة يواجهها جبلد األنبياء وثب

، وميـضي )محن ر اهللا إال م اليوم من أمر مال عاص : (يوجه نداءه األخري إىل فلذة كبده، قضاء اهللا يف جمراه ال ينحرف عنه، ويهلك االبن فيمن هلك، دون أن يعاين نوح فظاعة

، ذلك أن اليد )قنيرغ امل ن من فكا جما املو هين ب حالو: (املشهد، ذلك ما توحي به عبارة اإلهلية تدخلت مبنتهى احلكمة يف اللحظة املواتية لتستجيب لدعاء نوح الضمين بالرمحـة

) حمر نفتجعل من األمواج العاتية حائال يصرف عنه مشهد غرق ابنـه رفقـا )إلا م ، .بعاطفة األبوة لديه، وختفيفا من وقع هالكه األليم على نفسيته

ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقـال هـذا يـوم :جاء يف سورة هود و ـصيب77(ع( .من خالل مجلة ز رسم التعبري القصصي املعج ي) عابهم ذر صـورة )ضاق

.76، ص 12 التحرير والتنوير، ج - 1 .1878، ص 4 ظالل القرآن، جيف - 2

- 382-

ضيافه بأ وهي كناية عن ضيق صدر لوط نفسية يستقيها من عمق الشعور البشري، . 1واالنقباض الشديد الذي اعتراه بداعي العجز وانعدام احليلة ملواجهة املكروه ومدافعته

، وقـد شأم وتدبري أمرهم ذرعه وطاقته ضاق ب : أي: وقال أبو حيان يف هذا الصدد ـ رحب الذراع : ع والذراع عبارة عن فقد الطاقة، كما قالوا جعلوا ضيق الذر ان ، إذا ك

، فاسـتعري ال يناله القصري الت ذراعه نال ماإن الرجل إذا ط : ور، واألصل فيه مطيقا لألم وقد مال أيضا القرطيب إىل معىن ضيق الوسع والطاقة، علـى . 2للطاقة والقوة وعدمها

ضاق عن ذلك، حىت إذا جاوز طاقته ع البعري بيديه رن ذ آت م )الذرع (أصلاعتبار أن 3 عنقهوضعف ومد.

قيد أمنلة كما ميكـن أن وصيف النفسي مل يقدح يف كرم لوط إن هذا الت يوحي به الظاهر الذي حيجب حقيقة األشياء كما كان احلال مع أفعـال اخلـضر مـع موسى، بل أبان عن موقف نبيل وشهم صدر عنه هذا النيب، الذي كان دافعه األساسي

ن قومه ليتورعوا عـن فلم يك . احلرص على سالمة ضيوفه حىت وإن كان جاهال هلويتهم التربص جبنس الذكور وإحلاق األذى م، سيان يف ذلك أهل القرية وضيوفها الوافدين،

. لذا فإن حشمته ووقاره واستماتته يف دفع الفاحشة أمليا عليه هذا املوقف النفسيويصور التعبري القرآين املعجز أحد االنفعاالت املركوزة يف طبع اإلنسان تصويرا

ئيا، مربزا سيكولوجية الندم واحلسرة، ضمن منوذج بشري ميكن أن نصنفه يف خانـة كناما بني النفس األمارة بالسوء، والنفس اللوامة، ونقصد هنا صاحب اجلنتني حني أدركـه

ه وأحـيط بثمـره فأصـبح يقلـب كفيـ :عقاب اهللا، ويتراءى هذا االنفعال من خالل قوله تعاىل .42: الكهف، على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا

.142، ص 3، ج أنوار التنزيل وأسرار التأويل البيضاوي، - 1 .469، ص 5 أبو حيان األندلسي، البحر احمليط، ج- 2 .74، ص 9 القرطيب، اجلامع ألحكام القرآن، ج- 3

- 383-

ق إحـدى يديـه علـى صفو يهفتقليب ك قام ب رته سمت ح ظعنسان مىت اإلفتلـك يف وجهد من مال أنفقه على ما والندم جراء تعبريا عن انفعال احلسرة األخرى،

. اليت وعظه أخوه فيها وحاوره كي يسدد سلوكه ويصلح عالقته باخلالق عز وجل اجلنةوهذا يدل على أن التعبري القرآين يطال بلمسته البيانية . 1 كناية عن التحسر ذه احلركة فه

.ليتحسس نتوءاا االنفعاليةأغوار النفس البشرية ضا إىل تصوير اجلو النفسي للحدث السردي اإلعجازي وجييء التعبري القرآين أي

وتفعيله، من خالل اسم املوصول الذي يؤتى به عوضا عن ذكر االسم الصريح، ومـن : يوسف، ...وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لـك : ذلك قوله تعاىل

، فيتخيل املتلقي ذلك املشهد الذي جيسد بؤرة من بؤر الصراع يف قصص يوسـف .23 ،ه النفسي الذي توافرت فيه دوافع اإلغراء والشهوة لدى هذه املـرأةويعيش جو ،

) اليت هو يف بيتـها (مع قوة السلطان ومواتاة الظروف، فقد صور اسم املوصول وصلته .2كن أن يضارعها التصريح باالسمالوضع االنفعايل هلا برباعة ال مي

فأصبح فـي المدينـة خائفـا يترقـب فـإذا الـذي : وهذا األداء حياكي ما جاء يف قوله تعاىل بنيم لغوي ى إنكوسم قال له هرختصسس يبالأم هرصتناس ،حيث ناسب العدول عن . 18: القصص

فـإذا الـذي (تعيني الشخص الذي نصره موسى إىل اإلشارة إليه باالسـم املوصـول ، ألن سياق املشهد يهيمن عليه جو نفسي حمض، حييل إىل انفعـال اخلـوف )استنصره

، وهذا يدل كذلك على أن اسم املوصول له قيمـة والتوجس الذي اعترى موسى . يف اخلطابحيوية يف تصوير مالمح النفس البشرية وجتسيدها

ومن مظاهر اإلحياء النفسي للكلمة ضمن اخلطاب القصصي القـرآين كلمـة ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة مـن النـاس يـسقون ووجـد : اليت وردت بسورة القصص ) تذودان(

327، ص 15والتحرير والتنوير، ج . 109، ص 21 مفاتيح الغيب، ج - 1 .289، ص اجليوسي، التعبري القرآين والداللة النفسيةعبد اهللا حممد - 2

- 384-

. )23( قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونـا شـيخ كـبري من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما مثلما ) تذودان(وقد حذف مفعول .1 السوق والطرد والدفع يف أصل اللغة والذود معناه

، وذلك يوحي أيضا بأن الغـرض )فسقى هلما (و) ال نسقي (و) يسقون(حذف مفاعيل د ذاته، فرفقه ما كان ألجل أن الفتاتني كانتا على الذياد كان التركيز على الفعل يف ح

.2وقومهما على السقيودلت هذه الكلمة على أن الفتاتني كانتا حتبسان أغنامهمـا ومتنعاـا مـن

تالفيا ملزامحة الرجال، وكي ال يدعي أحد أا له، وقد خيلت االختالط بأغنام اآلخرين نطوي عليه من حركة وحيوية، والـدوافع النفـسية الـيت هذه الكلمة لنا املوقف وما ي

أوحت بقيمـة ) تذودان(تصدران عنها، وحتملهما على هذا النمط من السلوك، فكلمة احلياء الذي دفعهن إىل االنتظار بأغنامهن، وال شك أا تكشف يف املقابل عـن قـيم

خالل نفسية هؤالء القوم اجتماعية متردية انعدمت معها مظاهر التكافل االجتماعي من الذين كانت تسيطر عليهم األنانية وغلظة الطبع، واحلرص على مصلحتهم دومنا اكتراث

.مبصاحل اآلخرين حىت ولو كانوا ضعفاء لتعزز هذه القيمة النفسية، ولعلها حتيل إىل مكان )من دونهم (وتأيت شبه اجلملة

أـا ) دون( ألن حقيقة كلمة ، لألمة من الناس أي يف جانب مباعد كان املاء، مل مغايروتتفرع من ذلك معان جمازية خمتلفة العالقات، ومنـها . وصف للشيء األسفل من غريه

صور لنا بدقة و وقد أبرز هذا األداء سيكولوجية احلياء األنثوي، .3ما وقع يف هذه اآلية .ا ثانوية وهامشيةعجيبة أغوار النفس حىت يف املواقف السردية اليت يبدو أ

قد ينطوي عدم توخي الترتيب الزمين يف أحداث القصص القرآين على تلمـيح إىل أبعاد ودوافع نفسية معينة، إذ جند أحيانا أن التعبري القرآين يسرد لنا أحـداث نبـأ

.74، ص 8وتاج العروس، ج. 70، ص 5 ، ج)مادة ذود( لسان العرب، - 1 .405 ، ص 3 الكشاف، ج - 2 .99، ص 20 التحرير والتنوير، ج - 3

- 385-

قصصي، دون مراعاة التسلسل املنطقي لتلك األحداث، ألن العقل حيكم أحيانـا بـأن انت متأخرة عن بعضها اآلخر، إذ أن النظم القرآين يأيت أحيانا علـى بعض األحداث ك

. 1سرد أحداث متأخرة، مث األحداث اليت سبقتها يف احلدوثذلك ما نلحظه يف نظام السرد ضمن النبأ القصصي املتصل ببقرة بين إسـرائيل،

وإذ قـال موسـى : إذ استهل حبدث متأخر على مستوى احلكاية، وهو األمر بذبح البقـرة ـاهلنيالج مـن أكـون ـوذ باللـه أنا قال أعوزقالوا أتتخذنا ه ةقروا بحتذب أن كمرأمي الله مه إنلقو ،بقرةال :

دث ميثل ي إىل حاق السرديسالتد رويتواىل سرد األحداث على هذه الوترية إىل أن ي ، 67وإذ قتلـتم :نقطة انطالق على مستوى احلكاية، والذي كان سببا يف أمر اهللا بذبح البقرة

ونتكتم تما كنم خرجم اللها وفيه أتمارا فادنفس تىـوالم يـي اللـهحي ا كـذلكـضهعبب وها اضربفقلن ريكميو قلونتع لكماته لعآي ،73، 72: البقرة.

إننا هنا إزاء ظاهرة فنية تقتضي إغفال ترتيب األحداث وخرق املرجع الـزمين، ، وما يهمنا هنا البعد النفسي وامللحظ 2التنافر الزمين " جريار جينات "وهذا ما يطلق عليه

لقصة، فذلك يتالءم تـصويريا مـع الدقيق الذي كان وراء عدم توخي ترتيب أحداث ا النفس غري السوية، اليت ال قرار هلا وال إميان، فالسرد القصصي املعجـز يعكـس ـذا اإلغفال اضطراب نفسية بين إسرائيل، ويصور لنا سوء طويتـهم، وكـأن األداء جـاء

ؤ، ممـا متناغما مع اجلو الشعوري الذي صدروا عنه يف موقف املماطلة واللجاجة والتلك .يعين أن عرض القصة ذه الطريقة كان الغرض منه تصوير هذه املباغتة النفسية

.344 – 342 ، صعبد اهللا حممد اجليوسي، التعبري القرآين والداللة النفسية - 1 79ص ) ت.د(، 2.ري املرزوقي ومجيل شاكر، مدخل إىل نظرية القصة، الدار التونسية للنشر، تونس، طمس: ينظر- 2

الالحقة السردية تقنية فنية يتم من خالهلا إبراد حدث سابق للمحطة الزمنية اليت : وللتنافر الزمين مظهران مها. وما بعدها .راد حدث آت أو اإلشارة أليه مسبقاوالسابقة السردية وهي تقنية تقتضي إي. بلغها السرد

- 386-

- 387-

خامتـة أن يتوقف لدى حـد - مهما كانت طبيعته –إذا كانت سنة أي منجز بشري

نية معين، فلسنا نزعم أننا ده اخلامتة نعلن عن انتهاء مضمار البحث يف بالغة الصورة الف ضمن اخلطاب القصصي القرآين، فما باعنا إال امتداد للجهود القيمة اليت كان هلا فـضل فتح مغاليق هذا االشتغال الذي ضرب جبذوره يف التراث البالغي، حينما انكفأ القدامى على درس قضايا اإلعجاز القرآين، مث لقي التفافا حممودا من لدن املعاصرين الذين أقبلوا

ر قيمـة تلـك . ة إجرائية غالبا ما راحت تسترشد بأدوات جديدة عليه بعدوإذ نقـداإلسهامات كلها اليت ما كان هلذا املنجز أن يستوي لوال ما أفاده من معينها الزالل، فإننا

.نرجتي أن نكون قد أتينا على حتقيق جانب من األهداف العلمية اليت ترسمناهانظرية والتطبيقية من جين قطاف علمـي ثـر لقد مكنتنا مباحث هذه الدراسة ال

املنافع جم الفوائد، سواء على صعيد املنهج أو املوضوع، سيما وأننا حاولنا جبهد املقـل أن نتحسس يف الصورة الفنية ضمن اخلطاب القصصي القرآين نتوءات الرباعة واجلمال،

در اإلمكان يف تأصـيل واقتضى ذلك منا أن ننفتح معرفيا على عدة حقول أفدنا منها ق املفاهيم واصطناع آليات القراءة مبا يتالءم وخصوصية املنهج اإلعجازي التكاملي الذي

وميكن صياغة النتائج اليت انتهى إليهـا . وجدنا فيه أرشد طريق خلوض معترك الدراسة :البحث يف ما يأيت

-ازيـة صيته األدبيـة اإلعج صو نظرا خل -لية اخلطاب القصصي القرآين قاب -أـ التح للمقاربة اب ليلية وفق عدة إجرائيـة يتعين استمدادها من طبيعــة هـذا اخلط

لـدى اجلمايل نفسـه، وذلك باستثـارة مظاهـر األداء الفين فيه لفاعليـة التـذوق املفسـرين ودارسي القرآن من ك أمر تسـىن لنا مالحظته يف جهود كثري الباحث، وذل

ا وحديثا، ولكن مع ذلك يبـقى اال مفتوحا اء القصصي منه قدمي خباصة البن و، الكرميرات أخرى من شأم آلياتـهـاء هذا املسعى وتدعيا إغنلتصو.

- 388-

ضمن شىت األنساق املعرفية قـدميا األداء احتفال الدارسني والنقاد مبصطلح -ب إيصال الشيء يف أمت اإلجنازية اليت حييل إليها، فضال عن داللة وحديثا ليعكس حبق القيمة

صورة، األمر الذي يسوغ اصطناعه إجرائيا ضمن الدراسات البالغية واألسلوبية ليفيـد .معىن االمتالء بالقيم الفنية

إن تعاور األنساق املعرفية على غرار علم القراءات وفن التجويد واملباحـث -جحث البالغي واألسـلويب الفقه اإلسالمي وعلم األصوات واللسانيات وحقل الغناء والب

األداء يعد مظهرا من مظاهر التالقح املعريف قدميا وحديثا، حبيث تصوغ املنظومة ملصطلح .اإلجرائية لكل نسق معريف املصطلح ليغذي مفاهيمها

يشكل مصطلح اإلحياء باملفهوم األديب الفين امتدادا ملفهوم الوحي القـرآين، -د من جهـة، فإنـه يتـضمن م اهللا تعاىل املوحى إىل النيب فإذا كان القرآن الكرمي كال

فهناك تطابق بـني . إحياءات ذات أبعاد إبالغية خمتلفة متثل ظالل املعىن من جهة أخرى .كال املفهومني، فلكأن اإلحياء مبنزلة الفرع من الوحي، على تباين طبيعتهما وحقيقتهما

البالغة يف الكـالم ال تتحقـق يف إن غاييت التأثري واإلقناع اليت تنشدمها -هـاملستوى التقريري املباشر فحسب، وإمنا ضمن ظالل املعىن الذي مل يصرح به، ولكنـه

. قصد قصدا، األمر الذي أبانت عنه إمكانات الصورة الفنية من خالل عنـصر اإلحيـاء جياز وحذف الذي ينساب مع شىت األغراض وأحوال اللفظ القرآين من استفهام وأمر وإ

.وذكر وقصر وي وفصل ووصل إيقاع يتصل بالفواصل وغريها مل يكن احلقل األديب هو املوجه الوحيد ملفهوم الـصورة يف التـراث، بـل -و

أسهمت حقول معرفية أخرى يف صياغة املفهوم وضبطه وإثراء جوانبه كالفلسفة والفكر .للتالقح املعريف الذي كان إذاك قائمااالعتزايل، فضال عن بيئة اللغويني؛ وذلك جتل آخر

مفهوم الصورة مفهوم فني غذته عدة نظريات واجتاهات أدبية ومجالية علـى -زتراءى لنا جراء ذلـك أنـه واسـع مر العصور، وضمن املنظورين العريب والغريب، وقد

- 389-

ك ألفينـا فضفاض، ليس من اهلين إدراك حقيقته الفنية، ألنه تغذى من روافد شىت، لذل صعوبة يف ضبطه، فغالبا ما كان يتجاذبه املنظور البياين العريب القدمي، واملنظور النقـدي

.احلديث الذي بدا متأثرا إىل حد كبري بالنقد الغريب الدالالت اازية بعجـزهم متزيق إىل القدامى العربوالبالغيني النقاد اجتاه -ح

وا إىل الصورة يف إطار سياقاا اجلزئيـة ضـمن ، إذ أم نظر عن ضمها يف بناء موحد حدود تركيب معين أو بيت مفرد، حسبما يقتضيه منظورهم البياين الذي تعامـل مـع

بـذلك وا فوت التشبيه واالستعارة وااز والكناية مبعزل عن اهليكل الفين للقصيدة، وقد .يع عناصرها يستدعي مجعلى أنفسهم فرصة حتليل الصور الفنية حتليال جديا

املفهوم الغريب للصورة مل ينأ كثريا عن مبادئ املذاهب الفنية كالكالسـيكية -طومن جهة أخرى فقد عدت الفلسفة اإلغريقية املرجعية . والرومانسية والرمزية والربناسية

الفكرية اليت أطرت املوضوع، السيما من الوجهة النظرية، ويبدو ذلك جليا مع نظريـة . ألرسطو، وفكرة االنعكاس المثل عند أفالطوناحملاكاة

ال بد لدارس موضوع الصورة الفنية أن يأخذ بعني احلـسبان مجلـة مـن -ياحملددات اليت توايت على فهم طبيعتها اجلمالية، تعد مقومات حيوية هلا ال غىن للـدارس

ة والعاطفة، ومنها اللغة عن جتاوزها وتالفيها، منها فاعلية اخليال، ومنها التجربة الشعوري ي والتجريدي؛ وغري ذلك مما يعدواألسلوب، ومنها األنواع البيانية، ومنها البعدين احلس

.من مرتكزات التصوير واإلبداع األصيل التفات األقدمني إىل منحى التصوير ضمن اخلطاب القرآين عموما جاء غالبا -ك

الكرمي البياين ومتلي لطائفـه، أو ضـمن يف سياق حماوالم الوقوف عند إعجاز القرآن اهتمامام البالغية األدبية، أو يف إطار جهودهم التفسريية، أما عناية احملدثني باملوضـوع فكانت بداعي تأثرهم بأولئك منهجا وموضوعا من ناحية، وتأثرهم بـاملعطى النقـدي

.املعاصر من ناحية أخرى

- 390-

- والقصص أحد عناصره –قرآين ككل إن طبيعة التصوير ضمن اخلطاب ال -لمفارقة نوعيا وكيفيا ووظيفيا لطبيعة التصوير األديب الذي يترسمه الشعراء يف قصائدهم، ينا من خالهلا مراعاة خـصوصية نـصوهنا يكمن مربط الفرس هلذه الدراسة اليت توخ

الذي حتم علينـا الوحي الذي يتأبى على أي شكل من أشكال املمارسة النقدية، األمر اصطناع منهج خاص يسترشد بطرائق السابقني القدمية واحلديثة قوامه القراءة والتذوق،

.فاستنتجنا أن املنهج اإلعجازي التكاملي واملنهج اجلمايل خري سبيل لتحليل هذا احلطابالبارئ الذي أحكـم إن : حتدد فهمنا لظاهرة التصوير الفين القرآين كاآليت - م

هو ذاته من ر اخللق قاطبة ابتداء من أدق تفاصيله وجزئياته حىت جتلى حقيقة مادية تصويتناسـب فثمـة . منح أحوال لفظه البديع الدالة على شىت املقاصد أداء تصويريا معجزا

، ومثلما أحكم اهللا )من اخللق(وانسجام بني فاعلية التصوير الفين وفاعلية التصوير اخللقي .نا يف أحسن الصور أحكم التصوير يف حديثه إلينا بأداء بياين متفردتعاىل تصوير

هناك انسجام وجتانس قائمان بني املستوى املوضوعي للـصورة القرآنيـة، -نومستوى األداء، فمن عجيب ما اطرد يف اخلطاب القصصي القرآين أن السمات البالغية

طبيعة املوضوع املصور، سواء من ناحية واألسلوبية للفظ القرآين تراعي إىل أبعد احلدود .املستوى الصويت، أو املستوى املفردايت، أو املستوى التركييب

إذا كان منظور الصورة الفنية يف األدب يراهن على سيكولوجية اإلبـداع -سوسيكولوجية التلقي معا، فإن األمر ليس كذلك يف القرآن الكرمي، ألن األمر هنا يتعلـق

لكالم اإلهلي املعجز الذي يتأبى عن كثري مـن مقومـات األدب كالعاطفـة بنمط من ا واخليال والتجربة، إال أنه يسوغ اعتبار سيكولوجية التلقي، على اعتبار أن أهم وظيفـة

.للصورة هي التخييل واإلحياء

- 391-

، املنحى األدائي وسـيلة أن اخلطاب القصصي القرآين لقد متحض لنا ضمن -ع غاية، إال أن تلك الوسيلة أبـانت عن المقـدرة الفائقـة والكفـاءة ائياإلحيواملنحى

. يف نظمه وتأليفه الذي ال تنقضي عجائبهذا اخلطاب المعجـزهلالتبليغية السامقة تغدو الصورة يف اخلطاب القرآين بعامة واملنحى القصـصي منـه خباصـة -ف

اهره اللغوية الفنية، وصـورة صورتني، صورة يرمسها األداء على مستوى اخلطاب ومظ .أثر اخلطاب بذهن املتلقي: أخرى موازية يرمسها اإلحياء على مستوى التخييل؛ أي

للتصوير القرآين موقع مكني من القلوب والعقول ومداخل لطيفة إليها، من -صشأا توصيل شىت القيم بأسلوب إحيائي يوازي األسلوب التقريري، فيمد مع كل معـىن

مما جيعل التصوير الفـين تتسرب إىل املتلقي بغية استدراجه إىل التأثر أو االقتناع، ظالال .ضمن اخلطاب القرآين عموما مدرسة مجالية وروحية ربانية متكاملة

تتعدد مصادر الصورة الفنية يف اخلطاب القصصي القرآين، فغالبا ما تـستقي -قانا من العامل الغييب ممـا يتجـاوز أفـق اإلدراك مادا من العامل احلسي املشهود، وأحي

فالتصوير القرآين فاعلية . البشري، وأحيانا أخرى من عامل اخلوارق املفعم بأجواء الغرابة شاملة متنوعة تستوعب تلك املصادر مجيعها، وتستحضر منها ما يؤدي املعزى الـديين

.املطلوبمن هذا اخلطاب تبعا لتعـدد البـؤر تتعدد األمناط اإلدراكية للصور الفنية ض -ر

احلسية، فال يقتصر األمر فقط على الصور البصرية، وإمنا توسل األداء بالصور الذوقيـة ويف . والسمعية واللمسية والشمية واحلرارية واالنفعالية لإلبانة عن شىت املواقف الدينيـة

صص القرآين من خالل إذ أن الق . ذلك ما يستجيب لطبيعة اإلدراك البشري ويتوافق معه .التصوير خياطب فينا احلواس فضال عن العقل والقلب والروح

للصورة الفنية أيضا عدة أمناط شكلية اشتمل اخلطاب القصـصي القـرآين -شعليها، من أبرزها الصورة املفردة القاعدية والصورة املركبة والصورة العنقودية االنسيابية

- 392-

صورة املتحركة، وقد مجعت كلها بني مجالية األداء واإلحياء والصورة الراسخة الثابتة وال الذي تأسست عليه بالغتها، ومن مظاهر الرباعة فيها أن جاء كال منها متناغما واملوقف

.الديين هناك مجلة من السمات اجلمالية لألداء التصويري ضمن هذا اخلطاب ممـا -ت

واالنسجام والتشخيص والتجـسيد والتـأثري نقدره مقومات فنية للصورة منها التناسق الصويت املتأتي من إيقاع الفواصل وتراسل احلواس، ويعكس ذلك كله مرونة اخلطـاب القرآين وقابليته ألن يضاء بعدة إجرائية ذات طبيعة أدبية، ولكن األمر مرهون باملقـدرة

.على توظيفها ما مل ختدش قداسة القرآن الكرميات إحياء الصورة الفنية ضمن هذا اخلطاب القصصي القـرآين، تتعدد مستوي -ث

تبعا لتنوع األغراض واملقاصد التبليغية، وحسب مقتضى املقام واملناسبة، ووفق أحـوال املخاطبني وأفقهم الذهين، فقد جييء اإلحياء روحيا أو نفسيا أو إقناعيا أو حجاجيا أو فنيا

.له على املعىنأو اجتماعيا، أو إشاريا ليلقي بظال القرآين يسلك يف تبليـغ ي القصص اخلطاب باملوازاة مع سبيل التصريح فإن –خ

دعراته اإلميانية ومقاصده التبليغية إىل املتلقي مسلكا إحيائيا حييل إىل قيم روحية دينية تمقرأغـراض ولعـل .غاية حبد ذاا الغاية اجلوهرية اليت سيقت ألجلها أحداثه اليت مل تكن

. القصص القرآين تشف عن عمق اإلحياء الروحي الذي يعد املستوى احملوري يف اخلطاب .فكانت كل ظاهرة فنية تلف يف طياا مغزى دينيا معينا

مبا أن اخلطاب القصصي القرآين يراعي مقتضيات الفن واجلمـال، ومبـا أن -ذ األذواق وامللكات اليت درجت علـى التصوير جمال للرباعة واحلذق، فال غرو أنه يداعب

االفتتان مبا جادت به قرائح الشعر، ويلقي يف روع األمساع نفحات تطرب هلا النفـوس أرحيية، كلما سرت إىل منافذها الوحشة واحلزن والغم تزو.

- 393-

وللخطاب القصصي القرآين وسيلة يتوسل ا يف إاء مقاصده الدينية إىل –ض ا من متثلها يف وعيـه، وهـي ر ا وال جيد بد ا من ذهنه وقلبه معا فيتأث املتلقي، ومتكينه

وسيلة اإلقناع، وال ريب يف أن القصد من وراء ذلك يكمن يف ترسيخ احلقائق اإلميانيـة وإذ .، فتتشرب نفوسنا يقينـا زالال بذواتنا ترسيخا عقالنيا موضوعيا ال قسريا عشوائيا

، فإنـه يـرد متزنـة وظائفه بكيفيةيروضه على أداء لكي اخلطاب إىل العقل يتجه هذا وتلقينـه ، ة والدنيوي ةتطلبات الديني امل من االعتماد عليها يف التكيف مع لتمكني اإلنسان .مبادئ احلجاج

إليقاع الفواصل النغمي بعد إحيائي حيوي يلح على األذهـان والقلـوب –ظ طاب القصصي القرآين ال تستقيم إال باعتبار والنفوس، وبالغة عناصر اإليقاع ضمن اخل

.فنظام الفاصلة يأيت ليتناغم مع اجلو الشعوري واملوقف الديين. جانيب األداء واإلحياء معامبا أن الرمز أسلوب تصويري يولد طاقة اإلحياء، فإن اخلطـاب القصـصي -غ

ى ظاهر اللفظ، فتسمو يظل أسريا لد أن نإحياءات رمزية، تربأ بالعقل ع القرآين يفضي ب به من دائرة التصريح إىل آفاق من التلوحيات والتلميحات اليت تتعـزز ـا مقـصدية اخلطاب، ويكون هلا وقع زمردي يف ذهن املتلقي، حبيث يعاين شىت أبعادهـا اإلحيائيـة،

.الذهنيةقدراته النفسية ولدوافعهوفقا عربها ظالل قصص القرآن الكـرمي، وإذ نأيت على ختام هذه الدراسة اليت تفيأنا

وأخننا برياضه الفيحاء، وخضنا غماره الزاخرة بآللئ الفن التصويري؛ فإن رجاءنـا أن يكون هذا اجلهد املتواضع خالصا هللا تعاىل أوال، ولروح البحث العلمي ثانيا، وأن يكون

لبالغـة يف قد اشتمل على إضافة حممودة الفائدة من شأا أن تضيء جانبا من جوانب ا وأن تسهم يف اإلحالة إىل بعض زوايا هذا االشتغال الـيت ال اخلطاب القصصي القرآين،

.ذلك قد أصبنا من البحث ثواب اتهدبوأن نكون تنقضي،

- 394-

- 395-

مبسرد القصص القرآين ملحق خاص

موضوع القصص السورة وأرقام اآلیات الرقم ق اإلنسانخل 38 / 29: البقرة 01 موسى وفرعون وبنو إسرائيل 75 / 47: البقرة 02 موسى وعيسى وينو إسرائيل 90 / 87: البقرة 03 موسى وبنو إسرائيل 93 92: البقرة 04

بنو إسرائيـل وسليمان وهاروت وماروت 103 / 100: البقرة 05 موسى وبنو إسرائيل 108: البقـرة 06 بنو إسرائيل 122: البقـرة 07 ووصية يعقـوب لبنيـه إبراهيم وبنـاء البيت الحرام 134 / 124: البقـرة 08 بنو إسرائيـل واآليات البينات 211: البقـرة 09 وسنة بعث األنبيـاء) الناس(الخلق 214 / 213: البقـرة 10 ...األلوف الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت 243: البقـرة 11الوت وجالوت وبنو إسرائيـل وتأييد عيسى ط 253 / 246: البقـرة 12

بالبيناتوآية ... والذي مر على قرية...الذي حاج إبراهيم 260 / 258: البقـرة 13

إحياء الموتىذكر آل عمران وقصص مريم وميالد عيسى ونبوته، 59 / 33: آل عمران 14

وذكر زكريا ويحي تحليل الطعـام لبني إسرائيـل 93: آل عمران 15 أول بيت وضع للناس 97 – 96: آل عمران 16 سنن األوليـن 137: آل عمران 17 / 146: آل عمران 18

148 الربيـون الذين قاتلـوا مع األنبيـاء

نهي المؤمنين عن التشبه بالكفـار الذين تمنـوا 156: آل عمران 19 قعـود إخوانـهم عن الغزو والقتـال

- 396-

الرسلتكذيب 184: آل عمران 20 لعـن اهللا أصحاب السبت 47: النسـاء 21 فضل آل إبراهيم 55 – 54: النسـاء 22 إتباع ملة إبراهيم الخليل 125: النسـاء 23.. سؤال أهل الكتاب موسى أن يريهم اهللا جهرة 161 / 153: النسـاء 24

وسائر جرائمهم .. رفع الطور فوقهم.. العجلعقاب اهللا لهم و.. وفضائحهم حيال مريم وعيسى

...بتحريم ما كان حال لهم من طيبـات ..وحي اهللا إلى جميع األنبيـاء والرسـل 165 / 163: النسـاء 25والجزم بنبوة عيسى .. غلو أهل الكتاب في دينهم 172 – 171: النسـاء 26

...وبشريته بنو إسرائيل واإلثني عشر نقيبـا 13 – 12: المـائدة 27 ...أخذ ميثاق النصـارى ونسيانهم حظا مما ذكروا به 14: ـدةالمائ 28 المسيح وأمه مريم 17: المائـدة 29 ...موسى وقومه ودخول األرض المقدسـة والتيه 26 / 20: المائـدة 30... قربان ابني آدم وما حدث من قتل أحدهما لآلخر 32 / 27: المائـدة 31

يـلوتحريم قتل النفس على بني إسرائ إنزال التوراة وعمل األنبيـأء بها وحكم القصاص 45 – 44: المائـدة 32 إرسال عيسى وتأييده باإلنجيل 46: المائـدة 33 مسخ اهللا اليهود إلى قردة وخنـازير 60: المائـدة 34بنو إسرائيل وتماديهم في إيذاء األنبيـاء المرسليـن 79 – 70: المائـدة 35

...أن عيسىوبهتان النصارى بش سؤال األولين عن أشيـاء ساءتهم حين بدت لهم 102 – 101: المائـدة 36معجزات عيسى والمائـدة المنزلة على الحوارييـن 118 – 110: المائـدة 37

...وحوار يوم القيامة بين اهللا وعيسى ...هالك القرون األولى بعد تمكينهم في األرض 06: األنعـام 38 االستهزاء بالرسل وعاقبة المكذبيـن 11 – 10 :األنعـام 39 صبر الرسل على تكذيب أقوامهم وأذاهم 34: األنعـام 40 وعقـاب اهللا لهم... ابتالء األمم السابقـة 45 / 42: األنعـام 41

- 397-

إبراهيم وأبوه آزر، وتأمله في ملكوت الكون، وحجاج 90 / 74: األنعـام 42نوح وإسحق وداود : قومه له، وذكر بعض األنبيـاء

وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا وعيسى ويحي وإلياس وإسماعيل واليسع ويونس

ولوطالتذكير بالكتاب المنزل على موسى وكيف أنهم جعلوه 91: األنعـام 43

..قراطيس يبدونها ويخفـون كثيـرا منهاوعنادهم في .. ريـةمكر أكابر المجرميـن في كل ق 124 – 123: األنعـام 44

...طلب اآليات .هالك القرى ال يكون بظلم في غفلة أهلها 131: األنعـام 45

ما حرم من أنعـام على اليهود 146: األنعـام 46

...تكذيب من كان قبل المشركين المعاصرين للنبي 148: األنعـام 47

ذكر إتيـان موسى الكتاب 154: األنعـام 48 ...إهالك القرى 07 / 04 :األعراف 49 خلق آدم وعصيان الشيطـان ووسوسته لإلنسـأن 25 / 11 :األعراف 50 ...خلق السماوات واألرض 54: األعراف 51 قصص نوح مع قومه 64 / 59: األعراف 52 هود وقومه عـاد 72 / 65: األعراف 53 صالـح وقومـه ثمـود 79 / 73: األعـراف 54 لـوط وقومـه 84 / 80: األعـراف 55 شعيب وقومه بمدين 93 / 85: األعـراف 56 تعقيب حول أحوال القرى السالفـة 102 / 94: األعـراف 57 / 103: األعـراف 58

156 والميقات ... موسى وفرعـون وبنو إسرائيـل

...وعبادة العجل وطلب الرؤية / 159: األعـراف 59

171 موسى وبنو إسرائيل من بعده

/ 172: ـرافاألع 60174

...إشهـاد اهللا أبنـاء آدم

نبأ الذي انسلخ عن آيات اهللا / 175: األعـراف 61

- 398-

177 – 189: األعـراف 62

190 ...خلق اإلنسان من نفس واحدة

..وتكذيبهم بها.. كفر آل فرعون بآيات اهللا 54 / 52 :األنفـال 63 أن عزير والمسيحبهتان اليهود والنصـارى بش 32 / 30: التوبـة 64قوم نوح وعاد وثمود وقوم (اإلشارة إلى نبأ األولين 70 – 69: التوبـة 65

وظلمهم أنفسهم) إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات ...استغفـار إبراهيم ألبيـه عن موعدة وعدها إياه 114 – 113: التوبـة 66 ...خلق السماوات واألرض في ستة أيام 03: يونس 67 .إهالك القرون األولى لما ظلموا 13: نسيو 68نبأ نوح والرسل من بعده الذين جاؤوا قومهم 74 / 71: يونس 69

...بالبينـات بعث موسى وهارون إلى فرعـون 93 / 75: يونس 70 ...إيمـان قوم يونس 98: يونس 71 ...أيام الذين خلوا ونجاة الرسل والمؤمنين 103 – 102: يونس 72 ...خلق السماوات واألرض في ستة أيام 07: هود 73

...نوح وقومه وصناعة الفلك 49 – 25: هـود 74 هود وقوم عـاد 60 / 50: هود 75 صالح وثمـود 68 / 61: هود 76 وهالك قوم لوط... رسل إبراهيم والبشرى 76 / 69: هود 77 لوط وقومه ورسل اهللا 83 / 77: هود 78 ... وقوم مدينشعيب 95 / 84: هود 79 ...موسى وفرعون وملؤه 102 / 96: هود 80 ...اختالف قوم موسى في الكتاب المنزل عليه 110: هود 81خطاب تعقيبي موجه إلى النبي بشأن أولي بقية من 117 – 116: هود 82

...القرون األولى الذين ينهون عن الفسـاد ...حمدخطاب تعقيبي لتثبيت فؤاد النبي م 120: هود 83 قصص يوسف سورة يوسف 84

- 399-

عاقبة المستهزئين بالرسل 32: الرعد 85 ...إرسال الرسل قبل النبي 38: الرعد 86

مكر األوليـن 42: الرعد 87تذكير موسى لقومه ... إرسال الرسل بلسـان أقوامهم 14 / 4: إيراهيم 88

...واإلشارة إلى ما كان من األولين ورسلهم... إبراهيم ودعاؤه بجعل هذا البلد آمنـا، واإلشارة إلى 41 / 35: مإبراهي 89

إسماعيل وإسحق استهزاء األولين بالرسل 13 / 10: الحجر 90 خلق اإلنسـان 44 / 26: الحجر 91ولوط وعقاب .. ضيف إبراهيـم والبشرى بالغالم 84 / 51: الحجر 92

...قومه وأصحاب األيكة وأصحاب الحجر ...مكر األوليـن وعقاب اهللا 26 :النحل 93ظلم األولين ألنفسهم بطلب أن تأتيهم المالئكة أو أن 35 / 33: النحل 94

يأتيهم أمر ربهم وعاقبة المكذبيـن.. بعث الرسل في كل أمة 36: النحل 95 وحي اهللا إلى األنبيـاء المرسليـن 44 – 43: النحل 96 ل األمم السابقةتزيين الشيطان أعما 63: النحل 97 ...مثل القرية التي كانت آمنة مطمئنة 113 – 112: النحل 98 اتذكير بما حرم اهللا على الذين هـادو 118: النحل 99 الثناء على إبراهيم الذي كان أمة قانتا هللا حنيفـا 123 / 120: النحل 100 الذين اختلفوا في السبت 124: النحل 101كتاب موسى وذرية نوح وإفسـاد بني إسرائيل في 07 / 02: اإلسراء 102

األرض مرتيـن ...سنة اهللا في إهالك القرى 17 / 15: اإلسراء 103 تفاضل بعض األنبيـاء وزبور داوود 55: اإلسراء 104 ..ناقة ثمود المبصرة 59: اإلسراء 105 عصيان الشيطان وطرده من رضوان اهللا 65 / 61: اإلسراء 106 سنة الرسل األوليـن 77 / 73: سراءاإل 107

- 400-

آيات موسى التسع البينـات 104 / 101: اإلسراء 108 ...أصحاب الكهف والرقيم 26 / 09: الكهف 109 صاحب الجنتين وصاحبه المؤمـن: مثل الرجلين 44 / 32: الكهف 110 ...أمر المالئكة بالسجود آلدم وعصيان الشيطان 50: الكهف 111 إهالك القرى بعد ظلمهم 59: فالكه 112 نبأ موسى والعبد الصالح 82 / 60: الكهف 113 ذكر ذي القرنيـن 101 / 83: الكهف 114 ذكر زكريا وميالد يحي 15 / 02: مريم 115 ..ذكر مريم وميالد المسيح عيسى ابنها ونبوته 35 / 16: مريم 116 ...ذكر إبراهيم وهو يدعو أباه 50 / 41: مريم 117 ...ذكر موسى 53 / 51: مريم 118 ذكر إسماعيـل 55 - 54: مريم 119والثناء على عامة األنبيـاء وأمر .. ذكر إدريس 60 / 56: مريم 120

..الخلف الذين جاؤوا من بعدهم إهالك القرون األولى 74: مريم 121.. حديث موسى وهارون وذهابهما لدعوة فرعون 99 / 09: طه 122

...وكفرهم وعبادتهم العجل.. ائيـلوبنو إسر خلق آدم وغواية إبليس والطرد من الجنة إلى األرض 127 - 115: طه 123 ...إهالك القرون األولى 128: طه 124 ذكر بينة الصحف األولى 133: طه 125... إهالك القرى الظالمة وإنشاء أقوام آخرين بعدها 15 / 06: األنبيـاء 126

...ين قبل النبيوالرسل المرسل عاقبـة المستهزئيـن بالرسـل 41: األنبيـاء 127 ...إتيان اهللا موسى وهارون الفرقان 49 - 48: األنبيـاء 128وتحطيمه .. إبراهيـم وأبوه وحواره مع قومه 73 / 51: األنبيـاء 129

، ونجاة ألصنامهم ونجاته من النار التي ألقي فيها .إسحاقلوط، واإلشارة إلى يعقوب و

- 401-

...لوط ونجاته من القرية التي كانت تعمل الخبائث 75 / 74: األنبيـاء 130 ...نوح ونجاته من الكرب العظيـم 77 / 76: األنبيـاء 131 ..داوود وسليمان وحكمهما في الحرث ومعجزاتهما 82 / 78: األنبيـاء 132 – إدريس –عيل إسما–أيوب : ذكر سائر األنبيـاء 91 / 83: األنبيـاء 133

التي – يحي - زكريا– ذي النون –ذي الكفل ).المسيح(وابنها ) مريم(أحصنت فرجها

..وحكمة الحج.. إبراهيم ومكان البيت العتيق 28 / 26: الحج 134 ..وإهالك القرى الظالمة.. تكذيب الكفرة لألنبيـاء 45 / 42: الحج 135

136 أخذ اهللا القرى الظالمة 48: الحج... ..إلقاء الشيطان في أمنية الرسل ونسخ اهللا لذلك 53 - 52: الحج 137 ...ووحي اهللا إليه بصنع الفلك.. بعثة نوح إلى قومه 30 / 23: المؤمنـون 138 ...القوم الذين جاؤوا بعد نوح ورسولهم 41 / 31: المؤمنون 139لقوم الذين جاؤوا من القرون الالحقـة التي أتت بعد ا 44 / 42: المؤمنـون 140

بعد نوح، وتكذيبهم الرسل ...إرسال موسى وجعل عيسى وأمه آيـة 51 / 45: المؤمنـون 141 ..الرسل يأكلون الطعام ويمشون في األسواق 20: الفرقان 142وعاد وثمود وأصحاب .. وقوم نوح.. موسى وهارون 40 / 35: الفرقان 143

..السوءوالقرية التي أمطرت مطر ... الرسموسى وهارون وذهابهما بأمر اهللا إلى فرعون 68 / 10: الشعراء 144

..ونجاة بني إسرائيل.. والسحرة ..نبأ إبراهيم ودعوته ألبيه وقومه 89 / 69: الشعراء 145 ..تكذيب قوم نوح المرسليـن وهالكهم بالطوفان 122 / 105: الشعراء 146 د المرسليـنتكذيب عا 140 / 123: الشعراء 147 تكذيب ثمود المرسليـن 159 / 141: الشعراء 148

تكذيب لوط المرسليـن 175 / 160: الشعراء 149

تكذيب أصحاب لئيكة المرسلين 190 / 176: الشعراء 150 ..وفرعون واآليات التسع.. موسى وأهله ونداء اهللا له 14 / 07: النمل 151وحديثه مع .. ومعجزات سليمان.. ودسليمان يرث داو 44 / 15: النمل 152

..النمل

- 402-

ثمود وأخاهم صالح 53 / 45: النمل 153 لوط وقومـه ومطر السوء 58 / 54: النمل 154.. موسى وفرعون ومولده وتنشئته في قصر فرعون 46 / 03: القصص 155

وخروجه من المدينة إلى مدين وزواجه من بنت ...رائيـلوبعثته وما جرى له مع بني إس.. شعيب

...إهالك القرى التي بطرت معيشتها 59 - 58: القصص 156 ...قارون وكفره ونكرانه نعمة اهللا وهالكه 82 / 76: القصص 157 نوح ولبثه في قومه ألف سنة إال خمسين عاما 15 / 14: العنكبوت 158 ..دعوة إبراهيم لقومه 27 / 16: العنكبوت 159 ...ط وقومه وعاقبتهملو 37 / 28: العنكبوت 160وبينات .. وقارون وفرعون وهامان.. عاد وثمود 40 / 38: العنكبوت 161

..وإهالك أولئك األقوام.. موسى عاقبة الظالميـن أنفسهم 10 - 09: الروم 162 )سيروا في األرض(عاقبة األولين 42: الروم 163 اإرسال الرسل واالنتقام من الذين أجرمو 47: الروم 164 ...لقمـان الحكيم يعظ ابنه 19 / 13: لقمان 165 خلق اهللا السماوات واألرض واستواؤه على العرش 04: السجدة 166 بدء خلق اإلنسان 09 / 07: السجدة 167

...إتيان اهللا موسى الكتاب هدى لبني إسرائيل 24 - 23: السجدة 168 اكنهمإهالك القرون الذين يمشون في مس 26: السجدة 169 ميثاق النبييـن 08 - 07: األحزاب 170 موسى وإيذاء بني إسرائيل له 69: األحزاب 171.. عرض األمانة على السماوات واألرض والجبال 72: األحزاب 172

واإلنســان داوود ومعجزاته 11 - 10: سبـأ 173 سليمـان ومعجزاتـه 14 / 12: سبـأ 174 ..وسيل العرم.. .جنتا سبأ 21 / 15: سبـأ 175 ..كفر المترفين بما أرشل به النذر 34: سبـأ 176

- 403-

..وما القوه من تكذيب.. نذر األولين 26 / 24: فاطر 177 ..عاقبة الذين من قبلهم 44: فاطر 178 ...أصحاب القرية والمرسلون 35 / 13: يس 179 فيهم، وذكر ضالل أكثر األولين وإرسال المنذرين 82 / 71: الصافات 180

.نوحذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحـاق، ورؤيا ذبح 113 / 83: الصافات 181

إسماعيل والفداء بالذبح العظيم ..ذكر موسى وهارون 122 / 114: الصافات 182 ذكر إلياس 132 / 123: الصافات 183 ..ذكر لوط وتدمير قومه 138 / 133: الصافات 184 ..ذكر يونس 148 / 139: الصافات 185 عباد اهللا المرسلين هم المنصورون 173 / 171: الصافات 186 والت حبن مناص.. إهالك القرون األولى 03: ص 187تكذيب قوم نوح وعاد وفرعون وثمود وقوم لوط 26 / 12: ص 188

وأصحاب لكيئة، وذكر نبإ داوود والخصمين بتهسليمان وفتنة اهللا له وتوبته إنا 40 / 30: ص 189 وثباته عند االبتالءصبر أيوب 47 / 41: ص 190 ..ذكر إسماعيل واليسع وذي الكفل 49 -48: ص 191 ...وخلق آدم، واستكبار إبليس.. اختصام المأل األعلى 85 / 69: ص 192 عذاب من كذب من األولين 26 - 25: الزمر 193 ...تكذيب قوم نوح واألحزاب 05: غاقر 194 عاقبة األولين 22 - 21: غافر 195وذكر ..وبناء الصرح... موسى وفرعون وهامان 46 / 23: غافر 196

األحزاب ونوح وعاد وثمود ويوسف ...موسى وبنو إسرائيل 55 - 54: غافر 197 ..قص أخبار الرسل الذين يأتون باآليات بإذن اهللا 78: غافر 198 ..وبأس اهللا.. وا بالرسلعاقبة األولين الذين كذب 85 / 82: غافر 199

- 404-

خلق السماوات واألرض 12 / 09: فصلت 200 ...صاعقة عـاد وثمـود 18 / 13: فصلت 201 اختالف اليهود في كتاب موسى 45: فصلت 202 وسائر األنبيـاء.. ما وصى اهللا به نوحا 14 - 13: الشورى 203 ..استهزاء األولين باألنبيـاء 08 / 06: الزخرف 204إصرار مترفي القرى األولى على البقاء على ملة 25 / 23: الزخرف 205

...آبائهم تبرؤ إبراهيم من أبيه وقومه 29 / 26: الزخرف 206آيات اهللا التي أيد بها موسى ومكابرة فرعون التي 56 / 45: الزخرف 207

انتهت به إلى مصير الهالك ..ال لقوم النبيعيسى بن مريم ضرب مث 65 / 57: الزخرف 208واإلشارة .. ونجاة بني إسرائيل منه.. فتنة قوم فرعون 37 / 17: الدخان 209

.إلى قوم تبع كتاب يني إسرائيـل والبينات التي أوتوا بها 17 - 16: الجاثية 210 ..كتاب موسى اإلمام 12: األحقاف 211 ...الذي عق والديه 18 - 17: األحقاف 212وإهالك ما ... أخو عاد هود وإنذاره لقومه باألحقاف 28 / 21: األحقاف 213

..حول قوم النبي من قرى ...عاقبة الذين من قبـل 10 :محمد 214 ..إهالك القرى األشد قوة م قرية النبي 13: محمد 215

نوح، أصحاب الرس، ثمود، : تكذيب األقوام األولى 15 / 12: ق 216 حاب األيكة، فوم تبععاد، فرعون، إخوان لوط، أص

..إهالك األقوام األشد بطشـا 36: ق 217ضيف إبراهيم المكرمون والبشرى، وإهالك قوم لوط، 46 / 24: الذاريات 218

وذكر موسى وعاد وثمود وقوم نوحتذكير الذي تولى بما في صحف موسى وإبراهيم، 54 / 33: النجم 219

م نوح والمؤتفكةوإهالك اهللا عادا األولى وثمود وقو.. تكذيب قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون 42 / 09: القمر 220

..بالنذر ..الذين أوتوا الكتاب من قبل، فطال عليهم األمد 16: الحديد 221

- 405-

وإنزال الحديد... إرسال الرسل 27 / 25: الحديد 222 ..نوح وإبراهيم وعيسى بن مريم

.. بعاقبة وسوسة الشيطان لإلنسـانالتمثيل 17 / 14: الحشر 223 ..واستغفـاره ألبيه.. أسوة إبراهيم الحسنة 06 / 04: الممتحنة 224ذكر موسى وإيذاء قومه له، وعيسى وتبشيره بنبوة 06 – 05: الصف 225

أحمد )..أنصار اهللا(نصرة الحواريين لعيسى بن مريم 14: الصف 226 .. التوراةمثل الذين حملوا 05: الجمعة 227 ..ذكر عاقبة القرى التي عتت عن أمر ربها 10 / 08: الطالق 228ومثل امرأة .. ضرب مثل امرأة نوح وامرأة لوط 12 / 10: التحريم 229

..ومريم ابنة عمران.. فرعون ..وعاقبة فعلهم.. أصحـاب الجنـة 33 / 17: القلم 230 ..يونس صاحب الحوت 50 /48: القلم 231وفرعون ومن قبله .. تكذيب ثمود وعاد بالقارعة 12 / 04: الحاقة 232

..والمؤتفكات وحمل أتباع نوح في الجارية ...قصص نوح وقومه سورة نوح كاملة 233 ذكر عصيان فرعون الرسول .16 – 15: المزمـل 234

المرسل إليه وكيف أخذه اهللا أخذا وبيـال ...ى إذ ناداه ربه بالواد المقدسحديث موس 26 / 15: النازعـات 235 أصحاب األخـدود 09 / 04: البروج 236 ..فرعون وثمود.. حديث الجنود 20 / 17: البروج 237 ..صحف إبراهيم وموسى 19 - 18: األعلى 238 ...وعقاب اهللا لهم.. عاد وثمود وفرعون 12 / 06: الفجر 239 ..قة صالحتكذيب ثمود وعقرهم نا 15 / 11: الشمس 240 ..حادثة أصحاب الفيل وإهالكهم بحجارة من سجيل . آيات05: الفيل 241 ..فضل اهللا على قبيلة قريش آيات04: قريش 242

- 406-

- 407-

مكتبــة البـحـث

كتب التفسير ، في تفسير القرآن العظيم والسبع المثـاني المعاني روح شهاب الدين السيد محمود اآللوسي، -1

).ت.د ( بيروت،دار إحياء التراث العربي عـادل أحمـد عبـد الموجـود . تـح البحر المحيط، محمد بن يوسف، أبو حيان، ،ندلسياأل – 2

. م2001 / هـ 1422 ، بيروت، لبنان،دار الكتب العلمية وآخرون،

دار محمد عبد اهللا النمر وآخرين، . تح ،عود، معالم التنزيل البغوي، أبو محمد الحسين بن مس - 3 .1997 / هـ1417، 3.طيبة للنشر، الرياض، ط

محمـد عبـد . تح أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين أبو الخير عبد اهللا، بيضاوي،ال - 4 ).ت.د.(الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط

، 1.ط ،بيـروت ، دار الكتـب العلميـة ، مفاتيح الغيـب ،خر الدين محمد بن عمر ف الرازي، - 5 .2000 /هـ 1421

دار ،عبد الـرزاق المهـدي . تحزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمر جار اهللا، الكشاف، ال - 6 . بيروت،إحياء التراث العربي

دار إحياء التراث ، قرآن الكريم إلى مزايا ال إرشاد العقل السليم ، ، محمد العمادي )وأب(سعود ال - 7 .)ط.ت.د(، بيروت،العربي

. الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، تـح -8 .2007 / 1428، 4.يوسف الغوش، دار المعرفة، بيروت، ط

، أحمد محمـد شـاكر . تح، القرآنتأويل جامع البيان في ،أبو جعفر محمد بن جرير ، الطبري -9 .2000، 1.مؤسسة الرسالة، ط

.1984 الدار التونسية للنشر، تونس، ، محمد الطاهر، تفسير التحرير والتنوير،)بن( عاشور -10

- 408-

عبـد . ، تـح في تفسير الكتاب العزيـز المحرر الوجيز ،أبو محمد عبد الحق ، )ابن( عطية -11 .1993 /هـ 1413 ،1.، ص لبنان،دار الكتب العلمية ،السالم عبد الشافي محمد

جماعة مـن المحققـين، مؤسـسة . تح الجامع ألحكام القرآن، ، أبو عبد اهللا محمد، قرطبيال -12 .2006/ هـ 1427، 1.الرسالة، بيروت،، ط

.2003/ هـ 1423، 32. ، طقاهرة قطب، سيد، في ظالل القرآن، دار الشروق، ال-13ـ سامي بن محمـد . تح، تفسير القرآن العظيم ،يل أبو الفداء إسماع ،)ابن ( كثير -14 ، دار سالمةال

.1999، 2.طيبة، الرياض، طمـروان محمـد . ، تحمدارك التنزيل وحقائق التأويل، أبو البركات عبد اهللا بن أحمد النسفي، -15

.2005 ، بيروت،دار النفائس، الشعار

الدواوين الشعرية .).ط.ت.د(يب جماعة من الكتاب، دار الجيل، بيروت، ضبط وترتديوان،ال ، حافظ، إبراهيم- 1 .1980 دار العودة، بيروت، إلياس، الديوان،، أبو شبكة– 2عاتكة الخزرجي، دار الكتـب المـصرية، . الديوان، تح ، ، أبو الفضل عباسال ،)بنا( األحنف - 3

.1954/ هـ 1373القاهرة، .1998، دار صادر، بيروت، محمد التونجي. األودي، األفوه، الديوان نح– 4حـسن كامـل الـصيرفي، دار المعـارف، . تح،، أبوعبادة الوليد بن عبيد، الديوان بحتريال – 5

).ت.د(، 3.القاهرة، ط .، لجنة التأليف والترجمة والنشرمحمد الطاهر بن عاشور. تح بشار، الديوان، ،)بن ( برد- 6راجي األسمر، دار الكتاب العربي، بيروت، . ح ت تمام، يأبالتبريزي، الخطيب، شرح ديوان - 7 .1994، 2.ط .2002، 3.أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت، ط، الديوان، )ابن (رومي ال- 8

9 - 2.شـرح حمـدو طمـاس، دار المعرفـة، بيـروت، ط ديوان، زهير، ال ،)بن أبي ا(لمى س ، .2005/ هـ1426

.1893بعة اآلداب ألمين الخوري، بيروت، مطديوان، ، ال عنترة)ابن(شداد – 10 .1978دار العودة، بيروت، فدوى ، ، طوقان– 11

- 409-

، 5.محمد أبو الفـضل إبـراهيم، دار المعـارف، القـاهرة، ط . تح ، الديوان، ؤ امر ،القيس - 121990.

.1954/ هـ 1373القاهرة، ).ط.ت.د(بيروت، الجزء األول، دار مارون عبود، ، الخليل خليل، ديوان،طران م- 13اط، مطبعة اإلقبـال، بيـروت، الديوان، اعتنى به محيي الدين الخي ،، عبد اهللا )ابن (معتزال - 14

).ط.ت.د(، 2.محمد أبو الفضل إبـراهيم، دار المعـارف، القـاهرة، ط . تح الديوان، النابغة الذبياني، - 15

).ت.د(د أفندي واصف، المطبعـة العموميـة، شرح محمو ، الحسن بن هانئ، الديوان، )أبو( نواس – 16

.1898، 1.ط القاهرة،

المعاجم: جماعة مـن المحققـين، الـدار المـصرية . تح تهذيب اللغة، أبو منصور محمد، زهري،األ - 1

).ط.ت.د(للتأليف والترجمة، القاهرة، ، بيـروت ،دار الكتاب العربي ،إبراهيم األبياري . تح ، التعريفات، علي بن محمد ، جرجانيال – 2

1405 / 1984. أحمد عبد الغفـور . تح، ، تاج اللغة وصحاح العربية حاحالص، إسماعيل بن حماد، جوهريال – 3

.1990، 4.، دار العلم للماليين، طعطارجماعـة مـن . من جواهر القاموس، تح تاج العروس أبو الفيض محمد مرتضى، زبيدي،ال - 4

.2001/ هـ1421، 1.لفنون واآلداب، الكويت، طالمحققين، المجلس الوطني للثقافة وامحمد باسـل عيـون . تحأساس البالغة، ،أبو القاسم محمود بن عمر جار اهللا الزمخشري، - 5

.1998/ هـ 1419، 1.السود، دار الكتب العلمية، بيروت، ط .2004، 1. ممدوح، معجم الصوفية، دار الجيل، بيروت، ط، الزوبي- 6 .1984 ،1. ط، بيروت،دار العلم للماليينور، المعجم األدبي، جب، عبد النور- 7عبد الـسالم محمـد هـارون، دار . أبو الحسين أحمد، معجم مقاييس اللغة، تح ) ابن( فارس – 8

.1979/ هـ 1399الفكر، دمشق،

- 410-

عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، . أبو البقاء، الكليات، تح ،كفوميال - 8 .1998/هـ 1419

.1989، 1. أحمد، معجم النقد العربي القديم، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط،مطلوب - 9أمين محمد عبد الوهاب ومحمـد . تح لسان العرب، ،أبو الفضل جمال الدين ،)ابن( منظور - 10

.1999/ هـ 1419، 3.الصادق العبيدي، دار إحياء التراث العربي ، بيروت، ط مجدي وكامل المهندس، معجم المصطلحات العربية في اللغة واألدب، مكتبة لبنـان، ، وهبة - 11

.1979بيروت، المصادر والمراجع:

صاحب خليل، الصورة السمعية في الشعر العربي قبل اإلسـالم، منـشورات اتحـاد ،إبراهيم -1

.2000الكتاب العرب، دمشق،

.2005اثة، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، عبد العزيز ، شعرية الحد،إبراهيم -2

أحمد الحـوفي وبـدوي . تح في أدب الكاتب والشاعر،، المثل السائرضياء الدين) ابن(ثير األ -3 .)ت.د(، 2.طبانة، دار نهضة مصر، القاهرة، ط

أحمد محمود عبد السميع الحفيان، أشهر المصطلحات في فـن األداء وعلـم القـراءات، دار -4 .2001، 1.لكتب العلمية، بيروت، طا

).ط.ت.د(إبراهيم حمادة، مكتبة األنجلو مصرية، القاهرة، . تر أرسطو، فن الشعر، -5 .1988، 4. عز الدين، التفسير النفسي لألدب، دار العودة بيروت، ط،إسماعيل -6ية، دار العودة، والمعنو عز الدين، الشعر العربي المعاصر، قضاياه وظواهره الفنية ، إسماعيل -7

.1981، 3.بيروت، ط، وبيان إعجاز القـرآن تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر المصري،) أبي ابن(صبع األ -8 ).ط.ت.د(حفني محمد شرف، لجنة إحياء التراث اإلسالمي، القاهرة، . تحعرب، دمـشق، عبد الرزاق، المذاهب األدبية لدى الغرب، منشورات اتحاد الكتاب ال ،صفراأل -9

1999. .2.سمير جابر، دار الفكر، بيروت، ط. تح األغـاني، أبو الفرجصفهاني،األ -10، مكتبة نزار مـصطفى المفردات في غريب القرآن أبو القاسم الحسين الراغب، ،صفهانياأل -11

.)ت.د(الباز، دمشق،

- 411-

ـ . مقاالت في النقد األدبي، تر س،. ت ،إليوت -12 ة األنجلـو مـصرية، لطيفة الزيـات، مكتب .)ت.د(القاهرة،

السيد أحمـد . بين شعر أبي تمام والبحتري، تح الموازنةأبو القاسم الحسن بن بشر، مدي، اآل 13- .1992، 4.صقر، دار المعارف، القاهرة، ط

.1979 ،3. ط،روتي ب، التعبير الفني في القرآن، دار الشروق، بكري شيخ، أمين-14 .1994، 3.ر، دار إحياء العلوم، بيروت، طمحمد شربف سك. لقرآن، تحباقالني، إعجاز اال -15 .1960/ 1. محمد مصطفى، دراسات في الشعر والمسرح، دار المعرفة، القاهرة، ط، بدوي-16 دراسـة فـي - علي، الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجـري ،بطلال -17

.1983/ 3. طأصولها وتطورها، دار األندلس، بيروت، .1992ديوان المطبوعـات الجامعية، الجزائـر، المعجزة القرآنية، : بلقاسـم،بغـدادي -18 ،4. ط ، دمـشق ، ودار الفكـر ، بيروت ،بن نبي مالك، الظاهرة القرآنية، دار الفكر المعاص -19

).1992تصويـر (1987 - 1407 ...... وسيط، ترنظرية الخيال في الفكر القديم وال موراي، ، بوندي-20 .2006، 1.عالم الثقافة، عمان، ط أحمد، اإليحاء العقلي، ، توفيق-21عبد السالم محمـد هـارون، دار الجيـل، . تح، الحيوان، أبو عثمان عمرو بن بحر ، جاحظ -22

.1996بيروت، ، 7.عبد السالم محمد هارون، مكتبـة الخـانجي، القـاهرة، ط . تحجاحظ، البيان والتبيين، ال -23

.1998/ هـ 1418

).ط.ت.د(عبد السالم محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، . جاحظ، الرسائل، تح-24، مسعود. محمد االسكندراني و م . في علم البيان، تح أسرار البالغة عبد القاهر، جرجاني،ال -25

.1998، 2.دار الكتاب العربي، بيروت، طياسـين األيـوبي، المكتبـة . في علم المعاني، تـح عجاز دالئل اإل عبد القاهر، جرجاني،ال -26

.2003بيروت، / العصرية، صيدا .) ت.د(علي بن محمد العمران، . ، منجد المقرئين ومرشد الطالبين، تح)ابن(جزري ال -27 محمد عبد المنعم خفاجي، مكتبة الكليـات األزهريـة، .تحقد الشعر، ن قدامة، ،)بنا( جعفر -28

.م1978، 1القاهرة، طجماعة من المؤلفين، أصول اإليمان في ضوء الكتاب والسنة، وزارة الـشؤون اإلسـالمية -29

.هـ 1421، 1.واألوقاف السعودية، ط

- 412-

.محمد علي النجار، عالم الكتب، بيروت. ، الخصائص، تح)ابن( جني -30تاب العربي، بيـروت، محمد حامد الفقي، دار الك . ابن القيم، مدارج السالكين، تح ،جوزيةال -31 .1973 / 1393، 2.ط

سامي الدروبي، دار الفكـر العربـي، . جان ماري، مسائل فلسفة الفن المعاصرة، ت ، جويو -32 .1948القاهرة،

، التعبير القرآني والداللة النفسية، دار الغوثاني للدراسات القرآنية، عبد اهللا محمد ،الجيوسي - 32 .2006، 1426، 1.دمشق، ط

هــ 1408، 2. دمشق، ط، سعدي، القاموس الفقهي لغة واصطالحا، دار الفكر ،)أبو(حبيب -33 /1988.

إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، . تح، طوق الحمامة، )ابن( حزم -34 .1987، 2. ط

.1974، 9.دار المعارف، القاهرة، ط طه، حديث األربعاء، ، حسين-35و بكر، أداءات القراء، دراسة في مـستويات التحليـل اللغـوي، مكتبـة اآلداب، أب ، حسيني -36

.3. ، ط2007القاهرة، حمادي، جبير صالح، التصوير الفني في القرآن الكريم، دراسة تحليلية، مؤسـسة المختـار، -37

.2007، 1.القاهرة، ط .1991، 1.رة، جدة، ط حمدان، نذير، الظاهرة الجمالية في القرآن الكريم، دار المنا-38 .....في السياسة واآلداب الملكية،، التذكرة ، محمد بن الحسن)ابن(حمدون -39عبـد الـرحمن بـدوي، النهـضة . اسحق، كتاب أرسطوطاليس في النفس، تح ،)بن( حنين -40

.1954المصرية، القاهرة، نظريـة بنـاء (وأسس بنائها الجانب الفني في القصة القرآنية، منهجها ، خالد أحمد أبو جندي -41

.)ط. ت.د(دار الشهـاب، باتنـة، ،)القصة الفنية في القرن الكريم الخالدي، صالح عبد الفتاح، إعجاز القرآن البياني ودالئل مـصدره الربـاني، دار عمـار، -42

.2000، 1.عمان، طللفنون الوطنية المؤسسة، نظرية التصوير الفني عند سيد قطب، صالح عبد الفتاح،خالديال -43

.1988، الجزائر،المطبعية، 1. أنور فؤاد، معجم المصطلحات الصوفية، مكتبة لبنان ناشرون، بيـروت، ط ،)أبي( خزام -44

1993.

- 413-

، لسانيات النص، مدخل إلى انسجام الخطاب، المركز الثقافي العربي، بيروت محمد ،خطابي -45 .2006/ 2.الدار البيضاء ، ط/

ـ 1402، بيروت، دار الكتب العلمية بن سنان، سر الفصاحة، أبو محمد عبد اهللا ، خفاجيال -46 هـ/ 1982.

.2003، 1.خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، ط. ، عبد الرحمن، المقدمة، تح)ابن( خلدون، -47 ، القـاهرة ،للطباعة والتجليد " آمون"سة مؤس الوحدة الفنية في القصة القرآنية، ،محمد، داليال -48 .1993 ،1. ط

فايز، جماليات األسلوب، الصورة الفنية في األدب العربي، دار الفكر، دمـشق ودار ،دايةال -49 .1996 ، 2.الفكر المعاصر، بيروت، ط

أحمد علي، الصورة البالغية عند عبد القاهر الجرجاني منهجـا وتطبيقا،منـشورات ،دهمان -50 .2000، دمشق، 2.وزارة الثقافة، ط

عزيـز اهللا العطـاردي، دار . تحالتدوين في أخبار قزوين، ، ، عبد الكريم بن محمد رافعيال -52 1987/ هـ 1407الكتب العلمية، بيروت،

مصطفى صادق، إعجاز القرآن والبالغة النبوية، دار الكتاب العربـي، بيـروت، ،رافعيال -53 ).ط.ت.د(

، )األردن(جامعة اليرمـوك، إربـد ي تمام، الصورة الفنية في شعر أب ، عبد القادر ،باعيرال -541980.

ل الخطاب النقدي، مقاربات منهجيـة معاصـرة، منـشورات عبد القادر، في تشك ،رباعيال -55 .1998، 1.األهلية، عمان، ط

عبد المجيد الترحينـي، دار الكتـب العلميـة، . ، أحمد بن محمد، العقد الفريد، تح )ابن( ربه -56 .1983، 1.بيروت، ط

، 6. الوحي المحمدي، شركة الطباعة الفنيـة المتحـدة، القـاهرة، ط ،رشيدمحمد رضـا، -571380 /1960.

محمد أحمـد . رماني، النكت في إعجاز القرآن، ضمن ثالث رسائل في إعجاز القرآن، تح ال -58 .1976، 3. القاهرة، ط،خلف اهللا ومحمد زغلول سالم، دار المعارف

مصطفى بدوي، المؤسسة المـصرية العامـة للتـأليف، . لنقد األدبي، تر مبادئ ا ريتشاردز، -59 .1963القاهرة،

. 1997، 4.دار الفكر، دمشق، طته، الفقه اإلسالمي وأدلالزحيلي، وهبة، -60

- 414-

.1998، 1. عدنان، فصول في علوم القرآن، المكتب اإلسالمي، ط، زرزور-61بديع السيد اللحـام، دار . فان في علوم القرآن، تح مناهل العر ،محمد عبد العظيم زرقاني،ال -62

.1998، 1.قتيبة، ط، 1.أبو الفضل إبـراهيم، المكتبـة العـصرية، ط . الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تح -63

2004. ، )الجملـة البـسيطة ( ميشال، األلسنية التوليدية والتحويلية وقواعد اللغـة العربيـة ، زكريا -64

.1986، 2. للدراسات والنشر، بيروت، طالمؤسسة الجامعية/ 1.سة حـورس، اإلسـكندرية، ط خالد، تطور الصورة في الشعر الجاهلي، مؤس ،زواويال -65

2000. ، 3. السامرائي، فاضل صالح ، بالغة الكلمة في التعبيـر القرآنـي، دار عمـار، عمـا، ط -66

2005. .2006، 4.عمار، عمان، طالسامرائي، فاضل صالح، التعبير القرآني، دار -67السامرائي، فاضل صالح، لمسات بيانية في نصوص من التنزيـل، دار الـشؤون الثقافيـة، -68

.1996، 1بغداد، طدار المعـارف، ، التصوير الفني في شعر محمـود حـسن إسـماعيل، )مصطفى(سعدني ال -69

). ط.ت.د(اإلسكندرية، دار الكتـب العلميـة، عبد الحميد هنداوي، . تح وم، مفتاح العل أبو يعقوب يوسف، سكاكي،ال -70

.2000، 1.بيروت، ط سالم، محمد زغلول، النقد األدبي الحديث، أصوله واتجاهـات رواده، منـشأة المعـارف، -71

).ط.ت.د(اإلسكندرية، .1995/ 4. رؤية بالغية نقدية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط- شفيع، التعبير البياني،سيدال -72 .2005 محمود أحمد، في األداء اللغوي، منشورات وزارة الثقافة السورية، دمشق، ،سيدال -73حمد نصيف الجنابي وآخرون، منـشورات وزارة . سيسل، دي لويس، الصورة الشعرية، تر -74

.1982الثقافة واإلعالم، دار الرشيد، العراق،

.1983، 3.يا، دار المعارف، القاهرة، طسليمان دن. ، اإلشارات والتنبيهات، تح)ابن(سينا -75عبد الرحمن بدوي، النهضة العربية، القـاهرة، . ، فن الشعر، من كتاب الشفاء، تح)ابن( سينا -76

1953. .1983، 8.، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، طأصول النقد األدبيالشايب، أحمد، -77

- 415-

ة ألصول األساليب األدبيـة، مكتبـة النهـضة الشايب، أحمد، األسلوب، دراسة بالغية تحليلي -78 ).ت.د (5.المصرية، القاهرة، ط

شناوي، علي الغريب محمد ، الصورة الشعرية عنـد األعمـى التطيلـي، مكتبـة اآلداب، -79 .2003/ 1القاهرة، ط

.1966هيفاء هاشم، وزارة الثقافة السورية، . ، تر1 أسس النقد األدبي، ج، مارك، شو-80 بشرى موسى، الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث، المركز الثقـافي العربـي، ،صالح -81

.1994/ 1.بيروت، ط

.1977 ،10. ط، بيـروت،دار العلم للماليين مباحث في علوم القرآن،، صبحي،صالح -82 فخري محمد، اللغة العربية أداء ونطقا وإمالء وكتابة، مطابع الوفـاء، المنـصورة، ، صالح -83

1986. عبد اإلله، الخطاب اإلبداعي الجاهلي والصورة الفنية، القدامـة وتحليـل الـنص، ،صائغال -84

.1997/ 1. الدار البيضاء، ط/ المركز الثقافي العربي، بيروت عبد اإلله، الخطاب الشعري الحداثوي والصورة الفنية، الحداثـة وتحليـل الـنص، ، صائغ -85

.1999/ 1. الدار البيضاء، ط،المركز الثقافي العربي، بيروت تحقيق علي أبو زيد وآخـرون، دار صالح الدين، أعيان العصر وأعوان النصر، ،صفديال -86

.1998/ هـ 1418، .1الفكر المعاصر، بيروت ودار الفكر، دمشق، ط ).ت.د(، 9. دار المعارف، القاهرة، ط شوقي، البالغة تطور وتاريخ،،ضيف -87محمد زغلـول سـالم، منـشأة المعـارف، اإلسـكندرية، . تح عيار الشعر، ،)ابن( طباطبا -88

).ط.ت.د( أحمد، النص الشعري، بين الرؤية البيانية والرؤيـا اإلشـارية، دراسـة نظريـة ،طريسيال -89

.2004وتطبيقية، الدار المصرية السعودية، القاهرة، ، 1. نهضة مصر، القـاهرة، ط ، دار جزآن سيد، القصة في القرآن الكريم، ، محمد طنطاوي -90

1997. ، .الظواهري، كاظم، بدائع اإلضمار القصصي فـي القـرآن الكـريم، دار الـصابوني، ط -91

.1991/ هـ 1412دار الكتـب ،محمد عبد الكريم النمري . تح، الكشكول، محمد بن حسين بهاء الدين ،عامليال -92

.1998/ ـه1418 1.، ط لبنان،بيروت، العلمية .1986، 5. إحسان، تاريخ النقد األدبي عند العرب، دار الثقافة، بيروت، ط،اس عب-93

- 416-

).طت، .د( إحسان، فن الشعر، دار الثقافة، بيروت، ، عباس-94الصورة األدبية في القرآن الكريم، الـشركة المـصرية العالميـة عبد التواب، صالح الدين، -95

.1995، 1.للنشر، لونجمان، ط

.1996الحريري، الفقه على المذاهب األربعة، دار الفكر، عبد الرحمن -96

دراسة قرآنيـة لغويـة – اإلعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن األزرق عبد الرحمن، عائشة، -97 .1987، 2وبيانية، دار المعارف، القاهرة، ط

العامـة عبد العال، محمد قطب، من جماليات التصوير في القرآن الكريم، الهيئة المـصرية -98 .2006، 2.للكتاب، القاهرة، ط

.1994، 1. محمد، البالغة واألسلوبية، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط، عبد المطلب-99منشورات اتحاد الكتـاب العـرب، حنا، النظرية األدبية الحديثة والنقد األسطوري، ،عبود -100

.1999دمشق، علي محمد البجاوي ومحمد أبو . تحلصناعتين، ا الحسن بن عبد اهللا، أبو هالل، ،عسكريال -101

.2006 ، 1.الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، طمحمد باسل عيون السود، دار الكتـب العلميـة، . العسكري، أبو هالل، الفروق اللغوية، تح -102

.2002، 2.بيروت، طـ لسرد اإلعجـازي، د الخطاب القرآني، مقاربة توصيفية لجمالية ا ، سليمان ،عشراتي -103 وان ي

.1998. ط، الجزائـر،المطبوعات الجامعية جابر، الصورة الفنية في التراث النقدي والبالغي عند العرب، المركـز الثقـافي ،عصفور -104

.1992/ 3العربي، بيروت، طمكتبـة الـديوان فـي األدب والنقـد، ، عباس محمود وإبراهيم عبد القادر المازني، عقادال -105 .1921، 2.عادة، القاهرة، طالس

.1969، ابن الرومي، دار الهالل، ، عباس محمودعقادال -106 شفيقة، محاضرات في المدارس اللسانية المعاصرة، مؤسـسة أبحـاث، بيـروت، ،علويال -107

.2004، 1.ط .1997 أحمد مختار، دراسة الصوت اللغوي، عالم الكتب ، القاهرة، ، عمر-108 .1997 ، 2.، القاهرة، طعالم الكتب ختار، اللغة واللون،أحمد م ،عمر -109 .2006، 1.عيد سعد يونس، التصوير الجمالي في القرآن الكريم، عالم الكتب، القاهرة، ط -110 .2. رجاء، فلسفة البالغة بين التقنية والتطور، منشأة المعارف، األسكندرية، ط،عيد -111

- 417-

ية وأدبية، منشورات اتحاد الكتـاب العـرب، دمـشق، عناد، أصداء دراسات نقد ، غزوان -1122000.

العربية ومسائلها وسنن العرب في الصاحبي في فقه اللغة أبو الحسين أحمد، ،)ابن(فارس -113 .1997/ هـ 1418، 1.أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. تح، كالمها

.1978 ،2. طر، دار المعارف، القاهرة، والرمزية في الشعر المعاص محمد، الرمز،فتوح -114

، 1. صالح، النظرية البنائية وعلم األسـلوب، دار الكتـاب اللبنـاني، بيـروت، ط ،فضل -1152007. رؤية نقدية لبالغتنا العربية، الدار العربية للنـشر - عدنان حسين، التصوير الشعري ،قاسم 116-

.2000والتوزيع، القاهرة، ، معهد البحوث والدراسات العربية، خيال في مذهب محي الدين بن عربي محمود، ال ،قاسم -117

.1969القاهرة، السيد أحمـد صـقر، . ، تج تأويل مشكل القرآن ، أبو محمد عبد اهللا بن مسلم، )ابن ( قتيبـة -118

.).ط.ت.د(المكتبة العلمية، الشيخ محمد عبد المـنعم . تح الشعر والشعراء، أبو محمد عبد اهللا بن مسلم، ،)ابن( ، قتيبة -119

.1987، 3.العريان، دار إحياء العلوم، بيروت، طمحمد الحبيـب بـن الخوجـة، دار . حازم، منهاج البلغاء وسراج األدباء، تح ،قرطاجنيال -120

.1966الكتب الشرقية، تونس، )..ط. ت.د( دار الكتب العلمية، بيروت، الخطيب، اإليضاح في علوم البالغة،،قزويني -121 .1981 عبد القادر، االتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر، بيروت، ،قطال -122

).ط.دت(القاهرة، / دار الشروق، بيروت ، التصوير الفني في القرآن، سيد ،قطب -123 .1960/ 3. أصوله ومناهجه، دار الفكر العربي، القاهرة، ط، سيد، النقد األدبي، قطب-124 عبـد .تح، الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم أبجد العلوم و ،يق بن حسن صد ،قنوجي ال -125

.1978 بيروت، ،الجبار زكار، دار الكتب العلميةعبـد . تـح ، في محاسن الشعر وآدابه ونقده العمدة أبو علي الحسن، ابن رشيق، ، قيرواني -126

.2004.الحميد هنداوي، المكتبة العصرية، بيروت، طمحمد عبد الهادي أبـو ريـدة، . ، تح)في حدود األشياء ورسومه (الرسائل، رسالة كندي، ال -127

.1955دار الفكر العربي، القاهرة،

- 418-

دار حـسان، الحكـيم عبد .د .تر أدبية، سيرة ،شعر في ال كولريدج، النظرية الرومانتيكية -128

.1971 القاهرة، ،المعارفدرويش، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القـاهرة، أحمد . ، تر لغة الشعر اءن، بن و ج ، كوهين -129

).ط.ت.د( 1936، 2.مبارك، زكي، الموازنة بين الشعراء، مطبعة مصطفى الحلبي، مصر، ط -130

جمعة الحسن، دار المعرفـة، بيـروت، . تح الكامل في اللغة واألدب، أبو العباس، د،مبرال -131 .2007، 2.ط

،3. ط ، القـاهرة ،و مصرية لة األنج بلقصصي في القرآن، مكت محمد أحمد خلف اهللا، الفن ا -1321965. الولي، الصورة الشعرية في الخطاب البالغي والنقدي، المركز الثقـافي العربـي، ،محمد -133

.1990/ 1.بيروت، طأحمد أمين وعبد السالم هـارون، دار الجيـل، . تحاسة، م شرح ديوان الح أبو علي أحمد، مرزوقي،ال -134

.1991، 1.، طبيروت، مدخل إلى نظرية القصة، الدار التونـسية للنـشر، جميلكر، شاو / سمير ،المرزوقي - - 134

.)ت.د(، 2.تونس، ط

.1979 ، تونس،دار الحيـاة الثقافية، ي، عبد السالم، مدخل إلى النقد الحديثمسدال -135، القـاهرة ،تبة األنجلـو كيف تتخلص من أمراضك، مك– عباس، اإليحاء الذاتي ،مسيريال -136

.ط.ت.دمكرم، عبد العال سالم، أسلوب إذ في ضوء الدراسات القرآنية والنحويـة، حوليـات كليـة 137-

.1982، 4اآلداب، جامعة الكويت، عدد سلمى الخضراء الجيوسي، دار اليقظـة العربيـة، . أرشيبالد، الشعر والتجربة، تر ، مكليش -138

.1963بيروت، لبنان، ...... أسامة، البديع في نقد الشعر، )بنا(منقذ -139 .1995علي نجيب إبراهيم، دار الينابيع، دمشق، . فرانسوا، الصورة األدبية، تر،مورو -140 ،1 ط، الدار البيضاء،ميلود، عثماني، شعرية تودوروف، منشورات عيون المقاالت - 141

1990. .1983 / 3.دلس، طدار األن مصطفى، الصورة األدبية،، ناصف-142

- 419-

المركز الثقـافي العربي، مفهوم النـص، دراسة في علوم القرآن، : نصر حامد أبو زيـد -143 .1994، 2. الدار البيضـاء، ط/ بيـروت

مفهوماته ووظائفه، الـشركة المـصرية العالميـة للنـشر، -عاطف جودة، الخيال ، نصر -144 .1998/ 1.القاهرة، ط

،4. ط ، تـونس ،ولوجية القصة في القرآن، الشركة التونسية للتوزيــع سيكنقرة التهامي، -1451974. نجيـب مـصطفى فـواز . تح نهاية األرب في فنون األدب، شهاب الدين أحمد، نويري،ال -146

.2004، 1.وحكمت كشلي فواز، دار الكتب العلمية، بيروت، طؤسسة المعـارف، بيـروت، ، م محمد التونجي . السيد أحمد، جواهر البالغة، تح ،هاشميال -147

.2004، 2.ط .1982، 1. محمد غنيمي، النقد األدبي الحديث، دار العودة، بيروت، ط،هالل -148 هنداوي، عبد الحميد، اإلعجاز الصرفي في القرآن الكريم، التوظيـف البالغـي لـصيغة -149

.2002/ هـ 1422الكلمة، المكتبة العصرية، بيروت، لغة الشعر العربي الحديث، مقوماتهـا الفنيـة وطاقاتهـا اإلبداعيـة، دار ، الورقي، السعيد -150

.1984/ هـ 1404، 3.النهضة العربية، بيروت، طمحي الدين صبحي، المؤسـسة العربيـة . رينيه وأوسطن وارين، نظرية األدب، تر ، ويلك -151

.1981، 2.للدراسات والنشر، بيروت، ط .2006، 1.ط. دار المكتبي، دمشق، رآن الكريمدراسات فنية في الق ياسوف، -152، 2. ياسوف، أحمد، الصورة الفنية في الحديث النبوي الشريف، دار المكتبـي، دمـشق، ط -153

2006. الحديث، صفحات للدراسات والنـشر، الشعر العربي نعيم، تطور الصورة الفنية في ،يافي -154

.2008، 1.دمشق، ط ).ت.د. (1. ط،سس الفنية للنقد األدبي، دار المعرفة، القاهرة عبد الحميد، األ،يونس -155 .1949 يونس، عبد الحميد، األصول الفنية لألدب، مكتبة االنجلو مصرية، القاهرة، -156

- 420-

الرسائل الجامعية: الصورة في شعر الرثاء الجاهلي، رسالة دكتوراه، كلية التربيـة صلوح بنت مصلح السريحي، -

.1998/ هـ1419للبنات بجدة، . جامعة القاهرةماجستير، رسالةعبد اهللا التطاوي، الصورة الفنية في شعر مسلم بن الوليد، - كليـة اآلداب، كتـوراه، د. نعيم اليافي، الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث في مصر، ر -

.رةجامعة القاه دراسة تحليلية -لقصصي القرآني مقومات السرد اإلعجازي في الخطاب ا نور الدين دحماني، -

.2002 جامعة وهران، ماجستير، رسالة،نموذجية في سورة الكهف

دراسـة فـي الداللـة – وائل عبد اهللا حسين، داللة النص الشعري في تفسير النص القرآنـي - .2004النصية للقرآن الكريم، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، فلسطين،

الدوريات: .1995، 7/8العدد ، مجلة اآلداب، بيروت - .1971، أفريل، 172 .المجلة، ع: دورية - .1976مجلة األديب المعاصر، عدد مارس : دورية -، )ثقافة الـصورة فـي األدب والنقـد ( أعمال مؤتمر جامعة فيالدلفيا الدولي الثاني عشر حول -

.2008عمان،

المكتبة الرقمية: - ن تقني ي خاص بالقرآن الكريم وبحاس برنـامجات متنـوعـة وعمليـة فـي البحـث يتضم

6. 3،اإلصدار السادس، "صخـر"، شركة )واالستخدام العلمـي - موسوعة ماس ن تقنيات بحث، ومدمج بمجموعـةللقرآن الكريم، برنامج حاسوبي يتضم

.من التفاسير لتيسير البحث اآللي، شركة ماس للبرمجيات، مصر - خـاص بموسوعة الحديث الشريف حاسوبي برنامـج )كتب الحديث التسعة بمــا ويضم

باإلضافة إلى خدمات متنـوعة وعمليـة أخرى في البحـث ، فيهـا الصحيحين والسنن األخرى .2000، شركة صخر للبرامج اإلسالمية الدولية، اإلصدار الثاني، )يواالستخـدام العلم

-2010/ ،3.8دار المكتبة الشاملة، اإلص. - ،األكديمي، الرابط تخاطبىمنتد شبكة األنترنت : ta5atub.com.www.

- 421-

ط–أ ....... .........................................................: .......مقدمة

01........... .........................يف رحاب أدبية األداء واإلحياء : خل متهيديمد 03..... ...........تأثيـل مصطلح األداء وجماالت االستخدام : املطلب األول -

03.................. .....: ................................... مفهوم األداء- 07......... ......................: .......علم القراءات القرآنية األداء و- أ - 10........ ...............................: ... األداء واملباحث الفقهية– ب - 11................... .................: ............. األداء وفن الغناء- ج - 12............. .............................: داء والدراسة الصوتية األ-د - 14........ .....................: ............ األداء والبحث اللساين– هـ - 16.......... ...............: ....... األداء والبحث البالغي واألسلويب– و -

24....... ..... .........أثيـل مصطلح اإلحياء وحقول التداولت: املطلب الثاين - 24.... ..........................: ........................... مفهوم اإلحياء- 25......... ......................: .................... مفهوم الوحي اإلهلي- 30...... ........................... .....:علم النفس ومصطلح اإلحياء الذايت - 33...... ....................................: .........املفهوم األديب لإلحياء -

................... 42 43............ ...........: ..........مفهوما وتنظريا: الصورة الفنية: الفصل األول-

44........... ..: ....................الصورة الفنيةضبط مفهوم : املبحث األول -44......... ..................................: التحديد اللغوي - 51...... .....: ...........................التحدبد االصطالحي -

- 422-

57..... .............: ..........الفنية يف التراثالصورة توصيف : املبحث الثاين -67........ ........: ....... لدى املحدثنيالصورة الفنيةتوصيف : املبحث الثالث -77........ .....: ............. الفنية عند الغربينيالصورةتوصيف : املبحث الرابع - 84.. : .. يف التراثاالشتغالالتصوير يف اخلطاب القرآين، الوعي و: املبحث اخلامس -

84.......... ... ...................................:مفهوم التصوير القرآين - 89.... ..............: ........ جذور االهتمام بالتصوير القرآين لدى القدامى-

100.. : ... املحدثنينظرية التصوير الفين يف اخلطاب القرآين عند :املبحث السادس -

113............. ...... ..........: يف األدبالصورة الفنيةمقومات : الفصل الثاين- 115... ...........: .............................فاعلية اخليال: املبحث األول-

115........ ..............: ........................... مفهوم اخليال- 118.............. .....: .........مقولة اخليال يف خمترب الدارسني: املبحث الثاين-

118............... : ................ فكرة اخليال عند اإلغريق- أ 120..... ...: ................ موقف العرب القدامى من اخليال-ب 129............. ...: .............. نظرية الغربيني حول اخليال-ج 134........ .....: ............ موقف العرب احملدثني من اخليال– د

136...... ............: .......التجربة الشعوريةالصورة الفنية و: املبحث الثالث- 142. ....................: ........املظاهر البيانية للصورة الفنية: املبحث الرابع-

142....... ................: ................ التشبيهيةالصورة – أ 154.... ...........: ................ اازية االستعاريةالصورة –ب 160........... ........: .......... مسات األداء االستعاري-

163..... ...........: ......................... الكنائيةالصورة –ج 166... .............: ......................... الرمزيةالصورة – د

174... ....... .......:الصورة الفنية بني التقدمي احلسي والتجريد: املبحث اخلامس- 183......... ....: ........................الصورة الفنية واللغة: املبحث السادس-

- 423-

.............. 190 191.................... .............: ........................................متهيد

193 .............................: مصادر الصورة وأمناطها الشكلية: الفصل األول- 194.................... ...........................:مصادر الصورة: القسم األول-

194........ .............: .................عامل الغييبمصدر ال: املبحث األول- 196....... ...............: ..................ء والتسوية صورة االستوا- 201............. ..................: ..........ئكي صورة السجود املال- 205.......... ........... ..............: صورة الغواية الشيطانية األوىل-

210......... .........................: ....مصدر العامل احلسي: املبحث الثاين- -211........ .......................................: ....... صورة اليم 213....... ........................................: ..... صورة املدينة-

217.... ............. ...................:مصدر عامل اخلوارق: املبحث الثالث- 217........ ......... ..............:سى وفرعون صورة انفالق البحر مبو- 221........ ..........: .......................... صورة عرش ملكة سبأ-

227.... ........... .......................:األمناط الشكلية للصورة: القسم الثاين- 228............. .....): ................القاعدية( الصورة املفردة : املبحث األول- 234........... ..... .............................:الصورة املركبة: املبحث الثاين- 242...... .....: .....................الصورة العنقودية االنسيابية: املبحث الثالث– 259...... ...........): ..................تةالثاب(الصورة الراسخة : املبحث الرابع– 264...... .............): .بني السرعة والبطء: (الصورة املتحركة: املبحث اخلامس–

278... ....: ..يف اخلطاب بؤر اإلدراك احلسي للصورة ومساا الفنية: الفصل الثاين- 279...... ..........: .....اك احلسيدرأمناط الصورة باعتبار بؤر اإل: القسم األول-

- 424-

282.... .................. ........................:الصورة البصرية: املبحث األول- 289... ......................: .....................الصورة السمعية: املبحث الثاين- 297.. ........................... .................:الصورة الذوقية: املبحث الثالث- 304... ................... .........................:الصورة الشمية: املبحث الرابع- 306.......... ........... .......................:الصورة اللمسية: املبحث اخلامس- 320.... .......................................: ..تراسل احلواس: املبحث السادس-

326. ....: .........مسات الصورة الفنية يف اخلطاب القصصي القرآين: القسم الثاين- 327........... .........................................التشخيص : املبحث األول- 332........... ...): .............................التجسيد(التجسيم : املبحث الثاين- 338........ ...........................................: االنسجام: املبحث الثالث- 345.... ............: ...................................... التناسق: املبحث الرابع- 354.......... .........................: الفاصلة واملؤثرات الصوتية: املبحث اخلامس- 365... .......................: ..............ملالمح النفسيةرسم ا: املبحث السادس-

372........ ........................................................: .........خامتة

380... ...........................: .............مبسرد القصص القرآين ملحق خاص

392...... ..........................................................: .مكتبة البحث

407 ................................... ...........................:فهرس احملتويات