248
ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ ﺍﻟﺠﺯﺍﺌﺭﻴﺔ ﺍﻟﺠﻤﻬﻭﺭﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺍﻟﺒﺤﺙ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻡ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﻭﻫﺭﺍﻥ ﺠﺎﻤﻌﺔ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻭﻡ ﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻗﺴﻡ ﺃﻁﺭﻭﺤﺔ ﺩﻜﺘﻭﺭﺍﻩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﻋﻨﻭﺍﻥ ﺘﺤﺕ: ﺍﻟﻁﺎﻟﺏ ﺇﻋﺩﺍﺩ ﻤﻥ: ﻤﺎﻟﻔﻲ ﻋﺒﺩﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺇﺸﺭﺍﻑ ﺘﺤﺕ: ﺍﻟﺤﺴﻴﻥ ﺍﻟﺩﻜﺘﻭﺭ ﺍﻷﺴﺘﺎﺫ ﺍﻟ ﺯﺍﻭﻱ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﻟﺠﻨﺔ ﻤﺘﻜﻭﻨﺔ ـ: - ﺍﻟﺭﺌﻴﺱ: ﺸﺭﻗﻲ ﺒﻥ ﻤﺯﻴﺎﻥ ﺒﻥ ﺃﺴﺘﺎﺫ) ﻭﻫﺭﺍﻥ ﺠﺎﻤﻌﺔ( - ﺍﻟﻤﻘﺭﺭ: ﺍﻟﺤﺴﻴﻥ ﺍﻟ ﺯﺍﻭﻱ ﺃﺴﺘﺎﺫ) ﻭﻫﺭﺍﻥ ﺠﺎﻤﻌﺔ( - ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺵ: ﺒﻭﻋﺭﻓﺔ ﻋﺒﺩﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺃﺴﺘﺎﺫ) ﻭﻫﺭﺍﻥ ﺠﺎﻤﻌﺔ( - ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ: ﺯﺭﺩﺍﻭﻱ ﻓﺘﻴﺤﺔ ﻤﺤﺎﻀﺭ ﺃﺴﺘﺎﺫ- ) ﺍﻟﺠﺯﺍﺌﺭ ﺠﺎﻤﻌﺔ( - ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺵ: ﻤﻭﺴﻲ ﻋﺒﺩﺍﷲ ﻤﺤﺎﻀﺭ ﺃﺴﺘﺎﺫ- ) ﺴﻌﻴﺩﺓ ﺠﺎﻤﻌﺔ( - ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺵ: ﺒﻭﻤﻨﻴﺭ ﻜﻤﺎل ﻤﺤﺎﻀﺭ ﺃﺴﺘﺎﺫ- ) ﺍﻟﺠﺯﺍﺌﺭ ﺠﺎﻤﻌﺔ( ﺍﻟﺠﺎﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﺴﻨﺔ: 2009 ـ2010 ﺍﻟﺘﻭﺍ ﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ ﺼل ﻟﻤﻨﻁﻕ ﺘﻁﺒﻴﻘﻲ ﻨﻅﺭﻱ ﺍﺴﺘﻌﻤﺎل ﻫﺒﺭﻤﺎﺱ

ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

  • Upload
    others

  • View
    10

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وزارة التعليم العالي و البحث العلمي

جامعة وهران كلية العلوم االجتماعية

قسم الفلسفة

في الفلسفة دكتوراه أطروحة :تحت عنوان

زاويالاألستاذ الدكتور الحسين : تحت إشراف عبدالقادر مالفي : من إعداد الطالب :ن ـمتكونة م لجنة المناقشة

)جامعة وهران( أستاذ بن مزيان بن شرقي : الرئيس - )جامعة وهران( أستاذ زاويالالحسين :المقرر - )جامعة وهران( أستاذ عبدالقادر بوعرفة :المناقش - )جامعة الجزائر( -أ–أستاذ محاضر فتيحة زرداوي : المناقشة - )جامعة سعيدة ( -أ–أستاذ محاضر عبداهللا موسي :المناقش - )جامعة الجزائر( -أ–أستاذ محاضر كمال بومنير :المناقش -

2010ـ 2009: السنة الجامعية

صل الديمقراطية و التوا

هبرماساستعمال نظري و تطبيقي لمنطق

Page 2: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

اتاإلهداء

:ي هذا العمل كوقفة ترحم على روح كل من هدن قاري محمد :األستاذ

وزرارقة عطاء اهللا : األستاذ

اللذان كانا مثاال و رمزا لإلنسانية و التواضع

Page 3: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

عمل بالدرجة األوليهذا النهدي

إلى ابنتي بشرى و إلى

زوجتي الصبورة و أمي الحنونةنبيل و محمد : و إلى أبنائي

و إلى أبى الذي يعود له كل هذا الفضل

Page 4: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

كلمة شكر و تقدير

نقف و قفة شكر لكل من ساهم في تكويننا من بعيد أو من قريب و

عمل نقف و قفة شكر لمن ساهم في إنجاز هذا ال :و أخص بالذكر كل من

األستاذ الدكتور الحسين الزاوي من جامعة و هران و

-8- من جامعة باريس )George Navet(األستاذ جورج نافي بفرنسا

Page 5: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

نقف و قفة احترام و تقدير أمام اللجنة التي تحملت أعباء قراءة هذه الرسالة

بالصبر و نخص بالذكر

ان بن شرقياألستاذ الدكتور بن مزي و نسدل الثناء

على

لألستاذ الدكتور عبد القادر بوعرفة و الدكتورة زرداوي فتيحة

و كذا

الدكتور عبداهللا موسي و

الدكتور كمال بومنير

Page 6: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

و حتى ال يقال أننا نسينا

نوجه كل الشكر و العرفان لكل من األستاذ الدكتور عبد الرحمن بوقاف

و سواريت بن عمر الدكتور

Page 7: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

الفهرست أ المقدمـة

7 التواصل و تأسيسه للفضاء العمومي: األول المحور

9 تطور مفهومي التواصل اللغوي و االجتماعي: الفصل األولI-10 األسس اللغوية لعملية التواصل التواصل الغوي - 1 شارل ساندرس بيرس -أ 11 لودفيغ فنجشتين -ب 13 المعني و الفعل: ستان أو -ج 14 من فعل اللغة إلى الفعل التواصلي -د

II- الفعل االجتماعي و تأسيسه للفعل التواصلي 15 فعل اللغة أساس الفعل االجتماعي-أ 16 عقلنة الفعل التواصلي-ب )من الفعل االجتماعي إلى الفعل التواصلي(نظرية الفعل التواصلي -ج 19 ى االتصال أم العودة إليهمن التواصل إل-د

21 وسائل اإلعالم واالتصال و تكون الفضاء العمومي و الرأي العام: الفصل الثانيI-22 وسائل اإلعالم و إمكانية تحقيقها للحق في االتصال وسائل االتصال- 1 23 الصحافة-أ 24 الصحافة و حرية الرأي-ب 25 الحق في اإلعالم-ج 26 صالالحق في االت-د اإلعالم و رقابة السلطة في تكوين الرأي العام -1-د 27 إعالم متعدد و سلطة واحدة -2-د 29 أفق تحقق حرية اإلعالم -3-د الدولة كطرف مساهم في تأسيس حرية اإلعالم -4-د 30 من الحق في اإلعالم إلي الحق في االتصال -5-د

II-29 الفضاء العمومي وتكوين الرأي العام الفضاء العمومي 1 32 اإلعالن-ا العموم و نشأة اإلعالن-1-ا أ اإلعالن النقدي-1-ا

33 ب اإلعالن التمويهي-1-ا ج اإلعالن التفسيري-1-ا

Page 8: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

د اإلعالن االحتجاجي-1-ا 34 المسرح -ب 36 الرأي العام- 2 37 أ نظرية األجندة- 2 ب نظرية لولب الصمت- 2 38 رأي العام غير موجودج فرضية ال- 2 40 د الرأي العام و المجتمع المدني-2

44 القيم بين األخالق و تأسيسها ألخالق المناقشة: الثاني المحور 46 من القيم األخالقية إلى القيم السياسية: الفصل األول

I-47 األخالق من حيث المفهوم و القيم مفهوم األخالق- 1 األخالق األرسطية-أ- 1 Sagacité = Prudence( 48(البصيرة - 1-أ- 1 49 الخير األسمى- 2-أ- 1 الفضيلة- 3-أ- 1 50 البصيرة و الحكمة- 4-أ- 1 البصيرة و السياسة- 5-أ- 1 51 واتخاذ القرار)Délibération(المداولة- 6-أ- 1 اللــذة - 7-أ- 1 52 استقبال األخالق األرسطية-ب- 1 53 العرب و المسلمينعند : الوجهة األولى- 1-ب- 1 54 مع بن باجة و رسائله -أ- 1-ب- 1 55 مسألة السعادة -1-أ- 1-ب- 1 مع ابن رشد و فصل المقال -ب- 1-ب- 1 56 ابن تومرت البداية األولى-1-ب- 1-ب- 1 فصل المقال-2-ب- 1-ب- 1 60 بالغرب و تكون األرسطيين الجدد: الوجهة الثانية- 2-ب- 1 و شرط اإلنسان الحديث.. مع حنا أرندت-أ- 2-ب- 1 61 (Vita contempliva)الحياة التأملية-1-أ- 2-ب- 1 62 (Vita activa)الحياة العملية -2-أ- 2-ب- 1 العمل-3-أ- 2-ب- 1 السعادة-4-أ-2- ب- 1

64 الحياة مصدر سيادة الخير-5-أ- 2-ب- 1 65 و األخالق ما بعد كانط..أوتو آبل -مع كارل-ب- 2-ب- 1

Page 9: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

66 األخالق بين اإلقناع و االتفاق-1-ب- 2-ب- 1 68 مسألة األخالق و العلم-2-ب- 2-ب- 1

70 أخالق المناقشة إجراء تأسيسي للتفاهم و التواصل: الفصل الثاني I-71 أخالق المناقشة و أسسها الفلسفية 72 ه الفلسفي و تأسيسه ألخالق المناقشةو برنامج مع هبرماس- 1 73 هبرماس و التداولية-أ-1 74 التعامل المنطقي للغة كأسس للملفوظة-ب- 1 76 األسس و الخصائص.. التداولية المتعالية -ج- 1 77 أخالق المناقشة و مراحل تطورها على حسب النظرية التطورية- 2 79 الفلسفية هبرماس و الورنس كوهلبرغ و الفرضيات -أ- 2 81 مراحل تكون القيم و األحكام األخالقية - 1-أ- 2 83 هبرماس و األرسطيين الجدد - 2-أ- 2 85 هبرماس و مفهومه ألخالق المناقشة -ب- 2 هبرماس و كانط - 1-ب- 2 86 مفهوم اإلرادة -أ- 1-ب- 2 87 ب من الواجب و اإلرادة الخيرة إلى األمر المطلق- 1-ب- 2 89 م أخالق المناقشةمفهو - 2-ب- 2

II -91 مع آبل و برنامجه الفلسفي و تأسيسه ألخالق المناقشة آبل و موقفه من النظرية التطورية لـ كوهلبرغ- 1 93 أساس االختالف... المراحل التطورية و المرحلة السادسة -أ- 1 96 و أخالق المناقشة... المرحلة السادسة - ب - 1 عند آبل مفهوم أخالق المناقشة- 2

III - 100 األفق أخالقية ألخالق المناقشة 103 علم الكالم والجدل-أ- 3

106 ممارسة الديمقراطية و تحقيق العدالة: الثالث المحور 108 أخالق المناقشة و تأسيسها للعدالة: الفصل األول

I-109 القيم األخالقية المحققة للعدالة مى إلى العدلمن تصوره للخير األس: أرسطو -1 االنتقال من قيمتي الخير و الشر إلى مفهوم العدل-أ- 1 111 الفضيلة و العدل -ب- 1 العدل في التوزيع -ج- 1 112 العدل بالقصاص -د- 1 العدل في المعامالت -ه- 1 114 مفهوم العدل بالمشرق -2

Page 10: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

158 البرهان اإلداري -أ- 2 البرهان اإلنتاجي-ب- 2

العدل و الجور بين الفقه و الكالم و الفلسفة-أ-2 ل عند الفقهاءالعد - 1-أ- 2 117 مقاصد الشرع المحققة للعدل اإللهي-أ-1-أ- 2 119 العدل عند المتكلمين -2-أ-2 المعتزلة و مسألة العدل -أ- 2-أ- 2 120 المعتزلة أهل التوحيد و البرهان على حرية االختيار- 1-أ-2-أ-ب 121 األشاعرة و مسألة العدل-ب- 2-أ- 2 123 لو مسألة العدابن رشد -3-أ-2

II 127 أخالق المناقشة و عالقتها بالعدل 128 ةمن الشمولية األخالقية إلى الدفاع عن المساوا.. التبرير - 1 129 هبرماس و مفهومه للعدل من منظور أخالق المناقشة -أ- 1 132 موقف هبرماس من علماء االجتماع و مفهومهم للحق و العدل - 1-أ- 1 135 ةنظرية راولس للعدال -ب- 1 138 نظرية العدالة و مسألة التبرير - 1-ب- 1 139 مبادئ نظرية العدالة - 2-ب- 1 142 هبرماس و راولس - 2 143 مبدأ التوازن المعقول -أ- 2 Consensus par recoupement( 144(مبدأ االتفاق بالتقاطع -ب- 2

III -147 أفق العدالة سياسيا و قضائيا أفق العدالة قضائيا- 1 149 أصل العدالة الجزائرية و مصادر قوانينها-أ- 1 مرحلة ما قبل االستعمار- 1-أ- 1 150 المرحلة االستعمارية- 2-أ- 1 مرحلة التوحيد القضائي- 3-أ- 1 مرحلة الثورة- 4-أ- 1 151 القضاء الجزائري بعد االستقالل- 5-أ- 1 153 مهام العدالة الجزائرية - 6-أ- 1 قضاءاستقاللية ال-أ- 6-أ- 1 154 المساواة أمام القضاء-ب- 6-أ- 1 المجلس األعلى للقضاءالعدالة و-ج- 6-أ- 1 155 العدالة و حقوق اإلنسان-ه- 6-أ- 1 أفق العدالة سياسيا و اقتصاديا- 2

Page 11: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

البرهان النقابي -ج- 2 159 الجزائر في عمق األزمة-2- 2 164 أخالق المناقشة و ممارسة ديمقراطية: فصل الثاني الI-165 الديمقراطية من المفهوم إلى األسس أصل و مفهوم الديمقراطية- 1 166 الديمقراطية و نظرية العقد االجتماعي-أ- 1 هوبز و نظرية العقد االجتماعي - 1-أ- 1 167 جان جاك روسو و نظرية العقد االجتماعي - 2-أ- 1 168 روسو و هبرماس و مبدأ االعتراف - 3-أ- 1 169 الديمقراطيات و مبدأ المشاركة السياسية- 2 الديمقراطية الدستورية -أ- 2 170 النخبة و ممارسة الديمقراطية والبحث عن الشرعية 1-أ- 2 172 أخالق المناقشة و تأسيسها للديمقراطية - 3 175 يةداوالتأسيس الديمقراطية الم -أ- 3 Participative( 177(التشاركية الديمقراطية-ب- 3

II - 179 واقع و أفق الديمقراطية 180 واقع الديمقراطية في الوطن العربي - 1 182 واقع و آفاق الديمقراطية في الجزائر- 2 185 المجتمع المدني كأساس لبناء الديمقراطية-أ- 2

187 رستاأسسا و مما: الدولة و دولة القانون : الرابع المحور

189 الدولة مفهومها وأشكالها: الفصل األول I –190 الدولة مفهوما و أسسا 191 من المدينة إلى الدولة - 1 أرسطو و مفهومه للمدينة الدولة-أ- 1 192 الطبيعة حددت أساس الملك والدولة-ب- 1 للمدينة الدولة من خالل الضروري في السياسة هابن رشد ومفهوم -2- 1 193 المدينة و الفضيلة و أساس الحكم - أ-2- 1 الرئيس أو حاكم المدينة يجب أن يكون فيلسوفا- ب-2- 1 ابن خلدون الدولة وطبيعة الملك من خالل العلم المدني – 3- 1

194

195 البداوة أصل العصبية و الدولة- أ-3- 1 مراحل تطور الدولة و فنائها- ب-3- 1 196 ةالملك أساس بناء الحضار-ج-3- 1

II -الدولة و أشكالها الدولة الوطنية -1

Page 12: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

197 الدولة االجتماعية - 2 دولة القانون– 3 198 الدولة والقانون-أ- 3 دولة القانون واللبرالية -ب- 3 199 الفرد المدني أمام الدولة -ج- 3 200 لدولة القانون ينظرية المناقشة والبناء النظام القانون -د- 3 201 القانون و القضاء دولة-ه- 3 202 دولة القانون وتحديات العولمة -ت- 3

204 )من النظري إلى التطبيقي(دولة القانون و إمكانية تحقيقها: الفصل الثاني I - 205 الدولة الجزائرية الحديثة األمير عبدالقادر مؤسس الدولة الحديثة- 1 207 الجزائر المستقلة وتأسيسها للدولة الحديثة- 2 208 نظام الحكم الجزائري- 3 نظام الحزب الواحد-أ- 3

210 النظام التعددي -ب- 3 211 األحزاب السياسية 1-ب- 3II-215 دولة القانون وإمكانية تأسيسها الدولة الوطنية في مقابل دولة القانون- 1 217 الدولة الوطنية ؟ هل تتأسس دولة القانون على أنقاض- 2 218 الدستور-أ- 2 221 الدستور الجزائري-ب- 2 222 القضاء الجزائري-ج- 2 223 المجلس األعلى للقضاء و دولة القانون-1-ج- 2 الفضاء العمومي إمكانية تكوين االتصال و -د- 2

227 الخاتمة 232 قائمة المصادر و المراجع

Page 13: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

أ

المقدمة )مشكلة البحث و منهجه(

أته و استخداماته النظرية و اإلجرائية دون اللجوء قد يتعذر معرفة مصطلح من حيث نش

غير أن مصطلح التواصل كمفهوم فلسفي ألزمنا اللجوء إلي . إلي الموسوعات و المعاجم و الذين درسوا ظاهرة االتصال ، التي وردت عند علماء االجتماع، تلك اإلسهامات العلمية

نجد من أبرزهم . المحكمة التنظيم و المعرفة بالمجتمعات، بالمجتمعات المتقدمة صناعياو الذي قام بدراسة امبريقية ، صاحب نظرية التأثير المحدود) Lazarsfeld( الزارسفيلد

و نجد كذلك . و ذلك أثناء الحمالت االنتخابية ، على الجمهور المتلقي تحت تأثير الدعايةحيث كونهما لهما المعروف بقاعدة أن الرسالة تساوي الوسيلة من" مارشال ماك لهان"

. مثل هذه القاعدة اتخذت كمرجعية في دراسة ظاهرة االتصال . نفس التأثير على المتلقي يبدو . و لمثل هذه األبحاث من شأنها كذلك أن تدعم التصور الفلسفي لمفهوم التواصل

مما وجب ، خاصة و أن عملنا من حيث الجوهر واألساس فلسفي، األمر صعبا نظريامن باب أنه صاحب التصور ، حول التواصل هبرماسة إلى األعمال التي قدمها العود

خصوصا نظريته في الفعل ، فلسفي و النظريات االجتماعية حول التواصل بامتيازوكذا المنطق الذي درس به . التواصلي التي أبرز فيها مدى تطابق النظري بالعملي

وروبية معتمدا في ذلك على نتائج األبحاث و تشكله داخل المجتمعات األ، الفضاء العمومي . الزارسفيلداإلمبريقية التي قام بها

أخذ العمل بعده الفلسفي من حيث المنطق الذي يوجهه، و بعده اإلجرائي أو العملي من لقدفمفهوم التواصل كأساس . حيث المقاربات التاريخية واالجتماعية التي اعتمدنا عليها

و التي تؤدي بدورها وظيفة الفهم ، ميائية تحمل الكثير من الدالالتنظري يحمل تركيبة سيكل نشاط إنساني يهدف إلي توصيل فكرة أو " فالتواصل بمفهومه المتداول هو . و العمل

الشيء الذي جعل الكثير من الباحثين ينصبون بالبحث على مثل هذا ، "فعل قصد التفاهمفالتواصل إن . فعل ينسج العالقات االجتماعية و أثره على المجتمع من حيث هو ، الفعل

بما فيها الفضاءات التي تؤطر النقاشات ، صح القول ال يخرج عن األطر االجتماعية. و السياسية المرتبطة بكل فرد داخل النسيج االجتماعي ، الخاصة بالمسائل االجتماعية

ية التي عرفت عند مفكري فالعمل كما يبدوا للوهلة األولي يندرج ضمن الفلسفة االجتماعو قد يمتد إلى ، هبرماسبدءا من أدرنو و هوركهايمر وصوال إلى ، مدرسة فرانكفورت

و الذي ، يعد هبرماس وريثا للمدرسة بالرغم من أنه غير من براديغـم البحث. ما بعده و التي هي ذات أصول ماركسية إلى النظرية، كان مبني على النقد صمن النظرية النقدية

.و المعتمد على التداولية المتعالية ، التواصلية قائمة على براديغم اللغةفي معرفة أسس مدرسة فرانكفورت وريثمن هذا المنطلق اعتمد عملنا على منهج

و المؤطر بأخالق ، من حيث هو إمكانية تأسيس للفضاء العمومي، التواصل داخل المجتمع

Page 14: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

ب

حول القضايا السياسية و ، و بكل ديمقراطية، أين يدار النقاش و بكل حرية، المناقشةآبل و هبرماسو التي أسهم في تطويرها كل من ، و المشكلة للرأي العام ، االجتماعية

)Apel( .أي نظام سياسي يضمن مثل هذه اإلجراءات التي : مع تدعيمه بالتساؤل التاليالعمومية ،و المشاركة في في توجيه السلطات ، تضمن المشاركة الفعلية للمجتمع المدني

قراراتها ؟ أال يمكن أن تكون مثل هذه اإلجراءات مؤسسة للممارسة الديمقراطية ؟ ماكيافيليو كما تطورت عبر التاريخ منذ العهد اليوناني إلى غاية النظريات السياسيةلعل عنف، أسست لنظرية سياسية ليبرالية أنتجت ممارسات سياسية قائمة على ال. هوبز و

. مدعمة باقتصاد ساهم في توسيع مجال الرغبة في الهيمنة و السيطرة على مصادر الثروةهذا . وبالتالي سلبها من أصحابها الشرعيين مثل هذه الممارسة عرفت تاريخيا باالستعمار

لنقل الحداثة كحملة إنسانية و المراد منها تطوير ، األخير استخدم كغطاء لتبرير وجودهإال أن في األصل االستعمار هو ناتج عن اتفاق بين الجيش . متخلفة الشعوب ال

فبالرغم من أن العالم اليوم ينحو إلى ما بعد . و الرأسمالي لتوسيع مناطق نفوذهم و احتمال استخدام العنف ال زال قائما ، إال أن الرغبة في الهيمنة الزالت قائمة، الحداثة

و انهارت ، حتى وإن نالت شعوب العالم الثالث استقاللها. ولية و باسم الشرعية الدإال أنه بدأ التأسيس لنظام . و بروز التفكير في نظام دولي جديد ، مجمل األنظمة الشموليةمتخذا فكرة الديمقراطية و الليبرالية كتوجه إيديولوجي وجب ، أحادي يسير نحوه العالم

هل ايات كبري، نهاية التاريخ ونهاية اإليديولوجيا، لكنفنحن أمام زعم لنه. الدفاع عنه الرغبة في الهيمنة وضعت لها نهاية ؟ و هل هناك نهاية للهيمنة ؟ و إذا كان الفكر الغربي الزال ينظر لحل األزمات التي يتخبط فيها كأزمة الديمقراطية و أزمة الليبرالية، و كذا

أ التنظير الفعلي لحلها ؟أزمة االتصال و أزمة لألخالق، فهل بدمن ، الحديث عن االتصال من حيث هو حامل لكل الوسائل الموصلة للمعلومة درج

و . بحيث يكون هذا الحامل مرتبط بفضاءات شكلت الوعي الغربي ، المرسل إلى المتلقي باستخدام أحدث الوسائل الموصلة، بالتالي تمكنه من التعبير عن موقفه من العالم المعيش

و ، كالحق في اإلعالم، مستندين في ذلك على الحقوق المشروعة) . الموقف(للمعلومة و الخروج ، هذه الحقوق جاءت لتكرس الممارسة الديمقراطية. الحق في االتصال خاصة بعدما كثر الحديث . و األخالقية التي يتخبط فيهما عالم اليوم ، من األزمة السياسيةو جعل كل شكل من أشكال االتصال مرتبطا بفضائه الخاص عرف ، ىعن النهايات الكبر، فالفضاء العمومي كمفهوم عملي حمل لذاته داللة تشكلت عبر التاريخ. بالفضاء العمومي

و بالتالي ، و االنتقال من الخاص إلى العام، من حيث أنه معني ارتبط بالممارسة السياسية، و إن كانت هذه الممارسة غاية في حد ذاتها. تشكل مجلس العموم كممارسة ديمقراطية

، فكيف يفسر الكالم عن أزمة الديمقراطية ؟ و إن كانت هناك بالفعل أزمة للديمقراطية فهل هناك تنظير للخروج منها؟

لمثل مفهومي التواصل والديمقراطية، ، لعل التنظير الذي اعتمدنا عليه بالدراسة و التحليل

و فهم ، ي بلورة بحثنا عن إمكانية الكشف عن أصول الديمقراطيةو الذي نراه أساسيا فمن خالل قنوات اتصالية تفتح للعموم قصد وضع أطر ، عالقاتها بالفضاءات العمومية

و بالتالي فتح أفق بناء نظام سياسي يحقق العدالة . سياسية قائمة على أخالق المناقشة

Page 15: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

ت

عندما وقف محلال و بإسهاب ة فرانكفورتوريث مدرسو الذي لمسناه عند . االجتماعية و المتضمن في أطروحته التي نوقشت بمدرسة ، صيرورة تطور الفضاء العمومي بأوروبا

. )Adorno(أدورنو فرانكفورت و بإشراف من و نشوء طبقة ، يقوم في أساسا على تطور العالقات االجتماعية هبرماسإن منطق

ت الوعي األوروبي الديمقراطي داخل فضاءات حمل، اجتماعية بورجوازية طالئعيةفمثل هذه . تشكلت ضمن حراك اجتماعي و سياسي نشأ و تطور مع النهضة ، عمومية

و نظريته في التواصل مبرزا بذلك أهم األشكال هبرماسالدراسة تعتبر شهادة ميالد لـدنا عليه بعد و ذات االستدالل اعتم. التواصلية التي ساهمت في نسج الفضاء العمومي

و هذا التوجه البحثي . مع دراسة إمكانية تأسيس فضاء عموميا بالجزائر، توضيح أسسهو إمكانية تحققه بمجتمع ، حول الفضاء العمومي، جاء كإضافة للدراسات المعتمدة من قبل

هذه الدراسة لم ، و الذي عرف عدة تحوالت خالل صيرورته، مثل المجتمع الجزائريو لإلشارة نسجل دراسة ضمن البحوث . اصفات التي قام بها هبرماس تكن بنفس المو

العربية عن هبرماس، و التي تناولت نظرياته في التواصل و الحداثة و السياسة و منها تلك الدراسة . لكن دون إسقاطها على مجتمع من المجتمعات العربية ، الديمقراطية

و التي شكلت موضوع أطروحته في ، التي قام بها الدكتور محمد نور الدين أفايةالحداثة و التواصل في الفلسفة النقدية "و المعنونة بـ، الدكتوراه بإحدى الجامعات المغربية

" . المعاصرةالعمومي المبني على أساس ) الفضاء(ضمن هذه الدراسة نجده قد طرح مفهوم المجال

في الجزء الثالث من الفصل موضحا ذلك. كبديل جذري لفلسفة الوعي، النظرية التواصليةأين ربط النظرية التواصلية بكل ما تفترضه من اتفاق و تواصل و إجماع عقالني ، الثالث

لم . و هي ذات الفرضية التي طرحها هبرماس ضمن المسار المشكل لفلسفته التواصلية. لجزء بل درسته با، تهمل الدراسة مسألة الرأي العام و مدى ارتباطه بالمجال العمومي

أين يتم الربط بين الرأي العام و كيف يتكون بفعل اإلعالن . الخامس من الفصل الثاني . و استخدمه بالمجال العمومي، الذي انتقده هبرماس و استبدله باإلعالن النقدي، التمويهي

مثل هذا النقد دعم من قبل هبرماس باإلعالم خاصة الصحافة المكتوبة، و التي عرفت أهم .ورها بأوروبا مراحل تط

و تطبيقه على واقع قد ، باستثمار المنطق ذاته، إن جدية العمل تخرج عن اإلطار النظريإال أن هناك احتكاك بين الواقع المعيش األوروبي ، يختلف من حيث التكوين و المرجعية

مما طرحت المقاربة كضرورة منهجي لمعالجة . و هذا بحكم االستعمار ، و واقعنا نحن .عنا موضو

هي تلك التساؤالت التي فرضت وجودها من حيث ، فما يعزز بحثنا و يمنحه بعده الفلسفيفأول سؤال يشكل نقطة بداية ، أنها تناقش جملة من الفرضيات التي تشكل موضوعنا

و ما هي أشكاله الممكنة و المدعمة لممارسة ، البحث تمثل في ما القصد بالتواصل :ؤل تفرعت منه جملة من التساؤالت بلورت إشكاليتنا الديمقراطية ؟ هذا التسا

Page 16: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

ث

، فما القصد بالتواصل ؟ و هل هناك فرق بين التواصل و االتصال ؟ وإن وجد هذا الفرقفما هي مبرراته المعرفية ؟ وهل االتصال يحمل في طياته عدة أشكال ؟ هل هناك أطر

ل االتصال سواء كان كتابيا أم معرفية و قانونية و أخالقية تعزز اإلعالم كشكل من أشكاسمعيا بصريا ؟ فما هي الفضاءات العمومية التي تشكلت بفعل االتصال ؟ و أين تكمن مساهمة اإلعالم في ذلك ؟ و كيف تم االنتقال من فضاء خاص إلى الفضاء العام ؟ و ما ء سبب هذا االنزالق ؟ و هل الفضاء الخاص استمر في البقاء أم انزاح أمام الفضا

بمختلف أنواعه كان سببا جوهريا لهذا االنزالق ؟ )Publicité(العمومي ؟ و هل اإلعالنوما طبيعة اإلعالن و ما هي حقيقته ؟ فإذا كان الفضاء العمومي مثلما عرف عند اليونان

فهل الفضاءات العمومية ، عبارة عن ساحات عمومية تناقش فيها قضايا السلم و الحربات االتصال تسمح بمثل هذه المناقشة أين يطرح فيها قضايا لها عالقة المشكلة ضمن قنو

العالم المعيش ؟ و إن وجدت هذه الفضاءات فهل هناك أخالقيات تنظمها ؟ هل يمكن القول بأن هذه األخالقيات هي التي عرفت بأخالق المناقشة ؟ و إذا كان األمر كذلك فبأية

المعادلة السياسية مرتبطة باألخالق من حيث هي أسس نظر لمثل هذه األخالق ؟ إن كانتفهل أخالق المناقشة قادرة على تأسيس سياسة ، فعل يقوم الفعل السياسي نحو حياة أفضل

تعمل على تحقيق حياة سعيدة لكل أفراد المجتمع ؟ وهل بإمكانها ربط األخالق بالسياسة دلول قانوني ال يتجسد إال بفعل سياسي لتحقيق العدالة االجتماعية ؟ لعل كلمة عدل تفتقر لم

فإذا كان هذا الفعل ممكنا فبأي نظام سياسي و بأي قانون و بأي ، منظم في إطار قانونيدولة يتحقق العدل ؟ و هل هناك تنظير لنظام جديد بعدما عبرت االشتراكية عن فشلها ؟

لرفاهية مقياسا لها ؟ وهل الدولة أم تبقي الليبرالية وحدها القادرة على تحقيق العدالة آخذة ااالجتماعية قادرة على ذلك أم أنها دولة القانون مثلما يريدها وريث مدرسة فرانكفورت ؟ و هل يمكن إسقاط و من باب المقاربة المنهجية تكون الفضاء العمومي بالمجتمع

دولة في ظل، الجزائري ؟ و هل ذات الفضاء يساهم في الممارسة الحقه للديمقراطية القانون و الحق كما يريدها اإلصالح ؟

و لضرورة منهجية و معرفية و جب ربط تساؤالتنا بمجموعة من الفرضيات تعمق بحثنا و منه تم تصور فرضيات محورية تتفرع منها فرضيات جزئية عند . حتى يحقق أهدافه ففيما تتمثل هذه الفرضيات ؟، التحليل و المناقشة

: الفرضياتلتواصل وقنواته المتعددة قادر على تشكيل الفضاء العمومي؟ هل ا -

و هل المجتمعات المتخلفة لديها القدرة على بناء فضاء عمومي ؟-أ و هل ذات اإلعالم الذي حرك الفضاء العمومي قادر على تحريكه بالجزائر -ب

اقشة تصل إلى الشمولية ؟ هل األخالق بقيمها المعيارية قادرة على بناء أخالق المن - هل للقيم المعيارية قاسم مشترك تعتبره أصال لها ؟ - أ هل بإمكان أخالق المناقشة أن تنظر لقيم تنتقل من الخصوصية إلى العالمية ؟ -ب

هل ألخالق المناقشة ممارسة تنقلها من ما هو نظري إلى ما هو تطبيقي ؟ - ة ؟هل تؤطر أخالق المناقشة الممارسة الديمقراطي - أ

Page 17: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

ج

و هل لها القدرة على تحقيق العدالة ؟ و هل للعدالة مواصفات عالمية ال تقصي -ب المفهوم المحلي للعدالة ؟

وأية دولة تسايره ؟ ةأي نظام يؤسس بفعل الممارسة الديمقراطي - هل دولة القانون تلغي الدولة الوطنية ؟ - أ بالجزائر ؟ أي دولة القانون و الحق يريدها اإلصالحيون -ب

لتحليل هذه اإلشكالية مع فرضياتها اعتمدنا على مجموعة من المناهج التي نراها مناسبة و فما هي هذه ، و التي تتطابق إلى حد ما مع المناهج المسطرة من قبل هبرماس، لذلك

المناهج ؟ و كيف وضعت ؟ و ما هي حدود استخداماتها ؟ ، هبرماسكتلك التي استخدمت من قبل ، يةكون عملنا اعتمد على مقاربات تاريخ

وتطورت بتطور فكره حتى بلور موقفه من القضايا و األزمات المرتبطة بالعالم الغربي، :يتمثل منهجنا على مقاربات منهجية كاآلتي . و كما تجلت في نصوصه الكبرى

خالل من ، استعنا به لمعرفة التركيبات االجتماعية: تاريخيالتأويلي المنهج ال -آخذين نموذجا مثاليا يحقق لنا ، الحراك االجتماعي الذي أنشأها عبر التاريخ

) البراغماتية المتعالية(بينما من الجانب اللغوي اعتمدنا على التأويلية . فرضيتنا خاصة تلك المستعملة من ، في معرفة الملفوظات المستخدمة بالفضاءات العمومية

مع تحديد الكيفية التي تشكل و فقها الرأي ، المتلقيقبل وسائل اإلعالم للتأثير على .العام

مكننا من معرفة الحدود النظرية و التطبيقية لمنطق : تجريبيالتحليلي المنهج ال -من ، في دراسته للفضاء العمومي مع التأسيس لنظرية الفعل التواصلي هبرماس

.و كذا طرح مقاربات منهجية ، خالل النموذج المثالفي محل اختبار حتى نتمكن هبرماسمكننا من وضع فرضيات : نقديالالمنهج -

. من وضع صياغة جديدة لفرضياتنا و التحقق منها

و المجزئة ، عملنا انقسم إلى أربعة محاور، و بكل محور عالجنا فيه فرضية أساسيةمة حدد دعم بحثنا بمقد. و حول كل فضية جزئية تشكل فصال ، بدورها إلي فرضيتين

فما هي مكونات عملنا من . فيها األطر العامة للبحث و إشكاليته مع خاتمة استنتاجيه حيث الفصول و المحاور ؟

مع ضبط للتصورات األساسية للبحث و طرح ، حددنا ضمنها األطر العامة: المقدمة -

. اإلشكالية جنا ضمنه طبيعة التواصل من عال: التواصل و تأسيسه للفضاء العمومي : المحور األول

جانبيه اللغوي و االجتماعي مع تحديد العالقة بينهما من حيث هما فعلين صادرين عن و من جانبه االجتماعي تعرضنا ألشكال التواصل ، اإلنسان هدفهما التبليغ و التأثير

م و المجتمع و قدرة هذا األخير في المساهمة على تكوين الرأي العا، و عالقته باإلعالمبما في ذلك . مع الوقوف على أهم خاصية ساهمت في تشكيل الفضاء العمومي . المدني

Page 18: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

ح

من حيث أن الرأي العام مرتبط و بشكل عضوي ، الطبقات االجتماعية المؤطرة داخله . بالمجتمع المدني سم على انصب تحليلنا بهذا الق: األخالق و تأسيسها ألخالق المناقشة : المحور الثاني

مستندين على أعالم فلسفية كان ، دراسة األخالق و أسسها الفلسفية المحققة للحياة السعيدةمع الكشف عن الحبل السري الذي . لها األثر في التوجيه النظري و العملي لألخالق

من حيث تشكلها ، و مساهمة هذه األعالم في وضع أسس أخالق المناقشة، يربطهمفكلتا الجهتين أسستا . و منظمة للمناقشة من جهة أخرى ، ن جهةكممارسة أخالقية م

يلتزم بها ، تناولت بالنقاش و التحليل إمكانية وضع قيم أخالقية و سياسية، لنصوص كبرىمثل هذا العمل نأمل أن يمكننا من إحداث مقاربات . كل من عبر عن قدرته في المناقشة

. ى المشرق تنظيرية من حيث أن الحبل السري يمتد إل: أخالق المناقشة و تأطيرها لكل من الديمقراطية و العدالة االجتماعية : المحور الثالث

تمثلت بنيته األساسية في الكيفية التي ساهمت بها أخالق المناقشة من وضع األسس هذه األخيرة التي . و التي يتوقع منها أن تحقق العدالة السياسية ، الممارسة الديمقراطية

من خالل فتح نقاش حول المناقشة ، تثير نقاشا على عدة مستويات سياسية و اجتماعيةسمع إمكانية طرح أطر جديدة ، حول العدالة) Rawls(و راولس هبرماسالتي دارت بين نلتمس من الجانب العملي ألخالق المناقشة القدرة على توجيه . لنظرية العدالة

و إن كان هذا ، لشكل جديد لها في واقعنا المعيشالديمقراطية مع فتح أفق التنظير .سيوصف بالطوباوية

ت بدءا سالمعالجة تأس: النظام السياسي والممارسة الديمقراطية ...الدولة: المحور الرابع و التي أطرت عملنا بمعرفة ، بالتعرض لمفهوم الدولة من وجهة نظر الفلسفة السياسية

خاصة بالدول التي عززت الممارسـة الديمقراطية في . ن الحدود التطبيقية لدولة القانومع إمكانية فتح نقاش داخل . ظل دولة القانون، أو أوهمت أنها تعززها و بحجة القانون

و التي ناقشنا أسسها الفلسفية و االجتماعية و حتى . فضاء عمومي تؤطره ذات الدولة ندما يري فيها أنها الممكنة لكل خاصة ع، متتبعين بذلك أطروحات هبرماس ، القانونية

مثل هذا . بضمان فتح النقاش حول العالم المعيش ، المشاركين في المجمع التواصليو عليه و من باب . العمل مناله أن يساهم في مناقشة المشاكل السياسية و االجتماعية

دولة أخذنا مثل هذا الطرح كنموذج مثال درسنا به حدود إمكانية تأسيس ، المقاربةمثل هذا العمل . و بالتالي إيجاد نظام هدفه الجوهري العدالة االجتماعية . القانون و الحق

. اقتضى منا مغامرة فلسفية نرجوا الخروج منها سالمين

Page 19: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

: األول المحور

عمـوميالفضـاء لل هالتـواصل و تأسـيس

هو تفكير ارتكز على االستعمال هبرماسالفضاء العمومي عند " "العمومي و الشمولي للعقل الغير منفصل عن الحرية

Michel Foucault, Dits et écrits, volume IV, Paris, Gallimard, 1994.

Page 20: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

8

جعل الكثير . و تعدد أشكالها مع ارتباطها بالجماهير ، طور وسائل االتصالعلى إثر ت و عليه . مع حساب درجة تأثر الجمهور المتلقي به ، من الباحثين يهتمون بهذا االرتباط

و كمقاربة تاريخية وجب علينا حصر أشكال االتصال و كيف تم تشكل الفضاء العمومي الشيء الذي قام به . ه بمسار تطوري دال على تكونه و ربط، داخل المجتمع الغربي

المنهج التاريخي المقارن والمعتمد على ( عندما استخدم المنهج التاريخي هبرماسفي معرفة تاريخية الفضاء العمومي وصلته ، ")فيبر"المثال المؤسس من قبل -نموذج

والتركيز على ، العامباألشكال االتصالية ،و كيف تم االنزالق من الفضاء الخاص إلى فمن األساس . تحول القراء و المقربون من طبقة النبالء و تشكيلهم للطبقة البورجوازية

المنهجي ذاته نحاول أن نعالج فرضيتنا المحورية في معرفة حدود الفضاءات العمومية مثل هذا العمل ال ينحصر فقط على المجتمعات التي أنجبت ، و تشكل الرأي العام

بل حتى بالمجتمعات التي ، كظاهرتين تميز بها الغرب، عمار و األنظمة التوتاليتاريةاالست، قد يبدوا ظاهريا أن أثر الظاهرتين قد زالت. انعكس عليها سلبا و التي تعرضت لها

غير أن األثر الفعلي لالستعمار بقي متمثال في مجتمعات الزالت متخلفة وفق المقياس فهل ما بعد الحداثة ستنتج ، ثة أنتجت أشكال الهيمنة و السيطرةفالحدا. الغربي للتطور

الديمقراطية ؟ و هل فضاءات االتصال قادرة على تكوين مجتمعات متقدمة محدثة بذلك عند تحكمها بتكنولوجيا اإلعالم ، و تجعل مجمل المجتمعات على حد السواء، نقلة نوعية

التي لم تنفلت من هبرماس تل و النقد ألطروحا؟ عاكفين كذلك بالتحلي) TIC(و االتصال و على ، االنتقادات بحيث نجد من أبرز ممثلي الفلسفة و علم االجتماع يعارضونها

عندما تناولوا مسألة الرأي العام " بيار بورديو"و " ميشال فوكو"سبيل الذكر و ال الحصر .والفضاء العمومي مع ربطهما بالمجتمع المدني

خاصة عندما درس تكون ، هبرماسودة إلى كانط هي الخاصية التي ميزت أعمال الع مبتعدا بذلك عن . من حيث هو ناتج عن العقل أو فلسفة األنوار، الفضاء العمومي بأوروبا

ومحاوال التقرب من الفلسفة التحليلية ، الماركسية كتقليد تميزت به مدرسة فرانكفورتو . ية لوضع أسس نظريته في الفعل التواصلي متخذا وحدة اللغة كركيزة أساس

من التواصل اللغوي من حيث هبرماسلتتبع ، سنحاول نسج الخيوط المرتبطة بفعل اللغةإلى أن نصل معه للفعل التواصلي كفعل اجتماعي قادر على بناء نظرية ، هو فعل الكالم

باألخص الفلسفة االجتماعية أو، قوام هذا العمل سيتخذ من النظرية االجتماعية. اجتماعية لهبرماس األدوات المعرفية و المستخدمة عند تحليله للمجتمع الغربي، الذي أسس الحداثة

مثل هذه األدوات التي بنت الوحدات المعرفية . و شرع في تأسيس لما بعد الحداثة لوحدات و الرابط بين هذه ا، الخاصة باللغة و التواصل والفضاء العمومي و الرأي العام

وعليه بات من الضروري معرفة جانبين من فكر هبرماس جانب . االتصـال وأشكاله و من ذات الفعل يتكون ، فلسفي يضع األسس المعرفية لدراسة اللغة كوحدة لفعل التواصلفكان من الضروري أن ، الفعل االجتماعي الذي يقحمنا في معرفة الجانب االجتماعي له

فالعمل في األساس يتموضع ضمن ، سين لبناء النظرية االجتماعيةنربط بين الفعلين كأسا . فلسفة اجتماعية تقوم على فلسفة سياسية و تاريخية

Page 21: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

:لفصل األول ا

االجتماعي ي التواصل اللغوي وتطور مفهوم

Page 22: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

10

I- األسس اللغوية لعملية التواصل: :غوي التواصل الل -1يعتمد في ، التي اهتمت بالتواصل كنشاط إنساني، على الدراسات اللغوية هتمامنا سينكبا

. و مدلولها، كنشاط فكري يجري بين المتكلم و بين المستمع) signe(األساس على العالمة المدرسة التحليلية في تناولهما لمسألة اللغة، و، مما دفعنا إلى تتبع خطي التداولية المتعالية

ذات الفعلين . كنشاط إنساني يمكننا من الربط بين فعلين فعل الكالم و فعل التواصل وسوف نتوقف على رمزين . شكال حجر الزاوية في تأسيس النظرية التواصلية لهبرماس

من حيث أنهم كونوا األسس التي بني عليها مفهوم ، هبرماسكانا أساسا النقاش الذي أقامه كلبنة أولي التي تحرك منها هبرماس ، )communication langagière(التواصل اللغوي

الحركة التي تتم من . للوصول إلى التواصل كمضمون اجتماعي يعمل على تحقيق التفاهم الفعل اللغوي إلى الفعل التواصلي أكد عليها هبرماس من خالل كل من شارل ساندرس

قة التذاوت أو البيذاتية مربط و جعل من حل. وصوال إلي أوستان نبيرس و فينجشتيفإلي أي حد تبرز حلقة التذاوت في الفعل التواصلي ؟ و ، الفرس لتأسيس الفعل التواصلي

هل ذات الحلقة قادرة على صياغة مفهوم التفاهم بالمعني اإلجرائي ؟ :شارل ساندرس بيرس -ا

، للتواصل اللغوي تقوم كل أعمال بيرس على مفهومه للعالمة من حيث كونها أساس، بحيث يجعل من هذا )1(فالعالمة تتكون من ثالث أسس الماثول و الموضوع و المؤول

. للتواصل اللغوي اهذا الربط يعد أساس، األخير أساس الربط بين الموضوع و تمثلهملك و هو عالم مستقل ي، عالم الموضوعات األوالنيةمقابل الثالثانيةفالتأويل عنده المقولة

الممكن الحدوث أو باألخص عالم الثانياتيةو ، خاصية مجردة تمنحه إمكانية االستقالليةتقدم تأويال مرتبطا من حيث أنها الثالثانيةالممارسة الفعلية و التجارب الفردية أين تتدخل

وهي خاصية عامة و إنسانية مرتبطة بالفعل التواصلي الذي توقف عنده بالموضوع ،ل األسس التصورية الجوهرية التي وضعت من قبل بيرس و التي تضع فك. هبرماس

العالقة اإلبستمية بين العالمة ؛ و موضوعها المتواجد بالعالم الموضوعي ال يكون بمنعزل فالتأويل في حد ذاته نابع عن فكر ). 2(عن العالقة التواصلية التي تستوجب تأويال ممكنا

ي للعيان التأويل الناتج عن الربط بين الموضوع و غير معلن الهوية ،و كل ما يتجلبينما الفينمولوجيا التي تأطر ضمنها بيرس شكلت التصور الذي يقضي بوجود . الماثول

منتج للمعاني عن طريق حركة فكرية تربط بين الموضوع و الماثول، و التي العالم المجرد العالم الموضوعي إلى نتقل منإذ ت، بـالسيميوزاصطلحت عند بيرس

فأين يكمن التواصل اللغوي مدام الفكر و ) . المعني( وصوال إلى اللسان ) الفكر( بيرسعندما يعود مع هبرماسمرتبطين بذات الواحدة ؟ عن هذا السؤال يجيبنا لسيميوزا

إلى األشكال البدائية للتفكير أين تم الربط بين المتكلم و المتلقي دون إضمار لضمائر يشكلون تعبيرات " هو"و " أنت"و " أنا"ألنه في األصل ، ع وإلغاء لضمير الغائبالجم

، آخر الذي يدخل في العملية التواصلية" أنا"متضمن في " هو"ليس إال " أنت"ألن ، متداخلة

1 Peirce (Charles Sanders) , Ecrits sur le signe ,Seuil , Paris , 1978 , p : 120 2- Habermas (Jürgen), Textes et contextes, traduit de l’allemand par Mark Hunyadi et Rainer Rochlitz ,Cerf –Paris 1994, p : 11

Page 23: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

11

من ، على التساوي بين الذاتين) intersubjectivité( التذاوتيقوم يألن التصور البيبرس، فرسالة طلب النجدة تنتقل من المرسل إلى )1(ج والمتواصل بينهماخالل المعني المنت

المتلقي بنفس مستوي الفهم والتأويل، مثل هذه الخاصية البدائية التي شكلت أساس التفاهم تحركت ضمنه ضمير واحد لتيامداعبة الضمائر في مدلوالتها و أن بحيث، هبرماسعند

إدراك بمثل هذا المستوي و المتضمن في سياق .و بتمظهره عبر عن إدراكه لآلخر " أنا"فكري فينمولوجي يعزي له األثر في تشكيل أفكار بنت تصورات اجتماعية ركزت على

و التي مكنته من ، ومنه تحركت كل فلسفة هبرماس االجتماعية، تمظهر الفعل االجتماعيو تربط بذات ،وضع أسس التفاهم كوحدة معرفية تربط بين اللغة و المجتمع

خاصية التفاهم ال تعتمد أساسا على . الوقت بين فاعلين اجتماعين محكوم عليهم بالتفاهم الصيغ الشكلية للجمل ،و ال على القواعد التي تحكمها بل على محاكمة قائمة على التأويل

مقولة هنا نستلهم ). 2(أي الممارسة الفعلية للتواصل المؤسس على التفاهم، الذاتي للتفاعل، و منه ) Condamné à être libre(سارتر أين يقول اإلنسان محكوم عليه بأن يكون حر

. تتقلص الرغبة في الهيمنة :لودفيغ فينجشتين ب

أين ، على التقريب منحي بيرس في كونهما يتأطران ضمن الظواهرية فينجشتينينحي قتها باألشياء أو بالعالم تلعب القصدية دورا أساسيا في تأسيس المعني وتحديد عال

نظريته للنقاش بغية الوصول إلى تحديد مفهوم هبرماسوعليه يطرح . الموضوعي فالمقاربة اللسانية . و الذي يؤسس على حسب تصوره نظرية اجتماعية ، التواصل اللغوي

الذي يدرس ) Sociologie compréhensive(بالنسبة إليه تأسس لعلم اجتماع تفهمي االجتماعي على مستوي التذاوت كمعطي ناتج عن تنظيم العالم المعيش من قبل النشاط

فكل األبحاث التي أسست ). Symboles)(3(قواعد نحوية تتفاعل و تنضم بالرموز أو ما اصطلح عليه بالنحو المقارن من حيث هو ، للدراسات اللغوية بدايتها كان النحو

فلسفته اللغوية على نظام قائم سسعندما أ نجشتينفيفالفكرة ذاتها نجدها عند . منظم للغة Formes de vie et jeux(و بالتالي الربط ما بين أشكال الحياة و لعب اللغة ، على النحو

de langage .( فلعب اللغة فرضية أسست تصورا حول سيميائية سلوك األفراد غير المبنيلسلوك ؛ الذي هو في األصل عملية بل وفق قواعد تقوم بوظيفة تنظيم هذا ا، على الصدفة

التي يقول فيها نفينجشتيتتبع فقرات . تطبيق لمنطق يحكم الجسم كحد موجود في العالم ، الذات ال تنتمي إلى )5.621(العالم و الحياة واحد ) 5.61...(المنطق يستغرق العالم :

ة المنطقية التي تربط ، نفهم من ذلك أن العالق)4) (5.632(العالم بل تشكل حدا متضمنا به و منه كانت ، حدود الدالة المعرفة بواسطة العالمة كانت في األصل مقترح ينظم اللغة

و عليه ، مجمل اإلنتاجات و النشاطات و التأويالت الخاصة بالعالمة مادتها األولية الفعلبواسطة كمن يثقب الخيال في عز النهار فينجشتيناألبحاث الفلسفية لـ هبرماساعتبر

1 Ibid , p :12-13 2 Ferry( Jean-Marc),Philosophie de la communication (1-De l’antinomie de la vérité à la fondation ultime de la raison ,édition Cerf-Paris, 1994,p :14 3 Habermas (Jürgen) , Logique des sciences sociales et autres essaies , PUF, p : 154 4 Wittgenstein (Ludwig), Tractatus logico-philosophicus, suivi de : Investigations philosophiques, Gallimard pp:86-87-90

Page 24: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

12

و القواعد المفبركة ألشكال الحياة ، يكشف ضمنها النحو الخاص بالتواصل، لغة متعاليةبينما دراسة الفعل يكون بالمنطق األمبريقي ، فدراسة الرموز تقوم على منطق داخلي). 1(

يعود إلى الدراسات اإلمبريقية لمعرفة الحدود التطبيقية لمفهوم هبرماسالشيء الذي جعل في حدوده النظرية التي أسست هبرماسالشيء ذاته جعلنا نستمر في مناقشة . ل التواص

األول فينجشتينيستند على هبرماس؟ فينجشتينو أين تكمن مساهمة ، مفهوم التواصلو عليه ، كونه مؤسس للسانيات المتعالية والتي أخذت أسسها من فلسفة الوعي الكانطية

الذي يضع قبليا شروط ) Langage universel(ية بني التصور الخاص باللغة الشمولو مجموعه يشكل ) Fait(فالشيء حدث ، الملفوظات المعبرة عن حالة األشياء

بينما . و يتمم عن طريق الفهم ، أي عالم الظواهر المدرك حدسيا عند كانط، )2(العالموهم فينجشتين و إن كان في حسبان، الثاني يتواصل معه في تأسيس المعني فينجشتين

ألنه مقتنع تمام االقتناع ، متعالي ناتج عن استعمال لمقوالت لسانية خارجة عن المنطقألنها تقدم الشكل الظاهري ). 3(على أن الشكل المنطقي للفهم غير موجود في اللغة العادية

وهي عرضية تدرك عن طريق الحدس التجريبي، بينما اللغة الطبيعية تؤسس ، لألشياءو عليه اعتبرت ، و المنتجة للمعاني، ني مثلها مثل لغة الرياضيات التي تنظم العلومللمع

ألن األصل عنده تلك العملية الحسابية التي نطبق ، اللغة الطبيعية حاملة لقيم الصوابحينئذ األمر يصبح ذا معني ألنه من ، عليها قاعدة نتمكن من خاللها إثبات صحة العملية

فتشكل المعرفة مرتبط ، ندرك استحالة الخطأ) 121: 11×11: (ية خالل العملية التالجسام الفيزيائية ألفقياسا على ذلك نربط ا، بعملية الربط ما بين العناصر و القاعدة

و منه ) . 4(و المعني الذي تحمله الكلمة عندما تدخل كجزء من جسم اللغة ، بالكلماتية فعل الذهن المبرهن و مصدر للحكم ؛ أين يمكن أن نخلص بالقول التالي أن اللغة الطبيع

يتم االعتراف بمصداقيته من خالل ملفوظة لغوية ؛ أين المتكلم يفكر فيما يقول بإتباعه لكانط من خالل تحليله هبرماسوهنا نلتمس عودة . تدرك بالحدس ) 5(قاعدة منطقية

في تحليالته ماسهبرإلى أي حد يعتمد و منه نتساءل، فينجشتينللمفاهيم اللغوية لـ اللغوية ليصل إلى مفهوم التواصل ؟

لعل التفاهم كوحدة معرفية التي خلصنا بها مع بيرس والقائمة على التذاوت تأخذ صيغتها إن فالتفاهم، ) Jargon kantien(و تصبح مقولة شمولية ضمن السياق الكانطي، المنطقية

و المنطق الذي يحرك عملية اإلنتاج ، عنيتعطي له إمكانية إنتاج الم، أردنا أن يكون كذلكالدالة التي شملت . الذي أخذ تعاليمه من اللغة الطبيعية التي بدورها تحرك النشاط اللغوي

على متغير التفاهم و المنطق و اللغة الطبيعية ال يمكن لها أن تتساوي إال مع مقولة التواصل إذا أخذ كوحدة فإلى أي حد سيوصلنا . تعبر عن الوحدة ) Universel(شمولية

شمولية ؟

1 Habermas (Jürgen), Logique des sciences sociales et autres essaies,Op.cit p :156 2 Wittgenstein (Ludwig) , Op. cit p :29 3 Habermas (Jürgen), Logique des sciences sociales et autres essaies ,Op.cit p :157 4 Wittgenstein (Ludwig) , De la certitude , Gallimard , 1965 et 1976, pp :33-43 5 Ferry( Jean-Marc),Philosophie de la communication (1-De l’antinomie de la vérité à la fondation ultime de la raison) , Op.cit,p :15

Page 25: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

13

:المعني و الفعل )L Austin-J(أوستان -جبحيث يمكن ربط أي معني بفعله ، بناءا على ما سبق فإن اللغة الطبيعية منتجة للمعاني

فالتدرج من السلوك . على أن يكون هذا الفعل قصدي و موجه بقيم تحمل في ذاتها معني فمتى يتسنى لنا أن نقول عن هذا . طلب فهما و تأويال المالحظ من شخص إلى الفعل يت

و يدرك ، السلوك فعال ؟ لعل السلوك عندما يصدر عن شخص عاقل يوصف بالقصديةعندئذ يمكن القول بأن . من ذلك أنه سلوك وجه وفق قيم خضعت للمعاينة و ثبت صحتها

لفهم األسس هبرماسعية هذا التمييز الذي من شأنه أن يوصلنا بم) . 1(هذا السلوك فعل فما هي هذه األسس إذن ؟ و هل كان لها أثر في ، غويةلفلسفته ال أوستانالتي بنى عليها

وضع األطر للتواصل اللغوي ،و بالتالي مفهومه ،من حيث هو فعل الكالم و فعل اجتماعي كذلك ؟

تباطها بالفعل من حيث دالالتها و ار) énonciations(مابين الملفوظات أوستان يميز فتمييزه يتأسس على عملية تجريدية يوضح بها الفرق الموجود ما بين ما هو ، اللغوي

فالتشخيصي ال يهتم إال ) . Constatif(و بين ما هو تشخيصي ، )Performatif(إنشائي وعليه كان التمييز ، بينما اإلنشائي يهتم بالجانب المنجز منه، بالجانب اللغوي من الكالم

مؤسسا للفعـل هبرماس و التأسيس ذاته أعتبر من قبل). 2(لفعل الكالم مؤسساو من جانبه اإلنجازي يتطلب شيئا ملموسا من قبل ، فالوعد بإتمام شيء. االجتماعي

في التداولية المتعاليةفي تعامله مع هبرماسفتتبع ، اآلخر باعتبارها ذات قيمة تداوليةبين التذاوتو منه على . ركيبة اللغوية للملفوظة كونها تهتم بالفعل المنجز ال الت

ألن الملفوظة اإلنشائية تحمل في طياتها تركيبتين لعملية التواصل ، المرسل و المتلقيو التركيبة الثانية تخص ، التركيبة التذاوتية بين المرسل و المتلقي حول موضوع الكالم

يطلب منها أن ، هبرماسوجهة نظر ، التداولية من)3(التفاهم الذي خلص إليه كل طرف . تبلور نسقا يتضمن قواعد تمكن المرسل الكفء ليحقق اتصاال جيدا

ضمن الوحدة المعرفية التي أقر بها هبرماس والتي يراد منها أن تكون وحدة شمولية فوحدة التفاهم تجعلنا ننتقل مما هو خاص إلى ما هو عام، ، قياسا بالمبدأ المطلق لكانط

ث الفرد بفردانيته و عن طريق التواصل يدخل في تفاعل مع اآلخر من خالل انجاز بحيأو عن طريق التذاوت أين وحدة التفاهم تكون قادرة على ، )على حسب أوستان ( عمل

التي تتيح إمكانية إيجاد ملفوظات مشتركة ، البورسي زإنتاج المعاني على طريقة السيميوند ربطه بين ما قدمه كل من بيرس و فينجشتين و أوستان هبرماس ع. محققة لنفس الفعل

كان يريد أن يحدث تدحرجا في األفكار أين يتم االنتقال من التذاوت إلى الوحدة المنطقية فالمبدأ المراد تأسيسه ، ومنه إلى فعل اللغة الذي يقتضي اإلنجاز، المنظمة للغة الطبيعية

فالتفاهم عنده يقتضي التواصل ، عناصر الثالثيقوم على وحدة التفاهم التي تجمع بين الفإذا كان التدحرج ممكنا ؟ فهل يمكن أن يحدث . المؤسس للفعل و النظرية التواصلية معا

بين التواصل و االتصال ؟ و هل لكال المفهومين خصوصية تجعل التدحرج غير ممكن ؟ فهل يمكن ذلك ؟ ، و إذا عملنا بالهدف المرجو من كليهما

1 Habermas (Jürgen), Sociologie et théorie du langage, Arman Colin, p :8 2 Austin (J L) , Quand dire , c’est faire , Onzième conférence , Seuil , pp : 139-140 3 Habermas (Jürgen), Sociologie et théorie du langage , Op-cit , p :87

Page 26: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

14

: من فعل اللغة إلى الفعل التواصلي-د المعيش خيوطه المعرفية من فلسفة اللغة كأداة تمكنه من فهم العالم هبرماسينسج

شاكلة العمل الذي قام به أوستان المرتبطة بالفعل على الملفوظاتانطالقا من ، و المجتمعوظات ذات تعبيرات إجرائية و ملف، عندما ميز ما بين الملفوظات ذات تعبيرات وصفية

لفعل و على الخصوص العالم االجتماعي من حيث هو مؤسس، تؤثر على العالم الطبيعي، هو بناء أرضية خلفية لمفهومه لفعل التواصل هبرماسفالهدف الذي أراده . التواصل

يتبين أنه يؤسس و أوستان فينجشتينعندما يتعامل مع كل من هبرماسفتتبع نصوص فهل بإمكان فعل اللغة أن ، اجتماعي قادر على رفع المتاعب عن فعل التواصللفعل

يؤسس فعل اجتماعي قادر على توجيه العملية التواصلية ؟ و هل هذه العملية تقتضي قواعد نحوية تنظم التواصل ؟

المبرزة للعملية اللغوية من الزاوية اإلجرائية أوستانعلى أعمال هبرماسعندما يستند فالعملية تنشأ ، يريد أن يبرز العالقة بين الملفوظة و الفعل المنجز المؤثر على العالمفهو

عندما يبني فعل الكالم بواسطة جملة مركبة من جملتين جملة ذات ملفوظة إجرائية و جملة الحقة ذات محتوي يفيد التواصل بين المتكلم و المستمع على موضوعات تخص

يبنى العالقة بين الجمل على قواعد نحوية تنظم فينجشتينة نجد فمن جه، حالة األشياءيربط العملية ذاتها أوستانبينما ، اللغة و أشكال الحياة و الكل مصدره اللغة الطبيعية

كيف نصنع " مع صاحب كتاب هبرماسأمام مثل هذا الوضع يذهب ، باللغة العاديةملية تتوقف على تحديد مفهوم الكفاءة فالع، لتوضيح مفهوم التواصل" األشياء بالكلمات

و التي تتجرد أوال من ملفوظات ملموسة محددة الداللة ، التواصلية المشار إليها من قبلثم ثانية من كل المضامين ذات صلة بالمكان و الزمان، ، ذات صلة باللسانيات االجتماعية

رات اللسانية ذات أشكال كل األفعال اللغوية اإلجرائية حتى نبقي على التعبي اثم ثالثتهفهناك وحدات ذات صلة بالمضامين ). 1(اسمية تحدد الوحدات األولية لحالة األشياء

و وحدات منطقية التي تقام عليها التداولية ، و وحدات مرتبطة بالنحو، االجتماعيةكلم التي من شأنها أن تساعد المت، المتعالية الموجهة للعملية التواصلية على أساس الكفاءة

و بالتالي الجمل و فق ترميز يعتمد على الموروث الثقافي و ، على حسن اختيار الكلماتفإذا كانت الكفاءة االتصالية ال تخرج عن الترميز االجتماعي أين يتخندق . االجتماعي

فهل هذا يعني أن فعل التواصل هو في األصل فعال اجتماعيا ؟، الفعل االجتماعيII - لفعل التواصلي عي وتأسيسه لالفعل االجتما

يجدر بنا بداية أن نستخدم أدوات معرفية كتلك التي وضعت من قبل هبرماس عند رسمه خاصة عندما يتعلق األمر باللغة كأساس للفعل ، الخطوط الموضحة لنظريته في التواصل

بالتالي و هنا نبين واستنادا للدراسات اللغوية صلة اللغة بالفعل االجتماعي و. التواصلي مثل هذا العمل يجعلنا نميز ما بين مصطلحين درج كل واحد . صلتهم بالفعل التواصلي

منهما في مجال خاص إال أنهما متضمنان في كل من النظرية االجتماعية و الفلسفة يستند على الدراسات اللغوية المعتمدة ، فالتواصل كمفهوم لغوي. االجتماعية لهبرماس و الرابط بينهما من حيث أنه موجه إلدراك المعني وفق سنن ، ولهاعلى العالمة و مدل

1 Ibid ,p : 88

Page 27: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

15

بينما االتصال كمفهوم اجتماعي درج في األبحاث السوسيولوجية و كذا . تمكن من التفاهم ما أصطلح عندهم ، اإلعالمية فهي تهتم بالرسالة اإلعالمية و تأثيرها على أفراد المجتمع

جديدة من تاالتصال انزلق في التواصل بأطروحاغير أن مجال . بالمجتمع الجماهيري محاولين في ذات االتجاه إيجاد ، قبل المنشغلين باإلعالم و تأثيره على الجمهور المتلقي

مثل هذا االنزالق . صيغ نظرية جديدة تمكن من التحكم في التأثير و جعله تأثيرا متبادال و كل أشكال االتصال شكلوا سنراه عند هبرماس بصيغ أخري بحيث أن اإلعالم عنده

. و ضمن ذات الفضاء توضع أسس التواصل كوسيلة للتفاهم ، فضاء عموميا :فعل اللغة أساس الفعل االجتماعي-1من حيث كونه عند ، أوستانللفعل و مفهومه عند ويبر بين مفهوم ما هبرماسيربط

، رجي من خالل الكالماألول موجه نحو هدف و الثاني موجه نحو التأثير بالعالم الخافكالهما يتفقان على الحركة التي تتم في الذهن إذ كل واحد يستند على تصور فلسفي

ميز ضمن الذي أوستانفاللغوي و حتى نستمر على نفس الوتيرة مع ، عقالني و لغويويعني عنده المحتوي التبليغي الذي ) locutoire(الفعل اللغوي ، فعل الكالم ثالث أفعال

يحول التبليغ إلي فعل غير أن الفعل العالق ) illocutoire(ه المتكلم بينما الفعل المنجز يريد)Perlocutoire ( فالعملية تتم عنده على ثالث . هو األثر الذي يحدثه المتكلم بالمتلقي

فعل الذهن أين يتم التفكير في العملية اإلنشائية من اختيار الملفوظات التي تقوم ، مراحل). 1(غ ثم إنجازه أي تحريكه نحو المتلقي الذي ينتظر منه أن يعبر عن أثر الملفوظةبالتبلي

أي ما يعرف لدي ) téléologique(الفعل العالق بالفعل السببي هبرماسو منه يربط عندما يربط الفعل ويبرهنا ال يختلف مع ). 2(المتكلم من خالل الكالم أنه قد حدد هدفا

فكل إنسان متكلم و فاعل لديه إستراتيجية توجه أفعاله ، استراتيجيابهدف ما يعتبره صاحبه يضع أمامه النموذج ويبرفـ، نحو هدف من حيث أن العملية عقالنية بها يتحدد الهدف

يوجه إذ من خالل تعريفه له من حيث هو نشاط إنساني ذا معني ذاتي، السببي للفعلهو الفعل ويبر من خالل هبرماسلذي يقصده المعني الذاتي ا) . 3(نحو هدف اجتماعي

بعملية الربط هبرماسفإلي أي مدي يصل . الموجه نحو التفاهم باعتباره أساس التواصل ؟ و هل هذا الربط كاف لتأسيس مفهومه للفعل التواصلي ؟

إذ ال يفي بالغرض ، حول مفهومه للمعني الصادر عن الفرد ويبرعلى هبرماسيعترض أو ، )ثروة، سلطة(يقترب منه ألن الفرد يقصد فعال موجها نحو هدف نفعي التواصلي بل

فالفعل بهذا المعني يرتبط إما بمنفعة أو بقيمة ، )شرف، شفقة( يكون الفعل معياري في تحديد ويبرالتي اعتمد عليها ∗بينما النمذجة، و يكون بذلك مقصودا من قبل الفرد ذاته

الذي يعتمد على عالقة اجتماعية ذات مضمون سيميائي يحدد مفهوم الفعل االجتماعيفالمصلحة التي تحدد هذه النمذجة تجسدت . سلوك أفراد كثيرون يتساوون في نفس الهدف

في كون الفعل الصادر عنها عقالني لذا كانت عقالنية الفعل ذات صلة بالمرجعية التي

1 Austin (J L) , Op.cit ,p :124 2 Habermas (Jürgen), Théorie de l’agir communicationnel (tome 1) , Fayard , 1987, p : 299 3 Weber (Max) , Economie et société , Fleuri, 1934, p :28

Typologieارتأيناها أن تكون ترجمة لكلمة ∗

Page 28: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

16

كافية لتأسيس نظرية للتواصل أم ويبرند فهل عقالنية الفعل ع). 1(ويبرتعتمد عليها نمذجة أن هناك نماذج ألفعال أخري استقي منها مفهومه للفعل التواصلي ؟

:ة الفعل التواصليقلنع-بفرضيته عن النشاط اإلنساني بأنه نشاط يقوم على الفهم سواء كوسيلة أو ويبريطرح

يعني به نشاط آني يرتبط فالفهم. كهدف توجه نحوه الفعل الخاص بالفرد أو بالجماعة بمعني موجه من قبل الفعل و نكون قادرين على فك مدلوله مثلما نفك مثل هذه العملية

و القصد منه أن الفعل قابل للفهم و ذلك ). 2(و التي تدرك بالبداهة) 4=2×2(الحسابية النشاط فأي مثال نأخذه عن ، بالبداهة ألن كل فعل هو عبارة عن نشاط ال يحدث إال بمحفز

و عليه كان األمر بديهي أن نفهم فعل ، اإلنساني إال وربطناه بمحفز يحرك هذا النشاط. نشاط عقالني موجه نحو الفهم ويبرو كان الفعل بذلك عند ، النجارة و فعل الصيد

)Compréhension(لنجعل من مقولة الفهم حلقة ربط مابين الفعل الموجه نحو الفهمأال يمكن أن يكون لمثل هذا النشاط ، (Intercompréhension)لتفاهم والنشاط الموجه نحو ا

األساس المبدئي لعقلنه الفعل التواصلي ؟ إلثبات هذا الفرض سنعود لمناقشة مقترحات بداية ، حول عقالنية الفعل من خالل طبيعته االجتماعية وقدرته على التواصل هبرماس

و الفعل ، اط أداتي موجه نحو النجاحميز هبرماس بين الفعل االجتماعي ذو نشبهذا المستوى لم يختلف عن النمذجة . االجتماعي ذو نشاط تواصلي موجه نحو التفاهم

بحيث يعرف الفعل األداتي الذي يعتمد على ، الفعل عقالنية بخصوصويبر التي و ضعها ر و قياس التقنية وهو ما يمكن من إحداث النجاح بينما اإلستراتيجي مرتبط باختيا

بينما الثاني عقالني ، فاألول عقالني أداتي غير اجتماعي، فعالية الفعل و نجاحهغير أن الفعل التواصلي استراتيجي و اجتماعي موجه نحو ، استراتيجي و اجتماعي

و عليه كانت عقلنة الفعل التواصلي ). 3(التفاهم من باب أنه قائم على مشاركة الفاعلينالتفاهم أي حدوث اتفاق بين المشاركين االجتماعيين على نشاط مبنية على أساس

و هذا االتفاق إذا نتج عن تأثير طرف عن اآلخر كان اتفاقا ، استراتيجي موجه نحو النجاحفإذا كان األمر كذلك ال يعتبر تواصال على وزن تفاعال بل اتصاال ، مختال ال يحدث تفاهما

إذا كان االتصال يتعارض مع . و استمالة الرأي على وزن انفعاال قائم على التأثير التواصل فما هي حدود هذا التعارض ؟ و ما هي وسائله المستخدمة في عملية التأثير؟

):من الفعل االجتماعي إلي الفعل التواصلي( نظرية الفعل التواصلي-جمع أشكال األفعال االجتماعية ليصل إلي تأسيس مفهومه للفعل هبرماس يتدرج و ترجمت هذه األفعال ، بدأ من أفعال أسست من قبل فالسفة و علماء اجتماع. لتواصليا

. وصوال إلى ما هو تواصلي ، إلى ما هو درامي، و إلى ما هو قيمي، إلى ما هو غائيفالتصورات األربعة للفعل العقالني ال تنفصل عن العالم الموضوعي من حيث أنه حالة

مبني على أساس هبرماسوعليه كان تصور ، يط إلنجاز الفعلاألشياء التي تتطلب التخطكانت موضوع محاضرته التي التيو ، كارل بوبرالنظرية المعرفية للعوالم الثالث لـ

1 Habermas (Jürgen), Théorie de l’agir communicationnel (tome 1) ,Op.cit ,pp : 290-291 2 Weber (Max), Economie et société ,Op.cit ,p : 30 3Habermas (Jürgen), Théorie de l’agir communicationnel (tome 1) , Op.cit ,p : 295

Page 29: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

17

و بها اعتبر ). 1(و المعنونة بـحول نظرية الفكر الموضوعي، 1968ألقيت بفينا عام ، الوضعي خاص بحاالت األشياء ، فأولهم العالم)2(العالم الثاني وسيط لألول و الثالث

ثم ثالثهم العالم الموضوعي ، ثانيهم العالم الذاتي الخاص بالحاالت الشعورية و الضميربحيث يشير إلى قدرته في التأثير على . والشعري ) الفني(الذي يشمل على العلمي والتقني

. دثة به العالم األول من خالل تدخل التقنيين الذين يشرفون على التحويالت المحعبر عنها من خالل ثورة تحدث بعلم النفس أين نتعامل مع الفكر اإلنساني بوبرفأطروحة

األطروحة ذاتها اعتبرها ). 3(كعضو يتفاعل و يفسر و يتحكم بالعالم األول عندما يرتبط بهقائمة على تصور تداولي يهدف إلي توضيح العالقة بين العالم األول والثاني هبرماسيتوسطهما الثاني كتعبير عن الحاالت الشعورية التي تدفع بالتفكير للتأثير بالعالم اللذان

تلمح لإلنجازات الخاصة هبرماسالتداولية التي يتكلم عنها - ).4(األول من خالل الفعلو ما سوف بوبربالتأثير والمستخدمة األسس العلمية لعلم النفس المعرفي الذي أشار إليه

إال أنه منتج بفعل التفكير ، فالعالم الثالث انطولوجيا مستقل عن األول - نتعرض له الحقاو يتجسد ذلك فيما هو تقني كحل للمشاكل التي حملها ، في األشياء و ما يحمله الشعور

و التفكير كأساس فلسفي ، و منه يتم الربط ما بين االنطباع الذي يحمله الشعور، الشعورهذا ما يضمن استقاللية العالم ، و عبرت عن االنطباع للغة أي ملفوظات نحتت في الفكر

الثالث من خالل المعرفة المكتسبة بفعل اكتشاف المعني الخاص بالعالقات السيميائية حول المجمع العلمي الذي يناقش بالممارسة التواصلية بوبرمن تصور . الداخلية

م األول إلى المجمع البشري الذي و يقدم الحلول للمشاكل المتعلقة بالعال، النظريات العلميةيتواصل و يقدم الحلول اليومية و المسماة بالنظريات اليومية، أين تتشكل الرموز من

و ، محتوياتها السيميائية المرتبطة بالعالمين األول كمعطي حسي والثاني كمعطي قيميبنظرية الفعل يربط تصوره للعالم الثالث هبرماسإال أن ، بوبربالرغم من هشاشة طرح

و من جهة أخري أداتيا لمواجهة ، التي تعتبره من جهة نشاطا إنسانيا محدودا معرفياوالنشاط ذاته تعتبره عاجزا تجاه األفعال االجتماعية الموجهة بالقيم الثقافية الغير ، الطبيعة

معطيات الحسية ، إال أن اتصال المشاركين بالعالم يكون تفاهما ممكنا عن ال)5(قابلة للبرهنةو القيم الثقافية مما يجعل النشاط التواصلي بين المرسل و المتلقي قائم على صيغ لغوية

من هنا ينقلنا هبرماس من نظرية الفعل القائمة . تقوم بوظيفة التمثيل والتعبير والمخاطبة متضمنة للفعل على النشاط اإلنساني الذي يربط الفعل بالعالم الثالث إلى األفعال األربعة ال

:التواصلي والمتطورة على النحو اآلتييفترض عالقات ما بين الفاعل والعالم الخارجي المعرف بجموع :الفعل الغائي -1ج

الحاالت الخاصة باألشياء و الفكرة ذاتها وجدت عند أرسطو عندما صنف السبب إلى و هبرماسن و القصد بالغائي عند كل م، صوري و مادي و فعال و غائي: أربعة

أرسطو ما أرتبط بإستراتيجية موجهة نحو تحقيق غاية ،و الفكرة ذاتها نجدها عندما ربط يتوج مثل هذا النموذج . الفعل االجتماعي بالعقالنية عندما يوجه نحو تحقيق غاية ويبر

1 Popper (Karl),La connaissance objectif ,Aubier,1991,p :245 2 Ibid ,p :247 3 Ibid , p :249 4 Habermas (Jürgen), Théorie de l’agir communicationnel (tome 1) , Op.cit ,p : 92 5 Ibid , p :99

Page 30: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

18

فعل الفاعل بمركب معرفي إيرادي تمكنه من إدراك الحاالت الخاصة باألشياء وتكوين يستوجب الفعل الغائي فاعلين أو أكثر يتفقان على ) . 1(عال مقصودة و إلى حد ما الرأيأف

بحيث يعمل كل فاعل ، هدف حكمت إستراتيجيته نحو النجاح وفق حسابات ذاتية نفعيةعلى التأثير على اآلخر بالتبرير و اإلقناع حتى يتم االتفاق على الفعل المقصود للتأثير

. و تشكيل الرأي على عالم األشياء أرض فاعلين يرتبطون بعالم األشياء يضاف إليه العالم يفت :الفعل الموجه بالقيم-2ج

، أين يلعبون أدوارهم مما يمكنهم من التفاعل ضمن مضامين محددة بقيم، االجتماعيفالعالم االجتماعي يرتكز على عالقات بيشخصية تكون تفاعالتهم مشروعة و مقبولة

مثل هذه الحالة ال تستوجب أي اعتبار لألحداث االجتماعية دون ، اعي ذاتهبالعالم االجتمبل كل فعل إذا ما كان موجه بقيم مقبولة و مشروعة شكل ، أن تكون موجهة بقيم معيارية

فالفعل من هذه الزاوية يكون مدعم بحاجيات تدفعه نحو التحقق باحترام ، حدثا اجتماعياهذه الحاجيات إذا ما توافقت مع ). 2(الخاصة بالعالم االجتماعيالمعايير الثقافية و التقاليد يجعل التوافق مع القيم شرط هبرماسيتبين من ذلك أن . القيم كونت الدافع للتحقق

اندماج األفراد ضمن المجتمع التواصلي بحيث ال يحق لكل فاعل أن يخرج عنها بعد .المناقشة و االقتناع بصحتها

مفهومه لهذا الفعل، تحديد في غوفمانعلى تصور هبرماسيستند :الفعل الدرامي -3جو هم يقومون بأدوارهم كأنهم على نعليالفا كاتجاه يدرس، من زاوية التفاعالت الرمزية

على الممثل أن يؤثر على المتلقي وإال كان دوره غوفمانيشترط ) . 3(خشبة المسرح فالمسرح و العمل الدرامي ينضبطان ، فاعلبحيث ينسجم مع النظام القيمي للت، غير صادق

من خالل نماذج هبرماسمع المجتمع كأنهما صورة معكوسة له، الشيء الذي توقف عنده مشكلين حلما لدى أفراد ...) المهندس ، الطبيب(االجتماعية رلألفعال ذات صلة باألدوا

، لمسرحبحيث كل واحد يرغب في عيش شخصية بطولية صورت على خشبة ا، المجتمعهذه العملية -تفاعال ما بين الممثل و الديكور حتى تتولد الرغبة غوفمانهنا يشترط -

و هنا تلعب القدرة ) 4(و بالتالي المتاجرة بأحالم األمة، تجارية تقوم ببيع حلم لدى المتلقي على التأثير دورا مهما في جعل الرغبة موجهة للفعل االجتماعي، فهل هذا التفاعل يقتصر

على عالم حالة األشياء وعالقته بالعالم الذاتي دون تدخل من قبل العالم الموضوعي ؟ و ، لمثل هذا السؤال يفترض أن ما يشكل العالم الموضوعي عقالنية تسمو عن الشعور

إال أن هذا العمل يتطلب من الممثل أن يصور ، تقوم بدورها في توجيه الفعل الدراميفالممثل من هذا الجانب يرتكز على الشعور الذاتي الذي ، العالم المعيش على طبيعته

ضمن هذه المغالطة يتوجب و ضع حدود للعالم . يترجم إلى قصد أو رأي مغلوطين و منه ، الداخلي على أساس أن الممثل يتبني موقف موضوعي يكون الفعل فيه موجه بقيم

غير أن العملية ، إقناعهيتحول الجمهور إلى شريك يتقاسم معه نفس القيم بعد ما تم اإلقناعية تستهدف التأثير على المتلقي وجعل قيمة الصدق متعلقة بالوضعية المتواجد عليها

1 Ibid ,p :103 2 Ibid, p :105 3 Goffman (Erving), La mise en scène de la vie quotidienne ( Livre 1 : La présentation de soi) , p :140 4 Habermas ( Jürgen) , Théorie de l’agir communicationnel (tome 1) , Op.cit, p :107

Page 31: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

19

عندها نقول أنه صادق و إذا ما تعذر عليه أن يقنع بسبب ، الممثل وقدرته على اإلقناعالكذب فإلي أي مدي يوجه معيار الصدق و، عدم إخالصه في أداء دوره نقول أنـه كاذب

في العمل الدرامي ؟ أال يمكن أن توضع معايير أخري نربط بها الوعي بالعالم الموضوعي و نضع مسافة بينه و بين العالم الذاتي ؟ و إلي أين سنصل مع الفعل التواصلي ؟ اإلجابة عن هذه األسئلة تقتضي الوقوف على المسرح كشكل من أشكال

مفهوم التواصل من حيث هو فعل سيكون في بينما، االتصال الذي سنتعرض له الحقا . الفقرة الالحقة

في األصل كل نماذج األفعال تتطلب اللغة كوسيط ينقل المقترحات : الفعل التواصلي -4جأو التفاهم على القيم ) نسبة إلى العوالم الثالث لـبوبر(إلى مستوي فهم العالم الثالث

. الموجه ألفعال الممثل الذي يتفاعل مع المتلقي أو التفاهم إلى السيناريو، الموجهة للفعلفهذا االتصال البيذاتي يقتضي صيغ لغوية تربط بين المرسل و المتلقي إلحداث التفاهم

إال أن األمر مختلف مع الفعل التواصلي فهو ال يستعمل اللغة . والتناسق بين األفعال تخص العالم المعيش، والتفاوض على مقترحات كوسيط للتفاهم بل كوسيط لتأويل

متعرضين في ذلك للعالم الموضوعي والعالم الذاتي والعالم االجتماعي حتى حدوث تفاهم فاللغة أساس التواصل المبنى على القصد و التواصل بهدف ). 1(توجهه المنفعة المشتركة

غير أن التواصل اللغوي كما أشرنا سابقا قصدي ، التفاهم وهذا هو الشق المثالي منهومنه كانت اللغة روح الفعل التواصلي وهذا ضمن . هدف إلى التأثير على المتلقيي

خاصة الفعل العالئقي الذي يستهدف التأثير أوستان تصنيفات أفعال الكالم التي وضعها غير أن هذه ، على المتلقي، إذا كان التواصل يقوم على التفاهم البيذاتي و روحه اللغة

في األصل استند هبرماسألن –لمتكلم التأثير على المستمع األخيرة في مقاصدها عند افهل هذا يعني أن التواصل يمكن حصره –على التحليالت اللغوية المعتمدة على التداولية

في اللغة و ال يصبح بذلك اتصاال ؟ التواصل إلي االتصال أم العودة إليه ؟ من -دمن أجل توضيح فكرة فعل الكالم عند ، هبرماسدا على األمثلة التي وضعها استنا

الشيء الذي ابتعد عنه ، يتبين أن القصد من الفعل العالئقي التأثير على المتلقي. أوستان و نخص . بينما تناوله في النصوص األولي التي شكلت ميالده ، في نصوصه المتأخرة

أين أدورنو ن موضوع أطروحته ،و التي أشرف عليها الذي كا" الفضاء العمومي"بالذكر و ، و تأثيرها على الرأي العام، تعرض لمختلف أشكال االتصال وتطورها في أوروبا

و ، المثال كتقنية بحث-باالستناد لنموذج، كيف تشكل الفضاء العام عبر التاريخ األوربيو ، الزارسفيلدن تأثير غير أنه كان يتعذر عليه التخلص م. ويبر التي وضعت من قبل

من األبحاث اإلمبريقية التي ، من خالل النتائج التي توصل إليها، )2(باعترافه هو هذافالوسيط في التواصل تمثل في اللغة بينما في . أقامها على االتصال و تأثيره على المتلقي

الية، كانت على وسيط آخر يدخل في العملية االتصالزارسفيلد الدراسة التي أقامها ومنه وضع ، و المتمثل في اإلعالم الذي يحمل رسالة إعالمية هدفها التأثير على المتلقي

أين يلعب قادة الرأي ، نظريته حول التدفق اإلعالمي و التأثير على المتلقي على مرحلتين 1 Ibid, p :111 2 Habermas (Jürgen ) , L’espace public , Payot , 1990, p :XVII

Page 32: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

20

بين الفرق ).1(دورا أساسيا في عملية التأثير من خالل العالقات االجتماعية الغير الرسميةهذا األخير تولى توضيح فئة اجتماعية تمثلت في قادة هو أنالزارسفيلد هبرماس و

و التي تربطهم صلة قرابة أو ، التي هي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمجموعات األولية، الرأيأين تتشكل الثقة بينهم وتكون مصدر تأثير على رأيهم بمعني أن قادة الرأي يقوم ، صداقة

ين القائم باالتصال و الجمهور المتكون من المجموعات األولية بتبسيطه مقام الوسيط بفي حين أن األول جعل من الفهم و التوضيح مهمة يشترك بها ، للرسالة اإلعالمية

أي كل فرد عبر عن قدرته على التواصل داخل المجمع التواصلي مستخدما في ، الجميعالفرق بين . ة متفق عليها تمكن من التفاهم ذلك اللغة الطبيعية و المحكومة بقيم مشترك

.الهدفين واضح فاألول جعل التأثير أساس االتصال و الثاني جعل التفاهم أساس التواصلمع وسائل اإلعالم عند تناوله في تشكيله للفضاء العمومي ؟ هبرماسفإلي حد ذهب

عالم ؟ أم أنه تركيبة وهل الفضاء العمومي تركيبة اجتماعية تتداخل فيها كل وسائل اإلفيزيائية يجتمع فيه المشاركون للمناقشة و يتبادلون المواقف في المسائل المتعلقة بعالمهم

المعيش ؟

272:ص، القاهرة، الدار الدولية للنشر و التوزيع، آمال عبدالرؤوف: تر ، نظريات وسائل اإلعالم، ملفين ديفلير و ساندرا بول روآيتش 1

Page 33: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

: الفصل الثاني

ن الفضاء العمومي االتصال و تكواإلعالم ووسائل

والرأي العام

Page 34: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

22

I-إمكانية تحقيقها للحق في االتصال اإلعالم و وسائل: أمام الصـعوبة التي تناولها هبرماس بشكل من الحنكة الفلسفية في موضعة االتصال،

و بنفس الجرأة وضع ، خاصة الصحافة كوحدة تاريخية ساهمت في تكوين الرأي العاما يقحم و هن، كشريك في وضع األسس السياسية، األسس الممكنة لتطوير المجتمع المدني

و يطرح التساؤل عن الحامل الذي تبني عليه القناة ، التواصل كوحدة لبناء النقاشاالتصالية المحققة لمثل هذا التواصل ؟ لعل اإلجابة عن هذا السؤال ال يتوقف عند

بل يتعدي إلى حد ما في ربط ما أنتجته الحداثة ، االتصال و عالقته بالمجتمع المدنيكيف استخدم من قبل نخبة الشعوب المستعمرة في تكـوين الرأي خاصة االستعمار و

العام ؟ وهل استخدم بنفس الحدة عندما نربط االتصال بما بعد الحداثة في تكوين المجتمع المدني كمقابل للسلطة السياسية ؟ و هل ننزلق من االتصال إلى التواصل عندما يتعلق

و من ، د هبرماس موقعا استراتيجيا في فلسفتهاألمر بما بعد الحداثة ؟ فاإلعالم اتخذ عنرأينا أن نضع ، خاصة و أن االستعمار من إنتاج حداثة الغرب، باب اإلنصاف المعرفي

و المجتمع الجزائري الذي تعرض ، بعض المقاربات بين المجتمع الغربي المنتج للحداثةكيفية و ضع هذا اإلنصاف حرك فينا مجموعة من التساؤالت تدور حول، لالستعمار

و هل بإمكانها أن تكون مجتمعا مـدنيا بالجزائر ، الوحدات التاريخية خاصة وحدة اإلعالم؟ وهل نفس الوحدات التي بنت الفضاء العمومي بالغرب قادرة على بناءه و بشكل ما

بالجزائر ؟ ن م، على حسب ما تشير إليه الدراسات االجتماعية و التاريخية حول وسائل االتصال

حيث هي الناقل للرسالة اإلعالمية التي تنقل الخبر أو المعلومة من المرسل إلى المتلقي إذ كانت تنقل ، مستخدمتا حامال قد يكون شفهي مثلما هو الحال بالبدايات األولى لإلعالم

أو كانت كتابية و التي تطورت مع اكتشاف الطباعة وعرفت بالكتب ، األخبار عبر رسلإال أن العالقة بين المرسل و المتلقي ال زالت ، ي اصطلحت بالصحافة المكتوبةالدورية الت

غير أن مفهوم المتلقي تغير ، قائمة لحد الساعة على التأثير و استمالة رأي المتلقياستعماله من عصر آلخر بحيث تحول من هدف يجب التأثير عليه قصد تغيير أو استمالة

إلى شريك في - دو هو العمل الذي قام به الزارسفيل - رأيه خاصة بالحمالت االنتخابيةاالتصال يأخذ برأيه، ومنه ينزلق مفهوم االتصال إلى التواصل أو بتعبير آخر من الحق

فهل هذا االنزالق ممكنا ؟ و إن كان كذلك أي وسيلة ، في اإلعالم إلى الحق في االتصال من وسائل االتصال تحققه ؟

:الم و االتصال وسائل اإلع -1- بطرق وتحليالت سوسيو، مثله مثل الذين اهتموا بنشأة وسائل االتصال في أوروبا

فالصحافة ، إال أن هناك اتفاق يثبت تأثر الجمهور بها، تاريخية تختلف من حيث المناهجبالبداية كانت أول وسيلة اتصال جماهيري كان لها جمهورها من فئة اجتماعية خاصة

سبيل االشتراك لغرض محدود سياسي أو تجاري مثل األخبار السياسية و تطلبها على و كان توزيعها بالموانئ و الساحات العمومية شأنها شأن الملصقات والمنادي ، التجارية

بين تكون الصحافة و هبرماسو منها يربط ، الذي كان ينبئ العامة باألحداث الخاصةفما الصلة التي تربط ، ضاءات العمومية والخاصةو بين اإلعالن و الف، األحزاب السياسية

Page 35: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

23

الصحافة و األحزاب و اإلعالن بالفضاء العمومي؟ و هل هناك عناصر أخري يمكن إدراجها في تشكيل الفضاء العمومي ؟

:الصحافة-ا، فمن خالل المقاالت المنشورة عن )1(الصحافة أداة تعبير عن حرية الرأي هبرماسيعتبر

بدأت تأخذ مثل هذا المنحي مع الثورة . و الحق في إبداء الرأي ، ةالحريات األساسيمثل هذا اإلعالن الذي أخد منحا . الفرنسية و اإلعالن عن حقوق اإلنسان والمواطنة

، و )2(تاريخيا ساهم في وضع الصياغة العامة التي كانت منبع القانون المدني الفرنسيالمادة الحادية عشر و ما جاء فيها من رفع القلق الذي كان مصدر قانون اإلعالم خاصة

مثل هذه األفكار التي ). 3(عن الرأي شريطة أن ال يحدث فوضي على مستوي النظام العامجاءت تؤطر العمل الصحفي و تحرره من الرقابة التي كان خاضع لها بالرغم من التطور

فة مما أثر على الجمهور التقني الذي ساهم في تزايد عدد السحب و انخفاض سعر الصحيبهذا التزايد تداخلت فيه عدة عوامل منها ما هو سياسي و ، المهتم بالصحافة كما و نوعاففيما تمثلــت هــذه العوامل ؟ و هل هذا التزايد له عالقة ، منها ما هو تقني وتجاري

الرأي بحرية التعبير ؟ و هل هذه العوامل كانت كافية في وضع األسس الخاصة بحريةدون تدخل أي طرف للحد منها ؟ من خالل المنهج التاريخي المقارن المستخدم من قبل

المثال يتبين أنه تعرض للصحافة المكتوبة و أثرها في - و المستخدم للنموذج، هبرماسمما جعلته يقوم ، و كذا الضغوطات التي تتعرض لها بفعل الرقابة، تكوين الرأي العامل األوروبية التي تزامنت فيها نشأة الصحافة و نضالها من أجل حرية بالمقارنة بين الدو

من باب المقاربة المنهجية أال يمكن أن تكون . التعبير خاصة فرنسا و إنجلترا و ألمانيا طبيعةللصحافة الجزائرية نفس الشأن في تكوين الرأي العام ؟ وهل تعرضت لنفس

ألوروبية خالل القرن السابع عشر بشكل عام الرقابة ؟ إن انتشار الصحافة في الدول ا 1644يكتب عام جون ميلتنو بالخصوص بإنجلترا جعلها تخضع لعملية الرقابة مما دفع

يدافع فيه عن حرية الصحافة التي أصبحت خاضعة Areopagitica شعرا والمعنون بـ. ت إلى إعدامهقبل اندالع الحرب األهلية التي أد شارل األولللرقابة في عهد الملك

عند صياغته للمادة الحادية عشر لإلعالن عن ميرابومضمون هذا الشعر أستلهم من قبل األمر ذاته عايشته الصحافة األلمانية في عهد ، )4(1789حقوق اإلنسان والموطنة لـ

فريدريك الثاني و جوزيف الثاني عندما سخراها للدعاية، و فرضت الرقابة بوضع لم يختلف األمر بفرنسا فالصحافة خضعت للرقابة منذ نشأتها . 1789 ضريبة الطبع عام

إذ كان يشرف بنفسه على المقاالت التي ، خاصة في النظام الملكي مع لويس الثالث عشر . Le figaroونخص بالذكر جريدة ، كانت تصدر في الصحف

مما جعلها ، ليةما يشار من قبل مؤرخو وسائل اإلعالم أن الصحافة الفرنسية كانت امتثاإذ اعتبروها كتب دورية تقرأ من قبل )مونتسكيو، فولتير، روسو( محل انتقاد الفالسفة

العامل الذي ساعد على تحرر الصحافة من قيود الرقابة هو الثورة . النساء و السفهاء 1 Habermas (Jürgen) , L’espace public, Op.Cit ,p :254 2 Fauré (Christine),Les déclarations des droits de l’homme de 1789,(Textes réunis et présentés par :),Payot, Paris , p : 18 3 Ibid, p :13

32:ص، 1984الجزائر ، مرشلي محمد ،ديوان المطبوعات الجامعية: تر، الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية، روالن آايرول 4

Page 36: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

24

إذ جاء في المادة ، الفرنسية الذي صدر على إثرها اإلعالن عن حقوق اإلنسان و المواطنةكل مواطن : حرية تبادل األفكار واآلراء من أغلي حقوق اإلنسان « حادية عشر منه ال

، »يمكنه التعبير و الكتابة و الطباعة و النشر دون تجاوز الحرية التي نص عليها القانون Areopagitica de( ملتنجريدة ميرابوو قبل هذا اإلعالن و المشاركة في صياغته تبني

Milton (داية التحرر من قيود الرقابة وكتب فيها مقاالته مناديا بحرية التعبير ،و جعلها بغير أن مثل هذه الحرية لم تدوم كأن الصحافة قدر عليها أن ال تعيش بدون ) . 1(و الرأي

فكيف لها أن تكون بدونها ؟ فهي ما تلبث أن تتحرر حتى تسقط من جديد بقيودها، ، رقابةفرنسية مراسيم تنظم الرقــابة من رخـــص و وسجلت على تاريخ الصحافة ال

.الوطنيةمركزية النشر وحصرها في جريدة واحدة و هي الجريدة :الصحافة و حرية الرأي -بالصادر عن السلطة الفرنسية و المنظم للعمل الصحفي، 1881جويلية 29 عل قانونل

و هي ، د أو اإلجابةو من خالل مجموع مواده التي تنص على حق التصحيح و حق الرفحق الرد إشارة ، حقوق خولت لمن يتعرض للقذف و التجريح مع ذكر اسمـه بالجريدة

لتخصيص مساحة بالجريدة لصالح بعض أفراد العامة قصد تمكينهم من التعبير عن موقفهم عندما يتعلق األمر بما هو خاص، و يكون بذلك القانون قد أعطي حرية إبداء

فالقانون يفصل ما بينهما حفاظا ، ن التحريض أي التدخل بالنظام العامالرأي مع المنع مألن إبداء الرأي في ما هو عام كان يعتبر جريمة ضد األمن العام، ألنه ، على األمن العام

فهل الحق في إبداء الرأي الزال ، يعتبر تحريض لدى صنف من بين جرائم أمن الدولةلصحفي دون ممارسته ؟ هذا القانون يحمل بعض المواد منسوخا بالدساتير المنظمة للعمل ا

تخص بالحجز و تخول السلطة وزير الداخلية للبث في التنفيذ و التوقيف إذا ما كانت مثل هذه المادة وجدت لكي تحد من حرية التعبير وبالتالي . الجريدة تمس أمن الدولة

رية التي مورست على إيقاف بعض الجرائد المزعجة للسلطة خاصة السلطة االستعمامثل هذا اإلجراء كان يمس الجرائد . الشعوب المستمرة و بالخصوص الشعب الجزائريو بالتالي تصنف من بين الجرائد ، التي تعبر عن موقفها من الممارسات االستعمارية

مثل هذه الممارسة شكلت لوحة أين تظهر عناوين . المخلة لألمن العام و يستوجب توقيفها لهذا كان القانون سالح ذو حدين في يد المشرع يمنع . ي من الساحة اإلعالميةو تختف

من منطلق . ويحافظ إذا ما تداخلت المصالح ألن نفس اإلدارة التي شرعت استعمرتقانون اإلعالم الموجه لحرية اإلعالم عملت اإلدارة االستعمارية على تأسيس جرائد باللغة

ة العربية شكلت عناوين صحف تخدم المستعمر وتؤدي الفرنسية و بعض المقاالت باللغ . هدفها تغليط الرأي العام و التستر على ممارسات المستعمر، )2(وظيفة دعائية

الحال يختلف عندنا بالنسبة للصحافة الوطنية التي تناضل من أجل حرية التعبير ألن فالمستعمر ، ة لكافة المواطنينفكان البد من توصيل األفكار الوطني، أغلبية السكان أميين

يدرك أن القراءة تنمي الوعي وتساهم في تكوين القراء الذي يشكلون الفضاء العمومي مثل هذا اإلدراك أثر على السياسة االستعمارية تجاه المدارس ، وبالتالي المجتمع المدني

38:ص، لمرجع نفسها 1

2 Ihaddaden Zahir, Histoire de la presse indigène en Algérie, Des origines jusqu’en 1930, p :11

Page 37: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

25

هذا الوضع وجه أمام مثل ).1(اإلسالمية بتخفيض ميزانيتها و تحويلها إلى ميزانية الجيشبمعني أنه ال معني ، المقارنة يختلف مابين إدارة تستعمر و تشرع القوانين للعمل الصحفي

كيف يمكن أن يتعامل األهالي . أن نمنح حرية التعبير ألناس يفقدون حريتهم وهم ببلدهم خاصة المادة السادسة التي تحدد شروط إنشـاء جريدة ؟ و 1881جويلية 29مع قانون

ل هذه الشروط يمكن أن تتوفر في الجزائري حتى و إن كان تكتب باللغة الفرنسية ؟ هصعوبات بهذا المستوي كانت ترفع عن الجزائري بعد التطبيع أي التخلي عن البعد

عملية التطبيع كانت تسهل مهمة النشر والتوزيع لصحافة األهالي التي كانت ).2(اإلسالمي، واعتبرت إستراتيجية تكيف )3(على بعض العناوينفي خدمة المستعمر مع التحفظ

. القانون الخاص بحرية اإلعالم مع أوضاع األهالي و اإلدارة االستعمارية :الحق في اإلعالم -ج

و نخص ، يتم اإلعالن عن حقوق اإلنسان بمجلس هيئة األمم المتحدة 1948ديسمبر 10لديه الحق في حرية الرأي و التعبير لكل فرد « بالذكر المادة التاسعة عشر وجاء فيها

وعدم الشعور بالقلق أو الخوف عن ما يكتبه أو ما ينشره أو ما يعبر عنه مـن ، عليهو التلقي و اإلجابة و كذا البحث بدون أي اعتبار للحدود و المعلومات و األفكار و ، رأي

زاوية للنصوص شكلت هذه المادة حجر ال » . يعبر عليها بأي وسيلة يراها مناسبةالتشريعية للقوانين المنظمة للعمل اإلعالمي مما ساهمت في بلورة قوانين خاصة

و تطويرها بالنسبة للدول المتقدمة صناعيا و تأسيسها بالنسبة للدول حديثة ، باإلعـالمما جرت عليه المواثيق الدولية لحقوق . العهد و التي خرجت من الحماية أو االستعمار

لحريات العامة و كذا المنظمات العالمية لحرية اإلعالم تنص أن اإلعالم حق اإلنسان و اغير أن اإلعالم خضع لعدة تصورات ليبرالية و ماركسية ، من حقوق اإلنسان الشرعية

فعلى ماذا تقوم هذه التصنيفات و إلى أين تصل حدود ، و سلطوية خاصة بالوطن العربينموقع به العمل اإلعالمي بالجزائر؟ الدراسات هذه التصنيفات ؟ و ضمن أي تصنيف

التي أقيمت على أجهزة اإلعالم بينت أن هناك أربـع نظم تسـير اإلعــالم و هذه التصنيفات غير مكتملة ، )اشتراكي، و استبدادي -سلطوي، ليبرالي، اجتماعي(

رية السلطوية التي ، غير أن معظمها يسير وفق النظ)4(بالوطن العربي بل نجد بعضهاتدعم الحكومة في سياستها و توجيهها لإلعالم خاصة عندما حققت معظم هذه الدول

ما ميز اإلعالم الوطني إبان االستعمار . استقاللها و استولت نخبتها على السلطة ، تحريضه و تعبئته للجمهور ضد االستعمار، إال أن األمور تغيرت بعد االستقالل

فكان البد على ، تنمية و العدالة و بناء دولة حديثة تضمن الحريةفالوجهة أصبحت الوكنتيجة ، السلطة أن تتخذ إجراءات التأميم للجرائد االستعمارية و ضمها ألجهزة السلطة

لهذا اإلجراء أصبح اإلعالم يمتثل للسلطة على غرار الجرائد الحزبية و الوطنية التي قس ، ضم صحفيوها بالطاقم المسير للجرائد المؤممةاختفت بفعل التطبيقات القانونية و

على ذلك جريدة المجاهد التي حولت إلى الناطق الرسمي لجبهة التحرير الوطني الحزب 1 Ageron (Charles-Robert), Histoire de l’Algérie contemporaine, PUF,1979 , p :161 2 Ibid , p : 64 3 Ibid , pp : 69-70

، مرآز الكتب األردني، الدآتور موسي الكيالني: تر، حافة العربية ،اإلعالم اإلخباري و عجلة السياسة في العالم العربي، الص)وليام أيه(روو 4 53: ص ، 1989

Page 38: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

26

عملية التأميم و مركزة اإلعالم و تعيين مدراء الجرائد وجهت لخدمة . الوحيد و الحاكمت دون التفكير في وضع قانون عملية التأميم تم). 1(الحزب الحاكم في توجهه السياسي

، يوجه العمل اإلعالمي كأن الذي وضع بنود الميثاق الوطني اكتفي ببعض التلميحاتفإلى أين ، و عبر عن عجزه في وضع مواد توجه العمل الصحفي على شكل قانون

وصــل اإلعالم ؟ و إلى أين آلت الجرائد بعد التأميم ؟ وإلى أي حد وصل اإلعالم ون يوجهه ؟ و هل كانت هناك أهداف وطنية تقف وراء المنع ؟ أم أنها صيغة بدون قان

أخري من الرقابة والسيطرة فرضت من قبل السلطة آنذاك حتى تقضى على المعارضة ؟ :الحق في االتصال -دبناءا على ما سبق اإلعالم من : اإلعالم و رقابة السلطة في تكوين الرأي العام 1-د

الدولية خاصة ما صودق عليه من قبل هيئة األمم المتحدة شكل حجر خالل المواثيق عندما تعرض لمفهوم الرأي العام هبرماسالزاوية لحرية التعبير الشيء الذي أثاره

، خاصة الصحافة الحزبية أو المذهبية التي )2(و كيف تتدخل الصحافة في تكوينه غير أن انقالب . نواب الرأي العام تشكلت بأوروبا و تم استدعاء أصحابها ليكونوا

دفعه إللجام الصحافة و قضي على حرية التعبير و لم يبقي من 1800نابليون عام مثل هذا النوع من الممارسة تقلص تدريجيا . Le moniteurالجرائد إال جريدة رسمية

نها أ هبرماسو بالتحديد كما يشير إلى ذلك ، مع تكون صحافة األحزاب خاصة بأوروبااالجتماعيين الذين -فالبداية كانت مع المحافظين ثم االشتراكيين، 1860نشأت بداية من

، فالعملية تتطور كذلك مع وكاالت )3(كونوا أحزابا يدعمون مواقفهم السياسية بالصحافة كارتاالرويتر و وولف و تعاونية الصحافة عندما شكلوا ، هافاس: األنباء األربع فأهمية اإلعالم والسيطرة عليه شكل موضع . ى القارات األربع إعالميا يسيطرون به عل

سجال بين العديد من األطراف سواء كانوا سياسيون أو اقتصاديون من أجل هدف واحد غير أن ما يلفت االنتباه أن الصحافة الحزبية عرفتها . أال و هو التأثير على الرأي العام يرية لتعريف الرأي العام بالقضية الجزائرية و مصداقية كذلك الجزائر إبان الثورة التحر

بدليل أنه بداية من حزب الشعب و ةعكس ما كانت تروج له الصحافة االستيطاني، الثورةحركة الشباب الجزائري الذين تكون لديهم حس إعالمي يهدف إلى توعية الشعب

تجاه فمثل هذا العمل تجسد و كونوا صحفا تسير في هذا اال، الجزائري للمطالبة بالحرية، زد على ذلك نشأة اإلذاعة )4(في عدة صحف كاألمة التي قيل عنها بأنها وطنية

لعل عبارة هنا ، الجزائرية المتنقلة التي عبرت عن الموقف الصريح من الثورة و أهدافهاو ، )5(صوت الجزائر الحرة أثر في الشعب و كون جمهورا ومناصرا للثورة

في نشر األفكار الوطنية المطالبة بالحرية و عائق األميةلي تخطى العمل اإلعالمي بالتافهل الموقف ذاته استمر مع الصحافة الحزبية من مطالبتها بالحرية إلى ، االستقالل

وهل توقف نشاطها مع ، المطالبة بحرية التعبير ؟ وماذا كان مصيرها بعد االستقاللقات التي تمارسها تقريبا كل السلطات جعلها تختفي ؟ و هل تحقيق الحرية ؟ أم أن المضاي

69:ص، المرجع نفسه 1

2 Habermas (Jürgen) , L’espace public , Op.Cit p:79 3 Ibid , p :194 4 Brahim Brahimi, Le pouvoir, la presse et les intellectuelles en Algérie, L’Harmattan, 1989,p :48 5 Ibid, p :50

Page 39: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

27

اختفت بالفعل وبصفة نهائية ؟ أم أن حدثا تاريخيا جعلها تظهر من جديد ؟ و هل ظهورها استهدف قضايا أخري غير التي كانت سببا في نشـــــأتها ؟

اعد لعبة الصحافة الحزبية من مضايقات جعلها تختفي تدريجيا بناء على قو ما عرفتهنسجتها السلطة بعد االستقالل تمثلت في مراسيم و تعيينات خصت مدراء الجرائد الذين

وتنزع بذلك الصحافة عن حزب جبهة التحرير بعد جوان . ينتمون إلى وزارة اإلعالم و تضمنت صالحيات الوزير في تعيين مدراء للجرائد الذين هم في األصل ، 1965

صمت قانون ). 1(هذا العمل بالسيطرة الكلية لإلعالم أعضاء في الحزب حينها وصفعن المبادرة الصحفية في تشكيل مواده جعله يؤكد على سيطرة 1982اإلعالم لعام

فمن خالل المادة األولي التي تنص على ، السلطة ألجهزة اإلعالم كتعبير للسيادة الوطنية، و حتى )2(قيادة الحزبأن اإلعالم قطاع من قطاعات السيادة الوطنية و أنه تحت

من هنا نفهم أن التصور ). 3(المدراء وضمن المادة السادسة تسند إلى مناضلي الحزبلوال االنتفاضة الشعبية بأكتوبر . التوتاليتاري الزال متحكما و مسيرا للحق في اإلعالم

هور لما تغير مسار الصحافة و حرية التعبير مع التعددية الحزبية مما أدي إلى ظ 1988 فهل هذه التعددية مستمرة أم تم إرجاؤها إلى حين ؟. عناوين مستقلة عن جهاز السلطة

في كتابه Serge Halimiليس غريبا أن نقرأ لـ :إعالم متعدد و سلطة واحدة 2-دو أن المصالح ، كالب الحراسة الجدد ؛ أن الرقابة تكون جد فعالة عندما ال يصرح بها

في هذه الحالة الصحفي حر في ما يكتب ). 4(والمادة اإلعالمية تلتقي بين رئيس الجريدةدون أي قلق كأنه حلم تحقق عندما يمرر بعض من التوضيحات عن خبر دون التعرض

، و منه كانت مصلحة السلطة العليا التي )5(لمضايقات من قبل مالك المؤسسة اإلعالمية برهانات معرفية هبرماسيثيرها فالمصلحة كما. تحدد العمل الصحفي في كتابة الخبر

تعتمد على أسس كانطية متضمنة في العقلين العملي و الخالص، فالمصلحة لها توجهين، فاألول يوقض الحواس والرغبات بينما الثاني يخضع ، توجه امبريقي و توجه خالص

األول ينعته بالمصلحة المرضية المحققة للمتعة ،و الثاني بالمصلحة، لقوانين العقل، مثل هذه المصلحة و بالمنظور الكانطي لديها وظيفة واحدة التمكن من اليقين )6(الخالصة

فالمصلحة من هذا المنطلق تتأسس على ). 7(اليقين الذي يمليه الشعور األخالقيتصورين، تصور يوجه المادة اإلعالمية نحو مصلحة مرتبطة بالمؤسسة اإلعالمية و

، ضمير المهني الذي يلزم عليه قول الحقيقةو مصلحة ممالة من ال، الجهات الضاغطةفالمصلحة المرضية توجه اإلعالم نحو أهداف بعيدة عن ما ينتظره الجمهور بل نحو ما

التي تشير إلى Serge Halimiفالمصلحة و إن تعددت وفق تحليالت ، تنتظره السلطةه الوزير لتحديد بدءا من الجرس الذي يستخدم، الحبل السري الذي يربط السلطة باإلعالم

فبعض ، إلى الزواج الحبل السريتطور . النشرة في الستينات إلى الهاتف حاليا

1 Ibid, p :35

3:ص، 1982، ديوان المطبوعات الجزائرية، )بدون مؤلف(قانون اإلعالم 2 6:ص، المرجع نفسه 3

4 Halimi (Serge), Les nouveaux chiens de garde, Raisons d’agir Edition, 2005, p :12 5 Ibid ,p : 13 6 Habermas (Jürgen), connaissance et intérêt, Gallimard, 1976, p: 232-233 7 Ibid ,p : 235

Page 40: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

28

ألن مثل هذا ، تزوجن برؤساء المؤسسات و رجال السياسة) نجمات الشاشة(الصحفيات فمنهم من يصبح ) معهد العلوم السياسية بباريس( الزواج متأصل بالمؤسسة التكوينية

، فالمصلحة بهذا التصور جعلت العمل )1(بح صحفي سياسيسياسي ومنهم من يصفهل منطق المصلحة أصبح يحكم ، الصحفي تجاري سياسي بعيد عن األهداف االجتماعية

الصحافة الجزائرية بعدما حققت استقالليتها ،و كان عليها أن تبحث عن موارد مالية تغطي مصاريف الطبع و النشر ؟

نية تجلت المصلحة في تأميم الصحافة المكتوبة و ربطها بوكالة السيادة الوط إلتمام تحقيق زد على ذلك فرض السيادة الوطنية على ، األنباء على أن تكون المصدر الوحيد للخبر

هذا التآلف بين الجهازين السمعي البصري أخذا حصة األسد ، اإلعالم السمعي البصريواستنادا ، إلى قطاع الدولة من ميزانية الوزارة الوصية عكس الجرائد التي ضمت

يتبين 1982و وصوال على قانون اإلعالم لعام ، للمراسيم األولي المحددة لنشاط اإلعالمهذا التصور لم يوجد له ، أن السلطة ربطت سيادتها باإلعالم كقطاع حساس و استراتيجي

مد على بل يعت ، االجتماعي –أي سند نظري فهو بعيد كل البعد عن التصور االشتراكي اعتبر اإلعالم أساس حرية التعبير ماركسف، التصور السلطوي المشار إليه من قبل

ومحاربة الرقابة ،و ما يشهد على ذلك مقتطف من ما قاله خالل المجادلة التي أثيرت قبل نشر البيان سنوات) Rhénanie" (رينان"حول حرية الصحافة و تقييم نشاط صحيفة

ثر الوسائل اشتراكا بين األفراد لكونها تمكنهم من مبادلة وجودهم الصحافة أك." الشيوعي و من خاللها ترى األمة ذاتها ، الصحافة الحرة مرآة روحية لألمم(...) الروحي

الرقابة الحقيقية للصحافة هي النقد و المحكمة التي ، (...)و مسائلتها وهي شرط الحكمة الرقابة عليها أن تختفي، ومادامت الرقابة تتمسك بها .) (..تقدمها حرية الصحافة لذاتها

يكون التطور الروحي و المادي للمجتمع قد ، القوي الحاكمة وتوجهها ضد تدريس التاريخالشيء الذي تقاسم معه لينين عندما أكد على دور الصحيفة بأن ال يقتصر على ". توقف

والصحيفة ليست دعائية و ، رينبث األفكار و التربية السياسية و استقطاب المناصحرة ، من هذا الباب يريد لينين خلق صحافة حرة. محرضة فقط بل منظمة للجماعة

حرة من البرجوازية الفوضوية ، ليس فقط بالمعني البوليسي للكلمة بل حرة من رأس المالأن تنفلت من قيود الصحافة إذا لم تحقق استقالليتها المالية ال يمكن لها). 2(ةو الفردانيفالتصور الليبرالي و مثل ما ، ألنها في كال النظامين تهدف إلى تغييب الرأي العام، الرقابة

لمضمون الرقابة في اإلعالم الفرنسي ال يختلف عن التصور Serge Halimiأشار إليه اتية وبالتالي العمل اإلعالمي هو خاضع للرقابة الذ، السلطوي في سيطرتها على اإلعالم

فاإلعالم و إن أراد أن . سواء كان تحت سيطرة مصلحة تجارية أو مصلحة سلطوية يكون حر ويعبر عن إرادة الشعب و يخدم الرأي العام و ال يغيبه عليه أن يرتبط بمصلحة

فهل من هذه الزاوية يتحقق اإلعالم الحر أم يبقي مؤجال إلى حين؟ ، خالصة

عدة عناوين ، شهدت الساحة اإلعالمية قبل االستقالل: الم أفق تحقق حرية اإلع -3-دإال عنوانا واحدا قاوم ثالث سنوات بعد . لجرائد اختفت مؤقتا قبل و نهائيا بعد االستقالل

1 Serge Halimi , Op.cit ,pp :19-34 2 Brahimi (Brahim), Le droit à l’information à l’épreuve du parti unique et de l’Etat d’urgence, PP 84-88

Page 41: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

29

فهل هذه األحداث أعطت نفسا جديدا ، االستقالل ليظهر من جديد بعد أحداث أكتوبرقانون اإلعالم ؟ وهل هو قانون يكرس للحرية اإلعالمية و التفكير في صياغة جديدة ل

بناء على ما جاء في المادة الثالثة من قانون السيادة الوطنية على حساب حرية اإلعالم ؟ و التي تنص أن الحق في اإلعالم يمارس بكل حرية مع احترام كرامة 1990اإلعالم

لى ظهور عناوين في مما أدي إ ،)1(اإلنسان و متطلبات السياسة الخارجية والدفاع الوطنيمنها ) SPA(األكشاك سجلت ميالد صحافة حرة مستقلة على صيغة شركة ذات أسهم

إال أن التعددية في مجال السمعي ، جريدة الوطن باللغة الفرنسية و الخبر باللغة العربيةالبصري بقي محتكرا من قبل السلطة بالرغم من ميالد محطات إذاعية محلية نشاطها حدد

من المالحظ أن الساحة اإلعالمية الجزائرية عرفت عدة تطورات منها ما . راسيم سلفا بمكان سلبي أثر على وظيفتها من باب تكوين الرأي العام ؛ ذلك لما عرفت من ضغوطات مصلحيه باثولوجية و ضغوطات إرهابية بالرغم من وجود مواثيق و إعالنات ناضلت من

إن . تي ما فئت أن وصفت باليسارية وأبيح دمها أجلها حركة الصحفيين الجزائريين الإال أن هذا ال ، التاريخ ال ينفي وقوف الديمقراطيون أمام حصول اإلسالميون على السلطة

و جعل مثل هذه المقولة الصفة التي علقت بالصحفي على أنه ذلك ، يعني إباحة الدماءفماذا لو كانت المصلحة . )2(الذي بيده قلم و بجيبه دينارين و ثالث رصاصات بالرأس

الخالصة هـدف كل طرف ؟ أال يكون االتصال عامل قوي في وضع أسس الديمقراطية ؟ أال يساهم كذلك في تكوين مجتمع مدني قادر على إدارة النقاش حول قضاياه مستخدما االتصال كوسيط ؟ أو باألخص االتصال كوحدة معرفية متعالية محققة للتفاهم و المصلحة

مة ؟ العاتلعب الدور أن للدولة يمكن :الدولة كطرف مساهم في تأسيس حرية اإلعالم -4-د

المحايد تجاه ما يجول في الساحة اإلعالمية، دون تدخل في تسيير مصادر الخبر وتركها حتى تقوم بمهام إخبارية دون تدخل السلطة في توجيه الخبر لصالحها أو لصالح ، تتعدد

لكن الحكومات الحالية أدركت أهمية اإلعالم وخطورته إذ أصبح . توجهها اإليديولوجي ومع ذلك يمكن أن ، في الوقت الحالي يمثل المراسل في أكبر الدول المتزعمة الليبرالية

:نسجل مالحظتين بالنسبة لألولي، صحيح أنه لم يكن للدولة مصادر إعالمية تتحكم فيها وتوجهها على

لكن وضعت مجموعة من القوانين تخول ، ب دور المحايدحسب إيديولوجيتها و كانت تلعبها الشرطة لمراقبة األخبار خاصة إذا ما تعلق األمر بالصالح العام أو األمن القومي مثل

. 1950ما تنص عليه المادة العاشرة من االتفاقية األوربية لحقوق اإلنسان لعام أين ) نه في المجاالت الحساسةبل األمر مؤكد م( من جهة أخري يمكن أن تكون الدولة

يسير وفقها )Circuit(و أن تضع دورة ، الموزع لألخبار (dispensateur)تصبح اإلعالم خاصة في ما يتعلق بالنصوص القانونية المسيرة للموظفين داخل اإلدارة العمومية، و كذلك وضع النصوص المحددة للصالح العام والمتخذة لذاتها وسيطا إعالميا

1 Journal officiel de la république algérienne n°14 du 4 Avril 1990 2 Labter (Lazhari), Journalistes Algériens 1988-1998(Chronique des années d’espoir et de terreur) édition Chihab-Alger 2005), pp:33-43

Page 42: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

30

كانت أو سلبية فهي تتعارض مع الحق في ةوجود رقابة ايجابي .) 1(به الجمهور تعلمالحق في اإلعالم :" الحق في اإلعالم الذي قال عنه فرانسيس بال ما يلي . حرية اإلعالم

و أن يقطنوا داخل ، يطلب لكل المواطنين إمكانية الولوج داخل كل األحداث الراهنةبشرط أن تكون األحداث معروضة ، يرات القضائية أو الرأياألحداث ذاتها أو ضمن التعب

الشئ الذي يمكن من تدارك الخطأ لهذه من أن تعود سلبا على ، بطريقة ذكية لكل واحدو ما يجدر اإلشارة إليه ما نقله فرانسيس بال عن ما قاله البابا بولس ). 2"(البعض اآلخر

إذ ، كلفين بدراسة مسألة حرية اإلعالمالسادس عندما أستقبل من قبل أعضاء الملتقي المو هو مشرف ، الحق في اإلعالم حق كوني غير قابل لالختراق: " جاء في ما نقل

إننا نقصد بالحق الذي ، لإلنسان المعاصر بما أنه مؤسس على ما هو طبيعي في اإلنسانانية من جهة البحث عن األخبار ومن جهة إمك، وسلبي في آن واحد) ايجابي(هو عملي

يتبين من هذا أن حرية اإلعالم والحق فيه أخذت العناية ) . 3"(الجميع من الحصول عليهافهل يمكن أن ننتقل من . فكان البد على كل الهيئات أن تؤسس لمثل هذا الحق ، اإللهية

الحق في اإلعالم إلى الحق في االتصال؟ وإذا كان األمر ممكنا فما هي أطره النظرية و التطبيقية ؟

Jean(ضمن مقال نشر لجون دارسي :من الحق في اإلعالم إلي الحق في االتصال 5-دd’ARCY (- مدير البرامج للتلفزة الفرنسية ومؤسس األوروفيزيو)Eurovision( -

يعلن فيه عن نضاله ، ) Revue de l’EUR, Nov.,1969(بالمجلة األوربية للبث اإلذاعي النقطة الفاصلة ، أال يمكن أن يكون هذا المبدأ. ل لتأسيس مبدأ حق اإلنسان في االتصا

للرقابة وتحقيق حرية التعبير نهائيا ؟ لعل اإلجابة نلتمسها من المقال ذاته مستندا على خاصة بالمادة التاسعة عشر ، اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان أين تم وضع حد للرقابةبالحق في االتصال خاصة مع التي تؤكد على الحق في اإلعالم الذي سيعرف اليوم

و الذي عرف توسعا هاما بالمجتمعات المعاصرة ، التطور التكنولوجي لوسائل االتصالاألول يكمن في تطور وسائل ، هذا النضال يعتمد على مبدأين" . خاصة المتقدمة صناعيا

ترابط االتصال و الثاني مرتبط بحلم تأسيس المجتمع اإلعالمي القادر على خلق التفاهم والكون المبدأ األول يقوم على . واالعتراف باالختالف اإلثني والحضاري لكل المجتمعات

تطور وسائل االتصال مما يمكن من بث واستقبال ردود المستمعين حول القضايا التي Berthold(وهي الفكرة التي أثارها برتولد براخت ، تثار للنقاش وتتعلق بعالمهم المعيش

Brecht (در ألمانيا النازية على أن تتحول اإلذاعة إلي وسيلة توزيع و اتصالعندما غا ،وتكون كذلك إذا ما تمكنت من اإلرسال و ، اإلذاعة يمكن أن تصبح أرقي وسيلة لالتصال

رأي في " دارسي"، ما هو مهم أن )4(االستقبال أي إعطاء المتلقي فرصة السماع و التكلم سالشئ الذي يتفق معه هبرما. كري و السياسي الحق في االتصال منبعا لإلبداع الف

عندما جعل وسائل االتصال كوسيط لتطوير الديمقراطية و تأسيس العدالة االجتماعية، فهل تساهم ).Rawls(و راولس سهذا ما شكل جوهر المجادلة التي دارت مابين هبر ما

1 Auby (Jean Marie), Ducos-Ader (Robert), Droit de l’information, Edition Dalloz 1982, pp : 12-13 2 Balle(Francis),Média et société, édition Montchrestien – Paris, pp : 263-264 3 Ibid, p : 264 4 Ibid pp :264-265 ( Voire aussi Derradji Ahmed , Le droit de la presse et la liberté d’information et d’opinion dans les pays arabes, édition Publisud 1995, p :23-24)

Page 43: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

31

في ) راديو و صحيفة(ية أو كالسيك) انترنت(وسائل اإلعالم و االتصال مهما كانت حديثة بناء كل من الرأي العام و الفضاء العمومي ؟

II -وتكوين الرأي العام الفضاء العمومي: :الفضاء العمومي - 1

يعرف هبرماس الفضاء العمومي باالستعمال العمومي للعقل وذلك عن طريق اإلعالن أي مرتبط بالقراء هبرماسما يبينه فاإلعالن مثل، االنتقال من النبيل إلى البورجوازي النشط

الذين يقرؤون النصوص األدبية التي تأخذ كصيغة تعبيرية لتمثيل النبالء و تشكل الطبقة كذلك قراء ). 1)(النبالء(الجديدة المكونة من األدباء الذين يتقربون من البالط الملكي

مومية للمدينة، األحكام الصادرة عن مجلس الحكم و المعلقة على الجدران بالساحة العقراءتهم لألحكام و مناقشتهم لها بالساحة العمومية شكل ما اصطلح عليه رجال القانون

و منه أتى مصطلح إعالن ، بالعموم الذين تكون لديهم الحكم و سوسيولوجيا الرأي العام)Publicité ( الذي يختلف عن ما هو معروف عند الفرنسيين بالترويج)Réclame .(

الصيغة القانونية و السياسية ؛ و هو كذلك مصطلح متعدد إجرائيا، بينما الثاني فاألول أخد و هو بذلك ال ، تجاري استهالكي يحكمه قانون السوق هدفه الترويج لسلعة أو خدمة

و كي ، ينفصل عن التسويق لكونهما يقومان على دراسة السوق و الزيادة في االستهالكتعقد . ما هو تجاري نستخدم كلمة إشهار للثاني نميز بين ما هو قانوني وسياسي عن

المصطلح من حيث الفهم و ما يقابله باللغة العربية لكونها مصطلحات غربية نشأت ضمن هبرماسعند مترجمي ) Sphère publique(فالفضاء العمومي، سياق فكري ثقافي غربي

لنبالء باألدب مع جاء نتيجة احتكاك ا) Sphère privée(الذي يختلف عن الفضاء الخاصو هذا ، تخصيص غرفهم لالستقبال للتعبير عن ذواتهم و تشخيصها في أدوار مسرحية

مما أدي إلي تشكل طبقة جديدة ، االنزالق من شأنه أن يشكل فضاء عاما مرتبط بالمسرحو التي أصبح لها كذلك ، عرفت بالبورجوازية النشطة بحكم ما تمتلك من مؤسسات إنتاج

فهل العالقة بين ما هو إعالن و ما هو ، أدي بها إلى تكوين أحزاب سياسية نشاط سياسيعمراني و ما هو مسرح و ما هو حزب بالنبالء والطبقة الجديدة شـكلت الفضاء العمومي ؟ أم أن هذه األشكال في حد ذاتها نعتبرها فضاءات عمومية ؟ و عليه كان

و ما هي عالقته باالتصال وهل يساهم سؤالنا الجوهري كيف تكون الفضاء العمومي ؟ في تكوين التواصل و الرأي العام ؟

1 Habermas Jürgen , L’espace public ,Op-cit, p :36

الفضاء الخاص

Page 44: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

32

:اإلعالن -ا

وضع مصطلح فضاء عمومي في سياقه التاريخي و ربطه باإلعالن يعود بنا بمعية و كيف ، الءإلى االستخدامات األولي للفضاءات الخاصة مع نشأتها عند النبهبرماس

اإلعالن ، هبرماسساهم اإلعالن في تكوين طبقة البورجوازية ؟ بناءا على تصور بحيث ارتبط بعدة انتاجات أدبية وقانونية ، تاريخيا شكل تصورا مختلفا إجرائيا

من خالل ، و اجتماعية ساهم في تكوين طبقة اجتماعية بفعل التنشئة االجتماعيةبحيث ، ة لإلعالن، ومنه كان التأثير واضحا على تشكل الرأي العاماستخدامات المختلف

فإلى أي ، و منه تعددت أنواعه بحكم استخداماته، أصبح ال ينفصل عن الفضاء العمومي حد و صل هذا التعدد ؟ و ما هي حدوده التطبيقية ؟

تكون ) Public(يتبين من خالل نص هبرماس أن العموم :اإلعالن العموم و نشأة -1-او نفس التصور انتقل إلى فرنسا ، بإنجلترا في أواسط القرن السابع عشر للداللة على العالم

أو الحضور ، القصص ر إلى القراءأين كان يشا، )frères Grimm(جريم بقاموس اإلخوة بكلتى الحالتين العامة مجموعة موجهة ، باألماكن العموميةيستمعون إلى العروض نالذي

تلك هي الصياغة التي ، عن طريق اإلعالن أو نحو حكم يظهر للعموم، اكممن قبل الحو هو بذلك يشير إلي اإلعالن الغير موجه بالقيم ). 1(بنى حولها هبرماس تصوره لإلعالن

وحدة الوعي ، يقوم على وحدتين كانطفاإلعالن مثلما يذهب إلى تعريفه ، التسويقيةو منه يبين هبرماس أن ، تان تكونان الرأي العامالل، و وحدة الوعي الخالص، التجريبي

فهناك ، و على إثر يتشكل الرأي العام.اإلعالن يقوم على توعية العامة بجعل النقاش عام صلة بين النقاش العام واإلعالن و تكوين الرأي العام مما يدفعنا للتعرض إلى التصنيفات

صفات كلها ترتبط بالجمهور أو العامة فاإلعالن يأخذ عدة موا. التالية الخاصة باإلعالن ) : 2(من حيث التأثير ونوعية االستجابة

يقوم بوظيفة ايجابية تمكن العامة من استخدام العقل قصد فهم :النقدي أ اإلعالن-1-االقضايا التي بث فيها القضاء حكما، بمعني جعل الجلسة النقاشية لمجلس القضاء وإصداره

عامة، هذا من جهة و من جهة أخري يمكن العامة من تكوين موقفا لألحكام على مسمع الو يطالب من خالله أن يغير منه إن لم يكن في ، يتعارض به مع السلطة كمصدر للقانون

و بالتالي نقول أن اإلعالن النقدي أهم مصدر في تكوين الفضاء العمومي و . صالحه

1 Ibid p :37 2 Ibid p: 228-229

اإلعالم الفضاء العمومي

و الرأي العام

المسرح

اإلعالن

Page 45: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

33

ن األحزاب و النقابات و قادة الرأي المشـكلين الرأي العام، و هو بهذا المعني أساس تكو . للمجتمـع المدني

و يعد وسيلته ، يقوم على مراوغة العامة و تظليلها من جهة : التمويهي اإلعالن ب-1-اكأن نقول أن قادة الرأي خاصة أولئك المنخرطين في السلطة يسيرون ، من جهة أخري

من أجل النقد بل من أجل التظليل ؛ و بالتالي تغييب اإلعالم الذي يستخدمونه ؛ ليس ، مما يمكننا من القول أن هذا الشكل من اإلعالن شكل أساس الدعاية. الرأي العام

" آنة أرندت"إذ تعتبرها فالدعاية كممارسة سياسية تقوم على المراوغة تستند على الكذب، أنها أساس الهيمنة التوتاليتارية، فهي إذ تقول ب، ل األساسية لتحقيق الهيمنةمن بين الوسائ

و حتى ، تبذل جهدا لكي تمسك بكل المناهج المستخدمة في الدعاية لسياستها الخارجيةإذ يتقدم المرشح للجمهور قصد ). 1(خاصة تلك المستخدمة في االنتخابات ، ضمن قنواتها

:أسس ةانتخابه باالعتماد على أربع .يزماتية في خدمة العامة تقديم رئيس الحزب كشخصية كر - .حملة دعائية تقوم على إيقاظ الشعور بالخوف و الحاجة - .اتفاق مع أصحاب السلع على عدم رفع األسعار إلي ما بعد االنتخابات - . حسن توجيه الوعود -

بالرغم من الوعود التي يتقدم بها ، مثل هذه األسس تخدم فئة على حساب فئة أخريإال أن األسعار و الشعور بالخوف يشكالن الشعارات الدعائية ، مثال المرشح للرئاسيات

مثل هذه األساليب أصبحت متداولة عند غالبية المرشحين ، الخاصة بالحمالت االنتخابية . سواء في العالم الصناعي أو في العالم الثالث

لبرامج ويقصد به ذلك الذي يقوم بالشرح و التوضيح :التفسيري اإلعالن ج-1-اخاصة إذا ما ، األحزاب المعارضة و النقابات و الجمعيات المنتمية إلي المجتمع المدني

فهي تقف بالشرح والتوضيح ضد التوجه الذي ، صدر قرار يخالف التوجه العام للمجتمعو بالخصوص األمر الذي أحدث أزمة ثقة بين العامة و ، سلكته السلطة مخلفة أزمة

ا تقدم تلك الجمعيات و األحزاب المشكلة للمجتمع المدني الحلول الناجعة عنده، السلطة ). المجتمع(لحل األزمات التي تتخبط فيها العامة

و يخص بالجلسات القضائية أين يتم االحتجاج على حكم :د اإلعالن االحتجاجي-1-اريقة احتجاجية و النوع ذاته يتم استخدامه بالمنتوج الثقافي كط، صادر عن مجلس القضاء

و هذا من باب أن المنتوج الثقافي يساهم في ، تستخدمها العامة عن طريق قادة الرأي ).2(بلورة الموقف بحيث أنه يبسط المواقف للعامة

يتضح جليا مما تقدم أن هبرماس كان متأثرا إلى حد ما بالنتائج المتوصل إليها من قبل ن الحملة االنتخابية التي قادها روزفلت عندما عندما قام بدراسة امبريقية ع، يلدالزارسف

كان أكثر حول تأثير اإلعالم على اهتمامه يلدالزارسفإال أن . تقدم كمرشح لعهدة ثالثة التي مفادها أن القائم باالتصال ينقل ، مما مكنه من تأسيس نظرية التأثير المحدود، المتلقي

وهنا يستخدم االتصال ، الشخصيةالرسالة اإلعالمية إلى الجمهور بحكم العالقات وهذه العالقة تمكنه من إقناع المتلقي بمصداقية البرنامج ، الشخصي كنوع من االتصال

1 Arendt(Hannah), Le système totalitaire، Le Seuil, 1970, p : 68 2 Habermas Jürgen , L’espace public ,Op-cit,p:210

Page 46: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

34

فالجمهور بهذا المستوي يمتاز بالبساطة ويعبر عن ). 1(الرئاسي المقترح من قبل المرشحلنظرية هبرماس من هنا كان البد من تحديد الحدود التطبيقية ، قابليته للمراوغة السياسية

فعلى أي أساس وضعت الحدود التطبيقية ؟ وهل هناك عالقة بين اإلعالن و ، في اإلعالن الرأي العام ؟ و إلى أي حد تصل هذه العالقة أمام الحدود التطبيقية ؟

:المسرح -بمن الصيغ االتصالية و المشكلة في ذات الوقت القنوات االتصالية مع الجمهور، نجد

من التشكيالت التي تكون الرأي العام و مظهرا من الفضاء هبرماسره يعتبذي المسرح الفالمسرح كشكل من االتصال الجماهيري برهن على قدرته في التأثير على . العمومي أرسطوو هذا ليس فكرة العصر، بل تمتد في أصولها إلى العهد اليوناني مع ، الرأي العام

). الملحمي(سرح األرسطي أو التراجيدي و المعروف بالم، واضع أسس المسرحيعتبر المسرح شكال أدبيا أستخدم من قبل النبالء كوسيلة ترفيهية، أين هبرماس فـ

و بها يسمح للخدم و ، أين تلعب األدوار المسرحية، )2(صالوناتهم كمسارح ااستخدموو على حسب ،و تحول الفضاء من الخاص إلى العام، الجنود أين يحضروا هذه العروض

ال يعتمد على المسرح بالمفهوم األرسطي بل فهبرماس. رأيه يتشكل الفضاء العمومي ألن أطروحته األساسية تتمثل في أن ، كوحدة تاريخية ساهمت في تشكيل الفضاء العمومي

المجتمع البورجوازي هو الذي شكل الفضاء العمومي نتيجة االنزالق من الفضاء الخاص عندما حدد التشكيالت Pierre Bourdieuال يختلف في ذلك مع . عام إلى الفضاء ال

، إال أن االنزالق )3(االجتماعية التي ارتبطت بالمسرح خاصة البورجوازية الممثلة بكتابهاالمسرح الحر الذي سمح لقراء الروايات من 1887الذي حدث بالمسرح شكل و بداية من

مثلة بالروايات شكلت عروضا مسرحية و كونت فاإلنتاجات األدبية الم، حضور العروض .لها جمهورا

و أن الطبقة ، قد ال يختلفان بورديو مع هبرماس في كون المسرح مرتبط بالمجتمع . االجتماعية تتدخل بشكل أو بآخر في تحديد طبيعة اإلنتاج األدبي و بالتالي نوع المسرح

و أن المسرح ، دان طبيعة الرأي العامهذا مما يسمح لنا بالقول أن المجتمع و طبقاته يحدفكان البد من مراعاة موقعه داخل المجتمع من خالل ، يرتكز في األساس على اإلنسان

النص األدبي أو المسرحي، ألن اإلنتاج سواء أكان أدبيا أو عرضا مسرحيا هو تعبير عن الفكرة ذاتها ، فالمسرح تعبير ضمني عن إيديولوجيا تحركه. ااإلنسان الموجه إيديولوجي

اتخاذ قرارات إزاء به إلى يدفعو ، دثـالمتفرج إلى مراقب للحنجدها عند بريخت الذي يحول . )4( ومقارعة الحجة بالحجة، المناقشة و الجدل اظفمو هعليو الحكم ، ما يحدث

لعل المسافة التي طرحت من قبل بريخت وجدت لها أرضية بالمسرح الجزائري منذ أين أقحم الجمهور بغية تنمية وعيه عندما يدمجه ضمن أحداث ، لونشأته مع عال

عاللو ال ينتج شكال ثقافيا بل يدفع بالحركة اإلنتاجية لرسم خطوط الثقافية من ، المسرحيةما هي إال آليات ، و حتى الضحك الذي تتميز به مسرحية جحا وغيرها، خالل المسرح

1 Maigret (Eric), Sociologie de la communication et des médias, Armand Colin, Paris , 2003 , p : 76-77 2 Habermas Jürgen , L’espace public , Op.Cit , ( p : 49) 3 Bourdieu ( Pierre ) , Les règle de l’art , Seuil , Paris , 1998 , pp : 200-201

15-13: ص ، 2000، 1ط، ترجمة وتقديم فاروق عبدالوهاب ،هال للنشر و التوزيع، ون الصغيراألورغان) : برتولد(بريخت 4

Page 47: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

35

ن يعتمد على لغة تبتعد إلى حد ما عن الشعبية، مثل هذا اإلدراك وإن كا). 1(لمعرفة الذاتفهذا االبتعاد مكن الجمهور من أخذ موقف آني من األعمال المسرحية التي تعـرض

فإذا كان ميالد المسرح ، مثل هذا الموقف شكل حكما معياريا لإلنتاج الثقافي، أمامهموروث الثقافي فهل هذا يعني االنسالخ عن ال، بالجزائر رسم الخطوط لثقافة جديدة

اإلسالمي ؟ عمل عاللو تميز بتلك التحويرات للموروث الثقافي اإلسالمي مما شكل نفسا مثل هذا الوعي التاريخي جعل المسرح ، جديدا مكن من ميالد مجتمع متأصل تاريخيا

التاريخ ينزلق من إنتاج المعني الثقافي إلى إنتاج أفكار تحسيسية تحفر في العمق الشعور 1922و بأول عرض مسرحي عام ، فروح المسرح الجزائري و منذ تشكله، يةبالوطن

طرح قضايا وطنية بعد ما استهل العمل المسرحي على نقل اللغة العربية من الكالسيكية مثل هذه الحركة ). 2(حتى يتم ربط المتلقي بالنص المسرحي من خالل اللغة، إلى الشعبية

التي زرعت في ، يص الجزائري من األفكار الخرافيةالتي كانت تهدف في البداية إلى تخلمثل عطيل لشكسبير، و تحويل اللغة إلى لغة ، أذهانه من خالل اقتباس أعمال مسرحية

لـسي عبد الرحمن " المولد"و بنفس الصياغة تم تحويل اللغة عند عرض مسرحية ، شعبيةترتبط بالوطنية بغية إنارة ، لينتقل إلى أهداف أخري )3(و منه تم تطور المسرح، الجياللي

خاصة تلك المرتبطة باالستعمار و كيف يمكن ، وعي الشعب الجزائري نحو قضاياه . التخلص منه

لم يبقي المسرح الجزائري مرتبط بطرح قضايا التحرر بل استمر بعد االستقالل في فلم . لهاتجاه قضاياه الجوهرية المرتبطة بمصير األمة و مستقب) الشعب( توعية الجمهور

يتخلي القائمون على المسرح عن واجبهم تجاه الجمهور في توعيتهم و إنارتهم نحو قضايا مثل هذه األفكار طبعت األعمال المسرحية خاصة تلك . جوهرية تخص عالمهم المعيش

عندما حاول أن يحدث ثورة بالمسرح ويبتكر نوعـا علولة عبد القادرالتي تميز بها عن الديكور و يستعين بأكسيسوارات رمزية تمكنه من وضع األسس أين يستغني، جديدا

عرفه بالحلقة أي مسرحا متجوال باألسواق مكونا فضاء عموميا ، لشكل جديد من المسرحفكرة الحلقة التي تستغل األماكن . يقوم على قنوات اتصالية ترتبط بين الممثل والمتلقي

شكلت فضاءا عموميا أين يتم إثارة قضايا بسيطة تو بأكسيسوارا، العمومية كاألسواقكأن نقول أنه يستخدم اإلعالن النقدي بغية نقد قضايا مرتبطة بالعالم ، تنمي الوعي

ألنه وخالفا عن المسرح . هذا و إن صح التعبير ووفقا للمنطق الهبرماسي ، المعيشن التوعوي أو اإلعال، األرسطي أين يتم التأثير على المتلقي تراجيديا و تغييب وعيه

النقدي بالنسبة لهبرماس هو قريب من الشكل المسرحي البرختي الذي يعتمد على خلق فبريخت و علولة يتفقان على نقطة واحدة و هي تنمية . مسافة بين الممثل و الجمهور

فالفضاء العمومي الذي يتشكل من خالل ، الوعي و جعله قادر على إدراك العالم المعيشلما اعتبره كانط و استثمره هبرماس باالستعمال ) Catalyseur(منشطا الحلقة يعتبر . العمومي للعقل

1 Djeghloul ( Abdelkader), Eléments d’histoire culturelle, ENAL-Alger, 1984, p : 125 2 Bachetarzi (Mahieddine) ,Mémoire tome III , ENAL-Alger 1986 ,pp : 22-23 3 Ibid , pp :38-39

Page 48: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

36

:الرأي العام-2و الذي اعتمد بموسوعة ) Edmund Burke(وضع للرأي العام كان من قبلأول تعريف

Oxford لعامة ما هو إال نقاش عام للمصالح ا، أين يشير على أن الرأي العام، 1871عامالرأي العام في األصل ). 1(بينما ربط روسو الرأي العام باإلرادة العامة، أو روح العامة

و هو الموقف يأالر وتعني إبداء Opinarيتكون من كلمتين الرأي من األصل الالتينيمثل هذا النقاش كان يخص ، الذي يتشكل على إثر نقاش سياسي حول قضايا تخص العموم

ارتباط الرأي العام بوسائل االتصال . وهم العموم و منه أتت كلمة العامةفئة من المجتمع الجماهيري جعله يأخذ عدة تصورات على حسب درجة تأثير وسيلة اتصال على الجمهور

و هناك ، مما جعل البعض يقول بعدم و جوده ألنه يتم صناعته، وتغيير سلوكهم االنتخابيفهناك الثالوث الذي يتكون من . يق اإلعالم من يري بأن الرأي العام يتكون عن طر

و بهذا الشكل يتكون االتصال ، السياسية و اإلعالم و سبر اآلراء في تشكيل الرأي العامو لتبيان المواقف المتداخلة حول الرأي العام نضطر إلى العودة إلى األصول .السياسي

فالدراسات . كون مفهومه من حيث أنها أساس ت، أو الدراسات األولي التي أقيمت عليهالتي أقيمت من قبل علماء االجتماع السياسي و الفالسفة بداية من أفالطون الذي اعتبر

هإال أن هوبز و باعتبار. الرأي موقف البسطاء الذي ال يشاركون في تسيير دولتهم الدينية يربط الرأي العام بالوعي األخالقي نظرا لتأثره بالحروب، مؤسس العلوم السياسية

أين يعطي مرتبة لألمير لحل النزاع ما بين المتخاصمين، و هو اإلنسان الذي يكون األكثر غير أن روسو يربط الرأي ) . 2(تمييزا عن اآلخرين و هو الذي يكون قاضيا و حاكما

أين ) Discours sur les sciences et les Arts(و هذا ما نقرأه بكتابه ، العام باإلرادة العامةعلى أنه أساس النقد و اإليمان ومنه تتأسس ، بقي على مفهوم الرأي و يحدد تصوره العامي

، ةغير أن ماركس يعتبر الرأي العام وعيا زائفا يخفي مصالح البورجوازي. الديمقراطية و الفكرة ذاتها ذهب إليها أدورنو عندما ربط الرأي العام بذلك الذي وجب عليه القضاء

و أن الرأي العام هو تعبير تاريخي لتنشئة اجتماعية نتجت عن تأثير ، نعلى الرأي المهيم . النسق العام للسياسة المهيمنة

بل أصبح متأصال ، لم تقتصر اآلراء حول الرأي العام على ما هو فلسفي و اجتماعيفالرأي العام و اإلعالم ارتبطا . بالدراسات اإلعالمية لكونهما ارتبطا وبشكل عضوي

و عليه بنيت عدة نظريات تبين كيف يتم ، عضوية إن صح التعبير بسبر اآلراءبحلقة عملية الصناعة هذه تخضع لمعايير و تقنيات أثبتت . صناعة الرأي العام بواسطة اإلعالم

، نجاعتها ببعض الدراسات اإلمبريقية خاصة تلك التي عرفت بالواليات المتحدة األمريكيةو كل ميكانيزمات الهيمنة بما ، الم الغربي الذي أنتج الحداثةفالدراسة األولى نشأت بالعفهل هناك حدود لهذه الصناعة ؟ و هل تنطبق على بعض ، فيها صناعة الرأي العام المجتمعات دون غيرها ؟

1 Habermas Jürgen ,L’espace public , Op.Cit , p :106 2 Hobbes (Thomas) , Le Leviathan , Edition Sivey , 3°tirage 1983, p : 93.

Page 49: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

37

: من بين التصورات التي افترضت صناعة الرأي العام نجد Maxwell McCombsقبل كل مفهوم األجندة الذي قدم من: نظرية األجندة -أ-2اللذان قدما آلية لمعرفة و مقارنة الرأي العام الموجه من قبل اإلعالم، Donald Schawو

فاألجندة سلسلة من األولويات و فق رهانات سياسية . عن ذلك الموجه من قبل المواطنين Bernard Cohenفاإلعالم و على حسب المعادلة الشهيرة لـ، مرتبة على حسب األهمية

المعادلة مفادها أن مثل هذه .)1(اإلعالم ال يقول كيف يجب أن نفكر بل حول ماذا نفكرمن حيث كونه معرض على الدوام لسلسلة من ، اإلعالم قادر على تكوين الرأي العام

مستخدمة صيغ اقناعية تعمل على استمالة الرأي نحو اتجاه سياسي أو ، الرسائل اإلعالميةو عليه أقيمت رهانات على اإلعالم . قرار سياسي يخص بمصير األمة موقف من

خاصة تلك التي لها اتصال بالجمهور، و تعمل من أجل تغيير ، و وسائل االتصال عامةأصبح عرضة ، كون الجمهور غير متجانس و متعدد بحكم اتصاله باإلعالم. رأيه

لت جبهة مشكلة من فئة تحسن استخدام فهل األمر يبقي قائما إن تشك، ألهداف سياسيةو المعرف باستخدام العامة للعقل ؟ ، من كانط هبرماسالفضاء العمومي الذي استلهمه

وكيف يمكن لوحدة التفاهم المؤسسة بفعل التواصل أن تغير من هذه المعادلة ؟ وهل يمكن تأسيس قناة اتصالية تعتمد على الحق في االتصال كمنشط لها ؟

من تصور حول Neumann-Elizabeth Noelleلعل ما قدمته : نظرية لولب الصمت -ب-2و هذا عندما . اإلعالم الذي يضغط على الرأي العام عندما يتدخل بالفضاء االجتماعي

و ، باستخدام تعبيرات عامة خاصة بهم، يغير رأي العامة المصنوع من قبل األفرادأين تم اإلعالن عن ، باالنتخابات الفيدرالية 1965انيا عام استندت على تجربة جرت بألم

و كان هذا اإلعالن يراد منه التأثير على ، المسيحيين باالنتخابات نتقدم الديمقراطييو كان هذا اإلعالن بمثابة كرة من الثلج أين يتتابع الناخبون ، الناخبين الذين لم يقرروا بعد

، ل القطار يمشي و في كل محطة يجر عربة جديدةوعرفت كذلك بجع، نحو رأي األغلبيةتتبع األغلبية خوفا ( و هذا ما عرف بمبدأ التتابع الناتج من الشعور بالخوف من العزلة

. سبب هذا الشعور ناتج عن الفردانية التي يعيشها المجتمع الغربي). من الشعور بالعزلة ( رتبت عن خروج قادة الرأيفكرة ت ،وسائل اإلعالم تقول ما ال يجب أن نفكر فيهف

من السجال العام و تشكيلهم لرأي مهيمن على ) خاصة صحفيو وسائل اإلعالم المختلفة . شكل لولب الصمت

تعتبر انتقادا صريحا لنظرية لولب Serge Moscoviciلعل فكرة األقلية النشطة لـث تغير بالـرأي فالفكرة قائمة على أسس نفسية أين األقلية تساهم في إحدا). 2(الصمتو مثل هذا التصور يقدر له أن يكون محركا للجمهور الذي يرنو إلى التحرر من ، العام

فاألقلية النشطة تحرك األغلبية الصامتة . قيود سادة اإلعالم الذين تحركهم المصلحة هل هي ، فاألطروحة التي تقول أن سبر اآلراء يصنع الديمقراطية، ضمن فضاء عمومي

أم أن العامة التي تنشط بالفضاء العمومي و المستخدمة لقنوات اتصالية هي التي قائمة ؟ تؤسس الديمقراطية التي تصنع من قبل الرأي العام الذي يجسد سيادة العامة ؟

1 In Maigret (Eric), Op.Cit , ( p :197 ) 2 Ibid , (p :200 )

Page 50: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

38

يتبين مما سبق و استنادا لمنطق هبرماس :الرأي العام غير موجود أن فرضية -ج-2ت بالمجتمعات البورجوازية المؤسسة للفضاء أن الرأي العام مقولة تاريخية ارتبط

و اإلعالن ، أي جعل القرارات السياسية في متناول العامة، العمومي عن طريق اإلعالنو من منطلق أن الرأي ، إال أن التساؤل المطروح، يخص القراء كما تم اإلشارة إليه سابقا

ح التساؤل حول معرفة يطر، العام صناعة بورجوازية تتدخل في صناعته وسائل اإلعالمو ، حدود هذه الصناعة ؟ و بأي وسيلة يصنع ؟ لعل الدراسات التي تقام على الرأي العام

، تأسيس مراكز سبر اآلراء بالدول المتقدمة صناعيا بغية التنبؤ بنتائج الحمالت االنتخابيةزفلت و الفكرة و هنا نشير إلى الدراسة التي قام بها الزارسفيلد عن الحملة االنتخابية لرو

و في هذا السياق نجد موقف ، لم تبقى محصورة بالواليات المتحدة بل انتقلت إلى أوروباPatrick Champagne الحمالت االنتخابية و التأثير عندما ربط ، واضحا من سبر اآلراء

الذين يستخدمون طرق إلتوائية للتأثير على الرأي العام ، بسابرو اآلراء الرأي العام علىهذا ما أشار إليه هبرماس عندما قدم تصنيفاته لإلعالن ومنه ) . 1(بل عملية االقتراع ق

إال . و هو المنطق الذي يحكم الدعاية ، )Publicité de manipulation(اإلعالن التمويهي أن األمر يختلف عندما نجد بعض القوانين تمنع نشر نتائج سبر اآلراء قبل أسبوع أو

مما يجعل الخبر قابل للنقد خاصة ، األحيان شهرا قبل يوم االقتراع و في بعض، أسبوعينأين تكون نسبة من المصوتين ، عندما يعلن مسبقا فوز مرشح بناءا على نتائج سبر اآلراء

لم تأخذ بعد قرار التصويت و لصالح من ؟ مثل هذه الفئة تكون مستهدفة من عملية فإلى أي حد تذهب ، من نظرية لولب الصمتو الفكرة ذاتها نجدها ض، اإلعالن الدعائي

Pierre(فرضية أن الرأي العام غير موجود ؟ مثل هذه الفرضية دافع عنها بيار بورديوBourdieu (بمقال نشر له بـ Les temps modernes و أعاد نشره بكتابه ، 1973عام

لفرنسية و هذا تأكيدا لما حدث له بعد مروره بالقناة ا، مسألة السوسيولوجياو المنشطة ، )Arrêt sur image(في حصة وقفة أمام الصورة ) France 5(الخامسةبعد عملية التعداد للمقاطع المسجلة و المفترض ، Daniel Schneidermannمن قبل

La Télévision peut-elle(هل التلفزة تنتقد نفسها؟: أن يعلق عليها بالمنطق التاليcritiquer la télévision ? ( فتبين أن الحصة تعرضت لعملية الرقابة و أن التعليق تم

و لم يقتصر األمر على ذلك بل حتى الضيوف تم تغيير صفتهم من مستشار ، التالعب به Alain Jupéلـ مستشار Guy Sorman بحزب إلي اقتصادي مثلما هو الحال بالنسبة لـ

)2.( رتبط بالوعي مثلما هو الحال عند ماركس و مفكرو في األصل الفلسفي ا الرأي العام

فاإلرادة العامة ناتجة ، و كذلك باإلرادة العامة عند جان جاك روسو، مدرسة فرانكفورتعن حصيلة اتفاق بين عدد من اإلرادات الفردية مما يمكنها إن توجه سلطة الملك

، تبه خاصة العقد االجتماعيو تقيدها الشيء الذي لم يرضي به الملك وأمر بمصادرة كغير أن األمر اختلف مع تطور وسائل االتصال منها التلفزيون الذي انتظر منه أن يساوي

فالتلفزيون بإمكانه أن يحول المتلقي إلي هدف وفق قاعدة المثير و ، بين جمهوره

1 Champagne (Patrick), Pour en finir avec les faux débats sur les sondages, Le monde diplomatique, Juillet 1995 2 Bourdieu (Pierre), Analyse d’un passage à l’antenne , le monde diplomatique , Avril 1996

Page 51: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

39

ال لن تكون فإلى أي حد يضلل التلفزيون جمهوره ؟ اإلجابة عن هذا السؤ، االستجابةألن الفلسفة تريد ما يجب أن يكون، و هو ما كان ينتظر من التلفزيون من أن ، فلسفية

بينما الدراسات اإلمبريقية التي يقوم بها باحثو العلوم االجتماعية أنه ، ينمي الرأي العاموعليه ذهبت الدراسات إلي ). 1(أكثر تأثيرا على الجمهور من وسائل االتصال األخرى

، حث في دواليب صناعة الحصص التلفزيونية و كيف يتم صناعة الرأي العامالبهذه السيطرة يتم ، )2(فالتلفزيون يسيطر على التكون العقلي بالنسبة لعدد كبير من الجمهور

درج عند . التلفزيون خاصة عندما يتم إعداد الحصص التلفزيونية " بالطو"فبركتها داخل يمكن من معرفة درجة ميل ) Audimat(ياس جمهور التلفزيون الباحثين االجتماعيين أن ق

و منه تشكلت مؤسسات قياس الرأي العام، فهل مثل هذه ، الجمهور نحو قضية أو رأيالمؤسسات تمكن من بناء الديمقراطية ؟ أم أنها تأخذها كغطاء بغية تحقيق مصلحة ؟ مثل

و تنفي بذلك فكرة أن ، صناعتههذا النوع من القياس جعل فرضية أن الرأي العام تتم لعل مناقشة فرض أن الرأي . الرأي العام يتكون بفعل المناقشة داخل فضاءات عمومية

واستنادا على الدراسات االجتماعية التي فرضت ، العام يصنع و مثلما أشير أعالهه مرتبط خالفا لما كان يعرف به أن، الذي يقال فيه أن الرأي العام هو سبر لآلراء، تعريفها

مثل . وقراء الصحف و رسائلهم ، بالساسة و أحزابهم و مناضليهم و بالنقابيين و مؤيديهمفاألرجح بالنسبة لسابري اآلراء أن يجعلوا من ، هذه الفئات تشكل رأيا عاما خاص بها

، و الحجة أن الجمهور ال يتمتع بنفس درجة الذكاء. قياسهم آلية لصناعة الرأي العام بأن القدرات العقلية تختلف، فالقول بيار بورديوذلك ؟ عن هذا السؤال يجيب فكيف يتم

فهذه مغالطة ألن رؤية لوحة فنية تختلف من ، أن الرأي العام حاصل جمع إلرادات فرديةومنه ال يمكن ، )3(و أن التنقيط باالمتحان يتراوح بين الواحد و العشرة ، شخص آلخر

بل هو ، بالمواصفات التي طرحت من قبل جان جاك روسوالقول أن الرأي العام موجود و خير دليل على ذلك تلك التعليقات .صناعة إعالمية تمكن سابرو اآلراء من التحكم بها

أين تم وصف المتسابقين لقصر ، 1995التي صاحبت االنتخابات الرئاسية الفرنسية لعام على شاكلة الذين يتسابقون على بالفرسان الذين يصولون على التراب الفرنسي هاإلليزي

، )4(اإلعالم حول مرشحو الرئاسيات إلى ملوك و نبالء ) . Arthur(مؤدبة الملك آرثر، بالرغم من أن الثورة الفرنسية أرادت و من خالل مبادئها أن تبني مجتمعا ديمقراطيا

فكيف يتم بناءه ؟ و ما هي األسس التي يقوم عليها ؟ فكرة ، و استنادا على كل من جان جاك روسو و كانط، العامالرأي هبرماس يعتبر

و يعلن ، بحكم أن اإلنسان العاقل يدرك العالم، تبلورت فلسفيا كمقولة تاريخية و إنسانيةبالرغم من كون اإلدراك مختلف ، ، فاإلعالن يقوم على اإلدراك كتعبير عن الرأي)5(عليه

، أن ثمة كلية عقلية تجمعهم بالنسبة لكانطإال، من حيث الدرجة و المعرفة عند كل إنسانهذا ، و الرابط بين التصورين اإلعالن، و إرادة عامة تجمعهم كذلك بالنـسبة لروسو

)67-66: ص ص ( 1975، دار النهضة العربية ،القاهرة، ،آيف نفهم وسائل االتصال) مارشال( لوهان ماك 1

2 Bourdieu (Pierre), Sur la télévision suivi de l’emprise du journalisme, édition raison d’agir, Paris, 1996 (p:17) 3 Bourdieu (Pierre), Questions de sociologie, Les Éditions de minuits, Paris, 1980 ,(pp. 226-227). 4 Souchier (Emmanuel, Jeanneret (Yves),Mythes , Médias et démocratie (L’élection présidentielle ou la quête du graal ) , Le Monde diplomatique , Juillet 1995 5 Habermas ( Jürgen) , L’espace public , Op.cit , p : 106

Page 52: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

40

األخير ليس تمويهي بل قائم على أسس أخالقية تشكل االتفاق عند روسو والتعالي عند ني ؟ وهل هذه العالقة فبماذا يرتبط الرأي العام ؟ و ما هي عالقته بالمجتمع المد، كانط

بين الرأي العام جمع أين هبرماسمبنية على اعتبارات أخالقية ؟ لعل النسيج الذي أحاكه الشيء الذي دفعنا إلي ، و الكل متضمن بما عرفه بالفضاء العمومي، و المجتمع المدني

مجتمع تتبع هبرماس حين ربط الرأي العام كمقولة تاريخية تتشكل ضمن اإلعالن مبرزة ال . المدني

ال يفصل المجتمع المدني عن الرأي هبرماس : المدني و المجتمع الرأي العام -د- 2و غالبا ما يفترض ارتباطه باألماكن ، لكونهما متضمنان بالفضاء العمومي، العام

فهذه المنتديات ، أين يدار النقاش حول قضايا سياسية و اجتماعية و حتى ثقافية، العموميةة من قبل النشطاء ؛ يشكلون المجتمع المدني ؛ و الذين يتكتلون ضمن جمعيات المنظم

إال أن ضمن مجتمع اتصالي فكرة الفضاء العمومي . ومنظـمات و أحزاب سياسية ، أين أصبح المجتمع ال يقبل الصمت، أصبحت أكثر اتصاال بوسائل االتصال الجماهيري

ني و باستخدامه لوسائل االتصال قادر على فإلى أي حد يمكن أن نقول أن المجتمع المدصناعة الرأي العام ؟ تلك هي الفرضية التي ناقشها هبرماس عندما أعاد كتابة االفتتاحية

أين راجع المنهجية المتبعة في نشرته ، للطبعة السابعة عشر العموميلكتابه الفضاء ارتبط عند كل من يطور مفهوم المجتمع المدني الذي هبرماسفـ. 1962األولـي عام

ألن في األصل البورجوازي النشط هو الذي شكل ، هيجـل و ماركس بالبورجوازيةويصبح بذلك مرتبطا بالتشكيالت اإلرادية ، الطبقة الجديدة المعارضة و قاد الثورة الفرنسية

الخارجة عن دواليب االقتصاد و السلطة و الممثلة بالجمعيات السياسية و النقابات مثل هذه التشكيالت تساهم في تكوين الرأي العام على حسب تصور ). 1(و األحزابضمن المجتمع االتصالي يجدر اإلحاطة كذلك بتلك األعمال التي قام بها . هبرماس، فبين العملين يتبين )2(و المعنونة بالحق و الديمقراطية 1992 و المنشورة عام هبرماس

أين جمع بين ، الت السوسيو تاريخية لـماكس ويبرأنه أحدث نقلة نوعية بين التحليماركس ؛ و هيجل بين كانط بالعمل الثاني أين قدم البعد األخالقي للمجتمع المدني،

فجوهر هذه ، مستلهما في ذلك فلسفة القانون لـكانط، و بالتالي قدم الصياغة القانونية له؛ الذي قامت عليه ) Impératif catégorique(الفلسفة أخالقي قائم على األمر المطلق الصلة بين المجتمع المدني ضمن أعمال . الفلسفة األخـالقية و القانونية الكانطية

إذ ترتبط بالعالم ، التسعينات و الفضاء العمومي تختلف عن تلك التي أنجزت في الستيناتفمثل هذا . هريا أين يلعب النشاط التواصلي دورا جو، المعيش كآلية للتنشئة االجتماعية

النشاط المعتمد باألساس على التدفق االتصالي القائم على اللغة الطبيعية كنشاط يساهم في و ضمن وضعية تخاطبيه تفتح العالقات ، فالفضاء المتقاسم بيذاتيا، بلورة المواقف واآلراء

ما يقدمه ل) Illocutoire(البيشخصية ؛ ملزمتا المهتمين أن يتخذوا موقفا و بصفة انجازيه هبرماسأين يشير ، فعل الكالم ؛ حتى يتم تحديد البنية التحتية للعامة من خالل المجالس

فالفضاء العمومي من هذا التصور يصبح نتيجة ). 3(إلي المجالس القضائية للرأي العام

1Ibid , Préface de 1990 (p :XXII) 2 Habermas (Jürgen), Droit et démocratie, Gallimard, Paris, 1997, p :386 3 Ibid ,p :388

Page 53: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

41

و ، مجردة ترتبط بمتتبعين لمسرح مجسد واقعيا، و من متتبعين افتراضين لوسائل اإلعالمإذا كان مثل هذا األمر مرتبط بالدول المتقدمة صناعيا أين تطور . ء للصحفمن قرا

فهل ينطبق على مجتمع عرف حقبة استعمارية وانتفاضة نتجت ، مفهوم المجتمع المدنيعن ذلك جمعيات سياسية ؟ و هل هذه الجمعيات قادرة على بناء مجتمع مدني ؟ و إن

ت المحققة لذلك ؟ و هل هذه الميكانيزمات تقتصر فما هي الميكانيزما، كان األمر ممكناو حرية التعبير متضمن في هذه ، على النشاط الجمعوي أم أن عنصر اإلعالم

الميكانيزمات ؟ بل هشاشة تكونت بفعل ، و هشاشته ليست تركيبة طبيعية فيه، إن مجتمع هش في تركيبته

ي تحوله إلي مجتمع ثوري دافع و كان سببا ف، العامل األول االستعمار، عاملين أساسينأمام . و العامل الثاني انتفاضته لفك الخناق الذي مارسته عليه السلطة ، السترداد حريته

عملت على تحويل هذه الهشاشة إلي قوة ، مثل هذا الوضع تشكلت جمعيات و أحزابه فتاريخ اإلعالم الجزائري يبرز مدي ارتباط. باستخدام عدة وسائل منها اإلعالم

أين كان نشاطهم السياسي ، باألحزاب سواء إبان االستعمار أو في ظل النظام الواحدلعل الحركة السياسية التي تولدت إبان االستعمار . ودوريتهم اإلعالمية تتم في السرية

لمثل هذا الهدف تكونت أحزابا ، كانت تهدف إلى تكوين المواطن أوال ثم األمة ثانيتامما ساهمت في تكوين مجتمع ، اختالف توجهاتها اإليديولوجيةو ب، سياسية وجمعيات

نحو قضية جوهرية تمثلت في ، و حركة وطنية تعمل على تعبئة الجماهير، مدني نشطلمثل هذين الهدفين أدركت األحزاب النشطة ضرورة التأثير . تحقيق الوحـدة والحرية

إال أنه يجب . ب أو جمعيةعلى الرأي العام باستخدام جرائد تشكل لسان حال لكل حزو التي ، العرفان بالنخبة التي قادت الحركة الوطنية مثل األمير خالد و فرحات عباس

؛ وثائق من الدرجة األولي لدراسة النخبة 1930إلى غاية 1926شكلت كتاباته من ت و حدود عملهم و مطالبتهم بالمساواة مع اإلصالحا، و مساهمتها في تكوين الرأي

بالرغم من أن بدايتها كانت ). 1(االجتماعية للحصول على المدنية الفرنسية دون التطبيع indigèneما اصطلح عند المستعمر بـ، المطالبة بالحريات العمومية للمواطن الجزائري

musulman ، إال أن التحول اإليجابي لمثل هذه المطالب شكلت الحركة الوطنية المطالبةلوصول إلى مثل هذا المطلب كان ينتظر الكثير من النخبة التي بدأت و ل، باالستقالل

إال أن الحركة استمرت في تكوين ، و بالرغم من االختالف في التوجه. تتشكل تدريجيا أين ، إال أن السبق في هذه العملية، الرأي العام عن طريق الحلقات والنوادي و الصحف

هؤالء الذين لم ، خ المحدث بين النخبة و الشعبالتاريخ يشهد مدى إدراك المدرسيين الشرفي األصل أن هذه الحلقات كانت نتيجة نضال ) . 2(يكونوا متحمسون لفكرة اإلدماج

أين كانت العريضة المطلبية تتضمن ، الحركة التي تمثلت بالبداية مع نجم شمال إفريقياضمنيا للمطالبة بحكومة هذه العريضة كانت موجهة ، اإلقرار بالجمعيات و حرية التعبير

والتي عرضت من قبل نجم شمال إفريقيا بقيادة مصالي الحاج عام ، )3(جزائرية مستقلةو شكلت برنامجا من احدي عشر بندا منها تتضمن الجمعيات و حرية التعبير، من 1933

1 Kaddache (Mahfoud), Histoire du nationalisme algérien, ENAL, 1993, p :211 2 Ibid , p : 209 3 Ageron (Charles-Robert) , Histoire de l’Algérie contemporaine 1871-1954 , Paris , PUF,1979,p : 351

Page 54: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

42

ر هذا المنطلق كان الدور المنوط لمثل هذه لجمعيات تكوين الرأي العام قصد تعبئة الجماهيأعطت هذه الالئحة دفعة قوية لتكوين جمعيات . لتحقيق الحكومة الجزائرية المستقلة

و حزب الشعب الجزائري تقودها نخبة من المسلمين الجزائريين ، كجمعية علماء المسلمين)Musulmans algériens( ،بكل اأن عبرو نمما دفع إلي القول أنه لم يسبق للجزائريي

هذا الموقف لم ينحصر في المطالب ). 1(تهم بالمساواة و الوطنيةإرادة سياسية في مطالبالسياسية التي تشنها الحركة الوطنية بل استمرت مع التصريح الخاص لمصالي الحاج عام

و ، أين يعرف الحريات الديمقراطية التي يناضل من أجلها كل الجمهوريون، 1937لعل مطالب الحركة . ت الجزائرية المترجمة بعملية انتخابية تشارك فيها كل الجمعيا

الوطنية ؛ و إن لم تكن منحصرة آنذاك في الحريات العمومية ؛ و تشكيل الجمعيات و المجتمع المدني . بل تعدت ذلك حتى وصلت إلي تحرير الوطن ، األحزاب السياسية

الجزائري إبان االستعمار لم يعرف فقط حركات جمعوية تهدف إلى توعية الجمهور الرأي العام كمقولة تاريخية . بل توجيهه نحو قضية جوهرية و هي حريته ، ائريالجز

كالهما ) 2(تشكلت بالمجتمعات البورجوازية التي كونت االستعمار بالتحالف مع الجيش فمن غير الممكن أن ال تنتقل األفكار . الهيمنة و مناطق نفوذ ، وحدتهم مصلحة واحدة

إن كانت الثورة ، خاصة حرية التعبير إلى الشعوب المستعمرةالغربية المطالبة بالحريات فكيف ال ينطبق على شعب عرف الظلم و القهر ، الفرنسية قامت ضد الظلم و القهر

ما نريده هو تتبع خطي الثورة الفرنسية في دفاعها عن الحرية ، و التهميش على حد سواءفالحرية و حرية التعبير كان ). 3(ة األمةهذا ما عبر عنه عبد الحميد بن باديس في جريد

البد أن تأخذ صيغة أخري و تكون أقوي عندما ترتبط باإلعالم و تعمل على تكوين الرأي و يكون لها وسيلة اتصال جماهيري ، خاصة عندما تنشط الحركات الجمعوية، العام

. كـالصحيفة ن كانت بحسن نية في مواصلة و إ، لعل الهشاشة الثانية المتسبب فيها السلطة الحاكمة

إال أن االنزالقات في ممارسة السلطة أغلقت كل . األهداف المسطرة في بيان أول نوفمبر إن كانت فكرة المجتمع المدني في . نافذة لتشكيل جمعيات نشطة داخل المجتمع المدني

ة إال أن الممارس، و أن الشعب اختار التوجه االشتراكي، األصل منتوج بورجوازيفالحزب . السياسية ال تحتكر باإلقصاء و التهميش و كذا ضم مؤسسات اإلعالم للسلطة

ألنها ممارسة عرفت بالمجتمعات ، الحاكم كفيل بضمان اإلعالم الحر الخالي من الرقابةإال أنه في ظل االستعمار تكونت النخبة التي ساهمت في ، الليبرالية التي أنجبت االستعمار

و ذات النخبة تعرضت إلى التهميش و ، نية و صلت إلى اتفاقيات ايفيانتكوين حركة وطأال يمكن أن يكون الغلق و التهميش سببا لالنتفاضة شعبية أم أن . اإلقصاء بعد االستقالل

األزمة و تدهور أسعار البترول كانت سببا لها ؟ األمر ليس مرتبط بتحليل األوضاع بقدر ألن في األصل مصطلح ، ألحزاب المكونة للمجتمع المدنيما هو مرتبط بالجمعيات و ا

بدايتها كانت الثورة الفرنسية، و الثقافة ، تكون بثقافة غربية تنص على الحريات العامة

1 Ibid , p :437 2 Habermas (Jürgen) , L’espace public , Op-cit, p :28 3 Voire Kaddache (Mahfoud), Histoire du nationalisme algérien, ENAL, 1993, (Annexe , p : 930)

Page 55: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

43

و أعطت جملة من النظريات المحققة للهيمنة والسيطرة، وما ، ذاتها كونت النظم السياسيةخاصة ، إسالمية في بعض الجوانبقامت به السلطة إال نهل نظرية و أعطتها صبغة

مدعما بالعرف و الشريعة اإلسالمية ، القانون الذي يعتمد على النظرية الغربية للقانوناالنتفاضة أو ما اصطلح عليه بأحداث أكتوبر دفعت إلي تعديل . كمصادر للتشريع القانوني

ر و صدور قانون تعديل الدستو. الدستور و اإلقرار بالجمعيات ذات الطابع السياسي و الذي من دوره أن يكون ، عاملين ساهما في تكوين المجتمع المدني، 1990اإلعالم لعام

فأين تكمن هذه المصلحة ، رأيا عاما يوجه نحو تحقيق أهداف مرتبطة بالمصلحة الوطنيةو فيمـا تتمـثل ؟ هل هي مصلحة التي ارتبطت بالعنف و التوقيف المسار الديمقراطي

و الذي لم يجد الجيل الذي يحقق ، مصلحة خصت بجيل الشرعية الثوريةأم هي االستمرارية ؟ أم أن المجتمع المدني لم يحسن تكوين من يحقق االستمرارية ؟

و مجتمع مدني الزال يبحث عن أدوات ، أمام سلطة الزالت تعتمد على الشرعية الثورية، سة النشاط السياسي ضمن الجمعيات واألحزاب السياسيةتمكنه من وضع األسس لممار

فالسلطة . التي الزالت و إلي حد ما تستخدم اللغة الشعبية في التأثير على الجمهور من هذا المنطـق ، )Populisme(و األحزاب السياسية ال زالت محكومة بمنطق الشعوبية

اب و الجمعيات و كذا اإلعالم لم يصلوا األحز، و ضمن السياق المكون للمجتمع المدنيفإذا كانت هذه القدرة ، إلي درجة تشكيل وعي سياسي قادر على تشكيل جيل يحمل العهد

غير ممكنة فما الوسيلة ؟ هل بتدعيم تشكيل فضاءات عمومية تساهم في بناء مجتـمع االتصال أين تتأطر الجمعيات و األحزاب السياسية ؟ أم أن اإلعالم و وسائل، مدني

و كذا المسرح هم أساس تكوين الفضاءات العمومية ؟ و هل الهياكل القاعدية ، الحـديثة حتى تصل إلى تحقيق المصلحة العامة ؟ ، لمثل هذه األسس متوفرة تحتاج لمن يدعمها

Page 56: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

الثاني المحور

و الديمقراطيةاقشة خالق المنأل ها األخالق و السياسة و تأسيسبين القيم

الخير، و الخير وحده، هو ما له قيمة بالنسبة لإلرادة الذاتية، و هذه اإلرادة الذاتية ال قيمة " " إال من حيث اتفاقها مع الخير في النية و التقدير لها لها و ال كرامة

أصول فلسفة الحق : هيجل

Page 57: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

45

و الزال يشد الفالسفة محاولين في ذلك تأسيس قيم أخالقية ، كون التفكير حول األخالق شدمعاني الخير و الشر كمعايير تنظم السلوك الذي يهدف إلى حد ما تحقيق الفضيلة أو تحدد

و عليه ارتبطت األخالق عند البعض منهم بفلسفة العمل، و منه ، )Le bien être(الرفاهية فاألخالق . إلى أن تصل إلى الطبيعة ، ارتبطت أصول فلسفة األخالق بالميتافيزيقا أو بالدين

بينما إذا ، ارتبطت بقيمتي الخير و الشر كقيم عملية) mores(مصطلح الالتيني إن أخذنا بالأو بصيغة ، نكون بذلك أمام تنظير للفضيلة و السعادة) ηθική(أخذنا بالمصطلح اليوناني

ومنه العودة إلى أرسطو و تعاليمه األخالقية . أخري نحو بناء أسس تحقق اإلنسان األخالقيخاصة و أن من بين الذين نستند عليهم ، الفضيلة أصبحت أمرا ضروريا. المحققة للسعادة

فآبل ، في التحليل هو في ذات الوقت زميل لهبرماس، و يعد من بين األرسطيين الجدد)Apel (ونفس االضطرار يلزمنا العودة ، ليس زميال فقط بل مؤسسا ألخالق المناقشة

و و كيف ساهم في بناء القيم األخالقية ،و كيف استقبل عند العرب و المسلمين، ألرسطوو ، فالقيم كمعيار تحتاج إلى سند نظري تقوم به السلوك كواجب يحدده العقل. السياسية

إال أنه ، إن كان هذا العقل يستمد مبادئه من مقوالت قبلية عرفت عند كانط باألطر القبليةلشر وضعت عند كانط بطريقين طريق فمقولتي الخير وا. يتعالي من المحسوس إلى المجرد

و لديهما نفس نقطة االنطالق أين ، و بعدي محسوس و هو الشر، قبلي مجرد و هو الخير . نجد اإلرادة والمحددة مهمتها سلفا في توجيه الفعل األخالقي نحو الخير

و و من منطلقها وضع كتابه األخـالق ، لعل النظرية النشوئية المعتمدة من قبل هبرماسمن حيث األسـس و ، تجعلنا نطرح سجاال نناقش فيه الخطوط العريضة لألخالق، التواصل

و إن كانت فاألخالق . التي بموجبها توضع األفكار السياسية والقانونية ، القيم الممكنةوفق النظرية النشوئية، معتمدا في ) Kohlberg(عند كانط تختلف عن تلك التي أسس لها

أين يبين الكيفية التي تبرز بها الكفاءات في حل مشكالت متضمنة في ، دأ النموذلك على مبفالنمو و التعالي ينحوان إلى تأسيس مبادئ عامة أو شمولية ، سياق تحليلي تجريبي

)Universel( ،قد تتضح جليا عندما نناقش ، فالحدود المعرفية لمثل هذا التعالي و النشوءو المحددة بذات الوقت الحدود التطبيقية ، و صلتها بالقيم السياسية مسألة تشكل القيم األخالقية

.عندما يتعلق األمر بمناقشة القضايا السياسية المرتبطة بالعالم المعيش لكل فرد ، لألخالق، من هذا المنطلق سوف نطرح للنقاش بمعية هبرماس األطر العامة المكونة للقيـم األخالقية

و بالتالي الكيفية التي تتأسس بها أخالق ، ة الفعل التواصليو كذا السياسية ضمن نظري، الوسيلة المثلي )Apel(و التي هي على حسب تقدير كل من هبرماس و آبل، المناقشة

أين ، لتكريس الديمقراطية ؛ علما أن األسس التي تقوم عليها تتشكل ضمن الفضاء العمومي، عندما تأخذ اإلرادة كوحدة مشتركة بينهما نلتمس بوادر االتفاق بين كل من روسو و كانط ؛

فهل ، فهي عند األول توجه الفعل األخالقي و االتفاق ؛ عند الثاني الذي تشكل اإلرادة العامةحدود النقاش سوف يتدرج إلي أن نصل بنا إلى وضع تصور يحد من العنف والتطرف

؟ يراطية ضمن الفضاء العمومالسياسي؟ وهل بإمكان أخالق المناقشة تأطير الممارسة الديمقو إلى أي حد تتمكن نظرية الفعل التواصلي من وضع هويس بين السياسة و األخالق من

جهة و بين المناقشة و الديمقراطية من جهة أخري ؟

:الفصل األول

Page 58: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

46

من القيم األخالقية إلى القيم السياسة

I من حيث المفهوم و القيم األخالق:

Page 59: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

47

أن ، في معجمه التقني و النقدي للفلسفة) André Lalande(يشير :مفهوم األخالق 1قدير أحكام الخـير الذي موضوعه ت، يشير إلى العلم) ηθική(األخالق كمفهوم يوناني

و الذي هو في األصل ترجمة ، )mores(بينما األخالق بالمفهوم الروماني ). 1(و الشرو عرفها بمجموع القواعد الموجهة ، شيشرونعملية للمعني اليونـاني التي قام بها

فتاريخيا ارتبطت األخالق بمفهومين ) . 2(للسلوك الخاصة بحقبة تاريخية لمجتمع مـانظري و مفهوم إجرائي بحيث هذا األخير يلزم التفكير حول الكيفية التي توضع بها مفهوم

بحيث نجد ، و هذا وفق الحقبة التاريخية و المجتمع الخاصة به، القيم الموجهة للسلوككذلك تاريخيا أن األخالق من حيث هي علم و قواعد للسلوك تختلف من عصر إلى آخر،

و األخالق الدينية ليست كتلك التي ، ليسوا كالرومان و من مجتمع إلى آخر فاليونانو عليه و جب الوقوف عند كل صياغة أخالقية بالتقصي . مصدرها العقل أو الطبيعة

و المناقشة بدأ باليونان وصوال إلى األخالق النشوئية التي تتفق إلى حد ما بأخالق كانط إحداث مقاربة نظرية لوضع قيم توجه هل باإلمكان: في مبدأ الشمولية، و منه نتساءل

السلوك لمجتمع عرف العنف و التطرف ؟ :األخالق األرسطية -أ-1

أنه و ضع مجموعة ، يتبن من خالل الدراسات التي أقيمت على كتب أرسطو األخالقيةبحيث سجل و على الرغم من أن هناك أخالق موجه ، من األطروحات تتداخل فيما بينها

اللذان شكال عنوانين لكتابي ، )Eudème(و أخالق موجه للتلميذ ، )Nicomaque(لالبن بل الربط ، إال أن التداخل بين الكتابين لم يقصر من فهم أرسطو) . 3(أرسطو األخالقية

إذ نجد فيما حمله الكتاب الثامن . بين الكتابين دعما فهم األفكار األخالقية و السياسية له األطروحات الموجودة في الكتاب العاشر من األخالق من األخالق األوديمية شكلت

و يربطها ، فأرسطو يعرض كتبه لألخالق حتى يصنف مجموعة من القيم. النيقوماخية و ، ومتـعة المجـد والشـرف، فهناك متعة الطاولة و الفراش، بمجموعة من الفئات

و هي مشتركة ، راد كثراألولي مرتبطة بفئة متكونة من أف. متعة الحصول على الحقيقة من هذا ). 4(الثانية خاصة بفئة النخبة والثالثة بالنخبة الشـرفية، عند العديد من الناس

اللواتي سنتناولها ) Sagacité(البصيرة ، الفضيلة، اللذة: التصنيف يطرح ثالث قيم دما إال أن ما هو مستعجل ؛ هو فهم التحدي األرسطي عن، بالنقاش مع األرسطيين الجدد

و بالتالي العدل ؟ ، هل تعتبر هذه القيم األساس الذي تبني عليه السعادة، طرح هذه القيمأم أن هناك قيم أخري تأسس للسياسة ؟ و إن و جدت عالقة بينهما أين تكمن هذه العالقة ؟ وهل تنفلت هذه العالقة من التصور الفلسفي ؟ و أين يتموقع الفيلسوف مع العلم أن

؟ ) φρόνησις(و البصيرة ) σοφία(ف بين الحكمة هناك اختال ):Sagacité = Prudence( البصيرة-1-أ-1

1André Lalande , Vocabulaire technique et critique de la philosophie , 15 éme , 1985 , PUF, p :305 2 Ibid , p :653) 3 Voire présentation de Richard Bodéüs in Aristote , Ethique à Nicomaque , Traduction et présentation de Richard Bodéüs , GF Flammarion , Paris , 2004 ,p :8 4 Ibid p :28

Page 60: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

48

بل كيف ينفذ اإلنسان هذه القدرات ؟ ، عند أرسطو ليست فقط القدرة على إدراك الصوابترتبط البصيرة إلى حد ما بالفضيلة ؛ عندما يتعلق األمر بما يترتب عن الفعل الناتج بعد

و أن اللذة القصوى هي اللذة الخالصة ؛ التي ال ترتبط بعملية اإلشباع ، نفيذعملية التبل بالعمل الجيد الذي يبرز حسن البصـيرة و السلوك ، حتى و إن كان اإلشباع معتدل

، أي )الحياة(فالبصيرة بهذا الطرح تختلف عن الحكمة الرتباطها بأشكال اللذة . الفاضل التي تتطلب درجة من الذكاء المرتبط بالفـن ،و معناه ) Hédoniste(الحياة اإليدونسية

، فتحقيق اللذة عمليا خاصية سياسية ؛ ألن العمل السياسي )τεχνη(عند اليونان التقنية و بالتالي السعادة الكلية الشيء الذي يطلبه العدل ؛ بينما تعرف ، يقتضى تحقيق اللذة

ية التأمل تعبير عن الذكاء الذي يقدم المعني فخاص، الحكمة بالتأمل في الحقائق الكبرىعندئذ تطرح فكرة القيمة العليا ؛ و التي هي عند أرسطو الخير ، الكلي للحياة اإلنسانية

بهذا المقام يري . األسمى الذي من شأنه أن يصبح هدفا سياسيا تطلبه الحياة داخل المدينة بمعني أن الفلسفة توجه ، اما للحاكمأرسطو أن تدخل الفيلسوف في توجيه األهداف هو إلج

على غرار ، فالدور المنوط للفيلسوف هو تقديم التصورات الكلية للحياة اإلنسانية. السياسةوعليه كانت . *السياسي الذي يمارس السياسة كفن يحقق الخير لمجموع المدنيينو ، سسة للعدالةالفضيلة من مصدر منطق سليم ؛ تمتثل لها كل الفضائل األخالقية المؤ

المالحظة التي وجهت . تصبح بذلك البصيرة نبراس يوجه السياسي نحو الخير األسمى أرسطو لحد القول بأن اإلنسانية في مجملها تكاد تكون غير متجانسة ،و هي بذلك تضع

فمجمل الفنون أو التقنيات المستخدمة ، لذاتها هدفا تسخر ألجله كل الوسائل المحققة لذلكلم يقصي أرسطو الفرد بقدر ما ربط الفردانية . ليا تهدف إلى تحقيق سعادة كل فرد عم

ألن خصوصية الممارسة الفنية تقتضي بصيرة كل فرد في تحقيق هدفه ؛ الذي ، بالحرية ). 1(ال يخرج في كليته عن الخير األسمى المعبر عنه بالسعادة

أن الحكمة هي ، خالق النيقوماخيةلعل األطروحة التي دافع عنها أرسطو في كتابه األالذي تعلو به عن السياسة ، و هي كذلك أصعب نشاط يمارسه الفكر، القدرة على المعرفة

و . كتعبير عن الصعوبة التي تواجه البصيرة في معرفة إمكانية انجاز الفعل المحقق للخيرن األخـالق و منه يتبلور النشاط الفكري للفيلسوف في تحديد المعالم المميزة لكل م

السياسة والحكة و البصيرة، ففيما تتمثل هذه المعالم ؟ و هل هناك عالقة طردية بين األخـالق و السياسة ؟ وهل هي كذلك بين الحكمة والبصيرة ؟ أم هناك منطق آخر يحكم

و هي تمثل الجانب ، العالقة بينهما ؟ يعتبر أرسطو الحياة السياسية بغير الفكريةوعليه وجب ، للروح ؛ و أن السياسي يصعب عليه إدراك حقيقة الخيرالالعقالني

خاصة و أن واقعيته تلزم علينا ، الوقوف على المفاهيم األرسطية األخالقية و السياسية .التعرض بشكل عملي لمثل مفهوم الخير و الفضيلة و العمل الذي يحقق السياسة

:الخير األسمى -2-أ-1

(. Cité) Citoyen و المشتقة من كلمة مدينة) ) لكلمة يها تتناسب مع المعني اإلجرائارتأينا استخدام كلمة مدني بدل من كلمة مواطن ألن *

1 Ibid , p :37

Page 61: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

49

ل بعض المفاهيم اإلجرائية أن يضع تصورا لمعني الخير من حيث يحول أرسطو من خالبل أن عملية ، فهو في هذا الشأن ال يفصل الخير عن السعادة، هو هدف اسمي لإلنسان

: إن ما هو مهم عند أرسطو هو ، تحقيق الخير هو الحصول على السعادة في حد ذاتهالعمل اإلنساني عندما ينجز على كيف الحصول على السعادة ؟ و ما هو مصدرها ؟ لعل ا

و هي من ، كان من منبع الفضيلة ؛ لذا كان إتقان العمل من الفضائل اإلنسانية، أكمل وجهو إذا كان الفعل ).1(فالعمل المتقن هو ترجمة للفضيلة و فعل الروح ، مصدر روحي يكون من مصدر الفعل ذاته بحيث إذا كان الشرف واللـذة و الذكاء، مصدره الغش

من هذه القاعدة تشكلت عند أرسطو ) . 2(فضائل نريدها في ذاتها ال تكون مصدر خير، الفضيلة من الخير األسمى، الذي هو مصدر اتفاق بين البشر من خالل أعمالهم المنجزة

ومنه يميز أرسطو بين ، ألن كل إنسان يجد السعادة عندما ينجز عمال على أكمل وجهفالدقة في انجاز العمل . و بين العمل المنجز من قبل الروح ، العمل المنجز من قبل العقل

فالمهندس عندما يدرس الزاوية القائمة و النجار عندما يستخدم العين ، نابع من الروحفاألول يستخدمها إلدراك الحقيقة بينما الثاني يستخدمها إلنجاز ، لمعرفة الزاوية القائمة

و ، عادة الشعور بالفرح عندما يكبل الفعل بالنجاحو عليه كانت من بين مكونات الس، عمله .منه كانت السعادة هبة إلهية ما دامت هي مقياس للخير اإلنساني

:الفضيلة -3-أ-1إذ هي عقلية من جهة و ، ه أرسطو إلبراز شكليهايطرحما مصدر الفضيلة ؟ سؤال

و بهذا تكون ذات ، إلجرائيو القصد بالجانب األخالقي المعني ا، أخالقية من جهة أخريففي ، و تكون ذات مصدر أخالقي إذا ارتبطت بالعادة، مصدر تعليمي إذا كانت عقلية

بينما في الحالة ، الحالة األولي تنبع و تتكون بحكم الممارسة و التجربة و فعل الزمنالعادة إلى التي تعني عند اليونان ) έθος(لذا حورت كلمة ، الثانية تنبع من الطبيعة البشرية

)έθηχης)(3 (و منه ، و عليه كانت األخالق عنده مرتبطة بالعادة، و التي هي األخالقبل تكتسب مع الوقت ، و ال يمكن أن تتغير بفعل الزمن، يتم الحصول على الفضيلة بالعادة

، و بهذا القياس يضع أرسطو معيارا للحكم على النظام الفاسد و الناجح، كالعزف مثـالو بهذا يكون نظامه ناجحا ، شرع عليه أن ينشأ بالمدنيين عادات تحقق لهم النجاحفالم .

فكيف يكون تصرفنا فاضال إذن ؟ هو أن تصرف و فق ما يمليه العقل ذلك هو الفرض وحتى يثبت صحة فرضه . الذي و ضعه أرسطو حتى يربط الفضيلة بالتصرف الصحيح

، من االعتدال حجر الزاوية للتصرف الصحيحقدم سلسلة من المحاججة بحيث يجعل و االعتدال يتوسط اإلفراط و الشح و عليه كان ، فالشجاعة تتوسط التهور و الجبن

.االعتدال و الشجاعة من فضائل السلوك :البصيرة و الحكمة -4-أ-1

1 Aristote , Ethique à Nicomaque , Traduction et présentation de Richard Bodéüs , GF Flammarion , Paris , 2004 §15 , p :71 2 Ibid §5, p :67 3 Ibid §15, p :99

Page 62: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

50

ما القصد بالبصيرة ؟ و ما هي الخصائص المميزة لها ؟ لعل ما يقدمه أرسطو كمفهوم ، هو عندما ربطها بالروح العاقلة ؛ التي من وظائفها االستدالل و االستنباط، بصيرةلل

و هي تختلف بذلك عن ، و اتخاذ القرار) Délibération(ومنه ارتبطت بالمعرفة و المداولةفـأرسطو من هذا الباب يصف . الروح األخالقية من حيث هي مصدر كل الفضائل

و الحكم على ما يراه صالح و مفيد للصحة و الحياة ، البصير بالقادر على التداول). 1(مما يبين أن البصير لديه القدرة على الحساب دون اللجوء إلى التقنية، األفضل

فالبصيرة ليست علما إذن ؛ من حيث هو مرتبطة بالتقنية بل القدرة على التداول و إذا ما أخذنا باالفتراض . هدفاالستنباط و اتخاذ القرار واختيار العمل المحقق لل و

التالي أن الحكمة هي أكثر العلوم صرامة، ففيم تتمثل هذه الصرامة ؟ و ما هي حدودها ؟ تلك هي الصياغة المجازية التي ، إن المبدأ األولي هو الحد الذي تنتهي عنده كل الحدود

ة ال جزئياتها عرف بها أرسطو الحكمة ؛ بحيث يدفعنا إلي إدراك المعني الكلي للمعرفألن موضوع الحكمة أسمى من البصيرة ؛ هذا من باب أن السياسة و ، المرتبطة بالتقنية

البصيرة تعتبران من أنبل الفضائل المرتبطة باإلنسان ؛ ال الحقيقة الكبرى للكون ألن هذه درة عن بينما األحكام الصا، و هي مصدر األحكام الثابتة، األخيرة مرتبطة بالحقيقة اإللهية

و من جهة أخري ال يمكن أن تكون الحكـمة و السياسة . البصيرة تكون متغيرة ألن إذا ما ارتبطت بمصالح كل إنسان لكانت هناك حكم و لكل إنسان ، اشيئا واحد

من الحكماء ألنهم لم يهتموا بمصالحـهم و " طاليس"و " أنكزاكوراس"لذا كان ). 2(حكمة . ل واحد من البشر، بل اهتموا بما هو أسمىال بالخير الخاص لك

:البصيرة و السياسة -5-أ-1و إذا كانت البصيرة ال تهتم ، إذا كانت الحكمة هي المعرفة بالكليات والبصيرة بالجزئيات

فهل هذا يعني أن السياسة هي شكل من ، و السياسة بما هو تقريري، إال بما هو برهانياسة ذات معرفة ال يدركها إال الحكماء ؟ مثل هذه اإلشكالية أشكال البصيرة ؟ أم أن السي

من حيث هي فن ممارسة الحكم و ، تدفعنا إلى طرح رهانات معرفية خاصة بالسياسيةمن هذه الزاوية يشبه أرسطو رجل السياسة بالمهندس . معرفة تتقاطع بها عدة معارف

ت إمرته ال يدركون إال األعمال بينما البناءون الذين هم تح، الذي يسير عملية البناءو من جهة أخري ربطها بالمعرفة ، لذا ربط أرسطو من جهة السياسة بالبصيرة ، الجزئيةالفرق واضح من حيث ، فهل هناك فرق بين المعرفة بالكليات و المعرفة الكلية، الكليةهنا . االحتواء بينما الثانية تعني التضمن و ، فاألولى تدل على السمو و التعالي، الداللة

، يكمن الرهان من حيث أن الحكمة إدراك الكل بينما السياسة تسيير األجزاء المشكلة للكلو هي من مصدر تداولي يعمل على تشريع المراسيم الموجهة للتطبيق شأنها شأن

). 3(المهندس الذي يضع التصاميم للتنفيذ :واتخاذ القرار)Délibération(المداولة-6-أ-1

1 Ibid §30,p :303 2 Ibid §30 , p :313 3 Ibid §7.2 , p :317

Page 63: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

51

دون ربطها باتخاذ ، يتعذر تحديد معني المداولة من حيث هي قائمة على المناقشة قدالقرار إذ يجعله أرسطو جوهر النقاش، ففيما تتمثل إذن ؟ و على ماذا تقوم ؟ و ما هي

ما يربط القرار بالسلوك هي تلك لعل حدودها المعرفية في توجيه السلوك األخالقي؟إذ يقترح أحسن ، د من الرجال حول قضية تخص حرفة أو مهنةالمداولة التي تتم بين العدي

فالتمييز بين االتفـاق و الال اتفاق يقتضي ، التصرف للعمل و ينجز بعد ذلك باالتفاقإذ ال يتوقف على االتفاق فقط ؛ و ال يعني ، )προηαιρετον(التعرض لمعني القرار

، الذي )Opinion)(1(حتى بالرأي و هو غير مرتبط بالمعانات و ال الشهية و ال، التمنيبل هو مجرد رأي أو ، و ال يكون مبررا للفرد التخاذ القرار، يحتمل الخطأ و الصواب

فكل هذه االعتبارات ال تعبر عن القرار ألنها مرتبطة بالنهاية، بينما . موقف إلى حد ما و ، المحققة للسعادةالقرار هو السلوك المتفق عليه بعد التداول ؛ و الموصل لهذه النهاية

و بذلك نتساءل هل القرار يقتضي المداولة ؟ و عليه وجب تحديد ، منه تندرج الفضيلةفاستنادا للفكرة التالية أن الرأي مرتبط بالمعرفة بينما القرار . الخصائص المميزة للقرار و ، و الروح و القرار ناتج عن اتفاق بعد التداول مدعم بالتعقل، باالختيار المنور بالمعرفة

بينما المداولة . تلك هي الخصائص المميزة للقرار، القرار حالة من الفضيلة األخالقيةالتي ال تكون مرتبطة بالكون ألنه شيء ثابت و أزلي ، تقتضي موضوعا كمادة للنقاش

و ال تكون مرتبطة باألشياء المتحركة مثل حركة ، مثله مثل الضلع و المستقيم في الهندسةإذ نتداول حول ما هو قابل ، فمادة المداولة تخص بنو اإلنسان، و ال أحوال الجوالنجوم فالطبيب نهايته استطباب ، بمعني أننا نتداول حول الوسائل المحققة للنهاية، للتنفيذ

فهو ال يتساءل عن النهاية بل عن الوسيلة المحققة لها مثله مثل السياسي الذي ، المريض) 2(فإذا توفرت عدة و سائل نختار األسهل و األصلح، ادة للكليشرع من أجل تحقيق السع

.،و عليه كانت المداولة بحثا و تحليال و نهايتها اتخاذ القرار :اللــذة -7-أ-1

تقني و يربطها بعمل الفيلسوف بوصفه معلم، يخصص أرسطو فصلين ليناقش مسألة اللذةة ؟ وما هي الصلة الموجودة بين كل الذي يناقش السياسة، فما عالقة الفيلسوف بالسياس

من الفلسفة و السياسة و اللذة ؟ مثل هذا الطرح يدفعنا إلى مساءلة أرسطو عن مؤشرات يقترح . تثبت تورط الفيلسوف مع السياسي ؛ في البحث عن الكيفية التي تتحقق بها اللذة

و قد يكون الشيء ،آراء مرجعية للذة من حيث أنها ليست الخير في حد ذاته ةأرسطو ثالثألن اللذة المرتبطة ، و هي بذلك ال عالقة لها بالخير األسمى، سيئا لكنه يحقق لذة للبعض

إن كانت اللذة ، فاللذة تكون بذلك عرضية، بالطبيعة التي تعطل التفكير مثل اللذة الجنسيةو هي حالة طبيعة و كذلك ليست مصدر خير فما هو مصدره ، الحسية ذات نشاط حسي

ذن ؟ من األنشطة التي تقوم بها البصيرة غالبا ما تعرقل من قبل اللذة، و بالتالي إألنها تقلق النشاط الفكري و منه التأمل، إال أن النشاط الذي يتطلب ، تكون مصدر شر

و بها يعبر اإلنسان عن قدراته اإلبداعية ؛ مثل العطار الذي يتفنن في ، )3)(الفن(التقنية فالقول بأن المعتدل يبتعد عن ، يجد لذة في ذلك خاصة عندما يسعد اآلخر صناعـته ؛ و

1 Ibid §1112a, p :142 2 Ibid §1112b1,pp :145-146

.آذلك إلى فن ) τεχνη(تترجم آلمة تقنية من األصل اليوناني 3

Page 64: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

52

مثل هذه الحاالت تؤكد على و جود . اللذات الحسية ؛ و أن البصير يبعد عن ذاته الشقاء فعندما نبعد عنا العناء و الضرر و اإلفراط في إشباع اللذات أليس هذا ، حاالت من اللذة

ألنه جرت ! ول بأن اللذة يمكن لها أن تكون الخير األسمىمصدر خير؟ و منه يمكن القو إذا اكتمل ، و أن النشاط غير المكتمل قد تعرض للعرقلة، العادة أن اللذة هي السعادة

فاإلنسان السعيد ؛ و حتى ال ). 1(لذا كانت السعادة مرتبطة باألنشطة المكتملة، حقق اللذة، ت جسمية ؛ و خيرات خارجية و ثروةعليه أن يكون مدعم بخيرا، تعرقل أنشطته

ألنها هي التي تشترط ، إن لم تلجم الثروة ال تحقق السعادة. تلك هي إدعاءات البعض فكل البشر ، )Universelle(هذا الشرط يوجه التفكير نحو وجود لذة كونية ، حدودها

ة المشتركة عند فاللذ). 2(يبحثون عن لذة مشتركة و متشابهة في جوهرها و هي إلهام إلهيو حتى اللذات الجسمية التي قد تعاكس طرحنا في أن ، الجميع هي العيش بدون عراقيـل

إال أنها مشتركة عند الجميع في الظاهر ، اإلفراط في إشباعها يمكن أال تكون مصدر خيرو اإلبقاء على وحدة مشتركة ذات مصدر ، مما تطرح أمامنا صعوبة يتوجب تجاوزها

و استخدام الحسن للتقنية ، تعاد عن كل ما هو حسي إال في حالة اإلتقانو االب، إلهيخاصة و أن هناك تفاعل ، التي بإمكانها أن تكون مصدر لذة و خير، وتجاوز العقبات

بينما بالفصل العاشر يتمم . بالرغم من اختالف الشعور بها ، بيذاتي محدث بفعل اللذةو هو الجانب الذي شدنا من حيث الرؤية ، بية و التكوينأرسطو مناقشته للذة بربطها بالتر

فعلى ماذا تتوقف اللذة و كيف تلقن ؟ هل من حيث هي خير ؟ أم من باب أن ، و التوجهتجنب المتاعب تتحقق اللذة و بالتالي الخير؟ يتعارض أرسطو في األساس مع من

و ) L’hédonisme(يعتبرون اللذة مصدر خير، مثل أنصار النزعة اإلدونيسةو الكل يبحث عن ، بالنسبة لهذا األخير الكل يتجنب الحـزن و الكآبة، )Eudoxe(أودكسإال أن اللذة من حيث هي كذلك .و بالتالي كانت مصدر خير ، و هذا ما يفضله الكل، اللذة

و من جهة ، مصدر خير ن فهي من جهة تضاف للفعل الوسط و المعتدل عند أرسطوومن خصائص اللذة غير المضافة . حوه كل عاقل عند أودكس أخري هي ما يجتذب ن

بينما الخير ، فما يولد من شيء يعود إليه بعد ما ينحل، للفعل المعتدل أنها حركية و متولدةفالقول بأن اللذة حركية و متولدة قول خاطئ ألن كل ما هو حركي . هو شيء مكتمل

. نهايته يحقق لذة غير مكتمل من حيث الشكل لكن الفعل المكتمل في :استقبال األخالق األرسطية -ب-1و هذا بناءا على ، استقبال فلسفة أرسطو كانت في البدء مع العرب و المسلمين

مما أسهمت في تشكل نخبة من ، الدراسات التي اهتمت بالتراث العربي اإلسالميو الشرح لكتب السابقين من اهتموا بالفلسفة، و حاولوا المفكرين اهتموا بالتحقيق و القراءةأو على األقل أن يتخذوا موقفا دفاعيا عن الفلسفة من ، أن يجمعوا بين الفلسفة و الدين

فاألمر صعب إلى حد ما . الهجمات التي تعرضت لها من خصومها الفقهاء و المتصوفة و التباعد بين الدين و الفلسفة عند على الدارسين و الباحثين في اكتشاف مواطن التداخل

هؤالء الدارسون و الباحثون شكلوا ألنفسهم نماذجا طبعت . فالسفة العرب و المسلمين و توجهنا سيتأرجح بين ، باعتمادهم على مناهج غربية من مادية تاريخية إلى بنيوية

1 Ibid §1153b1[15], pp :399 2 Ibid §1153b1[30], pp :400

Page 65: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

53

و بين ، سالميةقراءة لحسين مروة من النزاعات المادية في الفلسفة العربية اإل، قراءتينو العقل ، الذي نستدرج معه الحديث حول بين نحن والتراث، محمد عابد الجابري

و نحاول أن نتتبع معهم . و هو الجزء الرابع من نقد العقل العربي ، األخالقي العربيومن الجانب . خطي الفالسفة المسلمين و كيف استقبلوا الفالسفة اليونان خاصة أرسطو

هذا راجع لسبب وحيد أن أخالق المناقشة من باب ، استقبل أرسطوو كيف ، الغربيو عرفوا باألرسطيين الجدد خاصة من ، التنظير والتأسيس اعتمد روادها على أرسطو

خاصة هذا ، آبلأوتو –كارل و حنا أرندت إذ يجدر اإلشارة لكل من، الجانب األلمانيو التي هي نبراسنا في ، مناقشةفي تأسيس أخالق ال هبرماساألخير الذي يشترك مع . معالجة مسألة الديمقراطية

:عند العرب و المسلمين: الوجهة األولى-1-ب-1لم يكن لنا أن ندرك حقيقة ما عاناه الفالسفة العرب و المسلمين عندما جمعوا بين الديني

خاصة فيما ، إال من خالل الدراسات التي أقيمت على التراث العربي اإلسالمي، و الفلسفيخاصة وأنه في رأي الفقهاء أن مثل هذه المساءل ، يتعلق بالمساءل األخالقية و السياسية

و أن مسألة الشرح و التفسير من اختصاصهم و ، قد فصل فيها القرآن الكريمإال أن إصرار الفالسفة العرب و . فكان البد من االبتعاد عن الفلسفة ، الراسخون في العلم

جعلهم يدركون صنائع تدعم فهمهم للدين ،و بالتالي ، لفلسفة اليونانية و غيرهادراستهم لمن هذا الباب و . تدعيم مفهوم السعادة و المدينة ؛ و كيف تسير حتى تتحقق السعادة

على كل من محمد عابد الجابري و حسين مروه، ذلك و - كما أشرنا من قبل –استنادا و هي أسس منهجية ، يل البنيوي و المادي التاريخينجد تأثير التحل، من باب المنهجي

و ممثلة إلى حد ما في مدرسة فرانكفورت خاصة هبرماس، إال أن ، شكلت الفكر الغربيبل نجد بعض من لمساتها في أعماله المتأخرة ، عدوله عن المادية التاريخية لم يكن نهائيا

المقاربة بين آليات و ، آن واحد فالعودة إلى التراث جاءا لسببين منهجين و معرفين في. قيم المجتمع الجزائري الذي ال ينفصل عن الحضارة العربية اإلسالمية و الذي لم ينجوا

و الدافع الثاني نقطة اشتراك بين الغرب و الشرق في ، من االستعمار من قبل الغرب . قشة الذي شكل نقطة انطالق لتأسيس أخالق المنا، الفلسفة اليونانية خاصة أرسطو

تتبعنا خطي كل من محمد عابد الجابري و حسين مروه باختالف مناهجهم سيدعم تعاملنا و سنتتبع ، مع النصوص الفلسفية الكبرى التي أنتجت من قبل الفالسفة العرب و المسلمين

. نخطى محمد عابد الجابري بمستوي آخر عندما ميز بين المغرب و المشرق اإلسالميياملنا على نموذجين وضعوا أسس مفهوم السعادة و تسيير شؤون و عليه سينصب تع

. و نلتمس من وراءه الجوانب األرسطية المساهمة في تكوين أخالق المناقشـة ، المدينةيتبين ذلك عند كل من ابن باجة من خالل تدبير المتوحد و ابن رشد من خالل فصل

سياسية عندهم ؟ و هل يمكن الربط بين و كيف يمكن الربط بين القيم األخالقية و ال، المقالالفلسفي و الدين ؟ و ما هي حدود هذا الربط ؟ و هل هناك تأثير جلي للفقيه على الفيلسوف في مسألة السياسي و تدبير شؤون الحكم ؟ و فيما يتمثل تأثير أرسطو ؟ علما

األفالطونية بأن في بعض األمور غير طبيعية نلتمس بعض التأثيرات األفالطونية تارة و المحدثة تارة أخري ؟ و هل يمكن أن ندفع بقيم أخري نتجاوز بها المحنة و بمعية من ؟ و من يكون السند النظري في ذلك ؟ هل أرسطو ؟ أم ابن باجة ؟ أم ابن رشد ؟ أم من ؟

Page 66: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

54

:مع بن باجة و رسائله -أ-1-ب-1ن ابن باجة و أرسطو في أن هناك اتفاق بي، "نحن و التراث"يشير الجابري في كتابه

بحيث يوضح من خالل مقارنته ما بين فقرات من رسالة تدبير المتوحد، و ، مسألة السعادة ، رسالة الوداع مع المقالة العاشرة من األخالق النيقوماخية، و التي خصها أرسطو للذة

فيها غير أن النص المعتمد من قبل الجابري هي ترجمة ألحمد لطفي السيد، والتي يشير أن اإلنسان الذي يحي و يعمل بعقله يظهر لي أنه أحسن الناس نظاما و هو عند بن باجة

إال أننا نجد أرسطو بالمقال ) . 1(أحسن تدبيرا و أحبهم لآللهة و عند بن باجة أحبهم هللا الحادي عشر الذي يخصه للسعادة يميز بين سعادتين سعادة إنسانية و سعادة إلهية،

باب (للنشاطات المرتبطة بالفضائل الناتجة عن العالقات مع اآلخرين األولى خصهاو هي نشاطات حسية مرتبطة بالبصيرة ؛ متمثلة في األعمال التي نجزها و ، )المعامالت

و منه ارتبطت ، نحرص على أن تتجاوب مع كل واحد أو باألحرى ترضي كل طرفمن حيث أنها ، هية تعلو عن األولىالفضائل الطبائعية بالبصيرة غير أن السعادة اإلل

من هذه النقطة يتبين أنه حصل ). 2(و هي نعمة إلهية خصتها اآللهة للبشر مرتبطة بالتأملغير أن هذه النعمة هي هداية من اهللا عز و جل عند ابن ، اتفاق بين أرسطو و ابن باجة

هذه الخاصية التأمل بعينه و ، باجة بها يدرك بها اإلنسان الكمال ويكون الفعل بذاته و لذاتهيواصل ابن باجة في طرحه . وهي عند ابن باجة القوة المتخيلة ، ،أو إدراك الجواهر)3(

يحتاج إلى من أوجده الذي يفيض عليه و ، و حتى يعقل و يعلم، أن المحسوس سبب الفساد؛ و بالتالي و قد نجد ذوي الفطرة الفائقة ؛ و هنا يشير إلى العقل الفعال ، يعلمه بالبرهان

و إذا ما ). أنبياء و أولياء( هناك إشارة إلى الدرجات و القدرات التي خص بها اهللا للبشرو أما أن : " ... و الذي يقول فيه ، تأملنا نص ابن باجة عن اتصال العقل اإلنساني باألول

] اه[يعطي العقل القوة المتخيلة معلومات يبسطها فيها من حوادث جرت في العالم يوجدو [، بل عن العقل الذي يخدمها، فيها قبل حدوثها و لم تحصل في القوة المتخيلة عن حاسة

و العجب العجيب فيها ما يكون بالوحي أو بضروب ، ما يكون بالرؤيا الصادقة] منها و بين أن ما يعطيه العقل اإلنساني للتخيل ليس هو منه و ال يضعه هو فيه . الكاهنات

سبب و ] هو[قادر على إيجاده له ال االه إال هو ، فعل فيه فاعل علمه قبلبل يفعل هذا المحرك األجرام الفاعلة بإرادته إلى أن تفعل ما يريده في األجرام المنفعلة كما ] و[، جوده

ومن مالئكته يفيض ، أنه لما أراد أن نعلم ما يحدثه في العالم أفاض على المالئكة علم ذلك) 4"(فيدركه إنسان إنسان بحسب ما وهب من استعداد لقوله، إلنسانذلك العلم على عقول ا

( و هنا يخص بالذكر الكيفية التي يحدث بها الفيض إذ تتوسط عملية الفيض المالئكة. استخدام المنطق األرسطي الذي تنتقل به القضية من الكل إلى الجزء فالمالئكة مثلث الحد

).اإلنساني الحد الجزئي الوسط و األول الحد الكلي بينما العقل :مسألة السعادة-1-أ-1-ب-1

195: ص، 1993، لسادسةالطبعة ا، بيروت، نحن و التراث ،المرآز الثقافي العربي، )محمد عابد (الجابري 1

2 Aristote, op-cit ,, pp :528-537 - 156: ص ص، 1983، المغرب، دار النشر المغربية الدار البيضاء –دار الثقافة بيروت ، تحقيق جمال الدين العلوي، رسائل فلسفية، ابن باجة

1573 155- 154: المرجع نفسه ص ص 4

Page 67: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

55

إذ ، عندما يتعرض لمسألة السعادة، نجد ابن باجة يقول بجهة أخري في إحدى رسائلهأعالها الجوهر " في كونه جوهر ال يحتاج إلى مادة ، يربطها بعملية إدراكية خصت للعقلمعلوم هو ذاته ال يحتاج إلى و عالم و علم ب، )ذاته(الذي هو عقل و عاقل بمعقول هو

و تكتمل السعادة عنده عندما ترتبط بالمدنية أو التدبير المدني على ، )1..." (ذات أخرى و ، ألنه من اهللا خص بها عباده، بحيث جعل من عملية التدبير عمل فاضل. حسب تعبيره

النفس و ألن بها رضي، أن ينجز كل إنسان تدبيره و يحسن انجازه حتى تكتمل السعادةو الكمال ذاته نجده عند ، مما نلحظه أن عملية اإلنجاز مرتبطة بالكمال. رضي اهللا

و أن اإلنجاز يحدث لذة للمنجـز و ، باإلتقان) Office(أرسطو عندما ربط الحرفة . و المرتبطة بالبصيرة ، و التي هي مصدر السعادة الحسية عند أرسطو، للمستفيد منه

و هي فيض منه إن لم نقل إمالء منه ، ابن باجة ارتبطت برضي اهللاغير أن السعادة عند نعمة ( و العقل موهبة من اهللا ، و السعادة هي الكمال اإلنساني المحصلة بالكمال العقلي.

و أعظمها التي خصها اهللا ، و بصيرة القلوب تفاضل بها الناس، )من اآللهة عند أرسطو و منهم من يدرك الحقيقة التي خصها ، )عليهم و سلم صلوات اهللا (لألنبياء و الرسل

أولئك يفيض عليهم اهللا من علمه بحسب ، لعابده الصالحين في فهم ما انزله على رسلهو يرو يقينا ببصائرهم أنهم تبرؤا بذلك عن البدن ؛ و حصل لهم الكمال الذي " ... الرؤى

غير أن السعادة عند ). 2"(ال ذلالتي هي بقاء بال فناء و عز ب، هو السعادة القصوىومن هذا التصور الباجي نفهم تصنيفه . أرسطو ارتبطت بالحكمة مثلما أشرنا من قبل

: للناس و مراتبهم الذين خصهم اهللا بعلمه عن طريق الوحي و هم األنبياء و الرسل - الدين خصهم اهللا بعلمه عن طريق الرؤية و هم األولياء و الصالحين -ين خصهم اهللا بعلمه عن طريق البصيرة و ضمن هذه الفئة نتقارب مع أرسطو الذ -

.عندما ارتبطت هذه المعرفة بالتقنية و الحرف حتى المعرفة الطبية هي حرفة بالنسبة له :مع ابن رشد و فصل المقال -ب-1-ب-1

فقط أن ابن رشد ليس ، ما لمسناه من الجابريخاصة ، دشاألمر مع ابن ر علىلقد غلب و هذه هي وجهتي من العودة إلى أرسطو، و كيف استقبل ؛ و ، من أبرز شراح أرسطو

في كيفية تأسيس أخالق ، مما يسمح لنا في ما بعد. أثره في تكون األرسطيين الجدد و من ، -خاصة عندنا–فوجهتي كانت التماس مقاربة بين من استقبلوه قديما ، المناقشة

إال أنني و جدت في الجابري مشروعا حضاريا يتأسس ، –هم خاصة عند–استقبلوه حديثا إذ و هذا ليس ، خاصة ذلك االهتمام الذي أولي به من قبل السلطة آنذاك، مع بن ارشد

أمر يوصل صاحبها إلى ، خفي أن العناية بالفلسفة و تعلمها و تدبير الشؤون المدنية بهامن خالل تجربة ابن رشد في ، ه عند الجابريو هذا ما قرانا. التنور و بالتالي إلى التقدم

لعل مربط الفرس بالنسبة لنا ) . أبو يعقوب يوسف(كنف الدولة الموحدية و أميرها المتنورهو الكشف عن إمكانية تأسيس قيم أخالقية ؛ كتلك التي عرفت عند ، من خالل المقاربات

التي كانت نقطة لقاء بين و، )أرندت،آبل(األرسطيين الجدد بالغرب ؛ و تحديدا األلمان لعل تبني الجابري المشروع الرشدي في األساس ؛ و األرسطي المنهل . آبل و هبرماس

1 199: ص ، المرجع نفسه 2 177: ص ،المرجع نفسه

Page 68: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

56

و كيف وصل إلى ، ؛ جعلنا نستدرج كذلك تجربة أرسطو مع ألكسندر األكبر حاكم مقدونيا تؤكد على أن االهتمام، تجارب تاريخية عرفتها اإلنسانية بالمشرق و المغرب. المجد

. بالعقل ؛ و بالتالي المعرفة التي توصل صاحبها إلى بناء ثقافة ؛ تكون كشاهد تاريخي له و المتعلمين ، و لعل توجه أمير المتنور إلى ضم ابن رشد بغية االهتمام بالتعليم

و األمر كانت بدايته عندما و لي أبو يعقوب والية . لخير دليل على ذلك ) 1)(الطلبة(فمن أين مصدر هذا االهتمام بالعلم ؟ و ، ة ؛ و كانت تربطه صداقة مع ابن طفيلاشبيلي

هل يؤسس قيمة أخالقية؟ أم أن السلطة جعلت من العلم مصدر قوتها ؟ و إن كان األمر فهل هناك اتفاق بين العلم و األخالق ؟، غير ذلك

:ابن تومرت البداية األولى -1-ب-1-ب-1، التي تأسست عليها ثورة ابن تومرت، إشارة إلى الفكرة األولىالقول بالبداية األولى

كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون " بحيث جعل من اآلية الكريمة التي عدلت تزمت ، و كانت نبراسا تأسست به دولة الموحدين، شعارا لثورته" عن المنكر

الحظ أن نص اآلية واضح ال يحتاج إلى اللجوء من الم). 2(دولة المرابطين و اإلطاحة بهابل أن اإلسالم دين أخالق ؛ و أن الخير قياسه األمر بالمعروف و ، )تأويل(إلى تفسير

أي عدم ، النهي عن المنكر ؛ و الشر قياسه المنكر، و المسلم هو الذي سلم النـاس منهمرت عن المذهب المالكي لعل االعتراض الذي لمسناه عند ابن تو، إلحاق األذى باآلخرين

موطأ "؛ و سماه بـ" الموطأ"المعتمد ببالد المغرب ؛ جعله يضع كتابا ضخما على غرار أن الحكم الشرعي يقوم ، في مجال الفقه مثلما يشير إلى ذلك الجابري). 3"(اإلمام المهدي

لفقهاء و الحكم ال يثبت إال بالعلم ؛ ال بالظن الذي كان ا، على األصل وحده دون ذلكإال أن ابن تومرت . ما سموه بالعلة" قياس الغائب على الشاهد"يلتمسون معرفته بالقياس ؛

بل هي أمارة أو عالمة ال يثبت بها الحكم بل ، يعتبر أن العلة ليس مبنية على الحقيقةفعلى ماذا ، مما يجعلنا نقترب لفهم بن رشد و منهجه ضمن فصـل المقال). 4(عندها

ي أسسه المنطقية ؟ و فيما نلتمس التأثير األرسطي ؟ يقوم؟ و ما ه :فصل المقال-2-ب-1-ب-1

أن القارئ الجيد البن رشد ؛ من خالل مقاالته المنهجية ، يتبن من خالل ما كتب الجابريو كذا تهافت التهافت، يتبين ، و الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملة، من فصل المقال

كيف نقرأ –كيف يجب أن يقرأ و يفهم القرآن ؟ - : أسئلة رئيسية انه يلتمس إجابة عن لعل المنهج الذي ) 5(كيف يجب أن تحدد العالقة بين الفلسفة و الدين ؟ -فلسفة أرسطو ؟

أسسه ابن رشد يذهب إلى وضع فصل ما بين الشريعة و الفلسفة بحيث أن لكل واحدة لها فمن المنظور األرسطي أن الحكمة ، يساندهبحيث أن الحق ال يضاهي الحق بل ، أسسها

ألن موضوع الحكمة أسمى ، إدراك للمعني الكلي للمعرفة ال جزئياتها المرتبطة بالتقنيةهو نفسه منطق الفصل بين الدين و ، فمنطق الفصل بين الحكمة و البصيرة، من البصيرة

1 49- 45: ، ص ص 1، ط1998مرآز الدراسات الوحدة العربية، بيروت ، )دراسة و نصوص ، سيرة وفكر( ابن رشد ، )محمد عابد(الجابري ، 1998 مرآز الدراسات الوحدة العربية، بيروت، محمد عابد الجابري مع مقدمة تحليلية لـ، الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملة، ابن رشد 2 42:، ص1ط 3 44-43: ص ص ، ، مرجع سبق ذآره)دراسة و نصوص ، سيرة وفكر( ابن رشد ، محمد عابد الجابري 4 43: ص ، مصدر سبق ذآره، محمد عابد الجابري مع مقدمة تحليلية لـ، الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملة، ابن رشد 237: ص ، اثنحن و التر، )محمد عابد (الجابري 5

Page 69: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

57

آليات المحكمات و و المنطق ذاته نلتمسه بالقرآن الكريم عندما يفصل بين ا، الفلسفةفإلى حد . األولى تتطلب العمل و األخرى تستوجب النظر و التأمل ، اآليات المتشابهات

ذهب ابن رشد بهذا الفصل ؟ و ماذا أسـس؟ إن كان فعل الفلسفة ليس شيئا أكثر من النظر : من خالل مقال ابن رشد الذي يقول فيه

أعني من جهة ما هي ، لى الصانعو اعتبارها من جهة داللتها ع، في الموجوداتو انه كلما كانت ، فان الموجودات إنما تدل على الصانع لمعرفة صنعتها، مصنوعات

و كان الشرع قد ندب إلى اعتبار ، المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتمفبين أن ما يدل عليه هذا االسم إما واجب بالشرع و إما ، الموجودات و حث على ذلك

و المعرفة ، يتبين من خالل هذا النص أن النظر الفلسفي علما كليا) 1.(ندوب إليه مإذ هناك أمور خاصة بالكل و أمور خاصة ، بالمخلوقات هي المعرفة بالمصنوعات

و أمور تطلب الصناعة ، )المعرفة النظرية (أي أن هناك أمور تطلب النظر ، بالجزءاختالفا بينه و بين أرسطو عندما ربط قضايا ؛ و هي و هنا ال نجد ، )المعرفة التطبيقية (

فالمقاربة التي ، كلية باألساس إلى الحكمة ؛ و قضايا وهي جزئية باألساس إلى البصيرة، )πράξις(و تطبيقي )έπιστήµη(نلتمسها بينهما ؛ أن الفصل المعرفي بين ما هو نظري. كتساب المعرفة و بالتالي التعلم أو باألحرى بين التأمل و التقنية أمر مرتبط بعملية ا

األمر الذي أوكل إياه ابن رشد في وضع نظام تعليمي ؛ بأمر من عبد المؤمن ؛ لذي رأى و األمر ذاته و قع مع أرسطو عند ما استدعي من قبل . أن أساس الدولة العلم و الثقافة

و ، )Alexandre le Grand(ليقوم بتعليم ولي العهد ، )Philippe II de Macédoine(الملك فهل عملية التعليم . أفالطون على غرار أكاديمية، يعرف عنه كذلك أنه أسس الثانوية

ارتبطت باألخالق، و هل صدق قول أرسطو أن الحاكم الجيد هو الذي يعلم رعيته معني الخير ؟ و هل األمر بالمعروف قيمة أخالقية يعمل بها الحاكم و المحكوم ؟

و حتى يتسنى ذلك فالبد من تعلم ، نالحظ كذلك في نص ابن رشد أن التعلم يكون بالبرهانو ، و بماذا يخالف القياس البرهاني القياس الجدلي، "نواع البراهين و شروطها أ

يشير ابن رشد في جهة أخري من النص ذاته، ) . 2"(القياس الخطابي القياس المغالطي و ، خاصة تلك التي يصح بها تزكية صناعة ما، أنه يجب اكتساب آليات معرفة الصنائع

يشير هنا إلى فالسفة اليونان خاصة المنطق األرسطي، فإن ، ءقد سبقونا في ذلك القدماو عليه كان اكتساب المعارف إن . و إن كان به لبس نبهنا منه ، كان كله صواب قبلناه

القصد من آليات البرهان تلك . وافقت الشرع بها و بارك، و إن خالفت تم العدول عنهاأرسطو ؛ فلو فرضنا مثل ما يقول ابن رشد و الفكرة ذاتها نجدها عند، المرتبطة بالصنائع

، أن صناعة الهندسة معدومة ؛ و أراد اإلنسان من ذاته أن يدرك مقادير األجرام السماوية). 3(فعليه و من هذا التمثيل الذي يقتضي صناعة علمية الوقوف على الحجج و كيفية بنائها

ات؛ لقدرتها على كسب ندرك من ذلك أن أساس معرفة الصنائع الهندسية أي الرياضيو يشير هنا إلى القياس الفقهي الذي ، الصيغ البرهانية ؛ خاصة تلك المرتبطة بالقياس

فاالتفاق في الصنائع من باب أنها تشترك في القياس، يعتبرها ابن رشد . يعتبره صناعة

الشرآة الوطنية للنشر و ، تقديم و تعليق بوعمران الشيخ و جلول البدوي، فصل المقال و تقرير ما بين الشريعة و الحكمة من االتصال، ابن رشد 1 24: ص، 1982الجزائر ، التوزيع

2 26- 25: ص، المصدر نفسه 3 30- 29: ص، المصدر نفسه

Page 70: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

58

و إن كانت معرفة الصناعة العلمية تقتضي قدرا من . أنها تعود في األصل إلى الفقهلبرهان فكيف يكون الحال بالنسبة لصناعة الصنائع ؟ أليس هذا إشارة للفرق بين الحكمة ا

من حيث هي معرفة بالكليات و الصنائع كمعرفة بالجزئيات ؟ فأين تتمثل الفضيلة الخلقية ؟

من باب أن هناك ندب في معرفة الصنائع و األخذ بها من القدماء و النهي عنها إن خالفت فأين يتمثل ، ن ذات المنطق يتحرك ابن رشد نحو ما التمسناه عند ابن تومرتو م، الشرع

األمر بالمعروف و النهي عن المنكر ؟ و هل األمر بالمعروف و النهي عن المنكر يحددان قيمتي الخير و الشر ؟ و هل ذات القيمتين ارتبطت بالعلم ؟ إن تساؤالت بهذا

من حيث أن المعرفة بالصنائع ، األخالق و العلم المستوي تدفعنا بالبحث عن العالقة بينفهل تحصيل الصناعة تحقق السعادة ؟ أم أن ، و أن أسمي الفضائل الحكمة، من الفضائل

السعادة المثلي تكمن في الحكمة ؟ كان من األفضل أن نربط بين األخـالق و العلم ؛ هذا ف قرطبة نحو أفالطون عندما و هنا نالحظ انزياح فيلسو، وجوبا لخدمة المدينة الفاضلةو بهذا الشأن نلتمس من كل فيلسوف المكانة التي رسمها ، يقر بأن يرأس المدينة فيلسوفا

و ، بمعني أن الحكمة كمعرفة بالكليات هي أقرب إلى التوحد منه إلى الكثرة، للفيلسوفصدر إلهي و كانت من ذلك الوحدة ذات م. عليه كانت الوحدة أساس الفضائل و أسماهم

. و منه كان قول ابن رشد الحق ال يضاد الحق بل يوافقه و يشهد له، تمثلت في الشرعفإلى أي مدي يمكن إدراك حقيقة الشرع و حقيقة الحكمة ؟ و هل طبيعة اإلدراك واحدة

عند كل عارف ؟من حيث هو أساس الشرع واستنادا ، لقد طرحت مسألة فهم النص القرآني ظاهره و باطنه

هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن :" ية المأخوذة من سورة آل عمران لآل. فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ، أم الكتاب أخر متشابهات

. )7: سورة آل عمران اآلية(.و ابتغاء تأويله و ما يعلم تأوليه إال اهللا و الراسخون في العلمو التي ال تحتاج إال ، ل في القرآن هي اآليات المحكات التي تحمل األحكام الظاهرةاألصو بالتالي و مثل ما أجمع عليه العلماء ؛ و ابن رشد في عهده انه ليس في الشرع ، تأويل

و أن الناس طريقهم ، و أن العلم بكل مسألة يجب أن ال يكتم عن احد). 1(ظاهر وباطنو هذا ما يثبت أن الناس مراتب و الكل على حسب قدرته في . ة واحد في علم الشريع

أي ظاهر ، فكل الناس إنما إشارة للعامة التي تطلب معرفة األحكام من األصل. الفهم إذ يؤكد في النص ذاته أن بالصدر ، النص مثل ما يري البعض ؛ على عكس ابن رشد

صلي اهللا عليه و (يه الرسول األول ؛ و مثل ما استند على حديث رواه بخاري يقول فبمعني أن القدرة على ). 2(الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب اهللا و رسوله احدثو) سلم

و أن األصل في الشرع موجه للناس كافة هذا ما هو مستدل من نص اآلية ، الفهم درجات. الشرع ، و بالتالي كل ما يطلبه الناس من معرفة حول "آيات محكمات هن أم الكتاب "

فهي مسائل خص بها ، أما المسائل التي تتطلب البرهان ؛ مثل مسالة قدم العالم من حدوثهبينما عندما خص اهللا الراسخون في العلم ؛ و أنهم هم الذين ، وهي إثارة للجدل، المتكلمون

و هم المؤمنون الذين يؤمرون ، الذين خصهم اهللا بعلمه كهنا إشارة ألولئ، يعلمون تأويله

37: ص ، همصدر سبق ذآر، ابن رشد 1 38: ص، المصدر نفسه 2

Page 71: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

59

إال أننا نسجل على ابن رشد ؛ انه حدد أنواعا للقياس ؛ . المعروف و ينهون عن المنكر ب؛ و كل قياس يقوم بالبرهان ؛ و اهتم بالبرهان خاص بالصنائع ؛ هو لكل قياس استخدامات .و اعتبر الفقه صناعة

ومنه نستطيع أن نقول أن هناك تقارب بين ابن رشد و ابن باجة ؛ من حيث كونهما و ، و اإلتقان فيها مصدر لذة، فالبرهان مرتبط بالصنائع، عتمدان على المعلم األولي

فالصانع ، بالتالي السعادة عندما يشترك طرفين في ذات اللذة ؛ و هذا ليس بذات الشعورو اكتمال ، فلألول لذته و لثاني لذته، عندما يتقن صناعته و ترضي المستفيد منها

حتى السياسة صناعة تكتمل؛ و تحقق السعادة عندما يعمل الحاكم . السعادة اللذتين تحققالفقه صناعة من حيث انه يستخدم القياس في . على تعليم رعيته كيف يتحصلون عليها

و عليه كان ترتيب الناس عند ابن رشد أقرب إلى ابن باجة في . إيضاح األحكام الشرعية :ه كانت الناس على هذا الترتيبو من، الفئة التي خصها اهللا بعلمه

أناس يدركون األحكام بالخطابة و هم عامة الناس و يستخدم هنا القياس الخطابي، -و هي ، عندما ربط بين اإلقناع و الخطابة، هنا نكتشف تأثير أرسطو في ابن رشد

.أمور سنرجئها لما بعد .لقياس البرهاني و هم الصناع و هنا يستخدم ا، أناس يدركون األحكام بالبرهان -أناس يدركون األحكام بالجدل و هنا يستخدم القياس الجدلي و قد خص فيهم -

.المتكلمون و المعادون للفلسفة يتبن مما سبق ؛ أن الفلسفة العملية التي وضعها أرسطو ؛ خاصة تلك التي خصت الجانب

منها فضائل ، قيةو الذي ارتبط بالقيم األخال، إذ عرفت بالتدبير، األخالقي و السياسيمما يجعلنا نقول و بلغة ابيستموليجية ما هو عملي، و ما هو . صناعية و فضائل معرفية

و هي خصال خص بها اهللا عباده المؤمنين الذين يأمرون بالمعروف و ينهون عن ، تأمليو عليه يمكن القول كذلك ؛ أن استقبال أرسطو من قبل المسلمين خاصة بالمغرب ، المنكرو كانت نتيجتها تأسيس دولة ، خص بالذكر ابن باجة و ابن تومرت و ابن رشدو ن

تأخذ ) الصنائع(و بدأت المعرفة العملية ، الموحدين التي عرف فيها النظر العقلي أسوتهما يشدنا كذلك أن الفلسفة العملية األرسطية والمعتمدة باألساس على البرهان . دفعة جديدة هذا لم يستثني . و الذي عرفوه بمعيار العلم ، ب إلى المنطقأوصلت العر، أي القـياس

خاصة إذا ما ارتبط األمر ، المعرفة الرياضيات التي هي صناعة مثل الصنائع األخرى، بل كانت فيه عودة أخري إليه، لم يقتصر التأثير األرسطي على العرب فقط، بالهندسة

ما هي حدود النظرية و التطبيقية لهذه ففي من تمثلت هذه العودة ؟ و منهم العائدون ؟ و العودة ؟

:ب و تكون األرسطيين الجدد بالغر: الوجهة الثانية-2-ب-1

األرسطيين الجدد المتكونين بألمانيا بداية من القرن ، الذين نخصهم بالذكر لعل العائدونإذ نسجل على هيدجر الشاب تلك المحاضرات التي ألقاها بجامعة ، العشرين

Page 72: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

60

-1923ما بين ) Marbourg(و بماربورغ ، 1923- 1919ما بين ) Fribourg(فريبورغمن خالل حدوس استلهمت من ، و ضع الخط األرسطي الموصل للهرمنوتيقا أين، 1928

تعقد السجال حول إمكانية و ضع مقام مشترك يسمح بالتقييم ) . 1(األخالق النيقوماخية. الشامل ،و ذلك استنادا للفلسفة العملية التي تطورت ضمن السياق المعرفي األرسطي

تطبيقي يخرج متعاطيه عن الطريق المسدود، يمكن و بالوقت ذاته تكوين نموذج عقالني. تلك هي االستثمارات التي سخرت للفعل اإلنساني المقترح من قبل العلوم االجتماعية ، و هنا إشارة ألعمال ماكس ويبر حول الفعل االجتماعي الموجه نحو الهدف أو النهاية

فإعادة تأسيس الفلسفة العملية . ومنه استقى علم االجتماع التفهمي القائم على فهم األفعال األرسطية خاصة عند الجيل الناشئ بألمانيا و صوال إلى حنا أرندت و كارل أوتو آبل إلى

فمن جهة نحن أمام رهان يلزم علينا إدراك معني الخطابة . غاية تأسيس أخالق المناقشة تكون نتيجتها و، أخالقيا) Rhétorique(و اإلقناع و من جهة أخري كيف توجه الخطابة

فأين ، ذلك هو الهدف من وضع نظرية الفعل التواصلي. خلق قناة اتصالية تحقق التفاهم تكمن مساهمة الفلسفة العملية في تأسيس أخالق المناقشة ؟ و ما هي القيم األخالقية المدعمة لمثل هذا التأسيس ؟ هل أخالق المناقشة خطوة ضرورية لكي نصل إلى التفاهم

يطا أساسيا للتفاهم أو التراضي ؟ و هل هذا األخير من الفضائل العملية التي أم هي وس و ضعها أرسطو ؟

:اإلنسان الحديث و شرط.. حنا أرندتمع -أ-2-ب-1خاصة أن ما ، أن هناك فرق بين ما هو تأملي و ما هو عملي، من خالل ما سبق يتبين

التي كانت تلميذة هي األخرى ، تهو عملي هو الذي أعيد صياغته من قبل حنا أرندآخذتا بذلك مرجعيتها من الدروس التي قدمت و تكون، )Marbourg(لهيدجر بماربورغ

بحيث تعيد بلورة التصور حول حياتين حياة ) . 2(من قبل هيدجر حول أرسطوأين تذهب إلى إعادة تهيئة فكرة ، (Vita activa)و حياة عملية (Vita contempliva)تأملية

برنامج باشرت به لكي تحدد الخصائص األساسية من أجل فهم . األرسطية )πράχίς(لعملابمعني انه نفس البرنامج الفلسفي المعتمد من قبل هيدجر ؛ في توضيح أن الحياة ، السياسة

اإلنسانية تقوم باألساس على العمل ؛ مثلما وضعـه أرسطو اعتمدت عليه لوضع خطوط من هذه الزاوية قام برنامج عملها على إبعاد كل من هو . سعادة الحياة العملية كمصدر لل

و أن السياسة عمال و ، مغذيتا بذلك أفكارها حول العمل، نظري من التفكير السياسيو هي أفكار ، و هي بذلك تدفع العالم الحديث نحو العمل. ليست تصورا نظريا

تحديد مفهوم العمل كنشاط إنساني من هنا كانت نقطة انطالقها في. باألساس هيدجرية يرتبط بمفهوم السعادة ،فإلى حد يمكن أن نتدرج مع أرندت و نكتشف أرسطو المعاصر؟ هل عاصرنا أرسطو مثلما عاصر السابقين ؟ و هل السابقون الذين شكلوا تراثنا كانوا أكثر فهما و استقباال ألرسطو ؟ و هل هناك تقارب في مفهومي السعادة و العمل

؟)الصناعة( :)Vita contempliva(الحياة التأملية-1-أ-2-ب-1

1 Franco Volpi , Philosophie pratique , in dictionnaire d’éthique et de philosophie morale , sous la direction de Monique Canto-Sperber , PUF, p : 1131 2 Ibid , p : 1132

Page 73: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

61

يتبين من الخالل التساؤالت المطروحة ؛ أن هناك هاجس تشكل عند أرندت عندما إذ طرح هذا األخير مسألة العمل أو ، استلهمت األفكار األرسطية من معلمها هيدجر

و هنا ، لوجي تتوحد فيهما ذاتينالنشاط اإلنساني اعتمادا على مبدأ البيذاتية كأساس أنطوإال أن التحوير الذي أحدثته و خالفا عن ، نجد الخط الفينمولوجي الذي و ضعه هوسرل

إال أن وبهذا المستوي تكون ، و جعلته يخص العموم، معلمها أنها ربطت المسألة بالسياسةسياسيا يستلزمون توجيها ) Public(بحيث يشتركان في كون العموم ، أقرب من هبرماس

كانت المسألة من ذلك معكوسة نوعا ما، فكان لزاما علينا أن . حتى يكتمل نشاطهم ففيما يتمثل ، نتتبعها ؛ عندما ميزت بين الحياة التأملية و الحياة العملية كاكتشاف يوناني

هذا االكتشاف و أين نجد مصدر السعادة ؟ بالفعل تعتبر أرندت أن الحياة التأملية من أعلى توبوياو هذا ليس فقط تنظيما ، ويات التفكير التي نجدها في فلسفة أفالطون السياسيةمست

فالهدف هو وضع نمط ، ؛ يعيد بناء المدينة من جديد ؛ مسيرة بالكامل من قبل الفلسفة، هذا يعني أنه قدم مرتبة عليا للفيلسوف في تدبير شؤون المدينة). 1(فلسفي للحياة بالمدينة

Esculape(سكيالبا عندما اعتبر ،)K. Popper(كارل بوبرا نجدها كذلك عند الفكرة ذاته؛ أفالطون نظر وجهة و من. ؛ الذي يلجأ له في معالجة المرض )إله الطب=

الوصفات الطبية لمعالجة األمراض التي بتقديمه، سكيالباالحاكم يقوم مقام -الفيلسوف يكون فيها لكل واحد مهمته و ، ومة جيداإال أنه و عندما تكون محك. تصيب المدينة

فالحياة عند ). 2(العالج ى الجسم طيلة حياته يطلب ألنه من غير الممكن أن يبق، كواجببحيث يكون هناك اتصال مع اآللهة إليجاد الحلول لمشاكلهم ، مؤسسي المدينة تأملية

ين بها المدينة و التي التي تز، غير أن ما هو عملي قد نجده في األعمال الفنية، العمليةيحدد السياسة ؛ و فاالتصال بين ما هو تأملي و عملي عند اليونان ). 3(يراد لها الخلود

لذا نسجل اعتراضا على أفالطون لدي أرندت، بحيث تقدم ، كيف تسير شؤون المدينةمرتبط باألساس " الحياة العملية" فتصور ، تصورا على أن الحياة ليست تأمال بل نشاطا

فهل حدث ). 4(و تكون بذلك قد أعطت الراحة المطلقة للحياة التأملية، النشاط اإلنسانيببالفعل توقف للحياة التأملية ؟ أم أن هذا التوقف هو استمرار للحياة العملية ؟ ففيما تتمثل

الحياة العملية ؟ و على ماذا تقوم ؟ : )ivaVita act(الحياة العملية -2-أ-2-ب-1

من حيث ، والنشاط السياسي) σκηολέά(قد قربوا بين الالراحة ) Ελληνος(إن الهيلينيونتلك ، )Ανθροπός φύσει πολιτικόν ζώον(أن اإلنسان من طبيعته حيـوان سـياسي

1 Arendt(Hannah), Condition de l’homme moderne ,traduit de l’anglais par Georges Fradier, Préface de Paul Ricœur, Edition Calmann –Levy, 1961, p :23 2 Popper(Karl), Société ouverte et ses ennemies, tome1 (l’ascendant de Platon) Traduit par Jacqueline Bernard et Philippe Monod, Seuil1979 p 117. 3 Ibid , p : 27 4 Hannah Arendt, Condition de l’homme moderne, Op-cit ,p : 23

Page 74: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

62

وبين النشاط ، المقاربة التي جعلت أرسطو يميز بين المتعة كأساس للــذة و الراحةفالوقوف عن الحرب يعني السلم، فالالراحة تعني . و الحرب والمعـرفة و بين السلم

من هذا المعني تأخذ الحياة العملية . الحياة العملية و التي مصدرها بالسلب الحياة التأملية بينما ، و منه كان الال توقف داللة على النشاط، كنشاط إنساني غير مكتمل كاكتمال الكونأي ) σκηολέ(ياة التأملية تحمل في معناها المتعة التوقف أو الراحة التي مصدرها الح

مما يخلق ، بينما النشاط فلسفي يخالف النشاط السياسي داخل المدينة، متعة المعرفة من هذه الزاوية ترصد لنا أرندت الفرق بين الحياة التأملية و الحياة ). 1(الصراع بينهما

شاط يشمل على حركة الروح و من حيث أن األولي نشاط فلسفي و الثانية ن، العمليةو هنا يجدر اإلشارة أن اليونانيين يعتبرون النطق أو ). Raison(الجسم و اللغة و العقل

وعليه لم يختلف عن ذلك ، )ειενλέγ(يأتي التكلم ) λόγος(الكالم هو العقل بعينه فمن كلمة . مع العرب عندما عرفوا المنطق و ربطوه بالنطق الصحيح

:العمل-3-أ-2-ب-1من حيث ، بحيث تخصص له فصال شامال و ليس مانعا، تولي أرندت مكانة كبيرة للعمل

أن األفكار لم تخرج عن الخط األرسطي دون التعرج إلى االنتقادات الماركسية لمفهوم . إال أن اإلنسان في األصل لم يتحرر من ضروريات الحياة حتى يستمر بالوجود . العمل

من حيث أنهما مظهرين ، )Œuvre(المنتوج الفني و تباشر بتقديم تمييز بين العمل وو النظريات التي خصت موضوع العمل باختالف ، لنشاط إنساني تشكال عبر التاريخ

الحرفة المرتبطة عند اليونـان = اللغات األوروبية التي تميز بين العمل و الصناعة صل تمييزها بين العمل و الصناعة ؟ هل نفس االختالف نجده فإلى إي حد ي. بالتقنية

على مستوي اللغة ؛ نجده كذلك على مستوي السياسة ؟ أو باألحرى على مستوي االقتصادي ؟ التمييز بين العمل كنشاط جسمي ؛ و الصناعة كنشاط تقني يعيدنا إلى

اعة كـانت تخـص بينما الصن، بحيث كان العمل خاص بالعبيد والحيوانات، اليونان) τέχνής(يعني كل ما هو يدوي بينما الالحق ) χειρο(، فالجذر)τέχνής-χειρο)(2(الحرفي

واليونانيون جمعوا بين التقنية و الفن ؛ من حيث أنهما نشاط ، يعني التقنية أي الحرفـةها، و من هذا المعني تتجه أرندت في تميز). 3(يدل على المعاناة) πόνς(واحد، بينما العمل

و اغتنموا العبيد للعمل و انتقلوا بذلك و بكل ، إذ تشير إلى القدماء عندما أسسوا المدينةو كون القدماء جعلوا من العمل أداة ) . 4(حرية من المجال الخاص إلـى المجال العام

إذ الشرط اإلنساني خاضع لضرورة الحياة فكان ، عمل و عبودية و هذا لضرورة طبيعية ، بعضهم البعض للتخلص من العبودية ؛ أي عبودية الطبيعة و الحياة البد من إخضاع

فاإلنسان العامل أعلى درجة من . و منه كان العبد وسيلة تحرر من هذه الضغوطات ألن هناك فرق بين الحيوان العامل و الحيوان العاقل ؛ استنادا لما ورث عن ، الحيوان

وبين العمل الخاص ، المنتوج الفني و العمل الحضارات القديمة التي أهملت التميز بين، و العمل بالمجال السياسي الذي تخصص فيه األحرار ، داخل البيت الذي خص بالعبيد

1 Ibid , pp : 24-25 2 CH.GEORGIN, DICTIONNAIRE GREC-FRANÇAIS, A.HATIER, BELGIQUE, p : 854 3 Ibid, p : 614 4 Hannah Arendt, Op-cit, p:93

Page 75: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

63

فهل التمييز بين العمل و الفن هو الذي يمكننا من التمييز بين المجال الخـاص و العام ؟ سياسية بهذا المستوي ؟ عن و هل أساس التمييز بينهما هو الذي مكن من تطور النظرية ال

هذه األسئلة تجيب أرندت ؛ أنه عندما محوا كل ما يميز بين النشاطين اليدوي و الحرفي، و جعلت ، و دفعوا بالنشاط التأملي كنقيض لألنشطة األخرى بما فيها النشاط السياسي

قد دفع هنا نسجل اعترافا لها بأن الفكر السياسي المسيحي . الضرورة كمقام مشترك لها و اعتبرت الديـن موجـه للجمهور أو ، بالتفكير الفلسفي كنشاط تأملي موجه للنخبة

فهل هذا التمييز بقي ). 1(و عليه خصت القيم الشمولية للفيلسوف عن باقي البشر، الحشددائما مستمرا و مدعما بتصورات نظرية ؟ استنادا لنظرية ماركس تذهب أرندت إلى

وهذا كون العمل لم يتوقف عند إشباع الحاجة ، ل إلى المجال العامالقول بأن العمل قد دخو كلها مصطلحات ، بل زاد و تكون مفهوم الفائض في اإلنتاج و التبادل و قوة العمل

و هي ، و أن العمل هو إنتاج للحـياة. شكلت السياق المفاهيمي لالقتصاد السياسي عندما ماركس اعتبر العمل ). 2(باإلنجاب و ربطه، المقولة التي اشتهر بها ماركس بشبابهأين المادة الطبيعية تحولت مع أشكال حاجاته إلى ، نشاط يتعامل به اإلنسان مع الطبيعة

و كل ، و كل األنشطة التي تقدم وسائل االستهالك هو العمل، إنتاج يذهب إلى االستهالكان القول بان العمل إنجاب منه ك، منتوج يدخل ال محالة ضمن الميكانيزم الحيوي لإلنسانفكرة طرحت للنقاش من قبل ). 3(أين ينتج و يعاد إنتاج قوة العمل التي تعتني بالجسم

بل يتعداه إلى االعتناء بالجسم دون ، أرندت من حيث أن العمل ليس أساس الحاجة Alvin(ألفين توفلرو هي الفكرة التي شكلت الموجة الثالثة التي طرحها ، استهالكهToffler( ،و تكون مجتمع ، عندما اعتبر العمل المعرفي أساس الثورة المعلوماتيةالتي اعتبرت من الوجهة الماركسية ؛ و التي لم ، و نبتعد بذلك عن أنة أرندت، المعرفـة

كنشاط إنساني يختلف به عن ، تخرج عن اإلطار العام الذي وضعه أرسطو عن العملالتي أصبحت كمقام مشترك لكل تصور عـن الحيوان ؛ بدون تحرره من الضرورة

فهل العمل الفكري و إنتاج المعرفة يحقق الحرية مثلما حققها القدماء ؟ و أية لذة ، العملنشعر بها عندما نشبع حاجياتنا ؟ وما مدى حجم السعادة التي تتولد من العمل إذا أخذنا

بالمصطلح الماركسي ؟ :السعادة-4-أ-2-ب-1

أن اإلنسان مقياس كل شيء مقياس الخير و الشر ، تنطلق أرندت من مقولة بروتاغوراسو تكون بذلك قد ربطت اإلنسان الصانع بالعدد الذي خرج من ثورته بوضع وحدات ، منهو ما هو مؤكد بالنسبة ، قياس ما هو في منتهي الصغر و ما هو في منتهي الكبر، قياسو وضع ، أن الحياة العملية لم تخفق عندما اعتمدت على مبدأ الضرورة في اإلشباع، لها

، تصور قدر أنه غير كاف ؛ مما ترك المجال لمبدأ السعادة الكمية، تصورات عن العالمو التي صيغت من ، )أقصي سعادة بأقصى عدد( المبدأ الذي استثمرته وفق الصيغة التالية

و منه نفهم أن مبدأ اللذة و . في مقدمته عن مبادئ األخالق و التشريع جريمي بنتامقبل المنفعة قد شكال الحجر الزاوية في وضع تصور مفهوم السعادة المرتبط باألساس بالحياة

1 Ibid, p : 97 2 Ibid , note de bas de page n° 4 , pp :100-101 3 Ibid, p : 112

Page 76: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

64

و منه كان كل ما يتعلمه آتي مما يصنعه و بالتالي كان ، العملية و اإلنسان الصانعالسعادة بعينها ؟ و هل هي عددية في جوهرها ؟ بهذا ، فهل هذا االنتصار هو)1(انتصاره

التي تحقق اللذة بالنسبة ، المستوي تعيدنا إلى أرسطو عندما ربط الصناعة و النجاح فيهاو المؤشر الحقيقي للسعادة ليس االستعمال . للصانع و المستفيد منها و منه تكتمل السعادة

ة في الصناعة واللذة في اإلنتاج بل تقدير المعانا، وليس الفائدة من الصناعةو بالتالي ، في وضع مقياس المعاناة و اللذة بنتامهنا إشارة لتدخل ). 2(واالستهالك

التي ، )ηθική(مما يدفعنا للعودة إلى التميز بين ، استخدام الرياضيات في العلوم األخالقيةما األخالق بالمفهوم بين، تشير إلى العلم الذي موضوعه تقدير أحكام الخـير و الشر

و منه كان التقدير الرياضي ، أي مجموع القواعد الموجهة للسلوك) mores(الروماني و كانت السعادة مجموع اللذات مع ، أقرب من المفهوم الروماني بنتام الموضوع من قبل

و الدليل المقدم في ذلك أن اإلنسان يبتعد عن المعاناة ؛ و يبحث عن ، طرح المعاناة، بمعني أن الشعور )Hédonisme(و هو المبدأ ذاته الذي نجده عند أنصار اللذة، اتاللذ

بينما المعاناة تقتضي شعورا ، و هو اتصال بالعالم الخارجي، باللذة يقتضي شيئا آخرداخليا و هو اتصال بالعالم الداخلي يقوم على االستبطان، فهل المعاناة مقياس الخير ؟ أم

و تصور آخر للخير؟ أن هناك مقياس آخر أ :الحياة مصدر سيادة الخير-5-أ-2-ب-1

بوضع عالقة بين الخير و الحياة بعد فشل اإلنسان الصانع ، تباشر تحليلها بهذا المستويو كون الحياة فرضت كنبراس ، أمام التطور الذي عرفته المجتمعـات المعـاصـرة

من سياق المجتمعات المسيحية، من باب أن الخير قد تم إدراجه ض، أساسي للعصر الحاليو أن هذه الخاصية استمرت بالرغم من العلمانية و ، أين االعتقاد بخاصية قداسة الحياة

، و كان سبب هذا االستمرار تحويل العالقة بين اإلنسان و الحياة، تدهور العقيدة المسيحيةو من هنا ، السالم الذي وعد به المسيح عليه، )Immortalité(و تكون االعتقاد بالالفناء

و تفقد هذه القداسة بارتكاب ، تشكلت فكرة الحياة و قداسة الخير ألن مصـدره المسيحو ما الموت ، فنجاح المسيحية تمثل في تقديم أمل الحياة و أن الحياة مستمرة، خطيئة فردية

جلت عن ألن الحياة مستمرة تلك هي الفكرة التي س، إال أجر يقدم مقابل الخطيئة المرتكبةو أن الحياة مستمرة ، بما أن الخطأ فردي و ثمنه الموت). 3(المدني الروماني القديس بول

هنا نلتمس إقرار من المسيحية الرومانية أن الحياة مرتبط بالمدينة و بالتالي ، للجماعةفالخطأ إن كان فردي أو جماعي سياسي يكون جزاءه ، بالسياسة، و هذا وفق نموذج روما

هنا نجد أنفسنا . يهذا التأكيد عن استمرار الحياة مأخوذ من الميراث اإلسرائيل و، الموتو التصور المسيحي ، أمام التصور الطبيعي الذي يقول باستمرار الحياة بالنسبة للطبيعة

و العقيدة العبرية التي تقر باستمرارية الحياة ، الذي يقر باستمرار الحياة الفرديةغير أن العمل و إن كان مرتبط باألساس بالحياة العملية . ودي االفتراضية للشعب اليهو منه كان ، و عليه كان واجبا لضمان االستمرار في الحياة. فهو وسيلة إلبعاد القلق

تصور القديس توما اإلكويني غير بعيد عن أرسطو أين يؤكد إنها فقط الضرورة التي

1 Ibid, p : 346 2 Ibid, p : 348 3 Ibid, p : 353-354

Page 77: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

65

ا نفهم التقارب بين أرسطو و أرندت عند من هن. تدفعنا إلى االستعانة باألعمال اليدوية فكالهما ، و أن استمرارها هو العمل، تقديمها لمفهوم الخير و قداسته عندما ربطته بالحياة

. يقران بأن العمل ضرورة ليس إال :و األخالق ما بعد كانط ..آبل أوتو-مع كارل-ب-2-ب-1 –لتمييز بين العمل األخالقي با، يباشر آبل برنامجه الفلسفي في المجال األخالقي

واضعا أساسه من التصور ، و بين العمل المنتج للقيم) praxis éthico-politique(السياسيحتى يجادل مسألة العقالنية ، )Phronésis(و البصيرة ) praxis(األرسطي للعمل éthique de(التي كانت محور أفكاره حول أخالق المسؤوليةو ، ويبرالمطروحة من قبل la responsabilité ( وأخالق اإلقناع) éthique de la conviction( ، مع العلم أن آبل قد

Le Dasein et(و التي كان موضوعها الكائن و المعرفة ، ناقش أطروحته حول هيدجرla connaissance : une interprétation de la philosophie de Martin Heidegger du

point de vue de la théorie de la connaissance( ، و منه نفهم أن الخط األرسطي الذيمثل هذا اإلرث ساهم في وضع . باشر به هيدجر و ورثه عنه العديد من الفالسفة األلمان

و بشقه الثاني متمثل في ، فالبرنامج الذي يعتمد عليه، أسس الفلسفة العملية و اللغويةفي األصل إنه يطرح مسألة األخالق السياسية ، على البصيرةالعمل المنتج للقيم و المعتمد

و بنفس التقليد تابع تحليله ). 1(التي هي عند أرسطو نسق يتضمن االعتراف الذاتي للمدينةليحدد الوضعية لمشكلة ، بالرجوع إلى الفرق بين اإلنسان الصانع و اإلنسان المفكر

ألم تكن دوما مشكلة ..وضعية اإلنسان: طارحا اإلشكال التالي، األخالق لدى اإلنساناالقتراحات التي توالت لحل الوضعية األخالقية بدايتها من ) 2(أخـالق لإلنسان ؟

و ، و التعرف على قيمتي الخير و الشر، أين يوضح الخطيئة األولي لإلنسان، اإلنجيللحالة الحيوانية مثلما استند على كانط عند وضع تاريخية اإلنسان من ا، منه كانت تاريخيا

. و التي ارتبطت عندئذ األخالق بمقولتي الخير و الشر، التي استخدم بها العقل، إلى الحالةكان لزاما عليه أن يتدخل وفق حدود غرائزه المنظمة ، فاإلنسان وخاصة الصانع منه

كون ومنه ت، عضويا للتأثير على العالم الخارجي واستخدام أسلحة قاتلة لمواجهة الحيواناتلعل المقولتين . مثلما طرحتها الديانات العالمية و الفلسفة، الضمير و بالتالي القيم

اللتين يمكن استخالصهما من نشاط اإلنسان الصانع هما مجموع اإلثارات ،و التي نقلها عن ) Wirkwelt(، و مجموع االستجابات الممكنة )Merkwelt(الممكنة

فالدخول إلى عهد العلم والتقنية أدخلت الـ، )Jakob Von Uexküll(جكوب فون اويكلWirkwelt و مجموع اإلثارات الممكنة ضمن خاصية جديدة منظمة عضويا ضمن

و يكون ، خاصة تلك األنشطة المرتبطة بالحـرب و التقنية الصناعية، إحساسات انفعاليةسان المفكر ليعالج الوضعية، بهذا المستوي يتدخل اإلن. اإلنسان بذلك مرتبط بنتائج أعماله

و يساهم في وضع إجابات لوضعية اإلنسان مرتكزا على ، و يقدم العون للعقل التطبيقيفهل كل من الحساب و التقنية قدما الحلول للوضعية األخالقية . الحساب و التقنية

لإلنسان؟ أم أن هناك عوامل مساعدة أخري لحل مثل هذه الوضعية ؟ و إن كان األمر

1 Apel (Karl-Otto), Discussion et responsabilité (1-L’éthique après Kant), tr : Christian Bouchidhomme, Marianne Charrière et Raine r Rochlitz, les éditions du cerf, Paris, 1996, p : 32 2 Ibid, p :15

Page 78: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

66

فما هي الحدود الممكنة و المساعدة ؟ و ما هو الدور الذي تلعبه في تأسيس أخالق ، ذلكك قائمة على التواصل ؟

:األخالق بين اإلقناع و االتفاق-1-ب-2-ب-1أن العالقة بين ما هو نظري و ما هو عملي طرح ، يتبين من خالل التحليالت السابقة

و إن كان أهل الغرب يرو ، لف الوجهات شرقية أو غـربـية اعتادت عليه الفلسفة بمختفي أنفسهم استمرار للفكر اليوناني ؛ و من هذه الزاوية كان االستمرار مع أرسطو في

و بالتالي العودة إلى نصه في الخطابة أو ما ، و ضع األسس األخالقية القائمة على اإلقناعمثلما تداول عند ، باإلقناع أو بفن اإلقناع عرف في السياق االتصالي و الهرمنوتيقيو هو ، و تأسست بذلك التداولية المتعالية، اليونان و خصت بها الفلسفة اللغوية األلمانية

الشق الذي اعتمد عليه آبل عندما راجع البرنامج الفلسفي الهيدجري حول الكائن و وجوده سلمة أن اإلنسان يناقش القيم ما يبدو بديهي و يأخذ كم) . être au monde(بالعالم

و لتبرير هذه ، األساسية المشكلة للوضعية األخالقية و الشروط الممكنة و المحققة لذلكإذ الشروط التاريخية . المسلمة و جب العودة إلى الكائن و وجوده بالعالم و تاريخيته

نتمي إلى تلك الشروط تشترط و بلحظة ما أن ي، المرتبطة بالكائن و اإلمكانية المرتبطة بهبين ما هو منطقي احتمالي و بين ما هو منطقي ، الممكنة بوضع تمييز مقنع بيذاتي

بهذا المعني نجد أنفسنا و بمعية آبل في وضعية تتطلب معني لغوي و ) . 1(ضروريو من هذا االتجاه نفهم أن البيذاتية المعتمدة على اللغة ما هي إال ، حقيقة متقاسمة بيذاتيا

و على مستويين المستوي ، أسيسا لعملية تواصلية نهايتها االتفاق على قيم منطقيةتالمستوي األخير هو الذي تتشكل ضمنه القيم التي . االحتمالي و المستوي الضروري

و التي أتت بالتعالي من ما هو احتمالي إلى ما هـو ، )U=ش(رمز لها بالحرف قاش كانت نتيجتها وضع قيم متعالية و شمولية، فالمسلمة التي تقر بضرورة الن، ضروري

و هذا وفق ما اقتضت عليه الضرورة التاريخية للكائن و وجوده بالعالم و عالقته الطبيعية التي تمكنه من نقل تلك القيم األساسية و تحديد مصيرها ،و هذه العملية ، )λόγος(باللوغس

مؤطرة منهجيا بفلسفة التعالي التي و ال، ال تخرج عن إطار النقاش و البحث عن الحقيقةحتى نستمر في األسس األخالقية القائمة على . تقف أمام القراءات الخاطئة لفلسفة التعالي

و هي الفكرة ذاتها موجودة عند ، نفكر مع هيدجر ضد هيدجر، اإلقناع و على لسان آبلذي قام به هبرماس إذ بمنطق النظرية النقدية نقابل الضد بالضد و هو العمل ال، هبرماس

و بالمثل عندما ربط آبل هيدجر ، )2(عندما درس الوجود و الزمن و عالقته بالنازية القبلي التامو وضع الشروط الضرورية و المعيارية لإلقناع من وجهة نظر ، بكانط

)parfait apriorique( ،كتأويل للوحدة المعيارية للعقل النظري و التطبيقي الكانطي)3( ،بل يوجهنا نحو ، كننا من عدم االنزالق نحو الوضعية األنتروبولجية االحتماليةالذي يم

تعتمد على وحدة معرفية سبق أن اقترحها هبرماس في كتابه ، وضعية لزامية للنقاشو المحددة لمعنى النقاش والمتمثلة فيــما ، منطق العلوم االجتماعية و محاوالت أخري

و ، )Vérité(، و الحقيقة )Véracité(، و الصدق )Intelligibilité(المعقولية : يلي

1 Ibid, p :20 2 Voir Habermas (Jürgen), Profils philosophiques et politique , Gallimard , Paris,1974 , pp :104-105 3 Apel (Karl-Otto), Discussion et responsabilité (1-L’éthique après Kant),Op-cit , p : 21

Page 79: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

67

و هذا الال ، و التي هي على حسب آبل غير قابلة للفصل، )Le bien-fondé(اإلحــكام فصل الموجود بين البنية االقتراحية والبنية اإلنشائية، و الذي هو بنية مزدوجة لفعل

لوحدة المعيارية أن تأسس لمسلمة فهل من شأن هذه ا). 1(التفكير و فعل الكـالم التواصليتعتمد في جوهرها على التداولية المتعالية ؟ أم أنها كانت محل اختالف بين هبرماس

فما كان محل اختالف بينهما، ، و آبل ؟ مما ال شك فيه أن االختالف وارد بين الفالسفةو هي ، تبريرمن زاوية الشروط المعرفية لل، هو عندما طرحت مسلمة االندماج الذاتي

فمنطق ، مسألة عالجها بإسهاب هبرماس ضمن منطق النقاش الذي خص له فصال كامالالذي ال يصدر عن قرار مصدره الضرورة المنطقية و ال ، اإلقناع القائم على المناقشة

بالمبررو يسميها ) Argument(بل من قوة المبرر، يصدر عن الضرورة التجريبيةيه أن منطق المناقشة هو منطق تداولي يتناول المضامين و على حسب رأ، العقلي

فهل تجاوز آبل هذا االختالف ؟ و كيف تم ؟ و هل التداولية المتعالية ). 2(اإلقناعيةساهمت في ذلك ؟ التجاوز تمثل في االكتشاف الفلسفي للشروط الممكنة للتركيب لمعني

ألن هذا المعني يقتضي مبدأ تاريخي-وهذا التركيب ليس بالمعني امبريقي، االندماجتتورط فيها عدد ال حصر له ، التورط في إيجاد قيم قائمة على التجربة و المثبة تاريخيا

بل تركيب قائم على ، أرندتو بنتامكأننا نعود لمفهوم العدد عند كل من ، من األفرادو اعترف بها ألنها تقتضي إجراء يحدد المعني للشروط التي فهمت، التداولية المتعاليةنفهم مما سبق أن آبل يريد أن ) . 3(و توضع كنظرية ننخرط بها ، عن طريق النقاش

و يؤسس ، و المستخلصة من التجارب اآلنية، يضع حدا لتلك القيم المستمرة عبر التاريخالتي تقتضي نقاشا مستمرا و محددا للمعني مستعينا ، أخالقا مرتبطة بالوضعية اإلنسانية

فما القصد بمبدأ االندماج الذاتي ؟ و كيف يستثمر في تأسيس األخالق . لية المتعالية بالتداو الخاصة بالوضعية اإلنسانية ؟

نجد ، بالعلوم االجتماعية و اإلنسانية) Validité(ضمن السجال القائم حول مسألة الصحة لثقافات األجنبية و التي تقتضي فهم ا، األنتروبولوجيا الثقافية تدافع عن اإلدعاء بالصحة

و تعلن بالوقت ذاته أن فهم المعني ممكن، بينما ، من زاوية المقترحات األولية الخاصة بهاثقافية االحتمـالية، -إثبات صحته يتوقف على أشكال الحياة السوسيو

فالثقافات المحلية إن صح القول لديها ، الذي يقيس فهمهم للعالم) Paradigme(واألنموذجو الحال ذاته نلتمسه بالوظيفية االجتماعية التي تريد ، مها الخاص ألشكال الحياة و العالمفه

أن تفهم النسق االجتماعي من خالل االلزامات المرتبطة بالتواصل اإلنساني المتوج فمن خالل المثال المقدم من قبل هبرماس عن أفالطون و سماعه يتفلسف ، بالنقاش

ينتابنا شعور بأن ، مهورية بلغة غير اليونانية الكالسيكيةباألكاديمية و قراءة الجنتقاسم مع معاصري أفالطون مبادئ الثقافة اليونانية مع ، الموضوع الثقافي هو نفسهألن و ، و يبدو من هذه الزاوية أن اإلنسان لن يصل لها أبدا، استمرارية استثنائية للزمناألنساق الفرعية ، كن أن يبقي ثابتا بينماأن النسق الثقافي يم، من وجهة نظر هبرماس

و العضوية تتغير، هذا االستقرار للنسق الثقافي ، و النفسية، المرتبطة باألفعال االجتماعية

1 Ibid ,voire note de bas de page n° 11 , p :21 2 Habermas (Jürgen) , Logique des sciences sociales et autres essais , PUF, Paris,1987 p :308 3 Apel (Karl-Otto), Discussion et responsabilité (1-L’éthique après Kant), Op-cit, p : 22

Page 80: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

68

مما يجعلنا نتفق إلى حد ما مع هبرماس في ). 1(يمكن أن يكون نموذجا للنسق االجتماعيال باللغة الخاصة بها، و بالتالي بحيث ال تفهم إ، التمايز الثقافي و الخصوصية المحلية

و يكون طرح المسألة من زاوية األنساق ، المبادئ المستخدمة كأنموذج لإلدالء بالصحةيعـد من تالكوت بريسونزأين ، و المعالجة ضمن علم االجتماعي التفهمي، االجتماعية

بان في فكال االتجاهين يص، على غرار آبل الذي طرحها من الزاوية الوظيفية، رواده، فاالتفاق بين هبرماس و آبل في هذه المسألة ماكس ويبرتصور مرجعي واحد متمثل في

و بحسب آبل أيضا بتوسط كل ما هو ، فال يمكن فهم ثقافة بدون قيمها التي تدرك، واضحمسألة اللغة تطرح كأساس للفهم و التفاهم ضمن . االجتماعي و لساني –نفسي و تاريخي

و منه كانت مسلمة االندماج الذاتي عند آبل قائمة على . ج بالمناقشة نسق تواصلي متوأن تحتل أفقا محددا مثل ما هو ، معني يفيد من خالل التركيبة النقدية للوضعية اإلنسانية

إنها بالفعل الشرط الممكن للفهم و التسامح ضمن ، الحال بالمجتمعات الصناعية الغربيةالتي ال تستسلم لتلك التوجيـهات ، ثقافات اإلنسانيةالتصور و الوحدة و التنوع لل

و تكون موجهة بفكرة منظمة للتطور األخالقي أين كل واحد يكون قادر ، األورومركزيةكل هذا متضمن عند كل من آبل و ) . 2(ثقافية كانت-على التبرير بأية وضعية سوسيو

هذه المسلمة أن تطرح و فهل يمكن ل. هبرماس في تصورهم عن التجمع المثالي لالتصال بمستوي آخر عالقة األخالق و العلم داخل المجتمعات المتقدمة صناعيا ؟

:مسألة األخالق و العلم -2-ب-2-ب-1على شكل مفارقة عندما ترتبط المسألة األخالقية و عالقتها بالعلم تطرح عند آبل

، فالذي يفكر في العالقة بين العلم )3(بالوضعية الحالية للمجتمعات المتقدمة صناعياو األخالق يجد نفسه و على حسب آبل في معضلة بين أخالق شمولية وبين أخالق لديها

م تجد نفسها فبالنسبة للمجتمعات اإلنسانية في مجملها ل. خاصية الضرورة أو اإللزام أين الوحدة كانت نتيجة التكنولوجيا و العلم ،و بالتالي طرح فكرة األخالق ، موحدة

الشمولية كمهمة أوكلت للفلسفة على أساس أنها تصل إلى الحيادية ضمن برنامج يتبني فهل العلم قادر أن ، فكرة تكاد تبدو ميئوسة، فكرة الصحة البيذاتية أو علمية موضوعية

أين ، ضمن البرنامج الفلسفي المشار إليه من قبل ا نقول عنها شمولية ؟يؤسس أخالقالذين تلقوا نالضرورة في تأسيس أخالق شمولية أصبحت تتعارض مع مطلب الليبراليي

، مثلما انفصلت الكنيسة )4(مفاده أن األخالق مسألة فردية مثلها مثل الدين، تكوينا علمانياوعيته أحدث نوعا من التناوب بينه وبين القرار األخالقي إال أن العلم و موض، عن الدولة

و منه كان العلم ، مما دفع آبل بالقول أنه نسق تكاملي يكتمل بالديمقراطيات الغربية، الذاتيو أن المجتمع يشعر بضرورة ، وموضوعيته يشكل عائقا أمام تأسيس أخالق شمولية

و تساهم في استمرار تأسيس أخالق تعترف بالخصوصيات و تحترم االختالفعلى أن يجعل من هذه الضروريات قيم أخالقية تمارس ضمن مجمع مثالي ، الخصوصي

تضمن بموجبه و الذي، الذي من شأنه أن يؤسس لمبدأ التضامن، قائم على التواصل

1 Habermas (Jürgen), Théorie de l’agir communicationnel (tome 2), Fayard, 1987, (p : 259) 2 Apel (Karl-Otto), Discussion et responsabilité (1-L’éthique après Kant), Op-cit, p : 25 3 Ferry(Jean-Marc), Habermas, l’éthique de la communication , PUF , Paris, 1987,p :483 4 Apel (Karl-Otto), Discussion et responsabilité (1-L’éthique après Kant), Op-cit, p : 28

Page 81: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

69

و أن األخالق تساهم في ، فإذا كان المجمع المثالي قائم على االتصال. االستقاللية الفرديةأال تكون هذه العناصر ، و القيم تتم مناقشتها داخل نفس المجمع، حرية الفرديةضمان ال

المبادئ األولية لتشكيل أخالق المناقشة ؟ و هل بإمكان لمثل هذه األخالق أن تكون لها أسس تجعل منها شمولية تعترف بالخصوصيات المحلية ؟ أم تبني بأسس علمية تريد

ها تكون موضع نقاش في الفصل الموالي الذي نخصه الموضوعية ؟ إشكاالت في مجملإال أن ما يلفت النظر أن األرسطية الجديدة و جدت ضالتها بالمجتمعات ، ألخالق المناقشةفاألخالق كانت ، أين افتقدت و بلحظة ما تاريخيا إلى معني األخالق، المتقدمة صناعيا

لذا كانت فكرة ، ة لقيمة الخيرو أن المصلحة هي المحدد، تقوم على المبدأ المكيافيليبدار ) Eichman(عندما حوكم آينشمن ، )Banalité du mal(أرندت حول تفاهة الشر

هذا يعني أن المجتمعات المتقدمة ، و حضورها للمحاكة شكل موضعا لكتاب لها، السالمب ظاهرة االستعمار و ممارسة الرع، كانت نتيجتها ظاهرتين، و مثلما أشير لذلك، صناعيا

و ، دون االعتراف بخصوصيتهم الثقافية، و التعذيب و التغيب الثقافي للشعوب المستعمرةالظاهرة الثانية التوتاليتارية التي مورست ضد شعوب حلمت بالتقدم و الرفاهية و

و التي ، إلى لغة شكلت الرسالة التي حملتهـا الدعاية اهذا الحلم حول إيديولوجي، القوةو التي اهتمت بالشق االتصالي ، الزاوية في الدراسات السياسية و االجتماعية شكلت حجر

هذا التأثير ساهم في بلورة النظرية . أين درست الدعاية من زاوية التأثير على الجماهير فالعودة ، االتصالية لهبرماس مدعمة بأخالق المناقشة حتى يصل إلى الديمقراطية و العدالة

و بالتالي تصور ، فة جديدة في األخالق و اإلقناع و االتصالإلى أرسطو شكلت فلس . جديد للسياسة

Page 82: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

70

:الفصل الثاني

أخالق المناقشة إجراء تأسيسي للتواصل و التفاهم

I-و أسسها الفلسفية أخالق المناقشة:

؟ و ما هي األهداف ها عليما القصد بأخالق المناقشة ؟ و ما هي األسس التي تبني محاولين توضيح األسس ، إشكال طرح من قبل كل من هبرماس و آبل؟ المرجوة منها

ى فلسفة التواصل ضمن برنامج فلسفي يعتمد باألساس عل، التي تبني عليها أخالق المناقشة

Page 83: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

71

مع العلم أن التصورات كل من آبل ، ألن الوصول إلى مثل هذه التسمية. إن صح التعبير و هبرماس ؛ تعتمد في شقها الكبير على التصورات االجتماعية المطروحة؛ من قبل علم

و كذا الفلسفة المتعالية ؛ ، ؛ مستلهمين خطه الروحي من ماكس ويبر ياالجتماع التفهمو التي تعود في أصولها إلى كل من هوسرل و هيدجر، ، خر من هذا البرنامجكشق آ

و ) الكائن(أين هذا األخير يطرح مسألة التفاهم البيذاتي القائم على اللغة في كتابه الوجود و فهمه الذي يكون إال بالتفاهم ، مع و عالقته بالعالم -خاصة عندما يربط الوجود، الزمن

لهبرماس ، إذ تم الشروع فيه بالنسبة، هذا البرنامج لم يكتمل في حينهغير أن .البيذاتي الذي اعتبر المخبر الذي تبلورت فيه فكرة أخالق ، بداية من نصه األخالق و التواصل

، وصوال )Kohlberg(انطالقا من التأويلية واألخالق النشوئية لكوهلبرغ ، المناقشة، من مبدأ أن األخالق تتطور. اق بين هبرماس و آبل تلك هي نقطة االتف، إلى التداولية

باالعتماد ، ذهب كل من آبل و هبرماس إلى دراسة المقترحات المقدمة من قبل كوهلبرغمن خالل خلق كفاءات لدي الفرد في حل ، على تصور بياجي للمعرفة و كيفية تكونها

.المسائل التي تطرح ائم على الفعل الموجه نحو الهدف و الفعل الموجه بين المبدأ الذي وضعه ماكس ويبر، الق

فكال الفعلين أساسهما ماكيافلي، أي وفق ، األول عملي و الثاني استراتيجي، نحو النهايةعلى عكس الفعل القائم على المصلحة ، ةمصالح ذاتية تعتمد على العقالنية اإلستراتيجي

ل المطروح من قبل كل منهما، فالسجا، و هنا نكون أقرب من كانط عن ويبر، المشتركةأين يتم العودة إلى التصورات الفلسفية المتعالية ،و كذا المعرفية خاصة تلك التي ارتبطت

مفادها وضع اتفاق على قيم أخالقية تعالج فيها القضايا المطروحة . بعلم النفس المعرفيالمحدثة بين عالم و التي تعتبر نفسها مسئولة عن الفجوة ، بالمجتمعات المتقدمة صناعيا

عندها تطرح و من باب أخالق ، خاصة المسائل المرتبطة بالبيئة، الشمال و عالم الجنوب Hans(فكرة أخالق المسئولية ؛ التي طرحها كل من ماكس ويبر و هانز جوناس، المناقشة

Jonas ( المؤطرة ، من هذه الزاوية طرحت مسألة أخالق المناقشة. ؛ و أعاد طرحها آبل . مارك فيري في أطروحته حول هبرماس -مثلما عالجها جان، أخالق تواصليةضمن

لمعالجة أخالق المناقشة ؛ كهويس فعال لخلق ، مقترحات معرفية شائكة طرحت من قبلهما، فضاء عمومي ؛ بغية تحقيق أهداف عملية للوصول إلى نهاية إستراتيجية تجسد التفاهم

به يعتبر كل فرد نفسه ، كلون لمجمع تواصليأين يشترك فاعلون اجتماعيون و المشإن كان األمر كذلك ؛ و مطروح بهذه الشدة من قبل فالسفة غربيون . شريك في المناقشة ، شعورهم هذا دفعهم إلى التفكير بوضع أسس أخـالق المناقشة. شعروا بالمسئولية

نع العالم في مشاكل نتيجة المآزق الذي ورط فيها الغرب المص، المدعمة بأخالق المسئوليةفهل و من ذات الزاوية يمكن المساهمة و التفكير في وضع . إيكولوجية و تسلح

و بالتالي تقليص الفجوة بين الشمال ، توضع بموجبها قيم أخالقية توجه األخالق، مقترحاتوالجنوب ؟ أم أن الوصول إلى مثل هذا المستوي من المستحيالت الكبرى ؟ و حتى

ا المستوي علينا أن نتتبع برنامجهما ،و على ماذا يقوم ؟ و ما هي نلتمس مثل هذالمبررات المعرفية المعتمد عليها ؟ و هل هناك أفق أخالقية تتحقق من بعد التأسيس ؟

ففيما تتمثل على ماذا تقوم ؟ : مع هبرماس و برنامجه الفلسفي و تأسيسه ألخالق المناقشة -1

Page 84: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

72

أن مسألة ، و المهتمين ببرنامجه الفلسفي، هبرماسيتبين مما ذكره مترجمي نصوص كالبحث عن الحياة السعيدة أو تحديد ، األخالق لم تطرح في نفس السياق المعتاد عليه

و الوصول إلى ، بل البحث عن اإلمكانية التواصلية، لمفهوم السعادة مثل ما رأيناه من قبلية باالعتماد على مبدأ االعتراف تحقق من جهة الممارسة الديمقراط، ممارسة سياسية حقهمثل ما ، و من جهة أخري تحقيق العدالة. مثل ما هو الحال عند آبل ، أو االندماج الذاتي

من هذا الباب . أو حتى القضاء على األنظمة التوتاليتارية ، هو الحال بالنسبة لهبرماسبل ؛ في يتبين أن هبرماس ؛ و على لسان أحد مترجمي نصوص كل من هبرماس و آ

، فالفكرة األساسية التي )1(مسألة أخالق المناقشة أين يحدد برنامج لكل من هبرماس و آبلو عادال و هو ( هي كيف يكون فعلنا صحيحا ، شكلت حجر الزاوية بالنسبة لهبرماس

و االعتماد على التبرير حتى يتحقق اإلدعاء ، )Agir juste=الهدف األسمى لهبرماسأين مبدأ الصحة ، الفكرة ال تتحقق إال داخل مجمع مثالي للتواصلمثل هذه . بالصحة

)Validité (الذي يأخذ صيغة)ص=D( فالصحة مصدرها مجموع األفعال المضبوطة ،يتحرك المشاركون للمناقشة عندما ). 2(أين المعنيين قد شاركوا في مناقشة عقالنية، بالقيم

و تصبح بذلك مصلحة مشتركة ، ناقشةو تكون المحفز للمشاركة في الم، تمس مصلحتـهمو منه ترتفع القيم . محددة بذلك أفعالهم الصحيحة و المضبوطة بالقيم ، تربط المشاركين

نقول عنها أن كل قيمة مقبولة يجب و،) U=ش(إلى الشمولية آخذة بذلك الصيغة الرمزية ال مالحظة من قبل من حيث أسبابها و نتائجها تكون باإلجم: أن تستوفي الشروط التالية

و تكون مقبولة من قبل كل فرد ، و يكون قصدها إرضاء مصلحة كل واحد، كل واحد، أن تقوم بمهمة اختبار و تصديق القيم دون إنتاجها) U=ش(يتمثل دور ). 3(معني بها

ن تسود المصلحة حتمل أن تقبل عن طريق اتفاق عقالني كلى أيألنها في األصل قيم يفاألفعال . العقالنية ضرورة ميزت فلسفة هبرماس بذلك و تكون ،)ةالعام(الشاملة

لية و األخالق ذات استلهام االنجازية و حدها التي تميز بين األخالق ذات مصلحة شموبه أخالق المناقشة هو التمييز األول، ومنه ترتسم فما نقصد، تعتمد على قيم ذاتية، فردي

بل عملية ،ي فرد الحق في امتالك الحقيقة و ال النقدأين ال يكون أل، التداولية المتعاليةكل شو ت . )4(مشتركة تكون نتيجتها االتفاق لكل المعنيين ضمن مجمع مثالي للتواصل

، و أخالق المناقشة من جهة أخري، كذلك مربط الفرس لنظرية الفعل التواصلي من جهةو كيف وظفت لرسم معالم أخالق ؟ ماذا تقوم التداولية المتعالية ؟ و ما هي أسسها علىف

المناقشة ؟ :هبرماس و التداولية -أ- 1

ضمن كتاب آلبل تحت عنوان التداولية 1976نستهل تتبع هبرماس بالمقال الذي نشر عام ، بهذا )5(و الذي أعيد نشره بكتابه منطق العلوم االجتماعية و محاوالت أخري، و الفلسفة

1 Mark Hunyadi , l’éthique de la discussion , in dictionnaire de l’éthique et de la philosophie morale , Op-cit , p :425 2 Ibid , p :429 3 Habermas(Jürgen) ,Morale et communication , Les éditions du Cerf ,Paris, 1986, p :86-87 4 Mark Hunyadi , l’éthique de la discussion, Op-cit , p :430 5 Jürgen Habermas , Logique des sciences sociales et autres essais , PUF, Paris,1987 p :329

ذا ما ـه من قبل المترجمين لكل من آبل و هبرماس و المستخدمة الصدق و اإلحكام تم العودة إلى المرادفاتأمام كلمة ما هو مالحظ أننا *.عامة تطرحه الترجمة من صعوبة

Page 85: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

73

و به يطرح الفرضية ، و هو عنوان المقال أصال، قدم معني للتداولية الشموليةالمقال يو كل السلوكات ، األنشطة االجتماعية ؛ كالصراع و المنافسة على سبيل المثال: التالية

أين يتقدم ، )Intercompréhension(؛ ما هي إال مشتقات النشاط ألتفاهمي ةاإلستراتيجيالتواصلي أين تلعب اللغة دورا مهما ؛ كوسيط في المسائل بالنشاط : و يقول، بخطوةيستلزم ، و بالمستوي الدقيق الذي أراده لها هبرماس، لمثل هذه الفرضية. ثقافية -السوسيو

ضمن . يعلينا الوقوف على المبررات التي اقترحها، حتى نبقي بنفس القاموس الهبرماسو ، ي نفسها التي أشار إليها آبل من قبلو ه، القاموس ذاته يقترح مجموعة من المفاهيم

، و )Sincérité=Véracité(، و الصدق)Intelligibilité(المعقولية : هي أربع التي هي األسس التي بني ، )*)(Justesse=Le bien-fondé(، و اإلحكام )Vérité(الحقيقة

متلقي ؛ و عليها هبرماس مسألة الصدق ؛ لكل خطاب موجه للتواصل بين المرسل و ال .منه يعالج أطروحته

لعل كل فرد أمام النشاط التواصلي ؛ ملزم عليه بأن يستخدم فعل : المعقولية -و يكون تعبيره معقوال وقابل للفهم، ، و يكون قاصد المشاركة في ألتفاهم، الكـالم

و الهدف ، و محققا للتذاوت أو البيذاتية، أي أن يركب بين الفهم و التفاهم مع اآلخرأين تتبادل الثقة ؛ و تتقاسم و ، من ألتفاهم خلق اتفاق يوصلنا إلى تجمع بيذاتي

). 1(جهات النظر .أن يكون المرسل صادق في ما يقصده و تتبادل بذلك الثقة : الصدق -بمعني أن تكون هناك ، أن يكون كالم المرسل محكم بالقيم المتفق عليها: اإلحكام -

.و بها تبني الملفوظة ، هاخلفية قيمية يتفقون علي .تستلزم التبرير: الحقيقة -ة شكلالم األربع أسس المشار إليها يضاف إلى :)Intercompréhension(ألتفاهمي -

الجو شاحبا بين المتلقي تجعلإذا اختلت و، لحالة الطبيعية للتواصل اللغويلبينما ألتفاهمي . قو االحتقار، وعدم الصد و السبب النقص في الثقة، و المرسل

يحقق أساسيات تتبلور من خاللها مقترحات تتطلب ) Processus(يتطور سياقكو إذا تبين بأن إحدى ، و تكون محل اتفاق بين المشاركين في التواصل، التصديق

عندئذ نكون أمام ، علق تصديقها و توقف التواصل، المقترحات لم تتوج بالتصديقإما نعيد ، و نوقف عملية التواصل ينشاط اإلستراتيجخيارين ؛ إما أن نمر إلى الو بالتالي نعيد تفعيل النشاط ألتفهمي من خالل ، النظر في التبريرات المقدمة

و التراكيب اللفظية المستخدمة التي ، أين يتم التركيز فقط على فعل الكالم، النقاشبين المتلقي و و من بديهيات النشاط ألتفهمي الواجب توفرهما . تفيد االتفاق

و أن يستخدموا ملفوظات تحتمل ، المرسل أن تكون لهم دراية ضمنية بالمقترحاتبمعني أن يكون هناك تسلسل ، و أن يستعينوا بملفوظات سبق تصديقها، التصديق

فما القصد بالملفوظات . منطقي في اختيار الملفوظات يتحقق بموجبه تطور السياق ك المحكمة نحويا ؟ و هل كل ما هو محكم نحويا التي تحتمل الصدق ؟ هل هي تل

له معني و قابل للتداول ؟ إذا كان المرسل عليه أن يكون جملة محكمة نحويا، 1 Ibid , p :331

Page 86: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

74

فهل هذا القصد يحمل الصدق ؟ و من ، و يكون بذلك ملفوظة لديها معني مقصودن جهة أخري على المتلقي أن يدرك الرموز و الدالالت، و أن يدرك النحو، و أ

يلتمس الصدق من المرسل، فهل الملفوظة عندئذ محكمة ؟ و هل لمثل هذه التوضيحات طرحا لبرنامج يعتمد على التداولية المتعالية ؟ و إن كان األمر كذلك

فما هي حدودها التطبيقية ؟ :للغة كأسس للملفوظة التعامل المنطقي -ب-1

فاللغة ، يتطور سياقبنية و الكالم كيبدو األمر مشروعا و بديهيا أن نميز بين اللغة كو استمر على نحوه جل فالسفة اللغة، ، و من ذات التصور الذي وضعه دي سوسير

و هذا . على أنها نسق من القواعد تمكن مستخدمها من بناء ملفوظات أو جمل تعبيرية حتى نصل إلي كل ما هو إنشائي و ما، ما يحيلنا إلى ما تعرضنا إليه بالفصل األول

هي كذلك ، أن كل ذات قادرة على التكلم ، فجوهر ما يريده هبرماس. هو انجازي ي تطورال سياقألنها قادرة على استخدام تعبيرات تشارك بها في ال، قادرة على الفعل

هذا التمييز المشار إليه يتواصل معه هبرماس مع طرح فرضية أن كل من . للتواصل بمعني أن الجمل و الملفوظات المستخدمة ، لتحليلاللغة و الكالم ؛ كالهما يخضعان ل

من منطق العلوم ، كوحدات أساسية للغة، و وحدات أساسية للكالمو منه كان استناده على نظرية العالمة لـشارل ).Reconstructive)(1(التجديديةذلك العتمادها على ، كأساس لبناء نظريته في التواصل، ) Charles Morris(موريس بمعني أن كل فرد يخضع لمجموعة من المثيرات معبر عنها ، ة اللسانيةالسلوكيأي أن هناك مرسل و ، و كذا على النموذج الذي يرسل وفقه الرسالة، بعالمات

و إن كان اعتماد هبرماس على . مستقبل و قناة اتصالية و ترميز و تفكيك الرموز ال تطرح بالشكل الذي تكون أساس ألتفاهم هذين المبدأين ؛ فمسألة التداولية المتعالية

و عليه اقترب من نظرية فعل ، الشامل، ألن األمر يقتضي أكثر من مرسل و متلقيو المقاربات المصاغة منطقيا، و ، الكالم المؤسسة من قبل كل من سيرل و أوستان

ضيح السياق التي تتفق في هدفهما القائم على تو، كذلك اللسانيات و الفلسفة التحليليةفعند تقدير هذه المقاربات على حسب . التطوري الستخدامات اللغة وفق معايير شكلية

، مثلما يصر على ذلك هبرماس، مساهمتها في التداولية المتعالية نكتشف ضعفهاو يحددها في النقاط التالية التي بموجبها يوضح خطورة التحليل الناقص للشروط

:لبيذاتي الممكنة للتفاهم اا االقتراحات السيميائية و التداولية من خالل تنضد السياقات ال تعمم جذري -

.العرضية حتى تصل إلى اقتراحات شمولية العالقات بلكونها تقتصر على اآلليات المصاغة منطقيا و نحويا دون استيعا -

ة لفعل مثلما هو الحال بالنسبة للتفسيرات النحوية للخصائص اإلنشائي، التداولية .الكالم

.تحويل القيم التطبيقية إلى أوامر -

1 Jürgen Habermas , Logique des sciences sociales et autres essais , Op-cit , p :335

Page 87: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

75

ما يمنع من التجديد ، تعتمد على نموذج الفاعل وحداني ينشط وفق عقالنية سببية -و فهم الدالالت الموحدة ضمن السياق المفروض من ، الشامل للمبدأ المميز للتجمع ).1(قبل ألتفهمية التي تصدقها

ماس يريد أن يتقدم في تحليالته لفعل الكالم ليصل من هذه االعتراضات يتبين أن هبرو أن نظرية الفعل التواصلي ال تعبر عن مثل هذا الضعف، بل ، إلى التداولية المتعالية

و عليه وجب التعرض لما هو مالحظ . يريد من خاللها تأسيس أخالق المناقشة و من ذلك ، تحتاج إلى فهمو بين الملفوظة التي ، و يتطلب صيغ تعبيرية للتعبير عنه

بداية ، نطرح مناظرة بين الفهم و التفسير، كجدال ابستمولوجي يفرض ترتيبات معرفيةالحقيقة المدركة مرتبطة ، نبدأ بالتمييز بين الحقيقة المدركة و الحقيقة الرمزية

و المالحظ يقوم بتجاربه بمنعزل عن ، بالمالحظة التي تخص األشياء و األحداثفالتجربة من هذا االتجاه ، بالرغم من أن نسقه المعرفي يطلب الموضوعية ،اآلخرين

ألن عملية البرهنة تستلزم صيغ اقناعية قائمة على ، كافية لتقديم الصحة المطلوبةبينما المؤول تجربته تقوم أساسا على أنه متحاور ؛ باالعتماد ، االستدالل و االستنباط

بالرغم من وجوده أمام ، كز على صيغ رمزيةعلى عالقة بيذاتية مع آخرين ؛ ترتوثيقة أو تحفة فنية، فالمناظرة القائمة بين هذين الترتيبين المعرفيين ؛ في األساس تقوم

و هي ذاتها التي تطرح بين العلوم التفسيرية و العلوم ، على مسألة الفهم و التفسيرمما يستدعي ، المالحظةاألولي تقوم على التأويل و الثانية تقوم على . التركيبية

مستوي آخر من النقاش ؛ خصوصا و نحن بصدد رسم الخطوط المعرفية ألخالق فمن جهة الفهم فهي تحتاج إلى بنك من الرموز يمكن من التحادث بين عدة . المناقشة

ذوات تتفاعل بينها ؛ و الحقيقة الرمزية تقتضي تفسيرا ؛ خاصة إذا طلب المتلقـي يب عندما تكون المالحظة معبر عنها بصيغ رمزية و تعذر فهمها؛ و بنفس الترت، ذلك

فاألولي ، طلب من المالحظ أن يعيد صياغتها ؛ و أن يعيد اختيار الرموز الممكنة للفهمو لعل الفرق الجوهري الممكن ، تقدم تفسيرا سميائيا بينما الثانية تقدم تفسيرا سببيا

لسيميائي يخص نصا لم يفهم من قبل أن التفسير ا، استخالصه من هذه المناظرةألن التفسير السيميائي مرتبط بمضامين ، المتلقي؛ بالرغم من أنه يفسر نظرية أو أداة

تتشكل في هيئة رمزية، وعندما نلج داخل المضمون السيميائي ؛ فإننا نعيش نفس ). 2(الحالة التي عاشها صاحب النص أو صاحب النظرية أو صاحب التحفة الفنية

بل ، هذا المستوي ال ندرك فقط الصعوبة المعرفية في التمييز بين الفهم و التفسيرب ندرك كذلك ؛ و من باب أن كليهما يستخدمان الصيغ الرمزية و مجال السيميائيات ؛

في حالة أن ، أنها أصبحت مقاما مشتركا يوصلنا إلى الموضوعية أو اإلدعاء بالصحةو استوجب التفسير باستخدام صيغ رمزية تقرب الفهم ،الفهم لم يدرك من قبل المتلقي

و بالتالي ، و من جهة أخري التفسير يحتاج إلى مبررات حتى يتم اإلدراك، للمتلقيلذا كان تأسيس التفاهم باالعتماد على التداولية المتعالية . التعالي للوصول إلى االتفاق

يزة لها ؟ وهل تنفرد بهذه فما هي الخصائص المم، أمرا ضروريا بالنسبة لهبرماسالخصائص عن باقي المعارف اللسانية األخرى ؟ أم أن التداولية المتعالية لديها تعامل 1 Ibid , p : 338 2 Ibid , p p : 342 -341

Page 88: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

76

خاص مع الصيغ الرمزية المشكلة لفعل الكالم ؟ و هل الفعل في حد ذاته يقوم بمهمة اإلفهام ؟

:األسس و الخصائص.. اولية المتعاليةالتد -ج-1لنظرية فعل الكالم المعتمدة باألساس على التداولية المتعالية، لعل المقاصد األساسية

تحتوي على مجموعة من الملفوظات شكلت ، تتموضع ضمن وحدات أساسية للخطابكان شومسكي سندا لهبرماس . جمال تحتاج إلى تراكيب نحوية حتى يكتمل المعنى

ليراجع نظرية فعل الكالم، و التصورات المرتبطة بالكفاءات بداية شومسكي يؤول هذه التصورات بفرض ) . Performance(و المهارات

الخصائص الصوتية و النحوية و السيميائية للجمل ضمن إطار تجديدي للكفاءة اللسانية، و في المقابل دراسة الخصائص التداولية للملفوظات و تصديقها بنظرية

بأن مفهوم الكفاءة االتصالية مفهوم مثل هذا التصور يوحي. المهاراتفإنشاء الجمل على حسب القواعد النحوية ليس كإنشاء الجمل وفق ، )Hybride(هجين

فالتمييز بين الجمل و الملفوظات يقوم على التمييز بين التحليل ، القواعد التداوليةصرامته إن حدث بالتمييز خطأ و فقد، اللساني للجمل و التحليل التداولي للملفوظةو عليه تطرح مسألة صدق الملفوظات ؛ ). 1(أختلت التداولية المتعالية من إحدى أسسها

فمن وجهة نظر التداولية ؛ أن الخاصية النحوية للجملة التي تلفظ بها المرسل ؛ بالنسبة لكل المتلقيين الذين لديهم نفس القواعد النحوية؛ ) Intelligible(معقولة

و تكون ناجحة عندما تتحقق فيها الشروط التالية ، نفس اللغة الطبيعيةو يستعملون كضروريات للتصديق ؛ أن تكون معترف بها أنها صحيحة من قبل الذين تلقوها ؛ أن

و أن تكون مخلصة في المقاصد المعبر ، موجودة بالعالم) Réalité(تعبر عن حقيقة . لتجمع التواصلي عنها من قبل المرسل و المنتظرة من قبل أفراد ا

ارتبطت بالنظرية السيمائية التي ترتكب ، الخاصية الثانية المؤسسة للتداولية المتعالية التداولية على و التحليل القائم ، جيدا مع التحليل القائم على اللسانيات الخاصة بالجمل

فة تهتم بالوظي، فالنظرية السيميائية ذات توجه تداولي .و الذي يخص الملفوظات إنها تتميز كذلك عن النظريات السيميائية ذات خاصية ، الوصفية للغة دون غيرها

و التي ال تهتم بها إال من حيث ؛ بفعل المعاني التي تحملها الجمل التعبيرية ؛ لسانية . أنها موظفة ضمن فعل الكالم الذي يرضي الصدق و اإلحكـام و الحـقيقة

من حيث الجملة و الملفوظة؛ يعتمد كل من فعل الكالم و الخطاب على : فهي أوالو حدة أساسية هي الجملة، ففعل الكالم و ضمن الترتيب التواصلي حتى يكون ناجحا و عليه أن يخضع لضرورة المعقولية ؛ و ممكنا أفراد التجمع التواصلي من

. التفاهم على اإلدعاء بالصحة من حيث اللغة الخاصة و اللغة العامة ؛ اللسانيات تهتم بوضع نحو : هي ثانيا و

بينما نظرية النحو العامة مهمتها تجديد القواعد و األنساق لكل ، خاص بكل لغةفالكفاءة اللسانية هي نتيجة نسق متطور ، و إمكانية إنشاء جمل بأي لغة كانت، فرد

. للتعلم

1 Ibid , p p : 362 -361

Page 89: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

77

من حيث المالمح للتحليل اللساني ؛ كل جملة تعبيرية تحلل وفق النقاط : و هي ثالثا فالنحو يدرس ، الصوتيات كأساس تركيبي لوسيط تتشكل من خالله األصوات: التالية

. و السيميائية تخص بمضمون و مقاصد المعني للجملة ، التركيبة الشكلية للجملةمن حيث أن الجملة تتموقع ضمن أي فعل للكالم كان ؛ التداولية : و هي رابعا

التجريبية ؛ على عكس التداولية المتعالية ؛ تدرس فعل الكالم ضمن السياق االجتماعي فالكفاءة التواصلية التي تقدمها التداولية المتعالية تعتمد على ، و اإلثنوغرافي و النفسي

نقل المضامين من لغة إلى لغة أخري تتماثل مع وضع المرسل بوضعية تمكنه من ).1(مضامين متشابهة

من بين ما تقدم أن األخالق إذا أرادت أن تأسس ؛ و تأخذ الصفة الشمولية و المدعمة بالصحة و الصدق و المعقولية قصد تحقيق التفاهم ؛ ضمن مجمع تواصلي يهدف إلى

و منه سميت ، ال صيغا تداوليةجعلت من الملفوظات الموجهة لالتص، تحقيق اتفاقو ، و عليه كانت القيم محل مناقشة بين المشاركين في التواصل، بأخالق المناقشة

و حتى نقبل صحته وجب فهم . القيم إذا اعتبرت كمعيار يوجه به السلوك الصحيح و فوق ، المرسل و مقاصد سلوكاته ؛ إن كانت معقولة و محكمة لغويا و ذات معني

تلك هي الشروط بمجملها التي . ترط أن يكون المرسل صادق في مقصده ذلك يشحتى ينصف استناده على التداولية المتعالية في تأسيس أخالق ، وضعها هبرماس

ألن الفرق ، إال أن التحدث عن األخالق يستلزم التكلم عن القيم و كيف تثبت، المناقشةو األخالق التي هدفها توجيه ، السعادة يكمن بين األخالق التي هدفها تحقيق، كما أشرنا

و تكون مقاصده محققتا للعدل الذي ال يلتمس إال بالتفاهم و االتفاق ، الفعل إلى الصوابفما هي ، فهل أخالق المناقشة تعتمد على قيم خاصة ؟ و إن كان األمر كذلك.

ها في برنامج الخاصية التي تمتاز بها دون غيرها من القيم أم أن هناك أمورا لم نكتشف هبرماس المؤسس ألخالق المناقشة ؟

:رها على حسب النظرية التطورية وأخالق المناقشة و مراحل تط -2نقطتين أساسيتين كانت حجر الزاوية ؛ لمباشرة فكرة تطور الحكم األخالقي ؛ بناء

ستخلصتين و الفكرتين م، الورنس كوهلبرغعلى النظرية التطورية المقترحة من قبل األولى تتمثل في مبدأ الشمولية كقاعدة للتبرير ضمن المناقشة . مما سبق ذكره

المتداولة بالتبرير االقتراحات األوليةو التي يتم تصديقها وفق محتوي ، الميدانيةو هذا ال يتم إال بالترابط مع التفسيرات التي تأخذها الضرورة المعيارية . بشكـل عام

درك عن طريق الحدس التجريبي الصراعات األخالقية المحدثة عن كأن ن. للتصديق معني ذلك أن ، تتجاوز أي ثقافة معينة) U=ش(طريق الفعل، و منه علينا أن نثبت أن تصديقها من قبل مجمع اتصالي قد تم) U=ش(القيمة المعيارية التي أخذت الصيغة

المقدم من قبل التداولـية الثانية ترتكز على البرهان. يمتاز باختالف ثقافته ؛ و ضرورية موليةشبال توصف أوليةقتراحات اوالمؤسسة لوجود ، المتعـاليةو التي ال يمكن أن تستأصل من المبررات ذات المعني القبلي لالستنباط ، للتبرير

فأي الطريقين تأخذه أخـالق المناقشة ). 2(المتعالي ؛ كالذي ندركه بالنقد الكانطي للعقل 1 Ibid , p p : 369 -367 2Jürgen Habermas, Morale et communication, Op-cit, p : 131

Page 90: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

78

األخالق التطورية أم األخالق القائمة على النقد العقلي ؟ أو باألحرى على األمر ؟ هل المطلق ؟

فهي ال ترتكز إال على افتراضات ، أخالق المناقشة إذا اعتبرت من العلوم التجديديةو تتنافس بذلك مع نظريات أخـالقية ، تجديدية تبحث عن من يساندها بالتصديق

، ح هبرماس من هذه الوجهة أقرب إلى النظرية التطوريةو عليه كان اقترا. أخرى و هو بذلك يقول أنها ، وبذلك يتعارض مع تلك النظريات األخالقية التي تريد الشمولية

، فهي تقوم على مراحل نمو القدرة الذهنية للحكم). 1(تتماشي معها بخطوطها األساسيةي ال تختلف عن ذلك التصور وه، أي من مرحلة الطفولة إلى النضج مرورا بالمراهقة

الذي طرح بعلم النفس المعرفي منذ تأسيسه ،و الذي يؤكد على نمو القدرات الذهنية كاكتشاف علمي جديد ارتبط ، )feed-back(الرجعي رفي عملية اإلدراك و عالقتها باألث

فكان البد من ربط األثر الرجعي بقيمتين قيمة ، بدراسة السلوك الموجه نحو الهدفعلى تعتمد في بناها الورنس كوهلبرغفالنظرية التي قدمها ). 2(بة و قيمة سلبيةموج

ألن البنية األساسية لكليهما هي ، م أخالقيةإلى وضع أحكا لتصل، النظرية المعرفيةفعلى ماذا تقوم هذه المبادئ ؟ و ، و في حالة هذه هو موجه بمبادئ، السلوك الموجه

، السؤال نجد أنفسنا و بمعية هبرماس أمام عملين هل تحمل أساس فلسفي ؟ أمام هذاعمل علمي يرتكز على الجانب العلمي المرتبط باألساس على علم النفس النمو

كال العملين . و على األخالق الفلسفية القائمة على الفلسفة المتعالية ، )التطورية(يرات المتعالية عن ففي اللحظة التي نفصل فيها التبر، يستدرجان النشاط الذاتي للفهم

و ، تفقد المعرفة الخاصة بالوعي الذاتي معناها، لعب اللغة الخاصة بالفلسفة التحليليةو التركيب الهيكلي للمعرفة ، كذا ميزتها التحليلية القائمة على االستنباط المتعالي

و من ذلك تري في هذا االنفصال . و المعرفة الخاصة بالظواهر ، الخاصة بالمبادئو بالتالي ندرك المعضلة المعرفية التي تواجه تأسيس ). 3(ن الحق في الوجودفقدا

فهل يمكن تجاوز هـذه المعضلة ؟ و على أي ، أخالق المناقشة وفق النظرية التطورية فيلسوف نستند في ذلك ؟

:هبرماس و الورنس كوهلبرغ و الفرضيات الفلسفية-أ-2

ون أن نقف أمام التصورات التي طرحها علم د، أن نباشر بالتعرض للمسائل الفلسفية. و جوهر ما طرح كيفية استقبال المعلومة ،و كيف تحلل في الذهن، النفس المعرفي

وفيها تتمثل القدرة على استقبال المثير و ، كتقليد للسلوكية أن هناك مثير و استجابةالسلوك و المعلومة و ألنها تدرس، من هذه األسس عرفت بأنها ميدان معقد، تحليله

عندما تنتقل المعلومة إلى الذهن وفق قاعدة المثير و االستجابة المعروفة ، تأثر السلوكالمسائل ). 4(مثل هذا النوع من البحوث تطور باستخدام الحاسوب. من قبل الجميع

1 Ibid , p : 132 2 Arturo Rosenblueth, Norbert Weiner et Julian Bigelow ; Comportement, but et téléologie in Aline Pélissier et Alain Tête : Sciences cognitives texte fondateurs, PUF, Paris ,1er édition 1995, p :42 3 Jürgen Habermas, Morale et communication, Op-cit, p : 133 4 Gardner (Howard), Histoire de la révolution cognitive (La nouvelle science de l’esprit),traduit de l’américain par Jean-Louis Peytavin, édition Payot ,Paris , 1993, pp :115-116

Page 91: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

79

لديها ما هو مرتبط بالسلوك و ما هو مرتبط ، التي تطرح أمام علم النفس المعرفيراك و ما هو مرتبط بالفهم و إدراك المعني المقصود من المعلومة كل هذه باإلد

فهل ، و هي بالوقت ذاته مسائل فلسفية تعود باألصول إلى كانط. المسائل تعتبر تحديا التي استقى منها علم النفس ، كانط ساهم في وضع األسس المعرفية للعلوم المعرفية

ففيما تمثل هذا الميراث الفلسفي ؟ سلطة كانط ، كالمعرفي أسسه ؟ و أذا كان األمر كذلفي المعرفة الفلسفية تبدو صارمة ؛ عندما خص كل من معرفة الطبيعة األساسية

من حيث أنها الواضعة للحدود المعرفية للمعارف ، للفـكر ؛ و طبيعة المعرفة للفلسفةالتاريخية و الذي حصر دوره في معرفة المضامين ، األخرى ؛ بما فيها علم النفس

مثل هذا الموقف هو الذي ). 1(االجتماعية للمعرفة ؛ دون التعرض لطبيعة الفكر ذاتهو بالتالي علم النفس ، دفع إلى التفكير في طبيعة الفكر و تشكل العلوم المعرفية

المعرفي، فما هي األسس التي يقوم عليها ؟ وهم ليس فضاء لتكونها بما أين الت) Simulation(متمثل في التصنع :األساس األول

بل أن تتحول إلى ما هو مشترك بين المتصنع و الذي يوجه ، أنها ال تبحث عن التقليدو هكذا يتجلى بتاريخ المعرفة نظام من الواقع الشكلي الذي ليس فقط . له التصنع

و يشكل شريك واعد ، بل هو بين االثنين، مفكر فيه و ال حتى خاضع للتجريبو من البحث . فالتصنع ليس إعادة انتاج الواقع بل وضع شروط إعادة انتاجه ، ةللمعرف

.عن موضوعية األهداف إلى اإلنتاج الفعال للوسائل مصطلح درج عند ) feed-back =Rétroaction(المفعول الرجعي :األساس الثاني

النفس و الذي استمر مع علم، المهتمين بالسبرنتيقا ؛ كشق من العلوم المعرفية .و ينتظر منه األثر الرجعي، المعرفي أين يتم ربط السلوك بالهدف

، )Information codée(يقوم على ما يسمي بالمعلومة المرمزة :األساس الثالث فطرح ، الترميز باألساس هو شكل جديد أو كتابة رياضية جديدة للتفكير بالمعلومة

بل افتراض وجود حدا ، تصال بين فكرينمعادلة كرسالة ليس معناها القيام بعملية اال ). 2(و الذي ال يقبل من الرسالة أي خطأ وارد، ثالثا أيا كان

من هذه األسس يتبين أن العلوم المعرفية توسع مجالها خاصة بالواليات المتحدة مع بنى عليه و أن األساس الذي ت، لذا عرفت بالعلوم الحسابية، استخدام الكمبيوتر

جورج من قبل " سبعة"العدد السحري نظرية لذلك طرحت . المعلومة هي الرياضيات إذ اعتبر العدد سبعة يقدم لنا حدود تحليل 1956بداية من سنة ، )George Miller(ميلر

،و بحيث يمكن جمع العديد من المعطيات ، )Traitement de l’information(المعلومة وما هو منتظر ، ثم القيام بتحليل هذه الروابط، دلعديد من األبعاربطها وترميزها مع ا

إيجاد القوانين األساسية التي ، في مجال علم النفس المعرفي جورج ميلرمن تحليالت ) 4=2×2) (2=2×1(و جوهر العملية تخرج عن الثنائية ، )3(يعمل بها الدماغ

فاإلنسان من هذا .قة بينما لكي نصل إلى العدد سبعة نخرج عن العال) 6=2×3(فإلى حد تتفق .مثلما يهضم الطعام عبر الفم، التصور يحلل المعلومة عبر الرياضيات

1 Ibid , p : 119 2 Aline Pélissier et Alain Tête :Introduction ,Sciences cognitives texte fondateurs ,Op-cit , pp :XIX -XXIV 3 Howard Gardner : Histoire de la révolution cognitive ,Op-cit , p109

Page 92: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

80

النظرية التطورية القائمة العلوم المعرفية مع األسس التي بنيت عليها ؟ أو بتعبير أدق اتفاق باألسس ؟ وهل يتم حساب الحكم األخالقي رياضيا حتى نقول عنه انه هل هناك صحيحا ؟

، "ما هو أخالقي"توضيح مفهوم ساسأثالث مالمح تعتبر الورنس كوهلبرغيطرح و ما ، و هي محترمة من قبل األخالق المعرفية التي صيغت وفق التصور الكانطي

أين استنتجت هذه األسس باالعتماد على المبدأ ، اشترك فيه هبرماس بمعية آبل : متفق عليها متمثلة فيما يلي ال مالمحال و، الشمولي الموضح آنفا

كون األحكام األخالقية لديها محتوي : )Le cognitivisme(النزعة المعرفية -حتى نصل إلى ما هو ، و الهدف هو تأسيس مبدأ يقوم على التبرير، معرفيوجب على النظرية التطورية أن تضع اقتراحات أولية لتمكين المرسل أو ، شمولي

ييز بين األحكام األخالقية من بين ما هو صحيح وما هو الفاعل من تقديم و تم .خاطئ

تنتج عن كل شخص شارك بالمناقشة، : )L’universalisme(الشمولية النزعة -و إذا لم تتمكن . و ساهم و بنفس الوضعية في قابلية القيم العملية مع اآلخرينو إيصالها للشمولية، النظرية التطورية من تحقيق اإلدعاء بالصحة للقيم األخالقية

. فعليها أن تعترف بفشلها كل محتوي غير شمولي رفض يقوم على )Le formalisme(النزعة الشكالنية -

و يأخذ شكال من الحياة الخاصة مع كل المسائل التي تقيم ، لديه توجه قيمي حميميضيات أخالق المناقشة تتعارض مع الفر، وبتأسيس المبدأ الشمولي، الحياة السعيدة

ذات أسس مادية موجه نسبيا نحو السعادة ،و تضع حدودا لمجال التصديق الخاص من هذه الزاوية تأخذ أخالق المناقشة الطابع المعياري . بالمحتوي القيمى الثقافي

و التي هي ليست ، و العملية هذه تتم وفق المناقشة الميدانية). Justesse(لإلحكامل تختبر صدق تلك القيم من حيث أنها تختبر على ب، إجراء ينتج قيما مشروعة

).1(أساس أنها افتراضية

يقترح هبرماس عناصر ، من هذه النقاط المشكلة من الشكالنية و الشمولية والمعرفيةبحيث التبريرات ، حتى يكتمل عمل أخالق المناقشة للوصول إلي الشمولية، أخري

و تكون شاملة بحيث ندرج ، ف التصديقالمقدمة من قبل المشاركين ال تعكس و تخالمن ). 2(و أن تكون المعاملة بالمثل بين كل المشاركين، كل المشاركين دون إقصـاء

و مقارنة مع األسس الموضوعة من قبل ، هذه األسس ندرك أن أخالق المناقشةو ، أن أساس الحكم يقوم على إثبات الخطأ من الصواب، مؤسسي العلوم المعرفية

و هي القدرة على إصدار حكما يكون من الجهة ، ملية تكتسب على أساس الكفاءةالعلمثل هذه القيمتين . المعرفية صحيحا أم خاطئا و من الجهة األخالقية خيرا أم شرا

1 Jürgen Habermas, Morale et communication, Op-cit, p p : 135-136 2 Ibid , p p : 137-138

Page 93: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

81

، مبرراتها التي تثبت صحتها و تحتاج إلى عملية استنباط من الجهة المعرفيةفكلتا العمليتين مرتبطتين بقيمتين و حقلين معرفين . و المناقشة من الجهة األخالقية

إال أن من جانب التعامل ؛ و من حيث المبدأ هناك تقارب ؛ ألنهما يريدان . مختلفين ألن . خاصة و إذا تعلق األمر بالمجال األخالقي ، الوصول إلى التصديق و الشمولية

بينما بالمجال المعرفي المقام ، هناك أمور مرتبطة بالقيم و بالثقافة و كذلك بالحقوقو كون المعرفة تكتسب على ، المشترك بينها هو الرياضيات أو االستدالل الرياضي

فهل القيم و حسن السلوك يكتسب على مراحل ؟ و إذا كان األمر كذلك ما ، مراحل هي المراحل المقترحة ؟ و ما هي األسس التبريرية المقدمة في ذلك ؟

: لقيم و األحكام األخالقيةمراحل تكون ا-1-أ-2و بكل مستوي ، مراحل تكون األخالق و قيمها وفق مستويات كوهلبرغيرتب إلى غاية إدراك القيم ، من مرحلة الطفولة و الخاصة بالطاعـة و العقوبة، مرحلتين

القول بالنمو أمر طبيعي . و المتعلقة بمرحلة النضج و االتفاق ، األخالقية الشموليةإال إن . فال يمكن إدراك المجردات إال بعد عمر ، فاألمر يدرك من ذاته، باإلنسان

و تجعلنا نتتبع هذه المراحل ، المعايير و األسس التي بنيت عليها المراحل تشد انتباهنافما هي هذه ، حتى نصل إلى الكيفية التي استمرت بها في بناء أخالق المناقشة

بها أخالق المناقشة ؟ المعايير؟ و ما هي المرحلة التي تؤسس : مستوي ما قبل االتفاق

دون ، االمتثال لقواعد السلطة لتفادي العقوبة:المرحلة األولي الطاعة والعقوبة .و الدافع لذلك الخوف من العقوبة ، إحداث أي ضرر مادي باآلخرين

ال أن نقوم باألفع :المرحلة الثانية مرحلة المشروع الفردي اآللي و التبادل و من ، مع ترك اآلخرين القيام بالمثل، الخاصة بإشباع الحاجيات و المصالح

و ما يحفز . أو عندما نبرم اتفاقا ، العدل كذلك أن نقوم بعملية التبادل مناصفتا .لذلك هو االعتراف لآلخرين أن لديهم مصالح

مستوي الثاني خاص بمراحل االتفاق أن تكـون محبـوب :و االنقياد االنتظار المتبادل و االتفاق المرحلة الثالثة مرحلة و الدافع هو الشعور بالثقة من قبل اآلخرين الحتـرامك ، و لديك مكانة لدي اآلخرين

.و ما هو منتظر من قبل اآلخرين ، للقوانين أن نقوم: ظام االجتماعي المرحلة الرابعة مرحلة ثبات الضمير و المحافظة على الن لجماعة بمساندة النظام االجتماعي، و الدافع هو بالواجب تجاه المجتمع و ا

. الشــعور بضرورة المحافظة على المؤسسات التي أسست من قبل الكل ):تسيير المبادئ( مستوي ما بعد االتفاق

القرارات األخالقــية : المرحلة الخامسة مرحلة الحقوق األولية والعقد االجتماعي ثمرة الحقوق و القيم و المبادئ التي وضعت من قبل األفراد داخل النظام االجتماعي،

و منه كانت ضرورة الدفاع عن . و حدد مصيرهم بالنشاط األفضل و المنصفو الدافع تمثل في ، مع الشعور بأن الكل يدافع عنها، الحقــوق األساسية و القيم

.ـة فـي وضع العقد االجتماعي و الملزم احترامه المشارك

Page 94: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

82

تفترض سلوكا أخالقيا يكـون :السادسة مرحلة المبادئ األخالقية الشاملة المرحلة أين كل اإلنسانية يستوجب عليها احترامها، ، ممتثال مع المبادئ األخالقية الشمولية

ة، و هي ذات المبادئ التـي شـأن ذلك شأن حقوق اإلنسان و احترام الحريات الفرديبمعني أن األحكام الخاصة ال تخرج عن المبـادئ ، الفردية أو الخاصة اتوجـه قراراتن

). 1(العامـة المتفق عليها عالميامن هذه المستويات يدرج هبرماس باالستناد على النظرية التطورية مسألة التواصل، من

بما أن التواصل بين . ألخالق المناقشة حيث أنها نشاط تطبيقي يساهم في وضع األسسو كون هذا التصور مبني على المراحل يعد أساس ، أفراد المجمع يقوم على التبرير

و ما بين المرحلتين ما قبل و ، أين يتمكن المتعلم من حل المشاكل المطروحة أمامه، التعلماألخالقي كمسار به يدرك المراهق نموه ، ما بعد المتفق عليه يتمركز سن المراهقة

و بكل مرحلة من التعلم عليه أن يبرر األحكام التي اعتبرت من قبل ، تطوري تعليميو من توجه معرفي قدرته على ، المغزى من ذلك أن يدرك المتعلم. صحيحة هي خاطئة

. الحكم في وضعيات مختلفة اختلفت بحم تطوره و مروره بمراحل عمرية مختلفة المراهقة تعد مرحلة انتقالية أين يندمج الفرد مع النظام االجتماعي، المرحلة التي ارتبطت ب

مثل هذه ، و هو جزء منه قد شارك في وضعه، و يدافع عنه على أساس انه يمثل الكلخاصة عندما يتم ، و هي التي اعتمد عليها هبرماس، الوضعية اإلدماجية تعد أساس التعلمال نجد إي اختالف عندما نطرح القضيـة و . اقشة االنتقال من النشاط التواصلي إلى المن

المراهق و بطريقة . نقيضها و نحاول أن نقدم مبررات تثب صحة أو خطئها و منه يدرك كفرد ، افتراضية ؛ يأخذ موقفا من المضامين المعيارية لعالمه المعيش

ه معرفة األحكام حتى يتسنى ل، ضرورة المرور من مرحلة ما قبل االتفاق إلى ما بعدهو يقوم بهدم تلك القيم ، األخالقية ضمن سياق العالقات االجتماعية و العالقات البيشخصية

و بطريقة افتراضية يقوم بكشف تلك القيم التي . التي انتقلت معه بحكم التقليد و الطاعة و ، لتو يجمعها بمنطق نقدي فاقدا بذلك وهم القيم التي قب، تتطلب التجديد و التبرير

التغيير في الموقف وفق إجراءات أخالق . يسترسل مع تلك التي تتطلب االعتراف إلى تلك التي أعيد صياغتها ، المناقشة تمكن من تجاوز القيم التي اعترف بها بسذاجة

، الذي يضع القيم في محك اإلثبات، باالستناد على النشاط التواصلي، باالعتراف البيذاتيو هي كذلك وبمنطق السياق ، ت تنقل الفرد إلى مرحلة النضجمثل هذه اإلجراءا

بمنطق المراحل تطور الشخص تصنف القيم . بياجيالتطوري للتعلم المستلهم أفكاره من بحيث إذا أخذت اتجاها مغايرا ، أو األحكام األخالقية على حسب التجارب الشخصية

و منه . ا النجاح أو الفشـلو هي خاصية التعلم إم، يتدهور الشخص إلى مراحل أدنيندرك أن القيم تتبع سلما تراتبيا أين يتم االنتقال عبر مراحل، و كل مرحلة تشكل شكال

يعتمد باألساس على ، إذا كانت عملية تجديد القيم قائمة على منطق تطوري. تراتبيا إذا كان األمر فهل هو نفس المنطق الذي تقوم عليه أخالق المناقشة ؟ و ، النظرية المعرفية

فهل هناك مبادئ أخري تقوم عليها ؟ و هل باإلمكان الوصل إلى مفهوم نهائي ، غير ذلك لها ؟

1 Ibid , p p : 138-140

Page 95: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

83

: هبرماس و األرسطيين الجدد -2-أ-2تلك هي العبارة التي . بالنسبة لهبرماس أن المعرفي هو الوحيد الذي يضمن الشمولية

و منه كان إدراك ، قشة لهبرماسمترجم كتاب أخالق المنا ،مارك هونداينسجلها عن إال أن االعتراض مع . أهمية المجال المعرفي في إثبات صحة أو خطأ الحكم األخالقي

ذلك الميل نحو األرسطية الجديدة ؛ الذي تعرفه الساحة الفكرية بالغرب ؛ بمعني الميل و ، التواصليةو هي أساس العقالنية ، نحو أخالق السعادة بدل من الميل نحو أخالق العدالة

على أنها ال تطرح ، تعارضه مع أرسطو و هيجل و كانط في مسألة األخالق السعيدةو أن التواصل الذي يخندق أخالق ، األخالق بهذا التصور و ال تطرح مسألة العدالة كذلك

يعتمد على الثالث أسس المشار إليها و هي المعرفي و الشمولي و الشكالني، ، المناقشةمن هنا نتساءل عن الكيفية التي تعامل بها . تمد عليها عملية التبرير وهي التي تع

هبرماس األرسطيين الجدد مع العلم أن آبل يصنف منهم ؟ و هل كان ألرسطو تأثيرا و بشكل غير مباشر على هبرماس ؟ أم قرأ المضمون المعرفي األرسطي بوجهة نظر

علم النفس المعرفي ؟ التي تعتمد من جهة على الميتافيزيقا ، كانط من الزاوية المعرفيةيقابل هبرماس أرسطو ب

فالعقل التطبيقي اتخذ ضمن البصيرة أو الفطنة . و من جهة أخري على الجانب التطبيقي )Sagacité=prudencia=Phronésis (نحو أفق تطبيقي و عادات معاشة اإمكانية تنحو ،

أو المستوي النظري ، ي يخصصه أرسطو للعلمو ابتعد عن ذلك اإلدعاء المعرفي الذإال أن مع التحول المعرفي الذي عرفته العلوم التجريبية النظرية الفلسفية . بالمعني األدق

و منه حدث تدهور ، تخلت عن إدعائها القوي للمعرفة المعتمد باألساس على الميتافيزيقاالتصور األرسطي نتائج غير أين تلقت البصيرة ؛ و من، )اإلبستمي(بمكانة المعرفة

وبنفس الحدة من التدهور ). 1(التي عرفتها النظرية الكبرى للمعرفة ةمقبولة بفعل الزعزعفكيف سيتم معالجته ؟ أرسطو ، تعرض لها العقل التطبيقي الذي أصبح يطرح إشكاال

أين ، االتي بقت مرصعة بالميتافيزيق، بإمكانه اإلجابة عن الضرورة المعرفية لألخالق. من الخالل الحياة السعيدة التي ترسم لإلنسان ، المدني يأخذ اتجاها معتبرا داخل المدينة

فأخالقه بإمكانها أن تقدم معلومات عن الشروط األنطولوجية و األطر المؤسساتية للحياة من هذا األساس ؛ النظرية المعرفية التي تمتد باألصول إلى . السعيدة بشكل عام

أين كانط يحاول أن يقدم مخرجا لها بالعقل ، وجدت نفسها بمأزق تطبيقي، الميتافيزيقاالبصيرة . العملي ؛ و ذلك بوضع مبدأ األمر المطلق دون البحث عن سند ميتافيزيقي

و تربط االعتبارات ، بالمفهوم األرسطي عليها أن تتعامل مع ذلك التناوب لألفعال الفرديةعلى . بشكل معتم و بالمسائل االختيارية العقالنية، بيةالمعيارية باالستنتاجات التجري

أمام مثل هذا ). 2(العكس العقل التطبيقي عند كانط يهتم باألسس التي تؤسس بها األخالقالوضع أين يوضح هبرماس االعتبارات التي منها يطرح التساؤل حول الكيفية التي نكون

كنة لذلك ؟ و ما هي األسس المعرفية المم، بها أخالقيين

1 Habermas(Jürgen) , De l’éthique de la discussion , tr : Mark Hunyadi , les éditions du Cerf, Paris, 1992,p p :76 -77 2 Ibid , p: 79

Page 96: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

84

التناوب بين العودة إلى األرسطية التي منها نمى النقد ؛ أو تعديل المقاربة الكانطية ؛ التي ، من شأنها أن تأخذ بالحسبان تلك االعتراضات الموضوعية المرممة للتفكير الميتافيزيقي

طوير و محاولتهم في ت، و منه يتساءل هبرماس عن الكيفية التي تمكن األرسطيين الجددفالحياة . الفلسفة التطبيقية دون العودة للمقدمات الميتافيزيقية التي تتعارض مع الواقع

المعاصرة مشحونة بتصورات فردية أو أشكال من الحياة الجماعية تفرز عدد متنوع من ؛ ةمبدئيا نحن أمام خيارين إما العودة للفلسفة الكالسيكي، التصورات عن الحياة السعيدة

، مع إدماج أشكال الحياة المتنافسة ؛ و ترتيبها بالتدريج ةللمقدمات الميتافيزيقي والعودةإما بتقديم الحق بالتساوي في الوجود لكل شكل . مفضلين إحداهم ووضعها بقمـة الهرم

أو تماشيا مع األطروحة التي ترى أن اإلنسان ال يتطور خارج ، من أشكال الحياة السعيدة . أن يحقق الخير إال ضمن المدينةطبيعته ؛ و ال يمكن

و ، أحد األرسطيين الجدد) MacIntyre( ماك أنتيرمثل هذه األطروحة دافع عنها و هي القاعدة التي تبناها أرسطو أن اإلنسان من طبعه ) .1(عنونها بالبيولوجيا الميتافيزيقية

التي تقوم ، ضوعيةالعقل التطبيقي الذي يطرح من اإلجراءات المو. حيوان سياسي بالبحث عن السلوك األخالقي دون البحث عن تكون النظرية الفلسفية ؛ التي من واجبها أن

الذي قدر له ، تمكننا من النجاح داخل العالم االجتماعي، تتضمن على األقل معرفة تطبيقيةالعقالنية العلمية مثل هذا العقل التطبيقي يعتمد على . أن يكون هو األحسن لإلنسانية

و ، و هو بذلك ينور األفراد حول الكيفية التي يحققون بها التعايش، دون الحس المشتـركبالتالي يمدد إمكانية التجمع و من خالل المناقشة يتجمع كل األفراد القادرين على الفعل و

اوت الذي بل يبقي في حدود التذ، العقل التطبيقي من جهته ال يلتمس الشمولية. الكالم والبحث عن ما هو ، "نحن"التي تقدم مدا يشمل قدر اإلمكان تطبيق كلمة ، يفرض التداولية

فبغياب العون الميتافيزيقي يذوب العقل . صالح للكل خارج إطار الثقافي أو المحلى و عليه يتم ، )Phronésis(الذي هو عند أرسطو البصيرة ، التطبيقي بالحس المشترك

غير أنه إذا ما أردنا . اشى مع المعايير الخاصة بالعـقالنية اإلجرائية تطويره بحيث يتمو بالتالي و على ، الحكم األخالقي يبقي مرتبطا بعادات المكان، أن نبقي أوفياء ألرسطو

و ننكر على ، يجب أن نتنازل عن المضامين المحررة للشمولية األخالقية، لسان هبرماسقي ضمن عملية عنيفة ال رأفة فيها، مستغلة العالقات األقل إمكانية وضع النقد األخال

و المرور إلى مستوي ما بعد التقليد للحكم ، القائمة على القهر و االستغالل المفرط ). 2(األخالقي، الذي يحررنا من الحدود البنائية للمناقشات اليومية

روحات أرسطو أين عارض ط، بهذا المستوي من النقاش الحاد الذي لمسناه عند هبرماسواضعا بذلك مسافة بينها ، )έθος(و األرسطيين الجدد ،و قلص مفهوم البصيرة إلى العادة

و اعتمادها على التجريب في إثبات صحة ، و بين العقل التطبيقي بحكم تطور المعرفة و التي ، مبتعدا بذلك عن الفلسفية الكالسيكية المميزة للحياة العملية، القضايا المعرفية

الحياة التأملية و هي الحكمة و المرتبطة بحبلها السري . هي مجموع الحرف عند أرسطو و نقده كان مزحزحا لمفهوم األخالقي . الميتافيزيقا ؛ و في أساسها ذلك التضمن للمعرفة

باالعتماد على العقل التطبيقي الكانطي التوفيقي بين ما هو تجريبي و بين ما ، عند أرسطو 1 Ibid , p: 82 2 Ibid , p: 84

Page 97: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

85

و الزحزحة تمت باعتماده على ، الرابط بينهما اإلرادة و األمر المطلقو ، هو حدسيكيف نفهم الشمولية إذا ما اعتمدت : من هذا االعتراض يطرح التساؤل التالي . التداولية

على التصورات الكانطية ؟ و هل أخالق المناقشة رؤية كانطية جديدة ؟ أم أن عند تحديد مفهومها تبتعد عن الكانطية ؟

:و مفهومه ألخالق المناقشة ب هبرماس-2 : هبرماس و كانط 1-ب-2

، هل فلسفة كانط العملية و األمر المطلق يدعيان الشمولية ؟ عن هذا اإلشكال يجيبنا كانطو ، أن الميتافيزيقا مزدوجة فهناك ميتافيزيقا الطبيعة، عندما يشير في تصنيفه للعلوم

لكون الميتافيزيقا في األساس تقوم على مواضيع . لمعني الروماني ميتافيزيقا األخالق بافالفيزيقا لديها جانبها التجريبي ؛ التي يمكن أن تسمى باألنتروبولوجيا ، حددت بالفهم

و يضع ). 1(بينما الجانب العقالني يمكن أن يستقبل اسما خاصا يدعى األخالق، التطبيقيةهل طبيعة العلم يلزمنا ؛ و بعناية تامة أن : التاليكذلك كانط حدا عندما يطرح السؤال

و أن نباشر بتقديم الفيزيقا المعروفة ، نعزل الجانب التجريبي من الجانب العقالنيو نقدم األنتروبولوجيا التجريبية بدل الميتافيزيقا . بالتجريبية عن الميتافيزيقا الطبيعية

و هذا بغية معرفة ، مثبتا بالعناصر التجريبيةكل واحدة منهن تأخذ رسما بيانيا . األخالقية هل يمكن له ، في كلتا الحالتين ومن أي مصدر. كل ما يمكن أن يقوم به العقل الخالص

؟ و بصيغة )2(التي هي نشاط خاص يمارس من قبل األخالقيين، أن ينجز هذه التعاليمفهل من األجدر أن ،أخري ؛ و من باب أن المشروع الكانطي تأسيس لفلسفة أخالقية

نؤسس فلسفة أخالقية تخلصت من التجريبية و اعتمدت على األنتروبولوجيا ؟ أن تكون و ، لمثل هذه فلسفة معنى ؛ و بالبداهة فكرة مشتركة حول الواجبات و القوانين األخالقية

كل واحد عليه أن يعترف ؛ إن كان للقانون قيمة أخالقية محددا وضعيته في قدرته على فهي صالحة لكل واحد و ال ، ال تكذب: مثل ما هو الحال بالوصية التالية ، سيس واجبتأ

، مثل هذا التأسيس للواجبات ؛ ال يجب أن يبحث عنه بالطبيعة اإلنسانية. ترتاب أي عاقل ومنه يتضح أن اإلنسان ؛ . بل ضمن ما هو قبلي و بالتصورات الخاصة بالعقل الخالص

فهو قادر أن يدرك التصور العقلي الخاص ؛ و يطبقه ، ت عدةو بحكم أنه معرض لميوالمثل هذا التقديم للتصور العام لفلسفة كانط األخالقية ؛ . ليجعله فعال بسلوكاته اليومية

بحيث أن الميتافيزيقا األنتروبولجية تعتمد على األفكار القبلية ، يبرز الخط الذي وضعهفعمليتي اإلدراك و . القدرة على إدراكها والعمل بها و أن اإلنسان لديه ، الموجهة للسلوك

و القيم المؤسسة للقانون األخالقي ال تخرج عن ، القدرة ال تخرجا عن إطار ما هو معرفيو لم يميز بين ، و كانط لم يفصل بين الحياة التأملية و الحياة العملية، ما هو براغماتي

وهذا التسيير يعتمد على ، لما هو بعديبل جعل ما هو قبلي مسيرا ، البصيرة و الحكمةليجد الشرعية في ، من هذه النقاط وجد هبرماس نفسه أقرب من كانط والتداولية. القدرة

فما هي األسس التي تعتمد عليها ميتافيزيـقا األخالق ؟ و ما موقع . اإلدعاء بالشمولية ة لإلدعاء بالشمولية ؟ القدرة ؟ و ما القصد باألمر المطلق ؟ و هل يقدم الشرعي

1 Kant(Emmanuel), Métaphysique des mœurs I : Fondation et Introduction, Traduction, présentation, bibliographie et chronologie par Alain Renaut , Flammarion ,Paris, 1994, p :52 2 Ibid , p: 53

Page 98: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

86

:مفهوم اإلرادة أ-1-ب-2و ، أن الخير ال يمكن أن يكون إال تلك اإلرادة، "أسس األخالق"أن كانط من خالل يتبين

و منه تستلهم ، و هو بذلك الخير كله، ترتبط به كل الخيراتالذي ، هي الخير األسمىو في كل الحاالت فهي تصطلح مع حكمة الطبيعة بالصيغة التي نكتشف فيها . السعادة

و عند تحددها تحقق النهاية الثانية و هي ، ثقافة العقل الملزمة كنهاية أولى و بدون شرطجهتها التطبيقية العليا ؛ ال تميل إلى تحقيق مثل فاإلرادة الخيرة ؛ و من خالل و. السعادة

و نهاية ، فهناك نهايتين نهاية في ذاتها. هذه النهاية ؛ إال تحقيقا و إشباعا يمتثل بالطبيعة جاعال منه محل تقدير في ، ومنه يستمر كانط في تحديد مفهوم اإلرادة، من أجل غيرها

والموضح ، مسبقا ضمن الذكاء الطبيعي و هو مفهوم مسجل. ذاته بدون ربطه بأية نهاية يستدرج ). 1(و من هذه النهاية تتشكل شروط كل األفعال، للقيم الكاملة التي توجه أفعالنا

الذي يتضمن اإلرادة الخيرة، و إمكانية تمييز ، كانط من اإلرادة مفهوم الواجبفهناك فرق . ثل لميل آخر األفعال اإلنسانية ؛ من بين ما هو ممتثل لإلرادة ؛ و ما هو ممت

بين التاجر الذي يعرض بضاعته للزبون بثمن باهض ؛ لعلمه أنه ال يحسن التمييز بين البضائع ؛ أو ليست لديه خبرة ،و بين التاجر الذي يري انه من واجبه أن يعرض بضائعه

ك فالتاجر هنا أنجز عمله وفق الواجب خاضعا بذل، بنفس الثمن دون تفريق بين الزبائنو لم يفرق بين ، و إن كان فعله خاضع لمصلحة مقصودة ألزمته النزاهة. لمبدأ النزاهة

و ال آلنية أخرى بل ، هذا أو ذاك في السعر ؛ هنا يكون الفعل غير ممتثل ال لإلرادةعندما يشير كانط إلى . كأن نقل أنها عملية دعائية لكسب الزبائن ). 2(لمصلحة مقصودةو ، فالواجب هنا ليس إلزاما بل أمرا طبيعيا، اة كواجب فهو امتثال لهالمحافظة على الحي

و ال حبا فيها بل واجبا ،و عليه ، أن المحافظة على الحياة ليس االمتناع عن تقديم الموتو إن كان ، و أن تحقيق السعادة الشخصية واجبا. نستنتج أنه يأخذ كمبدأ ذا قيمة أخالقية

إلنه من غير الممكن أن يبقي اإلنسان مكبل بالمشاكل ؛ ، باشرةاألمر يتم بطريقة غير م، فالميل نحو تحقيق السعادة موجود في كل إنسان، بسبب عدم القدرة على إشباع حاجياته

فإن . و منه كان الواجب المتضمن لإلرادة الخيرة غريزة طبيعية مسيرة بالعقل التطبيقي يمة األخالقية و الموجه للفعل فهل يمكن أن يكون كان المبدأ الصادر عن الواجب محددا للق قانونا أخالقيا شموليا ؟

بل للتخلـص منه ، و قدم وعدا مزيفا ال للوفاء به، يكن أن اإلنسان وجد نفسه في مأزقلإال أن النتائج ، أو ممتثال للواجب في تقديم وعدا زائفا، في هذه الحالة إما يكون مترويا.

ومنه وجب عليه ، ألن مثل هذا الفعل تكون نتيجته فقدان الثقة. ليست سهلة في المستقبل و بحذر يتم التصرف وفق مبدأ شمولي يلزمه . حتى يبعد قلق فقدان الثقة ، االلتزام

و يبدو ، فعندما يتم تقديم وعد يلتزم به صاحبه، التروي و العدول عن تقديم وعود زائفة، لمبدأ جاء نتيجة القلق من النتائج التي تترتب عن الوعد الزائفواضحا أن مثل هذا ا

فهل عند تقديم وعد زائف و ، فاإلرادة الخيرة المرتبطة بالواجب توجه الفاعل بااللتزامو كذا استنكار شموليته ، استعمال الكذب نشكل قانونا شموليا ؟ أمام هذا االستنكار للكذب

فكيف يمكن أن يتحول المبدأ إلى قانون أخالقي ، ليتتحطم كل محاولة لوضع قانون شمو 1 Ibid , p p: 64-63 2 Ibid , p: 65 , voir aussi la note 19 p : 188

Page 99: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

87

، و أمام كل المحفزات، شمولي ؟ يتأكد من خالل احترام القانون التطبيقي المشكل للواجبالتي تمحي بفعل الشروط الموضوعة من قبل اإلرادة الخيرة القائمة بذاتها توضع القيمة

يبدو من السهل أن نضع . يا شموليا المتجاوزة كل القيم و المرشحة لتشكل قانونا أخالقبين أيدينا مدورا و نقيس به القطع المستقيمة، فهل يمكن إسقاط مثل هذا القياس العملي

و ، و نقيس الخير و الشر منها ؟ يطرح كانط من خالل الحس المشترك، على األفعالصي كل الذي يق، بالمجال التطبيقي إمكانية إصدار الحكم عن طريق الفهم المشترك

أال يمكن للفهم المشترك أن ، القوانين التطبيقية الصادرة عن دوافع حسية التي قد تختلفيكون مسيرا بالعقل ؟ أال تكون الفلسفة هي الموجهة له ؟ تدخل الفلسفة من هذه الزاوية

حتى يتسنى التعرض له من قبل الكل و ، يتمثل في توضيح النسق األخالقي بشكل تامو هذا ال يعني أن ينزع الفهم المشترك من كل إنسان ، طريق المناقشة بصيغة أوسع عن

و اإلنسان ) . 1(بل تقدم له طريقا جديدا نحو البحث و التعليم، من وجهة نظر تطبيقية، يشعر من ذاته أمام وصايا الواجب، و أن العقل يقدمه كذات تستحق الثناء و االحترام

دة، و العقل هنا يقدم األوامر دون أي ميل نحو أي ضرورة و يقدم له إمكانية تحقيق السعا . تخرج عن القيم األخالقية

:إلى األمر المطلق و اإلرادة الخيرة من الواجب -ب-1-ب-2الكانطي يشير إلى تأسيس فلسفة شعبية تستمد أسسها من الفلسفة لعل البرنامج الفلسفي

يم الشمولية مع التمييز بين المعرفة المشتركة أين يتم توضيح بفعل العقل المفاه، األخالقيةهذا التنازل أمام التصورات الشعبية يعترف به لحد السمو به إلى . و المعرفة الفلسفية

هذه العملية تتم بادئ ذي بدء ؛ بعد تأسيس أخالق ميتافيزيقية . مبادئ العقل الخالص و ، ل العامة ؛ أي تتحول لتصبح شعبيةو التأكد من صالبتها ؛ ثم تتحول ليتم قبولها من قب

و ، الخوف من اهللا، السعادة، إذا ما تفحصنا األخالق بهذا التوجه فإننا نصادف تارة اإلتقانكلها تتماشي مع الطبيعة اإلنسانية وال تخرج عن المبادئ القبلية و المتحررة من كل ما

من هنا . من العقل الخالص و هي اكتشاف خاص بالمفاهيم الخالصة النابعة. هو تجريبي كان المشروع قائم على المداولة لتنشأ فلسفة خالصة و تطبيقية أو باألحرى ميتافيزيقا

هنا يشير كانط أنه مثل ما ( مثل هذا العمل الذي يعتمد على الفلسفة الشعبية ). 2(األخالقو أخالق هناك رياضيات خالصة ورياضيات تطبيقية هناك أخالق خالصة ميتافيزيقية

التي تقارب الفهم باستخدام األمثلة لتصل إلى ، )تطبيقية شعبية و أن األولى تسير الثانيةو تعبر عن قدرتها في قياس مجموع ، التي ال يوقفها الجانب التجريبي، الميتافيزيقا

فما هي ، أين العودة لألمثلة تصبح بدون جدوى، المعارف العقلية بالولوج إلى األفكار األساسية التي تدعي الشمولية ؛و تتمتع بالقدرة لتصبح قانونا أخالقيا شموليا؟ الفكرة

التعالي من الفلسفة الشعبية إلى الفلسفة األخالقية أين اإلرادة الخيرة تأخذ مكانتها في تحديد و اإلنسان وحده الذي يمتلك إرادة ؛ و هي ليست إال عقال تطبيقيا ، الواجب المسير للفعل

الضرورة . مبادئ موضوعية ؛ و إال كانت المبادئ ذاتية خضعت لضرورة ما يعتمد على؛ يتمتع )Impératif(و الخضوع و المبادئ الموضوعية اجتمعت عند كانط و عرفت باألمر

1 Ibid , p: 75 2 Ibid , p p: 82-83

Page 100: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

88

األمر من ). 1(ببعد الواجب ،و له عالقة بالقانون الموضوعي الصادر عن العقل و اإلرادة،عبر كانط ) Catégorique(أو يكون مطلق) hypothétique(خاصيته أن يكون شرطي

بل قائم بذاته و ، و الثاني ال صلة له بنهاية، عن الفعل األول بالفعل المشروط بنهايةمن أجل ذاته ،و يري فيه ضرورة موضوعية و ليست ذاتية ؛ كما هو الحال بالنسبة

: األمرينو منه كان الجدول التالي موجزا للخصائص المميزة لكال. لألول

األمر المطلق األمر الشرطي يقوم على نهاية إما ممكنة و إما واقعية

في حالة أنها ممكنة تعتمد على مبادئ -و يمكن أن يعين . إشكالية تطبيقية

القواعدكأمر مرتبط بالمهارة أي المتبعة للقيام بالفعل للوصول إلى

. السعادةأنها واقعية تعتمد على مبادئ في حالة -

و يمكن أن يعين كأمر . تقيمية تطبيقيةعند المشورةمرتبط بالتروي أي

اختيار الوسائل الممكنة وهي مشتركة بين الجميع عند القيام بالفعل للوصول

. إلى السعادة

ال يقوم على نهاية و يعتمد على مبادئ يمكن أن نسمي هذا . يقينية تطبيقية

ا ألنه ال يهتم ال علياألخالقية الالمبدأ ب، بمادة الفعل ال بنتائجه بل بالشكل

ه و ال يخرج عليو المبدأ الذي يقوم الفعل عن الوصايا أو القوانين التي

يجب أن تطاع

أو بالتقنية مثلما أصطلح ، الشرطي و في شقه األول ارتبطت إمكانية تحققه بالفن األمر

، و المشروطة *)Pragmatique( النفعيةق الثاني يتوقف تحققه على و الش. عند اليونان إال إذا كانت ، غير أنها ال تكون ضرورة. بالمقدمة التي تتضمن بعدا يتمثل في الضرورة

هنا األمر المطلق ال يحد عن أي شرط من باب أنه . وفق الشروط الذاتية و العرضية ألن القانون وحده الذي . مقتضي القانون آخذا المعني القيادي و ب ، ضرورة تطبيقية

و تكون موضوعية والنتيجة ، ةمشروط يستنتج معه التصور القائم على الضرورة الال ). 2(أما الثالث يقوم على السلوك الحر و بالتالي األخالق، تكون صحيحة و شمولية

الحس المشترك هو أن الثاني انتقل من ، الفرق بين اإلجراء الذي قام به هبرماس و كانطبينما األول انتقل من النظرية . األخالق اليصل إلى أسس ميتافيزيق، و الفهم المشترك

ليصل إلى األخالق القائمة على المبدأ الشمولي ، المعرفية ؛ القائمة على النظرية التطورية، دةو الثاني يبحث عن السبل المحققة للسعا، األول يهدف إلى تحقيق التفاهم البيذاتي.

ألن كل العناصر المرتبطة بالسعادة تجريبية، بمعني . بحيث يعتبره مفهوما غير محددا ومن جهة أخري يأخذ ككل مطلق ؛ و . أنها مستخلصة من التجربة هذا من جهة

1 Ibid , p: 86

الدول و المشكلة للقوانين الضرورية بل من القلق أن ال نحقق الرفاهية عند آانط هي العقوبات التي ال تنجر عن قانون الحقيقي للبراغماتيةلعل المعني .لإلنسان عامة *

2Ibid , p p: 91-92

Page 101: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

89

فالغني والمعرفة و الصحة أهداف . كدرجة قصوى من الرفاهية في الحاضر و المستقبل و منه كان من الصعب على اإلنسان أن . اوز المصاعبتقتضي العمل لتحقيقها مع تج

و ما يحقق السعادة ، و السعادة بهذا المعنى تصبح مثالية أو خيالية، يحدد ما يجعله سعيداالذي هو عند كانط الوحيد الذي يجعل من ، هو أن يتصرف وفق ما يمليه األمر المطلق

و كون القانون الشمولي ). 1(شموليا اإلنسان يعمل وفق المبدأ الذي يمكنك من جعله قانونافاألمر الشمولي لإلرادة يمكن التعبير عنه ، صادر من الطبيعة ؛ و موجه من قبل اإلرادة

نحو القانون ، افعل بمقتضي المبدأ الذي يجب أن يوجه فعلك وفق اإلرادة: كالتالي مر التطبيقي أين لكانط صياغة ثانية لألمر المطلق ؛و عبر عنه باأل). 2(الشمولي الطبيعي

و عامل به نفسك وأي نفس أخري على ، تصرف بالشكل الذي تراه اإلنسانية: يقول فالذي يقدم وعدا كاذبا سيستخدم إنسانا آخر ال كنهاية ). 3(أساس أنها نهاية وليست وسيلة

بل كوسيلة، و أن السعادة الشخصية تساهم في تكوين السعادة اإلنسانية عندما نشارك . في تحقيق سعادتهم اآلخرين

:مفهوم أخالق المناقشة 2-ب-2و منه ، لكي يوضح شمولية األمر المطلق، استنادا على األمثلة المقدمة من قبل كانط

ليس إمالء من ، تقديم الوعد الكاذب بغية الخروج من ورطة: نستدرج المثال التالي و بناء عليه كان مفهوم الرفاهية مختل، ، بل من ضرورة آنية نتيجتها فقدان الثقة، الواجب

فوحدة فقدان الثقة تلزم االتصال باآلخر وبالتالي . و ال يمكن أن يصل إلى قانون أخالقي يضيف له هبرماس مبدأ ، المقترح من قبل كانط) U=ش(إضافة للمبدأ الشمولي. المناقشة هل أخالق المناقشة فإلى أي حد يصل هذا الربط بين المبدأين ؟ و، )D=م(المناقشة

تستلزمهما ؟ أم تعتمد على إجراءات معرفية تمكنها من تجاوز األمر المطلق ؟بالنسبة لهبرماس التصور المعرفي لألخالق الكانطية تتعرض لصدمة عدم الفهم بالنسبة

فاالستعمال العادي للغة ،عليه أن يشوش على . للذين يقيسون العقل التطبيقي بمعايير الفهم فمعني ، إذ عندما نتصرف بطريقة غير أخالقية هذا ال يعني أننا غير عقالنيين، معرفيال

حد عقالني أن نتصرف بذكاء ،و يكون الفعل بشكل ما نفعي وعقالني وموجه نحو فاستعمال اللغة شاهد على البصمة المحددة ألفق العقالني ضمن المجال الممتثل ). 4(نهايةو إثارة الجدل حول المسائل األخالقية، ، موجه لألفعال غير األخالقيةعادة النقد ال. للنهاية

كانط . مع الدفاع عنها لصالح األحكام األخالقية تلزم ترتيبات معرفية ، باستعمال العقلو هو على وعي من عدم حاجته للفلسفة و ، نفسه ال يستخف من الذكاء األخالقي المشترك

ربما يكون هناك التباس في إدراك فحوي ميتافيزيقا . لكي نعرف ما يستوجب فعله ، العلمو موجه من قبل اإلرادة، و مدرك ، ألن األمر المطلق مفاده أن يصبح شموليا، األخالق

وعليه كانت استعان هبرماس ببرنار . تلزم ذلك قبليته ألن، من قبل الجميعكير األخالقي بعدا و يقدم للتف، لكي يضع حدودا للفلسفة) Bernard Williams(ويليامسمثلما ، فهو يدافع عن األطروحة التي تري وجوب التحدث عن المعرفة األخالقية. معرفيا

1 Ibid , p: 97 2 Ibid , p: 98 3 Ibid , p: 108 4 Habermas(Jürgen), De l’éthique de la discussion, op-cit, p : 112

Page 102: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

90

إال ضمن ، و المعرفة األخالقية ال تأخذ قيمتها اإلعالمية. نتحدث عن المعرفة العلمية . ي و المتعلقة بكل فرد اجتماع، النشاط اليومي ؛ المبني على العادة الخاصة بكل ثقافة

لعل األحكام األخالقية . بينما المعرفة التجريبية تتوقف صحتها عندما تتوهم بالشموليةتعتمد أساسا على الحدس اليومي، و منه كان االبتعاد عن المعرفة العلمية المبنية على

.أساس التجريب أمرا ضروريايامس ؛ يتبين من خالل االنزالق المعرفي الذي أحدثه هبرماس ؛ بين كانط و ويل

مفاده الوصول إلى تحديد المعني اإلجرائي . و االعتراف الضمني باالختالف الثقافي ألن الشروط الحياتية المعاصرة ؛ تمتاز بالتنوع في المعتقدات و القيم . ألخالق المناقشة

من زاوية أن الحدس ، و كان ويليامس أقرب من األمر الشرطي من المطلق، المتنافسةمما يستلزم طرح ، ي يطرح كإشكالية ؛ و تبصم بالعادة األخالقية أين يلتزم الناس بهااليوم

اإلشكالية من باب حاجة الناس إلى التفكير في إيجاد صيغة للتفاهم البيذاتي بين أفراد ويليامس و على . أو بين أفراد مجتمعات مختلفة ذات ثقافات مختلفة ، المجتمع الواحد

كيف يمكن أن تتحول المعرفة األخالقية إلى حالة : ن سؤال التالي لسان هبرماس يجيب عو إلى حياته ، من التفكير بين المشاركين في النقاش ؟ لعل الفرد عندما يميل إلى ذاته

و ذلك من خالل النقاش العام ، بشكلها اإلجمالي ليظهر شخصه و كيف يريده اآلخرونو هذا بقوة أحسن ، المجموعة و هويتهم الذي يضع الخط المشترك ألشكال الحياة داخل

أين كل فرد ، و هذا ما يسميه هبرماس بالنقاش السياسي األخالقي، مبرر يقتنع به الجميعمن هذه الزاوية يتبين االتجاه ). 1(يشعر بأنه ينتمي إلى نفس العائلة و منه إلى نفس الدولة

ة اتصالية توجه النقاش بواسطة من حيث أنها تعتمد على قنا، الذي يريده ألخالق المناقشةخضعت لمسار تطوري حددت من خالل المعالم ، قيم متفق عليها عن طريق التداول

و يشيد كذلك هبرماس بالدور المنوط للفلسفة على . األخالقية و السياسية ألفراد المجتمع يستمر . أساس أنها المحددة ألشكال االتصال و التفكير الذاتي لألخالق األكثر كماال

و األخالق العملية، بحيث ) اإليتيقا(هبرماس في النقاش مميزا بين األخالق النظرية يجعلها على حد السواء ،ضمن النقاش الذي يدور بين المشاركين ،بشرط أن تخرج بقيمها

ويليامس ؛ ليبرر مثل هنا يلتمس مقولة لـ. عن الماهية المعيارية و الخاصية اإلجبارية و الحلقة االتصالية الدائرة بين المشاركين فيها، ، ج بين األخالقين ضمن النقاشهذا اإلدما

لمثل هذه ). 2(بحيث يجعل من تجنب الضرورة عملية تتم باالتفاق من داخل اإلنسانيةالمعتمدة على حدس ، العملية نجد قرائنها بمعارف أخرى كالرياضيات و المنطق والنحو

من وجهات نظر ، اليومية) العملية(نزع الحدوس األخالقية و بالمثل يتم ، ذات المتكلمةهنا العملية يستوجب . المتعلقة بالصراعات اليومية التي تتم بين األشخاص ، األحكام التامة

و تجعل من األحكام ، عليها أن تبتعد عن المواقف اإلنشائية للمشاركين عند تفاعلهمو بهذا الترتيب المعرفة اليومية لما قبل .المحدوسة مكتسبة بفعل التنشئة االجتماعية

و منه كان ال بد على المعرفة أن ال تأخذ . النظري ال تأخذ صفة المعرفة اإلمبريقية بل من معرفة نشوئية تتكون من ، الشكل الموضوعي الذي يفسر المعرفة التطبيقية اليومية

و ويليامس كوهلبرغ و هبرماسو هنا نلتمس االتفاق بين كل من . المشاركين أنفسهم 1 Ibid , p: 114 2 Ibid , p: 115

Page 103: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

91

أي تمر بمراحل ، في أن األخالق التطبيقية كممارسة يومية تخضع لمنطق نشوئي. و منه كانوا أقرب إلى الفعل االجتماعي المحدد لمعني السعادة وبالتالي العدالة ، تطورية

مع فهل ألخالق المناقشة القدرة لتحديد معالم العدالة ؟ أم أن هناك ترتيبات أخري نكتشفها هبرماس عندما نتعرض لمسألة العدالة ؟

II -و برنامجه الفلسفي و تأسيسه ألخالق المناقشة مع آبل : و ، يتبين أن له إسهاما في تحديد معني أخالق المناقشة، مما سبق ذكره عن آبل

و هذا من خالل المشاركة في السجال الدائر حول مسألة أخالق باعتراف هبرماس نفسه ؛ من حيث أنه أوال ، أمرا إلزاميا آبلمما ترتب عن ذلك العودة إلى نصوص . المناقشة

من األرسطيين الجدد ،و ثانيا أحدث مقاربة بين الكانطية و النظرية التطورية التي استند ت المرحلة السادسة من النظرية التطورية لـأين كان. عليها هبرماس و سجل موقفا منها

فهل هناك اتفاق بين هبرماس و آبل حول مفهوم ، محل سجال بالنسبة آلبل كوهلبرغ أخالق المناقشة ؟ أم أن السجال حول المرحلة السادسة أحدثت تبـاينا بالمفهوم ؟

:كوهلبرغ آبل و موقفه من النظرية التطورية لـ-1و كيف يتطور وفق النظرية ، رماس عند تعرضهم للحكم األخالقيما يميز آبل عن هب لعل

فـآبل يعود . في النصوص المعتمدة من قبلهما كوهلبرغالتطورية ؛ المقترحة من قبل و هو ذات المقال الذي ، إلى غاية المقال الذي أخذ به موقفا من مسألة المنهج كوهلبرغب

أو كيف ، ن الوجود إلى واجب الوجودم :والمعنون بـ ، اشتهر به بداية السبعينياتمن هذا العنوان ، أرتكب الخطأ طبيعيا و أتخلص منه عند دراسة مراحل تطور األخالق

في دراسة مراحل كوهلبرغيتبين حرص آبل على تتبع الخط المنهجي المتبع من قبل فيا و منه ؛و كما يشير آبل أنه ؛ و من المقال ذاته يؤسس فلس، تطور الحكم األخالقي

و بالتالي ، بواسطة علم النفس التطوري، الكفاءة في الحكم األخالقي كتفسير لألفعالعلى عكس هبرماس الذي ). 1(من ارتكاب الخطأ طبيعيا إلى استنتاج القيم األخالقية منها، محاوالت حول التطور األخالقيكانت دراسته تعتمد في األساس على أعماله المعنونة بـ

فهل هذا التباين له أثر على تحديد معني أخالق المناقشة ؟ و ، ز التباين بينهماو منه يبرهل األخالق التطورية لها دخل في ذلك ؟ أم أن هناك اتفاق بينهما مثلما الزمنا اإلحساس

في ذلك عند الربط بينهما ؟لوجي، به التصور األكسيو يعارض و الذي، كوهلبرغ التبرير الحاسم المقدم من قبل لعل

المأخوذ و بشكل متفق عليه من علم النفس . أو الطبيعي الحيادي للمسار التطوري للتعلم إن التعلم الحقائق : الذي يعتمد على االقتراح األولي و المعبر عنه كالتالي ، التطوري

، منه ندرك المبررات المزعومة في التعلم. يجب أن يعود إلى نفس طريقة تعلم الكذب و ليس كمبررات حسنة أو سيئة نستحسنها أو ، ة تستجيب إلى القانون الطبيعيكأسباب فعالهي العملية ، الفكرة المقصودة هنا). 2(بل إعادة البناء من خالل الفهم و التقييم، نستقبحها

فهو يقيم ، بحيث أن الطفل يتعلم الكذب لتجنب العقاب، الطبيعية التي يقوم عليها التعلمهذا ما يتماشى مع الفكرة التي ، القدرة هي المتخذة كأساس للتعلمهذه ، ويقدر ثم يفعل

1 Apel (Karl-Otto), Discussion et responsabilité (contribution à une éthique de la responsabilité) , tr :Christian Bouchidhomme et Rainer Rochlitz , Les édition du Cerf , Paris , 1998, p :87 2 Ibid , p: 88

Page 104: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

92

ما عرف عنده باإلبيستمولوجيا . و المقترحة من قبل بياجي ، يعتمد علم النفس النمو كوهلبرغما يتميز به البرنامج المقترح من قبل ) . Epistémologie génétique(النشوئية

و ، أن القدرة على إصدار الحكم األخالقي، يةو يكون بذلك شأنه شأن النظريات العلمو ذلك وفق ، )Vérité(و بالتالي إلى الحقيقة، بتصور تجديدي يخضع للضرورة التبرير

) Justesse=Le bien-fondé(إجراء الفهم و التقدير، و يضيف إلى ذلك اإلحكام . كضرورة ثانية لديها توافق أخالقي

تعرض من خالله إلى المراحل التطورية للحكم و الذي ي، آبل في برنامجه الفلسفيكيف تتميز العالقة التي تتأسس بين تفسير علم النفس : األخالقي ؛ يطرح اإلشكال التالي

إلصدار الحكم األخالقي، و ) Ontogenèse(من خالل سلسلة المراحل النشوئية ، التجريبيترتيبه هرمية قيمية ؟ اإلجابة من حيث كونها ، بين التأسيس الفلسفي القيمى لنفس المراحل

بحيث يدافع فيه عن التوازي الموجود بين نظرية ، كوهلبرغ من المقال ذاته لـ يلتمسهاو بين النظرية األخالقية الشكلية، ، )العملية(علم النفس التطوري للتطور األخالقي

ق علم النفس و التي يقدر لها أن تؤسس ضمن أف، باالرتكاز على واقع المعايير التطوريةالمسجلة ضمن المقاييس المعيارية ، ذلك االختالف و االندماج و التكافؤ البنيوي. الشكلي

فعلى الفالسفة ، و إذا كان هذا التوازي سليم. مأخوذة من األخالق الشكلية ، و الشموليةو . الشكليين أن يدمجوا مفهوم التوازن كجزء تتشكل منه نظريتهم في األخالق المعيارية

منه يتفهم ضرورة التوافق الممكن بين علم النفس التطوري و العلوم االجتماعية و بين التأسيس ، التي لها مهام تجاه الكفاءة اإلنسانية من خالل التجديد العقالني، التفهمية

و التي هي في ، )Validité(كلزوم شمولي خاص بالتصديق ، الفلسفي للعقالنية الحاضرةو بالتالي يجعل من الكفاءة اإلنسانية حجر الزاوية بين . ة بالكفاءة اإلنسانية األصل مرتبط

، هذه الكفاءة اإلنسانية إن لم نقل أنها جوهرية. ما هو تفهمي وقيمي و شكلي و تطوري و من هذا المعني ، )Heuristique et évaluative(من حيث أنها عملية حسابية تقديرية

و منه يلجأ آبل إلى التداولية المتعالية إليجاد . بالعلوم المعرفية يرتبط علم النفس التطوريألن العلوم التي لها عالقة بالتجديد و الفهم و النشوء و كذا . مبرر لهذا التوافق

يجب أن تكون بنفس التصور الذي يلزم ، بالعقالنية اإلنسانية) Phylogenèse(النسالةفإذا تطلب . و تكون بمثابة نسالة عقالنية إنسانية ، يةالعقالنية من خالل المقترحات التجديد

التي هي األخرى ضرورة عقالنية للعلوم ، فآبل يحيلنا إلى األخالق التبريرية، األمر برهنةو منه كان على العلوم االجتماعية مبدئيا؛ و على المستوي المنهج ؛ أن تتفهم ، التجديدية

هذا ما عرف . وضع معايير أخالقية للتبرير الوعي األخالقي بالمعني الذي يسعي إلى التناقض ، و الذي من شأنه أن يفرغ إنشائيا، )المشار إليه سابقا(عنده باالندماج الذاتي

). 1(الذاتي الحاصل عند أولئك الذين يعتمدون على الغرائز و المصلحة و كذا إرادة القوةبل يستند في أطروحته على الكيفية التي تعامل ، ألصل آبل مع هبرماسفي ا ال يعترض

و الوحدة بين الطرح ، خاصة في ما يخص التكامل بين التماثل؛ كوهلبرغبها مع فعمليا و على حسب الطرح الكوهلبرغي . الفلسفي و االختبار العلمي لألحكام األخالقية

بمعني أن العلم ، تتجلي في تماثله الفلسفيو أهميته ، التصور األخالقي يعمل تجريبيا

1 Ibid , pp: 90-91

Page 105: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

93

بالبحث الفينمولوجي عن تطابقها عمليا بعلم ، بإمكانه أن يختبر الطرح الفلسفي لألخالقهذا ما دفع . إال أن هذا التطابق ال يقدم الشرعية لما يجب أن تكون عليه األخالق . النفس

على أساس التجديد ، ل هبرماسأن يقبل باالعتراض المنهجي المقترح من قب كوهلبرغ بـو على حسب آبل ، يكمن هذا االعتراض باألساس. العقالني للكفاءة في إصدار األحكام ، أين النتائج قابلة للصدق و التكذيب، االستنتاجية-أن العلوم المعتمدة على االفتراضات

ير المقترحة من الخاص بالمعاي، ال تكون كافية بالنسبة للترتيب الهرمي للتأسيس القيمىو كبديل لالختبار هو التأسيس المتعالي ، ما يقدم كاقتراح من قبل آبل. كوهلبرغقبل فاألمر و من هذه الزاوية يصبح غير . و منه يصبح الواجب األخالقي ممكنا ، القبليو هي نظرية ، ألن نظرية كوهلبرغ تفقد معناها األخالقي و تطبيقها البيداغوجي، ممكنا

في تقييمها للمبررات الخاصة بالسلوك مع فهمها، و تقديم ، دراسة سلوك اإلنسانصالحة ل ). 1(مثلها مثل النظريات العلمية التي تدرس سلوك المستهلك، تفسير علمي لها

:أساس االختالف ، ..المرحلة السادسة أ المراحل التطورية و -1و مثل ما أشير إليه آنفا، ، التطورية لعل المراحل التي أسس عليها كوهلبرغ نظريته

تتفرع منها مراحل ثانوية كلها تقوم على النظرية ، ترتكز على ثالث مراحل أساسيةالذي أسس على ترتيب هرمي ألشكال ، المعرفية التي تبين كيفية نشوء الحكم األخالقي

و توضيحا ، رو منه يذهب بهذا الترتيب إلى مفهوم العدالة المتطو. االندماج األخالقي يعتمد كوهلبرغ على الفرضيات التالية ، و المرتب ترتيبا هرميا، لهذا النشوء المتطور

: والموضحة كما يلي و هذا دائما بمنطق آبل أين يتم تبني الدور المنوط للفرد أثناء ، الحكم األخالقي يقوم على مسار تطوري -

اعي التفهمي خاصة التفاعلية و هنا إشارة إلى علم االجتم، قيامه بدوره االجتماعيو الذي اعتمد عليه كثيرا هبرماس ، جورج هربرت ميدالرمزية المؤسسة من قبل

.في تأسيسه لنظرية الفعل التواصلي هناك بنية معرفية جديدة تتماثل مع ، بكل مرحلة من مراحل تطور الحكم األخالقي -

.بياجيالعمليات المعرفية الموضوعة من قبل .مكن فهم البنية التي تفسر شكل العدالة بكل مرحلة ي - .كل مرحلة تكون أكثر شموال و توازنا من ذي قبلها -

األطفال يكونون غير قادرين على إستعاب العمليات ، آبل يري أن بمرحلة ما قبل االتفاقو بنفس المستوي األطفال . المحددة من قبل بياجي وفق منطق المبادلة و المعاكسة

و يقولون هذا أخالقي و هذا ، درين على إدراك استبدال حكم بحكم آخريكونون غير قا. فاألطفال عادة بهذه المرحلة يربطون النتائج السيئة باألفعال السيئة . غير أخالقي

ضربتني ، األطفال ال يدركون التبادل إال بالمعني التالي أعطيتني هدية أعطيك هدية. اليد اليمني باليد اليسري لدى الزميل المقابل و ليس لديهم القدرة على مقابلة، أضربك

الذي ) Heinz( هاينزفكيف يمكن إدراك الحكم األخالقي المقدم من قبل كوهلبرغ بمثال . مثال كثيرا ما تردد عند كل من هبرماس و آبل . اضطر لسرقة الدواء لمعالجة أمه

. ى أداتي و استراتيجيالطفل بهذه المرحلة يتصرف وفق تصور ساذج و أداتي أو باألحر

1 Ibid , p: 93

Page 106: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

94

و منه كانت القاعدة ، أين يوضح جوهر العدل و الصدق، استعارة للتصنيف الوبريو كذلك عند ، تقوم على مبادلة و مقابلتها بالخدمات، الذهبية لإلنجيل بهذه المرحلة

بالمرحلة االتفاقية المراهقين . الضرورة تعويض األضرار الناجمة عن األفعال السيئة أين يطلب منك ، ن و بصفة تامة ؛ القاعدة الذهبية لإلنجيل الخاصة بالمبادلة المثاليةيدركو

الطفل بالمرحلة السابقة . أن تتصرف مع اآلخرين مثلما تحب أن يتصرفون معك بينما بهذه المرحلة يسبق كوهلبرغ التسامح عن االنتقام ، يتصرف بالمثل عند الضرب

تستمر المرحلة إلى وضع القوانين المحددة لألدوار . تفاديا الستمرار الضرب المتبادلو بالتالي الحقوق والواجبات المعروفة على األكثر بالمجتمعات ، داخل النسق االجتماعي

لـكوهلبرغ ) الخامسة(ق االجتماعي و بالمرحلة ما بعد االتفاق النسب. المتقدمة صناعيا هم ؛ مسألة دفاعية لنظامهم االجتماعي التي هي بالنسبة ل، معني العدالة) الفرد(يدرك

و بنفس . ضد المجرمين و الخارجين و أعداء الخارج ) األمة، اهللا ، القانون( الخاص المرحلة يتعدي الدفاع عن القانون و النظام ؛ إلى التشريع الذي هو ضروري لوضع

الذي ، السديد و يخول للقانون وظيفة الحكم، المبادئ الخاصة بالوضعية الحسنة لألفراديجعل لذاته وسطاء بين الحق في الملكية و المصالح المعلنة من قبل عدد من المجموعات

يضيف كذلك أن هذه المرحلة هي مرحلة الفلسفة األخالقية المعتمدة بالدستور . المعارضة لماذا ال نعتبر اكتمال: و عليه يطرح آبل التساؤل التالي . الخاص بالحكومة األمريكية

فهل هناك شيئا ، هذه المرحلة نموا للكفاءة الخاصة بالحكم األخالقي ؟ و إذا تعذر ذلكناتج ، يجعلها غير مكتملة ؟ هل عدم التوازن في التبادل ضمن العمليات المرتبطة بالعدالة

عن خلل في توزيع األدوار داخل النسق االجتماعي؟ هل : ئم على إجابة طالب عن السؤال التالي من مثال قا، يستخدم نتيجة امبريقية كوهلبرغ

أن تخالف القانون و تساعد العبيد السود في الهرب ؟ ، من العدل قبل الحرب االنفصاليةيدرك الطالب التعارض بين التشريع الذي ، أمام هذا السؤال المرتبط بالمرحلة الخامسة

م قدرته في تأسيس بيذاتيا مبرزا عد. و بين و جهة النظر األخالقية ، يتميز به القانونالدافع لعدم القدرة هو الخشية من . مبدأ صحيحا يقوم على الضمير األخالقي الذاتي

). 1(وفق القوانين و النظام االجتماعي المعمول به آنذاك، الخروج عن الطاعةعلى مستندا في ذلك، ليدعم به تصوره عن المرحلة السادسة هاينزيستخدم كوهلبرغ حالة

أي اإلجابات ، و من ذلك يحدد الشكل البنيوي لإلجابة، ثالث مواقف لفالسفة افتراضيينالفالسفة الثالث كانت إجابتهم مماثلة إال من . التي تنتمي إلى المرحلة الخامسة و السادسة

تنتميان إلى المرحلة الخامسة و اإلجابة نإذ يتبين أن اإلجابتين األوليتي، الشكل البنيوي :لثالثة تنتمي إلى المرحلة السادسة ا

إال أنه ال يلزم أحدا في ما فعله، و ، الفعل ال يعد غير شرعي: الفيلسوف األول -و هنا القاضي ، )فعل زائد عن الواجب(هو فعل جيد يذهب إلى ما بعد الواجب

. إال إذا كان هناك أصوات تطالب بعدم تطبيقه ، يطبق القانون

1 Ibid , pp :96-97

Page 107: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

95

و ليس عصيانا للقانون ألن المتعة ، يري في الفعل امتثال للواجب :الفيلسوف الثاني -و كان لزاما على الصيدلي أن يتفادى مثل هذه الحالة بتقديمه ، أكثر من الضرر

.و القاضي إما يعفو عن الجاني أو يحكم عليه حكما شكليا ، الدواءألنه ال ، ابق أخالقياإال أنه مط، ليس مطابقا للقانون هاينزما فعله : الفيلسوف الثالث -

قابل للمبادلة بين هاينزفالقرار الذي اتخذه . شيء يمنع من إنقاذ حياة إنسان بينما القانون يكون . و يكون بذلك الفعل قابل أن يكون شموليا ، القانون و األخالق

الفيلسوف الثالث يستجيب للصيغة الكانطية ، )الضرورة تنفي المحظورة(محليا و الفيلسوف يفرض على القاضي . سان كنهاية في ذاته ال كوسيلة تعامل مع اإلن

فالقاضي يحكم على هاينز ، مراجعة القانون ألنه قائم على إجراء غير مكتملو تتكون هناك نقطة ). 1(و بذات الوقت يعلق الحكم بدافع عمومي مضمر، بالمجرم

الفلسفة األخالقية و بين المبدأ الشمولي المستلهم من، التقاء بين ما هو تطوريلنصل إلى تلك ، أي من تلك العمليات اإلختبارية القائمة على المنفعة. الكانطية

القيمة األخالقية التي تتفق مع المبدأ القائل أن كل شخص كنهاية لديه قيمة أخالقية و يمكن أن تكون شكلية بادعائها العدل قي . غير مشروطة بالنسبة الذي يقوم بها

الشيء الذي يجعل من المبدأ الكانطي األكثر استلهاما في ، أي حالة كانتتطبيقها بفهل المرحلة السادسة . سواء بالنسبة لهبرماس أو حتى آبل ، الفلسفة األخالقية

لكوهلبرغ ساهمت و بشكل واضح في تأسيس مفهوم أخالق المناقشة ؟ و هل لي الكانطي تأخذ أخالق المناقشة بحكم االلتقاء بين النظرية التطورية و المبدأ الشمو

تأسيسا أخالقيا كانطيا مشابها لذلك الذي رأيناه مع هبرماس ؟ :و أخالق المناقشة... ب المرحلة السادسة -1

، ليذهب إلى المرحلة السابعة، يبعد آبل المرحلة السادسة من تأسيس أخالق المناقشةرماس عندما يعتمد باألساس على التواصل اللغوي القادر على و يتفق بذلك مع هب

و بذلك يكشف مساهمتها في تكوين الضمير . حمل الصيغ التبريرية أثناء المناقشة . و بهذه المرحلة أي السابعة يكون األمر مثاليا عند اقتراحه مبدأ شموليا ، الخلقي

طريق التفاهم الحقيقي أين األشخاص بل عن ، هذا ال يكون بالتجربة االفتراضية للفردتتساوي مع كل أفراد المجتمع ، و ضمن شروط سياسية و أخالقية حرة، المعنيين

لمثل هذا التصور يوجه هبرماس تبريره نحو كانط عند تشكيله . العالمي االفتراضي ليقدم بها تصوره للقدرة على ، و منه كانت مسلمته للمرحلة السادسة، لألمر المطلق

لمرحلة نهائية ) النشوئي(هذا التصور وفق المفهوم الجيني . دار الحكم األخالقي إصو كذا ، ممكنة للكفاءة االتصالية ضمن إطار التواصل و التفاعل الواقعي لإلنسان

) Intériorisation(باالعتماد على استقاللية اإلرادة بالمعني الكانطي، والمأخوذة كإدخالهذا ما يستلهم ، بالمعني المسبق ضد الواقع ببنيته المثالية ،معكوس للكفاءة االتصالية

و المبدأ الشمولي الصادر عن التبادل اللغوي ، االختالف بين المبدأ التبادلي لألدوار. بينما الثانية تسمو إلى العالمية ، األولي تبقي محصورة بين األدوار. أثناء المناقشة

لسان آبل ؛ أن يراجع نظريته التطورية الشيء الذي دفع بـكوهلبرغ ؛ و هذا على

1 Ibid , pp :100-101

Page 108: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

96

و يقبل بالمراجعة التي قدمت ، للضمير الخلقي ،و القدرة على إصدار الحكم األخالقيأين اللغة و المناقشة تلعبا دورا أساسيا . مع تقييم المرحلة السابعة ، من قبل هبرماس

لتفاهم في بلورة القدرة على إصدار الحكم من خالل الكفاءة االتصالية و ا)Intercompréhension)(1 .(

:مفهوم أخالق المناقشة عند آبل -2لماذا : يستهله بالتساؤل التالي ، إن النص الذي يقدمه آبل ليحدد به مفهوم أخالق المناقشة

وبشكل عام نكون أخالقيين ؟ مثل هذا التساؤل صالح لإلنسان من حيث هو كائن عقالني . وهذا لكون كل اإلمكانيات العقلية تجعله يشعر بالندم و بالسعادة ، يدرك ويميز و يحكم

و ، و يشعر بالسعادة عندما ينجز عمل يرضي به، بالندم عندما يخطأ في حق اآلخرمثل هذه القيم تعود بنا إلى أرسطو و تمييزه بين الحكمة .يرضي به من طلب منه إنجازه

إذ ، نامجه االستثنائي لوضع مفهوم أخالق المناقشةإال أن آبل عندما حدد بر. و البصيرة . يشير إلى األخالق السعادة من حيث أنها لديها عالقة تبادلية داخلية بأخالق المناقشة

بينما الثانية تعتمد على العمل الميداني ، فاألولي قائمة على السببية و القيم و الفضائلفكرة التكامل بين األخالقين ؛ . هما تكاملية ومنه يجعل العالقة بين، لتأسيس أخالق معيارية

من حيث أن األخالق األرسطية وضعت الخط لتأسيس أخالق المناقشة ؛ يرجعها آبل إلى الذي جعل من األخالق شيئا جوهريا للحياة الخاصة بالمجموعات اإلنسانية ، أعمال هيجل

فالشفقة و ، ي تجريبيو من جهة أخري أخالق المناقشة تأخذ لها سند نفع. هذا من جهة بل حتى و إن ، و ليس كأساس أخالقي فحسب، العطف و المحبة تتخذ كمحفزات تجريبية

فما هو نفعي يندرج ضمن عملية حسابية نفعية خاصة . كانت صادرة عن أخالق المناقشة فهل أخالق المناقشة عنده تعتمد على األرسطية أم تميل إلى الكانطية ). 2(باقتصاد الرفاهية

؟ و هل التداولية المتعالية أساس الصحة الشمولية و أخالق المناقشة ؟ و هل هناك اتفاق بين آبل و هبرماس في تحديد مفهوم أخالق المناقشة ؟ أم هي في األصل برنامج فلسفي

قائم على التواصل ؟ و هل لها مقاصد و مشاكل أسست و جودها ؟خاصة بالمجتمعات المتقدمة ، األخالق في العالم المعاصرآبل إلى الحالة التي تعيشها يعود

و وفق . سببت عدة متاعب للبشرية، التي عرفت تطورا علميا و تكنولوجيا، صناعياتماشيا مع التطور ، النظرية التطورية ؛ سعي آبل أن يحصر مراحل تطور األخالق

يها تعدد اآللهة ؛ و بداية بالمرحلة التي عرف ف. الفكري و التقني لإلنسان المفكر و مثل هذه ، زيوسإلى مملكة ، استنادا لتلك الحكايات التي تروي خلق الكون من العدم

هزيودلصاحبها ،Théogonie عرفت عند اليونان بـ، الحكايات نظمت في أشعار)Hésiode ( ثم تليها مرحلة نشوء الديانات و الفلسفة و تشكل . بالقرن الثامن قبل الميالد

ثم تليها مرحلة العقالنية و العلم و المعرف بعصر األنوار الثانية، . ر األنوار األول عصاستنادا للتعاليم اإلنجيلية من ، أين العلم و من خالل التقنية طرح تصورا جديدا لألخالق

أين اإلنسان الصانع يضع ، و القيم المستخلصة من الميتافيزيقا من جهة أخري، جهةو يقدم آبل . كل هذا لم يكن متوقعا قبل تطور التكنولوجيا ، تمليه الغرائز حدودا بناءا لما

1 Ibid , pp :113-114 2 Apel(Karl-Otto), Ethique de la discussion, tr :Mark Hunyadi, les éditions du Cerfs, 1994, pp :10-11

Page 109: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

97

و ، المثال األول خاص بالقنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما و نكازاكي، مثالين لذلكمن هذين المثالين يتمم في . المثال الثاني خاص بالفجوة بين عالم الشمال و عالم الجنوب

و تمثل هذا الطرح بأخالق المسؤولية ، شعر بمسؤوليته نحوها طرح أخالق أين الغربو يقوم ). Hans Jonas(المستلهمة من ويبر و المعاد صياغتها من قبل هانز جوناس

خاصة عندما يشعر اإلنسان ، من خالل مبدأ االعتراف الذاتي، تصوره على المستقبليات قصوى شأن ذلك شأن الوالدين و يعتبرهما كنها، بمسؤوليته تجاه النبات و الحيوانات

). 1(ميتافيزيقي-هذا التصور مبني على أساس أنطولوجي، نحو أوالدهملمثل هذه الوضعية يضع له ، الجواب الخاص بأخالق المناقشة و المقدم من قبل آبل :مجموعة من اإلسنادات الفلسفية و الملخصة بالنقاط التالية

من حيث أن الفكر وحده يدرك ، )Solipsisme(انة المنهج التصوري القائم على األن -و إضافة إلى ذلك التعالي الذي يحدد العالقة بين الذات و الموضوع و هي ، تصوراته

. عالقة تعود إلى هوسرل و منه تطرح العالقة بين االتصال اللغوي ، الفهم الذي يقوم على اللغة و االتصال -

.و التفاهم .س باالستنباط ؛ من حيث هو بديهي و شعور حر خالي من كل تأويلفهم الفعل المؤس -العقالنية التي ترتكز على أنموذج منطقي رياضي المتضمن ؛عالقات تطبيقية تدخل في -

. و اإلستراتيجية ، التقنية و األداة، سياق التفاعالت اإلنسانية ؛ كالوسيلة و النهاية .األخالقية الشمولية التأسيسات الفلسفية المثالية للقيم -

من خالل هذه اإلسنادات يوضح آبل الكيفية التي تتأسس بها أخالق المناقشة على التداولية فمن اإلسناد األول و الثاني ؛ أو ، كعمل يتضمن اإلجابة المشار إليها من قبل، المتعالية

ن خالل نتمكن من توضيح العالقة بين الذات و الموضوع م، المقترح األول و الثانيمن اللغة و التواصل اللذان ) Co sujet(الفكر و المعرفة ؛ و كذا العالقة بين الذات و اآلخر

أي عالقة تضمن ، ال يعتبران كوسائط ضرورية ضمن العالقة بين الذات و الموضوعبل كوسيلة لتمكين العالقة دون تحويل العقالنية العلمية بالعقالنية القيمية ، حقيقة المعرفة

يبدوا . ألنها تتم ضمن نقاش فلسفي متعالي يكمل العلمية بالوجودية ، حيادية لألخالقالالإذ من غير الممكن أن تتحول العالقة المتعالية فلسفيا و تثبت العالقة ، األمر صحيحا

بالقيم األخالقية الحيادية القائمة على التذاوت، دون استخدام المجمع ، المعرفية العلميةمن هنا كان اقتراح المجمع اللغوي العلمي الموجه باألخالق ). 2(لياللغوي والتواص

بحيث يري بأن المجمع ، و هي الفكرة التي دافع عنها بيرس. المعيارية غير قابال للرفضأين ، و هي ضرورية من وجهة نظر التداولية المتعالية، العلمي يفترض أخالقا معياريةمثل هذه األخالق تكون لها . المصلحة العامة و تدافع عن، تبتعد عن المصلحة الشخصية

البنية التي تتوسط بواسطة اللغة المجمع التواصلي، . مصداقية من شأنها أن تكون عالمية قصد ، أين يتم تداول التبريرات من أجل تصديق االقتراحات المثارة بين ذوات متعددة

ى حسب تصور آبل إلى و منه نصل و عل، تحقيق أدني اتفاق حول المشاكل المطروحة 1 Ibid , pp : 31-32 22 Ibid , pp : 36-37

Page 110: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

98

ومنه . من حيث أن الفكر هو التبرير ، النقطة غير المتجاوزة بين الفكر و التبريرنستخلص الشروط المعيارية الممكنة للتبرير التي تصدق المبادئ األخالقية بصفـة

.شمولية لسفة من خالل مقدمة أولية للف) indépassabilité(آبل يحاول أن يوضح مفهوم الال التجاوز

و اإلرادة ، الخاصة بديكارت و كانط " أنا أفكر"خاصة تلك التي تقوم على ، الكالسيكيةلمثل هذه األطروحات . و الحياة بالنسبة لدالتاي ، الخاصة بشيلج و شوبنهاور و نيتشه

و المتمثل في المنهج ، من حيث المنهج المعتمد بينهم، يمكن أن تتالءم في ما بينهاغير أن الحصول على الال التجاوز بهذا ). Solipsisme(على األنانة التصوري القائم

أو حتى األنانة العملية ، من حيث أن االستنتاج أو االستنباط، المنهج يصبح غير ممكناالذي ال يقوم إال ، بينما التبرير هو الفكر في حد ذاته. العقلية قائمة على الفكر في ذاته

بل يقترح مجموعة من القيم لمجموعة من الفئات تلزم المناقشة، آ. على التداولية المتعالية التضامن بين كل أفراد . كالعدل و التساوي بالحق في المناقشة بالنسبة لكل المشاركين

تفرض المناقشة الخاصة بالمشاكل التي ، و المسؤولية الجماعية كقيمة أساسية، المؤسسةمنه . إال قيمة جماعية اعترف بها إراديا و كذلك االعتراف الذي ما هو ، تتطلب حلوال

متمثال في كيف يمكن أن يكون اإلنسان خاضع لنفس ، كان المشكل األكثر طرحا عند كانطمن االقتراح . و الذي وجدت له حال التداولية المتعالية ، القانون األخالقي الذي شرعه

األولي متمثلة في الصعوبة، الكانطي ذاته آبل يستدرج صعوبتين حتى يبرر هذا الحلو أن اإلنسان كوجود في ، التعارض الذي يقع فيه كانط بين عالم األفكار و عالم التجريب

الصعوبة الثانية تمشكل الال تجاوز . ذاته يفترض أنه حر غير خاضع ألي قانون أخالقي )indépassabilité (تجاه و بهذا اال ، الذي يستوجب رفضه، المرتبط بالإلعتراف الذاتي

و كي نستوعب جيدا مفهوم الال تجاوز من وجه . العقل التواصلي يستوجب المراجعة المناقشة بوسعها أن تقدم الجواب لماذا . نظر قائمة على المناقشة و كاعتراف لزومي

و منه ندرك أن آبل ، و تجيب كذلك على السؤال لماذا نكون عقالنيين، نكون أخالقيينو ذلك باالعتماد على المنهج ، و أنهما غير قابلين للتجاوز، لتبريريساوي بين التفكير و ا

أين المشاركين بالنقاش ال يلجئون لتلك البديهيات ، التداولي القائم على اللسانيات التداوليةبل باالعتماد على بديهيات ، المقوم من قبل الفلسفة الكالسيكية، الخاصة بالوعي في ذاتهأين نتمكن من بناء تناقض ذاتي إنشائي ، )jeu de langage(للغة تداولية قائمة على لعب ا

و منه كان إدراك ). 1(و نعيد مساءلتها من جديد، مرتبط بالتعارض الخاص بالمقترحاتالقيم األساسية كالعدل و التضامن و المسؤولية الجماعية، إدراكا أخالقيا توجه من خالله

كذا النشاط الحياتي و من هنا أخالق المناقشة تصل و ، كل عملية التبرير بواسطة المناقشة ).2(إلى حدها المعرفي عند آبل

هو ذاك التمييز الذي قام به بين أخالق تلين الفعل ، أحسن استنتاج نصل إليه مع آبلاألولى و مثل ما . و بين أخالق تضع المصالح الفردية في تصادم ، وتجعله قابل للمناقشة

و كذلك ، و الثانية تتماشي مع األمر الشرطي، مع األمر المطلقأرادها هبرماس تتوافق المبرر الذي يقدمه هو أن المشاركين في النقاش ال ) . نهاية –وسيلة (مع الثنائية الويبرية

1 Ibid , pp : 48-49 2 Ibid , p : 50

Page 111: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

99

و وفق ، إال إذا كان نقاشهم موجه بالعقالنية اإلستراتيجية، يصلون إلى مصالح ذاتيةمثلما هو الحال بالنسبة ، ة حوار تبريري يحقق نهايةالثنائية الويبرية التي تطرح إمكاني

تقارب بين ، بينما الحالة األولى من هذا التمييز. أين نهايتها متمثلة في الربح ، للتجارةمثل هذا التقارب يجعل ، عمليتين عملية قائمة على التعاون و عملية قائمة على المناقشة

أمام هذا . يقوم التفاعل بالعالم المعيش أن، إمكانية تأسيس حوار تبريري موجه بالقيمتستوجب االلتزام و النزاهة لمصلحة غير مشروطة، و ، الوضع المصلحة ذات أمد بعيد

من هذه المقارنة نستنج كذلك قيم العدل . هنا نكون أقرب للتصور الكانطي لألمر المطلق هذه القيم تتماشي مع القيم مثل، و التضـامن و المسؤولية الجماعية و الحق في المساواة

بالمقابل هناك قيم الغش و التحايل و الخداع و التطفل التي تتماشي مع الويبرية . الكانطية و حتى نكون منصفين مع ويبر فله شأن آخر مع األخالق خاصة ( ،من خالل ثنائيتهلذي يسعي إلى في توجيه الرأسمالية أين يميز بين الرأسمالي النبيل ا، أخالق البروتساتنية

من ، و الرأسمالي النشط الذي مصلحته تتجه نحو تحقيق المصلحة العامة، جمع األموالو هذا وفق التمييز الذي أقامه بين الفعل موجه ، خالل الزيادة في اإلنتاج المحققة للفائدة

و به يتقارب إجرائيا مع مفهوم المصلحة ، نحو الهدف و الفعل الموجه نحو النـهايةو عليه يصبح من الضروري أن يتدخل طرف آخر ، )مة لهبرماس و كانط العا

هذا . يوجه النقاش و يضع حدودا لهيمنة طرف على طرف آخر ، )chairperson(كرئيسليحل الصراع بين المتخاصمين حول رغبة ، الرئيس هو شبيه بالثالث الذي طرحه هوبز

بادراك العقل السليم المدعم بقوة و ذلك ، و بالتالي يضع حد لذئبية اإلنسان، مشتركةحل النزاع بين المتخاصمين بالنسبة آلبل واجب ) . 1(الروح للقانون و هذا كله إلهام إلهي

و منه كانت القيمة األساسية ألخالق المناقشة و المدعمة لها تطبيقيا هي أخالق ، أخالقيإذا كان مثل . )2( القانون بدولة و ممارسة قيمها بشكلها المثالي ال يتحقق إال، المسؤولية

فما طبيعة العالقة الموجودة بين أخالق المناقشة و دولة ، هذا الشرط المقترح من قبل آبلفمن يقدم له ، القانون ؟ و أذا كان تدخل الرئيس في توجيه النقاش و الحد من الهيمنة

؟ أم أن أثناء الشرعية ؟ هل بالديمقراطية ؟ أم يستلهم الشرعية بمعايير قد تكون إلهية المناقشة توضع المعايير لتنصيب الرئيس ؟

: خالقية ألخالق المناقشة األاألفق -3من حيث أنها ارتبطت بقيمتي الخير و قيمة ، لعل ما يثير السجال حول مسألة األخالق

و شق عملي مثل ، ظري عرفت عند اليونان باإلتيقاففيها شق ن، الشر و الموجهة للسلوكو تواصل السجال كما ، عند الرومان موراليسما ذهب في ذلك شيشرون وعرفت بالـ

و هنا يحدث االتفاق مع ، أي كل ما هو مرتبط بالنشاط اإلنساني، براكسيسرأينا إلى الـن الرضي تحقيقا ومنه كا، أرسطو ؛ بحيث ربط اللذة في إنجاز العمل و تحقيق الرضي

و عليه كان أرسطو أقرب إلى الفالسفة المسلمين الذين استلهموا . للمصلحة بشكل عام فشرعا المصلحة ، و عملوا على التوفيق بينها و بين المقاصد الشرع، فلسفته األخالقية

من حيث أن المصلحة وكما جاء في المعاجم ضد ، قامت عليها األخالق اإلسالمية

1 Thomas Hobbes. Le citoyen, Introduction et présentation de Simone Goyard - Fabre, Edition . G.F.Flammarion, 1982, Chapitre 1, § 6, p p : 96-102 2 Apel(Karl-Otto), Ethique de la discussion , Op-cit, p :75

Page 112: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

100

و عرف عند ، و ما يبعث عن الصالح، ما يترتب عن الفعل منفعة و هي، المفسدةو الثاني ما ، تعريف مجازي يشير إلى السبب الموصل إلى المنفعة، الفقهاء بتعريفين

و الشارع ال يوافق اللذة النابعة عن ، يترتب عن الفعل من لذة أو منفعة أو خيرا أو حسنة، و )1(من حيث أنها أفعال ثمارها مترتبة في ذاتها بل قدرها على حسب نتائجها ، النفوس

:المصلحة من هذا التصور ثالث أصناف ما قامت الشريعة على رعايتها و أمرت بتحصيل أسبابها : مصالح معتبرة -

و ثمارها خاصة ما كان ضروري لقيام الحياة و تقوم على المحافظة على الديـن .سل و النفس و العقل و المال و الن

مثال ذلك الفتوى ، ما ألغيت من قبل الشارع الختالطها بالمفسدة: مصالح ملغاة -لما أفتي أحد ملوك عصره عندما واقع امرأة في شهر ، التي أفتي بها يحي بن يحي

، دون أن يفتي على المذهب الشافعي، بأن يكفر بصوم شهرين متتابعين، الصياملكن حمله على أصعب األمور حتى ، الصيام الذي يخير فيه بين العتق و اإلطعام و

بالرغم أن الحادث سن في ما شبهه . و هي في ذاتها مصلحة ، ال يسهل تكرارهعندما ، "أعتق رقبة " حكما حينما قال لألعرابي ) صلي اهللا عليه و سلم(الرسول

" . أطعم ستين مسكينا" و لما تبين عسر ذلك قال ، "صم شهرين"تبين عجزه قال و بالتالي يقع على النساء متى شاء في ، أن الملك كان بمقدوره اإلطعام و العتقإال

، لعل المصلحة لم تتعدي إال صاحبها. شهر الصيام ،و منه إباحة حرمة الصيامفي التوسيع عن الفقراء أو ، بينما الخيارين اآلخرين كانت المصلحة تتعدي غيره

.تحرير الرقاب و ال يوجد لها ، ثبت شرعا في اعتبارها أو إلغائهامصالح لم ي: مصالح مرسلة -

). 2(نظير مما نص حكمه أو أجمع عليه حكمه بطريق القياسبحيث ذهبت فرقة منهم في إثبات حجيتها ، وقف األصوليون على المصلحة المرسلة

و بالتالي نفوا القياس ، و منهم من رأي عدم العمل بها مطلقا، و العمل بها في محلها ، منهم من نفي بحجة عدم وجود أصل ليقوم القياس. اعتمدوا على النصوص و

بينما هناك من وضع تقديرا . و بالتالي نفوا اإلجماع الذي هو أصل من أصول الفقه و إن لم تكن ألغيت و بهذه ، فإن كانت صحت المصلحة، يلتمس الضرورة و الكلية

ألنها في ضرورتها أن تحافظ على ، هاال تعد من المصالح المتنازع علي، القيودغير أن . ضرورة من ضروريات الخمس الدين و النفس والعقل و النسل و المال

و النصوص لم تستوعب . المشرع راعى المنفعة و جلبها للناس و دفع عنهم المفسدة و لو تم الوقوف ، جميع المصالح تفصيال ألنها متجددة بتجدد الزمان و اختالف البيئات

و هو خالف الشريعة ، لضاعت عدة مصالح عن الناس، ند المصالح التي بها أدلةعو ، و منه بات من الضروري اإلبقاء على بابها مفتوحا. التي جاءت رحمة للعالمين

يذهب بعض األصوليون إلى تلك االجتهادات التي قام بها الصحابة دون االستناد على

المقدمة التعريفية باألصول و أدلة األحكام و قواعد االستنباط الدار الجامعية : الجزء األول ، أصول الفقه اإلسالمي، )محمد مصطفي(شلبي

1 295-294: ص ص ، 1982، الطبعة الرابعة، للطباعة و النشر300- 298: ص ص ، المرجع نفسه 2

Page 113: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

101

و زيادة األذان األول للتنبيه لصالة مثل جمع المصحف خوفا من ضياعه، ، حكم ).1(الجمعة و كان إجماعا منهم على اعتباره أصال من أصول التشريع

بخالف عن ما ورد فيها نصا ، يدرك مما سلف أن تقدير المصلحة يحدث بها اختالفمما يدفع إلى وضع المسألة ضمن ، ذلك يعود للتنوع و التعدد، أو تقديرها قابل للقياس

و من ذات . أو بالمعني األصولي إحداث إجماع فيها ، ولي إليجاد حكم فيهاسياق تداالسياق يمكن استدراج وحدات معرفية ترتبط بالوحدة المعرفية المعرفة سلفا بالمصلحة

فالمصلحة التي يترتب عنها منفعة تتقارب بالمفهوم ، و التي يتفق معها الشرعو تتقارب كذلك المنفعة . س برجوعه إلى كانط اإلجرائي مع تلك التي تكلم عنها هبرما

فالمصلحة من ، مع ما جاء عند أرسطو بما جاء به الشرع، اكمصدر للذة عند إنجازهلذا نجد جملة . جهة النتائج المترتب عنها تقترب من الصناعة التي تكلم عنها أرسطو

، من حيث الفالسفة المسلمين الذين استلهموا أفكار أرسطو يتكلمون عن الصناعةو عليه تطرح وحدات معرفية على ، ارتباطها بالبصيرة أو إن صح المرادف بالتعقل

و منه يمكن ربط الصناعة . سبيل المقاربة ،ترتبط بوحدة جوهرية و هي المصلحة بحيث نضع حلقة بين ، بالعقالنية و اإلنجاز بالفعل و الجدل بالنقاش و التقدير بالقدرة

الذين جمعوا بين أرسطو و كانط و طرحهم ، األرسطيين الجدداألرسطيين المسلمين و و مثل ، و هذا العمل سيطرح صعوبة جوهرية من حيث أن الشرع. ألخالق المناقشة

بغية ، ما عمل ابن رشد على توفيقه بين ما حمل الشرع و ما حملت الفلسفة عامةعليه كان تصنيفه للناس و.الوصول إلى الحقيقة كقيمة يطلبها الشرع و تطلبها الفلسفة

وهو عند ، فمنهم من يدرك بالخطابة و منهم من يـدرك بالبرهان، إلى ثالث مراتبو هنا . و منهم من يدرك بالجدل ، البعض صناعة و عند البعض قياس أو استنباط

إذ نجد اتجاهين اتجاه يريد الوصول إلى ، تطرح الصعوبة عند مقاربة الجدل بالمناقشةة تثبتت صحتها بالمناقشة ،و اتجاه يضع األحكام الشمولية المثبة شرعا أحكام شمولي

حتى ال يزيح عنها و يناقش األحكام التي من شأنها أن تحافظ على ، كنبراسالدين و النفس والعقل و النسل و (التي ال تتنافى مع المصالح األساسية ، المصلحة

أحوال الناس و طرح إمكانية إيجاد إال أن و باعتبار التغير الذي يطرأ على) . المالقدرت المنفعة عدديا أي . أحكام تقديرية للمصلحة التي تعود على الناس بالمنفعة

شملها عدد أكبر من الناس مما يحكم بإباحيتها ال حضرها، بالرغم من عدم ورود نص و عليه ، وعملية التقدير عملية عقلية محضة تندرج ضمن ملكات العقل، شرعي لها

. كان العقل أساس التشريع و االجتهاد معا . إذا ما اعتبرت المعقولية القدرة على الكالم ،و استخدام اللغة للتفاهم وبالتالي التذاوت

و يكون قاصد المشاركة في ، أين يكون كل فرد ملزم عليه أن يستخدم فعل الكالمتخدم صيغ تعبيرية مبنية بحيث يس، و بذلك يكون تفكيره قابل للفهم و التفاهم، ألتفاهم

و بذلك يتم التداول إلى الوصول إلى قيم قابلة . على منطق لغوي مشترك بينهم فإذا . للتصديق و تصبح شمولية ،و هو المبدأ الذي أضافه هبرماس ألخالق المناقشة

أو الفئة التي تدرك مقاصد الشرع بالجدل كما هو الحال عند ، ما قابلنا المناقشة بالجدل

304- 301: ص ص ، جع نفسهالمر 1

Page 114: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

102

، فهؤالء و كما عرفهم بفصل المقال بأنهم أناس يدركون األحكـام بالجدل، رشد ابنو قد خص فيهم المتكلمون و ، وإدراكهم هذا يكون باستخدام القياس الجدلي

هنا لسنا ملزمين بالتحدث عن المعادين للفلسفة بل بالذين . المعادون للفلسفة ل حجة أو مبرر مقابل مبرر الذي كثر أين يتم مقابلة الحجة مقاب، يستخدمون الجدل

و جاء من أمثال الجدل بالقرآن الكريم الذي حمل معنيين ، استخدامه عند المتكلمينو لقد صرفنا في القرآن للناس من كل : "معني اإلنكار مثلما هو الحال باآلية التالية

أكثر شيء ني اإلثبات و و مع، )54الكهف اآلية سورة "( جدالمثل وكان اإلنسان ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و" التأكيد كما ورد باآلية الكريمة

و ال " و منه ما جاء كذلك ، )125سورة النحل اآلية ( ...جادلهم بالتي هي أحسنو عليه ). 46سورة العنكبوت اآلية ...(هي أحسنأهل الكتاب إال بالتي تجادلوا

و هو منطق خصه ابن ، ذين المعنيين أن الجدل يتضمن النفي و اإلثباتنستدرج من هوجب إبطالها و استبدالها بما هو أحسن ، رشد فئة من الناس التي لديها أحكام مسبقةفالشرع و العقل يميالن إلى المستحسن ذلك ، بمعني ما هو مستحسن الذي يقابله بالقبيح

معرفة آداب " و كما ورد عند ابن خلدون هوو الجدل بشكل عام . لميلهم إلى األحسن وقيل فيه إنه معرفة بالقواعد، من ...المناظرة التي تجري بين أهل المذاهب و غيرهم

من قول ). 1"(الحدود و اآلداب في االستدالل، التي يتوصل بها إلى حفظ رأي أو هدمه يبني عند ابن ، نابن خلدون يدرك أن المقاربة بين الجدل الذي خصه ابن رشد للمتكلمي

و القصد بالقواعد ما يمكن من ، هدفها إثبات الرأي أو هدمه، خلدون على قواعد أدبيةو االتفاق عليه ليصبح عاما ويشمل عدد أكبر ، استمرار المناظرة لغاية إثبات الرأي

و هنا ال نلتمس فرقا ، و عليه ارتبط الجدل باآلداب و االستحسان، من الذين يؤيدونهقواعد الموضوعة من قبل كانط و المستلهمة من قبل هبرماس، و قواعد بين ال

جدل الموضوعة من قبل ابن رشد ،و المبينة من قبل ابن خلدون و المستلهمة من . الشرع

:والجدل علم الكالم-أ-3أنه علم يتضمن الحجاج عن العقائد اإليمانية " ابن خلدون علم الكالم بقوله يعرف

و الرد على المبتدعة المنحرفين في االعتقادات عن مذاهب السلف ، العقليةباألدلة و بالتالي هو منهج ، بهذا المعني يتضمن الحجاج أساس الجدل) . 2"(وأهل السنة

و يتبين من خالل عملية تأريخ علم . المتكلمين الذين استخدموه للفصل في خالفاتهم أن الخالف كان أساس الكالم بداية ، ن أسسوهالكالم و المسائل التي خاضها رواده الذي

خاصة عندما تم ، ،و اشتدت صالبته عند اعتماده منهجا به يتم مقابلة الحجة بالحجةإذ عرف عند ابن خلدون بأن الشارع قد ، خوض مسألة التوحيد الذي ارتبط باإليمان

ن و يستند في بأنه تصديق بالقلب واالعتقاد باألنفس و اإلقرار به باأللس، وصفه لناأن تؤمن باهللا و مالئكته وكتبه و رسله " ذلك لقول الرسول عليه الصالة و السالم

استنادا لما ورد عن ابن خلدون ). 3"(خيره و شره : و تؤمن بالقدر ، و اليوم اآلخر

1 362:ص، 2002، 8لبنان، ط - ابن خلدون، المقدمة، دار الكتب العلمية بيروت 363:ص ، المصدر ذاته 2 366:ص ، المصدر ذاته 3

Page 115: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

103

غير أن هذا ال ، يتبين أن علم الكالم أنه حجاج للدفاع عن العقيدة و إثبات وحدانية اهللا، التي دفعت المتكلمين للدفاع عن شرعيـة الخالفة، ي أننا نستثني المسألة السياسيةيعن

، و فريق )و هم أهل السنة( و ظهور فريق يري في الخالفة مسألة تتم بالمشاورة ) . وهم أهل الشيعة (يراها تتم بالتعيين ؛ و من أهل الرسول صلوات اهللا عليه وسلم

، أن الخالف كان على مستويين، ا نقل عن مؤرخيهمنه كانت ممارسة الكالم كمو ، و المستوي الثاني ارتبط بالخالف الذي خص األصول، المستوي تمثل في الخالفة

أي ما يطابق عهد عبد الملك بن ، يحدد الشهرستاني تاريخ بدايته بآخر أيام الصحابةفعاله الخير منها و أين ظهرت القدرية التي تقول بقدرة اإلنسان على القيام بأ، مروان

يستمر األمر إال أن . على عكس القول بالقضاء و القدر. الشر منها و تحمله مسؤوليتهاو ما يعرف عن مشايخ ، تتأسس المعتزلة على يد واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد

المعتزلة أن لهم اطالع على كتب الفالسفة ،و اختلط منهجهم بمنهج الفلسفة و تعلموا و هذا ما أكد عليه ابن خلدون عندما ذكر أن الطريقتين قد اختلطتا عند ، )1(فنونها

، من منطق و قياس و بالغة) 2(و التمست مسائل الكالم بمسائل الفلسفة، المتأخرينخاصة ما ، التي أسهمت في تكون فن البالغة تأثرا باألفكار اللغوية التي قدمها أرسطو

. قبل العصر اإلسالمي كتاب العبارة ألرسطو نقل عن الفرس والسريان الذين درسوا ،و الذي عرف بعض اإلضافات من قبل ) έρµηνείας-περρι(الذي هو ترجمة لكتاب

) έρµηνείας(بينما كلمة، تعني حول) περρι(فكلمة ، )3(الرواقيين و األفالطونيين الجددالهرمنتيقا و منه أتت ، )هرمس= έρµής(و هي كذلك مشتقة من كلمة ، تعني التفسير

أهي في ، و التي قام حولها جدال ، أو ما عرف عامة بالبالغة، أي الفهم و التأويل. مما أدي إلى ظهور علوم مرتبطة باللغة كالنحو و العروض . اللفظ أم في المعني

و إال كان حجاجهم في المسائل ، اشتد حابل علم الكالم بالقدرة على التحكم باللغةو عرفوا ، فانتسجت الصلة بين الفلسفة و اللغة وعلم الكالم ، المرتبطة ضعيفة

فهل الجدال الذي عرف عند المتكلمين اعتمد . بمتكلمي العصر األخير أو المتأخرين على اللغة أم اقتصر على المحاججة ؟ و هل طرح مسائل اشترك بها مع الفقهاء مثل

لتي عرفت عند الفقهاء بالمصالح االستحسان و االستقباح و الدفاع عن المصلحة كاالمرسلة ؟ و هل مثل هذا الجدل يصل إلى وضع قيم شمولية كالتي أراد تأسيسها كل من كانط و هبرماس و آبل ؟ إن طرح مثل هذا الفرض يجعلنا نطرح مسألة المصلحة

و كيف عولجت عند المتكلمين ؟ و كيف كانت مكانة اللغة عندهم ؟ة االستحسان و االستقباح عند الشهرستاني بالقاعدة السابعة وردت المصلحة على طريق

إذ يقول أن مذهب أهل الحق يري أن ، عشر في كتابه نهاية األقدام في علم الكالمعلى معني أن أفعال العباد ليست صفات ، العقل ال يدل على حسن الشيء و قبحه

و معني ، على فاعله فمعني الحسن ما ورد عنه الشرع بالثناء، نفسية حسنة و قبيحةاللذين يرون أن ، و هو بذلك يخالف المعتزلة. القبيح ما ورد عنه الشرع بذم فاعله على معني أنه يجب على اهللا الثواب و الثناء ، العقل يستدل به حسن األفعال وقبحها

13ص، مصدر سبق ذآره، الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملة، ابن رشد 1 369:ص ، ابن خلدون مصدر سبق ذآره 2 المؤسسة الوطنية –الدار التونسية للنشر ، نقله إلى العربية و علق عليه محمد عبد الهادي أبو ريده، تاريخ الفلسفة في اإلسالم) ج.ت( دي بور

3 77-76: ص ص، الجزائر–للكتاب

Page 116: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

104

و األفعال على . على الفعل الحسن ،و يجب عليه المالم و العقاب على الفعل القبيح ثم ما ، سية من الحسن و القبح و إذا وردت الشرع بها كان مخبرا ال مثبتا لهاصفة نف

و يعارضهم في ذلك عندما يرجع المسألة إلى أبو الحسن ، يدرك عندهم بالنظربدليل لو قدر على اإلنسان قد خلق تام الفطرة كامل العقل دفعة ، األشعري و أهل الحق

ة قومه و تأدب بأدبهم و تعلم من معلم قواعد واحدة من غير أن يتخلق بأخالق و تربيثم عرض عليه أمران أحدهما صادق و اآلخر كاذب يستلزمان الثواب و ، الشرعو ). 1(ما تمكن من ترجيح أحدهما بالعقل وحده لو لم تلزمه تلك التربية، العقاب

د من فعل فكان الب، يدرك من المعني ذاته أن العقل وحده غير كاف في اكتساب القيمهذه . التربية و تحصيل المعرفة و اكتساب القدرة على التمييز بين الحسن و القبح

إال أن الجوهر يقر ، القدرة إن ظهر بها اختالف بين المعتزلة من حيث العرضلذا استلزم على المتكلمين و الفقهاء القول ، بضرورة العقل في عملية اإلدراك و التمييز

و بالتالي التناظر في ترجيح المصلحة و المنفعة ، ن طريق االجتهادبالقدرة ،إما من عأو ما ورد عند المتكلمين من خالل الجدل و تحكيم العقل من حيث أنه مقدرة ، للناس

و هذه المقدرة ليست فطرية بل تكتسب و يتمرن العقل على التمييز بين . على التمييز يبرر الفرض أن القدرة في إدراك كل هذا من شأنه. ما هو صالح و ما هو طالح

و كما ورد عند الشهرستاني أن الصدق إخبار عن أمر على ما هو ، الحسن و القبحو منه كان اإلخبار ما . عليه و الكذب هو إخبار عن أمر على خالف ما ورد عليه

فهل لمثل هذا العلم تدخل في ، يحمل المعني و الداللة المندرجة ضمن علـوم اللسانمع اكتساب القدرة على التمييز بين الحسن ، ة القيم بداللتها و التمكين من إدراكهاتعبئ

و القبح ؟ و هل يمكن مقاربة علوم اللسان بفعل الكالم بعيدا عن الفقهاء و المتكلمين ؟ أم أن المعرفة تقتضي المعرفة باللغة ؟

و تلك العبارة فعل ، قصودهيذكر ابن خلدون في تعريفه للغة أنها تعبير المتكلم عن مو ). 2(و هو يقوم على ما اصطلح عند كل أمة ، لساني ناشئ عن القصد بإفادة الكالم

الذي يعتبره محدث في الملة و هو من العلوم اللسانية ، يضيف عن علم اللغة علم البيانر التي و ذلك من األمو. و يقصد به األلفاظ و ما تفيده، ويقصد به الداللة على المعاني

و الداللة هي ، و المفردات أو األلفاظ تسند و يسند إليها، يقصدها المتكلم إلفادة السامعالمفردات من األسماء و األفعال والحروف ويسند إليها اإلعراب و أبنية الكلمات و

مما يحتاج للداللة على أحوال المتخاطبين و . تعرف بصناعة النحو الجملتين متغايرتين بالمعني فمعني األولي ، قول زيد قائم و أن زيدا قائمفال، الفاعلين

منه يمكن إدراك فعل الكالم الذي يقصده ). 3(أنه خالي الذهن و الثانية تفيد الترددوفق القوانين النحو المتعارف عليه في اللغة ، المتكلم من اختيار المفردات و صياغتها

و بالتالي نكون أقرب من الفعل الكالم ، على اإلعراب و اإلبانةالتي هي قائمة ، العربيةالذي تعرضنا إليه من قبل مع أوستان و كيف استثمر من قبل هبرماس عند تأسيسه

فهل هذا التقارب بإمكانه أن يؤسس صيغا تواصلية تتيح اإلمكانية . للفعل التواصلي

1 372- 370: ص ص ، مكتبة الثقافة الدينية، حرره و صححه ألفرد جيوم، آتاب نهاية األقدام في علم الكالم، الشهرستاني 469:ص ، ابن خلدون مصدر سبق ذآره 2 473:ص ، المصدر ذاته 3

Page 117: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

105

ي و بالتالي االبتعاد عن العنف و للمتكلم أن يعبر عما يقصده لتحقيق التفاهم البيذاتاالضطهاد الذي عرفه المتكلمين و الفقهاء أين يكون احدهما مقرب للسلطة ؟ و هل

باإلمكان أن يكون الجدل الخارج عن المرجعيات الشرعية المحافظة على الديـن و أي دون إكراه في الدين و دون قتل النفس بغير حق، النفس و العقل و المال و النسل

و دون إلجام للعقل و دون إتالف للمال و المحافظة عليه و إكثار الرزق و المحافظة على النسل بالتكاثر مثل هذه الفضائل أال يمكن تصل إلى الشمولية باالتفاق على معنى

أو داللة تمكننا من ذلك ؟

: الثالث المحور

Page 118: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

106

و تحقيق العدالة ةممارسة الديمقراطي س ــالملكيات و نؤس على الضعفاء و كذلك الضغط رفـعيجب أن نتوحد لكي ن"

ا، تحكمها علىبدل أن نوجه كل قوتنا ضدنا، فلنجمعها في سلطة ) …(ة والسالم ـالعدال " ى حكمة القانونـبمقتض

Rousseau, Discours sur l'origine et les fondements de l'inégalité parmi les hommes, P107

: و يقول المتنبي ذا عفة فلعلة ال يظلم و الظلم من شيم النفوس فإن تجد

سبق من خالل النقاش أو المناظرة التي دارت حول مفاهيم مثل ما يمكن استخالصه مماو من ، الخير و الشر و السعادة التي تتحقق من الخير األسمى و بتوجيه من البصيرة

الصناعة التي استلهم مبدؤها من أرسطو و أخذت مركزا في الفلسفة الغربية المعاصرة لحياة العملية أو النشطة التي تقابل و قولهم با، خاصة عند من عرفوا باألرسطيين الجدد

و هو التقسيم الذي . التي هي الحكمة عند أرسطو كأساس للتفكير النظري ، الحياة التأمليةوقوله بالميتافيزيقا ، بقى وفيا له كانط عندما صنف العقل العملي و العقل النظري

كمبدأ شمولي ، و صوال إلى األمر المطلق، األنتروبولجية كمصدر لمفهومه لألخالقو . و هو المبدأ الذي استلهم من قبل هبرماس لتأسيس أخالق المناقشة بمعية آبل، أخالقي

من خالل البناء الحسن ، كأساس لغوي لتوجيه المناقشة، اعتمادهم على التداولية المتعالية .التي عرفت عند المسلمين بالحجة كأساس المحاججة أو الجدل ، للتبرير

حتى على مستوي التنظير ، ال يأخذ مكانا في التفكير الفلسفي المعاصركون أرسطو ال زو هو . من خالل التفكير في األسس التي تبني عليها العدالة و الديمقراطية ، السياسي

مع تكون فيه ملكتين أخالقيتين األولي تصوره ، الطرح الذي استلهم في توجيه المدني

Page 119: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

107

ا التمكين ال يتحقق عند البعض إال بتوضيح الحقوق هذ. للخير و الثانية الشعور بالعدل فالحريات . كشروط اجتماعية لتحقيق التقدم الشامل ، و الحريات األساسية للمدني

السياسية و تساويها عند المدنيين و إدراجها ضمن حرية التفكير و تكوين الجمعيات، رك العالقة بين الحرية السياسية منه ند. تشكل ضمان للملكات األخالقية كأساس للحرية

من باب أن العدل و المساواة يتحققان في ظل نظام سياسي ، و األخالق ةكمبدأ للديمقراطيمثل هذا النقاش يستند على أخالقيات تعتمد . يضمن النقاش العام داخل فضاء عمومي

الم المعيش و من خالل المجالس السياسية و النقاش العام حول الع، على مبدأ الشمولية . و تحقيق رفاهيته تدرك أسس الديمقراطية ، للمدني

التي تعتبر الحكم و السياسة ، مسألة العدل و الجور لم تكن محصورة بالفلسفة األرسطيةأي مرتبطة بالبصيرة ال الحكمة، . من الصنائع المتضمنة بالحياة العملية ال الحياة التأملية

عندما صنفوا ، مين الفقهاء منهم و المتكلمين و كذا الفالسفةو هو تقارب نلتمسه عند المسلو هذا التقارب ، شأنها شأن صناعة المنطق و الطب، الفقه و السياسة من بين الصنائع

و كيف يمكن أحداث حلقة وصل بين أسس العدالة و ، يجعلنا نلتمس تصور العدل و الجورتبني العالقة بين األخالق و العدل ؟ و المساواة عند أرسطو و األرسطيين الجدد ؟ و كيف

كيف تتأسس الديمقراطية من حيث كونها ممارسة مثلى لتحقيق الحريات الفردية و العامة ؟ و كيف تصل القيم األخالقية المبنية على المصلحة الفردية سواء عند أرسطيو الشرق أو

إلى القيم األخالقية المبنية على المصلحة الفردية ؟ ، الغربكهدف ، ثل هذه االفتراضات تلزم الربط بين األسس المبنية للقيم األخالقية و السياسيةم

و بالتالي تدعيم . أولى يحقق السعادة و الرفاهية ،و كهدف جوهري يحقق المساواة و ، الشعور بالحرية ،خاصة ما يعرف في النظم الديمقراطية بالحريات الفردية و العامة

و ، يطرح نظريته في العدل كمساواة ، ه التقاليد األرسطيةإن كان راولس بإتباعأين الثروة محتكرة عند . يتساءل إن كانت هذه النظرية أقرب إلى ديمقراطية الملكية

األقلية أم أنها أقرب إلى االشتراكية الليبرالية التي تضمن المساواة في الفرص ؟ و أن حالفهم الحظ في اقتناء فرصتهم ؟ الدولة الرعية تسعف أولئك الذين لم ي

:الفصل األول

Page 120: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

108

ة و تأسيها للعدالة أخالق المناقش

I-األخالقية المحققة للعدالة القيم:

مسألة لم تخلوا من النقاش ال بالمستوي الفلسفي عند اليونان وال بالمستـوي لعل العدل من باب أن العدل يتوقف على السعادة التي هي النهاية الكبرى . الكالمي عند المسلمين

كما هو الحال عند الفقهاء المسلمين، ، أو ما نص عليه الشرع. للخير األسمى عند أرسطو بالرغم من التعارض الذي ورد بين المعتزلة و ، المتكلمين أو كمسألة أثارت الجدل عند

و مثلما هو ، من حيث أن العدل تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع الواحد. األشاعرة و من . عند أرسطو العدل في التوزيع و العدل في القصاص كما ورد في كتابه األخالق

باعتمادهم على ، عند المسلمين حيث أن العدل ضد الظلم و الجور مثلما هو الحالو . أي ما هو منفعة يحقق المصلحة العامة ، براهين شرعية التي حددت الحسن و القبح

و الحاكم الجيد هو الذي يعلم ، مثلما هو كذلك أن السعادة و الرفاهية من مهام الحاكمعرفة حجم منه طرحت المقاربة من جديد، لم. أعضاء المدنين كيف يحققون السعادة في كيفية تحقيق العدل عند المسلمين سواء كانوا ، حضور أرسطو و تصوراته السياسية

و سنعالج مسالة العدل و عالقتها بالسياسة و األخالق عند المعتزلة . متكلمين أو فالسفة

Page 121: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

109

لنصل إلى الرشدية و اإلرهاصات التي خلفتها عند دارسيه من أمثال ، و األشاعرةو لعل ما تم تحقيقه باألخالق عند الربط ، المقاربة بهذا االتجاه تيه وجهو عل. الجابري

و جادلهم ( و أن المجادلة توجه نحو الحسن ، بين الجدل الذي هو المـناظرة بالمناقشة، الفكرة ذاتها نجدها بأخالق المناقشة. للوصول إلى أحكام شمولية ، )بالتي هي أحسن

خاصة عند جعل أرسطو حلقة وصل ، رق و الغربفهل يمكن إحداث مقاربة بين الش من حيث أن أرسطو الزال يعتمد كمرجعية سياسية و أخالقية عند الغـرب ؟، بينهما

: من تصوره للخير األسمى إلى العدل : أرسطو 1و الفائدة التي تقدمها فلسفته للفلسفة السياسية ، لم يتوقف التأثير الفلسفي األرسطي

بالرغم أن الفارق ، د مرجعية إلزامية في التفكير الفلسفي لدولة القانونإذ يع. المعاصرة بالفعل أن المالحظات التي . الزمني يتجاوز األلفين عاما عند تأليفه لكتابه في السياسية

من حيث ، قدمها أرسطو حول أشكال المجتمع و العادات و النظم السياسية و األخالقو بها يستقيم الحكم و نظامه، و أن يكون العدل ، السعادةهي موجهة للسلوك نحو الخير و

من هذا االتجاه . هدفا يرنو إليه المدني بواسطة القيم األخالقية و الموجهة للقيم السياسيةو منه . كانت فلسفته مرجعية للقدماء و المعاصرين الذين عرفوا باألرسطيين الجدد

فإلى إي حد يصل هذا المد ؟ و فيما تمثل تأثيره . خيا تمتد المدينة األثينية جغرافيا و تاريفي مسألة العدالة ؟ و هل كان تأثيره استمرارا ألفكاره األخالقية ؟ و هل القول بالخير هو

نفسه القول بالعدل ؟ :االنتقال من قيمتي الخير و الشر إلى مفهوم العدل -أ-1

هو بمثابة الحبل السري الذي يربط هذا الرابط، السياسة ترتبط بشكل واسع باألخالقسكان ) يعيشها(و هو التأكيد على السعادة التي يشعر بها، األخالق النيقوماخية بالسياسة

فاألخالق و فكرة السعادة تقدم للفيلسوف المبدأ الصوري الذي يعينه ) . πολίς(المدينة عن نوع النشاط فكرة السعادة تجعل الفيلسوف يبحث . على التفكير في مصالح الناس

أرسطو يثني مالحظاته ضمن . العقالني الذي يضع النهاية الخاصة للوجود اإلنساني و يعلقها بمختلف نشاطاته التي تتحقق ضمن مشروع ، مشروع يقدم معني لحياة اإلنسان

سياسي تتناغم مصالحه وظيفيا وفق التنظيم المعمول به داخل المدينة ،و هذا ما نلتمسه السياسة في معناه األرسطي أن األفراد المجموعين داخل ). 1(خالق النيقوماخيةبكتابه األ

و هذا باستجابة كل واحد للهدف الذي يريد تحقيقه من ، المدينة يضعون معنا لوجودهم، بهذا التصور ال يوجد فرق بين األخالق و السياسة. النشاط الذي يمارسه داخل المدينة

، و معرفة )الدولة(لقوانين المنظمة لحياة األفراد داخل المدينة إذ تقوم هذه األخيرة بوضع امن أجل تحقيق ، و النشاط الذي يلزم القيام به، المدني بهذه القوانين ،و الموجهة لسلوكه

يدرك من ذلك المكانة التي يمنحها ). 2(أهدافه و تكون نهايته منسجمة مع الخير اإلنسانيي ال يعني البتة خير خاص بالفرد وحده بل بارتباطه الذ، أرسطو للخير داخل المدينة

التي تدعم أحقية الدولة، فالخير المقصود إذن هو خير الكل داخل المدينة ، بالجماعة .العادلة

1 Aristote, Ethique à Nicomaque, Op-cit (1098 b1), p : 67 2 Ibid, (1094 b1) p : 49

Page 122: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

110

كحقيقة مفصولة تستمر من ذاتها و تشارك كل ما هو خير، وهي الخير في ذاتهفكرة لسياسي و كل واحد ينتمي إلى بل هي عنده و كما يريده ا، ليست عند أرسطو منسجمةبل من ، و هذا ال يعني أن المعرفة العملية تخص بخير واحد. المدينة أنها محققة بالنشاط

و كل خير يقتضي معرفة عملية خاصة، و ، الخير الواحد ندرك عدة أنواع من الخيراتإدراك و السياسة ليست إال علم من العلوم األخرى تعمل على، )صناعة خاصة(علم خاص

الخيرات األخرى المدركة بالعلوم األخرى ال تشكل إال وسائل، و . الخير األسمى تضم ) صناعة(فالسياسة علم ، الستراتيجيا و االقتصاد، عليه كانت السياسة متضمنة الطب

. كل العلوم موضحة لهم طريقة العمل و القدرة على تحقيق الخير الخاص بكل صناعة من حيث هو إنسان روحا و ليس ، اسية األرسطية كوحدة تنظر لإلنسانالفلسفة السي

، فما بين الصيرورة الشمولية الخارجة عن اإلنسان. طبيعيا بانفراده بالقدرة على الصناعة ، و الصيرورة أين اإلنسان يكون مسئوال عن ما يعينه وجوده الداخلي أو العالم الخارجي

األولي تختلف عن الثانية و إحداث الوحدة بينهما غير بحيث أن أرسطو يجعل المبادئ األول عالم الصنائع و الثاني . فالعالم الطبيعي يختلف عن العالم الروحي ، ممكن

يقصد بالعلوم . من هذا ميز أرسطو بين الفلسفة السياسية و العلوم السياسية . عالم الحكمة متمثلة في معرفة كيف يتم الحكم ؛ علما بان ،السياسية القدرة على ممارسة وظيفة سياسية

وعليه نجد أرسطو يتكلم عن العلوم السياسية ؛ على . السياسة في األصل هي فن الحكم . أنها علم من العلوم اإلنتاجية ؛ تعمل على انتاج القوانين أو قدرتها في تشريع القوانين

عروفة بالبصيرة ومنه تتحدد خصائص المشرع بتميزه بالفضائل العقلية الم)Sagacité=Phronésis)(1 . (و ، و هي تختلف بذلك عن السياسية المرتبطة بالحكمة

بل المدركة لمبادئ الحكم قصد الوصول ، نعرفها بالفلسفة السياسية غير المنتجة للقوانينفالبصير في مجال السياسية يشرع القوانين المحققة للخير بالمدينة في وقت . إلى الحقيقة

بينما الحكيم يسموا ليصل إلى الخير الشمولي للكون، و عليه كان . مكان خاص و المحقق للخير داخل المدينة ويكتمل الخير عندما تتحقق ، البصير و المشرع في آن واحد

فما هي اإلجراءات الممكنة التي يستوجب إتباعها قصد تحقيق العدل و . السعادة و العدل هي إجراءات تقنية أم تأملية ؟ و فيما نلتمس الحكمة من السياسة قبل ذلك الرفاهية ؟ وهل

؟ : و العدل ب الفضيلة-1

و تسمي ، كون القوانين الموضوعة من قبل المشرع هدفها تحقيق المصلحة المشتركة هي مؤهلة إلنتاج السعادة لكل الفئات المشكلة للمجمع المكون ، بالقوانين المحققة للعدل

و منه ارتبطت ، مثل هذه العدالة تعد الفضيلة النهائية عند احترام القوانين. نيين من المدبل من حيث تحقيق جوهرها ، ال من حيث تحقيقها للعدالة. العدالة عند أرسطو بالتشريع

كفضيلة جامعة محققة للسعادة ، بحيث عرفت عنده بالعدل و المساواة، و هو المساواةعلى خالف العدالة الجزئية ، ما عرف عند أرسطو بالعدالة الشاملةو بالتالي . البشرية

و بهذا فهي ، و هي من مظاهر التعامل مع الغير، التي تشمل الال إنصاف و الال مساواةاألولى نجدها باألفعال التي يترتب عنها توزيع المراتب الشرفية ، لها مظهرين عند أرسطو

1 Ibid, (1141 b1) p : 313

Page 123: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

111

و هنا المدني يمكن أن يأخذ حصة ، المجمع السياسي التي يتم تقسيمها بين أفراد، والثروةبينما الشكل الثاني ما يسمح بالعالقات . متساوية أو غير متساوية بالمقارنة مع اآلخر

مثل ما هو الحال في حالة البيع ، اإلنسانية أن تقدم تصحيحا لما تم التعاقد عليه بالتراضيغير أن ما يحدث بدون اتفاق يتم بطرق . و الشراء و اإليجار و القرض بالفوائد و الرهنو منه كانت العدالة عنده تتضمن ما ، )1(غير مشروعة كالسرقة و الغش و االغتصاب

:يلي :العدل في التوزيع -ج- 1

مما ، المساواة و اإلنصاف يقابلها الال إنصاف و الال مساواة ،و هذا التقابل يقتضي الفعلو بالتالي بات من . فعل هناك األكثر و هناك األقل ألن في كل ، يستلزم كذلك الوسطية

فالوسط هو اإلنصاف ،و العدل وجب عليه أن يكون في . الضروري القول باإلنصاف من زاوية أنه نسبي ؛ أو بتعبير آخر ، و اإلنصاف يتبعه على األقل أربعة حدود. الوسط

و هو الذي يحقق التوازن ، و من حيث هو الوسط ؛ فهو في الوسط بين األكثر و األقلفالحدود األربعة المترتبة عن . و بهذا المستوي يعتبر عند البعض التساوي ، بين كميتين

و يكون ، و لكل واحد حصته، ذلك ؛ قائمة على التقسيم الذي يتم بالتساوي ما بين اثنينخصين و و هذا التوزيع يفترض تساوي مزدوج بين الش، بذلك اثنين مقابل اثنين أي أربعة

يترتب عنه كذلك اختالف بين ، االختالف المحتمل بين الشخصين. بين الحصتين و عليه . حتى يتم التبرير باالستحقاق ، الحصص ،و منه يظهر التعارض على التوزيع

إال أن شرط االستحقاق . و أن التوزيع يتم باالستحقاق ، وجب إقناع الجميع باالختالفية الحرية ؛ و عند األوليغارشيين الثروة ؛ و عند نجده عند مناصري الديمقراط

لذلك كان التوزيع الحصصي نسبي ،و نسبية الحصص ارتبطت ، األرستقراطيين الفضيلة) A(فالصلة الموجودة بين قطعة مستقيم ، و المترجمة في الحدود األربعة، بالكمية العددية

؛ التي )B(لى قطعة مستقيم؛شملت ع) C(؛ و بين قطعة مستقيم ) B(؛ و قطعة مستقيم إال . شكلت المقام المشترك الذي يضمن االستمرارية ،و هنا التوزيع يتم بطريقة هندسية

و تكون العالقة متماثلة بين كل من ، ]A, B,C et D[أن التوزيع يفترض أربعة حدود ]AB [و]CD[ ، بحيث يمكن إحداث تبادل ما بينB وD و بالتالي يكون العدل في ،

و التوزيع الحصصي ).2(و يكون العدل هو الوسط، يع ما يحترم هذه الحدود األربعةالتوز . المدني المجمعيخص الثروة المشتركة والعامة لكل واحد على حسب مساهمته في

: العدل بالقصاص-د-1إن كان ، من حيث هو غش بصفة صاحبه، ال يقع إال مع حدوث ضرر دون ربط الفعل

هم القانون ما ترتب عن الفعل من ضرر و يتعامل القانون مع ما ي. نزيه أو حقير. دون تفضيل أحد عن اآلخر بحسب مكانته بالمجتمع ، األشخاص المذنبين بالتساوي

و دون إي ، و بمقتضي القانون، فالقاضي من واجبه أن يضع الفاعلين على قدم المساواةألن الحكم على الفعل قد . االعتبار الوحيد الذي يخصه القاضي هو الضرر ، اعتبار

فالصعوبة تتجسد عند . و القاضي يتعذر عليه تحديد العقوبة ، يترتب عنه الال مساواة

1 Ibid,(1131a1) p :236 2 Ibid ,(1131b1),pp : 237-239

Page 124: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

112

الذي تلقي ، أو الخسارة التي لحقت بصاحب الشيء، تسوية الفعل مع الفائدة المفقودةاألصل في الربح أو الخسارة هي نتيجة عملية التبادل . الضرب على سبيل المثال

لنتفق أن أكثر الشيء ، الذي يستلزم الحفاظ على المساواة قبل و بعد االتفاق، تراضيبالو الذي ينطبق كذلك على ، الذي يوجب األخذ بالوسط، وأقل الشيء يستلزم اإلنصاف

من حيث أن ، إن كان أرسطو يقدم تصورا وفق القاعدة المتفق عليها. الربح و الخسارة فعلى ، و أن أكثر الشر و الخير األقل يعتبر ضرر، يعد فائدة الشر القليل و الخير الكثير

فكيف تتحقق عملية ، سبيل التصحيح ؛ وجب األخذ بالوسط ما بين الخسارة و الفائدةالتصحيح عند األخـذ بالوسط ؟ التساوي ما بين األكبر و األصغر ؛ يستحضر عملية

ما يزيد عنه ويضاف إلى بحيث ينقص من األكثر، تقسيم الحصص بالطريقة الحسابية .األقل ما ينقص منه

:العدل في المعامالت-ه-1التعامل بالمثل ال هو الوسط ؛ و ال هو العدل في التوزيع ؛ وال حتى العدل التصحيحي؛

و هي الفكرة التي ال تنطبق على ، وفق الفكرة القائلة أنك ال تحصل إال ما فعلت بالمثل، فإذا "أن يضرب بالمثل ذاك"ال يعني " ضرب هذا"لقضاء بعض الحاالت ؛ كأن القائم با

و ، وعليه كان التعامل بالمثل تناسبي، فهنا ال يضرب الفاعل بل يعاقبه، حدث ذلكعليها أن تحدث ، فالجمعيات التي تشرف على المعامالت. يكون بمثابة اسمنت المدينة

ما يترتب عنه وجوب إرجاع ما نحصل م. بل بمبدأ التناسب ، التوافق ال بمبدأ المساواةعليه بالتناسب حتى تستمر المدينة، فكيف تكون هذه التناسبية ؟ و هل هو العامل على

مما يجعل المدنيين . تماسك المدينة ؟ هذا التماسك يحدث وفق تصور أرسطو بالمبادالت حب بدت الضرورة لتشييد محراب للشكر ؛ و االعتراف بصا و. يعيشون جماعتا

و بالمقابل أن نتخذ التدابير ، فيجب أن نعرض خدماتنا له. الفضل، حتى يتسنى مكافئته فالمبادلة التي تقوم على االعتراف و الشكر، فرضت صيغة تبادلية ، للقيام باألفعال الفاضلةبحيث العملية تتم بإيصال الحدود المتساوية ، )Proportionnel(قائمة على التناسبية

فال أحد من ، )D(و الحذاء ) C(مقابل البيت) B(و اإلسكافي) A(لنضع البناء ،بالتقابلفكان البد من جعلهما متساويين حتى يتم . البناء و اإلسكافي أن يكون متساوي مع اآلخر

و حتى الوقت المستغرق لذلك ، ألن كمية الجهد المبذول في عملية اإلنجاز مختلفة، التبادلهما متساوين في النقود، فالبناء و الطبيب و التقني و المزارع الوسيلة الوحيدة لجعل.

و التبادل يتم ، و ال يمكن أن نقابل الطبيب مع الطبيب ؛ بل الطبيب مع المزارع، مختلفونفبالرغم من االختالف . و على حسب ما يعرض من انتاج كميا وكيفيا ، وفق الحاجة

كلمة نقود ). 1(اة بتدخل النقود كحد وسط بينهما إال أنه يجب و ضعهما على قدم المساو)monnaie ( تعود إلى أصلها اليوناني)nomisma=νοµίσµα ( و التي هي في األصل،)nomos=νοµος (و معناه اإلجرائي المعيار الذي يقاس به األشياء، و ، و تعني القانون

.منه يتحقق العدل في التبادل التي اعتبرت معيارا يقاس به ، صوال إلي النقود الكالم بالوسط بين األكثر و األقل و

الذي ، لو من فضائل العدل أنها تأخذ بالوسطية على خالف الال عد، األشياء وفق الحاجة

1 Ibid , ( 1133a1), pp : 247-248

Page 125: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

113

فمن غير ، و هذا بالتحايل على المعيار الذي يضع لقياس األشياء. يريد أحد الطرفين س من القمع يقابلها ثالث الممكن أن يحدث اتفاق بين اإلسكافي و المزارع على أن كي

يطلب حذاء واحد مقابل ثالث أكياس ، و عندما يرغب في مبادلة كيس من القمح، أحدية و عليه كان العدل . و بالتالي يرتبط الال عدل بالرذيلة ، وهنا يبرز التحايل، من القمح

إلى أحد بينما إذا مال. االلتزام بالوسط ؛ أين يعبر اإلنسان بقدرته على تحقيق العدل فالقانون . و هذا بإعطاء الحصة الصغرى و اخذ الحصة الكبرى ، الطرفين حقق الال عدل

الذي يربط العالقات التبادلية بين المدنيين ضمن الجمعية التبادلية أين ، الذي هو المعيارو هو القانون الذي يعمل به ، تتم المبادالت التجـارية يعد الضابط للعالقة بين المدنيين

، هنا القانون ال يترك الفرصة لإلنسان أن يتصرف على هواه. لقاضي للحد من الال عدل افاإلدراك يترتب عنه الفعل فإذا أدركت ، بل يحكم عقله في إدراك الوسطية المحققة للعدل

فهل هناك فرق بين اإلدراك و اإلنجاز؟ أو بتعبير ، الوسط أنجزت الفعل العادل ين العدل و الفعل العادل ؟ آخر هل هناك فرق ب

لعل الفعل الذي يباشره اإلنسان نابع من إرادته ؛ دون إكراه أو قيد ؛ ألنه لو أنجز الفعل ألن ، ألنه لم يصدر عن اتفاق. و ال يكون فعل عدل أو حتى ال عدل ، لكان بفعل الصدفة

في . ل على الال اتفاقالمعادلة التالية تقتضي أن يكون العدل قائم على االتفاق ؛ و الال عدففي . و في الحالة الثانية الفعل يقتضي اإلرغام ، الحالة األولي الفعل يقتضي اإلرادة

أو من خالل االتفاق ، األمثلة السابقة أين وضع المقياس أو المعيار الذي به نحدد الوسطلجمعية و بدون هذا االتفاق لما تشكلت ا، الذي حدث بين البناء و المزارع و اإلسكافي

هو اإلمكانية التي ، فاالتفاق الذي يتم عن طريق الوعي. التبادلية و لما تكونت المدينة ألن الموبخ عن فعله يدرك مسبقا المعيار الذي به حكم عليه ، تجعل من الفعل عدال

فالمتفق يعرف إذا . لكونه ساهم في وضع اإلجراءات على ذلك ، ألنه يعلم ذلك، بالتوبيخ و عند القول بالمعيار ؛ هو نفسه القول ، في اإلجراءات الواضعة لمعيار العدلبالمشاركة

هو نفسه القول كذلك بالمشاركة في ، و القول بالمشاركة في وضع اإلجراءات. بالقانون و ما ال يجب أن نجهله أن العنف نتيجة لعدم اإلجماع عن قرار، و كل ما . التشريع

ومنه كان العنف و الال ). 1(عن مداوالت و اتفاقيصدر من أفعال ما هو إال حاصل أال يمكن أن يكون التداول و . عدل أكثر العوامل لهدم المدينة سياسيا و اجتماعيا

االتفاق المسيرين بقيم أخالقية من السبل الموصلة للعدل ؟ أال يحصل أن يكون الفعل ذا كله أال تكون الوسطية في تحديد العادل الناتج عن االتفاق من فضائل العدالة ؟ و من ه

بل حتى بين ، ال فقط على مستوي الجمعيات التبادلية، المعيار و االتفاق و جعله شمولياالمدنيين في عالقتهم اليومية أمرا محققا للعدل و للفعل العادل ؟ أليست الوسطية

اء و فالسفة اإلسالم، و اإلجماع و الشمولية من المبادئ التي يشترك فيها كل من فقهو منهم مؤسسي أخالق المناقشة ؟ ، و األرسطيين الجدد

:مفهوم العدل بالمشرق - 2 : العدل و الجور بين الفقه و الكالم و الفلسفة-أ-2 : الفقهاءالعدل عند -1-أ-2

1 Ibid ,(1135b1),pp :266-267

Page 126: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

114

ذلك و، من آيات عنه القرآن الكريم يقوم على ما قدمه، للعدل عناحاولنا أن نقدم م فإن .كما أن الحق هو العدل مجردا، فالعدل هو الحق مطبقا . باستنطاقها والربط فيما بينها

متأت من اهللا تعالى وهناك ارتباط بينهما وبين. واالرتباط بينهما في اآليات القرآنية وثيقأرسل الرسل بالحق و ،أنزل الكتب اهللا وأن، اهللا تعالىن من أسماء سماأن العدل والحق ا

و من آياته التي نلتمس معناها الظاهري للعدل نجد في .وأقام السموات واألرض بالحقبالقسط إن اهللا يحب همبين فحكم إذا حكمت:"قوله تعالي ما يثبت ذلك إذ يقول

يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين :"ل كذلك و نجده يقو. )42المائدة، اآلية ("المقسطينشهداء هللا ولو على أنفسكم أو الوالدين واألقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فاهللا أولى بالقسط

" بهما فال تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن اهللا كان بما تعملون خبيرالمعني العدالة مرادفات و كلها من صفات من هاتين اآليتين ندرك أن ) 135النساء ،اآلية (ال يحكم إال فهو سبحانه و هو الحق ، واهللا سبحانه وتعالى هو الحكم العدل المقسط، اهللا

مشتق من ال الوسط العدلمعني و .وال يقضي إال بالحق بالحق، وال يقول إال الحق،لذلك كان اسم الوسط . وسطا بين طرفينو بحيث يقتضي شيئا ثالثا، ن شيئينالمعادلة بي

روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري ف. لمعنى العدل كمرادفيستعمل في كالم العرب عدال، : (، قال)وسطاوكذلك جعلناكم أمة : (في تفسيره لقوله تعالى) ص(عن رسول اهللا

اإلحسان، وينهى عن العدل و دستور المسلمين يحث علىو منه كان . )والوسط هو العدلالقربى تاء ذيـإن اهللا يأمر بالعدل واإلحسان وإي"،و هذا ما ورد في قوله كر والبغيالمن، ومما )90النحل،اآلية(نالبغي يعظكم لعلكم تذكرو و والمنكر اءـالفحش نـى عـوينه

ورد عن تحديد مصادر التشريع ؛ و منه أتيحت إمكانية فتح باب االجتهاد ؛ و هو ما ورد ذين آمنوا أطيعوا اهللا و الرسول و أولي األمر منكم فإن تنازعتم في يا أيها ال" في قوله

شيء فردوه إلى اهللا و الرسول إن كنتم تؤمنون باهللا و اليوم اآلخر ذلك خير و أحسن ، و منه يدرك أركان أصول الفقه الذي يتألف من الكتاب و السنة) 58النساء اآلية "(تأويال

واالجتهاد في معناه بذل الجهد الموجه نحو . قياس و يضاف له و من باب االجتهاد الأو بمعني أعم تطبيق القواعد الشرعية الكلية ، استنباط األحكام الجزئية من األحكام الكلية

و سعيه ، وعرفه األصوليون باستفراغ النظر من قبل الفقيه. على الوقائع الجزئية الحادثةيتحول ، عندما يحدث اتفاق على حكم و. لتحصيل حكم شرعي من األدلة المؤدية إليه

و تمت مرادفة اإلجماع . اتفاقهم إلى إجماع و الحكم يصبح ملزما كالقرآن و السنة فاالجتهاد طلب الصواب من األمارة ، و هذا ما ورد عند الشافعي و الماوردي، بالقياس

و ال ). 1(صلو القياس هو الجمع بين األصل و الفرع الشتراكهما في علة األ، الدالة عليهأال يمكن أن . يمكن أن يحدث إجماعا دون أن يكون هناك محاججة حول الرأي األصوب

نقول و من باب المجادلة أن االتفاق أو اإلجماع هو االنتقال من الجزئي إلى الشمولي ؟ أال يمكن أن يكون الحكم الذي تحمله الشمولية أقرب إلى النواميس الموضحة من قبل

يوجد اتفاق و لو صوري أن ما هو شمولي ناتج عن اتفاق و تراضي ؟ الخالق ؟ أالنلتمس اإلجابات لمثل هذه التساؤالت من ما ورد عند العارفين بأصول الفقه ؛ حتى ندرك

أو من جهة المصلحة ، و هذا إما من جهة االستحسان عند الحنفية، معني العدل عندهم

1 15-14: ص ص، 1987دار الطليعة للطباعة و النشر بيروت ،الطبعة األولي ، مهدي فضل اهللا ،االجتهاد والمنطق الفقهي في اإلسالم

Page 127: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

115

ال ينقص من قيمة االجتهاد ؛ و الوصول إلى و لعل اإلجماع قد. المرسلة عند المالكيةو . الخطأ علىال تجتمع أمتي حكم صحيح ؛ بدليل قول الرسول عليه الصـالة و السالم

إذ استشار ، أول عملية اجتهاد كانت من قبل الرسول صلوات اهللا عليه و سلم يوم بدرسعد بن معاذ الصحابة في أمر األسري، و لم يقبل رأيه من قبل عمر بن الخطاب و

ما كان لنبي أن يكون له أسري حتى " ، حتى نزلت اآلية الكريمة، رضوان اهللا عليهمو لوال ، و اهللا عزيز حكيم، تريدون عرض الدنيا و اهللا يريد اآلخرة، يثخن في األرض

فكلوا مما غنمتم حالال طيبا و اتقوا . كتاب من اهللا سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم التي أثبتت خطأ اجتهاد الرسول بفك ). 67سورة األنفال اآلية "(هللا غفور حكيم اهللا إن ا

، و من اجتهاد الرسول صلوات اهللا عليه وسلم الذي كان فيه صائبا. األسري مقابل فديةو على رأسهم عمر بن الخطاب رضي ، صلح الحديبية الذي عارضه فيه عامة المسلمين

إذ كان انتشار اإلسالم باليمن و ، صرا سياسيا بعيد المدىفصلح الحديبية كان ن. اهللا عنه هو منعه قطع اليد للسارق أيام ، و من االجتهاد الذي خولف فيه الشرع. في أوساط قريش

و منه يدرك أن في االجتهاد احتمال ). 1(الغزو خشية انزياح الجاني إلى العدو غضباو عليه تم رد ، منه إلى الصواب الخطأ و الصواب لذا استوجب اإلجماع لما قد يوصل

و معناه لغة . الذي هو األصل الثالث من أصول التشريع ، بعض القضايا إلى اإلجماع، و )71يونس اآلية " (أجمعوا أمركم و شركائكم" العزم و هذا ما ورد في القرآن الكريم

اتفاق مجتهدي يقال كذلك أجمعنا أي اتفقنا و المعني االصطالحي ؛ و ما هو متفق عليه ؛ مما يتبين ). 2(أمة محمد صلى اهللا عليه و سلم في عصر من العصور على حكم شرعي

و هو ملكة ، بينما القياس الذي يعرف لغة بالتقدير. أن اإلجماع يفيد االتفاق على حكم ، و يفيد كذلك التساوي أي إلحاق الفرع باألصل، تعبر عن القدرة العقلية في تقدير األشياء

غير أن القياس أثار جدال بين المتكلمين من الفقهاء . واته به الشتراكهما في العلة و مساألنه يستلزم ، فالقياس في نظر ابن حزم غير قائم على صواب. خاصة الظاهرية منهم

و الفقهاء يقيسون أشياء على أشياء . القياس أفرد النوع الواحد ،أي داخل الفئة الواحدة و يجعل هذا ، و يقدم العقل كأساس للبرهان و الدليل). 3(و جود شبه تختلف بالنوع بمجرد

و ذلك ، فما لم يرد فيه نص وجب البحث له عن دليل، األخير أصال من أصول الفقهوهذا لكون األحكام . باستقراء النصوص الشرعية و استخالص احدي المقدمتين دليال

أو من الخاص ، نها من البسيط إلى المركبالشرعية مثلها مثل قوانين الطبيعة تستقرأ قوانيو كل ما ). 4(إن كانت إحدى المقدمتين نصا شرعيا كانت المقدمة الثانية عقلية. إلى العام

و بالتالي يتحول إلى برهان ؛ومنه كانت عملية البرهنة قائمة ، هو عقلي مدرك بالبداهةفي الفقه كانت مقتصر على فهل العملية البرهنة . النص الشرعي و البرهان أو الدليل

هذين األصلين عند فقيه قرطبة أم ضم لهم اإلجماع ؟ و هل كان له موقف من اإلجماع ؟لعل اإلجماع في تصور بن حزم ال يستلزم االتفاق على حكم بل اإلجماع ما اجتمع عليه

ة و ما اجتمع الصحابة عليه مما قاله الرسول عليه الصال. المسلمون من صالة و صيام

39:ص، المرجع ذاته 1 163-162: ص ، مرجع سبق ذآره، محمد مصطفي شلبي 2 190: ،ص 1991الطبعة األولى ، ،المرآز الثقافي العربي بيروت)دراسات و مناقشات( و الحداثة التراث ، محمد عابد الجابري 3 192: ص ، المرجع ذاته 4

Page 128: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

116

في ما يبدو عليه ، فظاهرية ابن حزم جاءت كاتجاه نقدي بالرغم تضييقها للعقل. و السالم و ما ، غير أن ما ورد فيه نص صريح من ظاهره كان حكمه. عندما علقت اإلجماع

فهل كان ، و بهذا كان القرآن و السنة و العقل أساس الفقه عنده، تبقي كان للعقل حكما فيه قهي ذاته عند ابن رشد ؟ أم أن البن رشد موقف آخر من الفقه ؟األساس الف

من خالل دراسة المنطق ، لعل النبراس الذي اتخذه ابن رشد في توجهه الفكري. و الرياضيات ،و االبتعاد عن السجاالت الفكرية حول المسائل الكالمية تمثل في أرسطو

الذي كان يري في منهجه البرهاني ، ذاتهإذ عمد على دراسة أرسطو من خالل أرسطو و . لذا كان منظومته المعرفية قائمة على الطريقة البرهانية األرسطية، من أسمى البراهين

مع التنظير لمنهجية األخذ ، من هذه الزاوية تواصل مع ابن حزم مع ظاهريته إلى حد ماعتمد على مقاصد الشرع بل ا، و لم يكن تفكيره الفقهي قائم على ظاهر النص، بالظـاهر

و ، و آيات تثبت حدوث العالم، فإذا استقرئ القرآن لوجد من اآليات ما تدل على الصانعو هو بذلك . بحيث صخر كل ما في الكون من النعم لإلنسان، آيات تثبت العناية اإللهية

و كل ما سخر ، جنس شمل ما تتوقف عليه العناية، يحصر النصوص الشرعية إلى جنسينو العقل الذي كرم ، و جنس شمل قدرة اهللا و صنائعه، لإلنسان ليسهل مقامه في العالم

و ، به اإلنسان حتى يدرك ما تحمله الحواس و منه يتمكن من استقراء فوائد من الصانعفالقول بالدليل هو ). 1(عليه سمي الجنس األول بدليل العناية و الجنس الثاني دليل االختراع

و االبتعاد عن القياس المعتمد من قبل الفقهاء و ، باب البرهنة الحزمية التقرب منفالمشروع الرشدي و في عمومه جاء ليطبق الطريقة البرهانية ، المقترب من باب الظن

فينقل األولى من الرأي إلى اليقين و ، على العقليات و الفقهيات على حد تعبير الجابريا يقوم عليه العقل في عملية البرهنة في مجال الفقهيات و م. الثانية من الظن إلى القطع

مما دفع الشاطبي في كتابة . الذي يرمي حمل اإلنسان على الفضيلة، هو مقاصد الشرعأي االنتقال من الضن إلى القطع الذي يوازي اليقين في ، الموافقات على النهج الرشدي

فكيف يتم العمل بها في مجال ، رائيةالعقليات عندما يربط السبب بنتائجه و هي عملية استق الفقه ؟ و كيف تعامل الشاطبي مع مقاصد الشرع ؟ و هل كان استقراءه رشديا ؟

على حسب ما صدر عن الشاطبي أن استقراء الجزئيات من الشرع و الوصول إلى و هي العلوم البرهانية لكونهما ، مثله مثل ما هو موجود في العلوم األخرى، الكليات :تان في نفس األسس و هي ثالث مشتركاألحكام الشرعية تشمل المكلفين جميعا دون استثناء مهما تغير : العموم و االطراد - أ

.الزمن و المكان أحكام الشريعة ثابتة فما هو محرم فهو حرام و ما هو مباح : الثبوت و عدم التغير - ب

.هو مباح و ما هو فرض هو فرض فهي بمثابة القوانين التي ، هاعليو ال يعلى ، تعلىكون الشريعة أحكام : القانون - ت

و الكون واألحكام الشرعية تنظم ،القوانين تنظم الطبيعة ، ها الطبيعةعليتسير .الحياة البشرية

198: ص ، المرجع ذاته 1

Page 129: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

117

أليس هذا أليس هذا هو القصد من وضع أحكام شمولية التي ال تعرف التغير واالطراد ؟ ية ؛ من حيث أنها آخر رسالة كونية ؟ ما يقصده الشرع ؛ من أن األحكام تكون شمول

ففيما تتمثل هذه المقاصد ؟ و هل و هل في عملية االستقراء إثبات لمقاصد الشرع ؟ خرجت عن تلك التي رمت إليها المالكية ؟ و هل يعتبر الشاطبي مالكيا ؟

:مقاصد الشرع المحققة للعدل اإللهي-أ-1-أ-2أن مقاصد الشرع تشمل كل ما حققت ، الظاهريين مما تبين عند الفقهاء األصوليين و

و استمر على هذا المنوال ، و هذا ما يثبت قول ابن رشد حينما قال بدليل العناية، مصلحةو القصد بذلك المصلحة ) . 1(الشاطبي و لم يخالف بذلك اإلمام مالك عندما قال بالمصلحة

و رأت فيه الجماعة منفعة للعباد . المرسلة التي عرفت بكل ما لم ينص الشرع عليه حكماهو اجتباكم و ما جعل عليكم في الدين من ، "و هذا استنادا لما ورد في القرآن الكريم "

ال ضرر و ال " و قول الرسول صلي اهللا عليه وسلم ) . 78سورة الحج اآلية "( حرج اعتبرت و. و معناه أن الحكم الشرعي إذا كان فيه ضرر يرفع عن المكلفين " ضرار

مما يتالءم مع ، المصلحة المرسلة عند المالكية دليال بارتباط الحكم بالوصف المناسب لهو التي عرفت بالكليات و فيها الضروريات و الحاجيات و ) 2(مقاصد الشرع

:و الضروريات التي البد منها و هي خمس ، التحسيناتإال أن ما يلفت االنتباه هنا أن ،اإليمان باهللا و وحدانيته و كتبه و رسله: الدين -

ال " الدين حاجة إنسانية تستلزم المحافظة عليها دون إكراه إذ يقول عز و جل 256سورة البقرة اآلية " ( إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغى (

)195اآلية ، البقرة("و ال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " المحافظة على النفس : النفس -و ال "و منه ما جاء في قوله تعالى ، كذلك عدم المساس بها و قتلها بغير حق ،و

سورة النعام "( تقتلوا النفس التي حرم اهللا إال بالحق ذالكم وصاكم به لعلكم تعقلونفكيف يفسر الذين خولت لهم أنفسهم و أصدروا الفتاوى في قتل ) 151اآلية

لقتال على المسلمين و هو كره لهم ؟ ألم األبرياء وسمـوا ذلك جهادا ؟ ألم يكتب ا يستحسن صلح الحديبية و كان هذا اجتهادا من الرسول صلى اهللا عليه وسلم ؟

. المحافظة عليه بالزواج من حسن اختيار النسب : النسل - المحافظة عليه من األضرار من المسكرات و تقويته بالرياضة العملية : العقل - . حياة الدنيا و جب السعي و المحافظة عليه لما كان زينة ال: المال -

و بالتالي رفع الحرج عند " يسروا و ال تعسروا "أما الحاجيات شملت ما تسهل حياة األعراف " (خذوا زينتكم عند كل مسجد"بينما التحسينات و هي الكماليات مثل . العجز ). 3)(31اآلية

مثل ما ورد في قوله عز ، السيئأما االستحسان فيما معناه إتباع الحسن و ادراء . )18-17: الزمر، اآلية(" الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فبشر عبادي" و جل ،

و ، و االستحسان كلمة لقلما ترددت على لسان أبي حنيفة حتى قيل عنه إمام االستحسان

210: ص ، المرجع ذاته 1 293: ص ، مرجع سبق ذآره، مهدي فضل اهللا 2 528- 525:ص ، مرجع سبق ذآره، محمد مصطفي شلبي 3

Page 130: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

118

في العلم قد يكون و قيل أن االستحسان . أصبح عند تالمذته دليل من األدلة الشرعية و من األمثلة على ذلك ما ورد عن أشهب أحد تالمذته ،عن من اشتري ، أغلب من القياس

امتنع البائع من قبول ، سلعة بالخيار ثم مات فاختلف ورثته في إمضاء العقد أو فسخهفبالقياس يتم الفسخ لكن يستحسن إمضاء العقد حتى يتم ، نصيب من رد و قبله الباقي

و بهذا يتم االتفاق مع التعريف الذي يقول بإسقاط القياس إلى ما هو أولـى منه . )1(البيعو ، أو ما ورد فيه نصا يحرمه، أو بتعبير آخر االستحسان مفاده كذلك إسقاط المحضور.

وقد فصل ما حرم عليكم إال ما "و هذا ما ورد في قوله تعالى ، لزمت الضرورة في ذلكو يدرك و استنادا لما سبق انه للوصول إلى رفع ، )119آلية األنعام ا"(اضطررتم إليه

و استحسان الرفع وجب اإلجماع الذي ال يختلف في جوهره عن االتفاق ، المحضورو المنفعة التي تترتب من ، بحيث يتم تقدير المحضور مع الرفع. القائم على التداول

. عملية الرفع كشرب الخمر من أجل اإلستطباب ك مما ورد عند الفقهاء ؛ أن المصلحة و المنفعة ؛ أو حتى االستحسان الذي اعتبر عند يدر

أنها دالئل شرعية تمكن من إصدار الحكم الذي ال ، العدلالمالكية االلتفاف بالمصلحة و و التي اعتبرت أساس العناية ، يخرج عن الكليات الخمس المحددة في مقاصد الشرع

ناهيك عن ما . و هذا دليل على العدل. د ابن رشد بدليل العناية أو كما عرفت عن، اإللهيةو منه كان العدل صفة من صفات اهللا التي اختلف ، ورد من نصوص شرعية تفيد ذلك

ففيم تمثل هذا االختالف؟ و ما هي حججهم ؟ ، حولها المتكلمون من معتزلة و أشاعرةلنقل ؟ و هل أعطيت األولوية للشاهد و هل لهذا االختالف أساس منهجي ينصف العقل أم ا

أم الغائب ؟ الذي هو أساس ، قبل الولوج إلى السجال الذي حرك المتكلمين في مسائل ارتبطت بالتوحيد

و الذي تقديره من العقل و القدرة على إدراك النصوص ، اإليمان ،و مصدر العمل الصالحو حتى لو . يها نصا شرعيا و إن لم يرد ف، و كذلك استحسان بعض المصالح، الشرعية

فاقتران ، و فضل االستحسان لما فيه من مصلحة تعود على العامة، استعين بالقياس للرفعو كان ذلك تقديرا جماعيا في معرفة درجة المنفعة التي تعود على ، االستحسان باإلجماع

ة و شمولية ؟ أال يكون هذا أقرب إلى المناقشة للوصول إلى أحكام عام. الفرد و الجماعة أليس الهدف من المناقشة الوصول إلي السعـادة و بالتالي إلى العدالة ؟ أليس هذا ما أراده

بعض الفقهاء من قولهم باالستحسان و المصلحة المرسلة ؟ :العدل عند المتكلمين -2-أ-2 : و مسألة العدل لةالمعتز -أ-2- أ-ب

و عندما طرح ، مما ورد عن المعتزلة خاصة عند تأسيسها على يد واصل بن عطاءهل هو مؤمن أم كافر؟ و كان ، السؤال بمجلس الحسن البصري حول مرتكب الكبائر

بل هو بين منزلة الكفـر و اإليمان من ، و ال هو كافر مطلقا، الجواب ال هو مؤمن مطلقاو منه أتت ، انفرد به واصل بن عطاء و انعزل به عن مجلس البصري هذا الجواب الذي

فيما تشكل السياق السياسي ؟ و كيف ، إال أن السؤال المطروح. التسمية بالمعتزلة طرحت مسألة العدل؟ و ما عالقتها بحرية االختيار ؟ وهل ذات العالقة تحدد معني العدل؟

222- 221: ص ص ، ذاتهالمرجع 1

Page 131: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

119

أنها طرحت مسألة العدل مثل ، لكالم عامةمما ورد عند دارسي المعتزلة خاصة و علم او أثير الجدل عند المتكلمين حول حرية ، ما طرحت مسألة التوحيد و مسألة خلق القرآن

أي أن اإلنسان لديه القدرة على اختيار أفعاله الخير منه و الشر . االختيار كأساس للعدل من مجمل ، ثلة القاعدة الثانيةو المتم، و عليه ارتبطت حرية االختيار بمسألة العدل. منه

في معالجتها القول بالقدر، أي ، القواعد التي حددها الشهرستاني في كتابه الملل و النحلفالعبد هو الفاعل للخير و الشر ؛ واإليمان و الكفر ؛ . قدرة اإلنسان على إتيان أفعاله

بما أنه ألهم القدرة ، الربو الطاعة و المعصية ؛ و هو ما ينسب بالمجاز ألفعال العبد و األنفال اآلية " (و أن اهللا ليس بظالم للعبيد"فهو أساس العدل ، لإلنسان على اختيار أفعاله

و في ما معناه . و بمقتضي مشيئته ، ألنه المتصرف في ملكه، و أن العدل من اهللا). 51العـدل و فمن غير المعقول أن ما مصدره ، هو وضع الشيء موضعه على خالف الظلم

مما يبدوا ظاهريا ؛ أن العدل مسنده . يكون أيضا مصدر شر و ظلم و جور ، الخيرفالحرية تقتضي المسئولية . و هذا معني العدل اإللهي عند المعتزلة ، اإليمان و التوحيدو المعتزلة تضع العدل ، أن الثواب و العقاب هو تأكيد لمسئولية أفعاله، مما ورد سابقا

قاعدة عقلية منطقية متممة لقاعدة منطقية أساسية، و هي أن اهللا ال يصدر عنه اإللهي على بينما القاعدة الالحقة هي الثواب و العقاب و . و هي قاعدة منطقية قوامها اإليمان ، الشر

بل كانت لديه خلفيات ، مثل هذا التصور للعدل لم يكن بريئا. منه تدرك حرية اإلرادة فهل يمكن أن تتأسس . عليه و جب التعرف عليها و مساءلتها و، اجتماعية و سياسية

دون أن تكون هناك إيديولوجيا تحركها ؟ ، مسألةإذ يربط بين مسألة العدل و الخلفية ، نلتمس اإلجابة عن هذا السؤال عند حسين مروة

، فعلى حسب تصوره ؛ أن مجمل تفكيرهم في العصر الكالمي ؛ تأثر )1(االجتماعية لهمما دفعهم بالتمسك بالحرية و رفضهم . نتهم االجتماعية ؛ في كونهم من الموالين بمكا

الذي ؛ ضرار بن عمرو خاصة ما صدر عن ، مع بروز موقفهم السياسي، لفكرة القدررجح كفة األعجمي عن القريشي عندما يتساوون في الفضائل في أخذ اإلمامة ألنه قليل

و منه يدرك و بالبداهة ، بمغانم السلطة لعشائرهم الخلفاء كانوا يستأثرون. العشيرة و دفاعهم عن الحرية كأساس للعدل ، و التوجه اإليديولوجي للمعتزلة، االنحدار االجتماعي

أال يعني هذا الترجيح دليال على المساواة و القول بتكافؤ الفرص ؟ مما لوحظ ، اإلنسانيتراطهم أن تكون السلطة السياسية القائمة و ذلك عند اش، عن المعتزلة كذاك ميلهم للعنف

و إن ثبت أنه زاح عن العدل يمكن تنحيته إذا لزم ، على الدين أن تكون مسندة إلمام عادلإال أن ، من هذا الموقف نلتمس ثورية المعتزلة في تغيير األوضاع). 2(األمر بالعنف

تالي يتم الربط بين العدل قد يغني عن استخدام العـنف و بال، الجدل الذي قوامه المحاججة .الدنيوي و العدل اإللهي الذي قوامه اإليمان

:أهل التوحيد و البرهان على حرية االختيار المعتزلة-1-أ-2- أ-بفهل يعقل أن يتحول نصرهم ، مما ورد عن مؤرخي الفرق الكالمية ؛ أنهم أنصار التوحيد

و هل ينطبق عليهم قول ، بالقدرية و يقولون بالثنية مثل المجوس و تساويهم، إلى بهتان؟ لعل القاعدة الثانية التي " القدرية مجوس هذه األمة"المصطفي عليه الصالة والسالم

765- 763: ،ص ص 1980بيروت، –دار الفارابي ، الطبعة الثالثة، الجزء األول، ، النزعات المادية في الفلسفة العربية اإلسالمية)حسين(مروة 1 767-766: ،ص ص ، المرجع نفسه 2

Page 132: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

120

خصت القول بالقدر ؛ و في معناه قدرة اإلنسان على إتيان أفعاله ؛ مما يترتب عنه ر بأن اهللا و هذا ما ورد عن الشهرستاني أن واصل بن عطاء أق. المسؤولية و الجزاء

و ال يجوز كذلك أن يريده من ، ال يجوز أن يضاف إليه الشر و الظلم، عادل و حكيمفالعبد هو الفاعل للخير و الشر و اإليمان و الكفر و للطاعة و ، عباده

مما يتأكد أن المعتزلة ). 1(و اهللا أقدره على ذلك كله، و هو المجازي على فعله، المعصيةفاألولي خصت بالخلق و الثانية خصت ، لقدرة اإللهية و القدرة اإلنسانيةميزت بين ا

وإن كان بمقدور اإلنسان ذلك ؛ ال تساوي ، فاإلنسان تصدر منه األفعال ال يخلقها. بالفعل ، و كونهم أهل العدل و التوحيد. مع اهللا ؛ و منه جاز القول بالثنية الملحقة ظلما بالمعتزلة

و بهذا النفي ألحقت ، نافين بذلك الصفات الزائدة عن اهللا، منه الشر و أن اهللا ال يصدرلعل كلمة ، على أنه هو خالقها وأن مصدر قوتها الطبيـعية أو النفس، أفعال الشر باإلنسان

و هي ليست من خلق اإلنسان بل من ، نفس واردة في القرآن الكريم كمصدر لألفعالمما دفع القاضي عبد الجبار ، باتهامهم بالثنية و المغالطة أوصلت الخصوم. خلق اهللا

و هذا ما ، و عرف العدل بأنه كل ما يراد به فعل حسن ينتفع به غيره، المعتزلى إلى الردو نحن إذا وصفنا القديم تعالي بأنه ... يقتضي به اهللا من باب أن اهللا خلق العالم عدال

و ال يخل به بما هو واجب ، و ال يختارهفالمراد به انه ال يفعل القبيح أ، العدل الحكيمو القول أن اهللا خالق ، و يعرف الظلم أنه كل ضرر). 2(وأن أفعاله كلها حسنة ، عليه

و أن من أفعالهم ظلم و جور، فلو كان اهللا تعالي خالقا لها لوجب أن يكون ، ألفعال العبادلم يروي عن الرسول اهللا صلى فإن قالوا أ). 3(تعالي اهللا عن ذلك علوا كبيرا، ظالما جائرا

و هو ، و القدر سر اهللا فال تفتشوا عنه، أنه قال إذا ذكر القضاء فامسكوا، اهللا عليه و سلمبمعني أن الرسول قد نهي الكالم في القدر خشيتا أن تضاف أمور ... بحر ال تغرقوا فيه

ن األمر و ألن ذلك يوجب زوال التكليف و بطال، إلى قدرة على وجه ال يجوز عليهغير أن ما ورد ). 4(الزم من الوجه الذي يصح عليه، فالرضي بقضاء اهللا و قدره، النهي

ال ، أن القضاء و القدر ذكر في القرآن سلفا، في االعتقاد عند الجمهور من أهل السنةمما ينفي إرادة . األفعال المحدثة من البشر و الجدال فيه تشتيت للفكر و إهدار للوقت

، و هي قضية تأصلت عند المعتزلة بالتوحيد، و حريته في اختيار أفعاله ال خلقها اإلنسانو لمعرفته اتخذت كمقدمة لمعرفة . و ذلك بإثبات الفاعل القادر في الشاهد المحدث

الغائب المحدث و طريقة معرفته االستدالل بالعقل، و عليه ركزت المعتزلة على فقضية خلق . ة، و أساس القياس و البرهان على وحدانية اهللا العقل كمصدر للمعرف

األفعال أو بالمعني األصح ؛ حرية اإلرادة أساس مبدأ العدل سعيا لنفي الفعل القبيح من اهللا مما يدفع ، و كون آيات القرآن بها المتشابه و المحكم. و تأكيدا على االختيار ال الضرورة

و ذلك بإخضاع ، لى آيات قرآنية تدل على االختيار دون غيرهاو االستناد إ، إلى التأويلمن بين اآليات الدالة على ذلك ما ورد في سورة الكهف ، الدليل القرآني إلى الدليل العقلي

، على غير ما جاء في سورة التوبة "فمن شاء منكم فليؤمن و من شاء فليكفر " 29اآلية

1 19ص، مصدر سبق ذآره، الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملة، ابن رشد3:ص ، 1990، موفم للنشر، الجزء الثاني، تقديم عبد الرحمن بوزيدة، الشروح الخمسة، لقاضي عبد الجبارا 2 39: ص ، المصدر ذاته 3 : ص ص ، 1993الطبعة األولى ، مدينة نصرت، دار الفكر العربي، تقديم الدآتور عاطف العراقي، هانم إبراهيم يوسف، أصل العدل عند المعتزلة

95 -96 4

Page 133: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

121

ما دافعت عنه المعتزلة ؛ هو أن هناك ". اهللا لنا قل لـن يصيبنا إلى ما كتـب " 51اآلية و أن قدرة اإلنسان محدودة و ، فعل اإلنسان الذي هو ليس بخلق و فعل اهللا الذي هو خلق

أيعقل أن يعاقب من أعان على الفعل ؟ و هذا ما نلتمسه في قوله تعالي . قدرة اهللا متناهية و بالرغم من ذلك . )70:ةالتوبة، اآلي("لمونو لكن كانوا أنفسهم يظ مفما كان اهللا ليظلمه"

فما سببه ؟ فهل اختالفهم كان مؤسسا على العقل أم نفوه ، ظهر االختالف في مسألة القدر ؟ و على ماذا يقوم العدل عندهم ؟

:األشاعرة و مسألة العدل-ب-2-أ-2خاصة عند تعرضهم لقدرة اإلنسان ، ممن عارضوا المعتزلة في مسألة العدل األشاعرة

و القول ، و أن إرادته شاملة تحيط بكل شيء. و قدرة اهللا كقدرة مطلقة ال يحدها شيء مما جعل االتهام بالثنية كتشبيه امتد . بخلق اإلنسان أفعاله تجعل قدرته بجنب قدرة اهللا

أسهم أبى الحسن من هذه الزاوية ذهبت األشاعرة و على ر. معهم منذ عهد القدريةالتوحيد و العقل كأساس ، و كان االختالف قائما على مسألتين هما، األشعري إلى الرد

و ، انه ظهر األشعري من صفوف المعتزلة، و مما ورد عند المؤرخين، لحرية اإلرادةو سأله عن مصير ثالثة يوم ، ضمن مناظرة جمعته بأستاذه الجبائي أحد شيوخ المعتزلة

فأجاب المؤمن من أهل الدرجات و الكافر من أهل . مؤمن و كافر و صبي القيامة فقال األشعري إن أراد الصبي أن يرقي إلى أهل . و الصبي من أهل النجاة ، الهلكاتإن المؤمن إنما نال هذه الدرجة : يقال له ، ال: هل يمكن ؟ قال الجبائي ، الدرجاتفلو أحييتني كنت ، فإن قال التقصير ليس مني: قال األشعري . و ليس لك مثلها ، بالطاعة

كنت أعلم أنك لو بقيت : يقول له اهللا : قال الجبائي . عملت من الطاعات كعمل المؤمن قال . فراعيت مصلحتك و أمتك قبل أن تنتهي إلى سن التكليف ، لعصيت و لعوقبت

راعيت مصلحتي فهل ال، يا رب علمت حاله كما علمت حالي، فلو قال الكافر: األشعري يدرك هذه الرواية ؛ و مما ورد عن الجابري أنه بطالن لما ). 1(مثله ؟ فانقطع الجبائي

و أن اهللا ال يفعل إال األصلح و حتى هذا ، ورد عن المعتزلة من قول حول حرية اإلرادةتنزيه ألن خصوم المعتزلة كانوا يقولون بالتعددية و كان البد من ال. اإلدراك له ما يبرره فإذا كان ، ضد الجبرية الداعمة لسلطـة األمويين مو كذلك وقوفه. هفي إثبات وحدانيت

فهل هو نفس الحال بالنسبة ، و كما أسلفنا أن المحرك الفكري للمعتزلة سياسي اجتماعي لألشعرية ؟ أم أن الدافع تصحيحي معرفي عقائدي؟

و مما ورد . ثار على المعتزلة لينشأ مذهبا وسطا يحقق به التوازن يبدوا أن األشعري قدكان بين العقل الذي يقتضي ، عن ابن خلدون بمقدمته أن التوازن الذي رمت إليه األشعرية

و بين الحرية و ، و بين حرية اهللا و إرادته مطلقتين، التنزيه لمواجهة االثنية و المجسمةوعليه يؤسس . تي تجعله يكتسب أفعاله و يكون مسئول عنها اإلرادة المحدودة لإلنسان، ال

بحيث نسجل البن خلدون هذه اإلثارة عندما . مفهوم الكسب كدليل على حرية اإلرادة فتوسط بين الطرق و نفي التشبيه ، و قام بذلك أبو الحسن األشعري إمام المتكلمين: يقول

فأثبت الصفات ... قصره عليه السلف و أثبت الصفات المعنوية و قصر التنزيه على ما و رد . األربع المعنوية و السمع و البصر و الكالم القائم بالنفس بطريق العقل و النقل

25:ص، مصدر سبق ذآره، الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملة، ابن رشد: نقال عن ، طبقات الشافعية، السبكي 1

Page 134: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

122

و ، و تكلم معهم فيما مهدوه لهذه البدع من القول بالصالح واألصلح، المبتدعة في ذلك كلهاد و الجنة و النـار و الثواب و أحوال المع، و كمل العقائد في البعثة، التحسين والتقبيح

و يضيف الشهرستاني أن األشعري قد فصل في مسألة الفعل و صدوره ). 1(و العقاب و ، بدليل أن األفعال المحكمة دالة على علم مخترعها، مما ينفي عنه صفة خلق األفعال

ن كل و من المعلوم أن علم العبد ال يتعلق قط بما يفعله م، هي صادرة من فاعل متقنإذ األحكام إنما يثبت ، و الفاعل الخالق يجب أن يكون محيطا بالفعل من كل وجه، وجه

و الدليل . و يدل على علمه ال علم غيره ، فيه من أثار علمه ال من أثار علم غيره). 2(و كان عالما به على كل وجه ، استحالة حدوث الفعل العبد بالخلق لدل علمه على ذلك

أال يعلم " لق فكيف يحاسب على خلقه ؟ و هذا ورد في قوله عز و جل و لو كان هو الخاو يذهب بذات االتجاه عبد القادر البغدادي عندما يعارض ". من خلق و هو اللطيف الخبير

أبي الهذيل و يرد على القول بالخلق و يثبت ما ورد عن األشاعرة و يعتبرها من الفضائح فهال قالوا " . ن ظالما و إذا كان خالق الكذب لكان كاذبا فإذا كان اهللا خالق الظلم لكا،

و اهللا " ألبي الهذيل إذا قلت أن اهللا عز و جل يخلق في اآلخرة كذب أهل النار في قولهم و جب أن يكون هو الكاذب بهذا ، )22اآلية –سورة األنعام " (ربنا ما كنا من المشركين

و ال يتوجه علينا هذا اإللزام ألنا ال نقول . القول إن كان الكاذب عندهم من فعل الكذبو لكنا نقول أن الظالم من قام به الظلم و . أن الظالم و الكاذب من خلق الكذب و الظلم

من كون أهل ) المقصود أبي الهذيل(ما تنكر... الكاذب من قام به الكذب ال من فعلهو ، كر هللا عز و جل على نعمه اآلخرة مكتسبين ألعمالهم ،و أن يكونوا فيها مأمورين للش

) 3...(ال يكونوا مأمورين بصالة و زكاة و ال صيام و ال يكونوا منتهين عن المعاصي يتبين من ذلك ما أكد عليه الشهرستاني عندما نقل ما ورد عن الشيخين أبا الحسن

خاصة ما قدمه هذا األخير من برهان يميز بين الفعل، األشعري و القاضي أبا بكرإذ يقول أن اإلنسان يحس من نفسه تفرقة ضرورية بين ، الضروري و الفعل المختار

فان الحركات ...كحركة المرتعش و حركة المختار ، حركتي الضرورية و االختياريةو ينقسم ، و منها ما هو قول و منها ما هو صناعة، تنقسم إلى أقسام فمنها ما هو كتابة

و هذا التمايز ، ة اليد كتابة و صناعة متمايزتينفكون حرك. كل فعل إلى أصناف و كذلك ، راجع إلى حال في إحدى الحركتين ؛ بتميز إحداهما عن األخرى كونهما حركة

و يشتق له ، و فعال كسبا فتضاف تلك الحالة إلى العبد، الحركة الضرورية و االختياريةثم إذا اتصل به ، تب و قال وقائلمنها اسم خاص مثل قام و قعد و قائم و قاعد و ك

أمر و وقع على وفاق األمر سمي عبادة و طاعة، فإذا اتصل به نهي و وقع على خالف و هو المقابل بالثواب ، و يكون ذلك الوجه هو المكلف به، األمر سمي جريمة و معصية

، نه موجودإن الفعل يقابل بالثواب أو العقاب ال من حيث أ). 4(أو العقاب كما قال الخصمعلى كونه فعال و . و الحسن و القبح حالتان زائدتان . بل من حيث انه حسن أو قبيح

فانه أضاف إلى ، كونه موجودا ؛ و هو أبعد من العدل؛ و القاضي أقرب إلى العدل

368: ص ، مصدر سبق ذآره، المقدمة، ابن خلدون 1 69- 68: مصدر سبق ذآره، ص ص ، الشهرستاني آتاب نهاية األقدام في علم الكالم 2

، بيروت، منشورات دار اآلفاق الجديدة، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي في دار اآلفاق الجديدة، ق بين الفرقالفر، )عبد القادر(البغدادي 3 106- 105: ص ص ، 1983الطبعة الخامسة

.و يقصد بالخصم المعتزلة الذين قالوا بخلق اإلنسان ألفعاله 4

Page 135: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

123

و . و قابل بالثواب و العقاب ما لم يكن من أثار قدرته . العبد ما لم يقابل بثواب أو عقاب و عين الجهة التي . فأثبتها فعال للرب ، لقاضي عين الجهة التي هي عنده تقابل بالجزاءا

ندرك من هذا النص أن فعل ). 1(هي فعل العبد و كسبه فقابلها بالجزاء و ذلك هو العدلالعبد ليس قدرا و ال مخلوقا بل اكتسبه، و هي من هذه الناحية تطرح مسألة القضاء و

أن األفعال االختيارية ليست من صنع .االختيار بارتباطـها بالعدل القـدر و حـرية بل من اهللا و ذلك لعلمه بها مسبقا بينما علم بها اإلنسان باالكتساب و استجابة لما ، اإلنسانو لكل نفس لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت و ذلك مصدر العدل عند ، أمر اهللالفالسفة ؟ أم كان للفيلسوف تصورا آخر لمفهوم فهل كان المصدر ذاته عند ا، األشاعرة

العدل ؟ :ابن رشد و مسألة العدل -3-أ-2

حول مسألة القضاء و القدر المرتبطة بها ، يتبين من الخالف بين المعتزلة و األشاعرةان موقف فكيف ك، و كذلك مسألة العدل التي هي جوهر النقاش، ضمنيا اإلرادة و الحرية

ابن رشد منه ؟ هل سلك مسلك المعتزلة ؟ أم اتبع االتجاه التصحيحي الذي انتهجته أنه قام برصد ، األشاعرة ؟ يتبين من خالل كتاب الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملة

مما دفع أحدهم إلى القول أن لإلنسان القدرة . األدلة الشرعية التي استند لها كال الفريقين و الفريق اآلخر قال بالقدرة ، فإذا أراد الحركة تحرك و إذا أراد السكون سكن، الفعلعلى

فابن رشد ، األحادية، ألنه كله من اهللا خيره و شره إنما تكتسب، و لكل نفس ما اكتسبتفهناك آيات تفهم ، و اعتمدت في التبرير بمعناه العام، يشير أن اآليات تفيد معنا ظاهريا

و هناك آيات تفيد ، و أن اإلنسان مجبور على أفعاله، تفيد القدر من ظاهرها أنهارصد و صنف اآليات الدالة ، االكتساب، لعل ما قام به فيلسوف قرطبة حتى يكون منصفا

، اآليات التي تدل أن األمور كلها ضرورية. و كانت حجة ادعاء أصحابها ، على ما دلتو من ) 49القمر اآلية " (كل شيء خلقناه بقدر إنا " و أنه قد سبق القدر منه قوله تعالى

" و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" اآليات الدالة على االكتساب مثل قوله تعالى ، فاالختالف في المعني الظاهري هو الذي أسس فريق يقول بالجبر) . 30الشورى اآلية (

ي في أن االكتساب و الثواب و و فريق ير، بحكم أنه الكل تم تقديره بقدر وهم الجبريةإال أن ابن رشد . دليل على أن اإلنسان مخير و ليس مجبورا و هم المعتزلة ، العقاب

و أتوا بالقول الوسط بين القولين فقالوا أن ، يشير إلى أن األشعرية وقفت موقف وسطكان و هذا ال معنى له فان، لإلنسان كسبا و إن المكتسب من مخلوقات اهللا سبحانه

و هذا هو أحد أسباب ، فالعبد مجبور على اكتسابه، االكتساب و المكتسب مخلوقان هللاالتحليل المنطقي الذي اتبعه ابن رشد في إتباعه الوسط بعدما ). 2(االختالف بهذه المسألةفالفرض أن اإلنسان موجد ، بطرح الفرض و إثبات عدم صحته، بين التعارض و نفاهكانت أفعال ال تجري بمشيئة اهللا و يكون هنا خالق غير اهللا وقد أجمع ألفعاله و خالقها ؛

و ، و الفرض الذي يقول أنه مجبور على أفعاله. المسلمون أنه ال خالق إال اهللا و هذا ما ذهب إليه جمهور ، و التكليف يقتضي االستطاعة، التكليف ال يطاق عليه

و ، االستعداد لما يتوقع من خير و شرو الفرض باالكتساب الذي يقتضي ، المسلمين

75- 73: بق ذآره، ص ص مصدر س، الشهرستاني آتاب نهاية األقدام في علم الكالم 1 187-186:مصدر سبق ذآره ،ص ص، الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملة، بن رشد 2

Page 136: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

124

فالقول باالكتساب قول ، االستعداد يستلزم نشاط عرف بالصناعة تعود بالمنفعة كالفالحة . ناقص لذا يستلزم الذهاب لالستعداد الذي يبطل الكسب بمعناه الظاهري

بل الجمع لعل ما حاول تبريره ابن رشد أن القصد الظاهري من الشرع ال يفيد التعارض و القول بالتوسط ؛ و هنا نلتمس الميل األرسطي عند ابن رشد ؛ إذ يري في . بينهما

و دليله أن اهللا قد خلق لنا قوي نقدر بها و نكتسب بها أشياء ، التوسط الحق و أساس العدلو كون االكتساب ال يتم إال بمواتاة األسباب التي سخرها اهللا مع إزالة العوائق . متضـادة

كأننا نفهم أنه يقول بالقاعدة الفقهية في باب ). (1(تتم باألمرين المنسوبة إليناانت األفعال كالتوسط و في معناه أن األسباب و المعبر عنها بقدر ) االستحسان أنه ال ضرر و ال ضرار

أو عائقة لها و عليه كان ، و المسخرة من قبله هي متممة لألفعال التي نروم إليها، اهللافما المعني الذي يلحقه إياها ، نروم إليه ؛ يقوم مقام اإلرادة التي هي شوق عند ابن رشد ما

؟ و هل مقامها كاف إلحداث العدل ؟ أو التصديق لشيء ما آت من ، ورد عند ابن رشد أن اإلرادة شوق يحدث بفعل التخيل

أو ، شيء مرهوب نفرناهو إذا كان ال، فإذا ورد و اشتهيناه ذهبنا إليه وأردناه. الخارج و يستشهد بما أتي . ذلك المعني الذي أراده لإلرادة التي نفهم منها الحرية ، نفرنا منه

الرعد اآلية " (له معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من أمر اهللا "بالتنزيل الحكيم و إن كانت إرادتنا ، و إن كانت األسباب تسير وفق نظام محدود مرتب بالتضاد ، ) 11

و عليه . فمن واجبها تتوافق مع ما قدر لتلك األسباب ، ال تتحرك إال بفعل تلك األسبابو المعني ال يفهم . التي هي مقدرة من اهللا و اإلرادة ، حدث االرتباط بين أسباب األفعال

ليأتوا أفعالهم، بينما األسباب ما سخر اهللا لعباده ، منه مبدأ العلية كما ورد في مبادئ العقلو عليه كانت الحرية و المسؤولية وجهان . و ما يترتب من أفعال كان سبب الجزاء

و منه ندرك أن ابن رشد يري في التعارض ، لحركة واحدة و التي منبعها اإلرادةو ، الظاهري بالنصوص المعتمدة في المحاججة ال تنفي الكسب و ال اإلرادة و ال القدر

و أن كل موجود و جد ليكون علة لآلخر ، على أن النظام مسخر و مقدريلتمس دليله كالتغذي و ، و المسخرة من قبل اهللا و به تتحرك أجسامنا، بفعل القوي الكامنة بذاته

فلوال هذه القوي الموجودة . جالينوسو هذا ما قالته الفالسفة من قبل بدأ من ، اإلحساسام السماوية ،و في جميع الموجودات لما بقت طرفة في الحيوان و اإلنسان و حركة األجر

و مرد القدر إلى النظام القائم على ، إذا كان مرد الحركة و الوجود إلى القوي). 2(عينفإلى إي جهة يتم رد العدل ، و مرد الحرية إلى اإلرادة، و مرد اإلرادة إلي الشوق، التضاد

؟رتبطت عند الفقهاء والمتكلمين و الفالسفة، لعل مسألة العدل أحد المسائل الشائكة التي ا

. و ارتبطت ظاهريا بالنص القرآني ، عندما ارتبطت عضويا بالقدرة و الفعل و اإلرادةأو الخير و الشر، و بالتالي العدل و ، مما كان مرد هذه المسألة بمقولتي الحسن و القبح

ندما ربطت المسألة من هذه الزاوية يعارض ابن رشد األشعرية ع.الجور أو الظلم و ذلك أن الشاهد كما زعموا اتصف ، و أن الغائب بخالف الشاهد، بالشاهد والغائب

و من ، بالعـدل و الجور، فمتى فعل اإلنسان شيئا هو عدل بالشرع و كان بذلك عادال

1 188: ص ، المصدر ذاته 2 192: ص ، المصدر ذاته

Page 137: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

125

بل ، و ال يوجد في حقه فعل هو جور أو عدل. فعل من وضع الشرع أنه جور فهو جائر و في هذه ؛ و كما سبق ، مما يثبت القصد بالكسب من قبل اإلنسان، كل أفعاله عدل

ألنه من غير الممكن أن يحمل العدل و ، اإلشارة أن الظاهر يفيد التعارض عند ابن رشدو ، فالعدل معروف بأنه خير، بل جعل األسباب من أجل التوازن بينهما، الجور معا

فمن جهة المسموع فاهللا قد . جور أو عدل و اهللا ليس بنفسه. الجور معروف بأنه شر شهد اهللا أنه ال إله إال " و نفي عن نفسه الظلم بدليل ما جاء في الذكر ، وصف ذاته بالقسط

و كذلك ما جاء في ) . 18آل عمران اآلية " (هو و المالئكة و أولو العلم قائما بالقسط إن اهللا ال يظلم " مما قال كذلك و ، )182آل عمران اآلية"(ما ربك بظالم للعبيد" قوله

مما يفيد أن اإلنسان يصدر ). 44يونس اآلية "(الناس شيئا و لكن الناس أنفسهم يظلمون و بالتالي يكونون مصدر شر و .غير أن اهللا ال يرضي لعباده الكفر ، منه الشر و الظلم

فما مصدر الكفر و الشر إذن ؟ هل هو من اهللا أم الطبيعة ؟ ، جوربما انه واضع أسبابه، ، عل اهللا لديه القدرة و المشيئة في رفع الظلم و الشر عن اإلنسانل

و اإلنسان بإرادته يسلك مسلك الخير أو مسلك الشر، بدليل ما ورد في التنزيل الكـريم مما يتبين أن هناك عنصر آخر ، ) 13السجدة اآلية "(و لو شئنا آلتينا كل نفس هداها "

والتي عرفت ، و هي النفس كعنصر طبيعي يحرك اإلنسـان، لشر و الخيريعد مصدر افالطبيعة التي خلق منها ، عند ابن رشد بالطبائع المهيأة ،و كانت الحكمة اإللهية في ذلك

والتركيب الذي ركب به من نفس لوامة و نفس أمارة بالسـوء و نفـس ، اإلنسانو أن يكون الشر أقل و الخير أكثر، . اقتضت أن يكون بعض من الناس أشرارا، مطمئنة

فالمعلوم من نفسه أنه ال بد من وجود الشر األقل أفضل من إعدام ، بحيث أنه ال يعدم الشرفالحكمة اإللهية اقتضت من أحد األمرين إما أن ال يخلق األنواع التي توجد ، الخير األكثر

و مثل ، األكثر بسبب الشر األقلفيعدم الخير ، فيها الشرور في األقل و الخير في األكثرهذه الحكمة التي خفاها اهللا عن المالئكة و اعتبرها سرا يوم خلق آدم و أمرهم

إن التعارض ما بين الخير و الشر ). 1(بالسجود له و لو نفي الشر من اإلنسان لكان مالكأتجعل "المالئكة فلو غلب الشر لكان العالم مثل ما قالت ، في ذات اإلنسان أمر مقدر سلفاو الطبيعة ، و غلب الخير لكان العالم مثله مثل عالم المالئكة" فيها من يفسد و يسفك الدماء

.ال بد لها من تخلخل حتى يحدث التوازن إال أن ما يثير االنتباه عند ابن رشد قوله باإلرادة التي تقف أمام مسلكين، مسلك يوصل

هذا ال يختلف عن ما قالته المعتزلة عندما قالت إذا و هو ب، إلى الخير و اآلخر إلى الشرو هذا ما ورد عن القاضي عبد الجبار ، أراد الحركة تحرك و إذا أراد السكون سكن

فالذي يدل على ... أن هذه التصرفات يجب و جودها بحسب قصدنا و دواعينا ، المعتزلىأن أحدا إذا دعاه أن هذه التصرفات يجب وقوعها بحسب قصدنا و دواعينا هو أن هو

و كذلك الكتابة ال ... الداعي إلى القيام حصل منه القيام على طريقة واحدة و مستمرة و يدرك في معناه أن ). 2(تحصل إال بعلم و ال تستكمل إال بما تحتاج إليه من قلم و غيره

كون و بذلك ي، الفعل الصادر عن اإلنسان يكون مقصودا بتوفر األسباب التي يترتب عنها

196: ص ، المصدر ذاته 1 2 33-32:ص ص ، مصدر سبق ذآره، الشروح الخمسة، القاضي عبد الجبار

Page 138: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

126

و . القول أن األفعال غير مخلوقة فيهم لكانت مجبرة عليهم و ال صح الثواب و العقابإنما بتوفر األسباب حدث الفعل كأن تدعوا أحدا إلى األكل و كانت له الشهية حدث فعل

فالمعقول من المحدث هو من يقع الفعل منه بحسب قصده و دواعيه و بنتفي ، األكلبصدور الفعل من المحدث مع توفر أسباب حدوثه ؛ سواء فالقول). 1(بحسب كراهته

قول متفق عليه بين ابن رشد و المعتزلة لذا . بالرغبة أو الكراهية أو باإلقبال أو بالدفع و عليه كانت مسألة العدل من المسائل التي ، كان التقارب بينهما من هذه الجهة مكننا

يه من قدرة على إدراك الحسن و القبح، و لما لد، نزحت إلى العقل، و اتخذته مرشدا لهاو هنا نلتمس قدرة العقل على االستدالل و البرهنة و توجيه الصنائع لما هو ، تقديرهما

يؤكد بأن الفعل ال ، و وجه المقاربة بين ما ذكر عند الفالسفة و المتكلمين. أصلح و أنفعه أو بفعل الشوق كما هو ، زلةيصدر إال بالدواعي و الصوارف ،كما هو الحال عند المعت

و الشوق عنده اإلرادة التي تقف أمام طريقين طريق الخير وطريق ، الحال عند ابن رشدو هو ما ، و يبقي أمر االختيار متوقف على توفر األسباب الداعية إلى الفعل. الشر ،

ا يقومان على مما يتأكد أن النقاش الذي هو الجدال لكونهم. عبرت عنه المعتزلة بالدواعي ال تخالف الشرع في ظاهره ،من ، المحاججة يهدفان الوصول إلى قضايا مبرهن عليها

حيث أن الظاهر قابل لإلدراك من قبل الجمهور، بمعني أن الجمهور يشارك في المجادلة و هي مجالس غالبا ما تكون بالمساجد كالحلقات التي كان ، في المجالس التي خصت لذلك

، و من باب المقاربة كذلك أن المحاججة تعد عملية اتصالية. علم الكالم يترأسها مشايخ، يأخذ له حيزا مكاني يمكن تسميته بالفضاء العمومي، يتشارك فيها جمع من الجمهور

أليست هذه المقاربة . الذي عرف عند الفالسفة المعاصرين و منهم األرسطيين الجدد لة العدل بمفهومه المعاصر القائم على العدل في كفيلة بأن يفتح النقاش من جديد في مسأ

و ندفع بالظلم الذي لم يجلب إال العنف ؟ لعل و مما تقدم أن المسلمين قد برزوا ، التوزيعو مما تعلموه عند ممارستهم لها عند ، و هذا مما ورد في القرآن، في فن المحاججة

هنوا على قدرتهم في خوض زد على ذلك أنهم بر. دفاعهم عن مسائل كمسألة التوحيد أال يمكن أن تكون لمثل هذه الجرأة ، نقاش مس حتى ما هو مقدس كالقول بصفات اهللا

و تفتح فضاءات أو مجالس للنقاش أين يرحب باالتفاق و تطرد كل ، تشجيعا مستمرا األسباب الموصلة للعنف ؟

II - المناقشة و عالقتها بالعدل أخالق أين تم التعرض للمرحلة ، نسج النصوص السابقة مع هبرماس من األخالق إلى التواصل

خاصة عندما تم االفتراض أن ، كوهلبرغالسادسة من النظرية التطورية األخالقية لـالقية الشمولية، والتي يستوجب على كل الشخص بهذه المرحلة يدرك المبادئ األخ

و التي تتضمن احترام الحريات ، شـأن ذلك شأن حقوق اإلنسان، اإلنسانية احترامهامثل هذه المبادئ العامة المنصوص عليها، و . كحق التواصل و تبادل المعلومات ، الفردية

قاش عام داخل الجمعية التي ما فتئت أن تولدت عن ن، المتفق عليها في مواد الهيئة األممية، الفردية أو الخاصة او هي ذات المبادئ التـي توجـه قراراتن. العامة الخاصة بالهيئة

بمعني أن األحكام الخاصة ال تخرج عن المبـادئ العامـة المتفق عليها عالميا، و بالتالي

35:ص ، المصدر ذاته 1

Page 139: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

127

تم وضع أسس و عليه ي. يتم الربط بين اتخاذ القرار و وضع القيم السياسية و القوانين و هي ذات المرحلة السادسة ) . D(و المناقشة) U(العدالة التي تقوم على مبدأ الشمولية

مما يدفعنا كذلك إلى نسج . على كونها مؤسسة ألخالق المناقشة ، التي اعترض عليها آبلأين يبعد ، خاصة الواردة في كتاب المناقشة و المسئولية، الخيوط مع نصوصه

و يذهب إلى اقتراح . ه المرحلة من كونها مساهمة في تأسيس أخالق المناقشة آبل هذخاصة عندما ، و يتفق بذلك مع هبرماس من حيث مضمون المرحلتين، المرحلة السابعة

و . يعتمد باألساس على التواصل اللغوي القادر على حمل الصيغ التبريرية أثناء المناقشة و بهذه المرحلة أي السابعة يكون األمر ، الضمير الخلقيبذلك يكشف مساهمتها في تكوين

وعليه يتم االتفاق على مبدأ الشمولية المؤسس ألخالق . أين يقترح مبدأ شموليا ، مثاليابل عن طريق التفاهم الحقيقي بين ، و هذا ال يتم بالتجربة االفتراضية للفرد. المناقشة

تتساوي مع كل أفراد ، خالقية حرةو ضمن شروط سياسية و أ، األشخاص المعنيينالمجتمع العالمي االفتراضي، خاصة تلك المرتبطة بوضع القيم السياسية و األخالقية التي

. تنبثق منها التشريعات المنظمة لألنظمة السياسية المحققة للعدالة خالق على ذلك أن آبل ميز بين األخالق التي تلين الفعل وتجعله قابل للمناقشة و بين أ زد

األولى و مثل ما أرادها هبرماس تتوافق مع األمر . تضع المصالح الفردية في تصادم و عليه يقترح آبل تدخل الثالث . والثانية تتماشي مع األمر الشرطي، المطلق. الذي يرجح الكفة عند توجيه النقاش نحو تحقيق المصلحة العامة، )chairperson(كرئيس

مما يجعلنا نتذكر ما قاله . يمنة طرف على طرف آخر و يكون بذلك قد وضع حدا لههذا الرئيس هو شبيه بالثالث . بأن الوسط يكون بين ما هو أكثر و ما هو أقل ، أرسطو

و كما ذكرناه سابقا أنه مدعم بإلهام إلهي ؛ يمكنه من حل الصراع بين ، الذي طرحه هوبزالعقل السليم ؛ و قوة روح القانون المتخاصمين حول رغبة مشتركة ؛ و هذا اإللهام مدعم ب

و هو عند آبل واجبا أخالقيا ؛ يمكن ال محالة ؛ من إعطاء تصور للعدل بما أن الوسط . عند ما يحدد مهمة ، نفس الفكرة نجدها عند هبرماس. الممثل في الثالث محققا له

اصة عندما يوجه النقاش التداولي الخاص بوضع اإلجراءات التشريعية الخ، القاضيو ما ، فمسألة العدل المترتبة عن النقاش و المداولة تجعلنا نتساءل عن ماهيتها. بالعدالة

هـي مقوماتها ؟ هل العدل المني على النقاش يحقق المساواة ؟ أم المناقشة تتعدي ذلك من ، عند وضعها للقوانين الضابطة لعمل القاضي المشرف على تطبيقها و االمتثال لها

فهل عملية ، ين لها ؟ و كون هذه المشاركة ال تكون إال ضمن عملية تواصليةقبل المشاركالمناقشة تقتضي قنوات اتصالية مدعمة بصيغ تعبيرية تساهم في إدراك المضامين

التشريعية ؟ :ةمن الشمولية األخالقية إلى الدفاع عن المساوا.. التبرير 1

المرحلة أين يعتبر، كوهلبرغية لـيتشكل عند هبرماس تصور مبني على النظرية التطورخاصة ) maximes(في كونها تتبني مبادئ أساسية ، ما بعد االتفاق متميزة عن سابقاتها

و في حالة إخفاقها ، و القائمة على افتراضات قابلة للتقييم ضمن مؤسسات خاصة، بالنشاطواقعيا فتتحول إلى مبادئ معترف بها، و هذا ال يتم إال بالنقد. عند التقييم

)factuellement ( إال أن المواضيع الخاصة بمرحلة ما بعد . على ضوء القيم المجردةال يمكنها أن تأخذ هذا التمييز ؛ من حيث هي قيم أساسية ؛ بمجرد أنها قواعد ، االتفاق

Page 140: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

128

) normes(هبرماس ما بين القيم هنا يميز، بسيطة قائمة على قاعدة ذات خاصية مبادئمن حيث أن هذا االختالف مرتبط بالنشاط من ، )règles(و القواعد) principes(والمبادئ

فكلما تحولت المبادئ إلى المجرد عن طريق الحدس ، و بالحدس من جهة أخرى، جهةكأننا بنفس مفترق الطرق . و كلما ارتبطت بالواقع تحولت إلى قواعد . تحولت إلى قيم

( المحددين للقيم األخالقية ، لي و ما هو بعديالذي وضعة كانط لإلرادة ما بين ما هو قبكمراحل تطورية للنشاط و ، فما هو قائم على المراحل المذكورة آنفا). الخير و الشر

العملية لديها خلفية نظرية إذ يعتبرها هبرماس نظريات أخالقية . اكتساب القيم األخالقية و في المقابل يشير إلى تلك . يني إما أن تكون ذات نبع ميتافيزيقي أو د، مستقلة ذاتيا

وصوال إلى تلك ، بداية بتلك القائمة على النقد الشكلي الهيجلي، النظريات األخالقيةالموضوعة من قبل األرسطيين الجدد، و التي يعتبرها مكسبا مؤسسا لألخالق العملية

ختيار أي ومنه يشير إلى إمكانية اتخاذ القرار بواسطة مبررات اعتبرت جيدة ال. عامة و في ذات الوقت إعادة بناء أحسن محور شمولي لحدوسنا األخالقية، ، النظريات األخالقية

و منه ). 1(أو بتعبير آخر و من وجهة نظر أخالقية ما يرنو إلى تصديق شمولي فما ، قائمة على التصديق الصادر عن أخالق المناقشة، يطرح تصوره للعدل كقيمة أخالقية

الذي جعله يترجم تصوره للعدل باألخالق ؟ و هل سيدعم هذه الترجمة بتحديد هو الدافع مهام القاضي ؟ و هل عملية التشريع ارتبطت بأخالق المناقشة ؟

:هبرماس و مفهومه للعدل من منظور أخالق المناقشة -أ-1يقدم مقدمات غنية الذي ، ما يقوم على األخالق وفق التصور األخالقي الكانطي

لوضع نظرية العدالة المدعمة بجهات ، بالمقترحات مأخوذة من النظرية األخالقية الكانطيةمما . ال يتصرفون و بمقتضي الحاجة إال بطريقة معقولة دون االلتزام بالواجب ، متعاقدة

، متحنإال أنه و بالمقابل على المنظر أن ي، يوحي باالبتعاد عن التصور الشكلي الكانطيكأنه ، تتوافق مع حدوسهم األخالقية، إذا كان بنائه المعتمد على المبادئ المتفق عليها

التي عوضت بالمعقولية و االتفاق، و أبقي على المبادئ و الحدس ، حذفت مقولة الواجبو تكون بذلك الفرضيات المقترحة مراقبة بالتفكير الذاتي المتوازن، الذي يضمن أن .

و يكون بذلك التفكير .اسية الحاصلة بين الجهات المتفقة تكون منصفة االتفاقات األسكل واحد بإمكانه وبفضل العقل ، ألنه و على حسب كانط، الذاتي شبيه باألمر المطلق

و بهذا يكشف لنا هبرماس عن العالقة النظرية ما بين .أن يعي القانون األخالقي ، العمليرح في مقابل العقل العملي العقل التعاقدي الذي هذا األخير الذي يقت، كانط و راولس

من هذه العالقة التي تحمل كمقام ). 2(تصدر منه القرارات العقالنية من الجهات المتعاقدة و التي تطرح إشكالية تقييم المسائل األخالقية، التي تقتضي اختبارا ، مشترك فكرة التعاقدو أن الفعل الصادر عن صاحبه ، يا عادالبحيث إذا كان الفعل أخالق. موجها نحو الفعل

و منه كانت فكرة . ناتج عن اتفاق عقالني بين المعنيين بالفعل دون إكراه أو ضغط و من وجهة معرفية تطرح من زاوية الفلسفة األخالقية أنها تتطلب عملية تبريرية ، التعاقد

1 Habermas(Jürgen) , De l’éthique de la discussion, op-cit , p : 52 2 Ibid , pp :56-57

Page 141: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

129

التفاهم القادرة على جعل العالقة القائمة بين أطراف العقد مبنية على )Intercompréhension .( أو استنادا على مفاهيم مأخوذة من علم االجتماع المعرفي مثل

) . Empathie(أو من الفينمولوجيا ما يعرف بمعرفة الغير ). Interaction(التفاعلو وفق الفكرة القائلة بأن التفاعل أو معرفة الغير ، من مثل هذا التدحرج الذي قام هبرماس

العملية تتم ، فمن جهة معرفة الغير. يق النشاط التواصلي بين اثنين على األقل تتم عن طربطريقة حدسية أين يعبر المعنيين عن شعورهم بقدرتهم على التفاهم، غير أن هذا التفاهم

هذا يجعلنا ننتقل إلى الجهة األخرى الخاصة ، اقتضي عملية حوارية أوجبت التصديقو عليه كان التفاعل ضمن الدور المنوط للفاعلين . ج الحواري بالتفاعل التي تتبني النموذ

) Le rôle(أين يتبنون مفهوم الدور، مما يدفع هبرماس إلى تصريح يشرك فيه آبل. و هذا وفق المفهوم الذي يتماشى مع النموذج ، المأخوذ من سياق علم االجتماع المعرفي

و على حسب ) Mead( ميدفـ. ية الحواري ،و الذي يراد منه أن يكون بمستوي العالميذهب إلى أن األمر المطلق يعمل على تكوين اإلرادة ضمن شروط مثالية ، هبرماس

إذ به تناقش المسائل العالقة و المرتبطة بالمصلحة . مصاغة في إطار حوار شمولي . و تكون بذلك المناقشة ضمن العملية االتصالية ، أين يقتضي التبرير، )1(العامة

أال ينقصنا حتى ندفع بمسألة الفعل : التدحرج جعل هبرماس يطرح اإلشكال التالي هذا

و ، التركيز على ظاهرة التصديق، على منوال كانط، وكذا مسألة الحياة األخالقية العادلةالخاصية اإللزامية لألوامر ؟ هنا نسقط بمشكل قد ينفصل عن كل الظروف الحسية

أليس من األجدر أن ندقق ، الذوات المتعددة الشخصيات و العالقات و، الخاصة بالحياة ؟ )2(مسألة التبريرات المقدمة لصالح المبادئ الخاصة للفعل

الذي حاول حل النزاع من خالل ، كوهلبرغعن هذا اإلشكال يجيبنا هبرماس على لسان و من ، خرو محاولة التقريب بينهما ألجل رفاهية اآل، مقابلة أخالق العدل بأخالق العناية :تقييمه على ما يلي كوهلبرغو تجاوزا لكانط يبني ، أجل تقييم مثل هذا االقتراح المهم

إذ يري أننا نخفق ، مما يذكر نقد هيجل لكانط، )benevolence(مقاربة العدل بالتطوع -و مقابلة ، في مسك الوحدة األساسية للظاهرة عند مقابلة مبدأ العدل مع الخير المشترك

فهو يعارض ، و منه يؤسس الحياة األخالقية على إنزالين متماثلين. اية برفاهية اآلخرالعنو ضمن الحق ، المحدثين نمثلما هي معرفة عند الفردانيي، من خاللهما الشمولية المجردة

و يرفض . و كذلك ضمن فلسفة األخالقية الكانطية المبنية على اللزوم ، العقالني الحديثيعيد كوهلبرغ. مثلما هي معروفة بأخالق المدينة ألرسطو ، الواقعية الرفاهية الذاتية

أين يلزم ، لكن وفق مقدمة يوصفها بما بعد الميتافيزيقا الصارمة، القصد األساسي لهيجلأن تبقي مفصولة عن المسائل المعيارية ، المسائل المرتبطة بالتقييم الخاص بالحياة السعيدة

و التي هي قابلة للتنظير، أي التفسير ، العادل) coexistence( مع -التواجدالخاصة بـو منه يمتحن إنزال المسائل األخالقية التي تتخذ . العقالني الذي يميل إلى اإللزام الشمولي

وتقصي بذلك ، و غير المبالغ في تقييدها، فيها قرارات عقالنية على المسائل المقيدة بالعدل

1 Ibid ,p :60 2 Ibid ,p :62

Page 142: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

130

إن كانت مرتبطة بتاريخ الحياة و ، قة لها بالتقديرعند االقتضاء العناصر التي ال عال .األشخاص أو أشكال الحياة و الجماعات

بعين االعتبار النزاع الذي يتجدد بين المقاربات النفعية كوهلبرغوضمن أفق آخر يأخذ -دون أن ، (benevolence)حول مسألة التطوع ، )déontologique(و األدبيات الواجبة

، إال أن التبني المثالي يتمثل في الدور الذي يضمن االتفاق المؤسس. نى موقفا وسطيا يتبو الذي علق على اعتبار النتائج التي كانت من المفروض أن تكون بحوزة النشاط

و هذا ال يعني . و المتبناة من أجل إشباع كل من بدى معنيا ، الشمولي المتنازع حولهوعليه انتهي إلى القول بأن الحقوق و الحريات . و أفق خالص البتة أن توجه النتائج نح

و أن ال ، األساسية لألفراد ،ال يجب أن تكون محصورة باعتبارات خاصة بالمنفعة العامةبل أن يكون مبدأ العدالة حامال معني ، يكون مبدأ العدالة محدودا بمصلحة مبدأ المنفعة

كن تأويله بالشكل الذي ال تبدو فيه معالم العناية و المم، االحترام المتساوي لكامل األفراد .و الخير الواقعي قد تساوت مع معالم العدالة حتى يصبح األمر بديهيا

التقييم األخير يرتكز على توسيع النظرية األخالقية بحيث تتجاوز الطرح األرسطـي -أساس هذا الربط على. و تربط العالقة بين الحق و األخالق ، و النفعي و حتى المسيحي

و هنا يطرح السؤال . تصبح المسائل المرتبطة بالعدل متماثلة مع المسائل المرتبطة بالحقكيف يمكن للحرية االعتباطية لكل واحد منا أن تتعايش مع حرية الغير وفق القوانين العالمية ؟ و من هذا السؤال يعلن عن المبدأ األعلى لنظرية الحق الكانطية بدل المبدأ

:مبلورا التصور المتعرض إلى سوء فهم و الممكن حصره في النقاط التالية ، األخالقيمبادئ وقواعد العدل تتأسس وفق أخالق إجرائية ؛ التي تكون و بشكل طبيعي قادرة -

على ضبط الظروف المعيشية بالمجتمعات الحديثة ؛ ضمن الحقوق األساسية و حق ألخالق اإلجرائية ؛ يمكن أن تفهم و تأخذ كمبادئ و بصيغة طبيعية األسس ا. الملكيـة

تختلف عن إعانة ، ألن العائلة و نظام الشغل و المدرسة و الجار. للعدل في التوزيع المحتاجين و االتفاقات الخاصة بالحدود الذاتية و حماية الغير و اإلخالص و واجب

ماشي مع الحق و أخالق و منه ندرك الفرق بين األخالق اإلجرائية التي تت. اإلعالم . العناية

و هذا عندما نتساءل ، المقاربات األدبية تفرق بين المسائل التأسيسية و المسائل التطبيقية -بمعرفة إذا كانت القيم أو الكيفية التي تصرف بها محل نزاع ، حول المسألة الخاصة

صحيحة تستحق االعتراف البيذاتي ؟بالرغم من العالقات ، ن تتجاوز أوامر الحق الوضعياألحكام األخالقية يمكن لها أ -

.القضائية التي قد تكون شرعت في األساس على قيم أخالقية مبررة و محاولة التقريب بينهما ألجل ، من التقييم المقدم حول مقابلة أخالق العدل بأخالق العناية

و بين العناية ، تركتحقيق الرفاهية ،و هذا عندما نقابل بين مبدأ العدل مع الخير المشبالرغم من إمكانية وجود فهم خاطئ ، مثلما تم الربط بين الحق و األخالق، و الرفاهية

جعل فيه األول، ثالث أسس للتفكير حول العدل كوهلبرغ و عليه وضع. لمثل هذا الربط ص إلى صف العدالة نسبية ؛ عندما تكتسب من تقدير محايد عن األعمال المتنازعة ؛ و تقل

فعل الخير يعني االبتعاد عن كل ما مرتبط بمبدأ الثاني. مبدأ العنايةالمبادئ أين تتمم بـعلى مستوي المواقف أين الثالث. أي كل ما حقق خيرا للفرد دون الجماعة ، هو ضار

Page 143: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

131

من . الشفقة و الخدومية و الحس المدني نلتمس القلق نحو تحقيق الخير للغير من خالل العدالة على المبدأ الكانطي ؛ القائم على االحترام المتساوي كوهلبرغسس يؤسس هذه األ

المحقق للكمال و الشرف ؛ المرتبطين باألمر المطلق الذين صيغا لتحقيق النهايات لكل ). 1(والقصد بمبدأ التساوي في االحترام المساواة في التعامل عامة، واحد

أن العدالة التي صيغة وفق فكرة مرحلة ما بعد ب، و يخلص هبرماس مما سبق إلى القولإال إذا لم . ال يمكنها أن تتقارب مع التضامن أو إلى شيء آخر من هذا القبيل ، االتفاق

ألن التمثالت األساسية . تحول على ضوء فكرة تشكيل اإلرادة عن طريق نقاش شمولي كل األخالقيات التي تتمركز في، للمساواة في التعامل و التضامن و الخير المشترك

، و المتضمنة الشروط التماثلية، )prémoderne(نجدها حتى بالمجتمعات ما قبل الحداثة أين تتداول المقترحات وفق ، و االنتظار المتبادل الخاص بكل نشاط تواصلي يومي

ا إلى و كما أشير سابق، و الفعل التواصلي الذي يهدف في األساس، التداولية الشموليةهي قبل كل شيء مقدمة وفق االعتراف ، فاألفكار المرتبطة بالعدل و التضامن. التفاهم دون التعدي على حدود ، ألشخاص مسئولين يوجهون أعمالهم قصد التصديق، المتبادل

و كما أشير سابقا ، التصديق في األساس. الحياة للعائلة أو العشيرة أو المدينة أو األمة التبرير الذي يسمح بتجاوز هذه الحدود إذا ما أدرجت ضمن المقترحات قائم على، كذلك

أين المحتوي المعياري لهذه المقترحات يصبح شمولي و مجرد داخل المجمع . المتداولة أين كل واحد قد عبر عن ، الشامل) communauté communicationnelle(االتصالي

و ، العدل القائم على المساواة في التعامل ومنه يدرك معني) . 2(قدرته في الفعل و الكالمأين نجعل على قدم المساواة كل واحد عبر عن قدرته . المحقق داخل المجمع االتصالي

مما يسمح له في المشاركة في النقاش و مداولة المسائل المرتبطة . في الفعل و الكالم بط بالحق و القضاء و التشريع، فإذا كان للعدالة وجه آخر مرت. بالعائلة و المدينة و األمة

أال يمكن أن يكون لهبرماس تصور عن العدل و ، مع إحداث تماثل بين القيم و القانونفهل ألخالق المناقشة دور في عملية التشريع و ، القضاء ؟ و إن كان األمر كذلك

لعلني قبل إصدار األحكام ؟ و هل يعني أن مجلس القضاء الذي يعتمد على التداول ا هو ما عرف بالمجلس التأسيسي للقضاء ؟ ، إصدار الحكم

:موقف هبرماس من علماء االجتماع و مفهومهم للحق و العدل 1-أ-1ماكس يستهل هبرماس في تعرضه لمعني الحق و العدل عند علماء االجتماع من أمثال

لذي تحول مفهومه بالتعرض لمعني الحق ا، )Talcott Parsons( تالكوت بارسونز و ويبرفالحق الطبيعي . بداية من هوبز إلى هيجل ، مع التحليالت التي خصت الدولة و المجتمع

و المجتمع ، إستمثر العالقات االجتماعية قصد إعطاء الشرعية لمجتمع محكم التنظيمأمام المفهوم . العادل كان مضطر أن يظهر بأنه مؤسس وفق برنامج قضائي عقالني

ق و ضمن النظريات التعاقدية و المقصود بها هنا ؛ بناء مؤسسات هيكلية العقالني للحالمحافظة على المجتمع كهيكل مؤسس قصديا على الجمعيات أين ، و باسم الحق العقالني

1 Ibid, pp : 63-66 2 Ibid, p : 69

Page 144: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

132

هذه الفكرة منالها أن تظهر و لو بصفة ). 1(أعضائها يتمتعون باإلرادة المستقلة و بالمساواةبداية كقاعدة ، الخلفية التي تمكن من ظهور المجتمع المدنيمبهمة ؛ مصداقية اكتساب

مثل هذه الخلفية تمر عند ، طبيعية أين األطراف تلتقي كذوات متساوية و مستقلة مبدئياال مـن المنظور ، منظري العقد االجتماعي بالحالة الطبيعية من منظور الهيمنة

.االقتصادي و بالتالي االقتصاد السياسي، الذي ، االقتصاديةمع أدم سميث و ريكاردو تتطور النظرية

هيمن عليه بقوانين غير معروفة شكلت حركة السلع ، شمل المجتمع المدني ضمن فضاءمثل هذا التصور عرف عند هيجل بنسق الحاجيات أين األفراد . و العمل االجتماعي

، دماج االجتماعياالن تمن جهة أخري يبدو أن ميكانيزما. حرموا من حرياتهم الحقيقية يختلف تمام االختالف عن المعايير ذات الصفة ، من خالل ما يقدمه الحق العقالني

و بالتالي يكون التنظيم االجتماعي مبني على العالقات االقتصادية دون أن . الطبيعية ومنه يكون الحق مبني على هيكل سياسي ذا قاعدة ، يكون مبني على العالقات القضائية

. خاصة بالمجتمع الذي تخضع فيه طبقة لهيمنة طبقة أخري اقتصادية على أمل مؤسس من فلسفة التاريخ، ، من جهة هبرماس يستلهم فكرة الوظيفية من ماركس

التنشئة االجتماعية تقلص االندماج االجتماعي إلى درجة الوهم المنجز ؛ تأين ميكانيزمامثل هذه وجهة ، تفق عليه أو بواسطة الحقبواسطة القيم و المعايير المتضمنة بالمسار الم

أين المجتمع يتخلى عن حركية التاريخ من خالل ، من النظر و مرورا بعدة نظرياتو تسلط مسار التراكمات السريع و الممتد على الكل، و ، اإلكراهات المتكررة

ة أخري غير أن هبرماس و من جه. المجمد و المجسد داخل عالم العالقات االجتماعية التي أولت سلبيا على أنها ، التي تضمنت نظرية األنساق) mélancolie(يعتبر المالنوخوليا

فبواسطة مفهوم المجتمع المفكك إلى عدة ، تمسكت بالمضامين التي تحمل معنى الضغط، ذات قدرة على رفع قيمة نظرية األنساق عن النموذج الماركسي، أنساق وظيفية مختلفة

أن تجد االستقاللية الذاتية و ، راديغم جديد مكنت الدراسات االجتماعية للحقعند طرحها لب، )épiphénomène(فالحق من هذه الزاوية ال يمر كظاهرة مصغرة . الحرية التي فقدتها

و يشكل نسقا خطابيا يندرج ضمن عملية ، بل ينظر إلى ذاته أنه يحمل معنى خالصو ، ن مقاصدهم من خالل وضعهم للقواعد القضائيةاتصالية أين المشاركون فيها عبروا ع

أين كذلك الفاعلون يرون ذواتهم ضمن محيطهم القائم على لعب اللغة الخاص يأخذ مهمة تعميم ما هو ، الحق ضمن المجتمعات ذات الوظائف المتنوعة). 2(بثقافتهم

الخاص بحيث يصبح كل النسق ، مع إحداث االنسجام بينهم، منتظر من قبل الفاعلينفبالمعنى الضيق فهو يحمل أفعال ، متضمنا كل عملية اتصال مؤسسة من قبله، بالقضاء

بالمعني الواسع اإلجراءات ، الحق الذي يغير الوضعيات القضائية و المرتبطة فيما بينهاو بهذا المعني النظام . القضائية ضمن المؤسسات التي تقوم بتأويل النظرية القضائية

مكونة من قيم و أفعال قضائية مرتبطة و ، مستقال عندما تصبح مكوناتهالقضائي يصبح ترتبطان بعضهما البعض نأي اإلجراءات و النظرية القضائيتي، متضمنة بشكل تناظري

1 Habermas (Jürgen), Droit et démocratie (Entre faits et normes), traduit par Rainer Rochlitz et Christian Bouchindhomme, Gallimard, Paris, 1997, p : 58 2 Ibid, p : 62

Page 145: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

133

فهل باإلمكان أن يتحول الحق إلى ضابط اجتماعي ينظم العالقات . ضمن عالقة تناظرية؟ أم منعته ) régulateur(ا وظيفة الضبط االجتماعية ؟ و هل نظرية األنساق حـددت له

من ذلك ؟ التبريرات القضائية تأخذ مكانة مركزية في نظرية الحق، ، نظر نظرية األنساق من وجهة

التي تفصل بين ما هو ، التي تمتاز بخصوصيات اتصالية، و المؤسسة على فكرة المناقشةمن عملية توزيع القيم من خالل تبادل التبريرات المنبثقة، عادل و غير عادل

التأثيرات االنجازية المحتمل ، غير أن من وجهة نظر الوظيفية) . Code(و القانونالحصول عليها عند استخدام المبررات ،و التي تمكن النسق القضائي من إقناع ذاته عن

من ) Luhmann(و استنادا لما قدمه لومان ، هبرماس فمثل ما يوضح. شرعية قراراته و منه تكون . التي تسلخ ذاتها عن كل إدعاء بالشرعية ، تفسير عن اإلجراءات القضائيةفي القناة ) Output(بحيث ال وجود لما يعرف بالمخارج ، تدخالتها بالمحيط ممنوعة عليها

و بالتالي ، الذي يسمح له بإنتاج شكال من الضبط، االتصالية الخاصة بالنسق القضائيهذا ال يحدث إال في إطار ). 1(التي تستقبل كشكل من الشرعية، )Input(د لمداخل ال وجو

ألن الفضاء العمومي و الثقافة السياسية تصبح لغتهما غير ، مسار تطوري سياسيالتي تطلب ، و كل ما ينتجه الحق إال ضجيجا يعيق فهم اإلجراءات القضائية، مفهومة

فالحق المنسلخ من الشرعية . تعتمد على المناقشة التي، الشرعية من العملية االتصاليةو ، و المعرفة من قبل نظرية األنساق، يمنع من ممارسة الضبط داخل المجتمعات المنظمة، فهل كل ما ينتجه الخطاب القضائي. التي تتمتع برواج في األوساط العلمية األمريكية

اخلية التي يقدمها عن العالم و فق الصورة الد، يفترض أن يكون حبيس تمثالته الخاصة الخارجي ؟ وهل بإمكانه كذلك أن يؤثر في بناء المجتمع باستخدامه لالتصال االجتماعي ؟

إذ يحدد له مهمة الوسطية بحيث يحدد ، يرمم هبرماس دور االتصال تجاه الحق و المجتمععلى أنه وحدة ، مخولة لهضمن المكانة ال، له موقعا بالتداخل الحادث بين المجتمع و الحق

فتدخله إذن يكمن في الربط بين األنساق الفرعية ) . unité épistémique(معرفية و ، مبرزا بذلك ما يميز الحق عن المجتمع، آخذا من هذا التداخل كلمة مفتاحيه، للمجتمع

طة وعليه كانت نق. و كذا التأويالت الملحقة لهما ، المحدث بفعل التطور المشترك بينها، غير المبنية على الدوافع، االلتماس واقعية بين العائلة و االقتصاد و السياسة و التربية

بفعل حدث مشترك أال و هو ، بحيث تقاس على أنها أنساق فرعية تتداخل فيما بينهاالذي يمكنهما من الدخول في ، و بالتالي يرتبط الحق مع المجتمع بفعل التزاوج، التواصل

الذي عرف بالحق المتجدد ذاتيا ، منتجين بذلك شكال جديدا من الحق، الذاتي عملية التجدد)autopoïétique . ( فمصطلح التجدد الذاتي دخل في سياق نظرية األنساق، و التي استلهم

التي تقول ، و المأخوذة من النظرية البيولوجية، )Luhmann(أفكارها هبرماس من لومان ، لديه اإلمكانية و القدرة على الدخول في عملية إنتاجية ذاتية، )اإلنسان(بأن الكائن الحي

و هذا ما تأكده ، فبفعل الزواج يتمكن اإلنسان من تجديد ذاته، تمكنه من عملية تجديد ذاتهفالمصطلح في حد ذاته مركب من كلمتين . على أن الخاليا تتجدد ذاتيا ، االبيولوجي

و من ، و تعني خلق) ποίησις(بويسيس، م ذاتياو تعني كل ما يت) αύτός(يونانيتين،أوتو

1 Ibid, p : 66

Page 146: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

134

منه ترادف مع الشعر الذي اعتبره الهيلينيون شكال من اإلبداع و الخلق ، مرادفاتها اإلبداعمن خالل فكرة ، )Teubner(الشيء ذاته يطرحه هبرماس بمعية كل من لومان و توبنر.

و هذا كطرح . ض تجزيء المجتمع إلى عدة أنساق فرعية مستقلة عن بعضها البعمما يدفع ، ابستمولوجي مفاده أن هذه األنساق الفرعية تتالقي فيما بينها بفعل التواصل

، التداخل القائم على التركيب النظامي). 1(بتونبر إلى القول باالتصـال االجتمـاعي العام كون و ت، بحيث ال ينفصل الحق عن العالم المعيش و االقتصاد، و غير القابل لالنفصال

خاضعة للضبط الناتج عن التواصل ، األنساق الفرعية المنحدرة من هذه األنساق الكليةأن الترميم الذي أحدثه هبرماس ، يمكن مالحظة و استنادا لما سبق. المحدث بينها

الذي هو غريب عن ، يكمن في إضافته لمصطلح العالم المعيش، بين المجتمع و الحقو منه . إلحداث التوافق بين التنظير االجتماعي و الفلسفي للحق و هذا ، نظرية األنساق

يطرح التواصل كوسيط يتخذ كمقام مشترك لكل العمليات االتصالية المحدثة داخل المجتمع و في ذات الحركة ، كل فعل قضائي هو في ذات الوقت" منه تطرح المسلمة التالية .

، ابين خطاب اجتماعي قائم على التواصل، و الذي يشكل خط"حدث اتصالي اجتماعي فالتداخل بين الحق و أنواع أخرى من . و خطاب قضائي مشكال مؤسسات متخصصة

و أن ال ، من شأنها أن ال تحدث اندماج ضمن خطاب متعدد األبعاد، الخطابات االجتماعيةو ، ل خطاببل أن المعلومة يعاد بناؤها ضمن ك، تكون المعلومة متبادلة في سياق التداخل

و ، أن التداخل ال يضيف إال أحداث اتصالية متتالية تحمل ملفوظات تعبر عن الهوية، و عليه كانت اللغة المستخدمة ضمن الخطاب االجتماعي. المدركة بواسطة اللغة

و المالحظة من قبل الدارس ، كمرجعية إلدراك الهوية الخاصة بالذات االجتماعية، وسيطا يتحرك داخل كل المجتمع، تواصل االجتماعي العامالذي يعتبر ال، االجتماعي

مما ينقل ، باستخدام اللغة الطبيعية التي تسمح بترجمة اللغات األخرى المثبة بترميز خاصفما هو الدافع من الترميم ؟ هل يقصد منه إحداث تزاوج . المعلومة و يساعد على مبادلتها

ين نظرية األنساق من خالل التواصل ؟ و هل و ب، بين الظاهرية من خالل العالم المعيشاستخدمت اللغة في هذا التزاوج إلعطاء داللة للخطابين االجتماعي و القضائي ؟ و هل

يتجاوز كل ، الحق محتاج لمثل هذا التزاوج حتى يدرك العدل ؟ و هل هناك تنظير للعدالة هذه االعتبارات ؟

: للعدالة راولسنظرية -ب-1و ، قد يكون الحديث غير متناسق ؛ عندما يتعلق األمر براولس ؛ و نظريته للعدالة

إال أن لراولس . إدراجه في منطق النقاش الدائر بين هبرماس و آبل في مسألة العدالة ه في العدالة و تعامله مع الحق و و هذا لكون نظريت، التأثير و بطريقة عير مباشرة

و هو كذلك يشارك هبرماس مسألة ، ال تختلف كثيرا مع كانط و أرسطو، االستحقاق فكيف كان مفهومه للعدالة ؟ و ما هي األسس التي . العدل و طرحها من الوجهة الفلسفية

ول مسألة العدالة بنيت عليها عنده ؟ و هل كان لكل من هبرماس و راولس موقفا متباينا حبنفس الحدة عندهما ؟ أم أن التراضي ) Le bien être(؟ و هل تطرح مسألة الرفاهية

و االتفاق بعد عملية التبرير شكال محورا للتفكير حول العدل عندهما ؟ حتى نجيب على

1 Ibid, p : 67

Page 147: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

135

و مقارنتها مع ما ، وجب العودة إلى النصوص الكبرى لراولس، مثل هذه التساؤالت . عندما ناقش مسألة العدل عند راولس في كتابه الحـق و الديمقراطيـة، هبرماس تناوله

و المركب لغويا بصيغة ، )justice comme équité(مفهوم راولس للعدالة كإنصاف أو مثلما ، إذ يعرف المعرف بما يمثله، كأن نقول الفاكهة كالعنب، التعريف و المعرف

ه للعدل وجه نحو هدفين شكال حجر الزاوية لمسألة مفهوم. يشير راولس الشعر كالبالغة الهدف األول الذي سيساعدنا على صياغة و ترتيب العالقة بين أخالق المناقشة . العدل

و الهدف الثاني . و المتمثل في الحريات و الحقوق الفردية و حق الملكية ، و الديمقراطيةو المتمثلة في التكافؤ في ، تكون أكثرو مساعدته في عملية الترميم ، الذي هو مكمل لألول

ففكرة االعتراف التي تعود في أصولها إلى . الفرص مع االعتراف بمبدأ االختالف أين يستبدل العقد بوضعية أولية تتضمن بعض الضغوطات داخل ، نظرية العقد االجتماعيو ). 1(الةالتي يفترض أن توصل إلى اتفاق أصيل حول مبادئ العد، اإلجراءات التبريرية

و المعرف سلفا بالذي أحسن تنظيمه ، المحدد دورها في تحقيق الرفاهية لكل أفراد المجتمع .

مع األخذ بعين االعتبار األولوية المتبادلة ، مثل هذا المجتمع القائم على محاولة تعاونيةمن حيث أن ، و بين هوية المصالح من جهة أخري، للمصالح المتصارعة من جهة

و هناك ، ية االجتماعية توفر لكل أفرادها حياة سعيدة دون أن يجهد الفرد ذاتهالتعاونو منه كان توزيع نتائج تعاونهم في . صراع للمصالح ألن الرجال مختلفون بالطبيعة

ألن كل واحد يفضل الحصة األكبر عن األصغر ، تحقيق أهدافهم يطرح صعوبة اإلنصافنه لزمت الضرورة في إيجاد المبادئ التي تتكفل و م. وفق أفضلية كل واحد عن اآلخر

و التي يتم اختيارها من بين التنظيمات االجتماعية التي تحدد التوزيع ، بالتوزيع المنصفمثل هذه المبادئ شكلت ، و هذا ال يتم إال بمقتضى االتفاق، السليم للحصص و األولويات

داخل المؤسسات القاعدية وسيلة العدالة االجتماعية في ضبط الحقوق و الواجباتفهل لمثل هذه المؤسسات دورا في تحديد مفهوم العدالة االجتماعية ؟ و أذا كان ، للمجتمع

األمر كذلك ففيما تتمثل ؟ و على ماذا تقوم ؟ و كيف تتحقق العدالة باالستناد على هذه المؤسسات ؟

سات القاعدية من ذات السؤال الذي طرحه راولس لتحديد القصد من المؤس ننطلقو كل الفضائل ، للمجتمع، بحيث ارتكز سؤاله حول التصور المكتمل و المعرف بالمبادئ

مشيرا بذلك إلى القيم و الكيفية التي يستوجب احترامها في حالة ما حدث . الخاصة بها مثل هذا التساؤل يلزم التركيز أكثر على مبادئ العدل و إعطائها األهمية . صراع

يحدد و يوجه األهداف، و ، )Idéal social( مثل اجتماعيزاوية أنها تشكل المستحقة من. و هذا لكونه صادر من التصور االجتماعي للعدل ، مقاصد التعاونية االجتماعية

باختالف الخلفية التي تبني عليها األفكار حول ، فاالختالف في التصور حول العدل واردف التي تفرضه الطبيعة ؛ و اإلمكانيات المتاحة من قبل و التي تدرك بفعل االختال، العدل

فهل العدل يقتضي إحداث توافق بين الحتمية الطبيعية و اإلمكانية . الحياة اإلنسانية اإلنسانية ؟ أم أن التوافق في حد ذاته يقتضي مبادئ تحقق العدالة ؟ كون التصور المقدم

1 Rawls (John), Théorie de la justice, traduit par Catherine Audard, Edition du Seuil , 1997,p :29

Page 148: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

136

بحيث المبادئ المركبة و المحددة للدور ، لهايرتكز في األساس على الدور المنوط ، للعدالةمما يدفع ، تقوم على الحقوق و الواجبات، مع التوزيع المالئم للميزات االجتماعية

حول مسألة التوزيع و الرفض لكل ، براولس إلى العودة للمعني المحدد من قبل أرسطومثل التصور الذي ،ميزة تستحوذ من إي واحد لحساب الغير، وعدم إرجاع استحقاق الغير

و الفكرة ذاتها . وفق المبدأ ال أكثر و ال أقل ، قدمه أرسطو عن الميزات و توزيعهاو هو في نظر راولس العامل . تستوجب وضع العدل ضمن الهياكل القاعدية للمجتمع

و الفكرة . من خالل دوره بالمؤسسات التي يرتبط بها ، المساعد لتحديد معني العدل. ك ؛ تمثلت في االتفاق األصيل المحدد للمبادئ و الهياكل القاعدية للمجتمع الموجهة لذل

و يضعون على قدم المساواة مصالحهم ، و هي الفكرة التي يشارك فيها الحر و العاقلضمن جمعية اجتماعية اتفقوا فيها على المبادئ ؛ التي تتخذ كقواعد لالتفاقات ، المفضلة

شكال كل من التعاونيات االجتماعية و الحكومة التي تلتزم المستقبلية ؛ و المحددة ألمن حيث األهمية في تحديد مهمة العدالة ، و منه كان القصد بالمؤسسات الكبرى). 1(بها

التي تضمن الحماية المتساوية ، و الهياكل االجتماعية و االقتصادية األساسية، الدستوريةو كذلك ، الخاصة مع وجود سوق تنافسيو ضمان الملكية ، لحرية التفكير و الوعي

مثل هذه الهياكل األساسية ،و من خالل تحديد الواجبات و الحقوق تبرز . ضمان العائلة مما يدفع بالعدل ؛ و من خالل المثل االجتماعية ؛ التفكير في الكيفية التي تلحق ، تالفروقا

جتماعية في القطاعات و اإلمكانيات االقتصادية مع الشروط اال، الحقوق و الواجباتو منه كذلك يمكن إحداث اتفاق أولي ؛ بعد وضع و اختيار ). 2(المختلفة للمجتمع

و اإلجراءات التشريعية الواضعة للقوانين و ، التصور الخاص بالعدالة الدستوريةأن عليه ، بما أن المجتمع الذي يرضى بمبادئ العدالة كإنصاف. المشكلة لمبادئ العدل

ألنها ترضي ذات المبادئ التي ، يقترب أكثر من األنساق التعاونية المؤسسة على اإلرادةو بهذا . اتفقوا على وضعية اعتبرت منصفة ، قدمت من قبل رجال أحرار و متساوون

المعني كانوا أعضاءا مستقلين ذاتيا ،و كانت االلتزامات المعترف بها قد فرضت ذاتها و هذا ما يعني ، و دون اعتبارات تفضل ميزة عن األخرى، كراهدون ضغط أو إ، بذاتها

و يكونوا بذلك قد كونوا نموذجا واحدا من . كذلك إبعاد كل ما هو متعلق باألنانية استخدام كل ما ، التي من واجبها أن تؤول بمعناها الواسع، المصلحة المبنية على العقالنية

فهل االتفاق الصادر عن عقالنية محكمة، و . يمكن من وسائل الناجعة في تحقيق النهاياتو المشكلة لنظرية العدالة كإنصاف بنيت على أساس نظرية ، الواضعة بذلك مبادئ العدالة

التعاقد ؟ أم أنها تشكل مثاال يقتدي به ؟ و هل يمكن معرفة القصد بهذا التشبيه و التقريب بين النظريتين ؟

العقالنية التي تقر بأن العملية المؤسسة ، هلة األوليالتقريب الذي يمكن إدراكه للو لعلقائمة على االختيار العقالني، ألن الفكرة الحدسية التي تبني عليها رفاهية كل ، للنظريتين

و . الذي يعمل على تحقيق الرضي عند توزيع الميزات ، متعلقة بالنسق التعاوني، واحدو . بما في ذلك من هم أقل تيسيرا ، كينجر عن ذلك اإلرادة التعاونية لكل مشتر

وتكون المشاركة عامة ، بذلك يكون قد ارتبط التعاقد بالحدس و اإلرادة كأساس للعقالنية 1 Ibid , p :37 2 Ibid , pp :33-34

Page 149: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

137

و كذا الشروط المتساوية و المكملة لعملية ، فمصطلح تعاقد يقتضي التعدد. دون إقصاء تطرح خاصية العامة مما ، و تكون هذه الشروط محل اتفاق كل المشاركين. التوزيع

و ، كطبيعة ارتبطت بمبادئ السياسة، بحيث التعدد مرتبط بعدد المشاركين في التعاقدو متساوون في الحقوق ، وكون المشاركون مختلفون في الطبيعة، التعدد ارتبط بالعامة

مع العلم أن السياسة ، و التي جعلت المسألة مرتبطة أكثر بمبادئ السياسة، والواجباتو عليه ارتبط كذلك مفهوم التعاقد بنظرية العقد . تقتضي الممارسة الديمقراطية أصبحتالتي بموجبها تبرم ، أين يتم التعاقد بين العديد من المدنيين العارفين للمبادئ، التقليديةو العقد كمصطلح لديه مستوي معين من التجريد ؛ يلزم بعض المبادئ األخالقية . العقود

على غرارها تبني نظرية ، و العملية في حد ذاتها ال تحتمل الخطأ، ة التعاقدالمتممة لعمليو التي هي امتداد لنظرية العقد ، من باب أنها تشكل مثاال لنظرية التعاقد، العدالة كإنصاف

وبهذا المستوي المبادئ التي يتفق عليها ؛ و على أساسها تبرم العقود ؛ و ، التقليديةبمعني إن ، تلزم إلى حد ما مجموعة من التبريرات، دل كإنصافالمشكلة لنظرية الع

فهل هذه العملية تتم عند راولس بنفس . االتفاق و التعاقد يقتضي االقتناع و التبرير الطريقة عند هبرماس ؟ أم أن صيغ التبرير مختلفة عند كليهـما ؟

:نظرية العدالة و مسألة التبرير 1-ب-1قصد تحقيق ، ية التبرير عند هبرماس تتدحرج من التداولية المتعاليةيتبين مما سبق أن عمل

أين المشاركين عبروا ، الذي يتم ضمن مجمع تواصلي، ألتفاهم المبني على أساس النقاش، و العملية ذاتها يطبقها على أخالق المناقشة، عن قدرتهم على التواصل و بالتالي النقاش

غير أن . طريقة الكانطية عندما يطرح األمر المطلقللوصول إلى المبدأ الشمولي على الخاصة المرحلة ، باالستعانة للنظرية التطورية لكوهلبرغ، العملية تتم عند هبرماس

أين يتخذها هبرماس كقاعدة أساسية لعملية ، و المنعوتة بمرحلة ما بعد االتفاق، السادسةو مبدأ ) V(بدأ التصديقو منه يطرح م. التبرير ألنها تقوم على كل ما هو معرفي

و عملية المشاركة في النقاش تشمل كل من عبر عن ). U(و مبدأ الشمولي ) D(المناقشة فمن التداولية إلى ألتفاهم و منه . و موجود ضمن المجمع التواصلي ، قدرته في النقاش

فهل يتماثل راولس مع هبرماس ، و بالتالي األخالق حتى يصل إلى العدل، إلى النقاش و كيف تصاغ التبريرات المؤسسة لمبادئ العدل كإنصاف ؟ ، ندما يضع نظرية العدالةع

أساس التبرير عند راولس يطرح كمشكل يرتبط باتخاذ القرار العقالني عند معرفة و ، وكذا الميزات المختارة فيما بينهم، معتقدات و مصالح المتشاركين و فق عالقاتهم

و كذا المعطيات التي يتعرض لها كل واحد من ، المتبعة هذا تماشيا مع اإلجراءاتو عليه طرح راولس مبدأ الوضعية األصلية . مما تجعل األمور في اختالف ، المشاركين

بالنسبة ، )Choix initial(و المعرفة باالختيار المبدئي ، التي تقتضي تأويال فلسفياتتم باستدالل يعتمد على مقدمات لـراولس دائما أن عملية التبرير و فق المبدأين ؛ ال

فعلى حد ). 1(مما ال يمكن من الوصول إلى نتائج دقيقة، مقبولة باإلجماع ألنها ضعيفةتكون كنتيجة مثالية للشروط المحددة لمجموع هذه ، تقدير راولس أن المبادئ المقبولة

يكون ذلك معقوال و، المبادئ المبنية على تصورات تقليدية ؛ و المشكلة للعدالة االجتماعية

1 Ibid , p :44

Page 150: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

138

أو كما عبر عنها ، أين ال أحد يتمتع بتمييز تحصل عليه بالصدفة، و مقبوال على العمومأو تحصل عليها بمقتضى الظروف االجتماعية التي أوحت ، راولس بالصدفة الطبيعية

فالغني يختار المبدأ الذي يري فيه فرض الجباية أمرا غير عادل، و . باختيار المبادئ ألن عائدات الجباية توجه لتحسين الظروف المعيشية للعاطلين ، يري في ذلك عدال الفقير

كتصور الذي ال ، )Voile d’ignorance(و منه تطرح فكرة ستار الجهل . عن العمل يفترض أن يطرح صعوبة عندما نحتفظ بفكرنا أمام الضغوطات ؛ و نتستر بذلك بحجة

مومنه يستلز، عن تبرير قدم لمواجهة الضغوطاتفمن المفروض أنها تعبر كذلك . الجهل و إتباع إجراءات تطرح من خاللها التبريرات لصالح ، العودة إلى الوضعية األصلية

فالهدف من هذا كله هو توضيح للرجال أنهم . العدالة التي تقتضي اتفاقا مع ما يقيدها رير أن تصل إلى قاعدة فأال يمكن لعملية التب، أشخاص أخالقيين و لديهم معني للعدالة

تتشكل منها مبادئ العدل ؟ و إذا كان األمر كذلك فما فحوي هذه المبادئ و على ماذا تقوم ؟

:نظرية العدالة مبادئ 2-ب-1 و التي شكلت الخلفية المؤسسة لمبادئ العدل، و ، لعل القاعدة المعتمدة من قبل هبرماس

شابه الطبيعي بين الناس، و أن كل واحد يتمتع هي خلفية المساواة ؛ و المكونة من التو نفس القدرات تحدد عملية توزيع . بالقدرة المكتسبة التي تمكنه من فهم المبادئ و تبنيها

زد على ذلك ؛ و من منظور النفعية التقليدية ؛ أن كل . و بشكل سليم للثروة و السلطة ما ينطبق على الفرد ينطبق على و، واحد يحركه مبدأ تزويد الرفاهية قدر المستطاع

هذا ما يدفع إلى العودة . بحيث نفس المبدأ ينطبق على المجموعة داخل المجتمع ، الجماعةو هو الذي يعيدنا ، بمبادئ األخالقية ألن الرفاهية ارتبطت بالخير، و ربط نظرية العدالة

على غرار نيتشه ) Eudinisme(و هذا تماشيا مع ، إلى أرسطو عندما ربط الخير بالسعادةو عليه فهم مبدأ الفائدة ) . Hédonisme(و هذا أيضا تماشيا مع ، الذي ربطه باللذة

)Utilité (من قبل راولس بعملية إشباع لذة و يعتبره إشباع عقالني)وعليه نجده ). 1هذا يحدث عندما يتدخل . و يطرح الكيفية الملجمة لها ، يعترض على مفهوم المنفعة

مع منح الوسائل المحددة لإلشباع ، عندما يضع قواعد المحددة للحقوق و الواجباتالمشرع و يتم ذلك إال إذا تعاملنا مع أفراد المجتمع ، و الممكنة لإلشباع الكلي و الشامل للرغبات

فالنسق االجتماعي العادل هو الذي يوفر اإلمكانية لألفراد، لتطوير . على أنهم فرد واحد مع الوسائل المساعدة لعملية اإلشباع لكل فرد مع ، طار مشكل للحقوقأهدافهم ضمن إ

وعليه نجد راولس يجمع بين الحدس القائم . المتابعة المنصفة في تحقيق هدف كل فرد فهل هذا الجمع أثر في تشكيل . على الحس المشترك و المنفعة القائمة على إشباع الحاجة

المبادئ الخاصة بنظرية العدل ؟و ذلك ، كل واحد لديه الحق و بالتساوي ضمن نسق واسع للحريات األساسية :أ األولالمبد

تتضمن الحريات السياسية الحق في االنتخاب، . تماشيا مع األنساق األخرى للحريات ، و كذا حرية التعبير و التجمع، و الحق في الحصول على منصب شغل في القطاع العام

وحريات األشخاص المتضمنة في عدم االعتداء سواء ، يرو حرية التفكير و الضم

1 Ibid , p :51

Page 151: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

139

زد على ذلك الحق في الملكية الشخصية مع . بالضغط النفسي أو باالعتداء الجسدي و هذه الحقوق تكون . الحماية الشخصية من أي توقيف أو حبس تتم بطريقة اعتباطية

. ة القانوندولمثل ما هي محددة ضمن التصور الخاص بـ، بالتساوي مع الجميعأن يكون من جهة ، يستلزم على الال تساوي االجتماعي و االقتصادي: المبدأ الثاني

و بطريقة ، بالصيغة التي تمكن من تحقيق الميزة المنتظرة من قبل كل واحد، منظمة). 1(و من جهة أخري أن يكون مرتبط بالوضعيات و بالوظائف المفتوحة للجميع. معقولة

و معنى مفتوح ، معنى خاص بميزة لكل واحد، المبدئيين الثانويين نلتمس معنيينمن هذين ينطبق على العدل في توزيع الدخل و ، المبدأ األول و فيما معناه ميزة لكل واحد. للجميع وفق الخطوط العريضة المحددة من قبل التنظيمات المستخدمة لمختلف السلطات و ، الثروة

أي يجعل لكل واحد إمكانية ، و فيما معناه أن يكون مفتوح للجميعو الثاني . المسؤوليات .االستفادة من الثروة خاصة تلك المتعلقة بالمصادر الطبيعية و المدعمة للدخل القومي

ما يمكن مالحظته عن المبدئيين ؛ أن تحققهم متوقف على الحريات القاعدية ؛بحيث أن مما يدفع ، ب تتماشي مع التكافؤ في الفرصتوزيع الثروة و الدخل و السلطة و المناص

و كل ، فكل القيم االجتماعية و الحريات. بـراولس إلى اقتراح تصور أولي للعدالة و كذا القواعد االجتماعية األساسية ، اإلمكانيات المتاحة لكل فرد من مداخل و ثروة

ن أن تكون أي من المحققة لالحترام الذاتي، و التي يجب أن تكون موزعة بالتساوي ؛ دواالحترام الذاتي يحتل ). 2(هذه القيم موزعة و بشكل غير عادل تعطي االمتياز ألحدهم

مكانة مركزية بالنسبة لمجموع الخيرات االجتماعية ،على غرار الصحة و البأس و الذكاء بالرغم من أن الحصول عليها يتم تحت تأثير الهياكل ، التي هي خيرات طبيعية، و التخيل

مما يوحي بأن الحريات .و هم في ذات الوقت تحت المراقبة و التوجيه ، القاعدية للمجتمعو من جهة أخري أن الذكاء و ، فمن جهة هناك حرية الرأي، األساسية لديها حدودها

و . ضمن الهيكل العام المنظم للمجتمع ، الصحة تشرف عليهم مؤسسات اجتماعية مختصةمثل هذه الوضعية تجعل مفهوم . لخاصة بالمجتمعات المنظمة منه يدرك القصد بالعدالة ا

فهل لمثل هذا التنظيم أسس تم االتفاق ، العدل مرتبط ارتباطا وثيقا بالتنظيم االجتماعيفكيف تم االتفاق و بأي صيغة ؟ لعل اإلجابة عن هذه ، عليها ؟ و إن كان األمر كذلك

و هما مبدأ ، حول نظرية العدالة عند راولستجعلنا نعرج أوال على مبدئيين شكال التفكير الفعالية و مبدأ الديمقراطية المدعم بمبدأ االختالف و لكال المبدئيين أثرا في صياغة نظرية

:العدالة يطبق على الهيكل القاعدي الذي يأخذ كمرجعية ما ينتظره األفراد :مبدأ الفعالية -

هل يمكن : أن تصاغ المسألة على النحو التالي إذ منه يمكن ، )Représentatifs(التمثيليين ضمن الهيكل القاعدي للمجتمع أنه فعال ، القول بأن التنظيم الخاص بالحقوق و بالواجبات

بحيث يزاد في ما ، إذا و فقط إذا لم تظهر إمكانية تسمح بتغيير القواعد و إعادة تعريفهآلخر ؟ مثل هذا ال يلزم المساس ينتظره الفرد التمثيلي من امتيازات دون اإلقالل ل

إال أن ما يجعل . بالحريات األساسية المتساوية لدى الجميع و الوضعية المفتوحة للجميع عملية التوزيع المنصف للخيرات تتغير وفق أولئك الذين يحتلون مناصب في السلطة

1 Ibid , p :91 2 Ibid , p :93

Page 152: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

140

حدث تعارض مع و هذا ال يتم إال إذا ، و يسيرون التعاونية االجتماعية، و المسؤوليةو عليه تطرح فعالية الهيكل القاعدي عندما ال ). 1(الحريات و ما ينتظره كل فرد تمثيلي

لنفترض وفق النظرية . توجد أي وسيلة تمكن من إحداث أي تغير على مستوى التوزيع بالشروط العادية أن الدخل و الثروة ، التي تعرف اقتصاد السوق التنافسي، االقتصاديةو التوزيع ذاته يكون فعال إذا تحدد بالمواهب . بشكل فعال و بمدة زمنية معلومة توزع و

. بحيث كل توزيع مبدئي نصل من خالله إلى نتيجة فعالة و عادلة ، و الهبات الطبيعية، هذا ال يحدث ؛ إال إذا قبلت القاعدة المحددة للتوزيع المبدئي الخاص بالنشاط و الكفاءات

. و تعمل بها الهياكل القاعدية للمجتمع ، داخل التعاونية االجتماعية و يلتزم بها كل فردو هذا بمقتضي الهبات ، يرتبط أساسا بالتساوي في الفرص :مبدأ التساوي الديمقراطي -

أين ال تنفلت الفئة االجتماعية ، بحيث أن الظروف االجتماعية تستلزم المراقبة، الطبيعيةونها حرمت من الهبة الطبيعية في المواهب و الكفاءات التي تسمح بالحصول لك، الفقيرة

مبدأ شكليا يشمل كل أفراد ، بل و إنه من العدل أن نجعل من تكافؤ الفرص، على ميزاتلعل الهدف األمثل . و نعمل على تحسين و تطوير ظروفهم ، المجتمع دون استثناء

أين تكون أحسن وضعية ، على النسق المفتوحالملتمس من التصور األرستقراطي المطبق إذا ما تحصل الذين هم في الطبقة السفلي بنفس القدر ، بالنسبة للذين تميزوا طبيعيا عادلة

مثل هذا التصور ال يتقارب مع ما هو موجود في التصور . الذي أعطي للطبقة العليا و أن التوزيع يتوافق ، يةبحيث يفضل الحريات الطبيعية عن الظروف االجتماع، الليبرالي

الطبيعية اليانصيبو للحد من االختالف المحدث بفعل . مع الهبة و المواهب الطبيعية )Loterie naturelle( ،ألنه من غير الممكن أن تستمر ، و هذا يصبح أمرا أخالقيا اعتباطيا

ألن . تاريخية عملية التوزيع للثروات وفق التفضيالت الطبيعية و الصدفة االجتماعية أو المبدأ تكافؤ الفرص إذا طبق بشكل غير سليم ؛ لتواجد شكال من العائالت غير القارة على

كال التصورين غير مضبوطين و اعتباطيين أمام وجهة نظر . تجاوز االعتبارات الطبقية ال نحقق الرضي ، ألنه مهما كانت الطريقة التي نعد بها نسق الحريات الطبيعية، األخالقية

و كتدعيم لهذا المبدأ يقترح راولس مبدأ ). 2(إال إذا التمسنا التصور الديمقراطي فهل لهذا المبدأ القدرة لتحديد معني العدل ؟ و وفق أي تصور ؟ ، االختالف

لعله و مثلما حلله راولس و فق العالقة التسلسلية ألفراد مختلفين في :مبدأ االختالف -ذ منهم الغني المقاول و العامل المؤهل و العامل بدون تأهيل، إ، الوضعية االجتماعية

يبدوا أنه من المعقول أن عملية . و لكل واحد لديه ما ينتظره من امتيازات لتحقيق الرفاهية. الطبيعية اليانصيبمن أولئك الذين هم أكثر حظا من ، التوزيع تفضل من هم أقل حظا

ية أن توزع قدر المستطاع ؛ و بشكل واسع وعليه استوجب على المؤسسات القاعدو بهذه الحالة ال يختلف عن . الميزات المحققة للرفاهية مع االعتماد على مبدأ االختالف

من حيث انه مبدأ لديه ، مبدأ الفعالية الموضح آنفا لهذا اعتمد كمبدأ محققا للعدل ة القصوىدايالزيار فهو يقوم على مع، خصوصيته و يطبق على البني القاعدية للمجتمع

)Maximin( ،بحيث من غير الممكن أن نزيد ، الذي قد يطرح صعوبة في عملية التطبيق

1 Ibid , p 101 2 Ibid , p 105

Page 153: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

141

. للعامل الغير مؤهل بنفس الدرجة للمقاول لدرجة أن يصبحا بنفس مستوي الرفاهية اإلنسان من تشرفبل بالحاجيات األولية التي ، و منه كانت الزيادة ال تقاس بالرفاهية

فإذا ارتبط مبدأ االختالف بمعيار الزيادة القصوى ؛ قد يطرح . هو كائن أخالقي حيث، و كحل افتراضي، و بالتالي تطرح المسألة على مستوي اليقين، صعوبة في تحقيق العدل

التي تقدم إمكانية تحقيق االتفاق المحدد ، تطرح المجازفة باالعتماد على نظرية التعاقدفكان البد من استخدام ، ير أن المسألة مرتبطة أكثر بالتوزيعغ. للحقوق و الواجبات

إجراءات خالصة محققة للعدل في التوزيع، و وفق مبدأ تكافؤ الفرص الذي يضمن النسق التعاوني المبني على الهياكل القاعدية الخاصة بالمجتمع، و ربطها بالعدالة اإلجرائية

يه توزيع قالب من الحلوى، و علم أن الذي يقوم إذ من المثال التالي الذي يتم ف. الخالصة و أن الذي رفض التوزيع أراد أخذ ، بعملية التوزيع يرجأ حصته و يأخذها في األخير

فيدرك من هذا المثال أن . ألنه لم يحتمل االنتظار في أخذ حصته ، حصته في األولو ال تتم العملية ، لصالكن كان إجراءا خا، عملية التوزيع تمت باالتفاق و إن كان عفويا

فما ، إذا كان ما يوزع منتوجا يختلف عن ما هو مرغوب من قبل األفراد، بنفس الطريقةهو منتج و وفق العدالة اإلجرائية الخالصة يتم توزيعه في إطار نسق عمومي يحدد القواعد التي يتم فيها توزيع الخيرات المنتجة على حسب الكمية و المدة التي استهلكت

يفهم مما سبق أن عملية التوزيع تقتضي المساواة و اإلنصاف ،و ). 1(في عملية اإلنتاجو المتمثل في المبدأ الديمقراطي ، إال أنها تلتقي في مفترق طرق، بالرغم من تعدد المبادئ

. كمضمون ناتج عن عملية االتفاق ؛ المحددة للقواعد الخاصة بالهياكل القاعدية للمجتمع و توصل الرجال ، ند راولس نسق عمومي للقواعد الموجهة للنشاطو التي هي ع

و تعترف بحق كل من ساهم في عملية ، للتعاون من أجل انتاج أكبر قدر من الحصصو منه اعتبرت العدالة كإنصاف المجتمع مؤسسة تعاونية محققة لالمتيازات . اإلنتاج قترحة من قبل راولس ؟ أم أن هناك فهل عارض هبرماس هذه المبادئ الم). 2(المشتركة

مبادئ أخري شكلت جوهر السجال بينهما ؟ ففيما تمثل هذا السجال ؟ و هل هناك مستويات له ؟ و هل النصوص المشتركة بينهما كانت كافية ؟ أم أن هناك نصوصا

و ما كان مشتركا شكل زبده النقاش ؟ ، أخري :هبرماس و راولس -2

ن هناك مسائل أ، خاصة بهبرماس مع نصوص راولسيتضح من خالل مقابلة النصوص ال ، خاصة األمور التي تعلقت بالعدالة والمبادئ التي بنيت عليها، ناقش فيها هبرماس راولس

خاصة و أن العدالة و من الوجهة األخالقية ؛ لم تنفصل عن ما قدم في الفلسفة األخالقية ؛ بل ،غير أن المسألة لم تتوقف عند هذا الحد، خاصة في أعمال كانط و أرسطو و النفعيين

طرحت من الزاوية أين الشريك في النقاش يضع القيم األخالقية، و كذا المبادئ القانونية فطرحت . و عليه كانت المسألة في البدء أخالقية أكثر منها قضائية . المنظمة للقضاء و استنادا لما كتبه راولس أنها ارتبطت بالمجتمع المحكم التنظيم ؛القائم ، العدالة االجتماعية

أين يكون الشريك ، لى الشروط الحياتية العصرية ؛ و على التعاونيات االجتماعيةعبالنسبة لهبرماس المؤسسات االجتماعية . القضائي حر و متساوي في الحقوق و الواجبات

1 Ibid , p 119 2 Ibid , p 116

Page 154: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

142

المشاركين في المؤسسات من قبل المدنيين، المكونة للعدالة تقتضي تصديق عقالني محفزو حتى تتأسس العدالة كان البد على راولس أن يفكر ، العدالة ،و التعاونية القائمة علىفهو يقترح وفق النموذج التعاقدي ؛ إجراء به يدرك معنى العدالة . بالمبادئ التي تقام عليها

و ضمن ذات اإلجراء تبرم العقود المتفق عليها على ، السياسية من وجهة نظر األخالقيةمنه يدرك ). 1(طت بمصالح عادلة و بالمعني المعياريوفق نهايات ارتب، اعتبارات عقالنية

.تأثير االتجاهات الفلسفية التي بنيت عليها نظرية العدالة من اتجاه حدسي و منفعـي التي أثارها هبرماس خاصة ، اإلشكال الذي يثار بهذا المستوي ارتبط بطبيعة المبادئ لعل

ية ،التي تعود إلى كانط عندما وظف مفهوم عندما التمسنا توافقا بينهما في المسائل األخالقكقيمة أخالقية المحددة للحريات الفردية داخل الجماعة ،و منها ، )Autonomie(االستقاللية

فهل لمثل هذا التوافق انفراج على مستوي النقد الموجه . تتحدد كذلك الحقوق و الواجبات دها ؟ من قبل هبرماس لـراولس ؟ و هل لهذا النقد حدودا يقف عن

بالعودة إلى نص راولس حول نظرية ، هبرماس مسألة التوافق بين الخير و العدل يطرحأين عملية التبرير المعيارية الخاصة بالمجتمع األكثر تنظيما قد تجسد بالنموذج ، العدالة

ظهر من إذ ي. أو بالنموذج الديمقراطي االجتماعي األوروبي ، الليبرالي بالواليات المتحدةبحيث ضمن الوضعية األصلية . االستقرار الذاتيخالله أنه مشدود أكثر بمسألة

بحيث يمرر المدني ، و المستمدة مما هو أخالقي، المشاركون يتفقون على مبادئ عقالنيةفالشعور بالعدالة يمكن أن يؤسس الرغبة في . الشريف الواجبات عن المصالح الشخصية

بل يقوم على المؤسسات القاعدية ، ينطبق مع الرغبة في تجنب األلم الذي ال، الفعل العادلو فق االختيار الحر للمعني على حسب التصور الذي وضعه ، للمجتمع التي توجه الفعل

االستقرار الذاتي. و هذا ينطبق على كل مدني وضع لذاته مشروعا للحياة . لحياته بل على قوة التنشئة االجتماعية ، ضائيةللمجتمع العادل ؛ ال يتربع على الضغوطات الق

انه بالفعل و كما يتصور هبرماس . و الموجهة من قبل مؤسسات عادلة ، الخاصة بالحياةو بفعل التنشئة االجتماعية تتطور الوضعية المتاحة لكل مدني و ، أن المؤسسات العادلة

الزاوية في النقاش و منه طرح راولس مبدئيين منهجيين شكال حجر). 2(المثمنة للعدالةالتي تحترم الفضائل الخاصة ، ،والذي وجهه هبرماس تجاه فلسفة نظرية العدالة السياسية

و تعد المدني وفق تردد مبني على صيغ تبريرية ؛ ناتجة عن العامة ، بالثقافة السياسية) Equilibre réfléchi(و عليه كان دور مبدأ التوازن المعقول، التي عبرت عن موافقتها فهل لمثل هذا اإلبهام ما يوضحه ؟ . مبهما من قبل هبرماس

:مبدأ التوازن المعقول-أ-2يطرح كمنهج أين يحدد دوره ضمن سياق معرفي مبني على الحدس تقوم عليه الفلسفة

فهل التوازن المعقول موجود بالمعني الفلسفي ؟ . األخالقية مدعمة بسلسلة من التساؤالت ك هل هو منفرد في الطرح ؟ و هل يمكن الوصول إليه ؟ لعل و إذا كان األمر كذلو الصادرة من أفراد مختلفين ؛ قد تنعكس في سياق مدرك ، األحكام المتوصل إليها

إذ تطرح استثناء المبادئ كمقوالت من قبل المذاهب . حدسيا، تجعل االتفاق حولها ممكنا أين األحكام المشار ، األخالقية خاصة ضمن الهدف المسطر من قبل الفلسفة، التقليدية

1 Habermas (Jürgen) , Droit et démocratie ,Op-cit, p : 72 2 Ibid , p 73

Page 155: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

143

و منه يتحدد معني العدالة ). 1(والتي اختيرت بالوضعية األصلية تحضي باتفاق، إليهابالرغم من اختالف الثقافة السياسية المتخذة كمصدر تفسيري سياسي ، المدرك حدسياغير .والمحدد وظائفها من قبل الفيلسوف على أنها محفزة و موضحة ، للمجمع القضائي

يطرح على مستوى ، و القائم على التوازن المعقول، أن التعارض بينهما في مسألة المنهجو المدعم ، إال أن االتفاق تمثل في الحدس. و كيف يتم التعامل معه فلسفيا ، التأويل

.و عند هبرماس بالتفاهم الناتج عن عملية التواصل ، عند راولس بالحس المشترك ):Consensus par recoupement( اق بالتقاطعمبدأ االتف-ب-2عندما استخدمه راولس في . يطرح كمبدأ منهجي آخر شكل إبهاما بالنسبة لهبرماس

المبدأ طرح كحل أمام ، القائمة على الديمقراطية الدستورية، وضع أسس العدالة السياسيةن يتم البحث عن طريق أي. تعارض المذاهب الفلسفية و السياسية و األخالقية و الدينية

و تكون محل اتفاق يحقق التوازن و الوحدة ، التشاور عن نقطة تتقاطع فيها المذاهبتختلف مع الفكرة التي بنيت ، الفكرة ذات أساس أخالقي). 2(االجتماعيين و بشكل دائم

كالتي عرفتها الشعوب األوروبية لوضع حد و لو مؤقت للحروب ، على التسامح الدينيما تعارف ، فالتسامح يتخذ كحل مؤقت لصراع مذهبي ديني أو سياسي أو عرقي. الدينية

و هو ، مع اإلبقاء على أسباب الصراع) modus vivendi)(3(عليه بمصطلح االتفاق و حتى نستمر في المعني نقول ، مصطلح التيني و في معناه األصلي طريقة في العيش

و إذا أضفنا دائم نكون قد اتفقنا مع كانط ، مو يصبح المعني طريقة العيش بسال، في سالم، أين عالج في إحدى مواده مسألة الحرية و )4(عندما طرح مشروعه من أجل سالم دائم

و محل اتفاق بالنسبة لهبرماس الذي ، و هو مصدر تشريع قانوني. المساواة أمام الدستور تفاق عام وفق تصور شامل و في كونه بالنسبة لراولس قائم على ا، حدد إبهام هذا المبدأ

بينما يعتبره هبرماس نابع من فضاء ). 5(و ال يستمر إال إذا استعمل قوة الدولة ، مفهومو المقبولة بطريقة ، و كذا القيم اإليديولوجية الحيادية، مصغر تتحدد فيه المسائل األخالقية

رية العدالة ؟ يجدر و كيف وظف في نظ، مما يجعلنا نتساءل عن طبيعة المبدأ). 6(شموليةاإلشارة أن المبدأ ؛ و كما أراده راولس حال دائما ؛ يتوارثه األجيال بالرغم من تعدد

فهل يمكن أن تكون نفس المبادئ المؤسسة للعدالة هي . المذاهب و التصورات السياسية نفسها مؤسسة للديمقراطية ؟ و هل السجال القائم بين هبرماس و راولس أسسا

ية العدالة ؟ أم قدما تصورا أوليا عن الديمقراطية انطالقا من نظرية العدالة السياسية لنظر و مبادئها ؟

و الدور المنوط لها في وضع أسس العدالة تتضح ، انطالقا من تصورهما للفلسفة السياسيةبحيث يحدد هبرماس لها دورا في تعريف و توضيح المفاهيم ، نقطة االختالف بينهما

بينما يربطها راولس ). 7(بالمبادئ المشتركة و المتسترة بالحس المشترك الخاصة

1 Rawls(John), Théorie de la justice, Op-cit, p :73 2 Rawls(John), Justice et démocratie, traduit par : C.Audard, P.DeLara et A. Tchoundowsky, édition du Seuil,1993,P : 248 3 Ibid , p 260 4 Kant(Emmanuel), Projet de paix perpétuelle, Traduction J.Giblin, Edition J.Vrin, 1989, p :31. 5 Ibid , p 251 6 Habermas (Jürgen) , Droit et démocratie ,Op-cit, p : 75 7 Ibid , p 73

Page 156: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

144

الذي يساعد ، و هي مقدمة و مدافعة بذلك عن االعتقاد المعقول، باالستقاللية التامة للمدنييدرك من الدورين أن االختالف بين فهي ). 1(المدني في وضع أسس النظام الدستوري

. مساعدة على تأسيس النظام الدستوري عند راولس و مدافعة و، شارحة عند هبرماسغير أن هبرماس عامة ؛ يجعل من المشاركة في المبادئ ؛ خاصية تساعد على خلق

الشيء الذي يميز . و بالتالي تحقيق االتفاق على نظام سياسي قائم على التواصل، التفاهم، التي )Position originelle(أنه طرح مسألة الوضعية األصلية ، هبرماس عن راولس

التي حدد هدفها في توضيح السلوك ، ارتبطت عند راولس بنظرية السلوك األخالقيو بهذا . و توضيح معني العدالة ، مع األخذ بعين االعتبار األحكام األخالقية، اإلنساني

، أين مجمـوع )Statu quo(المستوي ترتبط الوضعية األصلية بالوضـع الراهنكأن نقول أن التوازن المحدث باالتفاق مثله ). 2(عليها بطريقـة منصفةاالتفـاقات يحصل

يتضح من ذلك ، أين ال يكون إفراط في الربح، مثل االتفاق المتوصل إليه من قبل التجارو المساعدة على ، أن الوضعية األصلية تقتضي مشاركين يشتركون في القيم األخالقية

الخصائص المميزة للمشاركين ؟ و إن كان فهل حدد راولس، وضع األحكام باالتفاق األمر كذلك فهل تعرضت لالنتقاد من قبل هبرماس ؟

الذين يشكلون الوضعية األصلية بأنهم ، يحدد راولس المواصفات الخاصة بالمشاركينغير أن جهلهم للخير كتصور ؛ شكل ما عرف بستار الجهل ؛ الذي ارتبط . عقالنيين

أين المشاركين ال يتسترون عن رغبتهم في الحصول ، األصلية ارتباطا طرديا بالوضعيةمما جعلهم يجهلون مشروع حياتهم بحجة افتقارهم . على قـدر أكبر من الخيرات

هو أن ، إال أن ما يدركونه إدراكا واضحا. للمعلومات الممكنة من تحديد أهدافهم الخاصة أمام هذه الوضعية يتحدد . هدافهم و توسيع اإلمكانيات المحققة أل، عليهم حماية حريتهم

التي يتمثل فيها األفراد الحائزين على مجموعة منسجمة من التفضيالت، ، معني العقالنيةو فق ، و منه يختار المشروع المحقق ألكبر عدد من الرغبات. أمام االختيارات المتاحة

ك الذي يتقبل بذل، و بالتالي يعرف الفرد العقالني. الحضوض المتوفرة في النجاح و يتقبل االختالف مع غيره مادام ال يتعدي الحدود . الخسارة مادامت مشتركة مع الجميع

و ال يتكون لديه قلق تجاه النظام ، و أن االختالف ال يؤسس الال عدل. المعقولة فكيف يتم . ما دام انه أسس ليمتص الفروقات و بإنصاف ، االجتماعي يالتعويض

ضعية األصلية ؟ اإلنصاف داخل الولعل اإلجابة عن هذا السؤال تقتضي معرفة االتفاق الحادث بين المشاركين وكيف يتم ؟

الثقة المتبادلة عند فهم المبادئ التي يتم تبنيها و االلتزام بها و العمل ، أول شرط االتفاقم احترام التي تلزمه، مثل هذا األمر يبقي متوقفا على قدرتهم في فهم معني العدالة. بها

، كخالصة لما قيل عن الوضعية األصلية و طبيعة المشاركين. المبادئ المتفق عليها أو الجمعيات كالدولة و ، يمكن القول أنها تتمثل في أشخاص دائمين مثل أرباب العائلة

و ما تتركب ، مثل هذا التوضيح للوضعية األصلية). 3(أو أجهزة أخري مماثلة، بيوت اهللاحتاج إلى عملية تصحيحية بالنسبة لهبرماس ،بحيث يعتبرها أنها بنيت على منه ؛ ي

1 Rawls(John), Justice et démocratie , Op-cit, p :283 2 Rawls(John), Théorie de la justice, Op-cit, p :153 3 Ibid , p p: 176-177

Page 157: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

145

بتجزيء ، وعليه يقوم راولس وفق تصور هبرماس. التصور الكانطي القائل باالستقاللية عنصر ارتبط بالملكية الحيادية معنويا . مفهوم االستقاللية السياسية إلى عنصرين

و الثاني تمثل في التقييد األخالقي . اتهم عقالنيا للمشاركين ،الذين هم وراء اقتفاء ميزالذي بموجبهم يتأسس الهيكل التعاوني ، المتعلق بالوضعية التي تم فيها اختيار المبادئ

، هنا تسقط )1(تسمح بتعريف المشاركين اقتصاديا تمثل هذه التقييدا. المحقق لإلنصاف ثل هذا اإلسـقاط مبرر ؟ فهل لم. صفة أخالقي و تعوض باقتصادي عند هبرماس

و ، وسيلة –يتصرف وفق هدف ، ال يهم بالنسبة لهبرماس أن يكون المشارك عقالنيعلى العكس ؛ فاألمر . أو حياة من يمثلونهم ، يأخذ بالحسبان المعايير الموجهة للحياة

بولون و أنهم مج، يتعلق بالنزاهة التي تجعل المشاركين غير المهتمين أحرارا و متساوونمثل هذا االعتراض لراولس حول الوضعية األصلية، ). 2(للتفكير حول ما هو خير للجميع

بأن نزاهة المدني و كل من عبر عن قدرته في بلورة مفهومه ، دفع بهبرماس إلى القولأن يفكر ، أين يستلزم عليه و وفق مبادئ العدالة المتفق عليها، مع الشعور بالعدالة، للخير

حتى و إن كانت هناك أنانية ،فهي أنانية متنورة . لجميع و االبتعاد عن األنانية في الخير لو تماشيا مع منطق النقد . مثل هذه المبادئ تأخذ شرعيتها من االستعمال العام للعقل . ، مما تنزلق األمور بالنسبة لكل واحد. أين عقالنية المشاركين تجر إلى صفة التعاقد، ذاته

في مثل هذه . العبي كرة القدم همهم الوحيد تحقيق أكبر نتيجة ممكنة و يتصرفون مثلالوضعية شعورهم الصوري للعدل يوجههم إلى االعتدال ،و يتصرفون كمدنيي المستقبل

). 3(يحترمون اتفاقياتهم بمجرد أنهم يعيشون داخل مجتمع محكم التنظيم فهوم الوضعية األصلية التي تقترب أتماما لعملية النقد يقترح هبرماس عملية تصحيحية لم

الذي يطرح ، أين يتشكل منها أنموذج التوزيع. أكثر لألرسطية و النفعية من االستقاللية ألن الحقوق ال تستوعب الخيرات الموزعة دون أن تفقد . صعوبة استعمال الحق كوسيلة

ن لبعضهم الحس األدبي ؛ بسبب االفتراض الذي يجعل المشاركين القضائيين يعترفوأننا أمام الحق، ، مما يدفعنا إلى القول و بلسان هبرماس. البعض أنهم أحرار و متساوون

مثلما . و به نستطيع أن نميز ما بين التساوي في الكفاءات و الوضعيات الواقعية للحياة أن المساواة القضائية ال تتطابق مع المساواة ، و فق المعايير النحوية نميز ذلك فينجشتي

و عليه وجه حدس راولس إلى الدور الذي يلعبه ، ال سيما على مستوي اللغة، لواقعيةاتلك هي ). 4(األمر المطلق عندما يتحمل اإلجراءات الخاصة بالمشاركين و المطبقة بيذاتيا

فهل لمثل هذه االعتراضات ، مجمل االعتراضات التي وجهت لراولس من قبل هبرماسفي تحديد الممارسة الديمقراطية و التي باإلمكان أن تكون تصورات شكلت اللبنة األولي

موجهة أخالقيا مع العلم أن القيم السياسية محددة بالقيم األخالقية ؟

1 Habermas (Jürgen) et Rawls (John),Débat sur la justice politique traduit par : Rainer Rochlitz et Catherine Audard , édition du Cerf,1997,pp : 12-13 2 Ibid , p 13 3 Ibid , p : 15-16 4 Ibid , p : 21-22

Page 158: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

146

III -و قضائيا أفق العدالة سياسيا: : أفق العدالة قضائيا-1

إلى أي مدى يمكن إحداث ، و من باب التساؤل و كتقليد فلسفيلعل ما يمكن طرحه كأفق التقارب بين التصورات للعدالة يليق بالتطلع الحضاري ؟ هل يترك هذا السؤال مفتوحا أم نبحث له عن منفذ نلتمس منه اإلجابة و إن كانت افتراضية ؟ قد يسأل عن حال شخص

مرضية نسارع إليه و نستشير األطباء في وإذا قيل إنه في حالة ، فإذا قيل إنه بخير نطمئنو إذا قيل أن حالة العدالة مريضة فأي طبيب يعالجها وأي وصفة يقترحها ؟ فكل ، معالجته

و استنادا لالختالف المسجل بين هبرماس و راولس، بين ما هو ، المشكل يكمن هنااألقطار قد ينطبق على تصور العدالة في، تصور ليبرالي و تصور جمهوري للعدالة

مثل هذه التصورات شكلت خطابات . العربية بين التصور اليساري و اليميني و األصولي غير أن المسالة من . نهضوية متصارعة عرفت عند البعض باإليديولوجيات المعاصرة

و الصفة التي أسقطها هبرماس من ، منظور السجال الذي دار بين هبرماس و راولسبحيث كل ما تشكل من مبادئ خاصة بالعدالة كانت ذات . راولس في مسألة العدالة

و ، خاصة المبدأ القائل بالحريات األساسية و مساواتها بين األفراد، تصور ليبراليبينما المبدأ الثاني المتعلق بالعدل في توزيع الدخل و الثروة، و . اعتبر هذا المبدأ سياسيا

اعتبر عند هبرماس أخالفي و ليس اقتصادي مما و الذي ، اإلقرار بمبدأ تكافؤ الفرصخاصة مع التوجه الجديد لليبرالية ،و التصور المقترح القتصاد ، جعل المسألة تتعقد

بينما المبدأ األول ارتبط بالتصور الليبرالي للحياة . و تكريس مجتمع الرفاهية ، السوق. دة و دول أوروبا الغربية السياسية ضمن األنظمة الدستورية المطبقة بالواليات المتح

فالتوجه نحو النظم الدستورية الليبرالية اشتد أكثر بعد ما زال الصراع بين اليمين و اليسار و التي ارتبطت خاصة عند ماركس بملكية ، الماركسي في مسألة العدالة االجتماعية

العدالة من و بالتالي يدرك أن. و لكل واحد الحق في امتالك ما أنتجه ، وسائل اإلنتاج. الوجهة الماركسية كانت اقتصادية بينما من الوجهة الليبرالية كانت سياسية و أخالقية

فهل العدول عن ما هو سياسي يلزم االهتمام بما هو اجتماعي ؟ و هل الجانب االجتماعي فهل ، يرتبط بصنف من الحقوق عرفت بالحقوق االجتماعية ؟ و إذا كان األمر كذلك

ما أنها أخـالقية ال غير ؟اعتبرت دائلمثل هذه التساؤالت يجيبنا جان مارك فيري عندما يتعرض إلى مفهوم العدالة السياسية،

ما بين أفراد ، بتقسيم الثروة المنتجة اجتماعيا، من حيث أنها تحافظ على كرامة اإلنسانعملية اعتبرت إال أن ال. المجمع االجتماعي الجاري تنظيمها من قبل الدولة االجتماعية تعد من بين الطرق . ثانوية ألنها تمول من االقتطاع اإلجباري من عملية اإلنتاج

و بشكل منصف لإلعانات االجتماعية كالصحة و التمدرس ، الضامنة للشركاء الدخولو عليه تعرف الدولة االجتماعية بالنسق السياسي الضامن للحقوق . و السكن و المعاقين

Page 159: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

147

مثل هذه اإلعانات ال تعد عدال ما دامت الميزات ). 1(كشكل من أشكال العدالة االجتماعيةخاصة ، و مما ترتب عنه تعدد و جهات النظر في مسألة العدالة. لم توزع بإنصاف

فهل للحق مقاما عدليا ترتبط به العدالة االجتماعية أم يتعدى ، عندما ارتبطت بالحقوق المقام ليوجه القضاء ؟

تكون ذات عالقة بمجلس القضاء أكثر منه من ، لة العدالة عندما ترتبط بالحقوقمسأ لعلبضمان الحقوق المدنية عالوة على ، و يحدد هدف العدالة الجوهري. العدالة السياسية

الذي يستدعي للمشاركة في إعداد ، و التي تعرف كذلك بحقوق المدني. الحقوق السياسية و الحق ال يكتمل إال . قات العامة في ظل الحريات العامة بتنظيم العال، القرارات الخاصة

إذ . شكل األول صوانا للثاني، و القانون مفهومين مترابطين، بقانون لذا كانا مفهومي الحقغير أن األمر غير جائز، . درج عند البعض استخدام الحريات العامة أو الحقوق العامة

و يتكفل ، لعامة خاصة بكل أفراد المجتمعو الحريات ا، ألن الحرية ليست الحق ذاتهمن حيث أن هذه األخيرة تمثل إباحة ، و يتميز الحق عن الحريات. الدستور بحمايتها

إذ لكل شخص الحق في الملكية، و ، بينما الحق فهو قاصر على شخص معين. أصلية و اعتبر ، رماسمثل هذا التصور أقره هب). 2(القانون يتكفل بحرية االمتالك و يضمنها

مما يدرك أن الحق يمتاز بخاصية ) 3(الحق الضامن للحريات وفق القانون العالميو ما هي األسس التي بنيت عليها ، مما يدفعنا إلى مساءلة القضاء الجزائري، عالمية

العدالة بالجزائر ؟ و هل عدالة القضاء من العدالة االجتماعية ؟ وهل العدالة الجزائرية أسس عالمية أم أنها بنيت على أسس تحترم خصوصية المجتمع الجزائري ؟ بنيت على

و هل الخصوصية إن وجدت تتماشي مع األسس العالمية للعدالة ؟وعليه كان معنى الحق باألساس بما اصطلح ، )Universel(بالعالمية ما هو شمولي نخص

لشخص يؤكد عن عليه بالحق الشخصي الذي يتطابق مع حرية النشاط الشخصي أين اخاصة ، 1789فضمن اإلعالن عن حقوق اإلنسان و المدني لعام ، حريته بكل إرادة

بالمادة الرابعة التي تنص على أن الحرية تعني القدرة على القيام بكل ما ال يحدث ضرر بحيث ال يتعدي أي ، بمعني أن مثل هده الحقوق الطبيعية تحدد بالقانون. باآلخرين

ومنه يدرك بأن القانون . اآلخر الذي يتساوي معه في الحقوق شخص ذو حقوق علىو انه ضمن القوانين العالمية كل ، يتعامل مع المدني بنفس ما هو متضمن في الحق

والتي اعتبرت ، ضمن نظرية الحق المدني األلماني). 4(األشخاص يتمتعون بنفس الحقوقل الحق الشخصي الذي تشكل من من خال، من قبل األلمان عامل لتأويل الحق بشكل عام

مما اصطلح باالستقاللية . أين إرادة الفرد تسود وفق االتفاق الممنوح لها، الفلسفة المثالية، و كذا الحق في الملكية، يضمن القضاء الموضوع أمام القانون الحق بإبرام العقود، الذاتية

ونة بالحق الحق الشخصي بالمصلحة المضم) Hans Kelsen(و يعرف هانز كلسن

1 Ferry(Jean-Marc), Philosophie de la communication, Tome 2 , Justice politique et démocratie procédurale , édition du cerf , Paris , 1994, pp :9-11

207- 206: ص ص ،1999الجزائر، ، ديوان المطبوعات الجامعية، نظريتا الحق و القانون وتطبيقاتها في القوانين الجزائرية، إسحاق إبراهيم منصور 2 3 Habermas (Jürgen) , Droit et démocratie ,Op-cit, p :137 4 Ibid , p : 97-98

Page 160: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

148

، والحق بهذا المعني مصلحة يلجمها القانون )1(والمقصود به القانون، الموضوعي :و الحقوق نوعان سياسية و مدنية والتي بدورها نوعان . و يحميها

ويقصد بها حق الحياة و حق سالمة الجسم و حق صيانة : الحقوق المدنية العامةإثبات الشخصية بغض النضر عن هويته أو و حق، العرض و الشرف و االعتبار

.الجنسية التي تجعله ينتمي إلى وطن و يقصد بها جانب من الحقوق المدنية المحمية بالقانون : الحقوق المدنية الخاصة

التي هي ليست متساوية و على ، الخاص، والتي يراعى فيها الحالة الشخصية و المدنية :نوعين

مثل حق ، ايا أو قدرات يحميها قانون األحوال الشخصيةوهي مز: الحقوق العائلية .كحق االبن على أبيه ، الميراث و الحقوق الزوجية و الحقوق األسرية

. و قومت بالمال، كل ما حقق مصلحة لصاحبها: الحقوق المالية يقصد بها حق االنتخاب و حق الترشح و حق تولي الوظائف العامة، :الحقوق السياسية

او التي تلتزم بحماية مواطنيه، والموضوعة من قبل الدولة، مؤهالت المحددة قانوناوفق الالتي يتمتع بها كل وطني أثبت انتمائه ، و هو حق مثله مثل الحقوق المذكورة، بالخارجفكيف تشكلت و ما مصدر القوانين ، فإذا كانت الحقوق مضمون من قبل الدولة). 2(للوطن

تشريعها ؟ التي تحميها ؟ و كيف تم :أصل العدالة الجزائرية و مصادر قوانينها-أ-1

عرفت العدالة الجزائرية عدة مراحل لتصل إلى المرحلة الحالية التي تشهد اإلصالح .تماشيا مع اإلصالحات التي تمس عدة قطاعات

:مرحلة ما قبل االستعمار-1-أ-1المنازعات كانت تفصل فيها ألن . و عرفت بالعدالة اإلسالمية ، تميزت بطبيعة خاصة

المتشكل من فقيهين أحدهم يمثل ، بواسطة مجلس الفتاوى، وفق أحكام الشريعة اإلسالميةو األحكام كانت تصدر من قاضي واحد يعينه الداى . المذهب المالكي و اآلخر الحنفي يدعم ، لو يعوض في حاالت استثنائية بالبش عد). 3(من علماء الدين لزهده وتقواه

، )المعروف حاليا بالمحضر قضائي(بالعون القاضي بمساعدين اثنين ينفذان األحكام عرفواواصطلح ) ما هو معروف بالمحامي( والمحاكمة كانت تشمل أيضا الوكالء عن المحاكمين

يمكن أيضا رفع ، بإمكان القاضي أن يعدل عن حكمه إذا تبين انه قد اخطأ. بالوكيل كانت تعمل ) جمع محكمة(مثل هذه المحاكم . ظر في الحكم القضية إلى مجلس الداى للن

بل األمور كانت تتم ، و لم يكن هناك نصوص قانونية يعتمد عليها. وفق العرف و التقاليدمما يسمح لنا . و هذا يعني أن األحكام لم تكن لها حجية ثابتة و قابلة للتغيير ، )4(شفهيا

و كانت األحكام ، قاللية في إصدار األحكامبالقول أن مجلس القضاء كان يتمتع باالستأال نقول بأن فكرة ، في مثل هذه الحالة، و إن نقل تتماشي مع ظروف القضية، متغيرة

1 Ibid , p : 100-101

290- 284: ص ص، جع سق ذآرهمر، هيم منصورإسحاق إبرا 2 118: ص، المرجع نفسه 3

4 Seriak(Lahcen), L’organisation et le fonctionnement de la justice en Algérie, édition ENAG, Alger, 1998, p :11

Page 161: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

149

و الذي عرف عند هبرماس بالحق المتجدد ذاتيا ، و الراعي لألوضاع، القانون المتجدد)autopoïétique( ، ؟رقبل االستعمايلتمس وجوده في الحالة التقليدية و التي عرفت :المرحلة االستعمارية -2-أ-1

عدالة موجهة لمن يتمتع بالوضعية المدنية ، تميزت العدالة في الفترة االستعمارية بعدالتين)Statut civil ( و عدالة موجهة لمن يتمتع بالوضعية المدنية اإلسالمية و هي . الفرنسية

و من كان مسلما يقاضي ، نون الفرنسيفمن كان فرنسي كان يقاضى وفق القا. األغلبية و القاضي لديه ، الذي كان يتشكل من مجلس قضاء عرف بالمحكمة، بالقضاء اإلسالمي

، و حصرت السلطات )Greffier(و عون عرف بكاتب العدل لمساعده عرف بالبش عد، االستعمارية مهام مجلس القضاء اإلسالمي في قضايا معينة تخص باألحوال الشخصية

. ، و األحوال الشخصية )1(منطقة القبائل حددت مهام القاضي بالمسائل المتعلقة بالتوثيقفبالتي ، بينما المسائل الجنائية أوكلت للقضاء الفرنسي خاصة في ما يتعلق بالمسائل الجنائية

و اعتبرت آنذاك االنتفاضات الشعبية بجرائم يلزم ، تقاضى وفق القانون الجنائي الفرنسيعلى عكس ما هو منصوص في الشريعة اإلسالمية بالجهاد خاصة عقب الحملة ، هامعاقبات

و عليه تم التعديل ). 2(الجهادية التي قادها األمير عبد القادر ضد المستعمر الفرنسيو استنادا ، مجالس القضاء اإلسالمي، بهذا االتجاه و مع الذكري المئوية الحتالل الجزائر

المحامي العام لمجلس القضاء ) Edmund Norés(دموند نوراس للتقرير المقدم من قبل إحول اإلنجازات التي قامت بها فرنسا االستعمارية ؛ من تطوير مستوي القضاء ، الجزائرو هذا ال يعني أنه ، إذ أصبح القضاء اإلسالمي ال يقل كفاءة عن الفرنسي، بالجزائر

بعد إحالتها إلى غرفة ، كم عليهاألنه هناك مسائل يتم مراجعتها و الح، يتساوي معهو أشترط على القاضي أن يكون . و الحكم عليها بعد ستة أشهر ، المراجعة اإلسالمية

أين يتلقي ثقافة عامة ، بعد ستة سنوات من الدراسة المدرسةمتحصل على شهادة عليا من ).3(فرنسية و إسالمية و معرفة واسعة في مجال القضاء

:د القضائيالتوحي مرحلة-3-أ-1ينص بتوحيد 1944نوفمبر 23صدر األمر بتاريخ ، على إثر تحرر فرنسا من النازية

من قبل الحكومة االستعمارية محاولتا تطبيق مبدأ المساواة أمام القانون ، القضاء بالجزائرفالنقض . محدثتا إصالحات على المستوي المحاكم القضائية ، و حماية حقوق اإلنسان

بينما األحوال الشخصية و الحالة المدنية ، تئناف من اختصاص المحكمة الفرنسيةو االسو بالرغم من . مع فصل سلطة اإلدارة عن القضاء ، من اختصاص القاضي الشرعي

إلى القضاء المدني ااستمرار القضاء الشرعي، إال أن بإمكان المتقاضيين أن يلجئو ).4(عن رغبتهم في ذلكإذا ما عبروا ، لألحوال الشخصية الفرنسي

:مرحلة الثورة-4-أ-1

1 Lapassat (Etienne-Jean), La justice en Algérie 1962-1968, Armand Colin, Paris, 1969, pp : 10-11

120 :ص ، هيم منصور، مرجع سق ذآرهإسحاق إبرا 2 3 Lapassat (Etienne-Jean), Op-cit, p :12

122-121 :ص ص ، هيم منصور، مرجع سق ذآرهإسحاق إبرا 4

Page 162: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

150

إذ ، التي تمخضت على إثر الحرب التحريرية، تغير القضاء بمقتضي الحالة االستثنائية 16وفق ما جاء بالقانون الصادر بـ ، ألحقت الجنح و الجنايات إلى المحاكم العسكرية

الصالحيات في اتخاذ كل أن تأخذ كل ، و الذي يؤهل الحكومة االستعمارية، 1956مارس اتخذت التدابير بناء على الفقرة الواردة في نص . التدابير لفرض النظام و استتباب األمن الذي يحول كل ، و صدر المرسوم باليوم الموالي، القانون ،و عدلت بموجبها التشريعات

قوم بها بعمليات ت، وصفت العمليات الفدائية. الجنح و الجنايات إلى القضاء العسكري الذي من مهامه حماية الوطن هذا ما . و تحاكم بالقضاء العسكري ، عصابات إجرامية

إال أن ما لوحظ عن ممارسة القضاء ). 1(من القانون الجنائي 80نصت عليه المادة للحصول على ، ذلك التعذيب الال إنساني الذي كان يتعرض له الجزائري، العسكري

بالمقابل أسست جبهة التحرير لجان . بالغ عن الثوارأو اإل، االعترافات المرغوبةبحيث ، التي تخضع لسيطرة الجبهة، متخصصة ؛ تقوم مقام المحاكم في النواحي األربع

دامت هذه اللجان ما . تقوم بمعالجة المسائل المدنية و الشخصية وفق القضاء العسكري و . العسكري الفرنسي كرد فعل لممارسات القضاء ، يقارب ستة أشهر لتثبت وجودهاو سمي القاضي بالعدل الذي كان يشرف على لجان ، عليه تأسس القضاء الجزائري

. القضاء التابعة لجبهة التحرير، بحيث وصفوا بأنهم مجموعة مسلحة توقف المتهم تم التصديق عليها بمرسوم ، األحكام التي صدرت عن القضاء الثوري لجبهة التحرير

. والمنشور بالجريدة الرسمية ، 1962ديسمبر 31ة المؤقتة بتاريخ صادر عن الحكومالمسئولون عن هذه الترتيبات اعتبروا اللجان القضائية التابعة لجبهة التحرير أو باألحرى إلى جيش التحرير، كانت تسد الفراغ المترتب عن تخلي اإلدارة القضائية لتلك

).2(المناطق :ستقاللالقضاء الجزائري بعد اال-5-أ-1

. يستمر القضاء الجزائري مع اإلرث الذي تركته اإلدارة االستعمارية و مجالس قضائهامما . خاصة مع األوضاع التي تبعت اإلعالن عن االستقالل ، ويزداد االهتمام بالعدالة

و محاكمة مرتكبي الجنح أثناء ، ألجل تحقيق األمن، استدعي إعادة تفعيل مجالس القضاءو من جهة أخري إثبات السيادة الجزائرية في تحقيق النظام . ر من جهة أحداث الجزائ

على األمالك بدون سند قانوني ءخاصة مع ارتفاع عدد الجنح من سرقة و االستيال، العامو الدافع الثاني الستمرار القضاء المستلهم من القضاء الفرنسي، اتفاقيات ) . عقد موثق(

و المرتبطة بالجزائريين ، في بعض المبادئ التنظيمية للقضاءايفيان التي تمنع إعادة النظر زد على ذلك النظام . بالنظام المدني الفرنسي ) Droit commun(ذوي الحقوق المشتركة

التكويني بالجامعة الجزائرية أثناء االستعمار، و التي كونت حاملي شهادة ليسانس في و بقي مصدر ، ة مع القضاء الفرنسيكل هذه األسباب لم تسمح بإحداث قطيع. الحقوق

من وضع ، أحد المحامين القدامى عمار بن تومىهذا ما مكن . استلهام للقضاء الجزائري حامال على عاتقه الترتيبات التي مكنت العدالة أن ، اللبنة األولي المؤسسة لوزارة العدل

سبتمبر 21ادر بـ وفق األمر الص، بفعل التعيينات التي عرفها سلك القضاء، تتأسس

1 Lapassat (Etienne-Jean), Op-cit, p :13 2 Ibid , p :17

Page 163: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

151

و تم تنصيب في منصب قاضي و رؤساء ، ألن األمر استدعي جزئرة القضاء. 1962الفتقار القضاء من حاملي شهادات الليسانس ، المجالس و وكالء الجمهورية من المساعدين

حتى . و من جامعات الشرق األوسط ، و المتخرجين من الجامعة الجزائرية، في الحقوقمن قضاء خاص ، مع القضاء على التمييز المعتاد عليه، للجميع دون استثناء تكون العدالة

و قضاء خاص بذوي الحق المحلي و هم ، بذوي الحق المشترك و هم األوروبيينفهل عملية ). 1(الذين كانت تتكفل بهم المحكمة ذات التشريع اإلسالمي، الجزائريين

ء جزائري منبثق من مصادره الجزئرة هي مستمرة ؟ و هل ساهمت في تأسيس قضا و التي من أجلها قامت ثورة التحرير؟، و محققا للعدالة االجتماعية، الخاصة

غير ، و تحقيق العدالة بمفهومها الثوري، القضاة أوكلت لهم مهمة تكريس مبادئ الثورة زيادة عن الحريات العامة ، فالقاضي ملزم بتحقيق. الذي تعلموه عن العدالة الليبرالية

التأقلم مع ، و ممارستها و فك النزاعات و ضمان األمن و الحفاظ على النظام العاممع الوقوف ضد من ، المعطيات االقتصادية و االجتماعية و السياسية المستلهمة من الثورة

مأخوذ من نص خطاب الرئيس بن بلة (يعرقلون التحوالت الثورية للمجتمع الجزائري ما يحول القاضي من موظف ، ) 1964مارس 2لس األعلى للقضاء يوم عند تدشينه للمج

تلك هي المبادئ األولى التي أسست النظم القضائي الجزائري، القائم على . إلى مناضل 20بمؤتمرها المنعقد بـ ، و هذا ما أكدت عليه كذلك الجبهة. التصور الثوري للعدالة

الذي يجب أن يعرف ، الجهاز القضائي حيث أكدت على دور العدالة و، 1964أفريل و كذا على مستوي التركيبة االجتماعية و ، إصالحا معمقا على مستوي النصوص و بنيتها

أين يتم انتخاب أعضائها على ، و كذا مصادرها و تكون مجالس القضاء شعبية، البشرية ائها في خدمة تلك هي مبادئ العدالة الثورية التي تجعل مجالس قض). 2(مستوي البلديات

فهل عرف ، انه النموذج المسطر بميثاق الجزائر، الشعب، و ليس في خدمة فئة خاصة ؟ 1965جوان 19مثل هذا النموذج االستمرارية خاصة بعد

و عين محمد بجاوي ، لمثل هذه المبادئ و تحقيقها استلزمت تغييرا على مستوي الوزارة، أين عرفت فترته صياغة 1965د جوان الذي استمر حتى بع، على رأس الوزارة

بمجموعة متكونة من ، مع استبدال اللجان التي كانت تشرف على عملية التشريع، القوانينالذين ألفوا مشاريع القوانين الخاصة بالقانون ، و من متعاونين أجانب، قضاة جزائريين

لمدة 1965ان على إثر أحداث جو، إال أن العملية عرفت توقفا. الجنائي و المدني و االستمرار في اإلصالحات غداة االحتفال ، لغاية أن يعلن على استمرارها، وجيزة

يتم اإلعالن المشروع أمام مجلس الوزراء من قبل وزير . بالذكري الثالثة لالستقالل كان من . و يمضي من قبل رئيس الحكومة ، 1965العدل و حافظ األختام بنوفمبر

1966، جوان 8إال أن العملية تأخرت إلى غاية ، التنفيذ بمرسوم المفروض أن يدخل حيز 15و دخل حيز التنفيذ بـ، بعد عدة مراجعات مست بعض التفاصيل الخاصة بالمشروع

مضمون اإلصالحات يستجيب إلى متطلبات شعبية سطرت كأهداف من ). 3(1966جوان

1 Ibid , p p :20-21 2 Ibid , p p :30-32 3 Ibid , p p :34-35

Page 164: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

152

مجلس 12متقاضين بخلق فالهدف األول تقريب القضاء من ال، قبل الثورة الجزائريةو تبسيط اإلجراءات ، و الثاني توحيد قواعد األنظمة القضائية ، قضاء و محاكم

زيادة على ذلك ؛ تم تحويل أهلية محكمة . و الثالث تخفيض مصاريف القضاء ، القضائيةفهل . إلى محاكم استئناف ) القائم بالعدل وفق التشريع اإلسالمي أثناء االستعمار(القاضي

كان لمثل هذه اإلصالحات القضائية معني لدى الشعب الجزائري ؟ و هل وجهت هذه اإلصالحات وفق السياسة المتبعة من قبل جبهة التحرير مع تحقيق العدالة الثورية ؟

كانت الهاجس الذي وجه الثورة التحريرية ،مما تجلى ، و األنظمة القضائية العدالةالذي كرس مفهوم . ؤتمر طرابلس لمجلس الثورة الجزائرية بداية من م، االهتمام بالعدالة

من أجل ، الذي عاني من الظلم و التهميش أثناء الكفاح، العدالة وفق طموحات الشعب، و تكون الشعور بالعدل و اإلنصاف كشعور طبيعي. االستقالل و تحقيق السيادة الوطنية

ه تحققت اإلصالحات في المبادئ و علي. و بهذا الشعور كافح الشعب من أجل العدالة و ممتثلة بذلك مع المبادئ األساسية للدستور، ألن ، التي تكيفت مع متطلبات العصر

و هو يكن ، النابعة أصولها من الحضارة العربية اإلسالمية، الشعب لديه شعور بالعدالةر عنه الرئيس و الذي عب، ذلك هو المعني الذي يدركه الشعب. االحترام للعدالة كأنها دين

و نقل . 1965جوان 29بن بلة في خطابه عند تأسيس المجلس األعلى للقضاء بـو أن يكون القضاء ، فأعطوه العدالة التي ال طالما كافح من أجلها: عنه القول التالي

فهل عرف مثل هذا المعني و ، )1(مدافعا عن الحق و اإلنصاف و حاميا لمكتسبات الثورة عدالة االستمرار ؟ الشعور لل

:مهام العدالة الجزائرية-6-أ-1فالعدالة ، تحقيقا إلرادة الشعب ؛ حددت أهداف العدالة المحققة للعدالة االجتماعية

و الوسيلة األنجع . هي مؤهلة لتدعيم الشعور بالمدنية ، و بمقتضي القوانين المسيرة لهامثل ما جاء في دستور ، الل انتخاب القاضيو إشراكه من خ، تقوم على تعليم الشعب

و بالرغم من ذلك تمثلت أهداف العدالة في . الجزائر و غاب في الدستور الذي تاله ينظم العالقات االجتماعية بين المدنيين، ، تدعيم الشعور الشعبي في تحقيق مجتمع عادل

ستلزماته و معني هذه و كهدف ثاني تعليم الشعب ليدرك م. و بين الجماعات فيما بينها ففيما . و وفق هذه األهداف أقر باستقاللية القضاء و المساواة أمام القضاء ، )2(المستلزمات

تتمثل هذه االستقاللية ؟ و ما هو المعني الذي تقدمه للعدالة ؟ و كيف تتحقق المساواة أمام القضاء ؟

:استقاللية القضاء -أ-6-أ-1و الذي ، إلـى غاية الحالي 1963الجزائرية بدأ من دستور استنادا لما ورد في الدساتير

.ي إطار القانونــوتمارس ف، السلطة القضائية مستقلة أن 138جاء فيه و بالمادة إال أن مسألة االستقاللية المذكورة تشير . 61و بالمادة 1963كتأكيد لما جاء في دستور

و أن القاضي . على للقضاء و القانون مضمونة من قبل المجلس األ ةإلى أن االستقالليبينما الدستور الحالي جاء على إثر . و روح الثورة االشتراكية ، يمتثل إلى روح القانون

1 Voir : Ibid , p p :44-45 2 Seriak(Lahcen),Op-cit, p : 28-29

Page 165: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

153

من االقتصاد الموجه إلى ، اإلصالحات التي أنقلت الوضعية االجتماعية و االقتصاديةبداية ، يها قطاع العدالةمما دفع إلى التفكير في إصالح القطاعات ؛ بما ف. االقتصاد الحر

اللجنة الوطنية إلصالح "تنصيب إلى غاية ، 1989من القانون األساسي للقضاء لعام التي تكفلت بمعاينة تشريع و، 1999أكتوبر 20من قبل رئيس الجمهورية في العدالة ؛

ية في و اتخاذ سلسلة من التدابير االستعجال، دراسة وضعية قطاع العدالة بنظرة شمولية وإعادة االعتبار ب، يل حق اللجوء إلى مرفق القضاءتسه مع، حقوق اإلنسان مجال دعم

التي يرتكز ، وذلك إلى جانب تسجيل عدد من المشاريع الهامة، لنظام التكوين والتأهيلوااللتزامات الدولية أهمها إعداد تشريع وطني منسجم مع المعايير . عليها إصالح العدالة

هذا تكريسا لما جاء و .)1(يتجسد ضمان استقاللية بعدم خضوعه لغير القانونو للجزائر، و .ونـالقاضي ال يخضع إال للقان و التي تنص على أن، 147خاصة بالمادة في الدستور

و ، و راعي التماسك االجتماعي، استقاللية القضاء هي تحقيقا للعدالة والحكم الراشد، فما عالقة القضاء بدولة الحق و القانون ؟ و )2(قانوندولة الحق و الهي من موجبات

هل أساس دولة القانون و الحق متمثل في استقاللية القضاء ؟ أم لها أسس أخري تبنى عليها ؟

:المساواة أمام القضاء -ب-6-أ-1و تكرست ، الحق و القانون تعد المساواة أمام القضاء من األسس التي تبني عليها دولة

ة ـمبادئ الشرعيالأساس القضاء إذ جاء فيها أن، من الدستور 140المادة في يجسده احترام و،وهو في متناول الجميع ، الكل سواسية أمام القضاءو ، اواةـوالمسفهل لهذا االمتثال ، دولة القانونو القول باحترام القانون و االمتثال له من روح .القانون

ل الحكم بالعدل ؛ هو الموازنة بين الحق و الواجب تحقيقا هرم السلطة ؟ لع ما يجسده فيو التي تستلزم من القاضي االجتهاد ، الذي يعمل على حمايتها، للمساواة أمام سلطة القضاءالثقة في و هي من االلتزامات األدبية و القضائية إلحالل ، في البحث و معرفة الحق

ون وإحالل الثقة بين المتقاضي والقضاء لهم فهل روح القانون و الدولة القان). 3(العدالة هيئة تضمنهم؟

:المجلس األعلى للقضاءالعدالة و -د-6-أ-1وجوب وجود المجلس األعلى للقضاء ، أقرت التشريعات الجزائرية و المتمثلة في الدساتير

ما ، فهل لمثل هذا الفصل وجود في الواقع، مدعما كتكريس فعلى للفصل بين السلطاتو المتمثلة في المراسيم و األوامر، صادرة من أعلى السلطة ، القوانين المعمول بها دامت

رئيسا للمجلس األعلى للقضاء ؟ ، ؟ و هل يتجسد الفصل كذلك مع وجود رئيس الجمهورية و هل استقالليته المالية تحقق استقالليته ؟ تشكيل المجلس و المتعلق ب، 2004سبتمبر 06و فق القانون العضوي و المؤرخ بـ

أن البث في تعيين القضاة و ، و ما جاء فيه، األعلى للقضاء و عمله و صالحياتهبينما أمانة المجلس تخول إلى ، ترسيمهم صارتا من صالحيات المجلس األعلى للقضاء

، و جعل سلطة الوزير تقتصر على تعيينه، قاض برتبة رئيس غرفة لدى المجلس القضائي

14- 13:ص، 2008الجزائر –دار القصبة ، )اإلنجاز التحدي(إصالح العدالة في الجزائر ، الطيب بلعيز 1 2 25: ص، المرجع نفسه 31: ص، المرجع نفسه 3

Page 166: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

154

إذ كان تولى األمانة إلى إطار من وزارة العدل برتبة نائب . كان معمول به خالفا لما يتكون المجلس من رئيس و هو رئيس . و يتحول بذلك التسيير اإلداري إلى قاض ، مدير

وعشر ، و النائب العام لدى المحكمة العليا، ونائب رئيس و هو وزير العدل، الجمهوريةفهل ، رئيس الجمهورية من خارج سلك القضاة و ست شخصيات وطنية يختارهم، قضاة

، من بين الست يوجد الفيلسوف و المختص في علم االجتماع و المختص في علم النفس و الفقيه كون أحد مصادر التشريع الشريعة اإلسالمية ؟

:العدالة و حقوق اإلنسان-ه-6-أ-1تحمل قيم عالمية تمت من المسائل التي ، ما يثير االنتباه أن مسألة حقوق اإلنسان

مما يتبين أن العدالة الجزائرية . المصادقة عليها في الجمعية العامة لهيئة األمم المتحدة فهل لمثل هذا الميل تدابير تعرضت لها ، تميل إلى الرقي بهياكلها إلى المستوي العالمية

و الدين ؟ اإلصالحات القضائية ؟ و كيف يتم التعامل مع حقوق اإلنسان و حرية الرأي و هل دولة الحق التي تعتمد على مبادئ عالمية قابلة للتحقق في الجزائر؟ لمثل هذه

إذ قدمت . الرهانات قامت السلطة بتأهيل القضاء و تطويره ليصبح بمستوي العالمية و التي ، و إبرام اتفاقيات في مجال القضاء، الجزائر مشاريع شراكة مع العديد من الدول

الذي ، منها الواليات المتحدة التي تمتاز بخصوصية مجلس قضائها، رين دولةفاقت العشبينما االتفاقات التي أبرمت مع . يعتمد على القانون الدستوري في تحديد مهامها و هياكلها

إذ يقضي هذا ، 2005دخلت حيز التنفيذ في أول سبتمبر ، 1997الدول األوروبية عام مما ساعد وزارة العدل على وضع أهم المقتضيات ، القضاء االتفاق على التعاون في مجال

بينما في مجال حقوق ). 1(المرتبطة باألحكام المخصصة لتدعيم مؤسسات دولة القانونالقائم على الحفاظ على ، و التي تعد من المواضيع التي يهتم بها المجتمع الدولي، اإلنسان

ضمن اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ، لعدلمع اإلقرار بمبدأ المساواة و ا، كرامة اإلنسانإذ جاءت ، الذي أصبح مرجعية مكرسة في كل الدساتير بما فيها الدستور الجزائري.

ية وحقوق اإلنسان الحريات األساس و التي تنص على ضمان، من الدستور 32المادة و تعلميها حاملة بذلك نفس المواصفات العالمية التي تقر بحقوق اإلنسان. ة والمواطنو تلتزم الجزائر بتقديم تقارير دورية منها التقارير المقدمة للمنظمات الدولية ، لألجيال

). 2(المكلفة بحقوق اإلنسان :العدالة سياسيا و اقتصادياأفق -2

قتصادي، مما يجدر اإلشارة إليه ؛ أن اإلصالحات السياسية ارتكزت أكثر على الجانب االو من جهة أخري أن األزمة السياسية كان ، ألنه يشكل من جهة عصب تطور المجتمع

من ، خاصة مع تدهور أسعار البترول في الثمانينات، سببها الرئيسي الجانب االقتصاديو هذا و فق النهج السياسي و االقتصادي . حيث أنه يشكل المورد المالي األساسي للدولة

خاصة ، و هو من بين التصورات التي طبقت بالوطن العربي، الجتماعيةالمحقق للعدالة او كلها كانت لها نفس الخطاب اإلصالحي و .ذلك التصور المبني على النهج اليساري

، كانت لها نفس الرهانات السياسية و االجتماعية و االقتصادية لتحقيق العدالة االجتماعية

125: ص، المرجع نفسه 1 128-127: ص ص ، المرجع نفسه 2

Page 167: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

155

عة الخطابات اإلصالحية التي نادى بها المصلحون ؟ ففيما تمثلت هذه الرهانات ؟ و ما طبيو هل النهج االقتصادي و االجتماعي لم يعرف تعثر و مراجعة أو العدول عنه ؟ و هل باشرت الدول العربية بما فيها الجزائر إلى إعادة النظر في نهجها االقتصادي و

هذه التدابير ؟ و ما هي االجتماعي و العوامل المحققة للعدالة االجتماعية ؟ فما طبيعة أسبابها ؟ و ما هي نتائجها ؟ و هل ظهرت في األفق مؤشرات تحققها ؟

سيتضح لنا في ما يلي أن العملية اإلصالحية التي نادى بها دعاة اإلصالح لم تحقق النتائج فلقد عاش دعاة اإلصالح االجتماعي في البلدان . المرجوة في تحقيق العدالة االجتماعية

في ظل سيطرة االعتقاد بأنه لم يحدث تقدم ملموس في ، ية حقبة طويلة من الزمنالعربفالدولة التي كانت ضرورية ... إال إذا جاء من جانب الدولة ، مجال العدالة االجتماعيةإذ بدا أن ، كانت اآلمال منوطة بها من جانب الطبقات المقهورة، لدعم المصالح الرأسماليةو ، طبقات متوقف على استرداد جهاز الدولة من الرأسماليينالنهوض بأحوال هذه ال

لكننا نعيش اآلن فيما يظهر عصرا أصبحت فيه الدولة القومية أعجز من أن تحقق نفعا فكان ، هذا راجع ألساليب القهر التي تطورت بفعل تطور التقنية) . 1(كبيرا لكال الطرفين

لعل دخول المجتمعات بما فيها ، هرالبد من إيجاد طرق جديدة لوضع حد لهذا القتسيطر عليها الواليات ، و المحكوم بقطبية واحدة، المجتمعات العربية العصر الجديد

جعل باقي ، المتحدة والماسكة أكبر مؤسسات دولية كالصندوق النقد الدولي و البنك الدوليبعد ما أثقلت الشعوب تتعثر في أيجاد الحلول لتحقيق النمو االقتصادي و االجتماعي،

و اللجوء إلى ، هذه الدول التي اضطرت في وقت ما تحمل عبئ التنمية. المديونية كاهلها و المتفننة في شراء ديون ، االقتراض من البنك الدولي و البنوك الغربية على العموم

. الدول النامية المثقفين، إال أن األمر ارتبط أكثر بالتنظيرات التي شكلت هاجسا فكريا على مستوي

فهل لمثل هذا الهاجس نبراس يوجه . و صعوبة تطبيقية على مستوي بيروقراطية الدولة منها ما هو ، خطاه نحو السداد ؟ لقد درج في األوساط الثقافية العربية عدة تنظيرات

األولى ربطت تحقق العدالة . و أخري من الثقافة اإلسالمية ، مستمد من الثقافة الغربيةو الذي يؤثر إيجابا على التطور االجتماعي و ، تماعية بتحقيق معدل النمو االقتصادياالج

، و الثانية ربطت العدالة باإلجراء القائم على الزكاة والوقف. تحسين المستوي المعيشيو ما يدعم هذا التصور ما ورد ). 2(فالزكاة تتمتع بكونها واجبا أساسيا من واجبات المسلم

) . 103التوبة اآلية " (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها" ريم في القرآن الكبينما التصور األول يقوم على نظرة اقتصادية ترتبط باألساس باإلجراءات تخفيف حدة

مما لزم على مجمل ، و توزيع الدخل المصاحب لسياسات رفع معدالت النمو، الفقر أن تعيد النظر في ، تجاه االشتراكي السوفيتيخاصة تلك التي نهجت اال، الدول العربية

منتهجة في ذلك النظريات االقتصادية النيو كالسيكية، ، اقتصادها و تباشر بعملية اإلصالحالذي لفت ، كينيث غالبريتالذي شكل عنوان كتاب . مجتمع الوفرةو بالتالي تأسيس

بحوث و مناقشات الندوة الفكرية ، ضمن نحو مشروع حضاري نهضوي عربي‘ العدالة االجتماعية من منظور المشروع الحضاري ، جالل أمين

672: ص ، الطبعة األولي، 2001بيروت ، أشرف عليها عبد العزيز الدوري و آخرون، التي نظمها مرآز الدراسات الوحدة العربية 1 673: ص ، المرجع نفسه 2

Page 168: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

156

و التي هي الحاجة و ، مجتمعالنظر إلى ما يمكن أن يحقق الزيادة في القدرة اإلنتاجية لل ).1(ليس الربح

و فق هذا التصور ؛ تعتمد التصورات االقتصادية باألكثر على دراسة السوق ؛و ما إال أن هذه العملية استهدفت الزيادة في االستهالك باستخدام . يحتاج إليه من بضائع

سائل القمع هذا ما يشكل أحد و. أساليب الترغيب و الترويض على اقتناء السلع فهل لمثل هذه الممارسة أسسا نظرية تفسر الكيفية التي . المستخدمة من قبل الرأسماليين

يبني عليها اقتصاد السوق؟ و هل الفكر اإلصالحي يتجه نحو هذا االتجاه من حيث أن اقتصاد السوق يعتبر الحل المتبقي بعد انهيار التوجه االشتراكي ؟

أن يبقي الخطاب اإلصالحي في ميدان العدالة ، الل أمينجال يصح مثلما هو في نظر ألن الفقر و القهر . االجتماعية محلي النظر دون أن ينفتح على الفكر اإلصالحي العالمي

يتعرض له فقراء الهند و المكسيك و كل نيتعرض له العرب هما نفسهما اللذا ناللذاالحية على مستوي كل الدول التي و منه وجب مقارنة العملية اإلص). 2(فقراء العالم

و التي انتهجت اقتصاد السوق الموضح في نظريات كالسيكية ، نهجت السياسة اإلصالحيةففيما يمكن حصر األسس النظرية القتصاد السوق ؟ . و نيو كالسيكية في مجال االقتصاد

ظرية و ما هي أهم تنظيراته ؟ من بين النظريات التي نظرت القتصاد السوق نجد النأن المستهلك عند إنفاق : التي تدافع على الفرضية التالية ، االقتصادية ىالحالة المثل

و هذا ما ، و هذا تماشيا مع الحركة العفوية لقوي السوق، مدخوله يصل إلى أقصي إشباعبما أنه ال يمكن قياس المنفعة التي يحصل : دفع بالكالسيكيين الجدد طرح التساؤل التالي

فكيف يمكن جمع منافع عديدة للتأكد من أن المجتمع قد حقق أقصى اإلشباع ، لفردعليها ا؟ و إلثبات أن التنافس و قانون العرض و الطلب يؤديان إلى الحالة المثلي ،مما جعلهم

في مثل ) . 3(يتفقون على وجود حالة التي ال نستطيع فيها أن نفضل أحدا و أن نظر آخراع دون إحداث ضرر، يفترض أنها تميل إلى تحقيق العدالة من هذه الموازنة لحالة اإلشب فهل لمثل هذا االفتراض أسس محققة له ؟ ، خالل الوفرة و اإلشباع

و منحيات ، فالبرهنة عليها تستوجب عمليات حسابية، كون أن المنفعة غير قابلة للقياسالذي هو متماثل ، لسعردون إدخال عامل ا، التكافؤ المحددة لكميات اإلشباع لدى المستهلك

فبقدر ما نخصه للفرد من كمية إلشباعه تؤخذ . لدي جميع المستهلكين في حالة التوازن و من خالل منحني التكافؤ يكون الفرد فد حقق مستوى ، منه الكمية الالزمة للفرد اآلخر

ألي و النتيجة أن في حالة التوازن بين الفردين دون إحداث أي ضرر ، أعلى من اإلشباعغير أن االنتقادات التي وجهت ). 4(فإن التنافس ينظم األسعار و يخلق حالة فضلي، أحد

مما اقتضى الربط بين االستهالك ، من زاوية أن المنفعة مستقلة عن السعر، لهذه النظريةو أن عملية اإلنتاج ، مع العلم أنه ال يمكن تحديد الشروط المكونة للحاجة، و الحاجة

فبمجرد وجود العديد من السلع في السوق تشبع نفس . يات المستهلك تتماشي مع حاجففي مثل هذه الحالة هل تكون ، فإن عامل التفضيل يتدخل في توجيه المستهلك، الحاجة

هناك منافسة شريفة ؟ و هل يمكن إيجاد عوامل تضبط المنافسة ؟

665: ص ، المرجع نفسه 1 675: ص ، المرجع نفسه 2 3 370- 369: ، ص ص 2000الجزائر ، مدخل إلى االقتصاد السياسي، ديوان المطبوعات الجامعية، )عبد اللطيف(بن أشنهو 372- 371: ص ص ، المرجع نفسه 4

Page 169: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

157

تيب التفاضلي المستقل أنه يجب تصنيف السلع حسب التر، ورد عن الكالسيكيين الجدد مما

و ذلك بالرغم من اعترافهم ؛ أنه في بعض الحاالت يؤدي تغير األسعار ؛ ، عن األسعارفالسعر . ألنه من الممكن أن تلعب األسعار في إحداث األفضلية ، إلى تغير في المنافع

ذه مثل ه) .1(من حيث األبهة و الحداثة االجتماعية، األكثر ارتفاعا مؤشر لجودة السلعةو ، و خلق التفضيل لدي المستهلك، الفكرة التي تستثمر في اإلشهار عند الترويج للسلع

فإذا رفعنا سعر . الجدد، و نربط السعر بالمنفعة نبالتالي ال يمكن أن نذهب مع الكالسيكييسلعة عن سعر سلعة أخري ؛ هذا ال يعني أننا رفعنا من منفعتها بل رفعنا من اإلثارة نحو

و ربطناها بالماركة و بالمقاييس العالمية المعمول بها في عملية إنتاج تلك ، لعةهذه الس، من هذه األسس ؛ وجهت المناقشة التي تعرضت لها النظرية الكالسيكية الجديدة. السلعة

فالتفضيل من هذه الزاوية ؛ يثير . نحو تصورها للسوق و المنافسة و األسعار و التفاضل بها اإلنتاج الذي يعد من العوامل التي ترفع معدل النمو و تحقيق الكيفية التي يرفع

فهل لمثل هذه العملية سند نظري ؟ و إن وجد فكيف تتم عملية البرهنة عليه ؟ ، اإلشباعأن عملية الزيادة في اإلنتاج مرتبطة بثالث براهين، برهان إداري و برهان إنتاجي

:و برهان نقابي نوجزها فيما يلي :البرهان اإلداري -أ-2و هي الطريقة المعمول بها بالواليات ، لقد اتسمت اإلدارة بصفة الالمركزية في التسيير

مما يساعد على حل التعقيدات . بحيث ترتبط المؤسسة بنماذج كبيرة من األسواق ، المتحدة، العامةو صلتها باألسواق إذ تمنح المديرية ، المتزايدة والمترتبة عن نشاط المؤسسة

، مثل هذا اإلجراء يساعد اإلدارة العامة. مديريات األقسام صالحيات التسيير و التنفيذعلى تحقيق السيطرة و مضاعفة اإلنتاج ،من خالل مضاعفة الشركات المتوسطة، و ليس

.بمضاعفة الشركات الكبرى :البرهان اإلنتاجي-ب-2مع ، تقتضي معرفة أصناف المنتجات، عملية الزيادة في اإلنتاج على مستوي المادي

ألنه يوجد في العمل المنتج . معرفة أصناف العمال المنتجين لسلع الموجهة لالستهالك ، مثل هذه المؤهالت تتطلب تكوينا )2(فئات عديدة من العمال ذوي مؤهالت قوية و مختلفة

مما يستدعي . قصد السيطرة على السوق ، و المطلوبة في عملية اإلنتاج، يحقق الكفاءاتوفق فرضية تكييف اليد العاملة مع ، اإلدارة العامة إلى التفكير في تسيير الموارد البشرية

.ألنه كل عملية انتاج تطلب عملية تحضير ، التجهيزات المستخدمة :البرهان النقابي -ج-2بي تاريخيا العمل النقا. يعد من البراهين التي تقدم الدفع لعملية اإلنتاج و المشاركة فيه

و التي نشأت ، داخل الجمعيات التي كانت تعمل سرا، ارتبط بالممارسة النضالية للعمال 1824عندما صوت البرلمان األوليغارشي المحافظ ببريطانيا عـام ، عند االعتراف بها

، و بمجرد ما تم التصويت، بالحق في تكوين جمعيات تدافع عن مصالحهم، لصالح العمال

384- 383: ص ص ، المرجع نفسه 1 2 390- 388: ص ص ، المرجع نفسه

Page 170: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

158

سطرت . مل النقابي في التوسع في كل أرجاء بريطانيا و في كل فروع الصناعية أخذ العفهل اقتصر العمل النقابي ). 1(أهداف العمل النقابي في األساس على معالجة مسألة األجور

على مثل هذه مسألة ؟ أم أنه تطور بتطور األوضاع االقتصادية ؟ وهل التطور أحدث أن العمل ، ل النقابي ؟ تعتبر نظرية التوزيع للكالسيكية الجديدةتباينا في المواقف تجاه العم

النقابي يرتكز أكثر على رفع األجور ؛ عندما يتحقق هذا المطلب فجزء كبير من قوة مثل هذا التصور ال يخدم الطبقة الشغيلة بقدر ما يخدم ). 2(العمل يتحول عن الخدمة

دون ، مة األجور الهم النقابي الوحيدو جعل منظو، ميكانيزمات السيطرة للرأسماليين. و بالتالي دفع الدولة إلى أن تكون اجتماعية . التكفل باألوضاع االجتماعية لغير األجراء

و إن واجهت عدة اعتراضات، ، مثل هذه التدابير المبرهن عليها ضمن النظرية الكالسيكيةو ، و كيف تدار عملية اإلنتاج، اإلنتاجي للمؤسسة فإنها تعطي األولية على سير العمل

وهذا لسبب جوهري ؛ أن عملية اإلصالح المنتهجة من قبل . كيف يسيطر على السوق و ، خاصة تلك التي انتهجت نظام اقتصادي موجه، -بما فيها الجزائر –الدول النامية

لى اقتصاد السوق قصد تطبيق نظام اقتصادي قائم ع، اضطرت إلى القيام باإلصالحاتو عليه كانت اإلشكالية الكبرى كيف تتم . يحقق الوفرة و يزيد في معدل النمو

اإلصالحات و ما هي الترتيبات األولية المحققة لذلك ؟ و هل لهذه الترتيبات أسباب و توجيهها نحو اقتصاد السوق ؟ ، جوهرية ساهمت في دفع العملية اإلصالحية

:زمةالجزائر في عمق األ-2-2هي األزمة السياسية ، من األسباب الجوهرية التي دفعت بالجزائر إلى اإلصالحات

مما ترتب عنها عـدة . و التي وصفت باألزمة المتعددة األبعاد ، و االقتصاديةو كل هذه اإلصالحات . و االجتماعي ، على المستوي السياسي و االقتصادي، إصالحات

الذي يعد المورد المالي األساسي في حركية ، ر البترولكانت ناتجة عن تدهور أسعاو امتصاص البطالة مع الرفع ، و تمويل االستثمارات قصد الزيادة في اإلنتاج، االقتصاد

فما هي تداعيات األزمة ؟ وماذا . إال أن سوء التسيير أحالة دون ذلك ، من القدرة الشرائيةارد أثناء السبعينات ؛ إذ تميزت الفترة ترتب عنها ؟ إن الكالم عن األزمة لم يكن وو التي رصدت لها أمواال، ساهمت في ، البومدنية بالتوجه نحو تنمية صناعية مكثفة

استمر الحال حتى انعقاد المؤتمر االستثنائي . توفرها عائدات البترول بعد عملية التأميم لى وضع برنامج و عمل ع. أجل حياة أفضل الذي حمل شعار من، لحزب جبهة التحرير

و ، كان أقل تفاؤال 1984إال أن المؤتمر الذي تاله عام . يقضي على ندرة المواد األولية و في نفس السنة بدأت أسعار البترول ، العمل و الصرامة لضمان المستقبلأخذ له شعارا

1986و بعام ، 1983دوالر عام 29إلى 1981دوالر عام 34في االنخفاض فمن مما هو مالحظ أن ). 3(و تدخل الجزائر في قلب األزمة، دوالرا 12البترول يصبح سعر

ورث نظاما اقتصاديا و اجتماعيا قائم على قطاع ، البومدينيةالنظام الذي تلي المرحلة النظام ركز على القطاع الصناعي الذي شمل عدة . عمومي واسع يغذيه الريع البترولي

1 Marx(Karl), Le syndicalisme (I- Théorie , organisation , activité) traduction et note de Roger Dangeville édition Maspero-Paris 1978, p :28-29

409: مدخل إلى االقتصاد السياسي، مرجع سبق ذآره ،ص ، )عبد اللطيف(بن أشنهو 2، 1990، دار بوشان للنشر الجزائر )محمد هناد : نهاية الشعبوية ترجمة ( حول الجزائر و العالم العربي ، دراسات 5: حول األزمة ، )على(الكنز

3 72- 69: ص ص

Page 171: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

159

و وضع برنامج يخص االستثمارات ، عملية التخطيط مجاالت ،و قد خصت كل شركة بو الغاية منه الوصول بالجزائر في حدود نهاية القرن إلى تحقيق ، ضمن مجال نشاطها

اعتمدت الشركات الوطنية سياسة اجتماعية تميزت ، عالوة على التخطيط. مجتمع مصنع ا التعاونيات و كذ، و مراكز للطب االجتماعي، بإنشاء مراكز لتكوين مستخدميها

الذي سمح للعمال المشاركة ، بالتسيير االشتراكي للمؤسسات و هذا ما عرف، االستهالكيةبالرغم من ذلك استطاع هذا النموذج تجاوز . في وضع السياسة العامة للمؤسسة

بمعدل نمو و حقق البرنامج التنموي، لبومدين تناقضاته بفضل الزعامة القوية التي كانتإذ عرفت شبكة الكهرباء و ، فقد ارتفعت كل المؤشرات الدالة على النمو، % 6,9يقدر بـ

في حين انخفضت المؤشرات السلبية كالبطالة التي ، و التغطية الصحية، شبكة التلفزيونكل ). 1(و كذا انخفاض معدل الوفيات واألمية، %19إلى 1964عام %70تقلصت من

، بني عليه التصور المحقق للعدالة االجتماعيةهذه المؤشرات كانت دالة على النهج الذي فهل لمثل هذا التصور ما يساعده على االستمرار ؟

مما استدعي إلى عقد مؤتمر استثنائي عرف بخالصة ، تحاملت االنتقادات على هذه الفترةو اعتمد على مخطط . 1978 – 1967تماعية لعشرية الحصيلة االقتصادية و االج

أحدث تغييرا في كل من قواعد و أشكال السياسة االقتصادية المعتمدة في ، خماسي جديدبل من حيث ، ليس فقط من حيث االعتمادات، إذ أوليت الفالحة اهتمام وافر. السابق

استبدالها بالتسيير الفردي أو و، التنظيم كذلك من خالل اإللغاء التدريجي لنظام التعاونياتفي المجال الصناعي باشرت بإعادة هيكلة الشركات الوطنية إلى مؤسسات . مجموعات

14/10/1980الصادر في 80/240و دعمت بمرسوم . عمومية محلية و جهوية و ، و النقل، و في مجال المنشآت الحضرية، والمتعلق بإعادة هيكلة الشركات الوطنية

و التي صاحبتها ، هذه العملية التي عرفت بالتصحيحية. د االهتمام بها اإلسكان أعيإال أن النتائج سرعان ما تقهقرت نحو السالب ، تغيرات عميقة في االقتصاد و المجتمع

1986و 1985فما بين . بعد تدهور أسعار البترول مما أدي إلى انخفاض معدل النمو األزمة تتفاقم مع إتباع سياسة . % 14يقدر بـبعدما كان سنة من قبل % 4,3وصل إلى

و يزداد التفاقم عند االعتماد كذلك على مصدر غير مضمون في توفير ، التصحيح الهيكليهذه الوضعية ألزمت السلطات إلى االستمرار ). 2(العملة الصعبة الالزمـة لعمليـة التنمية

و فق ، المؤسسات العموميةو الشروع في ما يعرف باستقاللية ، في عملية اإلصالحاتأو ، )SARL(أو شركة ذات مسؤولية محدودة ، )SPA(الصياغة التالية شركة ذات أسهم

إال أن هذه العملية قد سبقتها ) . EPIC(مؤسسات عمومية ذات طابع صناعي و تجاري إذ تفاقمت مع انخفاض سعر البترول إلى أدنى ، إجراءات ارتبطت أساسا بالمديونية

مما دفع السلطة إلى إعادة جدولة الديون مع ، )3(1986دوالر في خريف 15 مستوياتهو المبرمة مع ) stand-by(و عرفت باتفاقية ، 1994صندوق النقد الدولي في أفريل عام

مما أجبر الجزائر إلى القيام بإصالحات عميقة مست الجانب . حكومة رضا مالك

1 75-73: ص ص ، المرجع نفسه 2 223: ص ، الطبعة األولي، 2002بيروت ، مرآز الدراسات العربية، مستقبل الديمقراطية في الجزائر، إسماعيل قيرة و آخرون

3 Dahmani (Ahmed), L’Algérie à l’épreuve (Economie politique des réformes) 1980-1997,édition l’Harmattan, Paris 1999 , p :82

Page 172: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

160

و الذي ألزم الحكومة في ذات الوقت التخلي . و المملي من الصندوق ذاته ، االقتصاديو ما ترتب عليه كذلك من إتمام عملية استقاللية المؤسسات العمومية ). 1(عن حلم السيادة

و الدخول في مفاوضات مع المنظمة العالمية ، ؛ مع ضبطها بالقوانين الالزمة لذلكهذه . ملة قابلة للتحويل و تحويل الدينار إلى ع، بغية تحرير التجارة الخارجية، للتجارة

األهداف ممكنة التحقق ؛ خاصة ما تشير إليه آخر الدراسات للصندوق النقد الدولي عن من أنها مدرجة من بين الدول ذات األسواق الصاعدة ؛ التي يبقي فيها قطاع ، الجزائر

بنسبة تقدر 1999إذ قدرت عام ، المحروقات يمثل نسبة كبيرة من قيمة الصادراتو هي ، )%17(و فنزويال ) %15(و المكسيك ) %25(على غرار اندونيسيا %96بـ

هذا ما دفع بالكثير إلى ). 2(الدول التي شرعت في بناء نسيجها االقتصادي قبل الجزائرو تحقيق . القول بأن اإلصالحات ستقلل الفجوة بين العديد من قطاعات االقتصاد الوطني

مع تحقيق ، من أجل إشباع الحاجات األساسية للسكانالتنمية التي أصبحت ضرورة ملحة مع . و االستفادة من مردود النمو و التقدم الصناعي ، العدالة في توزيع الدخل القومي

مما ، العلم أن الجزائر قد مرت بأخطر المراحل التي عرفت بالال أمن و الال استقرارإلى أين يتجه : ة التاليةو عليه تطرح اإلشكالي، يجعل مثل هذا الكالم في محل شكو المتمثلة في المديونية الواجب تسديدها للهيئات ، اإلصالح مع ضغوطات الخارجية

و الضغوطات الداخلية المتمثلة في تدني القدرة الشرائية ؛ حتى ، المالية المقرضة للجزائرنسبة و ارتفاع، بالنسبة للطبقة المتوسطة ؛ التي تعتبر صمام أمان ألي نظام اجتماعي

؟ فكيف للعدالة أن تتحقق أمام مثل هذه المعضالت و فوق ذلك حالة الال أمن، البطالة االقتصادية ؟

إلى أين تذهب تلك القروض، : طرحت عدة أسئلة في العشرية األخيرة منها السؤال التاليموضعها الصحيح ؟ لعل ما هو شاهد للعيان أن الفترة التي مرت بها إذا لم تذهب إلى

و الذي تطلب رصد أموال في تمويل و تجهيز و تحديث ، الجزائر في مواجهة اإلرهابأحالت دون توجيه األموال إلى عملية . مع إعادة ترميم ما حطمه اإلرهاب، سلك األمنمما استوجب االستعجال للقضاء على . ات إذ الخسارة قدرت بالماليين الدوالر، االستثمارمما . بتقديم مشروع ميثاق السلم و المصالحة للمصادقة عليه من قبل الشعب ، اإلرهاب

و دفع بعجلة التنمية من خالل االستثمار بعد ما انخفض معدل ، يساعد على تلطيف الجوأ بالخطر على نسب تنب، % 2,6إلى 2000ليصل في % 3,2في التسعينات إلى النمو

مما دفع بعملية اإلصالح و تطبيق عملية الخوصصة . المستوي االقتصادي و االجتماعي و جعلها تسيير ، 1994و التي صادق عليها مجلس الوزراء عام ، للمؤسسات العمومية

قصد فتح المجال . و فق صيغ قانونية تمكنها من إبرام عقود شراكة مع مؤسسات أجنبية . و هذا بهدف رفع من معدالت النمو ، ثمار األجنبيأمام االست

1 Ibid , p : 181

2 217: ص ، إسماعيل قيرة و آخرون ،المرجع نفسه

Page 173: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

161

، % 6,9إذا كانت معدالت النمو عرفت تحسنا ملموسا في فترة السبعينيات و المقدرة بـأين المؤشرات الدالة ، % 14أين قدر معدل النمو بـ، و وصوال إلى بداية الثمانينات

ت انخفض معدل النمو إلى أدني بينما في التسعينا، تمثلت في تقلص البطالة و األميةو هناك من يقول بأن الرقم الحقيقي قد ، % 2,6إذ قدر بـ 2000المستويات في بداية

و هذا األمر طبيعي ،علما أن الجزائر كانت تعيش فترة من ، )1( 1993عام % 2-بلغ عام و كانت فترة عصيبة قبل انتخاب الرئيس زروال ، الال استقرار السياسي و األمني

. غير أن مساعي اإلصالح الزالت تتجه نحو الليبرالية و اقتصاد السوق. 1995و بالرغم من أن هذا النهج ؛ الذي ألزم في البداية ؛ إعادة الهيكلة ثم استقاللية المؤسسات

تم دون تدعيم لالستثمار األجنبي و رفع العراقيل ، ثم الذهاب إلى عملية الخوصصةنظرا ، مثل هذه الترتيبات أدت إلى زيادة في حجم البطالة. الجمركية بيروقراطية و

و غلق المؤسسات التي أعلنت ، لفقدان العديد من العمال مناصب عملهم بعد عملية الهيكلةبالرغم من هذه المؤشرات . عن إفالسها بموجب القوانين المنظمة للمؤسسات العمومية

إال أن الجزائر تتمتع بمؤشرات تخرجها من نفق ، موالسلبية الدالة عن انخفاض معدل النفهل هذا األمـر ، و تحقق معدالت النمو تكون في مستوي العدالة االجتماعية، األزمة

ممكنا ؟ و ما هي هذه المؤشرات ؟ : التجاوز ) ممكنة(تجاوزت بعضها و بقي البعض منها ) قد(تحديات الوطنيةأمام السلطة

.لتحدي األمني من خالل تطبيق ميثاق السلم و المصالحة ما تم تجاوزه هو ا -و رفع العراقيل مع خلق منظومة ، ما يجب تجاوزه هو تحدي المديونية و خدماتها -

. تشريعية تضع مجموعة من التدابير لتشجيع االستثمار المحلي و األجنبيوفق ما تقتضيه ،ما يجب تجاوزه هو االحتكار اإلداري و السياسي في عملية التسيير -

من خالل خلق فضاءات للنقاش العام، ، مع ضرورة إشراك المجتمع المدني، المحسوبيةمع تفعيل الممارسة الديمقراطية بتدعيم اإلعالم و وسائله، . للمسائل المرتبطة باألمة

.كتدعيم للحريات و حرية التعبير، و كذا تدعيم شبكة االتصال بمختلف أشكالهاو دفع ، و دعم روح الوطنية، جاوزه و التشبث به احترام روح القانونما ال يجب ت -

. الضرائبو الدالة على أن للجزائر قدرات تمكنها من تخطي ، من المؤشرات التي تتمتع بها الجزائر

:و تحقق معدالت نمو كفيلة بتحقيق العدالة االجتماعية، المحنة .سياسي - الموقع الجيو –نوعة هياكل قاعدية مت –إمكانيات طبيعة وبشرية -

من خالل تحقيق المساواة أمام ، إقراننا للعدالة السياسية و االجتماعية بالقضاء و االقتصادو كذلك تحقيق الحياة األفضل من خالل نموذج اقتصادي . القضاء بما يفرضه الدستور

لتجارب و ما إال أن ا. يحقق معدالت نمو تنعكس إيجابا على المستوي المعيشي ، أمثلتناشد الليبرالية في السياسة و اقتصاد السوق، ، يعيشه العالم ؛ بعد خضوعه لقطبية أحاديةكل ما تم . و التي سخر لها القضاء لحمايتها ، و تدافع عن الحريات العامة و الفردية

أن عملية المراجعة للقوانين ، و لسبب واحد، ال زال يطرح لنقاش، توضيحه سلفاو كذلك . و النظام المصرفي المعتمد عليه ، ية الخاصة باقتصاد السوقاالقتصاد

)11/4/1995: معدل النمو نقل عن جريدة الخبر ليوم ( 238: ص ، المرجع نفسه 1

Page 174: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

162

. التي تراجع مع اإلقرار بأن القانون قابل للتجديد، التشريعات القضائية الضامنة للحرياتبالرغم من هذه . مما يترك باب التفكير و االجتهاد مفتوحا مسهال بذلك عملية التشريع

و عدم قدرتها ، الليبرالية لم تتخلص من الفقر و البطالة إال أن المجتمعات، التسهيالتزد على ذلك أن الدول الغربية تحتفظ على . لضبط المساواة في عملية توزيع الثروات

مما يلزم و إلى التقريب . بفعل التكتالت االقتصادية ، مستواه االقتصادي و الصناعيألن الفقر . ربية في مجال االستثمارالتفكير في إيجاد آليات تحقيق تكتالت عربية و مغا

نظرا للتخلف االقتصادي و ، و تدهور المعيشة يمس أكثر المجتمعات العربية من الغربيةبالعودة إلى الحكمة ، من هذا الشعور تطرح العدالة و الكيفية التي تتحقق بها. الصناعي ضي على الفقر و التفاوت لن تق، ألن مهما ذهبت إليه و وصلت إليه الليبرالية، الراشدة

.الطبقي و االحتكارأن النماذج التي عزمت على تحقيق العدالـة، ، مما يجدر االنتباه إليه من دروس التاريخ

أو باألحرى ، بفضل تروي حكامها و إشراك مدنيها، و التي ثبتت لعقود من الزمن. ت لفترة ما التسيير االشتراكيو التي نهج، ألن األمر متعلق بالدولة الوطنية، مواطنيها

أو مثل الصين . و أسس له منهجا ، كالنموذج السوفيتي الذي انسحب من االقتصاد العالمي. و الخروج عن االنصياع لالقتصاد العالمي ، أين عزمت على تحقيق نموذج خاص بها

من التي تحول دون االنفالت ، فاألمر يتطلب تحديا كبيرا أمام الضغوطات الخارجيةفي الوقت التي ، النظام العالمي الجديد ،الذي كان في وقت ما اتجاه تبنته الدول النامية

تلزم بعض دروس التاريخاالستفادة من . كانت الدول المتطورة تتخبط في أفول األزمة و تجسيد ، التكتل نحو نهج واحد يعول عليه في تحقيق التنمية، اإلرادات الحرة و النزيهة

خاصة أن الشعب الجزائري قد ، مثلما يشعر بها كل مواطن، دالة االجتماعيةمفهوم العفهل لمثل هذه الطموحات قابلية للتحقق ؟ و هل . عرف الظلم لفترات طويلة من الزمن

الكفيل بضمان الحقوق و ، تتوفر عندما تحضر روح الوطنية المدعمة بروح القانونستثمار المحلي و المدعم باالستثمار األجنبي المساواة ؟ و هل تتاح الفرصة لتدعيم اال

المحقق لمعدالت التنمية ؟ و هل تتاح الفرصة كذلك لتحقيق قضاء عادل يستمد روحه عند و اإلبداء برأيهم و يكونون كشهود عيان لنزاهة ، إشراك مدنيين في مجالس القضاء

خرى ؟ و تدعم بذلك استقاللية السلطة القضائية عن السلطات األ، العدالة

Page 175: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

163

:الفصل الثاني

و الممارسة الديمقراطية المناقشة أخالق

I -من المفهوم إلى األسس الديمقراطية:

Page 176: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

164

المستخدم من قبل راولس في وضع ، التقاطع باالتفاق من خالل المبدأ المنهجي المتمثل فيأسس العدالة السياسية القائمة على الديمقراطية الدستورية، و التي تعد شكال من أشكال

و عرفها أرسطو ، فالسياسة عرفت بفن الحكم، الديمقراطية المستخدمة في الحياة السياسيةلهم طريقة العمل و القدرة على تحقيق و الموضحة ، الذي يضم كل العلوم) صناعة(بالعلم

من هذا التعريف يتضح أنه بممارسة الديمقراطية يتحقق ، الخير الخاص بكل صناعةعكس ما عرف عن االستبداد و إلغاء الحريات الفردية و . و تتحقق معه العدالة ، الخير

لعل . ية الجماعية، و التي عرفت بالغرب من خالل الممارسة الشمولية أو التوتاليتارباالعتماد على مبدأ ، باستخدام اإلمكانية التواصلية نصل إلى ممارسة الديمقراطية

من تحقيق ، أين يتمكن الفرد داخل المجمع التواصلي، االعتراف أو االندماج الذاتيفأي ، و تعد هدفا لكل نظام ديمقراطي يرنو إلى تأسيس دولة القانون، العدالة

ا في تأسيس دولة القانون ؟الديمقراطيات يراهن عليه :أصل و مفهوم الديمقراطية-1هي شكل من أشكال الحكم السياسي و، الليبراليةب تفهم عادة على أنها ارتبطت طبيعيا و ، و حماية حقوق األقليات، و حكم األكثرية، جمال على التداول السلمي للسلطةقائم باإلال

تعتبر دولة لوصف نظام الحكم فييستخدم ضيقال همصطلح الديمقراطية بمعنا. األفرادالديمقراطية لغة متكونة . حر عمجتملوصف يستخدم وسعاأل و بمعناه، ذاتها ديمقراطية

. تعني الحكم ) Κρατος(و تعني الشعـب، و كراتوس ) ∆εµος(من كلمتين ديموس أن في ، هذا التعريف يحيلنا إلى أرسطو الذي كتب في الكتاب السادس من السياسة

و تحسب األرستقراطية على األوليغرشية، و ، السياسة يوجد الديمقراطية و األوليغرشيةبينما ، فاألوليغرشية تقوم على األقلية. الجمهورية هي احدي صور الديمقراطية

مثل هذا ، إال أنهم يشتركون في كونهم أحرارا. الديمقراطية تقوم على حكم األكثرية ألنه ، بينما القول باألكثرية اعتبر خطأ بالنسبة ألرسطو. اعتبر تصنيفا قائما على األقلية

و البرهان على ذلك عندما يفترض أرسطو و جود دولة ، بالعدد ال يمكن ربط السيادةفهل يعقل أن ، تتكون من ألف و ثالثمائة من المدنيين منهم ألف غني و الباقي فقراء

تكون الدولة في هذه الحالة ديمقراطية ؟ و إذا كان الفقراء فاقوا األغنياء في السياسة، و أن ، درك أن األوليغرشية حكم األغنياءأيعقل أن يقال إنها الدولة أوليغرشية ؟ يمن المفهوم األرسطي للديمقراطية يتضح ). 1(الديمقراطية هي حكم األحرار و هم األكثريةكحكم األغلبية و يشترط أن يكونوا أحرارا، ، المعني األساسي الذي عرفت به الديمقراطيةين المساواة و التي هي فهل يمكن الفصل ب. و تكون بذلك مرتبطة بالحرية و المساواة

و بين الحرية والتي هي أساس اإلرادة ؟ و إذا كانت اإلرادة أساس الحرية ، أساس العدالةو إذا كانت القيم األخالقية الكانطية ، و أن اإلرادة بمفهومها الكانطي محددة للقيم األخالقية

ية تستمد روحها أال يمكن القول إذن أن الديمقراط، أساس أخالق المناقشة عند هبرماس من أخالق المناقشة ؟

و جب علينا الوقوف على ، قبل التعرض لمعالجة عالقة الديمقراطية بأخالق المناقشة و كيف ارتبطت بنظرية العقد االجتماعي و مبدأ االعتراف ؟ ، تاريخ الديمقراطية

منشورات الفاخرية بالرياض مع االشتراك مع دار الكتاب ، ترجمة أحمد لطفي السيد مع مقدمة للبروفسور بارتلمي سانتهيلير، السياسة، أرسطو

1 325-323: ص ص ، العربي بيروت

Page 177: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

165

:الديمقراطية و نظرية العقد االجتماعي-أ-1بموجبه يحدث التعاقد بين ، رحت نظرية العقد االجتماعي مبدأ االتفاق أو التنازلط لقد

فهي من جهة ؛ اآللية التي تتشكل منها السيـادة ، طرفين كتعبير عن اإلرادة الحرةتماشيا مع فكرة الحريات ، و من جهة أخري ؛ أساس تحقق الحريات األساسية، الشعبية

و التي وجدت صياغتها في اإلعالن عن حقوق اإلنسان .السياسية و الحقوق األساسية من ذات الفكرة حول العقد ؛ تشكلت السلطات إما من باب التنازل عـن . و المواطنة

ذلك من باب التراضي و تشكل اإلرادة . أو بمقتضي القانون الطبيعي حبا في السلم ، الحقضمون نظرية العقد االجتماعي عند فكيف كان م. و المعبرة عن السيادة الشعبية ، العامة

كل من هوبز و روسو ؟ :هوبز و نظرية العقد االجتماعي -1-أ-1

التي تقوم على الصراع من أجل رغبة، ، حقيقي للطبيعة اإلنسانيةتعبير عند هوبز الحرب لحل لكي يعيش فعن طريق العقد يريد أن يقدم ا .أو نهاية مشتركة بين العديد من البشر

بشر مختلفين فالحق الطبيعي ما هو إال مجموع الرغبات التي تجعل ال. في سالم اإلنسانالذي يدعو إلى الرغبة في لسببالمحدد ل، إلى طرح التصور هوبزمما دفع بـ، حولها

ثون يبحهم الذين ن وكثير .و خلق الصعوبات لبعضهم البعض ، ما بين البشر التعارضهي و ال ، ذاتهوقت الفي عليهانهم أن يتحصلوا يمك الو عن نفس الرغبات في آن واحد،

غير . )1(على أن القوي هو الذي يفوز بهايتعين .دفعتهم إلى التعارض مما تقسيملل قابلةإذ يتم االتفاق مع ، ؛ لحل مثل هذا النزاع الذي يقدمه العقل البشري؛ أن القانون هو الحل و، السليم قياسنام العقل عند هوبز فهو. ن ه بموجب القانوقصد حل، األطراف المتنازعة

. )2(ن اإلمكانية اإلنسانية بما فيها قوة الروحع ال يقلألنه . بالقانون الطبيعي كذلك سميه يألنها القدرة بالمفهوم الكانطي، بينما يقصد ، لعل القول باإلمكانية أو القدرة توحي باإلرادة

الممنوحة قوة ال بفضل ،ة الموجودة ما بين األشياءقيدرك العال الذي، العقل السليمالقانون بو ، العقل هو القانون الطبيعيو ، يستمدها هي قواعد إلهية فالقواعد التي. قوة الروح من

و في كلمة واحدة القانون . )3(الذي يصلح كقاعدة لتوجيه أفعاله، هو من اهللا لإلنسانما يمكن . ل اإللهيـو هي العق ،إال أوامر أمليت من كلمة أزلية ما هو، الطبيعي

الطبيعية يتم التنازل عنها لصالح قهو أن جميع الحقو، االجتماعيعقد مالحظته حول الفالعقد هو تعبير ، يمكن أن نسميه باإلله الفاني، فالسيادة تكون لشخص واحد، فرد واحد

و أن . أجل السلم عن اإلرادة الحرة التي تقوم على فكرة التنازل عن الحقوق الطبيعية من فهل لمثل هذا اإلجراء أصول ساهمت في تأسيس الديمقراطية ؟ ، القانون هو الضامن له

االتفاق الذي فهل، مع العلم أن التفكير السياسي لدي هوبز شكل أساس السياسات الحديثةفي اتصال ما بين اثنين أم أنه ؟ز بالعقديحدث ما بين طرفين هو الذي يسميه هوب

؟ )4(لحقوقا

1 - Thomas Hobbes, Le citoyen, Introduction et présentation de Simone Goyard - Fabre, Edition .G.F.Flammarion, 1982, Chapitre 1, § 6, p96. 2 - Ibid, § 2, p 102. 3 - Ibid, Chapitre IV, § 1, p 129-130. 4 - Thomas Hobbes , Levianthan, Introduction , Traduction et note de Françis Tricaud, Edition Sivey 3°tirage 1983, p 132.

Page 178: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

166

بينما و يقصد بالحقوق الطبيعية،، نينالعقد أساسا يقوم على الحقوق، وليس على القواألن الشيء ، ألشياءليس فقط الحقوق الطبيعية ل، عتراض الذي يقيمه على هذا االتصالاال

الذي و، وق مثلما نقوم بالبيع و التبادليمكن أن يعاد النظر فيه أثناء القيام بتحويل الحقأن نؤجله، بل العقد الذي يقصده هوبز هو الذي يقوم على التنازل عن الحقوق يمكن

بمعنى إذا تنازل . )1(و هذا التنازل للحقوق ال يتم إال إذا كان المتنازل له يستحقه، الطبيعيةالذي يضمن ، لطرف الثانيلبسبب الخوف و طلب الحماية ؛ شخص عن حقوقه الطبيعية

و هذا هو معنى االستحقاق ، بد أن يعبر عن قدرته على تحقيقهالو هذا األخير ، له األمنفكيف يمكن الربط بين التنازل و االستحقاق مقابل القدرة والقانون ؟ أليست . عند هوبز

عملية الربط كافية إلحداث نوعا من االنسجام داخل منظومة فكرية تقوم علـى العقد ؟ و من ، أال يوجد اتفاق مبدئي حول الحق الطبيعي أن عملية التعاقد تمس الحقوق الطبيعية ؟

الذي بنيت عليه كل فلسفة الحق المنظمة للقضاء ؟ ، حيث هو أساس الحق الشخصي

: جان جاك روسو و نظرية العقد االجتماعي-2-أ-1

حدد مراحل تشريع القانون، و كيفية ممارسـته، وهـذه " في العقد االجتماعي "في كتابه يحقـق إذ، اتفاق ما بين أفراد المجتمعالحاصل عن ى القانونال بمقتضالممارسة ال تتم إ

، عرفت عند هوبز و روسو بالحالة السياسـية ، االنتقال من حالة طبيعية إلى حالة أخرىفي البداية كانت قائمة على الطاعة، ثم تحولت إلى ف، و يشبه بذلك انتقال السلطة عند األب

ما يكبر األوالد و يصبحون رجاال و عند، عن طريق القوةاالحترام، فاألب يفرض الطاعة ، ليسوا أقوياء بدنيا الحاكم وو القانون، فاألب يطلب االحترام، واالحترام في هذه الحالة ه

إن . )2(و الطاعة إلـى واجـب ، على تحويل القوة إلى حقتهما في قدر تتمثل تهماقوبل

و المحكومين هو القانون، ومنبع هذا األخيـر الذي يحدد العالقة الموجودة ما بين الحاكم التـي نسـميها اعليالألن القانون هو تعبير لها، و هو يمثل السلطة ، هو اإلرادة الجماعية

بل هي ، فهذه اإلرادة لديها القدرة على تشريع القوانين، فهي ليست إرادة خاصة . بالسيادةرادة واحدة تجمع إرادة اإل أي أن .كل أفراد المجتمع داخل جسم واحد إرادة جماعية تجمع

، فهـذه األخيـرة ال )العامة(ألن هناك فرق ما بين إرادة الكل و اإلرادة الجماعية . الكل بينما األولى ترى المصلحة الخاصة، و اإلرادة الجماعية ما ، ترى إال المصلحة المشتركة

لكـن . ستوي األفراد و هي مختلفة على م، األصل إال مجموع المصالح الخاصةهي في فـالفرد .)3(تتجمع في إرادة واحدة عرفت باإلرادة العامة، عن طريق التراضي و االتفاق

و .تعاون وجـب االتفـاق ال يمكن أن يحقق مصلحته بمعزل عن اآلخرين و حتى يتم البموجبه أيضا و . شكل االتفاق ينشأ بموجب القانون الذي هو تعبير عن العقد االجتماعي

، هو )العقد االجتماعي(ماعي فاالتفاق الج .الذي يمثل اإلرادة الجماعية، التنازل للحاكم يتمقوة تكـون تحـت اإلرادة و كل شخصية و كل، كل واحد منا يخضع بطبعه إلى الكل أن

1 - Ibid, p 135. 2 - Rousseau(Jean-Jack), Du contrat Social, Edition Garnier Frères. Librairie-Editeurs, Paris, p : 242. 3 - Ibid, p : 256.

Page 179: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

167

و منه تدرك العملية . )1(العامة، و يكون كل جزء متضمن في الكل الذي ال يتجزأ منه

فهل هـذه العمليـة . لتعاقد القائم على التراضي الواجب عند احترام القانونالتي يتم بها اخاصة و أن أفكار روسو كانت مصدر إلهام للثـورة ، تعتمد كأساس للديمقراطية الحديثة

فهل ، الفرنسية ؟ و كون الثورة الفرنسية نتج عنها اإلعالن عن حقوق اإلنسان و المواطنةفإلى أي مدي يحدث التقارب ، اطية ؟ و إذا كان األمر كذلكلحقوق اإلنسان عالقة بالديمقر

بينهما ؟ و هل يمكن إقران هذا التقارب بالعدالة ؟ و كون االتفـاق يـتم عـن طريـق التراضي أليس هذا مبدأ أخالق المناقشة التي تهدف إلى االتفاق، و جعله مبدأ شموليا ؟

و إلى أي حد يلتقي روسو مع هبرماس ؟

:و هبرماس و مبدأ االعتراف وسور-3-أ-1

من حيث هي هـويس ، يجدر اإلشارة أن هبرماس في تحليالته التي خصها للديمقراطية ربطها بمفهوم المدني الذي تأسس على مصطلح روسو ؛ المتمثـل بمبـدأ . لدولة القانون فهو من جهة يعرفه بكل وضوح خاصة الصـلة . )Autodétermination(تقرير المصير

موجودة بين الرأي العام و اإلرادة العامة ؛ كعملية ديمقراطية اختص بها مبـدأ تقريـر الو من جهة أخري كتعبير عن الحالة . ؛ أين الرأي العام يكون عفوي و تلقائي )2(المصير

و منه ارتـبط . االجتماعية التي يعيشها ؛ و التي تستلزم االعتراف بها من قبل كل واحد رائي ؛ و تحول إلى مبدء تمارس من خالله الديمقراطيـة ؛ بواسـطة المفهوم بما هو إج

نشاطات تواصلية ؛ التي تفترض على أشكال الحياة المرتبطة بعالقات متبادلـة تقتضـي باالعتماد على بنيـة االعتـراف ، و من ذات القياس تباشر األخالق العملية. االعتراف

التي يفترض أن تكـون سـليمة ، ئة االجتماعيةو شكله التنظيري ؛ الذي يساهم في التنشبحيث أن مسألة الخير كقيمة أخالقية ؛ هـي ). 3(و صادقة و مستقلة عن الخير الفردي

من جهة تحدد تقرير مصير الفرد ؛ و من جهة أخري و بفعل التنشئة االجتماعية المبنيـة يتشكل مفهوم المدني من . الذين يعترفون به كمدني حر، على االعتراف تربطه باآلخرين

و القائمة على الضـمير ، الذي تأسس ضمن فلسفة روسو االجتماعية، مبدأ تقرير المصيرأن النموذج الجمهوري للمدني يستدرج ، إذ يشير هبرماس في هذا السياق، "نحن"المتصل

بـه و المتوقفة كليا على ما يقـوم ، قيم الحرية المؤسساتية المصانة بالقانون الدستوريو هو خاص بمبـدأ ، "نحن"كتجسيد لمقولة ، الشعب المتعود على ممارسة الحرية السياسية

مثل هذا اإلجراء لتوضيح مبدأ االعتراف المبني في األساس على نشـاط . تقرير المصيرفإذا كانت الحرية ). 4(أين يضم المدني في سياق ثقافي سياسي مؤسس للحرية ، تواصلي

أن الحريات مصانة دستوريا، أال يمكن القول أن ما هـو مصـان أساس الديمقراطية، و ، هو نوع من الديمقراطيات عرفت بالديمقراطية الدستورية ؟ و إذا صح القول، دستوريا

1 - Ibid, P : 248.

2 Habermas( Jürgen),L’espace public, Op-cit, p : 106 3 Habermas( Jürgen),L’intégration républicaine , traduit par Rainer Rochlitz, édition Fayard , Paris 1998, p :56 4 Ibid ,p : 76

Page 180: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

168

حتى نميزها عـن بـاقي ، الذي يحدد كيفية ممارستها، أال يمكن تحديد مفهومها اإلجرائي الممارسة أو المفكر فيها ؟ تالديمقراطيا

:يمقراطيات و مبدأ المشاركة السياسيةالد-2

:الديمقراطية الدستوريةأ -2

فوفق مبدأ العدالـة ، أين يمارس مبدأ المشاركة، مرتبطة بالخصوص باألنظمة الدستوريةو القائل بالمساواة في الحرية للجميع يسـتدرج اإلجـراءات ، الذي طرح من قبل راولسلحق دستوريا من خالل القوانين التي تعطي الحق إذ يفرض ا. السياسية المحددة بالدستور

بوضع القوانين و ، و بالتساوي للمشاركة في السيرورة التطورية للدستور، للكلو ، و يكون كذلك ؛ عندما يقر بمبدأ المشاركة ؛ كحق مضمون دستوريا) . 1(االمتثال لها

و ، ه ضمن الوضعية األصـلية ألن، الكل متساوي بالوضعية األصلية المضمونة دستورياو ، و التي تم الوصول إليهـا ، كما هو مشار إليها من قبل ؛ تتم كل االتفاقات المبرمة

يتحول إلى حق ، هذا الترتيب األخالقي المؤسس للعدالة. بإنصاف مع جميع المشاركين هـو من حيث، مثل هذا اإلجراء يساهم في وضع القواعد االجتماعية. مضمون دستوريا

مثل هذا اإلجراء كذلك يلزم الدولة المحافظة على الصيغة التمثيلية لكـل . نسق اجتماعي . و منه تتحدد العناصر المشكلة للنظام الدسـتوري . المشاركين السياسيين و بالتساوي

فالسلطة التي تحدد السياسة االجتماعية مجسدة في العضو التمثيلي المنتخب لمدة محـددة و ، بل يشرع القـوانين ، و هو مسئول أمامهم ألنه ليس استشاري فقط ، خبينمن قبل النا

أيـن يسـتمع للجهـاز ، البرلمان ال يعد منتدى ممثلي الشعب اآلتين من مختلف المناطقعلى األحزاب السياسية أن . و يعلم الرأي العام بذلك ، التنفيذي عن ما سيبادر من أعمال

و تدعم شكواه بجمـع ، وال ترفع تظلمها للحكومة ، ال تعرف بالمجموعات ذات مصلحة. بل عليها أن تقدم تصورا يجسد المصلحة العامـة ، التوقيعات من أجل حماية مصالحها

. و المشاركة فيه حق مشروع لكل من عبر عن قدرته في ذلك ، التمثيل يتم باالنتخاب

و مفاجئـة ، غير منظمـة عملية سبر اآلراء قد تمكن من معرفة اتجاه الناخبين في أوقات إذا ما لم يتم تنظيمها ، أو تابعة لهيئة انتخابية تكون غير كافية، الصادرة عن جهات مستقلة

أو أي تسـمية ، مثل هذا اإلجراء و إن اعتبر من أسس النظام الدستوري التمثيلـي ). 2(

نتخـاب بحيث في مرحلة من اال، فهو قد يجر بالناخبين إلى اتجاه آخر، يمكن أن تلحق بهمثـل مـا يـنص عليـه ، تتكافأ األصوات و تنظم دورة ثانية، عند طريق االقتراع العام

في هذه الحالة و وفق العملية التنظيمية . الدستور المعمول به عامة في األنظمة الليبرالية ألنه من الجهة التنظيميـة ، لسبر اآلراء و التقنية المستخدمة في ذلك قد يغيب الرأي العام

أن حتى عند عملية سبر ، و من الجهة التقنية، فترة يمنع فيها نشر نتائج سبر اآلراءهناك اآلراء من خالل األسئلة الموجهة للمشاركين في االقتراع قد تستميلهم نحـو اتجـاه دون

و قد سـبق ، كفرض أن الرأي العام يتم صناعته بيار بورديواتجاه آخر، و هذا ما طرحه

1 Rawls(John),Théorie de la justice ,op-cit, p :258 2 Ibid, p :259

Page 181: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

169

و ، إال أن هبرماس في جهة أخري، يربط الديمقراطية بالنخبـة ، لةو أن طرحنا هذه المسأفهـل ، وإن كان األمر كـذلك ، هل لمثل هذه الفئة تأثير على شرعية ممارسة الديمقراطية النخبة تخضع لعملية انتخابية حتى تتحصل على شرعية ؟

:و ممارسة الديمقراطية والبحث عن الشرعية النخبة 1-أ-2

و كمـا ، بابها الواسع بمجرد التكلم عن الديمقراطية كمصدر للشرعية تطرح المسألة من إذ ارتبطت أساسـا ، هو مشار سالفا في العمليات االنتخابية التي خضعت لعملية سبر آراء

يتجلي تدخلهم في العملية االنتخابية إما كمرشحين أو كمسـيري ، بقادة الرأي و هم النخبةسألة تعالج الشكل الذي تـربط بـه العقالنيـة الممارسـة إال أن الم. للحمالت االنتخابية

وهي المسألة التي خصها هبرماس بالتحليل خاصة عندما أخـذت . للديمقراطية بالشرعية ال تعبر عن المساواة ، الديمقراطية عندما ترتبط بالنخبة. الشرعية مركزا مهما عند النخبة

حقوق اإلنسان ؛ الذي عقب الثـورة السياسية ؛ بالمعني الذي هو موجز في اإلعالن عنأين يكون تقسيم السلطة بالتساوي، أو بمعني أدق تكافؤ الفرص فـي تــسيير ، الفرنسيةفالمساواة السياسية إذا لم ترتبط بالمعني الذي حدده الحق الشكلي في الحصـول . السلطة

دفها فـي عقلنـة فعندئذ يمكن القول بأن الديمقراطية ؛ قد فقدت ه، على السلطة الشرعيةالهيمنة ؛ بمشاركة المدنيين في مسار تطوري قائم على النقاش و تكوين اإلرادة السياسية

فكيف تفقد الديمقراطية مثل هذا اإلجراء الذي يعد أساس و جودها ؟ و كيف يتم تحويل . الحريات السياسية عن سياقها المحدد في حقوق اإلنسان ؟ الديمقراطية في هذه الحالة قـد

من خالل وضعها لمسـار تطـوري ، انصاعت لالتفاقات و الشروط التي وضعتها النخبة)processus( ،مـع جعـل ، تتمكن النخبة بواسطته استخالف الشعب في تقرير مصيرهم

ممارسة السلطة االجتماعية مستقلة عن ضغوطات الشرعية المعارضـة لمبـدأ التشـكيل أين تستوفي ، الجديد للهيمنة باستخدام الديمقراطيةهذا ما يشكل التصور . العقالني لإلرادة

و التي يمكن حصرها على النحو ، الشروط التي تمكن النخبة من الحصول على الشرعية : التالي

.الناخبين عليهم اختيار واحد من النخبة المتنافسة -

أخري و تغلق الباب أمام صعود مجموعات اجتماعية، ال يمكن للنخبة أن تورث سلطتهم- .عبرت عن كفاءتها في تولي السلطة

بالشكل الذي تمنع به من ، النخبة عليها أن تبحث عن كيفية تساند بها التحالفات المتغيرة- .تكون شكل خاص من الهيمنة

).1(النخب المتواجدة في ميادين مختلفة ال يحق لها أن تحدث تحالفات -

منة التـي تأخـذ شـرعيتها مـن ممارسـة عند االلتزام بهذه الشروط ؛ يوضع حد للهيو ، غير أن المسألة تأخذ مسارا آخرا داخل المجتمعات المتقدمة. الديمقراطية ذاتها

أين العملية التواصلية تصل إلى مستوي من التطور تمكن ، المعروفة بالمجتمعات المركبةفي مثل هذه الوضعية . المشاركين فيها من ممارسة الحقوق السياسية بالشكل الذي يريده

1 Habermas( Jürgen),Raison et légitimité , traduit par Jean Coste, édition Payot, Paris 1978, pp :154-155

Page 182: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

170

حول مسألة الديمقراطية إذ نجده في جهة أخـري ، يتعزز النقاش المعلن من قبل هبرماسفمـا هـي ، الذي هو خاصية تمتاز بها المجتمعات المركبـة ، يربطها بالنسق االجتماعي

العناصر المركبة ؟ وأين موقع الديمقراطية ؟ و بأي صفة وصفت ؟ هل وصفت باإلرادة و ، شاركة ؟ ضمن األنساق المكونة للمجتمعات المركبـة هنـاك نسـق السياسـة أم بالم

. المضبوط بقواعد تجعله يتمتع بالحرية عن غيره من األنساق

و ، النسق االقتصادي المضبوط بقواعد السوق ال يتمتع بالحرية ألنه مقيد بالمنافسةأبـرزت شـكال جديـدا مـن ، رةغير أن العملية في السنوات األخي. يقتضي التخطيط

إذ ظهـر مفهـوم السياسـة . انطالقا من السجال الدائر حول مسألة التخطـيط ، السياسةو من جهـة أخـري مفهـوم التعدديـة مـع مفهـوم اإلضـافيين ، التطورية من جهة

)Incrémentaliste( ،كلما تطـور و تغيـر ، الذين يضيفون كميات ثابتة للمسار التطوريمما يستلزم أن يتقيد التخطيط إلى سياسة نسقيه . يذه للبرنامج الذي خص به النسق أثناء تنف

أين يـتم ، بحيث اإلستراتيجية المتبعة في عملية التخطيط، عقالنية وشاملة تقتضي التفاهمفي مثل هذه الوضعية تطرح األهداف التـي ، التفاوض حول األهداف المسطرة بالتخطيط) . 1( بذلك كل اإلجراءات إلى مفاوضات إجباريةخضعت للتفاوض ضمن اتفاق ؛ محوال

فهل لهذه السياسية صيغة تمـارس بها الديمقراطية ؟

يستند هبرماس في تحديد الصياغة التي تمارس بها الديمقراطية ؛ على التصور القائل بأن اإلمكانية السياسية ؛ يمكن ضبطها بمجرد مضاعفتها بالجهات المعنية ؛ بعملية التخطـيط

و منه تطرح المشـاركة . ن طريق تنشئة اجتماعية ضابطة للمسار التطوري للسياسة عكوسيلة تستخدم في التالعب بأمانة الجمهور عندما ترتبط بـاإلدارة المسـيرة للمجتمـع

، و عليه تطرح فرضية ضبط اإلدارة و جعلها مستقلة عن السياسـة ، المركب من األنساقراطية من خالل حذفها للتعقيد الموجود داخل النسـق ؛ و و بالتالي يمكن القول أن الديمق

تتدخل بنفس النسق مسـار ، المنتج من قبل المسار التطوري االقتصادي الخاضع للتخطيطمثل هذه المواصـفات التـي . الذي يساهم في تكوين اإلرادة ، تطوري قائم على الحوار

فإنهـا ، لقائم على التخطـيط سواء ضبطت بالقانون، أو باالقتصاد ا، خصت بالديمقراطيةتطرح مغالطة ؛ خاصة عندما يتم اإلدعاء بالمشاركة مع إضافة كميات جديـدة للمسـار

المتبعة من قبل المجتمعات -التطوري للسياسة ؛ و بذلك يمكن القول أن نظرية التخطيط ـ ، تسلتهم من العملية التواصلية -المركبة من أنساق ة التي ترتكز علـى مفهـوم العقالني

و هذا عند تكوين اإلرادة التي يمكن إعدادها ضـمن نظريـة . التطبيقية، أنموذجا للنقاش ). 2(الحق كاتفاق

لعل ما تم تقديمه حول الكيفية التي استخدمت بها المشاركة، و اإلضافات التـي ألحقـت حتى يتمكن من تحقيق االستقاللية عـن اإلدارة التـي تقـوم ، للمسار التطوري للسياسة

و تمارس سلطتها بذلك ؛ كل هذه العناصر التي نوقشت مـن قبـل هبرمـاس ، تخطيطبالغير . جاعال المخرج في العقالنية التواصلية الممكنة للنقاش مع إرساء دعائم الديمقراطية

1 Ibid, p :165 2 Ibid ,pp : 172-173

Page 183: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

171

و التي تجد لها ضـابط قـانوني ال تقـدم ، أن و على سبيل التذكير مثل هذه اإلجراءاتيث أن المغالطة واردة الفتقارها من القيم األخالقيـة المدعمـة بح، الصورة المثلى للعدالة

للعملية االتصالية، فهل مع مبدأ المشاركة ،و المدعم بأخالق المناقشة نتمكن مـن تفـادي مثل هذا التغليط ؟ أال يمكن ألخالق المناقشة أن تؤسس الممارسة الحقه للديمقراطية ؟ أال

عم المناقشة ؟يمكن توضع في نفس السياق سياسية تد

: أخالق المناقشة و تأسيسها للديمقراطية-3مفاهيم ب هاربطو ي، نظرية المناقشةقبل أن يطرح هبرماس تصوره للديمقراطية من خالل

أكثر قـوة و تظهر بذلك ، من حيث تحقيقها للحريات األساسية، تكون أكثر واقعيةمعيارية على أنهما يشتركان في مجموعة مـن ، ريو الجمهو يكال النموذجين الليبرالمه دمما يقالتي يتم التعامل بها ةبالكيفي. و كل نموذج يتعامل معها وفق التصور الخاص به ، المبادئ

: فمجموع العناصر يمكن ربطها بجهات ثـالث . مع الدستور إما تشريعيا و إما امتثاليا أين يشارك عـدد ، اركةتخص باإلطار التأسيسي الذي يقوم على مبدأ المش الجهة األولي

و تطرح األحزاب المتنافسـة األرضـية ، أكبر من المدنيين في االستفتاءات و االنتخاباتكذلك من خالل ممارسة التواصل الذي به يعبر الفرد مشاركته بكـل ، الخاصة ببرامجها

مرتبطة بالفضاء الخاص أين تلتـزم دولـة الجهة الثانيةبينما . حرية و بحقوق متساوية التي توفق كل األفراد ، قانون بالمحافظة عليه من خالل نظام قائم على الحريات األساسيةال

مع ضمان الحماية القانونيـة بواسـطة ) المساواة في الحرية(من التمتع بنفس الحريات يدعم هذا النظام بالفصل بين السلطات أين يفصل القضاء عـن . مجالس قضائية مستقلة تشريعي ؛ حتى يتمكن من مراقبة السلطة اإلدارية و مدى احترامهـا كل من التنفيذي و ال

أين يضمن الفضاء العمومي السياسـي و تقريبـه الجهة الثالثةوأخيرا . للحق والقانون أين يفصل المجتمع عن الدولة بواسطة السوق ،و تكون القواعد االقتصادية هـي ، للمدني

أيـن يسـمح للقـائم ، دية اإلعالمية وتنوعهاكذلك حرية الصحافة مع التعد. المنظمة له و المشاركة مع الفاعلين داخل المجتمع ، باالتصال الولوج داخل الفضاء العمومي

.و الحد من الهيمنة على االتصال العمومي، المدنيالجمهوري الذي يطرح الحريات األساسية النموذج ف. الجهات الثالث ترتيبات مختلفة لهذه

أين يكون الشعب هو ، يعرف أول تطبيقاته مع الثورة الفرنسية، أ السيادة الشعبيةوفق مبدتستمد شرعية وتقوم سلطة الدولة المنبثقة من الشعب إذ من ذات المبدأ ، الحاكم والمشرع

و يأخذ الدستور مكانة مالزمة للديمقراطيـة .الشعبية االستفتاء واالنتخابات سلطتها منالفرق متوقف علـى المشـرع إذ ، لكال النموذجين ين الرأي و اإلرادةالتي تساهم في تكو

و بكل سيادة التي هي مسـتمدة مـن ، نجده في النموذج الجمهوري يقوم بتشريع القوانينلليبرالي يقوم على التزاوج بـين الحريـات الخاصـة و النموذج اببينما . سيادة الشعب

من ذات العملية يختبر هبرماس هذا األصل ، الحريات األساسية المنبثقة من حقوق اإلنسانالذي يعتمد علـى جهـاز تشـريعي ، وفق التصور الليبرالي) Co-originaire(المزدوج

غيـر ، ديمقراطي يسوق القواعد التشريعية وفق الشكل الذي تضعه المؤسسـات القضائيةالديمقراطية من حيث أن الممارسة، أن الدور الذي يعود إلى الديمقراطية هو جد متواضع

و هنا يضع هبرماس أصبعه على التعارض ، تتوقف على مجموعة من القواعد مفروضة

Page 184: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

172

وهنا ال يمكن أن نسمي الديمقراطيـة ، الموجود بين الخضوع وممارسة الحقوق السياسيةفما كان سببا لهذا التعارض يختفـي بمجـرد أن ، بالديمقراطية بل يجب أن نفسر المفاهيم

و منه يوضح هبرماس مدى ، ن الشروط الضاغطة و شروط اإلمكاننرفع االلتباس بيو المتضمنة في الحقـوق ، و عالقتها بالحريات األساسية، لزامية الدستور مع الديمقراطية

و التي تحمي الملكية ، فالحقوق األساسية الليبرالية. األساسية أين الدستور يلتزم بحمايتها ). 1(رية عند ممارسة الحقوق السياسيةتأخذ قيمة جوه) الخاصة(الفردية

قـل وجـود له على األفي النموذج الليبرالي أن الشعب في جهة أخريهبرماس يبين –ضـمن التفـاهم األخالقـي الديمقراطيةويعلل هذا التصور بالتكوين لإلرادة ، محتملالموجهين من هذين االنتقادين . الحامل للهوية الجماعية داخل المجموعة البشرية ،السياسي

قبل هبرماس يؤديان إلى تصورين يوصالن إلى الحل المقدم باستخدام نظرية المناقشـة، تفق مع الجمهوري ي، فهي تأخذ من كال التصورين عناصر وتركب بينهما وبصيغة جديدة

ـ ،منحه مرتبة مركزية لمسار تكوين الرأي واإلرادة السياسيةب كـي ال ط لغلكن بدون ض المؤسسة لها،مبادئ من خالل الهي تدرك فبل بالعكس ، ن كظاهرة ثانويةتكون دولة القانو

ةطالبالمو ،كإجابة حميمية للتساؤل عن معرفة كيفية تأسيس الصورة الضرورية للتواصلهبرماس بأن نظرية المناقشة تمكن من تحديد يجيبنا . للرأي واإلرادة الديمقراطيبالتكوين

اللتـان . تساهم في التكوين السياسي للـرأي واإلرادة اإلجراءات وشروط التواصل التي قناة تخص السـلطة وقنـاة تخـص الفضـاء ، قناتين كهويس يربط ما بين فعلياتعمالن :وهذا ما سيوضحه الجدول التالي، العمومي

الفضاء العمومي نظرية المناقشة السلطة

سياسية عقالنية عمومية إدارة مداوالتيةسياسة شروط تواصليةة عدال –قوانين إرادة –رأي إجراءات فعل –قرار

اتصال عمومي نظام سياسي

توجيه الفعل هيمنة

: سنقوم بتوضيح المفاهيم األساسية المشار إليها من قبل هبرماس وعليه .لى تكوين السلطةهي أكثر من شرعية بسيطة تعمل ع :العقالنية- الـديمقراطي بحوزة اإلدارة وتعبر عن طبيعتها لمجرد ارتباطهـا بـالتكوين :السلطة-

فبعد حصولها على السـلطة العموميـة ، واإلرادة وعملها ال يتوقف عن المراقبة ،للرأيهو النظـام ، إال أن الذي يعبر عن قدرته للقيام بذلك الفعل، تساهم في البرمجة) الشرعية(

.ياسيالسبفضل اإلجراءات العمومية يتحول الرأي العام إلى سلطة تواصلية قـادرة :الرأي العام-

.بل المشاركة في التوجيه، "هيمنة"وهذا ال يعني ، على توجيه استعمال السلطة العمومية 1 Habermas (Jürgen), Trois versions de la démocratie libérale, traduit par : Christian Bouchidhomme, Le débat du mai-août 2003, n ° 125, pp : 123-128

Page 185: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

173

وفق المبادئ المعلن عنها في الجهات الثالث، المؤسس الديمقراطيةفي األخير مفهوم و يفترض صورة عن مجتمع أزيح من ، جزة بالشكل الذي تريده نظرية المناقشةو المو

وسائل الفضاء العمومي ساحة من و، مرةفي كل خلقالفاقدا قدرته على ؛ مركزه ضمن نفس اإلطار . مخصصة إلدراك ومعالجة المشاكل التي تهم المجتمع بشكل عام

، الثالثةالتي تستلزم الجهة ، العملية التواصليةو عندما يتعلق األمر بالعملية التداولية ضمن و التعددية اإلعالمية وتنوعها تسمح للقائم باالتصال الولوج داخل ، حرية الصحافة أين

و المشاركة مع الفاعلين داخل المجتمع المدني و الحد من الهيمنة على . الفضاء العمومي أين تطرح ، لية التداولية السياسيةالذي يرجي منه المساهمة في العم. االتصال العمومي

، من خالل العملية ذاتها يتم توجيه الفعل. للنقاش قضايا تخص المجتمع و العالم المعيش وفق الرأي السائد و اإلرادة السياسية ؛ المعبرة عن السيادة الشعبية بالنسبة للجمهوريين ؛

التداولية تقتضي شكال آخرا من إال أن العملية . نو الحريات السياسية بالنسبة لليبرالييفهل يمكن تحديد طبيعة الديمقراطية المعتمدة على التداول؟ و نحو ، الممارسة الديمقراطية

أي نظام تتجه التداولية؟ و هل بتجاوزها التصور الليبرالي و الجمهوري تؤسس لنظام ين للدستور؟ آخر؟ و هل تمتثل الديمقراطية التداولية عند ممارستها من قبل المشارك

استنادها على أخالقية المناقشة ب، الديمقراطيةتوضيح الممارسة في يستمر هبرماستجريبية، تقيمية ألنها تعتمد على قيم أخالقية ثابتة تقييميهفالعالقة التواصلية ، والتواصل

.تجارب يومية تعبر عن العالم المعيشمن تجريبية ألنها مستمدة و ، هاعلييمكن االتفاق من لانتقتم االعندما ي، فهبرماس من هذا الجانب ال يختلف عن تقاليد فالسفة األنوار

توجه وتحدد العالقات ملنةشاالجتماعية المفالقيمة ). الشمولي(الخاص إلى العام : للديمقراطيةيقدم هبرماس ثالث نماذج معيارية همنو، المعيش االجتماعية والعالم و

برمجـة الدولـة داخـل على الديمقراطيةوظيفة تقوم :ليبراليالنموذج ضمن التصور -مـن خـالل ، وتكون بذلك مجرد إدارة تشكل البنيات االجتماعيـة ، المصالح االجتماعية

. يكون بين األفراد واألشخاص العالم االجتماعيالذي ، اقتصاد السوقر مراحل داخل يقوم بتكوين الرأي العام واإلرادة عب :نموذج ضمن التصور الجمهوري-

بل على المناقشة العمومية التي تتم ، الذي ال يتوقف على اقتصاد السوق، الفضاء العمومي .و محققة للسيادة الشعبية، وهي بنية مستقلة موجهة إلى التفاهم، داخل البرلمان

التي تكتسب إمكانية تجريبية تأخذ في الحسبان :التداوليةنموذج ضمن التصور للسياسة -ال فقط على التفـاهم ، التي من خاللها تتكون إرادة جماعية، أشكال التواصلتنوع وتعدد

ا على المعادلة القبلية في المصالح والضغط القائم على ضبل أي، األخالقي للهوية الجماعيةوفق الحدود النهائية للوسائل المملوكة مـن قبـل اإلثبـات األخالقـي ،االختيار العقالني . المداوالتيةو من هذا النموذج تطرح الديمقراطية .)1(والتجانس القضائي

ث تقوم كلهـا علـى هذه التصورات الثالإذا كانت :ةأ تأسيس الديمقراطية المداوالتي-3و المستلهمة من نظرية األنساق ؛ فبـالرغم مـن الـروح ، جتماعية لهبرماسالنظرية اال

هر من خالل المناقشـة عناصـر النقدية التي طبعت مناقشة هذه التصورات ؛ إال أنه يظ

1 Jürgen Habermas : L’intégration républicaine, op-cit, p p : 259-266.

Page 186: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

174

و المحددة في الجهات الثالث أين تطرح إمكانيـة ، مشتركة بين اللبراليين و الجمهوريينو التجاوز نلتمسـه مـع ، تجاوز التصورين المتناقضين في كيفية ترتيب الجهات الثالث

، كـإجراء يمكـن مـن تأسـيس )Délibération(المداوالت فكرة هبرماس عندما يطرح فكيف أحدث التجاوز إذن ؟ التصور المداوالتي للديمقراطية يعلو ، يمقراطية المداوالتيةالد

فاألول يعتمد على الحريات السياسية المستمدة مـن ، و الجمهوري يعن التصور الليبرالو ، و الثاني على السيادة الشعبية و المستمدة كذلك من حقوق اإلنسان، حقوق اإلنسان

غير أن المفتاح األساسي و المتمثل في التساؤل التالي كيف ، قاسم مشتركهي عند االثنين يمكن لمبادئ الدستور أن تتالزم مع مبدأ تقرير المصير ؟ اإلجابة بالنسبة لهبرماس بسيطة

أن كل ديمقراطية مؤسسة على التداول تدعم ذاتهـا ، ةفمن وجهة نظر السياسة المداوالتيو الضامن لنزاهة ممارستها المؤسسـة القضـائية و ، بمجموعة من أشكال االتصال

و . بالتالي يصبح الوسيط المحقق للممارسة الديمقراطية وفق تصور السياسة المداوالتيـة هـي الحقـوق ، ءمن ذلك يمكن أن نوضح أن الحقوق األساسية في مجملها دون اسـتثنا

و الذي ). autolégislation(عالسياسية المكونة للمسار التطوري الخاص باستقاللية التشريو لتوضيح ذلك يقدم هبرماس تجربة واقعية ، يمكن أن يكشف بواسطة النظرية التواصلية

فـي ممارسـة المجلـس إذ يفترض مجموعة من األشخاص يدخلون بمحض إرادتهـم أن يشـرعنوا أولهم، التأسيسي، و يكون كل واحد منهم قد استوفي مجموعة من الشروط

هـذه ثـاني ،)1٭)(Droit positif(ي حل مشاكلهم المعيشية وفق الحق الوضعياشتراكهم فالشروط أن تكون لديهم الكفاءة للمشاركة في النقاش و االستجابة لما تفرضه االقتراحـات

شرط ثالثو ، أين تجعل من العقالنية التواصلية شرطا لها، التداولية القائمة على التبريروعليه يلجأ المشاركين إلـى جعـل . سيسي من حيث هو كذلك هو االلتزام بالمجلس التأ

و أن يوضع لكل مشارك في الجمعية هـيكال قانونيـا ، القانون وسيطا لتحقيق مشاريعهميعرف بأنه حامل للحق الذاتي أو الشخصي دون تعدي للحقوق األساسية لكل واحـد مـن

س الحقـوق األساسية فكيف تمـار. الجمعية، و فق ما هو معمول به في الحق الوضعي؟ و هل يمكن حصرها في نقاط مشتركة ما بين المشاركين حتى يتم تجنـب االلتبـاس و

التجاوزات التي يمكن أن تحدث ؟و التي تمكن مـن ، هناك ثالث فئات ارتبطت بالحقوق األساسية وفق ما يقترح هبرماسركين مـن تأسـيس تأسيس ؛ في إطار محدود ؛ الفضاء االجتماعي الذي يمكن المشـا

و يدرك من ، أين يعترف لبعضهم البعض و بمقتضي القانون بحقوقهم الشخصية، الجمعيةذلك أن الحقوق ألساسية تضمن الحقوق الشخصية على خالف التصور الليبرالـي أيـن

:و الحقوق األساسية المصنفة كما يلي ، التضمن يشمل الحقوق السياسيةساسية وفق التصور الواقعي تنشأ مما تمليه الحريات الفردية الحقوق األ: الفئة األولى-

.و تكون متساوية لكل فرد الحقوق األساسية وفق التصور الواقعي تفرض هيكل قـانوني خـاص : الفئة الثانية-

.بالحقوق الشخصية لكل فرد من الجمعية و تكون بشكل تطوعي

الواقعية التي يتسم بها القانون األلماني الذي يقوم على فكرة مؤداها أن القانون هو وليد البيئة االجتماعية ينشا و ويتطور إشارة إلى٭ 1

مع آل مجتمع و ظروفه و هو ينكر الحق الطبيعي المعمول به في بعض التشريعات و يقوم آذلك على أن المشرع ال يشرع وفق . ينمو و يتطور في ضمير الجماعة إرادته بل يشرع و يعدل وفق ما

Page 187: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

175

الواقعي تفرض حماية قضائية لكل فرد، الحقوق األساسية وفق التصور: الفئة الثالثة-و تكون الحماية بالتساوي على كل فرد مشارك فـي ، و هذا ما تلزمه الحريات الشخصية

و تتدخل كل ما رفعت دعوي بالمساس ، و تكون الهيئة القضائية محل فك النزاع، الجمعية .بالحقوق الشخصية

وجـب ، اسية من خالل إعادة هيكلتهاو حتى تكتمل هذه الحقوق و تتحقق بالممارسة السيأين الحقوق األساسية وفق التصور الواقعي تقدم فـرص المشـاركة ،الفئة الرابعةطرح

). 1(السياسية بالتساوي في عملية التشريع لكل األفرادما ورد عن هذه الفئات يمكن إدراك المعني المقصود بالجمعية التأسيسية، التـي من خالل

ألن االستقرار فـي مجـال المحـيط ، جازفة في األمور الخاصة باألمنال يسمح لها بالمالتي تلزم وضع قوانين تنظم الحياة الشخصـية ، ضروري حتى يتسنى التفكير في الحاجة

الحـق فـي ، الحق في إنشاء جمعية، و منه تنشأ الحقوق كالحق في الملكية. و السياسية عند . ألساسية و المستمدة من حقوق اإلنسان و التي تعد من الحقوق ا، التعبير عن الرأي

و التـي ، القول بالجمعية التأسيسية و استنادا لألوضاع التي يعيشها الفرد داخل المجتمـع لـيس فقـط مجموعـة ، أن المجتمع يؤكد على هبرماسأين نجد . تشكل عالمه المعيش

علـى ى محافظة بل مجتمع يقوم عل، )تصور ماركس(إنتاجية تقوم على إشباع الحاجيات وبتعبير آخر يؤكد بأن المجتمع يقوم . القيم الثقافية واألخالقية بقدر ما يحافظ على اإلنتاج

التي للديمقراطيةومن خالل هذه المعايير … على المشاركة والتفاعل أيضا ال العمل فقطيريد هبرماس تأسيس شمولية تتحقق بفعـل التواصـل واالنـدماج ، تخدم العالم المعيشألنهـا مـن ، إن فكرة العالم المعيش التي يدافع عنها مملوءة بالغموض .لمختلف الثقافات

ومن جهة أخرى هي وجـود ، جهة فكرة مزدوجة لفكرة ثقافية تم توصيلها بواسطة اللغةالتي أدخلت الصـورة ، معتوه متماثل مع النظام الفاعل المفروض من قبل الفكرة الثقافية

ومعارضته بذلك القيم االجتماعيـة بلجوئهـا إلـى العالقـات ، عيشالرومانسية للعالم الم ،فهذه األخيرة تعجز عن مواجهة الظروف الصعبة التي يعيشها العالم المعـيش . الحميمية

هـي ، فبالناسية إليه العودة إلى العقالنية الموضوعية. وبالخصوص الظروف االقتصاديةأو مـا بـين ، دث ما بين الذات والنظـام الذي ح،التي ال تستطيع أن تستوعب االنسالخ

ـ . المواطن والسلطة المهيمنة د افهبرماس لم يقدم الحل ضد الهيمنة القائمـة علـى اقتصتـربط العالقـات التي ، القائمة على نظرية المناقشةو ، المقترحة الديمقراطية و، السوق

. فئـات االجتماعيـة وال تحل المشاكل الناشئة مـا بـين ال ،اللغوية والتبريرية والثقافية تتماشى مـع و، صورة سياسية تتضمن كل التراكيب، عليهبالمفهوم المتفق فالديمقراطية

كل ما يبدو معارض لتفادي أي صراع دموي محتمـل مـا بـين المـواطن واألجهـزة فهل االنتقادات التي وجهت لهبرماس تجد لها مخرجا في شـكل آخـر مـن .)2(المهيمنة

فهل تعترف بالمساهمة الفكرية لهبرماس ؟ ، وجدت هذه الديمقراطية الديمقراطية ؟ و إن ):Participative(التشاركية الديمقراطية ب-3

و هـي ال . تقوم على دمقرطة الديمقراطية التي توجب مشاركة المدنيين مشاركة مباشرة مناقشة التمثيلية ؛ في تتعني المشاركة من خالل النواب ؛ كما هو الحال في الديمقراطيا

1Habermas (Jürgen), Trois versions de la démocratie libérale, Op-cit , pp :129-131 2 Alain Touraine : Critique de la modernité, Fayard, 1992, pp : 394-395.

Page 188: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

176

بل تقوم على المشاركة الفعلية للمدنين ؛ داخل جمعيات مصغرة مشكلة ، و وضع القوانينمن خالل نشاطات سياسية تعمل علـى تكـوين الـوعي ، من فضاءات عمومية سياسية

و . و إبراز مواقفهم تجاه قضايا من المفروض أن تعالج على المستوي المحلى ، السياسيفالهدف ليس الحد من النفوذ بل المشـاركة فـي ، ضع حد للنخب النافذةبهذه الممارسة تو

فهل لمثل هذه الممارسة الديمقراطيـة . صناعة القرار، إن لم يتحول إلى تشريع القوانين أساس نظري تعتمد عليه ؟ و هل تعد أفقا يرني له و يعتمد عليه ؟ مـن هـذا التوجـه

خاصة من الفضاء العمومي و ، هبرماس الذي يستمد تصوره النظري من، الممارساتيعبر عن قدرتـه علـى ) مدني(أن كل فرد ، وفق التصور الذي يقول. نظرية المناقشة

و الموصلة إلى اتفاق ، الدائر داخل الفضاءات العمومية، التواصل و المشاركة في النقاشنتخب مـن من هذا التصور طرحت فكرة تقريب الم. عقالني مبرر حول العالم المعيش

من خالل طرح مرادفات لهـا كالديمقراطيـة ، في األوساط السياسية المعاصرة، منتخبيهعلى شاكلة اليونانية المعتمدة على المجالس و المتخـذة ، المحلية أو الديمقراطية المباشرة

ـ . كفضاءات عمومية ةمن هذا التصور تطرح الديمقراطية المحليـة كبـديل للديمقراطيمن حيث أنه قبل كفكرة سياسية نبيلـة ، ن المحلي يصبح جواري من ذاتهو أ. المباشرة

الذي أصبح مكانا إلعادة إنتاج األبعاد االجتماعية، و معالجة الكسـور ، داخل فضاء محليفالمعاينات التي كشفت الكسور االجتماعية أثبت عدم كفاءة الديمقراطية . التي تم رصدها

بسبب الـوهم الـذي ، لص حجم الممثلين المنتخبين بالمجالسأمام هذه األزمة يتق، التمثيليةألن هناك فرق بين الحقيقة المالحظـة و الحقيقـة التـي . ينتابهم و يحجبهم عن الواقع

، و عليه بات من الضروري سماع الحقيقة من لجـان الحـي . رصدت من قبل الممثلين و تكون بذلك لجان الحي قد ، يةالذين يشاركون في المداوالت السياسية داخل المجالس البلد

أين ، استنسخت مبدأ المشـاركة، و بالتالي يدرك المعني المقصود بالديمقراطية التشاركيةالسكان المحليين يشكلون صمام أمان أمام ممثليهم في لجان الحي، الذين يلزمون السلطة

ـ ، إلى العودة و السماع إلى منتخبيهم، المحلية المنتخبة بحون هـم الـذين و بالتـالي يصتظهر سلطتهم عندما يلزم األمر على المنتخبـين أن . يضعون يدهم على السلطة المحلية

على العلـم أن ). 1(ينجزون استفتاءات خاصة عندما يخص األمر بحي من أحياء البلدية . البلدية في التنظيمات اإلدارية للدول المعاصرة تشـكل األسـاس التـي تقـوم عليـه

التشاركية كتجربة أولية مورست على مستوي األحياء من خـالل ممثلـيهم فالديمقراطيةفهل لمثـل ، خاصة في الضواحي الباريسية، على مستوى المجالس البلدية) لجان األحياء(

هذه الممارسة آليات تمكن نجاح الديمقراطية التشاركية مثلما نجحت الديمقراطية المباشرة في اليونان ؟

ضمن الخطابات السياسـية التـي ، المحلية ةالالمركزية و الديمقراطي امتزجت التعددية وعندما تتخذ كشـعارات و بـرامج ، تقحم المدني في السجاالت الخاصة بالشؤون المحلية

بهذا المستوي تتخذ كذلك كمحور أساسـي فـي الحمـالت ، حزبية بالمناسبات االنتخابيةو عليه كان يطرح السـؤال . القضائي بأخذها الطابع الرمزي على المستوي، االنتخابية

و فـق المعطيـات السياسـية . بعد كل عملية تشخيص حول الشـروط المحققـة لهـا 1 Koebel (Michel), Les travers de la démocratie participative, in Revue : science humaines n°9du mars avril mai 2007,p p :30-34

Page 189: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

177

األولـي : مثل هذه الشروط طرحت ثـالث معضـالت . و االجتماعية للمدنيين المحليين الثانيـة ، يتمثلت في السياسي الذي ال يرغب في المجازفة في إعطاء الكلمة للمدني المحل

و عليه أن يأخذ الكلمـة ، خصت الجمهور الذي ينحني أمام القواعد النفعية و المؤسساتيةارتبطت بالممثلين المنتخبين غير الثالثة، السياسية إذا أراد أن تكون له فرصة في سماعه

. إما الخروج أو التصـويت أو النزاهـة : المحترفين الموضوعين أمام الخيارات التالية بخلق فضاءات عمومية على المسـتوي ، ت من الضروري تجاوز مثل هذه المعضالتفبا

تمثـل . وهي الفكرة التي استلهمت من هبرماس ، المحلي مع ممارسة السياسة المداوالتية ، بربطها للواقع و المؤسسة كجسـم ، القصد من العودة إلي هبرماس في فهم الديمقراطية

ضمن هذا الوضع ، عندما وضعوها بالجسم الفيزيائي جسم رمزي أعطاها إياه مخترعوها، فالكسور االجتماعية المشار إليها آنفـا ). 1(يمكن تحليل المؤسسة كهيئة ممارسة لالقتصاد

مما يجعل عملية التبرير تلجأ إلـى . من شأنها أن تحدث أزمة بين النخبة و عامة الشعب ل باستخدام مثل هذه الواجهة يكـون فه. وسائل اإلعالم التي تشكل الواجهة أمام الشعب

كافي إلشعار النخبة بأن ثمة كسر او أزمة ال بد من معالجتها ؟ و هل تسـتخدم وسـائل و بالتالي تكون هناك واجهة متعددة الوسائل ؟ و هل تستخدم مثل هـذه الوسـائل ، أخري

لتحقيق الممارسة الفعلية للديمقراطية التشاركية ؟ خاصة عندما تخضع األماكن التي يمارس فيها النشاط ، ن متعددةمن شأن أن الوسائل تكو

والتي هي مهملة من قبل رجاالت السياسة و التي كانت ، السياسي إلى دراسة توبوغرافيةو من هذا الشأن أبرحت لهـا . ذات اهتمام متزايد من قبل األنتروبولوجيين و المؤرخين

من هـذه الوسـائل التـي . ركة الديمقراطية اإلمكانية أن تشكل الشروط التأسيسية للمشا خضعت إلى الدراسة التوبوغرافية و المصاغة على أساس أنها فضـاء عموميـا، مثـل

أو الـبعض منـه مـع ، كمكان يلتقي فيه جمهور الحـي ، المتواجدة في الحي المقاهيـ ، ممثليهم ه لمناقشة أمور خاصة بالحي ،من باب أن لها كذلك مكانا رمزيـا تتجسـد في

كماسـحة المسـرح انتبه الدارسون كذلك إلى إمكانية إبـراز . الضيافة من خالل التعود مما يسـمح بتعيـين ، للقاءات أين كان الجمهور جمهورا و ممثليهم على خشبة المسرح

و فـق هـذه الجهاز التمثيلـي . الممثلين بواسطة القرعة و االنتخابات مع إدارة النقاش قاعـات كـذلك . فاألمور تسيير وفق شفافية تامة ، لية تالعبيهالعملية ال يخضع ألية عم

بمدارس البلدية تستخدم كذاك كأمكنة قاعات الدراسة. الخاصة بمقرات البلدية االستقبالأين تأخذ المدرسة كمكان فيزيـائي للفضـاء العمـومي ، للتداول في أمور سياسية محلية

المكان المثالي للقاءات لكون هذه اإلجراءات وبالتالي يمكن أن تشكل . برمزيته الحيادية في األساس تساهم في التكوين السياسي للمدنيين المحلين ،و كيف يمارسون الرقابة على

آلية عملية تكون المشـاركة ، أمام هذه الوضعية تتجسد داخل المجلس المحلي).2(المنتخبيند ألي احتمال ممكن تخضع فيـه و ال و جو، فيه مفتوحة و الكلمة متداولة بين المشاركين

فقواعد المناقشة واضحة ألنها موضـوعة مـن قبـل . الكلمة لعملية التصفية أو الرقابة المعرفـة للفضـاء ، و منه نلتمس مدى ممارسة األفكار الهبرماسية). 3(المشاركين ذاتهم

1 Blondiaux(Loïc) et Lévêque (Sandrine), La politique locale à l’épreuve de la démocratie ,in Espace public et engagement politique, sous la direction de Neveu (Catherine) , édition de l’Harmattan , Paris 1999,pp :19-20 2 Ibid , pp :34-36 3 Ibid ,p :50

Page 190: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

178

عمليـة وفي ذات اإلطار تتجلي أهمية الفلسفة السياسية في . العمومي و أخالق المناقشة مع إعطائها أفقا ميـدانيا ، تنظير الممارسة الديمقراطية، و إرجاعها إلى وضعها األصلي

و تعمل على تحقيق المشاركة ، التي تحترم الحريات األساسية، داخل المجتمعات المنظمةو ، )αγορα(بالرجوع إلى العهود السابقة كالساحة العموميـة اليونانيـة ، السياسية الفعالة

أال يمكـن أن ، مع العلم أن المدينة هي في حد ذاتها الدولة). Forum(ات الرومانية المنتدييقاس األمر على البلدية من حيث أنها دولة مرتبطة بالمدني مباشرة ؟

II- اقع و أفق الديمقراطية و:

ممارسة تتماشي مع ، الديمقراطية عرفت شكلين من الممارسةيتبين مما سبق أن الممارسة و المحقق للحريـات األساسـية بـاالعتراف ، التصور الليبرالي المحكوم باقتصاد السوق

بينما التصـور الجمهـوري فهـو يقـر . بحقوق اإلنسان و الضامن للحريات السياسية حالتين وصـفت بالديمقراطيـة في كلتا ال. بالحريات السياسية التي تحقق السيادة الشعبية

إال أن ، الدستورية شبيهة إلى حد ما بالتصور األرسطي ما بين األوليغرشية و الديمقراطيةو انتقد بها كـال التصـورين ، و هي األطروحة التي دافع عنها هبرماس، تدخل التواصل

ا تمثـل وتعقده، ؛حتى ذلك الذي اعتمد على التخطيط ؛ و المعتمد في المجتمعات المعقدة، من مجمل االنتقادات نتوقف على ذلك الذي خص به النخبة . في اتبعاها نظرية األنساق

مثـل هـذه ، التي تستمد شرعيتها منها، و كيف تصل إلى السلطة بالممارسة الديمقراطيةألنه بإمكانها أن تسد الطريـق أمـام نشـوء ، الممارسة لديها قابلية لتأسيس نظم شمولية

و باالعتماد ، فهبرماس من هذا الجانب. عية تحمل تصورات تجديدية مجموعات اجتماخاصة ما عرف عند األلمان بالقانون الوضعي الذي ساهم في تأسيسـه ، على فلسفة الحق

انطالقا من الفكرة التي تقول أن القانون الخاص كونه نسق ، )Savigny(المشرع األلماني جرائي الموجه إلى ضمان الحريـة و الشـرعية و اإل، )Droit négatif(من الحق السالب

و عليه وضع أخالق ، فعملية التبرير تقتضي المناقشة) . 1(استنادا على التبريرات العقلية

و المعرفة بالديمقراطية المداوالتية في حـل ، المناقشة كشرط لنجاح ممارسة الديمقراطيةـ ، و هي ذات الفكرة من حيـث الجـوهر ، العالم المعيش ي عرفـت بالديمقراطيـة و الت

فهل لمثل هذه التصورات وجود . و التي أخذت لها شعار دمقرطة الديمقراطية ، التشاركيةفي العالم العربي عامة و الجزائري خاصة ؟ أم أن الديمقراطية المنشودة فـي األوطـان

م العربية تالءمت مع األوضاع االجتماعية و الثقافية الموروثة من العهـد اإلسـالمي ؟ أ انسلخت منها و سايرت النموذج الغربي في مسايرة الديمقراطية بحكم االستعمار ؟

:في الوطن العربي واقع الديمقراطية -1

الحـق يخـص . إذا ما ربطنا الديمقراطية بمسلمتين إحداهما مرتبطة بالحق و القـدرة بينما القدرة على التعبير عن الرأي و الدفاع . المشاركة السياسية الحريات األساسية و

بمعني القدرة على تبرير صحته والدعوة إلى االنخراط فيه دون المساس باآلخر مع ، عليهفهل لمثل هذه المسلمتين إمكانية التحقـق فـي الـوطن العربـي عامـة . احترام حريته

1 Habermas ( Jürgen), Droit et démocratie , Op-cit , p : 105

Page 191: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

179

لعـل الواقـع ئدة في مجال الديمقراطيـة ؟ وبالخصوص الجزائر التي لديها ممارسة راكاالنتداب و ، و التي عرفت االستعمار بصيغ متعددة، التاريخي للمجتمعات العربية

و ما هو مالحظ أن النخبة . الحماية و اإلستطان الذي عان من مرارته الشعب الجزائري استبدادية مما ضـيق الحاكمة بعد االستقالل عملت على تحويل مسار الحكم إلى ممارسة

إذ عمدت األنظمة االستبدادية والديكتاتورية أو التسلطية على فرض نفسها . مجال الحرية و حتى تضمن استمرارها تقوم بالردع . وتقرر مكان الشعب ، بالقوة المباشرة أو الملتوية

ة في مما يتقلص حجم المبادرات الفردي، و التضييق على الحريات األساسية ألفراد الشعبو ، و يتجلى ذلك عندما ال يسمح للمعارضة من التعبير عن رأيهـا ، المحاولة على التغيير

.فإن مجال ممارسته ال يتعدي النشاط االجتماعي ، حتى عن و جود نطاق من الحرية

و التي تري ، نجد من الدارسين للنظم العربية من يصنفون دول الخليج بالدول االستبداديةرر يعترف بالحريات السياسية و حقوق المواطنين في ممارسة السياسـة، أنه ال وجود لمب

التي تتغطي بها أو تلتف بها مـع تشـكيل ، بسبب البحبوحة االقتصادية و المالية النسبيةمثلمـا ، أو إعادة تفعيل بعض المجالس السـابقة ، بعض المجالس االستشارية هنا و هناك

تصنيف دول الخليج باالستبدادية عـدم وجـود ما لزم ). 1(2001قامت به البحرين عام

و هذا ال يعني أنها في ، التي تشكل احد السمات للممارسة الديمقراطية، الحريات السياسيةمثلما هو الحال في الكثيـر مـن الـدول ، منأى عن األزمة التي تمس األنظمة التسلطية

وليا على الشاكلة السـوفيتية و التي لم يكن نظامها استبداديا بل شم، العربية منها الجزائرتشـمل جميـع ، باالعتماد على سياسـة تدخليـه ، الذي يعتبر نفسه الوصي على الشعب

وفق جهاز ، القطاعات و الهياكل السياسية و االجتماعية من تربية و تعليم و صحة و سكنبينمـا . مما يمكن من القول بدولة الحزب، سياسي متجدد داخل الحزب الحاكم و الوحيدتعتمد على الثقافة التقليدية اإلسـالمية، و ، السلطة االستبدادية فهي على الغالب تقليدية

بحجية الشورى التي تختلف فـي ، التي تقف كعقبة أمام التوجه نحو ممارسة الديمقراطيةإذ أشار بعض الباحثين إلى السجال الدائر حول مسألة الشورى ، المبادئ عن الديمقراطية

؟ و القصد من أنها إعالمية عند التشاور عن مضامين القضية ) 2(او إعالمية هل إلزامية

. العائد إلى الحاكم الذي يعزم و يتوكل علـى اهللا دون غيـره ، و حيثياتها دون أخذ القرارو هـل ، ففي مثل هذه الحالة التي تزجنا إلى محاولة استقصاء إمكانية تحقق الديمقراطية

إذا تأزم األمر؟ أم اإلمكانية تتولد من التناقضات الداخلية للنظام ؟ هذه اإلمكانية تتحقق إال و هل هذه التناقضات سمحت للمعارضة المشاركة في الحكم ؟

بما فيها سياسيتها الرامية . أين أدركت النظم العربية عجزها ، 67األزمة تجلت بعد نكسة مما عصف ريح التغيير في البلدان . في القوة و النمو إلى تحقيق طموحات شعوبها

مما يستدعي ، القائمة على الريع خاصة البترول تما زاد الطين بلة االقتصاديا. العربية مثلما هو الحال في ، الحذر في ربط العامل التنموي بمصدر مالي قائم على عائدات النفط

البلدان العربية ليست . جعي للبترول التي تضع ميزانياتها وفق السعر المر، الجزائر

1 432-431: الديمقراطية من منظور مشروع حضاري، ضمن نحو مشروع حضاري نهضوي عربي،مرجع سبق ذآره، ص ص، برهان غليون 454: ص ، نفس المرجع، عن مداخلة برهان غليونفي تعقيبه ، فهمي هويدي 2

Page 192: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

180

فهي تعيش واقع اقتصادي عالمي يفرض عليها ترتيبات اقتصادية و ، خارج الدائرة الدولية. مما تعود على شعوبها في حالة البحبحة باإليجاب وفي حالت التدهور بالسلب ، مالية

األنظمة عالوة على هاتين الوضعيتين يضاف الصراع العربي اإلسرائيلي مع عجز الريع البترولي و العقاري . خاصة األنظمة العسكرية على حله بالمواجهة ، العربية

المستنزف عائداته و المحتكر في بعض الدول، أعطي بوادر األزمة و التعجيل فهل يتمثل الحل في تفعيل المعارضة من خالل السماح لألحزاب السياسة . في حلها

الحياة السياسية و الحكم ؟ أم المساهمة في تكوين مجتمع مدني يساهم في المشاركة في مما يساهم في تكوين ثقافة ديمقراطية ؟ ، التنشئة االجتماعية و السياسية

بل وصل بعامل التكون الثقافي و ، الغرب لم يصل إلى الديمقراطية بالضغط على زرفحصر اإلصالح ، من قبل الفالسفةالتي كانت تنجز ، السياسي من خالل األدبيات

دون التعبير عن إرادة سياسية تساهم ، الديمقراطي و الخروج من األزمة بقرارات سياسيةفي ، مما دفع بعض المثقفين إلى طـرح أفكارهم، في تشكيل ثقافة ديمقراطية يبدوا ناقصا

و البعض منها . كيفية تعزيز الديمقراطية في دول يقوم اقتصادها على الريع البترولي زد على ذلك الثقافة التقليدية السائدة التي يتحصن بها النظام ، يعاني من النمو الديموغرافي

قد يشار إلى السبب الذي دفع إلى اإلخفاق في عملية تفعيل . في ممارسة سلطته من باب أن ). 1(و الذي وصف بالوعي الزائف ، الديمقراطية و إرجاعه إلى الوعي

و ربطه بوهم إشكالية األصالة و ، لثقافية شكلت معركة دائرة حول التراثالمسألة ابالرغم من أن . دون دراسة األوضاع و القوانين التي تحكم الواقع العربي ، المعاصرة

مما ال يسمح بظهور تيار ، مسألة األصالة في غالب الحاالت تطرح كعائق أمام التحديثمن هنا تطرح . انية دمقرطة المجتمعات العربية واعد يحمل مشروع ثقافي يعبر عن إمك

مما جعل برهان غليون يحددها في ، فكرة تعزيز فرص إحداث تحوالت في الوطن العربي :مجموعة من المهمات نوجزها كما يلي

تجاوز ضعف الوعي النظري في تحديد ماهية الديمقراطية المنشودة في : لمهمة األوليا-و ذلك بغياب ثقافة ، غلب على الحصار المفروض على الثقافةو الت، المجتمعات العربية

.سياسية تنمي الثقافة الديمقراطية .تأمين الموارد المادية و المعنوية للحركات السياسية : المهمة الثانية-بناء قطب ديمقراطي تعددي ؛ يضم قاعدة اجتماعية تشمل على تنظيمات : المهمة الثالثة-

.و غيرها من التنظيمات التي تشكل المجتمع المدني ، يةسياسية و جمعيات ثقافالمباشرة في العملية اإلصالحية التي تمس البنيات و المؤسسات :المهمة الرابعة-

نابع من مؤسسات نيابية ، فال ديمقراطية بدون حكم راشد و سياسي حقيقي. الرسمية . و إدارية التي أفرغتها السلطة الحاكمة من مضمونها

). 2(بناء عقيدة سياسية جامعة مع إعادة النظر في االختيارات: المهمة الخامسة-قدم وصفة طبية عالجية لمرض االفتقار للديمقراطية، ، يتجلي من خالل هذه المهام انه

و ليس إلرادة سياسية نابعة من عمق ، الذي يخضع إلى معالجة تغذيه إيديولوجيافمن يؤمن و ، لمهمة الثانية انه البد من تأمين المواردالجماهير، كأننا نفهم من خالل ا

1 266ص ، القاهرة–دار البيضاء ، الثقافة الجديدة –عيون ، الوعي و الوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر، محمود أمين العالم 2 443- 440: ص ص ، المرجع نفسه، الديمقراطية من منظور مشروع حضاري، برهان غليون

Page 193: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

181

و بالتالي الخضوع لمنطق ، لمن يؤمن ؟ سؤال يطرح ذاته و يضعنا في مأزق التعودو الشق اآلخر ، شق منه اإلصالح و المساهمة في تكوين الثقافة الديمقراطية، مزدوج

تسمية في أدبيات الفكر العربي فلمثل هذا المنطق وجد له ، الخضوع لمن يؤمن المواردو هي سمة بارزة في الفكر العربي ، المعاصر عرفت بالتوفيقية حتى ال نغضب الراعي

و ، مما يدفع إلى جدية التفكير في كيفية دمقرطة المجتمعات العربية). 1(قديما و حديثامارسات تحقيق المهمة الرابعة التي تتطلب بناء مؤسسات و هياكل إدارية تكرس الم

فهل يحدث بفعل المهمة الخامسة القائمة على العقيدة و كيفية بنائها ؟ أم أن . الديمقراطيةو المعبر عنه في ، هناك صياغة أخري تحقق ذلك ؟ قد يظهر الحل في النموذج الثالث

و التي تقتضي عملية اتصالية يساهم فيها اإلعالم بنسبة كبيرة في التنشئة ، المسلمتينبالمشاركة الفعالة ، و تكوين الوعي السياسي الحقيقي النابع من عمق الشعب، ةاالجتماعي

و النخبة ، ، مثل هذا اإلجراء النابع من إرادة الشعب)2(المصيرية تفي اتخاذ القرارابعد ما حولت السلطة الرابعة ؛ ، الممثلة في رجال اإلعالم الذين يشكلون السلطة الخامسة

فالسلطة ، الم الذي أبرح في أيدي مسيري المؤسسات اإلعالميةو التي هي في األصل اإلعو ، هي التي تنفلت من قبضة أصحاب المال الممولين للمؤسسات اإلعالمية، )3(الخامسة

لتسيير ، االنفالت يتم بإيجاد موارد مالية ذاتية، الذين يملون سياستهم على رجاالت اإلعالمما يدفعنا إلى معارضة الفكرة ، "لو موند ديبلوماتيك" المؤسسة اإلعالمية على شاكلة جريدة

، فهل للقيادة السياسية مصلحة، أن نجاح الديمقراطية متوقف على القيادة السياسية، القائلة بعدما اعتادت على الريع ؟، في وجود معارضة تعكر لها الجو

:واقع و آفاق الديمقراطية في الجزائر- 2هو القول بأنها ، تحليل للتجربة الديمقراطية بالجزائر مما يجدر البدء به في عملية

بني هذا القول على مجموعة من . اعتبرت تجربة واعدة على مستوي الوطن العربي . من واقع أملته الظروف االجتماعية و االقتصادية تراكمت عبر التاريخ ، المؤشرات

و منه ما ورث عن ، ظام السابقكذلك وجود هياكل قاعدية منها ما تم بناءه في النو يجدر اإلشارة أن مجموع ، و كذلك المواثيق القانونية التي أطرت العملية، االستعمار

شكلت األرضية التي أقيمت عليها ، المؤشرات الدالة على نجاح التجربة الديمقراطيةات منها الدراسة التي أشرف عليها مركز الدراس، الدراسات حول التجربة الجزائرية

إذا ما تمكنا من ، تحت مشروع دراسات ديمقراطية في البلدان العربية، الوحدة العربيةفما هي التقنية و المنهجيـة ، الحصر الموجز للمؤشرات التي يستوجب التحقق منها

المتبعة ؟ و كيف وظفت ؟تحت حكم ، و التي وصفت بالعشرية السوداء، لعل العشرية التي عاشها الشعب الجزائري

إال أنها تعتبر فترة عودة الممارسة الديمقراطية خاصة في نهاية . الشاذلي بن جديد إال أن تتبع العملية اإلصالحات على المستوي . والمعروفة بأحداث أكتوبر تالثمانينا

و التي بوشر . االقتصادي من صياغة القوانين التي توجه استقاللية المؤسسات االقتصادية الذي جاء على إثر . 02- 88و المعروفة بقوانين ، قاصدي مرباحبها في عهد حكومة

1 283: ص، المرجع نفسه، الوعي و الوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر، لعالممحمود أمين ا

318: ص ، المرجع نفسه 2 3 Ramonet (Ignatio),Le cinquième pouvoir, le monde diplomatique , février 2004

Page 194: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

182

زيادة على ذلك نص . العمل اإلصالحي الذي أتمم في عهد حكومة مولود حمروش مما . الذي أعلن على الحق في تكوين الجمعيات ذات الطابع السياسي ، 89الدستور

ن عنها بعد ما كانت ومنها ما أعل، تشكلت أحزاب سياسية منها ما ظهرت إلى الوجودو جل هذه األحزاب تترأسها شخصيات وطنية و تاريخية من العيار . تعمل في السرية

مع العلم . الثقيل، و الذين كان لهم األثر في بلورة المناخ السياسي أثناء االستعمار و بعده ل حزب بحيث أصبح لك، أن األحزاب السياسية القديمة و الجديدة استخدمت جهازا إعالميا

إال أن بعد . من الصحف ما هو قديم و ما هو جديد. جريدته أو ما يصطلح بلسان حال تجندت القوي الوطنية بكل ، توحل الجزائر في األزمة و التي عرفت بالعشرية الحمراء

غير أن هذه العملية شكلت أحزابا احتضنت من قبل . اتجاهاتها لتحقيق المصالحة الوطنية فهل لمثل . و التي وصفت باألحزاب العتيدة ، أخري بقت في المعارضةالسلطة و أحزاب

هذا االحتضان ما يبرره لدى األحزاب التي دخلت في لواء السلطة ؟ وهل لألحزاب التي بقت في دائرة المعارضة لديها مبرراتها ؟ و هل المصالحة الوطنية لم يحدد لها مفهوما

ي بها حل األزمة األمنية و مباشرة التنمية يتفق عليه الجميع ؟ أم أن المصالحة عن االقتصادية و التي اعتبرت أساس األزمة ؟

و ، منهج الدراسة و كما هو مقترح من قبل كل برهان غليون و على خليفة الكواريتخص المنهج الثقافوي و األنتروبولوجي و : األولي ، الذي يقوم على ركيزتين

و ةتقوم على رفض الطوباوي: و الثانية . مع إحداث مقاربات متعددة ، اسويسيو حتى الغرب يعرف عدة (التجريدية التي تقول بأن الديمقراطية نموذج عالمي و حتمي

، مما يستدعي )1(و عليه كان المنهج البنيوي األكثر استخداما في الدراسة، )ديمقراطيات ! التحفظ من نتائجها

التي مارست الديمقراطية ، ناك حقيقتين مؤكدتين أولها الحركات الوطنية إبان االستعمارهو ساهمت في إثراء الوعي السيـاسي . و شاركت بشكل ما في العمليات االنتخابية

ثم اإلقرار بالتحول إلى التعددية و المنافسة في ، والثانية تجربة التسيير الذاتي. بأدبياتها تاريخ الجزائر مليء بالشواهد التاريخية التي تثبت أن . السياسي و االجتماعي الحقلين

بل هي متجذرة في التاريخ خاصة ، الممارسة الديمقراطية ليست وليدة أحداث أكتوبرو من حزب الشعب إلى ، من الحزب الشيوعي إلى نجم شمال إفريقيا، الممارسة الحزبية

طية وصوال إلى المنظمة السرية ثم جبهة التحرير التي حركة انتصار الحريات و الديمقرامن بداية الثالثينات و النشاط السياسي . جمعت شمل الجزائريين في سبيل تحرير البالد

ينغلق الباب أمام النشاط الحزبي مع . الحزبي موجود إلى غاية اندالع الثورة التحريرية حزب طالئعي إلى رير الوطني جبهة التحأين تحولت 1963صدور أول دستور عام

ويراقب عمل الجمعية الوطنية ، يرسم سياسة األمة ويوجه عمل الدولة، )23:ادةمال(يوجه جهودها لتحقيق يرمي و و ، ويعبر عن تطلعات الجماهير،)24:ادةمال(والحكومة

ورة وبناء االشتراكية في ق أهداف الثيتحق، و)25:ادةمال(طموحات الشعب 1989لينفتح مع صدور دستور 1988يستمر إلى غاية قاالنغال ).26:ةادمال(الجزائر

فتح التنافس السياسي أمام األحزاب والجمعيات السياسية ، حيث 1996و المعدل عام

1 44-43: ص ص ، مرجع سبق ذآره، إسماعيل قيرة و آخرون

Page 195: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

183

للسباق إلى السلطة وفق برنامج يعرض على الشعب في ) 1989من دستور 40المادة (خاصة في المادة 1996تأكد في دستور و هذا ما، االنتخابات الختيار ممثليه في السلطة

فالحياة السياسية تمتد من العشرينيات إلى غاية الستينيات لتنغلق بحجة التنمية . 42أال تعد مثل هذه الحقائق التاريخية دليال على ، و العدالة و تنفتح من جديد في الثمانينات

بأن الديمقراطية شهدت ميـالدا ،خالفا لما يعتقد البعض، تجدر الديمقراطية في الجزائر عنيفا ؟

بحيث و من خالل ، مثل هذا الطرح تبناه محللون تناولوا مسألة الديمقراطية في الجزائرأن الجزائر خطت خطوات إيجابية في الممارسة ، دراستهم و منهجهم الموضح آنفا

ية اصطدمت فمشكلة ترسيخ الديمقراط، بالرغم من غياب ثقافة ديمقراطية، الديمقراطيةمما أدى إلى التباين في المواقف تجاه . بصراعات إيديولوجية صورية و ذهنية

الديمقراطية، إذ ألصقت من قبل البعض بالعلمانية و عند البعض اآلخر الذين يدعون مثل هذا الخطاب وجد من ). 1(بالديمقراطية يتهمونهم بالظالميين المعادون للديمقراطية

و هذا ال يعني أنه ال يوجد ديمقراطيين اعتبروا التيار ، لخارجيدعمه في الداخل و األن في السياسة اعتدال و تطرف باختالف ، اإلسالمي موقفا من المواقف السياسية

بينما في الواقع أن األزمة التي عرفها المجتمع وصفت . المشارب الفكرية و اإليديولوجية لكن في جوهرها أزمة اقتصادية ، ة قطاعاتو قد مست عدة فئات وعد، بالمتعددة األبعاد

من أجل الشعارفمع انخفاض سعر البترول و تغير . انعكست على السياسي و االجتماعي و منه تعالت األصوات من المطالبة ، إلى العمل و الصرامة لضمان المستقل، حياة أفضل

ع و تكوين كحرية الرأي و التجم، بالحلول االقتصادية إلى أصوات تطالب بالحرية، خاصـة مع احترام حقــوق اإلنسـان، أحزاب سياسية في إطار ما يمليه القانون

خروج الجماهير و مطالبتها بالحرية و المشاركة في السلطة، كان نتيجة االعتقاد أن . سببها سياسي ترجم إلى سوء التسيير للموارد المالية ، األزمة

امه للضغط يترك أثارا نفسية تحيل دون نشوء وعي مما هو مؤكد أن النظام عند استخدو يعتبر المخرج . سياسي و اجتماعي ؛ ينمي المستوي الثقافي للممارسة الديمقراطية فهل هذه الديمقراطية ، الوحيد من أثار الفساد الناجمة عن الحزب الواحد هي الديمقراطية

طموحاتهم؟ فأي شكل من التي تتغني بها النخبة نابعة من عمق المجتمع و تعبر عن الديمقراطية نريد ؟

من خالل مواقف بحثية أخري ؛ أن جهاز الحكم قد أدرك القطيعة التي حدثت بين يتبينفأدرك أن الحل سيكون من خالل ، و التي أقحمت الدولة في دوامة. المجتمع و الدولة

ساسية بما فيها باالعتراف بالحريات األ. ممارسة الديمقراطية أو دمقرطة المجتمع و هذه ، كانت بدايتها تشكيل جمعيات ذات طابع سياسي ثم أحزابا سياسية. السياسية

أن ترفع العراقيل أمام النخبة للولوج في دواليب أوالالترتيبات الدستورية من شأنها حتى تتمكن السلطة من وراء هذا ، و التي أغلقت منذ االستقالل، اإلدارة و السلطة

أن تتملص السلطة من عبئ ثانياو . الحصول على الشرعية و المصداقية ، اإلجراءااللتزام االقتصادي و إتباع نهج اقتصادي جديد قائم على استقاللية المؤسسات و اقتصاد

41: ص ، المرجع نفسه 1

Page 196: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

184

ألنها لم تدرك ، لكن هذه الترتيبات لم تضع في الحسبان أنها ستواجه صعوبات. السوق و بالتالي ، التي يرتكز عليها المجمع الوطني، جتماعيةالواقع الذي تقوم عليه الروابط اال

تالزمت مع التاريخ االجتماعي و السياسي تصادمت مع مواقف ثقافية و إيديولوجية ، فالدخول في اإلصالحات االقتصادية فرض على اإلصالحيين دستورا جديدا). 1(للجزائر

لذي تخلى عن الممارسة ا، ألن مثل هذا االقتصاد ال يتماشي مع نظام الحزب الواحدو بالتالي وضع حد . الشعبية و خطاباته الشعبوية الداعية بالتكفل و تحقيق االكتفاء الذاتي

الذي أسس شكال اقتصاديا عرف باالقتصاد التوزيعي من ، شبه نهائي لالقتصاد الريعيصاد فاالعتماد على اقت. تدعيم لألسعار و دعم المؤسسات التي تتعرض لمشاكل مالية

و يجعله يتدارك الفجوة من خالل مشاركته السياسية عن ، السوق هو الذي سينظم المجتمعو عليه الطرح الذي يقول أن الدول المعصرة وسلطها تقوم على . طريق نخبه الممثلة له

). 2(رفع كل الضغوطات المتركزة على إيديولوجيا اجتماعية بإرساء قيم مبنية على االتفاق، من باب أن التبرير اإليديولوجي للدولة الحديثة، رح يتقارب مع هبرماسمثل هذا الط

عليها أن تضمن الحرية و األمن لألفراد على اختالف مشاربهم السياسية و الثقافية و و بهذا تأخذ الديمقراطية . واالعتراف باألقليات على أنها األكثرية المحتملة . الفلسفية

و هذا التحقق وفر شرط الشرعية ، ول على السلطةمعناها الحقيقي في طرح التدا). 3(الضرورية التي تلتزم بها السلطة في حماية الحريات و الفضاءات العمومية و الخاصة

فهل لمثل هذه الفضاءات دور في تكون المجتمع المدني ؟ و هل الممارسة الديمقراطية تقر بوجوده وتدعمه ؟

:أساس لبناء الديمقراطيةالمجتمع المدني ك-أ-2غير أن ما ، المجتمع المدني مصطلح ظهـر في األدبيـات و الثقافة السياسية الغربية

إنشاء في حق ؛ التي تشرع ال 43؛ و من ما نصت عليه المادة 96ورد في الدستور مما يلهم العمل على خلق مجتمع . ها ازدهارو الجمعوية اتع الحركيتشج و جمعياتو التي تعتبر العنصر الفعال في تشكل ، ساوي في النشاط مع األحزاب السياسيةمدني يت

كل ما يقابل فمفهوم المجتمع المدني عند هبرماس . الوعي السياسي للمجتمع المدني و على ذكر ).4(الدولة من جمعيات و أحزاب و نقابات و إعالم مستقل عن السلطة

لتي يمنحها اإلعالم للفاعلين في المجتمع المدني اإلعالم يتساءل هبرماس عن اإلمكانية امادام خاضعا لسلطة السياسة و االقتصاد ؟ و هل الخضوع تعني الحرية في إبداء الرأي ؟

من ، و من خالل الممارسة الديمقراطية التي تتيحها و سائل اإلعالم، مثل هذه الوضعية، ل الحصص اإلذاعيةو كذلك من خال، خالل المنابر المخصصة في صفحات الجرائد

مما تساهم في لفت المدنيين إلى قضايا تمس عـالمهم . خاصة المحلية أو الجوارية إال أن المشاركة في النقاش عبر اإلعالم في مسائل مرتبطة بالتشريع و المسار . المعيش

و هل بإمكانه أن يتحقق في ظل دولة القانون ؟ . السياسي و االقتصادي ال زال حلما

1 Addi (Lahouari), L’Algérie et la démocratie ,édition la découverte ,Paris 1994,p p :132-133 2 Ibid,p :137 3 Ibid , p p : 140-141 4 Habermas (Jürgen), L’espace public , Op-cit , P :XXXII

Page 197: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

185

د أشار هبرماس في احدي مقاالته أن اإلعالم الوحيد القادر على تحقيق الديمقراطية هو لق بل ، فالمتلقين للبرامج التلفزيونية واإلذاعية ليسوا مستهلكين. المتزن ذا كفاءة عالية

من حيث أنهم مدنيين ، يتمتعون بحق المشاركة الثقافية و السياسية قصد تشكيل الرأي العامالقانون المدني قد وضع جهازا ينظم الخدمة العمومية لوسائل . لحقوق المدنية يتمتعون بامع ما أثبتته الدراسات حول االتصال ، أال يمكن أن يطبق على الصحافة المكتوبة، اإلعالمو الدور الذي تلعبه في تدعيم الديمقراطية و المشاركة السياسية لدي ، السياسيمن خالل ، ساهم دولة القانون في تدعيم الصحافة المكتوبة؟ أليس منطقيا أن ت)1(المدنيين

غير الخاضع لقانون العرض و ، التشريعات و القوانين المنظمة للعمل الصحفي المحترف الطلب ؟

: الرابع المحور

1 Habermas (Jürgen),Il faut sauver la presse de qualité , publier par le monde le 25 mai 2007

Page 198: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

186

أسسا وممارسة: لقانون الدولة و دولة ا

"جوهر الدولة هو القوة و الدولة هي الشعب عند ممارسته لسيادته"

Karl Popper : Société Ouverte et ses ennemis (Hegel et Marx )

االجتماعية داخل من التنظيرات السياسية التي تحدد العالقات واالفلسفة اليونانية لم تخل

لعل . تحقيق العدالةلو كيفية ، لتشريعلو طريقة ، بحيث كانت تحدد نظاما، المدينةترمي إلى تحقيق ن فلسفته تحمل أفكاراهو أ، اإلمكانية التي يقدمها لنا دارسو أفالطون

يرابكالمدينة الفاضلة للفا، و هي األفكار التي استلهمت من قبل فالسفة اإلسالم. العدالة في الفلسفة كارل بوبر اهيروصوال إلى ما . و الضروري في السياسة البن رشد

على أن ، إذ نجدها تقوم على التقسيم الطبقي المستمر .بأنها مرتبطة بالعدالة األفالطونية تنفصل طبقة الحكام عن طبقة المحكومين، و أن يكون من مهام الحاكم تحديد مصير

و أن ، و يشترط على طبقة الحكام أن يتحلوا بالفضيلة .توحيد مصالح أفرادها و، الدولةمن واجبهم نألن هذا األخير هو من مهام التجار الذي، يبتعدوا عن كل نشاط اقتصادي

Page 199: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

187

بة إليه العدالة هي مستخدمة كقوةو بالنس. دولة حتى تتمكن من االستمرارإنعاش ال .ة من االستقرارن الدولتمك التي و صحة

، مثل هذه األفكار عن العدالة وجدناها كذلك عند أرسطو عندما ارتبطت باألخالقعلى العدل في تصوره للعدالة و المساواةو اعتبرت من الفضائل ؛ ومن خاللها تبلور

صور الذي لتو الذي ال يختلف من حيث األساس مع ا، التوزيع و العدل في القصاصتحمل ثالث نقاط و التي، و المستمدة من أفكار أفالطون رية اإلنسانية للعدالةالنظ قدمته

–ب ، تحديد القول بالمساواة و التي تعني إلغاء كل تمييز يعتقد بأنه طبيعي –أ : أساسية و ، دنيو واجبها حماية الم فكرة أن الدولة موضوعها –و ج ، مذهب عام يؤمن بالفرد

دفع الضرائب، و يشارك وفق الديمقراطية المباشرة في مناقشة أمور بالمقابل عليه أن يلعل األسس التي تقوم عليها كل النظم السياسية باختالف أشكالها . السلم و الحرب

و بالرغم من وجود ، تعتمد أساسا على القانون، التنظيمية من جمهوري ليبرالي ملكيدولة الوصية إلى الدولة االجتماعية إلى طرح من الدولة الوطنية إلى ال، عدة أشكال للدول

.لكل األنظمة مثال-كنموذجالتي من شأنها أن تتخذ ، دولة القانونفدولة القانون بارتباطها بدستور و المتخذ كمصدر قانوني لها، و به توضع كل التشريعات

كنبراس و تتخذ ، يكون القضاء مستقل عن باقي السلطات أين، التنظيمية لمختلف السلطاتفي طيات الممارسة الديمقراطية تضمن . تتبعه كل الدول الممارسة للديمقراطية الحقه

من حيث هو العنصر الجوهري في إرساء مبادئ حقوق اإلنسان ، الحقوق األساسية للمدنيفمسألة الحقوق األساسية تشكل القاعدة األساسية للتشريعات ، المعتمدة في المواثيق الدولية

. الجاعلة من الحق في التقاضي حقا مشروعا وفق مبدأ المساواة أمام القضاء ، ةالقانونيو منها ، نسجل أن العناصر المشكلة لدولة القانون منها السيادة الشعبية بالنسبة للجمهوريين

و بالرغم من ، نالحقوق األساسية التي منها تدرك الحقوق السياسية بالنسـبة لليبرالييلممارسة إال أنهم يتفقون في مبدأ تأسيس برلمان تمثيلي سيد في الفرق البارز في ا

مثل هذه الترتيبات للسلطات . و كلتا السلطتين منفصلتين عن السلطة التنفيذية . قراراته أين تتجسد العالقة الفعلية ، تجعل هبرماس يقحم سلطة رابعة ممثلة في الفضاء العمومي

هذه الترتيبات من يمتمثل لها و يؤسس بها دولة فهل لمثل . بين الدولة و المجتمع الحق ؟ أم هناك من يدعي بتأسيسها مع استخدام بعض الترتيبات القانونية لذلك ؟ و هل األنظمة الجمهورية الرئاسية بإمكانها أن تؤسس دولة القانون التي وضع مفهومها و

مبادئها هبرماس ؟

:الفصل األول

Page 200: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

188

مفهومها و أشكالها الدولة

I –الدولة مفهوما و أسسا :

منذ انهيار ، والمجتمع المدني سساتها وعالقاتها بالفرد والمدنيكثر الحديث عن الدولة ومؤون فكرة الجمهورية تك و . ا في العصور الوسطىتها أروباألنظمة المطلقة التي عرف

و هو ، "جان جاك روسو" و" بودان" كل من والدولة الوطنية متأثرين باألفكار التي طرحهاهناك مسار تاريخي و بالتالي. التصور الجمهوري الذي تجسد بعد الثورة الفرنسية

وجود لها في الواقع بل مر الدولة الألن في حقيقة األ. عرفته نشأة الدولة كفكرة مجردة على أنها مجتمع تنظم لديه " الالند" وهذا ما يتطابق مع تعريف . هي حاملة للسلطة

Page 201: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

189

فالدولة بهذا ).1(حكومة مستقلة وتتمتع بشخصية معنوية تتميز به عن المجتمعات األخرىاللغة العربية بينما كلمة الدولة في. نصية معنوية تتجسد في أشخاص حقيقييالمعنى شخ

ولة هي العقبة في المال والحرب ولة والدالد: خاصة ما ورد في لسان العرب البن منظورفمن خالل التباين . )2(ولة بالفتح في الحربولة بالضم في المال والدسواء، وقيل الد

رحلة الموجود في اللغتين نفهم أن الدولة كمفهوم سياسي هي من اختراع إنساني لتجاوز م. ا في العصورأروببالرغم أن القبائل العربية لم تعرف حكما مطلقا مثلما عرفته . الحكم

إال أن التأسيس للدولة المدينة تشكلت في المدينة المنورة على يد الرسول محمد صلي اهللا و هي تلك التي عرفها . بعد ما كانت قبائله متناثرة تتمتع بسيادتها المستقلة ، عليه و سلم

بينما ما تلي ذلك تشكلت الدولة اإلسالمية، و عرفت ، اكس ويبر بالسلطة التقليديةمو صوال إلى غاية دولة الموحدين ، ال من حيث األسس و ال من حيث المبادئ، عدة أشكالمؤسسة سياسية و اجتماعية تعمل على بمفهومها المعاصر الدولة إن .في األندلس

ا خاصة أروبإال أن تطور األحداث التي عرفتها .المواطن لحقوق اإلنسان ومحافظة الجعل مفهوم الدولة والتصورات الخاصة بها تتغير من حالة إلى أخرى ، والعالم عامة

جتماعية إلى فالدولة تعددت من الدولة الراعية إلى دولة ا . يبتأثير سياسي وإيديولوجعن أحداث تاريخية اتجانكان تعدد كل هذا ال .إلى دولة القانون ثم الدولة الوطنية

.وسياسية

إن مفهوم الدولة وفق النظرية القانونية تشكل مجموعة بشرية تحكمهم جملة من القـوانين بـل ، و هذا التفسير الوضعي للدولة ال يمثل حادثة تاريخية، التي يشرعها البشر بأنفسهم

غير المنظمة قانونا إلـى مـا لدولةألنه بهذا يتم االنتقال من ا .يمثل نشوءا تدريجيا لها ألن فكرة الدولة فكرة ، مختلف الدول باختالف طبيعتها و هذا االنتقال ينطبق على .يقابلها و هي الفكرة التي تبلـورت بعـد الثـورة . )3(ة عن اتفاق عام حر إلرادة الشعب ناتج

ة بـل تقـوم علـى جتماعية حـر االدولة ليست وحدة . الفرنسية و تشكل الدولة الوطنية و هذه العملية قد تندرج في شـكل مـن .بين القرار السياسي و االقتصادي التركيب ما و التـي عرفـت فـي شـكلين ، التوتاليتارية نظمة السياسية المتمثلة في الدولأشكال األ

و التي أخذت من ما هو اقتصادي و تحقيق الرفاهية هـدفا . تاريخيين النازية و البلشفية بعيدة عن تأسيس دولة القـانون ةمع بروز شخصيات كريزماتي، لتحقيق السيطرةسياسيا

اقتصادي بـدل مـن –فمن األفضل أن نعتبر هذا كنظام حكم سياسي . وفق مفهوم ويبر نوذي يثيـر اهتمـام الفالسـفة السياسـي إال أن ال. )4(قانونية مؤسسة الدولةالقول بأن

ن تقوم إال بوجود وعي تام باألهداف االجتماعيةأدولة ال يمكن هو أن ال، نوجتماعيو اال . دون أن تنظم سياسـيا و اقتصـاديا دولةال قومألنه من غير الممكن أن ت، يةو االقتصاد

فشرط الوعي ارتبط . التي تضمر الهيمنة و السيطرة التنظيمات ذا تعبير يخالف كلو ه

1 André Lalande :Vocabulaire technique et critique de la Philosophie .P.U.F, 1985 (P.304).

م1988 –ه 1408ريوت ،دار اللسان بريوتدار اجليل ب، الد التاين، لسان العرب قدم له العالمة الشيخ عبد اهللا العاليلي أعاد بناءه على احلرف األول من الكلمة ،يوسف خياط :إبن منظور 2 3 - Herbert Marcuse, Philosophie et révolution, Op.Cit, p 16. 4 - Alain Touraine, La société post-industruelle (Naissance d’une société) , Edition Denoel / Gonthier, 1969 , p 64 .

Page 202: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

190

ألن .ر الرقيب للسلطة من خالل الجمعيات االجتماعيـة بالمجتمع المدني الذي يقوم الدوو ، الدولة بصفة عامة تنظيم خاص يتمثل دورها في إنشاء بعض ما يقيم المجتمع و يمثله

و هذا ما يحـدد مهمتهـا . )1(ما يميزها عن الباقي على حسب درجة وعيهم و تفكيرهم

فكلما كان التنظـيم ، ادي للمجتمعو هذا ما يعكس التطور االجتماعي و االقتص، األساسيةو هذا ما عرف بالمجتمعات المحكمة التنظيم المحققة للعدالة، .محكما كان التطور أضمن

أين الكل يخضع للقانون كما ، و هل لمثل هذه الدولة وجود، و بالتالي دولة الحق و القانون ؟ )2(قال ويبر

: من المدينة إلى الدولة - 1 :مه للمدينة الدولةأرسطو و مفهو-أ-1

من حيث هي مضامين طبيعية عنـد ، بالمدينة و يرتبط المجتمع بالعائلةترتبط الدولة فليس من الغريب . و ال فرق بينهم ألنهم يقومن على جوهر واحد و هو الطبيعة ، اليونان

ألن المجتمع كان ديموغرافيا . أن نجد ضمن كتاب أرسطو للسياسة مثل هذه المضامين فهل لمثل هذا المجتمع قواعد يقوم ، و المدينة اعتبرت المكان الطبيعي للمجتمع، دامحدو

عليها ؟ و كيف نفهمه ؟ مما سبق ذكره أن أرسطو عرف اإلنسان بأنه حيوان سياسي و بالتالي يمكن إعادة صياغة التعريف ، أي المدينة" بوليس"و كلمة سياسي تعني ، بطبعه

ومنه يفهم كذلك أن العامل الطبيعي هو تلقائي عفوي غير ، بعهكاآلتي أن اإلنسان مدني بطو أن المدني هو حر بطبعه و أن الممارسة السياسية داخل ، قائم على الضغط و اإلكراه

أرسطو يقابل العامل الطبيعي المكون للمدينة بذلك الذي يكون . المدينة تكون ديمقراطية و عدد ، و عدد أكبر من يرأسهم رب العائلة، ألن عدد كبير من يرأسهم السيد، العائلة

و هذا يؤدي حتما أن تكون العائلة الكبرى على ، أكبر منهم أيضا يحكمهم الحاكم أو الملكفالحاجة ، و يستمر أرسطو في تبيان أن العملية تتم بالطبيعة). 3(اإلطالق مدينة صغري

بحيث من التناسل تأتي ، إلى التكاثر و هي خاصية موجودة في الحيوان كما في اإلنسانو ، و مجموع أفراد العائلة يكونون القرية، األوالد وأوالد األوالد و أكبرهم ينصب ملكا

و اجتماع عدة قرى شكلوا ، مجموع سكان القرية يكونون قد رضعوا من لبن العائلةوم و عليه كان موقف أرسطو من الحكم و من الدولة واضحا، فعلى ماذا يق). 4(الدولة

نظام الحكم، و كيف يسير ؟ :والدولة أساس الملك الطبيعة حددت-ب-1

، و منه يفهم )5(البيت ثم المرأة والثور الحارث: يقول فيه هزيودـليذكر أرسطو شعرا فهناك المرأة و العبد و هناك البيت والثور فكلهم ، الترتيب الطبقي الذي يحكم المدينة

هي التي و ضعت للمرأة مكانتها و للعبد مكانته و كلهم و الطبيعة. يشكلون أساس الملك فالعبد بخصائصه الجسمانية خلق لكي يقوم بتنفيذ . خلقوا لقيام بوظيفة محددة سلفا

1 - Jürgen Habermas, Théorie de l’Agir communicationnel, Tome 2, Op.Cit p 92-93.

2 Voire Max Weber , Le savant et le politique , traduit de l'allemand par Julien Freund, révisé par E.Fleisehmann et Eric de Dompierre, préface de Raymond Aron. Edition: Union Générale d'Edition.1963, p 126-127.

99: ص ، مصدر سبق ذآره، أرسطو، السياسة 3 101: ص ، المصدر نفسه 4 100: ص ، المصدر نفسه 5

Page 203: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

191

و الطبع هو . و بهذا تمتزج منفعة السيد و منفعة العبد ، األوامر، و السيد خلق لإلمرةفمن البداهة أن . و منه تتكون العائلة ، لالذي خلق خاصية الوالدة للمرأة و رعاية األطفا

فالطبع يدفع بغرائز الناس إلى االجتماع السياسي . تنظم الحياة البشرية كما تنظم الطبيعة فالذى تلقي عن . و يعي بمقتضي القوانين الطبيعية التي تلهمه معني الفضيلة و العدل

فالعدل ضرورة اجتماعية ألن ، الطبع األسلحة التي يواجه بها شهواته الخبيثة كان عادالفهو يتفق مع القول بالحق ). 1(الحق هو قاعدة االجتماع السياسي على حد تعبير أرسطو

ويضيف . الطبيعي الذي هو أساس الحقوق األساسية التي كانت مصدر حقوق اإلنسان ال البدن فامتث، كذلك أرسطو أن الحكم او الملك يقوم مقام النفس بالبدن أو العقل بالغرائز

و يعزي بذلك . و إذا ما كان العكس كان الشر ، للنفس و الغرائز للعقل صدر عن ذلك الذي هو أساس ، ألرسطو أنه بين الطريق لكي تصل الدولة من خالل الملك إلى العدلالتي تعرف تنظيم ، الوجود اإلنساني الذي يختلف به عن الكائنات الحيوانية األخرى

نفرد بهذه الخاصية عندما يدرك الخير و الشر، فهل لمثل هذا اإلدراك فاإلنسان ي. طبيعي نظير عند فالسفة اإلسالم ؟

:للمدينة الدولة من خالل الضروري في السياسة هومفهوم ابن رشد-1-2الذي ، ماو جعل من المدنية عل. يعزز ابن رشد الفكرة القائلة بان اإلنسان من طبعه مدني

و ، كالعلوم الطبيعية و الطبية و الرياضية و الفلكية، ال يختلف عن العلوم السائدةو تقوم على ، لديها من يستفيد منها، و كل هذه العلوم هي عملية. كذلك العلوم اإللهية

و تنقسم إلى قسمين قسم . و هي عنده صناعة كما هي عند أرسطو . منطق االستنباط ، و لما كان في الصناعة ما هو نظري و ما هو تطبيقي) . تطبيقي(سم عملينظري و ق

ففيما يتكون النظري و كيف يحول إلى . كذلك للعلم المدني ما هو نظري و ما هو تطبيقي أنه يشمل على العناصر ، العملي ؟ لعل ما هو نظري و كما عرفناه من قبل في األخالق

و عناصر الملكات خاصة التي عرفت ، ألفعالمن حيث هي مصدر ل، المكونة لإلرادةبينما العملي . و كل المعاني التي تجري مجري العادة . بملكات العقل كالفهم و اإلدراك

فيختزله ابن رشد في الكيفية التي تلقن بها العادات و القدرات اإلدراكية و الفهم، و هي و ما هو ، ل بما هو نظريو القو. من خصائص التعليم الذي استدعي لإلشراف عليه

بين ما هو أخالقي و ما هو سياسي ، ال يختلف عما هو عند أرسطو، عملي عند ابن رشد، و لمباشرة القسمين يستدعي ابن رشد في القسم األول. فاألول نظري و الثاني عملي .

ن و هو بذلك ينحي نحو أرسطو، أل. و في القسم الثاني الصناعة ، مفهوم الكمال اإلنسانيفإذا كان هذا التقسيم ) . 2(و هي نظرية و عملية و أخالقية ، القصد بالكمال الفضيلة فهل يقول هو كذلك بأن اإلنسان مدني بطبعه ؟ ، مشابه لما قام به أرسطو

و البحث ، مثله مثل الحيوانات كالتغذية و التناسل، لعل القول بان اإلنسان يشبع حاجياته. و التي هي طبيعية ، و كلها من منبع الغريزة، فاع عن النفسعن مسكن والحماية و الد

. و ما هو حاجة ،و ما هو كمالي ، إلى ما هو ضروري، إال أن عندما يصنفها ابن رشدو ما هو ، فما خص به بالضروري ما يتوقف عليه و جوده، فهنا األمر يستدعي التوقف

103: ص ، المصدر نفسه 1 نقله عن العبرية إلى العربية الدآتور أحمد شحالن مع مقدمة لمحمد عابد الجابري المشرف على المشروع ، الضروري في السياسة، ابن رشد

74: ص ، 1998الطبعة األولي ، بيروت - مرآز دراسات الوحدة العربية ، رشدالخاص بمؤلفات ابن 2

Page 204: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

192

و إذا لم يقم بها لم ، ن زادته نفعاإذا قام بها اإلنسا، حاجة هو كل ما زاد عن الضرورةبينما ما هو كمالي او تحسيني و هو يخص بالجماليات كالذي أتقن صناعة و ، تفقده وجودهو هو بذلك ال يخالف مبدأ القائل بالضرورة في الفقه اإلسالمي خاصة ). 1(تفنن فيها

. لشرع و هنا نلتمس مدى حرصه على التوفيق بين الفلسفة و ا، الضروريات الخمسحتى يتقن ، وكذلك ال يختلف مع القول الذي يري عدم تعلم اإلنسان أكثر من صناعة

و التي قال فيها انه يجب أن تكون ، بينما الكماالت و التي قصد بها الفضيلة. و يبدع هذا بغية أن تكتمل الفضائل . و غير محصورة في شخص واحد ، متفرقة بالمجتمع

و مجموعها تكون الفضيلة العامة، ، لكل صناعة فضيلة خاصة .للحصول على الفضيلةفهل ابن شرد يؤكد نفس التصور الذي وجدناه عند أرسطو، ، )المدنية(و التي هي السياسة

أو بتعبير آخر هل هناك عالقة بين ، أن المدينة عندما تنسجم عناصرها حققت الخير الفضيلة و المدينة ؟

:و أساس الحكم المدينة و الفضيلة-أ-1-2كأننا نقرأ ما قاله . أن ابن رشد جعل حال المدينة من حال النفس ، مما يجدر اإلشارة إليه

فهل الحكم أو الملك عند ابن رشد يأخذ . أرسطو عندما قال بالجسم و خضوعه للنفس نفس المواصفات التي شهدناها عند أرسطو؟ مما أشار إليه ابن رشد أن النفس تجري

و أجزاؤه محكومة بقوى نفسية تجعل من اإلنسان حكيما بجزئه الناطق أي النفس ، بالبدنفاإلنسان يتحرك بالمقدار الذي يقدره . و هناك النفس الغاضبة والنفس الشهوانية . الناطقة

و المستعمل بما تمليه الحكمة و ، العقل، و يكون شجاعا بالجزء الغضبى من النفسو تكون من . الفضائل تحت إمرة فضيلة واحدة و هي الحكمة و تكون جملة. العقل

و ما هو منسوب إلى أجزائها كالعدل . الفضائل ما هو منسوب إلى المدينة كالحكمة ، فإذا سئل عن الشجاعة )المساواة و اإلنصاف و االستحقاق كما هو موضح عند أرسطو(

). 2(حقة بالنفس و بجزئها الغضبىو هي صفة مل، قيل أنها تتوسط بين التهور و الجبنأليس لهذا القول صلة بالتوسط و االعتدال الذي قال به أرسطو ؟ مع القول بأن الفضائل

ففي من تتجسد ، و التي ترتبط بالحكمة، و تجتمع في النفس الواحدة، ترتبط بأجزاء النفس الحال عند أرسطو؟الحكمة ؟ و من هو الحاكم ؟ هل هو الملك رب العائلة الكبيرة كما هو

:أو حاكم المدينة يجب أن يكون فيلسوفا الرئيس-ب-1-2

خاصة ، و نجده عند أفالطون في جمهوريته، مثل هذا القول و الذي نقرأه عند ابن رشدو أن الفيلسوف ، )πόλις()3(في من يحافظ على صحة المدينة غلوكونعندما يخاطب

و هي ذاتها عند ، )Esculape(إسكيالب الطب الطبيب يستلهم الوصفات العالجية من إله. بحيث نسجل له أن على الفيلسوف تعلم طريقة البرهان، أرسطو على حد تعبير ابن رشد

و يخص بذلك الخاصة التي تقول بالبرهان، بينما طريقة الخطابة و يخص بها العامة أو صناعتين و لكلتيهما ومنه يدرك أن للفيلسوف الحاكم ؛ الذي يترأس المدينة ؛. الجمهور

75: ص ، المصدر نفسه 1 78- 76: ص ص ، المصدر نفسه 2

3 Platon - République, livre : IV - VII - Tome VII : 459 , b.c.d, Traduction :Emile Chambéry , les belles lettres,1996.

Page 205: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

193

بمعني أن يتحصل على العلم العملي المدعم . و المجتمعة في شخص الملك ، فضيلةو الملك صناعة تخص رئيس المدينة . التي بها يدرك الفضل في سياسة المدن ، بالفضيلة

فهل للفالسفة الحكام خصال يمتازون بها عن غيرهم؟ أو أن . الذي اكتملت فيه الشروط تجعلهم مستعدين لتحصيل العلوم ؟ منها ما هو مرتبط ، خصال موجودة بالفطرة تكون لهم

وأن يكون محبا ، و شامال لجميع العلوم، و أن يكون الحاكم عاشقا للعلم، بالقوة الحافظةفالحكمة ال تجتمع مع ، و غير محب للمال، و يكون معرضا عن الذات الحسية، للصدقو هي من الفضائل التي يجب أن تكون فيه ، إلى العدلو ميل ، و أن يكون شجاعا، المال

والفيلسوف الملك و ). 1(و أن يكون خطيبا فصيح اللسان، بالطبيعة و النابعة من اإليمانفهل القول بالملك هو نفسه ، هو كذلك اإلمام و هو في اللسان العربي من يؤتمن في أفعاله

بالشرع ؟ لعل ما أشار إليه ابن رشد القول باإلمامة ؟ و هل يقتضي على الملك المعرفةألن صفة فقيه و صفة . و هذا ال يعني أن يكون فقيها ، كذلك أن يكتسب صناعة الفقه

و معني اإلمام هو ما كان موضع نقاش عند غيره في ، مجاهد ال تجتمعان في رجل واحدمي ؟ فهل لهذه المسألة وقعا على الفكر العربي اإلسال، مسألة اإلمامة و الخالفة

:الدولة وطبيعة الملك من خالل العلم المدني ..ابن خلدون – 1-3إي جاء ، و المشكل بمقتضي الحاجة، يعتبر ابن خلدون الدولة مرتبطة بالعمران البشري

في القول بأن طبيعة اإلنسان ، وهو ال يختلف مع كل أرسطو و ابن رشد. بفعل اإلشباع كأن القول بالعنصر الطبيعي أصبح . تميل إلى االجتماع و تكوين العمران إي المجتمع

فعند القول بالتعاون و السلطة الناتجتين عن حاجة األمن و الدفاع عـن . أمرا بديهيا و . كما يشير إلى ذلك دوركايم ، و ال تستمر حياة البشر إال بالتعاون أو بالتضامن، النفس

و أسست التيار الوظيفي في علم االجتماع ،خاصة عند تالكوت ، استلهمتالفكرة ذاتها المعتمدة من قبل هبرماس في تحديده لمفهوم التواصل، ، مؤسس لنظرية األنساق. زبريسون

و الدفاع ، كون السلطة من الحاجة إلى األمن. و نظرية الحق كما رأينا ذلك من قبل ، ه ال يمكن أن يكون هناك مجتمع بدون حاكمان، كـذلك يـري ابن خلدون، عن النفس

و يشير كذلك ابن خلدون ). 2(فهذا الوازع يجب أن يوجه إلى أحدهم لديه الغلبة و السلطانفعلى . و يميزها بين البدو و الحضر ، كأساس لبناء العالقات االجتماعية، إلى التعاون

بدو و الحضر له أساس سياسي من تتأسس الدولة أو الملك ؟ و هل التصنيف الخلدوني للفي تكوين الدولة ؟ و إذا كان األمر كذلك ما هي حدود تدخل البدو في تأسيس او تسيير

و هل السياسة وظيفة بدوية أو حضرية ؟، الدولة :البداوة أصل العصبية و الدولة-أ-1-3بيعي و يعتبرها مصدر االنتحال للمعاش الط، يشير ابن خلدون أن أول الدولة البدو

و هي ، عن طريق الرعي و الفالحة، على سد الحاجات الضرورية، المستند أساساو هم المنتحلون للمعاش . البدو و النمط المعيشي ألهل، مصادر العيش الضرورية

من األقوات و الملبس و المسكن و األحوال و ، الطبيعي و المقتصرون على الضرورياتالقائم ، أن أهل البدو يتشكلون من البربر و العجم، لكو يجدر اإلشارة هنا كذ. العوائد

و البدو بالنسبة البن . و من الشاوية القائم معاشهم على الرعي ، معاشهم على الفالحة

1 138- 135: ص ص ، مصدر سبق ذآره، ري في السياسةالضرو، ابن رشد 131:ص ، مصدر سبق ذآره، المقدمة، ابن خلدون 2

Page 206: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

194

و . و بعدهم عن عوائد السوء، و أقرب إليه بفطرتهم الصافية، خلدون مصدر الخيرو من بؤس و شجاعة و هم بذلك ، سو الثقة في النف، يميزهم كذلك بالمحافظة على النسب

و هل البداوة هي كذلك مصدر ). 1(أشد صالبة من أهل الحضر و طيبة و استجابة للحقو التي هي حالة نفسية و ، العصبية و أساس الرئاسة ؟ كون العصبية ضرورية عند البدو

ئمة و هي قا، تظهر كسمات تتسم بها جماعة من البشر في حالة البداوة، ذهنية طبيعيةغير أنها تتعدي . و هي في األصل مرتبطة بالنسب و العائلة ، على صلة الدم و القرابة

). 2(و اللحمة في الوالء و التحالف، ذلك إلى خاصية أخري أكثر تدعيما للعصبيةوتكون بداية ، و هي الروح الجماعية التلقائية، تقوم الدولة عند ابن خلدون على العصبية

مما اعتبرت العصبية ، فغاية العصبية الوصول إلى الملك. لتكون الدولة الحركة التاريخية و عليه . و أي دعوة غفلت عن هذا الجانب كان مصيرها الهالك، أساس الدعوة إلى ذلك

لتغير ، و هي خاضعة لعملية التطور، كانت العصبية فترة االلتحام و التفاني و التضحية، فإذا كانت في البداية تطلب الملك أي الرئاسة. من جو البداوة و تتحول إلى الحضارة

و هذا ما ، مما يجعلها تتحول إلى حضارة. فبعد الحصول عليه تطلب التفنن و االستقرار كما ينمو و يتطور اإلنسان مما يدل على ، يوحي أن الدولة عند ابن خلدون تنمو و تتطور

صبية ؟ و هل فناء الدولة مرتبط و هل فناء الدولة بفناء الع. أن مصير الدولة الفناء بعنصر آخر غير العصبية ؟

عرفت كما ، حدد ابن خلدون عمر الدولة بخمس :مراحل تطور الدولة و فنائها-ب-1-3 :يلـي

و يبقي صاحب الدولة أسوة قومه في اكتساب ، البغيةو خصه بالظفر على : الطور األول-مما يزيد من . ي الملك دون غيرهم المجد ،و جمع الجباية ،و مشاركة أهل العصبية ف

و في هذا الشأن يتكون في أذهان النخبة من العصب ؛ حلما وفلسفة ، لحمة الملك و قوته .و يعملون على تحقيقها بعد الظفر ، قائمة على قيم روحية يؤمنون بها

.ميقوم على االستبداد و فيه يستبد صاحب الدولة على قومه و ينفرد بالحك: الطور الثاني-و يقوم بعملية بناء ، و فيه يتفرغ الملك إلى جمع الثمرات و الجباية: الطور الثالث-

.الدولة وتشييد معالمها مع تدعيم حاشيته .وفيه يميل الملك إلى المسالمة و االقتناع بما حققه السلف فيتبع آثارهم : الطور الرابع-. لميل إلى الترف و التبذير مع اإلسرافبداية فناء الملك و الدولة عند ا :الطور الخامس -

مما يرهق كاهل الرعية و يتالشي . بوضع صيغ جديدة لها ، مما يلزم الزيادة في الجبايةإال باالستئصال و . و تصاب الدولة بمرض مزمن ال دواء له ، و تتالشي الدولة، العصب

ر الثالث هو إذا كان الطو). 3(تكون عصب جديد يصبح الغالب و تتكون دولة أخرى و مادامت الدولة قائمة على العصب الذي يميل بالطبيعة إلى التطور، ، االستقرار مع البناء

فهل هذا يعني أن غاية البدو التحضر ؟ و إذا كان األمر . من خالل حركية حضارية فما التحضر و ما عالقته بالملك ؟، كذلك

:الملك أساس بناء الحضارة-ج-1-3

100- 99:ص ، المصدر نفسه 1 108: ص ، المصدر نفسه 2

136- 134: بتصرف، ص ص، المصدر نفسه 3

Page 207: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

195

فها ابن خلدون التفنن في الترف و إحكام الصنائع و المالبس و الحضارة كما يعر فشرط ، و هي حالة استقرار الملك، المطابخ و المباني و كذلك األفرشة و الفنون و العلوم

فالبدو بعد اتساع أحوال معاشهم بتغلبهم على الحضر، دعاهم . التحضر االستقرار و السلم و توسيع البيوت و اختطاط األمصار ، يهاو الدعة و التأنق ف، ذلك إلى السكون

بينما عند الزيادة تفسد األخالق بالميل . هذه من األمور التي تلي االستقرار ). 1(للتحضرو ، مع كون الدولة مقرها ملكها المدينة و مركز الحضر. إلى الترف و اإلسراف

التي تختلف فيها عن البدو ، ريةالمتميزة بعوائدها و نشاطاتها الصناعية و الحرفية و التجاطبيعة سلوكية حضرية تميل إلى التحايل و مفسدة ، مما يجعلنا نميز بين طبيعتين.

فالتحول من البداوة إلى التحضر . و طبيعة بدوية تميل إلى األخالق و الصدق ، األخالقي و زادت رغبتهم ف، فتقاعست حضارتهم بسراب حلمهم، استمر حتى غير من طبائعهم

و ، مما تتالشي العصبية، و الذي اعتبر عند ابن خلدون أساس انحالل الملك. الترف فكلما . و بالتالي إذا توفرت أسباب الهدم حدث األمر بسرعة. هي عملية أسرع من البناء إذا ما أسست ، فهل هذا يصبح ممكنا. زيد في عمر الدولة ، تم االبتعاد عن أسباب الفناء

مؤسسات تتكفل بدراسة أحوال الملك و العمران و اكتشاف مسببات الفناء و استراتيجة ،و االبتعاد عنها ؟

II - الدولة و أشكالها:

(يرجع إلى لفظ قومية بالفرنسية، وطنية أو القوميةإن نشوء الدولة ال: الدولة الوطنية -1Nation( صول رومانيةو هي ذات أ، المشتقة بدورها من الالتينية ) Natio

القوميات هـي مجتمعـات ، فعل حسب االستعمال الكالسيكي، )…(و هي إلهة الوالدة ) و كـان .لنبالء إلى دولة الشعبكان نتيجة تحول دولة ا عليالفإال أن نشوءها . )2(أصلية

ن و أ .عبنتيجة ظروف اقتصادية جعلت الملك يتنازل عن بعض من نبله وسلطته إلى الشبدل ، على أساس التضامن وطنيينهو توحيد ال، لدولة القوميةالنجاح التاريخي الذي حققته ا

تماسكا بفعل فالمجتمع أصبح م. االجتماعية ما كان قائما على صلة الدم التي تحدد الروابطو الذي تطور بداية من فكرة ،هذا التصور يعود أصوله إلى روسو .المواطنة و التضامن

و عن طريق االتفاق يتم التوحد بفعـل ، أي على كل فرد أن يعين ذاته، لتعيين الذاتياال ترهق كل ، إن العقالنية التي تنشأ عن هذا االتفاق. اإلرادة الجماعية التي تحقق الوحدة

ألنها البد أن تحسب كل التموجات التي ترتبط بها مـع .الرموز السياسية للدولة القومية الذي تمتلكـه ، التي تستلهم و تريد أن تعترف بفرديتها و تتصور زمنها. وح الوطنية الر

و هـذا ، إن القومية تنجب عند الكل الشعور بانتمـائهم لـه . )3(على أنها وحدة قوميتها

التي يختلف معها فـي . و ال يقبل الذوبان عند شعوب أخرى ، الشعور ال يقبل التجزيء

136: ص، المصدر نفسه 1

2 - Jürgen Habermas, L’intégration républicaine, Op.Cit, p 72. 3 - Simone Goyard-Fabre, Elément de philosophie politique, Op.Cit, p 129-130.

Page 208: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

196

ن موجودا في القومية األلمانية التي من خاصـيتها أن لهـا روح هذا ما كا. هذا الشعور . )1(و من خاللها يمكن أن نسميها بالروح القومية ، تميزها عن باقي الشعوب األخرى

:الدولة االجتماعية -2 ألنه في تغييب العمل، الدولة االجتماعية تقوم على تحرير اإلنسان من قيود العمل المغيب

من فالهيمنة والطاعة ليست . سه بطريقة غير مباشرة عبدا في خدمة سيدهيجد العامل نف، بل على األحرى هي تعيين يتم بصفة عامة ،مطبقة على أشكال التواصلالمصطلحات ال

الدور ف .)2(و الحالة االجتماعية للحقيقة اإلنسانية ضمن العالقة التي يحتلها العمل المغيبلحماية تدخلت أن، و كذا الجتماعيةفي الحياة االقتصادية الذي تلعبه الدولة االجتماعية

من خالل حركة ، بالتوزيع العادل للتعويضات مع ضمان االستقرار االقتصادي، العمالأن ها كذلك جبوا و من. تعمل على توجيه العملمع خلق هيئات ، األموال في البنوك

مستمرة لتحسين الظروف ة المطالبمع ال، المجتمع تضمن وتتدخل في شروط استقرارهذه التصحيحات هي مثل ، الوطنيةلرأسمالية ل المستمرة ميةنتال من خالل، االجتماعية

. )3(القادرة أن تقوم بوظيفة الحد و التقليل من الصراع الطبقي :دولة القانون– 3

وع ألن مجم) .Citoyen (والمرتبطة بدورها بالمدني، تبطت بالسيادةالدولة مع بدايتها ارفالمعنى الحقيقي الذي توهم فهمه بعض المفكرين ، )Cité(يكونون المدينة المدنيين

و هي الفكرة . لة بالتالي الدو و، هي المدينة Ville)( الفرنسيين عندما اعتبروا المدينةالبرجوازي، ووثم الخلط كذلك مابين المدني . ذاتها التي نجدها على التقريب عند اليونان

، )Ville()4(المدينة انكون القانون والبرجوازي يكون . يكون الدولة قع المدنيألن في الوا ، تأخذ مفهوم الجمهورية أن المدينةروسو في كتابه العقد االجتماعي ومثل ما أشار إليه. أن الكل يخضع للقوانين و، ي الذي يتم تسمية أعضائه بالدولةأو الجسم السياس

عام أو مشاع بين الناس، وتعني كل ما ه؛ ا الالتينية في داللته) Res-Publica(فكلمةبهذا و.مشكلة من مجموع المواطنين الذين يشاركون في السيادة ةفالجمهورية أو الدول

علىلم يبقي بينما مفهوم المدني. المشاركة في السيادة في أن المدنية هي نتفق مع روسوهو مبدأ و،بح يشار إليه بالتعيين الذاتي حيث أص، تبدل أحوال الدولة بل تبدل مع ، حاله، على حسب لغة القضاة هو مرتبط بالجنسية و؛ الذي ارتبط بالحق . األصل يسورو

communauté des(ة تسوي انتماء األشخاص إلى مجمع المدنيينألن هذه األخيرcitoyens( ،كون وجودهم معرف به ضمن القانون الدولي)صبح أ فالقانون بهذا المعنى. )5

.مع المدنيانظمامه إلى المج و، واالعتراف به الضامن األساسي لحقوق المدني :الدولة والقانون -أ-3

1 - Ibid, p 138. 2 - Herbert Marcuse, Philosophie et révolution , Op.Cit ,p 104-105 . 3 - Jürgen Habermas, Théorie de l’Agir communicationnel, Tome 2, Op.Cit , pp : 382-383. (Voir aussi Ecrit politique, p :45). 4 -Diego Quoglioni.« Les citoyens envers l’Etat » in.L’individu dans la théorie politique est dans la pratique.

sous la direction de Janet Coleman.P.U.F.1ére édition 1996 , p : 311-312 5 Habermas(Jürgen) L’intégration républicaine. Op.cit. .p : 72-73

Page 209: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

197

يمكن أن نتصور يمكن أن نقول أنه ال. بالدولة وهو أساسها كون القانون يربط المدني بالتالي كل و، فدولة القانون في هذا السياق هي متضمنة في الدولة، دولة بدون قانون

في األصل و على ؟ ؟ وأي قانون تعريف للدولة يشير إلى دولة القانون لكن أي دولةو . الدولة ما هي إال مجوع متعدد من الرجال تحت لواء القانون ، حسب نظرية الحق

أو كمنظومة قانونية تتجسد ، بل وجودها قبلي كفكرة عقلية، الدولة ليست حادث تاريخيو ، )1(إرادي ناتج عن اتفاق جماعي نابع من إرادة جماعية للشعببفعل اتحاد ، في الواقع

فالقانون .بالقانون أو بالحق) Droit(بين ترجمة كلمة ما يقع التباس ما غالباعليه كان و هي )Lex(مشتقة من كلمة) Loi(كلمة عندما نعود به إلى األصل اللغوي الالتيني نجد

وبالتالي . بمعنى الربط ما بين شيئين أو أكثر، )Lier(وهي بدورها آتية من فعل، التينيةبينما معنى .الشرعية للحاكم في ممارسة سلطته الربط بين الحاكم والمحكوم وهذا ما يقدم

مما هو الطبيعي إلى ما هوتطور مفهوم الحق و. فهو ما نطالب به اآلخرين إياه ؛ الحق بط الدولة بالعدالة فهنا ترت. ى القانون بمقتضو ، من الدولة الضامن له عالاج، االجتماعيي لديه حق في المطالبة الدولة نألن المد. الدولة الوصية و تصبح بذلك، االجتماعية

و . و المستمدة من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان و المواطنة، حقوقه األساسية نامبض بط الدولةانون هنا يرالق. منه تستخلص القوانين التي تقوم عليها الحكومات و سلطاتها

حق في مطالبة اللديه ألن المدني. االجتماعية بالعدالة المجسدة في الحكومةهذا ما كانت تطالب به الدولة و. بضمان حاجياته الضرورية ) الحكومة(الدولة

أنه بعد الحرب سماهبر فمثلما يشير. أو على أقل تقدير الدولة الحامية ، االجتماعيةوأن . تحقيق الدولة االجتماعية ت كل األحزاب لهدفلدول الغربية نية وداخل االعالمية الثافأخذت بذلك كل قدراتها ، تتغذى من طوباوية خاصة بمجتمع العمل التي طرحهاالفرضية

و هل نفهم من ذلك أن الدولة .)2(على فتح إمكانيات مستقلة لحياة أفضل وبتهديدات أقلدولة االجتماعية ما هي إال شكل من أشكالها المتعددة ؟ و و أن ال، في األصل هي قانونيةجتمع مشرعيتها القانونية ؟ عندما جعلت فقدت الدولة االجتماعية أليس من هذا األساس

اهل مصيرها و ترك أصحاب األموال في ثراء مستمر؟جبت، العمل يسير نحو الليبرالية : ةواللبرالي دولة القانون -ب -3عندما ترتكز على عنصرين أساسيين ، )paradigme(دولة القانون تظهر كانمودج

خاصة مع نهاية هيمنة الدراسات ، عودة مفهوم الفرد كعنصر أساسي في اللبرالية: وهماالفردنة والخاص إذ أصبح يطرح مفهوم الفرد و، الماركسية على العلوم االجتماعية

العاملين فعلى .يحمل الخصائص الشمولية في ذاته ) الفرد(خاص وان ال .الشمولي . قق الصلة مابين الفرد واللبراليةأن يفكروا في إيجاد تصور يح، بالتشريع وفلسفة القانون

وتسمح ،حيث تكون الداللة كذلك عند قدرتها، ألنها مدعومة بتصور ذو داللة محدودةا ما يسميه آخرون وهذ). 3( مخنوق بطوق دائم الوجود نللمجتمع المدني أن ال يكو

ه فهذ. النتائج أحسن مأي الدولة التي تساعد المجتمع عندما ال يقد، بالدولة المساعدة

1 Marcuse (Herbert), Philosophie et révolution, Op.cit. , p :16 2Habermas(Jürgen). Ecrits politiques .op.cit.(P111) 3 Miaile (Michel).l’Etat de droit comme paradigme, in. L’Etat de droit dans le monde arabe. sous la direction de Mahiou(Ahmed). C.N.R.S édition 199,p : 38

Page 210: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

198

لشرق االشتراكي والغرب با) الكافلة( الوضعية جاءت نتيجة فشل الدولة الراعيةاحترام وتقوم على ، تقوم على اعتبارات قانونية بل أخالقية فالدولة المساعدة ال. الرأسمالي

المساعدة بهذا التصور تشكل فالدولة .التي تنمو داخل المجتمع المدني ، الحرية الفرديةأما ما .التي عرفت عند البالشفة والفاشية والنازية،لدولة التوتاليتارية نقيض ألطروحة ا

كل و ، مرتبطة بشكل أساسي بالديمقراطية ، فهيالعنصر الثاني أي الفردانية صيخ. وحقوقه ءات الممكنة التي تساعد المواطن على احترام القانون والدفاع عن حريتهاإلجرا

يناقش معه عمل و، بإمكان الفرد المواطن أن يذهب إلي القاضي اإلداري هبمعنى أنيتناقض مع يلمالقاضي دستوري ويناقش معه قانون برأو يذهب إلي ، إداري غير شرعي

ولة فهو ليس ضدها بل المواطن عنصر أساسي في الد بالتالي يكون الفرد و. الدستور و هل يمكن جعل مثل هذه الصيغة فرضية يبحث فيها عن إمكانية تحققها ؟ .يكون أمامها

:الفرد المدني أمام الدولة -ج-3حول نظرية المناقشة ، سمانستعين بالتصورات التي قدمها هبرلكي تتحقق هده الفرضية التواصل القادر على متضمنة في نظرية المناقشة .تي وضحت سابقا و ال، الديمقراطية و

ن التواصل قائم على عقالنية ذات سياق يمكن من إعادة بناء أل، تأسيس دولة القانونساس سوف ا األومن هذ .ونقوم بتعديل القانون واألخالق من خالل المناقشة ، المجتمع

). 1(التواصل قانون تقوم على أشكال ن دولة العلى أ، سمانربط فرضيتنا بفرضية هبرذا ما اعتبرنا فإ. توسطه رموز شفهية أو غير شفهية تالذي ، بيذاتي المعناه التفاعل و في

وجيه ا يكون متبادل بحيث يكون هناك تمفاالتصال بينه، ذات أخرى لدولة ذات و المدنيافضمن دولة .التواصل الذي عبر عن قدرته في ، الفرد و توجيه من المدني، من الدولة

ال ، سيادة الشعبو المعتمدة على مبدأ . القانون المصاغة داخل حدود نظرية المناقشة بل تنسحب ضمن دورات ، حققوا استقالليتهم في برلمان معرف من قبل مدنيين ختستنس

التي أسستها أخالق المناقشة سواء ، ضمن الديمقراطيةتواصلية أي داخل مجادالت عامة لعل ما يعترض . و التي هي عملية تواصلية في األساس ، مداوالتية أو تشاركيةكانت

ة ـالسلطبذلك معرف تصبح ضمن شكل تواصلي غير ، عليه عندما تقام المجادالت، تتشكل )2(عندما ترتبط سلطة اإلدارة بإرادة المدني بأشكال اتصالية واضحة و، مائعة

القائمة على الحقوق ترط وجود الديمقراطيةتشالتي ، دولة القانونضمن هذه الحالة .األساسية و المترجمة في السيادة الشعبية

: ي لدولة القانونبناء النظام القانوننظرية المناقشة و -د-3ات ذات إرادة قادرة على لكونهم لديهم ذو، القانون في األصل اعتراف بالحرية لكل إنسان

وهي حقوق طبيعية ، ر خاص بالحقوق الذاتيةنضعه ضمن تصو اهذا ما يجعلن. االختياريزة حب البقاء كحق العيش وحق الملكية اللذين تنميانهما غر، تعمل القوانين على ضمانها

ع هذه الحقوق فداخل القضاء توض، فالحقوق الطبيعية حقوق ذاتية .وغريزة حب التملك طة بالحق، فهي تتمثل في الذاتية خاصة تلك المرتب ةاالستقالليأما . تحت حماية القانون

لهذا و. و هي عملية تندرج ضمن القانون المدني ، امتالك العقارحرية إبرام العقود عند

1

Habermas(Jürgen) : Droit et démocratie .Op.cit. ,p :19 2 Ibid ,p154

Page 211: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

199

التي منفعةبالالحق الذاتي ) Hans Kelsen" (هانس كلسن"و إسنادا لـ سمايعرف هبرلتالي با و .الذي هو عند األلمان وضعي قابل للتجدد). 1(تضمن من قبل الحق الموضوعي

للمحافظة على المصلحة ،موضوع تفاهم ناتج عن اتفاق جماعي، يكون الحق الموضوعيو هوبز من نعود إلى طروحات كل من روسو ايجعلن مما. وفق المعطيات اآلنية الذاتية

فالعقد االجتماعي . القائم على مبدأ االعتراف بالحق، خالل تصورهم للعقد االجتماعي، عندما يربط تكون اإلرادة السياسية للمشرع، ن سيادة مبدأ الحقيمكن م بالنسبة لروسو

يسمح كذلك بتكون الحريات الفردية المتساوية ما م.ضمن شروط اإلجراءات الديمقراطية فالديمقراطية المتجسدة تمكن من وجود اإلرادة السياسية . ادة الشعبية ـمبدأ السيمع

.ادة الشعبية وتشريع القوانين القائمة على مبدأ السيمن مبدأ ، يستخلص المبدأ الشامل للحق" روسو"و " زبهو"بينما كانط و على خالف

فضمن مقدمته لميتافيزيقا األخالق . لنظام األخالقي بالنظام القانوني فهو يربط ا. أخالقي ه فهذ، التمييز ما بين النظرية القانونية والنظرية األخالقية: التالية تيقوم باإلجراءا

، الواجب الفعل والمحفز، اإلرادة والحكم األخيرة تقدم التصورات األولية المتمثلة فيكلها مفاهيم تسمح بالتعرف بالحكم والفعل ضمن أبعادهم و، القانون والتشريع، االنصياعو

بينما النظرية القانونية تضع حدا لهذه التصورات األساسية لألخالق أي أن . األخالقية فالقانون على حسب كانط ال يتعامل مع اإلرادة . حدود للفعل األخالقي القانون يضع

وفق العالقات الخارجية معه يتعامل و، من خالل من قاموا بتعيينه، الحرة بينما مع الحاكمفمن خالل .كراه عندما يتعدى واحد على األخرمجهزا بميزة اإلالحاكم و هو يتدخل و .

. الذي يتم بالداخل ،حديد الفعل األخالقي بإجراءات هذا األخيريتم ت،هذه المميزات الثالثة و هل يتم ذلك وفق ؟ فكيف يمكن لهذه األخالق أن توجه القانون. بينما األول يتم بالخارج

المبدأ المطلق الموجه باإلرادة الحرة ؟ و هل الحاكم بهذا التصور يمارس سلطته وفق القيم الحرة ؟ األخالقية النابعة من اإلرادة

ة قواعد أخالقي فيها يضعو التي ، من خالل أخالق المناقشة سماهبر هعلى ضوء ما يقدموالثاني ، األول متمثل في الواقعية، و المدعمة بمبدأين أساسيين، قائمة على نظرية اإلقناعغير ليجعل القيم ، من هذه الزاوية قد صيغمبدأ األخالقي الف، متمثل في طلب الصحة

عندئذ يتدخل مبدأ الجسر المعرف . ص المعنية ملغية قادرة على االلتقاء مع كل األشخاالليحدد القيم المقبولة المعرفة بأنها صحيحة ، بالتواصل عند هبرماس بمضمونه االتفاقي

ضمن متالجسر الذي نحن بحاجة إليه فهذا مبدأ. اإلرادة العامة ير عنبكتع و، وشموليةالتي تصبح شمولية ). 2(نطق إقناعي يحدد القيم األخالقيةم ضمن أي، نظرية اإلقناعفي

.و المحددة معالمه من اإلرادة الحرة ، وفق المبدأ الشمولي المتعالي الموجه بالمبدأ المطلقهذا األخير ومن خالل . شموليمبدأ األخالقي يطلب المبدأ اليمكن القول أن وبالتالي

بحيث تصبح مشتركة عند الجميع وتحقق ، خالقيةالمناقشة حول كيفية قبول قيمة أالمتعالية ر المطلق الكانطي إلى البراغماتيةهنا نكون قد تحولنا من األم .المصلحة

1 Ibid,p:101 2 Habermas(Jürgen) ,Moral et communication , Op.cit, p :.84

Page 212: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

200

ومن )1"(ماذا يمكنني أن أفعل ؟"إلى " ؟ أن أفعل عليماذا "وبالتالي يتحول السؤال من .ضوعية خالل العملية اإلقناعية يتحول الفعل من الذاتية إلى المو

هل يمكن بناء القانون مثلما يتم بناء القيم األخالقية ؟-. مليا فهو عملي مثله مثل األخالق بل ع، بدايتا نقول بأن القانون ليس نظاما رمزيا

ولكي تتم ، تقوم على مبدأين الواقعية والصحة و، وبالتالي عملية التشريع تخضع للمناقشةبحيث تتمكن النظرية اإلقناعية من توجيه القضايا . ية هذه العملية تشترط مبدأ الديمقراط

والوسيط الذي كان من القبل متمثال في .نشاط تواصلي قائم على المناقشة السياسية إلىونقصد بالوسيط هنا المبدأ ، يحول ما هو فردي إلى ما هو شمولي، جسر أخالقي

بمستوى قشة إلى محل تطبيقتحويل القوانين من محل المناالديمقراطي الذي ساعد على أين ، من تكوين الرأي العام واإلرادةيتمكنون ، المشاركين في المناقشةأين نجد ، مؤسساتي

و تحدد سياسته الموجهة ، التي من شأنها أن تنظم المجتمع، يسمح لهم بتشريع القوانينطي تحديد ألن مهام مبدأ الديمقرا.للنشاط االقتصادي و االجتماعي و المحقق للعدالة

حتى يكون النشاط التواصلي ، )2(تأسيس الوسيط قضائيكذلك و، اإلجراءات القانونيةإذ ، هذا ما ال يتعارض مع الئحة المتضمنة لحقوق اإلنسان .القائم على المناقشة قانونيا

و، اإلرادة العامةأن القانون تعبير على ، من حقوق اإلنسان VIنجد في مضمون المادة أو بواسطة ممثليهم في اإلجراءات ، طنين لهم الحق في المشاركة الشخصيةكل الموا .)3(المكونة له

:دولة القانون و القضاء -ه-3تها يعلو على هرم سلط، يمكن القول بأن دولة القانون مؤسسة قضائية قعلى ضوء ما سب

ان المدنيون إال إذا ك، يكون شرعي فالنظام القضائي ال. قاضي يسهر على تطبيق القانون خالل المداوالت التي تقوم ويكون هذا من ، ن في تطوير وترقية القوانينأعضاء فاعلي

و، جهاتالأي تنظيم جلسات نقاشية في كل . شة القوانين كقانون األسرة مثال على مناق و يمكن . ين وتشريعهافطن قادر على توجيه الرأي ومناقشة القوان ينون مديكهذا ماحيث أن ،)4(ل وسيط يضمن االندماج االجتماعيبأن القانون يشك سماع هبرالقول م

، ما يعرف بالفضاءات العمومية، القانون الناتج عن المناقشة العامة داخل المجال السياسيفعندئذ نقول بأنه .يتمكن القانون من تحقيق الصحة و الشمولية ، اقتفاالأنه من خالل

يتحقق لهم االندماج و بالتالي. المشاركين القضائيينيع أصبح قاسم مشترك مابين جممن فالقانون . و تحقيقه للعدالة ، و فق ما يقتضيه القانون من تنظيم المجتمعاالجتماعي الدولة ضرورية . جا اجتماعيا يسهر على تطبيقه القاضي ويصبح منت، هذا المنظور

ه على بد من احترام الحق وتطبيقألنه ال .ذ و هذا من واجبها تنظم وتنف كسلطة تعاقب وو المشكل للفضاءات ، على كل المدنيين المشاركين في المجمع االتصالي، حد السواء

فدولة القانون .و هذا لكونهم شاركوا في تشريعه ، العمومية المشكلة للمجالس التأسيسية

1 Ibid ,p :92 2 Habermas(Jürgen) , Droit et démocratie op.cit. p :127 3 Christine Fauré .les déclaration des droit de l’homme de 1789(textes réunis et présentés par :), Op-cit , p :12 4 Habermas(Jürgen) .Sur le droit et la démocratie .tr : Eric Vigne, le débat N° 97 nov-déc.1997

Page 213: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

201

. ين المدنيين،و المساواة القضائية ببهذا األساس تقوم على ضمان االستقاللية الفردية .شريك في السلطة بديمقراطيته و،فالمواطن الفرد حر باستقالليته

:دولة القانون وتحديات العولمة -ت-3ة كحق تضمن الحقوق الطبيعي و، كون دولة القانون قائمة على الئحة حقوق اإلنسان

ون بذلك يك و، هذه الحقوق الطبيعية يضمنها القانون، ثرواالعيش وحق الملكية وحق التإال .التي صادقت على الئحة حقوق اإلنسان ، شمولي يتماشى مع القوانين الدول المختلفة

يجعل من الهيئة الذي ، اختالف التقسيم االجتماعي للعملمع ، أن اختالف األنظمة السياسية ،تحترم حقوق اإلنسان والحريات العامة، الدولية التي تريد أن تجعل من العالم كتلة واحدة

تفكر في نظام اقتصادي و ، مبادئ دولة القانونتجسد و، وتضمن له حقوقه الطبيعيةبمعنى التوزيع العادل .ش وإشباع الحاجيات الطبيعية عالمي يضمن على األقل حق العي

الشيء الذي أشار إليه . ئ مابين دول الشمال ودول الجنوب تكاف و، للثروات الطبيعية، الف االقتصادي والفقرأن االخت، و الديمقراطية الحقساسي في مقدمة كتابه األ سماهبر

والتحرش ، نحو الغرب المتطور صناعياهجرة الون من الجنوب والشرق إلى ينيدفع المد الخلفية المخيفةفداخل هذه . بين الدول النووي والصراعات الدولية تعمق االختالف ما

عنها ضمن فقد تدريجيا الضمانات المعلنتو ، المتبعة من قبل الحكومات الغربيةللسياسة . )1(القائمة على أساس الديمقراطية خاصة تلك. القانون ةدولالمواثيق الموضوعة في يجعل ، عادل للثرواتالغير و التقسيم ، وفق األسس االقتصاديةفالهيمنة األحادية للعالم

ستخدام أحسن فالغرب يفرض ذاته با .الدول النامية في حالة تخوف دائم مستقبل بحيث يتمكن من أن يكون مقبوال على أساس أنه محدثا للمعرفة الوضعية . التكنولوجيات و الدول النامية التي هي في األصل الدول التي خضعت لالستعمار لم .)2(وناشر للعلمبل بمجرد أن يكون لها مقعدا في هيئة األمم المتحدة فهي تتمتع بكامل ، تبقي رهينة

، و تكون هذه المرجعية هي العقل، و الدولة عندما تأخذ لها مرجعية لسيادتها. )3(السيادةو تساهم في ، تكون بذلك شمولية وفق األنظمة التي تسير عليها كل الدولة ذات سيادة

بالتالي و، فدولة القانون من هذا المنظور تكون غير قابلة للتحقق). 4(تشكيل النظام الدوليو ضمان حقوق المدنية و ، يمنة األحاديةي والوقوف أمام الهها أن تواجه التحدعلي

فهل يمكن القول و بصيغة تجريدية وجود دولة . العالم الحريات الفردية لكل مدني في هذا قائمة على أسس شمولية متفق عليها في جميع الدول؟، قانونية واحدة

: دولة القانون تقوم على ثالثة أسس وهي أن القوليمكن خالصة ك ها في الئحة حقوق اإلنسانعليقائمة على نصوص القانونية المعلن :لعلمانيةا - .الحريات الفردية قألنها تضع حدودا شرعية للسلطة وأن ال تختر، المواطنة و

1 Jurgen Habermas : Droit et Démocratie, op. cit. p :12 2 - Badie(Bertrand) ,.l’Etat importé (l’occidentalisation de l’ordre politique).Fayard.1992 ,p :80 3 Ibid ,p :17 4 Ibid , p : 70

Page 214: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

202

تحد من طغيان حكم األقلية تحت شرعية األغلبية على أنها الضامن للحرية :اللبرالية -و هي نابعة من الحريات األساسية المعلن عنها ، بالحريات السياسيةو المعروفة ، الفردية

.في الئحة حقوق اإلنسان العالمية تكون أن و،ة في السيادة الشعبية عليتمكن المواطن من المشاركة الف: الجمهورية -

و هذا ما ، و هو المبدأ الذي تقوم عليه األنظمة الجمهورية. صادرة من اإلرادة الجماعية . أن السيادة ملك لشعب تماشيا مع الحريات األساسية، هر في دساتيرهايظ

:الفصل الثاني

Page 215: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

203

دولة القانون و إمكانية تحققها )من النظري إلى التطبيقي(

I - تاريخها الطويل عدة أنواع من جزائر عبرت العرف :الدولة الجزائرية الحديثة

الذي أراد أن يجعل من األراضي الجزائر امتداد ، آخرهم كان االحتالل الفرنسي، المحتلينو منه ، و فق الدعاية التي تقول ثالث ألوان إلمبراطورية واحدة، لألراضي الفرنسية

Page 216: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

204

ين من األصل بأن الرومان أولى بها من العرب وكون الفرنسي: تبنت األطروحة التالية أطلق على الجزء الذي اقتطع ) Algérie(بحيث يذكر سعيدوني أن لفظ . الروماني

غير أن الرابط بين ). 1(و كان يقصد به المعمرين الدخالء، اعتباطا من إفريقيا الشماليةمما يفند الفكرة التي . تكون الدولة الحديثة و األمة الجزائرية يعود إلى األمير عبد القادر

و هذه الفكرة ، و غير قادر على بناء حضارة، ل أن الشعب الجزائري بدون تاريختقوالذين اعتمدوا على الدراسات اإلثنوغرافية ، استثمرت ببحوث أقامها محللون اجتماعيون

في إعادة ، مما يدفعنا أن نلتمس العذر باالستناد على سعيدوني مجددا). 2(مثل بيار بورديوإذ اعتبره فترة ، و الذي بدأ في التأسيس مع الوجود العثماني. ريخها االعتبار للجزائر و تا

ارتسمت من خاللها الحدود و السلطة و العاصمة و التنظيم اإلداري و االقتصادي ، حاسمةو العالقات الخارجية مع ربطها باالنتماء القومي و الروحي لألمة العربية ، و االجتماعي

كة بعد تفكك الموحدين و استقرت عاصمتها بالجزائر بعدما بعد ما كانت مفك). 3(اإلسالميةهناك تحصيل حاصل يجمع على أن الدولة ... كانت متنقلة من تيهرت و تلمسان و بجاية

الحديثة من تأسيس األمير عبد القادر فهل لهذا التأسيس معالم تثبت ذلك ؟ و ما هي طبيعة أسس إسالمية ؟ و هل كان التنظيم قائم هذه المعالم و ما شرعيتها ؟ و هل اعتمدت على

على الحداثة أم على التقليد ؟ :األمير عبدالقادر مؤسس الدولة الحديثة -1

تأسست الدولة الجزائرية الحديثة على يد األمير عبدالقادر بن محي الدين بن مصطفي بن لقوي بن يوسف بن أحمد بن محمد بن المختار بن عبدالقادر بن أحمد بن محمد بن عبد ا

ابن الحسن ) الكامل(شعبان بن محمد بن إدريس األصغر بن إدريس األكبر ابن عبد اهللا و هو رجل ، ابن فاطمة بنت الرسول عليه الصالة و السالم)السبط(ابن الحسن) المثني(

إذ نستشهد ببيت شعري له جاء ، دين و دولة و سياسي و محارب و شاعر و متصوف :فيه

) 4(والعـز صنـفان بين السيـف و القلـم ۩تمـيل كفـي من السـيف إلى القلـم و بويع من قبل أهم القبائل ، نظم الدولة على أسس إسالمية كرد فعل على الغزو الفرنسي

و كانت المبايعة متبوعة بصك به إمضاءات كبار العشائر و ، وسط و غرب البالدو بذلك أصبحت دولة األمير عبد القادر شرعية نابعة من ، طنأعيانهم و رجاالت الو

في الوقت الذي كانت فيه بعض من الدول . إرادة الشعب بنيت على أسس ديمقراطية مما اضطر إلى بذل جهد كبير في تنظيم الدولة تنظيما ) . 5(العربية تقوم على الوراثة

و يساعده الخلفاء يحكمون ، لهرمرأس امن األمير المتواجد على . محكما هرميا إدارياو يليه اآلغات يسيرون الواليات و تدعي األغاليك ثم قادة ، مقاطعات تدعي الخليفلكو منها ارتسمت حدود اإليالة الجزائرية التي امتدت غربا إلى . القبائل ثم شيوخ القبيلة ما وراء و تمتد شرقا إلى، ما عدا مدينتي وهران و مستغانم، حدود المغرب األقصى

- المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزء األول العهد العثماني، سلسلة الدراسات الكبرى، دراسات وأبحاث من تاريخ الجزائر، )ناصر الدين(سعيدوني

1 36-35: ص ، 1984الجزائر 2 Voire :Bourdieu (Pierre), Sociologie de l’Algérie ,PUF, 1958, pp :53-54

3 29: ص، المرجع نفسه، )ناصر الدين(سعيدوني ، 1994الجزائر–ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزء الرابع، تاريخ الجزائر العام، عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن محمد الجزائري: نقال عن 4 61:ص

66: ص ، المرجع نفسه 5

Page 217: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

205

). 1(و تمتد جنوبا إلى تخوم ارض التوارك، ماعدا مقاطعة العاصمة و مدينة قسنطينة، بالدو آخر ، مجلس للوزراء منه وزير الداخلية، وكان نظام الحكم مشكل من مجلسين

و بذلك يوصف النظام ، للخارجية و آخر للمالية و مجلس الشورى يرأسه قاضي القضاةمثل هذا التنظيم المحكم أثار قلق المعمرين مما ). 2(ستشاريا شعبيابأنه كان ديمقراطيا ا

De(دفعهم إلى محاربته باالستناد على ما الحظه الفيلسوف الفرنسي دي توكفيلTocqueville . (مشيرا أن األمير عبد القادر في ، إذ رفع تحذيره إلى السلطات الفرنسية

و هي تفوق . ة مركزية أكثر حركة و قوة بإدار، محكمة تنظيميا) سلطة(صدد بناء دولةفيجب عدم تركه ينهي هذا العمل ، التنظيمات التي عرفتها المنطقة عبر التاريخ

هو اعتراف ضمني للدولة الجزائرية بقيادة ، ، مثل هذا الموقف من المعمر)3(الخطيره بنوفمبر و االتفاقيات التي أبرمت معه بعد سنتين من ميالد إمارت، األمير عبد القادر

أين اعترفت السلطة االستعمارية ، "دي ميشال"خاصة تلك التي عرفت باتفاقية ، 1832مما يثبت كذلك الكفاءة العسكرية و الحنكة السياسية التي . رسميا بدولة األمير عبد القادر

امتاز بها ؛ و هو خروج عن المعتاد ؛ أين تجتمع في شخص واحد التدبير العسكري و إذ السلطة كانت مقسمة بين ، على خالف ما كان موجود في العهد العثماني .السياسي

الذي ، المرابطون و األتراك إذ كانت القمة السياسية في عهد البشوات تحت قيادة الباشا، و مع "بالبلوك باشي"مع عدد من القادة العسكريين المعروفين ، يترأس ديوان المجلس

بينما . و الباشا ، و البحرية و الخيل و الجيش، خزينةخمسة من الموظفين يشرفون على ال. المرابطين كانوا يشرفون على القبائل الريفية التي تشكل العصب و المصدر للسلطة

تشكلت قبائل المخزن، و التي كان يشرف ، بعد تالشي العالقة بين األتراك و المرابطينو استبدل الباشا ، غير نظم الحكماألمر لم يدم بحيث ت. عليها قادة عسكريين أتراك

و سميت بدار السلطان المقاطعة التي ، بـالداي كرئيس دولة ينتخب من األتراك المحليينبينما . و هي تحت سلطة الداي نفسه ، كانت تشمل على الساحل العاصمي و سهل متيجة

سلطة و هي ، الشرق و الغرب و الوسط كان يشرف على كل مقاطعة بايا معين من الداي، مثل هذا التنظيم و بالمقارنة مع )4(في مضمونها عسكرية تعتمد على طائفة من الرياسالشرق (بحيث نجد أربع خليفالت ، التنظيم الذي أنجزه األمير عبد القادر كان أكثر تطورا

). 5(و كل خليفلك يضم مجموعة من األغاليك ) السباو، التيطري، القديم ،الشرق الجديدو ، المطبق أثناء الحرب التحريرية، نظيم نجده مشابه لتنظيم جبهة التحريرمثل هذا الت

و كل والية ، إذ قسم الوطن إلى ست واليات. الذي صدر تنظيمه من مؤتمر الصومام و كل ناحية ، و كل منطقة تشمل على مجموعة من النواحي، تظم مجموعة من المناطق

التقسيم هو الوصول بالثورة إلى كل بيت و الهدف من . تشمل على مجموعة من القسمات و ، دليال على قدرة الجزائريين في تنظيم الخريطة السياسية تأليست مثل هذه التنظيما.

بالتالي تأسـيس دولـة حديثـة قـادرة على تحقيـق الحداثــة ؟ ألم يكن تنظيم األمير

79-78: ص ص ، سهالمرجع نف 1 71-70: ص ص ، المرجع نفسه 2

3 De Tocqueville (Alexis), De la colonie en Algérie , présentation de Tzvetan Todorov , édition Complexe-Paris,1988 , pp :72-73

4 98: ص، مرجع سبق ذآره، )ناصر الدين(سعيدوني 5 Boyer(Pierre),L’évolution de l’Algérie médiane(Ancien département d’Alger), Maisonneuve, Paris ,1960,pp :84-85

Page 218: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

206

دقيقا يضاهي به الدول الحـديثة ؟ :الجزائر المستقلة وتأسيسها للدولة الحديثة-2

و من جهة أخري إرث ، تجربة السياسية المستمدة من اإلرث العثماني من جهةإن الاية من بيان الفاتح نوفمبر إلى األمير عبد القادر، و ما صنعته الثورة الجزائرية بد

. إلى تنظيم القضاء، إلى تنظيم المعارك، األرضية العملية المصاغة في مؤتمر الصومامأليس لمثل هذه التنظيمات األثر في تكون الحياة السياسية لما بعد االستقالل ؟ علما بأن

الديمقراطية إقامة الدولة الجزائريةهو ، و من خالل ما جاء فيه، الهدف من البياناحترام جميع الحريات مع ، ضمن إطار المبادئ اإلسالمية. يادة االجتماعية ذات الس

و التي تشمل و ، فبمجرد ذكر الحريات السياسية، دون تمييز عرقي أو ديني، األساسيةالتي تضمن حق الملكية و الحريات السياسية و الحق في ، باالستناد على للغة القانونية

بأن التنظيم الوحيد في ، و كذلك ما جاء في أرضية مؤتمر الصومام. الرأي التعبير عنالذي يعمل على إحياء دولة قائمة ، هو جبهة التحرير الوطني، الجزائر القائم على الوطنية

و بالتالي بدأ القول بالتنظيم . )1(على مبادئ جمهورية و االجتماعية و االشتراكية مما . 1963الذي تحول إلى حزب مع دستور ، لتحرير الوطنيالمتمثل في جبهة ا الوحيد

ضـــرورة قــيــام حزب الطليعة الواحد، و دوره المرجح في ب دفع إلى القولإعداد و مراقبة سياسة األمة، هما المبدآن الجوهريان اللذان حمال على اختيار شتى الحلول

و بذلك يتم . ة الـجزائريةالـــدول التي تواجــهها، لمعالجة المشاكل الدستوريةعن طريق جبهة نظم السياسية المقررة في الدستور، و الفعال لل، ضمان السير المنسجم

بها لتحقيق يو تهذ، و تنظم الجماهير الشعبيةة تعبئمن مهامها التي. التحرير الوطني المركزية و قواعدها على مبدأ ، تقيم جبهة التحرير الوطني تنظيمها و كذلك، االشتراكيةالذي ؛ الدافع و المحرك و الجهاز الحزب اعتباره مما يترتب عن ذلك . الديمقراطية

هو الذي يستطيع أن يحطم أجهزة الماضي االقتصادية، و يقيم و . يستمد قوته من الشعبو الجماهير الكادحة بصورة مقامها نظما اقتصادية يمارسها الفالحون العاملون،

و النظام أالنظام الرئاسي ذلك يخالف النظم التقليدية القائمة على و هو ب. ديمقراطيةبينما النظام القائم على قاعدة .ان االستقرار المنشود ضمغير القادران على ، انيالبرلم

و على الحزب الطالئعي الواحد، فإنه يمكنه أن يضمن ذلك ، هيمنة الشعب صاحب السيادةيتشكل مفهوم ، الل بوادر التأسيس للدولة الحديثةخ فهل من .)2(االستقرار بصورة فعالة

و هل تجسد مثل هذا المفهوم في الواقع ؟ و هل كتب له االستمرار؟ أم أن ، دولة الحزبهناك تحوالت أحدثت تغيرات في العمق جعلتها تخالف ما جاء في النصوص التأسيسية

للدولة الجزائرية ؟ :نظام الحكم الجزائري -3

على انه نظام . 1963معالم الدولة الحديثة المستقلة بداية من دستور بدأت ترتسممما يعتبره البعض بأنه نظام قائم . جمهوري قائم على الحزب الواحد ذا توجه اشتراكي

http:// www.elmouradia.dz/arabe/synbole/textes الموقع اإللكتروني لرئاسة الجمهورية ، النصوص الرسمية للدولة الجزائرية 1

المصدر نفسه 2

Page 219: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

207

و تأسيس ، مع التصحيح الثوري. على فكرة دولة الحزب على شاكلة التوجه السوفيتي و كذلك ما يدرك من ديباجة الدستور ، بوشعيرعلى حد تعبير سعيد ، الجمهورية األولى

و . واضحة لتكوين دولة على النمط الستاليني أي دولة الحزب شارةهناك إ بأن، 1976صحيحة نابعة من دعائمعلى تقوم أصبحت الدولة الجزائرية ، بمقتضي الدستور ذاته

للدستور، فالميثاق الشعب ؛ الذي صادق على الميثاق الوطني ؛ الذي هو المصدر الرسمي و تكون ). 1(و أن األمين العام هو ذاته رئيس الجمهورية ، الوطني أعطي مكانة للحزب

مشاركة الجماهير الشعبية في تسيير الشؤون مع ، بذلك الدولة استعادت كامل سيادتهاخلق القاعدة المادية إلى تهدف التي ، و خوضها النضال من أجل التنمية، العموميةو بهذا يعمل . بعد أن تم تحرير االقتصاد الوطني من كل تسلط إمبريالي . يةلالشتراك

و تعزيز ، لتوسيع جبهة نضاله، كل يوم أكثرو ، الشعب الجزائري في جميع الميادينو هي بذلك دولة اشتراكية كما . و االجتماعي و الثقافي مسيرته نحو الرقي االقتصادي

، 1989غير أن محتوي هذه المادة سقط في دستور .جاء في المادة األولى من الدستورفهل هذا التغير التزم ببعض ، و أصبح نظام الحكم ذا توجه آخر غير الذي نشأ عليه

درجة ؟ 180المبادئ أم غير من وجهته بـ :نظام الحزب الواحد-أ- 3و كيفية ، إن تاريخ السياسي للدولة الجزائرية عرف أحداثا تمركزت على السلطة . بعد ما تم اإلعالن عن وقف إطالق النار و التمهيد الستقالل الجزائر ، حصول عليهاال

و التي هي في األصل من تنظيم ، التي قادت مفاوضات ايفيان ةأطيح بالحكومة المؤقتاعتلى السلطة الرئيس بن بلة بعد الصراع الذي دار . المجلس الوطني للثورة الجزائرية

و التي انظم أعضائها ، الثة و الرابعة و البعض من الوالية الثانيةبين أعضاء الوالية الثو تم تحويل جبهة التحرير الوطني إلى . إلى المجموعة التي عرفت بجماعة تلمسان

. بالرغم من أن وجودها لم يكن إال لجمع القوي الوطنية بهدف تحقيق االستقالل ، حزبتوالت النصوص المكرسة لتحزيب جبهة فأخذ مالمح الحزب بداية من مؤتمر طرابلس و

بحيث شمل جدول أعمال المجلس الوطني للثورة الجزائرية في جوان ، التحرير الوطنيمع انتخاب مكتب سياسي يتولي ، على الطريقة التي تحول الجبهة إلى حزب 1962

ام و الجدير بالذكر أن ميثاق الجزائر لع). 2(انتخاب المجلس التأسيسي و إعداد الدستورو 23من خالل المادة ، 1963التي نص عليها دستور ، رسم السياسة الجزائرية 1964

كحزب ، أين يتم اإلقرار بحزب جبهة التحرير الوطني، 26و كذا المادة 25و 24و يكون بذلك أول . طالئعي يحدد سياسة األمة و يراقب الحكومة و يجسد االشتراكية

.ة مخالفة ارتكبت في حق تاريخ الثورالذي دار حوله الخالف بين 1963فدستور ، من خالل ما جاء في بيان أول نوفمبر

خاصة بين االتجاه الليبرالي الممثل من قبل ، االتجاهات السياسية داخل المجلس التأسيسيدافعو على وضع نظام برلماني قائم على التعددية ناللذا، آيت أحمد و فرحات عباس

115-114،ص ص 1993الجزائر ،الطبعة الثانية –دار الهدي ، النظام السياسي في الجزائر، )سعيد(بو الشعير 136: المرجع نفسه ،ص 2

Page 220: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

208

فنوقش و صودق خارج مقر المجلس ، اه االشتراكي المؤيد للحكومةو بين االتج. الحزبية أين انتصر . ؛ أمام إطارات الحزب ) األوراس حاليا(التأسيسي ؛ بقاعة سينما الماجيستيك

و منذ ذلك ). 1(بإقامة نظام حكم دستوري قائم على الحزب الواحد ، بن بلة على معارضيه. و المنع من تشكل أحزاب سياسية ، لواحد باإلقصاءبدأ يرتسم النظام القائم على الحزب ا

اعتالء ثاني على السلطة . و أن الجبهة تحولت إلى حزب طالئعي ، بحجة البناء و التشييدأين ، ، و ما عرف بالتصحيح الثوري1965تم بالعنف من قبل الرئيس بومدين بجوان

و ، بخطاب شعبوي تعبوي كمحرك للتنمية مدعم، تقرر انتهاج سياسة الصناعة التصنيعيةالذي جاء مختلف ، 1976و الدستور لعام ، استمر و تكرس من خالل الميثاق الوطني

الفصل الثاني من الباب (إذ خص فصال كامال لالشتراكية . شكال و مضمونا عن سابقه ) .األول من الدستور

حزب الواحد؛ و ما تبعها، لتؤكد على ال 94أما في ما يتعلق بالحزب فجاءت المادة مما عرف عن سياسة بومدين . و هو حزب الدولة ، الحزب الطالئعي المحقق لالشتراكية

، بابتداعه نظام القوي المتوازنة ينفي بعضها ببعضها، أنه عرف كيف يسيطر، التسلطية، قدماء الجيش الفرنسي مقابل قدماء المجاهدين، فقابل بين التكنوقراطيون و التاريخيون

الذي أسندت له مراكز مهمة ، التحرير الوطني في مقابل الحزب الشيوعي حزب جبهةو الشركات الوطنية مع الحرص على وجود فئات شعبوية مقابل ، في تسيير القطاع العام

مثل هذه المواصفات التي تميز بها . مع التركيز على الفئات المصلحية ، فئات نخبويةل في محاولة انقالب قادها لإلطاحة بنظام حكم سجلت عن الطاهر الزبيري الذي فش

أبرزت تيارات ، و ما هو مالحظ أن الفترة التي ميزت حكم بومدين وما قبلها). 2(بومدينمن بينها تحالف كل من كريم . معارضة شكلت األرضية لبروز األحزاب المعارضة

عتمدا على و ا، اللذان يمثالن توجها في الحكومة المؤقتة، بالقاسم و محمد بوضيافقبل أن ينسحب بوضياف نهائيا ،و يشكل حزبا ، الوالية الثالثة ضد بن بلة وبومدين

الشيء ذاته بالنسبة آليت أحمد الذي قاد . معارضا عرف بالحزب الثوري االشتراكي إال أنه انسحب عند االعتداء ، و انظم إليه العقيد محند ولد الحاج، تمردا بمنطقة القبائل

ألقي القبض على آيت أحمد و سجن . 1963لمغربية في أكتوبر على الحدود ابينما التيار . ليفر منه و يتولى قيادة حزب القوي االشتراكية بالخارج ، بـالحراش

مما كلفه اإلقامة . الذي واجه النظام و اتهمه بالشيوعية ، اإلسالمي بقيادة الشيخ االبراهمىو ارتكز خطابهم المعادي للبعث و ، لب االبرهيميالجبرية بما فيها االبن األصغر أحمد طا

بما فيها حرية التعبير ، و دافعوا عن الحريات األساسية. الناصرية و كل التيار اليساري بينما التيار الليبرالي تزعمه فرحات عباس الذي دعا إلى نظام . و احترام حق الملكية

، برلمان الذي يجسد سيادة الشعبجمهوري ديمقراطي ،أين تكون الحكومة مسئولة أمام البينما التيار . و دعا إلى تعددية جبهة التحرير ،و نزعها عن العصبة التي استولت عليها

، و الذي هو امتداد للحزب الشيوعي الفرنسي، الشيوعي و الممثل في الحزب الشيوعي . الذي عرف بمناصرة التسيير الذاتي

49-48: ص ، المرجع نفسه 1 99: ص ، 1987بيروت –دة العربية مرآز الدراسات الوح، ،المجتمع و الدولة في المغرب العربي )محمد عبد الباقي( يالهر ماس 2

Page 221: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

209

1962و المكملة للمراسيم ، ظمة للتسيير الذاتيالمن 1963المراسيم الصادرة في مارس إنما جاءت كرد فعل تستجيب للوضعية التي دافع عنها العمال . المتعلقة باألمالك الشاغرة

فهل لمثل هذه المراسيم سند إيديولوجي برر . و المزارعين بعد ما غادرها األوروبيونو ال حتى ، لم يكن إيديولوجي اختيار التسيير االشتراكي ؟ قيل عن هذا االختيار، أنه

غير أن هذا التوجه لقي معارضة مع ذوي المصالح في . بل أملتها الظروف ، سياسيأما التيار الشعبوي الذي . و المدعم من الضباط في الجيش ، صفوف جبهة التحرير

و استثمر من قبل بن بلة ، و تعزز خالل حرب التحرير، تمركز في جبهة التحريرمما ساهمت في تعزيز ، نظرا لتركيبتها القائمة على الوطنية الشعبوية، حزب ليحولها إلى

والتي اعتبرت بأنها امتداد لبيان أول ، التوجه نحو الحزب الواحد و اختيار االشتراكية، لتتجسد في كل من دستور )1(نوفمبر و أرضية مؤتمر الصومام و كذا مؤتمر طرابلس

إلشارة إليه أن النظام غير من النهج االشتراكي و ما يجدر ا. 1976و دستور 1963و القائم على التسيير الذاتي إلى اشتراكية ثورية تعتمد على ، 1963المعتمد في الدستور

أين ، مع تكريس النظام األحادي لدولة الحزب. الثورات الثالث صناعية زراعية و ثقافية فهل استمر هذا النظام في الوجود .) 2(تقاسمت السلطة بين الحزب و الرئيس بعد توسيعها

؟ أم أن العنف قد يطيح ثانية بهذا النظام ؟ و إذا كان األمر كذلك فما هي تداعيات التي غيرت النظام و أية وجهة أخذها ؟

:النظام التعددي -ب-3و ، 1988إذ عقب أحداث أكتوبر من عام ، لم يستمر النظام القائم على دولة الحزب

و إصدار دستور ، اضطر النظام إلى التعديل في الدسـتور. ت الدم و الحبر معا التي أسالو التي ، 40ما جاء في مادته الـ. 1989جديد لالستفتاء و المصادقة عليه بفيفري

مع شرط معترف بهكحق ، إنشاء الـجمعيات ذات الطابع السياسيفي حق ال تنص على، ـالدواستقالل الب، والسالمة الترابية، الوطنية والوحدة، الـحريات األساسيةاحترام

و ربطها بالسيادة الشعبية خالفا عن ، اإلقرار بالحريات األساسية. وسيادة الشعب ضمن المادة التي يعترف فيها بالحق في تكوين جمعيات ذات طابع ، الدساتير السابقة

تي يتم فيها التداول على و الكيفية ال، اعتبرت كمؤشر للتغيير حدث داخل النظام، سياسيفي الحياة السياسية ؟ أم أن األمر بقي هفهل لمثل هذا اإلجراء و جد له وقع، السلطةبالرغم من بروز أحزاب نشطة على الساحة السياسية؟ ، و أن السلطة بقت أحادية، شكليا

و هل حققت نجاحا في المناسبات االنتخابية ؟ :السياسية األحزاب-1-ب-3

و ، شكلت أحزابا سياسية، الساحة السياسية الوطنية عدة وجوه سياسية كريزماتيةعرفت من هذه األحزاب ما . دخلت بها المنافسة السياسية للظفر بالسلطة عن طريق االنتخابات

100- 96: ص ص ، 2001بيروت ، مرآز دراسات الوحدة العربية، )1999- 1958(في أصل األزمة الجزائرية ، براهيمي عبد الحميد 198: ص ، مرجع سبق ذآره، )محمد عبط الباقي ( يالهر ماس 2

Page 222: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

210

و منه ما ظهر إلى الوجود بمقتضي المادة األربعين من ، كان موجود و ينشط سرامناسبة انتخابية على مستوي المجالس المحلية الحزب مما سمح بالفوز في أول.الدستور

فهل كتب لهذا الفوز االستمرار؟ مثل هذا ، المعارض و الممثل في الجبهة اإلسالمية لإلنقادو الدولة الوطنية خالفا عن األحزاب التي ، التحول طرح مفهوم الحزب الوطني

الصفة الوطنية ألنه ظهر إلى غير أنها تشترك في . وصفت بالعلمانية أو باألصولية ما عرف عن األحزاب اإلسالمية أنها وصفت . الوجود أحزاب ذات توجه إسالمي

فالتيارات الثالث ديمقراطي . األحزاب التي تدعي بالوطنية و الديمقراطية بالعلمانية وطني إسالمي شكلوا المناخ السياسي و دخلوا المنافسة في عدة مناسبات انتخابية بعد

حينها طرحت عدة أسئلة حول من وراء األزمة ؟ . نفراج التدريجي لألزمة األمنية االو من هو المستفيد ؟ غير أن ما يتم مالحظته أن هذه التيارات غالبا ما تتوحد عندما يكون

الحدود المغربية أين توحدت القوي مثلما حدث في، هناك خطر خارجي يهدد أمن البالد . ء على الحدود الغربية الوطنية ضد االعتدا

الذي بنيت على أسسه ، يستمد أصوله من بيان أول نوفمبر: حزب جبهة التحرير الوطنيبتوجيه النداء إلى الشعب ، و التي أخذت على عاتقها تحرير الوطن، الثورة الجزائرية

و ، نضمام إلنقاذ البلدو توضيح واجبه باال .مباركة هذه الوثيقة و دعوته ل، الجزائريإن جبهة التحرير الوطني هي جبهة الشعب .العمل على أن تسترجع له حريته

عازمون على مواصلة بينما عناصر الجبهة .و انتصارها من انتصاره ، يالجزائرمن مضمون هذا النداء يدرك ، الكفاح و واثقون من مشاعر الشعب المناهضة لإلمبريالية

في كونهما ، ائي للجبهة في خوض المعركة ضد االستعمار و اإلمبرياليةالتوجه التلقتتحول ، و من خالل المواد المشار إليها سابقا 1963مع دستور. وجهان لعملة واحدة

و هي الهداف التي سطرت ، تشيد االشتراكيةالجبهة إلى حزب طالئعي يقود البالد إلى فاالنقالب . يةأهداف الثورة الديمقراطية الشعب جبهة التحرير الوطني تنجزف، 26لمادة ا فيلم ، أو التصحيح الثوري الذي أطيح بالرئيس بن بلة من قبل العقيد هواري بومدين 65

خاصة 1976و هذا ما تكرس في دستور ، يغير التوجه من جعل جبهة التحرير حزبالمؤلفة من اجبهة التحرير الوطني هي الطليعة و الذي جاء فيه أن ، 95نص المادة

و الذين ، ا للوطنية و االشتراكيةعليالذين تحدوهم المثل ال .المواطنين األكثر وعيا ها في القوانين األساسية للحزبعليطبقا للشروط المنصوص ، يتحدون بكل حرية ضمنها

ينصب . و الفالحين و الشباب، على الخصوص من بين العمال مناضلو الحزب أختيرو. و بالتالي جمعت كل . عمل واحد غايته القصوى انتصار االشتراكية يق تحق إلىهدفهم

. و الممثلة في حزب جبهة التحرير الوطني ، الطاقات الوطنية تحت مظلة واحدةو كان يمتلك صفة . فشخصية بومدين كانت تمتاز بالتكتم و اليقظة و وكانت سلطوية

كان طموحه جعل الجزائر دولة . لالنضباط و كان نصيرا ، القائد مقدرا لنفسه تقديرا عالياإسالمي و قد تأثر بفكرين –تكوينه األصلي عربي. متقدمة اقتصاديا و قوة إقليمية

قرأ العديد من الكتب للينين و ماو تسي تونغ خالل ، متناقضين الرأسمالية و الشيوعيةو أسبقية ، النيةو النزعة الدو، يتقاسم مع الشيوعية عبادة الشخصية. حرب التحرير

و ال سيما حرية ، و عدم احترام الحريات األساسية، و الكليانية، االقتصادي على السياسي

Page 223: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

211

و بالمقابل لم يؤمن باألممية مما يجعلنا نشير إلى العناصر . التعبير و الحريات الفردية عالية في اإلنتاج كان يري فيها التقدم العلمي و الف، المؤثرة في شخصه بالنسبة للرأسمالية

).1(لكنه يرفض التفاوت الطبقي و االجتماعي الحادين، و تحقيق الرفاهيةمرشح التسوية بين التيار ( ، بن جديد بينما حزب جبهة التحرير في فترة الشاذلي

و له رجعت الغلبة داخل صفوف ، الليبرالي القريب من فرنسا و التيار العربي اإلسالميو التي تميزت ) ا احتدم الصراع حول من يخلف الراحل بومدين عندم، جبهة التحرير

فترة االنضباط ارتبطت بالوالية . مرحلة االنضباط و مرحلة االستسالم ، بمرحلتينخاللها كان يستعلم و ، 1984و جانفي 1979األولى للشاذلي بن جديد بين فيفري

و غالبا ما كانت . أن يتخذ القرار يحاور و يقابل بين األفكار و يصغي و يناقش قبل و من جهة أخري ، و هذا راجع لتمتعه بالحس السليم من جهة، متوازنة و سليمة هقرارات

الزيادة غير المتوقعة لسعر البترول مما سمح للجزائر الحصول على إيرادات مالية ا و زيادة على ذلك اإلصالحات التي بوشر به. مليار دوالر سنويا 14وصلت إلى

بينما الفترة الثانية عرفت عدة انزالقات . 1980خاصة في المجال االقتصادي بداية من فهل لهذه االنزالقات األثر على الجانب االقتصادي و السياسي ، 1984بداية من جانفي

مما أنعكس على الجانب االجتماعي ؟ و هل لـهذه االنزالقات كذلك دور في تفاقم ؟ بهذه الفترة انعزل 1988المعروف بأحداث أكتوبر ، جتماعيو االنفجار اال، األوضاع

. الرئيس عن الحزب و القاعدة االجتماعية و سلم أموره إلى الحاشية المقربة إليه و لم يكن له طموح ، و لم تكن له إستراتيجية واضحة، فالشاذلي لم يكن ذا إيديولوجيا

و لم تكن له رؤية كلية و . ملموس بل كان براغماتيا ومهتما بما هو، خاص تجاه بلده مما تشكلت عصب ) .2(بل باألحرى رؤية مبتورة و جزئية، متماسكة لمتطلبات التنميةخاصة تلك التي أخذت على عاتقها اإلصالحات، و صياغة ، داخل السلطة و الحزب

.و الذي سمح بوجود أحزاب سياسية معارضة ، 1989الدستور من ، عن ضرورة إعادة بناء مؤسسات الدولة لقد دافع األفافاس :جبهة القوي االشتراكية

يكون بمثابة اإلجماع و ،يعود إليه إعداد دستور جديد للبالد، خالل إنشاء مجلس تأسيسيوهي الفكرة التي لم . النظام الحاكم في البالد'' دمقرطة''السياسي الذي تنطلق منه عملية

بداية التعددية، و التي شهدت ميالد تعاقبت منذتجد صدى عند مختلف الحكومات التي األفافاس يلقب . ، وتعديل ثالث سمح للرئيس بالبقاء في الحكم لعهدة ثالثةين جديدينردستوسنة أمام 46أحزاب المعارضة في الجزائر، لكونه استطاع أن يصمد طيلة '' عميد''بـ

تها أكثر من شخصية وطنية ي هجرالت، و أضحي وحيدا في المعارضة، احتواءات السلطةها معه كان يستأنس بتواجدبعد ما ، ''الترهيب والترغيب''و سياسية وحزب سياسي بفعل

تأسس من قبل ). 3(تشترك معه وتشاطره نفس النضال وحتى األفكار و، في المعارضةو تعزز وجوده على إثر االنتفاضة الشعبية التي ، 1963السيد حسين آيت أحمد عام

و ارتكز هدف الحزب على إقامة الديمقراطية و تجسيد دولة . ضد النظام في القبائل قادها

112 -111: ص ص ، مرجع سبق ذآره، براهيمي عبد الحميد 1 181: ص ، المرجع نفسه 2 27-09-2009جريدة الخبر ليوم 3

Page 224: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

212

من خالل دستور يعكس روح األمة، و الذي يضع تصوره مجلس تأسيسي ، القانونيعتبر '' مرابطي''وسط ثقافي أما في ما يخص شخصية آيت احمد فهو من. منتخب

ان والده من أعيان زاوية قرية عين الحمام في تيزي حيث ك، امتدادا لألطر الدينية التقليدية'' بربرية''، لذلك لم يكن في يوم ما يحمل ثقافة 1926وزو، حيث مسقط رأسه العام

'' وسطي ومعتدل''واتخذ موقفا ، بمفهوم النشطاء السياسيين الجدد المنحدرين من المنطقةفوف حزب الشعب ـ حركة داخل ص 1949التي تفجرت العام '' البربرية''من األزمة

أنه ، ''روح االستقالل''وقال عن ذلك في مذكراته المعنونة ، انتصار الحريات الديمقراطيةدأ خوضها منذ كان طالبا التي ب، ''صراع وهمي يلهيهم عن معركة االستقالل المصيرية''

جناحه عن ثم مسئوال، لجنته المركزيةل اإلى أن أصبح عضو، بن عكنون بالعاصمةب ثانويا .المنظمة الخاصةو المعروفة ب، العسكري السري

بعدما ، التسمية التي استقر عليها الحزب الشيوعي حاليا :حزب االجتماعي الديمقراطيكامتداد للحزب الشيوعي ، 1966و المؤسس عام ، كان حزب الطليعة االشتراكي

المنظمات كان العمل السري يلزم على مناضلي الحزب الولوج داخل. الجزائري و العمل على تفعيل المعارضة ضمن اتفاق ضمني مع السلطة أثناء فترة حكم ، ةالجماهيري ةصدر قانون بموجبه يقصي من المنظمات الجماهيري 1980غير أن في عام . بومدين

دخل . 1989مما لزم السرية التي خرج منها بعد المصادقة على دستور ، غير الجبهوينو بموجب القانون المنظم ، 89من دستور 40ية بموجب المادة إلى الساحة السياس

يعتمد . اعتمد الحزب و تحصل على الشرعية القانونية . للجمعيات ذات الطابع السياسي ، و القضاء على الرقابة، على برنامج هدفه ديمقراطية التعليم ومجانية الصحة العمومية

.اط الفكري مع توفير شروط نزاهتهو تحرير النش، واصفا إياها باإلرهاب الفكريإال أن نشاط مؤسسيها كان سابقا ، 1989تأسست بعد دستور :اإلسالمية لإلنقاذ الجبهة

بعض التحركات ضد النظام ، بحيث سجلت عن أعضائها المؤسسين للحزب، عن الدستوراء م اجتمع مجموعة من العلم1982نوفمبر 12في ف، الحاكم قبل المصادقة على الدستور

والشيخ عبد اللطيف )أحد تالميذ اإلمام عبد الحميد بن باديس(الشيخ أحمد سحنون: منهم، ـون فيهيطالب، بندا 14من مؤلف وجهوا نداء و، سلطاني والدكتور عباسي مدني

تعيين نساء وعناصر مشبوهة في بونيشج و، بضرورة تطبيق الشريعة اإلسالميةاالختالط في ونه إسالمي لالقتصاد، ويرفضإلى اعتماد توج نويدعو، القضاء

بوجود عمالء ونددوين، بإطالق سراح المعتقلين ونويطالب ،الفساد ونالمؤسسات، ويدين )رابطة الدعوة(تم تأسيس .و الذين عرفوا باالستئصاليين ، أعداء للدين في أجهزة الدولة ،عاما 83ث كان عمره ذلك ألنه أكبر األعضاء سنا حي و، برئاسة الشيخ أحمد سحنون

محفوظ نحناح، وعباسي ئهاكلها، ومن بين أعضاوكانت الرابطة مظلة للتيارات اإلسالمية و ، و من أهدافها إصالح العقيدة، بلحاج، ومحمد السعيد علىمدني، وعبد اهللا جاب اهللا، وهل كتب ف. مع اإلصالح االقتصادي و فق التعاليم اإلسالمية ، إرساء األخالق اإلسالمية

.أم أن الخالفات هي أدت إلى ظهور أحزابا سياسية منها الجبهة ، لها االستمرارإال أن الدكتور ، )الجبهة اإلسالمية الموحدة(بلحاج إلى تشكيل علىالشيخ الشاب دعي

، معلال هذه التسمية)ية لإلنقاذالجبهة اإلسالم(الشيخ عباسي مدني اقترح لها اسما آخر هو

Page 225: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

213

ألنه هو ، )إسالمية(وهذه الجبهة ، واالتساع آلراء متعددة، ة تعني المجابهةبأن الجبهشفا حفرة من وكنتم على: " مأخوذ من اآلية) نقاذاإلو(، لتغييرالسبيل الوحيد لإلصالح وا

مما أثار الخالف الذي أدى إلى ).103سورة آل عمران، اآلية( "النار فأنقذكم منهاأسس جمعية اإلصالح و اإلرشاد داعيا من خاللها كل و، احمحفوظ نحنالشيخ انسحاب

التي تهدف إلى ، بما فيها األحزاب أن تجتمع لكبح جموح الجبهة، الجمعيات اإلسالمية. بحجة أن التجارب الليبرالية و االشتراكية فشلت لم يتقي إال اإلسالم ، اإلنفراد بالحكم

تتحول ). 1(و هي من اهللا ، قيقةو الجبهة هي الح، فالذي يضرب الجبهة ضربه اهللاكما أسس عبد اهللا .و تشارك في المناسبات االنتخابية، لسلمحركة المجتمع االجمعية إلى

و التي شارك زعيمها في ندوة روما حول األزمة ، جاب اهللا حركة النهضة اإلسالميةمي الذي معلال التخوف من االتجاه اإلسال، الجزائرية بعد توقيف المسار الديمقراطية

فالغرب المتحكم في العالم هو المسبب لألوضاع و .. يضحي على الدوام في سبيل الوطنو عليه وجب رفع الشبهات التي تحاك على التيار اإلسالمي في ، المحن التي تعيشها األمة

تم اإلعالن الرسمي عن الجبهة اإلسالمية . )2(تأسيسه للدولة اإلسالمية و تنظيم المجتمع وذلك بمبادرة من عدد من الدعاة المستقلين من بينهم ، م1989اذ في مطلع عام لإلنق

فعباسي . بلحاج علىنائبه الشيخ و، الذي أصبح رئيسا للجبهة، الدكتور عباسي مدنيدرس في المدارس الفرنسية سيدي عقبة جنوب شرقي الجزائر، بم 1931مدني من مواليد

انخرط في ، المسلمين ثم في مدارس جمعية العلماءفي صغره إبان االستعمار الفرنسي، بعد ، سنواتة سجن سبعو المستعمر الفرنسي، واعتقل ضد دجهاصفوف الجبهة لل

لدكتوراه في التربية حصل على اتلي إلى لندن لهارستم إاالستقالل وخروجه من السجن من مواليد لى بلحاجعالشيخ بينما . الجامعةبالتدريس باشرجزائر ليعاد إلى ال .المقارنةدرس العربية ودرسها، وشارك في الدعوة اإلسالمية منذ السبعينات ، بتونس م1956

علىي م بتهمة االشتراك وتأييد حركة مصطفى بو1987 - م1983وسجن خمس سنوات منهم عبد اللطيف سلطاني وأحمد سحنون وكذلك و، تأثر بعلماء من الجزائر. الجهادية

فهل من خالل .حسن البنا وسيد قطب وعبد القادر عودة وغيرهم درس كتابات الشيخالتعرف على الشخصيات المؤسسة للجبهة ندرك التوجه العام للحركة؟ وهل المشاركة في النشاط السياسي و مناسباته عملية جهادية تهدف إلى تأسيس دولة إسالمية ؟ و هل يستمر

وقيف مؤسسيه بسبب ضلوعهم في بالبقاء من حيث هو شخصية معنوية بالرغم من تو التي جاء 96من دستور 42المساس باألمن و استقرار البالد ؟ و هل بموجب المادة

سياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو ال يجوز تأسيس أحزاب فيها أنه يتوقف أي نشاط سياسي يهدف إلى تأسيس دولة إسالمية ؟ و هل يتم مهني أو جهوي

عامل بالمثل مع الدولة القومية التي تحمل شعار الوطنية ؟التمضمون وجوده سخر الستقطاب عناصر حزب جبهة :التجمع الوطني الديمقراطي

منظمة ، منظمة أبناء الشهداء، منظمة المجاهدين( التحرير و المدعم باألسرة الثورية ن مناضلين نشطين في ، فالحزب لديه قاعدة نضالية تتكون م)معطوبي حرب التحرير

1 Bendourou(Omar), La crise de démocratie en Algérie, Edition Orientale, Oujda,1992, p p :95-96

46- 45: ص ص ، 1998الجزائر –دار المعرفة ، األزمة الجزائرية و البدائل المطروحة) محمد مصدق(يوسفي 2

Page 226: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

214

بما فيها اإلتحاد العام للعمال ، و من كل الشرائح المجتمع، ةالمنظمات الجماهيرياإلدعاء بأنه حزب لم يكتمل نموه كان مرده أن الفراغ . الجزائريين و منظمة الفالحين

هر قبل شتأسس ثالث أ). 1(السياسي التي تعيشه البالد وفر الظروف لظهوره و نجاحهحينها طرح السؤال كيف يمكن . و فاز بها 1997د االنتخابي للتشريعات لعام الموع

لمولود لم يكتمل نموه أن يحقق مثل هذا الفوز؟ هذا يعني أن الحزب أو الفكرة التي شكلت نواة وجوده كانت موجودة في أذهان بعض القيادات، فهل لمثل هذا الطرح أساسا يرتكز

عليه؟ جمع الوطني إلى السعي الذي أراده مجلس األعلى للدولة ؛ في أن تعود فكرة تأسيس الت

و الفكرة صدرت عن المرحوم بوضياف ، يكون له امتداد سياسي في أوساط الجماهيرفالتجمع المنشود ألول وهلة كان حركة جماهيرية، ، الذي ترجم التجمع بالجدار الوطني

، مع المشاركة النشيطة في تجسيدهمنطلقها األساسي المساهمة في بلورة مشروع و طني، فهو ال يريد أن يكون حزبا، بل تجمعا يتم االنخراط فيه فرديا و إراديا و االهتمام كان

فهل ظهور التجمع على الساحة السياسية و كما أراده . منصب على الطلبة و الشبيبة ). 2(رواده كان دفعا جديدا للديمقراطية ومسارها

II -دولة القانون وإمكانية تأسيسها: تسمح له بتجاوز ، يرتكز على نظرية علمية موضوعية، إلى نظام سياسي متين حاجةال

تقوقع في أحضان وأجمود تقليدي وأتطرف ديني أي العقبات والعوائق الداخلية من موادها على أن السيادة ملك تنص ، جل الدساتير التي عرفتها الجزائرف. األصالة المزيفة

نفس لكن ما يحز في .نظمها القانونية هاعليتجعلها ركيزة أساسية تبني و، للشعب. ما يمنحه القانونوبين بين واقعه اليوميالذي يعيشه ، هو ذاك التباعد الشاسع المواطن

سياسية ددية الوالتع و تكون مشروعيتها الدستور، فدولة القانون تسعى إلرساء قواعدهافهل القول بالسيادة الشعبية هو نفسه القول . وحرية التعبير والفصل بين السلطات

و هل المساواة أمام القانون كما تنص ؟بالمشاركة في السلطة و تحقيق التوازن و العدلالذي يحقق العدل هو الحكم الراشد القانون بحكم هل ال والدساتير أساس دولة القانون ؟

؟ ستقرار واألمن والرخاء واال :الدولة الوطنية في مقابل دولة القانون-1

دخل مع الغزو االستعماري وجاء امتدادا للحركة القومية المفهوم االصطالحي للوطنية وهو األمر الذي يفسر صعوبة تأقلمها مع الفكر العربي . التي انفجرت في أوروبا

كالحركة ، الحركات السلفية عموما واصطدامها بالحركات الثورية الداخلية المتمثلة فيالمدارس و، وجمعية العلماء المسلمين في الجزائر، الوهابية في شبه الجزيرة العربية

مما سجل ظهور حركة النهضة، و . من مثل مدرسة الشيخ محمد عبده، العلمية الحديثةع التيار أين ظهرت كظاهرة سياسية ساهمت في دف. التي تختلف عن تأسيسها بالجزائر

و في المقابل .)3(الوطني الذي تشكل على محيط جامع الزيتونة أين تتلمذه مفدى زكرياآخذتا الوطنية نبراسا تتجه ، ظهرت حركات وطنية مشبعة باألفكار اليسارية أو الليبرالية

115-114: ص ص ، فسهالمرجع ن 1 242-241: ص ص ، 2005، دار هومة بالجزائر )1996-1991تشريح أزمة (و العشيرة .. ، الوطن )محمد(عباس 2

3 Kaddache(Mahfoud), Histoire du nationalisme algérien, Op-cit , p : 220

Page 227: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

215

مثل ، و التغلب على االستعمار، من أجل تحقيق االستقالل، نحوه إلى الجماهير الشعبيةالذي أخذ حركة انتصار الحريات و ، ركات نجد حزب الشعب الجزائريهذه الح

و الدخول في المنافسة االنتخابية ، كغطاء له عندما اضطر للنشاط في السرية، الديمقراطيةمما دفع بعض المناضلين التساؤل عن . 1947الخاصة باالنتخابات المحلية ألكتوبر

و ، ين اتجه ؟ فالحل كان بتأسيس المنظمة السريةاالتجاه الثوري للحزب و إلى أالمشاركة االنتخابية سمحت . وجه سياسي و عسكري ، بالتالي أصبح للحزب وجهين

و ، للمناضلين المرشحين في االنتخابات أن يتعرفوا على الكلمات األساسية كالوطنيةشخصية مصالي الحاج ). 1(خاصة الصياغة الدستورية للسيادة الجزائرية، االستقالل

). 2(كشخصية كريزماتية استنسخت فيها رمزية السيادة الوطنية و االستمرارية للحزبفي بعدها وبنيتها، متناقضة بين مظهرها ديني و، وطنية وضعية في هيكلهاال ةدولال

و في ذات الوقت ، لة اإلنتاج و المردودية خطابها وممارساتها، فهي تطمح ألن تكون دوفاالنتقال من دولة الحزب إلى الدولة . على أن اإلسالم هو دين الدولة نص الدساتيرت

سمح بعودة التيار الوطني الذي تغذت به الثورة من ، الوطنية مع اإلقرار بالتعددية الحزبيةفعلى ماذا . و إخراج الوطن من األزمة في الحاضر، اجل تحقيق االستقالل في الماضي

طنية للدولة الوطنيـة ؟ هل هي شبيهة بمـا عرف بالغرب؟ أم لها تقوم المقومات الونظرا لما عرفه الوطن من استعمار و ما عاناه الشعب من الال عدل ، خصوصية محلية

و الحرمان ؟ و خوضها معركة ، يبدوا أن األمر أصبح بديهيا عند التعرض إلى الحركة الوطنية

فالشعور بالوطنية يختلف عن الوازع الديني الذي . التحرير قصد استرداد السيادة الوطنية ليس معناه أنها دولة ، فجعل الدين اإلسالمي أساس الدولة الوطنية، نيربط جل الجزائريي

إال أن بيان أول نوفمبر يشير . بل دين الدولة اإلسالم مثلما ورد في الدساتير ، إسالميةصحت الترجمة لبيان أول إن ، إلى تأسيس دولة اجتماعية على أسس إسالمية

و ، فهو ليس له و طن، و غير قاري أو قطري، اإلسالم من طبيعته عالمي.نوفمبــربها بينما الوطنية التي أصبحت إيديولوجيا بعد التحرر و االستقالل، . ال حدود يتقيد

يتعين مما ).3(مما شكل مصدر الشرعية للنظام الجزائري، واالعتراف بالهوية الجزائريةهي اللغة القومية الرسمية لها، و أنها تستمد طاقتها ، على الجزائر التأكيد بأن اللغة العربية

ة األديان لكل فرد و تضمن حرية ممارس و أن الدولة ، األساسية من دين اإلسالمالروحية في ، على تنظيم عصري ديمقراطي األمة - دولةالم تقا و منه. و معتقداته احترام آرائه

و تدفع محتوى إلى إنجازات ملموسة تطبع الحياة اليومية،، ار التقدميةبيل ترجمة األفكسبما تخلقه من حركية في الفكر و العمل، نحو االرتباط النهائي ، الثورة الشعبية

األمة قبل أن يتم التحول إلى -تلك هي مجمل التحوالت التي عرفتها الدولة .باالشتراكيةال ، لمواطنينل ةدوحالممن حيث هي ، فهومها الذي أشير إليه سابقافاألمة بم. التعددية

، و التي تسهر لروابط االجتماعيةل المقومالتضامن أساس بل على، صلة الدم على أساس 1 Kaddache(Mahfoud), Histoire du nationalisme algérien (Tome II :Question nationale et politique algérienne 1919-1951),SNED-Alger 1980, p : 774 2 Ibid , p : 776 3 Bensaada (Mohamed Tahar), Le régime politique algérien ( de la légitimité historique à la légitimité constitutionnelle ) , ENAL-Alger 1992, p :41

Page 228: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

216

و منه كان األساس للدولة الحديثة التي تتجاوز كل الفوارق االثنية و . عليها الدولة تعمل األولي على تكريس السيادة ، همة مزدوجةو عليه أصبح للدولة الوطنية م، الجهويةو الثانية استبدال و تجاوز كل ما هو اثني و عرقي بما هو وطني قصد تحقيق ، الوطنية

مع جعل الوطنية هي الواجهة أو الجدار لكل تصدع قد . التنمية االقتصادية و االجتماعية ). 1(الوطنية قبل كل شيءيحدث بسبب الشعور اإلثني أو الجهوي و بهذا تطرح الحماية

فهل لمثل هذا الجدار ما يجعله غير قابل للتصدع ؟ أم أن الخالفات السياسية بسبب التدني ؟المعيشي و التدهور االقتصادي دفعا إلى التفكير في شكل جديد من الدولة

:الدولة الوطنية ؟ هل تتأسس دولة القانون على أنقاض-2رماس ؛ أنه بواسطة دولة القانون ؛ الدولة الوطنية مما درج بالنصوص األساسية لهب

مما يسمح لممارسة النشاط السياسي فرديا أو جماعيا، . شكلت الهياكل القاعدية لإلدارة فالدولة . مع خلق التجانس الثقافي و اإلثني ، ضمن فضاءات خارج المجال الرسمي للدولة

فالوطنية التي لم تتأسس من . لفرنسية الوطنية و الديمقراطية توأمين أنجبتهما الثورة ابل من خالل النشاط الديمقراطي الذي يسمح ، الخصائص الثقافية و االثنية المشتركة

مثل هذا ). 2(للمواطنين أن يمارسوا حقهم الديمقراطي من خالل المشاركة و التواصلالتي ، لوطنيةالطرح الهبرماسي يدرك أهمية اإلطار القانوني الذي تنشط بداخله الدولة ا

أين وضع في أول بند في دستورها . نتجت عن الثورة الفرنسية و المؤسسة للجمهورية و كون الدستور وثيقة قانونية ضامنة . السيادة ملك للشعب كتعبير عن الحريات األساسية

فمن . شكلت و من خالل الممارسة الديمقراطية دولة القانون أو الحق ، لهذه الحرياتو الموضحة في القانون المدني تحدد ، غة القضاة أن الجنسية الخاصة بالمواطنخالل ل

و المحدد للحدود الجغرافية للدولة و المعتمدة في القانون ، انتمائه للشعب المكون للوطنمثل هذا التصور يوقعنا في لبس عندما تتداخل الدولة الوطنية مع دولة القانون، ). 3(الدولي

فالدولة الوطنية عندما ، حصره في مبدأ االعتراف و المضمون قانونا فهذا التداخل يمكنو تلتمس من القانون حق المشاركة ، تتجاوز الفروقات الثقافية و االثنية بفعل التواصل

و التي ال تلغي البتة الدولة الوطنية بل هذه األخيرة ، الديمقراطية تتحول إلى دولة القانون . و ذلك بما يمليه القانون ، الثقافيةتعترف باألقليات االثنية و

لعل األحداث أكتوبر و ما جاء به الدستور في الثمانينات كانا الدافع إلى القول بدولة فالدولة الجزائرية لما بعد االستقالل عملت على إرساء . القانون و تجاوز الدولة الوطنية

و المستلهمة من القوميات المشكلة ، الوطنيةضامه بذلك كل شعور بالهوية ، الدولة الوطنيةمثل هذا العمل شكل تاريخ الحركة الوطنية . بحيث عمل النظام على التوفيق بينها ، لها

فالدافع إلى الوحدة الوطنية هو التخلص من . التي كان يهتز كيانها أمام كل عثرة ؟ فالدولة من حيث هي وهل لمثل هذا الدافع ما يجعله يستمر بعد االستقالل، االستعمار

رتبت مقوماتها على الهوية الوطنية جاعلة منها إيديولوجيا وطنية ، المؤسسة للوطنية ةفاإليديولوجي). 4(ترتكز على التراث المحلي المؤثر على البني االجتماعية و رمزيتها

1 Ibid , pp : 42-43 2 Habermas(Jürgen), L’intégration républicaine , Op-cit , pp : 69-71 3 Ibid , p : 73 4 Addi (Lahouari),L’Algérie et la démocratie , édition la découverte ,Paris 1994,pp :202-203

Page 229: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

217

س ملغيتا بذلك إمكانية تأسي، من خالل الدين و اللغة، الوطنية التي امتدت إلى الماضيو هذا ما ورد في ، جاعلة منه دين الدولة) 1(دولة قائمة على القانون، بل على اإلسالم

و األمر يستمر بذات االتجاه عندما تتنوع مصادر القانون الجزائري . الدساتير الجزائريةو باألخص قانون األسرة الذي طرح في ، خاصة ما هو مستمد من الشريعة اإلسالمية

لي يدرك أن الدولة تسير االتجاه اإلسالمي و ال تقوم بعملية إصالحه، و بالتا، الثمانيناتغير أن األحداث شكلت تصورات جديدة ). 2(مما يمكنها من التحكم في اإلسالم السياسي

، تستثمر اللغة و الدين في توجهات إيديولوجية لم تكن جديدة بحكم تواجدها في السريةخشية من أن تتكرر تجربة الحزب الواحد الذي ، قانونمما تكون الدافع إلى القول بدولة ال

و التي ، فالتجربة السياسية مع التعدية. اعتمد في أساسه على الشعبوية غير ممنهجة و تيارات كانت لها مواقف ، أظهرت تيارات سياسية كانت منطوية في لواء الحزب الواحد

مما ترتب عنه وجود . من بداية التشريع ألول دستور ،و دخلت في النشاط السري و أن أحداث أكتوبر مكنتهم من الوجود و االعتراف بهم ؛ . أحزاب تشتغل في السرية

فهل لهذا الدافع ترتيبات . بشرط االلتزام بقوانين الجمهورية ؛ و مبادئ بيان أول نوفمبرمبدأ : ن قانونية و سياسية ؟ على العلم أن المفهوم الليبرالي أو الجمهوري يقوم على مبدأي

و الذي يتجسد في الدستور كمصدر أساسي ، يقوم على السيادة الشعبية كمصدر للسلطة. حتى الكل يمتثل للقانون أو لسلطة القضاء ، ومبدأ يقوم على القضاء واستقالليته، للقانون

غير أن هبرماس يضيف مبدأ ثالث و هو االتصال قصد تحقيق الديمقراطية و المشاركة ففيما تتمثل هذه المبادئ و ما . لسيادة و تلجم هذه الممارسة بأخالق المناقشةالفعلية في ا

هي األسس المتقاربة حتى يمكن القول بدولة القانون ؟ :الدستور-أ-2

و ، سواء كانت ليبرالية أو جمهورية، يعد الدستور الوثيقة القانونية الرسمية لكل دولةفكرة تعود في أصولها إلى التراث اليوناني أين نجد أرسطو يعتبر الدستور المعين هي

و بالتالي يجعل على حد السواء ، خاصة الوظيفة التي لها السيادة، للوظائف داخل الدولةو بالتالي ، و من البديهي أن تقصد الدساتير تحقيق المنفعة العامة. الحكومة و الدستور بينما الدساتير التي تقصد المنفعة . ألنها تصبو لتحقيق العدل ،توصف بأنها صالحة

و التي هي ). 3(و الدساتير وضعت لتسير المدينة أي الدولة، الشخصية تعد دساتير فاسدة. و كل واحد منهم يقوم بوظيفته قصد سالمة السفينة ، بمثابة سفينة يركبها مالحون

المدني و بمقتضي الحق العام يكون . دينة الم-ففضيلة المدني االلتزام بسالمة الدولةو ما عدا ذلك فهي ، بينما فضيلة الحاكم التبصر. قاضيا و عضوا في الجمعية العامة

كأن نقول أن الثقة العادلة بينهما هي التي تجعل من المدينة . متقاسمة بينه و بين المدنيين مكانة الدستور من حيث يواصل أرسطو في تحديد. و صالحها بصالح الدستور ، صالحة

فإذا كانت قائمة ، و يحدد عالقة السلطة بالحكومة. هو مصدر الصالح و الخير للدولة و إذا كانت في يد األخيار و ، على الفرد الذي يحقق المنفعة العامة عرفت بالملكية

1 Cesari (Jocelyne), L’Etat de droit en Algérie: Quels acteurs et quelles stratégies, in L’Etat de droit dans le monde arabe , sous la direction de Mahiou (Ahmed), Op-cit, p :257 2 Ibid, p : 260

3 203- 201:ص ص ، مصدر سبق ذآره، السياسة، أرسطو

Page 230: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

218

و أفراد الجماعة عرفت ، تكون السلطة ال موضوع لها إال الخير األكبر للدولةو هي تقابل حكم األكثرية التي ال غرض لها إال الصالح العام و تعرف ، ستقراطيةباألر

أن طبيعة الحكومات تتماشي مع ، يدرك من تصنيفات أرسطو للحكومات). 1(بالجمهوريةو فق ما يمليه الحق ، فالقاسم المشترك بينهم الصالح العام، طبيعة الدساتير الخاصة بها

، مة ملكية أو أرستقراطية بمعناها الحالي ليبرالية أو جمهوريةفسواء كانت الحكو. العام و على ، باشتراطها على الحاكم التبصر كأسمى الفضائل، فهي تهدف إلى تحقيق العدل

مثل هذه الخصائص ينفرد بها نظام الحكم اليوناني الذي ربط . المدنيين الطاعة و الثقة يمليه على السلطات الثالث و إرساء مبدأ فهل الدستور من خالل ما ، السياسة باألخالق

الفصل بينهم يتحقق العدل ؟ و هل بمجرد القول بالعدل يتوقف تجسده في القضاء ؟ و هل من خالل النصوص ، و التي حالة طبيعية في المدينة اليونانية، التركيز على الحرية

األساسية ؟ و هل الواردة في الدساتير تتحقق دولة القانون التي تحافظ على الحريات الحريات األساسية و مسألة السيادة الشعبية تعد إقرارا للدساتير التي تهدف إلى تحقيق

دولة القانون ؟ من خالل المبادئ التي طرحها هبرماس و التي يقوم عيها الممارسة الدستورية ضمن

هما آلية قانونية يضع بين، فالدستور الذي يتقابل مع الحق و السلطة السياسية، دولة القانونألن فكرة دولة القانون تكتسب نمط تنظيمي للسلطة . تحدد إستراتيجية ممارسة السلطة

التي تلزم السلطة السياسية المكونة على الشكل القضائي أن تأخذ شرعيتها من ، العموميةلب ونظام اإلدارة العمومية يرتكز على سلطة تتط. القوانين المملية من الهيئة المعنية

فكيف يمكن أن يقحم هبرماس التواصل و ). 2(التجديد من السلطة التي تبني على التواصلجعله سلطة من بين السلطات المعروفة دستوريا ؟ وهل نفهم من ذلك أن المبادئ الدستورية التي طرحها هبرماس تختلف عن تلك المعتاد عليها ؟ من خالل النص

الذي نستخلص منه المبادئ ، ق و الديمقراطيةالجوهري الذي وضعه هبرماس حول الح :التالية

و الذي ، مبدأ مستمد من روسو و المجسد في الثورة الفرنسية: مبدأ السيادة الشعبية-التي تعود إلى المدنيين الذين يمارسون السلطة ، يأخذ كسلطة لديها األهلية التشريعية

تشريع القوانين وفق قناعاتهـم و التي تمكنهم من، التواصلية القائمة على النقاشكضرورة لتشكيل الهيئة البرلمانية ، مثل هذا النقاش يلزم مبدأ التعددية السياسية. المشتركة

أين يسمح لكل ، من خالل مشاركة األحزاب السياسية، و الـرأي و اإلرادة السياسية، السيادة الشعبية و حتى يكتمل مبدأ. المدنيين من إبداء رأيهم داخل فضاء عمومي سياسي

و مبدأ المنافسة السياسية لألحزاب ، يستوجب ضمان وجود فضاء عمومي مستقل ).3(و مبدأ البرلمان، السياسية

يقوم على أهلية تشريعية تتحقق من خالل إرادة سياسية تميل : مبدأ استقاللية القضاء -مدنيين ؛ ال يمكن تأوليه ألنه من جهة نظام الحقوق ؛ الذي اعتمد من قبل ال، نحو التشريع

و من جهة أخري الدولة المنظمة ؛ ال يمكن أن تسير إال بواسطة ، إال بواسطة قوانين

205:ص، المصدر نفسه 1

2 Habermas (Jürgen) , Droit et démocratie ,Op-cit, p : 188 3 Ibid , pp :190-191

Page 231: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

219

فاألهلية التشريعية مبدئيا مملوكة بالكامل من قبل المدنيين ،و الممارسة داخل . قوانين ل قاعدة فالقوانين تشك. التي تبرر القوانين وفق إجراءات ديمقراطية ، أجهزة برلمانية

سواء كانت مكيفة مع . اإلدعاءات الفردية الناتجة عن عملية تطبيقية على حاالت منعزلة و عليه لزم أن تكون القوانين القضائية الضامنة ، قناة إدارية أو سواء قوانين تخدم ذاتها

تسمح بممارسة العدل ، و منه كانت نظرية الحق القائمة على أسس علمية، لحماية المدنيفكان لزوما ، احترافي من خالل الممارسة القضائية للقضاة و إصدار أحكامهم بشكل

).1(و هذا لضرورة نفعية، الفصل بين السلطة القضائية و السلطة التشريعيةفإن أولوية القانون الذي يأخذ ، من وجهة نظر معرفية :مبدأ سلطة اإلدارة العمومية-

ارة ليس لها مأخذ على المقدمات القانونية بإجراء ديمقراطي يدل على أن اإلد، شرعيتهو الوجهة التطبيقية أن السلطة اإلدارية ليس لها أن تتدخل في . التي كانت قاعدة قراراتها

تدعم سلطة اإلدارة العمومية بخضوعها للسلطة . كال من السلطتين التشريعية و القضائية و ، برلمان و مراقبته لإلدارةمما يسمح بتطور ال، القضائية بوضع جهاز قضائي إداري

أين يرفع أي فعل تم قبوله أو رفضه من قبل اإلدارة التي تلتزم ، ذلك بوضع محاكم إداريةفإذا تبين أن السلطة التنفيذية قد مست أشخاصا معنويين أو جمعيات في . بتنفيذ القوانين

تقديهم طعنا للمجلس فعليهم أن يلتمسوا العدل في استرداد حقوقهم ب، حقوقهم األساسية ).2(الدستوري

يشير هبرماس إلى التقاليد المتعارف عليها ضمن :مبدأ الفصل ما بين المجتمع و الدولةالذي فهم على الخطأ بالمعني المعتمد في دولة القانون الليبرالية ، الحق الوضعي األلماني

لى التساوي في فعامة المبدأ يقوم ع. وعملوا على الفصل بين المجتمع و الدولة وفق االستقاللية االجتماعية ، الذين يتمتعون بالحريات األساسية، الحضوض لكل المدنيين

مثل هذا . و يشارك في االتصال السياسي ، التي تمنح لكل واحد أن يستعمل حقه كمدني و إذا أخذ من جانبه التجريدي فإنه يكتسب، المبدأ القائم على الفصل بين المجتمع و الدولة

التي ترتكز على الجانب ، خالفا للنموذج البورجوازي لدولة القانون، المجتمع المدني. و حصرت مهمتها في حماية الداخل من الخارج ، االقتصادي تاركة السوق ينتظم تلقائيا

مثل هذا النموذج يعتمد على االستقاللية الفردية المضمونة بالقانون الخاص، الذي يحقق و عليه كان المجتمع المدني مركبا من هيئات و جمعـيات ، عم قراراتهملهم نهاياتهم و يدتلزم ضبط التوزيع غير العادل لمواضع السلطة االجتماعية دون وضع ، و ثقافة سياسية

و يعرف هبرماس السلطة االجتماعية بإمكانية . حدود الستقاللية المدني و ممارسته لها ت االجتماعية أن يقدم اعتبارا لمصالحه أمام أي و من خالل العالقا، الفاعل االجتماعي

و سلطته تكتسب من السلطة ، اعتراض قد يواجهه ،حتى و إن كان من السلطة اإلداريةالتي تمكن السلطة االجتماعية ؛ من خالل الهيئات الممثلة له من تنظيمات و ، التواصلية

ا في الفضاء العمومي جمعيات ؛ من أن تتحول إلى سلطة سياسية و يتجسد ذلك بتدخله ). 3(السياسي

1 Ibid , p :191 2 Ibid , pp :193-194 3 Ibid , pp :194-195

Page 232: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

220

تقرأ بأنها المبادئ ، مثل هذه المبادئ التي شكلت السلطات األربع المكونة للدستورالتي تأخذ التواصل كسلطة متواجدة في العملية النقاشية عند ، الدستورية لدولة القانون

و ، طة التشريعيةو بالرغم من تواجدها في كل من السل. عملية التشريع و إصدار األحكام مما يجعل . فهي بذلك تعد وسيطا محصن بوسيط آخر قضائي ، القضائية و االجتماعية

فإلى حد يمكن مقاربة هذه المبادئ الدستورية التي . الكل يمتثل للقانون في دولة القانونتكلم عنها هبرماس مع تلك التي وجدت في الدساتير الجزائرية ؟ و هل هناك مبادئ

كن التعويل عليها عند القول بدولة الحق و القانون ؟ و هل يمكن القول بدولة مشتركة يمالقانون بميزات جزائرية على العلم أن الحق الوضعي هو خاصية ألمانية تختلف عن

الحـق الشخـصي؟ : الدستور الجزائري-ب-2

عبية، يقران بمبدأ السيادة الش 96و 89لعل الدساتير الجزائرية خاصة دستور كل من وهي فكرة راودت ، و المجسدة في السلطة التشريعية التي بموجبها الدولة تستمد سلطتها

اإلصالحيين بجعل الدستور المرجعية األساسية لممارسة السلطة، باالعتماد على مبدأ و عليه كانت ، و هي نقطة تشترك فيها مع الدساتير المعمول بها عالميا، السيادة الشعبية

التي تعتمد على المذهب الدستوري، ، دستور متعددة ليتقارب مع الدساتير الدوليةمصادر ال، الذي يدعو إلى الفصل بين السلطات مع اإلقرار بقاعدة التوفيق بين السلطة و الحرية

فالمناداة بالحرية و الفصل بين السلطات من أهم خصائص المذهب الدستوري، أين استلهم كالنظام البرلماني عند جعل الحكومة مسئولة ، ه من أنظمة مختلفةالدستور الجزائري مبادئ

و أن رئيس الجمهورية ، و من النظام الرئاسي مبدأ الفصل بين السلطـات، أمام البرلمانو يأخذ الكثير من الدستور ، الضامن لهذا الفصل بتواجده أو بتعينه ألعضاء يمثلونه

فالدستور لم ). 1(ورية و كذا عملية التشريعالفرنسي خاصة في كيفية انتخاب رئيس الجمهيعد يقرأ سياسيا أو إيديولوجيا بل قانونا أساسيا يعلوا على كل القوانين ألنه يحدد الحقوق

من 11المادة و تكرس هذا من خالل ما جاء في نص ). 2(و الحريات و االختيارات دها من إرادة الشعبمشروعيتها وسبب وجو الدولة تستمد التي تنص على أن، 89دستور

وحقوق اإلنسان ـحريات األساسية ال 31و الدستور ذاته هو الذي يضمن خالل المادة .، ن جميع الـجزائريين والـجزائرياتتكون تراثا مشتركا بيو أكد على أن . والـمواطن

. وعدم انتهاك حرمته، إلى جيل كي يـحافظوا على سالمته واجبهم أن ينقلوه من جيلو هي بذلك ، ح تصورا جديدا للحريات العامة المستمدة من مبادئ حقوق اإلنسانمما طر

من خالل ممارسة الحريات ، تشترك مع الدساتير الدولية في اإلقرار بحقوق اإلنسانمن خالل إنشاء جمعيات وهيئات تشكل المجتمع ، بما في فيها الحريات السياسية، األساسيةالمذكورة قد أعطت الضوء األخضر لتشكل السلطة و بالتالي تكون المواد، المدني

فهل لمثل هذه السلطات دعامة مبنية على التواصل ؟ وهل مبدأ ، السياسية و االجتماعيةالمشاركة في تشكيل السلطات يقتصر على العملية االنتخابية ؟ أم أن المشاركة تستمر

194-193: ص ص ، مرجع سبق ذآره، النظام السياسي الجزائري، )سعيد(بوشعير 1

2 Bendourou(Omar), La crise de démocratie en Algérie, Op-cit, p : 21

Page 233: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

221

سياسية من خالل ضمن مسار ديمقراطي يقوم عليه المجتمع داخل فضاءات عمومية النشاطات الحزبية في إطار المنافسة الحرة ؟

:القضاء الجزائري -ج-2وزير ما جاء في تصريح مبدأ الذي جاء به هبرماس حول استقاللية القضاء معبال رنةامق

إصالح أنبالجزائر العاصمة األربعاءالسيد الطيب بلعيز اليوم األختامالعدل حافظ وفق اإلنسانإلرساء قيم العدالة وتعزيز حماية كرامة " اهتماما بالغا"قطاع العدالة أولى

بمناسبة التي ألقاها كلمةال ذات أضاف الوزير في و. والقيم الوطنية األساسيةالمبادئ المرجعية وفقا لما تؤكده" أيضاجاء اإلصالحهذا أن 2010-2009افتتاح السنة القضائية

مما يتأكد التوجه العام .)1(زائرـالج إليهاالمنضمة العهودالدولية من المواثيق ومثل هذه اإلصالحات إلى تأسيس دولة القانون و أن افهل تنحو، لإلصالحات المباشر بها

يكون القضاء الروح الذي يلهمها و جودها ؟ و هل بمجرد القول باستقاللية القضاء أن القضاء مستقل 96و 89اتير ترسي معالم دولة القانون و الحق ؟ وفق ما جاء في دس

و التي تنص على ، 158و المدعم بالمادة 138عن باقي السلطات بدليل ما جاء في المادة التي يمكن ، تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية عن األفعال؛ للدولة اعليمحكمة تأسيس

نايات و كذلك ما يمكن أن يرتكبه الوزير األول من جنح و ج. وصفها بالخيانة العظمىمثلما جاء في أدبيات دولة ، أال يمكن اعتبار مثل هذه المواد االمتثال الحقيقي للقانون.

القانون ؟ و إذا كان الكل يمثل للقانون بما فيه الجهاز التنفيذي، فكيف يمكن لنظام و يمتثل ، جمهوري رئاسي أين نجد رئيس الجمهورية يترأس مجلس األعلى للقضاء

أن العملية إلى ةشارلقاضي األول ؟ فكيف تتأسس دولة القانون ؟ فإذا تم اإلللقانون و هو امن ، لى العالم الخارجيع في تطابقه و تفتحه واكباإلصالحية على مستوي التشريع ي

لى تطابق منظومة إأفضت و التي ، التشريعية الوطنيةشاملة للعدة المراجعة ال خاللالموجودة سسالمبادئ و األ ؛ معاألساسية نا ومثلنامع قيم؛ تطابقا تاما قانون الخاصالخاصة تلك المرتبطة بحقوق اإلنسان و الحريات و العهود الدولية ، المواثيق في

فهل يعد هذا التطابق كافيا إلرساء دعائم .و أن القانون يعمل على حمايتها ، األساسيةريات األساسية خاصة حرية دولة القانون ؟ و هل لمثل هذه الحماية ضمان يتكفل بالح

الرأي و المعتقد مثل ما هو موجود في أدبيات دولة القانون ؟ و أنه مسئول ، أن القاضي ال يخضع إال للقانون 96و 89لعل ما ورد في كل من دستور إذ يتمتع ، يدرك أهمية القطاع في تجسيد دولة القانون، أمام مجلس األعلى للقضاءويسهر .سير سلـمهم الوظيفي ت و، ونقلهم تعيينه للقضاةتور ببصالحيات محددة في الدس

وعلى رقابة انضباط القضاة تـحت رئاسة ، على احترام أحكام القانون األساسي للقضاءو من خالل ما جاء في الدستور كذلك ؛ يترتب على . اعليالرئيس األول للـمحكمة ال

العدالة ؛ و فق المبدأ المنصوص عليه المجلس معرفة الهيئة القضائية المشرفة على تحقيقالكل و أن، مبادئ الشرعية والمساواةمتمثل في الأساس القضاء بحيث ، في الدستور

ففيما تتمثل هذه . هو في متناول الجميع ويجسده احترام القانون و، سواسية أمام القضاء قيق دولة القانون ؟و هل هي كفيلة بتح، الهيئات التي تسهر على تطبيق و احترام القانون

29.10.2009:جريدة الخبر ليوم 1

Page 234: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

222

:و دولة القانون مجلس األعلى للقضاء 1-ج-2و يتجسد فيها مبدأ الفصل ما بين ، مؤسسة دستورية تعزز استقاللية السلطة القضائية

فبرنامج إصالح العدالة، و ، و هو المضطلع على المسار المهني للقاضي، السلطات. 1999أكتوبر 20صالح العدالة بتاريخ إلتنصيب اللجنة الوطنية الذي جاء على إثر

مما يوحي بعدم ، الذي يعيشه قطاع العدالة من فقدان الثقة و استجابتا للوضع المزريصعوبة الوصول العادل فمجموع األسئلة التي أرهقت المواطن نذكر منها . وجود عدالة

مما . القضائية جود نقص في الشبكة الوطنيةبمعنى و .من طرف المواطن إلى العدالةبحيث تصبح هذه الهيئة ، يجعل أهمية إعادة النظر في القضاء بدأ بالمجلس األعلى للقضاء

بحيث يتم التركيز على ، منها ما ذكر آنفا، دستوريا قوية تتمتع بمجموعة من الصالحياتلذا استوجب االهتمام بهذا العنصر من حيث . القاضي ،كحجر أساس لتحقيق العدل

فهل مجلس األعلى للقضاء مدعم بهيئات أخري تسهل ). 1(ن و التكفل االجتماعيالتكوي مهامه ؟

دليل على النية في جعل السلطة القضائية . لعل تدعيم المجلس بأمانة و مكتب دائم بدل ما كانت ، أسندت األمانة لقاضي إذ، مستقلة، بحيث نجد األولى مشكلة من قضاة

ما المكتب الدائم ؛ كهيئة مساعدة للمجلس الذي يتولى مهام بين. إلداري من وزارة العدل من خالل مجلسه ، فهل وجود هذه الهيئات كان كافيا ليستقل القضاء، تنظيم أعمال المجلس

عن السلطة التنفيذية ؟ و إذا كانت السلطة القضائية ممثلة في وزارة العدل كجزء ال يتجزأ فهل ميزانية المجلس تقتطع من ميزانية ، األخرى من الجهاز التنفيذي مثلها مثل الوزارات

، أن أي جهاز يريد استقالليته، الوزارة ؟ يجدر اإلشارة و من خالل ما هو متعارف عليهو عليه عززت استقاللية المجلس بإقرار ميزانية خاصة . إال و كان له مورد مالي خاص

و ، ية كلما كانت السرعة في التنفيذو الجدير بالذكر أنه كلما كانت هناك استقاللية مال. به و منها كانت المقولة . تخطي العراقيل بسبب التعثرات المالية التي قد تكون مفتعلة

فإذا كان القاضي فقيرا أغناه ، "أساس الملك المال و أساس العدل الملك"التالية صادقة لقاضي و للمجلس فهل لمثل هذا المقام الذي خص ل. حتى ال يخضع ألي ضغط ، اإلمام

كفيل بتحقيق دولة القانون ؟ لعل ما يبرز الممارسة الديمقراطية في :االتصال و إمكانية تكوين الفضاء العمومي-د-2

و يظهر ذلك جليا من خالل إطاللة على ، ظل دولة القانون ؛حرية التعبير عن الرأيها أن حرية التعبير بما فيها حرية بما فيها التعديالت التي ألحقت ل، مجموع الدساتير

أين، و في مادته التاسعة عشر ،1963دستور كما ورد في ، الصحافة و وسائل اإلعالمو حرية تأسيس الجمعيات، ، و وسائل اإلعالمو حرية ، تضمن الجمهورية حرية الصحافة

لى لحرية مما تتأسس اللبنة األو .و حرية التعبير، و مخاطبة الجمهور و حرية االجتماعفهل لمثل هذا اإلجراء استمرارية ؟ أم سيتقلص عند المس بالمبـدأ القائل . اإلعالم

و أن الدولة تلتزم بالتكفل بالمواطن اجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا و ، باالشتراكيةال مساس بحرية المعتقد تنص على أنه 1976دستور من 53المادة إعالميا ؟ فإذا كانت

و إن لم نقل اختفت بفعـل ، ؟ فكيف نفسر تقلص عناوين الصحف ة الرأيو ال بحري

33: ص، مرجع سبق ذآره، يز الطيببلع 1

Page 235: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

223

و التي تقر بحرية التعبير دون المساس، من ذات الدستور 55 التأميـم ؟ و هل للمادةدور في ذلك ؟ و هل معني ذلك أن العمل الصحفي ال يحق له أسس الثورة االشتراكيةب

أن اإلعالم عرف تعددية من خالل ، إليه مسبقاانتقاد التوجه االشتراكي ؟ لعل ما أرشنا غير أن عملية التأميم قلصت من نطاق . و ما عرف بالصحافة الحزبية ، التعددية الحزبية

بحجة أن الدولة تضمن تحقيق العدالة و التوزيع العادل . الحرية السياسية و اإلعالمية و كان البد من المشاركة ، سيةإال أن االنفجار االجتماعي أثبت فشل هذه السيا. للثروة

فهل . و عناوين لصحف ، مما أدي إلى تكون أحزاب سياسية. الحقيقية للشعب في السلطة الصحافة ارتبطت باألحزاب السياسية و اقتصرت على الصحافة الحزبية ؟ أم أن الصحافة

ليكرس العمومية تحررت ؟ أم دعم القائمون بها لتكوين صحافة حرة ؟ و هل التدعيم جاءوحرمة ، مساس بحرمة حرية الـمعتقدمن الدستور و التي تنص على عدم ال 35المادة

؟ حرية الرأيخاصة عندما خرج . إن العمل اإلعالمي ال يمكن له أن يوجد و يستمر بدون مورد مالي

و ما جاء في ، من حماية الدولة التي أقرت بموجب دستورها الحرية و التعددية لإلعالمأن ، أنه ينتظر من المسئولين و المسيرين لإلعالم العمومي، رئيس الحكومة تصريح

فالهدف من هو إعطاء الحرية لإلعالم . يؤسسوا مع نظرائهم في التحرير عناوين جديدة استجابة لهذا النداء تحول مدراء . و تخليصه من الهيمنة السياسية للحزب الحاكم

نجد . خاصة الفرانكفونية و أسسوا جرائد خاصة ، لعموميةو رؤساء تحرير من الصحافة ا، و المتخصص في قضايا البترولية، منهم عمر بلهوشات مراسل خاص لجريدة المجاهد

، أحمد بن شيكو رئيس تحرير جريدة )El Watan(يؤسس جريدة الوطن باللغة الفرنسية الدين عمير من جزائر خير، باللغة الفرنسية) Le Matin(المجاهد يؤسس جريدة الصباحو هناك من العناوين التي ) .1(باللغة الفرنسية) La Tribune(األحداث يؤسس جريدة المنبر

إذ نجد منهم الحاج الطاهر سوفي المدعم المالي لجريدة ، لقت الدعم المالي من الخواصتتاحيا و أخذت لها خطا اف، )L’Hebdo libéré(اليومية الحرة الناطقة باللغة الفرنسية

ومن العناوين نجد من لقي الدعم . المطالب بدولة القانون و الديمقراطية وحرية الصحافة و ، المرتبطة بجريدة الجزائر الجمهورية)Liberté(كصحيفة الحرية، من األحزاب السياسية

و من الصحف الناطقة باللغة العربية تكونت ).2(المدعمة من قبل حزب الطليعة االشتراكيو التي عرفت مشاكل الخبرو أسست جريدة ، م كانت موجودة بجريدة الشعبمن أقال

في المؤرخ 45و عن الجانب المالي و بمقتضي المرسوم رقم . التسيير قبل أن تستقر و المعتمدة على مساهمة ، و المحدد لميزانية التسيير لقطاع اإلعالم، 1990أكتوبر 24

بحيث تقرر أن يصرف لهم ، أسيس عناوين مستقلةالذين توجهوا لت، الدولة و اإلعالميينالقاضي ، 1990أوت من عام 4وبمقتضي المرسوم المؤرخ في . مرتباتهم لمدة سنتين

بتجهيز المقرات الصحفية بوضع دار الصحافة بصيغة مؤسسة عمومية ذات طابع مسيرة بمجلس إداري مشكل من جهة من ممثلين عن الوزير. ) EPIC(صناعي و تجاري

و من جهة أخري من ، األول ؛ و عن كل من وزارة المالية و الداخلية و االجتماعية 1 Chalabi (El-Hadj), La presse algérienne au dessus de tout soupçon, édition Ina-Yas Alger–Paris 1999,pp :47-48 2 Ibid , pp : 49-50

Page 236: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

224

فهل لمثل هذه المؤسسة القدرة ) . 1(ممثلين منتخبين عن هيئات التحرير للعناوين الصحفيةو المساهمة في تشكيل فضاءات عمومية تساهم في الممارسة ، على تحرير اإلعالم

لقانون؟ الديمقراطية و بناء دولة او الواردة في اإلعالن العالمي ، كون دولة القانون الضامن للحقوق األساسية لإلنسان

كامتداد للحرية و ، و الذي سمح بطرح مفهوم الحق في االتصال، لحقوق اإلنسانأي الحق في التواصل و الحق في ، و يعد االتصال من بين حقوق اإلنسان. الديمقراطية

أين المشاركون ، والتواصل أخد مسارا تطوريا ذا اتجاهين. الخبر الحصول على مثل هذه الفكرة طرحت كي تساهم في بناء ، يباشرون حوارات ديمقراطية متوازية

هذا اإلجراء لقي تحديات . الديمقراطية على مستوي الوطني أو على المستوي الدولي فهل لمثل ). 2(ى اليونسكوترجمت في مواقف سياسية و إيديولوجية طبعت النقاش عل

الترتيبات على مستوى الهيئة الدولية تمكن من تحرير العمل اإلعالمي المساهم في بناء الديمقراطية كشرط لوجود دولة القانون؟ مثل هذا اإلجراء سمح بالتقرب من الهيئات

من خالل الحركة الجزائرية ، الدولية و المنظمات غير الحكومية للتعبير عن الرأيغير أن الحركة في . التي شكلت تحوال في النضال من أجل حرية التعبير ، للصحافة

). 3(نسبة للصنف الذي ينتمي إليه في ترتيب األجور 14عرفت بلجنة ، بدايتها كانت نقابيةأن التأخر الواضح في مجال اإلعالم خاصة باإلعالم ، و ما يمكن اإلشارة إليه كذلك

كي تتدارك الوكالة الجزائرية ، لى تقديم الدعم الماليدفع باليونسكو إ، الحكوميغير أن الدعم لم يثمر أمام التحجر مع . التأخر على المستوي التكنولوجي ) APS(لألخبار

و ، أمام هذه الوضعية التي يعيشها الصحفيين من قلة اإلمكانيات). 4(قلة اإلنتاج اإلعالميينظم إليها صحفيين من توجهات مختلفة، بما تتماسك الحركة و، الرقابة المفروضة عليهم

الذين خلصوا في نهاية األمر إلى اإلعالن عن أهداف ، فيها اليسار من جبهة التحريرخاصة في ما يخص مصداقية ، بتشخيص الوضعية التي آل إليها العمل الصحفي. الحركة

فكري المدعم مع تحرك الميل ال، مما استلزم ترميم العمل الصحفي. الخبر الوطني ). 5(و إصدار األحكام مع الوقوف أمام كل أشكال الرقابة و الرقابة الذاتية، بقدرات تحليلية

وحقوق األساسية الحريات ضمنت التي ،32 المادةخاصة ما حاء في 1996دستور أمام ألزمتهم و والجزائريات، الجزائريين جميع بين مشتركا تراثا وجعلتها ،والمواطن اناإلنس مثل يستدرك فهل .حرمته انتهاك وعدم سالمته، على يحافظوا كي جيل إلى جيل من هبنقل حقوق عن المدافعين من يصبح و اإلعالم مجال في المسجل النقص الدستوري اإلجراء هذا

الذي الرأي حرية لتحقيق كممارسة الديمقراطية اشترطت إذا و التعبير؟ حرية و اإلنسان القانون؟ دولة الوصول ذلك يعني فأال ،ةعمومي فضاءات يستثمر

11 Ibid, pp : 54-55 2 Derradji(Ahmed),Le droit de la presse et la liberté d’information et d’opinion dans les pays arabes ,édition Publisud 1995, pp :24-25 3 Ancer (Ahmed), Encre rouge le défi des journalistes algériens, édition EL WATAN , p :22 4 Ibid , p : 30 5 Ibid , pp : 46-47

Page 237: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

225

: الخاتمة

Page 238: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

226

اقتصادية و سياسية ترتيبات على تقوم ،أسمي كهدف العدالة أن ،تقدم مما و اإلشارة يجدر عرفت ما أو ،صناعيا المتقدمة بالمجتمعات بشدة تطرح أصبحت أنها و خاصة . اجتماعية و

من ،الرفاهية فكرة االقتصادية و السياسية أنظمتها طرحت أين ،التنظيم ةالمحكم بالمجتمعات الطرح هذا مثل . النمو معدالت و الرفاهية في العدالة حصرت و ،اإلنتاج في الوفرة خالل مناقشة خالل من الحكم، صناعة في بالمشاركة العدالة ربطت ما منها ،تانتقادا عدة عرف بفعل يبني أخالقي أساس ذات العدالة كانت عليه و . جتماعيةاال السياسة تسير التي القيم

و العمومية الفضاءات داخل المناقشة خالل من القانون صناعة في يشترك فالكل . االتصال و ،نظرياته في تبلورت التي فرضيته في هبرماس نشارك عليه و . للقانون يمتثل الكلكل نشاط إنساني يهدف إلي هو حيث من لفالتواص . الدراسة في المعتمد المنطق شكلت

الشيء الذي جعل الكثير من الباحثين ينصبون على ، "توصيل فكرة أو فعل قصد التفاهم. من حيث هو فعل ينسج العالقات االجتماعية ، مثل هذا الفعل و أثره على المجتمع

ة داخل فهبرماس اتجه نحو جعل الخاصية االتصالية متوقفة على القدرة في المشارك . فربط الفعل االجتماعي بالقدرة على االتصال ، المجمع االتصالي

و التي هي ذات أصول ، هبرماس غير من براديغم البحث المعتمد في النظرية النقديةوبالتالي ينسج خيوط . ماركسية إلى النظرية التواصلية قائمة على التداولية المتعالية

و استخدام وحدات معرفية كالتفاهم و االنجاز، ، تعاليةنظريته التواصلية من التداولية المبالمفهوم الذي ناقشه الزارسفيلد ، و هي الخاصية التي أنقلتنا من التواصل إلى االتصال

عندما ناقش مفهوم الفضاء العمومي و كيف تكون بالمجتمعات . و تأثر به هبرماس يرس و فينجشتين و أوستان كان يريد فهبرماس عند ربطه بين ما قدمه كل من ب. الغربية

أين يتم االنتقال من التذاوت إلى الوحدة المنطقية المنظمة ، أن يحدث تدحرجا في األفكارفالمبدأ المراد . و منه إلى فعل اللغة الذي يقتضي اإلنجاز مع أوستان ، للغة الطبيعية

ي لنظرية التواصلي، و يعد هذا األخير المؤسس الفعل، تأسيسه يقوم على وحدة التفاهمزيادة عن هذه العملية ؛ و التي شكلت جزءا من منطقه ؛ الذي وصل به إلى وضع نظرية

و الذي ، المناقشة المبنية على أسس أخالقية، و الموضوعة كنبراس لتوجيه التواصلأين اإلعالم الممثل في ، من خالل العناصر المكونة لالتصال. يهدف إلى التفاهم

الذي تشكل كوحدة تاريخية ، و التي يعتبرها هبرماس أداة تعبير عن الرأي العام ،الصحافةو المدعم بشكل آخر من االتصال، و الممثل . ساهمت في تكوين الفضاء العمومي

مثل هذه الوحدات التي كونت الرأي العام و المجتمع المدني وجدت لها . في المسرح . لعموميإطارا تنظيميا داخل الفضاء ا

و بالتجمعـات ، مما تقدم سالفا عن أخالق المناقشة و عالقتها بالعدالة السياسية من جهة بحيث يأخذ االتصال مقام الوسيط في الحركية السياسية . االتصالية من جهة أخري

من خالل االعتماد ، و االجتماعية الموجهة نحو تحقيق العدالة داخل المجتمعات المنظمةو ، منها ما هو منهجي كاالتفاق بالتقاطع و التوازن المعقول، مجموعة من المبادئعلى

و التي ، ع تكافؤ الفرصمنها ما يخص العدالة كمبدأ المساواة و الحريات و اإلنصاف مأخالق المناقشة ساهمت في وضع األسس . أساس العدالة كإنصاف راولس ت عندعتبرا

والقائمة على الحريات ، ن جهة أخري أسس الديمقراطيةو م، الخاصة بالعدالة من جهةخاصة الالمبادئ المنهجية . األساسية المعلن عنها في الئحة حقوق اإلنسان و المواطنة

Page 239: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

227

ل القائم و الذي هو مدعم بالتوازن المعقو، يستلزم ممارسة ديمقراطية؛ االتفاق بالتقاطع ب بين كل من العدالة و الديمقراطية و منه تدرك الصلة ما . على اعتبارات أخالقية

. و األخالق أن أخالق المناقشة تشكل هويس فعال لخلق ، فمن ما عرف عند كل من هبرماس و آبل

أين يشترك فاعلون ، يمكن من الوصول إلى نهاية إستراتيجية تجسد التفاهم، فضاء عمومي. نفسه شريك في المناقشةأين يعتبر كل فرد ، اجتماعيون و المشكلون لمجمع تواصلي

و البحث عن الحياة السعيدة أو تحديد ، هعليفاألخالق لم تطرح في نفس السياق المعتاد من أجل ؛ بل البحث عن اإلمكانية التواصلية ، لمفهوم السعادة مثل ما رأيناه من قبل

لى تحقق من جهة الممارسة الديمقراطية باالعتماد ع ؛ الوصول إلى ممارسة سياسية حقهأو تحقيق العدالة مثل ما هو . مبدأ االعتراف أو االندماج الذاتي مثل ما هو الحال عند آبل

.أو حتى القضاء على األنظمة التوتاليتارية كنقيض للديمقراطية ، الحال بالنسبة لهبرماسمفاهيم ب هاربطو ي، نظرية المناقشةفهبرماس يطرح تصوره للديمقراطية من خالل

أكثر قوة و تظهر بذلك ، من حيث تحقيقها للحريات األساسية، أكثر واقعية تكونمعيارية من حيث أنهما يشتركان في مجموعة . و الجمهوري يكال النموذجين الليبرالمه دمما يق

و كيف يتم التعامل مع ، من المبادئ ،و كل نموذج يتعامل معها وفق التصور الخاص به .االدستور إما تشريعيا و إما امتثالي

لعل مسألة العدالة عندما ترتبط بالحقوق تكون ذات عالقة أكثر بمجلس القضاء أكثر منه و عليه حدد هدف العدالة ؛ و كهدف جوهري ضمان الحقوق ، من العدالة السياسية

الذي . و التي تعرف كذلك بحقوق المدني ، و عالوة على ذلك الحقوق السياسية، المدنيةفي ظل الحريات ، د القرارات الخاصة بتنظيم العالقات العامةتستدعي مشاركته في إعدا

لذا كانا مفهومي الحق و القانون مفهومين . و الحق ال يكتمل إال بالقانون . العامة إذ درج عند البعض استخدام الحريات العامة أو . مترابطين ؛ شكل األول صوانا للثاني

و الحريات العامة ، الحرية ليست الحق ذاتهألن ، بدا أن األمر غير جائز، الحقوق العامةيتميز الحق عن الحريات، من . و يتكفل الدستور بحمايتها ، خاصة بكل أفراد المجتمع

إذ لكل ، بينما الحق يقتصر على شخص معين، حيث أن هذه األخيرة تمثل إباحة أصليةما يترتب عن م. شخص الحق في الملكية و القانون يتكفل بحرية االمتالك و يضمنها

.الجمهوري أنه طرح الحريات األساسية وفق مبدأ السيادة الشعبية النموذج

أين يكون الشعب الحاكم ، مبدأ السيادة الشعبية عرف أول تطبيقاته مع الثورة الفرنسيةتستمد شرعية و، تقوم سلطة الدولة المنبثقة من الشعبإذ من ذات المبدأ . و المشرعو يأخذ الدستور مكانة مالزمة للديمقراطية .الشعبية ستفتاء واالنتخاباتاال سلطتها من

و الفرق متوقف على المشرع إذ . لكال النموذجين التي تساهم في تكوين الرأي و اإلرادة. والمستمدة من الشعب ، نجده في النموذج الجمهوري يقوم بتشريع القوانين ،و بكل سيادة

قوم على التزاوج بين الحريات الخاصة و الحريات األساسية لليبرالي يبينما النموذج امن خالل العملية التي بها يختبر هبرماس هذا األصل ، المنبثقة من حقوق اإلنسان

و هو بذلك يكون قد وضع أصبعه على التعارض الموجود ، )Co-originaire(المزدوج قائم بين الشروط الضاغطة و رفعه لاللتباس ال. بين الخضوع وممارسة الحقوق السياسية

Page 240: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

228

و المتضمنة في الحقوق ، التي تتحقق عالقتها بالحريات األساسية، و شروط اإلمكان . األساسية، أين الدستور يلتزم بحمايتها

الذي يخلصها من السيادة المطلقة ، التي تعتمد على أساس قانوني متمثل في الدستورالدولة ن تقوم إال بوجود أال يمكن ، ة كما تصورها الفالسفةفالدول. التي تلغي الحريات األساسية

دون دولةال قومألنه من غير الممكن أن ت .ية وعي تام باألهداف االجتماعية و االقتصادالتي تضمر الهيمنة و التنظيمات ذا تعبير يخالف كلو ه .أن تنظم سياسيا و اقتصاديا

الذي يقوم الدور الرقيب للسلطة من ، فشرط الوعي ارتبط بالمجتمع المدني. السيطرة أن دولة ، مما ورد عن النصوص األساسية لهبرماس. خالل الجمعيات االجتماعية

القائمة على أساس القانون ؛ تخرج عن اإلطار الذي شكل الهياكل القاعدية لإلدارة التي تسمح بممارسة النشاط السياسي الفردي المدعم ، المتضمنة في الدولة الوطنية

فالدولة التي تخلق التجانس الثقافي . بالشعور الوطني المولد للشخصيات الكاريزماتية فالدولة الوطنية التي لم تتأسس من الخصائص الثقافية . و اإلثني تعرف بالدولة الوطنية

) المدنيين(و تأسست على النشاط الديمقراطي الذي يسمح للمواطنين ، و االثنية المشتركة سوا حقهم الديمقراطي من خالل المشاركة و التواصل، تكون بذلك قد تحولت إلى أن يمار

.دولة القانون ألن . يعد الدستور الوثيقة القانونية الرسمية لكل دولة سواء كانت ليبرالية أو جمهورية أين . كال النموذجين باعتمادها على دستور جمهوري أو برلماني يؤسسان دولة القانون

فكرة الدستور التي تعود في . تواصل يشكالن المقام المشترك بين النموذجينالحق و الأين نجد أرسطو يعتبر الدستور المعين للوظائف داخل ، أصولها إلى التراث اليوناني

. و بالتالي يجعل على حد السواء الحكومة و الدستور، خاصة تلك التي لها السيادة، الدولةو توصف بأنها صالحة ، لدساتير تحقيق المنفعة العامةمن البديهي أن القصد من وضع ا

بينما الدساتير التي تقصد المنفعة الشخصية تعد دساتير فاسدة . ألنها تصبو لتحقيق العدل و مجمل الدساتير تقوم على مبادئ منها مبدأ السيادة المستمد من أفكار روسو و .

، هلية التشريعية التي تعود إلى المدنيينأين تأخذ السلطة األ، المجسدة في الثورة الفرنسيةالذين يمارسون السلطة التواصلية القائمة على النقاش و التي تمكنهم من تشريع القوانين

مثل هذا النقاش يلزم مبدأ التعددية السياسية كضرورة لتشكيل ، وفق قناعاتهم المشتركةمشاركة األحزاب السياسية أين من خالل ، الهيئة البرلمانية و الـرأي و اإلرادة السياسية

وكذلك مبدأ استقاللية . يسمح لكل المدنيين من إبداء رأيهم داخل فضاء عمومي سياسي نظرية الحق القائمة على أسس علمية أين تكون . الذي يعد أساس دولة القانون ، القضاء

صدار من خالل الممارسة القضائية للقضاة و إ، تسمح بممارسة العدل بشكل احترافيو عليه كان لزوما الفصل بين السلطة القضائية و السلطة التشريعية و هذا . أحكامهم

و يدعم كذلك الدستور بمبدأ الفصل بين المجتمع و . لضرورة تحقيق المنفعة العامة ةالدولة ،و المتمثل في المجتمع المدني الذي اعتبره هبرماس أساس الممارسة الديمقراطي

الذين ، لكل المدنيين المبدأ يقوم على التساوي في الحظوظ فعامة. ن ضمن دولة القانوالتي تمنح لكل واحد أن يستعمل ، يتمتعون بالحريات األساسية وفق االستقاللية االجتماعية

فالمجتمع المدني يعتمد على االستقاللية . و يشارك في االتصال السياسي، حقه كمدنيو هو ، الذي يحقق لهم نهاياتهم و يدعم قراراتهمالفردية المضمونة بالقانون الخاص

Page 241: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

229

و ثقافة سياسية تلزم ضبط التوزيع غير العادل لمواضع ، مركب من هيئات و جمعـياتو يعرف . دون وضع حدود الستقاللية المدني و ممارسته لها، السلطة االجتماعية

لعالقات االجتماعية هبرماس السلطة االجتماعية بإمكانية الفاعل االجتماعي ؛ و من خالل اأين . خاصة من الجانب االقتصادي ، ؛ أن يقدم اعتبارا لمصالحه أمام أي اعتراض

فالمجتمع المدني و الممثل في الحركات . السوق يترك لينظم تلقائيا دون أي تدخل من شأنه أن يعيد ترتيب السوق و أرباب العمل مع قوة العمل قصد توفير مبدأ ، النقابية .و حصرت مهمتها في حماية الداخل من الخارج . فرص تكافؤ ال

كنظرية الفعل التواصلي و نظرية ، مثل هذا المنطق القائم على مجموعة من النظرياتمن شأنه أن يؤسس دولة القانون القائمة على الممارسة ، المناقشة و نظرية الحق

شكلت السلطات األربع الديمقراطية الحقه ؛ في ظل مبادئ الدستور ؛ و هي المبادئ التيعند ، أين يأخذ التواصل كسلطة رابعة متواجدة في العملية النقاشية. المكونة للدستور

و بالرغم من تواجدها في كل من السلطة التشريعية . عملية التشريع و إصدار األحكام مما يجعل ، فهي بذلك تعد وسيطا محصن بوسيط آخر قضائي، و القضائية و االجتماعية

و الهدف المرجو من الدراسة و المفصل في منطق . الكل يمتثل للقانون في دولة القانون :هبرماس و الملخص في المخطط التالي

الوصول إلى اختبار األسس التي بنيت عليها دولة لقانون وفق المنطق الهبرماسي مع التي . و القانون التي دعت إليها اإلصالحات األسس التي وضعت لتأسيس دولة الحق بالرغم من أن الترتيبات االقتصادية قد سبقت . باشرت بها الجزائر بعد أحداث أكتوبر

المجتمع المدني

االتصال

الرأي العام أخالقالمناقشة

الفضاء العمومي

دولة القانون و الديمقراطية

العدالة

اإلعالم

Page 242: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

230

، فالعملية اإلصالحية التي شملت عدة قطاعات، من خالل وضع أسس اقتصاد السوق، ذلكتشكيل جمعيات خاصة مع االعتراف بحق، كانت تهدف إلى إرساء دعائم الديمقراطية

ما يمكن مالحظته أن اإلطار القانوني المحقق لذلك، و المتمثل . ذات طابع سياسي منها ما كان ، أين الدولة الجزائرية قد عرفت عدة أشكال من الدساتير. في الدستور

في . و منها ما كان منحوت عن الجمهورية الفرنسية ، منحوت عن الجمهورية السوفيتيةغير أن الفارق في الصالحيات التي ، التين ترتكز السلطة في رئيس الجمهوريةكال الح

. و كذا تعيين ممثلين في الغرفة الثانية ، تسمح بتدخل رئيس الجمهورية في حل البرلمان، كذلك صالحيات تسمح لرئيس الجمهورية بتعيين ممثلين له في المجلس األعلى للقضاء

فصل ما بين السلطات يصبح شكليا وفق المنطق الهبرماسي فمبدأ ال. ناهيك عن ترأسه له و ، و وفق ذات المنطق المجتمع المدني ما كان ليتشكل إال بإقرار التعددية الحزبية.

غير أن الفضاءات العمومية التي يتأطر فيها تعد ناقصة . تشجيع الحركات الجمعوية لى هياكل تمكن من الممارسة فالمدينة كعمران يجب أن تتوفر ع، بالمفهوم الفيزيائي

مما يسمح لنا من تجاوز الطرح الذي قدمه بورديو أن المدنية تناقش في ، الديمقراطية، جعل الصحافة نبراسا للديمقراطية و المدعمة للمجتمع المدني) . 1(المقاهي و الحمامات

يعد ، نالذي يشكل وفق المنطق الهبرماسي الجهة المعارضة و المراقبة لممارسة القانوأو ، بحيث أن اإلعالم، أهم نقطة تحول للمجتمعات المتقدمة صناعيا و المحكمة التنظيم

الكتب الدورية كما عرفها روسو ساهمت في إرساء الديمقراطية و تدعيم الوعي السياسي بما فيه اإلعالم الذي يعد ، و عليه كان االتصال بمختلف أشكاله. لدي المجتمع المدني

و تأسيس الدولة الوطنية على أقل تقدير ، و تنمية الوعي السياسي، لتقدموسيلة تحقيق افهل تعطي لمثل هذه الوسيلة الحرية حتى تصل إلى بناء دولة . لنصل إلى دولة القانون

القانون ؟ أم أن اإلعالم يبقي محتكرا من جهات تراعي مصالحها دون المصلحة العامة ؟ عالم مؤجال بالرغم من اإلصالحات التي مست و هل يبقي مشروع مراجعة قانون اإل

قطاع العدالة ؟ و هل قطاع العدالة قد يصل إلى المقاييس العالمية دون تحرير اإلعالم ؟

:قائمة المصادر والمراجع

:باللغة العربية

1 Bourdieu (Pierre),Sociologie de l’Algérie, Op-cit, p : 56

Page 243: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

231

شر دار الن –دار الثقافة بيروت ، تحقيق جمال الدين العلوي، رسائل فلسفية، ابن باجة - 1 1983، المغرب، المغربية الدار البيضاء

2002، 8لبنان، ط - ابن خلدون، المقدمة، دار الكتب العلمية بيروت - 2مع مقدمة تحليلية لـ محمد عابد ، الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملة، ابن رشد - 3

1998مركز الدراسات الوحدة العربية، بيروت ، الجابريتقديم و ، ال و تقرير ما بين الشريعة و الحكمة من االتصالفصل المق، ابن رشد - 4الجزائر ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع ، ق بوعمران الشيخ و جلول البدويعليت

1982 نقله عن العبرية إلى العربية الدكتور أحمد شحالن ، الضروري في السياسة، ابن رشد - 5

مركز ، لمشروع الخاص بمؤلفات ابن رشدمع مقدمة لمحمد عابد الجابري المشرف على ا 1998الطبعة األولي ، بيروت -دراسات الوحدة العربية

، ترجمة أحمد لطفي السيد مع مقدمة للبروفسور بارتلمي سانتهيلير، السياسة، أرسطو - 6 منشورات الفاخرية بالرياض مع االشتراك مع دار الكتاب العربي بيروت

، تا الحق و القانون وتطبيقاتها في القوانين الجزائريةنظري، إسحاق إبراهيم منصور - 7 1999الجزائر، ، ديوان المطبوعات الجامعية

، مركز الدراسات العربية، مستقبل الديمقراطية في الجزائر، إسماعيل قيرة و آخرون - 8 الطبعة األولي، 2002بيروت

التراث العربي في دار تحقيق لجنة إحياء ، الفرق بين الفرق، )عبد القادر(البغدادي - 9 1983الطبعة الخامسة ، بيروت، منشورات دار اآلفاق الجديدة، اآلفاق الجديدة

الطبعة ، بيروت، نحن و التراث ،المركز الثقافي العربي، )محمد عابد (الجابري -10 1993، السادسة

سات مركز الدرا، )دراسة و نصوص ، سيرة وفكر( ابن رشد ، )محمد عابد(الجابري-11 1998الوحدة العربية، بيروت

،المركز الثقافي )دراسات و مناقشات( التراث و الحداثة ، )محمد عابد(الجابري -12 1991الطبعة األولى ، العربي بيروت

بحوث و ، نحو مشروع حضاري نهضوي عربي، و آخرون) عبد العزيز(الدوري -13، 2001الوحدة العربية بيروت مناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز الدراسات

الطبعة األولي، الجزء الثاني، تقديم عبد الرحمن بوزيدة، الشروح الخمسة، القاضي عبد الجبار -14

1990، موفم للنشرمكتبة ، حرره و صححه ألفرد جيوم، كتاب نهاية األقدام في علم الكالم، الشهرستاني -15

.الثقافة الدينية، المجتمع و الدولة في المغرب العربي ،و آخرون )لباقيمحمد عبد ا(الهرماسي -16

1987بيروت –مركز الدراسات الوحدة العربية

Page 244: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

232

نهاية ( دراسات حول الجزائر و العالم العربي ، 5: حول األزمة ، )على(الكنز -17 1990، دار بوشان للنشر الجزائر )محمد هناد : الشعبوية ترجمة

مركز ، )1999-1958(ي أصل األزمة الجزائرية ف، )عبد الحميد(براهيمي -18 2001بيروت ، دراسات الوحدة العربية

الوهاب ،هال ترجمة وتقديم فاروق عبد، األورغانون الصغير) : برتولد(بريخت -19 2000، 1ط، للنشر و التوزيع

–،دار القصبة)اإلنجاز التحدي(الة في الجزائر إصالح العد،)الطيب(بلعيز -20 2008الجزائر

، مدخل إلى االقتصاد السياسي، ديوان المطبوعات الجامعية، )عبد اللطيف(بن أشنهو -21 2000الجزائر

، الطبعة الثانية الجزائر–دار الهدي ، النظام السياسي في الجزائر، )سعيد(بو الشعير -221993

محمد عبد ه علينقله إلى العربية و علق ، تاريخ الفلسفة في اإلسالم) ج.ت(دي بور -23 الجزائر–المؤسسة الوطنية للكتاب –الدار التونسية للنشر ، الهادي أبو ريده

كمال : جمة، تر، نظريات وسائل اإلعالم)ساندرا بول(و روكيتش ) لفينم(دي فلير -24 القاهرة، الدار الدولية للنشر و التوزيع، عبدالرؤوف

خباري و عجلة السياسة في العالم ، الصحافة العربية ،اإلعالم اإل)وليام أيه( روو -25 1989، مركز الكتب األردني، الدكتور موسي الكيالني: جمةتر، العربي

سلسلة الدراسات ، دراسات وأبحاث من تاريخ الجزائر، )ناصر الدين(سعيدوني -26 1984الجزائر -المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزء األول العهد العثماني، الكبرى

المقدمة التعريفية : الجزء األول ، أصول الفقه اإلسالمي، )صطفيمحمد م(شلبي -27الطبعة ، باألصول و أدلة األحكام و قواعد االستنباط الدار الجامعية للطباعة و النشر

1982، الرابعةالجزء ، تاريخ الجزائر العام، عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن محمد الجزائري -28

1994الجزائر–جامعية ديوان المطبوعات ال، الرابع، دار هومة )1996-1991تشريح أزمة (و العشيرة .. ، الوطن )محمد(عباس -29

2005بالجزائر 1982، ديوان المطبوعات الجزائرية، )بدون مؤلف(قانون اإلعالم -30مرشلي محمد :جمة تر، ، الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية)روالن(كايرول -31

1984الجزائر ، لجامعية،ديوان المطبوعات اترجمة الدكتور خليل الصادات و كيف نفهم وسائل االتصال ،، )مارشال(ماك لوهان -32

1975 القاهرة –دار النهضة العربية ، آخرون –عيون ، الوعي و الوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر، محمود أمين العالم -33

القاهرة–دار البيضاء ، الثقافة الجديدة

Page 245: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

233

الطبعة ، الجزء األول، ، النزعات المادية في الفلسفة العربية اإلسالمية)حسين(مروة -34 1980بيروت، –دار الفارابي ، الثالثة

و دار الطليعة للطباعة ، مهدي فضل اهللا ،االجتهاد والمنطق الفقهي في اإلسالم -35 1987النشر بيروت ،الطبعة األولي

دار ، تقديم الدكتور عاطف العراقي، أصل العدل عند المعتزلة هانم إبراهيم يوسف، -36 1993الطبعة األولى ، مدينة نصرت، الفكر العربي

–دار المعرفة ، األزمة الجزائرية و البدائل المطروحة) محمد مصدق(يوسفي -37 1998الجزائر

:باللغة الفرنسية

38- Addi (Lahouari), L’Algérie et la démocratie ,édition la découverte ,Paris 1994 39- Ageron (Charles-Robert) , Histoire de l’Algérie contemporaine 1871-1954 , Paris , PUF,1979 40-Ancer (Ahmed), Encre rouge le défi des journalistes algériens, édition EL WATAN 41- Apel (Karl-Otto), Discussion et responsabilité (1-L’éthique après Kant), tr : Christian Bouchidhomme, Marianne Charrière et Raine r Rochlitz, les éditions du cerf, Paris, 1996 42- Apel (Karl-Otto), Discussion et responsabilité (2-contribution à une éthique de la responsabilité) , tr :Christian Bouchidhomme et Rainer Rochlitz , Les édition du Cerf , Paris , 1998 43- Apel(Karl-Otto), Ethique de la discussion, tr :Mark Hunyadi, les éditions du Cerfs, 1994 44-Arendt(Hannah), Le système totalitaire، Traduit par Jean-Loup Bourget, Robert Davreau et Patrick Levy , Editions Le Seuil, 1970 45- Arendt(Hannah), Condition de l’homme moderne ,traduit de l’anglais par Georges Fradier, Préface de Paul Ricœur, Edition Calmann –Levy, 1961 46- Aristote , Ethique à Nicomaque , Traduction et présentation de Richard Bodéüs , GF Flammarion , Paris , 2004 47- Auby (Jean Marie), Ducos-Ader (Robert), Droit de l’information, édition Dalloz 2éme édition 1982 48- Austin (J L) , Quand dire , c’est faire , Introduction ,Traduction et commentaire par Gilles Lane Postface de François Récanati , Seuil-Paris 1970 49- Bachetarzi (Mahieddine) ,Mémoire , tome III , Entreprise nationale du livre -Alger , 1986 50-Badie(Bertrand) ,.l’Etat importé (l’occidentalisation de l’ordre politique).Fayard.1992 51- Balle(Francis),Média et société, édition Montchrestien-Paris 2003 pour la 11ième édition 52- Bendourou(Omar), La crise de démocratie en Algérie, Edition Orientale, Oujda,1992 53- Bensaada (Mohamed Tahar), Le régime politique algérien ( de la légitimité historique à la légitimité constitutionnelle ) , ENAL-Alger 1992 54- Bourdieu ( Pierre ) , Les règle de l’art , Seuil , Paris , 1998 55- Bourdieu (Pierre) ,Questions de sociologie, Les Éditions de minuits, Paris , 1980 56- Bourdieu (Pierre), Sociologie de l’Algérie ,PUF-Paris, 1958 57- Bourdieu (Pierre), Sur la télévision suivi de l’emprise du journalisme, édition raison d’agir, Paris, 1996 58-Boyer(Pierre), L’évolution de l’Algérie médiane(Ancien département d’Alger), Maisonneuve, Paris ,1960

Page 246: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

234

59- Brahimi (Brahim), Le pouvoir, la presse et les intellectuelles en Algérie, L’Harmattan, 1989 60- Brahimi (Brahim), Le droit à l’information à l’épreuve du parti unique et de l’Etat d’urgence, SAEC-Liberté Kouba –Alger 2002 61-Chalabi (El-Hadj), La presse algérienne au dessus de tout soupçon, édition Ina-Yas Alger–Paris 1999 62-Coleman(Janet) (sous la direction de), L’individu dans la théorie politique est dans la pratique..P.U.F,Paris 1996 63- Dahmani (Ahmed), L’Algérie à l’épreuve (Economie politique des réformes) 1980-1997,édition l’Harmattan, Paris 1999 64-Derradji (Ahmed),Le droit de la presse et la liberté d’information et d’opinion dans les pays arabes ,édition Publisud 1995, 65-De Tocqueville (Alexis), De la colonie en Algérie , présentation de Tzvetan Todorov , édition Complexe, 66- Djeghloul ( Abdelkader), Eléments d’histoire culturelle, ENAL, 1984 67- Fauré(Christine) .les déclaration des droit de l’homme de 1789(textes réunis et présentés par), Payot, Paris 68- Ferry(Jean-Marc), Habermas, l’éthique de la communication , PUF , Paris, 1987 69- Ferry(Jean-Marc), Philosophie de la communication, Tome1 , De l’antinomie de la vérité à la fondation ultime de la raison , édition du cerf , Paris , 1994 70- Ferry(Jean-Marc), Philosophie de la communication, Tome 2 , Justice politique et démocratie procédurale , édition du cerf , Paris , 1994 71-Gardner (Howard), Histoire de la révolution cognitive (La nouvelle science de l’esprit),traduit de l’américain par Jean-Louis Peytavin, édition Payot ,Paris , 1993 72- Goffman (Erving),La mise en scène de la vie quotidienne ( Livre 1 : La présentation de soi),traduit de l’anglais par Alain Accardo, édition de Minuit –Paris 1973 73- Goyard-Fabre(Simone), Elément de philosophie politique, Armand Colin –Paris 1996 66-Habermas (Jürgen), Textes et contextes, traduit de l’allemand par Mark Hunyadi et Rainer Rochlitz Cerf, Paris, 1994 74- Habermas (Jürgen ) , L’espace public ,traduit par Marc B de Launay , édition Payot , 1990 75- Habermas( Jürgen),Raison et légitimité , traduit par Jean Coste, édition Payot, Paris 1978 76- Habermas (Jürgen) , Logique des sciences sociales et autres essaies , traduction avec un avant propos par : Rainer Rochlitz, PUF-Paris , 1987 77- Habermas(Jürgen) , De l’éthique de la discussion , tr : Mark Hunyadi , les éditions du Cerf, Paris, 1992 78-Habermas (Jürgen), Sociologie et théorie du langage, traduit par Rainer Rochlitz, Arman Colin-Paris ,1995 79- Habermas (Jürgen), Droit et démocratie (Entre faits et normes), traduit par Rainer Rochlitz et Christian Bouchindhomme, Gallimard, Paris, 1997 80- Habermas (Jürgen) et Rawls (John),Débat sur la justice politique traduit par : Rainer Rochlitz et Catherine Audard , édition du Cerf,1997 81- Jürgen Habermas , Profils philosophiques et politique , traduit de l'allemand par Françoise DASTUR, Jean-René Ladmiral et Marc B De Launay, Gallimard-Paris,1974 82- Habermas(Jürgen) ,Morale et communication , Traduit par Christian Bouchindhomme Les éditions du Cerf ,Paris, 1986 83- Habermas (Jürgen), Théorie de l’agir communicationnel (tome 1 : Rationalité de l’agir et rationalisation de la société) traduit par Jean Marc Ferry , Fayard-Paris ,1987 84- Habermas (Jürgen), Théorie de l’agir communicationnel (tome 2 : Pour une critique de la raison fonctionnaliste), traduit par Louis Schlegel, Fayard, 1987

Page 247: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

235

85- Habermas( Jürgen),L’intégration républicaine , traduit par Rainer Rochlitz, édition Fayard , Paris 1998 86- Habermas (Jürgen), Connaissance et intérêt, traduit Par: Gérard Clemençon, préface traduite par Jean marie Brohon Gallimard, 1976 87- Habermas (Jürgen),Ecrits politiques, traduit de l'allemand par Christian Bouchindhomme et Rainer Rochlitz, Edition du cerf , 1970 88- Halimi (Serge), Les nouveaux chiens de garde, Raisons d’agir Edition, 2005 89- Hobbes (Thomas) , Le Leviathan , traduction et note de Francis Tricaud publié avec le concours du centre national de la recherche scientifique, Edition Sivey , 3°tirage 1983, 90- Hobbes (Thomas). Le citoyen, Introduction et présentation de Simone Goyard - Fabre, Edition . G.F.Flammarion, 1982 91- Ihaddaden Zahir, Histoire de la presse indigène en Algérie, Des origines jusqu’en 1930 , Les Editions Ihaddaden , Alger , 2003 92- Kant(Emmanuel), Métaphysique des mœurs I : Fondation et Introduction, Traduction, présentation, bibliographie et chronologie par Alain Renaut , Flammarion ,Paris, 1994 93- Kant(Emmanuel), Projet de paix perpétuelle, Traduction J.Giblin, Edition J.Vrin, 1989 94- Keddache (Mahfoud), Histoire du nationalisme algérien, Tome I, 2ème édition ENAL-Alger, 1993 95- Keddache (Mahfoud), Histoire du nationalisme algérien (Tome II :Question nationale et politique algérienne 1919-1951),SNED-Alger 1980 96- Labter (Lazhari),Journalistes Algériens 1988-1998(Chronique des années d’espoir et de terreur),édition Chihab-Alger,2005 97- Lapassat (Etienne-Jean), La justice en Algérie 1962-1968, Armand Colin, Paris, 1969 98- Mahiou (Ahmed)( sous la direction de), L’Etat de droit dans le monde arabe.. C.N.R.S édition 1997 99- Maigret (Eric), Sociologie de la communication et des médias, Armand Colin, Paris , 2003 100- Marcuse (Herbert), Philosophie et révolution, trois études traduite de l'allemand par Cornélius Heim, Publiée sous la direction de Jean-Louis Ferrier (Bibliothèque Médiation) Denoël / Gonthier 1969. 101-Marx(Karl), Le syndicalisme (I- Théorie , organisation , activité) traduction et note de Roger Dangeville édition Maspero-Paris 1978 102- Neveu (Catherine), Espace public et engagement politique, (sous la direction) , édition de l’Harmattan , Paris 1999 103- Peirce (Charles Sanders) , Ecrits sur le signe , Rassemblés , traduits et commentés par Gérard Deledalle ,Seuil , Paris , 1978 104- Pélissier (Aline) et Tête(Alain), Sciences cognitives texte fondateurs, PUF, Paris ,1er édition 1995 105- Platon : République, livre : IV - VII - Tome VII, Traduction :Emile Chambry , les belles lettres, Paris 1996. 106- Popper (Karl),La connaissance objectif , Traduction intégrale de l’anglais et préfacé par Jean – Jacques Rosat ,Aubier-Paris 1991 107- Popper(Karl), Société ouverte et ses ennemies, tome1 (l’ascendant de Platon) Traduit par Jacqueline Bernard et Philippe Monod, Seuil1979 108- Rawls (John), Théorie de la justice, traduit par Catherine Audard, Edition du Seuil , 1997 109- Rawls(John), Justice et démocratie, traduit par : C.Audard, P.DeLara et A. Tchoundowsky, édition du Seuil,1993 110- Rousseau(Jean-Jack), Du contrat Social, Edition Garnier Frères. Librairie-Editeurs, Paris

Page 248: ﺔﻔﺴﻠﻔﻟﺍ ﺔﺤﻭﺭﻁﺃ ﻥﺍﻭﻨﻋ ﺕﺤﺘ · ﺖﺳﺮﻬﻔﻟﺍ ﺃ ﺔـﻣﺪﻘﻤﻟﺍ 7 ﻲﻣﻮﻤﻌﻟﺍ ﺀﺎﻀﻔﻠﻟ ﻪﺴﻴﺳﺄﺗ

236

111- Seriak(Lahcen), L’organisation et le fonctionnement de la justice en Algérie, édition ENAG, Alger, 1998 112- Touraine(Alain), La société post-industrielle (Naissance d’une société) , Edition Denoël / Gonthier, 1969 113- Touraine(Alain) ,Critique de la modernité, Fayard, 1992 114- Weber (Max) , Economie et société ,traduit par : J. Chavy et d’Eric de Dampierre , édition Plon- Paris , 1971 115- Weber(Max) , Le savant et le politique , traduit de l'allemand par Julien Freund, révisé par E.Fleisehmann et Eric de Dompierre, préface de Raymond Aron. Edition: Union Générale d'Edition.1963 116- Wittgenstein (Ludwig), Tractatus logico-philosophicus, suivi de Investigations philosophiques, Traduit de l’Allemand par Pierre Klossowski , introduction de Bertrand Russel, Gallimard-Paris,1961 117- Wittgenstein (Ludwig) , De la certitude , traduit de l’Allemand par Jacques Fauve,édition due aux soin de G.E.M Anscombe et de G.H Von Wricht , notice biographique établie par Georg Henrik von Wrignt et traduite de l’anglais par Guy Durand ,Gallimard –Paris , 1965 et 1976

:قائمة المعاجم و الموسوعات الشيخ عبد اهللا العاليلي أعاد بناءه على احلرف األول من الكلمة لسان العرب قدم له العالمة :إبن منظور -

1988 –ه 1408دار اجليل بريوت ،دار اللسان بريوت، الد التاين، ،يوسف خياط - André Lalande , Vocabulaire technique et critique de la philosophie , 15 éme , , PUF,Paris , 1985 - Dictionnaire d’éthique et de philosophie morale , sous la direction de Monique Canto-Sperber , PUF - DICTIONNAIRE GREC-FRANÇAIS(CH.GEORGIN,), A.HATIER, Belgique

:قائمة الجرائد و المجالت - Journal officiel de la république algérienne n°14 du 4 Avril 1990 - Le monde diplomatique, Juillet 1995 - le monde diplomatique , Avril 1996 - Le Monde diplomatique , Juillet 1995 - Le monde diplomatique , Février 2004 - Le débat N° 97 nov-déc.1997 - Le débat du mai-août 2003 - Science humaines n°9 du mars avril mai 2007 - le monde du 25 mai 2007

2009-09-27: جريدة الخبر ليوم - :جريدة الخبر ليوم -

:المواقع اإللكترونية - www.elmouradia.dz/arabe/synbole/texteshttp://