١

عند املفسرين االستنباط

إعداد

حممد بن عمر بن سامل بازمول. د.أ عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى

قسم الكتاب والسنة–كلية الدعوة وأصول الدين

٢

إن احلمد هللا نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهللا من رشور أنفـسنا ومـن ده اهللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له وأشهد أن ال إلـه سيئات أعاملنا من هي

.إال اهللا وحده ال رشيك له، وأشهد أن حممدا عبده ورسولهيا أهيا الذين آمنوا اتقوا اهللا حق تقاته وال متوتن إال وأنتم مـسلمون﴿ آل ( ﴾ .)١٠٢:عمران

يآ أهيا الن﴿ اس اتقـوا ربكـم الـذي خلقكـم مـن نفـس واحـدة وخلـق منهـا زوجها وبث منهام رجاال كثريا ونسآء واتقوا اهللا الـذي تـسآءلون بـه واألرحـام إن

اهللا كان عليكم رقيبا ).١:النساء( ﴾يا أهيا الذين آمنـوا اتقـوا اهللا وقولـوا قـوال سـديدا﴿ يـصلح لكـم أعاملكـم .

ويغفــــر لكــــم ذنــــوبكم ومــــن يطــــع اهللا ورســــوله فقــــد فــــاز فــــوزا عظــــيام ﴾ .)٧٠،٧١:األحزاب(

صـىل اهللا - اهلـدي هـدي حممـد فإن أصدق الكالم كالم اهللا وخري: أما بعد ورش األمـور حمـدثاهتا وكـل حمدثـة بدعـة وكـل بدعـة ضـاللة وكـل -عليه وسـلم

.ضاللة يف النارورقات قيدهتا يف التعريـف بعلـم مـن علـوم القـرآن العظـيم، فهذه : أما بعد

دلت عليه ترصفاهتم يف التفسري، وأومأت إليـه إشـاراهتم؛ فـالح مـن كالمهـم، ومل .، فابتدرت إليه، معرفا ومنوها بهينص عليه

:وقد أدرت البحث عىل النقاط التالية

٣

.اهتامم املفرسين باالستنباط: مدخل . تعريف االستنباط– ١ . بيان الفرق بينه وبني التفسري- ٢ . الفرق بينه وبني تفسري آيات األحكام- ٣ . الفرق بينه وبني االستنباط يف أصول الفقه– ٤ .بني هذا النوع وبني نوع العلوم املستنبطة من القرآن الكريم الفرق - ٥ . بيان أمهية هذا العلم- ٦ . رشوط جواز االستنباط من القرآن الكريم – ٧ . معظم القرآن حمل لالستنباط– ٨ . باآليات عىل نوعنيه بيان أن االستنباط من جهة تعلق- ٩ :ية حمل االستنباط وترتيبه مع عنارص تفسري اآل– ١٠ . كتاب اإلكليل يف استباط التنزيل للسيوطي– ١١ . للدكتور فهد الوهبي"منهج االستنباط من القرآن الكريم" كتاب -١٢ .وفيها أهم النتائج: اخلامتة – ١٣

.واهللا أسأل التوفيق واهلدى والرشاد والسداد .وصل اللهم عىل حممد وعىل آله وصحبه وسلم

٤

. باالستنباطاهتامم املفرسين: املدخل

.ن القرآن الكريمم االستنباطهتامم باالملفرسين يف تفاسريهم من مقاصد ا ؛ ويشكل ذلك حمور متايز بينهم

. تقرير أحكام القرآن العظيمن اهتم باالستنباط يفمفمنهم .ومنهم من اهتم بأنواع علوم اللغة العربية التي جاءت يف القرآن الكريم

.ق واآلداب التي دل عليها القرآن الكريمومنهم اهتم بعلم األخال .ومنهم من اهتم بعلوم الطبيعة

.ومنهم من اهتم بغري ذلك من العلوم املستنبطة من القرآن الكريم .هم املكثر ومنهم املقلومن

بفـرط الـذهن و قـوة ومنهم الناقل الستنباط غـريه، ومـنهم املجـد يف ذلـك .القرحية

كتابـه القـرآن الكـريم يف مـن ن االسـتنباطتكلم الزركـيش رمحـه اهللا عـوقد .)١( معرفة أحكامه:نيالنوع الثاين والثالث، "الربهان يف علوم القرآن"

النوع اخلـامس "االتقان يف علوم القرآن"السيوطي رمحه اهللا يف كتابه أفرد وعقـد يف آخـر النـوع فـصال يف ووالستني، يف العلوم املستنبطة مـن القـرآن الكـريم،

.)٢(ات األحكام، وكيفية استنباط األحكام من القرآن الكريمعدد آي

) . ٢/٣(لربهان يف علوم القرآن ا) ١(

يالحظ أن الزركيش رمحه اهللا مل يفرد نوعا يف العلوم املستنبطة من ). ٤/٣٥(االتقان يف علوم القرآن ) ٢(القرآن الكريم، وأن السيوطي مل يفرد نوعا يف أحكام القرآن، وأدرجه ضمن النوع الذي أفرده يف =

٥

بـالطرائق املقـررة عنـد )١(عىل الـيشءواالستنباط هو استخراج داللة اآلية .)٢(األصولينيالزركــيش رمحــه اهللا أثنــاء كالمــه عــىل النــوع املتعلــق بأحكــام القــرآن ذكــرو

مـن أعظـم افإهنـتها ن معرفال بد م، وأنه رضورة معرفة املفرس قواعد أصول الفقه .)٣(الطرق يف استثامر األحكام من اآليات

.وموضوع االستنباط عند املفرسين طريق الحب :االستنباط عند فالن من املفرسين؛ فإن احلال ال خيلو مما ييل: وملا يقال

أن جيمع كل مـا جـاء يف تفـسريه ممـا طريقـه االسـتنباط بطرائقـه األصـولية، .أحكامه أو غريها من العلوم املستنبطة من القرآن الكريمسواء ما كان يف

تعلـق بأحكـام القــرآن أو يقتـرص عـىل مـا جـاء يف تفـسريه مـن اسـتنباطات ت ).ألحكامتفسري آيات ا(

؛ داللـة اآليـات يف غـري حمـل النطـقاسـتخراج أو يقترص عىل مجع ما يتعلق ب، فيكون االستنباط هـو مـا ألن بيان معاين ألفاظ اآليات يف حمل النطق هو تفسريها .يقابل ذلك، من بيان داللة ألفاظ اآلية يف غري حمل النطق

=

. العلوم املستنبطة من القرآن الكريم

عـىل معنـى ) حكـم(ويصح أن أعرب بـ كلمـة . ليشمل األحكام الرشعية وغريها) يشء(عربت بلفظة )١(إسناد أمر إىل آخر إجيابا أو سلبا، لكن عدلت عنه ملا خشيت اللبس .

معرفة كيفية : الثاين . معرفة األدلة الكلية: األول: وعلم أصول الفقه يقوم عىل ثالثة أركان ) ٢( .)مباحث االجتهاد والتقليد( ،معرفة حال املستفيد : الثالث . هااالستنباط من

).٢/٦(الربهان يف علوم القرآن ) ٣(

٦

الناظر يف كتب التفاسـري درايـة، جيـد أهنـم يـسلكون منهجـا يف التفـسري ال ومنطوقهـا، فهم يفرسون ألفاظ اآلية، ويستخرجون داللتها بحـسب ؛خيرجون عنه

يف غري حمل النطق، وهو مـا يـسمى عليها بحسب داللتها الكالم ثم يردفون ذلك ب : وهذا فيه أن االستنباط عندهم عىل حالني؛داللة االلتزامباملفهوم، وهو من

.االستنباط من داللة اللفظ يف حمل النطق: احلال األوىل .االستنباط من داللة اللفظ يف غري حمل النطق: احلال الثانية

ق بـأنواع مـن علـوم القـرآن وعليه فإن االسـتنباط مـن القـرآن الكـريم يتعلـ :وهي التاليةالكريم

علم تفـسري آيـات األحكـام، أو علـم أحكـام القـرآن، وهـذا : النوع األول وهـذا النـوع أفـرده . الفقـهيستعمل فيه طرائق االستنباط املقررة يف قواعـد أصـول

.)١(الزركيش وأدرجه السيوطي يف نوع العلوم املستنبطة من القرآن الكريم

يف كتابه الزيادة واإلحسان يف علوم القرآن) ـهـ١١٥٠ت(والعجيب أن ابن عقيلة املكي ) ١(

يذكر هذا ومل ": ، وقال يف أوله)يف علم آيات األحكام(، ذكر النوع اخلامس والتسعني )٤/٣٢٤(اهـ، وهو عىل حق يف أن "النوع احلافظ السيوطي رمحه اهللا يف كتابه االتقان، وهو حقيق بالذكر

شار اليه يف النوع اخلامس والستني يف العلوم املستنبطة من أالسيوطي مل يفرده، لكن السيوطي ما ذكره الزركيش فيه أوردفرده بفصل، أحيث ، )٤/٣٥(من كتابه اإلتقان يف علوم القرآن القرآن،

وملا ذكر ). معرفة أحكامه(، يف النوع الثاين والثالثني )٢/٣(الذي أفرد هذا النوع يف كتابه الربهان ، يف كتابه )يف معرفة العلوم املستنبطة من القرآن(من والعرشين بعد املئة، اابن عقيلة املكي النوع الث

ه السيوطي برمته ومل ينتبه إىل أن فيه ذكر ذلك الفصل الذي ذكر) ٦/٤٣٦(الزيادة واإلحسان .الكالم عن آيات األحكام يف القرآن الكريم، فسبحان من ال يضل و ال ينسى

٧

)١(وهذا أفرده السيوطي. العلوم املستنبطة من القرآن الكريم : الثاين النوع ــام اهللا ــيش رمحه ــذكره الزرك ــتنباط . ومل ي ــق االس ــه طرائ ــستعمل في ــوع ي ــذا الن وه

. كذلكاألصويلــرسيناالســتنباط : النــوع الثالــث ، و يتعلــق باســتخراج دالالت عنــد املف

يف وهذا النوع مل يفرده أحد ممن صـنف . اآليات يف غري حمل النطق، بداللة اللزوم وهو موضوع الدراسات القرآنية اجلديـدة التـي – فيام أعلم –علوم القرآن الكريم

االسـتنباط عنـد فـالن مـن (يشتغل هبا طلبة الدراسـات العليـا يف رسـائل بعنـوان ؛ فإن ما يتعلق بآيات األحكام قـد أفـرد بالبحـث والدراسـة؛ سـواء مـن )املفرسين

هــة تفــسري اآليــات أو إعــامل طرائــق االســتنباط املقــررة أصــوليا، وكــذا العلــوم ج .املستنبطة من القرآن الكريم

وقــد أفـرد النــاس كتبـا فــيام تـضمنه القــرآن مــن ": قـال الــسيوطي رمحـه اهللا .)٢( كالقايض إسامعيل،األحكام

. )٣(وأيب بكر بن العالء

. الستون يف العلوم املستنبطة من القرآن النوع اخلامس و) ٤/٢٤(االتقان يف علوم القرآن ) ١(

البرصي إسحاق أبو احلافظ زدياأل درهم بن زيد ابن محاد بن إسامعيل بن إسحاق بن إسامعيل :هو )٢( ولـد. القـرآن أحكام ،جملدات يف بالقرآن االحتجاج ،احلديث يف أجزاء تصانيفه من املالكي القايض

).١/٣١٠(، األعالم للزركيل ١٢/٣٣٩٩(سري أعالم النبالء .هـ ٢٨٢ سنة وتويف ١٩٩ سنة

القـشريي، الفـضل، أبـو زيـاد، ابـن مـدحم بـن العالء بن حممد بن بكر القشريي العالء ابنلعله يعني )٣( ٣٣٠ سـنة قبـل مـرص إىل انتقـل، البـرصة أهـل مـن املالكيـة علامء من قاض: العالء بن بكر له ويقال ).٢/٦٩(، األعالم للزركيل )١/٣٦( إيضاح املكنون .هـ ٣٤٤ سنة سنة وثامنني نيف عن هبا وتويف

٨

. )١(وأيب بكر الرازي . )٢(هلرايساوالكيا

. )٣(وأيب بكر ابن العريب . )٤(وعبد املنعم بن الفرس

. )٥(وابن خويز منداد .وأفرد آخرون كتبا فيام تضمنه من علم الباطن

. )٦(وأفرد ابن برجان كتابا فيام تضمنه من معاضدة األحاديث

خمتـرص رشح كتـاب الكتب، من وله. هـ٣٧٠ يف توىف، باجلصاص املعروف الرازي، عىل بن امحدهو )١( ).١/٧(، معجم املؤلفني )١/١٧١(األعالم للزركيل . القرآن احكام كتاب، الطحاوي

فقيـه: اهلـرايس بالكيـا املعـروف الـدين، بعـامد امللقـب الطـربي، احلسن أبو عيل، بن حممد بن عيلهو )٢( امحـد، االمـام مفـردات نقد القرآن، حكامأ: تصانيفه منـ، ه ٥٠٤، أصويل، تويف سنة مفرس شافعي، .الفقه اصول يف والتعليق املجتهدين، مباحث يف املسرتشدين شفاء املسلسل، زوايا يف الدالئل لوامع

.)٧/٢٢٠(، معجم املؤلفني )٤/٣٢٩(األعالم للزركيل تـويف سـنة املـالكي ييلاالشـب االندلـيس املعـافري العـريب بـابن املعـروف امحد بن اهللا عبد بن حممدهو )٣(

سـري .هـ، عامل متفنن، له قانون التأويل، وعارضـة األحـوذي رشح الرتمـذي، وأحكـام القـرآن٥٤٣ ، )٦/٢٣٠(، األعالم للزركيل )٢٠/١٩٧(أعالم النبالء

املـالكي الفقيـه الغرنـاطي فـرس بـابن املعـروف اخلزرجـي الـرحيم عبـد بـن حممد بن املنعم عبد: هو )٤(األعـالم ، )٢١/٣٦٤(سري أعـالم النـبالء . القضاء أدب. القرآن أحكام صنف .هـ٥٩٧ سنة املتوىف

).٤/١٦٨(للزركيل

يف كبـري كتـاب ولـههــ، ٣٩٠، تـويف سـنة اهللا عبـد أبـو كنيتـه إسـحاق بـن عـيل بن أمحد بن حممد :هو )٥(. تيـاراتاخ ولـه، مالـك عـن شـواذ وعنده القرآن أحكام يف وكتاب الفقه أصول يف وكتاب اخلالف

).٨/٢٨٠(، معجم املؤلفني )٢/٢٢٩(الديباج املذهب

أكثر كالمه عـىل هـ، ٥٣٧ احلكم عبدالسالم بن عبدالرمحن بن أيب الرجال، اإلشبييل تويف سنة هو أبو) ٦(=

٩

ذكـرت فيـه كـل مـا "اإلكليل يف استنباط التنزيـل" :وقد ألفت كتابا سميته كثـري .لة فقهيـة أوأصـلية أواعتقاديـة، وبعـضا ممـا سـوى ذلـكأنه من مساستنبط م

الفائدة جم العائدة جيري جمرى الرشح ملا أمجلته يف هذا النـوع، فلرياجعـه مـن أراد .)١(اھـ"الوقوف عليه

الدراسـات العليـا بقـسم ه طـالب جـوملا مل يفرد كتاب يف النوع الثالـث؛ وإىل مجــع عوة وأصــول الــدين ، يف جامعــة أم القــرى الكتــاب والــسنة مــن كليــة الــد

ما يتعلـق باسـتنباط مـا دلـت عليـه اآليـة يف غـري االستنباطات عند املفرسين، وهو .ملستفادة هبذا الطريقايشمل مجيع العلوم املستنبطة، ول النطق، حم

وموضوع االستنباط إبراز داللة اللفظ يف حمل النطق، التفسري وضوع ألن م .لة اآلية يف غري حمل النطقإبراز دال

حيقق إبـراز متـايز املفـرسين يف خدمـة كتـاب اهللا ومجع استنباطات املفرسين

= وابـن برجـان .القـرآن تفـسري يف اسـتعمله حتى احلرف علم يف اإلمعان عليه عابواطريقة التصوف،

األعــالم ، )٥/١٦٣(لـسان امليـزان ، )٢٠/٧٢(سـري أعـالم النــبالء ). رجــالابـن أيب ال(ختفيـف لــ يف النـوع ، )٢/١٢٩(ذكـره مـع نبـذة مـن كتابـه هـذا الزركـيش يف الربهـان : فائـدة). ٤/٦(للزركيل

عـىل متعاضـدان أبـدا واحلـديث القـرآن أن اعلـم": ، وقـالللقـرآن السنة معاضدة بيان يفاألربعني، ويبـني اآلخـر عمـوم خيـصص مـنهام واحـد كـل إن حتـى احلكمة مدارج من هوإخراج احلق استيفاء ابـن احلكـم أبـو اإلمـام بالتـصنيف ذلك بإفراد اعتنى وقد يغمض ما ومعه ظاهر هو ما منه ثم إمجاله وفيه القرآن يف فهو شئ من وسلم عليه اهللا صىل النبي قال ما :وقال باإلرشاد املسمى كتابه يف برجان مـن الكتـاب يف فرطنـا مـا﴿: تعـاىل اهللا قـال عمـه مـن عنـه وعمـه فهمـه من فهمه بعد أو قرب أصله . ونقل فصال من كالمه يف كتابه املذكوراهـ"... ، ﴾شئ

).٣٥-٤/٣٤(يف علوم القرآن االتقان) ١(

١٠

.تعاىلفأحببت أن أعرف هبذا العلم الذي انطوى يف كـالم أهـل العلـم، ومل يفـرد،

نـا طـالب الدراسـات العليـا يف أبحـاثهم ؤليكون يف ذلـك منـارات هيتـدي هبـا ابنا .واهللا املستعان وعليه التكالنورسائلهم العلمية،

:فأقول وباهللا التوفيق : تعريف االستنباط– ١

ــاء والطــاء(يف اللغــة مــادة كلمــة تــدل عــىل اســتخراج يشء[ )النــون والب .واستنبطت املاء استخرجته، واملاء نفسه إذا استخرج نبط: إن النبط سموا : ويقال.

بيــاض يكــون حتــت إبــط : ومــن املحمــول عــىل هــذا النبطــة. هبــه الســتنباطهم امليــاوفرس أنبط، كأن ذلك البياض مشبه بامء نبط. الفرس [)١(.

: فسري وعلوم القرآنتيف اصطالح علامء ال :عندهم عىل معنيني االستنباط يطلق

الكـريم ألصـويل فـيام يتعلـق بـالعلوم املـستنبطة مـن القـرآنااألول بمعنى االسـتنباط .ومنها أحكامه

وهــو .اســتخراج داللــة اآليــة عــىل معنــى يف غــري حمــل النطــق، الزم لــهالثــاين بمعنــى .املقصود هنا

. لفظية أو غري لفظيةةأن تكون داللإما [الداللة أن ه أن تعلم يوضح ؛كامل املعنى املوضوع له أو إىل بعضهعىل إما أن تدل واللفظية

).٥/٣٨١(رس معجم مقاييس اللغة البن فا) ١(

١١

.داللة لفظ اإلنسان عىل معناهفاألول داللة املطابقة كوالثاين داللة التضمن كداللة لفظ اإلنسان عىل ما يف معنـاه مـن احليـوان أو

.الناطق .واملطابقة أعم من التضمن جلواز أن يكون املدلول بسيطا ال جزء له وذلـك ،وأما غري اللفظية فهي داللة االلتزام وهي أن يكون اللفظ له معنى

خـارج فعنـد فهـم مـدلول اللفـظ مـن اللفـظ ينتقـل الـذهن مـن املعنى له الزم من ولو قدر عدم هذا االنتقال الـذهني ملـا كـان ذلـك الـالزم ،مدلول اللفظ إىل الزمه

.مفهوماوداللــة االلتــزام وإن شــاركت داللــة التــضمن يف افتقارمهــا إىل نظــر عقــيل

التـضمن لتعريـف غـري أنـه يف؛يعرف الالزم يف االلتزام واجلزء يف داللـة التـضمن ويف االلتزام لتعريف كونه خارجا عن مـدلول ،كون اجلزء داخال يف مدلول اللفظ

. بخالف داللة االلتزام،اللفظ فلذلك كانت داللة التضمن لفظيةوداللة االلتزام مساوية لداللة املطابقة رضورة امتنـاع خلـو مـدلول اللفـظ

.)١(]واز أن يكون الالزم ملا ال جزء لهاملطابق عن الزم وأعم من داللة التضمن جل . وداللة اللفظ يف حمل النطق هي من باب املطابقة والتضمن

.وداللة اللفظ يف غري حمل النطق هي من باب االلتزامداللة نإ": قال الغزايل رمحه اهللا اللفـظ عـىل املعنـى تنحـرص ثالثـة يف أوجـه

وهي طابقةامل والتضمن وااللتزام ؛

.، بترصف يسري)١/٤(زم ما بني معقوفتني من اإلحكام يف أصول األحكام البن ح) ١(

١٢

فإن لفظ البيت دل عىل معنى البيت بطريق املطابقة . ويدل عىل السقف وحده بطريق التضمن ألن ، البيت يتضمن الـسقف ألن

البيت عبارة من لسقفا واحليطان وكام ، يدل لفظ الفرس عىل اجلـسم فـرس ال إذ وهو إال جسم .

وأما طريق االلتزام فهو كداللة لفظ السقف عىل احلائط فإنه غـري موضـوع للحائط وضع لفظ احلائ للحائط ط حتى يكون مطابقـا وال هـو متـضمن لـيس إذ ، احلائط جزءا من السقف كام كان السقف جزءا من نفس البيـت وكـام كـان احلـائط جزءا من نفس البيت ه ، لكنـ كـالرفيق املـالزم خلـارجا عـن ذات الـسقف الـذي ال ينفك السقف عنه .

وإياك أن تستعمل نظر يف العقل من األلفاظ يدل ما بطريق االلتـزام لكـن ، اقتــرص عــىل يــدل مــا بطريــق املطابقــة والتــضمن أل ، الداللــة ن بطريــق االلتــزام ال تنحرص حد يف الـسقف إذ يلـزم احلـائط واحلـائط األس واألس األرض وذلـك ال ينحرص .)٢(اهـ")١(

وإياك": ليس معنى قوله رمحه اهللا: تنبيه)١( أن تستعمل نظر يف العقل من األلفاظ يدل ما بطريق

االلتزام ؛ ليس معناه أن األصوليني يأخذون األحكام من داللة املطابقة و التضمن "إىل آخره ... ، ألنه ال ينحرص، إنام مراده أن عىل األصويل أن يستعمل من اللفظ ما كون داللة االلتزامفقط، و يرت

وكيف يصح أنه يمنع األصويل من وذلك عند بحثه ومناظرته؛ يدل عىل املعنى مطابقة أو تضمنا، قال ابن بدران يف نزهة اخلاطر العاطر! استعامل داللة اللزوم يف ألفاظ الرشع، والواقع خالفه؟

، حاصله تنبيه الباحث عىل أن ال يمكن خصمه "و ال يستعمل يف نظر العقل الخ": قوله"): ١/٥١( اهـ"من استعامل داللة االلتزام للعلة التي ذكرها املصنف، وحينئذ ينترش الكالم و ال يقف عند حد

). ١/٣٢(/حتقيق األشقر/ املستصفى ) ٢(

١٣

إمـا مطابقـة بيان املـراد منهـا؛تفسري ألفاظ القرآن واملفرس يبدأ بوعليه ؛ فإن من باب داللة اللفظ يف حمل النطق، واملعـرب عنـه عنـد األصـوليني ، وهذا و تضمناأ

.باملنطوقوبعد أن تتقرر معاين ألفاظ اآلية بحسب منطوقها، ينتقل اىل تقرير معانيهـا

وهذا من باب داللة اللفظ يف غري حمل النطق، وهو املعرب عنه عند بحسب الزمها، .األصوليني باملفهوم

ـــ واالســـتدالل وع األول يـــسلك املفـــرس كـــل طرائـــق االســـتنباط ويف الن .ت اللفظية مطابقة وتضمندالالالاألصولية املعروفة، من إعامل

وهـذا هـو . ق بداللة اللفظ يف غري حمل النطـقويف النوع الثاين يعمل ما يتعل .ند املفرسينعاالستنباط

الـدالالت الـصيغية اللفظيـة ني ويستلمح هـذا االصـطالح مـن تفـريقهم بـ .، ومن ترصفهم يف كتب التفسريوداللة اللزوم غري اللفظية

: بيان الفرق بينه وبني التفسري- ٢ فاملفـرس ؛^ه املنزل عـىل حممـد كالماهللا عزوجل من التفسري هو بيان مراد

يشتغل ببيان املراد من ألفاظ القرآن الكريم، ودالالت األلفاظ بحسب منطوقهـا، .مفهومهاثم بعد ذلك يشري إىل ما تدل عليه األلفاظ بحسب

. فاألول تفسري والثاين استنباطنـه إ": قال الطـاهر ابـن عاشـور يف صـدد كالمـه عـن علميـة تفـسري القـرآن

تفسري ألفاظ أو استنباط معان )تفسري القرآن: يعني( ؛فأما تفسري األلفاظ فهو من قبيل التعريف اللفظي .

١٤

وأما االستنباط فمن داللة االلتزام وليس من القضية . فإذا قلنا إن يوم الدين يف قوله تعاىل: ملك يوم الدين﴿: الفاحتة [﴾ هـو ] ٤:

يوم اجلزاء . وإذ ا قلنــا إن قولــه تعــاىل: ومحلــه وفــصاله ثالثــون شــهرا﴿: األحقــاف [﴾ :

مع قولـه،]١٥ وفـصاله يف عـامني﴿: لقـامن [﴾ يؤخـذ منـه أن أقـل احلمـل ،]١٤: ستة أشهر عند من قال ذلك، مل يكن يشء من ذلك قضية ؛

بل األول تعريف لفظي . والثاين من داللة االلتزام .)١(اهـ"

ــت ــاين هــو االســتنباط: قل ــرآن، والث ن يوضــحه أ؛ واألول هــو تفــسري القفاالسـتنباط فـرع التفـسري، واهللا واملراد منهـا، االستنباط يقوم عىل فهم معنى اآلية

.املوفقاعترب بعض أهل العلـم الفـرق وملا تكلموا عن الفرق بني التفسري والتأويل

بني التفسري والتأويل عـىل أسـاس االسـتنباط، فالتفـسري يعتمـد الروايـة والـسامع، .والتأويل ما حيتاج إىل استنباطوكـأن الـسبب يف اصـطالح بعـضهم عـىل التفرقـة ": قال الزركيش رمحه اهللا

تنبط ليحمل عىل االعتامد يف املنقـول يل التمييز بني املنقول واملسبني التفسري والتأو .)٢(اهـ"وعىل النظر يف املستنبط جتويزا له وازديادا

).١/١٢(التحرير والتنوير ) ١(

).٢/١٧١(الربهان ) ٢(

١٥

: الفرق بينه وبني تفسري آيات األحكام- ٣ــق هبــا، ــا يتعل ــام، وم ــات األحك ــسري آي ــيف تف ــه ي ــة الفقي ــرس آل ستعمل املف

باب االستنباط أعم من ، وهذا باب واالستداللصويل، من طرائق االستنباطواأل . عند دراسة االستنباط عند املفرسين، يف هذه الدراسات اجلديدةالذي يقصد

ــة املنطــوق واملفهــوم، ألن واالســتنباط عنــد األصــوليني يعملــون فيــه داللفاالستنباط يف تفسري آيات األحكـام ؛ مرادهم فيه استخراج داللة اآلية عىل احلكم

، األصويل، وهـو خـاص بـام يتعلـق باألحكـام الفقهيـة باألصـالةيعتمد االستنباط .أحكام القرآنولذلك سموه

أما االستنباط عند املفرسين فهو معنى زائد عىل داللة منطوق اآليات، و ال .خيصونه باألحكام بل يشمل مجيع العلوم التي يدل عليها القرآن الكريم

: أدلة األحكام رضبان": اهللاقال عزالدين عبدالعزيز بن عبدالسالم رمحه .لفظي يدل بالصيغة تارة وبلفظ اخلرب أخرى: أحدمها .)١(اهـ"معنوي يدل داللة لزوم إما بواسطة وإما بغري واسطة: والثاين

الداللة اللفظيـة وغـري اللفظيـة، فاالستنباط يف تفسري آيات األحكام يشمل بطريـق كان مـن معـاين اآليـات مايقصد به استخراج واالستنباط يف هذه الدراسة

.، يعني الداللة غري اللفظيةلزومال : الفرق بينه وبني االستنباط يف أصول الفقه– ٤

االستنباط عند األصوليني هو استخراج حكـم املـسألة مـن الـدليل، بطـرق

.٢٧٦ وانظر منه ص.٨٢ – ٨١اإلمام يف بيان أدلة األحكام ص) ١(

١٦

ية استخراج داللة اآل: االستنباط عند املفرسيناالستنباط املقررة يف األصول، بينام ؛عىل معنى ليس من معنى اللفظ املبارش بل من الزمه

.فهو من داللة االلتزام فقطــرشعي مــن الــدليل، ــب هبــا اســتخراج احلكــم ال والقواعــد األصــولية يطلــي دل عليهــا القــرآن الكــريم، و ال بخــالف االســتنباط فهــو يــستخرج العلــوم الت

يقترص عىل األحكام الرشعية؛ . علوم القرآن هو استنباط أصويل و ال عكسكل استنباط يف التفسري وف

هذه اخلصوصية يف االستنباط من القـرآن عنـد املفـرسين، تفـرق بينـه وبـني .االستنباط عند األصوليني

:نوع العلوم املستنبطة من القرآن الكريم وبني هذا النوع الفرق بني- ٥، إال أنـه ال ن االستنباط يف نوع العلوم املـستنبطة هـو االسـتنباط األصـويلأ

يقترص عىل استخراج داللة اآليات عىل األحكام الـرشعية، التكليفيـة والوضـعية، إنام يشمل كل العلوم التي يمكن يـستدل هلـا مـن القـرآن الكـريم، بيـنام االسـتنباط املقصود يف هذه الدراسة خيتص باستخراج داللة لفظ اآليات يف غـري حمـل النطـق،

ه يـشمل العلـوم املختلفـة التـي يـستنبط هلـا مـن القـرآن ويلتقي مع هذا النوع يف أنـ .الكريم

: بيان أمهية هذا العلم- ٦استنباط معاين القرآن الكريم، من غري حمل النطق، بـاب عظـيم مـن أبـواب

: وقد مدح اهللا عزوجل أهل االستنباط فقال تعاىل .اج معاين القرآن الكريماستخروإذا جاءهم أمر من األ﴿ من أو اخلوف أذاعوا بـه ولـو ردوه إىل الرسـول وإىل أويل

١٧

األمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولوال فـضل اهللا علـيكم ورمحتـه التبعـتم الشيطان إال قليال ).٨٣:النساء( ﴾

وقد مدح اهللا ": ال ابن القيم رمحه اهللا ق تعاىل - أهـل االسـتنباط يف كتابـه - وأخرب أهنم أهل العلم ؛ ومعلوم أن االستنباط إنـام هـو اسـتنباط املعـاين والعلـل )١( ونسبة بعضها إىل بعض ، فيعترب ما يصح منها بصحة مثله ومشبهه ونظريه، ويلغـى

ما ال يصح، هذا الذي يعقله الناس من االستنباط . قال اجلوهري االستنباط كاالستخراج: )٢(.

ومعلوم أن ذلك قدر زائـد عـىل جمـرد فهـم اللفـظ، فـإن ذلـك لـيس طريقـة االستنباط؛ إذ موضوعات األلفاظ ال تنال باالستنباط، وإنام تنال به العلل واملعاين

واألشباه والنظائر ومقاصـد املـتكلم ، واهللا سـبحانه ذم مـن سـمع ظـاهرا جمـردا - فأذاعه وأفشاه ، ومحد من استنبط من أول العلم حقيقته ومعناه .

ويوضحه أن االستنباط استخراج األمر الذي من شـأنه أن خي فـى عـىل غـري مستنبطه، ومنه استنباط املاء من أرض البئـر والعـني، ومـن هـذا قـول عـيل بـن أيب

طالب ريض اهللا عنه وقد سئل هل خصكم رسول اهللا صىل اهللا عليه وسلم بيشء": دون الناس ؟ فقال سمة إال فهـام يؤتيـه اهللا عبـدا يف : ال ، والذي فلق احلبة وبرأ النـ

﴿وإذا جاءهم أمر من األمن أو اخلوف أذاعوا به ولو ردوه إىل الرسول وإىل أويل : يشري إىل قوله تعاىل) ١(

األمر منهم لعلمه الذين يستن بطونه منهم ولوال فضل اهللا عليكم ورمحته التبعتم الشيطان إال قليال ﴾ . )٨٣:النساء(

اهـ"االستخراج: واالستنباط"): ٤/٢٩٩) (نبط(عبارة اجلوهري يف الصحاح مادة ) ٢(

١٨

كتابه ")١(. ومعلوم أن هذا الفهـم قـدر زائـد عـىل معرفـة موضـوع اللفـظ وعمومـه أو

خصوصه ك بني سائر من يعرف لغة العـرب ، وإنـام هـذا فهـم ، فإن هذا قدر مشرت لــوازم املعنــى ونظــائره ومــراد املــتكلم بكالمــه ومعرفــة حــدود كالمــه ، بحيــث ال

يدخل فيها غري املرا د ، وال خيرج منها يشء من املراد .)٢(اھـ"﴿أفال يتدبرون : مل، فهو امتثال ألمر اهللا تبارك وتعاىلويف االستنباط تدبر وتأ القرآن أم عىل قلوب أقفاهلا .)٢٤:حممد( ﴾

د جـاء يف ويف االشتغال باالستنباط اشـتغال بـالقرآن الكـريم وتالوتـه، وقـعن عبد اهللا بن مسعود يقولاحلديث، قال رسول اهللا صىل اهللا عليه وسلم: مـن ":

قرأ حرفا من كتاب اهللا فله به حسنة واحلسنة بعرش أمثاهلا ال أقول امل حرف ولكـن

، حتت رقم ٢/٢٤٦الرسالة (، )امليمنية ١/١١٨(أقرب ما ورد هلذا اللفظ ما عند أمحد يف املسند ) ١(

عن أيب الطفيل قال": ، ولفظه)٩٥٤ سئل عيل، هل خصكم رسول اهللا صىل اهللا عليه وسلم بيشء؟ : فقال ما خصنا: رسول اهللا صىل اهللا عليه وسلم بيشء مل يعم به الناس كافة، إال ما كان يف قراب

سيفي هذا، قال فأخرج صحيفة مكتوب فيها: لعن اهللا من ذبح لغري اهللا، ولعن اهللا من رسق منار ": األرض، ولعن اهللا من لعن والده، ولعن اهللا م ن آوى حمدثا ، وصححه حمققو املسند عىل رشط "

الشيخني، وأخرجه البخاري كام قال املصنف، يف كتاب اجلهاد والسري، باب فكاك األسري، حديث عن أيب جحيفة ريض اهللا عنه، قال": ، ولفظه)٣٠٤٧(رقم قلت لعيل ريض اهللا عنه: هل عند: كم

يشء من الوحي إال ما يف كتاب اهللا؟ قال ال والذي فلق احلبة، وبرأ النسمة، ما أعلمه إال فهام «: يعطيه اهللا رجال يف القرآن، وما يف هذه الصحيفة ، قلت» وما يف الصحيفة؟ : قال العقل، وفكاك «:

األسري، وأن ال يقتل مسلم بكافر ".

.)٣٠٨/ ١(إعالم املوقعني عن رب العاملني )٢(

١٩

ألف ح رف والم حرف وميم حرف ")١(. ويكفي يف فضل هذا العلم أن موضوعه القرآن العظـيم، وثمرتـه وفائدتـه الوقـوف

عىل معانيه، وبالعمل بمعانيه تنال الـسعادة يف الـدنيا واالخـرة، وأن احلاجـة إىل ذلـك مقـررة .عند كل مسلم

: الكريمجواز االستنباط من القرآن رشوط – ٧، اجلـامع بـني علـم التفـسري بـالرأي املحمـودمن العلم اجتهادي، وهو هذا

؛الرواية والدرايةــرس مــن رشوط ــشرتط يف املف ــه مــا ي ــيمن يتــصدى ل ــشرتط ف وأوصــاف في

.وآداب .ويشرتط يف قبوله ما يشرتط يف قبول التفسري بالرأي

:)٢(رشوط مخسة لقبولهرأي اشرتطوا بال التفسريو .تضاد خمالفة باملأثور سريالتف خيالف ال أن - ١ . وحلاقها وسباقها اآلية سياق مع يتفق أن - ٢ .اللغة حيث من األلفاظ داللة مع يتناىف ال أن - ٣

، )٣٠٨٧(أخرجه الرتمذي يف كتاب فضائل القرآن باب فيمن قرأ حرفا من القرآن، حديث رقم )١(

كتاب فضائل القرآن باب فضل من قرأ القرآن، وأخرجه الدارمي موقوفا عىل عبداهللا بن مسعود يف، "حسن صحيح غريب من هذا الوجه": واحلديث قال عنه الرتمذي ).٣٣٠٨(حديث رقم

حتت رقم ) ٩/ ٣(، واأللباين يف صحيح سنن الرتمذي )٤٩٨/ ٨(وصححه حمقق جامع األصول )٢٣٢٧.(

دمة أصول قة أصول التفسري، انظر رشح مهذه الرشائط أشار إليها شيخ اإلسالم ابن تيمية يف مقدم) ٢( .التفسري ملحمد بازمول

٢٠

.الرشع مع يتعارض ال أن - ٤ .املذمومة واألهواء البدع أهل نرصة إىل يؤدي ال أن - ٥

.فهذه الرشوط مطلوبة يف االستنباط الذي يأيت به املفرس :معظم القرآن حمل لالستنباط – ٨

عـن ختلـو ال القـرآن آي معظـم": قـال عـز الـدين بـن عبدالـسالم رمحـه اهللا .)١(اهـ"مجيلة وأخالق حسنة آداب عىل مشتملة أحكام

بطريق يؤخذ ما ومنها باألحكام، فيه رصح ما اآليات من ثم .)٢(االستنباط

ت معينة، أو يف وهذا أمر متقرر، فال يقترص موضع االستنباط من آيا .موضوعات معينة

فقصص القرآن الكريم، وما فيه من بيان حال الناس من دعوة األنبياء، وما فيه من ذكر صفات اهللا تعاىل وأسامئه، واليوم اآلخر، وأحوال اجلنة والنار، وأقسام الناس إىل مؤمن بذلك وكافر ومنافق، وسابق باخلريات، وأصحاب

آيات األحكام ما كان منها حمال يستخرج داللة اآلية واليمني وأصحاب الشامل، ذلك كله حمل لالستنباط ألنه كالم اهللا العليم احلكيم اللطيف يف غري حمل اللفظ،

.اخلبريوقـد تـدل اللفظـة الواحـدة عـىل ": قال عزالـدين بـن عبدالـسالم رمحـه اهللا

.٢٨٤اإلمام يف بيان أدلة األحكام ص) ١(

).٤/٣٥(، االتقان ) ٢/٤(الربهان يف علوم القرآن ) ٢(

٢١

؛داللة اللزوم واآلخر مستفاد من ]ةيالصيغ[حكمني أحدمها مستفاد من الداللة ﴿وبرش الذين آمنوا وعملوا الصاحلات: كقوله تعاىل : يدل عىل)٢٥:البقرة( ﴾

.أمر الرسول بالتبشري . لتعلق البشارة هبام؛وعىل أمر املخاطبني باإليامن والعمل الصالح

﴿وقـل للـذين ال يؤمنـون اعملـوا عـىل مكـانتك: وقوله يـدل ،)١٢١:هـود(﴾ م :عىل

.أمر الرسول بإبالغهم هذا القول . أمر هتديد ووعيد﴾﴿اعملوا: فإن قوله؛وعىل حتريم العمل عىل مكانتهم

﴿قل أطيعوا اهللا: وكذلك قوله ؛)٣٢:آل عمران(﴾ .أمر للرسول باقتضاء الطاعة هبذه الصيغة

.وأمر هلم بإيقاع الطاعةة باسم واحد كالـصلوات والكفـارات والـديات وقد تسمى مأمورات كثري

.)١(اهـ"فتكون أركاهنا ورشائطها وسننها كل واحد منها مأمور به

:)٢(عىل نوعني باآليات همن جهة تعلق بيان أن االستنباط - ٩ .ما يكون من اآلية بمفردها دون ضم آية أخرى إليها: النوع األول :ومن أمثلته

وامرأتـه محالـة احلطـب﴿: تعـاىلمـن قولـهاستنباط صحة أنكحة الكفـار ﴾

.٢٨١ – ٢٨٠اإلمام يف بيان أدلة األحكام ص) ١(

).٤/٣٥(، االتقان )١/٥(انظر الربهان ) ٢(

٢٢

).٤:املسد(: تعــاىلمــن قولــهيف هنــار رمــضان وغــريه، نــب صــحة صــوم اجلاســتنباط و

فاآلن بارشوهن وابتغوا ما كتب اهللا لكم وكلوا وارشبوا حتى يتبني لكـم اخلـيط ﴿ األبيض من اخل يط األسـود مـن الفجـر ثـم أمتـوا الـصيام إىل الليـل وال تبـارشوهن

اس وأنتم عاكفون يف املساجد تلك حدود اهللا فال تقربوها كذلك يبني اهللا آياته للنـ لعلهم يتقون ).١٨٧:البقرة(﴾ احلمـل سـتة أشـهر مـدة كاستنباط أن أقل . ما يكون بضم آية إىل آية: الثاين

﴿والوالـدات يرضـعن أوالدهـن حـولني كـاملني ملـن أراد أن يـتم : تعـاىلمن قوله الرضــاعة قولــه تعــاىل، مــع )٢٣٣:البقــرة(﴾ ومحلــه وفــصاله ثال﴿: ثــون شــهرا ﴾

األحقاف( :١٥(. أفعـصيت﴿: تعـاىل قولـه مـن العقـاب يـستحق األمـر تـارك أن استنباطكو أمري ومن﴿: شأنه جل قوله مع) ٩٣: اآلية طه سورة (﴾ يعص ورسوله اهللا فـإن له جهنم نار . )١()٢٣: اآلية اجلن سورة(﴾

تـشاؤن ومـا﴿: تعاىل قوله من العباد ألفعال خالق اهللا أن وكاستنباط إال أن يشاء وربـك﴿: تعـاىل قولـه مـع، )٣٠: اآليـة اإلنسان سورة (﴾اهللا خيلـق يـشاء مـا وخيتار العبـد مشيئة وأن يشاء، ما خيلق أنه ثبت فإذا) ٦٨: اآلية القصص سورة (﴾

.)٢(العبد ملشيئة خالق تعاىل أنه أنتج اهللا شاء إذا إال حتصل ال

.١٣٢آن الكريم صدراسات أصولية يف القر) ١(

.١٣٣ – ١٣٢دراسات أصولية يف القرآن الكريم ص) ٢(

٢٣

:تفسري اآليةمع عنارص حمل االستنباط وترتيبه – ١٠ . التفسري بالرأيمنالكالم عىل االستنباط

.)١(ومعلوم أن التفسري بالرأي املحمود هو الذي توفرت فيه رشوط قبولهيراعـون حمـل بـالرأي فـرسين وحيث إن اإلستنباط فرع فهـم املعنـى فـإن امل

التفـسري يف يتحـرى أناملفرسجيب عىل تنباط وترتيبه عند تفسري اآلية، حيث االس أو املعنـى إيـضاح يف ليـهإ حيتـاج ملـا نقـص مـن ذلـك يف يتحرز وأن ،املفرس مطابقة طريقـه، عـن وعـدول املعنى عن زيغ فيه املفرس كون ومن بالغرض، تليق ال زيادة لـه سـيق الـذي والغرض التأليف راعاةوم واملجازي احلقيقي املعنى مراعاة وعليه .املفردات بني يؤاخي وأن الكالم،

:منها به البداءة جيب ما وأول اللفظية، بالعلوم البداءة عليه وجيبــرصيف ثــم اللغــة جهــة مــن عليهــا فيــتكلم املفــردة األلفــاظ حتقيــق ثــم الت

.االشتقاق ثـم باملعـاين يتعلـق بـام ثـم باإلعراب فيبدأ الرتكيب بحسب عليها يتكلم ثم

.املراد املعنى يبني ثم البديع، ثم البيان . االستنباط ثم .)٢(اإلشارة ثم

).رشوط جواز االستنباط من القرآن الكريم(التي سبق ذكرها يف فقرة ) ١(

).٤/١٩٨(، واالتقان )١٧٨ – ٢/١٧٣(انظر الربهان ) ٢(

٢٤

: كتاب اإلكليل يف استباط التنزيل للسيوطي– ١١باطات أهـل نهذا الكتاب مجع فيه السيوطي رمحه اهللا ما وقف عليه من اسـترائـق االسـتنباط العلم، باملعنى األصويل، الذي هيدف إىل استخراج داللة اآليـة بط

عند األصوليني، عىل مجيع العلوم، فهو يقرر فيـه مـا يتعلـق بـالنوع الـذي أفـرده يف .العلوم املستنبطة من القرآن الكريم

.ت له هذه الدراسةدفلم يقترص فيه عىل االستنباط الذي أفر يف ذلـك، حيـث أورد فيهـا مـا أورده يف النـوع اخلـامس و مقدمته واضـحة

فعزمـت ": طة من القرآن، ويقول بعـد إيـراده ذلـكلق بالعلوم املستنبوالستني املتعما اسـتنبط أورد فيه كل عىل وضع كتاب يف ذلك، مهذب املقاصد، حمرر املسالك،

، وبعـضا ممـا سـوى من مسئلة فقهيـة أو أصـلية أو اعتقاديـة استدل به عليهأو ،منه .)١(اهـ"..ذلك

ب شارحا ملا أمجله من كالم عىل وقد جعل السيوطي رمحه اهللا هذا الكتا :وقد ألفت كتابا سميته": نوع العلوم املستنبطة من القرآن الكريم، فهو يقول

لة فقهية أمن مسذكرت فيه كل ما استنبط منه "اإلكليل يف استنباط التنزيل"م العائدة جيري جمرى كثري الفائدة ج.أوأصلية أواعتقادية، وبعضا مما سوى ذلك

.)٢(اھـ"ا أمجلته يف هذا النوع، فلرياجعه من أراد الوقوف عليهالرشح مل

.١١اإلكليل يف استنباط التنزيل ص) ١(

).٣٥-٤/٣٤(يف علوم القرآن االتقان) ٢(

٢٥

: للدكتور فهد الوهبي"منهج االستنباط من القرآن الكريم"كتاب -١٢هذا الكتاب قرر فيه صاحبه االستنباط، ال بمعنى داللة اآليـة عـىل الـيشء،

؛إنام بمعنى أخص من ذلك أو " القرآين بطريق صحيحاستخراج ما خفي من النص": فقد عرفه ، بأنه

.)١(اهـ"استخراج ما خفي من القرآن بطريق صحيح"ــال ــي )٢(وبعــد التأمــل": وق ــدالالت الت ــضح أن ال ــاظ ات يف دالالت األلف

:تدخل يف طرق االستنباط هي .)٣(اهـ"داللة اإلشارة، وداللة النص، وداللة املفهوم، وداللة االقرتان

ليس ضـمن ا، وذكر أهن) من أساليب القرآناملطردداللة (ـوزاد االستنباط ب .)٤(دالالت األلفاظ

: ويالحظ عليه ما ييل، "بطريـق صـحيح": أنه يف تعريف االسـتنباط أوهـم التعمـيم، إذ قولـه .١

يشمل ما خيـرج عـام يريـده مـن حـرص االسـتنباط فـيام ذكـره مـن داللـة ة املطـرد اإلشارة وداللة النص، وداللة املفهوم، وداللة االقرتان، ودالل

.من أساليب القرآن الكريمأنه أدرج اصطالحني كل منهام ألصحاب منهج يف تعريف يشء واحد، .٢

.٤٤ص )١(

.اال يصلح يف البحث العلمي مثل هذا، إذ البد أن يذكر أسبابا علمية هلذا االختيار حتى ينظر فيه) ٢(

.٢٩٤ص )٣(

.٣٣٧ص )٤(

٢٦

، وذكـر )١(فإنه ذكر أقسام دالالت األلفاظ عند احلنفية وعند املتكلمـنيداللـة العبـارة، وداللـة اإلشـارة، : فية هـينأن أقسام الدالالت عند احل

ــنص، و ــة ال ــة ودالل ــضاءدالل ــد وأ. االقت ــاظ عن ــة األلف ــسام دالل ن أقاملنطـوق : ومهـا،اجلمهور من الـشافعية ومـن وافقهـم قـسامن أساسـيان

: فكيـف يقـرر أن الـدالالت التـي تـدخل يف االسـتنباط هـي . واملفهوم وحمـل االعـرتاض !؟"...داللة اإلشارة وداللة النص وداللة املفهـوم "

اهــا شــارة، ومعن داللــة اإللــدالالت األلفــاظ فيهــا أن قــسمة األحنــاف قسمة اجلمهـور فكيـف يعـد اإلشـارة مـع ىل ععندهم يدخل يف املفهوم .)٢(املفهوم ومها يشء واحد

من طرائق االستنباط، مع كون االستنباط ال يكـون يف ) النص( أنه عد .٣، والنص أوضح مـن الظـاهر فكيـف يعـده مـن )٣( عندهاملعاين الظاهرة

طرائق االستنباط؟

من طرائق ) داللة املطرد من أساليب القرآن(، و)االقرتانداللة (أنه عد .٤، ويمكن أن يسأل مل مل يعد غريها مما هو )٤(االستنباط، و ال وجه لذلك

.٢٩٢ – ٢٩١ص )١(

، فيـستقيم املـراد، لكـن يبقـى )دليل اخلطاب( وحيتمل أنه يريد باملفهوم .٢٨١انظر مذكرة يف أصول الفقه ص) ٢( . ، واهللا املستعانأن العبارة مومهة

.بحسب تعريفه) ٣(

واالقـرتان مــن طــرق .ألن مـا ســامه داللــة املطـرد إنــام يتوصــل بـه إىل حتديــد املــراد، ولـيس طريقــا لالســتنباط) ٤( .االستدالل ال من طرق االسننباط

٢٧

ولو اقترص أشد خفاء منها؟ وما وجه عد هاتني الداللتني دون غريمها؟ــيشء، بطرائــق ــة القــرآن عــىل ال عــىل أن االســتنباط هــو اســتخراج دالل

د األصــوليني، لوافــق مــا قــرره العلــامء يف االســتنباط يف االســتنباط عنــأحكام القرآن، ويف العلـوم املـستنبطة مـن القـرآن الكـريم، ولكنـه جـاء

علـامء االسـتنباط عنـد و ال ثل االستنباط عند األصـوليني، بمعنى ال يم .التفسري وعلوم القرآن الكريم

د داللـة اإلشـارة، مـع مل يعد داللة االقتضاء وداللة اإليامء والتنبيه، وعـ .٥ . )١(أهنا مجيعها من املفهوم عىل قسمة اجلمهور

وهـذا رشط نـسبي، ) خفيـا(وأخريا فقد اشرتط يف االستنباط أن يكـون .٦ إنام يذكر يف االستنباط مـن حيـث هـو، ال مـن حيـث كونـه اصـطالحا،

.واهللا اعلم

يف ) االسـتنباط(يذكر لصاحب هذه الدراسة أنه حاول حتريـر مـصطلح .٧ .الدراسات القرآنية، وأنه أحسن يف جهات أخرى عديـدة مـن دراسـته

.اهللا خريا ووفقه لكل خريزاه ج

. غري الرصيحوأشار إىل اخلالف فيها، وأن منهم من عدها من املنطوق . ٢٨٢انظر مذكرة يف أصول الفقه ص) ١( وقـد أشـار صـاحب مـنهج . ٣٨٧املذكرة يف أصـول الفقـه ص. ولذلك عند تعارضها مع املفهوم تقدم عليه

، ورصح أهنا من داللة املنطوق صاحب دراسات أصـولية يف القـرآن ٢٩٨االستنباط إىل اخلالف يف ذلك ص .٣٠٠ – ٢٩٩الكريم ص

٢٨

: اخلامتة – ١٣ :انتهت الدراسة إىل األمور التالية

أن االستنباط عند املفرسين حمله يف داللة اللزوم من لفظ اآليـة، فبعـد أن يقـرر -نهـا املفرس معنى اآلية منطوقا باملطابقة والتضمن، ينتقـل إىل بيـان مـا يـستنبط م

.باللزوم، وحمله داللة املفهومأنه ال يشرتط يف االستنباط أن يكـون غامـضا، وذكـر مـن ذكـره مـن العلـامء يف -

تعريف االستنباط يف اللغة، إنام هو من باب الوصف الكاشف، الـذي ال يـراد .به حتديد املاهية، خاصة وأنه أمر نسبي

.االستنباطأن املفرسين يتفاوتون يف االهتامم هبذا النوع من -

بيان الفرق بني االستنباط عند املفـرسين، والتفـسري، وتفـسري آيـات األحكـام، -واالستنباط عند األصوليني، وبينه وبني االستنباط يف نوع العلوم املستنبطة من

.القرآن الكريم

.بيان أنواع االستنباط -

قبـول بيان أن االستنباط مـن قبيـل التفـسري بـالرأي فيـشرتط لـه مـا يـشرتط يف - .التفسري بالرأي

.بيان حمل االستنباط وترتيبه حتت عنارص التفسري -

ينـدرج حتتـه كـل ) اإلكليـل(توضيح أن كتاب الـسيوطي رمحـه اهللا املوسـوم بــ - .تنباط، وليس خاصا بنوع منهاأنواع االس

وبيـان مـا وقـع فيـه مـن "االسـتنباط مـن القـرآن"التعقب عىل صاحب كتـاب -اع مخسة، ال يسلم له فيها هذا احلرص، وتوضيح أنه مل يلتزم بمعنـى االسـتنباط تقييد االستنباط بأنو

.األصويل، و ال بمعنى االستنباط يف نوع العلوم املستنبطة من القرآن الكريمم بعلونيلدي يف تقرير هذا النوع، وإفراده، عسى أن يكون فيه النفع والفائدة ألبنائي طلبة العلم، املشتغل هذا ما حترر

واحلمد هللا الذي بنعمته تتم الصاحلات، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ان ال إله إال أنت استغفرك وأتوب .القرآن الكريم وتفسريه .إليك، وصل اللهم عىل حممد وعىل آله وصحبه وسلم

هـ، الساعة اخلامسة وسبع وعرشين دقيقة عرصا٢/١٢/١٤٣٣انتهيت منها كتابة يف يوم اخلميس