154
ﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍﻷﺳﻨﻰ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺃﺳﻤﺎء ﺍﷲ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ- ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﺃﺑﻮ ﺣﺎﻣﺪ1 ﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍﻷﺳﻨﻰ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺃﺳﻤﺎء ﺍﷲ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﺃﺑﻮ ﺣﺎﻣﺪcom . mostafa - al . www

الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

1      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

محمد بن محمد الغزالي أبو حامد

com.mostafa-al.www

Page 2: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

2      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الفصل األول في بيان معنى االسم والمسمى والتسمية

 وزاغ عن الحق أكثر الفرق قد كثر الخائضون في االسم والمسمى وتشعبت بهم الطرق

فمن قائل إن االسم هو المسمى ولكنه غير التسمية ومن قائل إن االسم غير المسمى 

ولكنه هو التسمية ومن ثالث معروف بالحذق في صناعة الجدل والكالم يزعم أن االسم قد 

 يكون هو المسمى كقولنا هللا تعالى إنه ذات وموجود وقد يكون غير المسمى كقولنا إنه

خالق ورازق فإنهما يدالن على الخلق والرزق وهما غيره وقد يكون بحيث ال يقال إنه 

المسمى وال هو غيره كقولنا إنه عالم وقادر فإنهما يدالن على العلم والقدرة وصفات اهللا ال 

يقال إنها هي اهللا تعالى وال إنها غيره

والخالف يرجع إلى أمرين

م الأحدهما أن االسم هل هو التسمية أ

والثاني أن االسم هل هو المسمى أم ال

والحق أن االسم غير التسمية وغير المسمى وأن هذه ثالثة أسماء متباينة غير مترادفة 

وال سبيل إلى كشف الحق فيه إال ببيان معنى كل واحد من هذه األلفاظ الثالثة مفردا ثم 

كشف للحقائق ومن عدل عن بيان معنى قولنا هو هو ومعنى قولنا هو غيره فهذا منهاج ال

هذا المنهج لم ينجح أصال

Page 3: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

3      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

فإن كل علم تصديقي أعني علم ما يتطرق إليه التصديق أو التكذيب فإنه ال محالة لفظه 

قضية تشتمل على موصوف وصفة ونسبة لتلك الصفة إلى الموصوف فال بد أن تتقدم عليه 

ه ثم المعرفة بالصفة وحدها المعرفة بالموصوف وحده على سبيل التصور لحده وحقيقت

على سبيل التصور لحدها وحقيقتها ثم النظر في نسبة تلك الصفة إلى الموصوف أنها 

موجودة له أو منفية عنه فمن أراد مثال أن يعلم أن الملك قديم أو حادث فال بد أن يعرف أوال 

لملك أو نفيه معنى لفظ الملك ثم معنى القديم والحادث ثم ينظر في إثبات أحد الوصفين ل

عنه فلذلك ال بد من معرفة معنى االسم ومعنى المسمى ومعنى التسمية ومعرفة معنى 

الهوية والغيرية حتى يتصور أن يعرف بعد ذلك أنه هو أو غيره

فنقول في بيان حد االسم وحقيقته إن لألشياء وجودا في األعيان ووجودا في األذهان 

ووجودا في اللسان

عيان فهو الوجود األصلي الحقيقي والوجود في األذهان هو الوجود أما الوجود في األ

العلمي الصوري والوجود في اللسان هو الوجود اللفظي الدليلي فإن السماء مثال لها وجود 

في عينها ونفسها ثم لها وجود في أذهاننا ونفوسنا ألن صورة السماء تنطبع في أبصارنا 

ال وبقينا لكانت صورة السماء حاضرة في خيالنا ثم في خيالنا حتى لو عدمت السماء مث

وهذه الصورة هي التي يعبر عنها بالعلم وهو مثال المعلوم فإنه محاك للمعلوم ومواز له 

وهي كالصورة المنطبعة في المرآة فإنها محاكية للصورة الخارجة المقابلة لها

قطيعات يعبر عن القطعة وأما الوجود في اللسان فهو اللفظ المركب من أصوات قطعت أربع ت

األولى بالسين وعن الثانية بالميم وعن الثالثة باأللف وعن الرابعة بالهمزة وهو قولنا سماء 

فالقول دليل على ما هو في الذهن وما في الذهن صورة لما في الوجود مطابقة له ولو لم 

يكن وجود في

Page 4: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

4      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ورة األذهان لم يشعر بها إنسان األعيان لم ينطبع صورة في األذهان ولو لم ينطبع في ص

ولو لم يشعر بها اإلنسان لم يعبر عنها باللسان فإذا اللفظ والعلم والمعلوم ثالثة أمور 

متباينة لكنها متطابقة متوازية وربما تلتبس على البليد فال يميز البعض منها عن البعض

يلحق األخرى فإن وكيف ال تكون هذه الوجودات متمايزة ويلحق كل واحد منها خواص ال 

ذاإلنسان مثال من حيث أنه موجود في األعيان يلحقه أنه نائم ويقظان وحي وميت وقائم 

وماش وقاعد وغير ذلك ومن حيث أنه موجود في األذهان يلحقه أنه مبتدأ وخبر وعام 

وخاص وجزئي وكلي وقضية وغير ذلك ومن حيث أنه موجود في اللسان يلحقه أنه عربي 

وزنجي وكثير الحروف وقليلها وأنه اسم وفعل وحرف وغير ذلك وهذا الوجود وعجمي وتركي 

يجوز أن يختلف باألعصار ويتفاوت في عادة أهل األمصار

فأما الوجود الذي في األعيان واألذهان فال يختلف باألعصار واألمم البتة

لوجود اللفظي فإذا عرفت هذا فدع عنك اآلن الوجود الذي في األعيان واألذهان وانظر في ا

فإن غرضنا يتعلق به فنقول

األلفاظ عبارة عن الحروف المقطعة الموضوعة باالختيار اإلنساني للداللة على أعيان 

األشياء وهي منقسمة إلى ما هو موضوع أوال وإلى ما هو موضوع ثانيا

أما الموضوع أوال فكقولك سماء وشجر وإنسان وغير ذلك

سم وفعل وحرف وأمر ونهي ومضارع وإنما قلنا إنه موضوع وضعا وأما الموضوع ثانيا فكقولك ا

ثانيا ألن األلفاظ الموضوعة للداللة على األشياء منقسمة إلى ما يدل على معنى في 

غيره فيسمى حرفا وإلى ما يدل على معنى في نفسه وما يدل على معنى في نفسه 

ينقسم إلى ما يدل على زمان وجود ذلك

Page 5: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

5      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

فعال كقولك ضرب يضرب وإلى ما ال يدل على الزمان ويسمى اسما المعنى ويسمى 

كقولك سماء وأرض

فأوال وضعت األلفاظ دالالت على األعيان ثم بعد ذلك وضع االسم والفعل والحرف دالالت 

على أقسام األلفاظ ألن األلفاظ بعد وضعها أيضا صارت موجودات في األعيان وارتسمت 

يضا أن يدل عليها بحركات اللسانصورها في األذهان فاستحقت أ

ويتصور األلفاظ أن تكون موضوعة وضعا ثالثا ورابعا حتى إذا قسم االسم إلى أقسام وعرف 

كل قسم باسم كان ذلك االسم في الدرجة الثالثة كما يقال مثال االسم ينقسم إلى نكرة 

فظ موضوع وضعا وإلى معرفة وغير ذلك والغرض من هذا كله أن تعرف أن االسم يرجع إلى ل

ثانيا

فإذا قيل لنا ما حد االسم

قلنا إنه اللفظ الموضوع للداللة وربما نضيف إلى ذلك ما يميزه عن الحرف والفعل

وليس تحرير الحد من غرضنا اآلن إنما الغرض أن المراد باالسم المعنى الذي هو في الرتبة 

انالثالثة وهو الذي في اللسان دون الذي في األعيان واألذه

فإذا عرفت أن االسم إنما يعنى به اللفظ الموضوع للداللة فاعلم أن كل موضوع للداللة فله 

واضع ووضع وموضوع له يقال للموضوع له مسمى وهو المدلول عليه من حيث أنه يدل 

عليه ويقال للواضع المسمي ويقال للوضع التسمية يقال سمى فالن ولده إذا وضع لفظا 

 تسمية وقد يطلق لفظ التسمية على ذكر االسم الموضوع يدل عليه ويسمي وضعه

كالذي ينادي شخصا ويقول يا زيد فيقال سماه فإن قال يا أبا بكر يقال كناه وكان

Page 6: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

6      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

لفظ التسمية مشتركا بين وضع االسم وبين ذكر االسم وإن كان األشبه أنه أحق بالوضع 

منه بالذكر

ركة والتحريك والمحرك والمحرك وهذه أربعة ويجري االسم والتسمية والمسمى مجرى الح

أسام متباينة تدل على معان مختلفة فالحركة تدل على النقلة من مكان إلى مكان 

والتحريك يدل على إيجاد هذه الحركة والمحرك يدل على فاعل الحركة والمحرك يدل على 

دل إال على المحل الشيء الذي فيه الحركة مع كونه صادرا من فاعل ال كالمتحرك الذي ال ي

الذي فيه الحركة وال يدل على الفاعل

فإذا ظهر اآلن مفهومات هذه األلفاظ فلينظر هل يجوز أن يقال فيها إن بعضها هو البعض أو 

يقال إنه غيره

وال يفهم هذا إال بمعرفة معنى الغيرية والهوية

وقولنا هو هو يطلق على ثالثة أوجه

الخمر هي العقار والليث هو األسد وهذا يجري في كل الوجه األول يضاهي قول القائل 

شيء هو واحد في نفسه وله اسمان مترادفان ال يختلف مفهومهما البتة وال يتفاوت بزيادة 

وال نقصان وإنما تختلف حروفهما فقط وأمثال هذه األسماء تسمى مترادفة

ف وهذا يفارق األول الوجه الثاني يضاهي قول القائل الصارم هو السيف والمهند هو السي

فإن هذه األسامي مختلفة المفهومات وليست مترادفة ألن الصارم يدل على السيف من 

حيث هو قاطع والمهند يدل على السيف من حيث نسبته إلى الهند والسيف يدل داللة 

مطلقة من غير إشارة إلى غير ذلك وإنما المترادفة هي التي تختلف حروفها فقط وال 

ة وال نقصان فلنسم هذا الجنس متداخال إذ السيف داخل في مفهوم األلفاظ تتفاوت بزياد

الثالثة وإن كان بعضها يشير معه إلى زيادة

Page 7: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

7      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الوجه الثالث أن يقول القائل الثلج أبيض بارد فاألبيض والبارد واحد واألبيض هو البارد فهذا 

 معناه أن عينا واحدة أبعد الوجوه ويرجع ذلك إلى وحدة الموضوع الموصوف بالوصفين

موصوفة بالبياض والبرودة

وعلى الجملة فقولنا هو هو يدل على كثرة لها وحدة من وجه فإنه إذا لم يكن وحدة لم 

يمكن أن يقال هو هو واحد وما لم يكن كثرة لم يكن هو هو فإنه إشارة إلى شيئين

سماء المترادفة فلنرجع إلى غرضنا فنقول من ظن أن االسم هو المسمى على قياس األ

كما يقال الخمر هي العقار فقد أخطأ جدا ألن مفهوم المسمى غير مفهوم االسم إذ بينا 

أن االسم لفظ دال والمسمى مدلول وقد يكون غير لفظ وألن االسم عربي وعجمي وتركي 

أي موضوع العرب والعجم والترك والمسمى قد ال يكون كذلك واالسم إذا سئل عنه قيل ما 

مسمى إذا سئل عنه ربما قيل من هو كما إذا حضر شخص فيقال ما اسمه فيقال هو وال

زيد وإذا سئل عنه قيل من هو وإذا سمي التركي الجميل باسم الهنود قيل اسم قبيح 

ومسمى حسن وإذا سمي باسم كثير الحروف ثقيل المخارج قيل اسم ثقيل ومسمى 

زا واالسم قد يبدل على سبيل خفيف واالسم قد يكون مجازا والمسمى ال يكون مجا

التفاؤل والمسمى ال يتبدل وهذا كله يعرفك أن االسم غير المسمى ولو تأملت وجدت 

فروقا كثيرة غير ذلك ولكن البصير يكفيه اليسير والبليد ال يزيده التكثير إال تحيرا

وأما الوجه الثاني وهو أن يقال االسم هو المسمى على معنى أن المسمى مشتق من 

السم ويدخل فيه كما يدخل السيف في مفهوم الصارم فهذا إن قيل به فيلزم عليه أن ا

يكون التسمية والمسمي واالسم والمسمى كله واحدا ألن الكل مشتق من االسم ويدل 

عليه وهذا مجازفة في الكالم وهو كقول القائل الحركة والتحريك والمحرك والمحرك واحد إذ 

الكل مشتق من الحركة وهو

Page 8: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

8      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

خطأ فإن الحركة تدل على النقلة من غير داللة على المحل والفاعل والفعل والمحرك يدل 

على فاعل الحركة والمحرك يدل على محل الحركة مع كونه مفعوال بخالف المتحرك فإنه 

يدل على محل الحركة وال يدل على كونه مفعوال والتحريك يدل على فعل الحركة من غير 

 والمحل فهذه الحقائق متباينة وإن كانت الحركة غير خارجة عن جميعهاداللة على الفاعل

ولكن للحركة حقيقة في نفسها تعقل وحدها ثم تعقل نسبتها إلى فاعل وهذه اإلضافة 

غير المضاف إذ اإلضافة تعقل بين شيئين والمضاف قد يعقل وحده وتعقل نسبته إلى 

لحركة إلى المحل واحتياجها إليه ضروري المحل وهو غير نسبته إلى الفاعل كيف ونسبة ا

ونسبتها إلى الفاعل نظري أعني به الحكم بوجود النسبتين دون التصور فكذلك االسم له 

داللة وله مدلول وهو المسمى ووضعه فعل فاعل مختار وهو التسمية ثم ليست هذه 

صفة وكذا المداخلة من قبيل دخول السيف في مفهوم الصارم والمهند ألن الصارم سيف ب

المهند فالسيف داخل فيه وليس المسمى اسما بصفة وال التسمية اسما بصفة فال يصح 

فيه هذا التأويل

وأما الوجه الثالث الذي يرجع إلى اتحاد المحل مع تعدد الصفة فهو أيضا مع بعده غير جار 

في االسم والمسمى وال في االسم والتسمية حتى يقال إن شيئا واحدا موضوع ألن 

سمى اسما ويسمى تسمية كما كان في مثال الثلج إذ هو معنى واحد موصوف بالبارد ي

واألبيض وإال هو كقول القائل الصديق رضي اهللا عنه هو ابن أبي قحافة ألن تأويله أن 

الشخص الذي وصف بأنه صديق هو الذي نسب بالوالدة إلى أبي قحافة فيكون معنى ال 

تباين الصفتين فإن مفهوم الصديق رضي اهللا عنه غير هو هو اتحاد الموضوع مع القطع ب

مفهوم بنوة أبي قحافة

Page 9: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

9      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

فالتأويالت التي تطلق عليها هو هو غير جارية في االسم والمسمى وفي االسم 

والتسمية البتة ال حقيقتها وال مجازها والحقيقة من جملتها ما يرجع إلى ترادف األسماء 

ال يكون في اللغة فرق بين مفهوم اللفظين فإن كان كقولنا الليث هو األسد بشرط أن 

بينهما فرق فليطلب له مثال آخر وهذا يرجع إلى اتحاد الحقيقة وكثرة االسم وال بد في 

قولنا هو هو من كثرة من وجه ووحدة من وجه وأحق الوجوه أن تكون الوحدة في المعنى 

والكثرة في مجرد اللفظ

 الخالف الطويل الذيل القليل النيل فقد ظهر لك أن وهذا القدر كاف في الكشف عن هذا

االسم والتسمية والمسمى ألفاظ متباينة المفهوم مختلفة المقصود وإنما يصح على 

الواحد منها أن يقال هو غير الثاني ال أنه هو ألن الغير في مقابلة الهو هو

ره وإلى ما ال هو وأما المذهب الثالث المقسم لالسم إلى ما هو المسمى وإلى ما هو غي

هو وال هو غيره فأبعد المذاهب عن السداد وأجمعها لقبول االضطراب إال أن يؤول ويقال ما 

أراد باالسم الذي قسمه إلى ثالثة أقسام االسم نفسه بل أراد به مفهوم االسم ومدلوله 

ومفهوم االسم غير االسم فإن مفهوم االسم هو المدلول والمدلول غير الدليل وهذا 

النقسام الذي ذكره متطرق إلى مفهوم االسم فالصواب أن يقال مفهوم االسم قد يكون ا

ذات المسمى وحقيقته وماهيته وهي أسماء األنواع التي ليست مشتقة كقولك إنسان 

وعلم وبياض وما هو مشتق فال يدل على حقيقة المسمى بل يترك الحقيقة مبهمة ويدل 

على صفة له كقولك عالم وكاتب

لمشتق ينقسم وماهيته وهي أسماء األنواع إلى ما ليست مشتقة كقولك إنسان ثم ا

وعلم وبياض وما هو مشتق إلى ما يدل على وصف حال في المسمى كالعالم واألبيض 

وإلى ما يدل على إضافة له إلى غير مفارق كالخالق والكاتب

Page 10: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

10      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

إلى شخص آدمي وقيل ما وحد القسم األول كل اسم يقال في جواب ما هو فإنه إذا أشير 

هو ليس كقول من هو فجوابه أن يقال إنسان فلو قيل حيوان لم يكن قد ذكر تمام الماهية 

ألنه ليس تتقوم ماهيته بمجرد الحيوانية ألنه هو هو بأنه حيوان عاقل ال بأنه حيوان فقط 

 أو كاتب لم ولفظ اإلنسان اسم للحيوان العاقل فلو قيل بدل اإلنسان أبيض أو طويل أو عالم

يكن جوابا ألن مفهوم األبيض شيء مبهم له وصف البياض ما يدري ما ذلك الشيء ومفهوم 

العالم شيء مبهم له وصف العلم ومفهوم الكاتب شيء مبهم له فعل الكتابة نعم يجوز أن 

يفهم أن الكاتب إنسان ولكن من أمور خارجة وأدلة زائدة على مفهوم اللفظ وكذلك إذا 

لون وقيل ما هو فجوابه أنه بياض فلو ذكر اسما مشتقا فقال مشرق أو مفرق أشير إلى 

لضوء البصر لم يكن جوابا ألن المطلوب بقولنا ما هو حقيقة الذات وماهيتها التي بها هي ما 

هي والمشرق شيء مبهم له اإلشراق والمفرق شيء مبهم له التفريق

ويجوز أن يعبر عن هذا بأن االسم قد فهذا التقسيم في مدلول األسامي ومفهومها صحيح 

يدل على الذات وقد يدل على غير الذات ويكون ذلك على سبيل المساهلة في اإلطالق 

فإن قولنا يدل على غير الذات إن لم يفسر بأنا أردنا به غير الماهية المقولة في جواب ما 

 ففرق بين أن يقول هو لم يصح فإن العالم يدل على ذات له العلم فقد دل على الذات أيضا

عالم وبين أن يقول علم ألن العالم يدل على ذات له العلم ولفظ العلم ال يدل إال على العلم

فقوله االسم قد يكون ذات المسمى فيه خلالن ويحتاج فيه إلى إصالحين

أحدهما أن يبدل االسم بمفهوم االسم

Page 11: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

11      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

سم قد يكون حقيقة الذات وماهيتها واآلخر أن يبدل الذات بماهية الذات فيقال مفهوم اال

وقد يكون غير الحقيقة

وأما قوله إن الخالق هو غير المسمى إن أراد به لفظ الخالق فاللفظ أبدا هو غير مدلول 

اللفظ وإن أراد به أن مفهوم اللفظ غير المسمى فهو محال ألن الخالق اسم وكل اسم 

له والخالق ليس اسما للخلق مفهومه مسماه فإن لم يفهم المسمى منه فليس اسما 

وإن كان الخلق داخال فيه والكاتب ليس اسما للكتابة وال المسمى اسما للتسمية بل 

الخالق اسم ذات من حيث يصدر عنه الخلق فالمفهوم من الخالق هو الذات أيضا لكن ال 

كن حقيقة الذات فقط بل المفهوم هو الذات من حيث له صفة إضافية كما إذا قلنا أب لم ي

المفهوم منه ذات األب بل المفهوم ذات األب من حيث إضافته إلى االبن واألوصاف تنقسم 

إلى إضافية وغير إضافية والموصوف بجميعها الذوات فإن قال قائل الخالق وصف وكل وصف 

فهو إثبات وليس في مضمون هذا اللفظ إثبات سوى الخلق والخلق غير الخالق وليس 

لخلق فلذلك قيل إنه يرجع إلى غير المسمى فنقول قول القائل للخالق وصف حقيقي من ا

االسم يفهم غير المسمى منتاقض كقول القائل الدليل يعرف غير المدلول فإن المسمى 

عبارة عن مفهوم االسم فكيف يكون المفهوم غير المسمى والمسمى غير المفهوم

له من الكتابة فليس كذلك وأما قوله إن الخالق ال وصف له من الخلق والكاتب ال وصف 

والدليل على أن له وصفا منه أنه يوصف به مرة وينفى عنه أخرى واإلضافة وصف للمضاف 

ينفي ويثبت كالبياض الذي ليس بمضاف فمن عرف زيدا وبكرا ثم عرف أن زيدا أب لبكر فقد 

عرف شيئا ال محالة وهذا الشيء إما وصف أو موصوف وليس هو ذات الموصوف بل هو 

ف وليس وصفا قائما بنفسه بل هو وصف لزيد فاإلضافات من قبيلوص

Page 12: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

12      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

األوصاف للمضافات إال أن مضمونها ال يعقل إال بالقياس بين شيئين وذلك ال يخرجها عن 

كونها أوصافا

ولو قال القائل ليس اهللا عز وجل موصوفا بكونه خالقا كفر كما لو قال ليس موصوفا بكونه 

 وقع هذا القائل في هذا الخبط ألن اإلضافة عند المتكلمين غير معدودة عالما كفر ولكن إنما

في جملة األعراض مع أنهم إذا قيل لهم ما معنى العرض قالوا إنه الموجود في محل ال 

يقوم بنفسه وإذا قيل لهم هل اإلضافة تقوم بنفسها قالوا ال وإذا قيل لهم هل اإلضافة 

نهم أن يقولوا األبوة معدومة إذ لو كانت األبوة معدومة لم موجودة أم ال قالوا نعم إذ ال يمك

يكن في العالم أب وإذا قيل لهم األبوة تقوم بنفسها قالوا ال فيضطرون إلى االعتراف بأنها 

موجودة في محل وأنها ال تقوم بنفسها بل تقوم في محل ويعترفون بأن العرض عبارة عن 

ضموجود في محل ثم يعودون وينكرون أنه عر

وأما قوله إن من االسم ما ال يقال إنه المسمى وال يقال هو غيره فهو أيضا خطأ ألنه 

سيفسر ذلك بالعالم وهذا إذا اعتذر فيه بأن الشرع لم يأذن في إطالق ذلك في حق اهللا 

عز وجل فربما قيل ليس التصريح بالحق والصدق موقوفا على إذن خاص وربما سومح اآلن 

لى اإلنسان إذا وصف بالعلم أفتقول إن العلم ليس غير اإلنسان وقد فيه ورد النظر معه إ

كان اإلنسان موجودا ولم يكن العلم وحد العلم غير حد اإلنسان ال محالة فإن قال العلم غير 

اإلنسان ولكن إذا قلنا عن شخص واحد إنه عالم وإنه إنسان لم يكن العالم هو اإلنسان وال 

 هو الموصوف به قلنا ويلزم هذا من الكاتب والنجار فإن هو غير اإلنسان ألن اإلنسان

الموصوف به أيضا هو اإلنسان

على أن الحق فيه التفصيل وهو أن يقال مفهوم لفظ اإلنسان غير مفهوم

Page 13: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

13      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

لفظ العالم إذ مفهوم اإلنسان حيوان ناطق عاقل ومفهوم العالم شيء مبهم له علم فأحد 

م أحدهما غير مفهوم اآلخر فهو بهذا الوجه هو غير ال يجوز اللفظين غير اللفظ اآلخر ومفهو

أن يقال هو هو وبوجه آخر هو هو وال يجوز أن يقال بذلك الوجه إال هو غيره وذلك إذا نظرت 

إلى الذات الواحدة التي توصف بأنها إنسان وأنها عالمة فإن المسمى باإلنسان هو 

الموصوف بأنه بارد وأبيض فبهذا النوع من الموصوف بأنه عالم كما أن المسمى بالثلج هو 

النظر واالعتبار هو هو وباالعتبار األول هو غيره ومحال في العقل أن يكون االعتبار واحدا 

ويكون ال هو هو وال غيره كما يستحيل أن يكون هو هو وغيره ألن الغير والهو هو متقابالن 

تقابل النفي واإلثبات فليس بينهما واسطة

ا علم أنه إذا أثبت هللا عز وجل وصف القدرة والعلم زائدا على الذات فقد أثبت ومن فهم هذ

ما هو غير الذات وأثبت للغيرية معنى وإن لم يطلقه لفظا توقفا إلى ورود التوقيف فكيف ال 

وإذا ذكر حد العلم دخل فيه علم اهللا عز وجل ولم يدخل فيه قدرته وال ذاته والخارج عن 

ير الداخل في الحد وكيف ال يجوز لحاد العلم إذا لم يدخل في حده الحد كيف ال يكون غ

القدرة أن يعتذر ويقول ال يضرني خروج القدرة عن الحد ألني حددت العلم والقدرة غير العلم 

فال يلزمني إدخالها في حد العلم فكذلك الذات العالمة غير العلم فال يلزمني إدخالها في 

ائل الداخل في الحد غير الخارج منه وأحال إطالق لفظ الغير حد العلم فمن استنكر قول الق

هاهنا كان من جملة من لم يفهم معنى لفظ الغير وما عندي أنه ال يفهم فإن معنى لفظ 

الغير ظاهر لكن عساه يقول بلسانه ما ينبو عنه عقله ويكذبه فيه سره وليس الغرض من 

لعقول لتعترف باطنا بما هو الحق أفصح عنه المحاجة البرهانية اقتناص األلسنة بل اقتناص ا

باللسان أو لم يفصح

فإن قيل إنما اضطر القائلين بأن االسم هو المسمى إلى القول به الحذر

Page 14: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

14      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

من أن يقولوا االسم هو اللفظ الدال باالصطالح فيلزمهم القول بأن اهللا عز وجل لم يكن له 

لفظ حادث فنقول هذه ضرورة ضعيفة يهون اسم في األزل إذ لم يكن لفظ وال الفظ فإن ال

دفعها إذ يقال معاني األسماء كانت ثابتة في األزل ولم تكن األسماء ألن األسماء عربية 

وعجمية وكلها حادثة وهذا في كل اسم يرجع إلى معنى الذات أو صفة الذات مثل القدوس 

ألزلفإنه كان بصفة القدس في األزل ومثل العالم فإنه كان عالما في ا

فإنا قد بينا أن األشياء لها ثالث مراتب في الوجود

أحدها في األعيان وهذا الوجود موصوف بالقدم فيما يتعلق بذات اهللا عز وجل وصفاته

والثاني في األذهان وهذا الوجود حادث إذ كانت األذهان حادثة

والثالث في اللسان وهي األسماء وهذا الوجود أيضا حادث بحدوث اللسان

م نريد بالثابت في األذهان المعلوم وهي أيضا إذا أضيفت إلى ذات اهللا عز وجل كانت نع

قديمة ألن اهللا عز وجل موجود وعالم في األزل وكان يعلم أنه موجود وعالم فكان وجوده 

ثابتا في نفسه وفي علمه أيضا وكانت األسماء التي سيلهمها عباده ويخلقها في أذهانهم 

مة عنده فبهذا التأويل يجوز أن يقال كانت األسماء في األزلوألسنتهم أيضا معلو

أما األسامي التي ترجع إلى الفعل كالخالق والمصور والوهاب فقد قال قوم يوصف بأنه 

خالق في األزل وقال آخرون ال يوصف وهذا خالف ال أصل له فإن الخالق يطلق لمعنيين 

ال وجه للخالف فيهما إذ السيف يسمى أحدهما ثابت في األزل قطعا واآلخر منفي قطعا و

قاطعا وهو في الغمد ويسمى قاطعا حالة حز الرقبة فهو في الغمد قاطع بالقوة وعند الحز 

قاطع بالفعل والماء في الكوز مرو ولكن بالقوة وفي المعدة مرو بالفعل ومعنى

Page 15: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

15      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ادفة المعدة وهي صفة كون الماء في الكوز مرويا أنه بالصفة التي بها يحصل اإلرواء عند مص

المائية والسيف في الغمد قاطع أي هو بالصفة التي بها يحصل القطع إذا القى المحل 

وهي الحدة إذ ال يحتاج إلى أن يستجد وصفا آخر في نفسه

فالبارىء سبحانه وتعالى في األزل خالق بالمعنى الذي به يقال الماء الذي في الكوز مرو 

صح الفعل والخلق وهو بالمعنى الثاني غير الخالق أي الخلق وهو أنه بالصفة التي بها ي

غير صادر منه وكذلك هو في األزل على المعنى الذي به يسمى عالما وقدوسا وغير ذلك 

ويكون في األبد كذلك سماه غيره بذلك االسم أو لم يسم وأكثر أغاليط الجدليين منشؤه 

يزت ارتفع أكثر اختالفاتهمعدم التمييز بين معاني األسامي المشتركة وإذا م

 12فإن قيل فقد قال اهللا تعالى ما تعبدون من دونه إال أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم 

 ومعلوم أنهم ما كانوا يعبدون األلفاظ التي هي حروف مقطعة بل كانوا 40يوسف اآلية 

دون يعبدون المسميات فنقول المستدل بهذا ال يفهم وجه داللته ما لم يقل إنهم يعب

المسميات دون األسماء فيكون في كالمه التصريح بأن األسماء غير المسميات إذ لو قال 

القائل العرب كانت تعبد المسميات دون المسميات كان متناقضا ولو قال تعبد المسميات 

دون األسماء كان مفهوما غير متناقض فلو كانت األسماء هي المسميات لكان القول األخير 

كاألول

ل معناه أن اسم اآللهة التي أطلقوها على األصنام كان اسما بال مسمى ألن ثم يقا

المسمى هو المعنى الثابت في األعيان من حيث دل عليه باللفظ ولم تكن اإللهية ثابتة 

في األعيان وال معلومة في األذهان بل كانت أساميها موجودة في اللسان فكانت أسامي 

لم يكن حكيما وفرح به قيل فرح باالسم إذ ليس وراء بال معان ومن سمي باسم الحكيم و

االسم معنى وهذا هو الدليل على أن االسم غير المسمى ألنه أضاف االسم إلى 

التسمية وأضاف التسمية إليهم وجعلها

Page 16: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

16      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

 يعني أسماء حصلت 40 سورة يوسف اآلية 12فعال لهم فقال أسماء سميتموها 

لم تكن هي الحادثة بتسميتهمبتسميتهم وفعلهم وأشخاص األصنام 

 والذات هي 1 سورة األعلى اآلية 87فإن قيل فقد قال اهللا تعالى سبح اسم ربك األعلى 

المسبحة دون االسم قلنا االسم هاهنا زيادة على سبيل الصفة وعادة العرب بمثله جارية 

دل  وال يجوز أن يست11 سورة الشورى اآلية 42وهو كقوله عز وجل ليس كمثله شيء 

 كما يقال ليس 11 سورة الشورى اآلية 42فيقال فيه إثبات المثل إذ قال ليس كمثله شيء 

كولده أحد إذ فيه إثبات الولد بل الكاف فيه زيادة

وال يبعد أن يكنى عن المسمى باالسم إجالال للمسمى كما يكنى عن الشريف بالجناب 

جلسه الشريف والمراد به والحضرة والمجلس فيقال السالم على حضرته المباركة وم

السالم عليه ولكن يكنى عنه بما يتعلق به نوعا من التعلق إجالال وكذلك االسم وإن كان 

غير المسمى فهو متعلق بالمسمى ومطابق له وهذا ال ينبغي أن يلتبس على البصير في 

أصل الوضع

 7ماء الحسنى كيف وقد استدل القائلون بأن االسم غير المسمى بقوله عز وجل وهللا األس

 وبقوله إن هللا تعالى تسعة وتسعين اسما مئة إال واحدا من 180سورة األعراف اآلية 

أحصاها دخل الجنة وقالوا لو كان هو المسمى لكان المسمى تسعا وتسعين وهو محال 

ألن المسمى واحد فاضطر أولئك إلى االعتراف هاهنا بأن االسم غير المسمى وقالوا يجوز 

 التسمية ال بمعنى المسمى كما سلم اآلخرون بأن االسم قد يرد بمعنى أن يرد بمعنى

المسمى وإن كان هو غير المسمى في األصل وعليه نزلوا قوله

Page 17: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

17      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

 ولم يحسن كل واحد من الفريقين 1 سورة األعلى اآلية 87تعالى سبح اسم ربك األعلى 

في االستدالل والجواب جميعا

 فقد ذكرنا ما فيه وعليه وأما هذا 1 سورة األعلى اآلية 87أما قوله سبح اسم ربك األعلى 

االستدالل فجوابهم عنه بأن االسم والمسمى واحد وإنما أريد باالسم هاهنا التسمية فقط 

خطأ من وجهين

أحدهما أن من يقول االسم هو المسمى ال يعجز عن أن يقول المسمى هاهنا تسعة 

م عند هذا القائل ومفهوم العليم غير مفهوم وتسعون ألن المراد بالمسمى مفهوم االس

القدير والقدوس والخالق وغير ذلك بل لكل اسم مفهوم ومعنى على حياله وإن كان الكل 

يرجع إلى وصف ذات واحدة فكأن هذا القائل يقول االسم هو المعنى ويمكن أن يقول هللا 

محالةتعالى المعاني الحسنى فإن المسميات هي المعاني وفيها كثرة ال 

والثاني أن قوله المراد باالسم هاهنا التسمية خطأ فإنا قد بينا أن التسمية هو ذكر االسم 

أو وصفه والتسمية تتعدد وتكثر بكثرة المسمين وإن كان االسم واحد كما أن الذكر والعلم 

 إلى يكثر بكثرة الذاكرين والعالمين وإن كان المذكور والمعلوم واحدا فكثرة التسمية ال تفتقر

كثرة األسماء ألن ذلك يرجع إلى أفعال المسمين فما أريد باألسماء هاهنا التسميات بل 

أريد األسماء واألسماء هي األلفاظ الموضوعة الدالة على المعاني المختلفة فال حاجة إلى 

هذا التعسف في التأويل قيل االسم هو المسمى أو لم يقل

وإن كانت المسألة لقلة جدواها ال تستحق هذا فهذا القدر يكفيك في كشف هذه المسألة 

اإلطناب ولكن قصدنا بالشرح تعليم طريق التعرف ألمثال هذه المباحث لتستعمل في 

مسائل أهم من هذه المسألة فإن أكثر تطواف النظر في هذه المسألة حول األلفاظ دون 

المعاني واهللا أعلم

Page 18: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

18      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

 مترادفة ال في المعنى وأنها هل يجوز أن تكونالفصل الثاني في بيان األسامي المتقاربة 

تدل إال على معنى واحد أو ال بد أن تختلف مفهوماتها

فأقول الخائضون في شرح هذه األسامي لم يتعرضوا لهذا األمر ولم يبعدوا أن يكون اسمان 

ر ال يدالن إال على معنى واحد كالكبير والعظيم والقادر والمقتدر والخالق والبارئ والمصو

وهذا مما أستبعده غاية االستبعاد مهما كان االسمان من جملة التسعة والتسعين ألن 

االسم ال يراد لحروفه بل لمعانيه واألسامي المترادفة ال يختلف إال حروفها وإنما فضيلة هذه 

األسامي لما تحتها من المعاني فإذا خلت عن المعنى لم يبق إال األلفاظ والمعنى إذا دل 

ف اسم لم يكن له فضل على المعنى الذي يدل عليه باسم واحد فيبعد أن يكمل عليه بأل

هذا العدد المحصور بتكرير األلفاظ على معنى واحد بل األشبه أن يكون تحت كل لفظ 

خصوص معنى

فإذا رأينا لفظين متقاربين فال بد فيه من أحد أمرين

ثل األحد والواحد فإن الرواية أحدهما أن تتبين أن أحدهما خارج عن التسعة والتسعين م

المشهورة عن أبي هريرة رضي اهللا عنه ورد فيها الواحد وفي رواية أخرى ورد األحد بدل 

الواحد فيكون مكمل العدد معنى التوحيد إما بلفظ الواحد أو بلفظ األحد فأما أن يقوما في 

تكميل العدد مقام اسمين والمعنى واحد فهو بعيد عندي جدا

 نتكلف إظهار مزية ألحد اللفظين على اآلخر ببيان اشتماله علىالثاني أن

Page 19: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

19      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

داللة ال يدل عليها اآلخر مثاله لو ورد الغافر والغفور والغفار لم يكن بعيدا أن تعد هذه ثالثة 

أسام ألن الغافر يدل على أصل المغفرة فقط والغفور يدل على كثرة المغفرة باإلضافة إلى 

من ال يغفر إال نوعا واحدا من الذنوب قد ال يقال له غفور والغفار يشير كثرة الذنوب حتى إن 

إلى كثرة على سبيل التكرار أي يغفر الذنوب مرة بعد أخرى حتى إن من يغفر جميع الذنوب 

ولكن أول مرة وال يغفر العائد إلى الذنب مرة بعد أخرى لم يستحق اسم الغفار

ي ال يحتاج إلى شيء والملك أيضا هو الذي ال وكذلك الغني والملك فإن الغني هو الذ

يحتاج إلى شيء ويحتاج إليه كل شيء فيكون الملك مفيدا معنى الغنى وزيادة وكذلك 

العليم والخبير فإن العليم يدل على العلم فقط والخبير يدل على علمه باألمور الباطنة وهذا 

ن من جنس السيف والمهند القدر من التفاوت يخرج األسامي عن أن تكون مترادفة وتكو

والصارم ال من جنس األسد والليث فإن عجزنا في بعض هذه األسامي المتقاربة عن هذين 

المسلكين فينبغي أن نعتقد تفاوتا بين معنى اللفظين وإن عجزنا عن التنصيص على 

خصوص ما به االفتراق كالعظيم والكبير مثال فإنه يصعب علينا أن نذكر وجه الفرق بين 

نييهما في حق اهللا تعالى ولكنا ال نشك في أصل االفتراقمع

ولذلك قال عز من قائل الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ففرق بينهما فرقا يدل على التفاوت 

فإن كل واحد من الرداء واإلزار زينة لالبس ولكن الرداء أشرف من اإلزار

صائر النافذة اهللا أعلم مقامه وكذلك ولذلك جعل مفتاح الصالة اهللا أكبر ولم يقم عند ذوي الب

العرب في استعمالها تفرق بين اللفظين إذ تستعمل الكبير حيث ال تستعمل العظيم ولو 

كانا مترادفين لتواردا في كل

Page 20: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

20      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

مقام تقول العرب فالن أكبر سنا من فالن وال تقول أعظم سنا وكذلك الجليل غير الكبير 

ات الشرف ولذلك ال يقال فالن أجل سنا من فالن ويقال والعظيم فإن الجالل يشير إلى صف

أكبر ويقال العرش أعظم من اإلنسان وال يقال أجل من اإلنسان

فهذه األسامي وإن كانت متقاربة المعاني فليست مترادفة وعلى الجملة يبعد الترادف 

ومخارج المحض في األسماء الداخلة في التسعة والتسعين ألن األسامي ال تراد لحروفها 

أصواتها بل لمفهوماتها ومعانيها فهذا أصل ال بد من اعتقاده

Page 21: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

21      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

 إليهاالفصل الثالث في االسم الواحد الذي له معان مختلفة وهو مشترك باإلضافة

كالمؤمن مثال فإنه قد يراد به المصدق وقد يشتق من األمن ويكون المراد إفادة األمن 

لمعنيين حمل العموم على مسمياته كما يحمل واألمان فهل يجوز أن يحمل على كال ا

العليم على العلم بالغيب والشهادة والظاهر والباطن وغير ذلك من المعلومات الكثيرة وهذا 

إذا نظر إليه من حيث اللغة فبعيد أن يحمل االسم المشترك على جميع المسميات حمل 

ل وهذا هو العموم وال تطلق العموم إذ العرب تطلق اسم الرجل وتريد به كل واحد من الرجا

اسم العين وتريد به عين الشمس والدينار وعين الميزان والعين المنفجرة من الماء والعين 

الباصرة من الحيوان وهذا هو اللفظ المشترك بل تطلق مثل ذلك إلرادة أحد معانيه وتميز 

سم المشترك ذلك بالقرينة وقد حكي عن الشافعي رضي اهللا عنه في األصول أنه قال اال

يحمل على جميع مسمياته إذا ورد مطلقا ما لم تدل قرينة على التخصيص وهذا إن صح 

منه فهو بعيد بل مطلق لفظ العين مبهم في اللغة ال يتعين به واحد من مسمياته إال أن 

تدل قرينة على التعيين

 من األلفاظ فأما التعميم فربما خالف وضع الشرع وضع اللسان نعم فيما تصرف الشرع فيه

ال يبعد أن يكون من وضعه وتصرفه إطالق اللفظ إلرادة جميع المعاني فيكون اسم المؤمن 

بالشرع محموال على المصدق ومفيدا األمن بوضع شرعي ال بوضع لغوي كما أن اسم 

الصالة والصيام قد اختص بتصرف الشرع ببعض أمور ال يقتضي وضع اللغة ذلك فهذا غير 

ه دليلبعيد لو كان علي

Page 22: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

22      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ولكن لم يدل دليل على أن الشرع قد غير الوضع فيه واألغلب على ظني أنه لم يغير وأن 

من قال من المصنفين إن االسم الواحد من أسماء اهللا عز وجل إذا احتمل معاني ولم يدل 

العقل على إحالة شيء منها حمل على الجميع بطريق العموم فقد أبعد فيه

تقارب تقاربا يكاد يرجع االختالف فيه إلى اإلضافات فيقرب شبهه من نعم من المعاني ما ي

العموم فالتعميم فيه أقرب كالسالم فإنه يحتمل أن يكون المراد سالمته من العيب والنقص 

ويحتمل أن يكون المراد سالمة الخلق به ومنه فهذا وأمثاله أشبه بالعموم فإذا ثبت أن 

لب التعيين لبعض المعاني ال يكون إال باالجتهاد فيكون الميل األظهر إلى منع التعميم فط

الحامل للمجتهد على تعيين بعض المعاني إما أنه أليق كمفيد األمان فإنه أليق بالمدح في 

حق اهللا عز وجل من التصديق فإن التصديق أليق بغيره إذ يجب على الكل اإليمان به 

دق وإما أن يكون أحد المعنيين ال يؤدي والتصديق بكالمه فإن رتبة المصدق فوق رتبة المص

إلى الترادف بين اسمين كحمل المهيمن على غير الرقيب فإنه أولى من الرقيب ألن 

الرقيب قد ورد والترادف بعيد كما ذكرناه وإما أن يكون أحد المعنيين أظهر في التعارف 

مجراه ينبغي أن وأسبق إلى اإلفهام لشهرته أو أدل على الكمال والمدح فهذا وما يجري 

يعول عليه في بيان األسامي وال نذكر لكل اسم إال معنى واحدا نراه أقرب ونضرب عما 

عداه صفحا إال إذا رأيناه مقاربا في الدرجة لما ذكرناه فأما تكثير األقاويل المختلفة فيه مع 

أنا ال نرى تعميم األلفاظ المشتركة فال نرى فيه فائدة

Page 23: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

23      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

 والتحلي يان أن كمال العبد وسعادته في التخلق بأخالق اهللا تعالىالفصل الرابع في ب

بمعاني صفاته وأسمائه بقدر ما يتصور في حقه

اعلم أن من لم يكن له حظ من معاني أسماء اهللا عز وجل إال بأن يسمع لفظه ويفهم في 

لحظ اللغة معنى تفسيره ووضعه ويعتقد بالقلب وجود معناه في اهللا تعالى فهو مبخوس ا

نازل الدرجة ليس يحسن به أن يتبجح بما ناله فإن سماع اللفظ ال يستدعي إال سالمة 

حاسة السمع التي بها تدرك األصوات وهذه رتبة تشارك البهيمة فيها وأما فهم وضعه في 

اللغة فال يستدعي إال معرفة العربية وهذه رتبة يشارك فيها األديب اللغوي بل الغبي 

ا اعتقاد ثبوت معناه هللا سبحانه وتعالى من غير كشف فال يستدعي إال اللغوي البدوي وأم

فهم معاني األلفاظ والتصديق بها وهذه رتبة يشارك فيها العامي بل الصبي فإنه بعد فهم 

الكالم إذا ألقي إليه هذه المعاني تلقاها وتلقنها واعتقدها بقلبه وصمم عليها وهذه درجات 

 وال ينكر فضل هؤالء باإلضافة إلى من لم يشاركهم في هذه أكثر العلماء فضال عن غيرهم

الدرجات الثالث ولكنه نقص ظاهر باإلضافة إلى ذروة الكمال فإن حسنات األبرار سيئات 

المقربين بل حظوظ المقربين من معاني أسماء اهللا تعالى ثالثة

 لهم الحظ األول معرفة هذه المعاني على سبيل المكاشفة والمشاهدة حتى يتضح

حقائقها بالبرهان الذي ال يجوز فيه الخطأ وينكشف لهم اتصاف اهللا عز وجل بها انكشافا 

يجري في الوضوح والبيان مجرى اليقين الحاصل لإلنسان

Page 24: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

24      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

بصفاته الباطنة التي يدركها بمشاهدة باطنه ال بإحساس ظاهر وكم بين هذا وبين االعتقاد 

ا والتصميم عليه وإن كان مقرونا بأدلة جدلية كالميةالمأخوذ من اآلباء والمعلمين تقليد

الحظ الثاني من حظوظهم استعظامهم ما ينكشف لهم من صفات الجالل على وجه ينبعث 

من االستعظام يشوقهم إلى االتصاف بما يمكنهم من تلك الصفات ليقربوا بها من الحق 

الئكة المقربين عند اهللا عز وجل قربا بالصفة ال بالمكان فيأخذوا من االتصاف بها شبها بالم

ولن يتصور أن يمتلئ القلب باستعظام صفة واستشرافها إال ويتبعه شوق إلى تلك الصفة 

وعشق لذلك الكمال والجالل وحرص على التحلي بذلك الوصف إن كان ذلك ممكنا 

للمستعظم بكماله فإن لم يكن بكماله فينبعث الشوق إلى القدر الممكن منه ال محالة

ال يخلو عن هذا الشوق أحد إال ألحد أمرين إما لضعف المعرفة واليقين بكون الوصف و

المعلوم من أوصاف الجالل والكمال وإما لكون القلب ممتلئا بشوق آخر مستغرقا به 

فالتلميذ إذا شاهد كمال أستاذه في العلم انبعث شوقه إلى التشبه واالقتداء به إال إذا كان 

فإن استغراق باطنه بشوق القوت ربما يمنع انبعاث شوق العلم ولهذا مملوءا بالجوع مثال 

ينبغي أن يكون الناظر في صفات اهللا تعالى خاليا بقلبه عن إرادة ما سوى اهللا عز وجل فإن 

المعرفة بذر الشوق ولكن مهما صادف قلبا خاليا عن حسيكة الشهوات فإن لم يكن خاليا 

لم يكن البذر منجحا

لسعي في اكتساب الممكن من تلك الصفات والتخلق بها والتحلي الحظ الثالث ا

بمحاسنها وبه يصير العبد ربانيا أي قريبا من الرب تعالى وبه يصير رفيقا للمأل األعلى من 

المالئكة فإنهم على بساط القرب فمن ضرب إلى شبه من صفاتهم نال شيئا من قربهم 

حق تعالىبقدر ما نال من أوصافهم المقربة لهم إلى ال

Page 25: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

25      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

فإن قلت طلب القرب من اهللا عز وجل بالصفة أمر غامض تكاد تشمئز القلوب عن قبوله 

والتصديق به فزده شرحا تكسر به سورة إنكار المنكرين فإن هذا كالمنكر عند األكثرين إن 

لم تكشف حقيقته فأقول ال يخفى عليك وال على من ترعرع قليال من درجة عوام العلماء 

وجودات منقسمة إلى كاملة وناقصة والكامل أشرف من الناقص ومهما تفاوتت أن الم

درجات الكمال واقتصر منتهى الكمال على واحد حتى لم يكن الكمال المطلق إال له ولم 

يكن للموجودات األخر كمال مطلق بل كانت لها كماالت متفاوتة باإلضافة فأكملها أقرب ال 

لق أعني قربا بالرتبة والدرجة ال بالكمالمحالة إلى الذي له الكمال المط

ثم الموجودات منقسمة إلى حية وميتة وتعلم أن الحي أشرف وأكمل من الميت وأن 

درجات األحياء ثالثة درجة المالئكة ودرجة اإلنس ودرجة البهائم ودرجة البهائم أسفل في 

البهيمة نقص وفي نفس الحياة التي بها شرفها ألن الحي هو الدراك الفعال وفي إدراك 

فعلها نقص أما إدراكها فنقصانه أنه مقصور على الحواس وإدراك الحس قاصر ألنه ال يدرك 

األشياء إال بمماسة أو بقرب منها فالحس معزول عن اإلدراك إن لم يكن مماسة وال قرب 

فإن الذوق واللمس يحتاجان إلى المماسة والسمع والبصر والشم يحتاج إلى القرب وكل 

ود ال يتصور فيه المماسة والقرب فالحس معزول عن إدراكه في الحال وأما فعلها فهو موج

أنه مقصور على مقتضى الشهوة والغضب ال باعث لها سواهما وليس لها عقل يدعو إلى 

أفعال مخالفة لمقتضى الشهوة والغضب

د في إدراكه بل وأما الملك فدرجته أعلى الدرجات ألنه عبارة عن موجود ال يؤثر القرب والبع

ال يقتصر إدراكه على ما يتصور فيه القرب والبعد إذ القرب والبعد يتصور على األجسام 

واألجسام أخس أقسام الموجودات ثم هو مقدس عن الشهوة والغضب فليست أفعاله 

بمقتضى الشهوة والغضب بل داعيه

Page 26: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

26      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

اهللا عز وجلإلى األفعال أمر أجل من الشهوة والغضب وهو طلب التقرب إلى 

وأما اإلنسان فإن درجته متوسطة بين الدرجتين وكأنه مركب من بهيمية وملكية واألغلب 

عليه في بداية أمره البهيمية إذ ليس له أوال من اإلدراك إال الحواس التي يحتاج في اإلدراك 

بها إلى طلب القرب من المحسوس بالسعي والحركة إلى أن يشرق عليه باآلخرة نور 

 المتصرف في ملكوت السموات واألرض من غير حاجة إلى حركة بالبدن وطلب قرب العقل

أو مماسة مع المدرك به بل مدركه األمور المقدسة عن قبول القرب والبعد بالمكان وكذلك 

المستولي عليه أوال شهوته وغضبه وبحسب مقتضاهما انبعاثه إلى أن يظهر فيه الرغبة 

 وعصيان مقتضى الشهوة والغضب فإن غلب الشهوة في طلب الكمال والنظر للعاقبة

والغضب حتى ملكهما وضعفا عن تحريكه وتسكينه أخذ بذلك شبها من المالئكة وكذلك إن 

فطم نفسه عن الجمود على الخياالت والمحسوسات وأنس بإدراك أمور تجل عن أن ينالها 

ك والعقل وإليهما يتطرق حس أو خيال أخذ شبها أخر من المالئكة فإن خاصية الحياة اإلدرا

النقصان والتوسط والكمال ومهما اقتدى بالمالئكة في هاتين الخاصيتين كان أبعد عن 

البهيمية وأقرب من الملك والملك قريب من اهللا عز وجل والقريب من القريب قريب

فإن قلت فظاهر هذا الكالم يشير إلى إثبات مشابهة بين العبد وبين اهللا تعالى ألنه إذا 

تخلق بأخالقه كان شبيها له ومعلوم شرعا وعقال أن اهللا سبحانه وتعالى ليس كمثله 

شيء وأنه ال يشبه شيئا وال يشبهه شيء فأقول مهما عرفت معنى المماثلة المنفية عن 

اهللا عز وجل عرفت أنه ال مثل له وال ينبغي أن يظن أن المشاركة في كل وصف توجب 

المماثلة

اثالن وبينهما غاية البعد الذي ال يتصور أن يكون بعدافترى أن الضدين يتم

Page 27: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

27      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

فوقه وهما متشاركان في أوصاف كثيرة إذ السواد يشارك البياض في كونه عرضا وفي كونه 

لونا وفي كونه مدركا بالبصر وأمور أخر سواها أفترى أن من قال إن اهللا عز وجل موجود ال 

حي قادر فاعل واإلنسان أيضا كذلك فقد شبه في محل وإنه سميع بصير عالم مريد متكلم 

وأثبت المثل هيهات ليس األمر كذلك ولو كان كذلك لكان الخلق كلهم مشبهة إذ ال أقل من 

إثبات المشاركة في الوجود وهو موهم للمشابهة بل المماثلة عبارة عن المشاركة في 

 لإلنسان ألنه مخالف له النوع والماهية والفرس وإن كان بالغا في الكياسة ال يكون مثال

بالنوع وإنما يشابهه بالكياسة التي هي عارضة خارجة عن الماهية المقومة لذات 

اإلنسانية

والخاصية اإللهية أنه الموجود الواجب الوجود بذاته الذي عنه يوجد كل ما في اإلمكان 

لبتة وجوده على أحسن وجوه النظام والكمال وهذه الخاصية ال يتصور فيها مشاركة ا

والمماثلة بها ال تحصل فكون العبد رحيما صبورا شكورا ال يوجب المماثلة ككونه سمعيا 

بصيرا عالما قادرا حيا فاعال بل أقول الخاصية اإللهية ليست إال هللا تعالى وال يعرفها إال اهللا 

 الحق ما وال يتصور أن يعرفها إال هو أو من هو مثله وإذا لم يكن له مثل فال يعرفها غيره فإذا

قاله الجنيد رحمه اهللا حيث قال ال يعرف اهللا إال اهللا ولذلك لم يعط أجل خلقه إال اسما حجبه 

 فواهللا ما عرف اهللا غير اهللا في 1 سورة األعلى اآلية 87به فقال سبح اسم ربك األعلى 

أن الدنيا واآلخرة وقيل لذي النون وقد أشرف على الموت ماذا تشتهي فقال أن أعرفه قبل 

أموت ولو بلحظة وهذا اآلن يشوش قلوب أكثر الضعفاء ويوهم عندهم القول بالنفي 

والتعطيل وذلك لعجزهم عن فهم هذا الكالم

وأنا أقول لو قال القائل ال أعرف اهللا كان صادقا ولو قال أعرف اهللا كان صادقا ومعلوم أن 

النفي واإلثبات ال يصدقان معا بل يتقاسمان

Page 28: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

28      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ذب فإن صدق النفي كذب اإلثبات وبالعكس ولكن إذا اختلف وجه الكالم تصور الصدق والك

الصدق في القسمين وهو كما لو قال القائل لغيره هل تعرف الصديق أبا بكر رضي اهللا عنه 

فقال والصديق ممن يجهل وال يعرف أو يتصور في العالم من ال يعرفه مع ظهوره واشتهاره 

ر إال حديثه وهل في المساجد إال ذكره وهل على األلسنة وانتشار اسمه فهل على المناب

إال ثناؤه ووصفه لكان هذا القائل صادقا ولو قيل آلخر هل تعرفه فقال ومن أنا حتى أعرف 

الصديق هيهات ال يعرف الصديق سوى الصديق أو من هو مثله أو فوقه ومن أين لي أن 

صفته فأما أن يدعي معرفته فذلك أدعي معرفته أو أطمع فيها وإنما مثلي يسمع اسمه و

محال فهذا أيضا صادق وله وجه وهو أقرب إلى التعظيم واالحترام

وهكذا ينبغي أن يفهم قول من قال أعرف اهللا وقول من قال ال أعرف اهللا

بل لو عرضت خطا منظوما على عاقل وقلت هل تعرف كاتبه فقال ال صدق ولو قال نعم 

ر السميع البصير السليم اليد العالم بصناعة الكتابة فإذا كاتبه هو اإلنسان الحي القاد

عرفت كل هذا منه فكيف ال أعرفه فهذا أيضا صدق ولكن األحق واألصدق قوله ال أعرفه فإنه 

بالحقيقة ما عرفه وإنما عرف احتياج الخط المنظوم إلى كاتب حي عالم قادر سميع بصير 

لكاتب نفسه فكذلك الخلق كلهم لم يعرفوا إال سليم اليد عالم بصناعة الكتابة ولم يعرف ا

احتياج هذا العالم المنظوم المحكم إلى صانع مدبر حي عالم قادر

وهذه المعرفة لها طرفان أحدهما يتعلق بالعالم ومعلومه احتياجه إلى مدبر واآلخر يتعلق 

ها باهللا عز وجل ومعلومه أسامي مشتقة من صفات غير داخلة في حقيقة الذات وماهيت

فإنا قد بينا أنه إذا أشار المشير إلى شيء

Page 29: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

29      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

وقال ما هو لم يكن ذكر األسماء المشتقة جوابا أصال فلو أشار إلى شخص حيوان فقال ما 

هو فقيل طويل أو أبيض أو قصير أو أشار إلى ماء فقال ما هو فقيل بأنه بارد أو أشار إلى نار 

 الماهية البتة والمعرفة بالشيء هي وقال ما هو فقيل حار فكل ذلك ليس بجواب عن

معرفة حقيقته وماهيته ال معرفة األسامي المشتقة فإن قولنا حار معناه شيء مبهم له 

وصف الحرارة وكذلك قولنا قادر وعالم معناه شيء مبهم له وصف العلم والقدرة

ه عبارة فإن قلت فقولنا إنه الواجب الوجود الذي عنه وحده يوجد كل ما في اإلمكان وجود

عن حقيقته وحده وقد عرفنا هذا فأقول هيهات فقولنا واجب الوجود عبارة عن استغنائه عن 

العلة والفاعل وهذا يرجع إلى سلب السبب عنه وقولنا يوجد عنه كل موجود يرجع إلى 

إضافة األفعال إليه وإذا قيل لنا ما هذا الشيء وقلنا هو الفاعل لم يكن جوابا وإذا قلنا هو 

 له علة لم يكن جوابا فكيف قولنا هو الذي ال علة له ألن كل ذلك نبأ عن غير ذاته الذي

وعن إضافة له إلى ذاته إما بنفي أو إثبات وكل ذلك أسماء وصفات وإضافات

فإن قلت فما السبيل إلى معرفته فأقول لو قال لنا صبي أو عنين ما السبيل إلى معرفة 

هنا سبيالن أحدهما أن نصفه لك حتى تعرفه واآلخر أن لذة الوقاع وإدراك حقيقته قلنا ها

تصبر حتى تظهر فيك غريزة الشهوة ثم تباشر الوقاع حتى تظهر فيك لذة الوقاع فتعرفه 

وهذا السبيل الثاني هو السبيل المحقق المفضي إلى حقيقة المعرفة

 أن نمثل لذة فأما األول فال يفضي إال إلى توهم وتشبيه للشيء بما ال يشبهه إذ غايتنا

الوقاع عنده بشيء من اللذات التي يدركها العنين كلذة الطعام

Page 30: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

30      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

والشراب الحلو مثال فنقول له أما تعرف أن السكر لذيذ فإنك تجد عند تناوله حالة طيبة 

وتحس في نفسك راحة قال نعم قلنا فالجماع أيضا كذلك أفترى أن هذا يفهمه حقيقة لذة 

ل في معرفته منزلة من ذاق تلك اللذة وأدركها هيهات إنما غاية الجماع كما هي حتى ينز

هذا الوصف إيهام وتشبيه خطأ وتفهيم ومشاركة في االسم

أما اإليهام فهو أنه يتوهم أن ذلك أمر طيب على الجملة وأما التشبيه فهو أنه يشبهه 

المشاركة في بحالوة السكر وهو خطأ إذ ال مناسبة بين حالوة السكر ولذة الوقاع وأما 

االسم فهو أنه يعلم أنه مستحق أن يسمى لذة ومهما ظهرت الشهوة وذاق علم قطعا أنه 

ال يشبهه حالوة السكر وأن ما كان توهمه لم يكن على الوجه الذي توهمه نعم يعلم أن 

الذي كان قد سمع من اسمه وصفته وأنه لذيذ وطيب كان صادقا بل كان أصدق عليه منه 

كرعلى حالوة الس

فكذلك لمعرفة اهللا سبحانه وتعالى سبيالن أحدهما قاصر واآلخر مسدود

أما القاصر فهو ذكر األسماء والصفات وطريقة التشبيه بما عرفناه من أنفسنا فإنا لما عرفنا 

أنفسنا قادرين عالمين أحياء متكلمين ثم سمعنا ذلك في أوصاف اهللا عز وجل أو عرفناه 

ا كفهم العنين لذة الوقاع بما يوصف له من لذة السكر بل حياتنا بالدليل فهمناه فهما قاصر

وقدرتنا وعلمنا أبعد من حياة اهللا عز وجل وقدرته وعلمه من حالوة السكر من لذة الوقاع بل 

ال مناسبة بين البعيدين وفائدة تعريف اهللا عز وجل بهذه األوصاف أيضا إيهام وتشبيه 

ه بأن يقال ليس كمثله شيء فهو حي ال كاألحياء ومشاركة في االسم لكن يقطع التشبي

وقادر ال كالقادرين كما تقول الوقاع لذيذ كالسكر ولكن تلك اللذة ال تشبه هذه البتة ولكن 

تشاركها في االسم

Page 31: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

31      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

وكأنا إذا عرفنا أن اهللا تعالى حي قادر عالم فلم نعرف إال أنفسنا ولم نعرفه إال بأنفسنا إذ 

 يفهم معنى قولنا إن اهللا سميع وال األكمه يفهم معنى قولنا إنه بصير األصم ال يتصور أن

ولذلك إذا قال القائل كيف يكون اهللا عز وجل عالما باألشياء فنقول كما تعلم أنت األشياء 

فإذا قال فكيف يكون قادرا فنقول كما تقدر أنت فال يمكنه أن يفهم شيئا إال إذا كان فيه ما 

 هو متصف به ثم يعلم غيره بالمقايسة إليه فإن كان هللا عز وجل وصف يناسبه فيعلم أوال ما

وخاصية ليس فينا ما يناسبه ويشاركه في االسم ولو مشاركة حالوة السكر لذة الوقاع لم 

يتصور فهمه البتة فما عرف أحد إال نفسه ثم قايس بين صفات اهللا تعالى وصفات نفسه 

ن هذه معرفة قاصرة يغلب عليها اإليهام والتشبيه وتتعالى صفاته عن أن تشبه صفاتنا فتكو

فينبغي أن تقترن بها المعرفة بنفي المشابهة وينفي أصل المناسبة مع المشاركة في 

االسم

وأما السبيل الثاني المسدود فهو أن ينتظر العبد أن تحصل له الصفات الربوبية كلها حتى 

ذة وهذا السبيل مسدود ممتنع إذ يصير ربا كما ينتظر الصبي أن يبلغ فيدرك تلك الل

يستحيل أن تحصل تلك الحقيقة لغير اهللا تعالى وهذا هو سبيل المعرفة المحققة ال غير 

وهو مسدود قطعا إال على اهللا تعالى

فإذا يستحيل أن يعرف اهللا تعالى بالحقيقة غير اهللا بل أقول يستحيل أن يعرف النبي غير 

رف من النبوة إال اسمها وأنها خاصية موجودة إلنسان بها النبي وأما من ال نبوة له فال يع

يفارق من ليس نبيا ولكن ال يعرف ماهية تلك الخاصية إال بالتشبيه بصفات نفسه

بل أزيد وأقول ال يعرف أحد حقيقة الموت وحقيقة الجنة والنار إال بعد الموت ودخول الجنة أو 

نا شخصا لم يدرك قط لذة لم يمكننا أصال أن النار ألن الجنة عبارة عن أسباب ملذة ولو فرض

نفهمه الجنة تفهيما يرغبه في طلبها

Page 32: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

32      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

والنار عبارة عن أسباب مؤلمة ولو فرضنا شخصا لم يقاس قط ألما لم يمكننا قط أن نفهمه 

النار فإذا قاساه فهمناه إياه بالتشبيه بأشد ما قاساه وهو ألم النار

 فغايتنا أن نفهمه الجنة بالتشبيه بأعظم ما ناله من اللذات وكذلك إذا أدرك شيئا من اللذات

وهي المطعم والمنكح والمنظر فإن كان في الجنة لذة مخالفة لهذه اللذات فال سبيل إلى 

تفهيمه أصال إال بالتشبيه بهذه اللذات كما ذكرناه في تشبيه لذة الوقاع بحالوة السكر 

 الدنيا من لذة الوقاع عن لذة السكر بل العبارة ولذات الجنة أبعد من كل لذة أدركناها في

الصحيحة عنها أنها ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر فإن مثلناها 

باألطعمة قلنا مع ذلك ال كهذه األطعمة وإن مثلناها بالوقاع قلنا ال كالوقاع المعهود في 

األرض والسماء معرفة من اهللا الدنيا فكيف يتعجب المتعجبون من قولنا لم يحصل أهل 

تعالى إال على الصفات واألسماء ونحن نقول لم يحصلوا من الجنة إال على الصفات 

واألسماء وكذلك في كل ما سمع اإلنسان اسمه وصفته وما ذاقه وما أدركه وال انتهى إليه 

وال اتصف به

رفة العارفين عجزهم عن فإن قلت فماذا نهاية معرفة العارفين باهللا تعالى فنقول نهاية مع

المعرفة ومعرفتهم بالحقيقة أنهم ال يعرفونه وأنه ال يمكنهم البتة معرفته وأنه يستحيل أن 

يعرف اهللا المعرفة الحقيقية المحيطة بكنه صفات الربوبية إال اهللا عز وجل فإذا انكشف لهم 

مكن في حق الخلق ذلك انكشافا برهانيا كما ذكرناه فقد عرفوه أي بلغوا المنتهى الذي ي

من معرفته

وهو الذي أشار إليه الصديق األكبر أبو بكر رضي اهللا عنه حيث قال العجز عن درك اإلدراك 

إدراك بل هو الذي عناه سيد البشر صلوات اهللا عليه وسالمه حيث قال ال أحصي ثناء عليك 

أنت كما أثنيت على

Page 33: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

33      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

انه في العبارة عنه بل معناه إني ال أحيط نفسك ولم يرد به أنه عرف منه ما ال يطاوعه لس

بمحامدك وصفات إلهيتك وإنما أنت المحيط بها وحدك

فإذا ال يحظى مخلوق في مالحظة حقيقة ذاته إال بالحيرة والدهشة وأما اتساع المعرفة 

فإنها تكون في معرفة أسمائه وصفاته

 في معرفته إن كان ال يتصور فإن قلت فبماذا تتفاوت درجات المالئكة واألنبياء واألولياء

معرفته فأقول قد عرفت أن للمعرفة سبيلين أحدهما السبيل الحقيقي وذلك مسدود إال 

في حق اهللا تعالى فال يهتز أحد من الخلق لنيله وإدراكه إال ردته سبحات الجالل إلى 

الحيرة وال يشرئب أحد لمالحظته إال غضت الدهشة طرفه

عرفة الصفات واألسماء فذلك مفتوح للخلق وفيه تتفاوت مراتبهم وأما السبيل الثاني وهو م

فليس من يعلم أنه عز وجل عالم قادر على الجملة كمن شاهد عجائب آياته في ملكوت 

السموات واألرض وخلق األرواح واألجساد واطلع على بدائع المملكة وغرائب الصنعة ممعنا 

لطائف التدبير ومتصفا بجميع الصفات في التفصيل ومستقصيا دقائق الحكمة ومستوفيا 

الملكية المقربة من اهللا عز وجل نائال لتلك الصفات نيل اتصاف بها بل بينهما من البون 

العظيم ما ال يكاد يحصى وفي تفاصيل ذلك ومقاديره يتفاوت األنبياء واألولياء

 ولكنك تعلم 60 اآلية/ ولن يصل إلى فهمك هذا إال بمثال وهللا المثل األعلى سورة النحل 

أن العالم التقي الكامل مثال مثل الشافعي رضي اهللا عنه يعرفه بواب داره ويعرفه المزني 

رحمه اهللا تلميذه فالبواب يعرفه أنه عالم بالشرع ومصنف فيه ومرشد خلق اهللا عز

Page 34: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

34      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ه وجل إليه على الجملة والمزني يعرفه ال كمعرفة البواب بل معرفة محيطة بتفاصيل صفات

ومعلوماته بل العالم الذي يحسن عشرة أنواع من العلوم ال يعرفه بالحقيقة تلميذه الذي لم 

يحصل إال نوعا واحدا فضال عن خادمه الذي لم يحصل شيئا من علومه بل الذي حصل علما 

واحدا فإنما عرف على التحقيق عشره إن ساواه في ذلك العلم حتى لم يقصر عنه فإن 

 بالحقيقة ما قصر عنه إال باالسم وإيهام الجملة وهو أنه يعرف أنه قصر عنه فليس يعرف

يعلم شيئا سوى ما علمه فكذلك فافهم تفاوت الخلق في معرفة اهللا تعالى بقدر ما 

انكشف لهم من معلومات اهللا عز وجل وعجائب مقدوراته وبدائع آياته في الدنيا واآلخرة 

وجل وتقرب معرفتهم من معرفة الحقيقة من والملك والملكوت تزداد معرفتهم باهللا عز 

معرفة اهللا تعالى

فإن قلت فإذا لم يعرفوا حقيقة الذات واستحال معرفتها فهل عرفوا األسماء والصفات معرفة 

تامة حقيقية قلنا هيهات ذلك أيضا ال يعرفه بالكمال والحقيقة إال اهللا عز وجل ألنا إذا علمنا 

مبهما ال ندري حقيقته لكن ندري أن له صفة العلم فإن أن ذاتا عالمة فقد علمنا شيئا 

كانت صفة العلم معلومة لنا حقيقة كان علمنا بأنه عالم علما تاما بحقيقة هذه الصفة وإال 

فال وال يعرف أحد حقيقة علم اهللا عز وجل إال من له مثل علمه وليس ذلك إال له فال يعرفه 

م نفسه كما أوردنا من مثال التشبيه بالسكر أحد سواه وإنما يعرفه غيره بالتشبيه بعل

وعلم اهللا عز وجل ال يشبه علم الخلق البتة فال يكون معرفة الخلق به معرفة تامة حقيقية 

بل إيهامية تشبيهية

وال تتعجبن من هذا فإني أقول ال يعرف الساحر إال الساحر نفسه أو ساحر مثله أو فوقه 

هيته ال يعرف من الساحر إال اسمه ويعرف أن له علما فأما من ال يعرف السحر وحقيقته وما

وخاصية ال يدري ما ذلك العلم إذ ال يدري معلومه وال يدري ما تلك الخاصية نعم يدري أن 

تلك الخاصية وإن

Page 35: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

35      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

كانت مبهمة فهي من جنس العلوم وثمرتها تغيير القلوب وتبديل أوصاف األعيان والتفريق 

ن معرفة حقيقة السحر ومن لم يعرف حقيقة السحر ال يعرف بين األزواج وهذا بمعزل ع

حقيقة الساحر ألن الساحر من له خاصية السحر وحاصل اسم الساحر أنه اسم مشتق 

من تلك الصفة إن كانت مجهولة فهو مجهول وإن كانت معلومة فهو معلوم والمعلوم من 

 العلوم فإن اسم العلم السحر لغير الساحر وصف عام بعيد عن الماهية وهو أنه من جنس

ينطلق عليه

فكذلك الحاصل عندنا من قدرة اهللا عز وجل أنه وصف ثمرته وأثره وجود األشياء وينطلق 

عليه اسم القدرة ألنه يناسب قدرتنا مناسبة لذة الوقاع لذة السكر وهذا كله بمعزل عن 

جائب الصنع في حقيقة تلك القدرة نعم كلما ازداد العبد إحاطة بتفاصيل المقدورات وع

ملكوت السموات كان حظه من معرفة صفة القدرة أوفر ألن الثمرة تدل على المثمر كما أنه 

كلما ازداد التلميذ إحاطة بتفاصيل علوم األستاذ وتصانيفه كانت معرفته له أكمل 

واستعظامه له أتم

 ال يقدر اآلدمي فإلى هذا يرجع تفاوت معرفة العارفين ويتطرق إليه تفاوت ال يتناهى ألن ما

على معرفته من معلومات اهللا تعالى ال نهاية له وما يقدر عليه أيضا ال نهاية له وإن كان ما 

يدخل منه في الوجود متناهيا ولكن مقدور اآلدمي من العلوم ال نهاية له نعم الخارج إلى 

ي القدرة الوجود متفاوت في الكثرة والقلة وبه يظهرالتفاوت وهو كالتفاوت بين الناس ف

الحاصلة لهم بالغنى بالمال فمن واحد يملك الدانق والدرهم ومن آخر يملك أالفا فكذلك 

العلوم بل التفاوت في العلوم أعظم ألن المعلومات ال نهاية لها وأعيان األموال أجسام 

واألجسام متناهية ال يتصور أن تنتفي النهاية عنها

معرفة اهللا عز وجل وأنفإذا قد عرفت كيف يتفاوت الخلق في بحار 

Page 36: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

36      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ذلك ال نهاية له وعرفت أن من قال ال يعرف اهللا غير اهللا فقد صدق وأن من قال ال أعرف إال 

اهللا فقد صدق أيضا فإنه ليس في الوجود إال اهللا عز وجل وأفعاله فإذا نظر إلى أفعاله من 

أرض وشجر بل من حيث هي أفعاله وكان مقصور النظر عليه ولم يره من حيث هو سماء و

حيث أنه صنعه فلم يجاوز معرفته حضرة الربوبية فيمكنه أن يقول ما أعرف إال اهللا وما أرى 

إال اهللا عز وجل

ولو تصور شخص ال يرى إال الشمس ونورها المنتشر في اآلفاق يصح منه أن يقول ما أرى 

 ما في الوجود نور إال الشمس فإن النور الفايض منها هو من جملتها ليس خارجا منها وكل

من أنوار القدرة األزلية وأثر من آثارها

وكما أن الشمس ينبوع النور الفايض على كل مستنير فكذلك المعنى الذي قصرت العبارة 

عنه فعبر عنه بالقدرة األزلية للضرورة وهو ينبوع الوجود الفابض على كل موجود فليس في 

عارف ال أعرف إال اهللالوجود إال اهللا عز وجل فيجوز أن يقول ال

ومن العجائب أن يقول ال أعرف إال اهللا ويكون صادقا ويقول ال يعرف اهللا إال اهللا عز وجل 

ويكون أيضا صادقا ولكن ذلك بوجه وهذا بوجه ولو كذبت المتناقضات إذا اختلفت وجوه 

 17 اآلية االعتبارات لما صدق قوله تعالى وما رميت إذ رميت ولكن اهللا رمى سورة األنفال

ولكنه صادق ألن للرمي اعتبارين هو منسوب إلى العبد بأحدهما ومنسوب إلى الرب تعالى 

بالثاني فال تناقض فيه

ولنقبض هاهنا عنان البيان فقد خضنا لجة بحر ال ساحل له وأمثال هذه األسرار ال ينبغي أن 

ع إلى شرح معاني تبتذل بإيداع الكتب وإذ جاء هذا عرضا غير مقصود فلنكف عنه ولنرج

أسماء اهللا الحسنى على التفصيل

Page 37: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

37      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الفن الثاني في المقاصد والغايات وفي فصول ثالثة

Page 38: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

38      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الفصل األول في شرح معاني أسماء اهللا التسعة والتسعين

وهي التي اشتملت عليها رواية أبي هريرة رضي اهللا عنه إذ قال قال رسول إن هللا عز وجل 

 إال واحدا إنه وتر يحب الوتر من أحصاها دخل الجنةتسعة وتسعين اسما مئة

هو اهللا الذي ال إله هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السالم المؤمن المهيمن العزيز الجبار 

المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط 

صير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الخافض الرافع المعز المذل السميع الب

الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب 

الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد 

اجد الواحد الصمد القادر المحصي المبدئ المعيد المحي المميت الحي القيوم الواجد الم

المقتدر المقدم المؤخر األول اآلخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو 

الرؤوف مالك الملك ذو الجالل واإلكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع 

النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور

Page 39: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

39      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

قوله اهللا فهو اسم للموجود الحق الجامع لصفات اإللهية المنعوت بنعوت الربوبية فأما 

المتفرد بالوجود الحقيقي فإن كل موجود سواه غير مستحق الوجود بذاته وإنما استفاد 

الوجود منه فهو من حيث ذاته هالك ومن الجهة التي تليه موجود فكل موجود هالك إال 

داللة على هذا المعنى مجرى أسماء األعالم وكل ما ذكر في وجهه واألشبه أنه جار في ال

اشتقاقه وتعريفه تعسف وتكلف فائدة

اعلم أن هذا اإلسم أعظم أسماء اهللا عز وجل التسعة والتسعين ألنه دال على الذات 

الجامعة لصفات اإللهية كلها حتى ال يشذ منها شيء وسائر األسماء ال يدل آحادها إال 

ني من علم أو قدرة أو فعل أو غيره وألنه أخص األسماء إذ ال يطلقه أحد على آحاد المعا

على غيره ال حقيقة وال مجازا وسائر األسماء قد يسمى به غيره كالقادر والعليم والرحيم 

وغيره فلهذين الوجهين يشبه أن يكون هذا االسم أعظم هذه األسماء دقيقة

شيء منها حتى ينطلق عليه اإلسم كالرحيم معاني سائر األسماء يتصور أن يتصف العبد ب

والعليم والحليم والصبور والشكور وغيره وإن كان إطالق االسم عليه على وجه آخر يباين 

إطالقه على اهللا عز وجل وأما معنى هذا االسم فخاص خصوصا ال يتصور فيه مشاركة ال 

ا اسم اهللا عز وجل بالمجاز وال بالحقيقة وألجل هذا الخصوص يوصف سائر األسماء بأنه

ويعرف باإلضافة إليه فيقال الصبور والشكور والملك والجبار من أسماء اهللا عز وجل وال يقال 

اهللا من أسماء الشكور والصبور ألن ذلك من حيث هو أدل على كنه المعاني اإللهية وأخص 

بها فكان أشهر وأظهر فاستغني عن التعريف بغيره وعرف غيره باإلضافة إليه

Page 40: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

40      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

تنبيه

ينبغي أن يكون حظ العبد من هذا االسم التأله وأعني به أن يكون مستغرق القلب والهمة 

باهللا عز وجل ال يرى غيره وال يلتفت إلى سواه وال يرجو وال يخاف إال إياه وكيف ال يكون 

كذلك وقد فهم من هذا اإلسم أنه الموجود الحقيقي الحق وكل ما سواه فان وهالك وباطل 

ه فيرى أوال نفسه أول هالك وباطل كما رآه رسول اهللا حيث قال أصدق بيت قالته إال ب

العرب قول لبيد

 وكل نعيم ال محالة زائل...أال كل شيء ما خال اهللا باطل 

الرحمن الرحيم

اسمان مشتقان من الرحمة والرحمة تستدعي مرحوما وال مرحوم إال وهو محتاج والذي 

 من غير قصد وإرادة وعناية بالمحتاج ال يسمى رحيما والذي ينقضي بسببه حاجة المحتاج

يريد قضاء حاجة المحتاج وال يقضيها فإن كان قادرا على قضائها لم يسم رحيما إذ لو تمت 

اإلرادة لوفى بها وإن كان عاجزا فقد يسمى رحيما باعتبار ما اعتوره من الرقة ولكنه ناقص 

 المحتاجين وإرادته لهم عناية بهم والرحمة العامة وإنما الرحمة التامة إفاضة الخير على

هي التي تتناول المستحق وغير المستحق ورحمة اهللا عز وجل تامة وعامة أما تمامها 

فمن حيث أنه أراد قضاء حاجات المحتاجين وقضاها وأما عمومها فمن حيث شمولها 

اجات والمزايا الخارجة المستحق وغير المستحق وعم الدنيا واآلخرة وتناول الضرورات والح

عنهما فهو الرحيم المطلق حقا دقيقة

الرحمة ال تخلو عن رقة مؤلمة تعتري الرحيم فتحركه إلى قضاء حاجة المرحوم والرب 

سبحانه وتعالى منزة عنها فلعلك تظن أن ذلك نقصان في

Page 41: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

41      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

معنى الرحمة فاعلم أن ذلك كمال وليس بنقصان في معنى الرحمة

بنقصان فمن حيث أن كمال الرحمة بكمال ثمرتها ومهما قضيت حاجة المحتاج أما أنه ليس 

بكمالها لم يكن للمرحوم حظ في تألم الراحم وتفجعه وإنما تألم الراحم لضعف نفسه 

ونقصانها وال يزيد ضعفها في غرض المحتاج شيئا بعد أن قضيت كمال حاجته

رقة وتألم يكاد يقصد بفعله دفع ألم وأما أنه كمال في معنى الرحمة فهو أن الرحيم عن 

الرقة عن نفسه فيكون قد نظر لنفسه وسعى في غرض نفسه وذلك ينقص عن كمال 

معنى الرحمة بل كمال الرحمة أن يكون نظره إلى المرحوم ألجل المرحوم ال ألجل 

االستراحة من ألم الرقة فائدة

لالرحمن أخص من الرحيم ولذلك ال يسمى به غير اهللا عز وج

والرحيم قد يطلق على غيره فهو من هذا الوجه قريب من اسم اهللا تعلى الجاري مجرى 

العلم وإن كان هذا مشتقا من الرحمة قطعا ولذلك جمع اهللا عز وجل بينهما فقال قل ادعوا 

 فيلزم 110اآلية /  سورة اإلسراء 17اهللا أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله األسماء الحسنى 

وجه ومن حيث منعنا الترادف في األسماء المحصاة أن يفرق بين معنى االسمين من هذا ال

فبالحري أن يكون المفهوم من الرحمن نوعا من الرحمة هي أبعد من مقدروات العباد وهي 

ما يتعلق بالسعادة األخروية فالرحمن هو العطوف على العباد باإليجاد أوال وبالهداية إلى 

ثانيا وباإلسعاد في اآلخرة ثالثا واإلنعام بالنظر إلى وجهه الكريم اإليمان وأسباب السعادة 

رابعا

Page 42: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

42      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

تنبيه

حظ العبد من اسم الرحمن أن يرحم عباد اهللا الغافلين فيصرفهم عن طريق الغفلة إلى اهللا 

عز وجل بالوعظ والنصح بطريق اللطف دون العنف وأن ينظر إلى العصاة بعين الرحمة ال بعين 

ن يكون كل معصية تجري في العالم كمصيبة له في نفسه فال يألو جهدا في اإلزراء وأ

إزالتها بقدر وسعه رحمة لذلك العاصي أن يتعرض لسخط اهللا ويستحق البعد من جواره

وحظه من اسم الرحيم أن ال يدع فاقة لمحتاج إال يسدها بقدر طاقته وال يترك فقيرا في 

فقره إما بماله أو جاهه أو السعي في حقه بالشفاعة جواره وبلده إال ويقوم بتعهده ودفع 

إلى غيره فإن عجز عن جميع ذلك فيعينه بالدعاء وإظهار الحزن بسبب حاجته رقة عليه 

وعطفا حتى كأنه مساهم له في ضره وحاجته سؤال وجوابه

لعلك تقول ما معنى كونه تعالى رحيما وكونه أرحم الراحمين والرحيم ال يرى مبتلى 

را ومعذبا ومريضا وهو يقدر على إماطة ما بهم إال ويبادر إلى إماطته والرب سبحانه ومضرو

وتعالى قادر على كفاية كل بلية ودفع كل فقر وغمة وإماطة كل مرض وإزالة كل ضرر والدنيا 

طافحة باألمراض والمحن والباليا وهو قادر على إزالة جميعها وتارك عباده ممتحنين بالرزايا 

والمحن

وابك إن الطفل الصغير قد ترق له أمه فتمنعه عن الحجامة واألب العاقل يحمله عليها فج

قهرا والجاهل يظن أن الرحيم هي األم دون األب والعاقل يعلم أن إيالم األب إياه بالحجامة 

من كمال رحمته وعطفه وتمام شفقته وأن األم له عدو في صورة صديق فإن األلم القليل 

ذة الكثيرة لم يكن شرا بل كان خيراإذا كان سببا لل

Page 43: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

43      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

والرحيم يريد الخير للمرحوم ال محالة وليس في الوجود شر إال وفي ضمنه خير لو رفع ذلك 

الشر لبطل الخير الذي في ضمنه وحصل ببطالنه شرا أعظم من الشر الذي يتضمنه فاليد 

ة البدن ولو ترك قطع المتآكلة قطعها شر في الظاهر وفي ضمنه الخير الجزيل وهو سالم

اليد لحصل هالك البدن ولكان الشر أعظم وقطع اليد ألجل سالمة البدن شر في ضمنه 

خير ولكن المراد األول السابق إلى نظر القاطع السالمة التي هي خير محض ثم لما كان 

السبيل إليه قطع اليد قصد قطع اليد ألجله فكانت السالمة مطلوبة لذاتها أوال والقطع 

لوبا لغيره ثانيا ال لذاته فهما داخالن تحت اإلرادة ولكن أحدهما مراد لذاته واآلخر مراد مط

لغيره والمراد لذاته قبل المراد لغيره وألجله قال اهللا عز وجل سبقت رحمتي غضبي فغضبه 

إرادته للشر والشر بإرادته ورحمته إرادته للخير والخير بإرادته ولكن إذا أراد الخير للخير 

سه وأراد الشر ال لذاته ولكن لما في ضمنه من الخير فالخير مقضي بالذات والشر نف

مقضي بالعرض وكل بقدر وليس في ذلك ما ينافي الرحمة أصال

فاآلن إن خطر لك نوع من الشر ال ترى تحته خيرا أو خطر لك أنه كان تحصيل ذلك الخير 

اطرينممكنا ال في ضمن الشر فاتهم عقلك القاصر في أحد الخ

أما في قولك إن هذا الشر ال خير تحته فإن هذا مما تقصر العقول عن معرفته ولعلك فيه 

مثل الصبي الذي يرى الحجامة شرا محضا أو مثل الغبي الذي يرى القتل قصاصا شرا 

محضا ألنه ينظر إلى خصوص شخص المقتول ألنه في حقه شر محض ويذهل عن الخير 

 يدري أن التوصل بالشر الخاص إلى الخير العام خير محض ال العام الحاصل للناس كافة وال

ينبغي للغير أن يهمله

Page 44: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

44      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

أو اتهم عقلك في الخاطر الثاني وهو قولك إن تحصيل ذلك ال في ضمن ذلك الشر ممكن 

فإن هذا أيضا دقيق غامض فليس كل محال وممكن مما يدرك إمكانه واستحالته بالبديهة 

ربما عرف ذلك بنظر غامض دقيق يقصر عنه األكثرونوال بالنظر القريب بل 

فاتهم عقلك في هذين الطرفين وال تشكن أصال في أنه أرحم الراحمين وفي أنه سبقت 

رحمته غضبه وال تستريبن في أن مريد الشر للشر ال للخير غير مستحق السم الرحمة 

مع في اإلفشاء ولقد وتحت هذا الغطاء سر منع الشرع عن إفشائه فاقنع باإليماء وال تط

نبهت بالرمز واإليماء إن كنت من أهله فتأمل

 ولكن ال حياة لمن تنادي...لقد أسمعت لو ناديت حيا 

هذا حكم األكثرين وأما أنت أيها األخ المقصود بالشرح فال أظنك إال مستبصرا بسر اهللا عز 

وجل في القدر مستغنيا عن هذه التحويمات والتنبيهات

ي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ويحتاج إليه كل موجود بل ال الملك هو الذ

يستغني عنه شيء في شيء ال في ذاته وال في صفاته وال في وجوده وال في بقائه بل 

كل شيء فوجوده منه أو مما هو منه فكل شيء سواه هو له مملوك في ذاته وصفاته وهو 

مستغن عن كل شيء فهذا هو الملك مطلقا تنبيه

العبد ال يتصور أن يكون ملكا مطلقا فإنه ال يستغني عن كل شيء فإنه أبدا فقير

Page 45: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

45      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

إلى اهللا تعالى وإن استغنى عمن سواه وال يتصور أن يحتاج إليه كل شيء بل يستغني 

عنه أكثر الموجودات ولكن لما تصور أن يستغني عن بعض األشياء وال يستغني عنه بعض 

ملكاألشياء كان له شوب من ال

فالملك من العباد هو الذي ال يملكه إال اهللا تعالى بل يستغني عن كل شيء سوى اهللا عز 

وجل وهو مع ذلك يملك مملكته بحيث يطيعه فيها جنوده ورعاياه وإنما مملكته الخاصة به 

قلبه وقالبه وجنده شهوته وغضبه وهواه ورعيته لسانه وعيناه ويداه وسائر أعضائه فإذا 

ملكه وأطاعته ولم يطعها فقد نال درجة الملك في عالمه فإن انضم إليه ملكها ولم ت

استغناؤه عن كل الناس واحتاج الناس كلهم إليه في حياتهم العاجلة واآلجلة فهو الملك 

في عالم األرض

وتلك رتبة األنبياء صلوات اهللا عليهم أجمعين فإنهم استغنوا في الهداية إلى الحياة اآلخرة 

ال عن اهللا عز وجل واحتاج إليهم كل أحد ويليهم في هذا الملك العلماء الذين عن كل أحد إ

هم ورثة األنبياء وإنما ملكهم بقدر قدرتهم على إرشاد العباد واستغنائهم عن االسترشاد

وبهذه الصفات يقرب العبد من المالئكة في الصفات ويتقرب إلى اهللا تعالى بها وهذا الملك 

 الحق الذي ال مثنوية في ملكهعطية للعبد من الملك

ولقد صدق بعض العارفين لما قال له بعض األمراء سلني حاجتك حيث قال أوتقول لي هذا 

ولي عبدان هما سيداك فقال ومن هما قال الحرص والهوى فقد غلبتهما وغلباك وملكتهما 

في وملكاك وقال بعضهم لبعض الشيوخ أوصني فقال له كن ملكا في الدنيا تكن ملكا 

اآلخرة قال وكيف أفعل ذلك فقال ازهد في الدنيا تكن ملكا في اآلخرة معناه اقطع حاجتك 

وشهوتك عن الدنيا فإن الملك في الحرية واالستغناء

Page 46: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

46      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

القدوس

هو المنزه عن كل وصف يدركه حس أو يتصوره خيال أو يسبق إليه وهم أو يختلج به ضمير 

 العيوب والنقائص فإن ذكر ذلك يكاد يقرب من ترك أو يقضي به تفكير ولست أقول منزه عن

األدب فليس من األدب أن يقول القائل ملك البلد ليس بحائك والحجام فإن نفي الوجود يكاد 

يوهم إمكان الوجود وفي ذلك اإليهام نقص

بل أقول القدوس هو المنزه عن كل وصف من أوصاف الكمال الذي يظنه أكثر الخلق كماال 

الخلق أوال نظروا إلى أنفسهم وعرفوا صفاتهم وأدركوا انقسامها إلى ما هو في حقه ألن 

كمال ولكنه في حقهم مثل علمهم وقدرتهم وسمعهم وبصرهم وكالمهم وإرادتهم 

واختيارهم ووضعوا هذه األلفاظ بإزاء هذه المعاني وقالوا إن هذه هي أسماء الكمال وإلى 

ماهم وصممهم وخرسهم فوضعوا بإزاء ما هو نقص في حقهم مثل جهلهم وعجزهم وع

هذه المعاني هذه األلفاظ

ثم كان غايتهم في الثناء على اهللا تعالى ووصفه أن وصفوه بما هو أوصاف كمالهم من علم 

وقدرة وسمع وبصر وكالم وأن نفوا عنه ما هو أوصاف نقصهم واهللا سبحانه وتعالى منزه عن 

هم بل كل صفة تتصور للخلق فهو منزه أوصاف كمالهم كما أنه منزه عن أوصاف نقص

ومقدس عنها وعما يشبهها ويماثلها ولوال ورود الرخصة واإلذن بإطالقها لم يجز إطالق 

أكثرها وقد فهمت معنى هذا في الفصل الرابع من فصول المقدمات فال حاجة إلى اإلعادة 

تنبيه

يالت والمحسوسات قدس العبد في أن ينزه إرادته وعلمه أما علمه فينزهه عن المتخ

والموهومات وكل ما يشاركه فيه البهائم من اإلدراكات بل يكون تردد نظره وتطواف علمه 

حول األمور األزلية اإللهية المنزهة عن أن تقرب فتدرك بالحس أو تبعد فتغيب عن الحس بل 

يصير متجردا في نفسه عن المحسوسات

Page 47: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

47      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

سلب آلة حسه وتخيله بقي ريانا بالعلوم والمتخيالت كلها ويقتني من العلوم ما لو 

الشريفة الكلية اإللهية المتعلقة بالمعلومات األزلية األبدية دون الشخصيات المتغيرة 

المستحيلة

وأما إرادته فينزهها عن أن تدور حول الحظوظ البشرية التي ترجع إلى لذة الشهوة والغضب 

المنظر وما ال يصل إليه من اللذات ومتعة المطعم والمشرب والمنكح والملبس والملمس و

إال بواسطة الحس والقلب بل ال يريد إال اهللا عز وجل وال يبقى له حظ إال فيه وال يكون له 

شوق إال إلى لقائه وال فرح إال بالقرب منه ولو عرضت عليه الجنة وما فيها من النعيم لم 

تلتفت همته إليها ولم يقنع من الدار إال برب الدار

لجملة اإلدراكات الحسية والخيالية تشارك البهائم فيها فينبغي أن يترقى عنها إلى وعلى ا

ما هو من خواص اإلنسانية والحظوظ البشرية الشهوانية يزاحم البهائم أيضا فيها فينبغي 

أن يتنزه عنها فجاللة المريد على قدر جاللة مراده

 يكن له همة سوى اهللا عز ومن همته ما يدخل في بطنه فقيمته ما يخرج منه ومن لم

وجل فدرجته على قدر همته ومن رقى علمه عن درجة المتخيالت والمحسوسات وقدس 

إرادته عن مقتضى الشهوات فقد نزل بحبوحة حظيرة القدس

السالم

هو الذي تسلم ذاته عن العيب وصفاته عن النقص وأفعاله عن الشر حتى إذا كان كذلك لم 

وكانت معزية إليه صادرة منه وقد فهمت أن أفعاله تعالى سالمة يكن في الوجود سالمة إال 

عن الشر أعني الشر المطلق المراد لذاته ال لخير حاصل في ضمنه أعظم منه وليس في 

الوجود شر بهذه الصفة كما سبق اإليماء إليه إال هللا سبحانه

Page 48: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

48      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

تنبيه

ت عن اآلثام والمحظورات كل عبد سلم عن الغش والحقد والحسد وإرادة الشر قلبه وسلم

جوارحه وسلم عن االنتكاس واالنعكاس صفاته فهو الذي يأتي اهللا تعالى بقلب سليم وهو 

السالم من العباد القريب في وصفه من السالم المطلق الحق الذي ال مثنوية في صفته

وأعني باالنتكاس في صفاته أن يكون عقله أسير شهوته وغضبه إذ الحق عكسه وهو أن 

ون الشهوة والغضب أسير العقل وطوعه فإذا انعكس فقد انتكس وال سالمة حيث يصير تك

األمير مأمورا والملك عبدا ولن يوصف بالسالم واإلسالم إال من سلم المسلمون من لسانه 

ويده فكيف يوصف به من لم يسلم هو من نفسه

المؤمن

ق المخاوف وال يتصور أمن وأمان هو الذي يعزى إليه األمن واألمان بإفادته أسبابه وسده طر

إال في محل الخوف وال خوف إال عند إمكان العدم والنقص والهالك والمؤمن المطلق هو 

الذي ال يتصور أمن وأمان إال ويكون مستفادا من جهته وهو اهللا سبحانه وتعالى

نا وليس يخفى أن األعمى يخاف أن يناله هالك من حيث ال يرى فعينه البصيرة تفيده أم

منه واألقطع يخاف آفة ال تندفع إال باليد فاليد السليمة أمان منها وهكذا جميع الحواس 

واألطراف والمؤمن خالقها ومصورها ومقويها

ولو قدرنا إنسانا وحده مطلوبا من جهة أعدائه وهو ملقى في مضيعة ال تتحرك عليه 

يقاوم أعداءه وحده وإن أعضاؤه لضعفه وإن تحركت فال سالح معه وإن كان معه سالح لم 

كان له جنود لم يأمن أن تنكسر جنوده وال يجد حصنا يأوي إليه فجاء من عالج ضعفه فقواه 

وأمده بجنوده وأسلحته

Page 49: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

49      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

وبنى حوله حصنا حصينا فقد أفاده أمنا وأمانا فالبحري أن يسمى مؤمنا في حقه

ش من باطنه وعرضة والعبد ضعيف في أصل فطرته وهو عرضة األمراض والجوع والعط

اآلفات المحرقة والمغرقة والجارحة والكاسرة من ظاهره ولم يؤمنه من هذه المخاوف إال 

الذي أعد األدوية نافعة ورافعة ألمراضه واألطعمة مزيلة لجوعه واألشربة مميطة لعطشه 

واألعضاء دافعة عن بدنه والحواس جواسيس منذرة بما يقرب من مهلكاته ثم خوفه األعظم 

من هالك اآلخرة وال يحصنه عنه إال كلمة التوحيد واهللا سبحانه وتعالى هاديه إليها ومرغبه 

فيها حيث قال ال إله إال اهللا حصني فمن دخل حصني أمن عذابي فال أمن في العالم إال 

وهو مستفاد بأسباب هو متفرد بخلقها والهداية إلى استعمالها فهو الذي أعطى كل شيء 

و المؤمن المطلق حقا تنبيه حظ العبد من هذا االسم والوصف أن يأمن خلقه ثم هدى فه

الخلق كلهم جانبه بل يرجو كل خائف االعتضاد به في دفع الهالك عن نفسه في دينه 

ودنياه كما قال رسول اهللا من كان يؤمن باهللا واليوم اآلخر فليأمن جاره بوائقه وأحق العباد 

خلق من عذاب اهللا بالهداية إلى طريق اهللا عز وجل باسم المؤمن من كان سببا ألمن ال

واإلرشاد إلى سبيل النجاة وهذه حرفة األنبياء والعلماء

Page 50: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

50      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ولذلك قال رسول اهللا إنكم تتهافتون في النار تهافت الفراش وأنا آخذ بحجزكم خيال وتنبيه

ي خوف عباده وهو لعلك تقول الخوف على الحقيقة من اهللا تعالى فال مخوف إال إياه فهو الذ

الذي خلق أسباب الخوف فكيف ينسب إليه األمن

فجوابك إن الخوف منه واألمن منه وهو خالق سبب األمن والخوف جميعا وكونه مخوفا ال 

يمنع كونه مؤمنا كما أن كونه مذال لم يمنع كونه معزا بل هو المعز والمذل وكونه خافضا لم 

 فكذلك هو المؤمن المخوف لكن المؤمن ورد التوقيف يمنع كونه رافعا بل هو الخافض الرافع

به خاصة دون المخوف

المهيمن

معناه في حق اهللا عز وجل أنه القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم وإنما قيامه 

عليهم باطالعه واستيالئه وحفظه وكل مشرف على كنه األمر مستول عليه حافظ له فهو 

 إلى العلم واالستيالء إلى كمال القدرة والحفظ إلى الفعل مهيمن عليه واإلشراف يرجع

فالجامع بين هذه المعاني اسمه المهين ولن يجتمع ذلك على اإلطالق والكمال إال هللا عز 

وجل ولذلك قيل إنه من أسماء اهللا تعالى في الكتب القديمة تنبيه

 علىكل عبد راقب قلبه حتى أشرف على أغواره وأسراره واستولى مع ذلك

Page 51: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

51      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

تقويم أحواله وأوصافه وقام بحفظها على الدوام على مقتضى تقويمه فهو مهيمن باإلضافة 

إلى قلبه فإن اتسع إشرافه واستيالؤه حتى قام بحفظ بعض عباد اهللا عز وجل على نهج 

السداد بعد اطالعه على بواطنهم وأسرارهم بطريق التفرس واالستدالل بظواهرهم كان 

المعنى أوفر وحظه أكثرنصيبه من هذا 

العزيز

هو الخطير الذي يقل وجود مثله وتشتد الحاجة إليه ويصعب الوصول إليه فما لم يجتمع 

عليه هذه المعاني الثالثة لم يطلق عليه اسم العزيز فكم من شيء يقل وجوده ولكن إذا 

 وال لم يعظم خطره ولم يكثر نفعه لم يسم عزيزا وكم من شئ يعظم خطره ويكثر نفعه

يوجد نظيره ولكن إذا لم يصعب الوصول إليه لم يسم عزيزا كالشمس مثال فإنه ال نظير لها 

واألرض كذلك والنفع عظيم في كل واحد منهما والحاجة شديدة إليهما ولكن ال يوصفان 

بالعزة ألنه ال يصعب الوصول إلى مشاهدتهما فال بد من اجتماع المعاني الثالثة

لمعاني الثالثة كمال ونقصان والكمال في قلة الوجود أن يرجع إلى ثم في كل واحد من ا

واحد إذ ال أقل من الواحد ويكون بحيث يستحيل وجود مثله وليس هذا إال اهللا تعالى فإن 

الشمس وإن كانت واحدة في الوجود فليست واحدة في اإلمكان فيمكن وجود مثلها في 

ه كل شيء في كل شيء حتى في وجوده الكمال والنفاسة وشدة الحاجة أن يحتاج إلي

وبقائه وصفاته وليس ذلك على الكمال إال هللا عز وجل والكمال في صعوبة المنال أن 

يستحيل الوصول إليه على معنى اإلحاطة بكنهه وليس ذلك على الكمال إال هللا عز وجل 

 فيه غيرهفإنا قد بينا أنه ال يعرف اهللا إال اهللا فهو العزيز المطلق الحق ال يوازيه

Page 52: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

52      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

تنبيه

العزيز من العباد من يحتاج إليه عباد اهللا في أهم أمورهم وهي الحياة األخروية والسعادة 

األبدية وذلك مما يقل ال محالة وجوده ويصعب إدراكه وهذه رتبة األنبياء صلوات اهللا عليهم 

 وورثتهم من أجمعين ويشاركهم في العز من ينفرد بالقرب من درجتهم في عصره كالخلفاء

العلماء وعزة كل واحد منهم بقدر علو رتبته عن سهولة النيل والمشاركة وبقدر عنائه في 

إرشاد الخلق

الجبار

هو الذي ينفذ مشيئته على سبيل اإلجبار في كل واحد وال تنفذ فيه مشيئة أحد الذي ال 

 سبحانه يخرج أحد من قبضته وتقصر األيدي دون حمى حضرته فالجبار المطلق هو اهللا

وتعالى فإنه يجبر كل أحد وال يجبره أحد وال مثنوية في حقه في الطرفين تنبيه

الجبار من العباد من ارتفع عن األتباع ونال درجة االستتباع وتفرد بعلو رتبته بحيث يجبر 

الخلق بهيئته وصورته على االقتداء به ومتابعته في سمته وسيرته فيفيد الخلق وال 

وال يتأثر ويستتبع وال يتبع وال يشاهده أحد إال ويفنى عن مالحظة نفسه يستفيد ويؤثر 

ويصير متشوقا إليه غير ملتفت إلى ذاته وال يطمع أحد في استدراجه واستتباعه وإنما 

حظي بهذا الوصف سيد البشر حيث قال لو كان موسى بن عمران حيا ما وسعه إال اتباعي 

وأنا سيد ولد آدم وال فخر

Page 53: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

53      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

كبرالمت

هو الذي يرى الكل حقيرا باإلضافة إلى ذاته وال يرى العظمة والكبرياء إال لنفسه فينظر إلى 

غيره نظر الملوك إلى العبيد فإن كانت هذه الرؤية صادقة كان التكبر حقا وكان صاحبها 

متكبرا حقا وال يتصور ذلك على اإلطالق إال هللا عز وجل وإن كان ذلك التكبر واالستعظام 

 ولم يكن ما يراه من التفرد بالعظمة كما يراه كان التكبر باطال ومذموما وكل من رأى باطال

العظمة والكبرياء لنفسه على الخصوص دون غيره كانت رؤيته كاذبة ونظره باطال إال اهللا 

سبحانه وتعالى تنبيه

ن الحق المتكبر من العباد هو الزاهد العارف ومعنى زهد العارف أن يتنزه عما شغل سره ع

ويتكبر على كل شيء سوى الحق سبحانه وتعالى فيكون مستحقرا للدنيا واآلخرة جميعا 

مترفعا عن أن يشغله كالهما عن الحق تعالى

وزهد غير العارف معاملة ومعاوضة فإنه يشتري بمتاع الدنيا متاع اآلخرة فيترك الشيء 

عبدته شهوة المطعم عاجال طمعا في أضعافه آجال وإنما هو سلم ومبايعة ومن است

والمنكح فهو حقير وإن كان ذلك دائما وإنما المتكبر من يستحقر كل شهوة وحظ يتصور أن 

يساهمه البهائم فيها واهللا أعلم

الخالق البارئ المصور

قد يظن أن هذه األسماء مترادفة وأن الكل يرجع إلى الخلق واالختراع وال ينبغي أن يكون 

عدم إلى الوجود فيفتقر إلى تقدير أوال وإلى اإليجاد على وفق كذلك بل كل ما يخرج من ال

التقدير ثانيا وإلى التصوير بعد اإليجاد ثالثا واهللا سبحانه وتعالى خالق من حيث أنه مقدر 

وبارئ من حيث أنه مخترع موجد ومصور من حيث أنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب

Page 54: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

54      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

 مقدر يقدر ما ال بد له منه من الخشب واللبن ومساحة وهذا كالبناء مثال فإنه يحتاج إلى

األرض وعدد األبنية وطولها وعرضها وهذا يتواله المهندس فيرسمه ويصوره ثم يحتاج إلى 

بناء يتولى األعمال التي عندها يحدث أصول األبنية ثم يحتاج إلى مزين ينقش ظاهره ويزين 

لتقدير والبناء والتصوير وليس كذلك في أفعال صورته فيتواله غير البناء هذه هي العادة في ا

اهللا عز وجل بل هو المقدر والموجد والمزين فهو الخالق البارئ المصور

ومثاله اإلنسان وهو أحد مخلوقاته وهو محتاج في وجوده أوال إلى أن يقدر ما منه وجوده 

ناء إلى فإنه جسم مخصوص فال بد من الجسم أوال حتى يخصص بالصفات كما يحتاج الب

آالت حتى يبني ثم ال يصلح لبنية اإلنسان إال الماء والتراب جميعا إذ التراب وحده يابس 

محض ال ينثني وال ينعطف في الحركات والماء وحده رطب محض ال يتماسك وال ينتصب بل 

ينبسط فال بد أن يمتزج الرطب باليابس حتى يعتدل ويعبر عنه بالطين ثم ال بد من حرارة 

تى يستحكم مزج الماء بالتراب وال ينفصل فال يتخلق اإلنسان من الطين المحض طابخة ح

بل من صلصال كالفخار والفخار هو الطين المعجون بالماء الذي قد عملت فيه النار حتى 

أحكمت مزاجه ثم يحتاج إلى تقدير الماء والطين بمقدار مخصوص فإنه إن صغر مثال لم 

 كان على قدر الذر والنمل فتسفيه الرياح ويهلكه أدنى تحصل منه األفعال اإلنسانية بل

شيء وال يحتاج إلى مثل الجبل من الطين فإن ذلك يزيد على قدر الحاجة بل الكافي من 

غير زيادة ونقصان قدر معلوم يعلمه اهللا عز وجل

ق وكل ذلك يرجع إلى التقدير فهو باعتبار تقدير هذه األمور خالق وباعتبار اإليجاد على وف

التقدير مصور وباعتبار مجرد اإليجاد واإلخراج من العدم إلى الوجود بارئ واإليجاد المجرد 

شئ واإليجاد على وفق التقدير شيء آخر وهذا يحتاج إليه من يبعد رد الخلق إلى مجرد 

التقدير مع أن له في اللغة

Page 55: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

55      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

بعض ولذلك قال وجها إذ العرب تسمي الحذاء خالقا لتقديره بعض طاقات النعل على 

الشاعر

 القوم يخلق ثم ال يفري...وألنت تفري ما خلقت وبعض 

فأما اسم المصور فهو له من حيث رتب صور األشياء أحسن ترتيب وصورها أحسن تصوير 

وهذا من أوصاف الفعل فال يعلم حقيقته إال من يعلم صورة العالم على الجملة ثم على 

ص واحد مركب من أعضاء متعاونة على الغرض التفصيل فإن العالم كله في حكم شخ

المطلوب منه وإنما أعضاؤه وأجزاؤه السموات والكواكب واألرضون وما بينهما من الماء 

والهواء وغيرهما وقد رتبت أجزاؤه ترتيبا محكما لو غير ذلك الترتيب لبطل النظام فخصص 

وكما أن البناء يضع بجهة الفوق ما ينبغي أن يعلو وبجهة السفل ما ينبغي أن يسفل 

الحجارة أسفل الحيطان والخشب فوقها ال باالتفاق بل بالحكمة والقصد إلرادة اإلحكام ولو 

قلب ذلك فوضع الحجارة فوق الحيطان والخشب أسفلها النهدم البناء ولم تثبت صورته أصال

لترتيب فكذلك ينبغي أن يفهم السبب في علو الكواكب وتسفل األرض والماء وسائر أنواع ا

في األجزاء العظام من أجزاء العالم ولو ذهبنا نصف أجزاء العالم ونحصيها ثم نذكر الحكمة 

في تركيبها لطال الكالم وكل من كان أوفر علما بهذا التفصيل كان أكثر إحاطة بمعنى اسم 

المصور وهذا الترتيب والتصوير موجود في كل جزء من أجزاء العالم وإن صغر حتى في 

والذرة بل في كل عضو من أعضاء النملة بل الكالم يطول في شرح صورة العين التي النملة 

هي أصغر عضو في الحيوان ومن لم يعرف طبقات العين وعددها وهيئاتها وشكلها 

ومقاديرها وألوانها ووجه الحكمة فيها فلن يعرف صورتها ولم يعرف مصورها

Page 56: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

56      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ة لكل حيوان ونبات بل لكل جزء من كل حيوان إال باالسم المجمل وهكذا القول في كل صور

ونبات تنبيه

حظ العبد من هذا االسم أن يحصل في نفسه صورة الوجود كله على هيئته وترتيبه حتى 

يحيط بهيئة العالم وترتيبه كله كأنه ينظر إليها ثم ينزل من الكل إلى التفاصيل فيشرف 

 فيعلم أنواعها وعددها وتركيبها على صورة اإلنسان من حيث بدنه وأعضائه الجسمانية

والحكمة في خلقها وترتيبها ثم يشرف على صفاتها المعنوية ومعانيها الشريفة التي بها 

إدراكاته وإرادته وكذلك يعرف صورة الحيوانات وصورة النبات ظاهرا وباطنا بقدر ما في وسعه 

رة الجسمانيات حتى يحصل نقش الجميع وصورته في قلبه وكل ذلك يرجع إلى معرفة صو

وهي معرفة مختصرة باإلضافة إلى معرفة ترتيب الروحانيات وفيه يدخل معرفة المالئكة 

ومعرفة مراتبهم وما وكل إلى كل واحد منهم من التصرف في السموات والكواكب ثم 

التصرف في القلوب البشرية بالهداية واإلرشاد ثم التصرف في الحيوانات باإللهامات الهادية 

ى مظنة الحاجاتلها إل

فهذا حظ العبد من هذا االسم وهو اكتساب الصورة العلمية المطابقة للصورة الوجودية فإن 

العلم صورة في النفس مطابقة للمعلوم وعلم اهللا عز وجل بالصور سبب لوجود الصور في 

األعيان والصورة الموجودة في األعيان سبب لحصول الصور العلمية في قلب اإلنسان وبذلك 

يستفيد العبد العلم بمعنى اسم المصور من أسماء اهللا سبحانه وتعالى ويصير أيضا 

باكتساب الصورة في نفسه كأنه مصور وإن كان ذلك على سبيل المجاز فإن تلك الصور 

العلمية إنما تحدث فيه على التحقيق بخلق اهللا تعالى واختراعه ال بفعل العبد ولكن العبد

Page 57: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

57      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

يضان رحمة اهللا تعالى عليه ف إن اهللا ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما يسعى في التعرض لف

 ولذلك قال إن لربكم في أيام دهركم نفخات من رحمته 11 سورة الرعد اآلية 13بأنفسهم 

أال فتعرضوا لها

وأما الخالق البارئ فال مدخل للعبد أيضا في هذين االسمين إال بنوع من المجاز بعيد 

اإليجاد يرجع إلى استعمال القدرة بموجب العلم وقد خلق اهللا تعالى ووجهه أن الخلق و

للعبد علما وقدرة وله سبيل إلى تحصيل مقدوراته على وفق تقديره وعلمه

واألمور الموجودة تنقسم إلى ما ال يرتبط حصولها بقدرة العباد أصال كالسماء والكواكب 

ول لها إال بقدرة العباد وهي التي ترجع واألرض والحيوان والنبات وغير ذلك وإلى ما ال حص

إلى أعمال العباد كالصناعات والسياسات والعبادات والمجاهدات فإذا بلغ العبد في مجاهدة 

نفسه بطريق الرياضة في سياستها وسياسة الخلق مبلغا ينفرد فيها باستنباط أمور لم 

رع لما لم يكن له وجود يسبق إليها ويقدر مع ذلك على فعلها والترغيب فيها كان كالمخت

من قبل إذ يقال لواضع الشطرنج إنه الذي وضعه واخترعه حيث وضع ما لم يسبق إليه إال 

أن وضع ما ال خير فيه ال يكون من صفات المدح

وكذلك في الرياضات والمجاهدات والسياسات والصناعات التي هي منبع الخيرات صور 

رتقي ال محالة إلى أول مستنبط وواضع فيكون وترتيبات يتعلمها الناس بعضهم من بعض وي

ذلك الواضع كالمخترع لتلك الصورة والخالق المقدر لها حتى يجوز إطالق االسم عليه مجازا

Page 58: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

58      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ومن أسماء اهللا تعالى ما يكون نقلها إلى العبد مجازا وهو األكثر ومنها ما يكون في حق 

الشكور وال ينبغي أن تالحظ المشاركة العبد حقيقة وفي حق اهللا تعالى مجازا كالصبور و

في االسم وتذهل عن هذا التفاوت العظيم الذي ذكرناه

الغفار

هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح والذنوب من جملة القبائح التي سترها بإسبال الستر 

عليها في الدنيا والتجاوز عن عقوبتها في اآلخرة والغفر هو الستر

جعل مقابح بدنه التي تستقبحها األعين مستورة في باطنه وأول ستره على العبد أن 

مغطاة بجمال ظاهره فكم بين باطن العبد وظاهره في النظافة والقذارة وفي القبح والجمال 

فانظر ما الذي أظهره وما الذي ستره

وستره الثاني أن جعل مستقر خواطره المذمومة وإرادته القبيحة سر قلبه حتى ال يطلع 

ه ولو انكشف للخلق ما يخطر بباله في مجاري وسواسه وما ينطوي عليه أحد على سر

ضميره من الغش والخيانة وسوء الظن بالناس لمقتوه بل سعوا في تلف روحه وأهلكوه 

فانظر كيف ستر عن غيره أسراره وعوراته

وستره الثالث مغفرته ذنوبه التي كان يستحق االفتضاح بها على مأل الخلق وقد وعد أن 

دل سيئاته حسنات ليستر مقابح ذنوبه بثواب حسناته مهما مات على اإليمان تنبيهيب

حظ العبد من هذا االسم أن يستر من غيره ما يجب أن يستر منه فقد قال

Page 59: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

59      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

النبي من ستر على مؤمن عورته ستر اهللا عز وجل عورته يوم القيامة والمغتاب 

ا الوصفوالمتجسس والمكافئ على اإلساءة بمعزل عن هذ

وإنما المتصف به من ال يفشى من خلق اهللا تعالى إال أحسن ما فيه وال ينفك مخلوق عن 

كمال ونقص وعن قبح وحسن فمن تغافل عن المقابح وذكر المحاسن فهو ذو نصيب من 

هذا الوصف كما روي عن عيسى صلوات اهللا عليه أنه مر مع الحواريين بكلب ميت قد غلب 

 هذه الجيفة فقال عيسى عليه السالم ما أحسن بياض أسنانه تنبيها نتنه فقالوا ما أنتن

على أن الذي ينبغي أن يذكر من كل شيء ما هو أحسن

القهار هو الذي يقصم ظهور الجبابرة من أعدائه فيقهرهم باإلماتة واإلذالل بل الذي ال 

موجود إال وهو مسخر تحت قهره ومقدرته عاجز في قبضته تنبيه

القهار

لعباد من قهر أعداءه وأعدى عدو اإلنسان نفسه التي بين جنبيه فهي أعدى له من من ا

الشيطان الذي قد حذر عداوته ومهما قهر شهوات نفسه فقد قهر الشيطان إذ الشيطان 

يستهويه إلى الهالك بواسطة شهواته

ولة وإحدى حبائك الشيطان النساء ومن فقد شهوة النساء لم يتصور أن ينعقل بهذه األحب

فكذلك من قهر هذه الشهوة تحت سطوة الدين وإشارة العقل ومهما قهر شهوات النفس 

فقد قهر الناس كافة فلم يقدر عليه أحد إذ غاية

Page 60: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

60      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

أعدائه السعي في إهالك بدنه وذلك إحياء لروحه فإن من مات عن شهواته في حياته 

 بل أحياء عند ربهم يرزقون عاش في مماته وال تحسبن الذين قتلوا في سبيل اهللا أمواتا

170 و 169 سورة آل عمران اآلية 3فرحين 

الوهاب

الهبة هي العطية الخالية عن األعواض واألغراض فإذا كثرت العطايا بهذه الصفة سمي 

صاحبها وهابا وجوادا ولن يتصور الجود والهبة حقيقة إال من اهللا تعالى فإنه الذي يعطي كل 

لعوض وال لغرض عاجل وال آجل ومن وهب وله في هبته غرض يناله محتاج ما يحتاج إليه ال 

عاجال وآجال من ثناء أو مدح أو مودة أو تخلص من مذمة أو اكتساب شرف وذكر فهو معامل 

معتاض وليس بوهاب وال جواد فليس العوض كله عينا يتناول بل كل ما ليس بحاصل ويقصد 

ليشرف أو ليثنى عليه أو لئال يذم فهو الواهب حصوله بالهبة فهو عوض ومن وهب وجاد 

معامل وإنما الجواد الحق هو الذي يفيض منه الفوائد على المستفيد ال لغرض يعود إليه بل 

الذي يفعل شيئا لو لم يفعل لكان يقبح به فهو بما يفعله متخلص وذلك غرض وعوض تنبيه

ه من الترك لم يقدم عليه ال يتصور من العبد الجود والهبة فإنه ما لم يكن الفعل أولى ب

فيكون إقدامه لغرض نفسه ولكن الذي يبذل جميع ما يملكه حتى الروح لوجه اهللا عز وجل 

فقط ال للوصول إلى نعيم الجنة أو الحذر من عذاب النار أو لحظ عاجل أو آجل مما يعد من 

الجنة ودونه حظوظ البشرية فهو جدير بأن يسمى وهابا وجوادا ودونه الذي يجود لينال نعيم 

من

Page 61: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

61      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

يجود لينال حسن األحدوثة وكل من لم يطلب عوضا يتناول سمي جوادا عند من يظن أن ال 

عوض إال األعيان

فإن قلت فالذي يجود بكل ما يملكه خالصا لوجه اهللا تعالى من غير توقع حظ عاجل أو آجل 

كيف ال يكون جوادا وال حظ له أصال فيه

ورضاؤه ولقاؤه والوصول إليه وذلك هو السعادة التي يكتسبها فنقول حظه هو اهللا تعالى 

اإلنسان بأفعاله االختيارية وهو الحظ الذي تستحقر سائر الحظوظ في مقابلته

فإن قلت فما معنى قولهم إن العارف باهللا تعالى هو الذي يعبد اهللا عز وجل خالصا هللا ال 

الفرق بين من يعبد اهللا تعالى هللا خالصا لحظ وراءه فإن كان ال يخلو فعل العبد عن حظ فما 

وبين من يعبده لحظ من الحظوظ فاعلم أن الحظ عبارة عند الجماهير عن األغراض أو 

األعواض المشهورة عندهم ومن تنزه عنها ولم يبق له مقصد إال اهللا تعالى فيقال إنه قد 

 سيده ال لسيده برئ من الحظوظ أي عما يعده الناس حظا وهو كقولهم إن العبد يراعي

ولكن لحظ يناله من سيده من نعمة أو إكرام والسيد يراعي عبده ال لعبده ولكن لحظ يناله 

منه بخدمته وأما الوالد فإنه يراعي ولده لذاته ال لحظ يناله منه بل لو لم يكن منه حظ أصال 

لكان معنيا بمراعاته

غاية طلبه بل غاية طلب غيره ومن طلب شيئا لغيره ال لذاته فكأنه لم يطلبه فإنه ليس 

كمن يطلب الذهب فإنه ال يطلبه لذاته بل ليتوصل به إلى المطعم والملبس والمطعم 

والملبس ال يرادان لذاتهما بل للتوصل بهما إلى جلب اللذة ودفع األلم واللذة تراد لذاتها ال 

عام واسطة إلى لغاية أخرى وراءها وكذا دفع األلم فيكون الذهب واسطة إلى الطعام والط

اللذة واللذة هي الغاية وليست واسطة إلى غيرها وكذلك الولد ليس واسطة في حق 

الوالد بل مطلوبه سالمة الولد لذات الولد ألن عين الولد حظه

Page 62: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

62      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

فكذلك من يعبد اهللا عز وجل للجنة فقد جعل اهللا سبحانه وتعالى واسطة طلبه ولم يجعله 

أنه لو حصلت الفائدة دونها لم تطلب كما لو حصلت المقاصد غاية مطلبه وعالمة الواسطة 

دون الذهب لم يكن الذهب محبوبا وال مطلوبا فالمحبوب بالحقيقة الغاية المطلوبة دون 

الذهب ولو حصلت الجنة لمن يعبد اهللا ألجلها دون عبادة اهللا عز وجل لما عبد اهللا فمحبوبه 

ن له محبوب سوى اهللا عز وجل وال مطلوب سواه ومطلوبه الجنة إذا ال غير وأما من لم يك

بل حظه االبتهاج بلقاء اهللا تعالى والقرب منه والمرافقة مع المأل األعلى المقربين من 

حضرته فيقال إنه يعبد اهللا تعالى هللا ال على معنى أنه غير طالب للحظ بل على معنى أن 

اهللا عز وجل هو حظه وليس يبغي وراءه حظا

بلذة البهجة بلقاء اهللا عز وجل ومعرفته والمشاهدة له والقرب منه لم يشتق ومن لم يؤمن 

إليه ومن لم يشتق إليه لم يتصور أن يكون ذلك من حظه فلم يتصور أن يكون ذلك مقصده 

أصال فلذلك ال يكون في عبادة اهللا تعالى إال كاألجير السوء ال يعمل إال بأجرة طمع فيها 

ه اللذة ولم يعرفوها وال يفهمون لذة النظر إلى وجه اهللا عز وجل وأكثر الخلق لم يذوقوا هذ

وإنما إيمانهم بذلك من حيث النطق باللسان فأما بواطنهم فإنها مائلة إلى التلذذ بلقاء 

الحور العين ومصدقة به فقط فافهم من هذا أن البراءة من الحظوظ محال إن كنت تجوز أن 

نه مما يسمى حظا وإن كان الحظ عبارة عما يعرفه يكون اهللا تعالى أي لقاءه والقرب م

الجماهير وتميل إليه قلوبهم فليس هذا حظا وإن كان عبارة عما حصوله أوفى من عدمه 

في حق العبد فهو حظ

الرزاق

هو الذي خلق األرزاق والمرتزقة وأوصلها إليهم وخلق لهم أسباب التمتع بها

Page 63: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

63      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

طعمة وذلك للظواهر وهي األبدان وباطن وهي والرزق رزقان ظاهر وهي األقوات واأل

المعارف والمكاشفات وذلك للقلوب واألسرار وهذا أشرف الرزقين فإن ثمرته حياة األبد 

وثمرة الرزق الظاهر قوة الجسد إلى مدة قريبة األمد واهللا عز وجل هو المتولي لخلق 

ق لمن يشاء ويقدر تنبيهالرزقين والمتفضل باإليصال إلى كال الفريقين ولكنه يبسط الرز

غاية حظ العبد من هذا الوصف أمران

أحدهما أن يعرف حقيقة هذا الوصف وأنه ال يستحقه إال اهللا عز وجل فال ينتظر الرزق إال 

منه وال يتوكل فيه إال عليه كما روي عن حاتم األصم رحمه اهللا أنه قال له رجل من أين 

عليك الرزق من السماء فقال لو لم تكن األرض له تأكل فقال من خزانته فقال الرجل أيلقي 

لكان يلقيه من السماء فقال الرجل إنكم تقولون الكالم فقال ألنه لم ينزل من السماء إال 

الكالم فقال الرجل إني ال أقوى على مجادلتك فقال ألن الباطل ال يقوى مع الحق

قة متصدقة ويكون سببا لوصول الثاني أن يرزقه علما هاديا ولسانا مرشدا معلما ويدا منف

األرزاق الشريفة إلى القلوب بأقواله وأعماله ووصول األرزاق إلى األبدان بأفعاله وأعماله وإذا 

أحب اهللا عبدا أكثر حوائج الخلق إليه ومهما كان واسطة بين اهللا وبين العباد في وصول 

 األمين الذي يعطي ما أمر األرزاق إليهم فقد نال حظا من هذه الصفة قال رسول هللا الخازن

به طيبة به نفسه أحد المتصدقين وأيدي العباد خزائن اهللا تعالى

Page 64: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

64      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

فمن جعلت يده خزانة أرزاق األبدان ولسانه خزانة أرزاق القلوب فقد أكرم بشوب من هذه 

الصفة

الفتاح

ألنبيائه هو الذي ينفتح بعنايته كل منغلق وبهدايته ينكشف كل مشكل فتارة يفتح الممالك 

 وتارة يرفع 1 سورة الفتح اآلية 48ويخرجها من أيدي أعدائه ويقول إنا فتحنا لك فتحا مبينا 

الحجاب عن قلوب أوليائه ويفتح لهم األبواب إلى ملكوت سمائه وجمال كبريائه ويقول ما 

 ومن بيده مفاتح الغيب 2 سورة فاطر اآلية 35يفتح اهللا للناس من رحمة فال ممسك لها 

فاتيح الرزق فبالحري أن يكون فتاحا تنبيهوم

ينبغي أن يتعطش العبد إلى أن يصير بحيث ينفتح بلسانه مغاليق المشكالت اإللهية وأن 

يتيسر بمعرفته ما يتعسر على الخلق من األمور الدينية والدنيوية ليكون له حظ من اسم 

الفتاح

العليم

ه وباطنه دقيقه وجليله أوله وآخره معناه ظاهر وكماله أن يحيط بكل شيء علما ظاهر

عاقبته وفاتحته وهذا من حيث كثرة المعلومات وهي ال نهاية لها ثم يكون العلم في ذاته 

من حيث الوضوح والكشف على أتم ما يمكن فيه بحيث ال يتصور مشاهدة وكشف أظهر 

منه ثم ال يكون مستفادا من المعلومات بل تكون المعلومات مستفادة منه

Page 65: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

65      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

تنبيه

للعبد حظ من وصف العليم ال يكاد يخفى ولكن يفارق علمه علم اهللا تعالى في الخواص 

الثالث

إحداها المعلومات في كثرتها فإن معلومات العبد وإن اتسعت فهي محصورة في قلبه فأنى 

يناسب ما ال نهاية له

تكون مشاهدته والثانية أن كشفه وإن اتضح فال يبلغ الغاية التي ال يمكن وراءها بل 

لألشياء كأنه يراها من وراء ستر رقيق وال تنكرن درجات الكشف فإن البصيرة الباطنة كالبصر 

الظاهر وفرق بين ما يتضح في وقت اإلسفار وبين ما يتضح ضحوة النهار

والثالثة أن علم اهللا سبحانه وتعالى باألشياء غير مستفاد من األشياء بل األشياء مستفادة 

العبد باألشياء تابع لألشياء وحاصل بهامنه وعلم 

وإن اعتاص عليك فهم هذا الفرق فانسب علم متعلم الشطرنج إلى علم واضعه فإن علم 

الواضع هو سبب وجود الشطرنج ووجود الشطرنج هو سبب علم المتعلم وعلم الواضع 

اء سابق على الشطرنج وعلم المتعلم مسبوق ومتأخر فكذلك علم اهللا عز وجل باألشي

سابق عليها وسبب لها وعلمنا بخالف ذلك

وشرف العبد بسبب العلم من حيث أنه من صفات اهللا عز وجل ولكن العلم األشرف ما 

معلومه أشرف وأشرف المعلومات هو اهللا تعالى فلذلك كانت معرفة اهللا تعالى أفضل 

 عز وجل أو معرفة المعارف بل معرفة سائر األشياء أيضا إنما تشرف ألنها معرفة ألفعال اهللا

للطريق الذي يقرب العبد من اهللا عز وجل أو األمر الذي يسهل به الوصول إلى معرفة اهللا 

تعالى والقرب منه وكل معرفة خارجة عن ذلك فليس فيها كثير شرف

Page 66: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

66      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

القابض والباسط

ة هو الذي يقبض األرواح عن األشباح عند الممات ويبسط األرواح في األجساد عند الحيا

ويقبض الصدقات من األغنياء ويبسط األرزاق للضعفاء يبسط الرزق على األغنياء حتى ال 

يبقي فاقة ويقبضه عن الفقراء حتى ال يبقي طاقة ويقبض القلوب فيضيقها بما يكشف لها 

من قلة مباالته وتعاليه وجالله ويبسطها بما يتقرب إليها من بره ولطفه وجماله تنبيه

القابض الباسط

 العباد من ألهم بدائع الحكم وأوتي جوامع الكلم فتارة يبسط قلوب العباد بما يذكرهم من

من آالء اهللا عز وجل ونعمائه وتارة يقبضها بما ينذرهم به من جالل اهللا وكبريائه وفنون 

عذابه وبالئه وانتقامه من أعدائه كما فعل رسول اهللا حيث قبض قلوب الصحابة عن الحرص 

يث ذكر لهم أن اهللا عز وجل يقول آلدم عليه الصالة والسالم يوم القيامة على العبادة ح

ابعث بعث النار فيقول كم فيقول من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعون فانكسرت قلوبهم 

حتى فتروا عن العبادة فلما أصبح ورآهم على ما هم عليه من القبض والفتور روح قلوبهم 

بلهم كشامة سوداء في مسك ثور أبيضوبسطهم فذكر أنهم في سائر األمم ق

الخافض الرافع

هو الذي يخفض الكفار باإلشقاء ويرفع المؤمنين باإلسعاد يرفع أولياءه بالتقريب ويخفض 

أعداءه باإلبعاد ومن رفع مشاهدته عن المحسوسات والمتخيالت وإرادته عن ذميم 

ته على المحسوسات الشهوات فقد رفعه إلى أفق المالئكة المقربين ومن قصر مشاهد

وهمته على ما يشارك

Page 67: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

67      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

فيه البهائم من الشهوات فقد خفضه إلى أسفل السافلين وال يفعل ذلك إال اهللا تعالى فهو 

الخافض الرافع تنبيه

حظ العبد من ذلك أن يرفع الحق ويخفض الباطل وذلك بأن ينصر المحق ويزجر المبطل 

ء اهللا ليرفعهم ولذلك قال اهللا تعالى لبعض أوليائه فيعادي أعداء اهللا ليخفضهم ويوالي أوليا

أما زهدك في الدنيا فقد استعجلت به راحة نفسك وأما ذكرك إياي فقد تشرفت بي فهل 

واليت في وليا وهل عاديت في عدوا

المعز المذل

هو الذي يؤتي الملك من يشاء ويسلبه ممن يشاء والملك الحقيقي إنما هو في الخالص 

ة وقهر الشهوة ووصمة الجهل فمن رفع الحجاب عن قلبه حتى شاهد جمال من ذل الحاج

حضرته ورزقه القناعة حتى استغنى بها عن خلقه وأمده بالقوة والتأييد حتى استولى بها 

على صفات نفسه فقد أعزه وآتاه الملك عاجال وسيعزه في اآلخرة بالتقريب ويناديه يا أيتها 

 89راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك 

3027سورة الفجر اآليات 

ومن مد عينه إلى الخلق حتى احتاج إليهم وسلط عليه الحرص حتى لم يقنع بالكفاية 

واستدرجه بمكره حتى اغتر بنفسه وبقي في ظلمة الجهل فقد أذله وسلبه الملك وذلك 

معز المذل يعز من يشاء ويذل من يشاء وهذا صنع اهللا عز وجل كما يشاء حيث يشاء فهو ال

الذليل هو الذي يخاطب ويقال

Page 68: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

68      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

له ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم األماني حتى جاء أمر اهللا وغركم باهللا 

 وهذا غاية الذل وكل عبد 15و 14 سورة الحديد اآلية 57الغرور فاليوم ال يؤخذ منكم فدية 

باب العز على يده ولسانه فهو ذو حظ من هذا الوصفاستعمل في تيسير أس

السميع

هو الذي ال يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي فيسمع السر والنجوى بل ما هو أدق من 

ذلك وأخفى ويدرك دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء يسمع 

سمع بغير أصمخة وآذان كما حمد الحامدين فيجازيهم ودعاء الداعين فيستجيب لهم وي

يفعل بغير جارحة ويتكلم بغير لسان وسمعه منزه عن أن يتطرق إليه الحدثان ومهما نزهت 

السميع عن تغير يعتريه عند حدوث المسموعات وقدسته عن أن يسمع بأذن أو بآلة وأداة 

علمت أن السمع في حقه عبارة عن صفة ينكشف بها كمال صفات المسموعات ومن لم 

قق نظره فيه وقع بالضرورة في محض التشبيه فخذ منه حذرك ودقق فيه نظرك تنبيهيد

للعبد من حيث الحس حظ في السمع لكنه قاصر فإنه ال يدرك جميع المسموعات بل ما 

قرب من األصوات ثم إن إدراكه بجارحة وأداة معرضة لآلفات فإن خفي الصوت قصر عن 

صوت ربما بطل السمع واضمحلاإلدراك وإن بعد لم يدرك وإن عظم ال

وإنما حظه الديني منه أمران

أحدهما أن يعلم أن اهللا عز وجل سميع فيحفظ لسانه

Page 69: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

69      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

والثاني أن يعلم أنه لم يخلق له السمع إال ليسمع كالم اهللا عز وجل وكتابه الذي أنزله 

عه إال فيهوحديث رسول اهللا فيستفيد به الهداية إلى طريق اهللا عز وجل فال يستعمل سم

البصير

هو الذي يشاهد ويرى حتى ال يعزب عنه ما تحت الثرى وإبصاره أيضا منزه عن أن يكون 

بحدقة وأجفان ومقدس عن أن يرجع إلى انطباع الصور واأللوان في ذاته كما ينطبع في 

حدقة اإلنسان فإن ذلك من التغير والتأثر المقتضي للحدثان وإذا نزه عن ذلك كان البصر في 

حقه عبارة عن الصفة التي ينكشف بها كمال نعوت المبصرات وذلك أوضح وأجلى مما يفهم 

من إدراك البصر القاصر على ظواهر المرئيات تنبيه

حظ العبد من حيث الحس من وصف البصر ظاهر ولكنه ضعيف قاصر إذ ال يمتد إلى ما بعد 

البواطن والسرائروال يتغلغل إلى باطن ما قرب بل يتناول الظواهر ويقصر عن 

وإنما حظه الديني منه أمران

أحدهما أن يعلم أنه خلق له البصر لينظر إلى اآليات وإلى عجائب الملكوت والسموات فال 

يكون نظرة إال عبرة قيل لعيسى عليه السالم هل أحد من الخلق مثلك فقال من كان نظره 

عبرة وصمته فكرة وكالمه ذكرا فهو مثلي

 أنه بمرأى من اهللا عز وجل ومسمع فال يستهين بنظرهوالثاني أن يعلم

Page 70: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

70      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

إليه واطالعه عليه ومن أخفى عن غير اهللا ما ال يخفيه عن اهللا فقد استهان بنظر اهللا عز 

وجل والمراقبة إحدى ثمرات اإليمان بهذه الصفة فمن قارف معصية وهو يعلم أن اهللا عز 

هللا تعالى ال يراه فما أظلمه وأكفرهوجل يراه فما أجسره وما أخسره ومن ظن أن ا

الحكم

وهو الحاكم المحكم والقاضي المسلم الذي ال راد لحكمه وال معقب لقضائه ومن حكمه 

في حق العباد أن ليس لإلنسان إال ما سعى وأن سعيه سوف يرى وأن األبرار لفي نعيم 

أنه جعل البر والفجور وأن الفجار لفي جحيم ومعنى حكمه للبر والفاجر بالسعادة والشقاوة 

سببا يسوق صاحبهما إلى السعادة والشقاوة كما جعل األدوية والسموم أسباب تسوق 

متناوليها إلى الشقاء والهالك

وإذا كان معنى الحكمة ترتيب األسباب وتوجيهها إلى المسببات كان المتصف بها على 

اإلطالق حكما مطلقا ألنه مسبب كل األسباب جملتها وتفصيلها

ومن الحكم ينشعب القضاء والقدر فتدبيره أصل وضع األسباب ليتوجه إلى المسببات حكمه 

ونصبه األسباب الكلية األصلية الثابتة المستقرة التي ال تزول وال تحول كاألرض والسموات 

السبع والكواكب واألفالك وحركاتها المتناسبة الدائمة التي ال تتغير وال تنعدم إلى أن يبلغ 

 أجله قضاؤه كما قال تعالى فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء الكتاب

 وتوجيه هذه األسباب بحركاتها المتناسبة المحدودة 12 سورة فصلت اآلية 41أمرها 

المقدرة المحسوبة إلى المسببات الحادثة منها لحظة بعد لحظة قدره فالحكم هو التدبير 

و كلمح البصر والقضاء هو الوضع الكلي لألسباب الكلية األول الكلي واألمر األزلي الذي ه

الدائمة والقدر هو توجيه األسباب

Page 71: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

71      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الكلية بحركتها المقدرة المحسوبة إلى مسبباتها المعدودة المحدودة بقدر معلوم ال يزيد وال 

ينقص ولذلك ال يخرج عن قضائه وقدره شيء

اعات التي بها يتعرف أوقات الصلوات وال تفهم ذلك إال بمثال ولعلك شاهدت صندوق الس

وإن لم تشاهده فجملة ذلك أنه ال بد فيه من آلة على شكل أسطوانة تحوي مقدارا من 

الماء معلوما وآلة أخرى مجوفة موضوعة فيها فوق الماء وخيط مشدود أحد طرفيه في هذه 

وفة وفيه اآللة المجوفة وطرفه اآلخر في أسفل ظرف صغير موضوع فوق األسطوانة المج

كره وتحته طاس بحيث لو سقطت الكرة وقعت في الطاس وسمع طنينها ثم يثقب أسفل 

اآللة األسطوانية ثقب بقدر معلوم ينزل الماء منه قليال قليال فإذا انخفض الماء انخفضت 

اآللة المجوفة الموضوعة على وجه الماء فامتد الخيط المشدود بها فحرك الظرف الذي فيه 

ا يقربه من االنتكاس إلى أن ينتكس فتتدحرج منه الكرة وتقع في الطاس وتطن الكره تحريك

وعند انقضاء كل ساعة تقع واحدة

وإنما يتقدر الفصل بين الوقعتين بتقدير خروج الماء وانخفاضه وذلك بتقدير سعة الثقب الذي 

يخرج منه الماء ويعرف ذلك بطريق الحساب

 بسبب تقدير سعة الثقب بقدر معلومفيكون نزل الماء بمقدار مقدر معلوم

ويكون انخفاض أعلى الماء بذلك المقدار وبه يتقدر انخفاض اآللة المجوفة وانجرار الخيط 

المشدود بها وتولد الحركة في الظرف الذي فيه الكرة وكل ذلك يتقدر بتقدر سببه ال يزيد 

وتكون الحركة األخرى وال ينقص ويمكن أن يجعل وقوع الكرة في الطاس سببا لحركة أخرى 

سببا لحركة ثالثة وهكذا إلى درجات كثيرة حتى تتولد منه حركات عجيبة مقدرة بمقادير 

محدودة

وسببها األول نزول الماء بقدر معلوم

فإذا تصورت هذه الصورة فاعلم أن واضعها يحتاج إلى ثالثة أمور

Page 72: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

72      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

من اآلالت واألسباب والحركات حتى أولها التدبير وهو الحكم بأنه ما الذي ينبغي أن يكون 

يؤدي إلى حصول ما ينبغي أن يحصل وذلك هو الحكم

والثاني إيجاد هذه اآلالت التي هي األصول وهي اآللة األسطوانية لتحوي الماء واآللة 

المجوفة لتوضع على وجه الماء والخيط المشدود به والظرف الذي فيه الكرة والطاس الذي 

هو القضاءيقع فيه الكرة وذلك 

والثالث نصب سبب يوجب حركة مقدرة محسوبة محدودة وهو ثقب أسفل اآللة ثقبا مقدر 

السعة ليحدث بنزول الماء منها حركة في الماء تؤدي إلى حركة وجه الماء بنزوله ثم إلى 

حركة اآللة المجوفة الموضوعة على وجه الماء ثم إلى حركة الخيط ثم إلى حركة الظرف 

رة ثم إلى حركة الكرة ثم إلى الصدمة بالطاس إذا وقعت فيه ثم إلى الطنين الذي فيه الك

الحاصل منها ثم إلى تنبيه الحاضرين وإسماعهم ثم إلى حركاتهم في االشتغال بالصلوات 

واألعمال عند معرفتهم انقضاء الساعة وكل ذلك يكون بقدر معلوم ومقدار مقدر بسبب تقدر 

هي حركة الماءجميعها بقدر الحركة األولى و

فإذا فهمت أن هذه اآلالت أصول ال بد منها للحركة وأن الحركة ال بد من تقدرها ليتقدر ما 

يتولد منها فكذلك فافهم حصول الحوادث المقدرة التي ال يتقدم منها شيء وال يتأخر إذا 

ل شيء جاء أجلها أي حضر سببها وكل ذلك بمقدار معلوم وأن اهللا بالغ أمره إذ جعل اهللا لك

قدرا فالسموات واألفالك والكواكب واألرض والبحر والهواء وهذه األجسام العظام في العالم 

كتلك اآلالت والسبب المحرك لألفالك والكواكب والشمس والقمر بحساب معلوم كتلك 

الثقبة الموجبة لنزول الماء بقدر معلوم وإفضاء حركة الشمس والقمر والكواكب إلى حصول 

األرض كإفضاء حركة الماء إلى حصول تلك الحركات المفضية إلى سقوط الكرة الحوادث في 

المعرفة النقضاء الساعة

Page 73: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

73      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ومثال تداعي حركات السماء إلى تغيرات األرض هو أن الشمس بحركتها إذا بلغت إلى 

المشرق واستضاء العالم وتيسر على الناس اإلبصار فيتيسر عليهم االنتشار في األشغال 

لغت المغرب تعذر عليهم ذلك فرجعوا إلى المساكن وإذا قربت من وسط السماء وإذا ب

وسمت رؤوس أهل األقاليم حمي الهواء واشتد القيظ وحصل نضج الفواكه وإذا بعدت حصل 

الشتاء واشتد البرد وإذا توسطت حصل االعتدال وظهر الربيع وأنبتت األرض وظهرت الخضرة 

ي تعرفها الغرائب التي ال تعرفهاوقس بهذه األمور المشهورات الت

واختالف هذه الفصول كلها مقدر بقدر معلوم ألنها منوطة بحركات الشمس والقمر و 

 أي حركتهما بحساب معلوم فهذا هو 5اآلية /  سورة الرحمن 55الشمس والقمر بحسبان 

 الحكم واهللا التقدير ووضع األسباب الكلية هو القضاء والتدبير األول الذي هو كلمح البصر هو

تعالى حكم عدل باعتبار هذه األمور وكما أن حركة اآللة والخيط والكرة ليست خارجة عن 

مشيئة واضع اآللة بل ذلك هو الذي أراده بوضع اآللة فكذلك كل ما يحدث في العالم من 

الحوادث شرها وخيرها نفعها وضرها غير خارج عن مشيئة اهللا عز وجل بل ذلك مراد اهللا 

119اآلية /  سورة هود 11 وألجله دبر أسبابه وهو المعني بقوله ولذلك خلقهم تعالى

وتفهيم األمور اإللهية باألمثلة العرفية عسير ولكن المقصود من األمثلة التنبيه فدع المثال 

وتنبه للغرض واحذر من التمثيل والتشبيه تنبيه

بير والقضاء والتقدير وذلك أمر قد فهمت من المثال المذكور ما إلى العبد من الحكم والتد

يسير وإنما الخطير منه ما إليه في تدبير الرياضيات

Page 74: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

74      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

والمجاهدات وتقدير السياسات التي تفضي إلى مصالح الدين والدنيا وبذلك استخلف اهللا 

عباده في األرض واستعمرهم فيها لينظر كيف يعملون

ى أن يعلم أن األمر مفروغ منه وليس وإنما الحظ الديني من مشاهدة هذا الوصف هللا تعال

باألنف وقد جف القلم بما هو كائن وأن األسباب قد توجهت إلى مسبباتها وانسياقها إليها 

في أحيانها وأجالها حتم واجب فكل ما يدخل في الوجود فإنما يدخل بالوجوب فهو واجب أن 

 مرد له فيعلم أن المقدور يوجد وإن لم يكن واجبا لذاته ولكن واجب بالقضاء األزلي الذي ال

كائن وأن الهم فضل فيكون العبد في رزقه مجمال في الطلب مطمئن النفس ساكن الجأش 

غير مضطرب القلب

فإن قلت فيلزم منه إشكاالن

أحدهما أن الهم كيف يكون فضال وهو أيضا مقدور ألنه قدر له سبب إذا جرى سببه كان 

حصول الهم واجبا

ا كان مفروغا منه ففيم العمل وقد فرغ هو عن سبب السعادة والشقاوةوالثاني أن األمر إذ

فالجواب عن األول أن قولهم المقدور كائن والهم فضل ليس معناه أنه فضل على المقدور 

خارج عنه بل أنه فضل أي لغو ال فائدة فيه فإنه ال يدفع المقدور وألن سبب الهم بما يتوقع 

ن قدر كونه فالحذر والهم ال يدفعه وهو استعجال نوع من كونه هو الجهل المحض ألن ذلك إ

األلم خوفا من وقوع األلم وإن لم يقدر كونه فال معنى للهم به فبهذين الوجهين كان الهم 

فضال

وأما العمل فجوابه قوله اعملوا فكل ميسر لما خلق له

Page 75: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

75      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الطاعة ومن قدرت ومعناه أن من قدرت له السعادة قدرت بسبب فيتيسر له أسبابها وهو 

له الشقاوة والعياذ باهللا قدرت بسبب وهو بطالته عن مباشرة أسبابها

وقد يكون سبب بطالته أن يستقر في خاطره إني إن كنت سعيدا فال أحتاج إلى العمل وإن 

كنت شقيا فال ينفعني العمل وهذا جهل فإنه ال يدري أنه إن كان سعيدا فإنما يكون سعيدا 

أسباب السعادة من العلم والعمل وإن لم يتيسر له ذلك ولم يجر عليه فهو ألنه يجري عليه 

أمارة شقاوته

ومثاله الذي يتمنى أن يكون فقيها بالغا درجة اإلمامة فيقال له اجتهد وتعلم وواظب فيقول 

إن قضى اهللا عز وجل لي في األزل باإلمامة فال أحتاج إلى الجهد وإن قضى لي بالجهل فال 

هد فيقال له إن سلط عليك هذا الخاطر فهذا يدل على أنه قضى لك بالجهل ينفعني الج

فإن من قضى له في األزل باإلمامة فإنما يقضيها بأسبابها فيجري عليه األسباب 

ويستعمله بها ويدفع عنه الخواطر التي تدعوه إلى الكسل والبطالة بل الذي ال يجتهد ال 

يتيسر له أسبابها يصدق رجاؤه في بلوغها إن ينال درجة اإلمامة قطعا والذي يجتهد و

استقام على جهده إلى آخر أمره ولم يستقبله عائق يقطع عليه الطريق فكذلك ينبغي أن 

يفهم أن السعادة ال ينالها إال من أتى اهللا بقلب سليم وسالمة القلب صفة تكتسب 

بالسعي كفقه النفس وصفة اإلمامة من غير فرق

 الحكم على درجات فمن ناظر إلى الخاتمة أنه بماذا يختم له ومن نعم العباد في مشاهدة

ناظر إلى السابقة أنه بما قضى له في األزل وهو أعلى ألن الخاتمة تبع السابقة ومن تارك 

للماضي والمستقبل هو ابن وقته فهو ناظر إليه راض بمواقع قدر اهللا عز وجل وما يظهر منه 

ال والماضي والمستقبل مستغرق القلب بالحكم مالزم وهو أعلى مما قبله ومن تارك للح

في الشهود وهذه هي الدرجة العليا

Page 76: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

76      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

العدل

معناه العادل وهو الذي يصدر منه فعل العدل المضاد للجور والظلم ولن يعرف العادل من لم 

يعرف عدله وال يعرف عدله من لم يعرف فعله فمن أراد أن يفهم هذا الوصف فينبغي أن 

لما بأفعال اهللا تعالى من ملكوت السموات إلى منتهى الثرى حتى إذا لم ير في يحيط ع

خلق الرحمن من تفاوت ثم رجع البصر فما رأى من فطور ثم رجع مرة أخرى فانقلب إليه 

البصر خاسئا وهو حسير وقد بهره جمال الحضرة الربوبية وحيره اعتدالها وانتظامها فعند 

ي عدله تعالى وتقدسذلك يعبق بفهمه شيء من معان

وقد خلق أقسام الموجودات جسمانيها وروحانيها كاملها وناقصها وأعطى كل شيء خلقه 

وهو بذلك جواد ورتبها في مواضعها الالئقة بها وهو بذلك عدل فمن األجسام العظام في 

العالم األرض والماء والهواء والسموات والكواكب وقد خلقها ورتبها فوضع األرض في أسفل 

السافلين وجعل الماء فوقها والهواء فوق الماء والسموات فوق الهواء ولو عكس هذا الترتيب 

لبطل النظام

ولعل شرح وجه استحقاق هذا الترتيب في العدل والنظام مما يصعب على أكثر األفهام 

فلننزل إلى درجة العوام ونقول لينظر اإلنسان إلى بدنه فإنه مركب من أعضاء مختلفة كما 

 العالم مركب من أجسام مختلفة فأول اختالفه أنه ركبه من العظم واللحم والجلد وجعل أن

العظم عمادا مستبطنا واللحم صوانا له مكتنفا إياه والجلد صوانا للحم فلو عكس هذا 

الترتيب وأظهر ما أبطن لبطل النظام

عين واألنف وإن خفي عليك هذا فقد خلق لإلنسان أعضاء مختلفة مثل اليد والرجل وال

واألذن فهو بخلق هذه األعضاء جواد وبوضعها مواضعها الخاصة عدل ألنه وضع العين في 

أولى المواضع بها من البدن إذ لو خلقها على القفا أو على الرجل أو على اليد أو على قمة 

الرأس لم يخف ما يتطرق إليه من

Page 77: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

77      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

بين ولو علقهما من الرأس أو من النقصان والتعرض لآلفات وكذلك علق اليدين من المنك

الحقو أو من الركبتين لم يخف ما يتولد منه من الخلل وكذلك وضع جميع الحواس في 

الرأس فإنها جواسيس لتكون مشرفة على جميع البدن فلو وضعها في الرجل اختل نظامها 

قطعا وشرح ذلك في كل عضو يطول

ضع إال ألنه متعين له ولو تيامن عنه أو وبالجملة فينبغي أن تعلم أنه لم يخلق شيء في مو

تياسر أو تسفل أو تعلى لكان ناقصا أو باطال أو قبيحا أو خارجا عن المتناسب كريها في 

المنظر وكما أن األنف خلق على وسط الوجه ولو خلق على الجبهة أو على الخد لتطرق 

نقصان إلى فوائده

 أيضا لم يخلقها في السماء الرابعة وإذا قوي فهمك على إدراك حكمته فاعلم أن الشمس

وهي واسطة السموات السبع هزال بل ما خلقها إال بالحق وما وضعها إال موضعها 

المستحق لها لحصول مقاصده منها إال أنك ربما تعجز عن درك الحكمة فيه ألنك قليل 

تستحقر التفكر في ملكوت السموات واألرض وعجائبها ولو نظرت فيها لرأيت من عجائبها ما 

فيه عجائب بدنك وكيف ال وخلق السموات واألرض أكبر من خلق الناس وليتك وفيت 

بمعرفة عجائب نفسك وتفرغت للتأمل فيها وفيما يكتنفها من األجسام فتكون ممن قال 

 ومن 53 سورة فصلت اآلية 41اهللا عز وجل فيهم سنريهم آياتنا في اآلفاق وفي أنفسهم 

 سورة 6فيهم وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات واألرض أين لك أن تكون ممن قال 

 وأنى تفتح أبواب السماء لمن استغرقه هم الدنيا واستعبده الحرص والهوى75األنعام اآلية 

فهذا هو الرمز إلى تفهيم مبدأ الطريق إلى معرفة هذا االسم الواحد وشرحه يفتقر إلى 

 األسامي المشتقة من األفعال ال مجلدات وكذا شرح معنى كل اسم من األسامي فإن

تفهم إال بعد فهم األفعال وكل ما في الوجود من أفعال اهللا تعالى

Page 78: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

78      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ومن لم يحط علما بتفاصيلها وال بجملتها فال يكون معه منها إال محض التفسير واللغة وال 

 وبقدر مطمع في العلم بتفصيلها فإنه ال نهاية له وأما الجملة فللعبد طريق إلى معرفتها

اتساع معرفته فيها يكون حظه من معرفة األسماء وذلك يستغرق العلوم كلها وإنما غاية 

مثل هذا الكتاب اإليماء إلى مفاتحها ومعاقد جملها فقط تنبيه

حظ العبد من العدل ال يخفى فأول ما عليه من العدل في صفات نفسه وهو أن يجعل 

لدين ومهما جعل العقل خادما للشهوة الشهوة والغضب أسيرين تحت إشارة العقل وا

والغضب فقد ظلم هذا جملة عدله في نفسه وتفصيله مراعاة حدود الشرع كلها وعدله 

في كل عضو أن يستعمله على الوجه الذي أذن الشرع فيه وأما عدله في أهله وذويه ثم 

في رعيته إن كان من أهل الوالية فال يخفى

العدل هو إيصال النفع إلى الناس وليس كذلك بل لو فتح وربما يظن أن الظلم هو اإليذاء و

الملك خزانته المشتملة على األسلحة والكتب وفنون األموال ولكن فرق األموال على 

األغنياء ووهب األسلحة للعلماء وسلم إليهم القالع ووهب الكتب لألجناد وأهل القتال 

عدل عن العدل إذ وضع كل وسلم إليهم المساجد والمدارس فقد نفع ولكنه قد ظلم و

شيء في غير موضعه الالئق به ولو آذى المرضى بسقي األدوية والفصد والحجامة 

وباإلجبار على ذلك وآذى الجناة بالعقوبة قتال وقطعا وضربا كان عدال ألنه وضعها في 

مواضعها

عليه وحظ العبد دينا من مشاهدة هذا الوصف اإليمان بأن اهللا عز وجل عدل أن ال يعترض 

في تدبيره وحكمه وسائر أفعاله وافق مراده أو لم

Page 79: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

79      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

يوافق ألن كل ذلك عدل وهو كما ينبغي وعلى ما ينبغي ولو لم يفعل ما فعله لحصل منه 

أمر آخر هو أعظم ضررا مما حصل كما أن المريض لو لم يحتجم لتضرر ضررا يزيد على ألم 

 به يقطع اإلنكار واالعتراض ظاهرا وباطنا الحجامة وبهذا يكون اهللا تعالى عدال واإليمان

وتمامه أن ال يسب الدهر وال ينسب األشياء إلى الفلك وال يعترض عليه كما جرت به العادة 

بل يعلم أن كل ذلك أسباب مسخرة وأنها رتبت ووجهت إلى المسببات أحسن ترتيب 

وتوجيه بأقصى وجوه العدل واللطف

اللطيف

يعلم دقائق المصالح وغوامضها وما دق منها وما لطف ثم إنما يستحق هذا االسم من 

يسلك في إيصالها إلى المستصلح سبيل الرفق دون العنف فإذا اجتمع الرفق في الفعل 

واللطف في اإلدراك تم معنى اللطف وال يتصور كمال ذلك في العلم والفعل إال هللا سبحانه 

فصيل ذلك بل الخفي مكشوف في علمه وتعالى فأما إحاطته بالدقائق والخفايا فال يمكن ت

كالجلي من غير فرق وأما رفقه في األفعال ولطفه فيها فال يدخل أيضا تحت الحصر إذ ال 

يعرف اللطف في الفعل إال من عرف تفاصيل أفعاله وعرف دقائق الرفق فيها وبقدر اتساع 

 ثم ال يتصور المعرفة فيها تتسع المعرفة لمعنى اسم اللطيف وشرح ذلك يستدعي تطويال

أن يفي بعشر عشيره مجلدات كثيرة وإنما يمكن التنبيه على بعض جمله

فمن لطفه خلقه الجنين في بطن أمه في ظلمات ثالث وحفظه فيها وتغذيته بواسطة 

السرة إلى أن ينفصل فيستقل بالتناول بالفم ثم إلهامه إياه عند االنفصال التقام الثدي 

 من غير تعليم ومشاهدة بل يتفقأ البيضة عن الفرخ وقد وامتصاصه ولو في ظالم الليل

ألهمه التقاط الحب في الحال ثم تأخير خلق السن عن أول الخلقة إلى وقت الحاجة 

لالستغناء في االغتذاء باللبن

Page 80: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

80      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

عن السن ثم إنباته السن بعد ذلك عند الحاجة إلى طحن الطعام ثم تقسيم األسنان إلى 

ياب للكسر وإلى ثنايا حادة األطراف للقطع ثم استعمال اللسان عريضة للطحن وإلى أن

الذي الغرض األظهر منه النطق في رد الطعام إلى المطحن كالمجرفة ولو ذكر لطفه في 

تيسير لقمة يتناولها العبد من غير كلفة يتجشمها وقد تعاون على إصالحها خلق ال يحصى 

ها ومنقيها وطاحنها وعاجنها وخابزها عددهم من مصلح األرض وزارعها وساقيها وحاصد

إلى غير ذلك لكان ال يستوفي شرحه

وعلى الجملة فهو من حيث دبر األمور حكم ومن حيث أوجدها جواد ومن حيث رتبها مصور 

ومن حيث وضع كل شيء موضعه عدل ومن حيث لم يترك فيها دقائق وجوه الرفق لطيف 

يقة هذه األفعالولن يعرف حقيقة هذه األسماء من لم يعرف حق

ومن لطفه بعباده أنه أعطاهم فوق الكفاية وكلفهم دون الطاقة ومن لطفه أنه يسر لهم 

الوصول إلى سعادة األبد بسعي خفيف في مدة قصيرة وهي العمر فإنه ال نسبة لها 

باإلضافة إلى األبد ومن لطفه إخراج اللبن الصافي من بين الفرث والدم وإخراج الجواهر 

من األحجار الصلبة وإخراج العسل من النحل واإلبريسم من الدود والدر من النفيسة 

الصدف وأعجب من ذلك خلقه من النطفة القذرة مستودعا لمعرفته وحامال ألمانته 

ومشاهدا لملكوت سمواته وهذا أيضا ال يمكن إحصاؤه تنبيه

دعوة إلى اهللا تعالى حظ العبد من هذا الوصف الرفق بعباد اهللا عز وجل والتلطف بهم في ال

والهداية إلى سعادة اآلخرة من غير إزراء وعنف ومن

Page 81: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

81      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

غير تعصب وخصام وأحسن وجوه اللطف فيه الجذب إلى قبول الحق بالشمائل والسيرة 

المرضية واألعمال الصالحة فإنها أوقع وألطف من األلفاظ المزينة

الخبير

ري في الملك والملكوت شيء وال تتحرك ذرة هو الذي ال تعزب عنه األخبار الباطنة فال يج

وال تسكن وال تضطرب نفس وال تطمئن إال ويكون عنده خبرها وهو بمعنى العليم ولكن 

العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سمي خبرة ويسمى صاحبها خبيرا تنبيه

يا التي حظ العبد من ذلك أن يكون خبيرا بما يجري في عالمه وعالمه قلبه وبدنه والخفا

يتصف القلب بها من الغش والخيانة والتطواف حول العاجلة وإضمار الشر وإظهار الخير 

والتجمل بإظهار اإلخالص مع اإلفالس عنه ال يعرفها إال ذو خبرة بالغة قد خبر نفسه 

ومارسها وعرف مكرها وتلبيسها وخدعها فحاذرها وتشمر لمعاداتها وأخذ الحذر منها فذلك 

ير بأن يسمى خبيرامن العباد جد

الحليم

هو الذي يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة األمر ثم ال يستفزه غضب وال يعتريه غيظ وال 

يحمله على المسارعة إلى االنتقام مع غاية االقتدار عجلة وطيش كما قال تعالى ولو 

61 سورة النحل اآلية 16يؤاخذ اهللا الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة 

Page 82: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

82      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

تنبيه

حظ العبد من وصف الحليم ظاهر فالحلم من محاسن خصال العباد وذلك مستغن عن 

الشرح واإلطناب

العظيم

اعلم أن اسم العظيم في أول الوضع إنما أطلق على األجسام يقال هذا جسم عظيم وهذا 

الجسم أعظم من ذلك الجسم إذا كان امتداد مساحته في الطول والعرض والعمق أكثر 

هو ينقسم إلى عظيم يمأل العين ويأخذ منها مأخذا وإلى ما ال يتصور أن يحيط البصر منه ثم 

بجميع أطرافه كاألرض والسماء فإن الفيل عظيم ولكن البصر قد يحيط بأطرافه فهو عظيم 

باإلضافة إلى ما دونه وأما األرض فال يتصور أن يحيط البصر بأطرافها وكذا السماء فذلك هو 

ي مدركات البصرالعظيم المطلق ف

فافهم أن في مدركات البصائر أيضا تفاوتا فمنها ما تحيط العقول بكنه حقيقته ومنها ما تقصر 

العقول عنه وما تقصر العقول عنه ينقسم إلى ما يتصور أن يحيط به بعض العقول وإن قصر 

لمطلق عنه أكثرها وإلى ما ال يتصور أن يحيط العقل أصال بكنه حقيقته وذلك هو العظيم ا

الذي جاوز جميع حدود العقول حتى ال تتصور اإلحاطة بكنهه وذلك هو اهللا تعالى وقد سبق 

بيان ذلك في الفن األول تنبيه

العظيم من العباد األنبياء والعلماء الذين إذا عرف العاقل شيئا من صفاتهم امتأل بالهيبة 

صدره وصار مستوفى بالهيبة قلبه حتى ال يبقى فيه متسع

Page 83: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

83      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

فالنبي عظيم في حق أمته والشيخ في حق مريده واألستاذ في حق تلميذه إذ يقصر 

عقله عن اإلحاطة بكنه صفاته فإن ساواه أو جاوزه لم يكن عظيما باإلضافة إليه وكل عظيم 

يفرض غير اهللا عز وجل فهو ناقص وليس بعظيم مطلق ألنه إنما يظهر باإلضافة إلى شيء 

عالى فإنه العظيم المطلق ال بطريق اإلضافةدون شيء سوى عظمة اهللا ت

الغفور

بمعنى الغفار ولكنه بشيء ينبئ عن نوع مبالغة ال ينبئ عنها الغفار فإن الغفار مبالغة في 

المغفرة باإلضافة إلى مغفرة متكررة مرة بعد أخرى فالفعال ينبئ عن كثرة الفعل والفعول 

 أنه تام المغفرة والغفران كاملها حتى ينبئ عن جودته وكماله وشموله فهو غفور بمعنى

يبلغ أقصى درجات المغفرة والكالم عليه قد سبق

الشكور

هو الذي يجازي بيسير الطاعات كثير الدرجات ويعطي بالعمل في أيام معدودة نعيما في 

اآلخرة غير محدود ومن جازى الحسنة بأضعافها يقال إنه شكر تلك الحسنة ومن أثنى 

 يقال إنه شكر فإن نظرت إلى معنى الزيادة في المجازاة لم يكن على المحسن أيضا

الشكور المطلق إال اهللا عز وجل ألن زياداته في المجازاة غير محصورة وال محدودة فإن نعيم 

الجنة ال آخر له واهللا سبحانه وتعالى يقول كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في األيام الخالية 

 وإن نظرت إلى معنى الثناء فثناء كل مثن على فعل غيره والرب 24 سورة الحاقة اآلية 69

عز وجل إذا أثنى على أعمال عباده فقد أثنى على فعل نفسه ألن أعمالهم من خلقه فإن 

كان الذي أعطى فأثنى شكورا فالذي

Page 84: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

84      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

أعطى وأثنى على المعطي أحق بأن يكون شكورا وثناء اهللا تعالى على عباده كقوله 

 38 وكقوله نعم العبد إنه أواب 35 سورة األحزاب اآلية 33 اهللا كثيرا والذاكرات والذاكرين

 وما يجري مجراه فكل ذلك عطية منه تنبيه30سورة ص اآلية 

العبد يتصور أن يكون شاكرا في حق عبد آخر مرة بالثناء عليه بإحسانه إليه وأخرى 

ة قال رسول اهللا من لم يشكر بمجازاته بأكثر مما صنعه إليه وذلك من الخصال الحميد

الناس لم يشكر اهللا وأما شكره هللا عز وجل فال يكون إال بنوع من المجاز والتوسع فإنه إن 

أثنى فثناؤه قاصر ألنه ال يحصي ثناء عليه وإن أطاع فطاعته نعمة أخرى من اهللا عليه بل 

نعم اهللا عز وجل عين شكره نعمة أخرى وراء النعمة المشكورة وإنما أحسن وجوه الشكر ل

أن ال يستعملها في معاصيه بل في طاعته وذلك أيضا بتوفيق اهللا وتيسيره في كون العبد 

شاكرا لربه

وتصور ذلك كالم دقيق ذكرناه في كتاب الشكر من كتاب إحياء علوم الدين فليطلب منه فإن 

هذا الكتاب ال يحتمله

العلي

نحطة عنه وذلك ألن العلي مشتق من العلو هو الذي ال رتبة فوق رتبته وجميع المراتب م

والعلو مأخوذ من العلو المقابل للسفل وذلك إما في

Page 85: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

85      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

درجات محسوسة كالدرج والمراقي وجميع األجسام الموضوعة بعضها فوق بعض وإما في 

الرتب المعقولة للموجودات المرتبة نوعا من الترتيب العقلي فكل ما له الفوقية في المكان 

لو المكاني وكل ما له الفوقية في الرتبة فله العلو في الرتبة والتدريجات العقلية فله الع

مفهومة كالتدريجات الحسية ومثال الدرجات العقلية هو التفاوت الذي بين السبب 

والمسبب والعلة والمعلول والفاعل والقابل والكامل والناقص فإذا قدرت شيئا فهو سبب 

ثالث والثالث لرابع إلى عشر درجات مثال فالعاشر واقع في لشيء ثان وذلك الثاني سبب ل

الرتبة األخيرة فهو األسفل األدنى واألول واقع في الدرجة األولى من السببية فهو األعلى 

ويكون األول فوق الثاني فوقية بالمعنى ال بالمكان والعلو عبارة عن الفوقية

ات ال يمكن قسمتها إلى درجات فإذا فهمت معنى التدريج العقلي فاعلم أن الموجود

متفاوتة في العقل إال ويكون الحق سبحانه وتعالى في الدرجة العليا من درجات أقسامها 

حتى ال يتصور أن يكون فوقه درجة وذلك هو العلي المطلق وكل ما سواه فيكون عليا 

باإلضافة إلى ما دونه ويكون دنيا أو سافال باإلضافة إلى ما فوقه

العقل أن الموجودات تنقسم إلى ما هو سبب وإلى ما هو مسبب والسبب ومثال قسمة 

فوق المسبب فوقية بالرتبة فالفوقية المطلقة ليست إال لمسبب األسباب وكذلك ينقسم 

الموجود إلى ميت وحي والحي ينقسم إلى ما ليس له إال اإلدراك الحسي وهو البهيمة 

ي والذي له اإلدراك العقلي ينقسم إلى ما وإلى ما له مع اإلدراك الحسي اإلدراك العقل

يعارضه في معلوماته الشهوة والغضب وهو اإلنسان وإلى ما يسلم إدراكه عن معارضة 

المكدرات والذي يسلم ينقسم إلى ما يمكن أن يبتلى به ولكن رزق السالمة كالمالئكة 

ي هذاوإلى ما يستحيل ذلك في حقه وهو اهللا سبحانه وتعالى وليس يخفى عليك ف

Page 86: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

86      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

التقسيم والتدريج أن الملك فوق اإلنسان واإلنسان فوق البهيمة وأن اهللا عز وجل فوق 

الكل فهو العلي المطلق فإنه الحي المحيي العالم المطلق الخالق لعلوم العلماء المنزه 

المقدس عن جميع أنواع النقص فقد وقع الميت في الدرجة السفلى من درجات الكمال 

الطرف اآلخر إال اهللا تعالى فهكذا ينبغي أن تفهم فوقيته وعلوهولم يقع في 

فإن هذه األسامي وضعت أوال باإلضافة إلى إدراك البصر وهو درجة العوام ثم لما تنبه 

الخواص إلدراك البصائر ووجدوا بينها وبين األبصار موازنات استعاروا منها األلفاظ المطلقة 

العوام الذين لم يجاوز إدراكهم عن الحواس التي هي وفهمها الخواص وأدركوها وأنكرها 

رتبة البهائم فلم يفهموا عظمة إال بالمساحة وال علوا إال بالمكان وال فوقية إال به فإذا 

فهمت هذا فقد فهمت معنى كونه فوق العرش ألن العرش أعظم األجسام وهو فوق جميع 

األجسام ومقاديرها فوق األجسام األجسام والموجود المنزه عن التحديد والتقدر بحدود 

كلها في الرتبة ولكن خص العرش بالذكر ألنه فوق جميع األجسام فلما كان فوقها كان فوق 

جميعها وهو كقول القائل الخليفة فوق السلطان تنبيها به على أنه إذا كان فوقه كان فوق 

جميع الناس الذين هم دون السلطان

ن فوق إال المكان ومع ذلك إذا سئل عن شخصين والعجب من الحشوي الذي ال يفهم م

من األكابر وقيل له كيف يجلسان في الصدر والمحافل فيقول هذا يجلس فوق ذاك وهو 

يعلم أنه ليس يجلس إال بجنبه وإنما يكون جالسا فوقه لو جلس على رأسه أو مكان مبني 

ه اشمأزت نفسه فوق رأسه ولو قيل له كذبت ما جلس فوقه وال تحته ولكنه جلس بجنب

من هذا اإلنكار وقال إنما أعني به فوقية الرتبة والقرب من الصدر فإن األقرب إلى الصدر 

الذي هو المنتهى فوق باإلضافة إلى األبعد ثم ال يفهم من هذا أن كل ترتيب له

Page 87: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

87      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

طرفان يجوز أن يطلق على أحد طرفيه اسم الفوق والعلو وعلى الطرف اآلخر ما يقابله 

هتنبي

العبد ال يتصور أن يكون عليا مطلقا إذ ال ينال درجة إال ويكون في الوجود ما هو فوقها وهو 

درجات األنبياء والمالئكة نعم يتصور أن ينال درجة ال يكون في جنس اإلنس من يفوقه وهي 

درجة نبينا محمد ولكنه قاصر باإلضافة إلى العلو المطلق من وجهين أحدهما أنه علو 

إلى بعض الموجودات واآلخر أنه علو باإلضافة إلى الوجود ال بطريق الوجوب بل باإلضافة 

يقارنه إمكان وجود إنسان فوقه فالعلي المطلق هو الذي له الفوقية ال باإلضافة وبحسب 

الوجوب ال بحسب الوجود الذي يقارنه إمكان نقيضه

الكبير

بكمال الذات كمال الوجود وكمال هو ذو الكبرياء والكبرياء عبارة عن كمال الذات وأعني 

الوجود يرجع إلى شيئين

أحدهما دوامه أزال وأبدا فكل وجود مقطوع بعدم سابق أو الحق فهو ناقص ولذلك يقال 

لإلنسان إذا طالت مدة وجوده إنه كبير أي كبير السن طويل مدة البقاء وال يقال عظيم 

ن كان ما طال مدة وجوده مع كونه السن فالكبير يستعمل فيما ال يستعمل فيه العظيم فإ

محدود مدة البقاء كبيرا فالدائم األزلي األبدي الذي يستحيل عليه العدم أولى أن يكون 

كبيرا

والثاني أن وجوده هو الوجود الذي يصدر عنه وجود كل موجود فإن

Page 88: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

88      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ت كان الذي تم وجوده في نفسه كامال وكبيرا فالذي حصل منه الوجود لجميع الموجودا

أولى أن يكون كامال وكبيرا تنبيه

الكبير من العباد هو الكامل الذي ال تقتصر عليه صفات كماله بل تسري إلى غيره فال 

يجالسه أحد إال ويفيض عليه شيئا من كماله وكمال العبد في عقله وورعه وعلمه فالكبير 

 من أنواره وعلومه من عباده هو العالم التقي المرشد للخلق الصالح ألن يكون قدوة يقتبس

ولذلك قال عيسى عليه السالم من علم وعمل فذلك يدعى عظيما في ملكوت السماء

الحفيظ

هو الحافظ جدا ولن يفهم ذلك إال بعد فهم معنى الحفظ وهو على وجهين

أحدهما إدامة وجود الموجودات وإبقاؤها ويضاده اإلعدام واهللا تعالى هو الحافظ للسموات 

كة والموجودات التي يطول أمد بقائها والتي ال يطول أمد بقائها مثل واألرض والمالئ

الحيوانات والنبات وغيرهما

والوجه الثاني وهو أظهر المعنيين أن الحفظ صيانة المتعاديات والمتضادات بعضها عن بعض 

لنار وأعني بهذا التعادي ما بين الماء والنار فإنهما يتعاديان بطباعهما فإما أن يطفئ الماء ا

وإما أن تحيل النار الماء إن غلبت الماء بخارا ثم هواء والتضاد والتعادي ظاهر بين الحرارة 

والبرودة إذ تقهر إحداهما األخرى وكذلك بين الرطوبة واليبوسة وسائر األجسام األرضية 

مركبة من هذه األصول المتعادية إذ ال بد للحيوان من حرارة غريزية لو بطلت لبطلت حياته 

وال بد له من رطوبة تكون غذاء لبدنه كالدم وما يجري مجراه وال بد

Page 89: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

89      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

من يبوسة بها تتماسك أعضاؤه خصوصا ما صلب منها كالعظام وال بد من برودة تكسر 

سورة الحرارة حتى تعتدل وال تحرق وال تحلل الرطوبات الباطنة بسرعة وهذه متعاديات 

متنازعات

 المتضادات المتنازعة في إهاب اإلنسان وبدن الحيوانات وقد جمع اهللا عز وجل بين هذه

والنبات وسائر المركبات ولوال حفظه تعالى إياها لتنافرت وتباعدت وبطل امتزاجها واضمحل 

تركيبها وبطل المعنى الذي صارت مستعدة لقبوله بالتركيب والمزاج وحفظ اهللا تعالى إياها 

ثانيابتعديل قواها مرة وبإمداد المغلوب منها 

أما التعديل فهو أن يكون مبلغ قوة البارد مثل مبلغ قوة الحار فإذا اجتمعا لم يغلب أحدهما 

اآلخر بل يتدافعان إذ ليس أحدهما بأن يغلب أولى من أن يغلب فيتقاومان ويبقى قوام 

المركب بتقاومهما وتعادلهما وهو الذي يعبر عنه باعتدال المزاج

ا بما يعيد قوته حتى يقاوم الغالب ومثاله أن الحرارة تفني والثاني إمداد المغلوب منهم

الرطوبة وتجففها ال محالة فإذا غلبت ضعفت البرودة والرطوبة وغلبت الحرارة واليبوسة 

ويكون إمداد الضعيف بالجسم البارد الرطب وهو الماء ومعنى العطش هو الحاجة إلى البارد 

ا للبرودة والرطوبة إذا غلبتا وخلق األطعمة الرطب فخلق اهللا تعالى البارد الرطب مدد

واألدوية وسائر الجواهر المتضادة حتى إذا غلب شيء عورض بضده فانقهر وهذا هو اإلمداد 

وإنما تم ذلك بخلق األطعمة واألدوية وخلق اآلالت المصلحة لها وخلق المعرفة الهادية إلى 

ت والمركبات من المتضاداتاستعمالها وكل ذلك لحفظ اهللا عز وجل أبدان الحيوانا

وهذه هي األسباب التي تحفظ اإلنسان من الهالك الداخل وهو متعرض

Page 90: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

90      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

للهالك من أسباب خارجة كسباع ضارية وأعداء متنازعة فحفظه من ذلك بما خلق له من 

الجواسيس المنذرة بقرب العدو وهي طالئعه كالعين واألذن وغيرهما ثم خلق له اليد 

لحة الدافعة كالدرع والترس والقاضية كالسيف والسكين ثم ربما يعجز مع الباطشة واألس

ذلك عن الدفع فأمده بآلة الهرب وهي الرجل للحيوان الماشي والجناح للطائر وكذلك شمل 

حفظه جلت قدرته كل ذرة في ملكوت السموات واألرض حتى الحشيش الذي ينبت في 

لرطوبة وما ال يحفظ بمجرد القشر يحفظه األرض يحفظ لبابه بالقشر الصلب وطراوته با

بالشوك النابت منه ليندفع به بعض الحيوانات المتلفة له فالشوك سالح النبات كالقرون 

والمخالب واألنياب للحيوانات

بل كل قطرة من ماء فمعها ملك حافظ يحفظها عن الهواء المضاد لها فإن الماء إذا جعل في 

ب الهواء المضاد له صفة المائية عنه ولو غمست اإلصبع إناء وترك مدة استحال هواء وسل

في ماء ورفعتها ونكستها تدلت منها قطرة ماء تبقى منكسة ال تنفصل مع أن من شأنها 

الهوي إلى أسفل ولكنها لو انفصلت وهي صغيرة استولى الهواء عليها وأحالها وال تزال 

رة فتستجري على خرق الهواء تمكث متدلية حتى يجتمع إليها بقية البلل فتكبر القط

بسرعة وال يستولي الهواء على إحالتها وليس ذلك حفظا منها لنفسها عن معرفة بضعفها 

وقوة ضدها وحاجة استمدادها من بقية البلل وإنما ذلك حفظ من ملك موكل بها بواسطة 

ك معنى متمكن من ذاتها وقد ورد في الخبر أنه ال تنزل قطرة من المطر إال ومعها مل

يحفظها إلى أن تصل إلى مستقرها من األرض وذلك حق والمشاهدة الباطنة ألرباب 

البصائر قد دلت عليه وأرشدت إليه فآمنوا بالخبر ال عن تقليد بل عن بصيرة

والكالم أيضا في شرح حفظ اهللا تعالى السموات واألرض وما بينهما طويل

Page 91: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

91      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

 بمعرفة االشتقاق في اللغة وتوهم معنى كما في سائر األفعال وبه يعرف هذا االسم ال

الحفظ على اإلجمال تنبيه

الحفيظ من العباد من يحفظ جوارحه وقلبه ويحفظ دينه عن سطوة الغضب وخالبة الشهوة 

وخداع النفس وغرور الشيطان فإنه على شفا جرف هار وقد اكتنفته هذه المهلكات 

المفضية إلى البوار

المقيت

موصلها إلى األبدان وهي األطعمة وإلى القلوب وهي المعرفة فيكون معناه خالق األقوات و

بمعنى الرزاق إال أنه أخص منه إذ الرزق يتناول القوت وغير القوت والقوت ما يكتفى به في 

قوام البدن

وإما أن يكون معناه المستولي على الشيء القادر عليه واالستيالء يتم بالقدرة والعلم 

 أي مطلعا 85 سورة النساء اآلية 4ل وكان اهللا على كل شيء مقيتا وعليه يدل قوله عز وج

قادرا فيكون معناه راجعا إلى القدرة والعلم أما العلم فقد سبق وأما القدرة فستأتي ويكون 

بهذا المعنى وصفه بالمقيت أتم من وصفه بالقادر وحده وبالعالم وحده ألنه دال على 

سم عن الترادفاجتماع المعنيين وبذلك يخرج هذا اال

الحسيب

هو الكافي وهو الذي من كان له كان حسبه واهللا سبحانه

Page 92: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

92      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

وتعالى حسيب كل أحد وكافيه وهذا وصف ال تتصور حقيقته لغيره فإن الكفاية إنما يحتاج 

إليها المكفي لوجوده ولدوام وجوده ولكمال وجوده وليس في الوجود شيء هو وحده كاف 

فإنه وحده كاف لكل شيء ال لبعض األشياء أي هو وحده كاف لشيء إال اهللا عز وجل 

ليحصل به وجود األشياء ويدوم به وجودها ويكمل به وجودها

وال تظنن أنك إذا احتجت إلى طعام وشراب وأرض وسماء وشمس وغير ذلك فقد احتجت 

ء إلى غيره ولم يكن هو حسبك فإنه هو الذي كفاك بخلق الطعام والشراب واألرض والسما

فهو حسبك وال تظنن أن الطفل الذي يحتاج إلى أم ترضعه وتتعهده فليس اهللا حسيبه 

وكافيه بل اهللا عز وجل حسيبه وكافيه إذ خلق أمه وخلق اللبن في ثديها وخلق له الهداية 

إلى التقامه وخلق الشفقة والمودة في قلب األم حتى مكنته من االلتقام ودعته إليه 

 إنما حصلت بهذه األسباب واهللا تعالى وحده هو المتفرد بخلقها وحملته عليه فالكفاية

ألجله ولو قيل لك إن األم وحدها كافية للطفل وهي حسبه لصدقت به ولم تقل إنها ال 

تكفيه ألنه يحتاج إلى اللبن فمن أين تكفيه األم إذا لم يكن لبن ولكنك تقول نعم يحتاج إلى 

 محتاجا إلى غير األم فاعلم أن اللبن ليس من األم بل اللبن ولكن اللبن أيضا من األم فليس

هو واألم من اهللا سبحانه وتعالى ومن فضله وجوده فهو وحده حسب كل أحد وليس في 

الوجود شيء وحده هو حسب شيء سواه بل األشياء يتعلق بعضها ببعض وكلها تتعلق 

بقدرة اهللا سبحانه وتعالى تنبيه

إال بنوع من المجاز بعيد وباإلضافة إلى بادئ الرأي ليس للعبد مدخل في هذا الوصف 

وسابق الظن العامي أما كونه مجازا فهو أنه إن كان كافيا لطفله

Page 93: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

93      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

في القيام بتعهده أو لتلميذه في تعليمه حتى لم يفتقر إلى االستعانة بغيره كان واسطة 

ال قوام له بنفسه وال في الكفاية ولم يكن كافيا ألن اهللا سبحانه وتعالى هو الكافي إذ 

كفاية له بنفسه فكيف يكون هو كفاية غيره

وأما كونه باإلضافة إلى سابق الظن هو أنه وإن قدر أنه مستقل بالكفاية وليس بواسطة 

فهو وحده ال يكفي إذ يحتاج إلى محل قابل لفعله وكفايته وهذا أقل األمور فالقلب الذي هو 

 كافيا في التعليم والمعدة التي هي مستقر الطعام ال محل العلم ال بد منه أوال ليكون هو

بد منها لتكون كافية بإيصال الطعام إلى بدنه وهذا مع ما يحتاج إليه من أمور كثيرة ال 

يحصيها وال يدخل شيء منها في اختياره فأقل درجات الفعل حاجته إلى فاعل وقابل 

 اهللا عز وجل ألنه خالق الفعل فالفاعل ال يكفي دون القابل أصال وإنما صح هذا في حق

وخالق المحل القابل وخالق شرائط قبوله وما يكتنفه ولكن بادئ الرأي ربما يسبق إلى 

الفاعل وال يخطر بالبال غيره فيظن أن الفاعل حسبه وحده وليس كذلك

نعم الحظ الذي منه للعبد أن يكون اهللا وحده حسبه باإلضافة إلى همته وإرادته وهو أنه ال 

يد إال اهللا عز وجل فال يريد الجنة وال يشغل قلبه بالنار ليحذر منها بل يكون مستغرق الهم ير

باهللا تعالى وحده وإذا كاشفه بجالله قال ذلك حسبي فلست أريد غيره وال أبالي فاتني 

غيره أم لم يفت

الجليل

لغنى والقدرة هو الموصوف بنعوت الجالل ونعوت الجالل هي العز والملك والتقدس والعلم وا

وغيرها من الصفات التي ذكرناها فالجامع لجميعها هو الجليل المطلق والموصوف ببعضها 

جاللته بقدر ما نال من هذه النعوت فالجليل المطلق هو اهللا عز وجل فقط فكأن الكبير يرجع 

إلى كمال الذات

Page 94: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

94      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

جميعا منسوبا إلى والجليل إلى كمال الصفات والعظيم يرجع إلى كمال الذات والصفات 

إدراك البصيرة إذا كان بحيث يستغرق البصيرة وال تستغرقه البصيرة

ثم صفات الجالل إذا نسبت إلى البصيرة المدركة لها سميت جماال وسمي المتصف به 

جميال واسم الجميل في األصل وضع للصورة الظاهرة المدركة بالبصر مهما كانت بحيث 

إلى الصورة الباطنة التي تدرك بالبصائر حتى يقال سيرة حسنة تالئم البصر وتوافقه ثم نقل 

جميلة ويقال خلق جميل وذلك يدرك بالبصائر ال باألبصار والصورة الباطنة إذا كانت كاملة 

متناسبة جامعة جميع كماالتها الالئقة بها كما ينبغي وعلى ما ينبغي فهي جميلة 

مالئمة لها مالءمة يدرك صاحبها عند مطالعتها باإلضافة إلى البصيرة الباطنة المدركة لها و

من اللذة والبهجة واالهتزاز أكثر مما يدركه الناظر بالبصر الظاهر إلى الصورة الجميلة 

فالجميل الحق المطلق هو اهللا سبحانه وتعالى فقط ألن كل ما في العالم من جمال وكمال 

وجود موجود له الكمال المطلق وبهاء وحسن فهو من أنوار ذاته وآثار صفاته وليس في ال

الذي ال مثنوية فيه ال وجوبا وال إمكانا سواه ولذلك يدرك عارفه والناظر إلى جماله من 

البهجة والسرور واللذة والغبطة ما يستحقر معه نعيم الجنة وجمال الصورة المبصرة بل ال 

 بالبصائرمناسبة بين جمال الصورة الظاهرة وبين جمال المعاني الباطنة المدركة

وهذا المعنى كشفنا عنه الغطاء في كتاب المحبة من كتب إحياء علوم الدين

فإذا ثبت أنه جليل وجميل فكل جميل فهو محبوب ومعشوق عند مدرك جماله فلذلك كان 

اهللا عز وجل محبوبا ولكن عند العارفين كما تكون الصورة الجميلة الظاهرة محبوبة ولكن عند 

عميانالمبصرين ال عند ال

Page 95: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

95      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

تنبيه

الجليل الجميل من العباد من حسنت صفاته الباطنة التي تستلذها القلوب البصيرة فأما 

جمال الظاهر فنازل القدر

الكريم

هو الذي إذا قدر عفا وإذا وعد وفى وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء وال يبالي كم أعطى 

في عاتب وما استقصى وال يضيع ولمن أعطى وإن رفعت حاجة إلى غيره ال يرضى وإذا ج

من الذ به والتجأ ويغنيه عن الوسائل والشفعاء فمن اجتمع له جميع ذلك ال بالتكلف فهو 

الكريم المطلق وذلك هللا سبحانه وتعالى فقط تنبيه

هذه الخصال قد يتجمل العبد في اكتسابها ولكن في بعض األمور ومع نوع من التكلف 

نه ناقص باإلضافة إلى الكريم المطلق وكيف ال يوصف به العبد فلذلك قد يوصف بالكريم ولك

وقد قال رسول اهللا ال تقولوا للعنب الكرم فإن الكرم هو الرجل المسلم وقيل إنما وصف 

شجرة العنب بالكرم ألنه لطيف الشجرة طيب الثمرة سهل القطاف قريب المتناول سليم 

عن الشوك واألسباب المؤذية بخالف النخل

بالرقي

هو العليم الحفيظ فمن راعى الشيء حتى لم يغفل عنه والحظه مالحظة دائمة الزمة 

لزوما لو عرفه الممنوع عنه لما أقدم عليه سمي رقيبا فكأنه

Page 96: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

96      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

يرجع إلى العلم والحفظ ولكن باعتبار كونه الزما دائما باإلضافة إلى ممنوع عنه محروس 

عن المتناول تنبيه

نما يحمد إذا كانت مراقبته لربه وقلبه وذلك بأن يعلم أن اهللا تعالى وصف المراقبة للعبد إ

رقيبه وشاهده في كل حال ويعلم أن نفسه عدو له وأن الشيطان عدو له وأنهما ينتهزان 

منه الفرص حتى يحمالنه على الغفلة والمخالفة فيأخذ منهما حذره بأن يالحظ مكانهما 

عليهما المنافذ والمجاري فهذه مراقبتهوتلبيسهما ومواضع انبعاثهما حتى يسد 

المجيب

هو الذي يقال مسألة السائلين باإلسعاف ودعاء الداعين باإلجابة وضرورة المضطرين 

بالكفاية بل ينعم قبل النداء ويتفضل قبل الدعاء وليس ذلك إال هللا عز وعال فإنه يعلم حاجة 

 كفاية الحاجات بخلق األطعمة المحتاجين قبل سؤالهم وقد علمها في األزل فدبر أسباب

واألقوات وتيسير األسباب واآلالت الموصلة إلى جميع المهمات تنبيه

العبد ينبغي أن يكون مجيبا أوال لربه تعالى فيما أمره ونهاه وفيما ندبه إليه ودعاه ثم لعباده 

ر عليه فيما أنعم اهللا عز وجل عليه باالقتدار عليه وفي إسعاف كل سائل بما يسأله إن قد

 سورة الضحى 93وفي لطف الجواب إن عجز عنه قال اهللا عز وجل وأما السائل فال تنهر 

اآلية

Page 97: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

97      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

وقال رسول اهللا لو دعيت إلى كراع ألجبت ولو أهدي إلي ذراع لقبلت وكان حضوره  - 10

الدعوات وقبوله الهدايا غاية اإلكرام واإليجاب منه فكم من خسيس متكبر يترفع عن قبول 

 هدية وال يتبذل في حضور كل دعوة بل يصون جاهه وكبره وال يبالي بقلب السائل كل

المستدعي وإن تأذى بسببه فال حظ لمثله في معنى هذا االسم

الواسع

مشتق من السعة والسعة تضاف مرة إلى العلم إذا اتسع وأحاط بالمعلومات الكثيرة 

على أي شيء نزل فالواسع وتضاف أخرى إلى اإلحسان وبسط النعم وكيف ما قدر و

المطلق هو اهللا سبحانه وتعالى ألنه إن نظر إلى علمه فال ساحل لبحر معلوماته بل تنفد 

البحار لو كانت مدادا لكلماته وإن نظر إلى إحسانه ونعمه فال نهاية لمقدوراته وكل سعة 

 وإن عظمت فتنتهي إلى طرف والذي ال ينتهي إلى طرف فهو أحق باسم السعة واهللا

سبحانه وتعالى هو الواسع المطلق ألن كل واسع باإلضافة إلى ما هو أوسع منه ضيق 

وكل سعة تنتهي إلى طرف فالزيادة عليه متصورة وما ال نهاية له وال طرف فال يتصور عليه 

زيادة تنبيه

سعة العبد في معارفه وأخالقه فإن كثرت علومه فهو واسع بقدر سعة علمه وإن اتسعت 

ى لم يضيقها خوف الفقر وغيظ الحسد وغلبة الحرص وسائر الصفات فهو واسع أخالقه حت

وكل ذلك فهو إلى نهاية وإنما الواسع الحق هو اهللا تعالى

Page 98: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

98      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الحكيم

ذو الحكمة والحكمة عبارة عن معرفة أفضل األشياء بأفضل العلوم وأجل األشياء هو اهللا 

فهو الحكيم الحق ألنه يعلم أجل األشياء سبحانه وقد سبق أنه ال يعرف كنه معرفته غيره 

بأجل العلوم إذ أجل العلوم هو العلم األزلي الدائم الذي ال يتصور زواله المطابق للمعلوم 

مطابقة ال يتطرق إليه خفاء وال شبهة وال يتصف بذلك إال علم اهللا سبحانه وتعالى وقد يقال 

م وكمال ذلك أيضا ليس إال هللا لمن يحسن دقائق الصناعات ويحكمها ويتقن صنعتها حكي

تعالى فهو الحكيم الحق تنبيه

من عرف جميع األشياء ولم يعرف اهللا عز وجل لم يستحق أن يسمى حكيما ألنه لم يعرف 

أجل األشياء وأفضلها والحكمة أجل العلوم وجاللة العلم بقدر جاللة المعلوم وال أجل من اهللا 

وإن كان ضعيف الفطنة في سائر العلوم الرسمية عز وجل ومن عرف اهللا تعالى فهو حكيم 

كليل اللسان قاصر البيان فيها إال أن نسبة حكمة العبد إلى حكمة اهللا تعالى كنسبة 

معرفته به إلى معرفته بذاته وشتان بين المعرفتين فشتان بين الحكمتين ولكنه مع بعده 

وتي خيرا كثيراعنه فهو أنفس المعارف وأكثرها خيرا ومن أوتي الحكمة فقد أ

نعم من عرف اهللا كان كالمه مخالفا لكالم غيره فإنه قلما يتعرض للجزئيات بل يكون كالمه 

كليا وال يتعرض لمصالح العاجلة بل يتعرض لما ينفع في العاقبة ولما كان ذلك أظهر عند 

الناس من أحوال الحكيم من معرفته باهللا عز وجل ربما أطلق الناس اسم الحكمة على 

ثل تلك الكلمات الكليةم

ويقال للناطق بها حكيم

Page 99: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

99      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

وذلك مثل قول سيد البشر صالة الرحمن وسالمه عليه رأس الحكمة مخافة اهللا وقوله 

الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على اهللا 

هى وقوله من أصبح معافى في وقوله عليه الصالة والسالم ما قل وكفى خيرا مما كثر وأل

بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها وقوله عليه أفضل 

الصالة كن ورعا تكن أعبد الناس وكن قنعا تكن أشكر الناس وقوله البالء موكل بالمنطق 

وله الصمت وقوله من حسن إسالم المرء تركه ما ال يعنيه وقوله السعيد من وعظ بغيره وق

حكمة وقليل فاعله وقوله القناعة مال ال ينفد وقوله الصبر نصف اإليمان واليقين اإليمان كله 

فهذه

Page 100: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

100      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الكلمات وأمثالها تسمى حكمة وصاحبها يسمى حكيما

الودود

هو الذي يحب الخير لجميع الخلق فيحسن إليهم ويثني عليهم وهو قريب من معنى 

لى مرحوم والمرحوم هو المحتاج والمضطر وأفعال الرحيم الرحيم لكن الرحمة إضافة إ

تستدعي مرحوما ضعيفا وأفعال الودود ال تستدعي ذلك بل اإلنعام على سبيل االبتداء من 

نتائج الود وكما أن معنى رحمته سبحانه وتعالى إرادته الخير للمرحوم وكفايته له وهو منزه 

النعمة وإحسانه وإنعامه وهو منزه عن ميل عن رقة الرحمة فكذلك وده إرادته الكرامة و

المودة والرحمة لكن المودة والرحمة ال تراد في حق المرحوم والمودود إال لثمرتهما 

وفائدتهما ال للرقة والميل فالفائدة هي لباب الرحمة والمودة وروحهما وذلك هو المتصور 

في اإلفادة تنبيهفي حق اهللا سبحانه وتعالى دون ما هو مقارن لهما وغير مشروط 

الودود من عباد اهللا من يريد لخلق اهللا كل ما يريده لنفسه وأعلى من ذلك من يؤثرهم 

على نفسه كمن قال منهم أريد أن أكون جسرا على النار يعبر علي الخلق وال يتأذون بها 

 وكمال ذلك أن ال يمنعه عن اإليثار واإلحسان الغضب والحقد وما ناله من األذى كما قال

رسول اهللا حيث كسرت رباعيته وأدمي وجهه وضرب اللهم اغفر لقومي فإنهم ال يعلمون 

فلم يمنعه سوء صنيعهم عن إرادته الخير لهم وكما أمر عليا رضي اهللا عنه حيث

Page 101: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

101      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

قال إن أردت أن تسبق المقربين فصل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك

المجيد

ه الجزيل عطاؤه ونوله فكأن شرف الذات إذا قارنه حسن هو الشريف ذاته الجميل أفعال

الفعال سمي مجدا وهو الماجد أيضا ولكن أحدهما أدل على المبالغة وكأنه يجمع معاني 

اسم الجليل والوهاب والكريم وقد سبق الكالم فيها

الباعث

 هو هو الذي يحيي الخلق يوم النشور ويبعث من في القبور ويحصل ما في الصدور والبعث

النشأة اآلخرة ومعرفة هذا االسم موقوفة على معرفة حقيقة البعث وذلك من أغمض 

المعارف وأكثر الخلق منه على توهمات مجملة وتخيالت مبهمة وغايتهم فيه تخيلهم أن 

الموت عدم والبعث إيجاد مبتدأ بعد عدم مثل اإليجاد األول فظنهم أن الموت عدم غلط 

مثل اإليجاد األول غلطوظنهم أن اإليجاد الثاني 

فأما ظنهم أن الموت عدم فهو باطل بل القبر إما حفرة من حفر النيران أو روضة من رياض 

الجنة والميت إما من السعداء وأولئك ليسوا أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما 

م أيضا أحياء  وإما من األشقياء وه170 و 169 سورة آل عمران اآلية 3آتاهم اهللا من فضله 

ولذلك ناداهم رسول اهللا في وقعة بدر وقال إني وجدت ما وعدني ربي

Page 102: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

102      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ثم لما قيل له كيف تنادي قوما قد جيفوا قال ما أنتم 

بأسمع لما أقول منهم لكنهم ال يقدرون أن يجيبوا والمشاهدة الباطنة دلت أرباب البصائر 

 خلق لألبد وأنه ال سبيل عليه للعدم نعم تارة يقطع تصرفه عن الجسد على أن اإلنسان

فيقال مات وتارة يعاد إليه فيقال أحيي وبعث أي أحيي جسده وكشف ذلك بالحقيقة مما ال 

يحتمله هذا الكتاب

وأما ظنهم أن البعث ليس إيجادا ثانيا وهو مثل اإليجاد األول فغير صحيح بل البعث إنشاء 

ب اإلنشاء األول أصال ولإلنسان نشآت كثيرة وليست هي نشأتين فقط ولذلك آخر ال يناس

 ولذلك قال بعد خلق المضغة 61 سورة الواقعة اآلية 56قال تعالى وننشئكم فيما ال تعلمون 

 سورة المؤمنين اآلية 23والعلقة وغير ذلك ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك اهللا أحسن الخالقين 

 التراب والعلقة نشأة من النطفة والمضغة نشأة من العلقة والروح  بل النطفة نشأة من14

نشأة من المضغة ولشرف نشأة الروح وجاللته وكونه أمرا ربانيا قال عند ذلك ثم أنشأناه 

 وقال تعالى ويسألونك 14 سورة المؤمنون اآلية 23خلقا آخر فتبارك اهللا أحسن الخالقين 

 ثم خلق اإلدراكات الحسية بعد 85ورة اإلسراء اآلية  س17عن الروح قل الروح من أمر ربي 

خلق أصل الروح نشأة أخرى ثم خلق التمييز الذي يظهر بعد سبع سنين نشأة أخرى ثم 

خلق العقل بعد خمس عشرة سنة وما يقاربها نشأة أخرى وكل نشأة طور وقد خلقكم 

ك الخاصية نشأة أخرى ثم  ثم ظهور خاصية الوالية لمن رزق تل14 سورة نوح اآلية 71أطوارا 

ظهور خاصية النبوة بعد نشأة أخرى وهي

Page 103: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

103      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

نوع من العبث واهللا سبحانه وتعالى باعث الرسل كما أنه الباعث يوم النشور

وكما أنه يعسر على ابن المهد فهم حقيقة التمييز قبل حصول التمييز ويعسر على المميز 

ئب قبل حصول العقل فكذلك يعسر فهم فهم حقيقة العقل وما ينكشف في طوره من العجا

طور الوالية والنبوة في طور العقل فإن الوالية طور كمال وراء نشأة العقل كما أن العقل طور 

كمال وراء نشأة التمييز والتمييز طور كمال وراء نشأة الحواس وكما أن من طباع الناس إنكار 

يشاهده ولم يحصل له وال يؤمن بما ما لم يبلغوه ولم ينالوه حتى إن كل واحد ينكر ما لم 

غاب عنه فمن طباعهم إنكار الوالية وعجائبها والنبوة وغرائبها بل من طباعهم إنكار النشأة 

الثانية والحياة اآلخرة ألنهم لم يبلغوها بعد ولو عرض طور العقل وعالمه وما يظهر فيه من 

يء مما لم يبلغه فقد آمن العجائب على المميز ألنكره وجحده وأحال وجوده فمن آمن بش

بالغيب وذلك هو مفتاح السعادات

وكما أن طور العقل وإدراكاته ونشأته بعيد المناسبة عن اإلدراكات التي قبله فكذلك النشأة 

اآلخرة بل أبعد فال ينبغي أن تقاس النشأة اآلخرة باألولى وهذه النشآت هي أطوار ذات 

ات الكمال حتى تقرب من الحضرة التي هي واحدة ومراقيها التي تصعد فيها إلى درج

منتهى كل كمال وتكون عند اهللا عز وجل بين رد وقبول وحجاب ووصول فإن قبل رقي إلى 

أعلى العليين وإال رد إلى أسفل السافلين والمقصود أن ال مناسبة بين النشأتين إال من 

شرح ذلك يطول حيث االسم ومن لم يعرف النشأة والبعث لم يعرف معنى اسم الباعث و

فلنتجاوزه

Page 104: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

104      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

تنبيه

حقيقة البعث ترجع إلى إحياء الموتى بإنشائهم نشأة أخرى والجهل هو الموت األكبر 

والعلم هو الحياة األشرف وقد ذكر اهللا سبحانه وتعالى العلم والجهل في كتابه العزيز 

ة أخرى وسماهما حياة وموتا ومن رقى غيره من الجهل إلى المعرفة فقد أنشأه نشأ

وأحياه حياة طيبة فإن كان للعبد مدخل في إفادة الخلق العلم ودعائهم إلى اهللا تعالى 

فذلك نوع من اإلحياء وهي رتبة األنبياء ومن يرثهم من العلماء

الشهيد

يرجع معناه إلى العليم مع خصوص إضافة فإن اهللا عز وجل عالم الغيب والشهادة والغيب 

ما ظهر وهو الذي يشاهد فإذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم عبارة عما بطن والشهادة ع

وإذا أضيف إلى الغيب واألمور الباطنة فهو الخبير وإذا أضيف إلى األمور الظاهرة فهو الشهيد 

وقد يعتبر مع هذا أن يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم وشاهد منهم والكالم في 

الخبير فال نعيدههذا االسم يقرب من الكالم في العليم و

الحق

هو في مقابلة الباطل واألشياء قد تستبان بأضدادها وكل ما يخبر عنه فإما باطل مطلقا 

وإما حق مطلقا وإما حق من وجه باطل من وجه فالممتنع بذاته هو الباطل مطلقا والواجب 

و من بذاته هو الحق مطلقا والممكن بذاته الواجب بغيره هو حق من وجه باطل من وجه فه

حيث ذاته ال وجود له فهو باطل وهو من جهة غيره مستفيد للوجود فهو من هذا الوجه 

الذي يلي مفيد الوجود موجود فهو من ذلك الوجه حق ومن جهة نفسه باطل فلذلك قال 

سورة 28تعالى كل شيء هالك إال وجهه 

Page 105: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

105      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ن كل شيء سواه أزال  وهو كذلك أزال وأبدا ليس ذلك في حال دون حال أل88القصص اآلية 

وأبدا من حيث ذاته ال يستحق الوجود ومن جهته يستحق فهو باطل بذاته حق بغيره وعند 

هذا تعرف أن الحق المطلق هو الموجود الحقيقي بذاته الذي منه يأخذ كل حق حقيقته

وقد يقال أيضا للمعقول الذي صادف به العقل الموجود حتى طابقه إنه حق فهو من حيث 

سمى موجودا ومن حيث إضافته إلى العقل الذي أدركه على ما هو عليه يسمى ذاته ي

حقا فإذا أحق الموجودات بأن يكون حقا هو اهللا تعالى وأحق المعارف بأن تكون حقا 

هيمعرفة اهللا عز وجل فإنه حق في نفسه أي مطابق للمعلوم أزال وأبدا ومطابقته لذاته ال 

 ال يكون إال ما دام ذلك الغير موجودا فإذا عدم عاد ذلك لغيره ال كالعلم بوجود غيره فإنه

االعتقاد باطال وذلك االعتقاد أيضا ال يكون حقا لذات المعتقد ألنه ليس موجودا لذاته بل هو 

موجود لغيره

وقد يطلق ذلك على األقوال فيقال قول حق وقول باطل وعلى ذلك فأحق األقوال قولك ال 

دا وأزال لذاته ال لغيرهإله إال اهللا ألنه صادق أب

فإذا يطلق الحق على الوجود في األعيان وعلى الوجود في األذهان وهو المعرفة وعلى 

الوجود الذي في اللسان وهو النطق فأحق األشياء بأن يكون حقا هو الذي يكون وجوده 

لك لذات ثابتا لذاته أزال وأبدا ومعرفته حقا أزال وأبدا والشهادة له حقا أزال وأبدا وكل ذ

الموجود الحقيقي ال لغيره تنبيه

حظ العبد من هذا االسم أن يرى نفسه باطال وال يرى غير اهللا عز

Page 106: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

106      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

وجل حقا والعبد إن كان حقا فليس حقا بنفسه بل هو حق باهللا عز وجل فإنه موجود به ال 

أحد التأويلينبذاته بل هو بذاته باطل لوال إيجاد الحق له فقد أخطأ من قال أنا الحق إال ب

أحدهما أن يعني أنه بالحق وهذا التأويل بعيد ألن اللفظ ال ينبىء عنه وألن ذلك ال يخصه بل 

كل شيء سوى الحق فهو بالحق

التأويل الثاني أن يكون مستغرقا بالحق حتى ال يكون فيه متسع لغيره وما أخذ كلية 

الشيء واستغرقه فقد يقال إنه هو كما يقول الشاعر

 نحن روحان حللنا بدنا... أهوى ومن أهوى أنا أنا من

ويعني به االستغراق

وأهل التصوف لما كان الغالب عليهم رؤية فناء أنفسهم من حيث ذاتهم كان الجاري على 

لسانهم من أسماء اهللا تعالى وفي أكثر األقوال واألحوال هو الحق ألنهم يلحظون الذات 

الحقيقية دون ما هو هالك في نفسه

ل الكالم لما كانوا أبعد في مقام االستدالل باألفعال كان الجاري على لسانهم في وأه

األكثر اسم البارئ الذي هو بمعنى الخالق

وأكثر الخلق يرون كل شيء سواه فيستشهدون عليه بما يرونه وهم المخاطبون بقوله 

ة األعراف  سور7تعالى أولم ينظروا في ملكوت السموات واألرض وما خلق اهللا من شيء 

185اآلية 

والصديقون ال يرون شيئا سواه فيستشهدون به عليه وهم المخاطبون بقوله تعالى أولم 

53 سورة فصلت اآلية 41يكف بربك أنه على كل شيء شهيد 

Page 107: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

107      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الوكيل

هو الموكول إليه األمور ولكن الموكول إليه ينقسم إلى من يوكل إليه بعض األمور وذلك 

ل إليه الكل وليس ذلك إال اهللا سبحانه وتعالى والموكول إليه ينقسم ناقص وإلى من يوك

إلى من يستحق أن يكون موكوال إليه ال بذاته ولكن بالتفويض والتوكيل وهذا ناقص ألنه 

فقير إلى التفويض والتولية وإلى من يستحق بذاته أن تكون األمور موكولة إليه والقلوب 

 جهة غيره وذلك هو الوكيل المطلق والوكيل أيضا ينقسم متوكلة عليه ال بتولية وتفويض من

إلى من يفي بما وكل إليه وفاء تاما من غير قصور وإلى من ال يفي بالجميع والوكيل 

المطلق هو الذي األمور موكولة إليه وهو ملي بالقيام بها وفي بإتمامها وذلك هو اهللا تعالى 

نى هذا االسمفقط وقد فهمت من هذا مقدار مدخل العبد في مع

القوي المتين

القوة تدل على القدرة التامة والمتانة تدل على شدة القوة واهللا سبحانه وتعالى من حيث 

إنه بالغ القدرة تامها قوي ومن حيث إنه شديدة القوة متين وذلك يرجع إلى معاني القدرة 

وسيأتي ذلك

الولي

ته ظاهر فإنه يقمع أعداء الدين هو المحب الناصر ومعنى وده ومحبته قد سبق ومعنى نصر

وينصر أولياءه قال اهللا سبحانه وتعالى اهللا ولي الذين آمنوا وقال تعالى ذلك بأن اهللا مولى 

الذين آمنوا وأن الكافرين ال مولى لهم

Page 108: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

108      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

 سورة 58 أي ال ناصر لهم وقال عز وجل كتب اهللا ألغلبن أنا ورسلي 11محمد اآلية 

ه تنبي21المجادلة اآلية 

الولي من العباد من يحب اهللا عز وجل ويحب أولياءه وينصره وينصر أولياءه ويعادي أعداءه 

ومن أعدائه النفس والشيطان فمن خذلهما ونصر أمر اهللا تعالى ووالى أولياء اهللا وعادى 

أعداءه فهو الولي من العباد

الحميد

ه أزال وبحمد عباده له أبدا هو المحمود المثنى عليه واهللا عز وجل هو الحميد بحمده لنفس

ويرجع هذا إلى صفات الجالل والعلو والكمال منسوبا إلى ذكر الذاكرين له فإن الحمد هو 

ذكر أوصاف الكمال من حيث هو كمال تنبيه

الحميد من العباد من حمدت عقائده وأخالقه وأعماله وأقواله كلها من غير مثنوية وذاك هو 

اء ومن عداهم من األولياء والعلماء وكل واحد منهم حميد محمد ومن يقرب منه من األنبي

بقدر ما يحمد من عقائده وأخالقه وأعماله وأقواله وإذا كان ال يخلو أحد عن مذمة ونقص وإن 

كثرت محامده فالحميد المطلق هو اهللا تعالى

المحصي

هو العالم ولكن إذا أضيف العلم إلى المعلومات من حيث يحصي

Page 109: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

109      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

 ويعدها ويحيط بها سمي إحصاء والمحصي المطلق هو الذي ينكشف في علمه المعلومات

حد كل معلوم وعدده ومبلغه

والعبد وإن أمكنه أن يحصي بعلمه بعض المعلومات فإنه يعجز عن حصر أكثرها فمدخله في 

هذا االسم ضعيف كمدخله في أصل العلم

المبدئ المعيد

بوقا بمثله سمي إبداء وإذا كان مسبوقا بمثله معناه الموجد لكن اإليجاد إذا لم يكن مس

سمي إعادة واهللا سبحانه وتعالى بدأ خلق الناس ثم هو الذي يعيدهم أي يحشرهم 

واألشياء كلها منه بدأت وإليه تعود وبه بدأت وبه تعود

المحيي المميت

 كان هو هذا أيضا يرجع إلى اإليجاد ولكن الموجود إذ كان هو الحياة سمي فعله إحياء وإذا

الموت سمي فعله إماتة وال خالق للموت والحياة إال اهللا سبحانه وتعالى فال مميت وال 

محيي إال اهللا عز وجل وقد سبقت اإلشارة إلى معنى الحياة في اسم الباعث فال نعيده

الحي

هو الفعال الدراك حتى إن من ال فعل له أصال وال إدراك فهو ميت وأقل درجات اإلدراك أن 

ر المدرك بنفسه فما ال يشعر بنفسه فهو الجماد والميت فالحي الكامل المطلق هو يشع

الذي يندرج جميع المدركات تحت إدراكه وجميع الموجودات تحت فعله حتى ال يشذ عن 

علمه مدرك وال عن فعله مفعول وذلك اهللا عز وجل فهو الحي المطلق وكل حي سواه

Page 110: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

110      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ذلك محصور في قلة ثم إن األحياء يتفاوتون فيه فمراتبهم فحياته بقدر إدراكه وفعله وكل 

بقدر تفاوتهم كما سبقت اإلشارة إليه في مراتب المالئكة واإلنس والبهائم

القيوم

اعلم أن األشياء تنقسم إلى ما يفتقر إلى محل كاألغراض واألوصاف فيقال فيها إنها ليست 

 قائم بنفسه كالجواهر إال أن الجوهر وإن قائمة بأنفسها وإلى ما يحتاج إلى محل فيقال إنه

قام بنفسه مستغنيا عن محل يقوم به فليس مستغنيا عن أمور ال بد منها لوجوده وتكون 

شرطا في وجوده فال يكون قائما بنفسه ألنه يحتاج في قوامه إلى وجود غيره وإن لم يحتج 

إلى محل

ه بغيره وال يشترط في دوام وجوده فإن كان في الوجود موجود يكفي ذاته بذاته وال قوام ل

وجود غيره فهو القائم بنفسه مطلقا فإن كان مع ذلك يقوم به كل موجود حتى ال يتصور 

لألشياء وجود وال دوام وجود إال به فهو القيوم ألن قوامه بذاته وقوام كل شيء به وليس 

ذلك إال اهللا سبحانه وتعالى

ه عما سوى اهللا تعالىومدخل العبد في هذا الوصف بقدر استغنائ

الواجد

هو الذي ال يعوزه شيء وهو في مقابلة الفاقد ولعل من فاته ما ال حاجة به إلى وجوده ال 

يسمى فاقدا والذي يحضره ما ال تعلق له بذاته وال بكمال ذاته ال يسمى واجدا بل الواجد 

كمالها فهو موجود من ال يعوزه شيء مما ال بد منه وكل ما ال بد منه في صفات اإللهية و

هللا سبحانه وتعالى فهو بهذا

Page 111: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

111      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

االعتبار واجد وهو الواجد المطلق ومن عداه إن كان واجدا لشيء من صفات الكمال 

وأسبابه فهو فاقد ألشياء فال يكون واجدا إال باإلضافة

الماجد

بمعنى المجيد كالعالم بمعنى العليم لكن الفعيل أكثر مبالغة وقد سبق معناه

احدالو

هو الذي ال يتجرأ وال يثنى

أما الذي ال يتجزأ فكالجوهر الواحد الذي ال ينقسم فيقال إنه واحد بمعنى أنه ال جزء له 

وكذا النقطة ال جزء لها واهللا تعالى واحد بمعنى أنه يستحيل تقدير االنقسام في ذاته

نت قابلة لالنقسام وأما الذي ال يتثنى فهو الذي ال نظير له كالشمس مثال فإنها وإن كا

بالوهم متجزئة في ذاتها ألنها من قبيل األجسام فهي ال نظير لها إال أنه يمكن أن يكون لها 

نظير فإن كان في الوجود موجود يتفرد بخصوص وجوده تفردا ال يتصور أن يشاركه غيره فيه 

أصال فهو الواحد المطلق أزال وأبدا

في أبناء جنسه نظير في خصلة من خصال الخير والعبد إنما يكون واحدا إذا لم يكن له 

وذلك باإلضافة إلى أبناء جنسه وباإلضافة إلى الوقت إذ يمكن أن يظهر في وقت آخر مثله 

وباإلضافة إلى بعض الخصال دون الجميع فال وحدة على اإلطالق إال هللا تعالى

Page 112: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

112      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الصمد

ذ ينتهي إليه منتهى السؤدد هو الذي يصمد إليه في الحوائج ويقصد إليه في الرغائب إ

ومن جعله اهللا تعالى مقصد عباده في مهمات دينهم ودنياهم وأجرى على يده ولسانه 

حوائج خلقه فقد أنعم عليه بحظ من معنى هذا الوصف لكن الصمد المطلق هو الذي يقصد 

إليه في جميع الحوائج وهو اهللا سبحانه وتعالى

القادر المقتدر

كن المقتدر أكثر مبالغة والقدرة عبارة عن المعنى الذي به يوجد معناهما ذو القدرة ل

الشيء متقدرا بتقدير اإلرادة والعلم واقعا على وفقهما والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن 

شاء لم يفعل وليس من شرطه أن يشاء ال محالة فإن اهللا قادر على إقامة القيامة اآلن ألنه 

ها ألنه لم يشأها وال يشاؤها لما جرى في سابق علمه من لو شاء أقامها فإن كان ال يقيم

تقدير أجلها ووقتها فلذلك ال يقدح في القدرة والقادر المطلق هو الذي يخترع كل موجود 

اختراعا يتفرد به ويستغني فيه عن معاونة غيره وهو اهللا تعالى

 الممكنات وال يصلح وأما العبد فله قدرة على الجملة ولكنها ناقصة إذ ال يتناول إال بعض

لالختراع بل اهللا تعالى هو المخترع لمقدورات العبد بواسطة قدرته مهما هيأ له جميع 

أسباب الوجود لمقدوره وتحت هذا غور ال يحتمل مثل هذا الكتاب كشفه

المقدم والمؤخر

 هو الذي يقرب ويبعد ومن قربه فقد قدمه ومن أبعده فقد أخره وقد قدم أنبياءه وأولياءه

بتقريبهم وهدايتهم وأخر أعداءه بإبعادهم وضرب الحجاب بينه وبينهم والملك إذا قرب 

شخصين مثال ولكن جعل أحدهما أقرب إلى نفسه يقال قدمه أي جعله قدام غيره

Page 113: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

113      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

والقدام تارة يكون في المكان وتارة يكون في الرتبة وهو مضاف ال محالة إلى متأخر عنه وال 

الغاية باإلضافة إليه يتقدم ما يتقدم ويتأخر ما يتأخر والمقصد هو اهللا بد فيه من مقصد هو 

سبحانه وتعالى والمقدم عند اهللا تعالى هو المقرب فقد قدم المالئكة ثم األنبياء ثم األولياء 

ثم العلماء وكل متأخر فهو مؤخر باإلضافة إلى ما قبله مقدم باإلضافة إلى ما بعده واهللا 

المقدم والمؤخر ألنك إذا أحلت تقدمهم وتأخرهم على توفيرهم سبحانه وتعالى هو 

وتقصيرهم وكمالهم في الصفات ونقصهم فمن الذي حملهم على التوفير بالعلم والعبادة 

بإثارة دواعيهم ومن الذي حملهم على التقصير بصرف دواعيهم إلى ضد الصراط المستقيم 

مراد هو التقديم والتأخير في الرتبة وفيه وذلك كله من اهللا تعالى فهو المقدم والمؤخر وال

إشارة إلى أنه لم يتقدم من تقدم بعلمه وعمله بل بتقديم اهللا عز وجل إياه وكذلك المتأخر 

 21وقد صرح بذلك قوله تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون 

 هداها ولكن حق القول مني  وقوله تعالى ولو شئنا آلتينا كل نفس101سورة األنبياء اآلية 

 تنبيه13 سورة السجدة اآلية 32ألمألن جهنم 

حظ العبد من صفات األفعال ظاهر فلذلك قد ال نشتغل بإعادته في كل اسم حذرا من 

التطويل إذ فيما ذكرناه تعريف لطريق الكالم

األول واآلخر

إلضافة إلى شيء وهما اعلم أن األول يكون أوال باإلضافة إلى شيء واآلخر يكون آخرا با

متناقضان فال يتصور أن يكون الشيء الواحد من وجه واحد باإلضافة إلى شيء واحد أوال 

وآخرا جميعا بل إذا نظرت إلى

Page 114: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

114      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ترتيب الوجود والحظت سلسلة الموجودات المترتبة فاهللا تعالى باإلضافة إليها أول إذ 

جود بذاته وما استفاد الوجود من غيرهالموجودات كلها استفادت الوجود منه وأما هو فمو

ومهما نظرت إلى ترتيب السلوك والحظت مراتب منازل السائرين إليه فهو آخر إذ هو آخر ما 

يرتقي إليه درجات العارفين وكل معرفة تحصل قبل معرفته فهي مرقاة إلى معرفته والمنزل 

لسلوك أول باإلضافة إلى األقصى هو معرفة اهللا سبحانه وتعالى فهو آخر باإلضافة إلى ا

الوجود فمنه المبدأ أوال وإليه المرجع والمصير آخرا

الظاهر الباطن

هذان الوصفان أيضا من المضافات فإن الظاهر يكون ظاهرا لشيء وباطنا لشيء وال يكون 

من وجه واحد ظاهرا وباطنا بل يكون ظاهرا من وجه باإلضافة إلى إدراك وباطنا من وجه آخر 

ور والبطون إنما يكون باإلضافة إلى اإلدراكات واهللا سبحانه وتعالى باطن إن طلب فإن الظه

من إدراك الحواس وخزانة الخيال ظاهر إن طلب من خزانةالعقل بطريق االستدالل فإن قلت 

أما كونه باطنا باإلضافة إلى إدراك الحواس فظاهر وأما كونه ظاهرا للعقل فغامض إذ الظاهر 

ه وال يختلف الناس في إدراكه وهذا مما قد وقع فيه الريب الكثير للخلق ما ال يتمارى في

فكيف يكون ظاهرا فاعلم أنه إنما خفي مع ظهوره لشدة ظهوره فظهوره سبب بطونه ونوره 

هو حجاب نوره وكل ما جاوز حده انعكس على ضده

ولعلك تتعجب من هذا الكالم وتستبعده وال تفهمه إال بمثال

 إلى كلمة واحدة كتبها كاتب الستدللت بها على كون الكاتب عالما قادرا فأقول لو نظرت

سميعا بصيرا واستفدت منه اليقين بوجود هذه

Page 115: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

115      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الصفات بل لو رأيت كلمة مكتوبة لحصل لك يقين قاطع بوجود كاتب لها عالم قادر سميع 

دة قاطعة بصير حي ولم يدل عليه إال صورة كلمة واحدة وكما تشهد هذه الكلمة شها

بصفات الكاتب فما من ذرة في السموات واألرض من فلك وكوكب وشمس وقمر وحيوان 

ونبات وصفة وموصوف إال وهي شاهدة على نفسها بالحاجة إلى مدبر دبرها وقدرها 

وخصصها بخصوص صفاتها بل ال ينظر اإلنسان إلى عضو من أعضاء نفسه وجزء من أجزائه 

صفاته وحالة من حاالته التي تجري عليه قهرا بغير اختياره ظاهرا وباطنا بل إلى صفة من 

إال ويراها ناطقة بالشهادة لخالقها وقاهرها ومدبرها وكذلك كل ما يدركه بجميع حواسه 

في ذاته وخارجا من ذاته

ولو كانت األشياء مختلفة في الشهادة يشهد بعضها وال يشهد بعضها لكان اليقين حاصال 

ت الشهادات حتى اتفقت خفيت وغمضت لشدة الظهور ومثاله أن للجميع ولكن لما كثر

أظهر األشياء ما يدرك بالحواس وأظهرها ما يدرك بحاسة البصر وأظهر ما يدرك بحاسة 

البصر نور الشمس المشرق على األجسام الذي به يظهر كل شيء فما به يظهر كل 

شيء كيف ال يكون ظاهرا

وا األشياء الملونة ليس فيها إال ألوانها فقط من وقد أشكل ذلك على خلق كثير حتى قال

سواد وحمرة فأما أن يكون فيها مع اللون ضوء ونور مقارن للون فال وهؤالء إنما نبهوا على 

قيام النور بالمتلونات بالتفرقة التي يدركونها بين الظل وموضع النور وبين الليل والنهار فإن 

ها باألجسام المظلمة بالنهار انقطع أثرها عن الشمس لما تصور غيبتها بالليل واحتجاب

المتلونات فأدركت التفرقة بين المتأثر المستضيء بها وبين المظلم المحجوب عنها فعرف 

وجود النور بعدم النور إذا أضيف حالة العدم إلى حالة الوجود فأدركت التفرقة مع بقاء األلوان 

ظاهرة لشخص ولم تغب الشمس في الحالتين ولو أطبق نور الشمس كل األجسام ال

حتى يدرك التفرقة لتعذر عليه معرفة كون النور

Page 116: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

116      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

شيئا موجودا زائدا على األلوان مع أنه أظهر األشياء بل هو الذي به يظهر جميع األشياء

ولو تصور هللا تعالى وتقدس عدم أو غيبة عن بعض األمور النهدت السموات واألرض وكل ما 

كت التفرقة بين الحالتين وعلم وجوده قطعا ولكن لما كانت األشياء انقطع نوره عنه وألدر

كلها متفقة في الشهادة واألحوال كلها مطردة على نسق واحد كان ذلك سببا لخفائه 

فسبحان من احتجب عن الخلق بنوره وخفي عليهم بشدة ظهوره فهو الظاهر الذي ال 

أظهر منه وهو الباطن الذي ال أبطن منه تنبيه

تعجبن من هذا في صفات اهللا تعالى وتقدس فإن المعنى الذي به اإلنسان إنسان ال ت

ظاهر باطن فإنه ظاهر إن استدل عليه بأفعاله المرتبة المحكمة باطن إن طلب من إدراك 

الحس فإن الحس إنما يتعلق بظاهر بشرته وليس اإلنسان إنسانا بالبشرة المرئية منه بل 

ر أجزائه فهو هو واألجزاء متبدلة ولعل أجزاء كل إنسان بعد لو تبدلت تلك البشرة بل سائ

كبره غير األجزاء التي كانت فيه عند صغره فإنها تحللت بطول الزمان وتبدلت بأمثالها بطريق 

االغتذاء وهويته لم تتبدل فتلك الهوية باطنة عن الحواس ظاهرة للعقل بطريق االستدالل 

عليها بآثارها وأفعالها

البر

محسن والبر المطلق هو الذي منه كل مبرة وإحسان والعبد إنما يكون برا بقدر ما هو ال

يتعاطاه من البر وال سيما بوالديه وأستاذه وشيوخه

روي أن موسى عليه السالم لما كلمه ربه رأى رجال قائما عند ساق

Page 117: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

117      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

نه كان ال العرش فتعجب من علو مكانه فقال يا رب بم بلغ هذا العبد هذا المحل فقال إ

يحسد عبدا من عبادي على ما آتيته وكان بارا بوالديه هذا بر العبد فأما تفصيل بر اهللا 

تعالى وإحسانه إلى خلقه فيطول شرحه وفي بعض ما ذكرناه ما ينبه عليه

التواب

هو الذي يرجع إلى تيسير أسباب التوبة لعباده مرة بعد أخرى بما يظهر لهم من آياته 

 تنبيهاته ويطلعهم عليه من تخويفاته وتحذيراته حتى إذا اطلعوا بتعريفه ويسوق إليهم من

على غوائل الذنوب استشعروا الخوف بتخويفه فرجعوا إلى التوبة فرجع إليهم فصل اهللا 

تعالى بالقبول تنبيه

من قبل معاذير المجرمين من رعاياه وأصدقائه ومعارفه مرة بعد أخرى فقد تخلق بهذا 

ه نصيباالخلق وأخذ من

المنتقم

هو الذي يقصم ظهور العتاة وينكل بالجناة ويشدد العقاب على الطغاة وذلك بعد اإلعذار 

واإلنذار وبعد التمكين واإلمهال وهو أشد لالنتقام من المعاجلة بالعقوبة فإنه إذا عوجل 

بالعقوبة لم يمعن في المعصية فلم يستوجب غاية النكال في العقوبة تنبيه

ن انتقام العبد أن ينتقم من أعداء اهللا تعالى وأعدى األعداءالمحمود م

Page 118: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

118      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

نفسه وحقه أن ينتقم منها مهما قارفت معصية أو أخلت بعبادة كما نقل عن أبي يزيد 

رحمه اهللا أنه قال تكاسلت نفسي علي في بعض الليالي عن بعض األوراد فعاقبتها بأن 

ل االنتقاممنعتها الماء سنة فهكذا ينبغي أن يسلك سبي

العفو

هو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي وهو قريب من الغفور ولكنه أبلغ منه فإن 

الغفران ينبئ عن الستر والعفو ينبئ عن المحو والمحو أبلغ من الستر تنبيه

وحظ العبد من ذلك ال يخفى وهو أن يعفو عن كل من ظلمه بل يحسن إليه كما يرى اهللا 

 الدنيا إلى العصاة والكفرة غير معاجل لهم بالعقوبة بل ربما يعفو عنهم تعالى محسنا في

بأن يتوب عليهم وإذا تاب عليهم محا سيئاتهم إذ التائب من الذنب كمن ال ذنب له وهذا 

غاية المحو للجناية

الرؤوف

ذو الرأفة والرأفة شدة الرحمة فهو بمعنى الرحيم مع المبالغة فيه وقد سبق الكالم عليه

مالك الملك

هو الذي ينفذ مشيئته في مملكته كيف شاء وكما شاء إيجادا وإعداما وإبقاء وإفناء والملك 

هاهنا بمعنى المملكة والمالك بمعنى القادر التام

Page 119: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

119      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

القدرة والموجودات كلها مملكة واحدة وهو مالكها وقادرها وإنما كانت الموجودات كلها 

 ببعض فإنها وإن كانت كثيرة من وجه فلها وحدة من وجه مملكة واحدة ألنها مرتبطة بعضها

ومثاله بدن اإلنسان فإنه مملكة لحقيقة اإلنسان وهي أعضاء كثيرة مختلفة ولكنها 

كالمتعاونة على تحقيق غرض مدبر واحد فكانت مملكة واحدة فكذلك العالم كله كشخص 

هو إتمام غاية الخير الممكن واحد وأجزاء العالم كأعضائه وهي متعاونة على مقصود واحد و

وجوده على ما اقتضاه الجود اإللهي وألجل انتظامها على ترتيب متسق وارتباطها برابطة 

واحدة كانت مملكة واحدة واهللا تعالى مالكها فقط

ومملكة كل عبد بدنه خاصة فإذا نفذت مشيئته في صفات قلبه وجوارحه فهو مالك مملكة 

ة عليهانفسه بقدر ما أعطي من القدر

ذو الجالل واإلكرام

هو الذي ال جالل وال كمال إال وهو له وال كرامة وال مكرمة إال وهي صادرة منه فالجالل له 

في ذاته والكرامة فائضة منه على خلقه وفنون إكرامه خلقه ال تكاد تنحصر وتتناهى وعليه 

70 سورة اإلسراء اآلية 17دل قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم 

ليالوا

هو الذي دبر أمور الخلق ووليها أي توالها وكان مليا بواليتها وكأن الوالية تشعر بالتدبير 

والقدرة والفعل وما لم يجتمع جميع ذلك فيه لم ينطلق اسم الوالي عليه وال والي لألمور 

ائم إال اهللا سبحانه وتعالى فإنه المتفرد بتدبيرها أوال والمنفذ للتدبير بالتحقيق ثانيا والق

عليها باإلدامة واإلبقاء ثالثا

Page 120: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

120      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

المتعالي

بمعنى العلي مع نوع من المبالغة وقد سبق معناه

المقسط

هو الذي ينتصف للمظلوم من الظالم وكما له في أن يضيف إلى إرضاء المظلوم إرضاء 

الظالم وذلك غاية العدل واإلنصاف وال يقدر عليه إال اهللا سبحانه وتعالى

ي عن النبي أنه بينما هو جالس إذ ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر رضي اهللا ومثاله ما رو

عنه بأبي أنت وأمي يا رسول اهللا ما الذي أضحكك قال رجالن من أمتي جثيا بين يدي رب 

العزة فقال أحدهما يا رب خذ لي مظلمتي من هذا فقال اهللا عز وجل رد على أخيك 

تي شيء فقال عز وجل للطالب كيف تصنع مظلمته فقال يا رب لم يبق لي من حسنا

بأخيك لم يبق من حسناته شيء فقال يا رب فليحمل عني من أوزاري ثم فاضت عينا 

رسول اهللا بالبكاء وقال إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس إلى أن يحمل عنهم من 

ب أرى أوزارهم قال فيقول اهللا عز وجل للمتظلم ارفع بصرك فانظر في الجنان فقال يا ر

مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ ألي نبي هذا أو ألي صديق أو ألي شهيد 

قال اهللا عز وجل هذا لمن أعطى الثمن قال يا رب ومن يملك ذلك قال أنت تملكه قال بماذا 

يا رب قال بعفوك عن أخيك قال يا رب قد عفوت عنه قال اهللا عز وجل خذ بيد أخيك فأدخله 

ال اتقوا اهللا وأصلحوا ذات بينكم فإن اهللا تبارك وتعالى يصلح بين المؤمنين يوم الجنة ثم ق

القيامة

Page 121: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

121      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

فهذا سبيل االنتصاف واإلنصاف وال يقدر على مثله إال رب األرباب وأوفر العباد حظا من هذا 

االسم من ينتصف أوال من نفسه ثم لغيره من غيره وال ينتصف لنفسه من غيره

الجامع

ؤلف بين المتماثالت والمتباينات والمتضاداتهو الم

أما جمع اهللا المتماثالت فكجمعه الخلق الكثير من اإلنس على ظهر األرض وكحشره إياهم 

في صعيد القيامة

وأما المتباينات فكجمعه بين السموات والكواكب والهواء واألرض والبحار والحيوانات والنبات 

األشكال واأللوان والطعوم واألوصاف وقد جمعها في والمعادن المختلفة كل ذلك متباين 

األرض وجمع بين الكل في العالم وكذلك جمعه بين العظم والعصب والعرق والعضلة والمخ 

والبشرة والدم وسائر األخالط في بدن الحيوان

وأما المتضادات فكجمعه بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة في أمزجة الحيوانات وهي 

افرات متعاديات وذلك أبلغ وجوه الجمعمتن

وتفصيل جمعه ال يعرفه إال من يعرف تفصيل مجموعاته في الدنيا واآلخرة وكل ذلك مما 

يطول شرحه تنبيه

الجامع من العباد من جمع بين اآلداب الظاهرة في الجوارح وبين الحقائق الباطنة في 

ذلك قيل الكامل من ال يطفئ نور القلوب فمن كملت معرفته وحسنت سيرته فهو الجامع ول

معرفته نور ورعه وكان الجمع بين الصبر

Page 122: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

122      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

والبصيرة متعذر لذلك ترى صبورا على الزهد والورع ال بصيرة له وترى ذا بصيرة ال صبر له 

والجامع من جمع بين الصبر والبصيرة والسالم

الغني المغني

في صفات ذاته بل يكون منزها عن العالقة الغني هو الذي ال تعلق له بغيره ال في ذاته وال 

مع األغيار فمن تتعلق ذاته أو صفات ذاته بأمر خارج من ذاته يتوقف عليه وجوده أو كماله 

فهو فقير محتاج إلى الكسب وال يتصور ذلك إال هللا سبحانه وتعالى

مطلقا فإن واهللا عز وجل هو المغني أيضا ولكن الذي أغناه ال يتصور أن يصير بإغنائه غنيا 

أقل أموره أنه محتاج إلى المغني فال يكون غنيا بل يستغني عن غير اهللا بأن يمده بما 

يحتاج إليه ال بأن يقطع عنه أصل الحاجة والغني الحقيقي هو الذي ال حاجة له إلى أحد 

أصال والذي يحتاج ومعه ما يحتاج فهو غني بالمجاز وهو غاية ما يدخل في اإلمكان في حق 

هللا سبحانه وتعالىغير ا

وأما فقد الحاجة فال ولكن إذا لم يبق حاجة إال إلى اهللا تعالى سمي غنيا ولو لم يبق له 

 ولوال 38 سورة محمد اآلية 47أصل الحاجة لما صح قوله تعالى واهللا الغني وأنتم الفقراء 

يأنه يتصور أن يستغني عن كل شيء سوى اهللا عز وجل لما صح هللا تعالى وصف المغن

المانع

هو الذي يرد أسباب الهالك والنقصان في األديان واألبدان بما يخلقه من األسباب المعدة 

للحفظ وقد سبق معنى الحفيظ وكل حفظ فمن ضرورته

Page 123: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

123      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

منع ودفع فمن فهم معنى الحفيظ فهم معنى المانع والمنع إضافة إلى السبب المهلك 

قصود المنع وغايته إذ المنع يراد للحفظ والحفظ إضافة إلى المحروس عن الهالك وهو م

والحفظ ال يراد للمنع فكل حافظ مانع وليس كل مانع حافظا إال إذا كان مانعا مطلقا لجميع 

أسباب الهالك والنقص حتى يحصل الحفظ من ضرورته

الضار النافع

واسطة هو الذي يصدر منه الخير والشر والنفع والضر وكل ذلك منسوب إلى اهللا تعالى إما ب

المالئكة واإلنس والجمادات أو بغير واسطة فال تظنن أن السم يقتل ويضر بنفسه وأن 

الطعام يشبع وينفع بنفسه وأن الملك واإلنسان والشيطان أو شيئا من المخلوقات من فلك 

أو كوكب أو غيرهما يقدر على خير أو شر أو نفع أو ضر بنفسه بل كل ذلك أسباب مسخرة 

 ما سخرت لهال يصدر منها إال

وجملة ذلك باإلضافة إلى القدرة األزلية كالقلم باإلضافة إلى الكاتب في اعتقاد العامي 

وكما أن السلطان إذا وقع بكرامة أو عقوبة لم ير ضرر ذلك وال نفعه من القلم بل من الذي 

هل القلم مسخر له فكذلك سائر الوسائط واألسباب وإنما قلنا في اعتقاد العامي ألن الجا

هو الذي يرى القلم مسخرا للكاتب والعارف يعلم أنه مسخر في يده هللا سبحانه وتعالى 

وهو الذي الكاتب مسخر له فإنه مهما خلق الكاتب وخلق له القدرة وسلط القدرة وسلط 

عليه الداعية الجازمة التي ال تردد فيها صدر منه حركة األصابع والقلم ال محالة شاء أم أبى 

 أن ال يشاء فإذا الكاتب بقلم اإلنسان ويده هو اهللا تعالى وإذا عرفت هذا في بل ال يمكنه

الحيوان المختار فهو في الجماد أظهر

Page 124: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

124      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

النور

هو الظاهر الذي به كل ظهور فإن الظاهر في نفسه المظهر لغيره يسمى نورا ومهما قوبل 

العدم فالبريء عن ظلمة الوجود بالعدم كان الظهور ال محالة للوجود وال ظالم أظلم من 

العدم بل عن إمكان العدم المخرج كل األشياء من ظلمة العدم إلى ظهور الوجود جدير بأن 

يسمى نورا والوجود نور فائض على األشياء كلها من نور ذاته فهو نور السموات واألرض 

ن وكما أنه ال ذرة من نور الشمس إال وهي دالة على وجود الشمس المنورة فال ذرة م

موجودات السموات واألرض وما بينهما إال وهي بجواز وجودها دالة على وجوب وجود 

موجدها وما ذكرناه في معنى الظاهر يفهمك معنى النور ويغنيك عن التعسفات المذكورة 

في معناه

الهادي

هو الذي هدى خواص عباده أوال إلى معرفة ذاته حتى استشهدوا بها على األشياء وهدى 

ه إلى مخلوقاته حتى استشهدوا بها على ذاته وهدى كل مخلوق إلى ما ال بد عوام عباد

له منه في قضاء حاجاته فهدى الطفل إلى التقام الثدي عند انفصاله والفرخ إلى التقاط 

الحب وقت خروجه والنحل إلى بناء بيته على شكل التسديس لكونه أوفق األشكال لبدنه 

رج ضائعة وشرح ذلك يطول وعنه عبر قوله تعالى الذي وأحواها وأبعدها عن أن يتخللها ف

 87 وقال تعالى والذي قدر فهدى 50 سورة طه اآلية20أعطى كل شيء خلقه ثم هدى 

3سورة األعلى اآلية 

والهداة من العباد األنبياء والعلماء الذين أرشدوا الخلق إلى السعادة األخروية وهدوهم إلى 

هادي لهم على ألسنتهم وهم مسخرون تحت قدرته وتدبيرهصراط اهللا المستقيم بل اهللا ال

Page 125: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

125      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

البديع

هو الذي ال عهد بمثله فإن لم يكن بمثله عهد ال في ذاته وال في صفاته وال في أفعاله وال 

في كل أمر راجع إليه فهو البديع المطلق وإن كان شيء من ذلك معهودا فليس ببديع 

اهللا سبحانه وتعالى فإنه ليس له قبل فيكون مثله مطلق وال يليق هذا االسم مطلقا إال ب

معهودا قبله وكل موجود بعده فحاصل بإيجاده وهو غير مناسب لموجده فهو بديع أزال وأبدا

وكل عبد اختص بخاصية في النبوة أو الوالية أو العلم لم يعهد مثلها إما في سائر األوقات 

رد به وفي الوقت الذي هو منفرد فيهوإما في عصره فهو بديع باإلضافة إلى ما هو منف

الباقي

هو الموجود الواجب وجوده بذاته ولكنه إذا أضيف في الذهن إلى االستقبال سمي باقيا 

وإذا أضيف إلى الماضي سمي قديما والباقي المطلق هو الذي ال ينتهي تقدير وجوده في 

االستقبال إلى آخر ويعبر عنه بأنه أبدي

ي ال ينتهي تمادي وجوده في الماضي إلى أول ويعبر عنه بأنه والقديم المطلق هو الذ

أزلي وقولك واجب الوجود بذاته متضمن لجميع ذلك وإنما هذه األسامي بحسب إضافة هذا 

الوجود في الذهن إلى الماضي والمستقبل

وإنما يدخل في الماضي والمستقبل المتغيرات ألنهما عبارتان عن الزمان وال يدخل في 

إال التغير والحركة إذ الحركة إنما تنقسم إلى ماض ومستقبل والمتغير يدخل في الزمان 

الزمان بواسطة التغير فما جل عن التغير والحركة فليس في زمان فليس فيه ماض 

ومستقبل فال ينفصل فيه القدم عن البقاء بل الماضي والمستقبل إنما يكون لنا إذ مضى 

 بد من أمور تحدث شيئا بعد شيء حتى تنقسم إلى علينا وفينا أمور وستتجدد أمور وال

ماض قد انعدم وانقطع وإلى راهن حاضر وإلى ما يتوقع تجدده من بعد فحيث ال تجدد وال 

انقضاء فال زمان

Page 126: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

126      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

وكيف ال والحق سبحانه وتعالى قبل الزمان وحيث خلق الزمان لم يتغير من ذاته شيء 

جريان وبقي بعد خلق الزمان على ما عليه كان وقبل خلق الزمان لم يكن للزمان عليه 

ولقد أبعد من قال البقاء صفة زائدة على ذات الباقي وأبعد منه من قال القدم وصف زائد 

على ذات القديم وناهيك برهانا على فساده ما لزمه من الخبط في بقاء البقاء وبقاء 

الصفات وقدم القدم وقدم الصفات

الوارث

ألمالك بعد فناء المالك وذلك هو اهللا سبحانه وتعالى إذ هو الباقي بعد هو الذي يرجع إليه ا

 سورة 40فناء الخلق وإليه مرجع كل شيء ومصيره وهو القائل إذ ذاك لمن الملك اليوم 

 وهذا بحسب ظن 16 سورة غافر اآلية 40 وهو المجيب هللا الواحد القهار 16غافر اآلية 

لكا فينكشف لهم ذلك اليوم حقيقة الحال وهذا النداء األكثرين إذ يظنون ألنفسهم ملكا وم

عبارة عن حقيقة ما ينكشف لهم في ذلك الوقت

فأما أرباب البصائر فإنهم أبدا مشاهدون لمعنى هذا النداء سامعون له من غير صوت وال 

حرف موقنون بأن الملك هللا الواحد القهار في كل يوم وفي كل ساعة وفي كل لحظة 

 وأبدا وهذا إنما يدركه من أدرك حقيقة التوحيد في الفعل وعلم أن المنفرد وكذلك كان أزال

بالفعل في الملك والملكوت واحد وقد أشرنا إلى ذلك في أول كتاب التوكل من كتاب إحياء 

علوم الدين فليطلب منه فإن هذا الكتاب ال يحتمله

الرشيد

من غير إشارة مشير وتسديد هو الذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها على سنن السداد 

مسدد وإرشاد مرشد وهو اهللا سبحانه وتعالى

Page 127: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

127      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ورشد كل عبد بقدر هدايته في تدابيره إلى ما يشاكل الصواب من مقاصده ودينه ودنياه

الصبور

هو الذي ال تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه بل ينزل األمور بقدر معلوم 

دود ال يؤخرها على آجالها المقدورة لها تأخير متكاسل وال يقدمها ويجريها على سنن مح

على أوقاتها تقديم مستعجل بل يودع كل شيء في أوانه على الوجه الذي يجب أن يكون 

وكما ينبغي وكل ذلك من غير مقاساة داع على مضادة اإلرادة

دين أو العقل في وأما صبر العبد فال يخلو عن مقاساة ألن معنى صبره هو ثبات داعي ال

مقابلة داعي الشهوة أو الغضب فإذا تجاذبه داعيان متضادان فدفع الداعي إلى اإلقدام 

والمبادرة ومال إلى باعث التأخير سمي صبورا إذ جعل باعث العجلة مقهورا وباعث العجلة 

في حق اهللا سبحانه معدوم فهو أبعد عن العجلة ممن باعثه موجود ولكنه مقهور فهو أحق 

هذا االسم بعد أن أخرجت عن االعتبار تناقض البواعث ومصابرتها بطريق المجاهدةب

Page 128: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

128      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

خاتمة لهذا الفصل واعتذار

اعلم أنه إنما حملني على ذكر هذه التنبيهات ردف هذه األسامي والصفات قول رسول اهللا 

من تخلق بواحد تخلقوا بأخالق اهللا تعالى وقوله عليه الصالة والسالم إن هللا كذا وكذا خلقا 

منها دخل الجنة وما تداولته ألسنة الصوفية من كلمات تشير إلى ما ذكرناه لكن على وجه 

يوهم عند غير المحصل شيئا من معنى الحلول واالتحاد وذلك غير مظنون بعاقل فضال عن 

المتميزين بخصائص المكاشفات ولقد سمعت الشيخ أبا علي الفارمذي يحكي عن شيخه 

 الكركاني قدس اهللا روحهما أنه قال إن األسماء التسعة والتسعين تصير أوصافا أبي القاسم

للعبد السالك وهو بعد في السلوك غير واصل وهذا الذي ذكره إن أراد به شيئا يناسب ما 

أوردناه فهو صحيح وال يظن به إال ذلك ويكون في اللفظ نوع من التوسع واالستعارة فإن 

هللا تعالى وصفاته ال تصير صفة لغيره ولكن معناه أنه يحصل له معاني األسماء هي صفات ا

ما يناسب تلك األوصاف كما يقال فالن حصل علم أستاذه وعلم األستاذ ال يحصل للتلميذ 

بل يحصل له مثل علمه

وإن ظن ظان أن المراد به ليس ما ذكرناه فهو باطل قطعا فإني أقول قول القائل إن معاني 

 وتعالى صارت أوصافا له ال يخلو إما أن يعني به عين تلك الصفات أو أسماء اهللا سبحانه

مثلها فإن عنى به مثلها فال يخلو إما عنى به مثلها مطلقا من كل وجه وإما أنه عنى به 

مثلها من حيث االسم والمشاركة في

Page 129: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

129      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

يكون عموم الصفات دون خواص المعاني فهذان قسمان وإن عنى به عينها فال يخلو إما أن 

بطريق انتقال الصفات من الرب إلى العبد أو ال انتقال فإن لم يكن باالنتقال فال يخلو إما أن 

يكون باتحاد ذات العبد بذات الرب حتى يكون هو هو فتكون صفاته وإما أن يكون بطريق 

الحلول وهذه أقسام ثالثة وهو االنتقال واالتحاد والحلول وقسمان مقدمان

لصحيح منها قسم واحد وهو أن يثبت للعبد من هذه الصفات أمور فهذه خمسة أقسام ا

تناسبها على الجملة وتشاركها في االسم ولكن ال تماثلها مماثلة تامة كما ذكرناه في 

التنبيهات

وأما القسم الثاني وهو أن يثبت له أمثالها على التحقيق فمحال فإن من جملته أن يكون 

ى ال يعزب عنه ذرة في األرض وال في السموات وأن له علم محيط بجميع المعلومات حت

يكون له قدرة واحدة تشمل جميع المخلوقات حتى يكون هو بها خالق األرض والسموات 

وما بينهما وكيف يتصور هذا لغير اهللا تعالى وكيف يكون العبد خالق السموات واألرض وما 

 ثبتت هذه الصفات لعبدين بينها وهو من جملة ما بينهما فكيف يكون خالق نفسه ثم إن

يكون كل واحد منهما خالق صاحبه فيكون كل واحد خالقا من خلقه وكل ذلك ترهات 

ومحاالت

وأما القسم الثالث وهو انتقال عين صفات الربوبية فهو أيضا محال ألن الصفات يستحيل 

لم زيد إلى مفارقتها للموصوفات وهذا ال يختص بالذات القديمة بل ال يتصور أن ينتقل عين ع

عمرو بل ال قيام للصفات إال بخصوص الموصوفات وألن االنتقال يوجب فراغ المنتقل عنه 

فيوجب أن تعرى الذات التي عنها انتقال الصفات الربوبية فتعرى عن الربوبية وصفاتها وذلك 

أيضا ظاهر االستحالة

Page 130: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

130      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ول القائل إن العبد صار هو الرب وأما القسم الرابع وهو االتحاد فذلك أيضا أظهر بطالنا ألن ق

كالم متناقض في نفسه بل ينبغي أن ينزه الرب سبحانه وتعالى عن أن يجري اللسان في 

حقه بأمثال هذه المحاالت ونقول قوال مطلقا إن قول القائل إن شيئا صار شيئا آخر محال 

ر عمروا واتحد به على اإلطالق ألنا نقول إذا عقل زيد وحده وعمرو وحده ثم قيل إن زيدا صا

فال يخلو عند االتحاد إما أن يكون كالهما موجودين أو كالهما معدومين أو زيد موجودا وعمرو 

معدوما أو بالعكس وال يمكن قسم وراء هذه األربعة

فإن كانا موجودين فلم يصر عين أحدهما عين اآلخر بل عين كل واحد منهما موجود وإنما 

 ال يوجب االتحاد فإن العلم واإلرادة والقدرة قد تجتمع في ذات الغاية أن يتحد مكانهما وذلك

واحدة وال تتباين محالها وال تكون القدرة هي العلم وال اإلرادة وال يكون قد اتحد البعض 

بالبعض

وإن كان معدومين فما اتحدا بل عدما ولعل الحادث شيء ثالث

 يتحد موجود بمعدوموإن كان أحدهما معدوما واآلخر موجودا فال اتحاد إذ ال

فاالتحاد بين شيئين مطلقا محال وهذا جار في الذوات المتماثلة فضال عن المختلفة فإنه 

يستحيل أن يصير هذا السواد ذاك السواد كما يستحيل أن يصير هذا السواد ذلك البياض أو 

هل والعلمذلك العلم والتباين بين العبد والرب أعظم من التباين بين السواد والبياض والج

فأصل االتحاد إذا باطل وحيث يطلق االتحاد ويقال هو هو ال يكون إال بطريق التوسع والتجوز 

الالئق بعادة الصوفية والشعراء فإنهم ألجل تحسين موقع الكالم من اإلفهام يسلكون 

سبيل االستعارة كما يقول الشاعر

Page 131: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

131      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ا نحن روحان حللنا بدن...أنا من أهوى ومن أهوى أنا 

وذلك مؤول عند الشاعر فإنه ال يعني به أنه هو تحقيقا بل كأنه هو فإنه مستغرق الهم به 

كما يكون هو مستغرق الهم بنفسه فيعبر عن هذه الحالة باالتحاد على سبيل التجوز

وعليه ينبغي أن يحمل قول أبي يزيد رحمه اهللا حيث قال انسلخت من نفسي كما تنسلخ 

فإذا أنا هو ويكون معناه أن من ينسلخ من شهوات نفسه وهواها الحية من جلدها فنظرت 

وهمها فال يبقى فيه متسع لغير اهللا وال يكون له همة سوى اهللا سبحانه وتعالى وإذا لم 

يحل في القلب إال جالل اهللا وجماله حتى صار مستغرقا به يصير كأنه هو ال أنه هو تحقيقا 

و هو لكن قد يعبر بقولنا هو هو عن قولنا كأنه هو كما وفرق بين قولنا كأنه هو وبين قولنا ه

أن الشاعر تارة يقول كأني من أهوى وتارة يقول أنا من أهوى وهذه مزلة قدم فإن من ليس 

له قدم راسخ في المعقوالت ربما لم يتميز له أحدهما عن اآلخر فينظر إلى كمال ذاته وقد 

و فيقول أنا الحقتزين بما تألأل فيه من حلية الحق فيظن أنه ه

وهو غالط غلط النصارى حيث رأوا ذلك في ذات المسيح عيسى عليه السالم فقالوا هو 

اإلله بل هو غلط من ينظر إلى مرآة قد انطبع فيها صورة متلونة بتلونه فيظن أن تلك الصورة 

أنها هي صورة المرآة وأن ذلك اللون لون المرآة وهيهات بل المرآة في ذاتها ال لون لها وش

قبول صور األلوان على وجه يتخايل إلى الناظرين إلى ظاهر األمور أن ذلك صورة المرآة 

حتى إن الصبي إذا رأى إنسانا في المرآة ظن أن اإلنسان في المرآة فكذلك القلب خال 

عن الصور في نفسه وعن الهيئات وإنما هيآته قبول معاني الهيئات والصور والحقائق فما 

متحد به ال أنه متحد به تحقيقا ومن ال يعرفيحله يكون كال

Page 132: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

132      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الزجاج والخمر إذا رأى زجاجة فيها خمر ال يدرك تباينهما فتارة يقول ال خمر وتارة يقول ال 

زجاجة كما عبر عنه الشاعر حيث قال

 فتشابها فتشاكل األمر...رق الزجاج وراقت الخمر 

 وكأنما قدح وال خمر...فكأنما خمر وال قدح 

قول من قال منهم أنا الحق فإما أن يكون معناه معنى قول الشاعرو

... أنا من أهوى ومن أهوى أنا

وإما أن يكون قد غلط في ذلك كما غلط النصارى في ظنهم اتحاد الالهوت بالناسوت

وقول أبي يزيد رحمه اهللا إن صح عنه سبحاني ما أعظم شأني إما أن يكون ذلك جاريا على 

 الحكاية عن اهللا عز وجل كما لو سمع وهو يقول ال إله إال أنا فاعبدني لسانه في معرض

لكان يحمل على الحكاية وإما أن يكون قد شاهد كمال حظه من صفة القدس على ما 

ذكرنا في الترقي بالمعرفة عن الموهومات والمحسوسات وبالهمة عن الحظوظ والشهوات 

نه باإلضافة إلى شأن عموم الخلق فأخبر عن قدس نفسه وقال سبحاني ورأى عظم شأ

فقال ما أعظم شأني وهو مع ذلك يعلم أن قدسه وعظم شأنه باإلضافة إلى الخلق وال 

نسبة له إلى قدس الرب تعالى وتقدس وعظم شأنه ويكون قد جرى هذا اللفظ في سكره 

وغلبات حاله فإن الرجوع إلى الصحو واعتدال الحال يوجب حفظ اللسان عن األلفاظ 

موهمة وحال السكر ربما ال يحتمل ذلك فإن جاوزت هذين التأويلين إلى االتحاد فذلك ال

محال قطعا فال ينظر إلى مناصب الرجال حتى يصدق بالمحال بل ينبغي أن يعرف الرجال 

بالحق ال الحق بالرجال

وأما القسم الخامس وهو الحلول فذلك يتصور أن يقال إن الرب

Page 133: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

133      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

العبد أو العبد حل في الرب تعالى رب األرباب عن قول الظالمين وهذا تبارك وتعالى حل في 

لو صح لما أوجب االتحاد وال أن يتصف العبد بصفات الرب فإن صفات الحال ال تصير صفة 

المحل بل تبقى صفة للحال كما كان ووجه استحالة الحلول ال يفهم إال بعد فهم معنى 

رك بطريق التصور لم يمكن أن يفهم نفيها أو إثباتها الحلول فإن المعاني المفردة إذا لم تد

فمن ال يدري معنى الحلول فمن أين يدري أن الحلول موجود أو محال

فنقول المفهوم من الحلول أمران

أحدهما النسبة التي بين الجسم وبين مكانه الذي يكون فيه وذلك ال يكون إال بين 

قه ذلكجسمين فالبريء عن معنى الجسمية يستحيل في ح

والثاني النسبة التي بين العرض والجوهر فإن العرض يكون قوامه بالجوهر فقد يعبر عنه 

بأنه حال فيه وذلك محال على كل ما قوامه بنفسه فدع عنك ذكر الرب تعالى وتقدس في 

هذا المعرض فإن كل ما قوامه بنفسه يستحيل أن يحل فيما قوامه بنفسه إال بطريق 

ين األجسام فال يتصور الحلول بين عبدين فكيف يتصور بين العبد والربالمجاورة الواقعة ب

وإذا بطل الحلول واالنتقال واالتحاد واالتصاف بأمثال صفات اهللا سبحانه وتعالى على سبيل 

الحقيقة لم يبق لقولهم معنى إال ما أشرنا إليه في التنبيهات وذلك يمنع من إطالق القول 

لى تصير أوصافا للعبد إال على نوع من التقييد خال عن اإليهام وإال بأن معاني أسماء اهللا تعا

فمطلق هذا اللفظ موهم

فإن قلت فما معنى قوله إن العبد مع االتصاف بجميع ذلك سالك ال واصل فما معنى 

السلوك وما معنى الوصول على رأي هذا القائل فاعلم أن السلوك هو تهذيب األخالق 

 اشتغال بعمارة الظاهر والباطن والعبد في جميع ذلك مشغول واألعمال والمعارف وذلك

بنفسه عن ربه سبحانه وتعالى إال أنه

Page 134: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

134      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

مشتغل بتصفية باطنه ليستعد للوصول وإنما الوصول هو أن ينكشف له جلية الحق ويصير 

مستغرقا به فإن نظر إلى معرفته فال يعرف إال اهللا وإن نظر إلى همته فال همة له سواه 

ون كله مشغوال بكله مشاهدة وهما ال يلتفت في ذلك إلى نفسه ليعمر ظاهره فيك

بالعبادة أو باطنه بتهذيب األخالق وكل ذلك طهارة وهي البداية وإنما النهاية أن ينسلخ من 

نفسه بالكلية ويتجرد له فيكون كأنه هو وذلك هو الوصول عنده

لهم في طور الوالية والعقل يقصر فإن قلت كلمات الصوفية بناء على مشاهدات انفتحت 

عن درك ذلك وما ذكرتموه تصرف ببضاعة العقل فاعلم أنه ال يجوز أن يظهر في طور الوالية 

ما يقضي العقل باستحالته نعم يجوز أن يظهر ما يقصر العقل عنه بمعنى أنه ال يدركه 

 يدرك ذلك ببضاعة بمجرد العقل مثاله أنه يجوز أن يكاشف الولي بأن فالنا سيموت غدا وال

العقل بل يقصر العقل عنه وال يجوز أن يكاشف بأن اهللا سبحانه وتعالى غدا سيخلق مثل 

نفسه فإن ذلك يحيله العقل ال أنه يقصر عنه وأبعد من ذلك أن يقول إن اهللا تبارك وتعالى 

 سيجعلني مثل نفسه وأبعد منه أن يقول إن اهللا عز وجل سيصيرني نفسه أي أصير أنا هو

ألن معناه أني حادث واهللا تعالى وتقدس يجعلني قديما ولست خالق السموات واألرضين 

واهللا يجعلني خالق السموات واألرضين وهذا معنى قوله نظرت فإذا أنا هو إذا لم يؤول ومن 

صدق بمثل هذا فقد انخلع عن غريزة العقل ولم يتميز عنده ما يعلم عما ال يعلم فليصدق 

اشف ولي بأن الشريعة باطلة وأنها إن كانت حقا فقد قلبها اهللا باطال وأنه بأنه يجوز أن يك

جعل جميع أقاويل األنبياء كذبا وإن من قال يستحيل أن ينقلب الصدق كذبا فإنما يقوله 

ببضاعة العقل فإن انقالب الصدق كذبا ليس بأبعد من انقالب الحادث قديما والعبد ربا ومن 

عقل وبين ما ال يناله العقل فهو أخس من أن يخاطب فليترك وجهلهلم يفرق بين ما أحاله ال

Page 135: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

135      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

 إلى ذات الفصل الثاني من المقاصد والغايات في بيان وجه رجوع هذه األسامي الكثيرة

وسبع صفات على مذهب أهل السنة

لعلك تقول هذه أسماء كثيرة وقد منعت الترادف فيها وأوجبت أن يتضمن كل واحد معنى 

ف يرجع جميعها إلى سبع صفات فاعلم أن الصفات إن كانت سبعا فاألفعال كثيرة آخر فكي

واإلضافات كثيرة والسلوب كثيرة ويكاد يخرج جميع ذلك عن الحصر ثم يمكن التركيب من 

مجموع صفتين أو صفة وإضافة أو صفة وسلب أو سلب وإضافة ويوضع بإزائه اسم فتكثر 

لى ما يدل منها على الذات أو على الذات مع سلب األسامي بذلك وكان مجموعها يرجع إ

أو على الذات مع إضافة أو على الذات مع سلب وإضافة أو على واحد من الصفات السبع أو 

على صفة وسلب أو على صفة وإضافة أو على صفة فعل أو على صفة فعل وإضافة أو 

سلب فهذه عشرة أقسام

منه اسم الحق إذا أريد به الذات من حيث هي األول ما يدل على الذات كقولك اهللا ويقرب 

واجبة الوجود

الثاني ما يدل على الذات مع سلب مثل القدوس والسالم والغني واألحد ونظائره فإن 

القدوس هو المسلوب عنه كل ما يخطر بالبال ويدخل في الوهم والسالم هو المسلوب 

مسلوب عنه النظير والقسمةعنه العيوب والغني هو المسلوب عنه الحاجة واألحد هو ال

Page 136: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

136      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الثالث ما يرجع إلى الذات مع إضافة كالعلي والعظيم واألول واآلخر والظاهر والباطن ونظائره 

فإن العلي هو الذات التي هي فوق سائر الذوات في المرتبة فهي إضافة والعظيم يدل 

جودات واآلخر هو على الذات من حيث تجاوز حدود اإلدراكات واألول هو السابق على المو

الذي إليه مصير الموجودات والظاهر هو الذات باإلضافة إلى داللة العقل والباطن هو الذات 

مضافة إلى إدراك الحس والوهم وقس على هذا غيره

الرابع ما يرجع إلى الذات مع سلب وإضافة كالملك والعزيز فإن الملك يدل على ذات ال 

 والعزيز هو الذي ال نظير له وهو ما يصعب نيله تحتاج إلى شيء ويحتاج إليه كل شيء

والوصول إليه

الخامس ما يرجع إلى صفة كالعليم والقادر والحي والسميع والبصير

السادس ما يرجع إلى العلم مع إضافة كالخبير والشهيد والحكيم والمحصي فإن الخبير يدل 

 مضافا إلى ما يشاهد على العلم مضافا إلى األمور الباطنة والشهيد يدل على العلم

والحكيم يدل على العلم مضافا إلى أشرف المعلومات والمحصي يدل على العلم من حيث 

يحيط بمعلومات محصورة معدودة التفصيل

السابع ما يرجع إلى القدرة مع زيادة إضافة كالقهار والقوي والمقتدر والمتين فإن القوة هي 

رها في المقدور بالغلبةتمام القدرة والمتانة شدتها والقهر تأثي

الثامن ما يرجع إلى اإلرادة مع إضافة أو مع فعل كالرحمن والرحيم والرؤوف والودود فإن 

الرحمة ترجع إلى اإلرادة مضافة إلى قضاء حاجة المحتاج الضعيف والرأفة شدة الرحمة 

عل الرحيم وهي مبالغة في الرحمة والود يرجع إلى اإلرادة مضافا إلى اإلحسان واإلنعام وف

يستدعي محتاجا وفعل الودود

Page 137: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

137      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ال يستدعي ذلك بل اإلنعام على سبيل االبتداء يرجع إلى اإلرادة مضافا إلى اإلحسان 

وقضاء حاجة الضعيف وقد عرفت وجه ذلك فيما تقدم

التاسع ما يرجع إلى صفات الفعل كالخالق والبارئ والمصور والوهاب والرزاق والفتاح 

ط والخافض والرافع والمعز والمذل والعدل والمغيث والمجيب والواسع والقابض والباس

والباعث والمبدئ والمعيد والمحيي والمميت والمقدم والمؤخر والوالي والبر والتواب 

والمنتقم والمقسط والجامع والمانع والمغني والهادي ونظائره

ريم واللطيف فإن المجيد يدل العاشر ما يرجع إلى الداللة على الفعل مع زيادة كالمجيد والك

على سعة اإلكرام مع شرف الذات والكريم كذلك واللطيف يدل على الرفق في الفعل

فال تخرج هذه األسامي وغيرها عن مجموع هذه األقسام العشرة فقس بما أوردناه ما لم 

نورده فإن ذلك يدل على وجه خروج األسامي عن الترادف مع رجوعها إلى هذه الصفات 

حصورة المشهورةالم

Page 138: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

138      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

 المعتزلة الفصل الثالث في بيان كيفية رجوع ذلك كله إلى ذات واحدة على مذهب

والفالسفة

وهذا الفصل وإن كان ال يليق بهذا الكتاب ولكن أودعته هذه الكلمات على اإليجاز بحكم 

االلتماس فمن شاء أن ال يثبته في الكتاب فليفعل فإنه غير مهم في هذا الكتاب

أقول هؤالء وإن أنكروا الصفات ولم يثبتوا إال ذاتا واحدة فلم ينكروا األفعال وال كثرة السلوب ف

وال كثرة اإلضافات فما رددناه من األسامي إلى هذه األقسام فهم عليها مساعدون

أما الصفات السبع التي هي الحياة والعلم والقدرة واإلرادة والسمع والبصر والكالم فيرجع 

 عندهم إلى العلم ثم العلم يرجع إلى الذات وبيانه أن السمع عندهم عبارة عن جميع ذلك

علمه التام المتعلق باألصوات والبصر عبارة عن علمه التام المتعلق باأللوان وسائر 

المبصرات والكالم عندهم يرجع إلى فعله وهو ما يخلقه من الكالم في جسم من 

سفة إلى سماع يخلقه في ذات النبي حتى الجمادات عند المعتزلة ويرجع عند الفال

يسمع هو كالما منظوما من غير أن يكون له وجود من خارج كما يسمعه النائم ويضاف ذلك 

إلى اهللا تعالى على معنى أنه لم يحصل ذلك فيه بفعل اآلدميين وأصواتهم وأما الحياة 

وما ال يشعر بذاته ال فعبارة عندهم عن علمه بذاته ألن كل ما يشعر بذاته فيقال إنه حي 

يسمى حيا

Page 139: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

139      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ولم يبق إال اإلرادة والقدرة ومعنى إرادته عندهم أنه تعالى وتقدس يعلم وجه الخير ونظامه 

فيوجده كما يعلمه ويكون علمه بالشيء سببا لوجود ذلك الشيء وإذا علم وجه الخير في 

ا فكانت اإلرادة ترجع شيء فيحصل ولم يكن فيه كراهة كان راضيا والراضي قد يسمى مريد

إلى العلم مع عدم الكراهة وأما القدرة فمعناها أنه يفعل إذا شاء وال يفعل إذا شاء وفعله 

معلوم ومشيئته ترجع إلى علمه بوجه الخير ومعناه أن ما علم أن الخير في وجوده فيوجد 

خير إال إلى منه وما علم أن الخير في أن ال يوجد فال يوجد منه وال يحتاج وجود نظام ال

علمه بوجه الخير وال يحتاج ما ال يوجد في أن ال يوجد إال عدم العلم بكون الخير فيه فالنظام 

المعقول هو سبب النظام الموجود والنظام الموجود تبع النظام المعقول

وزعموا أن علمنا إنما يحتاج في تحقيق المعلوم إلى القدرة ألن فعلنا إنما يكون بجارحة فال 

 تكون الجارحة سليمة وموصوفة بالقوة وأما هو فال يفعل بجارحة فيكفي علمه بوجود بد أن

المعلوم فترجع القدرة أيضا إلى العلم

ثم زعموا أن العلم أيضا يرجع إلى ذاته ألنه يعلم ذاته بذاته فيكون العلم والعالم والمعلوم 

د فيعلم سائر الموجودات من واحدا وإنما يعلم غيره من ذاته ألنه يعلم ذاته مبدأ كل موجو

ذاته على سبيل التبعية فال يوجب ذلك كثرة في ذاته

وزعموا أن نسبة علم الواحد وهو ذاته إلى كثرة المعلومات كنسبة علم الحاسب مثال حيث 

يقال له ما ضعف االثنين وضعف ضعفه وضعف ضعف ضعفه وهكذا مثال عشر مرات فإنه قبل 

ه فله يقين حاصل بأنه عالم به وذلك اليقين هو مبدأ أن يفصل تلك األضعاف في ذات

التفصيل إذا اشتغل بتفصيله وذلك اليقين خطة واحدة لها نسبة إلى سائر أضعاف االثنين 

بل إلى

Page 140: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

140      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

تضعيفاته التي ال نهاية لها من غير تفصيل وكما أن تضعيف االثنين يستمر إلى كثرة على 

 فيها ترتيب وال كثرة في أولها ثم يتداعى إلى الكثرة التدريج فكذلك الموجودات أيضا عندهم

على التدريج

وشرح ذلك وإبطاله مما يطول وليستظهر في ذلك بما ذكرناه في كتاب التهافت فإنه 

كالخارج عن مقصود هذا الكتاب واهللا أعلم

Page 141: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

141      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الفن الثالث في اللواحق والتكميالت وفيه فصول ثالث

Page 142: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

142      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

 تسعة ن أسماء اهللا تعالى من حيث التوقيف غير مقصورة علىالفصل األول في بيان أ

وتسعين

بل ورد التوقيف بأسام سواها إذ في رواية أخرى عن أبي هريرة رضي اهللا عنه إبدال لبعض 

هذه األسامي بما يقرب منها وإبدال بما ال يقرب فأما الذي يقرب فاألحد بدل الواحد والقاهر 

ر والذي ال يقرب كالهادي والكافي والدائم والبصير والنور بدل القهار والشاكر بدل الشكو

والمبين والجميل والصادق والمحيط والقريب والقديم والوتر والفاطر والعالم والملك واألكرم 

والمدبر والرفيع وذي الطول وذي المعارج وذي الفضل والخالق

 كالمولى والنصير والغالب وقد ورد أيضا في القرآن ما ليس متفقا عليه في الروايتين جميعا

والقريب والرب والناصر ومن المضافات كقوله تعالى شديد العقاب و قابل التوب وغافر الذنب 

و مولج الليل في النهار ومولج النهار في الليل و مخرج الحي من الميت ومخرج الميت من 

الحي

 السيد هو اهللا عز وجل وقد ورد في الخبر أيضا السيد إذ قال رجل لرسول اهللا يا سيد فقال

وكأنه قصد المنع من المدح في الوجه وإال فقد قال أنا سيد ولد آدم وال فخر والديان أيضا قد 

ورد وكذا الحنان والمنان وغير ذلك مما لو تتبع في األحاديث لوجد

Page 143: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

143      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ولو جوز اشتقاق األسامي من األفعال فستكثر هذه األسامي المشتقة لكثرة األفعال 

 62 سورة النمل اآلية 27وبة إلى اهللا تعالى في القرآن كقوله تعالى يكشف السوء المنس

 سورة 32 و17 سورة الحج اآلية 22 ويفصل بينهم 38 سورة سبأ اآلية 34ويقذف بالحق 

 فيشتق له من ذلك 4 سورة اإلسراء اآلية 17 وقضينا إلى بني إسرائيل 25السجدة اآلية 

صل والقاضيالكاشف والقاذف بالحق والفا

ويخرج ذلك عن الحصر وفيه نظر سيأتي

والغرض أن نبين أن األسامي ليست هي التسعة والتسعين التي عددناها وشرحناها 

ولكنا جرينا على العادة في شرح تلك األسامي فإنها هي الرواية المشهورة وليست هذه 

ذي تشتمل عليه التعديدات والتفصيالت المروية عن أبي هريرة في الصحيحين إنما ال

الصحاح قوله إن هللا سبحانه وتعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة أما بيان 

ذلك وتفصيله فال

ومما وقع عليه االتفاق بين الفقهاء والعلماء من األسامي المريد والمتكلم والموجود 

انه وتعالى والشيء والذات واألزلي واألبدي وإن ذلك مما يجوز إطالقه في حق اهللا سبح

وورد في الحديث ال تقولوا جاء رمضان فإن رمضان اسم من أسماء اهللا تعالى لكن قولوا جاء 

شهر رمضان وكذلك ورد عن رسول اهللا أنه قال ما أصاب أحدا هم وال حزن فقال اللهم إني 

عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل 

سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به اسم هو لك 

في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن

Page 144: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

144      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ربيع قلبي ونور صدري وجالء حزني وذهاب همي إال أذهب اهللا عز وجل همه وحزنه وأبدل 

ورة مكانه فرحا وقوله استأثرت به في علم الغيب عندك يدل على أن األسماء غير محص

فيما وردت به الروايات المشهورة وعند هذا ربما يخطر ببالك طلب الفائدة في الحصر في 

تسعة وتسعين وال بد من ذكرها

Page 145: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

145      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

الفصل الثاني في بيان فائدة اإلحصاء والتخصيص بتسعة وتسعين

وفي هذا الفصل أنظار في أمور فلنوردها في معرض األسئلة

ه وتعالى هل تزيد على تسعة وتسعين أم ال فإن زادت فما فإن قال قائل أسماء اهللا سبحان

معنى هذا التخصيص ومن يملك ألف درهم ال يجوز أن يقول القائل إن له تسعة وتسعين 

درهما ألن األلف وإن اشتمل على ذلك ولكن تخصيص العدد بالذكر يفهم نفي ما وراء 

معنى قوله أسألك بكل اسم هو المعدود وإن كانت األسامي غير زائدة على هذا العدد فما 

لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم 

الغيب عندك فإن هذا صريح في أنه استأثر ببعض األسامي وكذلك قال في رمضان إنه من 

لك أسماء اهللا تعالى وكذلك كان السلف يقولون فالن أوتي االسم األعظم وكان ينسب ذ

إلى بعض األنبياء واألولياء وذلك يدل على أنه خارج عن التسعة والتسعين

فنقول إن األشبه أن األسامي زائدة على تسعة وتسعين لهذه األخبار وأما الحديث الوارد 

في الحصر فإنه يشتمل على قضية واحدة ال على قضيتين وهو كالملك الذي له ألف عبد 

سعة وتسعين عبدا من استظهر بهم لم يقاومه األعداء فيكون مثال فيقول القائل إن للملك ت

التخصيص ألجل حصول االستظهار بهم إما لمزيد قوتهم وإما لكفاية ذلك العدد في دفع 

األعداء من غير حاجة إلى زيادة ال الختصاص الوجود بهم

Page 146: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

146      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

 على ويحتمل أن تكون األسامي غير زائدة على هذا العدد ويكون لفظ الخبر مشتمال

قضيتين إحداهما أن هللا تعالى تسعة وتسعين اسما والثاني أن من أحصاها دخل الجنة 

حتى لو اقتصر على ذكر القضية األولى كان الكالم تاما وعلى المذهب األول ال يمكن 

االقتصار على ذكر القضية األولى

وذا هو األسبق إلى الفهم من ظاهر هذا الحصر ولكنه بعيد من وجهين

ما أن هذا يمنع أن يكون من األسامي ما استأثر اهللا به في علم الغيب عنده وفي أحده

الحديث إثبات ذلك

والثاني أنه يؤدي إلى أن يختص باإلحصاء نبي أو ولي ممن أوتي االسم األعظم حتى يتم 

العدد به وإال فيكون ما أحصى وراء ذلك ناقصا عن العدد أو كان االسم خارجا عن العدد 

به الحصرفيبطل 

واألظهر أن رسول اهللا ذكر هذا في معرض الترغيب للجماهير في اإلحصاء واالسم األعظم 

ال يعرفه الجماهير

فإن قيل فإذا كان األظهر أن األسامي زائدة على تسعة وتسعين فلو قدرنا مثال أن 

األسامي ألف وأن الجنة تستحق بإحصاء تسعة وتسعين منها فهي تسعة وتسعون 

ا أو تسعة وتسعون أيها كان حتى إن من بلغ ذلك المبلغ في اإلحصاء استحق دخول بأعيانه

الجنة وحتى إن من أحصى ما رواه أبو هريرة مرة دخل الجنة ولو أحصى أيضا ما اشتملت 

الرواية الثانية عليه أيضا دخل الجنة إذا قدرنا أن جميع ما في الروايتين من أسماء اهللا 

تعالى

 المراد به تسعة وتسعون بأعيانها فإنها إذا لم تتعين لم تظهر فائدة الحصر فتقول األظهر أن

والتخصيص فإن قول القائل إن للملك مئة عبد من استظهر بهم لم يقاومه عدو إنما يحسن 

مع كثرة عبيد الملك إذا اختص مئة من

Page 147: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

147      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

لم يحسن نظم بينهم بمزيد قوة وشوكة فأما إذا حصل ذلك بأي مئة كان من جملة العبيد 

الكالم

فإن قيل فما بال تسعة وتسعين من األسماء اختصت بهذه القضية مع أن الكل أسماء اهللا 

سبحانه وتعالى

فنقول األسامي يجوز أن تتفاوت فضيلتها لتفاوت معانيها في الجاللة والشرف فيكون تسعة 

ك غيرها فتختص وتسعون منها تجمع أنواعا من المعاني المنبئة عن الجالل ال يجمع ذل

بزيادة شرف

فإن قيل فاسم اهللا األعظم داخل فيها أم ال فإن لم يدخل فكيف يختص مزيد الشرف بما هو 

خارج عنها وإن كان داخال فيها فكيف ذلك وهي مشهورة واالسم األعظم يختص بمعرفته 

م وهو نبي أو ولي وقد قيل إن آصف إنما جاء بعرش بلقيس ألنه كان قد أوتي االسم األعظ

سبب كرامات عظيمة لمن عرفه

فنقول يحتمل أن يقال إن اسم اهللا األعظم خارج عن هذا العدد الذي رواه أبو هريرة رضي 

اهللا عنه ويكون شرف هذه األسامي المعدودة باإلضافة إلى جميع األسماء المشهورة عند 

ويحتمل أن يقال إنها تشتمل الجماهير ال باإلضافة إلى األسماء التي يعرفها األولياء واألنبياء 

على اسم اهللا األعظم ولكنه مبهم فيها ال يعرفه بعينه إال ولي إذ ورد في الخبر عن النبي 

 2أنه قال اسم اهللا األعظم في هاتين اآليتين وإلهكم إله واحد ال إله إال هو الرحمن الرحيم 

 سورة آل 3و الحي القيوم  وفاتحة آل عمران آلم اهللا ال إله إال ه163سورة البقرة اآلية 

 وروي أن رسول اهللا سمع رجال يدعو وهو يقول اللهم إني أسألك بأني أشهد 1عمران اآلية 

أنك

Page 148: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

148      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

أنت اهللا ال إله إال أنت األحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال والذي 

 به أجاب وإذا سئل به نفسي بيده لقد سأل اهللا تعالى باسمه األعظم الذي إذا دعي

أعطى

فإن قيل فما سبب تخصيص هذا العدد من بين سائر األعداد ولم لم يبلغ مئة وقد قارب ذلك

قلنا فيه احتماالن

أحدهما أن يقال ألن المعاني الشريفة بلغت هذا المبلغ ال ألن العدد مقصود ولكن وافقت 

وهي الحياة والعلم والقدرة المعاني هذا العدد كما أن الصفات عند أهل السنة سبع 

واإلرادة والسمع والبصر والكالم ال ألنها سبع ولكن صفات الربوبية ال تتم إال بها

والثاني وهو األظهر أن السبب فيه بيان ما ذكره رسول اهللا حيث قال مئة إال واحدة واهللا وتر 

 االختيارية ال من يحب الوتر وإال أن هذا يدل على أن هذه األسامي هي بالتسمية اإلرادية

حيث انحصار صفات الشرف فيها ألن ذلك يكون لذاته ال باإلرادة وال يقول أحد إن صفات اهللا 

سبحانه وتعالى سبع ألنه وتر ويحب الوتر بل ذلك لذاته وإلهيته والعدد فيه غير مقصود بل 

يد االحتمال ليس وجود ذلك بقصد قاصد وإرادة مريد حتى يقصد الوتر دون غيره وهذا يكاد يؤ

الذي ذكرناه وهو أن األسامي التي سمى اهللا سبحانه وتعالى بها نفسه هي تسعة 

وتسعون ال غير وأنه إنما لم يجعلها مئة ألنه يحب الوتر وسنشير إلى ما يؤيد هذا االحتمال

Page 149: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

149      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

فإن قيل فهذه األسماء التسعة والتسعون هل عدها رسول اهللا وأحصاها قصدا إلى جمعها 

رك جمعها إلى من يلتقطها من الكتاب والسنة واألخبار الدالة عليهأو ت

فنقول األظهر وهو األشهر أن ذلك مما أحصاه رسول اهللا وجمعها قصدا إلى جمعها وتعليمها 

على ما نقله أبو هريرة رضي اهللا عنه إذ ظاهر الكالم هو الترغيب في اإلحصاء وذلك مما 

رسول اهللا على سبيل الجمع وهذا يدل على صحة يعسر على الجماهير إذا لم يذكره 

رواية أبي هريرة رضي اهللا عنه وقد قبل الجماهير روايته المشهورة التي أجرينا شرحنا 

على منوالها

وقد تكلم أحمد البيهقي على رواية أبي هريرة وذكر أنها من رواية من فيه ضعف وأشار أبو 

ل على ضعف هذه الرواية سوى ما عيسى الترمذي في مسنده إلى شيء من ذلك ويد

ذكره المحدثون ثالثة أمور

أحدها اضطراب الرواية عن أبي هريرة إذ عنه روايتان وبينهما تباين ظاهر في اإلبدال 

والتغيير

والثاني أن روايته ليست تشتمل على ذكر الحنان والمنان ورمضان وجملة من األسامي 

التي وردت األخبار بها

أورد في الصحيح هذا القدر وهو قوله إن هللا تسعة وتسعين اسما من والثالث أن الذي 

أحصاها دخل الجنة

وأما ذكر األسامي فلم تورد في الصحيح بل وردت به رواية غريبة وفي إسنادها ضعف وهذا 

القدر الظاهر يدل على أن األسامي ال تزيد على هذا العدد وإنما حملنا على الميل عن 

 األسامي عن رواية أبيالظاهر خروج بعض هذه

Page 150: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

150      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

هريرة فإن ضعفنا الرواية التي فيها عدد األسامي اندفع عنها جملة من اإلشكاالت

فإنا نقول األسامي هي تسعة وتسعون فقط سمى اهللا سبحانه وتعالى بها نفسه ولم 

فة يكملها مئة ألنه وتر يحب الوتر ويدخل في جملتها الحنان والمنان وغيرهما وال يمكن معر

جميعها إال بالبحث في الكتاب والسنة إذ يصح جملة منها في كتاب اهللا سبحانه وتعالى 

وجملة في األخبار ولم أعرف أحدا من العلماء اعتنى بطلب ذلك وجمعه سوى رجل من 

حفاظ المغرب يقال له علي بن حزم فإنه قال رحمه اهللا صح عندي قريب من ثمانين اسما 

صحاح من األخبار والباقي ينبغي أن يطلب من األخبار بطريق يشتمل عليها الكتاب وال

االجتهاد وأظن أنه لم يبلغه الحديث الذي فيه عدد األسامي وإن كان بلغه فكأنه استضعف 

إسناده إذ عدل عنه إلى األخبار الواردة في الصحاح وإلى التقاط ذلك منها وعلى هذا فمن 

في اجتهاده فبالحري أن يدخل الجنة وإال أحصاها أي جمعها وحفظها نال تعبا شديدا 

فإحصاء ما وردت الرواية به مرة واحدة سهل على اللسان نعم قد ورد في بعض األلفاظ 

الصحاح من حفظها دخل الجنة والحفظ يحوج إلى مزيد تعب

فهذا ما يظهر لي من االحتماالت في هذا الحديث وأكثر ذلك مما لم يتعرض له وهي أمور 

 تعلم إال بتخمين فإنها خارجة عن مجاري العقول واهللا أعلماجتهادية ال

Page 151: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

151      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

 التوقيف الفصل الثالث في أن األسامي والصفات المطلقة على اهللا عز وجل هل تقف على

أم تجوز بطريق العقل

والذي مال إليه القاضي أبو بكر أن ذلك جائز إال ما منع منه الشرع أو أشعر بما يستحيل 

سبحانه وتعالى فأما ما ال مانع فيه فإنه جائز والذي ذهب إليه األشعري أن معناه على اهللا 

ذلك موقوف على التوقيف فال يجوز أن يطلق في حق اهللا تعالى ما هو موصوف بمعناه إال 

إذا أذن فيه والمختار عندنا أن نفصل ونقول كل ما يرجع إلى االسم فذلك موقوف على 

ال يقف على اإلذن بل الصادق منه مباح دون الكاذب وال اإلذن وما يرجع إلى الوصف فذلك 

يفهم هذا إال بعد فهم الفرق بين االسم والوصف

فنقول االسم هو اللفظ الموضوع للداللة على المسمى فزيد مثال اسمه زيد وهو في 

نفسه أبيض وطويل فلو قال له قائل يا طويل يا أبيض فقد دعاه بما هو موصوف به وصدق 

 عن اسمه إذ اسمه زيد دون الطويل واألبيض وكونه طويال أبيض ال يدل على أن ولكنه عدل

الطويل اسمه بل تسميتنا الولد قاسما وجامعا ال يدل على أنه موصوف بمعاني هذه 

األسماء بل داللة هذه األسماء وإن كانت معنوية عليه كداللة قولنا زيد وعيسى وما ال 

 فلسنا نعني به أنه عبد الملك ولذلك نقول عبد الملك معنى له بل إذا سميناه عبد الملك

اسم مفرد كعيسى وزيد وإذا ذكر في معرض الوصف كان مركبا وكذلك عبد اهللا لذلك يجمع 

فيقال عبادلة وال يقال عباد اهللا

Page 152: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

152      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

وإذا فهمت معنى االسم فاسم كل أحد ما سمى به نفسه أو سماه به وليه من أبيه أو 

ني وضع االسم تصرف في المسمى ويستدعي ذلك والية والوالية سيده والتسمية أع

لإلنسان على نفسه أو على عبده أو على ولده فلذلك تكون التسميات إلى هؤالء ولذلك 

لو وضع غير هؤالء اسما على مسمى ربما أنكره المسمى وغضب على المسمي وإذا لم 

 تعالى اسما وكذلك أسماء يكن لنا أن نسمي إنسانا أي ال نضع له اسما فكيف نضع هللا

رسول اهللا معدودة وقد عدها وقال إن لي أسماء أحمد ومحمد والمقفي والماحي والعاقب 

ونبي التوبة ونبي الرحمة ونبي الملحمة وليس لنا أن نزيد على ذلك في معرض التسمية 

ي بل في معرض اإلخبار عن وصفه فيجوز أن نقول إنه عالم ومرشد ورشيد وهاد وما يجر

مجراه كما نقول لزيد إنه أبيض طويل ال في معرض التسمية بل في معرض اإلخبار عن 

وصفه فيجوز أن نقول إنه عالم ومرشد ورشيد وهاد وما يجري مجراه كما نقول لزيد إنه 

أبيض وطويل ال في معرض التسمية بل في معرض اإلخبار عن صفته وعلى الجملة فهذه 

احة لفظ وتحريمهمسألة فقهية إذ هو نظر في إب

فنقول أما الدليل على المنع من وضع اسم هللا سبحانه وتعالى هو المنع من وضع اسم 

لرسول اهللا لم يسم به نفسه وال سماه به ربه تعالى وال أبواه وإذا منع في حق الرسول 

بل في حق آحاد الخلق فهو في حق اهللا أولى وهذا نوع قياس فقهي تبنى على مثله 

رعيةاألحكام الش

وأما دليل إباحة الوصف فهو أنه خبر عن أمر والخبر ينقسم إلى صدق وكذب والشرع قد دل 

على تحريم الكذب في األصل فالكذب حرام إال بعارض ودل على إباحة الصدق فالصدق 

حالل إال بعارض وكما أنه يجوز لنا

Page 153: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

153      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

ع أو لم يرد ونقول إنه أن نقول في زيد إنه موجود فكذلك في حق اهللا تعالى ورد به الشر

قديم وإن قدرنا أن الشرع لم يرد به وكما أنا ال نقول لزيد إنه طويل أشقر ألن ذلك ربما يبلغ 

زيدا فيكرهه ألن فيه إيهام نقص فكذلك ال نقول في حق اهللا سبحانه وتعالى ما يوهم نقصا 

ل الذي أباح الصدق البتة فأما ما ال يوهم نقصا أو يدل على مدح فذلك مطلق ومباح بالدلي

مع السالمة عن العوارض المحرمة

ولذلك قد يمنع من إطالق لفظ فإذا قرن به قرينة جوزناه فال يجوز أن يقال هللا سبحانه 

وتعالى يا زارع يا حارث ويجوز أن يقال من وطئ فأمنى فليس هو الحارث وإنما اهللا تعالى 

ما اهللا هو الزارع ومن رمى فليس هو وتقدس هو الحارث ومن بث البذر فليس هو الزارع إن

 سورة 8الرامي وإنما اهللا هو الرامي كما قال تعالى وما رميت إذ رميت ولكن اهللا رمى 

 وال نقول هللا سبحانه وتعالى يا مذل ونقول يا معز يا مذل فإنه إذا جمع 17األنفال اآلية 

بينهما كان وصف المدح إذ يدل على أن طرفي األمور بيديه

 في الدعاء ندعو اهللا سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى كما أمرنا به وإذا جاوزنا وكذلك

األسامي دعوناه بصفات المدح والجالل فال نقول يا موجود يا محرك يا مسكن بل نقول يا 

مقيل العثرات يا منزل البركات يا ميسر كل عسير وما يجري مجراه كما أنا إذا نادينا إنسانا 

باسمه أو بصفة من صفات المدح كما نقول يا شريف يا فقيه وال نقول يا فإما أن نناديه 

طويل يا أبيض إال إذا قصدنا االستحقار وأما إذا استخبرنا عن صفاته أخبرنا بأنه أبيض اللون 

أسود الشعر وال يذكر ما يكرهه إذا بلغه وإن كان صدقا لعارض الكراهة وإنما يكره ما يقدر 

فيه نقصا

Page 154: الغزالي - المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

154      أبو حامدمحمد بن محمد الغزالي­لمقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهللا الحسنى

إذا استخبرنا عن محرك األشياء ومسكنها ومسودها ومبيضها قلنا هو اهللا سبحانه فكذلك 

وتعالى وال نتوقف في نسبة األفعال واألوصاف إليه إلى إذن وارد فيه على الخصوص بل 

اإلذن قد ورد شرعا في الصدق إال ما يستثنى عنه بعارض واهللا تعالى هو الموجود والموجد 

 والمشقي والمبقي والمفني وكل ذلك يجوز إطالقه وإن لم والمظهر والمخفي والمسعد

يرد فيه توقيف

فإن قيل فلم ال يجوز أن يقال له العارف والعاقل والفطن والذكي وما يجري مجراه

قلنا إنما المانع من هذا وأمثاله ما فيه من إيهامات وما فيه إيهام ال يجوز إال باإلذن كالصبور 

إيهاما ولكن اإلذن قد ورد به وأما هذا فلم يرد به اإلذن واإليهام فيه والحليم والرحيم فإن فيه 

أن العاقل هو الذي له معرفة تعقله أي تمنعه إذ يقال عقله عقله والفطنة والذكاء يشعران 

بسرعة اإلدراك لما غاب عن المدرك والمعرفة قد تشعر بسبق نكرة فال يمنع عن إطالق 

ن حقق لفظ ال يوهم أصال بين المتفاهمين ولم يرد شيء منه إال شيء مما ذكرناه فإ

الشرع بالمنع منه فإنا نجوز إطالقه قطعا واهللا أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب

com.mostafa-al.www